فاشترينا رَأْسا ومشينا بِهِ قَلِيلا فلحقنا رَفِيق التركماني وَقَالَ ردوا الرَّأْس وخذوا أَصْغَر مِنْهُ فَإِن هَذَا مَا عرف يبيعكم لِأَن هَذَا الرَّأْس وامضوا بِهِ وَأَنا أَقف مَعَه وأرضيه فَلَمَّا ابعدنا قَلِيلا تَركه الشَّيْخ ولحقنا وَبَقِي التركماني يمشى ويصيح بِهِ وَهُوَ لَا يلْتَفت عَلَيْهِ فَلَمَّا لم يكلمهُ لحقه وجذب يَده الْيُسْرَى بغيظ وَقَالَ ابْن تروح وتخليني فَإِذا بيد الشَّيْخ قد انخلعت من كتفه وَبقيت فِي يَد التركماني وَالدَّم يجرى فبهت التركماني وَرمى الْيَد وَخَافَ فَرجع الشَّيْخ وَأخذ تِلْكَ الْيَد بِيَدِهِ الْيُمْنَى ولحقنا وبقى التركماني رَاجعا وَهُوَ يلْتَفت إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ عَنهُ فَلَمَّا وصل إِلَيْنَا رَأينَا فِي يَده منديلا لَا غير قَالَ شمس الدّين ابْن خلكان ويحكى عَنهُ من هَذَا كثير وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب وتلقب بالمؤيد بالملوكت وَكَانَ يتهم بانحلال العقيدة وَرَأى الحكاء قَالَ سيف الدّين الْآمِدِيّ اجْتمعت بِهِ فِي حلب فَقَالَ لي لَا بُد أَن اتملك فَقلت من أَيْن لَك هَذَا قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي شربت الْبَحْر وَلَا بُد أَن أملك الأَرْض فَقلت لَهُ لَعَلَّ هَذَا يكون اشتهار الْعلم وَمَا يُنَاسب هَذَا فرأيته لَا يرجع عَمَّا فِي نَفسه ورأيته كثير الْعلم قَلِيل الْعقل وَدخل إِلَى حلب وَاجْتمعَ بِالظَّاهِرِ غازى ابْن صَلَاح الدّين واستماله واراه أَشْيَاء فَارْتَبَطَ عَلَيْهِ فَبلغ الْخَبَر صَلَاح الدّين فَكتب إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بقتْله وصمم عَلَيْهِ فاعتقله فِي قلعة حلب فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة سلخ ذِي الْحجَّة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية أَخْرجُوهُ مَيتا من الْحَبْس فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه وَقيل صلب أَيَّامًا وَلما تحقق الْقَتْل كَانَ كثيرا مَا ينشد
(أرى قدمى أراق دمي ... وَهَان دمي فها ندمي)
وَهَذَا من قَول أبي الْفَتْح البستي
(إِلَى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي)
(فَلم أَنْفك من نَدم ... وَلَيْسَ بنافعي ندمي)
وَمن نظمه فِي مَادَّة قَول ابْن سينا فِي النَّفس)
(خلعت هياكلها بجرعاء الْحمى ... وصبت لمغناها الْقَدِيم تشوقا)
(وتلفتت نَحْو الديار فشاقها ... ربع عفت اطلاله فتمزقا)
(وقفت تسايله فَرد جوابها ... رَجَعَ الصدى أَن لَا سَبِيل إِلَى البقا)
(فَكَأَنَّهَا برقٌ تألق بالحمى ... ثمَّ انطوى فَكَأَنَّهُ مَا ابرقا)
قلت وَبَينهمَا فرق بعيد وبون لَان أَبْيَات الرئيس امتن أعذب وافصح وأطول وَمن تصانيفه التنقيحات فِي أصُول الْفِقْه والتلويحات وَهُوَ أَكثر مسايل من إشارات الرئيس والهياكل وَحِكْمَة الْإِشْرَاق وَالْحكمَة الغريبة فِي نمط رِسَالَة حَيّ بن يقظان ورسايل كَثِيرَة وادعية فِيهَا تمجيد وتقديس لله تَعَالَى وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي صَلَاحه وزندقته وَالَّذِي افتى بقتْله الشَّيْخَانِ زين الدّين ومجد الدّين ابْنا جهبل وَمن دعايه اللَّهُمَّ خلص لطيفي من هَذَا الْعَالم الكثيف قَالَ سبط ابْن الجوزى فِي الْمرْآة فَجَمعهُمْ لمناظرته يعْنى الظَّاهِر غازى جمع الْفُقَهَاء(2/237)
لمناظرة السهروردي فناظروه وَظهر عَلَيْهِم بعبارته فَقَالُوا أَنَّك قلت فِي بعض مصنفاتك أَن الله قَادر على أَن يخلق نَبيا وَهَذَا مُسْتَحِيل فَقَالَ لَهُم وَمَا وَجه استحالته فَإِن الْقَادِر هُوَ الَّذِي لَا يمْتَنع عَلَيْهِ شىء فتعصبوا عَلَيْهِ فحبسه الظَّاهِر وَجَرت بِسَبَبِهِ خطوب وشناعات وَكَانَ دنى الهمة زرى الْخلقَة دنس الثِّيَاب وسخ الْبدن لَا يغسل لَهُ ثوبا وَلَا جسما وَلَا يدا من زهومة وَلَا يقص ظفرا وَلَا شعرًا وَكَانَ الْقمل يَتَنَاثَر على وَجهه وَيسْعَى على ثِيَابه وكل من رَآهُ يهرب مِنْهُ وَهَذِه الْأَشْيَاء تنافى الْحِكْمَة وَالْعقل وَالشَّرْع انْتهى وَأورد لَهُ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان قصيدة حائية أَولهَا
(أبدا تحن إِلَيْكُم الْأَرْوَاح ... ووصالكم ريحانها والراح)
(وَقُلُوب أهل ودادكم تشتاقكم ... والى لذيذ لقايكم ترتاح)
(وَا رحمتا للعاشقين تحملوا ... ستر الْمحبَّة والهوى فضاح)
(بالسر إِن باحوا تُبَاح دِمَاؤُهُمْ ... وَكَذَا دِمَاء البايحين تُبَاح)
(وَإِذا هم كتموا تحدث عَنْهُم ... عِنْد الوشاة المدمع السفاح)
(وبدت شَوَاهِد للسقام عَلَيْهِم ... فِيهَا لمشكل أَمرهم أيضاح)
(خفض الْجنَاح لكم وَلَيْسَ عَلَيْكُم ... للصب فِي خفض الْجنَاح جنَاح)
(فَإلَى لقاكم نَفسه مرتاحة ... والى رضاكم طرفه طماح)
)
(عودوا بِنور الْوَصْل من غسق الجفا ... فالهجر ليل والوصال صباح)
(صافاهم فصفوا لَهُ فقلوبهم ... فِي نورها الْمشكاة والمصباح)
(وتمتعوا فالوقت طَابَ بقربهم ... راق الشَّرَاب ورقت الأقداح)
(يَا صَاح لَيْسَ على الْمُحب ملامة ... أَن لَاحَ ف أفق الْوِصَال صباح)
(لَا ذَنْب للعشاق أَن غلب الْهوى ... كتمانهم فنمى الغرام وباحوا)
(سمحوا بِأَنْفسِهِم وَمَا بخلوا بهَا ... لما دروا أَن السماح رَبَاح)
(ودعاهم داعى الحقايق دَعْوَة ... فَغَدوْا بهَا متأنسين وراحوا)
(ركبُوا على سفن الوفا فدموعهم ... بَحر وَشدَّة شوقهم ملاح)
(وَالله مَا طلبُوا الْوُقُوف بِبَابِهِ ... حَتَّى دعوا واتاهم الْمِفْتَاح)
(لَا يطربون لغير ذكر حبيبهم ... أبدا فَكل زمانهم افراح)
(حَضَرُوا وَقد غَابَتْ شَوَاهِد ذاتهم ... فتهتكوا لما رَأَوْهُ وصاحوا)
(أفناهم عَنْهُم وَقد كشفت لَهُم ... حجب البقا فتلاشت الْأَرْوَاح)
(فتشبهوا أَن لم تَكُونُوا مثلهم ... أَن التَّشَبُّه بالكرام فلاح)
(قُم يَا نديم إِلَى المدام فهاتها ... فِي كأسها قد دارت الأقداح)(2/238)
(من كرم إكرام بدن ديانَة ... لَا خمرة قد داسها الْفَلاح)
وَمن كَلَامه وَقد سَمَّاهُ وَارِد التَّقْدِيس الْأَعْلَى لكل يَوْم تعاليت مَوْلَانَا مِنْك السَّلَام وَإِلَيْك السَّلَام أَنْت وَاجِب الْوُجُود الْوَاحِد من جَمِيع الْوُجُوه لَا وَاجِب فِي الْوُجُود غَيْرك أَنْت إِلَه الْآلهَة لَا إِلَه للْعَالمين سواك توحدت بالمجد الأرفع والسناء الْأَعْظَم واللاهوت الْأَكْبَر والنور الأقهر والجلال الْأَعْلَى والكمال الأتم والجود الْأَعَمّ وَالْخَيْر الأبسط والبهاء الْأَشْرَف والضياء الْأَظْهر والكبرياء الْأَقْوَى والطول الْأَفْضَل وَالْملك الأوسع وَالْجمال الأبهى واللقاء الأكرام والجبروت الْمُقَدّس والملكوت الطَّاهِر سُبْحَانَكَ مبدع الْكل أول الأوايل مبدأ المبادئ موجد جَمِيع الماهيات مظهر كل الهويات مسبب الْأَسْبَاب رب الأرباب فعال العجايب وَمَا هُوَ اعْجَبْ من العجايب متقن اللطايف وَمَا هُوَ الطف من اللطايف آلَة الْعُقُول الفعالة والذوات الْمُجَرَّدَة عَن الْموَاد والأمكنة والجهات الَّتِي هِيَ الْأَنْوَار الْقَاهِرَة الْمُفَارقَة من جَمِيع الْوُجُوه وهم الكاملون الأقربون وَآلَة النُّفُوس الناطقة الْبَريَّة عَن حُلُول الْمَكَان والانطباع فِي الْأَجْسَام الْمُدبرَة للإجرام لَا)
بالاتصال والمماسة المستفيدة من الْعَالم العقلى مِنْك مبدأها وَإِلَيْك مُنْتَهَاهَا وَآلَة المحدد الْأَعْلَى سَمَاء السَّمَوَات مُنْتَهى الإشارات وَجَمِيع الْأَشْيَاء الشَّرِيفَة الْكَرِيمَة الفلكية ممتنعة الْخرق وَالْفساد واضوايها النيرة الرفيعة وَآلَة جَمِيع العنصريات بسايطها ومركباتها تَبَارَكت اللَّهُمَّ يَا حَيّ يَا قيوم يَا سبوح يَا قدوس يَا رب الْمَلأ الْأَعْلَى يَا نور النُّور يَا صانع السرمد مِنْك الْأَزَل وَبِك الْأَبَد أَنْت موجد كل مَا اتّصف بعرضية أَو جوهرية أَو كَثْرَة أَو وحدة أَو علية أَو معلولية وَإِلَيْك نِهَايَة الرغبات غرقت ذَوَات القديسين فِي أبحر انوارك رَأْيك عيونهم بشعاع ذاتك الغاشي المغرق وَمَا رأتك بإحاطة أَنَّك أَنْت المتعالي القاهر لجَمِيع الآنيات بنورك الَّذِي لَا يتناهى وَلَا يقهرك شىء من الْأَشْيَاء لَا يتَّصل بك شىء احْتَجَبت بِشدَّة ظهورك وَكَمَال نورك لَيْسَ لعبيدك الْأَنْوَار القاهرين الْأَقْرَبين اللاهوتين المجردين عَن الْعُيُون والمواد ضد وَلَا ممانع وَلَا زَوَال وَلَا فنَاء وَلَا يقدر الْبشر أَن يحْمَدُوا أَو يمدحوا أقلهم مرتبَة على مَا يَلِيق بِكَمَالِهِ فَكيف نحمد ونحصى ثَنَاء على من غرق فِي نور قهره وانطمس فِي بِنَاء مجده اعظم طبقَة عجز الواصفون عَن وصف أصغرها مرتبَة كفرت بِمن زعم أَن لَك كيقية أَو كمية أَو أَيّنَا أَو وضعا أَو حجما أَو عرضا من الْأَعْرَاض أَو وَصفا من الْأَوْصَاف إِلَّا لضَرُورَة الْعبارَة والتفهيم أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ نور الْأَنْوَار الْمَحْمُود بالسلب لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك اشتاقت الذوات الطاهات إِلَيْك وخضعت رِقَاب الموجودات بَين يَديك وتوكلت النُّفُوس الزاكيات عَلَيْك أَنْت فَوق مَا لَا يتناهى أَسأَلك أَن تفيض على أنوارك وتكلمني بِمَعْرِِفَة أسرارك الشَّرِيفَة وَأَن تودني بِالنورِ وتعصمني بِالنورِ وتحشرني إِلَى النُّور واسألك الشوق إِلَى لقايك والانغماس فِي تَأمل كبريايك انصر اللَّهُمَّ أهل النُّور والاشراق وَبَارك فيهم وقدسهم وإيانا إِلَى أَبَد الآبدين ودهر الداهرين تمت
ابْن حبيب التنوخي مُحَمَّد بن حبيب التنوخي قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج شاع حاذق فِي المقطعات عَاجز عَن التَّطْوِيل قطعه كالنار فِي أَي معنى قصد على لوثة فِيهِ قَالَ ابْن رَشِيق سُئِلت فِي خَاتم فبعثته وكتبت مَعَه(2/239)
(لَا بَأْس فِيمَا رأى السماح ... أَن يُوهب الْخَاتم السِّلَاح)
(لم يلا يُبِيح الْأَنَام شَيْئا ... تَصْحِيف معكوسه مُبَاح)
فَقَالَ ابْن حبيب بئس وَجه الطَّيرَة بالخاتم وصنع)
(من عَادَة الْخَاتم اعطاؤه ... للمرسل الذَّاهِب والذاهيه)
(فَمن هُنَا خيفت مهاداته ... لفرقة الصاحب والصاحبه)
واستدعى المناقضة ثِقَة بقوله فصنعت
(يَا ابْن حبيب أَنْت فِي غَفلَة ... وَلم تجئ بِالْحجَّةِ الغالبه)
(لَا يدْفع الْإِنْسَان خيتامه ... إِلَّا ليقضي حَاجَة غايبه)
(فاغطه من شِئْت تظفر بِهِ ... فَإِن فِيهِ حسن العاقبه)
قَالَ وَكَانَ قد علق غُلَاما فَكلما زَارَهُ لم يُوَافقهُ وَإِذا حضر لم يزره وَكثر ذَلِك مِنْهُمَا فَقَالَ بِاللَّه تَعَالَى نصْنَع فِي هَذَا الْفَصْل بديهة فصنعت أَنا
(مَا بالنا نجفى فَلَا نوصل ... إِلَّا خلافًا مثل مَا نَفْعل)
(تَأتي إِذا غبنا فَإِن لم نغب ... جعلت لَا تأي وَلَا تسْأَل)
(كهاجر أحبابه زاير ... اطلالهم من بعد أَن يرحلوا)
وصنع ابْن حبيب
(يَا تَارِكًا أَن لم اعب زورتي ... وزايري رَأيا إِذا غبت)
(وددت أَن ودك لاينثنى ... يزور فقداني لَو مت)
فحاكمني إِلَى بعض علما ينا فَقضى لَهُ وَأَنا أرى أَنِّي قد ظلمت فَلَمَّا رجعت إِلَى النّظر وجدت كَلَام صاحبنا أوجز قلت احسن من قوليهما قَول الآخر
(كأننا فِي فلك داير ... فَأَنت تخفى وَأَنا اظهر)
قَالَ وَكَانَ كثيرا مَا يجالسنا غُلَام مليح ذُو خَال تَحت لحيه فَنظر مُحَمَّد يَوْمًا وَأَشَارَ إِلَى الْخَال ثمَّ اطرق سَاعَة ففهمت عَنهُ أَنه يصنع شَيْئا فصنعت بَيْتَيْنِ وَأَمْسَكت عَنْهُمَا خوف الْوُقُوع دونه فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ اسْمَع وَأنْشد
(يَقُولُونَ لم من تَحت صفحة خَدّه ... تنزل خَال كَانَ منزله الخد)
(فَقلت رأى بهو الْجمال فهابه ... فحط خضوعا مِثْلَمَا خضع العَبْد)
فَقلت أَحْسَنت أحسن الله إِلَيْك وَلَكِن اسْمَع قَالَ وصنعت شَيْئا قلت نعم وأنشدته
(حبذا الْخَال كاينا مِنْهُ بَين ال ... جيد والخد رَقَبَة وحذارا)
(رام تقبيله اختلاسا وَلَكِن ... خَافَ من لحظ طرفه فتوارى)(2/240)
)
فَقَالَ فضحتنى قطع الله لسَانك وَاشْتَدَّ ضجره وادرد لَهُ
(ملكت لضيق معرفتي زَمَانا ... إِلَى أَن كَانَ لي فِي الدَّهْر سر)
(فصرت مكَاتبا بالحجب عَنهُ ... إِذا احكمت فضلا مر شهر)
(فَلم اعجز فصرت مليك امرى ... وَمن وفى الْكِتَابَة فَهُوَ حر)
وَأورد لَهُ وقايع جرت مِنْهُ تدل على مَا كَانَ فِيهِ من اللوثة
ابْن حبيب الأخباري مُحَمَّد بن حبيب أَبُو جَعْفَر صَاحب كتاب المحبر اخباري صَدُوق وَاسع الرِّوَايَة عَارِف بأيام النَّاس وَهُوَ ابْن ملاعنة نسب إِلَى أمه توفّي سنة خمسين وماتين وَكتبه صَحِيحَة وروى كتب قطرب وَابْن الْكَلْبِيّ وَابْن الْأَعرَابِي وَله كتاب الْمُوشى وَغير ذَلِك قَالَ أَبُو الْحسن ابْن أبي رُؤْيَة عبرت إِلَى ابْن حبيب فِي مكتبه وَكَانَ يعلم ولد الْعَبَّاس بن مُحَمَّد فِي شكوك شَككت فِيهَا وروى مُحَمَّد بن مُوسَى الْبَرْبَرِي عَن ابْن حبيب قَالَ إِذا قلت للرجل مَا صناعتك فَقَالَ معلم فاصفع وَأنْشد ابْن حبيب
(أَن الْمعلم لَا يزَال معدما ... لَو كَانَ علم آدم الْأَسْمَاء)
(من علم الصّبيان صبوا عقله ... حَتَّى بنى الْخُلَفَاء وَالْخُلَفَاء)
قَالَ المرزباني وَكَانَ مُحَمَّد بن حبيب يُغير على كتب النَّاس فيدعيها وَيسْقط أَسْمَاءَهُم فَمن ذَلِك الْكتاب الَّذِي أَلفه اسمعيل بن أبي عبيد الله وَاسم أبي عبيد الله معوية وكنيته هِيَ الْغَالِبَة على اسْمه فَلم يذكرهَا لِئَلَّا يعرف وابتدأ فساق كتاب الرجل من أَوله إِلَى آخِره وَلم يُغير فِيهِ حرفا وَلَا زَاد فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد ابْن اسحق وَلابْن حبيب من الْكتب كتاب النّسَب المنمق وَهُوَ الْأَمْثَال على افْعَل السُّعُود والعمود العماير والرباع الموشح الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء القبايل غَرِيب الحَدِيث والأنواء المشجر من استجيبت دَعوته الْمُهَذّب فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء وطبقاتهم نقايض جرير وَعمر بن لَجأ نقايض جرير والفرزدق المفوف تَارِيخ الْخُلَفَاء من سمى بِبَيْت قَالَه مقَاتل الفرسان الشُّعَرَاء وأنسابهم كتاب الْعقل كنى الشُّعَرَاء السمات أَيَّام جرير الَّتِي ذكرهَا فِي شعره أُمَّهَات أَعْيَان بني عبد الْمطلب أُمَّهَات السَّبْعَة من قُرَيْش الْخَيل النَّبَات القاب القبايل المقتبس الْأَرْحَام الَّتِي بَين النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه سوى الْعصبَة ألقاب الْيمن ومصر وَرَبِيعَة القبايل الْكَبِيرَة وَالْأَيَّام جمعه لِلْفَتْحِ بن خاقَان وَجمع للْعَرَب عدَّة دواوين)(2/241)
الأبرش الْحِمصِي مُحَمَّد بن حَرْب الْخَولَانِيّ الأبرش الْحِمصِي كَاتب الزبيدِيّ أَبُو عبد الله قيل أَنه ولى قَضَاء دمشق وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره وروى عَنهُ الْجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وماية
مُحَمَّد بن حَرْب بن عبد الله النَّحْوِيّ الْحلَبِي أَبُو المرجا أحد أَعْيَان حلب الْمَشْهُورين بِعلم الْأَدَب توفّي سنة ثَمَانِينَ وَخمْس ماية أَو مَا يُقَارب ذَلِك قَالَ رَأَيْت فِي النّوم إنْسَانا ينشدني هَذَا الْبَيْت
(اروم عطا الْأَيَّام والدهر مهلكي ... ممر لَهَا والدهر وَهِي عطاها)
فأجزته بِأَبْيَات
(أيا طَالب الدُّنْيَا الدنية أَنَّهَا ... سترديك يَوْمًا أَن عَلَوْت مطاها)
(صن النَّفس لَا تركن إِلَيْهَا فَإِن ابت ... فردد عَلَيْهَا آي آخر طه)
(ودع رَوْضَة الآمال والحرص أَنه ... إِذا ردع النَّفس الْهدى بسطاها)
(فَلَا بُد يَوْمًا أَن تلم ملمة ... فتنشط منا عقدَة نشطاها)
وَقَالَ فِي الزَّمَان
(وَلما فضضت الْخَتْم عَنْهُن لَاحَ لي ... فصوص عقيق فِي بيُوت من التبر)
(وذر وَلَكِن لم يدنسه غايص ... وَمَاء وَلَكِن فِي محازن من حمر)
وَقَالَ أَيْضا
(لما بدا ليل عارضيه لنا ... يحْكى سطوراً كتبن بالمسك)
(تلى علينا العذار سُورَة وَال ... ليل وغنى لنا قفا نبك)(2/242)
وَله أَيْضا
(تجلى لنا شمعة تشابهني ... وقداً ولوناً وادمعاً وفنا)
قلت شعر جيد وَله أرجوزة فِي مخارج الْحُرُوف مُحَمَّد بن حَرْب بن خربَان أَبُو عبد الله الوَاسِطِيّ النشائي وَقيل النشاستجى روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد قَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق توفّي سنة خمس وَخمسين وماتين
التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ مُحَمَّد بن الْحَرْث التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ من عبد شمس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان مأموني يَقُول)
(كَأَن طرف الْمُحب حِين يرى ... حَبِيبه خنجر على كبده)
(قد يكره الشىء وَهُوَ مَنْفَعَة ... ويطرف الْمَرْء عينه بِيَدِهِ)
العبشمي والى مصر مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة العبشمى أَبُو الْقسم قَتله شيعَة عُثْمَان بفلسطين سنة ثَمَان وثلثين لِلْهِجْرَةِ وَكَانَ أَبوهُ أَبُو حُذَيْفَة قد اسْتشْهد يَوْم الْيَمَامَة وَكَانَ ابْنه مُحَمَّد صَغِيرا فَكَفَلَهُ عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ واحسن كفَالَته ورباه واجمل تَرْبِيَته فَلَمَّا ترعرع سَأَلَ عُثْمَان أَن يوليه ولَايَة فَأبى فتنسك وَتعبد وَقيل أَنه خرج إِلَى مصر وَبهَا عبد الله بن سعد بن أبي سرح عَامل عُثْمَان فوفد عبد الله بن سعد على عُثْمَان فانتزى مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة على مصر وَأَخذهَا فَلَمَّا عَاد ابْن سعد إِلَيْهَا مَنعه من دُخُولهَا فَرجع ابْن سعد إِلَى عسقلان وَأقَام بهَا وَأقَام ابْن أبي حُذَيْفَة على مصر حَتَّى ولى على عَلَيْهِ السَّلَام على مصر قيس بن سعد وعزل عَنْهَا ابْن أبي حُذَيْفَة فَخرج إِلَى الشَّام فَقتله مولى لعُثْمَان وَقَالَ هِشَام بن الْكَلْبِيّ اسْتَأْذن مُحَمَّد عُثْمَان فِي غَزْو الْبَحْر فَأذن لَهُ وَخرج إِلَى مصر فَلَمَّا رأى النَّاس وزهده وعبادته اعظموه واطاعوه وَكَانَ جهورى الصَّوْت فَكبر يَوْمًا خلف ابْن سعد تَكْبِيرَة أفزعته فشتمه ابْن سعد وَقَالَ أَنْت حدث أَحمَق وَلَوْلَا ذَلِك قاربت بَين خطاك وَكَانَ ابْن أبي حُذَيْفَة وَابْن أبي بكر يعيبان على عُثْمَان تَوليته ابْن سعد ويؤلبان عَلَيْهِ فَكتب ابْن سعد إِلَى عُثْمَان أخبرهُ فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان أما ابْن أبي بكر فيوهب لِأَبِيهِ ولعايشة وَأما ابْن أبي حُذَيْفَة فابنى وتربيتي وَهُوَ فرخ قُرَيْش فَكتب ابْن سعد أَن هَذَا الفرخ قد نبت ريشه وَمَا بقى إِلَّا أَن يطير فَبعث عُثْمَان إِلَى ابْن أبي حُذَيْفَة بثلثين ألفا وَكِسْوَة فَجمع مُحَمَّد المصريين ووصع المَال فِي الْمَسْجِد وَقَالَ أَن عُثْمَان يُرِيد أَن يخدعني ويرشوني عل ديني وفرقه فِيهِ فازداد فِي عُيُون الْقَوْم وازدادوا طغيانا على عُثْمَان فَاجْتمعُوا وَبَايَعُوا مُحَمَّدًا على رياستهم فَلم(2/243)
يزل يؤلبهم على عُثْمَان حَتَّى سَارُوا إِلَيْهِ وقتلوه وَقَالَ غَيره قدم معوية مصر سنة ثلثين وَنزل عل عين شمس وَكتب إِلَى مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة يخدعه وَيَقُول أَنا لَا نُرِيد قتال أحد من الْمُسلمين وَأَنا جِئْنَا نطلب الْقود لعثمن فادفعوا إِلَيْنَا قاتليه ابْن عديس وكنانة بن بشر فهما رَأْسا الْقَوْم فَقَالَ ابْن أبي حُذَيْفَة أَنِّي لم أكن لاقيد بعثمان حَدثا فَقَالَ معوية اجعلوا بَيْننَا وَبَيْنكُم اجلا حَتَّى يجْتَمع النَّاس على أَمَام وارهنوا عندنَا رهنا فَأَجَابَهُ مُحَمَّد إِلَى ذَلِك واستخلف على مصر وَخرج مَعَ الرَّهْن فِي هَذَا الْعَهْد إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزلُوا بلد سجنهم معوية وَقيل سجن ابْن أبي حُذَيْفَة بِدِمَشْق وَابْن عديس ببعلبك فهرب ابْن)
أبي حُذَيْفَة وَمَا كَانَ معوية يخْتَار قَتله وَكَانَ يود هروبه أرسل خَلفه عبد الله بن عَمْرو الْخَثْعَمِي وَكَانَ عثمانيا فَوَجَدَهُ قد دخل غارا فَدخل خَلفه وَقَتله مَخَافَة أَن يُطلقهُ معوية وعَلى الْجُمْلَة فَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفيَّة قَتله
السَّمْتِي مُحَمَّد بن حسان السَّمْتِي البغداني روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو بكر ابْن أبي الدُّنْيَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة يحدث عَن الضُّعَفَاء توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وماتين
الْأَزْرَق مُحَمَّد بن حسان الْأَزْرَق الشَّيْبَانِيّ الوَاسِطِيّ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وروى عَنهُ التِّرْمِذِيّ توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وماتين
الْمُهَذّب الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن حسان بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْخضر الْمُهَذّب أَبُو طَالب الدِّمَشْقِي المولد الْيُمْنَى الأَصْل قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب زارني فِي الْمدرسَة الَّتِي ادرس بهَا فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس ماية وأنشدني لنَفسِهِ
(اظبى تجرد من عُيُون ظباء ... يَوْم الأبيزق تَحت ظلّ خباء)
(أم أَسد خيس أبرزت لطعاننا ... ورماحهن لواحظ الاطلاء)
(علقت اسنتهن فِي علق النهى ... منا فَلم تخرج بِغَيْر دِمَاء)
(وهززن اعطاف الغصون يشقنتا ... بل سقننا بازمة البرحاء)
(والركب بَين أثيل منعرج اللوى ... والجزع مزور إِلَى الزَّوْرَاء)
(تخفى هوادجه البدور وقلما ... تخفى بدور التم فِي الظلماء)
(ويلحن من خلل البراقع مثل مَا ... فِي الدجى لاحت غرَّة ابْن ذكاء)
(بَين الحواجب والعيون مصَارِع ال ... عشاق لَا فِي ملتقى الْأَعْدَاء)
(وقدود أَغْصَان الحدوج كَأَنَّهَا ... الالفات فَوق صحايف الْبَيْدَاء)(2/244)
(من كل هيفاء القوام مزيلة ... باللحظ مِنْهَا عقل قلب الراءى)
(تملى أَحَادِيث الجوى بجفونها ... سرا وتشكو الشوق بالايحاء)
(وَحَدِيث ابناء الغرام بحاجب ... أَو نَاظر من خشيَة الرقباء)
(واها لقتلي عشق كل مذيبة ... بالصد قلب الصَّخْرَة الصماء)
(قتلوا بأسياف الْعُيُون وضايع ... دم من يُطَالب مقلة الْحِنَّاء)
(وَإِذا الْهوى سلت صوارمه على ... قلب فصاحبه من الشُّهَدَاء)
)
(ومهفهف نضر الصَّبِي ثنت الصِّبَا ... مِنْهُ كقد الصعدة السمراء)
(متلثم بالْحسنِ خشيَة نَاظر ... يدميه مِنْهُ بصارم الأنحاء)
(قمر مَنَازِله الْقُلُوب وشرقه ... فلك الْجُيُوب وغربه احشاءى)
(سقت الملاحة ورد رَوْضَة خَدّه ... طل الحيا وسلافة الصَّهْبَاء)
قلت شعر متوسط
مُحَمَّد بن حسان النملي يكنى أَبَا حسان أحد الْكتاب ولأدباء وَكَانَ فِي أَيَّام المتَوَكل وَله مَعَه حَدِيث وَله كتاب برمان وحباحب وَهُوَ كَبِير فِي أَخْبَار النِّسَاء وَالْبَاء كتاب آخر صَغِير فِي هَذَا الْمَعْنى كتاب الْبغاء كتاب السحق كتاب خطاب المكارى لجارية الْبَقَّال
مُحَمَّد بن حسان الضَّبِّيّ أَبُو عبد الله كَانَ نحويا فَاضلا وأديبا شَاعِرًا وَكَانَ يودب الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون وَغَيره من وَلَده فماتوا فَقَالَ يرثيهم
(خل دمع الْعين ينهمل ... بَان من اهواه فاحتملوا)
(كل دمع صانه كلف ... فَهُوَ يَوْم الْبَين مبتذل)
(يَا إخلائي الَّذين نات ... بهم الطيات وانتقلوا)
(قد أَبى أَن ينثنى بكم ... أوبة يحيى بهَا الأمل)
وولاه الْمَأْمُون مظالم الجزيرة وقنسرين والعواصم والثغور سنة خمس عشرَة وماتين ثمَّ زَاده بعد ذَلِك مظالم الْموصل وأرمينية وولاه المعتصم مظالم الرقة واقره الواثق عَلَيْهَا واورد لَهُ المرزباني(2/245)
(فَفِيمَ اجن الصَّبْر والبين حَاضر ... وامنع تذراف الدُّمُوع السواكب)
(وَقد فرقت جمع الْهوى طبية النَّوَى ... وغودرت فَردا شَاهدا مثل غايب)
قلت شعر جيد(2/246)
3 - (ابْن الْحسن)
مُحَمَّد بن الْحسن الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن الْحسن بن فرقد الشَّيْبَانِيّ بِالْوَلَاءِ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ أَصله من قَرْيَة حرستا فِي غوطة دمشق قدم أَبوهُ إِلَى وَاسِط وَأقَام بهَا فَجَاءَهُ مُحَمَّد وَنَشَأ بِالْكُوفَةِ وَطلب الحَدِيث ولقى جمَاعَة من الأيمة سمع أَبَا حنيفَة وَأخذ عَنهُ بعض كتب الْفِقْه وَسمع مسعرا وَمَالك بن مغول وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك بن أنس وَلزِمَ القَاضِي أَبَا يُوسُف وتفقه بِهِ أَخذ عَنهُ أَبُو عبيد وَهِشَام بن عبيد الله وعَلى بن مُسلم الطوسى وَعمر بن أبي عمر الْحَرَّانِي وَأحمد بن حَفْص البُخَارِيّ وَخلق سواهُم وَقد افرد لَهُ الشَّيْخ شمس الدّين تَرْجَمَة فِي جُزْء نظر فِي الرأى وَغلب عَلَيْهِ وَسكن بَغْدَاد وَاخْتلف النَّاس إِلَيْهِ ولاه الرشيد الْقَضَاء بعد أبي يُوسُف وَكَانَ إِمَامًا مُجْتَهدا من الأذكياء الفصحاء قَالَ الشَّافِعِي لَو أَشَاء أَن أَقُول نزل الْقُرْآن بلغَة مُحَمَّد بن الْحسن لَقلت لفصاحته وَقد حملت عَنهُ وقر بخْتِي كتبا وَقَالَ مَا نظرت سمينا أذكى من مُحَمَّد وناظرته مرّة فاشتدت مناظرتي لَهُ فَجعلت أوداجه تنتفخ وأزراره تتقطع زراً زراً احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا يسْتَحق عِنْدِي التّرْك وَقَالَ النَّسَائِيّ حَدِيثه ضَعِيف يعْنى من قبل حفظه قَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن أبي رَجَاء سَمِعت أبي يَقُول رَأَيْت مُحَمَّدًا فِي النّوم فَقلت إلام صرت فَقَالَ غفر لي قلت بِمَ قَالَ قيل لي لم نجْعَل هَذَا الْعلم فِيك إِلَّا وَنحن نغفر لَك وصنف الْكتب الْكَثِيرَة النادرة مها الْجَامِع الْكَبِير وَالْجَامِع الصَّغِير وَله فِي مصنفاته المسايل المشكلة خُصُوصا مَا يتَعَلَّق بِالْعَرَبِيَّةِ من ذَلِك قَالَ فِي الْجَامِع الْكَبِير إِذا قَالَ أَي عَبِيدِي ضربك فَهُوَ حر واي عَبِيدِي ضربت فَهُوَ حر من ضربه من العببيد تحرر وَإِذا ضرب العبيد كلهَا تحرر الأول مِنْهُم انْتهى قلت بِضَم الْيَاء فِي أَي الأولى وَفتحهَا فِي الثَّانِيَة وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَن الْفِعْل فِي الْمَسْأَلَة الأولى شايع وَالْفَاعِل مُتَّصِل بِهِ فشاع لذَلِك الْفَاعِل فَاقْتضى أَن من ضرب تحرر وَالْفِعْل فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَاقع على الْمَفْعُول وَالْمَفْعُول غير مُتَّصِل بِالْفِعْلِ اتِّصَال الْفَاعِل بِهِ فَاقْتضى ذَلِك التحصيص فَإِذا ضرب الْبعيد أَجْمَعِينَ تحرر الأول فَقَط وَقَالَ الشَّافِعِي مَا رَأَيْت أحدا يسْأَل عَن مَسْأَلَة فِيهَا نظر إِلَّا تبينت الْكَرَاهَة فِي وَجهه إِلَّا مُحَمَّد بن الْحسن وَذكر الشَّيْخ أَبُو اسحق فِي كتاب طَبَقَات الْفُقَهَاء أَن الشَّافِعِي كتب إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن وَقد طلب مِنْهُ كتبا لينسخها فتأخرت عَنهُ(2/247)
(قل لمن لم تَرَ عين ... نَا من رَآهُ مثله)
)
(وَمن كَأَن من رآ ... هـ قد رأى من قبله)
(الْعلم ينْهَى أَهله ... أَن يمنعوه أَهله)
(لَعَلَّه يبذله ... لأَهله لَعَلَّه)
وَتُوفِّي مُحَمَّد بن الْحسن هُوَ وَالْكسَائِيّ فِي يَوْم وَاحِد سنة تسع وَثَمَانِينَ وماية ومولده سنة خمس وثلثين وَقيل اثْنَتَيْنِ وثلثين وماية وَهُوَ ابْن خَالَة الْفراء النَّحْوِيّ وَكَانَ أَبوهُ جنديا مُوسِرًا قَالَ ترك أبي ثلثين ألف دِرْهَم فأنفقت خَمْسَة عشر ألفا على النَّحْو وَالشعر وَخَمْسَة عشر ألفا على الْفِقْه والْحَدِيث كَانَ أَبُو حنيفَة يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة الصَّبِي إِذا صلى الْعشَاء الْآخِرَة ثمَّ بلغ قبل طُلُوع الْفجْر وَمُحَمّد قايم فِي الْحلقَة وَهُوَ صبي فَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة لبَقَاء الْوَقْت فِي حَقه فَمضى مُحَمَّد واغتسل وَعَاد فَوقف مَكَانَهُ فادناه أَبُو حنيفَة وَقَالَ الزمنا فيوشك أَن يكون لَك شَأْن فَلَزِمَهُ وَأول قدومه الْعرَاق اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ يسمعُونَ كَلَامه ويستفتونه فَرفع خَبره إِلَى الرشيد وَقيل لَهُ أَن مَعَه كتاب الزندقة فَبعث بِمن كبسه وَحمل مَعَه كتبه فَأمر بتفتيشها قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فَخَشِيت على نَفسِي من كتاب الْحِيَل فَقَالَ لي الْكَاتِب مَا تَرْجَمَة هَذَا الْكتاب قلت كتاب الْخَيل فَرمى بِهِ وَلم يحملهُ قلت صحفه لِأَن كتاب الْحِيَل بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع حِيلَة فصحفه بِالْخَيْلِ بِفَتْح الْهَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فخلص مِمَّا أَرَادَ بِنُقْطَة وَاحِدَة
الرُّؤَاسِي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي سارة الرُّؤَاسِي أَبُو جَعْفَر سمى بذلك لِأَنَّهُ كَانَ كَبِير الرَّأْس وَكَانَ ينزل النّيل فَقيل لَهُ النيلي وَهُوَ ابْن أخي معَاذ الهراء وَهُوَ أول من وضع من الْكُوفِيّين كتابا فِي النَّحْو وَمَات فِي أَيَّام الرشيد وَهُوَ أستاذ الْكسَائي وَالْفراء وَكَانَ رجلا صَالحا وَقَالَ بعض الْخَلِيل إِلَى يطْلب كتاب فَبعثت بِهِ إِلَيْهِ فقرأه فَكل مَا فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ الْكُوفِي كَذَا فَإِنَّمَا عني بِهِ الرُّؤَاسِي هَذَا وَكتابه يُقَال لَهُ الفيصل وَقَالَ الْمبرد مَا عرف الرُّؤَاسِي بِالْبَصْرَةِ وَقد زعم بعض النَّاس أَنه صنف كتابا فِي النَّحْو فَدخل الْبَصْرَة ليعرضه على أَصْحَابنَا فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ أَو لم يَجْسُر على إِظْهَاره لما سمع كَلَامهم وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه زعم جمَاعَة من الْبَصرِيين أَن الْكُوفِي الَّذِي يذكرهُ الْأَخْفَش فِي آخر كتاب المسايل وَيرد عَلَيْهِ هُوَ الرُّؤَاسِي وَله كتاب مَعَاني الْقُرْآن كتاب التصغير كتاب الْوَقْف والابتداء الْكَبِير الْوَقْف والابتداء الصَّغِير وَكَانَت لَهُ امْرَأَة تزَوجهَا بِالْكُوفَةِ فِي أهل النّيل وشرطت عَلَيْهِ أَنَّهَا تلم بِأَهْلِهَا فِي كل مُدَّة فَكَانَت)
لَا تقيم عِنْده إِلَّا الْقَلِيل ثمَّ يحْتَاج إِلَى إخْرَاجهَا وردهَا فمل ذَلِك مِنْهَا وفارقها وَقَالَ(2/248)
(بَانَتْ لمن تهوى حمول ... فاسقت فِي أثر الحمول)
(ابتعتهم عينا عَليّ ... هم مَا تفيق من الهمول)
(ثمَّ ارعويت كَمَا ارعوى ... عَنْهَا المسايل للطلول)
(لاحت محايل خلفهَا ... وخلافها دون الْقبُول)
(ملت وأبدت جفوة ... لَا تركنن إِلَى ملول)
قلت شعر مَقْبُول
أَبُو بكر الْأَعْين مُحَمَّد بن الْحسن بن طريف أَبُو بكر الْأَعْين الْبَغْدَادِيّ كَانَ الإِمَام أَحْمد يثنى عَلَيْهِ وَيَقُول إِنِّي لأغبطه لقد مَاتَ وَلَا يعرف إِلَّا الحَدِيث وَلم يكن صَاحب كَلَام سمع سعيد بن أبي مَرْيَم وَغَيره روى عَنهُ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ وَغَيره وَكَانَ ثِقَة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وماتين
المصعبي مُحَمَّد بن الْحسن بن مُصعب نسيب اسحق بن إِبْرَاهِيم المصعبي أحد الأدباء الْعلمَاء بالألحان نَشأ بخراسان وَقدم الْعرَاق وَكَانَ اسحق بن إِبْرَاهِيم يُكرمهُ من بَين أَهله ويعظمه ولاسحق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي مَعَه أَخْبَار فِي أَمر الْغناء وَهُوَ القايل
(اعرضت عِنْد وداعنا لفراقكم ... وصددت سَاعَة لَا يكون صدود)
(يَا لَيْت شعرى هَل حفظت على النَّوَى ... عهدى وعهد أخي الْحفاظ شَدِيد)
الْحجَّة المنتظر مُحَمَّد بن الْحسن العسكري بن على الْهَادِي ابْن مُحَمَّد الْجواد بن عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم بن مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم الْحجَّة المنتظر ثَانِي شعر الأيمة الأثني عشر هُوَ الَّذِي تزْعم الشِّيعَة انه المنتظر القايم الْمهْدي وَهُوَ صَاحب السرداب عِنْدهم وأقاويلهم فِيهِ كَثِيرَة ينتظرون ظُهُوره آخر الزَّمَان من السرداب بسر من رأى وَلَهُم إِلَى حِين تَعْلِيق هَذَا التَّارِيخ أَربع ماية وَسَبْعَة وَسبعين سنة ينتظرونه وَلم يخرج ولد نصف شعْبَان سنة خمس وَخمسين(2/249)
وماتين والشيعة يَقُولُونَ أَنه دخل السرداب فِي دَار أَبِيه وَأمه تنظر إِلَيْهِ وَلم يخرج إِلَيْهَا وَذَلِكَ سنة خمس وَسِتِّينَ وماتين وعمره يَوْمئِذٍ تسع سِنِين وَذكر ابْن الْأَزْرَق فِي تَارِيخ ميافارقين انه ولد تَاسِع شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَخمسين وماتين وَقيل فِي ثامن شعْبَان سنة سِتّ وَخمسين وَهُوَ الْأَصَح وَأَنه)
لما دخل السرداب كَانَ عمره أَربع سِنِين وَقيل خمس سِنِين وَقيل أَنه دخل السرداب سنة خمس وَسبعين وماتين وعمره سَبْعَة عشر سنة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ فِي ذَلِك
ابْن سَمَّاعَة مُحَمَّد بن الْحسن سَمَّاعَة الْحَضْرَمِيّ الْكُوفِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَيْسَ بالقوى توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثلث ماية لِلْهِجْرَةِ
البرجلاني الزَّاهِد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو جَعْفَر البرجلاني بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الرَّاء الساكنة جِيم مَضْمُومَة نِسْبَة إِلَى محلّة البرجلانية كَانَ فَاضلا زاهدا لَهُ مصنفات كَثِيرَة فِي الزّهْد والرقايق مَعَ خلقا كثيرا مِنْهُم زيد بن الْحباب وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا اثْنَي عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن أَحَادِيث الزّهْد يَقُول عَلَيْك بالبرجلاني توفّي سنة ثَمَان وثلثين وماتين
ابْن مقسم الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن الْحسن بن يَعْقُوب بن الْحسن ابْن الْحُسَيْن بن مقسم أَبُو بكر الْعَطَّار الْمُقْرِئ ولد سنة خمس وَسِتِّينَ وماتين بِبَغْدَاد سمع الْكثير وَلم يكن لَهُ مَا يعاب بِهِ إِلَّا أَنه قَرَأَ بحروف خَالف فِيهَا الْإِجْمَاع وارتفع أمره إِلَى السُّلْطَان فَاحْضُرْ واستتابه بِحُضُور الْفُقَهَاء فَتَابَ وَلم يرجع قَالَ أَبُو أَحْمد الفرضي رَأَيْت فِي الْمَنَام غير مرّة كَأَنِّي فِي الْمَسْجِد الْجَامِع أصلى مَعَ النَّاس وَرَأَيْت ابْن مقسم يستدبر الْقبْلَة وظهره إِلَيْهَا فتأولت ذَلِك مُخَالفَته الْإِجْمَاع وَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث توفّي سنة أَربع وَخمسين وَثلث ماية وَكَانَ ابْن مقسم زعم أَن كل مَا صَحَّ فِيهِ عِنْده وَجه من الْعَرَبيَّة وَوَافَقَ خطه الْمُصحف فقراءته جايزة فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَمن تصانيفه الْأَنْوَار فِي تَفْسِير الْقُرْآن كتاب الْمدْخل إِلَى علم الشّعْر كتاب الِاحْتِجَاج فِي القراآت كتاب فِي النَّحْو كَبِير كتاب الْمَقْصُور والممدود الْمُذكر والمؤنث مجالسات تعلب كتاب مفرداته الْوَقْف والابتداء كتاب الْمَصَاحِف كتاب عدد التَّمام كتاب أَخْبَار نَفسه الِانْتِصَار لقراء الْأَمْصَار الموضح شِفَاء الصُّدُور كتاب(2/250)
الْأَوْسَط كتاب اللطايف فِي جمع هجاء الْمَصَاحِف كتاب فِي قَوْله تَعَالَى وَمن يقتل وَالرَّدّ على الْمُعْتَزلَة وَكَانَ لَهُ ابْن يكنى أَبَا الْحسن وَكَانَ حفظَة عَالما لَهُ كتاب عقلاء المجانين
أَبُو بَحر ابْن كوثر مُحَمَّد بن الْحسن بن كوثر أَبُو بَحر الْبر بهارى بغداذي معمر كَانَ الدَّارَقُطْنِيّ يَقُول اقتصورا من حَدِيث أبي بَحر على مَا انتخبته وَقَالَ ابْن أبي الفوارس فِيهِ نظر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَثلث ماية
مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب الْفَقِيه أَبُو)
الْحسن القَاضِي بِبَغْدَاد توفّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَثلث ماية
الختن الشَّافِعِي مُحَمَّد بن الْحسن بن إِبْرَاهِيم الاستراباذي وَقيل الْجِرْجَانِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالختن كَانَ فَقِيها فَاضلا ورعا مَشْهُورا فِي عصره وَله وُجُوه حَسَنَة فِي الْمَذْهَب وَكَانَ مقدما فِي الْأَدَب ومعاني الْقُرْآن والقراآت وَهُوَ من الْعلمَاء المبرزين فِي النّظر والجدل سمع أَبَا نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي واقرانه بِبَلَدِهِ وَدخل نيسابور وَأقَام بهَا ثمَّ دخل اصبهان وَسمع بهَا مُسْند أبي دَاوُد من عبد الله بن جَعْفَر وَدخل الْعرَاق وَكتب بعد الْأَرْبَعين وَكَانَ كثير السماح والرحلة وَشرح كتاب التَّلْخِيص لأبي الْعَبَّاس ابْن الْقَاص وَإِنَّمَا قيل لَهُ الختن لِأَنَّهُ كَانَ ختن الْفِقْه أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وختن الرجل زوج ابْنَته هَذَا فِي عرف الْعَوام وَأما عِنْد أهل اللُّغَة فالختن كل من كَانَ من قبل الْمرْآة مثل الْأَب وَالْأَخ وهم الْأخْتَان توفّي بجرجان يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة
فتح الدّين القمني مُحَمَّد بن الْحسن بن إِبْرَاهِيم فتح الدّين الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بالقمنى سَمِعت عَلَيْهِ بثغر الاسكندرية فِي صفر سنة ثَمَان وثلثين وَسبع ماية جَمِيع الحَدِيث المسلسل بروايته عَن النجيب عبد اللَّطِيف الْحَرَّانِي وَأَجَازَ لي جَمِيع مَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَكتب لي بِخَطِّهِ
ابْن دُرَيْد مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد بن عتاهية بلغ بِهِ ابْن خلكان إِلَى قحطان أَبُو بكر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ نزيل بَغْدَاد تنقل فِي جزاير الْبَحْر وَفَارِس وَطلب الْأَدَب واللغة وَكَانَ أَبوهُ من رُؤَسَاء زَمَانه وَكَانَ أَبُو بكر رَأْسا فِي الْعَرَبيَّة وأشعار الْعَرَب وَله شعر كثير ورثى جمَاعَة من أهل الْعلم رثى الشَّافِعِي وَغَيره حدث عَن أبي حَاتِم السجسْتانِي وَأبي الْفضل الْعَبَّاس الرياشي(2/251)
وَابْن أخي الْأَصْمَعِي وروى عَنهُ السيرافي وَابْن شَاذان وأبوالفرج صَاحب الأغاني وَأَبُو عبيد الله المرزباني عَاشَ بضعا وَتِسْعين سنة مولده سنة ثلث وَعشْرين وماتين وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثلث ماية قَالَ يُوسُف بن الْأَزْرَق مَا رَأَيْت احفظ من ابْن دُرَيْد مَا رَأَيْته قرئَ عَلَيْهِ ديوَان قطّ إِلَّا وَهُوَ يسابق إِلَى رِوَايَته لحفظه لَهُ وَقَالَ أَبُو حَفْص ابْن شاهين كُنَّا ندخل على ابْن دُرَيْد فنستحي مِمَّا نرى من العيدان الْمُعَلقَة وَالشرَاب وَقد جَاوز التسعين وَله كتاب الجمهرة فِي اللُّغَة كتاب جيد والأمالي واشتقاق الْأَسْمَاء للقبايل والمجتبي وَهُوَ صَغِير قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سمعناه بعلو وَالْخَيْل وَالسِّلَاح وغرايب الْقُرْآن وَلم يتم وأدب الْكَاتِب وَفعلت وافعلت والمطر والرواد والاشتقاق والسرج واللجام وَالْخَيْل الْكَبِير وَالصَّغِير)
والأنواء والملاحن وزوار الْعَرَب والوشاح وَهُوَ صَغِير قَالَ الْخَطِيب عَن أبي بكر الْأَسدي كَانَ يقاهو اعْلَم الشُّعَرَاء واشعر الْعلمَاء قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تكلمُوا فِيهِ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَقع لنا من عواليه فِي أمالي الْوَزير ومقصورته مَشْهُورَة وعارضها جمَاعَة واعتنى بشرحها جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَآخر من عَلمته شرحها الشَّيْخ شمس الدّين الضايع شرحها فِي مِقْدَار يدْخل فِي ثلثة أسفار كبار وَهِي عِنْدِي ومدح بالمقصورة الشاه بن ميكال الْأَمِير يُقَال أَنه أَتَى فِيهَا بِأَكْثَرَ اللُّغَة وَكَانَ ابْنا ميكال على عمالة فَارس وصنف لَهما الجمهرة وقلداه ديوَان فَارس فتصدر كتب فَارس عَنهُ وَلَا ينفذ أَمر إِلَّا بعد توقيعه فَأفَاد مَعَهُمَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ مُفِيد مبيدا لَا يمسك درهما سخاء وكرماً وَلما مدحهما بالمقصورة وصلاه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا عزلا وصل إِلَى بَغْدَاد وَنزل على على بن مُحَمَّد الخواري فأفضل عَلَيْهِ وَعرف بِهِ المقتدر فَأجرى عَلَيْهِ فِي الشَّهْر خمسين دِينَارا إِلَى أَن مَاتَ وَعرض لَهُ آخر عمره فالج سقى الديارق فبرئ وَرجع إِلَى أفضل أَحْوَاله وأملايه على تلامذته ثمَّ عاوده الفالج وَبَطل من محزمه إِلَى قَدَمَيْهِ وَكَانَ إِذا دخل أحد عَلَيْهِ ضج وتألم لدُخُوله وَلم يصل إِلَيْهِ قَالَ تِلْمِيذه أَبُو عَليّ القالي فَكنت أَقُول فِي نَفسِي أَن الله عز وَجل عاقبه بقوله فِي الْمَقْصُورَة
(مارست من لَو هوت الأفلاك من ... جَوَانِب الجو عَلَيْهِ مَا شكا)
وعاش بعد ذَلِك عَاميْنِ وَقَالَ لي مرّة وَقد سَأَلته عَن بَيت شعر لَئِن طفئت شحمتا عَيْني لم تَجِد من يشفيك من الْعلم وَكَذَلِكَ قَالَ لي أَبُو حَاتِم السجسْتانِي وَقد سالته عَن شىء فَقَالَ لي قَالَ كَذَلِك الْأَصْمَعِي وَقد سَأَلته عَن شىء قَالَ أَبُو عَليّ وَآخر شىء سَأَلته عَنهُ جاونبي بَان قَالَ يَا بني حَال الجريص دون القريض قلت الجريض غصص الْمَوْت وَهُوَ مثل مَشْهُور وَله حِكَايَة وَكَانَ كثيرا مَا ينشد فِي ضعفه
(فوا حزنا أَن لَا حَيَاة لذيذة ... وَلَا عمل يرضى بِهِ الله صَالح)
وَحكى عَنهُ المرزباني قَالَ قَالَ لي ابْن دُرَيْد سَقَطت من منزلي بِفَارِس فَانْكَسَرت ترقوتي(2/252)
فسهرت لَيْلَتي فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل اغمضت عَيْني فَرَأَيْت رجلا طَويلا أَصْغَر الْوَجْه كوسجا دخل على وَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب وَقَالَ أندشني أحسن مَا قلت فِي الْخمر فَقلت مَا ترك أَبُو نواس لأحد شَيْئا فَقَالَ أَنا أشعر مِنْهُ فَقلت وَمن أَنْت قَالَ أَنا أَبُو نَاجِية من أهل الشَّام وأنشدني
(وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أَتَت بَين ثوبي نرجس وشقايق)
)
(حكت وجنة المعشوق صرفا فسلّطوا ... عَلَيْهَا مزاجاً فاكتسب ثوب عاشق)
فَقلت لَهُ اسأت فَقَالَ وَلم قلت لِأَنَّك قلت وحمراء فَقدمت الْحمرَة ثمَّ قلت بَين ثوبي نرجس وشقايق فَقدمت الصُّفْرَة فَهَلا قدمتها على الْأُخْرَى فَقَالَ وَمَا هَذَا الِاسْتِقْصَاء فِي هَذَا الْوَقْت يَا بغيض وحكاها أَبُو عَليّ الْفَارِسِي على غير هَذَا الْوَجْه قلت لَيْسَ مَا انتقده ابْن دُرَيْد بوارد فقد جَاءَ النشر على غير تَرْتِيب اللف كثيرا قَالَ ابْن حيوس
(كَيفَ أسلو وَأَنت حقف وغصن ... وغزال قدا ولحظاً وردفا)
وَمن شعر ابْن دُرَيْد
(غراء لَو جلت الْخُدُور شعاعها ... للشمس عِنْد طُلُوعهَا لم تشرق)
(غُصْن على دعص تأود فَوْقه ... قمر تألق تَحت ليل مطبق)
(لَو قيل لِلْحسنِ احتكم لم يعدها ... اَوْ قيل خَاطب غَيرهَا لم ينْطق)
(فكأننا من فرعها فِي مُعرب ... وكأننا من وَجههَا فِي مشرق)
(تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها ... الويل حل بمقلة لم تطبق)
وَلما مَاتَ ابْن دُرَيْد رثاه جحظة الْبَرْمَكِي بقوله
(فقدت بِابْن دُرَيْد كل فايدة ... لما غَدا ثَالِث الْأَحْجَار والترب)
(وَكنت أبْكِي لفقد الْجُود مُنْفَردا ... فصرت أبْكِي لفقد الْجُود وَالْأَدب)
قَرَأت جَمِيع مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد فِي مجْلِس وَاحِد على الْعَلامَة أثير الدّين أبي حَيَّان وَأَخْبرنِي بهَا قَالَ قرأتها على الشَّيْخ بهاء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن النّحاس قَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد الْقسم بن أَحْمد اللورقي وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم الأربلي قَالَا أَنا أبواليمن زيد الْكِنْدِيّ ح قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين وأنبا بهَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن اسمعيل الْأنْصَارِيّ عَن أبي الْيمن الْكِنْدِيّ أَنا أَبُو مَنْصُور موهوب ابْن الجواليقي أَنا أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن عَليّ التبريزي أَنا أَبُو غَالب مُحَمَّد بن أَحْمد بن سهل عرف بِابْن يشران النَّحْوِيّ أَنا أَبُو الْحُسَيْن على بن مُحَمَّد بن دِينَار الْكَاتِب أَنا أَبُو الْفَتْح عبيد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد النَّحْوِيّ عرف بجخجخ ح قَالَ الجواليقي وَأَنا التبريزي وَالْمبَارك بن عبد الْجَبَّار الْبَغْدَادِيّ عرف بِابْن الطيوري قَالَا أَنا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي قَالَ اللورقي وَأَنا عبد الْمُجيب ابْن أبي الْقسم بن زُهَيْر ابْن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ أجازة قَالَ أَنا الْجَوْهَرِي أجازة قَالَ الأربلي وَأَنا أَبُو حَفْص)
عمر بن طبرزذ أَنا أَبُو الْقسم اسمعيل ابْن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي أَنا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النقور قَالَا أَعنِي(2/253)
الْجَوْهَرِي وَابْن النقور أَنا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل بن الْجراح الْكَاتِب قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين وَأَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ العثماني قِرَاءَة مني عَلَيْهِ أَنا الْأَمِير المكرم بن الْأَمِير أَحْمد اسمعيل عرف بِابْن اللمفى أَنا أَبُو العباسي أَحْمد بن الحطئة أَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَضْرَمِيّ أَنا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن سعيد بن نَفِيس الطرابلسي أَنا أَبُو أُسَامَة جُنَادَة بن مُحَمَّد بن جُنَادَة اللّغَوِيّ قَالُوا أعنى جخجها وَابْن الْجراح وجنادة أَنا أَبُو بكر بن دُرَيْد بهَا
الْحَاتِمِي مُحَمَّد بن الْحسن بن المظفر الْكَاتِب اللّغَوِيّ أَبُو عَليّ الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بالحاتمي أحد الْأَعْلَام الْمَشَاهِير المبطقين المكثرين أَخذ الْأَدَب عَن أبي عمر الزَّاهِد غُلَام ثَعْلَب وروى عَنهُ أَخْبَارًا وأملاها فِي مجَالِس الْأَدَب وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من النبلاء مِنْهُم القَاضِي أَبُو الْقسم التنوخي وَغَيره وَله الرسَالَة الحاتمية الَّتِي شرح فِيهَا مَا دَار بَينه وَبَين المتنبي لما قدم إِلَى بَغْدَاد وَهِي مُجَلد دلّ فِيهَا على وفور فَضله واطلاعه واظهر فِيهَا سرقات المتنبي وَله رِسَالَة الآدهم أَتَى فِيهَا بأدب جم وَله الحاتمية الَّتِي طابق فِيهَا كَلَام ارسطو وَكَلَام المتنبي وَله رِسَالَة سَمَّاهَا تقريع الهلباجة فِي معرفَة الشّعْر وَالشعرَاء أَتَى فِيهَا بِعلم جم فِي الْأَدَب وَمَعْرِفَة الشّعْر والنقد وَله حلية المحاضرة يدْخل فِي مجلدين تَأَخّر عَن مجْلِس أبي عمر الزَّاهِد شَيْخه فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ مَرِيض فَجَاءَهُ يعودهُ فَوَجَدَهُ قد خرج إِلَى الْحمام فَكتب على بَابه باسفيذاج
(واعجب شىء سمعنَا بِهِ ... مَرِيض يُعَاد فَلَا يُوجد)
وَنسب بالحاتمي إِلَى بعض أجداده وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثلث ماية
ابْن فورك مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك بِالْفَاءِ المضمومة وَالْوَاو الساكنة وَالرَّاء الْمَفْتُوحَة وَالْكَاف أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ الْمُتَكَلّم سمع مُسْند الطَّيَالِسِيّ من عبد الله بن جَعْفَر لأصبهاني وَله تصانيف جمة فِي الْكَلَام كَانَ رجلا صَالحا بلغت مصنفاته قَرِيبا من ماية ودعى إِلَى غرنة وَجَرت لَهُ مناظرات وَكَانَ شَدِيد الرَّد على ابْن كرام ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور فَسَموهُ فِي الطَّرِيق ومشهده بِالْحيرَةِ ظَاهر يزار ويستجاب الدُّعَاء عِنْده قَالَ أَبُو الْقسم الْقشيرِي سَمِعت أَبَا على الدقاق يَقُول دخلت على أبي بكر ابْن فورك رَحمَه الله عايدا فَلَمَّا رَآنِي دَمَعَتْ عَيناهُ فَقلت لَهُ أَن الله تَعَالَى يعافيك ويشفيك فَقَالَ لي أَترَانِي خايفا من الْمَوْت أَنما أَخَاف مِمَّا وَرَاء الْمَوْت وَلما)
استوطن نيسابور بنى بهَا لَهُ مدرسة وَدَار واحيي الله تَعَالَى بِهِ أنواعا من الْعُلُوم وَظَهَرت بركاته على الْفُقَهَاء بهَا وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَأَرْبع ماية(2/254)
الْأَحول النَّاسِخ مُحَمَّد بن الْحسن بن دِينَار الْأَحول أَبُو الْعَبَّاس كَانَ نَاسِخا غزير الْعلم وَاسع الْفَهم جيد الرِّوَايَة حسن الدِّرَايَة روى عَنهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيدي وَقَرَأَ عَلَيْهِ ديوَان عَمْرو بن الْأَهْتَم سنة خمسين وماتين قَالَ نفطويه جمع أَبُو الْعَبَّاس الْأَحول أشعار ماية وَعشْرين شَاعِرًا وعملت أَنا خمسين شَاعِرًا وَذكره أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن الزبيدِيّ وَجعله فِي طبقَة الْمبرد وثعلب وَكَانَ يورق لحنين بن اسحق المتطبب فِي منقولاته لعلوم الأوايل وَكَانَ محدودا أَي قَلِيل الْحَظ من النَّاس وَقَالَ اجْتَمَعنَا مَعَ أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب فِي بَيته فَقَالَ بعض أَصْحَابنَا عرفوني القابكم فَقَالَ ثَعْلَب أَنا ثَعْلَب وَقَالَ الآخر أَنا كَذَا فَلَمَّا بلغُوا إِلَى قَامُوا وَأَنت مَا لقبك فَقلت منعت العاهة من اللقب وَكَانَ يكْتب كل ماية ورقة بِعشْرين درهما وَله كتاب الدَّوَاهِي كتاب السِّلَاح كتاب مَا اتّفق لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ وَكتاب فعل وَافْعل كتاب لأشباه
النقاش الْمُفَسّر مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن هرون بن جَعْفَر بن سَنَد الْمُقْرِئ أَبُو بكر الْمَعْرُوف بالنقاش الْموصِلِي الأَصْل الْبَغْدَادِيّ عَالم بِالْقُرْآنِ وَالتَّفْسِير صنف تَفْسِيرا سَمَّاهُ شِفَاء الصُّدُور وَالْإِشَارَة فِي غَرِيب الْقُرْآن والموضح فِي الْقُرْآن ومعانيه وَصد الْعقل والمناسك وَفهم الْمَنَاسِك وأخبار الْقصاص وذم الْحَسَد ودلايل النُّبُوَّة والأبواب فِي الْقُرْآن وارم ذَات العما والمعجم الْأَصْغَر والأوسط والأكبر فِي أَسمَاء الْقُرَّاء وقراآتهم وَكتاب السَّبْعَة بعللها الْكَبِير والسبعة الْأَوْسَط والسبعة الْأَصْغَر وسافر الشَّام ومصر والجزيرة والموصل وَالْجِبَال وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر والكوفة وَالْبَصْرَة وَمَكَّة وَسمع بِهن ذكر عِنْد طَلْحَة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ كَانَ يكذب فِي الحَدِيث وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْقَصَص وَقَالَ البرقاني كل حَدِيث النقاش مَنَاكِير لَيْسَ فِي تَفْسِير حَدِيث صَحِيح وَقَالَ هبة الله اللالكائي الْحَافِظ تَفْسِير مَنَاكِير النقاش اشفاء الصُّدُور لَيْسَ شِفَاء الصُّدُور قَالَ الْخَطِيب فِي حَدِيثه مَنَاكِير باسانيد مَشْهُورَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب المصحفين قَالَ النقاش مرّة أَبُو شرْوَان جعلهَا كنية وَكَانَ يَدْعُو فَيَقُول لَا رجعت يَد قصدتك صفراء من عطايك وَمد وَالصَّوَاب صفرا بِالْكَسْرِ وَقد اعْتمد صَاحب التَّيْسِير على رواياته قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الَّذِي وضح أَن هَذَا(2/255)
الرجل مَعَ جلالته ونبله مَتْرُوك لَيْسَ بِثِقَة وأجود مَا قيل فِيهِ قَول أبي عَمْرو الداني النقاش مَقْبُول الشَّهَادَة توفّي سنة)
إِحْدَى وَخمسين وَثلث ماية وَولد سنة سِتّ وَقيل سنة خمس وَسِتِّينَ وماتين
مُحَمَّد بن الْحسن بن يُونُس أَبُو الْعَبَّاس الْهُذلِيّ النَّحْوِيّ الْكُوفِي توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَثلث ماية
الحنيني مُحَمَّد بن الْحسن بن مُوسَى الحنيني بِالْحَاء الْمُهْملَة ونونين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف الْكُوفِي الْمُحدث صَاحب الْمسند وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وماتين
الزاذاني مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عبد الله الزاذاني نزل أوانا من قرى بَغْدَاد كَانَ زاهداً مُنْقَطِعًا ورعا قنوعا من الدُّنْيَا صَاحب كرامات قَالَ فِي الْمرْآة طلب مِنْهُ ولد لَهُ صَغِير غزالا فَقَالَ يَا بني وَمن أَيْن لي غزال فالح عَلَيْهِ فَقَالَ السَّاعَة يَأْتِيك فجَاء غزال فَجعل يضْرب الْبَاب بقرنيه فَقَالَ يَا بني قُم فَخذ الغزال توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع ماية باوانا
الْوَركَانِي مُحَمَّد بن الْحسن هُوَ الأديب أَبُو الْحُسَيْن الْوَركَانِي وَالِد فَخر الدّين الْحسن أبي الْمَعَالِي مفتى الْفَرِيقَيْنِ ووالد أبي المحاسن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد وَسَيَأْتِي ذكرهمَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مكانهما من حرف الْحَاء كَانَ أديب اصبهان ولقى نظام الْملك ومدحه وصنف لَهُ كتبا فِي الْأَدَب وَغَيره وَمن شعره
(مر الثَّمَانِينَ واطوارها ... غير من حظى مَا استحسنا)
(كَذَاك عمر الْمَرْء كالكأس فِي ... آخرهَا يرسب مَا استحشنا)
وَمِنْه
(مدحتك للحماقة لَا لأنى ... وَجَدْتُك مُسْتَحقّا للمديح)
(فاورثني غموضا وانحطاطا ... كَذَاك جَزَاء ذِي الأفك الصَّرِيح)
أَبُو يعلى الْبَصْرِيّ الصُّوفِي مُحَمَّد بن الْحسن وَقيل الْحُسَيْن أَبُو على الْبَصْرِيّ قَالَ الثعالبي فِي التَّتِمَّة هُوَ من شُيُوخ الصُّوفِيَّة وظراف الشُّعَرَاء وفضلاء الْغُرَاب وخلفاء الْخضر والاقذاء فِي عين الأَرْض قد نقب فِي الْبِلَاد ولقى أفاضلها وَحفظ الْغرَر من ظرايفهم ولطايفهم وطرأ على نيسابور سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبع ماية فافدنا مِمَّا لم تَجدهُ عِنْد غَيره أورد لَهُ
(يَا أَبَا الْقسم الَّذِي قسم الرح ... من من راحتيه رزق الْأَنَام)(2/256)
(أَنا فِي الشّعْر مثل مولاى فِي الجو ... د حليفا مَكَارِم ونظام)
(وَإِذا مَا وصلتني فأمير ال ... جود اعطى المنى أَمِير الْكَلَام)
)
قلت أَخذه من قَول أبي الطّيب وَقصر عَنهُ
(شَاعِر الْمجد خدنه شَاعِر اللف ... ظ كِلَانَا رب الْمعَانِي الدقاق)
وَأورد لَهُ الثعالبي فِي عَجُوز اكول
(لي عَجُوز كَأَنَّهَا ال ... بدر فِي لَيْلَة الْمَطَر)
(نَاطِق عَن جَمِيع اع ... ضايها شَاهد الْكبر)
(غير اضارسها فَفِي ... هَا لذِي اللب مُعْتَبر)
(اعظم غير أَنَّهَا ... اعظم تطحن الْحجر)
أَبُو الْحسن الْبَرْمَكِي مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْحسن الْبَرْمَكِي أورد لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة
(أَنا شَاب رَأْسِي فالمشيب موقر ... وذوو الْعُلُوم بشيبهم يتبرك)
(والشيب تغتفر الغواني ذَنبه ... مَا دَامَ ذَاك الشىء فِيهِ تحرّك)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(وَذي عينين كحلاوين يرْمى ... بسهمهما سويداء الْفُؤَاد)
(الم بعارضيه نصف لَام ... وهمم بشاربيه نصف صَاد)
العميد أَبُو سهل مُحَمَّد بن الْحسن الشيه العميد أَبُو سهل أورد لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة
(عجبت من الأقلام لم تند خضرَة ... وباشرن مِنْهُ كَفه والأناملا)
(لَو أَن الورى كَانُوا كلَاما واحرفاً ... لَكَانَ نعم مِنْهَا وَكَانَ الْأَنَام لَا)
الباذنجاني مُحَمَّد بن الْحسن بن زَكَرِيَّاء بن أَسد الْمَعْرُوف بالباذنجاني صَاحب ابْن دُرَيْد قَالَ يرثى الأخشيد مُحَمَّد بن طغج بقصيدة مِنْهَا
(لَيْسَ منعى الأخشيد منعي مليك ... مَاتَ لَكِن موت النهى والمعالي)
(كَانَ غيث الْأَنَام أَن أخلف الغي ... ث اطلت سحابه بانهمال)(2/257)
ابْن الكتاني المغربي مُحَمَّد بن الْحسن الْمذْحِجِي أَبُو عبد الله يعرف بِابْن الكتاني ذكره الْحميدِي فِي تَارِيخ الأندلس وَقَالَ لَهُ مُشَاركَة قَوِيَّة فِي علم الْأَدَب وَالشعر وَله تقدم فِي عُلُوم الْمنطق والطب وَالْكَلَام فِي الحكم مَاتَ بعد الْأَرْبَع ماية وَله كتاب مُحَمَّد وسعدى مليح فِي بَابه وَمن شعره
(نأيت عَنْكُم فَلَا صَبر وَلَا جلد ... وَصحت واكبدي حَتَّى مَضَت كَبِدِي)
)
(اضحى الْفِرَاق رَفِيقًا لي يواصلني ... بالبعد والشجو وَالْأَحْزَان والكمد)
(وبالوجوه الَّتِي تبدو فانشدها ... وَقد وضعت على قلبِي يَدي بيَدي)
(إِذا رَأَيْت وُجُوه الطير قلت لَهَا ... لَا بَارك الله فِي الْغرْبَان والصرد)
قلت شعر نَازل الْجبلي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن الْحسن الْجبلي النَّحْوِيّ ذكره الْحميدِي فِي تَارِيخه أَيْضا وَقَالَ هُوَ أديب شَاعِر كثير القَوْل كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْأَدَب توفّي سنة خمس وَأَرْبع ماية وَمن شعره
(وَمَا الْأنس الَّذين عهدتهم ... بأنسى وَلَكِن فقد أنسهم أنسى)
(إِذا سلمت نَفسِي وديني مِنْهُم ... فحسبي أَن الْعرض مني لَهُم ترسي)
الطوسى الشيعي مُحَمَّد بن الْحسن بن حُسَيْن بن عَليّ أَبُو جَعْفَر الطوسي شيخ الشِّيعَة وعالمهم لَهُ تَفْسِير كَبِير عشرُون مجلداً وعدة تصانيف مَشْهُورَة قدم بَغْدَاد وَتعين وتفقه للشَّافِعِيّ وَلزِمَ الشَّيْخ الْمُفِيد فتحول رَافِضِيًّا توفّي بالمشهد سنة تسع وَخمسين وَأَرْبع ماية
المرادى القيرواني مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو بكر الْحَضْرَمِيّ الْمَعْرُوف بالمرادي القيرواني دخل الأندلس وَأخذ عَنهُ أَهلهَا وَكَانَ نبيلا عَالما بالفقه أماما فِي أصُول الدّين لَهُ فِي ذَلِك تصانيف حسان مفيدة وَله حَظّ وافر من البلاغة والفصاحة توفّي
أَبُو طَالب الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الْقزْوِينِي أَبُو طَالب الثَّقَفِيّ أَخُو(2/258)
جلال الدّين أبي الْعَلَاء على بن الْحسن من أهل أَصْبَهَان قَالَ ابْن السَّاعِي مولده فِي سَابِع عشر صفر سنة خمس وَسبعين وَخمْس ماية أورد لَهُ
(بؤسي لدُنْيَا أَصبَحت غدارة ... من صَار مغروراً بزينتها هلك)
(من رام فِيهَا الْعَيْش غير مكدر ... فليطلباً سقفاً سوى هَذَا الْفلك)
وَأورد لَهُ
(أخدوده شربت كؤوس عقار ... ولحاظه فترت لفرط خمار)
(وَكَأَنَّهَا والخط يسرى فَوْقهَا ... ليل يدب على أَدِيم نَهَار)
الشيلمة الْكَاتِب مُحَمَّد بن الْحسن بن سهل الْمَعْرُوف بشيلمة بالشين الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَبعد اللَّام مِيم وهاء وَأَبوهُ الْحسن ابْن سهل هُوَ الْوَزير الْمَعْرُوف أَخُو الْفضل كَانَ رجل من أَوْلَاد الواثق يسكن مَدِينَة الْمَنْصُور فسعى فِي طلب الْخلَافَة وشيلمة مَعَه ليَكُون)
هُوَ وزيره فَأخذ لَهُ الْبيعَة على أَكثر أهل الدولة والحضرة من الهاشميين والقضاة والقواد والجيش وَأهل بَغْدَاد والأحداث وَقَوي أمره وانتشر خَبره وهم بالظهور فِي الْمَدِينَة والاعتصام بهَا فَبلغ المعتضد الْخَبَر على شَرحه إِلَّا اسْم الْمُسْتَخْلف فكبس شيلمة وَأخذ فَوجدَ فِي دَاره جرايد بأسماء من بَايع وَبلغ الْخَبَر الْهَاشِمِي فهرب وَأمر المعتضد بالجرايد فاحرقت وَلم يقف عَلَيْهَا لِئَلَّا يفْسد قُلُوب الْجَيْش بوقوفه عَلَيْهَا وَأخذ يسايل شيلمة عَن الْخَبَر فَصدقهُ عَن جَمِيع مَا جرى إِلَّا اسْم الرجل المستحلف فرفق بِهِ ليصدقه عَنهُ فَلم يفعل وَطَالَ الْكَلَام بَينهمَا فَقَالَ لَهُ شيلمة وَالله لَو جَعَلتني كردناكا مَا أَخْبَرتك باسمه قطّ فَقَالَ المعتضد للفراشين هاتم اعمدة الخيم الْكِبَار الثقال وشده عَلَيْهَا شداً وثيقا واحضروا فحماً عَظِيما وفرش على الطوابيق بِحَضْرَتِهِ واحجوا نَارا وَجعل الفراشون يقلبون تِلْكَ النَّار وَهُوَ مشدود على الأعمدة إِلَى أَن مَاتَ بَين يَدَيْهِ
الزبيدِيّ المغربي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله بن مذْحج أَبُو بكر الزبيدِيّ الأندلسي النحوين كَانَ شيخ الْعَرَبيَّة بالأندلس اختصر كتاب الْعين اختصارا جيدا وَله كتاب فِي أبنية سِيبَوَيْهٍ وَكتاب فِيمَا تلحن فِيهِ عوام الأندلس وطبقات النَّحْوِيين وَكتاب(2/259)
الموضح وَكَانَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه قد طلبه من أشبيلية إِلَى قرطبة لتعليم وَلَده وتأديبه وَهُوَ الْمُؤَيد بِاللَّه ثمَّ تولى قَضَاء قرطبة واصله من حمص الشَّام أَخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي عبد الله الريَاحي وَأبي على القالي وَاسْتَأْذَنَ الْمُسْتَنْصر فِي الرُّجُوع إِلَى أشبيلة فَلم يَأْذَن لَهُ فَكتب إِلَى جَارِيَة لَهُ تدعى سلمى
(وَيحك يَا سلم لَا تراعى ... لَا بُد للبين من زماع)
(لَا تحسبيني صبرت إِلَّا ... كصبر ميت على النزاع)
(مَا خلق الله من عَذَاب ... أَشد من وَقْفَة الْوَدَاع)
(مَا بَينهَا وَالْحمام فرق ... لَوْلَا الْمُنَاجَاة والنواعي)
(أَن يفْتَرق شملنا وشيكاً ... من بعد مَا كَانَ ذَا اجْتِمَاع)
(فَكل شَمل إِلَى افْتِرَاق ... وكل شعب إِلَى انصداع)
(وكل قرب إِلَى بعاد ... وكل وصل إِلَى انْقِطَاع)
قلت شعر جيد وَتُوفِّي سنة تسع وَسبعين وَثلث ماية
أَبُو على القمى الْكَاتِب مُحَمَّد بن الْحسن بن جُمْهُور القمى الْكَاتِب أَبُو عَليّ قَالَ أَبُو عل)
التنوخي كَانَ من شُيُوخ الْأَدَب بِالْبَصْرَةِ وَكثير الْمُلَازمَة لأبي وحرر لي خطي لما قويت على الْكِتَابَة وَكَانَ جيد الْخط حسن الترسل كثير المصنفات لكتب الْأَدَب وَأورد لَهُ
(إِذا تمنع صبري ... وضاق بالهجر صَدْرِي)
(ناديت وَاللَّيْل داج ... وَقد خلوت بفكري)
(يَا رب هَب لي مِنْهُ ... وصال يَوْم بعمري)
ابْن امْرَأَة الشَّيْخ على الفريثي مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن المراة الشَّيْخ على الفريثي كَانَ شَيخا صَالحا حسن الشكل حُلْو المحادثة سليم الصَّدْر عَلَيْهِ آثَار الْخَيْر وَالصَّلَاح وَله زَاوِيَة بسفح قاسيون على نهر يزِيد من أحسن الزوايا وأقدمها وَفِي جَانبهَا قبَّة فِيهَا ضريح الشَّيْخ على الفريثي وَحضر السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين إِلَى زيارته توفّي فِي سنة ثلث وَسِتِّينَ وست ماية وَخلف أَوْلَادًا
ابْن المقدسية الْمَالِكِي مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد السَّلَام بن عَتيق بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو بكر التَّمِيمِي السفاقسي الأسكندري المولد وَالدَّار الْمَالِكِي الْعدْل الْمَعْرُوف بِابْن المقدسية ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس ماية وَحضر الْحَافِظ أَبَا طَاهِر السلَفِي وَسمع من(2/260)
أبي الْقسم هبة الله ابْن البوصيري وَغَيره وَهُوَ آخر من كَانَ بَاقِيا من أَصْحَاب السلفى وناب فِي الحكم بالاسكندرية مُدَّة وَتُوفِّي بهَا سنة أَربع وَخمسين وست ماية
شرف الدّين ابْن دحْيَة الْمُحدث مُحَمَّد بن حسن بن عمر بن عَليّ ابْن مُحَمَّد الْجَمِيل بن فَرح بن خلف بن قَوس بن ملاك بن أَحْمد بن بدر بن دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ أَبُو الطَّاهِر شرف الدّين مولده فِي شهر رَمَضَان سنة عشر وست ماية بِالْقَاهِرَةِ وَسمع من أَبِيه الْحَافِظ ابْن دحْيَة وَغَيره وَتَوَلَّى مشيخة دَار الحَدِيث الكاملية بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وَحدث وَكَانَ فَاضلا توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وَسِتِّينَ وست ماية
تَاج الدّين الأرموي مُحَمَّد بن حسن تَاج الدّين الأرموي الشَّافِعِي مدرس الشرفية بِبَغْدَاد صحب الْأَمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وبرع فِي العقليات وَكَانَ لَهُ جاه وحشمة بِوُجُود أقبال الشرابي وَكَانَ لَهُ عدَّة مماليك ترك ملاح وسراري وَفِيه تواضع ورياسة توفّي عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة فِي سنة ثلث وَخمسين وست ماية وَقيل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَقيل توفّي فِي سنة خمس وَخمسين وَهُوَ صَاحب كتاب التَّحْصِيل كَانَ سُلْطَان المناظرين)
الشَّيْخ شرف الدّين الأخميمي مُحَمَّد بن الْحسن بن اسمعيل بن مُحَمَّد الشَّيْخ شرف الدّين الأخميمي الزَّاهِد روى جُزْء ابْن يحيى عَن ابْن طَلْحَة النصيبيني وسَمعه مِنْهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تميية وَعلم الدّين البرزالي وَكَانَ كثير التَّعَبُّد وَلِلنَّاسِ فِيهِ حسن اعْتِقَاد وَهُوَ الَّذِي ذكره كَمَال الدّين ابْن طَلْحَة فِي تصنيفه فِي علم الْحُرُوف وَقَالَ أَن الشَّيْخ مُحَمَّدًا رأى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَنَام فَأرَاهُ دايرة الْحُرُوف يَأْتِي الْأَمر مفصلا فِي تَرْجَمَة ابْن طَلْحَة أَن شَاءَ الله تَعَالَى توفّي بزاويته بسفح قاسيون سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست ماية وَهُوَ فِي عشر السّبْعين وغسله الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن عز الْقُضَاة وَالشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد الْفَزارِيّ وَالشَّيْخ برهَان الدّين الاسكندري وَصلى عَلَيْهِ الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الشريشي وَحضر جنَازَته خلق وَكَانَ عَلَيْهَا روح وَكَانَ يتَحَصَّل لَهُ من الْأُمَرَاء وَالنَّاس جمل كَثِيرَة وَإِذا قوبل بِقدر يسير لَا يقبله
أَبُو عبد الله الفاسي الْمُقْرِئ الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو عبد الله الفاسي المغربي الْمُقْرِئ الْعَلامَة جمال الدّين نزيل حلب ولد بفاس بعد الثَّمَانِينَ وَقدم مصر فَقَرَأَ بهَا على أبي مُوسَى عِيسَى بن يُوسُف بن اسمعيل الدِّمَشْقِي وَأبي الْقسم عبد الْوَاحِد بن سعيد الشَّافِعِي وَعرض عَلَيْهِمَا الشاطبية عَن أخذهما عَن أبي الْقسم الشاطبي وَعرض الرائية على الْجمال على ابْن أبي بكر الشاطبي بروايته عَن المُصَنّف وَقدم حلب واستوطنها وروى بهَا القراآت والعربية والْحَدِيث وتفقه بحلب على مَذْهَب أبي حنيفَة وَكَانَ مليح الْخط إِلَى(2/261)
الْغَايَة على طَرِيق المغاربة وَكَانَ يتَكَلَّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَشرح الشاطبية شرحا فِي غَايَة الْجَوْدَة أبان فِيهِ عَن تضلع من الْعُلُوم وتبحر فِي القراآت وَإِسْنَاده فِي القراآت نَازل مر بِبَلَد من أَعمال الديار المصرية وَبهَا طايفة يمْتَحنُونَ النَّاس فَكل من لم يقل أَن الله تكلم بِحرف وَصَوت آذوه وضربوه فَأتوهُ جمَاعَة فَقَالُوا لَهُ يَا فَقِيه ايش تَقول فِي الْحَرْف وَالصَّوْت فالهمت أَن قلت كلم الله مُوسَى بِحرف وَصَوت على طور سيناء فاكرموه واحضروا لَهُ قصب سكر وَنَحْوه وَبكر بِالْغَدَاةِ خوفًا أَن يشعروا بِهِ أَنه جعل مُوسَى الْفَاعِل وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وست ماية
القَاضِي الْمحلى مُحَمَّد بن الْحسن بن عمر القَاضِي أَبُو عبد الله الْمحلى الأديب عَاشَ ثَمَانِينَ سنة وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وست ماية وَله شعر)
الديباجي مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد شرف الدّين أَبُو عبد الله ابْن الْوَزير ابْن الديباجي كَانَ أَبوهُ فِي مَحل الوزارة عِنْد الْكَامِل بن الْعَادِل بن أَيُّوب وساد هُوَ عِنْد الْعَادِل بن الْكَامِل ووزر بعد ذَلِك للْملك الصَّالح اسمعيل ابْن الْعَادِل صَاحب دمشق أورد لَهُ نور الدّين على بن سعيد المغربي فِي كِتَابه الْمغرب فِي أَخْبَار الْمغرب وَمن خطه نقلت
(شهر الحسام وكالاقاحي خَدّه ... ثمَّ انثنى كشقايق النُّعْمَان)
(لَو لم يكن طَربا براحته لما ... غنى بِضَرْب مثالث ومثان)
(بَطل يثير من الْعَجَاجَة غيهباً ... يجلو دجاه بانجم الخرصان)
(وصبا إِلَى عطف الوشيج يهزه ... فحلا لَهُ المران بالعسلان)
قلت شعر جيد
ابْن رَمَضَان النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن الْحسن بن رَمَضَان النَّحْوِيّ لَهُ فِيمَا ذكر مُحَمَّد بن اسحق
كتاب أَسمَاء الْخمر وعصيرها وَكتاب الديرة
أَبُو على الْهَيْثَم الرياضي مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عَليّ ابْن الْهَيْثَم يَأْتِي ذكره فِي الْحسن بن الْحسن فِي حرف الْحَاء أَن شَاءَ الله تَعَالَى فليطلب هُنَاكَ
الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحُسَيْن أَبُو عبد الله الدِّمَشْقِي أورد لَهُ صَاحب الْمرْآة
(فَإِن عزم اللعذال يَوْم لقاينا ... وَمَا لَهُم عِنْدِي وعندك من ثأر)
(وشنوا على اسماعنا كل غَارة ... وَقل جنودي عِنْد ذَاك وانصارى)
(لَقِينَاهُمْ من ناظريك ومهجتي ... وَمن ادمعي بِالسَّيْفِ والسيل وَالنَّار)(2/262)
قلت وَقد ادعيت هَذِه الأبيا لجَماعَة عديدة توفّي الْمَذْكُور سنة تسع وَثَمَانِينَ وماية
مُحَمَّد بن الْحسن بن شُعْبَة الْحسنى شَاعِر سكن طرابلس الشَّام ارتجل فِي صديق لَهُ ركب الْبَحْر إِلَى الاسكندرية من طرابلس
(قربوا للنوى القوارب كَيْمَا ... يقتلوني ببينهم والفراق)
(شرعوا فِي دمي بتشريع شرع ... تركوني من شدها فِي وثاق)
(قلعوا حِين اقلعوا بفؤادي ... ثمَّ لم يَلْبَثُوا كَقدْر الفواق)
(ليتهم حِين ودعوني وَسَارُوا ... رحموا عبرتي وَطول اشتياقي)
(هَذِه وَقْفَة الْفِرَاق فَهَل اح ... يي ليَوْم يكون فِيهِ التلاقي)
)
توفّي الْمَذْكُور فِي السّنة الْمَذْكُورَة
الْكفْر طابى مُحَمَّد بن الْحسن بن الْكفْر طابى الأديب خلف لَهُ أَبوهُ عشرَة آلَاف دِينَار فانفقها فِي الأصدقاء والصلات وَكَانَ من أَوْلَاد الشُّهُود وَقيل الْقُضَاة وَمن شعره
(قد عبرت عبرتي عَن سر أجفاني ... وحاورت حيرتي من قبل إعلاني)
(لَا تسألوا كَيفَ حَالي بعد بعدكم ... قد خبرتكم شؤون الْعين عَن شأني)
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع ماية
ابْن كَامِل مُحَمَّد بن الْحسن بن كَامِل القَاضِي الأندلسي كَانَ فَقِيها شَاعِرًا فَمن نظمه فِي مراكش
(وَأَرْض سكناهَا فيا شَرّ مسكن ... بهَا الْعَيْش نكد والجناح مهيض)
(نروح ونغدو لَيْسَ إِلَّا مروع ... عقارب سود أَو أراقم بيض)
توفّي سنة تسع وثلثين وَخمْس ماية بالمغرب
ابْن حمدون صَاحب التَّذْكِرَة مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حمدون أَبُو الْمَعَالِي ابْن أبي سعد الْكَاتِب الْمعدل كَافِي الكفاة بهاء الدّين الْبَغْدَادِيّ من بَيت فضل ورياسة وَكَانَ ذَا معرفَة بالأدب وَالْكِتَابَة لَهُ أَخَوان أَبُو نصر أَبُو المظفر سمع وروى صنف كتاب التَّذْكِرَة فِي لأدب والنوادر والتواريخ وَهُوَ كَبِير يدْخل فِي اثْنَي عشر مجلداً مَشْهُور اخْتصَّ(2/263)
بالمستنجد يجْتَمع بِهِ ويذاكره وولاه ديوَان الزِّمَام وَكَانَ أَولا عَارض جَيش المقتفى وَكَانَ كريم الْأَخْلَاق حسن الْعشْرَة وقف المستنجد على حكايات رَوَاهَا فِي التَّذْكِرَة توهم غَضَاضَة على الدولة فَأخذ من دست منصبه وَحبس وَلم يزل فِي نَصبه إِلَى أَن رمس توفّي مَحْبُوسًا سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس ماية وَمن شعره
(يَا خَفِيف الرَّأْس وَالْعقل مَعًا ... وثقيل الرّوح أَيْضا وَالْبدن)
(تدعى أَنَّك مثلي طيب ... طيب ات وَلَكِن بِاللَّبنِ)
قلت يُرِيد أَنه قرع وَمن شعره
(وحاشى معاليك أَن تستزاد ... وحاشى نوالك أَن يقتضى)
(ولكنما استزيد الحظوظ ... وَأَن أَمرتنِي النهى بالرضى)
ابْن حمدون المنشئ مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حمدون من كتاب الْإِنْشَاء بِبَغْدَاد)
لَهُ ترسل وَشعر توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس ماية وَهُوَ أَخُو مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب التَّذْكِرَة وَذَاكَ لقبه أَبُو الْمَعَالِي وَهَذَا لقبه أَبُو نصر وَكتب فِي الدِّيوَان من أوايل سنة ثلث عشرَة وَخمْس ماية إِلَى أَن توفّي وَكَانَ مُنْفَردا بالمهمات وَلم يثبت رسايله لِأَنَّهَا كَانَت تنثال عَلَيْهِ انثيالا ويكتبها ارتجالا وَله كتاب رسايل وتاريخ الْحَوَادِث
ابْن الأردخل الشَّاعِر مُحَمَّد بن أبي الْحسن بن يمن مهذب الدّين أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الْموصِلِي الْمَعْرُوف بِابْن الاردخل الشَّاعِر نديم صَاحب ميافارقين كَانَ من الشُّعَرَاء المجيدين مدح الْأَشْرَاف مُوسَى وَغَيره والاردخل هُوَ الْمجِيد فِي الْبناء توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وست ماية من شعره
(أير ينَام اللَّيْل وَهُوَ يقوم ... حامى الأهاب كَأَنَّهُ يحموم)
(مغرى بطول الْجَرّ إِلَّا أَنه ... مَا زَالَ مَفْتُوحًا بِهِ المضموم)
وَمِنْه أَيْضا
(وَلَقَد رَأَيْت على الْإِدْرَاك حمامة ... تبكى فتسعدني على الأحزان)
(تبكى على غُصْن واندب قامة ... فجميعنا يبكى على الأغصان)
(صرع الزَّمَان وحيدها فتعللت ... من بعده بالنوح وَالْأَحْزَان)(2/264)
(تخشى من الأوتار وَهِي مروعة ... مِنْهَا فكم غنت على العيدان)
مِمَّا اخترته من شعر الْمُهَذّب بن الأردخل رَحمَه الله
(أَفِي كل يَوْم لي من الدَّهْر صَاحب ... جَدِيد ولي حاد إِلَى بلد يَحْدُو)
(اروح واغدو للغنى غير مدرك ... ويدركه من لَا يروح وَلَا يَغْدُو)
وَمِنْه
(وَذكرهَا مَاء بدجلة لايم ... فَلم تتمالك أَن جرت عبراتها)
(فَللَّه عين مَا عتبت دموعها ... صمتن واقرار الجوارى صماتها)
وَمِنْه
(مَا على من وصاله الصُّبْح لَو ق ... صر من ليل هجره مَا أطاله)
(ألفى القوام عني أمالو ... هـ فقلبي مكسور تِلْكَ الاماله)
وَمِنْه)
(واهاً عل عَيْش مَضَت سنواته ... وكأنما كَانَت هِيَ السَّاعَات)
(والراح ترحم كل هم طالع ... بكواكب أفلاكها الراحات)
(قابلت بالساقي السَّمَاء فاطلعت ... بَدْرًا على كَأَنَّهَا مرآت)
(الْخضر عَارضه وواضح ثغره ... عين الْحَيَاة وصدغه الظُّلُمَات)
وَمِنْه
(يَا قَرِيبا عصيت فِيهِ التنائي ... وعزيزاً اطعت فِيهِ الهوانا)
(أخذت وصف قدك الْوَرق عني ... فأحبت لحبه الأغصانا)
وَمِنْه
(الشوق يهواني واهوى طرفه ... حَتَّى كِلَانَا واله بسقيم)
(وَكفى بأنواء الجفون اشارة ... فِي عارضى إِلَى طُلُوع نُجُوم)
وَمِنْه يصف سيوفا
(بيض تخير مَا تشَاء مدلة ... وَالْبيض تَأتي الِاخْتِيَار دلالا)
(فَمن الْكَوَاكِب يتخذن قبايعاً ... وَمن الْأَهِلّة يتخذن نعالا)
وَمِنْه(2/265)
(لي حشى مَا بليت شب سعيره ... فَعَسَى غَيره حشى استعيره)
(وعزيز على فقد غرير ... اضلعي روضه ودمعي غديره)
(مر يحمى بصارم اللحظ ثغراً ... كلما شم نوره زَاد نوره)
(عجبي للمدام فِي الجفن مِنْهُ ... كَيفَ يبْقى ودايماً تكسيره)
(ولخط بخده غير مقرو ... ء وبالخال مُعْجم مسطوره)
(بت اخشى بعاده ناحل الخص ... ر وَقد يبعد الْجواد ضموره)
(وَيْح مستقسم لَهُ مُضْمر هِيَ ... كي لقد فَازَ قدحه وضميره)
(مثل مَا فَازَ من عدا ومجير الد ... ين من حَادث الزَّمَان مجيره)
وَمِنْه
(فَخذ بسنان الرمْح عَن اكبد العدى ... فَلم يبْق فِيهِ من صداهن رونق)
(وَشبه بالمريخ لما خضبته ... وَمَا ذَاك إِلَّا وَهُوَ اشقر أَزْرَق)
)
وَمِنْه من قصيدة
(ستسبح دهراً فِي النجيع رؤوسهم ... مقنعة سبح القوابع فِي الْخمر)
وَمن أُخْرَى
(لكنني الْمَرْء من قوم إِذا امتهنوا ... طاروا إِلَى الْعِزّ من عدن إِلَى سقر)
مِنْهَا
(لَو لم يكن خارقاً للعاد مَا قربت ... تَوْطِئَة الْأُم فِيهِ حَيْضَة الذّكر)
(وَلَا يحلل مَاء من صوارمه ... جمر يطير عَلَيْهِ الْهَام كالشرر)
ابْن حُبَيْش مُحَمَّد بن الْحسن بن حُبَيْش بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء ثَانِي الْحُرُوف وَالْيَاء آخر الْحُرُوف والشين الْمُعْجَمَة هُوَ أَبُو بكر نزيل تونس أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ هُوَ أحد الأدباء المكثرين لَهُ تصانيف فِي الْآدَاب دخلت تونس وَلم يقْض لي بِهِ اجْتِمَاع واستجازه لي صاحبنا أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ وَله سَماع وَرِوَايَة أَنْشدني أثير الدّين لِابْنِ حُبَيْش قَالَ أَنْشدني اجازة
(قدم الرّبيع يحف بالأزهار ... مثل المليك بعسكر جرار)
(وَجُنُوده مَا قاد من زهر الرِّبَا ... وبنوده عذبات برق سَار)
(وقبابه الدوحات تجرى حولهَا ... خيل النسيم بملعب التيار)
(ولجينه من ياسمين ناصع ... ونضاره مطلول كل عرار)(2/266)
مِنْهَا
(فنهز للأغصان سمر ذوابل ... وتمد للأنهار بيض شفار)
(وبهارها يزهى بباهر شكله ... كأنامل مدت بكأس عقار)
(والورد يسفر عَن مورد صفحه ... والآس دَار بهَا كبدء عذار)
(والسوسن الأبهى يزان بصفرة ... زين العبير ترايب الْأَبْكَار)
(شقَّتْ كمايمه كَمَا حللت عَن ... صدر الفتاة معاقد الأزرار)
(وشقايق النُّعْمَان يخجل خدها ... إِذْ حدقت فِيهِ عُيُون بهار)
وَهِي طَوِيلَة جَيِّدَة
شمس الدّين الصايغ مُحَمَّد بن الْحسن بن سِبَاع شمس الدسن الصايغ الْعَرُوضِي أَقَامَ بالصاغة)
زَمَانا يقرئ النَّاس الْعرُوض ويشتغل عَلَيْهِ أهل الْأَدَب وَكَانَ يألف يقطب الدّين ابْن شيخ السلامية وبيته ورأيته غير مرّة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع ماية تَقْرِيبًا وَكَانَ لَهُ نظم ونثر شرح ملحة الْأَعْرَاب وَشرح الدريدية فِي مجلدين يقربان من أَرْبَعَة وهما عِنْدِي بِخَطِّهِ ووقفت فِيهِ على أَشْيَاء فِي الشواهد ضَبطهَا بِخَطِّهِ على غير الصَّوَاب وَاخْتصرَ صِحَاح الْجَوْهَرِي وجرده من الشواهد وَله غير ذَلِك ونظم قصيدة تائية فِي مقصد الهيتية الَّتِي لشيطان الْعرَاق تزيد عل الْألف بَيت بِكَثِير وَله الْمقَالة الشهابية وشرفها عَملهَا للْقَاضِي شهَاب الدّين الخوبي وَهِي عِنْدِي بِخَطِّهِ أَيْضا وَمن شعره
(أَن جزت بالموكب يَوْمًا فَلَا ... تسْأَل عَن السيارة الكنس)
(فثم آرام على ضمر ... لله مَا تفعل بالأنفس)
(بأحمر هَذَا وَذَا أصفر ... وأخضر هَذَا وَذَا سندسي)
(فَقل لذِي الْهَيْئَة يَا ذَا الَّذِي ... ينْقل مَا ينْقل عَن هرمس)
(قَوْلك هَذَا خطل بَاطِل ... أما ترى الأقمار فِي الأطلس)
أَخذه من سيف الدّين ابْن قزل المشد ونقصه فَإِنَّهُ قَالَ(2/267)
(زعم الأوايل إِنَّمَا ... تبدو الذوايب للكواكب)
(وتوهموا الْفلك المع ... ظم اطلساً مَا فِيهِ ثاقب)
(أَترَاهُم لم ينْظرُوا ... مَا فِي الزَّمَان من العجايب)
(كم من هِلَال قد بدا ... فِي اطلس وَله ذوايب)
وَقَالَ فِي رنك الأفرم وَكَانَ سَيْفا أَحْمَر على مسن فِي بَيَاض
(ملك لَهُ فِي الله وَجه أَبيض ... وبعدله فِي النَّاس عَيْش أَخْضَر)
(وبرنكه اللونان مد عَلَيْهِمَا ... لعداته فِي الْحَرْب سيف أَحْمَر)
وَقَالَ بِمصْر يتشوق إِلَى دمشق
(لي نَحْو ربعك دايماً يَا حلق ... شوق أكاد بِهِ جوى أتمزق)
(وهمول دمع من جوى بأضالعي ... ذَا مغرق طرفِي وَهَذَا محرق)
(اشتاق مِنْك منازلاً لم أُنْسُهَا ... أَنِّي وقلبي فِي ربوعك موثق)
(طلل بِهِ خلقي تكون أَولا ... وَبِه عرفت بك لما اتخلق)
)
(وقف عَلَيْك لذا التأسف والبكى ... قلبِي الْأَسير ودمع عَيْني الْمُطلق)
(ادمشق لَا بَعدت دِيَارك عَن فَتى ... أبدا إِلَيْك بكله يتشوق)
(أنفقت فِي ناديك أَيَّام الصَّبِي ... حبا وَذَاكَ أعز شىء ينْفق)
(ورحلت عَنْك ولى إِلَيْك تلفت ... وَلكُل جمع صدعه وتفرق)
(فاعتضت عَن أنسي بظلك وَحْشَة ... مِنْهَا وَهِي جلدي وشاب المفرق)
(فَلبِست ثوب الشيب وَهُوَ مشهر ... ونزعت ثوب الشرخ وَهُوَ مُعتق)
(وَلكم اسكن عَنْك قلباً طامعاً ... بوعود قربك وَهُوَ شوقاً يخْفق)
مِنْهَا
(وَالرِّيح تكْتب فِي الجداول اسطراً ... خطّ لَهُ نسخ النسيم مُحَقّق)
(وَالطير يقْرَأ والنسيم مردد ... والغصن يرقص والغدير يصفق)
(ومعاطف الأغصان غنتها الصِّبَا ... طَربا فَذا عَار وَهَذَا مُورق)
(وَكَأن زهر اللوز أحداق إِلَى ال ... زوار من حلل الغصون تحدق)
(وَكَأن أَشجَار الغياض سرادق ... فِي ظلها من كل لون نمرق)
(والورد بالألوان يجلو منْظرًا ... ونسيمه عطر كمسك يعبق)
(فبلابل مِنْهَا تتهيج بلابل ... ولذاك أَثوَاب الشَّقِيق تشقق)
(وهزاره يصبو إِلَى شحروره ... ويجاوب الْقمرِي فِيهِ مطوق)(2/268)
(وكأنما فِي كل عود صارخ ... عود حلا مزمومه وَالْمُطلق)
(وَالْوَرق فِي الأوراق يشبه شجوها ... شجوى وَأَيْنَ من الطيق الموثق)
مجد الدّين ابْن عَسَاكِر مُحَمَّد بن حسن بن عبد الْوَاحِد بن عَسَاكِر يجْتَمع فِي هبة الله بِالْحَافِظِ أبي الْقسم بن عَسَاكِر هُوَ الشَّيْخ الْأَمَام مجد الدّين ابْن بدر الدّين ابْن نجم الدّين كتب الْمَنْسُوب الفايق وبرع فِي الْكِتَابَة وَكتب على جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ بهاء الدّين مَحْمُود ابْن الْخَطِيب وَسمع السِّيرَة قَدِيما والبخارى على الحجار وَسمع على المزى مشيخة ونظم جيدا وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي شهر رَجَب سنة سبع وَسبع ماية كتب على كتابي لَذَّة السّمع فِي صفة الدمع
(وَلما وقفت على رَوْضَة ... دموع المحبين أزهارها)
(ثملت باكؤس أحسان من ... بِهِ لمعت لي أنوارها)
)
(فيا حسنها جنَّة قد جرت ... بنظمك والنثر وأنهارها)
(واضحت وادمع حسادها ... مضاعفة بالأسى نارها)
وَكتب عَلَيْهِ أَيْضا
(يَا لَذَّة السّمع والقلوب ... بمطرب مرقص غَرِيب)
(من نظم در لبحر علم ... أبي الصَّفَا الأوحد الأريب)
(وَالْبَحْر لَا شكّ كل وَقت ... يظْهر للنَّاس بالعجيب)
وَكتب عَلَيْهِ أَيْضا
(صنف فِي الدمع أما ... م أوحد فِي فنه)
(مصنفا بنظمه ... زهت رياض حسنه)
(فظل من يحسده ... تنهل سحب جفْنه)
وَكتب على كتابي كشف الْحَال فِي وصف الْخَال
(كل مَا صنف الْأَمَام صَلَاح ... الدّين يَنْتَهِي لَهُ فِي مجَال)
(أدب رايق وَنَحْو وطب ... وَحَدِيث فقه واسما رجال)
(ولغات كَثِيرَة واصول ... وتواريخ سالفات اللَّيَالِي)
(سِيمَا كشف حَال وصف لخال ... فَهُوَ للفضل خير عَم وخال)
وَكتب على كشف الْحَال أَيْضا
(اسعفتني بكتابك الْخَال الَّذِي ... قد عَم خد الطرس بالاحسان)
(يَا من غَدا فِي حسن وَجه زَمَاننَا ... خالاً تيَمّم بهجة الْإِنْسَان)(2/269)
(وغدوت للآداب من دون الورى ... خالاً وَعَما يَا اباً للسان)
(فلتبق مَا ضاءت سَمَاء محَاسِن ... بكواكب من عنبر الخيلان)
(يَا جَامعا للنَّاس شَمل فضايل ... كَانَ الْخَطِيب بهَا لِسَان بنان)
(نظمتها كعقود دتر بعد مَا ... كَانَت شروداً من قديم زمَان)
(فاستأنست بتلطف من فضلك ال ... وافي ووافت ساير الْبلدَانِ)
وَكتب أَيْضا على كتابي المثاني والمثالث
(أيا من لأهل الْمعَانِي يروض ... خُيُول القريض بمهمازه)
)
(لقد فقت فِي الْأَدَب المجتلى ... بِإِحْسَان أَنْوَاع اعجازه)
(ورقت الْأَنَام بِشعر حلا ... سحرت الْعُقُول بالغازه)
(يُطِيل التَّعَجُّب أطنابه ... ويلطف موقع إيجازه)
وَكتب عَلَيْهِ أَيْضا
(لقد كملت محَاسِن نظم حبر ... حوى فِي الْفضل اشتات الْكَمَال)
(صَلَاح للتأدب فِي البرايا ... خَلِيل للمفاخر والمعالي)
وَكتب عَلَيْهِ أَيْضا
(تفرد بالمثاني والمثالث ... أَمَام جد لَيْسَ ترَاهُ عابث)
(لَهُ فِي كل يَوْم بكر معنى ... إِلَى الْقلب السرُور الجم باعث)
(نسيم فِي رياض بل رحيق ... نشاط الْمَرْء عَنْهَا الْمَرْء وَارِث)
(عُيُون فِي الْأَذَان تلذ سمعا ... غَدا خمارها بِالسحرِ نافث)
(فيا لله من أدب قديم ... وفخر كل يَوْم فِيهِ حَادث)
(وَكم جليت لَهُ بمصنفات ... عقايل مَا سواهُ لَهَا بطامث)
(كَأَن السامعين لَهَا نشاوى ... غصون قد تثنت بالمثالث)
(تقاد لَهُ الْمعَانِي الغر عفوا ... فدع تَكْلِيف همام وحارث)
(فَعَنْهُ أَن رويت حَدِيث نظم ... أمنت بِهِ على الْأَدَب الْحَوَادِث)
كَمَا الدّين خطيب صفد مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الْخَطِيب كَمَا الدّين أَبُو عبد الله ابْن الْخَطِيب الشَّيْخ نجم الدّين ابْن الْكَمَال العثماني الْقُرْطُبِيّ الأَصْل الصَّفَدِي النشأة الدِّمَشْقِي المولد ولد فِي قَرَأَ الْقُرْآن وَصلى بِهِ واشتغل مَعنا على وَالِده رَحمَه الله(2/270)
تَعَالَى فحفظ جانبا جيدا من الْخُلَاصَة لِابْنِ مَالك ثمَّ كَانَ يحل فِي التسهيل على وَالِده واعرفه يقْرَأ فِي الحاوى وَكَانَ وَالِده قد جعله يَنُوب فِي الخطابة عَنهُ وَهُوَ امرد فِي سنّ سبع عشرَة سنة أَو مَا حولهَا فجود الخطابة واداها بفصاحة مَعْرُوفَة من أَصله وَكَانَ وَالِده كَانَ تفرس ذَلِك فَلَمَّا توفّي فجاءة على مَا يَأْتِي فِي تَرْجَمته قدم فصلى على أَبِيه ورسم لَهُ الْأَمِير سيف الدّين ارقطاى بالخطابة وتنجز لَهُ توقيعا من السُّلْطَان فمهر وَجَاء خَطِيبًا عديم الْمثل وَتُوفِّي وَالِده وَهُوَ عَار من الْكِتَابَة وَالْعلم إِلَّا أَنه عِنْده خماير كَانَت تمر على سَمعه فانتخى لنَفسِهِ وجود فَكتب جيدا ونظم ونثر واكب على)
المطالعة والاشتغال فجَاء كَاتبا ماهراً وَسمع على الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن الصياد الفاسي الْآتِي ذكره فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَسمع من لَفْظِي بعض مصنفاتي وَكتب بعض مجاميعي وَحضر إِلَى دمشق أَيَّام الفخرى وولاه كِتَابَة الدرج بصفد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي رَمَضَان فَكتبت لَهُ توقيعاً بذلك ونسخته رسم بِالْأَمر العالي لَا زَالَ يزِيد بدور أوليايه كمالا ويفيد سفور نعمايه جمالا وَيُعِيد وفور الْآيَة على من بهر بفوايده الَّتِي غَدا سحر بَيَانهَا حَلَالا أَن يرتب الْمجْلس السَّامِي الكمالي فِي كَذَا لِأَنَّهُ الْأَصِيل الَّذِي ثَبت فِي النّسَب الْأمَوِي رُكْنه وتفرع فِي الدوحة العثمانية غصنه وكمل قبل بُلُوغ الْحلم حلمه فَلم يكن فِي هضبات الأبرقين وَزنه وَألف حِين أشبل غَابَ الْمجد حَتَّى كَأَنَّهُ كنه والبليغ الَّذِي تساوى فِي البديع نظمه ونثره وخلب الْعُقُول من كَلَامه سحره وفَاق زهر اللَّيَالِي لآلئه ودرارئها دره والفاضل الَّذِي القى إِلَيْهِ الْعلم فضل الرسن وَمَج السهاد فَم جفْنه وَغَيره قد ذَر الكسل فِيهَا فَتْرَة الوسن وبرع فِي مذْهبه للشَّافِعِيَّة بِهِ كَمَا للحنفية مُحَمَّد بن الْحسن والخطيب الَّذِي يلعو صهوة الْمِنْبَر فيعرفه وَأَن لم يضع الْعِمَامَة ويطمئن لَهُ مطاه حَتَّى كَانَ بَينه وَبَين علميه عَلامَة ويبرز فِي سَواد شعاره بِوَجْه يخجل الْبَدْر إِذا بدا فِي الغمامة وَيَوَد السّمع إِذا أطاب لَو اطال فَإِنَّهُ مَا سامه سآمة وَيغسل درن الذُّنُوب إِذا أَيَّة بِالنَّاسِ وَذكر أهوال الْقِيَامَة ويتحقق النَّاس أَن كَلَامه روض ومنبره غُصْن وَهُوَ فِي اعلاه حمامة فليباشر ذَلِك مُبَاشرَة هِيَ فِي كَفَالَة مخايله وملام شمايله ومطامح الآمال فِي نتيجة الْمُقدمَات من أوايله وليدبج المهارق بإقلامه الَّتِي تنفث السحر فِي العقد وتشب برق الأسراع حَتَّى يُقَال هَذَا الْجَمْر وَقد وَقد وتنبه على قدر هَذَا الْفَنّ فَإِنَّهُ من عهد وَالِده خمل وخمد وتنبيه فَإِنَّهُ مَا رقا لما رقد ليسر ذَلِك اللَّيْث الَّذِي شب لَهُ مِنْهُ شبله وَذَلِكَ الْغَيْث الَّذِي فض لَهُ فَضله والوصايا كَثِيرَة وَهُوَ غنى عَن شرحها ملى بحراسة سرحها فَلَا يهدى إِلَى هجره مِنْهَا تَمْرَة وَلَا يلقى إِلَى بحره مِنْهَا درة وَلَكِن تقوى الله تَعَالَى أهم الْوَصَايَا واعمم نفعا مِمَّا فِي حنايا الزوايا من الخبايا وَهُوَ بهَا يَأْمر النَّاس على المنابر والآن تنطق بهَا السّنة اقلامه من أَفْوَاه المحابر فَلْيَكُن بهَا أول مَأْمُور وَأولى متصف اسفر لَهُ صبحها من سَواد الديجور وَالله يزِيدهُ فضلا ويفيده من القَوْل الْمُحكم فصلا والخط الْكَرِيم اعلاه حجَّة بِمُقْتَضَاهُ وَكتب إِلَى الْخَطِيب كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْحسن مَعَ ياسمين اهداه(2/271)
(مولاى صبحك السرُور ودمت فِي ... حفظ الأله من النوايب)
)
(مَالِي منعت من اللقا والود مَا ... لَك مهجتي والشوق غَالب)
(يَا شمس أنسى مَا ظهر ... ت وَمَا لعَيْنِي عَنْك حَاجِب)
(لما احْتَجَبت وَلم أجد ... بدر السما عَنْك بنايب)
(حملت بعض تحيتي الياسمي ... ن وسقته يحْكى الْكَوَاكِب)
فَكتبت أَنا الْجَواب إِلَيْهِ
(بالرغم مني أَن يكو ... ن لنُور عَيْني عَنْك حَاجِب)
(لَكِن خشيت من المها ... لَك أَن تعَارض فِي المطالب)
(من قبل تحجبني النَّوَى ... والآن تمنعني النوايب)
(أَتَرَى سواي ترى لَهُ ... صبرا على هذى المصايب)
(يَا ابْن الْكِرَام السالفي ... ن سقاهم صوب السحايب)
(يَا من غَدا كالبحر عَن ... هـ تحدث النَّاس العجايب)
(ونظامه وهباته ... ملْء الحقايق والحقايب)
(ارسلت شعرًا قدره ... ارخى على الشعرى الذوايب)
(وشفعته بهدية ... هِيَ مثل أنفاس الحبايب)
(مثل النُّجُوم الزهر ل ... كن لَيْسَ تطلع فِي الغياهب)
(فنظام ذَا ونثار تل ... ك لمن تحَققه مُنَاسِب)
(لَكِن ذَاك من الترا ... ب وَذَا تزان بِهِ الترايب)
(وعَلى الصَّحِيح فَأَنت قد ... مغلطت فِي تِلْكَ الْمَوَاهِب)
(إِذا أَنْت يَا مولَايَ تع ... لم والورى يدريه غايب)
(أَن الَّذِي يهوى كَمَا ... ل الْبَدْر لَا يرضى الْكَوَاكِب)
فَكتب الْجَواب هُوَ إِلَى بعد ذَلِك
(يَا من مَحل مقَامه ... حَيْثُ العلى اعلا الذوايب)
(يَا بَحر علم فِي الورى ... عَنهُ الْمُحدث لَيْسَ كَاذِب)
(يَا سيداً فِيهِ وَعَن ... هـ لنا الرغايب والغرايب)
(وَمن انتقى حُلْو الكلا ... م فصاغه حلى الترايب)
)
(وَمن ارْتقى اوج الفخا ... ر وَغَيره حل المغارب)
(وَمن اقتنى غرر المحا ... مد واحتذى هام الْكَوَاكِب)(2/272)
(ولذيل برد بَيَانه ... ابداً على سحبان ساحب)
(يَا من لِسَان يراعه ... امضى من الْبيض القواضب)
(يَا اوحداً فِي عصره ... يَا بدر ديجور الغياهب)
(قلدتني بجواهر ... من در لفظك بل مواهب)
(رقت أوراق جمَالهَا ... فَهِيَ الْحباب أَو الحبايب)
(وافت فاحرزت السن ... ى من المرجى فِي المطالب)
(وَأَتَتْ كروض ضَاحِك ... لبكاء أجفان السحايب)
(حيت تَحِيَّة عاطف ... أَو دمية لمياء كاعب)
(أوليتني مننا بهَا ... ولأنت فِي الأفضال دايب)
(لم يقْض شكرى حَقّهَا ... وَأَنا لَهُ أبدا ملازب)
(فَأَنا المقصر دايماً ... وعَلى الدعا فَأَنا المواضب)
(فِيك التَّشَيُّع مذهبي ... وَسوَاك فِي علياك ناصب)
(فَأسلم وَدم مترقياً ... لذرى الرفيع من الْمَرَاتِب)
وَقَالَ فِي غير هَذَا النَّحْو
(كم ذَا الجفا وفؤاد الصب يهواكي ... وَكم تشحى على المضنى بلقياكي)
(وَكم تصدى دلالاً فِي هَوَاك وَقد ... علمت بالهجر مَا يلقى مَعنا كي)
(يمسى وَيُصْبِح فِي نيران حبك لَا ... ينَال مِنْك سوى لذات ذكراكي)
(ويضمر الوجد والأشواق تظهر ... ويشتكي الْبعد والأحشاء مثواكي)
(ويدعى حب أُخْرَى كي يغالط يَا ... دنيا اللواحي وَمَا يُصِيبهُ الاك)
(ويرتجى خلو وصل مِنْك يَطْلُبهُ ... فَمَا تنيليه إِلَّا مر بلواكي)
(يهدي إِلَيْك مواثيقاً موكدة ... فِي كل حَال وتبدي عهد أفاك)
(مَا كَانَ ضرك لَو دمتي مُحَافظَة ... على المواثيق يَا دنيا لمضناك)
(وَكم تعاطيت بالنطق الْوَفَاء لنا ... ونفهم الْغدر من لحظات عَيْنَيْك)
)
(كردت صفو حيوتي بالمطال إِلَى ... أَن كَانَ يَوْم الردى فِيهَا قصاراك)
وَقَالَ(2/273)
(صب نأوا عَن قربه خلانه ... فَأرْسلت طوفانها أجفانه)
(لذ لَهُ ذل الغرام فيهم ... وَمَا حلا قطّ لَهُ سلوانه)
(وَلَا اعتراه ملل فِي حبهم ... حينا وَلَا لَازمه هجرانه)
(بحقكم يَا نازلين مهجتي ... رفقا بقلب أَنْتُم سكانه)
(وَالله مَا لذ لطرفي وَسن ... مذ بنتم لأنكم إنسانه)
(لَو لم يكن ظلّ الْحمى مقيلكم ... مَا شاقه البان وَلَا كثبانه)
(أَن ادّعى النَّاظر بعدا عَنْكُم ... فَفِي حشاى أَنْتُم جِيرَانه)
(أَو قَالَ بالطيف اكْتفى عَن وصلكم ... وَالله مَا ذاقت كرى أجفانه)
وَقَالَ
(خليلي بَاقٍ معهد الود أم عَفا ... فمورد طيب الْعَيْش بعْدك مَا صفا)
(وَيَا لَيْت شعري دوحة الْأنس بَعدنَا ... تقلص مِنْهَا الظل فِي الرّبع أم ضفا)
(وَيَا جيرة لذت حَياتِي بقربهم ... ومذ هجروا عَاد السرُور تكلفا)
(تواليت فِي حبي لكم فنصبتم ... لقلبي إشراك القطيعة والجفا)
(وَمَا رفضت نَفسِي قديم حقوقكم ... وَلَا دنت إِلَّا بالتشيع والوفا)
(وَلم يسلني حاشاكم الْبَين عَنْكُم ... وَلَو أَن قلبِي عَن غرام على شفا)
الشريف القنائي الْمَالِكِي مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد بن حجون الشَّيْخ الشريف القنائي قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي جمع بَين الْعلم وَالْعِبَادَة والورع الزهادة وَحسن الفاظ تفعل فِي الْعُقُول مَا لَا تَفْعَلهُ الْعقار مَعَ سُكُون ووقار سمع من الْعَلامَة أبي الْحسن على بن هبة الله ابْن سَلامَة والحافظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَالشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام بقرَاءَته عَلَيْهِم وَكَانَ فَقِيها ماليكاً ويقرئ مَذْهَب الشَّافِعِي نحويا فرضيا حاسبا مَحْمُود الطرايق انْتفع بِعِلْمِهِ وبركته طوايف من الخلايق تنقل عَنهُ كرامات وتؤثر عَنهُ مكاشفات وَكَانَ سَاقِط الدَّعْوَى كثير الْخلْوَة والانعزال عَن الْخلق صايم الدَّهْر قايم اللَّيْل قَالَ قَالَ لي الْخَطِيب حسن بن منتصر خطيب ادفو سمعته يَقُول كنت فِي بعض السياحات فَكنت أَمر بالحشايش فتخبرني عَمَّا)
فِيهَا من الْمَنَافِع وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست ماية بقنا
صدر الدّين الشَّافِعِي مُحَمَّد بن الْحسن بن يُوسُف الأرموي الْفَقِيه الْمُحدث الصَّالح صدر الدّين الشَّافِعِي نزيل دمشق ولد سنة عشر وست ماية وتو فِي رَحمَه الله تَعَالَى سنة سبع ماية قدم دمشق وَلزِمَ ابْن الصّلاح وَحدث عَنهُ وَعَن كَرِيمَة والتاج ابْن حمويه وَابْن قميرة وعدة تفقه وَحصل وَتعبد قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كتبت عَنهُ أَنا وساير الرفاق(2/274)
3 - (ابْن الْحسن)
القَاضِي الوادعي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن حبيب القَاضِي أَبُو حُصَيْن يفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة الوادعي الْكُوفِي طَال عمره وصنف الْمسند وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وماتين
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن الْخَلِيل أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي الْقطَّان الشَّيْخ الصَّالح مُسْند نيسابور توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَثلث ماية
الأبدى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن عَاصِم أَبُو الْحسن الآبري بِهَمْزَة ممدودة بَاء ثَانِي الْحُرُوف مَضْمُومَة وَرَاء مُهْملَة قبل يَاء النّسَب وآبر من قرى سجستان رَحل وطوف وصنف كتابا كَبِيرا فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي توفّي سنة ثلث وَسِتِّينَ وَثلث ماية
سيف الدّين الغوري مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْملك سيف الدّين ابْن الْملك عَلَاء الدّين الغوري بالغين الْمُعْجَمَة المضمومة وَالرَّاء ملك بعد أَبِيه فَلم تطل مدَّته قَتله الغز كَانَ عادلا حسن السِّيرَة منع جنده من إذية الْمُسلمين وَكَانَت قتلته سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس ماية
المحمد اباذي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو طَاهِر النَّيْسَابُورِي المحمد أباذي وَمُحَمّد أباذ محلّة بِظَاهِر نيسابور كَانَ من الثِّقَات الْعَالمين بمعاني الْقُرْآن وَالْأَدب توفّي سنة سِتّ وثلثين وَثلث ماية
شيخ الْأَشْرَاف مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن دَاوُد بن عَليّ السَّيِّد أبوالحسن الْعلوِي الحسني النَّيْسَابُورِي شيخ الْأَشْرَاف فِي عصره سمع وروى وَكَانَ يعد فِي مَجْلِسه ألف محبرة وأملى ثلث سِنِين ثمَّ توفّي فجاءة سنة إِحْدَى وَأَرْبع ماية
صَاحب قيد الأوابد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن ابراهيم بن عبد الله بن)
يَعْقُوب الْحَافِظ الْعَلامَة أَبُو عبد الله البنجديهي الزاغولي الأرزي ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين واربح ماية كَانَ عَارِفًا بِالْحَدِيثِ وطرقه واشتغل بِهِ طول عمره وَجمع كتابا مطولا أَكثر من أَربع ماية مجلدة يشْتَمل على التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه سَمَّاهُ قيد الأوابد توفّي سنة تسع وَخمسين وَخمْس ماية(2/275)
الْآجُرِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله الْآجُرِيّ وآجر بِالْجِيم قَرْيَة من قرى بَغْدَاد الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث صَاحب الْأَرْبَعين الْمَشْهُور كَانَ صَالحا عابدا دخل مَكَّة فَأَعْجَبتهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ ارزقني الْإِقَامَة بهَا سنة فَسمع هاتفا يَقُول بل ثلثين سنة فَعَاشَ بعد ذَلِك ثلثين سنة وَمَات سنة سِتِّينَ وَثلث ماية بِمَكَّة روى عَن أبي مُسلم الْبَلْخِي وَأبي شُعَيْب الْحَرَّانِي وَأحمد بن يحيى الْحلْوانِي والمفضل بن مُحَمَّد الجندي وَخلق كثير وصنف فِي الحَدِيث وَالْفِقْه كثيرا وروى عَنهُ جمَاعَة من الْحفاظ مِنْهُم الْحَافِظ أَبُو نعيم وَغَيره قَالَ الْخَطِيب كَانَ صَدُوقًا دينا
الشريف الرضى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنْهُم الْمَعْرُوف بالشريف الرضى بن الطَّاهِر ذى المناقب أبي أَحْمد الْحُسَيْن صَاحب الدِّيوَان الْمَشْهُور يُسَمِّيه الأدباء النايحة الثكلى لرقة شعره قَالَ الشّعْر بعد أَن جَاوز عشر سِنِين بِقَلِيل وَهُوَ أشعر الطالبين وَيُقَال أشعر قُرَيْش قلت مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ لقرشي كَثْرَة جيده كَانَ أَبوهُ قَدِيما يتَوَلَّى نقابة الطالبين وَالنَّظَر فِي الْمَظَالِم وَالْحج بِالنَّاسِ فَلَمَّا توفّي أَبوهُ رثاه أَبُو الْعَلَاء المعرى بقصيدته الفائية الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا
أودى فليت الحادثات كفاف مِنْهَا يذكر الْغُرَاب
(لَا خَابَ سعيك من خفافٍ أسحمٍ ... كسحيمٍ الأسديِّ أَو كخفاف)
(من شَاعِر للبين قَالَ قصيدةً ... يرثي الشَّريف على رويِّ الْقَاف)
مِنْهَا
(فَارَقت دهرك ساخطاً أَفعاله ... وَهُوَ الجدير بقلَّة الْإِنْصَاف)
(وَلَقِيت ربَّك فاستردَّ لَك الْهدى ... مَا نَالَتْ الأقوام بِالْإِتْلَافِ)
(أبقيت فِينَا كوكبين سناهما ... فِي الصُّبح والظَّلماء لَيْسَ بخاف)
)
(قدرين فِي الإرداء بل مطرين فِي ... الأجداء بل قمرين فِي الأسداف)
(والراح أَن قيل ابْنة الْعِنَب اكتفت ... بأبٍ من الْأَسْمَاء والأوصاف)(2/276)
(مَا زاغ بَيتكُمْ الرَّفيع وإنَّما ... بالوهم أدْركهُ خفى زحاف)
قلت مَا غزى كَبِير بذاهب سلف بِمثل هَذَا الْبَيْت وَقَوله فِيمَا مر يرثى الشريف على روى الْقَاف يُرِيد قَول الْغُرَاب غاق كلما كررها وَهُوَ من أحسن تخيل وَردت الْأَعْمَال الَّتِي كَانَت بيد أَبِيه إِلَيْهِ فِي حَيَاته قَالَ ابْن جنى احضر الشريف وَهُوَ صَغِير لم يبلغ الْعشْر من السنين إِلَى ابْن السيرافي فلقنه النَّحْو فَلَمَّا كَانَ بعد مديدة وَهُوَ قَاعد فِي الْحلقَة ذاكره بشىء من الْأَعْرَاب على عَادَة التَّعْلِيم فَقَالَ لَهُ إِذا قُلْنَا رَأَيْت عمر مَا علاقَة النصب فِيهِ فَقَالَ الرضى بغض على فَعجب السيرافي والحاضرون من حِدة ذهنه قلت ذكرت هَا هُنَا قَول الْوراق الحظيري فِيمَن اسْمه فتح وَهُوَ مليح إِلَى الْغَايَة
(يَا فَتْحُ يَا أشْهَرَ كلِّ الورى ... باللوم والخِسَّةِ والكِذْبِ)
(كم تدّعي شيعَة آل العبا ... اسْمك ينبيني عَن النصب)
وَله كتاب فِي مجَاز الْقُرْآن نَادِر وَكتاب فِي مَعَاني الْقُرْآن والمتشابه فِي الْقُرْآن مجازات الْآثَار النَّبَوِيَّة مُشْتَمل على أَحَادِيث تَلْخِيص الْبَيَان عَن مجازات الْقُرْآن سيرة وَالِده الطَّاهِر شعر ابْن الْحجَّاج أَخْبَار قُضَاة بَغْدَاد رسايله ثلث مجدلات ديوَان شعره ثلث مجلدات وَالنَّاس يَزْعمُونَ أَن نهج البلاغة من انشايه سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين احْمَد بن تيممية رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَيْسَ كَذَلِك بل الَّذِي فِيهِ من كَلَام على بن أبي طَالب مَعْرُوف وَالَّذِي فِيهِ للشريف الرضى مَعْرُوف أَو كَمَا قَالَ يُقَال أَنه اجتاز بعض الأدباء بدار الشريف الرضى وَقد هدمت واخنى عَلَيْهَا الزَّمَان واذهب ديباجتها وبقايا رسومها فتعجب من صروف الزَّمَان وَأنْشد قَول الرضى
(وَلَقَد وقفت على ربوعهم ... وطلولها بيد البلى نهب)
(فَبَكَيْت حَتَّى ضج من لغب ... نضوى ولج بعذلى الركب)
(وتلفتت عَيْني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت الْقلب)
فَمر بِهِ آخر وَهُوَ ينشدها فَقَالَ اتعرف هَذِه الدَّار لمن فَقَالَ لَا قَالَ هِيَ لقايل هَذِه الأبيات الشريف الرضى وَمن نظم الشريف الرضى يُخَاطب الإِمَام الْقَادِر)
(عطفا أَمِير الْمُؤمنِينَ فاتنا ... فِي دوحة العلياء لَا نتفرق)(2/277)
(مَا بَيْننَا يَوْم الفخار تفَاوت ... أبدا كِلَانَا فِي السِّيَادَة معرق)
(إِلَّا الْخلَافَة ميزتك فأنني ... أَنا عاطل مِنْهَا وَأَنت مطوق)
فَيُقَال أَن الْخَلِيفَة لما بلغته الأبيات قَالَ على رغم أنف الرضى وَيُقَال أَنه كَانَ يَوْمًا جَالِسا بَين يَدَيْهِ فَأخذ يعبث بذقنه ويرفعها إِلَى أَنفه فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة كَأَنَّك تشم فِيهَا رايحة الْخلَافَة فَقَالَ لَا وَالله رايحة النُّبُوَّة وَهَذَا أَنا استبعد وُقُوع مثله بَين يَدي الْخَلِيفَة وَمن شعره قَوْله
(يَا لَيْلَة السفح إِلَّا عدت ثَانِيَة ... سقى زَمَانك هطال من الديم)
(مَاض من الْعَيْش لَو يفدى بذلت لَهُ ... كرايم المَال من خيل وَمن نعم)
(بتنا ضجيعين فِي ثوبي تقى ونقا ... فضمنا الشوق من قرع إِلَى قدم)
(وَبَات بارق ذَاك الثغر يُوضح لي ... مواقع اللثم فِي داج من الظُّلم)
(وامست الرّيح كالغيري تجاذبنا ... على الْكَثِيب فضول اريط واللمم)
(واكتم الصُّبْح عَنْهَا وَهِي نايمة ... حَتَّى تكلم عُصْفُور على علم)
(فَقُمْت انفض بردا مَا تعلقه ... غير العفاف وَغير الرعى للذمم)
وَمِنْه قَوْله أَيْضا
(يَا صَاحب الْقلب الصَّحِيح أما اشتفى ... يَوْم النَّوَى من قلبِي المصدوع)
(أأسأت بالمشتاق حِين ملكته ... وجزيت فرط نزاعه بنزوع)
(هَيْهَات لَا تتكلفن لي الْهوى ... فَضَح التطبع شِيمَة المطبوع)
(وتركتني طمآن اشرب ادمعي ... اسفاً على ذَاك اللمى الْمَمْنُوع)
(قلبِي وطرفي مِنْك هَذَا فِي حمى ... قيظ وَهَذَا فِي رياض ربيع)
(ابكى ويبسم والدجى وَمَا بَيْننَا ... حَتَّى استضاء بثغره ودموعي)
(قمر إِذا استجليته بعتابه ... لبس الْغُرُوب فَلم يعد لطلوع)
(ابغى الْوِصَال بشافع من غَيره ... شَرّ الْهوى مَا رمته بشفيع)
(مَا كَانَ إِلَّا قبْلَة التَّسْلِيم ار ... دفها الْفِرَاق بضمة التوديع)
(وتبيت رَيَّان الجفون من الْكرَى ... وابيت مِنْك بليلة الملسوع)
(قد كنت اجزيك الصدود بِمثلِهِ ... لَو أَن قَلْبك كَانَ بَين ضلوعي)
)
وَمِنْه قَوْله أَيْضا
(عارضاً بِي ركب الْحجاز اسايل ... هـ مَتى عَهده بأيام جمع)(2/278)
(واستملا حَدِيث من سكن الخي ... ف وَلَا تكتباه إِلَّا بدمعي)
وَمِنْه قَوْله
(أَيهَا الرايح الْمجد تحمل ... حَاجَة للمتيم المشتاق)
(اقرعني السَّلَام أهل الْمصلى ... فبلاغ السَّلَام بعض التلاقي)
(وَإِذا مَا وصلت للخيف فاشهد ... أَن قلبِي إِلَيْهِ بالأشواق)
(ضَاعَ قلبِي فأنشده لي بَين جمع ... ومني عِنْد بعض تِلْكَ الحداق)
(وابك عني فطالما كنت من قب ... ل اعير الدُّمُوع للعشاق)
وَقَوله أَيْضا
(يَا خليلي من ذؤابة قيس ... فِي التصابي مَكَارِم الْأَخْلَاق)
(عللاني بذكرهم واسقياني ... وامزجالي دمعي بكأس دهاق)
(وحذا النّوم من جفوني فَإِنِّي ... قد خلعت الْكرَى على العشاق)
قيل أَن الْمُطَرز لما وقف عَلَيْهَا قَالَ رحم الله الشريف الرضى وهب مَا لَا يملك على من لَا يقبل فبلغني أَن الشَّيْخ صدر الدّين ابْن الْوَكِيل رَحمَه الله لما سمع ذَلِك قَالَ وَالله قَول الْمُطَرز عِنْدِي احسن من قَول الشريف الرضى وَقَوله فِي القصيدة الكافية أَولهَا
(يَا ظَبْيَة البان ترعى فِي خمايله ... لِيَهنك الْيَوْم أَن الْقلب مرعاك)
سَمِعت القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُودًا رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول الله يرْزق المليحة بخت الوحشة مَا من شَاعِر إِلَّا وَقد عَارض هَذِه القصيدة وَلَيْسَ لَهُ ديباجتها أَو كَمَا قَالَ ومحاسن شعره كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة وَكَانَت وِلَادَته سنة تسع وَخمسين وَتُوفِّي بكرَة الْخَمِيس سادس الْمحرم وَقيل صفر سنة سِتّ وَأَرْبع ماية وَتُوفِّي وَالِده سنة أَربع ماية وَقيل سنة ثلث وَأَرْبع ماية وَلما توفّي الشريف الرضى حضر الْوَزير فَخر الْملك وَجَمِيع الْأَشْرَاف والقضاة وَالشُّهُود والأعيان وَدفن فِي دَاره بالكرخ وَمضى أَخُوهُ الشريف المرتضى إِلَى مشْهد مُوسَى بن جَعْفَر لِأَنَّهُ لم يسْتَطع أَن ينظرإلى تابوته وَصلى عَلَيْهِ الْوَزير مَعَ جمَاعَة امهم أَبُو عبد الله ابْن المهلوس الْعلوِي ثمَّ دخل النَّاس أَفْوَاجًا فصلوا عَلَيْهِ وَركب الْوَزير آخر النَّهَار إِلَى المشهد بمقابر قُرَيْش فعزى)
المرتضى والزمه الْعود إِلَى دَاره ورثاه المرتضى بمراث كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله
(يَا للرِّجَال لفجعة خدمت يَدي ... ووددتها ذهبت على برأسي)
(مَا زلت آبي وردهَا حَتَّى أَتَت ... فحسوتها فِي بعض مَا أَنا حاس)
(ومطلتها زَمنا فَلَمَّا صممت ... لم يثنها مطلى وَطول مكاسي)(2/279)
(لَا تنكرا من فيض دمعي عِبْرَة ... فالدمع خير مساعد ومواسى)
وَمن ورع الرضى أَنه اشْترى جزازا من امْرَأَة بِخَمْسَة دَرَاهِم فَوجدَ فِيهِ جُزْءا بِخَط ابْن مقلة فَأرْسل إِلَيْهَا وَقَالَ وجدت فِي جزازك هَذَا وَقِيمَته خَمْسَة دَنَانِير فَإِن شِئْت الْجُزْء وَأَن شِئْت خَمْسَة دَنَانِير فابت وَقَالَت ابعتك مَا فِي الجزاز فَلم يزل بهَا حَتَّى أخذت الذَّهَب وَقَالَ الخالع مدحت الرضى بقصيدة فَبعث إِلَى بِتِسْعَة وَأَرْبَعين ردهما فَقلت لَا شكّ أَن الأديب خانني ثمَّ أَنِّي اجتزت بسوق الْعَرُوس فَرَأَيْت رجلا يَقُول لآخر اتشتري هَذَا الصحن فَإِنَّهُ أخرج من دَار الرضى أبيع بِتِسْعَة وَأَرْبَعين درهما وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسَة دَنَانِير فَعلمت أَنه كَانَ وقته مضيقاً فاباع الصحن وأنفذ ثمنه إِلَى ومحاسنه كَثِيرَة وَلما توفّي الشريف الرضى قَالَ الْوَزير المغربي يرثيه بقصيدة أَولهَا رزء اغار بِهِ النعى وأنجدا مِنْهَا
(اذكرتنا يَا ابْن النَّبِي مُحَمَّد ... يَوْمًا طوى عني أَبَاك مُحَمَّدًا)
(وَلَقَد عرفت الدَّهْر قبلك سالياً ... إِلَّا عَلَيْك فَمَا أطَاق تجلدا)
(مَا زلت نصل الدَّهْر يَأْكُل غمده ... حَتَّى رَأَيْتُك فِي حشاه مغمدا)
ابْن نجدة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ النَّحْوِيّ يعرف بِابْن نجدة مَشْهُور فِي أهل الْأَدَب لَهُ خطّ مَرْغُوب فِيهِ
الْيُمْنَى المغربي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عمر الْيُمْنَى أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ الأديب كَانَ مُقيما بِمصْر وَتُوفِّي فِيمَا ذكره أَبُو اسحق الحبال فِي سنة أَربع ماية وَله تصانيف مِنْهَا أَخْبَار النَّحْوِيين مضاهاة أَمْثَال كليلة ودمنة من أشعار الْعَرَب وَكتب إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْجُوع عِنْد قدومه من الْمغرب قصيدة طَوِيلَة أَولهَا
(خففت إِلَى عتابي بالهجاء ... وحلت عَن الْمَوَدَّة والصفاء)
)
(وَكم لَك من طريقي حدت عَنهُ ... وقارعة الطَّرِيق على اسْتِوَاء)
(وَلَو أَنا تناصفنا لَكنا ... نجومك حِين تطلع من سماءي)
(لِأَنِّي استشفك عَن ضمير ... كَمثل النَّار ملتهب الذكاء)
فَكتب إِلَيْهِ الْجَواب
(هديت وَمَا عرفتك بالهذاء ... واعلنت العويل مَعَ العواء)(2/280)
(وصرفت العتاب إِلَى هجاء ... وَلَيْسَ بسالك وَجه الهجاء)
(واكثرت الدَّعَاوَى فِي عتابي ... على أَنِّي دعوتك للوفاء)
(وَكنت ككامن فِي سر زند ... وقدح الزند يذكى بالضياء)
وَمن شعره مَا زعم أَنه لَيْسَ لقافيها خَامِس
(اسقمني حب من هويت فقد ... صرت بحبيه فِي الْهوى آيه)
(يَا غَايَة فِي الْجمال صوره ... أما لهَذَا الصدود من غايه)
(تَرَكتنِي بالسقام مشتهرا ... اشهر للْعَالمين من رايه)
(أحب جِيرَانكُمْ من أجلكم ... بِحجَّة الطِّفْل تشبع الدايه)
الصُّوفِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى أَبُو عبد الله الْأَزْدِيّ أَبَا السلمى جدا لِأَنَّهُ سبط أبي عَمْرو اسمعيل بن بَحر كَانَ شيخ الصُّوفِيَّة وعالمهم بخراسان وَسمع وَحدث وانتخب عَلَيْهِ الْكِبَار توفّي سنة أثنتي عشرَة وَأَرْبع ماية
ابْن طَلْحَة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن طَلْحَة هُوَ أَبُو الْحسن ابْن الشَّيْخ أبي عَليّ أورد لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة وَقَالَ سنة دون الْعشْرين
(رعى الله دَارا بالحمى هِيَ دَارنَا ... وقوماً هم أحبابنا والحبايب)
(فكم بالحمى من مرهف الْقد ناعم ... قد اخْتلفت للشعر فِيهِ الْمُنَاسب)
(محياه للورد الجنى ملابس ... ورياه للمسك الذكى مسالب)
(فيا دَار بل يَا دارة الْبَدْر فِي الدجى ... سقتك دموع لاسقتك سحايب)
مِنْهَا
(ودوية لَا مَاء إِلَّا سرابها ... وَلَا ركب إِلَّا آلها المتراكب)
(كَأَن مطايانا مخاريق لاعب ... تألق فَوق الأكم والأكم لاعب)
)
أَبُو عبد الله الْخَولَانِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن المضرس الْخَولَانِيّ أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ وَكَانَ مقدما فِي النَّحْو وَله شعر ومناقضات مَعَ أبي يعلى حَمْزَة بن مُحَمَّد المهلبي وَمَات بِالْبَصْرَةِ سنة سبع وَعشْرين وَثلث ماية
ابْن العميد الْكَاتِب مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل بن أبي عبد الله(2/281)
الْكَاتِب المعوف بِابْن المعميد لقب وَالِده بذلك على عَادَة أهل خُرَاسَان فِي التَّعْظِيم وَكَانَ وَالِده يلقب بكله بِضَم الْكَاف وَفتح اللَّام مُخَفّفَة وَبعدهَا هَاء وَسَيَأْتِي ذكره فِي تَرْجَمَة على بن مُحَمَّد الأسكافي الْكَاتِب وَكَانَ ابْن العميد وَزِير ركن الدولة أبي على الْحسن بن بويه وَالِد عضد الدولة تولى وزارته عقيب موت وزيره أبي على القمى سنة ثَمَان وَعشْرين وَثلث ماية وَكَانَ متوسعاً فِي عُلُوم الفلسة والنجوم وَأما الْأَدَب والترسل فَلم يُقَارِبه فِي ذَلِك أحد فِي زَمَانه كَانَ يُسمى الْحَافِظ الثَّانِي قَالَ الثعالبي كَانَ يُقَال بدئت الْكِتَابَة بِعَبْد الحميد وختمت بِابْن العميد وَكَانَ كَامِل الرياسة جليل الْمِقْدَار من بعض اتِّبَاعه الصاحب ابْن عباد وَلأَجل صحبته لَهُ قيل لَهُ الصاحب وَكَانَ يُقَال لَهُ الْأُسْتَاذ توجه الصاحب إِلَى بَغْدَاد وَعَاد فَقَالَ لَهُ كَيفَ وَجدتهَا فَقَالَ لَهُ بغدادي فِي الْبِلَاد كالاستاذ فِي الْعباد وَكَانَ سايسا مُدبرا للْملك قَصده جمَاعَة من الشُّعَرَاء من الْبِلَاد الشاسعة مِنْهُم أَبُو الطّيب المتنبي مدحه بقصيدته الَّتِي أَولهَا
(باد هَوَاك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك أَن لم يجر دمعك أَو جرى)
فوصله بثلثة آلَاف دينارن ومدحه ابْن نباتة السَّعْدِيّ بقصيدة أَولهَا
(برح اشتياق وادكار ... ولهيب أنفاس حرار)
فتأخرت صلَة ابْن العميد عَنهُ وطالت الْمدَّة فَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسه الحفل وَجرى بَينهمَا محاورة ومجاوبة طَوِيلَة إِلَى أَن قَامَ ابْن العميد من مَجْلِسه مغضبا وَلما كَانَ ثَانِي يَوْم طلبه ليصله فَلم يَقع لَهُ عل خبر وَكَانَ حسرة فِي قلب ابْن العميد إِلَى أَن مَاتَ وَقد ذكر هَذِه الْوَاقِعَة بِطُولِهَا ابْن خلكان ثمَّ لم يثبتها لِابْنِ العميد إِلَى أَن مَاتَ وَقد ذكر هَذِه الْوَاقِعَة بِطُولِهَا ابْن خلكان ثمَّ لم يثبتها لِابْنِ نباتة وَلابْن عباد فِيهِ مدايح كَثِيرَة وَمن شعر ابْن العميد
(رَأَيْت فِي الْوَجْه طَاقَة بقيت ... سَوْدَاء عَيْني تحب رؤيتها)
(فَقلت للبيض إِذْ تروّعها ... بِاللَّه إلاّ رحمت وحدتها)
(فَقل لبث السَّوْدَاء فِي بلد ... تكون فِيهِ الْبَيْضَاء ضَرَّتهَا)
)
توفّي ابْن العميد فِي صفر وَقيل فِي الْمحرم بالرى وَقيل بِبَغْدَاد سنة سِتِّينَ وَثلث ماية لما مَاتَ رتب مخدومه ركن الدولة وَلَده ذَا الكفايتين أَبَا الْفَتْح عليا مَكَانَهُ وَسَيَأْتِي ذكر أبي الْفَتْح على فِي مَكَانَهُ أَن شَاءَ الله تَعَالَى
آخر الْجُزْء الثَّانِي من الوافي بالوفيات يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله وَالْحَمْد لله وَحده(2/282)
(الْجُزْء الثَّالِث)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(رب أعن)
الْوَزير أَبُو شُجَاع مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الملقب ظهير الدّين أَبُو شُجَاع الروذاروري الأَصْل الهوازي المولد قَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَقَرَأَ الْأَدَب وَولي الوزارة للْإِمَام المقتدى بعد عزل عميد الدولة أبي مَنْصُور بن جهير ثمَّ أُعِيد عميد الدولة وَلما قَرَأَ شُجَاع التوقيع بعزله أنْشد
(تولاها وَلَيْسَ لَهُ عَدو ... وفارقها وَلَيْسَ لَهُ صديق)
وَخرج بعد عَزله مَاشِيا يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْجَامِع من دَاره وانثالت عَلَيْهِ الْعَامَّة تصافحه وَتَدْعُو لَهُ فألزم لذَلِك بِالْجُلُوسِ فِي بَيته ثمَّ أخرج إِلَى روذراور فَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّة ثمَّ خرج إِلَى الْحَج وَخرجت الْعَرَب على الْحَج فَلم يسلم غَيره وجاور بعد الْحَج إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة النبيّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية وَدفن بِالبَقِيعِ عِنْد قبَّة إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد اثنى الْعِمَاد الْكَاتِب على أَيَّام وزارته وَكَذَلِكَ ابْن الهمذاني فِي الذيل رَحمَه الله تَعَالَى لما قرب أمره وحان ارتحاله حمل إِلَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف عِنْد الحظيرة وَبكى وَقَالَ يَا رَسُول الله قَالَ الله تَعَالَى وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما وَلَقَد جئْتُك معترفا بذنوبي وجرايمي أَرْجُو شفاعتك وَبكى وَرجع فَتوفي من يَوْمه وَكَانَ أَيَّام وزارته لَا يخرج من بَيته حَتَّى يكْتب شَيْئا من الْقُرْآن وَيقْرَأ فِي الْمُصحف ويزكى أَمْوَاله الظَّاهِرَة والباطنة فِي ضيَاعه وأملاكه وَيتَصَدَّق سرا وَاذْكُر النَّاس بأيامه عدل العادلين وَعمل ذيلاً على تجارب الْأُمَم وَله شعر حسن مدون مِنْهُ)
(أيذهب جلّ الْعُمر بيني وَبَيْنكُم ... بِغَيْر لِقَاء إِن ذَا لشديد)
(فَإِن يسمح الدَّهْر الخؤون بوصلكم ... على فَاقَتِي إِنِّي إِذا لسَعِيد)
وَمِنْه وَهُوَ لطيف
(لأعذبن الْعين غير مفكر ... فِيهَا بَكت بالدمع أَو فاضت دَمًا)
(وَلَا هجرن من الرقاد لذيذه ... حَتَّى يعود على الجفون محرما)(3/5)
(هِيَ أوقعتني فِي حَبَايِلُ فتْنَة ... لَو لم تكن نظرت لَكُنْت مُسلما)
(سفكت دمي فَلَا سفحن دموعها ... وَهِي الَّتِي ابتدأت فَكَانَت أظلما)
وَهَذَا مثل قَول الآخر
(يَا عين مَا ظلم الفؤا ... د وَلَا تعدى فِي الصَّنِيع)
(جرعته مر الْهوى ... فمحا سوادك بالدموع)
ابْن بنْدَار مقرئ الْعرَاق مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن بنْدَار أَبُو الْعِزّ الوَاسِطِيّ القلانسي مقرئ الْعرَاق وَصَاحب التصانيف فِي القرآات توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس ماية
الْأَعرَابِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْمُبَارك أَبُو جَعْفَر يعرف بالأعرابي كَانَ عابداً ناسكاً سمع أسود بن عَامر وطبقته روى عَنهُ ابْن صاعد وَغَيره وَكَانَ ثِقَة مَاتَ لَهُ ولد نَفِيس كَانَ يحفظ الحَدِيث فَتغير حَاله وحزن عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ سنة سبعين وماتين
ابْن الوضاح الْأَنْبَارِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن عَليّ بن الْحسن بن يحيى بن حسان بن الوضاح الْأَنْبَارِي الشَّاعِر انْتقل إِلَى نيسابور وسكنها توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَثلث ماية من شعره
(سقى الله بَاب الكرخ ربعا ومنزلاً ... وَمن حلّه صوب السَّحَاب المجلجل)
(فَلَو أَن باكي دمنة الدَّار باللوى ... وجارتها أم الربَاب بمأسل)
(رأى عرصات الكرخ أوحل أرْضهَا ... لأمسك عَن ذكرى الدُّخُول فحومل)
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْموصِلِي الْمَعْرُوف بِابْن وَحشِي ذكره السَّمْعَانِيّ وَقَالَ كَانَ إِمَامًا فِي الْقُرْآن والنحو وَالْعرُوض مبرزا فِي الْأَدَب وَأنْشد لَهُ
(وَركب تنادوا للصَّلَاة وَقد جرى ... مَعَ النّيل من دمعي لبينهم دم)
(فَلم يَجدوا مَاء طهُورا فيمموا ... لَدَيْهِ صَعِيدا طيبا فَتَيَمَّمُوا)
)
قلت كَانَ مقَامه بميا فارقين(3/6)
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الجفنى يعرف بِابْن الدّباغ أَبُو الْفرج اللّغَوِيّ كَانَ يزْعم أَنه من غَسَّان من بني جَفْنَة الْبَغْدَادِيّ كَانَ أديباً فَاضلا قَرَأَ على الشريف ابْن الشجري وموهوب الجواليقي وتصدر لاقراء النَّحْو واللغة مُدَّة وَله رسايل وَشعر مدون وَخرج إِلَى الْموصل وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية وَمن شعره
(خيال سرى فازداد مني لَدَى الدجى ... خيالاً بَعيدا عَهده بالمراقد)
(عجبت لَهُ أَنى وآني وإنني ... من السقم خَافَ عَن عُيُون العوايد)
(وَلَوْلَا أنيني مَا اهْتَدَى لمضاجعي ... وَلم يدر ملقى رحلنا بالفراقد)
ابْن ميخاييل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي الْفَتْح الْقرشِي من أَبنَاء سوسة اشْتهر بِابْن ميخاييل وَقد أوطن مَدِينَة القيروان وتأدب بهَا قَالَ ابْن رَشِيق وَهُوَ صَعب الْمَكَان فِي الشّعْر شَدِيد الانتقاد على مَذْهَب قدامَة بن جَعْفَر الْكَاتِب وَأورد لَهُ
(صَوت عبد الله من مسكة ... وصور النَّاس من الطين)
(أبدعه الرَّحْمَن سُبْحَانَهُ ... كَمثل حور الْجنَّة الْعين)
(مهفهف الْقد هضيم الحشا ... يكَاد ينْقد من اللين)
(كَأَن فِي أجفانه منتضى ... سيف عَليّ يَوْم صفّين)
وَمن شعره
(أَحْبَبْت مِنْهُ شمايلاً فَوَجَدتهَا ... فِي الطَّبْع مثل خلايقي وشمايلي)
(فكأنني أَحْبَبْت من قد شقَّه ... حبي ورحت مشاكلاً لمشاكلي)
(كم لَيْلَة مزقت ثوب ظلامها ... بضيايه وَقبلت فِيهِ وسايلي)
(فكأنني من وَجهه فِي صبحها ... وَكَأَنَّهُ منى منَاط حمايلي)
(والعيش لَيْسَ يلذ طعم مذاقه ... حَتَّى يشاب بمأثم أَو بَاطِل)
البسطامي الْوَاعِظ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْهَيْثَم أَبُو عمر البسطامي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْوَاعِظ قَاضِي نيسابور توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبع ماية
الشريف قَاضِي دمشق مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبيد الله بن الْحُسَيْن أَبُو عبد الله النصيبي الْعلوِي الشريف قَاضِي دمشق وخطيبها ونقيب الْأَشْرَاف وكبير الشَّام كَانَ عفيفاً نزهاً أديباً(3/7)
بليغاً لَهُ)
ديوَان شعر توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبع ماية
ابْن الْفراء الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن خلف بن أَحْمد أَبُو خازم ابْن الْفراء أَخُو القَاضِي أبي يعلى الْحَنْبَلِيّ سمع الحَدِيث بِبَغْدَاد وسافر إِلَى مصر فَنزل تنيس وَتُوفِّي بهَا سَابِع عشر الْمحرم سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبع ماية وَحمل إِلَى دمياط فَدفن سمع الدَّار قطنى وَغَيره حدث بِدِمَشْق عَن عِيسَى بن عَليّ الْوَزير قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَلَا بَأْس بِهِ
القَاضِي أَبُو يعلى ابْن الْفراء الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن خلف بن أَحْمد القَاضِي أَبُو يعلى الْحَنْبَلِيّ أَخُو أبي خازم الْحَنْبَلِيّ الْمُقدم ذكره ولد فِي الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَثَلَاث ماية وَسمع الحَدِيث الْكثير انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْحَنَابِلَة وصنف الْكتب وَتَوَلَّى الحكم بحريم الْخلَافَة وَتُوفِّي عشْرين شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع ماية وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة وغسله الشريف أَبُو جَعْفَر بِوَصِيَّة مِنْهُ وَأوصى أَن لَا يدْخل مَعَه الْقَبْر غير مَا غزله من الأكفان لنَفسِهِ وعطلت الْأَسْوَاق لجنازته وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الْقسم وعمره خمس عشرَة سنة وَكَانَ قد جمع بَين الزّهْد والتقشف والصمت عَمَّا لَا يعنيه قَالَ أَبُو عَليّ البرداني رَأَيْته فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ وَهُوَ يعد بأصابعه غفر لي ورحمني وَرفع منزلتي فَقلت بِالْعلمِ فَقَالَ لي بِالصّدقِ قَالَ ابْن عَسَاكِر رَحمَه الله تَعَالَى سَمِعت أَبَا غَالب ابْن أبي عَليّ بن الْبناء الْحَنْبَلِيّ يَقُول لما مَاتَ أَبُو يعلى ذهبت مَعَ أبي إِلَى دَاره بِبَاب الْمَرَاتِب فلقينا أَبُو مُحَمَّد التَّمِيمِي الْحَنْبَلِيّ فَقَالَ لي إِلَى أَيْن فَقَالَ أبي مَاتَ القَاضِي أَبُو يعلى فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد لَا رَحمَه الله فقد بَال فِي الْحَنَابِلَة البولة الْكَبِيرَة الَّتِي لَا تغسل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي الْمقَالة فِي التَّشْبِيه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم يكن لَهُ خبْرَة بعلل الحَدِيث وَلَا بِرِجَالِهِ وَاحْتج بِأَحَادِيث كَثِيرَة واهية فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَأما فِي الْفِقْه ومذاهب النَّاس ونصوص أَحْمد واختلافها فإمام لَا يجارى
الْوَزير أَبُو سعد عميد الدولة محمّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عبد الرَّحِيم أَبُو سعد وَزِير جلال الدولة وزر لَهُ سِتّ سِنِين ولاقى من المصادرات شدايد وَمن التّرْك فَخرج من بَغْدَاد مستتراً فَأَقَامَ بِجَزِيرَة ابْن عمر حَتَّى مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع ماية عَن سِتّ(3/8)
وَخمسين سنة وَكَانَ فَاضلا عَارِفًا بِأُمُور الوزارة وَهُوَ وَزِير ابْن وَزِير أَخُو ثَلَاثَة وزراء وَهُوَ درة تاجهم ولي أَبوهُ أَبُو الْقسم الوزارة وأخو كَمَال الْملك أَبُو الْمَعَالِي هبة الله ولي الوزارة)
وَأَخُوهُ زعيم الْملك أَبُو الْحسن عَليّ ولي الوزارة وَأَخُوهُ شرف الْأمة أَبُو عبد الله عبد الرَّحِيم ولي الوزارة كلهم لبني بويه فَأَما عميد الْملك فَهُوَ أول وَزِير لقب بألقاب كَثِيرَة بالدولة وَالدّين وَكَانَ يلقب شرف الدّين وَله كتاب فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء أبان فِيهِ عَن فضل جسيم وَمحل كريم وَمن شعره
(تزاحمت عبراتي يَوْم بَينهم ... تزاحم الدمع فِي أجفان مُتَّهم)
(ثمَّ انصرفت وَفِي قلبِي لفرقتهم ... وَقع الأسنة فِي أعقاب مُنْهَزِم)
قلت شعر جيد
ابْن عبد الْوَارِث مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الْوَارِث أَبُو الْحُسَيْن هُوَ ابْن أُخْت أبي عَليّ الْفَارِسِي وَعَن خَاله أَخذ علم الْعَرَبيَّة توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبع ماية وطوف الْآفَاق وَرجع إِلَى وَطنه وَآل أمره إِلَى أَن وزر للأمير شَاذ غرسيستان ثمَّ اخْتصَّ بالأمير إِسْمَاعِيل بن سبكتيكن وَصَارَ لَهُ وزيراً بغزنة وَأقَام بجرجان إِلَى أَن مَاتَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَهلهَا مِنْهُم عبد القاهر الْجِرْجَانِيّ وَلَيْسَ لَهُ أستاذ سواهُ وَله كتاب فِي الهجاء وللصاحب ابْن عباد إِلَيْهِ رسايل مدونة وَسَأَلَهُ رَئِيس مرو أَن يُجِيز قَول الشَّاعِر
(سرى يخبط الظلماء وَاللَّيْل عاكف ... حبيب بأقوات الزِّيَارَة عَارِف)
فَقَالَ
(وَمَا خلت أَن الشَّمْس تطلع فِي الدجا ... وَلَا خلت أَن الْوَحْش للأنس آلف)
(وَقمت أفديه وقلبي كَأَنَّهُ ... من الرعب مقصوص من الطير صَارف)
(وَلما سرى عَنهُ اللثام بَدَت لَهُ ... محَاسِن وَجه حسنه متناصف)
(وَطَالَ بِنَا حينا ورق حديثنا ... ودارت علينا بالرحيق المراشف)
وَمن شعره فِي قرس
(ومطهم مَا كنت أَحسب قبله ... أَن السُّرُوج على البوارق تُوضَع)
(وكأنما الجوزاء حِين تصوبت ... لبب عَلَيْهِ والثريا برقع)
قلت شعر جيد حجَّة الدّين الْمُتَكَلّم مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي أَيُّوب الْأُسْتَاذ حجَّة الدّين أَبُو(3/9)
مَنْصُور الْمُتَكَلّم تلميذ ابْن فورك وخنته لَهُ مصنفات مَشْهُورَة مِنْهَا تَلْخِيص الدلايل توفّي سنة عشْرين وَأَرْبع ماية)
وَقيل قبلهَا
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن آذار بهْرَام أَبُو عبد الله الكارزيني الْفَارِس الْمُقْرِئ تزيل مَكَّة كَانَ أَعلَى أهل الْعَصْر إِسْنَادًا فِي القراآت توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبع ماية
الْغَزِّي الصُّوفِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الترجمان أَبُو الْحُسَيْن الصُّوفِي الْغَزِّي شيخ الصُّوفِيَّة بديار مصر فِي وقته حدث بِمصْر وَالشَّام وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم أَبُو بكر المزرفي ولد سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع ماية وَسمع الْكثير وَانْفَرَدَ بِعلم الفرايض وَتُوفِّي فِي سُجُوده فِي الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وَخمْس ماية وَدفن بِبَاب حَرْب وَكَانَ ثبتاً صَالحا صَدُوقًا ثِقَة
أَبُو مَنْصُور الْكُوفِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد أَبُو مَنْصُور الْحِمْيَرِي القَاضِي الْكُوفِي ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق والخطابة نِيَابَة عَن الشريف أَحْمد الزيدي ثمَّ خرج إِلَى طرابلس فَأَقَامَ بهَا حَتَّى توفّي سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية وَكَانَ يصحب الْوَزير ابْن الماسكي قبل وزارته فَلَمَّا ولى الوزارة قصر فِي حَقه فَكتب إِلَيْهِ
(أسيدنا الْوَزير نسيت عهدي ... وَقد شبكت خمسك بَين خمسي)
(وقولك إِن وليت الْأَمر يَوْمًا ... لَا تخذن نَفسك قبل نَفسِي)
(فَلَمَّا أَن وليت جعلت حظي ... من الأنصاف بيعك لي ببخس)
الأسفراييني مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن طَلْحَة أَبُو الْحسن الاسفراييني الأديب الرئيس لَهُ ديوَان شعر وَسمع الحَدِيث توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية
ابْن الشبل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن أَحْمد بن يُوسُف بن الشبل أَبُو عَليّ الشَّاعِر الْحَكِيم الْبَغْدَادِيّ توفّي فِي الْمحرم سنه ثلث وَسبعين وَأَرْبع ماية وَدفن بِبَاب حَرْب كَانَ شَاعِرًا مجيدا لَهُ ديوَان سمع غَرِيب الحَدِيث من أَحْمد بن عَليّ الباذي وَكَانَ ظريفاً نديماً مطبوعاً وَزعم بَعضهم أَنه الْحُسَيْن بن عبد الله من شعره
(لَا تظهرن لعاذل أَو عاذر ... حاليك فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء)
(فلرحمة المتوجعين حزازة ... فِي الْقلب مثل شماتة الْأَعْدَاء)(3/10)
وَقَوله
(يفني الْبَخِيل بِجمع المَال مدَّته ... وللحوادث وَالْأَيَّام مَا يدع)
)
(كدودة القز مَا تبنيه يَهْدِمهَا ... وَغَيرهَا بِالَّذِي تبنيه ينْتَفع)
وَقَوله
(بِرَبِّك أَيهَا الْفلك الْمدَار ... أقصد ذَا الْمسير أم اضطرار)
(مدارك قل لنا فِي أَي شَيْء ... فَفِي افهامنا عَنْك انبهار)
(فطوق فِي المجرة أم لآل ... هلالك أم يَد فِيهَا سوار)
(وفيك الشَّمْس رَافِعَة شعاعاً ... بأجنحة قوادمها قصار)
(وَدُنْيا كلما وضعت جَنِينا ... عراه من نوابيها طوار)
(هِيَ العشواء مَا خبطت هشيم ... هِيَ العجماء مَا جرحت جَبَّار)
(فَإِن يَك آدم اشقى بنيه ... بذنب مَاله مِنْهُ اعتذار)
(فكم من بعده غفر وعفو ... تغبر ماتلا لَيْلًا نَهَار)
(لقد بلغ الْعَدو بِنَا مناه ... وَحل بِآدَم وبنا الصغار)
(وتهنا ضايعين كقوم مُوسَى ... وَلَا عجل اضل وَلَا خوار)
(فيالك أَكلَة مَا زَالَ فِيهَا ... علينا نقمة وَعَلِيهِ غَار)
(نعاقب فِي الظُّهُور وَمَا ولدنَا ... ويذبح فِي حَشا الْأُم الحوار)
(وَنخرج كارهين كَمَا دَخَلنَا ... خُرُوج الضَّب أخرجه الوجار)
(وَكَانَت انعماً لَو أَن كوناً ... نشاور قبله أَو نستشار)
(وَمَا أَرض عصته وَلَا سَمَاء ... فَفِيمَ يغول انجمها انكدار)
وَقَالَ يرثي أَخَاهُ بقصيدة مِنْهَا
(غَايَة الْحزن وَالسُّرُور انْقِضَاء ... مَا لحي من بعد ميت بَقَاء)(3/11)
(لَا لبيد بأربد مَاتَ حزنا ... وسلت عَن شقيقها الخنساء)
(مثل مَا فِي التُّرَاب يبْلى الْفَتى فالح ... زن يبْلى من بعده والبكاء)
(عَن أَن الْأَمْوَات مروا وبقوا ... غصصاً لَا تسيغها الْأَحْيَاء)
(إِنَّمَا نَحن بَين ظفر وناب ... من خطوب أسودهن ضراء)
(نتمنى وَفِي المنى قصر الْعم ... ر فنغدو كَمَا نسر نسَاء)
(صِحَة الْمَرْء للسقام طَرِيق ... وَطَرِيق الفناء هَذَا الْبَقَاء)
)
(بِالَّذِي نغتدي نموت ونحيي ... اقْتُل الدَّاء للنفوس الدَّوَاء)
(مَا لَقينَا من غدر دينا فلاكا ... نت وَلَا كَانَ أَخذهَا وَالعطَاء)
(صلف تَحت راعد وسراب ... كرعت فِيهِ مومس خرقاء)
(رَاجع جودها عَلَيْهَا فمهما ... يهب الصُّبْح يسْتَردّ الْمسَاء)
(لَيْت شعري حلماً تمر بِهِ الأي ... ام أم لَيْسَ تعقل الْأَشْيَاء)
(من فَسَاد يكون فِي عَالم الكو ... ن فَمَا للنفوس مِنْهُ اتقاء)
(وقليلاً مَا يصحب المهجة الجس ... م فَفِيمَ الشقا وفيم العناء)
(قبح الله لَذَّة لشقانا ... نالها الْأُمَّهَات والآباء)
(نَحن لَوْلَا الْوُجُود لم نألم الفق ... د فإيجادنا علينا بلَاء)
(وَلَقَد أيد الاله عقولاً ... حجَّة الْعود عِنْدهَا الابداء)
(غير دَعْوَى قوم على الْمَيِّت شَيْء ... انكرته الْجُلُود والأعضاء)
(وَإِذا كَانَ بالعيان خَفَاء ... كَيفَ بِالْغَيْبِ يستبين الخفاء)
كثير من النَّاس ينْسب هَذِه القصيدة لأبي الْعَلَاء المعري وَهُوَ مَعْذُور لِأَنَّهَا من نَفسه وَإِنَّمَا هَذِه لِابْنِ الشبل يرثي بهَا أَخَاهُ أَحْمد وَأما القصيدة الأولى قمثلها للبحتري وَهِي
(أَنَاة أَيهَا الْفلك الْمدَار ... أنهب مَا تطرف أم جَبَّار)(3/12)
(ستفنى مثل مَا تفني وتبلى ... كَمَا تبلي فيدرك مِنْك ثار)
(وَمَا أهل الْمنَازل غير ركب ... مطاياهم رواح وابتكار)
(لنا فِي الدَّهْر آمال طوال ... نرجيها وأعمار قصار)
(واهون بالخطوب على خليع ... إِلَى اللَّذَّات لَيْسَ لَهُ عذار)
(فآخر يَوْمه سكر تجلى ... غوايته وأوله خمار)
وَمن شعر أبي عَليّ بن الشبل
(وكأنما الْإِنْسَان فِيهِ غَيره ... متكوناً وَالْحسن فِيهِ معار)
(متصرف وَله الْقَضَاء مصرف ... ومكلف وَكَأَنَّهُ مُخْتَار)
(طوراً تصوبه الحظوظ وَتارَة ... حَظّ تحيل صَوَابه الأقدار)
(تعمى بصيرته ويبصر بَعْدَمَا ... لَا يسْتَردّ الفايت استبصار)
)
(فتراه يُؤْخَذ قلبه من صَدره ... وَيرد فِيهِ وَقد جرى الْمِقْدَار)
(فيظل يضْرب بالملامة نَفسه ... ندماً إِذا لعبت بِهِ الأفكار)
(لَا يعرف التَّفْرِيط فِي إِيرَاده ... حَتَّى يُبينهُ لَهُ الأصدار)
وَمِنْه
(إِذا جَار الزَّمَان على كريم ... أعَار صديقه قلب الْعَدو)
وَمِنْه
(إِن تكن تجزع من دم ... عي إِذا فاض فصنه)
(أَو تكن أَبْصرت يَوْمًا ... سيداً يعْفُو فكنه)
(أَنا لَا أَصْبِر عَمَّن ... لَا يحل الصَّبْر عَنهُ)
(كل ذَنْب فِي الْهوى يغ ... فر لي مَا لم أخنه)
وَمِنْه
(قَالُوا القناعة عز والكفاف غنى ... والذل والعار حرص النَّفس والطمع)
(صَدقْتُمْ من رِضَاهُ سد جوعته ... إِن لم يصبهُ بِمَاذَا عَنهُ يقتنع)
وَمِنْه
(قَالُوا وَقد مَاتَ مَحْبُوب فجعت بِهِ ... وبالصبى وَأَرَادُوا عَنهُ سواني)
(ثَانِيَة فِي الْحسن مَوْجُود فَقلت لَهُم ... من أَيْن للهوى الثَّانِي صبى ثَان)(3/13)
وَمِنْه
(بِنَا إِلَى الدَّيْر من درتا صبابات ... فَلَا تلمني فَمَا تغني الملامات)
(لَا يبعدن وَإِن طَال الزَّمَان بِهِ ... أَيَّام لَهو عهدناه وليلات)
(فكم قضيت لبانات الشَّبَاب بهَا ... غنما وَكم بقيت عِنْدِي لبانات)
(مَا أمكنت دولة الأفراح مقبلة ... فانعم ولذ فَإِن الْعَيْش تارات)
(قبل ارتجاع اللَّيَالِي وَهِي عَارِية ... وَإِنَّمَا لَذَّة الدُّنْيَا إعارات)
(قُم فاجل فِي فلك الظلماء شمس ضحى ... بروجها الدَّهْر طاسات وكاسات)
(لَعَلَّه إِن دَعَا دَاعِي الْحمام بِنَا ... نقضي وأنفسنا منا رويات)
(بِمَ التعلل لَوْلَا ذَاك من زمن ... أحياؤه باعتياد الْهم أموات)
)
(دارت تحيي فقابلنا تحيتها ... وَفِي حشاها لقرع المزج روعات)
(عذراء أخْفى مزاج المَاء سورتها ... لم يبْق من روحها إِلَّا حشاشات)
(مدت سرادق برق من أبارقها ... على مقابلها مِنْهَا ملالات)
(فلاح فِي أَذْرع السَّاقَيْن أسورة ... تبراً وَفَوق نحور الشّرْب جامات)
(قد وَقع الدَّهْر سطراً فِي صَحِيفَته ... لَا فَارَقت شَارِب الْخمر المسرات)
(خُذ مَا تعجل واترك مَا وعدت بِهِ ... فعل اللبيب فللتأخير آفَات)
(وللسعادة أَوْقَات ميسرَة ... تُعْطِي السرُور وللأحزان أَوْقَات)
قلت شعر جيد فِي الذرْوَة وشعره جيد كثير وَقد عده ابْن أبي أصبيعة فِي جملَة الْأَطِبَّاء
ابْن الكتاني الطَّبِيب مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الكتاني قَالَ ابْن أبي أصيبعة أَخذ الطِّبّ عَن عَمه مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وطبقته وخدم بِهِ الْمَنْصُور مُحَمَّد بن أبي عَامر وَابْنه المظفر ثمَّ انْتقل فِي صدر الْفِتْنَة إِلَى مَدِينَة سرقطة وَأقَام بهَا وَكَانَ بَصيرًا بالطب مُتَقَدما فِيهِ ذَا حَظّ من الْمنطق والنجوم وَكثير من عُلُوم الفلسفة قَالَ القَاضِي صاعد أَخْبرنِي عَنهُ الْوَزير أَبُو الْمطرف أَنه كَانَ دَقِيق الذِّهْن ذكي الخاطر جيد الْفَهم حسن التوليد وَكَانَ ذَا ثروة وغنى وَاسع وَتُوفِّي قَرِيبا من سنة عشْرين وَأَرْبع ماية وَقد قَارب الثَّمَانِينَ قَالَ وقرأت فِي بعض تواليفه أَنه أَخذ الْمنطق عَن مُحَمَّد بن عبدون الجيلي وَعمر بن يُونُس بن أَحْمد الْحَرَّانِي وَأحمد بن خفصون الفيلسوف وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم القَاضِي النَّحْوِيّ وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن مَسْعُود البجائي وَمُحَمّد بن مَيْمُون الْمَعْرُوف بمركوس وَأبي الْقسم فيد بن نجم وَسَعِيد بن فتحون السَّرقسْطِي الْمَعْرُوف بالحمار وَأبي الْحَرْث الأسقف تلميذ ربيع بن زيد الفيلسوف وَأبي مَدين البجائي ومسملة بن أَحْمد المجريطي(3/14)
ابْن حبوس الفاسي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن حبوس أَبُو عبد الله الفاسي الشَّاعِر مفلق بديع النّظم ساير القَوْل لَهُ ديوَان شعر روى شعره عبد الْعَزِيز بن زَيْدَانَ توفّي سنة سبعين وَخمْس ماية أَو فِيمَا قيل قبل ذَلِك
أَبُو المكارم الْآمِدِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الأديب الْكَامِل أَبُو المكارم الْآمِدِيّ من فحول الشُّعَرَاء تَأَخّر حَتَّى مدح ابْن هُبَيْرَة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس ماية وَمن شعره
(أَبَا حسن كَفَفْت عَن التقاضي ... بوعدك لاعتصابك بالمطال)
)
(وَمن ذمّ السُّؤَال فلي لِسَان ... فصيح دأبه حمد السُّؤَال)
(جزى الله السُّؤَال الْخَيْر أَنِّي ... عرفت بِهِ مقادير الرِّجَال)
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد البُخَارِيّ تفقه وبرع فِي النّظر وَولي الْقَضَاء وَكَانَ متواضعاً جواداً حسن الْأَخْلَاق توفّي ببخارا وَكتب على قَبره
(من كَانَ مُعْتَبرا ففينا مُعْتَبر ... أَو شامتاً فالشامتون على الْأَثر)
وَكَانَ فِيهِ تساهل يَقُول من صنف شَيْئا جَازَ لكل من يروي عَنهُ ذَلِك ووفاته فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخمْس ماية
قَاضِي الْعَسْكَر الأرموي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن ظفر القَاضِي شمس الدّين أَبُو عبد الله الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأرموي الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بقاضي الْعَسْكَر ولد سنة ثَمَان وَسبعين وتفقه على شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين وَصَحبه مُدَّة وَولي نقابة الْأَشْرَاف وَقَضَاء الْعَسْكَر وَترسل إِلَى الْعرَاق وَكَانَ من كبار الأيمة وصدور المصريين وَله يَد طولي فِي الْأُصُول وَالنَّظَر توفّي سنة خمسين وست ماية
ابْن المقدسية الْمَالِكِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد السَّلَام بن عَتيق بن مُحَمَّد الْعدْل شرف الدّين أَبُو بكر التَّمِيمِي السفاقسي ثمَّ الاسكندري الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن المقدسية لِأَنَّهُ ابْن أُخْت الْحَافِظ أبي الْحسن ابْن الْمفضل الْمَقْدِسِي ولد سنة ثلث وَسبعين وَحضر سَماع المسلسل بالأولية عِنْد السلَفِي وناب فِي الْقَضَاء بالاسكندرية وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين وست ماية
قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن رزين الْحَمَوِيّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين بن مُوسَى بن عِيسَى بن مُوسَى بن نصر الله قَاضِي الْقُضَاة مفتي الْإِسْلَام أَبُو عبد الله تَقِيّ الدّين الشَّافِعِي الْحَمَوِيّ العامري كَانَ فَقِيها عَارِفًا بِمذهب الشَّافِعِي اشْتغل عَليّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح(3/15)
وتميز فِي حَيَاته وَأفْتى ودرس وَتَوَلَّى وكَالَة بَيت المَال بِالشَّام فِي أَيَّام النَّاصِر صَلَاح الدّين وتدريس الشامية البرانية ظَاهر دمشق وَغير ذَلِك وسافر إِلَى مصر فِي جفل التتار سنة ثَمَان وَخمسين وست ماية واستطونها وتولي بهَا جِهَات جليلة دينية من تدريس وَمَا يجْرِي مجْرَاه وَتَوَلَّى الحكم بِالْقَاهِرَةِ وأعمالها ثمَّ أضيف إِلَيْهِ مصر وأعمالها فكمل لَهُ ولَايَة الأقليم ودرس بقبة الشَّافِعِي والمدرسة الصالحية والظاهرية بَين القصرين روى عَن السخاوي وكريمة وَابْن الصّلاح والصريفيني وَغَيرهم وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَانِينَ وست ماية كَانَ قد حفظ التَّنْبِيه فِي)
صغره ثمَّ انْتقل عَنهُ وَحفظ الْوَسِيط والمفصل ورحل إِلَى حلب وقرأه على موفق الدّين يعِيش النَّحْوِيّ وَرجع إِلَى حماة وتصدر للإفتاء والإقراء وعمره ثَمَانِي عشرَة سنة وَحفظ المتصفى للغزالي وكتابي ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول والنحو وَنظر فِي التَّفْسِير وبرع فِيهِ وشارك فِي الْخلاف والمنطق وَالْبَيَان والْحَدِيث وَقَرَأَ القراآت على السخاوي وَامْتنع من أَخذ الجامكية على الْقَضَاء تديناً وورعاً وَكَانَ يقْصد بالفتاوى من النواحي وَتخرج بِهِ أيمة مِنْهُم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة وَحدث عَنهُ الدمياطي وَابْن جمَاعَة والمصريون وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة وَالْأَحْكَام وَولى بعده وجيه الدّين البهنسي أَنْشدني الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ أَنْشدني الْبُرْهَان المالقي قَالَ أَنْشدني قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن رزين لنَفسِهِ
(شَيْء زري شيزر ولعلها ... لَا شَيْء بل تزري بِمن يَأْتِيهَا)
(سكانها أهل الْقُبُور كَأَنَّمَا ... قد بعثرت وهم وقُوف فِيهَا)
(لَا فَخر أَن ملك تملك ثغرها ... وَلَقَد تولى الْخَيْر عَن واليها)
(وَلَئِن قضى قَاضِي بهَا فَلَقَد قضى ... حَقًا وَلَكِن نحبه قاضيها)
الْأَمِير مجد الدّين ابْن ودَاعَة مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن ودَاعَة الْأَمِير مجد الدّين حدث بِالْبَعْثِ عَن ابْن اللتي توفّي سنة ثَمَانِينَ وست ماية
علم الدّين ابْن رَشِيق الْمَالِكِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَتيق بن الْحُسَيْن بن رَشِيق الْأَمَام الْمُفْتِي علم الدّين أَبُو عبد الله الربعِي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي وَالِد القَاضِي زين الدّين مُحَمَّد سمع من عَليّ بن الْمفضل وَابْن جُبَير البلنسي وَعبد الله بن مجلي روى عَنهُ الدواداري والمصريون توفّي سنة ثَمَانِينَ وست ماية
أَبُو الْفرج مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْحسن أَبُو الْفرج ولد بهيت سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبع ماية وَسكن بَغْدَاد وَكَانَ فَاضلا لَهُ شعر مِنْهُ قَوْله
(يَا رَاقِدًا اسهر لي مقلة ... عزيزرة عِنْدِي وأبكاها)(3/16)
(مَا آن للهجران أَن يَنْقَضِي ... عَن مهجة هجرك أضناها)
(إِن كنت مَا ترحمني فَارْتَقِبْ ... يَا قاتلي فِي قَتْلِي الله)
توفّي سنة خمس وَسبعين وَخمْس ماية مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ أَبُو الْفضل الْكَاتِب كَانَ كَاتب الْإِنْشَاء فِي دولة السُّلْطَان مَحْمُود بن)
سبكتكين نِيَابَة عَن أبي نصر بن مشكان وتولي الْإِنْشَاء لمُحَمد بن مَحْمُود ثمَّ لمسعود بن مَحْمُود ثمَّ لمودود ثمَّ للسُّلْطَان فرخزاد وَلما انْقَطَعت دولته لزم بَيته إِلَى أَن مَاتَ سنة سبعين وَأَرْبع ماية وَله كتاب زِينَة الْكتاب وتاريخ نَاصِر الدّين مَحْمُود بن سبكتكين وَسَماهُ الناصري ذكر فِيهِ من أول دولة مَحْمُود يَوْمًا يَوْمًا إِلَى آخر أَيَّامه وَهُوَ فِي عدَّة مجلدات وَمن شعره
(جُرْمِي قد أربى على الْعذر ... فَلَيْسَ لي شَيْء سوى الصَّبْر)
(فاشتر مني خاطري كُله ... لأنفق الْأَيَّام فِي الشُّكْر)
وَقَالَ وَهُوَ مَحْبُوس
(كلما مر سرورك يَوْم ... مر فِي الْحَبْس من بلاءي يَوْم)
(مَا لبؤسي وَلَا لنعمى دوَام ... لم يدم فِي النَّعيم والبؤس قوم)
جمال الدّين الأرمنتي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن يحيى الأرمنتي جمال الدّين كَانَ من الروساء الْأَعْيَان لطيف الذَّات كَامِل الصِّفَات نِهَايَة فِي الْكَرم حَتَّى أفْضى بِهِ ذَلِك إِلَى الْعَدَم فَقِيها فَاضلا أديباً ناظماً ناثراً أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله القفطي وَالشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد الدشنائي وَالْأُصُول عَن الشَّيْخ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الْخَطِيب الْجَزرِي وأصول الدّين والمنطق عَن بعض الْعَجم وَذكر للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فَقَالَ الْفَقِيه ابْن يحيى ذكي جدا كريم جدا فَاضل جدا وَتَوَلَّى الحكم بادفو وقمولاً وناب فِي الحكم بقوص وَبنى بأرمنت مدرسة ودرس بهَا وَتُوفِّي بأرمنت رَحمَه الله سنة إِحْدَى عشرَة وَسبع ماية وَمن شعره
(عريب النقى قلبِي بِنَار الجوى يكوى ... وجيدي عَنْكُم دايم الدَّهْر لَا يلوى)
(ولي مقلة تبْكي اشتياقاً إِلَيْكُم ... ولي مهجة لَيست على هجركم تقوى)
(نشرتم بِسَاط الْبعد بيني وببنكم ... أَلا يَا بِسَاط الْبعد قل لي مَتى تطوى)(3/17)
(بعادكم وَالله مر مذاقه ... وقربكم أحلى من الْمَنّ والسلوى)
الْمُوفق خطيب أدفو مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن تغلب موفق الدّين الأدفوي خطيب أدفو كَانَ لَهُ كرم وفتوة وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي الطِّبّ وَله شعر ونثر وخطي وَيعرف التوثيق وَيكْتب خطا حسنا قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي رَأَيْته مَرَّات وَكَانَ يَأْتِي إِلَى الْجَمَاعَة أَصْحَابنَا أقرابه فَيسْمعهُمْ يشتمونه فَيرجع وَيَأْتِي من طَرِيق أُخْرَى حَتَّى لَا يتوهموا أَنه سمعهم ووقفت لَهُ على كتاب)
لطيف تكلم فِيهِ على تصوف وفلسفة وَكَانَ وَصِيّا على ابْن عَمه وَعَلِيهِ ثَمَر للديوان وقف عَلَيْهِ مِنْهُ للديوان خَمْسَة وَعِشْرُونَ إردبا فَشدد الطّلب عَلَيْهِ فَتقدم الْخَطِيب إِلَى الْأَمِير وَأنْشد
(وقفت عَليّ من الْمُقَرّر خَمْسَة ... مَضْرُوبَة فِي خَمْسَة لَا تحقر)
(من ثَمَر ساقية الْيَتِيم حَقِيقَة ... لَيْت السواقي بعْدهَا لَا تثمر)
(حمت النَّصَارَى بَينهم رهبانهم ... وَأَنا الْخَطِيب وذمتي لَا تخفر)
وَاجْتمعَ يَوْمًا جمَاعَة بالجامع وعموا طَعَاما وطلبوا الْمُؤَذّن جعفرا وَلم يطلبوا الْخَطِيب فَبَلغهُ ذَلِك فَكتب إِلَيْهِم أبياتاً مِنْهَا
(وَكَيف ارتضيتم بِمَا قد جرى ... صحبتوا الْمُؤَذّن دون الْخَطِيب)
(أمنتم من الْأكل أَن تمرضوا ... وَيحْتَاج مرضاكم للطبيب)
وَكَانَ يمشى إِلَى الضُّعَفَاء والرؤساء ويطبهم بِغَيْرِهِ أُجْرَة وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة سبع وَتِسْعين وست ماية
شمس الدّين الغوري مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الشَّيْخ شمس الدّين الغوري الْحَنَفِيّ الْمدرس وَقع فِي لِسَان الْفَخر عُثْمَان النصيبي وَجعل يمسخر بحكاياته ووقايعه يزِيد فِي بَعْضهَا من مضحكاته وَلَقَد حكى مرّة عَنهُ وَاقعَة تنمر لَهَا تنكز نايب الشَّام ورسم بقتْله بالمقارع وَمَا خلص من ذَلِك إِلَّا بالجهد والدماشقة يحكون عَنهُ وقايع مَشْهُورَة التداول بَينهم توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع ماية
ابْن الحشيشي مُحَمَّد بن الحشيشي شمس الدّين الْموصِلِي الرافضي قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَمن خطه نقلت حَدثنِي الإِمَام مُحَمَّد بن منتاب أَن عز الدّين يُوسُف الْموصِلِي كتب إِلَيْهِ وَأرَانِي كِتَابه قَالَ كَانَ لنا رَفِيق يشْهد مَعنا فِي سوق الطَّعَام يُقَال لَهُ الشَّمْس بن الحشيشي كَانَ يسب أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا ويبالغ فَلَمَّا ورد شَأْن تَغْيِير الْخطْبَة إِذْ ترفض(3/18)
القان خربندا افترى وَسَب فَقلت يَا شمس قَبِيح عَلَيْك أَن تسب وَقد شبت مَالك وَلَهُم وَقد درجوا من سبع ماية سنة وَالله يَقُول تِلْكَ أمة قد خلت فَكَانَ جَوَابه وَالله إِن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان فِي النَّار قَالَ ذَلِك فِي مَلأ من النَّاس فَقَامَ شعر جَسَدِي فَرفعت يَدي إِلَى السَّمَاء وَقلت اللَّهُمَّ يَا قاهر فَوق عباده يَا من لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء أَسأَلك بنبيك إِن كَانَ هَذَا الْكَلْب على الْحق فَأنْزل بِي آيَة وَإِن كَانَ ظَالِما فَأنْزل بِهِ مَا يعلم هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة أَنه على الْبَاطِل فِي الْحَال فورمت)
عَيناهُ حَتَّى كَادَت تخرج من وَجهه واسود جِسْمه حَتَّى بَقِي كالقبر وانتفخ وَخرج من حلقه شَيْء يصرع الطُّيُور فَحمل إِلَى بَيته فَمَا جَاوز ثلثة أَيَّام حَتَّى مَاتَ وَلم يتَمَكَّن أحد من غسله مِمَّا يجْرِي من جِسْمه وَعَيْنَيْهِ وَدفن وَقَالَ ابْن منتاب جَاءَ إِلَى بَغْدَاد أَصْحَابنَا وَحَدثُوا بِهَذِهِ الْوَاقِعَة وَهِي صَحِيحَة وَتُوفِّي سنة عشر وَسبع ماية(3/19)
3 - (ابْن حَمَّاد)
مُحَمَّد بن حَمَّاد بن شَبابَة بغدادي يَقُول لسهل بن صاعد
(أجارتنا بَان الْفَرِيق فابشري ... فَمَا الْعَيْش إِلَّا أَن يبين خليط)
(أعاتبه فِي عرضه ليصونه ... وَلَا علم لي أَن الْأَمِير لَقِيط)
مُحَمَّد بن حَمَّاد كَاتب رَاشد أَبُو عِيسَى قَالَ لِلْحسنِ بن وهب وَكَانَ الْحسن يهوى جَارِيَته بَنَات الْمُغنيَة
(أَبَا عَليّ أضعت الرَّأْي فِي رجل ... بَدأته منعماً بالطول والمنن)
(حَتَّى إِذا مَا اقْتضى بالشكر عَادَته ... أسلمته لعوادي الدَّهْر والمحن)
(وَدِيعَة لي عِنْد الدهرخاس بهَا ... وَلست منتصفاً فِيهَا من الزَّمن)
مُحَمَّد بن حَمَّاد أَبُو أَحْمد الْبَصْرِيّ أورد لَهُ الثعالبي فِي تَتِمَّة الْيَتِيمَة
(إِن كَانَ لَا بُد من أهل وَمن وَطن ... فَحَيْثُ آمن من أَهْوى ويأمنني)
(يَا لَيْتَني مُنكر من كنت أعرفهُ ... فلست أخْشَى أَذَى من لَيْسَ يعرفنِي)
(لَا أشكتي زمني هَذَا فأظلمه ... وَإِنَّمَا أشتكي من أهل ذَا الزَّمن)
(وَقد سَمِعت أفانين الحَدِيث فَهَل ... سَمِعت قطّ بَحر غير ممتحن)
مُحَمَّد بن حَمَّاد الطهراني الرَّازِيّ الْمُحدث نزيل عصقلان رحال جوال سمع عبد الرَّزَّاق وروى عَنهُ ابْن ماجة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وماتين
مُحَمَّد بن حَمَّاد بن بكر الْمُقْرِئ صَاحب خلف بن هِشَام كَانَ أحد الْقُرَّاء المجودين وَعباد الله الصَّالِحين كَانَ الإِمَام أَحْمد يجله ويكرمه وَيُصلي خَلفه فِي شهر رَمَضَان وَغَيره توفّي(3/20)
بِبَغْدَاد سنة سبع وَسِتِّينَ وماتين سمع يزِيد بن لهرون وَغَيره وروى عَنهُ القراآت خلق كثير وَكَانَ ثِقَة
ابْن فورجة مُحَمَّد بن حمد بن فورجة بِالْفَاءِ المضمومة وَبعد الْوَاو وَالرَّاء جِيم مُشَدّدَة)
البروجردي أورد الثعالبي فِي التَّتِمَّة
(كَأَن الأيك توسعنا نثاراً ... من الْوَرق المكسر والصحاح)
(تميد كَأَنَّمَا علت براح ... وَمَا شربت سوى المَاء القراح)
(كَأَن غصونها شرب نشاوى ... يصفق كلهَا رَاحا براح)
وَقَوله فِي فستق مملوح
(فَلَو ترى نقلي وَمَا أبدعت ... فِيهِ بِمَاء الْملح كف الصنع)
(قلت حمامات على منهل ... شحت مناقير تسيغ الجرع)
وَقَوله فِيهِ أَيْضا
(اعْجَبْ إِلَيّ بفستق أعددته ... عوناً على العادية الخرطوم)
(مثل الزبرجد فِي حَرِير أَخْضَر ... فِي حق عاج فِي غلاف أَدِيم)
أكمل من الأول قَول الشمتهي أبي الْفضل جَعْفَر بن المحسن الدِّمَشْقِي
(انْظُر إِلَيّ الفستق المملوح حِين أَتَى ... مشققاً فِي لطيفات الطيافير)
(وَالْقلب مَا بَين قشريه يلوح لنا ... كألسن الطير مَا بَين المناقير)
وَأورد لَهُ أَعنِي لِابْنِ فورجة
(أما ترَوْنَ إِلَى الأصداغ كَيفَ جرى ... لَهَا نسيم فوافت خَدّه قدرا)
(كَأَنَّمَا مد زنجي أنامله ... يُرِيد قبضا على جمر فَمَا قدرا)
قَالَ ياقوت مولده بنهاوند فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِينَ وَثلث ماية وَله التجني على ابْن جنى وَالْفَتْح على أبي الْفَتْح والكتابان يرد فيهمَا على أبي الْفَتْح ابْن جنى فِي شعر المتنبي(3/21)
3 - (ابْن حَمْزَة)
مُحَمَّد بن حَمْزَة بن إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن عَليّ أَبُو المناقب الْحُسَيْنِي الهمذاني رَحل إِلَى الْبِلَاد وَكتب الحَدِيث الْكثير وَكَانَ يروي عَن جده عَليّ بن الْحُسَيْن اشعارا توفّي سنة ثلث وثلثين وَخمْس ماية
مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عمَارَة بن حَمْزَة بن يسَار الْأَصْبَهَانِيّ الْفَقِيه أَبُو عبد الله وَالِد الْحَافِظ أبي اسحق توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثلث ماية
شمس الدّين ابْن أبي عمر الْمَقْدِسِي مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أَحْمد بن عمر الْقدْوَة الشَّيْخ الصَّالح شمس الدّين أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة إِحْدَى وثلثين وَسمع حضوراً من ابْن اللتي وجعفر الهمذاني وَسمع من كَرِيمَة والضياء وَجَمَاعَة وتفقه ودرس وَأفْتى واتقن الْمَذْهَب قَرَأَ الحَدِيث بالأشرفية الَّتِي بالسفح وَكتب الْخط الْمليح وَكَانَ صَالحا خيرا إِمَامًا إماراً بِالْمَعْرُوفِ دَاعِيَة إِلَى السّنة يحط على من يُخَالِفهُ نَاب فِي الْقَضَاء عَن أَخِيه مديدة قبل مَوته وَتُوفِّي سنة سبع وَتِسْعين وست ماية
أَبُو عَاصِم الْأَسْلَمِيّ مُحَمَّد بن حَمْزَة أَبُو عَاصِم الْأَسْلَمِيّ وَقيل اسْمه عبد الله مديني منصوري قَالَ فِي الْحسن بن زيد الْعلوِي
(لَهُ حق وَلَيْسَ عَلَيْهِ حق ... وَمهما قَالَ فالحسن الْجَمِيل)
(وَقد كَانَ الرَّسُول يرى حقوقاً ... عَلَيْهِ لغيره وَهُوَ الرَّسُول)
وَكَانَ قد هجا الْحسن بن زيد قبل ولَايَته الْمَدِينَة للمنصور فَلَمَّا تقلدها طلبه فاتاه فِي يَوْم قد قعد للإعراب فَأَنْشد
(ستأتي مدحتي الْحسن بن زيد ... وَتشهد لي بصفين الْقُبُور)
(قُبُور لَو بِأَحْمَد أَو عَليّ ... يلوذ مجيرها حفظ المجير)
(قُبُور لم تزل مذ غَابَ عَنْهَا ... أَبُو حسن تعاديها الدهور)
(هما أَبَوَاك من وضعا فضعه ... وَأَنت بِرَفْع من رفعا جدير)
يُرِيد أَن جده كَانَ مَعَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ من أَنْت قَالَ الْأَسْلَمِيّ قَالَ ادن حياك الله وَبسط رِدَاءَهُ فأجلسه عَلَيْهِ وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم(3/22)
أَمِين الدّين الأصفوني الشَّافِعِي مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عبد الْمُؤمن أَمِين الدّين الأصفهوني)
الشَّافِعِي ولد بسيوط وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع ماية كَانَ فَقِيها فَاضلا متديناً تولى الحكم بأبوتيج وَتَوَلَّى إسنا وإعاد بمدرسة سيوط
مجد الدّين الفرجوطي مُحَمَّد بن حَمْزَة بن معد الفرجوطي مجد الدّين توفّي بفرجوط سنة ثلث عشرَة وَسبع ماية كَانَ لَهُ أدب ونظم قَالَ كَمَا الدّين جَعْفَر الأدفوي أَنْشدني ابْن أَخِيه أَبُو عبد الله مُحَمَّد قَالَ أَنْشدني عمي لنَفسِهِ
(يَا سيداً اسند فِي جاهه ... بِجَانِب عز بِهِ جَانِبي)
(عساك أَن تنظر فِي قصَّة ... وَاجِبَة تطلق لي واجبي)
(أوصلك الله إِلَى مطلب ... مؤيد بالطالب الْغَالِب)
وَجه الْقرعَة الْمُغنِي مُحَمَّد بن حَمْزَة بن نصر الوصيف أَبُو جَعْفَر الملقب بِوَجْه الْقرعَة من موَالِي الْمَنْصُور كَانَ أحد الحذاق فِي الْغناء الضراب والرواة وَقد أَخذ عَن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي وطبقته وَكَانَ حسن الاداء طيب الصَّوْت لَا عِلّة فِيهِ إِلَّا أَنه إِذا غنى الهزج خَاصَّة خرج بِسَبَب لَا يعرف إِلَّا أَنه أَن تعرض لِلْحسنِ فِي جنس من الْأَجْنَاس فَلَا يَصح لَهُ بتة وَكَانَ شرس الْأَخْلَاق أبي النَّفس وَإِذا سُئِلَ الْغناء أَبَاهُ وَإِذا أمسك عَنهُ كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئ بِهِ
الصُّوفِي مُحَمَّد بن حمويه بن مُحَمَّد بن حمويه الْجُوَيْنِيّ أحد الْمَشْهُورين بالزهد وَالصَّلَاح وَالْعلم صَاحب كرامات لَهُ مريدون بالعراق وخراسان قَرَأَ الْفِقْه والأصولين على إِمَام الْحَرَمَيْنِ ثمَّ انجذب إِلَى الزّهْد وَالْعِبَادَة وَحج مَرَّات وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَكَانَ سنجر شاه والملوك يزورونه وَلَا يغشى أَبْوَابهم وَلَا يقبل صلَاتهم وَلَا يَأْكُل من الْأَوْقَاف لَهُ قِطْعَة أَرض يَزْرَعهَا خَادِم لَهو وَبني خانقاه ببحير أباد إِلَى جَانب دَاره وأوقف عَلَيْهَا أوقافا وصنف كتاب لطايف الأذهان فِي تَفْسِير الْقُرْآن وسلوة الطالبين فِي سير سيد الْمُرْسلين وَأَرْبَعين حَدِيثا وَطَرِيقَة فِي الْفِقْه فِي تَرْتِيب الْأَحَادِيث وكتابا فِي علم الصُّوفِيَّة وَغير ذَلِك ولد فِي الْمحرم سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مايه وَأخذ التصوف عَن أبي الْفضل بن مُحَمَّد الفارمذي عَن أبي الْقسم الطوسي عَن أبي عُثْمَان سعيد بن سَلام المغربي عَن أبي عَمْرو الزجاجي عَن الْجُنَيْد عَن خَاله سري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي عَن دَاوُد الطَّائِي عَن حبيب العجمي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واللبس من الفارمذي إِلَى الزجاجي وَمن الْجُنَيْد صُحْبَة لَا خرقَة توفّي سنة ثلثين وَخمْس ماية)(3/23)
3 - (ابْن حميد)
مُحَمَّد بن حميد بن حَيَّان أَبُو عبد الله الرَّازِيّ رَحل وَسمع الحَدِيث وروى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَالْإِمَام أَحْمد وَقد تكلمُوا فِيهِ توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وماتين وروى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة قَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة
مُحَمَّد بن حميد الطوسي الْأَمِير كَانَ مقدم الْجَيْش الَّذين حَاربُوا بابك الخرمي فَقتل رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع عشرَة وماتين وَأَظنهُ الَّذِي عناه أَبُو تَمام بقوله
(مُحَمَّد بن حميد أخلقت رممه ... أريق مَاء الْمَعَالِي إِذْ أريق دَمه)
(رَأَيْته بنجاد السَّيْف مُحْتَبِيًا ... كالبدر لما انجلت عَن وَجهه ظلمه)
(فِي رَوْضَة حفها من حوله زهر ... علمت عِنْد انتباهي أَنَّهَا شيمه)
(فَقلت والدمع من جَار ومنسكب ... يجْرِي وَقد خدد الْخَدين منسجمه)
(ألم تمت يَا شَقِيق النَّفس مذ زمن ... فَقَالَ لي لم يمت من لم يمت كرمه)
وَهَذِه الأبيات من أحسن الرثاء وألطفه وأبدعه
مُحَمَّد بن حمير السليحي وسليح بطن من قضاعة روى عَنهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة توفّي سنة ماتين لِلْهِجْرَةِ
الشَّيْخ أَبُو الْبَيَان مُحَمَّد بن الحوراني أَبُو الْبَيَان الشَّيْخ الزَّاهِد تشاغل بالزهد وَالْعلم وَصَحبه الصَّالِحين وَحسن الطَّرِيقَة والعفاف والصيانة دخل يَوْمًا إِلَى الْجَامِع فَنظر جمَاعَة فِي الحايط الشمالي يثلبون أَعْرَاض النَّاس فَقَالَ اللَّهُمَّ كَمَا نسيتهم ذكرك فأنسهم ذكري توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس ماية وَدفن بِالْبَابِ الصغيرعند قُبُور الصَّحَابَة(3/24)
القَاضِي تَقِيّ الدّين الرقي مُحَمَّد بن حَيَاة بن يحيى بن مُحَمَّد تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله الرقي الْفَقِيه الشَّافِعِي كَانَ فَاضلا كثير الدّيانَة تولى الحكم بعدة جِهَات مِنْهَا حمص والقدس وناب بِدِمَشْق ثمَّ تولى قَضَاء الْقُضَاة بحلب وأعمالها ودرس فِي مدارس عدَّة ثمَّ استعفى من ذَلِك كُله وَحضر إِلَى دمشق وقنع بإمامة الْمدرسَة العادلية الْكَبِيرَة مَعَ حُضُور دروس يسيرَة ولازم الأشغال وَأفَاد الطّلبَة وَتوجه إِلَى الْحَج وَعَاد فَتوفي بتبوك وَدفن بجوار مَسْجِد هُنَاكَ فِي سنة سِتّ وَسبعين وست ماية كَانَ الْملك الظَّاهِر يعرفهُ ويثق بديانته وزاره فِي بَيته بحمص وَقَالَ أطعمنَا شَيْئا فَاحْضُرْ لَهُ مَأْكُولا فَتَبَسَّمَ وَأكل وَفرق مِنْهُ)(3/25)
3 - (ابْن حَيَّان)
ابْن قايد مُحَمَّد بن حَيَّان بن مُحَمَّد بن نصر بن مُحَمَّد بن قايد أَبُو البركات قَالَ ابْن النجار أديب فَاضل شَاعِر كثير الْفُنُون من أَوْلَاد التناء الأجلاء كَانَ لَهُ اطلَاع على عُلُوم كَثِيرَة من الْأَدَب وعلوم الأوايل من الْمنطق والهندسة والنجوم والطب قَرَأَ كثيرا من الْأَدَب على أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن رزمة وَغَيره وَسمع من أبي الْقسم عبيد الله بن أَحْمد بن عَليّ الصَّيْرَفِي غَيره وَدخل الشَّام وَحدث بِدِمَشْق بالحماسة لأبي تَمام عَن ابْن رزمة عَن السيرافي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية وسافر إِلَى مصر وَصَارَ وزيراً هُنَاكَ وَزَاد بِهِ الْأُم فِي تصرفه إِلَى أَن قتل هُنَاكَ وَأورد لَهُ
(قل بِحَق الله عني ... للأجل ابْن الْأَجَل)
(كم تمنيني بالوع ... د وتعطيني مَطْلِي)
(قل إِلَى المطبق حَتَّى ... اطلب السَّاعَة عزلي)
(أَنْت عَن إعطائي الج ... بة مَشْغُول بشغل)
(قد ضني بالشعر قلبِي ... وحفي بِالْمَشْيِ نَعْلي)
(لهَذَا يرجع عَن مث ... لَك بالمدجة مثلي)
(مَا لخلق فِيهِ ذَنْب ... كل هَذَا هُوَ فعلي)
(كَيفَ أرجوك وَقد أَب ... صرت من يرجوك قبلي)
قلت شعر جيد منسجم
أَبُو الْأَحْوَص مُحَمَّد بن حَيَّان أَبُو الْأَحْوَص الْبَغَوِيّ نزيل بَغْدَاد روى عَنهُ مُسلم وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَغَيرهمَا توفّي سنة سبع وَعشْرين وماتين(3/26)
3 - (ابْن حيدرة)
أَبُو فراس الْكَاتِب مُحَمَّد بن حيدرة بن مُحَمَّد بن نصر بن جَامع بن المظفر بن نَاصِر الدولة أبي مُحَمَّد الْحسن بن عبد الله بن حمدَان أَبُو فراس الْكَاتِب من أهل الكرخ قَالَ ابْن النجار ذكر لي أَنه من أَوْلَاد أبي فراس بن حمدَان وَذكر لي نسبه مُتَّصِلا إِلَيْهِ وَلم أكتبه سَافر إِلَى بِلَاد الجزيرة وَأقَام بنصيبين مُدَّة وَتزَوج بهَا وَولد لَهُ بهَا ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَكَانَ يتَوَلَّى الإشارف بمنابر الْخَلِيفَة وَكَانَ شَيخا حسنا أديباً فَاضلا مليح الْأَخْلَاق حُلْو المعاشرة كريم النَّفس معطاء وَيكْتب الْخط الْحسن وَذكر أَنه أنْشدهُ لنَفسِهِ
(أأحبابنا إِن كُنْتُم قد سمحتم ... ببعدي فَإِنِّي بالبعاد شحيح)
(تغيرتم عَمَّا عهِدت من الوفا ... وودي على مر الزَّمَان صَحِيح)
توفّي بنصيبين سنة اثْنَتَيْنِ وست ماية وَقد جَاوز السِّتين
أَبُو المعمر الْعلوِي مُحَمَّد بن حيدرة بن عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن حَمْزَة بن يحيى بن الْحُسَيْن بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو المعمر ابْن أبي المناقب ابْن أبي البركات الْعلوِي الْحُسَيْنِي الْكُوفِي من بَيت الْعلم وَالْفضل وَهُوَ أكبر إخْوَته أبي الْمَعَالِي أَحْمد وَأبي تَمِيم معد وَأبي عَليّ مُحَمَّد وَكلهمْ سمع الحَدِيث وَحدث سمع أَبُو المعمر من جده أبي البركات وَمن أبي الغنايم مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون النَّرْسِي وَأبي غَالب سعيد بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ وَغَيرهم وَقدم بَغْدَاد غير مرّة وَحدث بهَا سمع مِنْهُ الشريف أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الزيدي وَأَخُوهُ عمر وَأحمد بن طَارق وَأَبُو الْقسم تَمِيم بن احْمَد بن أَحْمد الْبَنْدَنِيجِيّ وَذكر أَنه كَانَ رَافِضِيًّا خَبِيث المعتقد توفّي سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثلث وَتِسْعين وَخمْس ماية
أَبُو عَليّ الْوَاعِظ الْعلوِي مُحَمَّد بن حيدة بن عمر أَخُو الْمُتَقَدّم ذكره أَبُو عَليّ كَانَ يعظ وَيَطوف الْبِلَاد منتجعاً من شعره
(أَمر سُؤال الرّبع عنْدك أم عذب ... أمامك فَسَأَلَهُ مَتى نزل الركب)
(على أَن وجدي والأسى غير نازح ... قصرن اللَّيَالِي أم تطاولت الحقب)
(نشدت الحيا لَا يحدث الدمع أَنه ... يُغَادر قلبِي مثل مَا تفعل السحب)
(فَفِي الدمع إطفاء لنار صبَابَة ... وزفرة شوق فِي الضلوع لَهَا لَهب)
)
توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس ماية(3/27)
أَبُو طَاهِر الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن حيدر أَبُو طَاهِر الشَّاعِر الْمَشْهُور توفّي سنة سبع عشرَة وَخَمْسَة ماية وَمن شعره
(مرْحَبًا بِالَّتِي بهَا قتل اله ... م وَعَاشَتْ مَكَارِم الْأَخْلَاق)
(هِيَ فِي رقة الصبابة والشو ... ق وَفِي قسوة النَّوَى والفراق)
(لست أَدْرِي أَمن خدود الغواني ... سفكوها أم أدمع العشاق)
وَمِنْه
(لَيْلَة تحسب الْكَوَاكِب فِيهَا ... حدق الرّوم فِي وُجُوه الزنوج)
(فِي كؤوس كَأَنَّهَا مهج الني ... ران تستل من جسوم الثلوج)
الأول أَخذه من قَول الأبيوردي وَقد تقدم وَذَلِكَ فِي تَرْجَمته وَهُوَ أحسن من هَذَا وَمِنْه أَيْضا وَهُوَ مليح إِلَى الْغَايَة
(خطرت فكاد الْوَرق تسجع فَوْقهَا ... إِن الْحمام لمغرم بالبان)
(من معشر نشرُوا على هام الرِّبَا ... للطارقين ذوايب النيرَان)
وَأورد لَهُ محب الدّين ابْن النجار فِي تَارِيخه قصيدة مِنْهَا
(من كَانَ ذَات روادف ... كالرمل رجرجة ولينا)
(منطقن بالنحف الخو ... ر وصن بالترف البطونا)
(وأقمن من تِلْكَ العيو ... ن على خواطرنا عيُونا)
مِنْهَا
(يَا من يلوم على البكا ... كلفاً يزِيد بِهِ جنونا)
(مني تعلمت الحما ... م النوح وَالْإِبِل الحنينا)
(والسحب من عَيْني تع ... لم كَيفَ يحتلب الشؤونا)
مِنْهَا
(قد كَانَ مَا قد كنت خف ... ت من التجنب أَن يَكُونَا)
(وَرَأَيْت مِنْك قَبِيح مَا ... ظن الوشاة بِنَا يَقِينا)
(حَتَّى كَأَنَّك كنت باله ... جران للواشي ضمينا)
)
(طولت أنفاسي فَلم ... قصرت عَن وسني الجفونا)(3/28)
ابْن حيويه النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن حيويه بن المؤمل بن أبي رَوْضَة أَبُو بكر الكرجي بالراء وَالْجِيم النَّحْوِيّ تزيل همذان سمع من كبار وَرُوِيَ عَنهُ توفّي سنة أَربع وَسبعين وَثلث ماية
أَبُو معوية مُحَمَّد بن خازم أَبُو معوية الضَّرِير الْحَافِظ أحد الأيمة فِي معرفَة الْأَثر كَانَ كوفياً لَازم الْأَعْمَش عشْرين سنة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمس وَتِسْعين وماية وروى لَهُ الْجَمَاعَة(3/29)
3 - (ابْن خَالِد)
مُحَمَّد بن خَالِد بن يزِيد بن غَزوَان أَبُو عبد الله البراثي كَانَ فَاضلا دينا ورعاً وَكَانَ بشر الحافي يأنس إِلَيْهِ وَيقبل صلته لورعه وَحسن مُعَامَلَته وَكَانَ ذَا مَال يتَصَدَّق مِنْهُ ويجهز الْمُجَاهدين إِلَى الثغور أنسد عَن سفين بن عُيَيْنَة وَغَيره توفّي بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وثلثين وماتين
الْآجُرِيّ مُحَمَّد بن خَالِد الْآجُرِيّ الْبَغْدَادِيّ كَانَ صَالحا قَالَ هيأت اللَّبن لأطبخه فِي الْغَد آجراً فَسمِعت لبنة تَقول لأختها السَّلَام عَلَيْك غَدا ندخل النَّار فانظري كَيفَ تكونين فهام الْآجُرِيّ على وَجهه والآجري أَرْبَعَة هَذَا أحدهم وَالثَّانِي أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ليهودي دين فَجَاءَهُ يتقاضاه وَهُوَ يُوقد أتون الْآجر فَقَالَ لَهُ وَيحك أسلم لِئَلَّا تدخل النَّار فَقَالَ الْيَهُودِيّ أَنا وَأَنت لَا بُد لنا من دُخُولهَا قَالَ وَلم قَالَ لأنكم تقرؤون فِي كتابكُمْ وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها فَإِن أَحْبَبْت أَن أسلم فأرني شَيْئا أعرف بِهِ شرف الْإِسْلَام فَقَالَ هَات رداءك فلفه فِي رِدَاء نَفسه وألقاهما فِي النَّار احْتَرَقَ رِدَاء الْيَهُودِيّ وَلم يَحْتَرِق رِدَاؤُهُ فَقَالَ هَكَذَا يكون الدُّخُول أسلم أَنا وتحترق أَنْت فَأسلم الْيَهُودِيّ وَالثَّالِث الْآجُرِيّ الْكَبِير واسْمه مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وكنيته أَبُو بكر مَاتَ سنة سِتِّينَ وَثلث ماية وَكَانَ من كبار الْقَوْم وَالرَّابِع مُحدث مَشْهُور توفّي صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة سنة ثلث وَثلث ماية
مُحَمَّد بن خَالِد الضَّبِّيّ الملقب سُؤْر الْأسد كَانَ قد صرعه الْأسد ثمَّ نجا وعاش بعد ذَلِك قيل إِنَّه مُنكر الحَدِيث توفّي سنة خمسين وماية
مُحَمَّد بن خَالِد بن الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط الْأمَوِي كَانَ يتهم فِي دينه وَهُوَ القايل يرثي عمر بن عبد الْعَزِيز
(هَل فِي الخلود إِلَى الْقِيَامَة مطمع ... أم للمنون عَن ابْن آدم مدفع)
)
(هَيْهَات مَا للنَّفس من مُتَأَخّر ... عَن وَقتهَا لَو أَن علما ينفع)(3/30)
(أَيْن الْمُلُوك وعيشهم فِيمَا مضى ... وزمانهم فِيهِ وَمَا قد جمعُوا)
(ذَهَبُوا وَنحن على طَريقَة من مضى ... مِنْهُم فمفجوع بِهِ ومفجع)
(عثر الزَّمَان بِنَا فأوهى عظمنا ... أَن الزَّمَان بِمَا كرهنا مولع)
مُحَمَّد بن خَالِد بن الزبير بن الْعَوام مدنِي يرثي قوما من أَهله قتلوا بِقديد
(وَلَقَد ابقت الْحَوَادِث فِي قل ... بك شغلاً على عقابيل شغل)
(ببني خَالِد توالوا كراماً ... من فَتى نَاشِئ أديب وكهل)
(كافحوا الْمَوْت فِي اللقاؤ وَكَانُوا ... أهل بَأْس وسابقات وَوصل)
مُحَمَّد بن خَالِد بن يزِيد بن مزِيد بن زايدة الشَّيْبَانِيّ القايد قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان متوكلي يَقُول
(ألم ترني وَالسيف خدنين مالنا ... رضَاع سوى در الْمنية بالثكل)
(فَإِنِّي واياه شقيقان لم تزل ... لنا وقْعَة فِي غير عكل وَفِي عكل)
مجد الدّين الهذباني الْمُحدث الكتبي مُحَمَّد بن خَالِد بن حمدون الزَّاهِد العابد الْقدْوَة الْمُحدث مجد الدّين الهذباني الْحَمَوِيّ الكتبي الصُّوفِي سمع بِبَغْدَاد من ابْن بهروز الطَّبِيب وبمصر من ابْن الجميزي وبحلب من ابْن رَوَاحَة وَابْن خَلِيل وبدمشق من الرشيد بن مُسلم وَحدث بالبلاد وجاور بِمَكَّة وَأقَام بِدِمَشْق بِالْمَدْرَسَةِ البلخية وَكَانَ شَيخا مهيباً كَبِير الْقدر كَانَ محيى الدّين ابْن النّحاس يعظمه ويزوره وَسمع مِنْهُ الْبُرْزُليّ وَجَمَاعَة وَمَات بحلب وَدفن عِنْد الْحَافِظ ابْن خَلِيل سنة سبع وَثَمَانِينَ وست ماية
ابْن خذاداذ مُحَمَّد بن خذاداذ بن سَلامَة بن مُحَمَّد بن عبد الله الْعِرَاقِيّ أَبُو بكر الْحداد نقاش المبارد قَالَ ابْن النجار كَانَ فَقِيها مناظراص أصولياً تفقه على أبي الْخطاب الكولذاني وعلق عَنهُ مسايل الْخلاف وَقَرَأَ الْأَدَب وَقَالَ الشّعْر وَكَانَ خطه رديا سمع الحَدِيث من أبي عبد الله الْحُسَيْن النعالي وَأبي نصر ابْن البطر وَأبي طَاهِر ابْن قيداش الْحطاب وَغَيرهم وروى لنا عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وثابت بن مشرف الْأَزجيّ وَكَانَ صَدُوقًا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس ماية ابْن خزرج الْكَاتِب مُحَمَّد بن خزرج بن ضحاك بن خزرج أَبُو السَّرَايَا الْأنْصَارِيّ الخزرجي الدِّمَشْقِي الْكَاتِب سمع من الْكِنْدِيّ وَأبي الْقسم عبد الصَّمد بن مُحَمَّد الحرستاني وَحدث وَتُوفِّي بتل بَاشر فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَخمسين وست ماية وَيُسمى سَرَايَا أَيْضا كتب بِخَطِّهِ)
الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر نُسْخَة عَظِيمَة وَهِي وقف بتربة الْأَشْرَف بِدِمَشْق(3/31)
3 - (ابْن الْخضر)
فَخر الدّين ابْن تَيْمِية مُحَمَّد بن الْخضر بن مُحَمَّد بن الْخضر بن عَليّ بن عبد الله الإِمَام فَخر الدّين أَبُو عبد الله ابْن أبي الْقسم بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ الْوَاعِظ الْمُفَسّر صاحبالخطب شيخ حران وعالمها ولد فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس ماية قَرَأَ الْعَرَبيَّة على ابْن الخشاب وتفقه بحران على الْفَقِيه أبي الْفَتْح احْمَد بن أبي الْوَفَاء وَأبي الْفضل حَامِد بن أبي الْحجر وتفقه بِبَغْدَاد على الإِمَام أبي الْفَتْح نصر بن المنى وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن بكروسن وَله مُخْتَصر فِي الْمَذْهَب حج جده وَله امْرَأَة حَامِل فَلَمَّا كَانَ بتيماء رأى طفلة قد خرجت من خباء فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى حران وجد أمْرَأَته قد ولدت بِنْتا فَلَمَّا رَآهَا قَالَ يَا تَيْمِية يَا تَيْمِية فلقب بِهِ وَقَالَ ابْن النجار ذكر لنا أَن جده مُحَمَّدًا كَانَت أمه تسمى تَيْمِية وَكَانَت واعظة فنسب إِلَيْهَا وَعرف بهَا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه إِمَامًا فِي التَّفْسِير إِمَامًا فِي اللُّغَة ولي خطابة بَلَده ودرس وَوعظ وَأفْتى قَرَأَ الشهَاب القوصي خطْبَة عَلَيْهِ بحران وَسمع وروى وَله شعر مِنْهُ
(سَلام عَلَيْكُم مضى مَا مضى ... فراقي لكم لم يكن عَن رضى)
(سلوا اللَّيْل عني مذ غبتم ... اجفني بِالنَّوْمِ هَل غمضا)
(أأحباب قلبِي وَحقّ الَّذِي ... بمر الْفِرَاق علينا قضى)
وَهُوَ شعر نَازل توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست ماية
ابْن الزين خضر مُحَمَّد بن الْخضر بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عَليّ القَاضِي تَاج الدّين ابْن زين الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الزين خضر كَانَ من جملَة كتاب الدرج بِبَاب السُّلْطَان ثمَّ أَنه كتب قُدَّام الجمالي الْوَزير وَكَانَ حظياً عِنْده وَكَانَ يجلس فِي دَار الْعدْل هُوَ وشمس الدّين ابْن اللبان خلف موقعي الدست على عَادَة كتاب درج الوزارة ثمَّ أَن السُّلْطَان الْملك الناصرة جهزه إِلَى حلب كَاتب السِّرّ بهَا لما عزل القَاضِي جمال الدّين ابْن الشهَاب مَحْمُود فَتوجه إِلَيْهَا فِي سنة ثلث وثلثين وَسبع ماية فباشرها إِلَى سنة تسع وثلثين وَسبع ماية فَحَضَرَ فِي أوايلها صُحْبَة الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا نايت حلب إِلَى بَاب السُّلْطَان فعزلهما مَعًا وجهز بدلهما الْأَمِير سيف الدّين طرغاي(3/32)
الجاشنكير نايباً وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين طاجار الدوادار يعتني بِهِ كثيرا فسعى)
لَهُ ورتب من جملَة موقعي الدست بَين يَدي السُّلْطَان فَأَقَامَ على ذَلِك مُدَّة فَلَمَّا توفّي بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب سر دمشق رسم السُّلْطَان الْملك الْكَامِل للْقَاضِي تَاج الدّين بِكِتَابَة سر دمشق عوضا عَنهُ فَحَضَرَ إِلَيْهَا فِي سلخ شعْبَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَأقَام بهَا إِلَى ثامن شهر ربيع الآخر فَتوفي لَيْلَة الجمعشة من الشَّهْر الْمَذْكُور سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَدفن بسفح فاسيون وَصلى النايب عَلَيْهِ والقضاة والأعيان وَكَانَ مَرضه بذو سنطاريا انْقَطع بِهِ ثَمَانِيَة أَيَّام
السَّابِق ابْن أبي المهزول المعري مُحَمَّد بن الْخضر بن الْحسن بن الْقسم أَبُو الْيمن بن أبي المهزول التنوخي الْمَعْرُوف بالسابق من أهل المعرة قَالَ ابْن النجار كَانَ شَاعِرًا مجوداً مليح القَوْل حسن الْمعَانِي رَشِيق الْأَلْفَاظ دخل بَغْدَاد وجالس ابْن بَاقِيا والابيوردي وَأَبا زَكَرِيَّاء التبريزي وأنشدهم من شعره وَدخل الرّيّ واصبهان ولقى ابْن الهابرية الشَّاعِر وَعمل رِسَالَة لقبها تَحِيَّة الندمان أَتَى فِيهَا بِكُل معنى غَرِيب تشْتَمل على عشرَة كراريس وَأورد لَهُ فِي مليح حلق شعره
(وَجهك المشتنير قد كَانَ بَدْرًا ... فَهُوَ شمس لنفي صدغك عَنهُ)
(ثبتَتْ آيَة النَّهَار عَلَيْهِ ... إِذْ محا الْقَوْم آيَة اللَّيْل مِنْهُ)
قلت ارشق مِنْهُ قَول القايل
(حَلقُوا شعره ليكسوه قبحاً ... غيرَة مِنْهُم عَلَيْهِ وشحا)
(كَانَ صبحاً وَقد تغشاه ليل ... فمحوا ليله وأبقوه صبحا)
واغرب مِنْهُ قَول بلول الْكَاتِب
(حلقوك تقبيحاً لحسنك رَغْبَة ... فزداد وَجهك بهجةً وضياء)
(كَالْخمرِ فك ختامها فتشعشعت ... كالشمع قطّ ذباله فأضاء)
وَمن شعر السَّابِق المعري
(وأغيد واجه الْمرْآة زهواً ... فَحرق بالصبابة كل نفس)
(وَلَيْسَ من العجايب أَن تَأتي ... حريق بَين مرْآة وشمس)
وَمن شعره أيضاص
(وَلَقَد عصيت عواذلي واطعته ... رشأ يقتل عاشقيه وَلَا يَدي)
)
(إِن تلق شوك اللوم فِيهِ مسامعي ... فبمَا جنت من ورد وجنته يَدي)
وَمن شعره أَيْضا(3/33)
(وَرَاح أراحت ظلام الدجى ... فأبدى الْفراش إِلَيْهَا فطَارَا)
(رَآهَا توقد فِي كأسها ... فيممها يحْسب النُّور نَارا)
(وَمَا زلت أشربها قهوة ... تميت الظلام وتحيي النهارا)
وَمِنْه
(حلمت عَن السَّفِيه فَزَاد بغياً ... وَعَاد فكفه سفهي عَلَيْهِ)
وَفعل الْخَيْر من شيمي وَلَكِن أتيت الشَّرّ مدفوعاً إِلَيْهِ قَالَ محب الدّين ابْن النجار قَالَ لنا أَبُو عبد الله بن الملحي كنت عِنْد السَّابِق قبل مَوته فَقَالَ لي قد وصف لي صديقنا أَبُو نصر بن حَلِيم سماقية فَتقدم إِلَى من يطبخها وأنفذها إِلَيّ فَقلت نعم وانصرفت فتقدمت إِلَى غُلَام لي بتعجيل مَا اقترحه وعدت إِلَى منزلي عَاجلا فَقدم من السَّابِق رقْعَة بِخَطِّهِ الْمليح يَا سيدنَا كَانَت السماقية ممسكة فَصَارَت ممسكة وأظن سماقها مَا نبت والسكين عَن ذبح شَاتِهَا نبت
(فَلَا شفى الله من يَرْجُو الشِّفَاء لَهَا ... وَلَا علت كف ملق كَفه فِيهَا)
فَكتبت فِي ظهر الرقعة وأنفذتها وَمَا اقترحه
(بل كل فَلَا حرج مِنْهُ عَلَيْك ودع ... عَنْك التمثل بالأشعار تهديها)
(وَلَا تعن لتشقيق الْكَلَام وَلَا ... قصد الْمعَانِي تنقاها وتبنيها)
قلت هَذَا الْبَيْت الَّذِي كتبه السَّابِق من جملَة أَبْيَات كتبهَا البحتري الشَّاعِر إِلَى من وعده بمزورة وسوف تَأتي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله فِي مَكَانهَا من حرف الْوَاو(3/34)
3 - (ابْن خطاب)
ابْن الْحَافِظ ابْن دحْيَة مُحَمَّد بن الْخطاب بن دحْيَة أَبُو الطَّاهِر الْكَلْبِيّ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قد تكلم غير وَاحِد من الْعلمَاء فِي صِحَة نسبهم إِلَى دحْيَة ولد مُحَمَّد بِالْقَاهِرَةِ سنة عشر وست ماية سمع من أَبِيه وَتَوَلَّى مشيخة دَار الحَدِيث الكاملية ي مديدة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يحفظ جملَة من كَلَام وَالِده ويورده إيراداً جيدا توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وست ماية
مُحَمَّد بن الْخطاب الأندلسي أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ كَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ فِي علم الْعَرَبيَّة أَوْلَاد الأكابر وَذَوي الْجَلالَة مَاتَ قبل الْأَرْبَع ماية ذكره الْحميدِي فِي جذوة المقتبس وَهَذَا هُوَ أستاذ أسلم الَّذِي يَأْتِي حَدِيثه التَّرْجَمَة أَحْمد بن كُلَيْب
الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خطلبا بن عبد الله الْأَمِير نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله ابْن الْأَمِير صارم الدّين كَانَ أَمِيرا جَلِيلًا كَبِير الْمِقْدَار عالي الهمة وَاسع الصَّدْر بالتصرفات قد حنكته التجارب وَكَانَ منتزهاً عَن أَمْوَال السُّلْطَان والرعية وَله إِلْمَام بالأدب وَصله من الْأَمْوَال شَيْء كثير وَأنْفق الْجَمِيع وَقل مَا بِيَدِهِ آخر عمره وَتُوفِّي مُجَردا على حصن الأكراد سنة تسع وَسِتِّينَ وست ماية وَقد نَيف على السّبْعين
ابْن خَفِيف مُحَمَّد بن خَفِيف بن اسكفشار أَبُو عبد الله الضَّبِّيّ الشِّيرَازِيّ الصُّوفِي شيخ إقليم فَارس حدث عَن حَمَّاد بن مدرك وَغَيره وَهُوَ شَافِعِيّ قَالَ مَا سَمِعت شَيْئا من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا واستعملته حَتَّى الصَّلَاة على أَطْرَاف الْأَصَابِع بَقِي أَرْبَعِينَ سنة يفْطر كل لَيْلَة على كف باقلاء قَالَ فافتصدت فَخرج من عرقي شَبيه مَاء اللَّحْم فَغشيَ عَليّ وتحير الطَّبِيب وَقَالَ مَا رَأَيْت جسداً بِلَا دم إِلَّا هَذَا وَله مَنَاقِب توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثلث ماية
ابْن خلصة النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن خلصة أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ الشذوني نزيل دانية كَانَ كفيفاً من كبار النُّحَاة وَالشعرَاء أَخذ عَن ابْن سَيّده وبرع فِي اللُّغَة والنحو وشعره مدون توفّي سنة سبعين وَأَرْبع ماية أَو مَا قبلهَا وَرَأَيْت ابْن الْأَبَّار قد ذكر فِي تحفة القادم ابْن خلصة(3/35)
النَّحْوِيّ الشَّاعِر فِي أول لكتابه لكنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن فتح بن قَاسم بن سُلَيْمَان سُوَيْد وَقَالَ هُوَ من أهل بلنسية وأقرأ وقتا بدانية وَذكر وَفَاته فِي سِنِين مُخْتَلفَة وَصحح سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس ماية وَلَعَلَّه غير هَذَا لبعد مَا بَين الوفاتين وَقد ذكرت هَذَا الثَّانِي مَكَانَهُ وَهَذَا الأول نقلته من خطّ الشَّيْخ شمس الدّين فِي مَكَانَهُ وَالله أعلم وَمن شعره)
(تغرهم بك والآمال كَاذِبَة ... مَا جمعُوا لَك من خيل وَمن خول)
(وَمَا يصمم عظما كل ذِي شطب ... وَلَا يقوم بخصل كل ذِي خصل)
(مكنت حزمك من حيزوم مَكْرهمْ ... وَقد تصاد أسود الغيل بالغيل)
وَمِنْه
(ملك إِذا استبقت الْأَيَّام بَاقِيَة ... مِمَّن أبادته أَو جَادَتْ بمعتقب)
(طوى الْجنَاح على كسر بِهِ حسداً ... كسْرَى وَعَاد أَبَا كرب أَبُو كرب)
وَمِنْه
(بنفسي وَقلت ظعنهم مُسْتَقلَّة ... وللقلب أثر الواحدات بهم وخد)
(يحف سنا الأقمار فيهم سنا الظبا ... وَشهد اللمى الماذي ماذية حصد)
(فَمن غرب ثغر دونه غرب مرهف ... وَمن ورد خد دونه أَسد ورد)
قلت شعر جيد طبقَة وَقد طول يَا قوت فِي إِيرَاد مَا أوردهُ من ترسله وشعره فِي مُعْجم الأدباء وَأورد لَهُ مراسلات كتبهَا إِلَى وزراء الْموصل ونقبيها والْحميدِي قَالَ آخر عهدي بِهِ بدانية وَيحْتَمل أَن يكون ورد إِلَى الشَّام(3/36)
3 - (ابْن خلف)
القَاضِي وَكِيع مُحَمَّد بن خلف بن حَيَّان بن صَدَقَة أَبُو بكر الضَّبِّيّ القَاضِي الْمَعْرُوف بوكيع كَانَ عرافاً بالسير وَأَيَّام النَّاس صنف عدَّة كتب وَولي قَضَاء كور الأهواز وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثلث ماية وَمن شعر القَاضِي وَكِيع
(إِذا مَا غَدَتْ طلابة الْعلم تبتغي ... من الْعلم يَوْمًا مَا يخلد فِي الْكتب)
(غَدَوْت بتشميرٍ وجد عَلَيْهِم ... ومحبرتي أُذُنِي ودفترها قلبِي)
وَله تصانيف مِنْهَا عدد آي الْقُرْآن قَالَ الْخَطِيب وَبَلغنِي أَن أَبَا بكر ابْن مُجَاهِد سُئِلَ أَن يصنف كتابا فِي الْعدَد فَقَالَ كفانا ذَاك وَكِيع وَله أَخْبَار الْقُضَاة وتواريخهم كتاب الأنواء كتاب الشريف يجْرِي مجْرى المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة كتاب الْغرَر فِيهِ أَخْبَار كتاب الطريف وَيعرف بالنواحي يشْتَمل على أَخْبَار الْبلدَانِ ومسالك الطَّرِيق كتاب الصّرْف والنقد وَالسِّكَّة كتاب الْبَحْث
ابْن الْمَرْزُبَان مُحَمَّد بن خلف بن الْمَرْزُبَان بن بسام أَبُو بكر الْآجُرِيّ المحولي والمحول بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْوَاو الْمُشَدّدَة وَاللَّام قَرْيَة غربي بَغْدَاد كَانَ يسكن بهَا لَهُ التصانيف الحسان قيل هُوَ مُصَنف كتاب تَفْضِيل الْكلاب على كثير مِمَّن لبس الثَّبَات حدث عَن الزبير بن بكار وَغَيره وروى عَنهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره كَانَ صَدُوقًا ثِقَة كتب إِلَى صديق لَهُ
(أجميل بِالْمَرْءِ يخلف وَعدا ... ويجازي الْمُحب بِالْقربِ بعدا)
(مَا مللناك إِذْ مللت وَلم نن ... فك نزداد مذ عرفناك ودا)
(أدْرك الْحَاسِد الشمات وَقد كَا ... ن قَدِيما لهجرنا يتَصَدَّى)(3/37)
توفّي سنة تسع وَثلث ماية وَكَانَ اخبارياً صَدُوقًا لَهُ الْحَاوِي فِي عُلُوم الْقُرْآن وَكتاب الحماسة وَكتاب المتيمين وَكتاب الشُّعَرَاء وأخبار عبد الله بن جَعْفَر وأخبار عبد الله بن قيس الرقيات كتاب الشَّرَاب المتيمين المعصومين المتباعدين الرَّوْض الجلساء والندماء الْهَدَايَا السودَان وفضلهم على البيضان ألقاب الشُّعَرَاء الشتَاء والصيف النِّسَاء والغزل ذمّ الْحجاب ذمّ الثُّقَلَاء أَخْبَار العرجي من غدر وخان تَفْضِيل الْكلاب على من لبس الثِّيَاب
مُحَمَّد بن الْخلف بن إِسْمَعِيل أَبُو عبد الله الصَّدَفِي البلنسي الْمَعْرُوف بِابْن عَلْقَمَة الْكَاتِب صنف تَارِيخ بلنسية وَتُوفِّي سنة تسع وَخمْس ماية)
شهَاب الدّين ابْن زُرَيْق الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن خلف بن رَاجِح بن بِلَال بن هِلَال بن عِيسَى بن مُوسَى بن الْفَتْح بن زُرَيْق الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة خمسين وَخمْس ماية ظنا بجماعيل ورحل مَعَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ سنة سِتّ وَسِتِّينَ إِلَى الْحَافِظ السلَفِي فَأكْثر عَنهُ وَرجع فَرَحل إِلَى بَغْدَاد وَلما عَاد إِلَى دمشق كَانَ يمْضِي ويناظر الْحَنَفِيَّة ويتأذون مِنْهُ وَألبسهُ شَيْخه ابْن الْمَنِيّ طرحة وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وست ماية
مُحَمَّد بن خلف بن مُحَمَّد بن جيان بِالْجِيم الْفَقِيه أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ الْخلال الْمُقْرِئ توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثلث ماية
ابْن فتحون الأوريولي مُحَمَّد بن خلف بن سليمن بن فتحون أَبُو بكر الأندلسي الأوريولي الْحَافِظ كَانَ معتنياً بِالْحَدِيثِ عَارِفًا بِالرِّجَالِ لَهُ اسْتِدْرَاك عل ابْن عبد الْبر فِي كتاب الصَّحَابَة فِي سفرين وَكتاب آخر فِي أَوْهَام الصَّحَابَة الْمَذْكُور وَأصْلح أَيْضا أَو أَوْهَام مُعْجم ابْن قَانِع فِي جُزْء وَأَجَازَ ابْن بشكوال من مرسية توفّي سنة عشْرين وَخمْس ماية
الألبيري الْمُتَكَلّم مُحَمَّد بن خلف بن مُوسَى أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الأندلسي الألبيري الْمُتَكَلّم نزيل قرطبة كَانَ حَافِظًا لكتب الْأُصُول وَاقِفًا على مَذْهَب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه مَعَ الْمُشَاركَة فِي الْأَدَب وَله كتاب النكت والأمالي فِي النَّقْض على الْغَزالِيّ ورسالة الِانْتِصَار فِي الرَّد على مَذَاهِب أيمة الْأَخْبَار كتاب شرح مُشكل مَا فِي الْمُوَطَّأ وصحيح البُخَارِيّ توفّي سنة سبع وثلثين وَخمْس ماية(3/38)
ابْن صافي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن خلف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن صَاف أَبُو بكر الأشبيبلي الْمُقْرِئ كَانَ عَارِفًا بالقرآت والعربية مقدما فيهمَا من كبار أَصْحَاب شُرَيْح وَشرح الْأَشْعَار السِّتَّة وفصيح ثَعْلَب وَغير ذَلِك وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية
بدر الدّين المنبجي التَّاجِر مُحَمَّد بن خلف بن مُحَمَّد بن عقيل الشَّيْخ بدر الدّين المنبجي التَّاجِر السفار رَئِيس مُتَمَوّل مَعْرُوف بِالدّينِ وَالْعقل والثقة يحضر مجَالِس الحَدِيث وَسمع لأَوْلَاد ابْنه توفّي سنة سبع وَتِسْعين وست ماية
ابْن المرابط القَاضِي مُحَمَّد بن خلف بن سعيد بن وهب الأندلسي المربي القَاضِي أَبُو عبد الله ابْن المرابط قَاضِي المرية ومفتيها وعالمها صنف كتابا كَبِيرا فِي شرح البُخَارِيّ ورحل إِلَيْهِ النَّاس توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية)
ابْن مشرق مُحَمَّد بن خلوف بن مشرق السّلمِيّ قَالَ ابْن رَشِيق الأنموذج من أشرف أهل نَاحيَة الْقَمْح ورؤسايها تأدب وَهُوَ شَاعِر مطبوع درب عذب الْأَلْفَاظ وَاضح الْمعَانِي سهل الطَّرِيق حسن التَّلْوِيح أورد لَهُ فِي الْغَزل
(لي حبيب لم أصغ فِيهِ للوم ... غَابَ عني فَمَا انتفعت بنوم)
(لم أخن عَهده وخان عهودي ... يَا لقومي لقاتلي يَا لقومي)
(كل يَوْم وداده فِي انتقاص ... وودادي يزِيد فِي كل يَوْم)
(كدت وَالله أَن أكون غريقاً ... فِي دموعي لَوْلَا اختيالي وعومي)
وَأورد لَهُ
(قلت لما أَن رمى كَبِدِي ... بسهام الغنج والحور)
(أَنْت فِي حل وَفِي سَعَة ... من دمي يَا طلعة الْقَمَر)
(لَيْتَني إِذْ رحت تظلمني ... أتملي مِنْك بِالنّظرِ)
قَالَ ابْن رَشِيق أما الْبَيْت الْأَوْسَط فقد ظَلَمَنِي فِيهِ ظلما ظَاهرا لِأَنِّي أنشدته لنَفْسي غير مرّة
(أَنْت فِي حل وَفِي سَعَة ... من دمي يَا من تقلده)
قلت وَابْن رَشِيق ظلم البستي ظلما ظَاهرا لِأَنَّهُ قَالَ
(إِن أمت وجدا فلي قدم ... بِي إِلَى حتف الْهوى سعت)(3/39)
(أَو ترق تِلْكَ اللحاظ دمي ... فَهِيَ فِي حل وَفِي سَعَة)
قَالَ ابْن رَشِيق وَأَبوهُ أَيْضا شَاعِر مجود غير أَنه لَا ينْسب إِلَى ذَلِك السنبسي مُحَمَّد بن خَليفَة بن حُسَيْن أَبُو عبد الله النميري الْعِرَاقِيّ الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالسنبسي اسمم أمه سنبسة أَصله من هيت أَقَامَ بالمحلة عِنْد سيف الدولة صَدَقَة بن مزِيد وَكَانَ شاعره وشاعر وَلَده دبيس روى عَنهُ السلَفِي وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وَخمْس ماية أورد لَهُ محب الدّين ابْن النجار قَوْله
(قُم فاسقنيها على صَوت النواعير ... حَمْرَاء تشرق فِي ظلماء ديجور)
(كَانَت سراج أنَاس يَهْتَدُونَ بهَا ... فِي أول الدَّهْر قبل النَّار والنور)
(فَأَصْبَحت بعد مَا أفنى ذبالتها ... مر السنين وتكرار الأعاصير)
(تهتز فِي الكاس من ضعف وَمن كبر ... كَأَنَّهَا قبس فِي كف مقرور)
)
(يحكيه لينوفر يَحْكِي كَمَا يمه ... زرق الأسنة فِي لون وَتَقْدِير)
(مغرورق كرؤس البط متلعة ... أعناقها وهم ميل المناقير)
(ينظرُونَ من خلل الضحضاح فِي غسق ... إِلَى نُجُوم بهار كالدنانير)
وَقَوله
(نفض ختاماً عَن حَدِيث كَأَنَّهُ ... وَإِن مل من أسماعنا لم يردد)
(فإمَّا لأمر عَاجل نسترده ... وَإِمَّا لهجر فَاتَ أَو ذكر موعد)
وَقَوله
(وخمارة من بَنَات المجو ... س لَا تطعم النّوم إِلَّا غرارا)
(طرقت على عجل والنجو ... م فِي الجو معترضات حياري)
(وَقد برد اللَّيْل فاستخرجت ... لنا فِي الظلام من الدن نَارا)
وَمن شعر السنبسي
(فو الله مَا أنسى عَشِيَّة ودعوا ... وَنحن عِجَال بَين غاد وراجع)
(وَقد سلمت بالطرف مِنْهَا فَلم يكن ... من النُّطْق إِلَّا رَجعْنَا بالأصابع)
(ورحنا وَقد روى السَّلَام قُلُوبنَا ... وَلم يجر منا فِي خروق المسامع)(3/40)
أنشدت هَذِه الأبيات فِي مجْلِس سيف الدولة صَدَقَة فطرب مِنْهَا وَمَا ارتضاها مِقْدَار بن المطاميري فَقَالَ لَهُ سيف الدولة وَيلك يَا مقيدير مَا تَقول قَالَ أَقُول خيرا مِنْهُ قَالَ إِن خرجت من عُهْدَة دعواك وَإِلَّا ضربت عُنُقك فَقَالَ وَهُوَ سَكرَان ملتج
(وَلما تناجوا للفراق غدية ... رموا كل قلب مطمئن برايع)
(وقمنا فمبد حنة أثر أنة ... تقوم بالأنفاس عوج الأضالع)
(مَوَاقِف تدمى كل عبراء ثرة ... خروق الْكرَى إنسانها غير هاجع)
(أمنا بهَا الواشين أَن يلهجوا بِنَا ... فَلم نتهم إِلَّا وشَاة المدامع)
فطرب سيف الدولة وَأمره بِالْجُلُوسِ عِنْد قلت لَكِن قَول الأول ضجرة فِي المدامع خير من الأبيات الثَّانِيَة بمجموعها(3/41)
3 - (ابْن خَلِيل)
الشَّيْخ مُحَمَّد الأكال مُحَمَّد بن خَلِيل بن عبد الْوَهَّاب بن بدر أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالأكال أَصله من جبل بني هِلَال ومولده بقصر حجاج خَارج دمشق سنة سِتّ ماية وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين ماية فِي شهر رَمَضَان كَانَ رجلا صَالحا كثير الإيثار وحكاياته فِي أَخذ الْأُجْرَة على مَا يَأْكُلهُ وَمَا يقبله من بر الْمُلُوك والأمراء وَغَيرهم مَشْهُورَة لم يسْبقهُ إِلَى ذَلِك أحد وَلَا اقتفى أثر غَيره وَجَمِيع مَا يتَحَصَّل لَهُ يصرف فِي وُجُوه الْبر ويتففد بِهِ المحاييس والمحاويج والأرامل وَكَانَ بعض النَّاس يُنكر على من يعامله بِهَذِهِ الْمُعَامَلَة فَإِذا اتّفق لَهُ ذَلِك مَعَه انفعل لَهُ وَدفع لَهُ مَا يرضاه على الْأكل وَكلما تناهى الْإِنْسَان لَهُ فِي الْمطعم وتأنف زَاد هُوَ فِي الِاشْتِرَاط عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَ ذَلِك حُلْو الشكل والْحَدِيث تَامّ الشكل مليح الْعبارَة لَهُ قبُول تَامّ من ساير النَّاس توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وست ماية
شمي الدّين الصُّوفِي مُحَمَّد بن خَلِيل الشَّيْخ شمس الدّين الصُّوفِي سمع من الشَّيْخ شمي الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي وَأبي الهيجاء غَازِي ابْن أبي الْفضل الحلاوي وَغَيرهمَا وَحدث مرَارًا أجَاز لي
مُحَمَّد بن خَلِيل أَبُو بكر الْمُقْرِئ الْأَخْفَش الصَّغِير الدِّمَشْقِي قَرَأَ على ابْن الأخرم وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْحسن بن الْحسن الْهَاشِمِي وَكَانَ يحفظ ثلثين ألف بَيت شعر شَاهدا فِي الْقُرْآن توفّي سنة سِتّ وَثلث ماية فِيمَا يظنّ
الاسكندري مُحَمَّد بن الخمسي الاسكندري قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب شَاعِر قريب الْعَصْر لَهُ فِي رجل ينعَت بِعَين الْملك
(أَلا أَن ملكا أَنْت تدعى بِعَيْنِه ... جدير بِأَن يُمْسِي وَيُصْبِح أعورا)
(فَإِن كنت عين الْملك حَقًا كَمَا ادعوا ... فَأَنت لَهُ الْعين الَّتِي دمعها جرا)
وَقَالَ
(قَالَ لي العاذل فِي حبه ... وَقَوله زور وبهتان)(3/42)
(مَا وَجه من أحببته قبْلَة ... قلت وَلَا قَوْلك قُرْآن)
ابْن أبي الْخِيَار مُحَمَّد بن أبي الْخِيَار الْعَلامَة أَبُو عبد الله الْعَبدَرِي الْقُرْطُبِيّ صَاحب التصانيف كَانَ من أهل الْحِفْظ والاستبحار فِي الرَّأْي وَله تنابيه على الْمُدَوَّنَة ورد على أبي عبد الله ابْن)
الفخار وَكتاب الشجاج وأدب النِّكَاح وَرَأس قبل مَوته فِي النّظر فَترك التَّقْلِيد وَأخذ بِالْحَدِيثِ وَبِه تفقه أَبُو الْوَلِيد ابْن خيرة وَأَبُو خَالِد ابْن رِفَاعَة توفّي سنة تسع وَعشْرين وَخمْس ماية
الاشبيلي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن خير عمر بن خَليفَة الْمُقْرِئ الْأُسْتَاذ الْحَافِظ أَبُو بكر اللمتوني الأشبيلي تصدر للإقراء وَكَانَ مقرئاً مجوداً ومحدثاً متقناً أديباً نحوياً لغوياً وَاسع الْمعرفَة لما مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَخمْس ماية بِيعَتْ كتبه بأغلى أثمانها
ابْن خيرة تقدم فِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن دانيال مُحَمَّد بن دانيال بن يُوسُف الْخُزَاعِيّ الْموصِلِي الْحَكِيم الْفَاضِل الأديب شمس الدّين صَاحب النّظم الحلو والنشر العذب الطباع الدَّاخِلَة والنكت الغربية والنوادر العجيبة هُوَ ابْن حجاج عصره وَابْن سكرة مصره وضع كتاب طيف الخيال فأبدع طَرِيقه وَأغْرب فِيهِ فَكَانَ هُوَ المطرب والمرقص على الْحَقِيقَة وَله أَيْضا ارجوزة سَمَّاهَا عُقُود النظام فِي من ولي مصر من الْحُكَّام أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس قَالَ كَانَ الْحَكِيم شمس الدّين الْمَذْكُور لَهُ دكان كحل دَاخل بَاب الْفتُوح فاجتزت بِهِ أَنا وَجَمَاعَة من أَصْحَابه فَرَأَيْنَا عَلَيْهِ زحمة مِمَّن يكحله فَقَالُوا تَعَالَوْا نخايل على الْحَكِيم فَقلت لَهُم لَا تشاكلوه تخسروا مَعَه فَلم يوافقوني وَقَالُوا لَهُ يَا حَكِيم أتحتاج إِلَيّ عصيات يعنون بذلك أَن هَؤُلَاءِ الَّذين يكحلهم يعمون ويحتاجون إِلَى عصي فَقَالَ لَهُم سَرِيعا لَا إِلَّا إِن كَانَ فِيكُم أحد يَقُود لله تَعَالَى فَمروا خجلين وَكَانَ لَهُ راتب على الدِّيوَان السلطاني من لحم وعليق وَغير ذَلِك فَعمل فِي وَقت استيمار وَقطع راتبه من اللَّحْم فَدخل على الْأَمِير سيف الدّين سلار وَهُوَ يعرج فَقَالَ لَهُ مَا بك يَا حَكِيم فَقَالَ بِي قطع لحم فَضَحِك مِنْهُ وَأمر بِإِعَادَة مرتبه وَيُقَال أَن الْملك الْأَشْرَف قبل أَن يَلِي السلطنة أعطَاهُ فرسا وَقَالَ هَذَا اركبه إِذا طلعت القلعة أَو سَافَرت مَعنا لِأَنَّهُ كَانَ فِي خدمته فَأَخذه مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام رَآهُ وَهُوَ على حمَار مكسح فَقَالَ يَا حَكِيم مَا أعطيناك فرسا لتركبه فَقَالَ نعم(3/43)
بِعته وزدت عَلَيْهِ واشتريت هَذَا الْحمار فَضَحِك مِنْهُ وَله من هَذَا النَّوْع غرايب ينقلها المصريون عَنهُ وَمن نظمه قَوْله
(قد عقلنا وَالْعقل أَي وثاق ... وصبرنا وَالصَّبْر مر المذاق)
(كل من كَانَ فَاضلا كَانَ مثلي ... فَاضلا عِنْد قسْمَة الأرزاق)
وَقَوله)
(بِي من أَمِير شكار ... وجد يذيب الجوانح)
لما حكى الظبي جيدا حنت إِلَيْهِ الْجَوَارِح وَقَوله فِي الخور
(ومنزل حف بالرياض فَمَا ... نعدم نورا بِهِ وَلَا نورا)
(وَكَانَ خوراً تلهو النُّفُوس بِهِ ... وَزيد مَاء فَصَارَ ماخورا)
وَقَوله
(مَا عَايَنت عَيْنَايَ فِي عطلتي ... أقل من حظي وَلَا بخْتِي)
(قد بِعْت عَبدِي وحصاني وَقد ... أَصبَحت لَا فَوقِي وَلَا تحتي)
وَقَوله
(يَا سايلي عَن حرفتي فِي الورى ... وضيعتي فيهم وإفلاسي)
(مَا حَال من دِرْهَم إِنْفَاقه ... يَأْخُذهُ من أعين النَّاس)
وَقَوله
(يَقُولُونَ الطَّبِيب أَبُو فلَان ... حوى كرماً وجودا فِي الْيَدَيْنِ)
(فَقلت علمت ذَلِك وَهُوَ سمح ... يضيع كل يَوْم ألف عين)
وَقَوله
(قطعت من يَوْمَيْنِ بطيخة ... وجدت فِيهَا جعس مصمودي)
(قَالُوا خرى الخولي فِي أَصْلهَا ... أَيَّام جري المَاء فِي الْعود)
وَقَوله فِي الشَّمْس الجرواني
(رَأَيْت سراج الدّين للصفع صَالحا ... وَلكنه فِي علمه فَاسد الذِّهْن)(3/44)
(أستره بالكف خوف انطفايه ... وآفته من طفئه كَثْرَة الدّهن)
وَقَوله فِي النَّبِيذ الشمسي
(نديمي عد بِالْمِصْبَاحِ عني ... وَلَا تحفل بِهِ فِي ليل أنسي)
(فَلَيْسَ أَخَاف أَن يدجو ظلام ... عَليّ وقهوتي فِي اللَّيْل شمسي)
وَقَوله فِي الزئبق الأقطع
(واقطع قلت لَهُ ... أَأَنْت لص أوحد)
)
(فَقَالَ هذي صَنْعَة ... لم يبْق لي فِيهَا يَد)
وَقَوله وَقد صلبوا ابْن الكازروني وَفِي حلقه جرة خم فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة
(لقد كَانَ حد الْخمر من قبل صلبه ... خَفِيف الْأَذَى إِذْ كَانَ فِي شرعنا جلدا)
(فَلَمَّا بدا المصلوب قلت لصاحبي ... أَلا تب فَإِن الْحَد قد جَاوز الحدا)
وَقَوله أَيْضا
(لقد منع الإِمَام الْخمر فِينَا ... وصير حَدهَا حد الْيَمَانِيّ)
(فَمَا جسرت مُلُوك الْجِنّ خوفًا ... لأجل السَّيْف تدخل فِي القناني)
وَقَول ابْن دانيال موشحة يُعَارض بهَا أَحْمد بن حسن الْموصِلِي
(غُصْن من البان مثمر قمرا ... يكَاد من لينه إِذا خطرا يعْقد)
أسمر مثل الْقَنَاة معتدل ولحظه كالسنان منصقل نشوان من خمرة الصَّبِي ثمل
(عربد سكرا عَليّ إِذْ خطرا ... كَذَاك فِي النَّاس فِي كل من سكرا عربد)
يَا بِأبي شادن فتنت بِهِ يهواه قلبِي على تقلبه مذ زَاد فِي التيه من تجنبه
(أحرمني النُّون عِنْدَمَا نَفرا ... حَتَّى لطيف الخيال حِين سرى شرد)
عَيناهُ مثوى الفتور والسقم قد زلزلا من سطاهما قدمى سيفان قد جردا لسفك دمى
(إِن كَانَ فِي الْحبّ قتلتي نكرا ... فها دمي فَوق هده طهرا يشْهد)
لَا تلحني بالملام يَا عذلي(3/45)
فأنني من هَوَاهُ فِي شغل وَانْظُر لماذا بِهِ الْمُحب بلَى
(لَو عبد النَّاس قبله بشرا ... لَكَانَ من حسنه بِغَيْر مرى يعبد)
)
حملت وجدا كردفه عظما وصرت نضواً كخصرة سقما لَو أَن مَا بِي بالصخر لانهدما
(وَالْحب دَاء لَو حمل الحجرا ... لذاب من هول ذَاك وانفطرا)
جوى أذاب الحشا فحرقني ونيل دمع جرى فغرقني لكنه بالدموع خلقني
(فرحت أجري فِي الدمع منحدرا ... ذَاك لِأَنِّي غَدَوْت منكسرا مُفْرد)
بديع حسن سُبْحَانَ خالقه أَحْمَر خد يُبْدِي لعاشقه مسكاً ذكي الشذا لناشقه
(نمل عذار يحير الشعرا ... وُفُود شعر يستوقف الزمرا أسود)
فَأَما موشحة الْموصِلِي فَإِنَّهَا قَوْله وَهُوَ أصنع وَقَول الأول أسرى
(بِي رشأ عِنْدَمَا رنا وسرا ... باللحظ للعاشقين إِذْ أسرا قيد)
السحر من لحظه ومقلته والرشد من فرقه وغرته والغي من صُدْغه طرته
(بدر لصبح الجبين قد سترا ... بلَيْل شعر فَانْظُر لَهُ سترى أسود)
إِن قلت بدر فالبدر ينخسف أَو قلت شمس فالشمس تنكسف أَو قلت غُصْن فالغصن ينقصف
(وَسنَان جفن سما عَن النظرا ... وكل طرف إِلَيْهِ قد نظرا)
يزهو بثغر كالدر والشهب والطلع والأقحوان والحبب رصع شبه اللجين فِي الذَّهَب)
(حوى الثريا من ثغره أثرا ... لَهُ الَّذِي أدمعي بِهِ نثرا نضد)(3/46)
حَاجِبه مشرف على شغفي عَارضه شَاهد على أسفي ناظره عَامل على تلفي
(بِهِ غرامي قد شاع واشتهرا ... وسيفه فِي الحشا إِذا شهرا يغمد)
بِمَا باجفانه من الوطف وَمَا بأعطافه من الهيف وَمَا بأردافه من الترف
(ذَا الأسمر اللَّوْن ردني سمرا ... وَفِي فُؤَادِي من قده سمرا أملد)
عذاره النَّمْل فِي الْفُؤَاد سعى والنحل من ثغره الأقاح رعى ويوسف أَيدي النسا قطعا
(بِالنورِ من وَجهه سبا الشعرا ... وردني بالجفا وَمَا شعرًا مكمد)
وَقَوله ابْن دانيال أَيْضا على شير
(إِذا مَا كنت مَخْتُومًا ... فَكُن ضيف على شير)
(فَمَا يخرج مِنْهُ الخب ... ر إِلَّا بالمناشير)
وَقَوله أَيْضا
(كم قيل لي إِذْ دعيت شمساً ... لَا بُد للشمس من طُلُوع)
(فَكَانَ ذَاك الطُّلُوع دَاء ... يرقى غلى السَّطْح من ضلوعي)
وَقَوله أَيْضا
(فسر لي عَابِر مناماً ... فصل فِي قَوْله وأجمل)
(وَقَالَ لَا بُد من طُلُوع ... فَكَانَ ذَاك الطُّلُوع دمل)
وَقَوله أَيْضا
(يَا رشا لحظه الصَّحِيح العليل ... كل صب بِسَيْفِهِ مقتول)
(لَك ردف غادرته رهن خصر ... وَهُوَ رهن كَمَا علمت ثقيل)
)
وَقَوله أَيْضا
(تمنيت لما عزني الوفر والمنى ... ضلال بِأَن الوفر خص بِهِ غَيْرِي)
(وَلَو كَانَ أيري مثل مَا قلت وافراً ... لأتعبني حملا ولذ بِهِ غَيْرِي)(3/47)
3 - (ابْن دَاوُد)
ابْن دَاوُد الظَّاهِرِيّ مُحَمَّد بن دَاوُد بن عَليّ الظَّاهِرِيّ الإِمَام ابْن الإِمَام الْأَصْفَهَانِي الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الأديب صَاحب كتاب الزهرة من أذكياء الْعَالم جلس للفتيا وناظر ابْن سُرَيج سُئِلَ عَن حد السكر مَتى هُوَ وَمَتى يكون الْإِنْسَان سَكرَان فَقَالَ إِذا عزبت عَنهُ الهموم وباح بسره المكتوم حفظ الْقُرْآن وَله سبع سِنِين وَله كتاب الإندار والإعذار ومختار لأشعار والإيجاز فِي الْفِقْه والبراعة والانتصار لِأَبِيهِ من الناشي الْمُتَكَلّم والانتصار لِأَبِيهِ من مُحَمَّد بن جرير والتقصي فِي الْفِقْه والإيجاز لَا يكمل والانتصار من مُحَمَّد بن جرير والتقصي فِي الْفِقْه والإيجاز لَا يكمل والانتصار من مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَعبد الله بن شرشير وَعِيسَى بن إِبْرَاهِيم الضَّرِير والوصول إِلَى معرفَة لأصول وَاخْتِلَاف مسايل الصَّحَابَة والفرايض والمناسك توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وماتين وعمره اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة كَانَ يلقب بعصفور الشوك لنحافته وصفرة لَونه وَقَالَ مُحَمَّد مَا انفككت من هوى قطّ مُنْذُ دخلت الْكتاب بدأت بِعَمَل كتاب الزهرة وَأَنا فِي الْكتاب وَنظر أبي فِي أَكثر وَدخل يَوْمًا على ثَعْلَب النَّحْوِيّ فَقَالَ لَهُ ثَعْلَب أذكرك شَيْئا من صبوتك فَقَالَ
(سقى الله أَيَّامًا لنا وليالياً ... لَهُنَّ بِأَكْنَافِ الشَّبَاب ملاعب)
(إِذا الْعَيْش غض وَالزَّمَان بعزة ... وَشَاهد أَوْقَات المحبين غايب)
فَبكى ثَعْلَب وَقَالَ القَاضِي مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب كنت يَوْمًا أساير أَبَا بكر بن دَاوُد فَسمع جَارِيَة تغني بِشعرِهِ وَتقول
(أَشْكُو غليل فؤاد أَنْت متلفه ... شكوى عليل إِلَى إلْف يعلله)
(سقمي يزِيد على الْأَيَّام كثرته ... وَأَنت فِي عظم مَا ألْقى تقلله)
(الله حرم قَتْلِي فِي الْهوى سفهاً ... وَأَنت يَا قاتلي ظلما تحلله)
فَقَالَ يَا أَبَا عمر كَيفَ السَّبِيل إِلَى ارتجاع مثل هَذَا فَقلت هَيْهَات سَارَتْ بِهِ الركْبَان وَمن شعره)(3/48)
(أكرر فِي روض المحاسن ناظري ... وَأَمْنَع نَفسِي أَن تنَال المحرما)
(رَأَيْت الْهوى دَعْوَى من النَّاس كلهم ... فَمَا أَن أرى حبا صَحِيحا مُسلما)
وَمِنْه أَيْضا
(وَإِنِّي لأدري أَن فِي الصَّبْر رَاحَة ... وَلَكِن إنفاقي على من الصَّبْر)
(فَلَا تطف نَار الشوق بالشوق طَالبا ... سلواً فَإِن الْجَمْر يسعر بالجمر)
كَانَ مُحَمَّد يهوى فَتى حَدثا من أهل أَصْبَهَان يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن جَامع وَيُقَال ابْن زخرف وَكَانَ طَاهِرا فِي عشقه عفيفاً وَكَانَ ابْن جَامع ينْفق وَلم ير معشوق ينْفق على عاشق غَيره وَلم يزل فِي حبه حَتَّى قَتله دخل ابْن جَامع يَوْمًا غلى الْحمام وَخرج فَنظر فِي الْمرْآة فأعبجه حسنه فَغطّى وَجهه بمنديل وَجَاء إِلَى مُحَمَّد بن دَاوُد وَهُوَ على تِلْكَ الْحَالة فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ نظرت فِي الْمرْآة فَأَعْجَبَنِي حسني فَمَا أَحْبَبْت أَن يرَاهُ أحد قبلك فَغشيَ عَلَيْهِ قلت لَو حضرتهما لأنشدت ابْن جَامع
(لَئِن تلف المضنى عَلَيْك صبَابَة ... يحِق لَهُ وَالله ذَاك ويعذر)
وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُحِبهُ ابْن دَاوُد اسْمه وهب بن جَامع الْعَطَّار الصيدلاني وسوف تَأتي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَكَانهَا من حرف الْوَاو دخل على ابْن دَاوُد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد نفطويه وَقد ضنى على فرَاشه فَقَالَ لَهُ يَا با بكر مَا هَذَا مَعَ الْقُدْرَة والمحبوب مساعد فَقَالَ أَنا فِي آخر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا لَا أنالني الله شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كنت حللت سراويلي على حرَام قطّ حَدثنِي أبي بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن الْعَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عشق فكتم وعف وصبر ثمَّ مَاتَ شَهِيدا وَأدْخلهُ الله الْجنَّة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة الحَدِيث رَوَاهُ الخرايطي يرفعهُ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عشق فعفت فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد قلت هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الذِّرَاع فِي جزءه وَفِي طَرِيقه سُوَيْد بن سعيد الْحَد ثَانِي وَهُوَ من شُيُوخ مُسلم إِلَّا أَن يحيى بن معِين ضعفه قَالَ فِيهِ كلَاما مَعْنَاهُ لَو ملكت فرسا ورمحاً لقاتلته بِسَبَب هَذَا الحَدِيث وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن المنجنيفي فتابع سويداً وَلما مَاتَ مُحَمَّد جلس ابْن سُرَيج فِي عزايه وَبكى وَجلسَ عل التُّرَاب وَقَالَ مَا آسى إِلَّا على لِسَان أكله التُّرَاب من أبي بكر ويحكى أَنه لما بلغته وَفَاته كَانَ يكْتب شَيْئا فَألْقى الكراسة من يَده وَقَالَ مَاتَ من كنت أحث نَفسِي وأجهدها على الِاشْتِغَال لمناظرته ومقاومته وروى مُحَمَّد)
عَن أَبِيه وَغَيره وَحكى أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا أَنه حضر مجْلِس مُحَمَّد فَجَاءَهُ رجل فَدفع إِلَيْهِ رقْعَة فَأَخذهَا وتأملها طَويلا وَظن تلامذته أَنَّهَا مَسْأَلَة فقلبها وَكتب فِي ظهرهَا وَدفعهَا فَإِذا الرجل عَليّ بن الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بِابْن الرُّومِي الشَّاعِر وَإِذا فِي الْوَقْعَة مَكْتُوب(3/49)
(يَا ابْن دَاوُد يَا فَقِيه الْعرَاق ... أَفْتِنَا فِي قواتل الأحداق)
(هَل عَلَيْهِنَّ فِي الجروح قصاص ... أم مُبَاح لَهَا دم العشاق)
وَإِذا الْجَواب
(كَيفَ يفتيكم قَتِيل صريع ... بسهام الْفِرَاق والاشتياق)
(وقتيل التلاق أحسن حَالا ... عِنْد دَاوُد من قَتِيل الْفِرَاق)
اجْتمع يَوْمًا هُوَ وَابْن سُرَيج فِي مجْلِس الْوَزير ابْن الْجراح فتناظرا فِي الْإِيلَاء فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج أَنْت بِقَوْلِك من كثرت لحظاته دَامَت حسراته ابصر مِنْك بالْكلَام فِي الْإِيلَاء فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر لَئِن قلت ذَاك فَإِنِّي أَقُول
(أنزه فِي روض المحاسن مقلتي ... وَأَمْنَع نَفسِي نَفسِي أَن تنَال محرما)
(وأحمل من ثقل الْهوى مَا لَو أَنه ... يصب على الصخر الْأَصَم تهدما)
(وينطق طرفِي عَن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما)
فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج وَبِمَ تفتخر عَليّ وَلَو شِئْت أَنا أَيْضا لَقلت
(ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمْنَعهُ لذيذ سناته)
(ضنا بِحسن حَدِيثه وعتابه ... وأكرر اللحظات فِي وجناته)
(حَتَّى إِذا مَا الصُّبْح لَاحَ عموده ... ولى بِخَاتم ربه وبراته)
فَقَالَ أَبُو بكر يحفظ الْوَزير عَلَيْهِ ذَلِك حَتَّى يُقيم عَلَيْهِ شَاهِدي عدل أَنه ولى بِخَاتم ربه وبراته فَقَالَ ابْن سُرَيج يلْزَمنِي فِي ذَلِك مَا يلزمك فِي قَوْلك أنزه فِي روض المحاسن مقلتي الْبَيْت فَضَحِك الْوَزير وَقَالَ لقد جَمعْتُمَا ظرفا ولطفاً وفهماً وعلما
ابْن الْجراح الْكَاتِب مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح الْكَاتِب كَانَ كَاتبا عَارِفًا بارعاً بأيام النَّاس وأخبارهم ودول الْمُلُوك لَهُ فِي ذَلِك مصنفات كَانَ مَعَ ابْن العتز فَلَمَّا انحل أَمر(3/50)
ابْن المعتز وَقتل اختفى ابْن دَاوُد قَالَ أَبُو عمر مُحَمَّد بن يُوسُف القَاضِي لما جرت وَاقعَة ابْن المعتز حبست أَنا وَالْقَاضِي أَبُو الْمثنى أَحْمد بن يَعْقُوب وَمُحَمّد بن دَاوُد بن الْجراح وَكُنَّا فِي دَار فِي)
ثَلَاثَة أَبْيَات متلاصفات وبيتي فِي الْوسط وَإِذا جننا اللَّيْل تحدثنا من وَرَاء الْجدر وَأوصى بَعْضنَا إِلَى بعض فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيَالِي دخل أنَاس بشموع إِلَى بَيت مُحَمَّد بن دَاوُد وأخرجوه وأضجعوه للذبح فَقَالَ يَا قوم ذبحا كالشاة أَيْن المصادرات أَيْن أَنْتُم من الْأَمْوَال أَنا أفدي نَفسِي بِكَذَا وَكَذَا فَلم يسمع مَه وذبحوه وَأخذُوا رَأسه وألقوا جثته فِي الْبِئْر ثمَّ أخرجُوا أَبَا الْمثنى بعد مَا ذَهَبُوا وعادوا وَقَالُوا لَهُ يَا عَدو الله يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَ استحللت نكث بيعتي فَقَالَ لعلمي أَنه لَا يصلح فَقَالُوا أمرنَا أَن نستتيبك من هَذَا الذَّنب فَإِنَّهُ كفر فَقَالَ أعوذ بِاللَّه من الْكفْر فذبحوه وَأخذُوا رَأسه وألقوا جثته فِي الْبِئْر ومضوا وعادوا فأخرجوني وَقَالُوا يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ يَا فَاعل مَا الَّذِي حملك على خلع بيعتي قلت الشقاوة وَقد أَخْطَأت وَأَنا تايب إِلَى الله تَعَالَى فحملوني إِلَى دَار الْخلَافَة وَابْن الْفُرَات جَالس فوبخني وتنصلت واعتذرت فَقَالَ وَهِي لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ ذَنْبك واشتريت دمك وحرمك بماية ألف دِينَار فَقلت وَالله مَا رَأَيْت بَعْضهَا مجتمعاً قطّ فغمزني الْوَزير فأديت الْبَعْض وسومحت بِالْبَاقِي وَكَانَت وَفَاة ابْن الْجراح سنة سِتّ وَتِسْعين ماتين وَمن شعر ابْن الْجراح
(قد ذهب النَّاس فَلَا نَاس ... وَصَارَ بعد الطمع الياس)
(وساد أَمر الْقَوْم أَدْنَاهُم ... وَصَارَ تَحت الذَّنب الرَّأْس)
وَمِنْه أَيْضا
(أعين أخي أَو صَاحِبي فِي مصابه ... أقوم لَهُ يَوْم الْحفاظ واقعد)
(وَمن يفرد الأقوام فِيمَا ينوبهم ... تنبه اللَّيَالِي مرّة وَهُوَ مُفْرد)
وَمن تصانيفه كتاب الورقة سَمَّاهُ بذلك لِأَنَّهُ فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء وَلَا يزِيد فِي خبر الشَّاعِر الْوَاحِد على ورقة وَلِهَذَا سمى الصولي كِتَابه فِي أَخْبَار الوزراء بالأوراق لِأَنَّهُ أَطَالَ فِي أَخْبَار كل وَاحِد بأوراق وَله الشّعْر وَالشعرَاء لطيف من سمى من الشُّعَرَاء عمرا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام كتاب الوزراء كتاب الْأَرْبَعَة على مِثَال كتاب أبي هفان
ألب رسْلَان السلجوقي مُحَمَّد بن دَاوُد السُّلْطَان الب رسْلَان السلجوقي تقدم ذكره فِي مُحَمَّد بن جغربك
الدقي الصُّوفِي مُحَمَّد بن دَاوُد أَبُو بكر الدقي بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَالْقَاف الْمُشَدّدَة المسكورة الدينَوَرِي شيخ الصُّوفِيَّة بِالشَّام توفّي سنة سِتِّينَ وَثلث ماية بِالشَّام)(3/51)
مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيْمَان النَّيْسَابُورِي الزَّاهِد شيخ الصُّوفِيَّة أَبُو بكر أحد الأيمة فِي الحَدِيث والتصوف كَانَ صَدُوقًا مَقْبُولًا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثلث ماية
نَاصِر الدّين الصارمي مُحَمَّد بن دَاوُد بن ياقوت الصارمي نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله كَانَ رجلا صَالحا فَاضلا عَالما مُفِيدا لطلبة الحَدِيث باذلاً كتبه وخطه للمشتغلين سمع كثيرا وَكتب مجلدات وأجزاء كَثِيرَة وطبقات السماع الَّتِي بِخَطِّهِ من أحسن الطباق وأنورها وأصحها توفّي بِدِمَشْق وَدفن فِي مَقَابِر الْبَاب الصَّغِير سنة سِتِّينَ وست ماية
ابْن الياس البعلبكي مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْيَأْس أَبُو عبد الله البعلبكي مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْيَأْس أَبُو عبد الله البعلبكي الْمَدْعُو شمس الدّين سمع الْكثير من الشَّيْخ الْمُوفق وطبقته وَالشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ وَابْن الزبيدِيّ وحنبل وَغَيرهم وَسمع عَلَيْهِم مَا لَا يُحْصى وَكَانَ فِيهِ ديانَة وتحر فِي الشَّهَادَات والأقوال كثير الْأَمَانَة وَالْعَدَالَة وَالْعِبَادَة خدم اليونيني وَالِد الشَّيْخ قطب الدّين فَوق أَرْبَعِينَ سنة وَحفظ الْمقنع وَعرف الفرايض ورحل للْحَدِيث طَالبا وَحدث بِكَثِير من مسموعاته ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخمْس ماية وَتُوفِّي سنة تسع وَسبعين وست ماية شمس الدّين ابْن منتاب مُحَمَّد بن دَاوُد بن مُحَمَّد بن منتاب التقي الْمَأْمُون شمس الدّين أَبُو عبد الله الْموصِلِي السلَامِي الشَّافِعِي التَّاجِر ولد سنة نَيف وَسبعين وسافر للتِّجَارَة وَحضر غَزْوَة عكا وَحفظ التَّنْبِيه والشاطبية وَسمع من أبي جَعْفَر ابْن الموازيني وببغداد من ابْن أبي الْقسم وَغَيره وَغَابَ عَن دمشق زَمَانا ثمَّ سكنها من بعد سنة عشْرين وَكَانَ مليح الشكل جميل اللبَاس مهيبا حسن الْبشر دايم الْبَذْل وَالصَّدَََقَة خَبِيرا بالأمتعة ذَا حَظّ من أوراد وتهجد ومروءة مجوداً لكتاب اله تَعَالَى يخضع لَهُ التُّجَّار ويتحاكمون إِلَيْهِ وثوقاً بِعِلْمِهِ وورعه وشيعه أُمَم وَصلى عَلَيْهِ بعد الْجُمُعَة توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
شمس الدّين ابْن الْحَافِظ مُحَمَّد بن دَاوُد القَاضِي شمس الدّين ابْن الْملك الْحَافِظ كَانَ ذكياً حَنَفِيّ الْمَذْهَب لَهُ مُشَاركَة فِي الْعَرَبيَّة وينظم حسنا وَله نثر لَيْسَ بالطايل يعرف الرياضي جيدا أَعنِي فِي مَا يتَعَلَّق بِالْحِسَابِ ورسايل الأسطرلاب وَيَضَع الْآلَات لكنه وضع لَيْسَ بالظريف وَلَكِن جيد من حَيْثُ الْعلم ويغلب عَلَيْهِ أَعمال الْحِيَل الَّتِي لبني مُوسَى من جر الأثقال وَغير ذَلِك فيفني عمره فِي عمل تِلْكَ الْأَشْيَاء وَكَانَ نَاظر الْجَيْش بصفد ثمَّ نقل إِلَى نظر جَيش طرابلس وَبهَا توفّي سنة أَربع وثلثين وَسبع ماية فِيمَا أَظن وَلما توجه مَعَ عَسْكَر صفد وغزة صُحْبَة(3/52)
الْأَمِير)
سيف الدّين بكتمر الْحَاجِب نايب صفد عمل رِسَالَة فِي نوبَة سلع وَجَاء فِي أثنايها بنظم أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ من ذَلِك
(دعت قلعة السّلع من قد مضى ... بلطف إِلَى حبها الْقَاتِل)
(وغرتهم حِين أبدت لَهُم ... محيا كبدر دجى كَامِل)
(فَلَمَّا اسْتَجَابُوا لَهَا أَعرَضت ... دلالاً وَقَالَت إِلَى قَابل)
(تفانى الرِّجَال على حبها ... وَمَا يحصلون على طايل)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(لله در الخليج أَن لَهُ ... تفضلاً لَا نطيق نشكره)
(حَسبك مِنْهُ بِأَن عَادَته ... يجير من لَا يزَال يكسرهُ)
هُوَ مَأْخُوذ من قَول الأول وَفِيه زِيَادَة
(سد الخليج بكسره جبر الورى ... طراً فَكل قد غَدا مَسْرُورا)
(المَاء سُلْطَان فَكيف تَوَاتَرَتْ ... عَنهُ البشاير إِذْ غَدا مكسورا)
قَرَأت عَلَيْهِ رِسَالَة الاسطرلاب للْقَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة وَأَخْبرنِي أَنه قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَحكى لي الْمَذْكُور من لَفظه أَن القَاضِي بدر الدّين حكى لَهُ أَن إنْسَانا من المغاربة جَاءَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة دَار الخطابة فِي الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ إِذْ ذَاك قَاضِي الْقُضَاة وخطيباً وَقَالَ يَا سيدنَا رَأَيْت الْيَوْم فِي الْجَامِع إنْسَانا وَفِي كمه آلَة الزندقة فاستفهمت مِنْهُ الْكَلَام واستوضحته غلى أَن ظهر لي أَنه رَآهُ وَفِي كمه اسطرلاب قَالَ فَقَالَ إِذا جِئْت إِلَيّ لتقرأ عَليّ شَيْئا من هَذَا تحيل فِي إخفاء ذَلِك مهما أمكن وَكَانَ شمس الدّين الْمَذْكُور رَحمَه الله يحل المترجم بِلَا فاصلة سَرِيعا وَمن شعره
(وَذي شنب مَالَتْ إِلَى فِيهِ شمعة ... فَردَّتْ لاشفاق الْقُلُوب عَلَيْهِ)
(فمالت إِلَى أقدامه شغفاً بِهِ ... فَقبلت الْبَطْحَاء بَين يَدَيْهِ)
(وَقَالَت بدا من فِيهِ شهد فهزني ... تذكر أوطاني فملت إِلَيْهِ)
(فحالت يَد الْأَيَّام بيني وَبَينه ... فعفرت أجفاني على قَدَمَيْهِ)
أَخذ قَول القايل وَزَاد عَلَيْهِ وَهُوَ
(أَتَدْرُونَ شمعتنا لم هوت ... لتقبيل ذَا الرشأ الأكحل)
)
(درت أَن ريقته شهدة ... فحنت إِلَى إلفها الأول)(3/53)
3 - (ابْن ذَاكر)
مُحَمَّد بن ذَاكر بن كَامِل بن أبي غَالب الْخفاف قَالَ ابْن النجار أَبُو عبد الله ابْن شَيخنَا أبي الْقسم جارنا بالظفرية كَانَ شَابًّا صَالحا ورعاً تقياً دينا حسن الطَّرِيقَة تفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات واشتغل بِشَيْء من الْأَدَب وَسمع الحَدِيث من وَالِده وَغَيره وَمَات قبل أَوَان الرِّوَايَة توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس ماية
أَبُو بكر الْخرقِيّ القاساني مُحَمَّد بن ذَاكر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر أَبُو بكر ابْن أبي نصر الْخرقِيّ الْمَعْرُوف بالقاساني من أهل اصبهان طلب بِنَفسِهِ وَسمع الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا سمع أَبَا عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحداد وَأَبا الْفضل جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الثَّقَفِيّ وَفَاطِمَة بنت عبد الله الجوزدانية وخلقا كثيرا من أَصْحَابه أبي طَاهِر الثَّقَفِيّ وَجَمَاعَة حَتَّى سمع من أقرانه وَسمع بخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَخرج لنَفسِهِ معجما فِي جزئين وَحدث بِأَكْثَرَ مَا سمع وَكَانَ صَدُوقًا وَقدم بَغْدَاد حَاجا وَحدث بهَا سمع مِنْهُ الشريف أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الزيدي وَالْقَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عَليّ الْقرشِي وَتُوفِّي باصبهان سنة ثلث وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية
الْعمانِي الراجز مُحَمَّد بن ذُؤَيْب الْعمانِي الراجز النَّهْشَلِي ثمَّ الْفُقيْمِي يكنى أَبَا الْعَبَّاس وَهُوَ من أهل الجزيرة وَقيل من ديار مصر وَإِنَّمَا خرج إِلَى عمان فَأَقَامَ بهَا مديدة ثمَّ عَاد يُقَال أَنه عَاشَ ماية وثلثين سنة وَهُوَ أحد شعراء الرشيد وأخباره مَعَه كثير وَفِيه يَقُول يَا ناعش الْجد إِذا الْجد عثر وَجَابِر الْعظم إِذا الْعظم انْكَسَرَ أَنْت ربيعي وَالربيع ينْتَظر وَخير أنواء الرّبيع مَا بكر وروى صَاحب الأغاني عَن زيد بن عقال أَنه قَالَ كُنَّا وقوفا وَالْمهْدِي قد أجْرى الْخَيل فسبقها فرس يُقَال لَهُ الغضبان فَطلب الشُّعَرَاء فَلم يجد مُهِمّ أحد إِلَّا أَبُو دلامة فَقَالَ لَهُ قَلّدهُ يَا زند فَلم يفهم مَا أَرَادَ فقلده عمَامَته فَقَالَ لَهُ الْمهْدي يَا ابْن اللخناء أَنا أَكثر عمايم مِنْك إِنَّمَا أردْت أَن تقلده شعرًا ثمَّ قَالَ يَا لهفي على الْعمانِي فَلم يتَكَلَّم حَتَّى أقبل فَقيل لَهُ هَذَا الْعمانِي قد أقبل السَّاعَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ قدموه فَقدم فَقَالَ قلد قرسي هَذَا فَقَالَ غير مُتَوَقف)(3/54)
قد غضب الغضبان إِذْ جد الْغَضَب وَجَاء يحمي حسباً فَوق الْحسب من إِرْث عَبَّاس بن عبد الْمطلب وَجَاءَت الْخَيل بِهِ تَشْكُو العتب لَهُ عَلَيْهَا مَا لكم على الْعَرَب فَقَالَ لَهُ الْمهْدي أَحْسَنت وَالله وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم
المكحول الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن رَاشد المكحول الدِّمَشْقِي روى لَهُ الْأَرْبَعَة وَتُوفِّي سنة سبعين وماية
الثَّقَفِيّ مُحَمَّد بن رَاشد بن معدان أَبُو بكر اليقفي مَوْلَاهُم الْحَافِظ مُحدث بن مُحدث طَاف الدُّنْيَا وَلَقي الشُّيُوخ وصنف الْكتب وَتُوفِّي بكرمان سنة تسع وَثلث ماية حدث عَن يُونُس بن حبيب وَغَيره وروى عَنهُ ابْن المنادى وَغَيره وَكَانَ صَالحا ثِقَة
الْحَافِظ الْقشيرِي مُحَمَّد بن رَافع بن أبي زيد سَابُور الْقشيرِي مَوْلَاهُم الْحَافِظ إِمَام عصره بخراسان الزَّاهِد أحد الْأَعْلَام بعث إِلَيْهِ عبد الله بن طَاهِر بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَدخل إِلَيْهِ الرَّسُول بهَا وَهُوَ يَأْكُل الْخبز مَعَ الفجل بعد صَلَاة الْعَصْر وَقَالَ الْأَمِير بعث إِلَيْك بِهَذِهِ لتنفقها عَلَيْك وعَلى أهلك فَقَالَ خُذْهُ لَا أحتاج إِلَيْهِ فَإِن الشَّمْس قد بلغت رُؤْس الْجبَال وَقد جَاوَزت الثَّمَانِينَ إِلَى متن أعيش ورده قَالَ الْحَاكِم دخلت دَاره وتبركت بِالصَّلَاةِ فِيهِ رُؤِيَ بعد مَوته فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ بشرني بِالروحِ والراحة سمع سفين بن عُيَيْنَة وَغَيره وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ النَّسَائِيّ وَمُسلم ثِقَة مَأْمُون توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وماتين
تَقِيّ الدّين بن رَافع مُحَمَّد بن رَافع بن هجرس الإِمَام الْحَافِظ الْمُفِيد الرّحال تَقِيّ الدّين أَبُو الْمَعَالِي الصميدي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي ولد سنة أَربع وَسبع ماية وَسمع من حسن سبط(3/55)
زِيَادَة وَابْن الْقيم وَجَمَاعَة حضوراً وارتحل بِهِ وَالِده سنة أَربع عشرَة فاسمعه من القَاضِي وَابْن عبد الدايم أبي بكر وطايفة وسَمعه جَمِيع تَهْذِيب الْكَمَال من الْحَافِظ الْمزي وَحج وَقدم إِلَى دمشق سنة ثلث وَعشْرين وَسمع الْكثير ثمَّ رَجَعَ ثمَّ عَاد إِلَيْهَا مَرَّات وارتحل إِلَى حماة وحلب وَسمع بِقِرَاءَتِي أَشْيَاء على الْعَلامَة أثير الدّين أبي حَيَّان وعَلى الشَّيْخ الْحَافِظ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس)
وَأخذت عَنهُ فرايد ثمَّ أَنه قدم على الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أبي الْحسن السُّبْكِيّ سنة تسع وثلثين وَسبع ماية فأقره فِي وظايف ومدارس وَهُوَ حسن الود جيد الصُّحْبَة مَأْمُون الْغَيْب ثِقَة ضَابِط دين وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده فِي حرف الرَّاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الْأَمِير ابْن رايق مُحَمَّد بن رايق أَبُو بكر الْأَمِير كَانَ جواداً ممدحاً وَقد مدحه ابْن عمار الْأَسدي صَاحب طرابلس فَقَالَ
(حسام لِابْنِ رايق المرجى ... حسام المتقى أَيَّام صالا)
توفّي سنة وَثلث ماية قدم دمشق وَأخرج عَنْهَا بَدْرًا الأخشبذي فَأَقَامَ اشهراً وَدخل مصر فَالتقى هُوَ وَمُحَمّد بن طغج الأخشيد صَاحب مصر فَهَزَمَهُ الأخشيد وَرجع فَأَقَامَ بِدِمَشْق ثمَّ توجه إِلَى الْموصل وَقتل بهَا قَتله غلْمَان الْحسن بن حمدَان وَكتب الْحسن إِلَى المتقى إِنَّه أَرَادَ أَن يغتالني فَقتلته فولاه مَكَانَهُ وَلم يتَمَكَّن أحد من الراضي تمكنه وَهُوَ الَّذِي قطع يَد ابْن مقلة وَلسَانه
الرُّؤَاسِي مُحَمَّد بن ربيعَة الْكلابِي الرُّؤَاسِي الْكُوفِي روى لَهُ الْأَرْبَعَة وَتُوفِّي بعد التسعين والماية
المغربي الشَّاعِر مُحَمَّد بن ربيع من قَرْيَة بتونس بساحل الْبَحْر من كورة رصفة شَاعِر أورد لَهُ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج قَوْله
(يَا درة تشرق فِي السلك ... لَوْلَا بعادي مِنْك لم أبك)
(كَأَن ذلي بعد عز الرضى ... ذلة مخلوع من الْملك)(3/56)
كَانَ مَوْجُودا سنة سِتّ وَأَرْبع ماية
قَاضِي الْمَأْمُون مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد بن أبي رَجَاء الْخُرَاسَانِي الْفَقِيه صَاحب أبي يُوسُف ولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد لِلْمَأْمُونِ وَتُوفِّي سنة سبع وماتين
صَاحب الصَّحِيح على شَرط مُسلم مُحَمَّد بن رَجَاء بن السندي أَبُو بكر الأسفراييني الْحَافِظ مُصَنف الصَّحِيح على شَرط مُسلم توفّي سنة تسعين وماتين
ابْن السلعوس الطَّبِيب مُحَمَّد بن أبي الرَّجَاء بن أبي الزهر بن أبي الْقسم أَبُو عبد الله التنوخي الدِّمَشْقِي الطَّبِيب الْمَعْرُوف بِابْن السلعلوس مولده سنة تسع وَتِسْعين خمس ماية بِدِمَشْق سمع عبد الصَّمد ابْن الحرستاني وَحدث عَنهُ بالقاهر وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست ماية وَدفن بمقابر بَاب النَّصْر)
خطيب منين مُحَمَّد بن رزق الله بن عبيد الله بن أبي عَمْرو المنيني الْأسود خطيب منين كَانَ من الثِّقَات توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبع ماية
الشريف النَّاسِخ مُحَمَّد بن رضوَان السَّيِّد الشريف الْعلوِي الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي النَّاسِخ توفّي فِي ربيع الأول وَقيل الآخر سنة إِحْدَى وَسبعين وست ماية عَن تسع وَسِتِّينَ سنة كَانَ يكْتب خطا متوسط الْحسن فِي المسوب وَله يَد فِي النثر وَالنّظم وَالْأَخْبَار وَعِنْده مُشَاركَة فِي الْعُلُوم وَكتب الْكثير وَجمع وَكَانَ مغرى بتصانيف ابْن الْأَثِير الْجَزرِي مثل الْمثل الساير والوشي المرقوم يكْتب مها كثيرا وَمن شعره مَا ذكر قطب الدّين اليونيني أَنه سمع مِنْهُ
(يَا من يعيب تلوني ... مَا فِي التلون مَا يعاب)
(إِن السَّمَاء إِذا تلون وَج ... هها يُرْجَى السَّحَاب)
وَقَالَ أَيْضا
(كرر على الظبي حَدِيث الْهوى ... على سَمَّاهُ بعد صحو تغيم)
(وَلَا تخف أَن لَهُ نفرة ... فطالما أونس ظَبْي الصريم)
(وَلَا تقل إِن لَهُ صُحْبَة ... مَعَ غَيرنَا دهراً وعهداً قديم)
(فالماء رَبِّي الْغُصْن فِي حجره ... وَمَال عَنهُ برَسُول النسيم)
وَقَالَ أَيْضا
(عقد الرّبيع على الشتَاء مآتماً ... لما تقوض للرحيل خيامه)(3/57)
(لطم الشَّقِيق خدوده فتضرجت ... حزنا وناح على الْقَضِيب حمامه)
(والزهر منفتح الْعُيُون إِلَى خيو ... ط المزن حَيْثُ تفتقت أكمامه)
وَقَالَ أَيْضا من أَبْيَات
(تجلى لنا لَيْلًا فَلم ندر وَجهه ... أم الْقَمَر الوضاح وَاعْترض الشَّك)
(صقعت لَهُ لما استنار جماله ... فطور فُؤَادِي مذ تجلى لَهُ دك)
(طما بَحر أجفاني فيا نوح غفلتي أَن ... تبه فَلهَذَا الْبَحْر تصطنع الْفلك)
وَقَالَ فِي مليح يلقب الجدي
(رَأَيْت فِي جلق أعجوبة ... مَا إِن رَأينَا مثلهَا فِي بلد)
(جدي لَهُ من صُدْغه عقرب ... وَفِي مطاوي الجفن مِنْهُ أَسد)
)
(وَخَلفه سنبلة تطلب ال ... ميزَان لَا ترْضى بِأخذ الْعدَد)
وَقَالَ فِي حُسَيْن الصَّواف
(لست أخْشَى حر الهجير إِذا كَا ... ن حُسَيْن الصَّواف فِي النَّاس حَيا)
(فببيت من شعره أتفي الح ... ر وظل من أَنفه أتفيا)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا وَقد خلع عَلَيْهِ الشَّمْس العذار فرجية صوف وَكَانَ حُسَيْن يلازم رجلا مقدسياً يهنيكم الصَّواف أصبح عابداً للقرب غير مداهن ومدلسن
(خلع العذار عَلَيْهِ خلعة ناسك ... من شعر خشين الملمس)
(طويت لَهُ الأَرْض الفسيحة فاغتدي ... يجب المهامة فِي ظلام الحندس)
(فَهُوَ الْمُقِيم بجلق وركوعه ... وَسُجُوده أبدا بِبَيْت الْمَقْدِسِي)
قد توهم الشريف رَحمَه الله أَن يجب بِمَعْنى يجوب ول وَقَالَ يفري المهامه لاستراح وَقد أصلحت من شعره مَا أمكن وَقَالَ أَيْضا
(عانقته عِنْد الْوَدَاع وَقد جرت ... عَيْني دموعاً كالنجيع القاني)
(وَرجعت عَنهُ وطرفه فِي فَتْرَة ... يملي على مقَاتل الفرسان)
ابْن الرعاد مُحَمَّد بن رضوَان بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري الْمَعْرُوف بِابْن(3/58)
الرعاد بالراء وَالْعين الْمُشَدّدَة وَبعد الْألف دَال مُهْملَة يدعى زين الدّين أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ كَانَ الْمَذْكُور خياطاً بالمحلة من الغريبة وَله مُشَاركَة فِي الْعَرَبيَّة وأدب لَا بَأْس بِهِ وَكَانَ فِي غَايَة الصيانة والترفع عَن أهل الدُّنْيَا والتودد إِلَيْهِم واقتنى من صناعَة الْخياطَة من الْكتب وابتنى دَارا حَسَنَة بالمحلو وَتُوفِّي بالمحلة رَأَيْته بهَا مرَارًا وأنشدني لنَفسِهِ قَالَ أنشدها الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس
(سلم على الْمولى الْبَهَاء وصف لَهُ ... شوقي إِلَيْهِ وأنني مَمْلُوكه)
(أبدا يحركني إِلَيْهِ تشوق ... جسمي بِهِ مشطوره منهوكه)
(لَكِن نحلت لبعده فكأنني ... ألفألف وَلَيْسَ بممكن تحريكه)
وأنشدني لنَفسِهِ
(رَأَيْت حَبِيبِي فِي الْمَنَام معانقي ... وَذَلِكَ للمهجور مرتبَة عليا)
(وَقد رق لي من بعد هجر وقسوة ... وماضر إِبْرَاهِيم لَو صدق الرُّؤْيَا)
)
وأنشدني لنَفسِهِ
(نَار قلبِي لَا تقري لهباً ... وامنعي أجفان عَيْني أَن تناما)
(فَإِذا نَحن اعتنقنا فارجعي ... نَار إِبْرَاهِيم بردا وَسلَامًا)
وأنشدني لنَفسِهِ
(قَالُوا وَقد شاهدوا نحولي ... إِلَى م فِي ذَا الغرام تشقى)
(فنيت أَو كدت فِيهِ تفنى ... وَأَنت لَا تستفيق عشقا)
(فَقلت لَا تعجبوا لهَذَا ... مَا كَانَ لله فَهُوَ يبْقى)
قلت شعر جيد منسجم
الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن رمح بن المُهَاجر أَبُو عبد الله التجِيبِي مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ روى عَنهُ مُسلم وَابْن مَاجَه قَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس ثِقَة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وماتين
الْمَالِكِي مُحَمَّد بن رَمَضَان بن شَاكر أَبُو بكر الجيشاني الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي أحد الأيمة توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثلث ماية
مُحَمَّد بن رزوبه بن عبد الله قَالَ ابْن النجار هُوَ أَبُو بكر الْعَطَّار من سَاكِني دَار دِينَار الصَّغِيرَة وَهُوَ وَالِد شَيخنَا أبي الْحسن على القلانسي كَانَ متأدباً يَقُول الشّعْر وَأورد لَهُ(3/59)
(مَرَرْت على قبر تعفت رسومه ... وَفِيه عِظَام دارسات هوامد)
(فاسمع مني ناطقاً وَهُوَ صَامت ... وَأَيْقَظَ مني غافلاً وَهُوَ رَاقِد)
وَقَوله أَيْضا
(زعمت إِذا جن الظلام تزورني ... كذبت فَهَل للشمس بِاللَّيْلِ مطلع)
(فحتام صبري والتعلل بالمنى ... صددت فَمَا لي فِي وصالك مطمع)
(ولكنني أَرْجُو من اللطف نفحة ... أفوز بهَا قلبِي لَهَا يتَوَقَّع)
مُحَمَّد بن ريَاح بن أبي حَمَّاد الْكَاتِب الْمَعْرُوف بزنبور مولى المهلهل ابْن صَفْوَان مولى بني الْعَبَّاس بغدادي انْقَطع إِلَى آل نوبخت فَلَمَّا هجاهم أَبُو نواس هجاه زنبور وَقَالَ
(يعزة قلبه عَن ذكر رَاح ... وَكَيف عزاء قلب مستباح)
(شكا مَا باسته حسن إِلَيْنَا ... من الدَّاء المبرح بالفقاح)
فَأجَاب أَبُو نواس)
(أَرَادَ مُحَمَّد بن ريَاح شتمي ... فَعَاد وبال ذَاك على ريَاح)
الأبيات وَقَالَ مُحَمَّد بن زنبور
(لعن الله معشراً من ذَوي المل ... ك يضيعون حُرْمَة الأدباء)
(زهدوا فِي العلى وَفِي الْمجد حَقًا ... واستخفوا بِحرْمَة الشُّعَرَاء)
مُحَمَّد بن زَاهِر أوردهُ ابْن الْمَرْزُبَان فِي مُعْجم الشُّعَرَاء وَأورد لَهُ قَوْله
(يَا من هواي لَهُ هوى مُسْتَقْبل ... أبدا وَآخره بديء أول)
(إِن طَال ليل أخي اكتئاب ساهر ... فهواك من سهري وليلي أطول)
(وَلَقَد مَلَأت بِحسن طرفك مقلتي ... وتركتني وبصبوتي بتمثل)
(وَإِذا قصدت إِلَى سواك بنظرة ... ألفيت شخصك دونه يتخيل)
قلت هُوَ مَأْخُوذ من قَول جميل بن معمر العذري
(أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا ... تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل)
وَقَوله أَيْضا
(أفنيت فِيك مَعَاني الْأَقْوَال ... وعصيت فِيك مقَالَة العذال)
(حلمي بطيفك حِين يغلبني الْكرَى ... وخيال وَجهك أَيْن سرت خيالي)(3/60)
إِمَام جَامع حران مُحَمَّد بن الزبير الْقرشِي مَوْلَاهُم إِمَام جَامع حران كَانَ يُؤَدب أَوْلَاد هِشَام بن عبد الْملك قَالَ أَبُو زرْعَة فِي حَدِيثه شَيْء وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بالمتين وَقَالَ ابْن عدي مُنكر الحَدِيث وَقَالَ البُخَارِيّ لَا يُتَابع توفّي سنة سبعين وماية
الْأَهْوَازِي مُحَمَّد بن الزبْرِقَان الْأَهْوَازِي طرف الأقاليم وَلَقي الْكِبَار روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَتُوفِّي فِي عشر التسعين والماية(3/61)
3 - (ابْن زَكَرِيَّاء)
الرَّازِيّ الطَّبِيب مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ الطَّبِيب الفيلسوف كَانَ فِي صباه مغنياً بِالْعودِ فَلَمَّا التحى قَالَ كل غناء يخرج بَين شَارِب ولحية مَا يطرب فَأَعْرض عَن ذَلِك وَأَقْبل على دراسة كتب الطِّبّ والفلسفة فقرأها قِرَاءَة معقب على مؤلفيها فَبلغ من مَعْرفَتهَا الْغَايَة واعتقد صحيحها وَعلل سقيمها وصنف فِي الطِّبّ كتبا كَثِيرَة فَمن ذَلِك الْحَاوِي يدْخل فِي مِقْدَار ثلثين مجلدة وَالْجَامِع وَكتاب الأعصاب وَهُوَ أَيْضا كَبِير والمنصوري الْمُخْتَصر جمع فِيهِ بَين الْعلم وَالْعَمَل يحْتَاج إِلَيْهِ كل أحد صنفه لأبي صَالح مَنْصُور ابْن نوح أحد مُلُوك السامانية وَغير ذَلِك وَمن كَلَامه إِذا كَانَ الطَّبِيب عَالما وَالْمَرِيض مُطيعًا فَمَا أقل لبث الْعلَّة وَمِنْه عالج فِي أول الْعلَّة بِمَا لَا يسْقط بِهِ الْقُوَّة وَلم يزل رَئِيس هَذَا الشَّأْن واشتغل بِهِ على كبر قيل أَنه اشْتغل فِيهِ بعد الْأَرْبَعين وَطَالَ عمره وَعمي فِي آخر عمره واشتغل على الْحَكِيم أبي الْحسن عَليّ بن ربن الطَّبَرِيّ صَاحب التصانيف الَّتِي مِنْهَا فردوس الْحِكْمَة وَكَانَ مسيحياً ثمَّ أسلم وَذكر أَن سَبَب عماه أَنه صنف للْملك مَنْصُور الْمَذْكُور كتابا فِي الكيمياء فأعجبه وَوَصله بِأَلف دِينَار وَقَالَ أُرِيد أَن تخرج مَا ذكرت من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل فَقَالَ إِن ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَى مُؤَن وآلات وعقاقير صَحِيحَة وَأَحْكَام صَنْعَة فَقَالَ لَهُ الْملك كل مَا تريده أحضرهُ إِلَيْك وأمدك بِهِ فَلَمَّا كع عَن مُبَاشرَة ذَلِك وَعَمله فَقَالَ الْملك مَا اعتقدت أَن حكيماً يرضى بتخليد الْكَذِب فِي كتب ينسبها إِلَى الْحِكْمَة يشغل بهَا قُلُوب النَّاس ويتعبهم فِيمَا لَا فايدة فِيهِ وَالْألف دِينَار لَك صلَة وَلَا بُد من عُقُوبَتك على تخليد الْكَذِب فِي الْكتب وَأمر أَن يضْرب بِالْكتاب الَّذِي عمله على رَأسه إِلَى أَن يقطع فَكَانَ ذَلِك الضَّرْب سَبَب نزُول المَاء فِي عَيْنَيْهِ وَتُوفِّي سنة إِحْدَى عشرَة وَثلث ماية قَالَ ابْن أبي أصبيعة فِي تَارِيخ الْأَطِبَّاء قَالَ عبيد الله بن جِبْرِيل إِن الرَّازِيّ عمر إِلَى أَن عاصر الْوَزير ابْن العميد وَهُوَ الَّذِي كَانَ سَبَب إِظْهَار كِتَابه الْحَلْوَى بعد وَفَاته بِأَن بذل لأخته مَالا حَتَّى أخرجت المسودات لَهُ فَجمع تلاميذه الْأَطِبَّاء بِالريِّ حَتَّى رتبوا الْكتاب فَخرج الْكتاب على مَا هُوَ عَلَيْهِ من الِاضْطِرَاب انْتهى قلت وَمن شعر الرَّازِيّ(3/62)
(لعمري مَا أَدْرِي وَقد آذن البلى ... بعاجل ترحالي إِلَى أَيْن ترحالي)
(وَأَيْنَ مَحل الرّوح بعد خُرُوجه ... من الهيكل المنحل والجسد الْبَالِي)
وَكنت وقفت عَلَيْهِمَا بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وثلثين وَسبع ماية فَقلت راداً عَلَيْهِ)
(إِلَى جنَّة المأوى إِذا كنت خيرا ... تخلد فِيهَا ناعم الْجِسْم والبال)
(وَإِن كنت شريراً وَلم تلق رَحْمَة ... من الله فالنيران أَنْت لَهَا صالي)
الْفَقِيه صَاحب ابْن سُرَيج مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بن النُّعْمَان أَبُو بكر الهمذاني الْفَقِيه الشَّافِعِي صَاحب ابْن سُرَيج كَانَ أوحد زَمَانه فِي الْفِقْه لَهُ كتاب السّنَن وَلم يسْبق إِلَى مثله توفّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَثلث ماية
الْغلابِي الأخباري مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الْغلابِي بالغين الْمُعْجَمَة وَاللَّام المخففة وَالْبَاء الْمُوَحدَة بعد الْألف الْبَصْرِيّ الخباري هُوَ فِي عداد الضُّعَفَاء وَابْن حبَان ذكر فِي الثِّقَات وَقَالَ يعْتَبر حَدِيثه إِذا روى عَن ثِقَة وَقَالَ الدَّار قطنى بَصرِي يضع
مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا القلعي أورد لَهُ أُميَّة بن أبي الصَّلْت فِي الحديقة قَوْله
(مَا لذا الْحسن عَن نهاي نهاني ... وَهُوَ عَن قبح فعلكم مَا نهاكم)
(إِن هَذَا الْعقَاب من غير جرم ... غَارة شنها على هواكم)
قلت وَيجوز أَن يصحف هَذَا فَيُقَال عَادَة سنّهَا بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالدَّال الْمُهْملَة وَالسِّين الْمُهْملَة والمعنيان صَحِيحَانِ
(لم يدع لي فراقكم غير طرف ... لَا يرى م يحب حَتَّى يراكم)
وَمِنْه أَيْضا
(وقاد الْجِيَاد الأعوجيات دونهَا ... عوابس تطفو فِي العجاج وترسب)
(عَسَاكِر ملْء الطّرف أَن خفن ضلة ... أَضَاء لَهَا صبح الْحَدِيد المذرب)
(يمر نَهَاهُ بالشكوك فينجلى ... وَيجْرِي نداه فِي الأجاج فيعذب)
قلت شعر جيد طبقَة(3/63)
مُحَمَّد بن زنبور الْمَكِّيّ توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وماتين
الفرضي البُخَارِيّ مُحَمَّد بن زَنْجوَيْه أَبُو بكر البُخَارِيّ الْفَقِيه الفرضي حدث بِدِمَشْق وَكَانَ إِمَامًا فِي السّنة توفّي سنة تسع وَخمسين وَثلث ماية
الْمَنْصُور صَاحب سنجار مُحَمَّد بن زنكي بن مودور بن زنكي الْملك الْمَنْصُور قطب الدّين ابْن الْملك عماد الدّين هُوَ صَاحب سنجار كَانَ حسن السِّيرَة فِيهِ عدل وإنصاف وعقل وجود خلف من الْوَلَد سُلْطَان شاه وزنكي ومظفر الدّين وعدة بَنَات وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وست ماية)(3/64)
3 - (ابْن زُهَيْر)
أَبُو بكر النَّسَائِيّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن زُهَيْر بن أخطل أَبُو بكر النَّسَائِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي رَأس الشَّافِعِيَّة بنسا وخطيبها توفّي سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبع ماية(3/65)
3 - (ابْن زِيَاد)
الْحَارِثِيّ مُحَمَّد بن زِيَاد الْحَارِثِيّ أورد لَهُ ابْن الْمَرْزُبَان قَوْله
(تخالهم للحلم صمًّا عَن الْخَنَا ... وخرساً عَن الْفَحْشَاء عَن التهاجر)
(ومرضى إِذا لوقوا حَيَاء وعفة ... وَعند الْحفاظ كالليوث الخوادر)
(لَهُم دلّ إنصاف ولين تواصل ... بذلهم ذلت رِقَاب المعاشر)
(كَأَن بهم وصماً يخَافُونَ غَارة ... وَمَا وصمهم إِلَّا اتقاء المعاير)
ابْن الْأَعرَابِي مُحَمَّد بن زِيَاد ابْن الْأَعرَابِي مولى الْعَبَّاس بن مُحَمَّد كَانَ عجبا فِي معرفَة اللُّغَة والأنساب وَكَانَ أحوى روى عَن أبي معوية الضَّرِير وَالْكسَائِيّ وَالْقسم بن معن المَسْعُودِيّ كَانَ يَقُول فِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَبُو حنيفَة ولدت وَلم يكن فِي الْكُوفِيّين أشبه بِرِوَايَة الْبَصرِيين مِنْهُ وَكَانَ يزْعم أَن الْأَصْمَعِي وَأَبا عُبَيْدَة لَا يعرفان شَيْئا قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي ابْن الْأَعرَابِي كُوفِي الأَصْل صَالح زاهد ورع صَدُوق وَله كتاب النَّوَادِر وَالْخَيْل والأنواء وتاريخ القبايل ومعاني الشّعْر وَتَفْسِير الْأَمْثَال والألفاظ وَصفَة الزَّرْع وَصفَة النّخل والنبات وَنسب الْخَيل ونوادر الزبيريين ونوادر بني فقعس والذباب وَغير ذَلِك قَالَ ثَعْلَب شاهدت مجْلِس ابْن الْأَعرَابِي كَانَ يحضرهُ زهاء عَن ماية إِنْسَان وَكَانَ يسْأَل وَيقْرَأ عَلَيْهِ فيجيب من غير كتاب وَلَزِمتهُ بضع عشرَة سنة مَا رَأَيْت بِيَدِهِ كتابا قطّ وَلَقَد أمْلى على النَّاس مَا يحمل على أجمال وَلم ير أحد فِي علم الشّعْر أغزر مِنْهُ وَهُوَ ربيب الْمفضل بن مُحَمَّد صَاحب المفضليات كَانَت أمه تَحْتَهُ وَأخذ عَن الْمفضل الضَّبِّيّ وَأخذ عَنهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وثعلب وَابْن السّكيت وَغَيرهم وناقش الْعلمَاء واستدرك عَلَيْهِم وَخطأ كثيرا من نَقله اللُّغَة وَكَانَ يَقُول يجوز فِي كَلَام الْعَرَب أَن يعاقبوا بَين الضَّاد والظاء فَلَا يُخطئ من يَجْعَل هَذِه مَوضِع هَذِه وينشد قَول الشَّاعِر بالضاد
(إِلَى الله أَشْكُو من خَلِيل أوده ... يبث خلالاً كلهَا لي غايض)(3/66)
وَيَقُول هَكَذَا سمعته من الْعَرَب الفصحاء توفّي بسر من رأى سنة إِحْدَى وثلثين وماتين)
اليؤيؤ مُحَمَّد بن زِيَاد بن عبيد الله يُقَال لَهُ اليؤيؤ بيائين آخر الْحُرُوف مضمومتين وواوين مهموزتين كَانَ معمراً من أَبنَاء التسعين روى عَنهُ البخارى وَابْن ماجة توفّي سنة سِتِّينَ وماتين
أَبُو زِيَاد الْفُقيْمِي مُحَمَّد بن زِيَاد أَبُو زِيَاد الْفُقيْمِي الْكُوفِي قَالَ للمنصور لما قدم الْكُوفَة فَلم يقسم فِيهَا درهما
(نزلت بِأَقْوَام خماص بطونهم ... وَأَنت بطين والبرية جوع)
(سوى عصبَة كَانُوا من الْفَيْء مرّة ... فَصَارَ لَهُم مَا فِي الْبَريَّة أجمع)
(تقوم إِذا مَا قُمْت تشفع خطْبَة ... تشقق فِيهَا والدموع تربع)
(كَأَنَّك صياد تسيل دُمُوعه ... من القر والصياد يفرى وَيقطع)
(يجذ رِقَاب الطير من غير رَحْمَة ... وَعَيناهُ من برد العشية تَدْمَع)
(فَأَنت كَذَاك الْيَوْم يَا شَرّ عَامل ... رَأينَا على أعوادها يتخشع)
(تزهد فِي الدُّنْيَا وَأَنت بنهبها ... ملح على الدُّنْيَا تكد وَتجمع)
وَقَالَ يهجو شَرِيكا القَاضِي
(وليت أَبَا شريك كَانَ حَيا ... فيقصر حِين يبصره شريك)
(وَيقصر من تدريه علينا ... إِذا قُلْنَا لَهُ هَذَا أَبوك)(3/67)
3 - (ابْن زيد)
مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب روى عَن سعيد بن زيد وَابْن عَبَّاس وجده وروى لَهُ الْجَمَاعَة وثقة أَبُو حَاتِم وَغَيره توفّي سنة عشر وماية
صَاحب طبرستان مُحَمَّد بن زيد الْعلوِي صَاحب طبرستان لما بلغه أسر عَمْرو بن اللَّيْث الصفار خرج من طبرستان فِي جَيش كثيف نَحْو خُرَاسَان طامعاً فِيهَا ظنا أَن اسمعيل بن أَحْمد لَا يتَجَاوَز عمله بِمَا وَرَاء النَّهر فَلَمَّا وصل إِلَى سجستان كتب إِلَيْهِ اسعميل يَقُول إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد ولاني خُرَاسَان فَارْجِع وَلَا تتعرض إِلَى مَا لَيْسَ لَك فَأبى فَدَعَا اسمعيل مُحَمَّد بن هرون وَكَانَ خَليفَة لرافع بن هرثمة فِي أَيَّام ولَايَة رَافع خُرَاسَان فَقَالَ لَهُ سر إِلَى مُحَمَّد بن زيد فَسَار إِلَيْهِ والتقيا على بَاب جرجان فَكَانَت الدبرة أَولا على مُحَمَّد بن هرون ثمَّ رَجَعَ عَلَيْهِم فَهَزَمَهُمْ وَقتل من أَصْحَاب ابْن زيد خلق كثير وباشر مُحَمَّد بن زيد الْقِتَال بِنَفسِهِ وَوَقع فِي وَجهه وَرَأسه ضربات كَثِيرَة واسر ابْنه زيد وحوى ابْن هرون مَا كَانَ فِي عسكره ثمَّ مَاتَ مُحَمَّد بن زيد بعد هَذِه الْوَقْعَة بأيام وَدفن على بَاب جرجان وَحمل ابْنه زيد بن مُحَمَّد إِلَى اسمعيل بن أَحْمد وَسَار مُحَمَّد بن هرون إِلَى طبرستان وَكَانَ مَوته سنة سبع وَثَمَانِينَ وماتين وَكَانَ إِبْرَاهِيم بن الْمُعَلَّى يَقُول كنت أحترس من مُحَمَّد بن زيد إِذا امتدحته لعلمه بالأشعار وَحسن مَعْرفَته بتمييزها وَكَانَ إِذا أنْشدهُ أحد شعرًا معرباً يمدحه يَقُول لي يَا إِبْرَاهِيم أخونا عفتي يُرِيد أَن شعره مثل عفت الديار محلهَا فمقامها وَكَانَ جواداً كَرِيمًا ممدحاً قَالَ الصولي لم نَعْرِف لَهُ شعرًا إِلَّا هَذِه الأبيات
(إِن يكن نالك الزَّمَان بِصَرْف ... ضرمت ناره عَلَيْك فَجلت)
(وَأَتَتْ بعْدهَا قوارع أُخْرَى ... خضعت أنفس لَهَا حِين حلت)
(وتلتها قوارع باقيات ... سئمت بعْدهَا الْحَيَاة وملت)
(فاخفض الجأش واصبرن رويداً ... فالرزايا إِذا تجلت تخلت)(3/68)
وَسَيَأْتِي ذكر أَخِيه الْحسن بن زيد فِي حرف الْحَاء فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَذكر الْمَنْصُور عبد الله بن حمزه فِي حرف الْعين فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الوَاسِطِيّ المعتزلي مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن أَبُو عبد الله الوَاسِطِيّ الْمُتَكَلّم المعتزلي ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم فِي كتاب الفهرست كَانَ من كبار الْمُعْتَزلَة أَخذ عَن أبي عَليّ)
الجبائي وَكَانَ فِي زَمَانه عالي الصيت كثير الصحاب وَكَانَ من أخف عَالم الله روحاً وَهُوَ الَّذِي هجا نفطوية الشَّاعِر بقوله
(من سره أَن لَا يرى فَاسِقًا ... فليجتنب من أَن يرى نفطويه)
(أحرقه الله بِنصْف اسْمه ... وصير الْبَاقِي صَارِخًا عَلَيْهِ)
وَتُوفِّي بعد أبي عَليّ بِأَرْبَع سِنِين وَقيل سنة سِتّ وَثلث ماية وَله كتاب اعجاز الْقُرْآن فِي نظمه وتأليفه وَكتاب الْإِمَامَة وجود فِيهِ الزِّمَام فِي عُلُوم الْقُرْآن صنفه لأبي الْحسن عَليّ بن عيمي الْوَزير الرَّد على قسطا بن لوقا
مُحَمَّد بن زيد بن مُسلم النَّحْوِيّ أَبُو الْحسن يعرف بِأبي الشملين قَالَ ياقوت فِي كتاب مُعْجم الأدباء قَرَأت بِخَط هِلَال ابْن المحسن وَقد عدد مشايخه الَّذين رَآهُمْ وَقَرَأَ عَلَيْهِم فَقَالَ وَأَبُو الْحسن مُحَمَّد بن زيد بن مُسلم الْمَعْرُوف بِأبي الشملين
السُّلْطَان مُحَمَّد الغوري مُحَمَّد بن سَام السُّلْطَان شهَاب الدّين أَبُو المظفر الغوري صَاحب غزنة قَتله الباطنية فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وست ماية وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان غياث الدّين أبي الْفَتْح كَانَت خزانته على ألفي جمل وَكَانَ ملكا شجاعاً غازياً عادلاً حسن السِّيرَة يحكم بِمُوجب الشَّرْع وينصف الْمَظْلُوم والضعيف ويحضره الْعلمَاء وَقد جَاءَ أَن الإِمَام فَخر الدّين وعظه مرّة فَقَالَ فِي كَلَام خاطبه بِهِ يَا سُلْطَان الْعَالم لَا سلطانك يبْقى وَلَا تلبيس الرَّازِيّ يبْقى وَإِن مردنا إِلَى الله فانتحب السُّلْطَان بالبكار
الْكَلْبِيّ الْمُفَسّر مُحَمَّد بن السايب بن بشر بن عَمْرو أَبُو النَّضر الْكَلْبِيّ الْكُوفِي الأخباري الْعَلامَة صَاحب التَّفْسِير روى عَن الشّعبِيّ وَأبي صَالح باذام وَأصبغ بن نباتة وطايفة وَقد(3/69)
اتهمَ بالأخوين الْكَذِب والرفض وَهُوَ آيَة فِي التَّفْسِير وَاسع الْعلم على ضغفه كَانَ يَقُول حفِظتُ مَا لم يحفظه أحدٌ ونسيتُ مَا لم ينسه أحد حفظت الْقُرْآن فِي سِتَّة أَيَّام أَو سَبْعَة وقبضت على لحيتي لآخذ مِنْهَا دون القبضة فَأخذت مَا فَوق القبضة قَالَ ابْن عدي لَيْسَ لأحد تَفْسِير أطول من تَفْسِير ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين يَعْنِي من الَّذين فسروا الْقُرْآن فِي الماية الثَّانِيَة قَالَ ابْن عدي ولشهرته بَين الضُّعَفَاء يكْتب حَدِيثه قَالَ عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي سَمِعت أَبَا جُزْء يَقُول قَالَ الْكَلْبِيّ كَانَ جِبْرِيل يوحي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ لحَاجَة وَجلسَ عَليّ فَأوحى جِبْرِيل إِلَى عَليّ وروى نَحْو هَذَا أَبُو عوَانَة عَن الْكَلْبِيّ توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين)
وماية(3/70)
3 - (ابْن سَالم)
نجم الدّين قَاضِي نابلس مُحَمَّد بن سَالم نجم الدّين أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بقاضي نابلس كَانَ صَدرا رَئِيسا نبيلاً حسن التأتي كريم الْأَخْلَاق لَهُ وجاهة عِنْد الْمُلُوك وَتقدم فِي الدول ترسل عَن الْمُلُوك وَعَن الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب إِلَى دَار الْخَلِيفَة سمع الحَدِيث وأسمعه وأقعد فِي آخر عمره وَانْقطع عِنْد وَلَده جمال الدّين مُحَمَّد قَاضِي نابلسي إِلَى أَن مَاتَ بهَا فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع وَسبعين وست ماية ومولده سنة تسعين وَخمْس ماية ووالده القَاضِي شمس الدّين كَانَ كَبِير الْقدر لَهُ عِنْد الْملك الْكَامِل مَكَانَهُ وَلما سلم الْقُدس إِلَى الأنبرور سيره مَعَه ليسلم غلى الأفرنج مَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَأَوْلَاد القَاضِي نجم الدّين أَرْبَعَة شهَاب الدّين أَحْمد وجمال الدّين مُحَمَّد وَشرف الدّين مُوسَى ومجد الدّين سَالم
أَبُو قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين ابْن صصري مُحَمَّد بن سَالم بن الْحسن ابْن هبة الله بن مَحْفُوظ بن صصرى القَاضِي الْعدْل الْكَبِير عماد الدّين أَبُو عبد الله ابْن أبي الغنايم ابْن الْحَافِظ أبي الْمَوَاهِب الربعِي التغلبي الْبَلَدِي الْبَلَدِي الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ولد بعد السِّت ماية وَسمع من أَبِيه وَمن التَّاج الْكِنْدِيّ وَهبة الله بن طَاوس وَابْن أبي لقْمَة وَأبي الْمجد الْقزْوِينِي وروى عَنهُ ابْنه قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين وَابْن الْعَطَّار والدمياطي وزين الدّين الفارقي وَابْن الخباز وَجَمَاعَة صَار صَدرا رَئِيسا محتشماً وافر الْحُرْمَة كَبِير الثروة وَالنعْمَة ولي غير مرّة فِي المناصب الدِّينِيَّة وحمدت سيرته وَكَانَ محباً للْحَدِيث رَحل إِلَى مصر وَسمع من أَصْحَاب السلَفِي وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل واعتنى بولده وأسمعه روى الحَدِيث من بَيته جمَاعَة وَدفن بتربتهم بسفح قاسيون سنة سبعين وست ماية
القَاضِي جمال الدّين الْحَمَوِيّ مُحَمَّد بن سَالم بن نصر الله بن سَالم بن وَاصل القَاضِي جمال الدّين قَاضِي حماة الشَّافِعِي الْحَمَوِيّ أحد الأيمة الْأَعْلَام وَالِد بحماة ثَانِي شَوَّال سنة أَربع وست ماية وَعمر دهراً طَويلا وَتُوفِّي سنة سبع وَتِسْعين وست ماية وبرع فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وَالْأَخْبَار وَأَيَّام النَّاس وصنف ودرس وافتى واشتغل وَبعد صيته واشتهر اسْمه وَكَانَ من أذكياء الْعَالم ولي الْقَضَاء مُدَّة طَوِيلَة وَحدث عَن الْحَافِظ زكي الدّين البرزالي بِدِمَشْق وببلده وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَمَا زَالَ حَرِيصًا على الِاشْتِغَال وَغلب عَلَيْهِ الْفِكر إِلَى أَن صَار)
يذهل عَن أَحْوَال نَفسه وَعَمن يجالسه وَلما مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة دفن(3/71)
بتربته بعقبة بيرين عَن أَربع وَتِسْعين سنة وصنف فِي الْهَيْئَة وَأجَاب الأنبرور عَن مسايل سَأَلَهُ إِيَّاهَا فِي علم المناظر وَله تَارِيخ وَاخْتصرَ الأغاني وَله غير ذَلِك وَقيل أَنه كَانَ يشغل فِي حلقته فِي ثَلَاثِينَ علما وَأكْثر وَحكى الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَكْفَانِيِّ عَنهُ غرايب من حفظه وذكايه وَكَذَلِكَ الْحَكِيم السديد الدمياطي وَغَيره وَله مفرج الكروب فِي دولة بني أَيُّوب وَحضر حلقته نجم الدّين الكاتبي الْمَعْرُوف بُد بيران المنطقي وَأورد عَلَيْهِ أشكالاً فِي الْمنطق أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ قدم الْمَذْكُور علينا الْقَاهِرَة مَعَ المظفر فَسمِعت مَه وَأَجَازَ لي جَمِيع رواياته ومصنفاته وَذَلِكَ بالكبش من الْقَاهِرَة يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة تسعين وست ماية وَله مُخْتَصر الْأَرْبَعين وَشرح الموجز للأفضل وَشرح الْجمل لَهُ وهداية الْأَلْبَاب فِي الْمنطق وَشرح قصيدة ابْن الْحَاجِب فِي الْعرُوض والقوافي والتاريخ الصَّالِحِي ومختصر الأودية المفردة لِابْنِ البيطار وَهُوَ من بقايا من رَأَيْنَاهُ م أهل الْعلم الَّذين ختمت بهم الماية السَّابِعَة وأنشدنا لنَفسِهِ مِمَّا كتب بِهِ لصَاحب حماة الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المظفر
(يَا سيداً مَا زَالَ نجم سعده ... فِي فلك العلياء يَعْلُو الأنجما)
(إحسانك الْغمر ربيع دايم ... فَلم ير فِي صفر محرما)
الْمَالِكِي مُحَمَّد بن سَحْنُون بن سعيد التنوخي الْفَقِيه الْمَالِكِي القيرواني كَانَ حَافِظًا خَبِيرا بِمذهب مَالك عَالما بالآثار ألف كِتَابه الْمَشْهُور جمع فِيهِ فنون الْعلم وَالْفِقْه وَكتاب السّير وَهُوَ عشرُون كتابا وَكتاب التَّارِيخ وَهُوَ ستى أَجزَاء وَالرَّدّ على الشَّافِعِي وَأهل الْعرَاق وَكتاب الزّهْد وَالْأَمَانَة وتصانيفه كَثِيرَة ورثاه غير وَاحِد من الشُّعَرَاء وَتُوفِّي فِي عشر السّبْعين والماتين
المتَوَكل الْمُحدث مُحَمَّد بن أبي السّري المتَوَكل الْعَسْقَلَانِي روى عَنهُ أَبُو الْعَلَاء عَن ابْن معِين أَنه ثِقَة وَقَالَ ابْن عدي كثير الْغَلَط وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات توفّي سنة ثَمَان وثلثين وماتين(3/72)
ابْن السراج النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن السّري الْبَغْدَادِيّ النَّحْوِيّ أَبُو بكر ابْن السراج صَاحب الْمبرد لَهُ كتاب الْأُصُول فِي النَّحْو مُصَنف نَفِيس شَرحه الرماني وَشرح ابْن السراج سِيبَوَيْهٍ وَله احتجاج الْقُرَّاء والهواء وَالنَّار والجمل والموجز والاشتقاق وَالشعر وَالشعرَاء كَانَ يلثغ بالراء)
غيناً أمْلى يَوْمًا كلَاما فِيهِ لَفْظَة الرَّاء فكتبوها الْغَيْن فَقَالَ لَا بالغين بل بالغاء وَجعل يُكَرر ذَلِك وَكَانَ يهوى جَارِيَة فجفته فاتفق وُصُول الإِمَام المكتفي من الرقة فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَاجْتمع النَّاس لرُؤْيَته فَلَمَّا رَآهُ ابْن السراج استحسنه وَأنْشد أَصْحَابه
(ميزت بَين جمَالهَا فعالها ... فَإِذا الملاحة بالخيانة لَا تفي)
(حَلَفت لنا أَن لَا تخون عُهُودنَا ... فَكَأَنَّمَا حَلَفت لنا أَن لَا تفي)
(وَالله لَا كلمتها لَو أَنَّهَا ... كالبدر أَو كَالشَّمْسِ أَو كالمكتفي)
فأنشدها أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن اسمعيل بن زنجي الْكَاتِب لأبي الْعَبَّاس ابْن الْفُرَات وَقَالَ هِيَ لِابْنِ المعتز وأنشدها أَبُو الْعَبَّاس للقسم بن علد الله بن طَاهِر فَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار فوصلت إِلَيْهِ فَقَالَ ابْن زنجي مَا أعجب هَذِه الْقِصَّة يعْمل أَبُو بكر بن السراج أبياتاً تكون سَببا لوصول الرزق إِلَى عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر قلت هَذِه الأبيات فِي غَايَة الْحسن وَمَعَ لطفها وَحسن مَا فِيهَا من الاستطراد جَاءَ فِيهَا لُزُوم التَّاء قبل الْفَاء وَقد تداولها النَّاس وملأوا بهَا مجاميعهم واشتهرت إِلَى أَن قَالَ ابْن سناء الْملك
(وملية بالْحسنِ يسخر وَجههَا ... بالبدر يهزأ رِيقهَا بالقرقف)
(لَا أرتضي بالشمس تَشْبِيها لَهَا ... والبدر بل لَا أكتفي بالمكتفي)
أَخذ عَنهُ أَبُو الْقسم الزجاجي وَأَبُو سعيد السيرافي والرماني وَغَيرهم وثقة الْخَطِيب وَكَانَ أديباً شَاعِرًا إِمَامًا فِي النَّحْو مُقبلا على الطَّرب والموسيقى عشق ابْن يانس المغنى وَغَيره وَله أَخْبَار وهنات توفّي كهلاً فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وَثلث ماية وَلم يخلف فِي النَّحْو مثله قَرَأَ على الْمبرد شَيْخه كتاب الصول الَّذِي صنفه فَاسْتَحْسَنَهُ بعض الْحَاضِرين وَقَالَ هَذَا وَالله أحسن من كتاب المقتضب أَعنِي الَّذِي للمبرد فَأنْكر عَلَيْهِ ابْن السراج وَقَالَ لَا تقل مثل هَذَا وتمثل(3/73)
(وَلَكِن بَكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها وَكَانَ الْفضل للمتقدم)
وَحضر بَين يَدَيْهِ صبي لَهُ صَغِير فَقيل لَهُ أَتُحِبُّهُ فَأَنْشد
(أحبه حب الشحيح مَاله ... قد كَانَ ذاق الْفقر ثمَّ ناله)
وَقَالَ فِي ابْن يَاسر الْمُغنِي وَكَانَ يهواه وَبِه أثر جدري
(يَا قمراً جدر لما ساتوى ... فزاده حسنا وزادت هموم)
)
(أَظُنهُ غنى لشمس الضُّحَى ... فنقطته طَربا بالنجوم)(3/74)
3 - (ابْن سعد)
مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص روى عَن أَبِيه وَعُثْمَان وَأبي الدَّرْدَاء وروى لَهُ الْجَمَاعَة غير أبي دَاوُد توفّي سنة تسعين لِلْهِجْرَةِ
صَاحب الطَّبَقَات مُحَمَّد بن سعد بن منيع مولى بني هَاشم الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ سكن بَغْدَاد وصنف الطَّبَقَات الْكَبِير وَالصَّغِير وَهُوَ كَاتب الْوَاقِدِيّ وَظَهَرت فضايله ومعارفه وَهُوَ كثير الْعلم كثير الحَدِيث كثير الْكتب كتب الحَدِيث والغريب وَالْفِقْه وَتُوفِّي وَتُوفِّي بِبَغْدَاد يَوْم الْأَحَد رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وماتين على خلاف فِي ذَلِك وَهُوَ ابْن اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ عَاما وَسمع سفين ابْن عُيَيْنَة وأنظاره وروى عَنهُ أَبُو بكر ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو مُحَمَّد الْحَرْث بن أبي أُسَامَة وَغَيرهمَا وَكَانَ صَدُوقًا ثِقَة قَالَ الْخَطِيب وَمُحَمّد عندنَا من أهل الْعَدَالَة وَحَدِيثه يدل على صدقه فَإِنَّهُ يتحَرَّى فِي كثير من رواياته وَهُوَ مولى الْحُسَيْن وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب الشَّام
الْعَوْفِيّ مُحَمَّد بن سعد الْعَوْفِيّ الْبَغْدَادِيّ من بَيت الحَدِيث وَالْعلم قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا بَأْس بِهِ توفّي سنة سِتّ وَسبعين وماتين
صَاحب مرسية مُحَمَّد بن سعد بن مردنيش الْأَمِير أَبُو عبد الله صَاحب الشجَاعَة والإقدام بمرسية ونواحيها تنقلت بِهِ الْأَحْوَال وَملك مرسية بلنسية واستعان بالفرنج على حَرْب الْمُوَحِّدين واستفحل شَأْنه بعد موت عبد الْمُؤمن سقته والدته السم لما خافته وَمَات سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس ماية وَأمر أَهله لما أحس بِالْمَوْتِ أَن يسلمُوا الْبِلَاد إِلَى ابي يَعْقُوب ابْن عبد الْمُؤمن لِأَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ فِي ماية ألف(3/75)
مُحَمَّد بن سعد بن أبان الموي مَوْلَاهُم الْكُوفِي وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وماية
مُحَمَّد بن سعد الْكَاتِب التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ أورد لَهُ ابْن الْمَرْزُبَان
(سأشكر عمرا مَا تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وَأَن هِيَ جلت)
(فَتى غير مَحْجُوب الْغنى عَن صديقه ... وَلَا مظهر الشكوى إِذا النَّعْل زلت)
(رأى خلتي من حَيْثُ يخفى مَكَانهَا ... فَكَانَت قذى عَيْنَيْهِ حَتَّى تجلت)
قلت هِيَ للصولي إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس وَالله أعلم)
مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الديباجي الْمروزِي النَّحْوِيّ أَبُو الْفَتْح كَانَ ينظر ي خزانَة الْكتب الَّتِي بِجَامِع مرو وَتُوفِّي سنة تسع وست ماية بِعتبَة بَابه فَسقط على وَجهه أَخذ النَّحْو عَن أَبِيه وَأَبوهُ كَانَ فَاضلا وَله كتاب المحصل فِي شرح الْمفصل شرج انموذج الزَّمَخْشَرِيّ تَهْذِيب مُقَدّمَة الْأَدَب للزمخشري أَيْضا عدَّة نسخ القانون الصلاحي فِي أدوية النواحي مَنَافِع أَعْضَاء الْحَيَوَان فلك الْأَدَب
مُحَمَّد بن سعد الرَّازِيّ الْكَاتِب الأوحد لم يكن بعد ابْن البواب من كتب الثُّلُث والمحقق مثله قَالَ ياقوت وَرَأَيْت جمَاعَة يفضلونه على جمَاعَة من الْكتاب حَتَّى قيل أَنه كتب ذَلِك أصفى من ابْن البواب
مُحَمَّد بن سعد الرباجي اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ ورباح بِالْبَاء الْمُوَحدَة من أَعمال طليطلة بالأندلس
الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن سعد بن عبد الله بن الْحسن أَبُو عبد الله الْبَغْدَادِيّ توفّي بحلب سنة سِتِّينَ وَخمْس ماية من شعره
(أفدى الَّذِي وكلني حبه ... بطول اعلالي وأمراضي)
(وَلست أَدْرِي بعد ذَا كُله ... اساخط مولَايَ أم رَاض)
وَمِنْه
(يَا ذَا الَّذِي وكل فِي حبه ... على مدى الْأَيَّام أَو جاعا)
(وَمَا يُبَالِي لقساواته ... أَن ظمي المشتاق أوجاعا)
وَمِنْه(3/76)
(سيطوى على ذِي الْبَهْجَة الْجِسْم حسنه ... هوَام ترى الرمس الْبعيد ودوده)
(ويضجعه سهم الْمنية مُفردا ... ويجفون من بعد الْوِصَال ودوده)
قلت نظم منحط وجناس غير طايل وَأخذ هَذَا من قَول الحريري يخلى أحدكُم بَين ودوده ودوده ثمَّ يَخْلُو بمزماره وَعوده البديهي الْموصِلِي مُحَمَّد بن سعد البديهي الْموصِلِي أَبُو الْفضل الشَّاعِر روى عَنهُ أَبُو نصر عبيد الله بن عبد الْعَزِيز الرسولي وَمن شعره
(إِذا ارتضت فِي علم فصنه عَن الورى ... لِأَنَّك قبل الحذق فِي النَّاس نابغا)
(دم لبن الطِّفْل الرصيع فَعِنْدَ مَا ... تَكَامل نضجاً صَار فِي فِيهِ سايغا)
)
(ويرويك مَاء الْقطر عِنْد اجتماعه ... ويحلو جنى غُصْن إِذا كَانَ بَالغا)
ابْن الدجاجي مُحَمَّد بن سعد الله بن نصر أَبُو نصر ابْن الدجاجي الْوَاعِظ الْحَنْبَلِيّ ولد سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس ماية وَتُوفِّي فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وست ماية وَدفن بِبَاب حَرْب قَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ أَنْشدني فِي رِبَاط الأخلاطية لنَفسِهِ
(نفس الْفَتى أَن أصلحت أحوالها ... كَانَ إِلَى نيل التقى احوى لَهَا)
(وَأَن ترَاهَا سددت أقوالها ... كَانَ على حمل العلى أقوى لَهَا)
(فَلَو تبدت حَال من لَهَا لَهَا ... فِي قَبره عِنْد البلى لَهَا لَهَا)
قلت اشْتغل بالجناس عَن الإيطاء الَّذِي وَقع لَهُ وَلم يجْزم ترَاهَا الْوَاقِعَة بعد أَن الشّرطِيَّة
شمس الدّين الْمَقْدِسِي مُحَمَّد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مُفْلِح بن هبة الله بن نمير شمس الدّين الْكَاتِب الْأنْصَارِيّ الْحَنْبَلِيّ الْمَقْدِسِي نَشأ بقاسيون على الْخَيْر وَالصَّلَاح وَقَرَأَ الْقُرْآن والعربية وَسمع الْكثير وَكَانَ دينا وبرع فِي الْأَدَب وَحسن الْخط وَكتب للصالح اسمعيل وللناصر دَاوُد وَتُوفِّي سنة خمسين وست ماية وَمن شعره وَكتب بِهِ إِلَى اسمعيل الصَّالح
(يَا مَالِكًا لم أجد لي من نصحيته ... بدا وفيهَا دمى اخشاه منسفكا)
(اسْمَع نصيحة من أوليته نعما ... يجاف كفرانها أَن كف أَو تركا)
(وَالله لَا امْتَدَّ ملك مد مَالِكه ... على رَعيته فِي طله شبكا)(3/77)
(ترى الحسود بِهِ مُسْتَبْشِرًا فَرحا ... مستغرباً من بوادي أمره ضحكا)
(وزيره ابْن غزال والرفيع لَهُ ... قَاضِي الْقُضَاة ووالي حربه ابْن بكا)
(وثعلب وفضيل من هما وهما ... أهل المشورة فِيمَا ضَاقَ أَو ضنكا)
(جمَاعَة بهم الْآفَات قد نشرت ... وَالشَّرْع قد مَاتَ وَالْإِسْلَام قد هلكا)
(مَا راقبوا الله فِي سر وَفِي علن ... وَإِنَّمَا يرقبون النَّجْم والفلكا)
(إِن كَانَ خيرا وَرِزْقًا وَاسِعًا فَلهم ... أَو كَانَ شرا وأمراً سَيِّئًا فلكا)
وَطَالَ عمره وروى عَنهُ القدماء وروى عَنهُ الدمياطي وَغَيره وروى الْكثير
تَاج الدّين الْوزان مُحَمَّد بن سعد الله بن رَمَضَان بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه تَاج الدّين أَبُو عبد الله الْوزان الْحلَبِي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ ولد بحلب سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ودرس بالآسدية بِظَاهِر دمشق وَولى نظر البيمارستان مرّة وَسمع وروى وَتُوفِّي سنة خمسين وست ماية)
أَبُو جَعْفَر الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن سَعْدَان الضَّرِير النَّحْوِيّ الْمُقْرِئ توفّي سنة إِحْدَى وثلثين وماتين كَانَ يكنى أَبَا جَعْفَر وَكَانَ أحد الْقُرَّاء لَهُ كتاب فِي النَّحْو وَكتاب كَبِير فِي القراآت وروى عَن عبد الله بن ادريس وَأبي معوية الضَّرِير وَجَمَاعَة وروى عَنهُ مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا
ابْن سعدون لمغربي الظَّاهِرِيّ مُحَمَّد بن سعدون بن مرجى بن سعدون الإِمَام أَبُو عَامر لقرشي العبدرى الميورقى نزيل بَغْدَاد أحد الْحفاظ وَالْعُلَمَاء المبرزين كَانَ من كبار أهل الظَّاهِر قَالَ ابْن عَسَاكِر كَانَ أحفظ شيخ لَقيته قَالَ لي فِي سوق بَاب الأزج يَوْم يكْشف عَن سَاق فَضرب على سَاقه وَقَالَ سَاق كساقي هَذِه وَقَالَ أهل الْبدع يحتجون بقوله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء أَي فِي الألهية فَأَما فِي الصُّورَة فَهُوَ مثلي وَمثلك فقد قَالَ تَعَالَى يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء أَي فِي الْحُرْمَة لَا فِي الْحُرْمَة لَا فِي الصُّورَة وَسُئِلَ عَن وجوب الْغسْل على من جَامع وَلم ينزل فَقَالَ لَا غسل عَلَيْهِ الْآن فعلت ذَلِك بِأم أبي بكر وَكَانَ بشع الصُّورَة زرى اللبَاس وخمل ذكره لبدعته وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس ماية قلت مَا أحسن قَول القايل فِي أحدب
(لَو كَانَ إنْسَانا كَمَا يَنْبَغِي ... لَكَانَ فِي أحسن تَقْوِيم)(3/78)
وَأما قِيَاسه آيَة نسَاء النَّبِي على قَوْله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء فَلَيْسَ بِقِيَاس صَحِيح لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَشَيْء للْعُمُوم وَشَيْء يسْتَغْرق الألهية وَالصُّورَة وَالصّفة وكل مَا سوى الله تَعَالَى وَأما الْآيَة الْأُخْرَى فَيَقْتَضِي التَّخْصِيص كَمَا قَالَ وَقَالَ ابْن النجار قَرَأت عَلَيْهِ كتاب الْأَمْوَال لأبي عبيد فَقَالَ لي وَقد مر بعض أَقْوَال أبي عبيد مَا كَانَ إِلَّا حمارا مغفلاً لَا يعرف الْفِقْه وَحكى لي عَنهُ أَنه قَالَ فِي إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَعور سوء فاجتعمنا يَوْمًا عِنْد أبي الْقسم ابْن السَّمرقَنْدِي فِي قِرَاءَة الْكَامِل لِابْنِ عدي فَحكى ابْن عدي حِكَايَة عَن السَّعْدِيّ فَقَالَ يكذب ابْن عدي إِنَّمَا هَذَا قَول إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الْجوزجَاني فَقلت لَهُ السَّعْدِيّ هُوَ الْجوزجَاني ثمَّ قلت إِلَى كم نَحْتَمِلُ مِنْك سوء الْأَدَب تَقول فِي إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَذَا وَفِي مَالك كَذَا وَفِي أبي عبيد كَذَا وَفِي ابْن عدي كَذَا فَغضِبت وأخذته الرعدة وَقَالَ كَانَ البرداني وَابْن الخاضبة وَغَيرهمَا يخافوني وَآل الْأَمر إِلَى أَن تَقول لي هَذَا فَقَالَ لَهُ ابْن السَّمرقَنْدِي هَذَا بِذَاكَ وَقلت لَهُ إِنَّمَا نحترمك مَا احترمت الأيمة فَإِذا أطلقت القَوْل فيهم لم نحترمك فَقَالَ وَالله لقد علمت)
من علم الحَدِيث مَا ليم يُعلمهُ غَيْرِي مِمَّن تقدمني وَأَنِّي لأعْلم من صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم مَا لم يغلما من صَحِيحهمَا فَقلت لَهُ على وَجه الِاسْتِهْزَاء فعلمك إِذا إلهام فَقَالَ إِي وَالله الْهَام وتفرقنا وهاجرته وَلم أتمم عَلَيْهِ كتاب الْأَمْوَال وَكَانَ سيئ الِاعْتِقَاد يعْتَقد من أَحَادِيث الصِّفَات ظَاهرهَا ثمَّ حكى عَنهُ مَا حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي آيَة السَّاق وَفِي الْغسْل على من جَامع وَلم ينزل(3/79)
3 - (ابْن سعيد)
السلمى الصَّيْرَفِي مُحَمَّد بن سعيد السّلمِيّ الصَّيْرَفِي أَبُو بكر من شعراء مصر من شعره
(أما آن أَن نغدو ... إِلَى الراح وَأَن نصبو)
(وَأَن نجلو صدى السّمع ... بِمَا يستعذب الْقلب)
الناجم الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن سعيد الْمصْرِيّ يعرف بالناجم كَانَ فِي نَاحيَة وهب بن اسمعيل بن عَبَّاس الْكَاتِب وَأكْثر مدحه فِيهِ وَفِي أَهله وَقَالَ يهنئ بَعضهم بالنوروز
(أسلم على الدَّهْر ماضيه وغابره ... فقد جرى لَك فِيهِ يمن طايره)
(يَوْم جَدِيد يظل الدَّهْر يدخره ... لمن يرى الْجُود من أبقى ذخايره)
(أما ترى الْفضل يَسْتَدْعِي برقته ... حث الكؤس وينعي عهد ناجره)
(فصل تسر بَنو الدُّنْيَا بطلعته ... وتضحك الأَرْض حسنا عَن أزاهره)
وَقَالَ
(تراوحنا وتغدو لِابْنِ وهب ... مواهب من نداه كالغوادي)
(ويشرق حِين يدجو وَجه خطب ... كَأَن الأَرْض مِنْهُ فِي حداد)
(خلايق لَو حَكَاهَا الْغَيْث يَوْمًا ... لعم بقطره قطر الْبِلَاد)
المصلوب مُحَمَّد بن سعيد بن حسان المصلوب قد دنسوه ألواناً كَثِيرَة كَيْلا يعرف وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي قيس وَهُوَ مُحَمَّد الطَّبَرِيّ وَهُوَ الْقرشِي وَهُوَ الْأَزْدِيّ هُوَ الدِّمَشْقِي وَهُوَ ابْن الطَّبَرِيّ قَتله أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور فِي الزندقة مصلوباً سنة خمسين وماية
الرَّازِيّ محمدبن سعيد بن سَابق الرَّازِيّ نزيل قزوين روى لَهُ أَبُو دَاوُد وثقة يَعْقُوب بن شيبَة وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وماتين(3/80)
الضَّرِير مُحَمَّد بن سعيد بن غَالب الْعَطَّار الضَّرِير بغدادي ثِقَة قَالَ ابْن أبي حَاتِم صَدُوق)
روى عَنهُ ابْن ماجة فِي تَفْسِيره توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وماتين
الحيرى مُحَمَّد بن سعيد بن إِسْمَعِيل الحيرى الْحَافِظ ابْن الزَّاهِد بِي عُثْمَان النَّيْسَابُورِي الأديب الْفَقِيه توفّي خمس وَعشْرين وَثلث ماية
الْقشيرِي المؤرخ مُحَمَّد بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن الْقشيرِي الْحَافِظ أَبُو عَليّ الحارني نزيل الرقة ومؤرخها توفّي سنة أَربع وثلثين وَثلث ماية
ابْن ضَمْضَم الْكلابِي مُحَمَّد بن سعيد بن ضَمْضَم بن الصَّلْت بن الْمثنى بن المحلق الْكلابِي هُوَ شَاعِر وَأَبوهُ شَاعِر وَهُوَ أَعْرَابِي فصيح مدح مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر ورثاه بعد وَفَاته وَبَقِي إِلَى قبيل الثَّمَانِينَ وماتين وَهُوَ القايل
(إِن القطوف إِذا مَا مد غَايَته ... يَوْم الرِّهَان الْجِيَاد الْقرح انبهرا)
(لَيْسَ الَّذِي حلب الْأَيَّام أشطرها ... كَمثل من كَانَ من تجريبها غمرا)
البورقي مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله البورقي قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا وروى عَنهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي وَغَيره وَقد تكلمُوا فِيهِ قَالَ الْخَطِيب هُوَ الَّذِي وضع على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيكون فِي أمتِي رجل يُقَال لَهُ أَبُو حنيفَة هُوَ سراج أمتِي وَيكون فيهم رجل يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس فتنته على أمتِي أضرّ من إِبْلِيس قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم حدث بِنصْف الحَدِيث الَّذِي يتَعَلَّق بِأبي حنيفَة بخراسان ثمَّ زَاد فِيهِ بالعراق ذكر الشَّافِعِي وَقَالَ الْحَاكِم أَيْضا وضع البورقي على الثِّقَات من الْمَنَاكِير مَالا يُحْصى وَكَانَت وَفَاته بمرو سنة ثَمَانِي عشرَة وَثلث ماية وروى الحَدِيث الْمَذْكُور عَن شيخ عَن الْفضل بن مُوسَى عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه يكون فِي أمتِي الحَدِيث(3/81)
الْحَرْبِيّ مُحَمَّد بن سعيد أَبُو بكر الْحَرْبِيّ الزَّاهِد كَانَ صَالحا عابداً ثِقَة قَالَ دفعت الشَّهَوَات حَتَّى صَارَت شهوتي فِي المدافعة توفّي بِبَغْدَاد سنة إِحْدَى وَخمسين وَثلث ماية
النوقاني مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن فروخ أَبُو سعيد النوقاني الطوسي فَاضل عَالم مكثر من الحَدِيث توفّي سنة سبع وَسبعين أَربع ماية
الْبَلْخِي الضَّرِير مُحَمَّد بن سعيد الْبَلْخِي أَبُو بكر الضَّرِير قَالَ
(نأى عني لنأيكم الرقاد ... وحالفني التَّذَكُّر والسهاد)
(علام صددت يَا تفديك نَفسِي ... ولج بك التجنب والبعاد)
)
(وَلَو لم أَحَي نَفسِي بالأماني ... وبالتعليل لَا نصدع الْفُؤَاد)
ابْن شرف القيرواني مُحَمَّد بن أبي سعيد بن أَحْمد بن شرف القيرواني أَبُو عبد الله الجذامي أحد فحول شعراء الغرب كَانَ أَعور وَله تصانيف مِنْهَا أبكار الأفكار وَهُوَ كتاب حسن فِي الْأَدَب يشْتَمل على نظم ونثر من كَلَامه قيل أَن شرف اسْم أم أَحْمد فعلى هَذَا لَا ينْصَرف وَقيل اسْم أَبِيه فَيَنْصَرِف وروى ابْن شرف عَن أبي الْحسن الْقَابِسِيّ وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وَأَرْبع ماية أَو فِيمَا قبلهَا وَكَانَت بَينه وَبَين ابْن رَشِيق مهاجاة وعداوة جرى الزَّمَان بعادتها بَين المتعاصرين وَلابْن رَشِيق فِيهِ عدَّة رسايل يهجوه فِيهَا وَيذكر أغلاطه وقبايجه مِنْهَا رِسَالَة ساجور الْكَلْب ورسالة قطع الأنفاس ورسالة نجح الطّلب ورسالة رفع الأشكال وَدفع الْمحَال وَكتاب نسخ الْملح وَفسخ اللمح وَأنْشد فِي بَعْضهَا
(بَنو شرف شرف أمكُم ... لَيست أَبَاكُم فَلَا تكذب)
(وَلكنهَا التقطت شيخكم ... فَأثْبت فِي ذَلِك المنصب)
(أبينوا لنا أمكُم أَولا ... وَنحن نسامحكم بِالْأَبِ)
قَالَ ابْن شرف الْمَذْكُور وَهُوَ تَشْبِيه مُتَمَكن
(كَأَنَّمَا حمامنا فقحة ... النتن والظلمة والضيق)
(كأنني فِي وَسطهَا فيشة ... ألوطها والعرق الرِّيق)(3/82)
فَبلغ ذَلِك ابْن رَشِيق فَقَالَ مجيزا
(وَأَنت أَيْضا أَعور أصلع ... فصادف التَّشْبِيه تَحْقِيق)
وَهَذَا فِي غَايَة الْحسن من عَجِيب الِاتِّفَاق وَقَالَ ابْن رَشِيق فِي حَقه فِي الأنموذج لقد شهدته مَرَّات يكْتب القصيدة فِي غر مسودة كَأَنَّهُ يحفظها ثمَّ يقوم فينشدها وَأما المقطعات فَمَا أحصى مَا يصنع مِنْهَا كل يَوْم بحضرتي صَاحِيًا كَانَ أَو سَكرَان ثمَّ يَأْتِي بعد ذَلِك أَكْثَرهَا مخترعاً بديعاً انْتهى كَلَام ابْن رَشِيق وَمن شعر ابْن شرف قَوْله من أَبْيَات
(وَلَقَد نعمت بليلة جمد الحيا ... بِالْأَرْضِ فِيهَا وَالسَّمَاء تذوب)
(جمع العشائين الْمُصَلِّي وانزوى ... فِيهَا الرَّقِيب كَأَنَّهُ مرقوب)
(والكأس كاسية الْقَمِيص كَأَنَّهَا ... لوناً وَقدرا معصم مخضوب)
(هِيَ وردة فِي خَدّه وبكأسها ... تَحت القناني عسجد مصبوب)
)
(مني إِلَيْهِ وَمن يَدَيْهِ إِلَى يَدي ... فالشمس تطلع بَيْننَا وتغيب)
مَا وقفت على أتم من هَذَا الْمَعْنى وَلَا أرشق من هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ عِنْدِي أحسن وأكمل من قَول أبي نواس حَيْثُ قَالَ
(طالعات من السقاة علينا ... فَإِذا مَا غربن يغربن فِينَا)
وَمن قَول مُسلم بن الْوَلِيد
(ينحسر اللَّيْل عَن دجاه ... وتطلع الشَّمْس فِي الصواني)
وَمِمَّا سَار لَهُ وطار وملأ الأقطار قَوْله
(جاور عليا لَا تحفل بحادثة ... إِذا ادرعت فَلَا تسْأَل فَلَا تسْأَل عَن الأسل)
(فالماجد السَّيِّد الْحر الْكَرِيم لَهُ ... كالنعت والعطف والتوكيد وَالْبدل)
(سل عَنهُ وانطق بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد ... ملْء المسامع والأفواه والمقل)
وَأخذ خمسين بَيْتا مفاريد من قَول المتنبي وَخمسين بَيْتا من أشعار الْعَرَب وَغَيرهم ونظم فِي معنى الماية بَيت الْمَذْكُورَة قصيدة من رُوِيَ اللَّام ألف وأتى بِمَا فِي بَيت من معنى الْحِكْمَة فِي بَيته هُوَ كَقَوْل زُهَيْر ستبدي لَك الْأَيَّام مَا كنت جَاهِلا(3/83)
الْبَيْت وَقَول النَّابِغَة
(وَلست بمستبق أَخا لَا تلمه ... على شعث أَي الرِّجَال الْمُهَذّب)
فَقَالَ ابْن شرف
(لَا تسْأَل النَّاس وَالْأَيَّام عَن خبر ... هما يبثانك الْأَخْبَار تطفيلا)
(وَلَا تعاتب على نقص الطباع أَخا ... فَإِن بدر السما لم يُعْط تكميلا)
هَكَذَا إِلَى آخر الماية فأجاد وَمَا أحسن قَوْله من أَبْيَات
(لَو كَانَ خلقك لليالي لم يزل ... جسم الثرى وَعَلِيهِ ثوب ربيع)
(سلك الورى آثَار فضلك فانثنى ... متكلف عَن مَسْلَك مطبوع)
(أَبنَاء جنسك فِي الحلى لَا فِي العلى ... واقول قولا لَيْسَ بالمدفوع)
(أبدا ترى الْبَيْتَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي ال ... معنى ويتفقان فِي التقطيع)
تسلق على معنى المتنبي فِي قَوْله)
(فَإِن تفق الْأَنَام وَأَنت مِنْهُم ... فَإِن الْمسك بعض دم الغزال)
واختلسه اختلاساً خفِيا وأتى بِهِ قمراً بهيا وَسَيَأْتِي فِي ترجمتة المتنبي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا عِنْدِي من أَقْوَال الشُّعَرَاء فِي هَذِه الْمَادَّة وَقَالَ ابْن شرف أَيْضا
(احذر محَاسِن أوجه فقدت محا ... سنّ أنفس وَلَو أَنَّهَا أقمار)
(سرج تلوح إِذا نظرت فَإِنَّهَا ... نور يضئ وَإِن مسست فَنَار)
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا تصاهلت الحمي ... ر فَقلت إِذْ عدم السوابق)
(خلت الدسوت من الرخا ... خَ ففرزنت فِيهَا البيادق)
وَقَالَ فِي عود وَالْمعْنَى مَشْهُور
(سقى الله أَرضًا أنبتت عودك الَّذِي ... زكتْ مِنْهُ أَغْصَان وَطَابَتْ مغارس)
(تغنى عَلَيْهَا الطير وَهِي رطيبة ... وغنى عَلَيْهَا النَّاس وَالْعود يَابِس)
وَقَالَ مضمناً فِي الْخِيَار(3/84)
(خِيَار يحيينا خِيَار الورى بِهِ ... بأيدي المهى فِي أَخْضَر الحبرات)
(لفقن على ألأيدي الأكمة ستْرَة ... فأذكرننا مَا قيل فِي الخفرات)
(يخبين أَطْرَاف البنان من التقى ... ويطلعن شطر اللَّيْل مُعْتَجِرَات)
وَقَالَ أَيْضا
(إِذا صحب الْفَتى جد وَسعد ... تحامته المكاره والخطوب)
(ووافاه الحبيب بِغَيْر وعد ... طفيلياً وقاد لَهُ الرَّقِيب)
(وعد النَّاس ضرطته غناء ... وَقَالُوا إِن فسا قد فاح طيب)
وَقَالَ فيمليح اسْمه عمر
(يَا أعدل الْأمة اسْما كم تجور على ... فؤاد مضناك بالهجران والبين)
(أظنهم سرقوك الْقَاف من قمر ... وأبدلوها بِعَين خيفة الْعين)
وَمن كَلَامه أَذَى البراغيث إِذا البرى غيث وَقَالَ أَيْضا
(يَا ثاوياً فِي معشر ... قد اصطلى بنارهم)
(إِن تبك من شرارهم ... على يَدي شرارهم)
)
(أَو ترم من أحجارهم ... وَأَنت فِي أحجارهم)
(فَمَا غنيت جارهم ... فَفِي هواهم جراهم)
(وأرضهم فِي أَرضهم ... ودارهم فِي دَارهم)
ابْن الرزاز مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد أَبُو سعيد ابْن الرزاز الْعدْل ولد سنة إِحْدَى وَخمْس ماية بِبَغْدَاد وَسمع الحَدِيث وَكَانَ أديباً فَاضلا توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين خمس ماية كتب غليه بعض أَصْحَابه أبياتاً فَأجَاب عَنْهَا بقوله
(يَا من أياديه تغني عَن تعددها ... وَلَيْسَ يحصي مداها من لَهُ يصف)
(عجزت عَن شكّ رما أوليت من كرم ... وصرت عبدا ولي فِي ذَلِك الشّرف)
(أهديت منظوم شعر كُله دُرَر ... وكل ناظم عقد دونه يقف)
(إِذا أتيت بِبَيْت مِنْهُ كَانَ لَهُ ... قصراً ودر الْمعَانِي فَوْقه شرف)
(وَإِن أتيت أَنا بَيْتا يناقضه ... أتيت لَكِن بِبَيْت سقفه يكف)
(مَا كنت مِنْهُ وَلَا من أَهله أبدا ... وَإِنَّمَا حِين أدنو مِنْهُ أقتطف)
قلت نظم منحط فِي الطَّبَقَة الْوُسْطَى توفّي الْمَذْكُور فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين(3/85)
وَخمْس ماية ورتب نَاظرا ي ديوَان التركات الحشرية فَلم تحمد طَرِيقَته وَصَارَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الظُّلم والجور
ابْن ابْن الرزاز مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الرزاز أَبُو سعيد حفيد الْمَذْكُور آنِفا حضر عِنْد أبي الْفَتْح عبيد الله بن شاتيل فِي الرَّابِعَة ورتب فِيمَا بعد وَكيلا فِي بَاب أَوْلَاد الْخُلَفَاء بدار الشَّجَرَة وَحدث باليسير وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة طيب الْأَخْلَاق متواضعاً وَتُوفِّي سنة ثَمَان وثلثين وست ماية وَدفن عِنْد الشَّيْخ أبي اسحق الشِّيرَازِيّ
الْمسند ابْن زرقون مُحَمَّد بن سعيد بن أَحْمد بن سعيد بن عبد الْبر بن مُجَاهِد الْفَقِيه أَبُو عبد الله ابْن أبي الطّيب بن زرقون سمع وروى وَأَجَازَ لَهُ الْخَولَانِيّ وَانْفَرَدَ فِي الدُّنْيَا بالرواية عَنهُ وَكَانَ مُسْند الأندلس فِي وقته توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية
ابْن الدييثي مُحَمَّد بن سعيد بن يحيى بن عَليّ بن الْحجَّاج بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج الْحَافِظ الْكَبِير المؤرخ أَبُو عبد الله ابْن أبي الْمَعَالِي الدييثي بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة والثاء الْمُثَلَّثَة ثمَّ الوَاسِطِيّ الشَّافِعِي الْعدْل ولد فِي رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين)
وَخمْس ماية وَسمع بواسط وَقَرَأَ الْفِقْه والعربية ورحل إِلَى بَغْدَاد فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَسمع من أبي شاتيل والقزاز وَأبي الْعَلَاء ابْن عقيل وَخلق كَبِير بِبَغْدَاد فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَسمع من أبي شاتيل والقزاز وَأبي الْعَلَاء ابْن عقيل وَخلق كَبِير بِبَغْدَاد والحجاز والموصل وعلق الْأُصُول وَالْخلاف وعني بِالْحَدِيثِ وَرِجَاله وصنف تَارِيخا كَبِيرا لواسط وذيل على الذيل للسمعاني وَله نظم وَكَانَ لَهُ من أَعْيَان المعدلين وَالْعَدَالَة بِبَغْدَاد منصب كالقضاء قَالَ ابْن نقطة لَهُ معرفَة وَحفظ وَقَالَ الضياء الْحَافِظ هُوَ حَافظ وَحدث بتاريخ وَاسِط وبالذيل لَهُ وبمعجمه وَقل أَن يجمع شَيْئا إِلَّا وَأَكْثَره على ذهنه وَله معرفَة تَامَّة بالأدب توفّي سنة سبع وثلثين وست ماية وَمن شعره
(خبرت بني الْأَيَّام طراً فَلم أجد ... صديقا صَدُوقًا مسعداً فِي النوايب)
(وأصفيتهم مني الوداد فقابلوا ... صفاء ودادي بالقذى والشوايب)
(وَمَا اخْتَرْت مِنْهُم صاحباً وارتضيته ... فأحمدته فِي فعله والعواقب)
وَمن شعره
(إِذا اخْتَار كل النَّاس فِي الدّين مذهبا ... وَصَوَّبَهُ رَأيا وحققه فعلا)
(فَأنى أرى علم الحَدِيث وَأَهله ... أَحَق اتبَاعا بل أسدهم سبلا)
(لتركهم فِيهِ الْقيَاس وكونهم ... يؤمُّونَ مَا قَالَ الرَّسُول وَمَا أمْلى)(3/86)
وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء شَيخنَا الَّذِي استفدنا مِنْهُ وَعنهُ أَخذنَا قلت لَهُ هَل ينسبون إِلَى قَبيلَة من قبائل الْعَرَب فَقَالَ النَّاس يَقُولُونَ إننا من ولد الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَمَا عرفت أحدا من أهلنا يعرف ذَلِك وَتَوَلَّى وقُوف الْمدرسَة النظامية سنة سِتّ ماية وَأورد لَهُ من شعره
(تمكن مني فِي الْفُؤَاد وحله ... وأضعف وجدا عقد صبري وحله)
(وأيقن أَنِّي فِي هَوَاهُ مدله ... فَعَاد وَأبْدى بالغرام ودله)
(بديع جمال فاق فِي الْحسن أَهله ... وسلط اعناتاً على الْقلب دله)
(وأسلمني للوجد حسن قوامه ... وطلى دمي فِي حبه وأحله)
(وَكنت طليقاً لَا أَخَاف من الْهوى ... فأسكن قلبِي شوقه وأحله)
(إِذا رمت عه الصَّبْر عَن تصبري ... وأنهل قلبِي من هَوَاهُ وعله)
)
(إِن قلت كم ذَا الوجد يَا قلب فاتئد ... يَقُول مجيباً لي عساه وعله)
(فشكواي من وجدي بِهِ وبعاده ... وبلواي من صبري إِذا مَا استقله)
(وَإِنِّي على الْحَالَات مَه لذُو غنى ... وشوق عَظِيم الْقدر قلبِي استقله)
(فَمن مسعدي فِي الْحبّ وَالْحب ظَالِم ... وَمن مرشد لي فِيهِ قلباً أضلّهُ)
(كَأَنِّي إِذا مَا غَابَ عني شخصه ... من الوجد ذُو حزن بِشَيْء أضلّهُ)
أَبُو عَليّ ابْن نَبهَان مُحَمَّد بن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن نَبهَان أَبُو عَليّ ابْن أبي الغنايم الْكَاتِب من أهل الكرخ بِبَغْدَاد اسْمَعْهُ جده لأمه أَبُو الْحُسَيْن هِلَال بن المحسن الصَّابِئ من الْحسن بن شَاذان وَغَيره وَسمع من جده هِلَال وَأبي الْحسن بشرى بن عبد الله الفاتني وَأبي على الْحسن بن الْحُسَيْن بن دوماء النعالي قَالَ ابْن النجار وَلم يبْق على وَجه لأرض من يروي عَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة غَيره فألحه الصغار بالكبار وقصده الطلاب م الأقطار وَحدث كثيرا وَكَانَ صَحِيح السماع وَأورد قَوْله
(أسعدنا من وفْق الله ... لكل فعل مِنْهُ يرضاه)
(وَمن رَضِي من رزقه بِالَّذِي ... قدره الله وَأَعْطَاهُ)
(واطرح الْحِرْص وأطماعه ... فِي نيل مَا لم يُعْط مَوْلَاهُ)
(طُوبَى لمن فكر فِي بَعثه ... من قبل أَن يَدْعُو بِهِ الله)
(واستدرك الفارط فِيمَا مضى ... وَمَا نسي وَالله أَحْصَاهُ)(3/87)
وَمن طَوِيلَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى عشرَة وَخمْس ماية
الْبَصِير الْموصِلِي الْعَرُوضِي مُحَمَّد بن سعيد الْبَصِير الْموصِلِي الْعَرُوضِي ذكره عبيد الله بن جرو لأسدي فِي كِتَابه الموضح فِي الْعرُوض وَقَالَ وَلم أسمع كلَاما فِي الْعرُوض أقوى من كَلَام شيخ شَيخنَا أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن سعيد الْبَصِير الْموصِلِي فَإِنَّهُ قد برع فِي كثير من الْعُلُوم وَكَانَ أَبُو إِسْحَق الزّجاج بِهِ معجباً وَكَانَ إِمَامًا فِي اسْتِخْرَاج المعمى وَله فِي الشّعْر رُتْبَة عالية
ابْن سمقة الْخَوَارِزْمِيّ مُحَمَّد بن سعيد بن سمقة الْخَوَارِزْمِيّ بَعضهم يَقُول سمقة بتَشْديد الْمِيم وَبعدهَا قَاف وَبَعْضهمْ يَقُوله بِالتَّخْفِيفِ كَانَ من أَفْرَاد عُلَمَاء خوارزم وفضلايها وعقلايها صَاحب كتاب أَخْبَار خوارزم وَكتابه يدل على كَمَال فَضله حدث فِي كِتَابه عَن إِبْرَاهِيم بن حديج وَأحمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس وَأبي عَمْرو عَامر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشاه بن إِسْحَاق)
وَغَيرهم وَمَات سنة تسع وَسِتِّينَ وَثلث ماية
الصاحب شمس الدّين ابْن الجرزي مُحَمَّد بن سعيد بن ندى الصاحب الْوَزير شمس الدّين الْجَزرِي وَالِد محيي الدّين مُحَمَّد الْمُقدم ذكره نَشأ نشأة طَاهِرَة واجتهد فِي تَحْصِيل الْعُلُوم فأحظاه ذَلِك بِأَن كَانَ من أيمة عصره الْمشَار إِلَيْهِم يعْتَمد فِي الْمذَاهب الشَّرْعِيَّة على نَهْيه وَأمره وفوض إِلَيْهِ السُّلْطَان معز الدّين سنجر شاه ملك الجزيرة العمرية النّظر فِي أُمُور دولته وَسلم إِلَيْهِ أَعِنَّة مَمْلَكَته فَقَامَ باعبايها وَلم يشذ عَن ضَبطه شَيْء من أمورها واشتهر بسداد الرَّأْي وَصَارَ لَهُ فِي الدِّيوَان الْعَزِيز وَعند الْمُلُوك قبُول تَامّ وَكَانَ يتوالى الدولة الأيوبية وَرجح جَانب الْعَادِل أخي صَلَاح الدّين على الْأَفْضَل ابْن أَخِيه وَكَانَت بَينه وَبَين القَاضِي بهاء الدّين ابْن شَدَّاد صُحْبَة قديمَة من الْمكتب وَأَرَادَ صَلَاح الدّين أَن يستميله عَن خدمَة مخدومه وبذل لَهُ الْأَمْوَال الْكَثِيرَة فَلم يُوَافق وَتُوفِّي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشر وست ماية واستقل بِالْأَمر بعده وَلَده الصاحب محيي الدّين الْمُقدم ذكره فِي مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن سعيد
البوصيري مُحَمَّد بن سعيد بن حَمَّاد بن محسن بن عبد الله ابْن حياني بن صنهاج بن ملال الصنهاجي شرف الدّين أَبُو عبد الله كَانَ أحد أَبَوَيْهِ من بوصير وَالْآخر من دلاص فَركب لَهُ نِسْبَة مِنْهُمَا وَقَالَ الدلاصيري وَلَكِن اشْتهر بالبوصيري وَكَانَت لَهُ أَشْيَاء مثل هَذَا يركبهَا من لفظتين مثل قَوْله فِي كسَاء لَهُ كساط فَقيل لَهُ لم ذَا سميته بذلك قلل لِأَنِّي تَارَة أَجْلِس عَلَيْهِ فَهُوَ بِسَاط وَتارَة أرتدي بِهِ فَهُوَ كسَاء وَأهل الْعلم تسمى مثل هَذَا منحوتاً كَقَوْلِهِم عبشمي نِسْبَة إِلَى عبد(3/88)
شمس وَأَظنهُ كَانَ يعاني صناعَة الْكِتَابَة فِي التَّصَرُّف وباشر ذَلِك فِي الشرقية ببلبيس وَله تِلْكَ القصيدة الَّتِي نظمها فِي مباشري الشرقية الَّتِي أَولهَا
(فقدت طوايف المستخدمينا ... فَلم أر فيهم رجلا أَمينا)
(فقد عاشرتهم وَلَبِثت فيهم ... مَعَ التجريب من عمري سنينا)
مِنْهَا
(فكتاب الشمَال هم جَمِيعًا ... فَلَا صَحِبت شمالهم اليمينا)
(فكم سرقوا الغلال وَمَا عرفنَا ... بهم فَكَأَنَّمَا سرقوا العيونا)
(وَلَوْلَا ذَاك مَا لبسوا حَرِيرًا ... وَلَا شربوا خمور الأندرينا)
(وَلَا ربوا من المردان مردا ... كأغصان يقمن وينحنينا)
)
(وَقد طلعت لبَعْضهِم ذقون ... وَلَكِن بَعْدَمَا نتفوا ذقونا)
(وَأَقْلَام الْجَمَاعَة جايلات ... كأسياف بأيدي لاعبينا)
(وَقد ساوقتهم حرفا بِحرف ... فَكل اسْم يخطوا مِنْهُ سينا)
(أمولاي الْوَزير غفلت عَمَّا ... يتم من اللئام الكاتبينا)
(تنسك معشر مِنْهُم وعدوا ... من الزهاد والمتورعينا)
(وَقيل لَهُم دُعَاء مستجاب ... وَقد ملأوا من السُّحت البطونا)
(تفقهت الْقُضَاة فخان كل ... أَمَانَته وسموه الأمينا)
(وَمَا أخْشَى على أَمْوَال مصر ... سوى من معشر يتأولونا)
(يَقُول الْمُسلمُونَ لنا حُقُوق ... بهَا ولنحن أولى الآخذينا)
(وَقَالَ القبط نَحن مُلُوك مصر ... وَإِن سواهُم هم غاصبونا)
(وحللت الْيَهُود بِحِفْظ سبت ... لَهُم مَال الطوايف أجمعينا)
(وَمَا ابْن قطيبة إِلَّا شريك ... لَهُم فِي كل مَا يتخطفونا)
(أغار عل قرى فاقوس مِنْهُ ... بجور يمْنَع النّوم الجفونا)(3/89)
(وصير عينهَا حملا وَلَكِن ... لمنزله وغلتها خزينا)
(وَأصْبح شغلة تَحْصِيل تبر ... وَكَانَت راؤه من قبل نونا)
(وَقدمه الَّذين لَهُم وُصُول ... فتمم نَقصه صلَة الذينا)
(وَفِي دَار الْوكَالَة أَي نهب ... فليتك لَو نهبت الناهبينا)
(فثم بهَا يَهُودِيّ خَبِيث ... يسوم الْمُسلمين أَذَى وهونا)
(إِذا ألْقى بهَا مُوسَى عَصَاهُ ... تلفقت القوافل والسفينا)
وَهِي طَوِيلَة إِلَى الْغَايَة وَقد اختصرت من أبياتها كثيرا وَله فيهم غير ذَلِك وشعره فِي غَايَة الْحسن واللطافة عذب الْأَلْفَاظ منسجم التَّرْكِيب كَانَ الشَّيْخ فتح الدّين يَقُول هُوَ أحسن من شعر الجزار والوراق وَقَالَ فِيمَن اسْمه عمر على عينه بَيَاض
(سموهُ غمراً فصحفن اسْمه عمرا ... فَبين الدَّهْر منا مَوضِع الْغَلَط)
(فَأَصْبَحت عينه غيناً بنقطتها ... وطالما ارْتَفع التَّصْحِيف بالنقط)
وَقَالَ من قصيدة أَولهَا)
(أَهْوى والمشيب قد حَال دونه ... والتصابي بعد المشيب رعونه)
(أَبَت النَّفس أَن تطيع وَقَالَت ... أَن جني لَا يدْخل القنينه)
(كَيفَ أعصي الْهوى وطينة قلبِي ... بالهوى قبل آدم معجونه)
(سلبته الْوَقار بَيْضَة خدر ... ذَات حسم كالدرة المكنونه)
(سمتها قبْلَة نسر بهَا النف ... س فَقَالَت كَذَا أكون حزينه)
(قلت لَا بُد أَن تسيري إِلَى الدا ... ر فَقَالَت عَسى أَنا مجنونه)
(قلت سيري فإنني لَك خير ... من أَب رَاحِم وَأم حنونه)
(أَنا نعم القرين إِن كنت تبغي ... ن حَلَالا وَأَنت نعم القرينه)
(قَالَت اضْرِب عَن ذكر وَصلي صفحاً ... وَاضْرِبْ الْخلّ أَو تصير طحينه)
(لَا أرى أَن تمسني يَد شخ ... كَيفَ أرْضى بِهِ لطستي مسينه)
(قلت إِنِّي كثير مَال فَقَالَت ... هبك أَنْت المبارز القارونه)
مِنْهَا
(سَيِّدي لَا تخف عَليّ خُرُوجًا ... فِي عرُوض ففطنتي موزونه)
(كل بَحر إِن شِئْت فِيهِ اختبرني ... لَا تكذب فإنني يقطينه)(3/90)
وَقَالَ من قصيدة أُخْرَى أَولهَا
(يَا أَيهَا الملوى الْوَزير الَّذِي ... أَيَّامه طايعة أمره)
(وَمن لَهُ منزلَة فِي العلى ... تكل عَن أوصافها الفكره)
(إِلَيْك نشكو حَالنَا إننا ... حاشاك من قوم أولي عسره)
(فِي قلَّة نَحن وَلَكِن لنا ... عايلة فِي غَايَة الْكَثْرَة)
(أحدث الْمولى الحَدِيث الَّذِي ... جرى لَهُم بالخيط والإبرة)
(صَامُوا مَعَ النَّاس وَلَكنهُمْ ... كَانُوا لمن أبصرهم عبره)
(إِن شربوا فالبئر زير لَهُم ... مَا بَرحت والشربة الجره)
(لَهُم من الخبيز مصلوقة ... فِي كل يَوْم تشبه النشره)
(أَقُول مهما اجْتَمعُوا حولهَا ... تنزهوا فِي المَاء والخضره)
(وَأَقْبل الْعِيد وَمَا عِنْدهم ... قَمح وَلَا خبز وَلَا فطره)
)
(فارحمهم أَن عاينوا كعكة ... فِي يَد طِفْل أَو رَأَوْا تمره)
(تشخص أَبْصَارهم نَحْوهَا ... بشهقة تتبعها زفرَة)
(كم قايل يَا أَبَا مِنْهُم ... قطعت عَنَّا الْخَيْر فِي كره)
(مَا صرت تَأْتِينَا بفلس وَلَا ... بدرهم ورق وَلَا نقره)
(وَأَنت فِي خدمَة قوم فَهَل ... تخدمهم يَا أبتا سَخَّرَهُ)
(وَيَوْم زارت أمّهم أُخْتهَا ... وَالْأُخْت فِي الْغيرَة كالضره)
(وَأَقْبَلت تَشْكُو لَهَا حَالهَا ... وصبرها مني على العشره)
(قَالَت لَهَا كَيفَ تكون النسا ... كَذَا مَعَ الْأزْوَاج يَا عره)
(قومِي اطلبي حَقك مِنْهُ بِلَا ... تخلف مِنْك وَلَا فتره)
(وَأَن تأبى فَخذي ذقنه ... وخلصيها شَعْرَة شعره)
(قَالَت لَهَا مَا هكذاى عادتي ... فَإِن زَوجي عِنْده ضجره)
(أَخَاف إِن كَلمته كلمة ... طَلقنِي قَالَت لَهَا بعره)
(وهونت قدري فِي نَفسهَا ... فَجَاءَت الزَّوْجَة محتره)
(فقابلتني فتهددتها ... فاستقبلت رَأْسِي بآجره)
(ودامت الْفِتْنَة مَا بَيْننَا ... من أول اللَّيْل إِلَى بكره)
(وَحقّ من حَالَته هَذِه ... أَن ينظر الْمولى لَهُ نظره)
وَكتب غلى بعض الْأَصْحَاب(3/91)
(قل لعَلي الَّذِي صداقته ... على حُقُوق الأخوان مؤتمنه)
(أَخُوك قد عودت طَبِيعَته ... بِشَربَة فِي الرّبيع كل سنه)
(والآن قد عفت عَلَيْهِ وَقد ... هدت قواه وخففت بدنه)
(وعادوت يَوْمهَا زيارته ... وَمَا اعتراها من قبل ذَاك سنه)
(وَصَارَ عِنْد الْقيام يحملهَا ... براحتيه كَأَنَّهَا زَمَنه)
(جِئْت بهَا للطبيب مشتكياً ... ودمعتي كالعوارض الهتنه)
(فَقَالَ عد لي إِذا احتميت وَلَك ... فِي كل يَوْم دجَاجَة دهنه)
(كَيفَ وصولي إِلَى الدَّجَاجَة وَال ... بَيْضَة عِنْدِي كَأَنَّهَا بدنه)
)
(فَإِن تَجِد لي بِمَا أؤمله ... بِشَربَة بالطيور مقترنه)
(جَزَاك رَبِّي إِذا انسهلت بِمَا ... شربت عَن كل خرية حسنه)
أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس رَحمَه الله قَالَ كَانَت لَهُ حمارة استعارها مِنْهُ نَاظر الشرقية فَأَعْجَبتهُ فَأَخذهَا وجهز لَهُ ثمنهَا مايتي دِرْهَم فَكتب على لسانها إِلَى النَّاظر الْمَمْلُوكَة حمارة البصيري تنشد
(يَا أَيهَا السَّيِّد الَّذِي شهِدت ... أَلْفَاظه لي بِأَنَّهُ فَاضل)
(أقْصَى مرادي لَو كنت فِي بلدي ... أرعى بهَا فِي جَوَانِب السَّاحِل)
(مَا كَانَ ظَنِّي يبيعني أحد ... قطّ وَلَكِن سَيِّدي جَاهِل)
(لَو جرسوه عَليّ من سفه ... لَقلت غيظاً عَلَيْهِ يستاهل)
(وَبعد هَذَا فَمَا يحل لكم ... بيعي فَإِنِّي من سَيِّدي حَامِل)
فَردهَا النَّاظر عَلَيْهِ وَلم يَأْخُذ الدَّرَاهِم مِنْهُ أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام العلاّمة أثير الدّين أَبُو حَيَّان من لَفظه بعد مَا أملي عَليّ نسبه كَمَا سردته أَولا قَالَ أَصله من الْمغرب من قلعة حَمَّاد من قبيل يعْرفُونَ ببني حبنون قلت بحاء مُهْملَة وباء مُوَحدَة ونونين بَينهمَا وَاو على وزن زيدون قَالَ ولد ببهشيم من أَعمال البهساوية يَوْم الثلثاء مستهل شَوَّال سنة ثَمَان وست ماية وَنَشَأ بَدَلا وأنشدني لنَفسِهِ
(إِذا خَان من أَهْوى طوى سَبَب الْهوى ... وغطت يَد التقبيح عني جماله)
(وَصَارَ كَمثل الْمَيِّت يأسى لفقده ... فُؤَادِي ويأبى قربه ووصاله)
وأنشدني لنَفسِهِ أَيْضا فِي من على عينه نُكْتَة بَيَاض
(أنجد تَجِد الله فِي ... عَيْنَيْهِ سرا أَي سر)
(طمس الْيَمين بكوكب ... وسيطمس الْيُسْرَى بفجر)(3/92)
وأنشدني الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه أَيْضا قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ الْبَيْتَيْنِ الطائيين اللَّذين ذكرتهما أَنا فِي هَذَا الْمَعْنى وأنشدني الشَّيْخ أثير الدّين لَهُ أَيْضا مَا قَالَه فِي الشَّيْخ زين الدّين ابْن الرعاد
(لقد عَابَ شعري فِي الْبَريَّة شَاعِر ... وَمن عَابَ أشعاري فَلَا بُد أَن يهجا)
(وشعري بَحر لَا يوافيه ضفدع ... وَلَا يقطع الرعاد يَوْمًا لَهُ لجا)
)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(وَإِنِّي اختبرت النَّاس فِي حالتي غنى ... وفقر فَمَا أحمدت من أحد خَبرا)
(وَقد هذب التجريب كل مُغفل ... فَمَا أبقت الْأَيَّام من أحد غرا)
وروى عَنهُ الشَّيْخ أثير الدّين فَحِينَئِذٍ لي رِوَايَة جَمِيع شعره عَن أثير الدّين عَنهُ وَقَالَ الشَّيْخ أثير الدّين كَانَ البوصيري شَيخا مُخْتَصر الجرم وَكَانَ فِيهِ كرم قلت وأظن وَفَاته كَانَت فِي سنة سِتّ وَتِسْعين أَو سبع وَتِسْعين وست ماية أَو مَا حولهما وللبوصيري فِي مديح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصايد طنانة مِنْهَا قصيدة مَهْمُوزَة أَولهَا لَيْسَ ترقا رقيك الْأَنْبِيَاء وقصيدة على وزن بَانَتْ سعاد أَولهَا
(إِلَى مَتى أَنْت باللذات مَشْغُول ... وَأَنت عَن كل مَا قدمت مسؤل)
مِنْهَا فِي ذكر كفار قُرَيْش
(وأصبحت آيمات محصناتهم ... وأيماتهم وَهِي المثاكل)
(لَا تمسك الدمع من حزن عيونهم ... إِلَّا كَمَا تمسك المَاء الغرابيل)
وقصيدته الْمَشْهُورَة بالبردة الَّتِي أَولهَا
(أَمن تذكر جيران بِذِي سلم ... مزجت دمعاً جرى من مقلة بِدَم)
قَالَ البصيري كنت قد نظمت قصايد فِي مدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا مَا كَانَ اقترحه عَليّ الصاحب زين الدّين يَعْقُوب بن الزبير ثمَّ اتّفق بعد ذَلِك أَنه أصابني فالج أبطل نصفي ففكرت فِي عمل قصيدتي هَذِه الْبردَة فعملتها واستشفعت بِهِ إِلَى الله عز وَجل فِي أَن يعافيني وكررت انشادها وبكيت ودعوت وتوسلت بِهِ ونمت فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح على وَجْهي بِيَدِهِ الركيمة وَألقى عَليّ بردة(3/93)
فانتبهت وَوجدت فِي نهضة فَخرجت من بَيْتِي وَلم أكن أعملت بذلك أحدا فلقيني بعض الْفُقَرَاء فَقَالَ أُرِيد أَن تُعْطِينِي القصيدة الَّتِي مدحت بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت أَيهَا فَقَالَ الَّتِي أنشأتها فِي مرضك وَذكر أَولهَا وَقَالَ وَالله لقد سمعنَا البارحة وَهِي تنشد بَين يدَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتمايل وأعجبته وَألقى على من أنشدها بردة فأعطيته إِيَّاهَا وَذكر الْفَقِير ذَلِك فشاع الْمَنَام إِلَى أناتصل بالصاحب بهاء الدّين وَزِير الظَّاهِر فَبعث إِلَيّ واستنسخها وَنذر أَن لَا)
يسْمعهَا إِلَّا قايماً حافياً مَكْشُوف الرَّأْس وَكَانَ يحب سماعهَا هُوَ وَأهل بَيته ثمَّ أَنه بعد ذَلِك أدْرك سعد الدّين الفارقي الْموقع رمد أشرف مِنْهُ على الْعَمى فَرَأى فِي الْمَنَام قايلاً يَقُول لَهُ اذْهَبْ إِلَى الصاحب وَخذ الْبردَة وَاجْعَلْهَا على عَيْنَيْك تعافى بِإِذن الله تَعَالَى فَأتى الصاحب وَذكر مَنَامه فَقَالَ مَا أعرف عِنْدِي من أثر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردة ثمَّ فكر سَاعَة وَقَالَ لَعَلَّ المُرَاد قصيدة الْبردَة يَا ياقوت قل للخادم يفتح صندوق الْآثَار وَيخرج القصيدة من حق العنبر وَيَأْتِ بهَا فَأتى بهَا فَأَخذهَا سعد الدّين ووضعها على عَيْنَيْهِ فعوفيتا وَمن ثمَّ سميت الْبردَة
القايد ابْن حريبة لمقرئ مُحَمَّد بن سعيد القايد أَبُو الْمجد المعري الْمَعْرُوف بِابْن حريبة كَانَ يعاني الْكِتَابَة وَله رياسة يتَوَلَّى الْأَعْمَال للسُّلْطَان قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب لما وصلنا إِلَى حمص متوجهين فِي خدمَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر إِلَى حَرْب الحلبيين والمواصلة فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس ماية تلقانا القايد أَبُو الْمجد فَأَنْشد الْملك النَّاصِر
(إِذا خَفَقت بنودك فِي مقَام ... رَأَيْت الأَرْض خاشعة تميد)
(وَإِن طرقت جيادك دَار قوم ... فشم الشامخات لَهَا وَهود)
(وَإِن برقتْ سيوفك فِي عَدو ... فَمَا من قايم إِلَّا حصيد)
وَأنْشد أَيْضا
(سيوفك أَعْنَاق العداة تميل ... وخوفك آفَاق الْبِلَاد تجول)
(وكفك فَوق النّيل نيل لِأَنَّهُ ... إِذا سَالَ مَاء فالنضار تسيل)
(وكل كثير من عَدو ونايل ... إِذا صلت فِيهِ أَو وصلت قَلِيل)
وَقَالَ من قصيدة فِي السُّلْطَان عِنْد نصرته على المواصلة
(وَكَانَ قد عمهم عفوا لَو اعْتَرَفُوا ... لعمهم فَضله لكِنهمْ جَحَدُوا)
(وَالْعَفو عِنْد لئيم الطَّبْع مفْسدَة ... تطغي وَلكنه عِنْد الْكَرِيم يَد)
الْحلَبِي الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن سعيد بن أبي المنى الإِمَام الْفَقِيه بدر الدّين الْحلَبِي الْحَنْبَلِيّ نزيل الْقَاهِرَة سمع من التقي ابْن مُؤمن والعز ابْن الْفراء والأبرقوهي وَنسخ كثيرا وَحصل(3/94)
وَأفَاد وَفِيه صِفَات حميدة ولد سنة أَربع وَسبعين وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شعْبَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَسبع ماية قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين انتقيت لَهُ جُزْءا حدث بِهِ)
المغري مُحَمَّد بن سفر أَبُو عبد الله الأديب مَنْسُوب إِلَى جده قَالَ ابْن الْأَبَّار وأصحابنا يكتبونه بالصَّاد وَكَانَ بإشبيلية وَهُوَ من نَاحيَة المرية قَالَ فِي الْمَدّ والجزر بوادي اشبيلية وأبدع فِيهِ
(شقّ النسيم عَلَيْهِ جيب قَمِيصه ... فانساب من شطيه يطْلب ثاره)
(وتضاحكت ورق الْحمام بأيكها ... هزءاً فضم من الْحيَاء إزَاره)
وَقَالَ أَيْضا
(لَو شاهدت عَيْنَاك زورق فتية ... أبدى بهم نهج السرُور مراحه)
(وَقد استداروا تَحت ظلّ شراعه ... كل يمد لكأس رَاح راحه)
(لحسبته خوف العواصف طايراً ... مد الْجنان على بنيه جنَاحه)
صَاحب الْهَادِي فِي القراآت مُحَمَّد بن سفاين أَبُو عبد الله القيرواني الْمُقْرِئ مُصَنف كتاب الْهَادِي فِي القراآت قَرَأَ على أبي الطّيب عبد الْمُنعم بن غلبون توفّي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع ماية(3/95)
3 - (ابْن سَلام)
الْبَصْرِيّ الأخباري مُحَمَّد بن سَلام بن عبد الله بن سَالم الجُمَحِي أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ مولى قدامَة بن مطعون صنف كتاب طَبَقَات الشُّعَرَاء وَهُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن سَلام وَكَانَ من أهل الْفضل وَالْأَدب قدم بَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين واعتل فأهدى إِلَيْهِ الأكابر أطباءهم وَكَانَ فِيمَن أهدي إِلَيْهِ ابْن ماسويه فَلَمَّا جس نبضه قَالَ مَا أرى بك من الْعلَّة مثل مَا أرى بك من الْجزع فَقَالَ وَالله مَا ذَاك لحرص على الدُّنْيَا مَعَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَلَكِن الْإِنْسَان فِي غَفلَة حَتَّى يوقظ بعلة وَلَو وقفت وَقْفَة بِعَرَفَات وزرت قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زورة وقضيت أَشْيَاء فِي نَفسِي لسهل عَليّ مَا اشْتَدَّ من هَذَا فَقَالَ ابْن ماسويه لَا تجزع فقد رَأَيْت فِي عروقك من الْحَرَارَة الغزيزية قُوَّة مَا إِن سلمك الله من الْعَوَارِض بلغك عشر سِنِين أُخْرَى فَوَافَقَ كَلَامه قدرا فَعَاشَ بعد ذَلِك عشر سِنِين وَمَات فِي سنة إِحْدَى وثلثين أَو اثْنَتَيْنِ وثلثين وماتين وابيضت لحيته وَرَأسه وَله سبع وَعِشْرُونَ سنة أسْند عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَغَيره وروى عَنهُ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد وَغَيره وَهُوَ الَّذِي روى أَن إِسْلَام جرير كَانَ بعد نزُول المايدة وَعَامة الْمُحدثين على صدقه وثقته إِلَّا أَن أَبَا خَيْثَمَة قَالَ كَانَ يرْمى بِالْقدرِ وَله كتاب الْفَاضِل فِي الْأَخْبَار ومحاسن الشُّعَرَاء كتاب نسب قُرَيْش وبيوتات الْعَرَب طَبَقَات شعراء)
الْجَاهِلِيَّة طَبَقَات شعراء الْإِسْلَام والجلايب وإجراء الْخَيل
البيكندي مُحَمَّد بن سَلام البيكندي بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَالْكَاف بعْدهَا نون قبل الدَّال البُخَارِيّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مولى بني سليم طوف وَكتب الْكثير روى عَن أبي الْأَحْوَص سَلام بن سليم وروى عَنهُ البُخَارِيّ والدارمي قَالَ أنفقت فِي طلب الْعلم أَرْبَعِينَ ألفا وَفِي نشره أَرْبَعِينَ ألفا وليت مَا أنفقت فِي طلبه كَانَ فِي نشره توفّي سنة خمس وَعشْرين وماتين(3/96)
3 - (ابْن سَلامَة)
ابْن أبي زرْعَة الشَّاعِر مُحَمَّد بن سَلامَة بن أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي الْكِنَانِي شَاعِر محسن قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان هُوَ وديك الْجِنّ شَاعِرًا الشَّام وَقَالَ ابْن أبي طَاهِر اسْمه الْمُعَلَّى وَالْأول أثبت قَالَ
(إِن القوافي عَنْك أخر إِذْنهَا ... وأظنها ستعود لَا تستأذن)
(واخالها تأبى وتأنف أَن ترى ... مستنفراً جأشك سَاكن)
(لَا يؤنسنك أَن تراني ضَاحِكا ... كم ضحكة فِيهَا عبوس كامن)
وَقَالَ
(أدنيت من قبل السُّؤَال وَبعده ... أقصيت هَل يرضى بذا من يفهم)
(وَإِذا رَأَيْت من الْكَرِيم غَضَاضَة ... فإليه من أخلاقه أتظلم)
القَاضِي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن سَلامَة بن جَعْفَر بن عَليّ بن حكمون بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُسلم الْقُضَاعِي الْفَقِيه صَاحب كتاب الشهَاب روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحميدِي وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِمصْر نِيَابَة من جِهَة المصريين وَتوجه مِنْهُم رَسُولا إِلَى بلد الرّوم وَله عدَّة مصنفات مِنْهَا مَنَاقِب الشَّافِعِي والأنباء عَن الْأَنْبِيَاء وتواريخ الْخُلَفَاء وخطط مصر قَالَ ابْن مَاكُولَا كَانَ مففناً فِي الْعُلُوم وَكتب عَنهُ ابْن مَاكُولَا والخطيب قَالَ السلَفِي كَانَ من الْإِثْبَات شَافِعِيّ الْمَذْهَب والاعتقاد توفّي بِمصْر فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبع ماية وَله تَارِيخ مصر من مبدأ الْخلق إِلَى زَمَانه فِي خَمْسَة كراريس وَله مُعْجم شُيُوخه وَقَالَ فَارس بن الْحُسَيْن الذهلي يمدح كتاب الشهَاب
(إِن الشهَاب كتاب يستضاء بِهِ ... فِي الْعلم الْحلم والآداب وَالْحكم)
(سقى الْقُضَاعِي غيث كلما لمعت ... هذي المصابيح فِي الأوراق والكلم)(3/97)
)
لما سَافَرت من الديار المصرية إِلَى رحبة مَالك بن طوق بَعدت عَليّ أَخْبَار أَصْحَابِي الأعزة الَّذين تَركتهم بِمصْر فَكتبت إِلَى الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن النَّقِيب أسأله إعلامي بِمَا يبلغهُ من أخبارهم وكتبت بعد هَذَا فِي الْكتاب
(رحلت وَفِي مصر لي سادة ... يطول غرامي بهم واكتئابي)
(جفوني وضنوا بأخبارهم ... فَأَصْبَحت أطلبها من صَحَابِيّ)
(عَسى خبر عَنْهُم صَادِق ... أطالعه من كتاب الشهَاب)(3/98)
3 - (ابْن سُلْطَان)
الأندلسي مُحَمَّد بن سُلْطَان من جبل ببادية فاس يعرف بالأقلام وَهُوَ إِلَى مَدِينَة سبتة أقرب وبادية بالأندلس أورد لَهُ ابْن رَشِيق قَوْله ملغزاً فِي مباضع الفصد
(وصغار كَأَنَّهَا ألسن الطي ... ر تميت المقدامة الضرغاما)
(تذْهب الدَّاء باللثام وتشفي ... وَهِي إِن شِئْت تورث الأسقاما)
(وَلها أرجل ثَلَاث إِذا مَا ... عدمتهن لَا تطِيق قيَاما)
الأرجل الثُّلُث هِيَ أَصَابِع الْإِنْسَان
السنبسي الْحلِيّ مُحَمَّد بن سُلْطَان بن خَليفَة أَبُو عبد الله السنبسي من أهل الْحلَّة السيفية طوف الْبِلَاد وَدخل الْيمن وَالشَّام ومدح الْمُلُوك ثمَّ عَاد إِلَى تكريت وسكنها ثمَّ سَافر إِلَى هيت وَأقَام بهَا وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى بَغْدَاد وَيبِيع بهَا الْخشب إِلَى شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب أَنْشدني لنَفسِهِ يمدح صَلَاح الدّين
(أجدب الرّبع فأجريت دموعا ... ابنتت فِي ساحة الرّبع ربيعا)
(وتنفست فغادرت هشيماً ... روضه الأحوى وَقد كَانَ مريعا)
أَو غَالب الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن سُلْطَان بن أبي غَالب بن الْخطاب أَبُو غَالب الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ من أهل النّيل قدم بَغْدَاد وَقَرَأَ بهَا الْأَدَب على ابْن الخشاب وَأبي البركات الْأَنْبَارِي وَابْن العصار وَأبي مُحَمَّد الجواليقي وَسمع الحَدِيث من أبي بكر بن النقور وَأبي الْوَقْت الصُّوفِي والحيص بيص وَسكن الشَّام واقرأ الْأَدَب وَمن شعره
(لَا يلهينك عَن الحبيب مهامه ... تتوي النُّفُوس وَلَا الجفا أَن تعشقا)
(أَن النَّعيم إِذا نظرت رَأَيْته ... لم يَأْتِ إِلَّا بالضراعة والشقا)
)
(والدر لَوْلَا أَن يخاطر غايص ... فِي لجة الْبَحْر الخضم ملا ارْتقى)
ابْن حيوس مُحَمَّد بن سُلْطَان بن نحمد بن حيوس الْأَمِير مصطفى الدولة أَبُو(3/99)
الفتيان الغنوي الدِّمَشْقِي أحد الشُّعَرَاء الفحول روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب كَانَ أَبوهُ من أُمَرَاء الْعَرَب ولقى مُحَمَّد جمَاعَة من الْمُلُوك والامراء ومدحهم وَأخذ جوايزهم وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى بني مرداس بحلب وَلما مَاتَ مَحْمُود بن نصر نصر بن صَالح بن مرداس الْكلابِي صَاحب حلب وَقَامَ وَلَده نصر بن مَحْمُود مقَامه قَصده ابْن حيوس ومدحه بقصيدة عزاهُ فِيهَا بِأَبِيهِ أَولهَا
(كفى الدّين عزا مَا قَضَاهُ كل الدهرُ ... فَمن كَانَ ذَا نَذرٍ فقد وَجب النّذر)
مِنْهَا
(ثَمَانِيَة لم تفترق مذ جمعتها ... فَلَا افْتَرَقت ماذب عَن نَاظر شفر)
(يقينك وَالتَّقوى وَجُودك والغِنى ... ولَفظك والمَعنى وسيفك والنصر)
مِنْهَا
(وطاب مقَامي فِي إسار جميلكم ... فدامت معاليكم ودام لي الْأسر)
(وانجز لي رب السَّمَوَات وعده ال ... كريم بِأَن الْعسر يتبعهُ الْيُسْر)
(فجاد ابْن نصر لي بِأَلف تصرمت ... وَإِنِّي عليم أَن سيخلفها نصر)
(وَقد كنت مأمولاً ترجى لمثلهَا ... فَكيف وطوعا أَمرك النَّهْي وَالْأَمر)
(وَمَا بِي إِلَى الإلحاح والحرص حَاجَة ... وَقد عرف الْمُبْتَاع وَانْقطع السّعر)
فَلَمَّا فرغ من إنشادها قَالَ الْأَمِير نصر وَالله لَو قَالَ عوض سيخلفها نصر سيضعفها نصر لأعطيته الفي دِينَار فَأمر لَهُ بِأَلف دِينَار فِي طبق فضَّة وَكَانَ قد اجْتمع على بَابه جمَاعَة من الشُّعَرَاء قد مدحوه وتأخرت صلَاتهم وَفِيهِمْ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن الدويدة المعري الشَّاعِر فَكتب إِلَى الْأَمِير نصر ورقة فِيهَا
(على بابك المحروس منا جمَاعَة ... مَفاليسُ فانظُر فِي أُمور المفاليس)
(وَقد قنِعَت مِنْك الْجَمَاعَة كلهم ... بعُشرِ الَّذِي أَعْطيته لِابْنِ حَيوس)
(وَمَا بَيْننَا هَذَا التَّفَاوُت كُله ... وَلَكِن سعيدٌ لَا يُقَاس بمنحوس)
فَأمر لَهُم بماية دِينَار وَقَالَ وَالله لَو قَالُوا بِمثل الَّذِي أَعْطيته لِابْنِ حيوس لأعطيتهم مثله وَكَانَ ابْن الْخياط الشَّاعِر قد وصل إِلَى حلب فَوجدَ ابْن حيوس قد أثرى وَصَارَت لَهُ ثروة جمة من)
عطايا بني مرداس فَكتب إِلَيْهِ
(لم يبْق عِنْدِي مَا يُبَاع بدرهم ... وَكَفاك مني منظري عَن مخبري)
(إلاّ بقيّة مَاء وجهٍ صنتها ... عَن أَن تبَاع وَأَيْنَ أَيْن المُشْتَرِي)
فَقَالَ لَو قَالَ وَأَنت نعم المُشْتَرِي لَكَانَ أحسن وَابْن حيوس شيخ ابْن الْخياط وَمن شعر ابْن حيوس(3/100)
(إِن ترد علم حَالهم عَن يَقِين ... فالقهم فِي مَكَارِم أَو نزال)
(تلق بيض الْوُجُوه سود مثار الن ... قع خضر الأكناف حمر النصال)
وَمِنْه
(إِنِّي دَعَوْت ندى الْكِرَام فَلم يجب ... فلأشكرن ندى أجَاب وَمَا دعِي)
(وَمن العجايب والعجايب جمة ... شكر بطي عَن ندى متسرع)
وَمن شعر ابْن حيوس
(رأى الله عدلك فِي خلقه ... فَأجرى على مَا تشَاء الْقدر)
(وَأَنَّك من معشر جَاوَزت ... مدى الْحسن أفعالهم والصور)
(وُجُوه تلوح فتخفى البدور ... وأيد تسح فتبدي الْبَدْر)
(مساع لقَوْمك مَا غادرت ... لمفتخر بعدهمْ مفتخر)
(تغض ربيعَة مِنْهَا الجفون ... وَلَوْلَا النَّبِي لغضت مُضر)
قلت أحسن ابْن حيوس فِي هَذَا كَمَا أَسَاءَ المعري فِي قَوْله
(باهت بمهرة عدناناً فَقلت لَهَا ... لَوْلَا الفصيصي كَانَ الْمجد فِي مُضر)
وَسبق أَبُو نواس إِلَى هَذِه الْإِسَاءَة فِي قَوْله
(كَيفَ لَا أَعْتَد من نفري ... من رَسُول الله من نفره)
وَلابْن حيوس أَبْيَات جمع فِيهَا فِي كل بَيت بِي الرثاء والمديح وَهِي
(فَللَّه ملك زين الدست ملكه ... وجاد الحيا ملكا تضمنه الْقَبْر)
(وَكُنَّا نظن الأَرْض تظلم بعده ... فَقُمْت مقَام الشَّمْس إِذْ أفل الْبَدْر)
(صَبرنَا على حكم الزَّمَان الَّذِي سَطَا ... على أَنه لولاك لم يكن الصَّبْر)
(غزانا ببؤسي لَا يفارقها الأسى ... تقارف نعمى لَا يقوم بهَا الشُّكْر)
)
(وَكَاد شعار الْخَوْف يثبت فِي العدى ... فَنَادَى شعار إِلَّا من يَا نصر يَا نصر)
مولد ابْن حيوس سنة أَربع وَتِسْعين وَثلث ماية بِدِمَشْق وَتُوفِّي بحلب فِي شعْبَان سنة ثلث وَسبعين وَأَرْبع ماية وَقيل سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَكَانَ أوحد زَمَانه فِي الفرايض واستخلف من قبيل الْحُكَّام على الفرايض والتزويجات(3/101)
الْحَرَّانِي مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي أَبُو عبد الله مُحدث جران قَالَ ابْن سعد كَانَ فَاضلا ثِقَة روى لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة مَاتَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وماية وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ
الْمرَادِي مُحَمَّد بن سَلمَة الْمرَادِي مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ الْفَقِيه روى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَتُوفِّي سنة خمسين ومايتن
أَبُو هِلَال الرَّاسِبِي مُحَمَّد بن سليم أَبُو هِلَال الرَّاسِبِي الْبَصْرِيّ روى لَهُ الْأَرْبَعَة توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وماية(3/102)
3 - (ابْن سُلَيْمَان)
ابْن عَبَّاس مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس أَبُو عبد الله الْهَاشِمِي وَأمه أم حسن بنت جَعْفَر بن حسن بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ من وُجُوه بني الْعَبَّاس وأشرافهم ولد بالحميمة من أَرض البلقاء سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وماية وَكَانَ جواداً ممدحاً ولاه أَبُو جَعْفَر الْكُوفَة وَالْبَصْرَة مرَّتَيْنِ ووليها للهادي والرشيد قدم على الرشيد معزيا فِي أَخِيه ومهيناً لَهُ بالخلافة فَأكْرمه وعظمه وزاده على ولَايَته كور فَارس والبحرين وعمان واليمامة والأهواز وكور دجلة وَلم يجْتَمع هَذَا لغيره وشيعه الرشيد إِلَى لكواذا وزوجه الْمهْدي ابْنَته وَكَانَ لَهُ خَاتم من يقاوت أَحْمَر لم ير مثله فَسقط من يَده فطلبوه فَلم يجده فَقَالَ اطفئوا الشمع فَفَعَلُوا فرأوه وَكَانَ لَهُ خَمْسُونَ ألف عبد مِنْهُم عسرون ألفا عتاقة وَكَانَت بِهِ رُطُوبَة وَكَانَ يتداوى بالمسك فيستعمل مِنْهُ كل يَوْم عشْرين مِثْقَالا ويتركه فِي عُكَن بَطْنه وَكَانَت غَلَّته فِي كل يَوْم ماية ألف دِرْهَم وَكَانَ لَهُ لِسَان فيصعد الْمِنْبَر بِالْبَصْرَةِ فيأمر بِالْعَدْلِ الْإِحْسَان وَينْهى عَن الْمُنكر مَعَ ظلمَة فَيَقُول أهل الْبَصْرَة أَلا ترَوْنَ مَا نَحن فِيهِ من هَذَا الظَّالِم الجابر فَاجْتمعُوا إِلَى أبي سعيد الضبعِي وَقَالُوا كَلمه فَلَمَّا صعد الْمِنْبَر قَالَ لَهُ يَا ابْن سُلَيْمَان لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ يَا ابْن سُلَيْمَان لَيْسَ بَيْنك وَبَين أَن تتمنى أَنَّك لم تخلق إِلَّا أَن يدْخل ملك الْمَوْت من بَاب بَيْتك فخنقته الْعبْرَة فَلم يتَكَلَّم فَقَامَ أَخُوهُ جَعْفَر إِلَى جَانب الْمِنْبَر وَتكلم عَنهُ فَأَحبهُ النساك حِين خنقته الْعبْرَة)
وَقَالُوا مُؤمن مَذْهَب وَهُوَ القايل للمهدي
(بقيت أَمِير الْمُؤمنِينَ على الدَّهْر ... وَلَقِيت خيرا من إِمَام وَمن صهر)
(لقد زيدت اليام حسنا لِأَنَّهَا ... مَعَ اسْمك تجْرِي فِي النوازع وَالذكر)
(مُحَمَّد الْمهْدي أَمن وَرَحْمَة ... وَيسر أَتَى بعد المخافة والعسر)
(لبدر بني الْعَبَّاس مهْدي هَاشم ... أجل من الشَّمْس المضيئة والبدر)
وَأقَام بِبَابِهِ جمَاعَة من الشُّعَرَاء وَلم يصلهم فَكتب إِلَيْهِ أحدهم
(لَا تقبلن الشّعْر ثمَّ تعيقه ... وتنام وَالشعرَاء غير نيام)
(وَاعْلَم بِأَنَّهُم إِذا لم ينصوفا ... حكمُوا لأَنْفُسِهِمْ على الْحُكَّام)
(وَجِنَايَة الْجَانِي عَلَيْهِم تَنْقَضِي ... وهجاؤهم يبْقى على الْأَيَّام)
فأجازهم وَأحسن إِلَيْهِم وَتُوفِّي هُوَ الخيزران فِي يَوْم وَاحِد سنة ثلث وَسبعين وماية(3/103)
أَصَابُوا لَهُ من المَال سِتِّينَ ألف ألف دِرْهَم وَقَالَ الصولي أَن الرشيد فض مَا خَلفه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَكَانَ ثلثه آلَاف ألف دِينَار وَكَانَ ماية ألف دَابَّة مَا بَين فرس وبغل وحمار وجمل وَذَلِكَ خَارِجا عَن الْجَوَاهِر والضياع وَلما جَاءَ الْمبلغ الْمَذْكُور فِي السفن أَمر بِهِ الرشيد فَفرق على الندماء والمغنين وَلم يدْخل مِنْهُ إِلَى بَيت مَاله شَيْئا وَخرج لَهُ الْخَطِيب حَدِيثا قَالَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان حَدثنِي أبي عَن جده الْأَكْبَر يَعْنِي عبد الله بن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ امسح على رَأس الْيَتِيم هَكَذَا إِلَى قدم رَأسه وَمن لَهُ أَب هَكَذَا إِلَى مُؤخر رَأسه ووقفت جَارِيَة من جواريه على قَبره وَقَالَت
(أَمْسَى التُّرَاب لمن هويت مبيتاً ... إلق التُّرَاب وَقل لَهُ حييتا)
(أَنا نحبك يَا تُرَاب وَمَا بِنَا ... إِلَّا كَرَامَة من عَلَيْهِ حثيتا)
المعمر لوين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حبيب بن جُبَير أَبُو جَعْفَر الْأَسدي الْكُوفِي وَيعرف بلوين خرج من الْكُوفَة طَالب الثغر فسكن المصيصة مرابطا بهَا سمع مَالِكًا وَغَيره وروى عَنهُ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد وَغَيره وَكَانَ ثِقَة وعاش ماية وَثلث عشرَة سنة وَتُوفِّي بِالْمصِّيصَةِ وَقيل بأذنه سنة سبع وَأَرْبَعين وماتين وَقيل سنة خمس وَأَرْبَعين
مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَصْبَهَانِيّ روى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ ابْن ماجة وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ ابْن عدي هُوَ قَلِيل الحَدِيث اخطأ فِي غير شَيْء توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وماية)
الحناط مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أَبُو عبد الله ابْن الحناظ الرعيني الأديب شَاعِر الأندلسي كَانَ يُنَادي أَبَا عَامر بن شَهِيد توفّي بعد الْعشْرين والأربع ماية وَمن شعره
مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مَحْمُود أَبُو سَالم الْحَرَّانِي الظَّاهِرِيّ دخل الأندلس فِي تِجَارَة وَكَانَ ذكياً عَالما شَاعِرًا متفنناً قَرَأَ الْقُرْآن على أبي أَحْمد السامري وَكَانَ يعْتَقد مَذْهَب دَاوُد الظَّاهِرِيّ توفّي سنة ثلث وَعشْرين وَأَرْبع ماية(3/104)
الصعلوكي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن هرون الإِمَام أَبُو سهل الشَّافِعِي العلجلي الصعلوكي النَّيْسَابُورِي الْفَقِيه الأديب اللّغَوِيّ الْمُتَكَلّم الْمُفَسّر النَّحْوِيّ الشَّاعِر الْمُفْتِي الصُّوفِي حبر زَمَانه وَبَقِيَّة أقرانه قَالَه الْحَاكِم ولد سنة سِتّ وَتِسْعين وماتين سمع الحَدِيث وَاخْتلف إِلَى أبي بكر بن خُزَيْمَة وَغَيره وناظر وبرع قَالَ الصاحب مَا رَأينَا مثل أبي سهل وَلَا رأى مثل نَفسه وَعنهُ أَخذ أَبُو الطّيب وفقهاء نيسابور وَهُوَ صَاحب وَجه وَمن غرايبه إِذا نوى غسل الْجَنَابَة وَالْجُمُعَة لَا يُجزئهُ لأَحَدهمَا وَقَالَ بِوُجُوب النِّيَّة لازالة النَّجَاسَة وَنقل الْمَاوَرْدِيّ الْإِجْمَاع هُوَ وَالْبَغوِيّ أَنَّهَا لَا تشْتَرط وَصَحب الشبلي وَأَبا عَليّ الثَّقَفِيّ والمرتعش وَله كَلَام حسن فِي التصوف سُئِلَ عَن التصوف فَقَالَ الْأَعْرَاض عَن الِاعْتِرَاض وَمن شعره
(أَنَام على سَهْو وتبكي الحمايم ... وَلَيْسَ لَهَا جرم ومني الجرايم)
(كذبت وَبَيت الله لَو كنت عَاقِلا ... لما سبقتني بالبكاء الحمايم)
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَسِتِّينَ وَثلث ماية البعلبكي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد أَبُو طَاهِر البعلبكي الْمُؤَدب سكن صيدا وَقَرَأَ الْقُرْآن على هرون الْأَخْفَش وروى عَنهُ أَبُو عبد الله ابْن مندة وَغَيره وَكَانَ ثِقَة توفّي سنة سِتِّينَ وَثلث ماية
ابْن قنلمش الْحَاجِب مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن قتلمش بن تركانشاه أَبُو مَنْصُور السَّمرقَنْدِي ولد سنة ثلث وَأَرْبَعين وَخمْس ماية وبرع فِي الْأَدَب وَولى حجب الْبَاب للخليفة وَتُوفِّي سنة عشْرين وست ماية وَدفن فِي الشونيزية وَمن شعره
(سئمت تكاليف هذى الْحَيَاة ... وكر الصَّباح بهَا والمساء)
(وَقد صرت كالطفل فِي عقله ... قَلِيل الصَّوَاب كثير الهراء)
(أَنَام إِذا كنت فِي مجْلِس ... واسهر عِنْد دُخُول الْغناء)
(وَقصر خطوي قيد المشيب ... وَطَالَ على مَا عناني عنائي)
)
(وَمَا جر ذَلِك غير الْبَقَاء ... فَكيف ترى سوء فعل الْبَقَاء)
وَمِنْه قَوْله
(تَقول خليلتي لما رأتني ... وَقد ازمعت عَن وطني غدوا)
(أقِم واطلب مرامك من صديق ... فَقلت لَهَا يصير إِذا عدوا)(3/105)
وَمن شعر أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن سُلَيْمَان قَوْله
(لَا وَالَّذِي سخر قلبِي لَهَا ... عبدا كَمَا سخر لي قَلبهَا)
(مَا فرحي فِي حبها غير أَن ... تبيح لي عَن هجرها قَلبهَا)
وَمِنْه
(ومهفهف غض الشَّبَاب انيقه ... كالبدر غصنى الشَّبَاب وريقه)
(نازعته مشمولة فأدارها ... من وجنتيه ومقلتيه وريقه)
وَمِنْه
(يَا قوم مَا بِي مرض وَاحِد ... لَكِن بِي عدَّة أمراض)
(وَلست أَدْرِي بعد ذَا كُله ... اساخط مولَايَ أم رَاض)
وَمِنْه لغز فِي مُوسَى وهرون
(ووزير إِن قَامَ يَوْمًا على الرأ ... س فقد حل فِي مَحل الْأَمِير)
(غير أَن الْأَمِير فِي جنَّة الْخلّ ... د وَذَاكَ المنكوس وسط السعير)
وَمِنْه
(وخدمت من لَو أَنه ... لي خَادِم لأنفت مِنْهُ)
(وَسَأَلت من لَو غَابَ عز ع ... ني الدَّهْر مَا أنشدت عَنهُ)
وصنف كتابا سماهه التبر المسبوك والوشي المحبوك وَأورد لَهُ فِيهِ من شعره
(ومقرطف وجدي عَلَيْهِ كردفه ... وتجلدي وَالصَّبْر عَنهُ كخصره)
(نادمته فِي لَيْلَة من شعره ... اجلو محاسنه بشمعة ثغر)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(لي فِي هَوَاك وَإِن عذبتني أرب ... يَنْفِي السلو وَلَو قطعت آرابا)
(لَا اطلب الرّوح من كرب الغرام وَلَو ... صابت عَليّ سَمَاء الْحبّ أوصابا)
)
(وَلست أبغي ثَوَاب الصَّبْر عَنْك وَلَو ... ألبستني من سقام الْجِسْم أثوابا)
(وشقوتي بك لَا أرْضى النَّعيم بهَا ... وَسَاعَة مِنْك تسوى النَّار أحقابا)
قلت شعر جيد وَكَانَ مغرى بالقمار والنرد لَا يكَاد يُفَارق ذَلِك إِلَّا إِذا لم يجد من يساعده على ذَلِك
الدَّلال مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن أبي الْفضل ابْن أبي الْفتُوح بن يُوسُف بن يُونُس(3/106)
الْأنْصَارِيّ الصّقليّ الأَصْل الدِّمَشْقِي الدَّلال كَانَ شَيخا صَالحا رَاوِيا للْحَدِيث عِنْده رِوَايَة عالية روى عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَرَّانِي وَغَيره ولد سنة ثلث وَسبعين وَخمْس ماية لَيْلَة عيد الْفطر وَتُوفِّي فِي صفر بِدِمَشْق سنة سِتِّينَ وست ماية
ابْن أبي الرّبيع الهواري مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن يُوسُف جمال الدّين أَبُو عبد الله الهواري بتَشْديد الْوَاو وَبعد الْألف رَاء الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي الرّبيع كَانَ فَاضلا أديباً قَالَ قطب الدّين اليونيني قَالَ ابْن خلكان شمس الدّين أَنْشدني جمال الدّين لنَفسِهِ
(لَوْلَا التطير بِالْخِلَافِ وَأَنَّهُمْ ... قَالُوا مَرِيض لَا يعود مَرِيضا)
(لقضيت نحبي خدمَة بفنايكم ... لأَكُون مَنْدُوبًا قضى مَفْرُوضًا)
وَمن شعره
(أحباب قلبِي أَن تحكمت النَّوَى ... فِي بَيْننَا وَجرى الْقَضَاء بِمَا جرى)
(فَلَقَد غضضت عَن الورى من بعدكم ... طرفا يرى من بعدكم أَن لَا يرى)
وَمِنْه
(سريت من السوَاد إِلَى السويدا ... مسير الْبَدْر فِي طرف وقلب)
(قضيت من النَّوَى وطراً وَهَا قد ... قضيت لَك البقا فِي الْبعد نحبي)
وَله فِي مُوسَى بن يغمور
(لَك الله يَا مُوسَى فَأَنت مُحَمَّد ال ... صِفَات وفكري فِيك حسان مدحه)
(إِذا مَا دجا ليل من الْخطب مظلم ... فَمن يدك الْبَيْضَاء إسفار صبحه)
وَكتب إِلَى صديق لَهُ يدعى الصَّدْر
(مَا زلت من بعد وَقرب ... صبا إِلَيْك وَأي صب)
(حزت الْقُلُوب بأسرها ... والصدر مَوضِع كل قلب)
)
وَقَالَ فِيهِ
(توسوست باشتياق إِلَى الصد ... ر وَمَا زَالَ مَوضِع الوسواس)
ولد جمال الدّين بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ ماية وَتُوفِّي بهَا فِي شهر رَمَضَان سنة ثلث وَسبعين وست ماية وَكَانَ صَالحا وَحدث بِشَيْء يسير من الحَدِيث(3/107)
الشاطبي الصَّالح مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أَبُو عبد الله الْمعَافِرِي الشاطبي شهر رَمَضَان سنة ثلث وَسبعين وست ماية وَدفن بمرج سوار كَانَ أحد مَشَايِخ الثغر المعروفين بالصلاح والانقطاع مَشْهُورا فِي ناحيته بتبرك بِهِ ويزار
ابْن القصيرة الْكَاتِب مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أَبُو بكر الكلَاعِي الأشبيلي الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن القصيرة رَأس أهل البلاغة توفّي عَن سنّ عالية سنة ثَمَان وَخمْس ماية وَقد خرف كَانَ من أهل التفنن فِي الْعُلُوم وسافر رَسُولا عَن الْمُعْتَمد بن عباد إِلَى الْمُلُوك غير مرّة وَأورد لَهُ صَاحب الذَّخِيرَة فِي كِتَابه رسايل وشعراً من ذَلِك مَا كتبه إِلَى الْمُعْتَمد هُنَا بِولد جَاءَ لوَلَده سراج الدولة عباد
(لم يستهل بكاً وَلَكِن مُنْكرا ... أَن لم تعد لم تعد لَهُ الدروع لفايفا)
(أَو لم يكن بَين المذاكي مهده ... بدءاً ومشتجر الرماح مآلفا)
(شيم الليوث تبين فِي أشبالها ... من قبل أَن تلغ الدِّمَاء رواشفا)
وَقَوله من أُخْرَى فِي التهنئة بِهِ
(ابصره مرتقياً على درجاته ... مثل الْهلَال إِذا جرى بمنازله)
(والغصن فِي طبع الأرومة مَا زكتْ ... إِلَّا وطابقها زكاء شمايله)
الغاني المغربي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الغاني ذكره حرقوص فِي كِتَابه وَأَطْنَبَ فيوصفه وَأورد لَهُ
(كم عادني بَين أنس الغيد من عيد ... لَو يعمد الشوق مِنْهُ قلب معمود)
(وَكم يكيد لَهُ الذكرى هوى نفيت ... مِنْهُ صبَابَة عهد غير مَعْهُود)
(بِمَا ارتمته وَمَا زَالَت تميد بِهِ ... إِلَى التصابي عُيُون الخرد الغيد)
(حَتَّى إِذا كَاد أَن يُوفى على شجن ... سَاوَى لَهَا بَين سلوان ومجلود)
(كَأَنَّهَا أَن بَدَت بدر يميس بهَا ... على نقا غُصْن بَان غير مخضود)
(أَيَّام ساعف أَيَّام الصَّبِي ورعت ... عَيناهُ مِنْهَا خدوداً ذَات توريد)
)
مِنْهَا
(وجادلت ألسن اللَّذَّات سلوته ... بِحجَّة ثقفتها نَغمَة الْعود)(3/108)
(وَمَج مَاء الْهوى فِي فِيهِ مغتبقاً ... ريق الحبيب على ريق العناقيد)
قلت شعر جيد
شمس الدّين ابْن الْعَفِيف التلمساني مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ شمس الدّين ابْن عفيف الدّين التلمساني شَاعِر مجيد ابْن شَاعِر مجيد تعانى الْكِتَابَة وَولى عمالة الخزانى بِدِمَشْق وَمَات شَابًّا سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وست ماية وَكَانَ فِيهِ لعب وَعشرَة وانخلاع ومجون ولد بِالْقَاهِرَةِ فِيمَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان قَالَ ولد فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وست ماية لما كَانَ وَالِده صوفيا يخانقاه سعيد السُّعَدَاء وَأَخْبرنِي أَن وَالِده كَانَ مَعَه على حَال نسْأَل الله السَّلامَة مِنْهَا وَمن كل شَرّ وَلم يتَعَرَّض شمس الدّين الْمَذْكُور إِلَى مَا تعرض وَالِده فِي شعره من الِاتِّحَاد المشئوم وَكتب شمس الدّين الْمَذْكُور طبقَة رَأَيْت ديوانه بِخَطِّهِ وَهُوَ فِي غَايَة الْقُوَّة والقلم الْجَارِي واخترت ديوانه وَرَأَيْت خطّ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى على كتاب الْمِنْهَاج لَهُ وَقد قَرَأَهُ عفيف الدّين التلمساني وَولده شمس الدّين مُحَمَّد الْمَذْكُور وَقد أجازهما رِوَايَته عَنهُ سنة سبعين وست ماية وَفِي أول هَذِه النُّسْخَة بِخَط شمس الدّين الْمَذْكُور ملكه فلَان وَحفظه أَنْشدني الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ أَنْشدني شمس الدّين الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(أعز الله أنصار الْعُيُون ... وخلد ملك هاتيك الجفون)
(وضاعف بالفتور لَهَا اقتداراً ... وَأَن تَكُ أَضْعَف عَقْلِي وديني)
(وَأبقى دولة الأعطاف فِينَا ... وَأَن جارت على الْقلب الطعين)
(واسبغ ظلّ ذَاك الشّعْر يَوْمًا ... على قد بِهِ هيف الغصون)
(وصان حجاب هاتيك الثنايا ... وَأَن ثنت الْفُؤَاد إِلَى الشجون)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(رب طباخ مليح ... فاتن الطّرف غرير)
(مالكي أصبح لَكِن ... شغلوه بالقدور)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ أَسِير اجفان بخد أسيل كليم أحشاء لطرف كليل)
(فِي حب من حظي كشعر لَهُ ... لَكِن قصير ذَا وَهَذَا طَوِيل)
(لَيْسَ خَلِيلًا لي وَلكنه ... يضرم فِي الأحشاء نَار الْخَلِيل)
(يَا ردفه جرت على خصره ... رفقا بِهِ مَا أَنْت إِلَّا ثقيل)(3/109)
وأنشدني قَالَ أندشني لنَفسِهِ من قصيدة
(وَقد سود حظي من ... ك يَا أبهى الورى غره)
(سَواد الْخَال والعار ... ض والمقلة والطره)
(قديم الهجر من لفتى ... قديم فِي الْهوى هجره)
(فكم يلقاه بالابعا ... د والآيعاد والنفره)
(وَلَا يشكو وَلَا تطر ... ح فِي قفته كَسره)
(رَأينَا من حَنى وجفا ... وَلَكِن زِدْت فِي كره)
(فقد أَصبَحت لَا أم ... لَك من صبري وَلَا ذره)
(وَقد صيرني هجر ... ك فِي كس أُخْت مَا أكره)
(عذيري فِيهِ من قمر ... يُرِيك بخده الزهره)
(إِذا قَارن بالأكؤ ... س إِذْ يشْربهَا ثغره)
(أَرَاك الذَّهَب الْمصر ... ى فَوق الْفضة النقره)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(للمنطقيين أشتكي أبدا ... عَيْني رقيبي فليته هجعا)
(حاذرها منأحبه فَأبى ... أَن تختلي سَاعَة ونجتمعا)
(كَيفَ عدت دايماً وَمَا انفصلت ... مَانِعَة الْجمع والخلو مَعًا)
قلت فِيهِ فَسَاد فِي الْمَعْنى وَقد ذكرته وأوضحته فِي كتابي الْمُسَمّى بفض الختام عَن التورية والاستخدام ونقلت من خطه لَهُ
(حل ثَلَاثًا يَوْم حمامه ... ذوابياً تعبق مِنْهَا الغوال)
(فَقلت وَالْقَصْد ذؤاباته ... واسهري فِي ذِي اللَّيَالِي الطوَال)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(لم أنس لما زارني مُقبلا ... اولاني الْوَصْل وَمَا ألوى)
)
(وَقعت بالرشف على ثغره ... وَقع المساطيل على حلوى)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(يَا ذَا الَّذِي صد عَن محب ... أذاب فِيهِ الغرام قلبخ)
(مَالك فِي الهجر من دَلِيل ... لَكِن هَذَا علو قبَّة)(3/110)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(رأى رضاباً عَن تس ... ليه أولو الْعِشْق سلوا)
(مَا ذاقه وشاقه ... هَذَا وَمَا كَيفَ وَلَو)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(يَا ذَا الَّذِي نَام عَن جفني ... وَنبهَ الوجد والجوى لي)
(جفني خراجيه دموع ... شوقاً إِلَى وَجهك الْهِلَالِي)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(وَحقّ هذي الْأَعْين الساحره ... وَحسن هذي الوجنة الزاهره)
(لَو أَنَّهَا واصلتي لم يبت ... قلبِي مِنْهَا وَهُوَ بالهاجره)
(بِاللَّه خف اثمي يَا قاتلي ... فاليوم دنيا وَغدا آخِره)
(قلبِي مصر لَك مَا باله ... قد ذاب من أخلاقك القاهره)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(يَا من أَطَالَ التجني ... وَقد أسا فِي التوخي)
(أسرفت تيهاً وعجباً ... وَكَثْرَة الشد يُرْخِي)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(يَا رب أحوى أحور لم يزل ... يعطفني الْحبّ على عطفه)
(كَأَن روض النيربين انْثَنَتْ ... تروى كَمَال الْحسن عَن وَصفه)
(من عاين الدهشة فِي وَجهه ... درى بِأَن السهْم من طرفه)
وَمن شعره وَمن خطه نقلت
(أحلى من الشهد من هويت وَكم ... فتث بِهِ فِي الْهوى مرارات)
(وَكَيف تستطاب ريقته ... وثغره سكر سنينات)
)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(يَا خَاله خضرَة بعارضه ... حبستها عَن متيم مغرى)
(كف عَن العاشقين مُقْتَصرا ... هَل أَنْت إِلَّا حويرس الخضرا)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(قَامَت حروب الزهر مَا ... بَين الرياض السندسيه)(3/111)
(وَأَتَتْ يوش الآس تغ ... زو رَوْضَة الْورْد الجنيه)
(لَكِنَّهَا كسرت لأ ... ن الْورْد شوكته قويه)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(بمهجتي سُلْطَان حسن غَدا ... يجور فِي الْحبّ وَلَا يعدل)
(يَا عاشقيه حاذروا صُدْغه ... فَهُوَ الحشيشي الَّذِي يقتل)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(هَذَا الْفَقِير الذيي ترَاهُ ... كالفرخ ملقى بِغَيْر ريش)
(قد قتلته الْحَشِيش سكرا ... وَالْقَتْل من عَادَة الْحَشِيش)
ونقلت مِنْهُ لَهُ من المقامة الاقطاعية
(مثل الغزال نظرة ولفتة ... من ذَا رَآهُ مُقبلا وَلَا افْتتن)
(أعذب خلق الله ثغراً فَمَا ... إِن لم يكن أَحَق بالْحسنِ فَمن)
(فِي ثغره وخده وصدغه ... المَاء والخضرة وَالْوَجْه الْحسن)
وَمن شعره
(عذار فِيهِ قد عبثوا ... محبوه وَقد عنتوا)
(يخَاف عُيُون واشيه ... قفيمشي ثمَّ يلْتَفت)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(بِلَا غيبَة للبدر وَجهك أجمل ... وَمَا أَنا فِيمَا قلته متجمل)
(لحاظك أسياف ذُكُور فَمَا لَهَا ... كَمَا زَعَمُوا مثل الأرامل تغزل)
(وعهدي أَن الشَّمْس بالصحو آذَنت ... وسكري أرَاهُ فِي محياك يقبل)
ونقلت مِنْهُ لَهُ)
(حللت بأحشاء لَهَا مِنْك قَاتل ... فَهَل أَنْت فِيهَا نَازل أم منَازِل)
(أرى اللَّيْل مذ حجبت مَا حَال لَونه ... على أَنه بيني وَبَيْنك حايل)
(أيسعدني يَا طلعة البد طالع ... وَمن شقوتي خطّ بخديك نَازل)
(وَلَو أَن قسا واصف مِنْك وجنة ... لأعجزه نبت بهَا وَهُوَ بَاقِل)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(وَلَقَد أتيت إِلَى جنابك قَاضِيا ... باللثم للعتبات بعض الْوَاجِب)(3/112)
(وأتيت أقصد زورة أحيى بهَا ... فَرددت يَا عَيْني هُنَاكَ بحاجب)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(إِذا مَا رمت حل البند قَالَت ... معاطفه حمانا لَا يحل)
(وَإِن جليت بوجنته مدام ... يرى لعذاره دور وَنزل)
وَمن شعره
(رأى المسيحيون مِنْهُ دمية ... تعطو كبدر فَوق غُصْن مَا يَد)
(فبرهنوا تثليثهم بكشله ... لما رَأَوْا ثَلَاثَة فِي وَاحِد)
وملا توفّي شمس الدّين مُحَمَّد الْمَذْكُور قَالَ وَالِده عفيف الدّين يرثيه وَيذكر أَخَاهُ مُحَمَّدًا أَيْضا
(مَا لي بفقد المحمدين يَد ... مضى أخي ثمَّ بعده الْوَلَد)
(يَا نَار قلبِي وَأَيْنَ قلبِي أَو ... يَا كَبِدِي لَو تكون لي كبد)
(يَا بَايع الْمَوْت مُشْتَرِيه أَنا ... فالصبر مَالا يصاب وَالْجَلد)
(أَيْن البنان الَّتِي إِذا كتبت ... وعاين النَّاس خطها سجدوا)
(أَيْن الثنايا الَّتِي إِذا ابتسمت ... أَو نطقت لَاحَ لُؤْلُؤ نضد)
(مَا فقدتك الأقران يَا وَلَدي ... وَإِنَّمَا شمس أفقهم فقدوا)
(مُحَمَّد يَا مُحَمَّد عددا ... وَمَا لما لَيْسَ يَنْتَهِي عدد)
مِنْهَا
(مَاذَا على الغاسلين إِذْ قرب ال ... أَمْلَاك مِنْهُ لَو أَنهم بعدوا)
(قد حملت نَفسه الْعُلُوم إِلَى ال ... فردوس والنعش فَوْقه الْجَسَد)
(أبكيت خَالَاتك الضواحك من ... قبل وَمَا من صفاتك النكد)
)
(أبكيت خَالَاتك الضواحك من ... قبل وَمَا من صفاتك النكد)
(بِي كبر مسني وأمك قد ... شاخت فَمن أَيْن لي ترى ولد)
(وهبه قد كَانَ لي فمثلك لَا ... يُرْجَى وَأَيْنَ الزَّمَان والأمد)
وَمِنْهَا(3/113)
(يَا لَيْتَني لم أكن أَبَا لَك أَو ... يَا لَيْت مَا كنت أَنْت لي ولد)
(لَو أَن عَيْني مِنْك مَا رأتا ... مَا رأتا مَا دهاهما الرمد)
(لَو أَن أُذُنِي مِنْك مَا سمعا ... نطقاً لما صمتا لما أجد)
(لَو احتماليك باليدين إِلَى ... صَدْرِي لم ترتعش عَلَيْك يَد)
قيل أَنه عمل مرّة جمَاعَة سَمَاعا حسنا وَكَانَ فِيهِ ملاح فبعثوا مِنْهُم مليحاً إِلَى شمس الدّين مُحَمَّد يطلبونه من وَالِده فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُول كتب وَالِده على يَده
(أرسلتما لي رَسُولا فِي رسَالَته ... حُلْو المراشف والأعطاف واليهف)
(وقدتما ويسيراً ذَاك أنكما ... وَقد تما النَّار فِي ابدي الضنى دنف)
فَلَمَّا حضر وَلَده وبلغته الْوَاقِعَة واطلعل على مَجِيء الرَّسُول كتب إِلَى وَالِده
(مولَايَ كَيفَ انثني عَنْك الرَّسُول وَلم ... تكن لوردة خديه بمقتطف)
(جاءتك من بَحر ذَاك الْحسن لؤلؤة ... فَكيف عَادَتْ بِلَا ثقب إِلَى الصدف)
الْعلم الْحَمَوِيّ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بِالْعلمِ الْحَمَوِيّ كَانَ شَيخا صَالحا زاهداً عابداً ورعاً فَاضلا أديباً حسن الْعشْرَة قَالَ أَخُو الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(يمشي ويعثر بالعيون أَمَامه ... وَإِذا اسْتَدَارَ تعثرت من خَلفه)
(وحلا مَكَان نطاقه فَكَأَنَّهُ ... شعْبَان كل حلاوة فِي نصفه)
توفّي بِدِمَشْق بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية سنة إحد وَثَمَانِينَ وست ماية وَقد تجَاوز التسعين وَدفن بمقابر بَاب الصَّغِير
ابْن النفيس الْمُفَسّر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحسن بن الْحُسَيْن الْعَلامَة الزَّاهِد جمال الدّين أَبُو عبد الله الْبَلْخِي الأَصْل الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ الْمُفَسّر الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب أحد الأيمة ولد سنة إِحْدَى عشرَة وَدخل عشرَة وَدخل الْقَاهِرَة ودرس بالعاشورية ثمَّ تَركهَا وَأقَام بالجامع الْأَزْهَر مُدَّة)
وَكَانَ صَالحا زاهداً متواضعاً عديم التَّكَلُّف أنكر على الشاجعي مرّة انكاراً تَاما بِحَيْثُ إِن هابه وَطلب رِضَاهُ وَكَانَ الأكابر يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ زايرين ويلتمسون دعاءه وَصرف عمته أَكثر دهره إِلَى التَّفْسِير وصنف تَفْسِيرا حافلاً جمع فِيهِ خمسين مصنفاً وَذكر فِيهِ أَسبَاب النُّزُول والقراآت وَالْإِعْرَاب واللغة والحقايق وَعلم الْبَاطِن قيل إِنَّه فِي خمسين مجلدة سمع الشَّيْخ شمس الدّين مِنْهُ(3/114)
حَدِيث عَليّ بن حَرْب وبالتفسير نُسْخَة بِجَامِع الْحَاكِم بِالْقَاهِرَةِ أظنها فِي ثَمَانِينَ مجلدة توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وست ماية
شمس الدّين ابْن أبي الْعِزّ الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي الْعِزّ بن وهيب الإِمَام الْمُفْتِي شمس الدّين ابْن الْعَلامَة الأوجد شيخ الطايفة قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الْحَنَفِيّ مدرس النورية والعذراوية كَانَ من كبار الْحَنَفِيَّة مَقْصُودا بالفتوى أفتى نيفاً وثلثين سنة وناب فِي الْقَضَاء عَن وَالِده بِدِمَشْق وَكَانَ منقبضاً عَن النَّاس وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية
وجيه الدّين الرُّومِي الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الإِمَام الْمُفْتِي وجيه الدّين الرُّومِي القونوي الْحَنَفِيّ إِمَام الربوة شيخ فَاضل متواضع ولي تدريس العزية الَّتِي بالميادين وَأعَاد وَأفْتى وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية
قَاضِي الْقُضَاة الزواوي الْمَالِكِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن سرُور الْبَرْبَرِي الزواوي لقَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو عبد الله المغربي الْمَالِكِي ولد فِي حُدُود سنة ثلثين وَقدم الْإسْكَنْدَريَّة حَدثا فتفقهن بهَا وبرع فِي الْمَذْهَب وفرط فِي السماع من ابْن رواج والسبط ثمَّ سمع من أبي عبد الله المرسي وَابْن الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ وَالشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ أبي مُحَمَّد ابْن برطلة وعالج الشُّرُوط وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَحكم بالشرقية وَغير مَكَان ثمَّ قدم على قَضَاء دمشق سنة سبع وَثَمَانِينَ فَحكم بهَا ثلثين سنة وَكَانَ ذَا قُوَّة وصرامة بتؤده وَكَانَ ماضي الْأَحْكَام بتاتاً دينا ورعاً عَارِفًا بمذهبه حصل لَهُ فِي آخر عمره فالج ورعشة وَبَقِي ينْطق بِمَشَقَّة وَعجز عَن الْعَلامَة واستناب من يكْتب عَنهُ ثمَّ عزل قبيل وَفَاته بِابْن سَلامَة بِنَحْوِ من عشْرين يَوْمًا توفّي سنة سبع عشرَة وَسبع ماية وَلم يسْرع إِلَيْهِ الشيب
إِمَام مَسْجِد قداح مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الشَّيْخ الصَّالح الْمُقْرِئ أَبُو عبد الله بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن يُوسُف الصنهاجي المراكشي الإسكندري إِمَام مَسْجِد قداح سمع عبد الوهاي بن رواج ومظفر ابْن الفوى أَخذ عَنهُ الرحالون وَكتب فِي الإجازات وَتُوفِّي سنة سبع عشرَة وَسبع ماية)
ابْن الْمُنِير المراوحي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَرح بن الْمُنِير الْكِنْدِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي سمع من أبي الْحسن عَليّ بن هبة الله بن سَلامَة الشَّافِعِي وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ مجد الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَكَانَ دينا صَالحا ورعاً تولى الحكم بأرمنت وأدفو وبأسوان وبقفط وَفِي كل ولَايَة تولاها كَانَ على خير من الْوَرع والتقشف وزرق عشرَة أَوْلَاد مِنْهُم ذُكُور سَبْعَة وَثلث أناث وَكَانَ لَهُ ثلث نسْوَة وَكَانَ يضيق رزقه عَلَيْهِ فَيعْمل المرواح بِيَدِهِ وَيَأْكُل من ثمنهَا فَعرف بالمراوحي وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وست ماية وَمن شعره(3/115)
الرزق مقسوم فقصر فِي الأمل واستقبل الْأُخْرَى بإصلاح الْعَمَل وجانب النّوم وإخوان الكسل واهجل بني الدُّنْيَا رَجَاء ووجل فقد جرى الرزق بِتَقْدِير الْأَجَل فالذل من أَي الْوُجُوه يحْتَمل ابْن الْفَخر الشَّافِعِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد تَاج الدّين ابْن الْفَخر سمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن غَالب الجياني بِمَكَّة وَمن تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ من غَيرهمَا وَحدث بقوص وَغَيرهَا واشتغل بِالْعلمِ وَكَانَ متعبداً مُمْتَنعا من الْغَيْبَة وسماعها وَله فِي السماع حَال حسن وَكتب الْخط الْجيد وَكتب كثيرا من الحَدِيث وَالْفِقْه وَغير ذَلِك قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي وَلما عدل بعض الْجَمَاعَة بقوص فِي أَيَّام ابْن السديد قَامَ فِي ذَلِك وَقصد أَن لَا يَقع وَتوجه إِلَى مصر وَقَالَ قصيدة سَمعتهَا مِنْهُ أَولهَا
(شريعتنا قد انْحَلَّت عراها ... فحي على الْبكاء لما عراها)
وَأقَام بِمصْر فَتوفي بهَا فِي سنة إِحْدَى وثلثين وَسبع ماية
تَقِيّ الدّين الجعبري مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن سُلَيْمَان الْمُحدث الْفَقِيه الْفَاضِل تَقِيّ الدّين الجعبري الشَّافِعِي الشَّاهِد ولد سنة سِتّ وَسبع ماية سمع من الحجار وطبقته وقرأن كثيرا وَتخرج بو الدحميه شَيخنَا الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي وَقَرَأَ على الْعَامَّة وَهِي رفيقي فِي أَكثر مسموعاتي بِالشَّام وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمسٍ وَأَرْبَعين وَسبع ماية وأجزت لَهُ ولأولاده)
القَاضِي ابْن سَمَّاعَة مُحَمَّد بن سَمَّاعَة بن عبد الله بن هِلَال بن وَكِيع بن بشر أَبُو عبد الله القَاضِي الْحَنَفِيّ التَّمِيمِي ولد سنة ثلثين وماية وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا صَاحب اختيارات فِي الْمَذْهَب وَرِوَايَات وَله المصنفات الحسان وَهُوَ من الْحفاظ الثِّقَات قَالَ ابْن معِين لَو كَانَ أهل الحَدِيث يصدقون كَمَا يصدق ابْن سَمَّاعَة فِي الرَّأْي لكانوا فِيهِ على نِهَايَة كَانَ يُصَلِّي كل يَوْم مايتي رَكْعَة وَقَالَ مكثت أَرْبَعِينَ سنة لم تفتني التَّكْبِيرَة الأولى إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا مَاتَت فِيهِ أُمِّي فاتتني صَلَاة الْجَمَاعَة فَقُمْت فَصليت خمْسا وَعشْرين صَلَاة أُرِيد بذلك الضعْف فَنمت فَقيل لي قد صليت وَلَكِن كَيفَ لَك بتأمين الملايكة ولي الْقَضَاء لهرون الرشيد بعد يُوسُف بن أبي يُوسُف إِلَى أَن ضعف بَصَره فَعَزله المعتصم توفّي سنة ثلث وثلثين وماتين(3/116)
العوقي مُحَمَّد بن سِنَان العوقي بِفَتْح الْوَاو والعوقة حَيّ من الأزد بِالْبَصْرَةِ نزل فيهم روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ وروى عَنهُ جمَاعَة وثقة ابْن معِين وَتُوفِّي سنة ثلث وَعشْرين وماتين
الْقَزاز مُحَمَّد بن سِنَان بن يزِيد أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ الْقَزاز صَاحب الْجُزْء الْمَعْرُوف بِهِ رَمَاه أَبُو دَاوُد بِالْكَذِبِ وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وماتين
الْمُعظم صَاحب الجزيرة مُحَمَّد بن سنجر شاه بن غَازِي بن مودود الْملك الْمُعظم صَاحب الجزيرة العمرية وَابْن صَاحبهَا بَقِي فِي الْملك ثلثا واربعين سنة لقبه معز الدّين تزوج ابْنه ببنت بدر الدّين صَاحب الْموصل وَكَانَ دينا قبل السلطنة فَلَمَّا طَالَتْ أَيَّامه تجبر وتفرعن وظلم وَكَانَ الْكَامِل صَاحب مصر يهاديه ويراسله وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَة وَصَاحب الْموصل ويحترمونه لكَونه بَقِيَّة الْبَيْت الأتابكي تملك الجزيرة بعد أَبِيه المسعود زوج بنت صَاحب الْموصل فبغى عَلَيْهِ صَاحب الْموصل وغرقه وَتُوفِّي الْمُعظم نسة ثَمَان وَأَرْبَعين وست ماية(3/117)
3 - (ابْن سُهَيْل)
ابْن دويد مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر بن عمَارَة أَبُو بكر البُخَارِيّ وَيعرف بِابْن دويد سكن بَغْدَاد وَحج مرَارًا حدث عَن عبد الرَّزَّاق وَغَيره وروى عَنهُ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد وَغَيره وَكَانَ صَالحا ثِقَة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وماتين
أَبُو الفضايل الحاجي مُحَمَّد بن سهل بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن طَاهِر بن بكران أَبُو الفضايل ابْن أبي عَليّ الحاجي الْمُقْرِئ من أهل اصبهان قدمن بَغْدَاد وأقرأ بهَا الْقُرْآن بِحرف الْكسَائي عَن أبي بكر أَحْمد بن عَليّ بن مُوسَى المزين عَن الْبَاطِرْقَانِيُّ وَحدث عَن الشريف أبي عبد الله اسمعيل بن الْحسن الحسني قَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَسمع مِنْهُ الحَدِيث الْمُبَارك بن كَامِل بن أبي غَالب الْخفاف توفّي سنة سبعين وَخمْس ماية
مُحَمَّد بن سهل الْمَرْزُبَان الكرجي الأشل الجهارعتي أَبُو مَنْصُور ويلقب بالباحث عَم معتاص الْعلم هُوَ من أهل الكرج وَهُوَ أحد البلغاء الفصحاء قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء لم تقع إِلَيّ وَفَاته وَلَا شَيْء من شَأْنه غير أَنِّي وجدت فِي كِتَابه الْمُنْتَهى فِي الْكَمَال أَنْشدني ابْن طَبَاطَبَا الْعلوِي وَابْن طَبَاطَبَا مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثلث ماية قَالَ مُحَمَّد بن اسحق قَالَ لي من رَآهُ أَنه أشل الْيَد وَله من الْكتب المتهى فِي الْكَمَال يحتوي على اثْنَي عشر كتابا وَهِي كتاب مدح الْأَدَب كتاب صفة البلاغة كتاب الدُّعَاء والتحاميد كتاب الشوق والفراق كتاب الحنيني إِلَى الأوطان كتاب التهاني والتعازي كتاب لأمل والمأمول كتاب التَّنْبِيهَات والطلب كتاب الْحَمد والذم كتاب الاعتذارات كتاب الْأَلْفَاظ كتاب نفايس الحكم
الْبَصْرِيّ المكفوف مُحَمَّد بن سَوَاء بن عنبر السدُوسِي أَبُو الْخطاب الْبَصْرِيّ المكفوف كَانَ ثِقَة نبيلاً روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وماية(3/118)
3 - (ابْن سوار)
ابْن سوار الأشبوني مُحَمَّد بن سوار أَبُو بكر الْكَاتِب الأشبوني من شعراء الذَّخِيرَة من شعره
(خالستها وتبسمت فظننتها ... عَن مثل مَا فِي نحرها تتبسم)
(فتشابهت مِنْهَا الثلثة أضْرب ... عقد وثغر وَاضح وَتكلم)
(لَو كَانَ مرئياً جمان حَدِيثهَا ... للرأيت مِنْهُ أجل شَيْء ينظم)
(وَمَضَت تجر وَرَاءَهَا شعرًا كَمَا ... أَعْطَاك جَانِبه الْغُرَاب الأسحم)
(يمحو مواقع أَثَرهَا فَكَأَنَّهُ ... يخفيه عَن عين الرَّقِيب ويكتم)
مِنْهَا
(هلا الْتَقَيْنَا حَيْثُ تنكسر الظبي ... والهام تسْقط والقنا تتحطم)
(والجود أدكم بالغبار قَمِيصه ... والجيش أرعن وَالْخَمِيس عَرَمْرَم)
(وَكَأن يَوْم الْحَشْر فِيهِ جموعنا ... وَكَأن غلي الْحَرْب فِيهِ جَهَنَّم)
(وَكَأن كل كمي حَرْب مارد ... تهوي إِلَيْهِ من الأسنة أنجم)
(حَتَّى علوناهم بِكُل مهند ... يبكي فتحسبه لَهُم يترحم)
وَمن شعره
(وَفِي الخدر مَكْحُول الجفون صِفَاته ... من السحر معسول الرضاب شنيب)
(إِذا مَا أدَار الكأس من مثل رِيقه ... تمايل غُصْن وارجحن كثيب)
(فأجفانه سكارى وَنحن وقده ... وكل بِمَا استولى عَلَيْهِ مريب)
(ويهتز نوار الملاحة حوله ... فيعبق من أنفاسه ويطيب)
(على مثل أَيَّام الزَّمَان الَّذِي مضى ... تشق قُلُوب لَا تشق جُيُوب)
وَمن شعره أَيْضا
(فِي لَيْلَة عَبث المحاق ببدرها ... غَضبا فقصر عمره وأطالها)(3/119)
(سَوْدَاء أشرق نجمها فَلَو أنني ... أجري على فلك لَكُنْت هلالها)
(وَلَقَد فتكت بِقُرْطِهَا وبمرطها ... حَتَّى هتكت حجولها وحجالها)
ابْن اسرائيل مُحَمَّد بن سوار بن إِسْرَائِيل بن الْخضر بن إِسْرَائِيل بن الْحسن بن عَليّ بن الْحُسَيْن نجم الدّين أَبُو الْمَعَالِي الشَّيْبَانِيّ ولد بِدِمَشْق سنة ثلث وست ماية وَتُوفِّي بهَا فِي شهر)
ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وست ماية صحب الشَّيْخ عَليّ الحريري من سنة ثَمَانِي عشرَة وَلبس الْخِرْقَة من الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وَسمع عَلَيْهِ وَأَجْلسهُ فِي ثلث خلوات وَكَانَ قَادِرًا على النّظم مكثراً مِنْهُ مدح الْأُمَرَاء والكبار سَأَلت عَنهُ الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين أَبَا الثَّنَاء مَحْمُودًا وطبقته فِي النّظم فَقَالَ كَانَ شعره فِي الأول جيدا فَلَمَّا سلك طَرِيق ابْن الفارض وَقَالَ فِي الْمظَاهر أَن تحس نظمه ولعمري هُوَ كَمَا قَالَ تجرد نجم الدّين وسافر إِلَى الْبِلَاد على قدم الْفُقَرَاء وَقضى الْأَوْقَات الطّيبَة وَجَاء إِلَى صفد مَعَ ابْن الفصيح المغنى وَكَانَ رَيْحَانَة الْمشَاهد وديباجة السماعات وَلم يكن لَهُ طبع فِي الرقص يخرج فِيهِ عَن الضَّرْب ويلتفت إِلَى المغاني وَيَقُول خَرجْتُمْ عَن الضَّرْب فَيَقُولُونَ لَهُ الله يعلم من هُوَ الَّذِي خرج حضر فِي بعض اللَّيَالِي وقتا وَفِيه نجم الدّين بن الْحَكِيم الْحَمَوِيّ فغنى الْمُغنِي بقوله
(وَمَا أَنْت غير الْكَوْن بل أَنْت عينه ... وَيفهم هَذَا السِّرّ من هُوَ ذايق)
فَقَالَ ابْن الْحَكِيم كفرت وتشوش الْوَقْت فَقَالَ ابْن إِسْرَائِيل لَا مَا كفرت وَلَكِن انت مَا تفهم هَذِه الْأَشْيَاء ودفنن عَن الشَّيْخ رسْلَان بِدِمَشْق وشيع جنَازَته قَاضِي الْقُضَاة ابْن خلطان والأعيان والفقراء واللخق وروى عَنهُ أَبُو الْحُسَيْن اليونيني والدمياطي والبرزالي وَغَيرهم من شعره أَنْشدني الشَّيْخ الْحَافِظ علم الدّين البرزالي رَحمَه الله تَعَالَى قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قلت لَهُ أخْبركُم الشَّيْخ نجم الدّين بن إِسْرَائِيل من لَفظه سَمَاعا لنَفسِهِ فَأقر بِهِ إِنَّهَا باسم من إِلَيْهِ سراها وَهِي قصيدة مَشْهُورَة مدح بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن شعره
(يَا هاجري وَله خيال وَاصل ... أتراك تسمع بعض مَا أَنا قايل)
(مَا كَانَ ذَنبي حِين خُنْت مودتي ... وهجرتني ظلما وهجرك قَاتل)
(أَصبَحت تظلمني وظلمك بَارِد ... وتميل عَن وَصلي وقدك مايل)
(وأراك مقترب الزَّمَان وبيننا ... بجفاك يَا أمل النُّفُوس مراحل)
(أَصبَحت من ذهبي خدك فِي غنى ... عَمَّا سواهُ فَلم عذارك سايل)(3/120)
(ديوَان حبك فِيهِ طرفك نَاظر ... وَالصَّبْر مصرف وسقمي حَاصِل)
(وعذار خدك بالغرام موقع ... وهواك مستوف وقدك عَامل)
(أذكى الصَّبِي نَار الْجمال بخده ... فلذاك نرجس ناظريه ذابل)
)
وَمِنْه
(يَا سيد الْحُكَمَاء هذي سنة ... فتنية فِي الطِّبّ أَنْت سننتها)
(أَو كلما كلت سيوف جفون من ... سفكت لواحظه الدِّمَاء سننتها)
وَمِنْه
(خلا مِنْهُ طرفِي وامتلا مِنْهُ خاطري ... فطرفي لَهُ شَاك وقلبي شَاكر)
(وَلَو أنني أنصفت لم تشك مقلتي ... بعاداً وذرات الْوُجُود مظَاهر)
هَذَا قَول بالاتحاد وَأكْثر شعره الشمؤم مَمْلُوء من هَذِه الْمَقَاصِد وَله وَاقعَة غَرِيبَة مَعَ شهَاب الدّين ابْن الخيمي ترد إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته وَحكى لي من أَثِق بِهِ قَالَ أَخْبرنِي عَن الدّين الدربندي الْمُؤَذّن قَالَ أَخْبرنِي نجم الدّين ابْن إِسْرَائِيل قَالَ أضقت فِي بعض الْأَوْقَات إضاقة عَظِيمَة فَقلت فِي نَفسِي وَالله لَا مدحت أحدا غير الله تَعَالَى ونظمت القصيدة السينية الَّتِي أَولهَا
(يَا ناق مَا دون الأثيل معرس ... جدي فصبحك قد بدا يتنفس)
(واستصبحي عزماً يبلغط الْحمى ... لتظل تغبطك الْجَوَارِي الكنس)
قَالَ وَجَاءَت وَهِي اثْنَان وَسِتُّونَ بَيْتا وَكَانَ لي عَادَة أَن أنظم القصيدة وأنقحها فِيمَا بعد فعرضت هَذِه القصيدة فَلم أر فِيهَا مَا يحذف ونمت لَيْلَتي فَلَمَّا كَانَ من الْغَد وَإِذا أَنا بِالْبَابِ يدق فَقُمْت فَوجدت قَاصِدا من مصر وَمَعَهُ كتاب الْأَمِير جمال الدّين بن يغمور وصحبته صرة ذهب وَقَالَ الْأَمِير يسلم عَلَيْك وَهَذِه برسم النَّفَقَة قَالَ فعددت الذَّهَب فَكَانَ اثْنَيْنِ وستيم دِينَارا أَو كَمَا قَالَ
الْكُوفِي مُحَمَّد بن سوقة الغنوي الْكُوفِي قَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة مرضِي وَقد روى لَهُ الْجَمَاعَة توفّي سنة خمسين وماية(3/121)
العابر مُحَمَّد بن سِيرِين الْبَصْرِيّ أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ الرباني صَاحب التَّعْبِير مولى أنس بن مَالك كَانَ سِيرِين من سبي جرجرايا فكاتب أنسا على مَال جليل فوفاه ولد مُحَمَّد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر أَو عُثْمَان سمع أَبَا هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وعدي بن حَاتِم وأنساً وَعبيدَة السَّلمَانِي وشريحاً وطايفة وَكَانَ قَصِيرا عَظِيم الْبَطن لَهُ وفرة يفرق شعره كثير المزح والضحك يخضب بِالْحِنَّاءِ وَكَانَ إِذا ذكر الْمَوْت مَاتَ كل عُضْو مِنْهُ يَصُوم)
يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَمَا كَانَ عِنْد سُلْطَان أَصْلَب مِنْهُ قَالَ معمر جَاءَ رجل إِلَى ابْن سِيرِين فَقَالَ رَأَيْت حمامة التقمت لؤلؤة فَخرجت مِنْهَا أعظم مِمَّا كَانَت وَرَأَيْت حمامة أُخْرَى التقمت أُخْرَى فَخرجت أَصْغَر أَصْغَر مِمَّا دخلت وَرَأَيْت أُخْرَى التقمت أُخْرَى فَخرجت كَمَا دخلت سَوَاء فَقَالَ ابْن سِيرِين أما الَّتِي خرجت أكبر فَذَلِك الْحسن سمع الحَدِيث فيجوده بمنطقه ويصل فِيهِ من مواعظه وَأما الَّتِي خرجت أَصْغَر فَهُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين يسمع الحَدِيث فينقص مِنْهُ وَأما الَّتِي خرجت كَمَا دخلت فَهُوَ قَتَادَة قهو أحفظ النَّاس وَقيل لَهُ رَأَيْت كأ الجوزاء تقدّمت الثريا فَقَالَ هَذَا الْحسن يَمُوت قبلي ثمَّ أتبعه وَهُوَ أرفع مني وَقد جَاءَ عَنهُ فِي التَّعْبِير عجايب وَكَانَ لَهُ فِي ذَلِك تأييد إلهي روى عَنهُ الْجَمَاعَة توفّي سنة عشر وماية وَكَانَت أمه صَفِيَّة مولاة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول الْحسن الْبَصْرِيّ سيد سمح وَإِذا حدث الْأَصَم بِشَيْء يَعْنِي ابْن سِيرِين فاشدد يَديك وَقَتَادَة حَاطِب ليل
اليونيني الصَّالح مُحَمَّد بن سيف بن مهْدي أَبُو عبد الله اليونيني الشَّيْخ الصَّالح صحب الشَّيْخ عبد الْكَرِيم وَأخذ عَنهُ وانتفع بِهِ ثمَّ انْقَطع فِي زَاوِيَة الشَّيْخ الصَّالح صحب الشَّيْخ عبد الركيم وَأخذ عَنهُ وانتفع بِهِ ثمَّ انْقَطع فِي زَاوِيَة اتخذها فِي كرم لَهُ قبلي يونين وَانْقطع بهَا وَكَانَ حُلْو الْعبارَة حسن الحَدِيث والمذاكرة بأخبار الصَّالِحين عِنْده كرم وسعة صدر وَتُوفِّي وَقد جَاوز السّبْعين سنة خمس وَخمسين وست ماية
الْملك الْحَافِظ غياث الدّين مُحَمَّد بن شاهنشاه ابْن الْملك الأمجد بهْرَام شاه ابْن فروخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب الْملك الْحَافِظ غياث الدّين ولد بِدِمَشْق أَو ببعلبك سنة سِتّ عشرَة وَسمع البُخَارِيّ من الزبيدِيّ وَحدث بِهِ وَأَجَازَ مروياته للشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ أَمِيرا جَلِيلًا متميزاً نسخ الْكثير بِخَطِّهِ الْمَنْسُوب وَخلف عدَّة أَوْلَاد وَتُوفِّي سنة ثلث وَثَمَانِينَ وست ماية
الْعَقْرَب الغرناطي مُحَمَّد بن شبية الإقليمي الْكَاتِب من إقليم غرناطة يلقب بالعقرب أورد لَهُ ابْن الْأَبَّار فِي التُّحْفَة
(لله حَيّ يَا أميم حواك ... وحمايم فَوق الغصون حواك)
(غنين حَتَّى خلتهن عنينني ... بغنايهن فنحت فِي مغناك)
(أذكرتني مَا كنت قد أنسيته ... لقديم هَذَا الدَّهْر من شكواك)
(أَشْكُو الزَّمَان إِلَى الزَّمَان وَمن شكا ... نكد الزَّمَان إِلَى الزَّمَان فشاك)
)(3/122)
3 - (ابْن شُجَاع)
أَبُو الْحسن الْمُتَكَلّم مُحَمَّد بن شُجَاع أَبُو الْحسن الْمُتَكَلّم المعتزلي حضر مجْلِس عضد الدولة وكلم أَبَا بكر الباقلاني الْأَشْعَرِيّ فِي مَسْأَلَة كلامية فطول فِي بعض نوبه فَلَمَّا أَخذ أَبُو حسن الْكَلَام فِي نوبَته قَالَ لَهُ القَاضِي أَبُو بكر قد أخللت بِالْجَوَابِ عَن فصل يَا شيخ وَأخذ الباقلاني الْكَلَام على نوبَته فَزَاد فِي الطول فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحسن علاوتك أثقل من حملك فَضَحِك عضد الدولة من ذَلِك
أَبُو بكر اللفتواني مُحَمَّد بن شُجَاع بن أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن شيزاد عَليّ بن خرزاذ اللفتواني أَبُو بكر بن أبي نصر الْأَصْبَهَانِيّ سمع أَبَا عَمْرو عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن اسحق بن مندة وَأَبا مَسْعُود سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ وَأَبا الْحسن سهل بن عبد الله الْغَازِي وَأَبا بكر بن أَحْمد بن الْحسن بن ماجة الْأَبْهَرِيّ وَأَبا الفوارس طراد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي لما قدم اصبهان وخلقا من أهل اصبهان وَلم يزل يسمع وَيقْرَأ إِلَى أَن توفّي حَتَّى سمع من أقرانه وَمِمَّنْ هُوَ دونه قَالَ ابْن النجار وَكَانَ حَافِظًا لحديثه ومشايخه صَدُوقًا متديناً صنف وَخرج التخاريج وروى الحَدِيث وَقدم بَغْدَاد فِي شَوَّال سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس ماية وَسمع مِنْهُ أَبُو الْفضل بن ناصرٍ وابو المعمر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْفَتْح عبد الْوَهَّاب الصَّابُونِي وَابْنه عبد الْخَالِق وَتُوفِّي سنة ثلث وثلثين وَخمْس ماية
الْحَافِظ الْحَنَفِيّ الْبَلْخِي مُحَمَّد بن شُجَاع أَبُو عبد الله الْبَلْخِي الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الْحَافِظ الْحَنَفِيّ أحد الْأَعْلَام الْكِبَار تفقه على الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي قَالَ ابْن عدي كَانَ يضع أَحَادِيث فِي التَّشْبِيه وينسبها إِلَى أَصْحَاب الحَدِيث يثلبهم بذلك وَكَانَ يَقُول بِالْوَقْفِ وَكَانَ متعبداً كثير التِّلَاوَة وَكَانَ يَقُول من كن الشَّافِعِي إِنَّمَا كَانَ يصحب بربراً الْمُغنِي وَلم يزل يَقُول هَذَا إِلَى أَن حَضرته الْوَفَاة فَقَالَ رحم الله أَبَا عبد الله الشَّافِعِي وَذكر علمه وَقَالَ رجعت عَمَّا كنت أَقُول فِيهِ وَمَات فِي ذِي الْحجَّة فِي صَلَاة الْعَصْر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وماتين(3/123)
زرقان المعتزلي مُحَمَّد بن شَدَّاد المسمعي المعتزلي الْمَعْرُوف بزرقان كَانَ آخر من حدث عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ البرقاين ضَعِيف جدا توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وماتين
شمس الدّين الحيالي مُحَمَّد بن شرشيق بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا رَاء سَاكِنة وشين ثَانِيَة مُعْجمَة وَبعدهَا يَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة وقاف ابْن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْقَادِر بن)
صَالح جنكي دوست بن يحيى الزَّاهِد بن مُحَمَّد ابْن دَاوُد بن مُوسَى بن عبد الله بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن المثني بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الشَّيْخ الإِمَام الْعَارِف الْكَامِل شمس الدّين أَبُو الْكَرم ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة حسام الدّين أبي الْفضل ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة جمال الدّين أبي عبد الله ابْن الشَّيْخ الإِمَام علم الزهاد شمس الدّين أبي الْمَعَالِي ابْن الشَّيْخ الإِمَام قطب العارفين محيي الدّين أبي مُحَمَّد الجيلي الحسني الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بالحيالي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَألف بعْدهَا لَام وَهِي بَلْدَة من أَعمال سنجار ولد لَيْلَة الْجُمُعَة منتصف شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين وست ماية بالحيال وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وثلثين وَسبع ماية وَدفن بالحيال فِي ترتيبهم عِنْد قبر أَبِيه وجده وأضر قبل مَوته بِنَحْوِ من سِتّ سِنِين وَلم يخلف بعده مثله حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم فِي صباه وتفقه للْإِمَام أَحْمد وَسمع الحَدِيث وَهُوَ كَبِير من جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام فَخر الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن البُخَارِيّ الْمَقْدِسِي بِدِمَشْق وَأَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن مُحَمَّد ابْن لنصيبي بحلب وَالْإِمَام عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن الزّجاج بِمَكَّة وَالْإِمَام عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن مزروع الْمصْرِيّ الْبَصْرِيّ بِالْمَدِينَةِ الشريف ورحل وَحدث بِبَغْدَاد ودمشق والحيال وَغَيرهَا من الْبِلَاد وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَوْلَاده الْمَشَايِخ حسام الدّين عبد الْعَزِيز وَبدر الدّين الْحسن وَعز الدّين الْحُسَيْن وظهير الدّين أَحْمد ومحدث الْعرَاق الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن عَليّ بن مَحْمُود الدقوقي الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام زين الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن شيخ العوينة الْموصِلِي الشَّافِعِي وَالْإِمَام بدر الدّين مُحَمَّد بن الْخَطِيب الإربلي الشَّافِعِي وَخلق وبيته بَيت رياسة وحشمة وسودد ومروءة وَالْخَيْر وَالْإِحْسَان مَعْرُوف بهم لم تمس يَده مُنْذُ نَشأ إِلَى أَن توفّي ذَهَبا وَلَا فضَّة وجوده مَشْهُور مَعْرُوف وَكَانَت لَهُ هَيْبَة فِي النُّفُوس وَعَلِيهِ وقار وَحُرْمَة فِي النُّفُوس وَله كشف وأحوال وَقيام بِعلم وَعمل وزهد وتقوى حسن الشكل مليح الْخلق والخلق وَله وجهة عِنْد الْمُلُوك وَهُوَ لَا يكترث بهم وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد ومحبة شَدِيدَة لمكارمه واصالته وديانته وَلم يزل بَيته إِلَى آخر وَقت يناصحون الْإِسْلَام ويكاتبون صَاحب مصر ونوابه بِالشَّام وَلما كُنَّا بالرحبة سنة تسع وثلثين وَسبع ماية أهديت إِلَيْهِ قماشاً إسكندرياً فأهدى إِلَيّ أَشْيَاء من طرايف سنجار وَلم تزل رسله تَتَرَدَّد إِلَيّ وأخدمهم رَحمَه الله تَعَالَى)(3/124)
3 - (ابْن شرِيف)
ابْن الوحيد الْكَاتِب مُحَمَّد بن شرِيف بن يُوسُف الْكَاتِب شرف الدّين ابْن الوحيد صَاحب الْخط الفايق وَالنّظم والنثر كَانَ تَامّ الشكل حسن البزة مَوْصُوفا بالشجاعة متكلماً بعدة ألسن يضْرب الْمثل بِحسن كِتَابَته توفّي سنة إِحْدَى عشرَة وَسبع ماية وَقد شاخ فِي شهر شعْبَان سَافر إِلَى الْعرَاق وَاجْتمعَ بياقوت المجود واتهم فِي دينه قيل أَنه وضع الْخمر فِي الدواة وَكتب بهَا الْمُصحف وَأَخُوهُ مدرس الباذرائية مِمَّن يحط عَلَيْهِ ويذكره بالسوء وَكَانَ قد اتَّصل بِخِدْمَة بيبرس الجاشنكير وَأَعْجَبهُ خطه فَكتب لَهُ ختمة فِي سَبْعَة أَجزَاء بلقية ذهبية قلم الْأَشْعَار ثلث كَبِير قطع الْبَغْدَادِيّ دخل فِيهَا جملَة من الذَّهَب أعطَاهُ لَهَا الجاشنكير برسم الليقة لَا غير ألفا وست ماية دِينَار أَو ألفا وَأَرْبع ماية دِينَار فَدخل الختمى سِتّ ماية دِينَار وَأخذ الْبَاقِي فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ مَتى يعود آخر مثل هَذَا يكْتب مثل هَذِه الختمة وزمكها صندل الْمَذْهَب رَأَيْتهَا فِي جَامع الْحَاكِم وَفِي ديوَان الْإِنْشَاء بقلعة الْجَبَل غير مرّة وَهِي وقف بحامع الْحَاكِم وَمَا أعتقد أَن أحدا يكْتب مثلهَا وَلَا مثل وَلَا مثل تزميكها فَإِنَّهُمَا كَانَا فردي زمانهما وَأخذ من الجاشنكير عَلَيْهَا جملَة من الْأُجْرَة وَدخل بِهِ ديوَان الْإِنْشَاء فَمَا أَنْجَب فِي الدِّيوَان وَكَانَت الْكتب الَّتِي تدفع إِلَيْهِ ليكتبها فِي أشغال النَّاس تبيت عِنْده وَمَا تتنجز وَهَذَا تعجيز من الله لمثل هَذَا الْكَاتِب الْعَظِيم فَإِنَّهُ كتب الأقلام السَّبْعَة طبقَة وَأما فصاح النّسخ والمحقق وَالريحَان فَمَا كتبه أحد أحسن مِنْهُ وَهُوَ شيخ خطيب بعلبك وَغَيره وَله رسايل كَثِيرَة وقصيدة سَمَّاهَا سرد اللَّام فِي معنى لامية الْعَجم ونظمه فِيهِ يبس قَلِيل وَأحسن مَا لَهُ نَا نظمه فِي تَفْضِيل الحشيشة على الْخمر
(وخضراء لَا الْحَمْرَاء تفعل فعلهَا ... لَهَا وثبات فِي الحشا وثبات)
(تؤجج نَارا فِي الحشا وَهِي جنَّة ... وتبدي مرير الطّعْم وَهِي نَبَات)
وَمَا قَالَه أَيْضا
(جهد الْمُغَفَّل فِي الزَّمَان مضيع ... وَإِن ارتضى أستاذه وزمانه)
(كالثور فِي الدولاب يسْعَى وَهُوَ لَا ... يدْرِي الطَّرِيق فَلَا يزَال مَكَانَهُ)
وَكَانَ نَاصِر الدّين شَافِع قد وقف على شَيْء من نظم شرف الدّين ابْن الوحيد فَقَالَ
(أرانا يراع ابْن الوحيد بدايغاً ... تشوق بِمَا قد أنهجته من الطّرق)
(بهَا فَاتَ كل النَّاس سبقاً فحبذا ... يَمِين لَهُ قد أحرزت قصب السَّبق)(3/125)
)
فَقَالَ ابْن الوحيد
(يَا شافعاً شفع الْعليا بِحِكْمَتِهِ ... فَسَاد من رَاح ذَا علم وَذَا حسب)
(بَانَتْ زِيَادَة خطي بِالسَّمَاعِ لَهُ ... وَكَانَ يحكيه فِي الأوضاع وَالنّسب)
(فَجَاءَنِي مِنْهُ مدح صِيغ من ذهب ... مرصعاً بل أَتَى أبهى من الذَّهَب)
(فكدت أنْشد لَوْلَا نور بَاطِنه ... أَنا الَّذِي نظر الْأَعْمَى إِلَى أدبي)
فَلَمَّا بلغت نَاصِر الدّين شافعاً هَذِه الأبيات قَالَ
(نعم نظرت وَلَكِن لم أجد أدباً ... يَا من غَدا وَاحِدًا فِي قلَّة الْأَدَب)
(جازيت مدحي وتقريظي بمعيرة ... وَالْعَيْب فِي الراس دون لعيب فِي الذَّنب)
(وزدت فِي الْفَخر حَتَّى قلت منتسباً ... بخطك الْيَابِس المرئي كالحطب)
(بَانَتْ زِيَادَة خطي بِالسَّمَاعِ لَهُ ... وَكَانَ يحكيه فِي الأوضاع وَالنّسب)
(كذبت وَالله لن أرضاه فِي عمري ... يَا ابْن الوحيد وَكم صنفت من كذب)
(جازيت دري وَقد نضدته كلما ... يروق سمع الورى درا بمتحلب)
(وَمَا فهمت مرادي فِي المديح وَلَو ... فهمته لم توجهه إِلَى الْأَدَب)
(سأتبع الْقَاف إِذْ جاوبت مفتخراً ... بالزاي يَا غافلاً عَن سُورَة الْغَضَب)
(خَالَفت وزني عَجزا والروي مَعًا ... وَذَاكَ أقبح مَا يرْوى عَن الْعَرَب)
قلت ابْن الوحيد مَعْذُور فِي الْعُدُول عَن الْوَزْن والقافية فَإِنَّهُ مَا كَانَ يجد فِي ذَلِك الْوَزْن والقافية مثل قَول أبي الطّيب أَنا الَّذِي نظر الْأَعْمَى إِلَى أدبي لِأَن نَاصِر الدّين شافعاً كَانَ قد عمي بِآخِرهِ رَحمَه الله كلا وَأرْسل ابْن الوحيد إِلَى السراج الْوراق وَقد مرض رقْعَة بِخَطِّهِ وَمَعَهَا أبلوجه سكر فَقَالَ السراج
(أرسل لي ابْن الوحيد لما ... مَرضت بالْأَمْس جَام سكر)
(ومدحة لي بِخَطِّهِ لي ... فَقلت ذَا سكر مُكَرر)
(حلى وحلى فمي وجيدي ... عقد شراب وَعقد جَوْهَر)
وَكَانَ الْوَاقِع عَظِيما بَينه وَبَين محيي الدّين ابْن الْبَغْدَادِيّ وَابْن الْبَغْدَادِيّ لَهُ عمل ذَلِك المنشور الَّذِي أقطعه فِيهِ قايم الهرمل وَأَبُو عروق وَمَا أشبه هَذِه الْأَمَاكِن وَلَقَد وقفت على كتاب خَواص)
الْحَيَوَان وَفِي بعضه ذكر الضبع من خَواص شعرهَا أَنه من تحمل بِشَيْء مِنْهُ حدث لَهُ الْبغاء(3/126)
وَقد كتب ابْن الْبَغْدَادِيّ على الْهَامِش أَخْبرنِي الثِّقَة شرف الدّين ابْن الوحيد الْكَاتِب أَنه جرب ذَلِك فصح مَعَه أَو كَمَا قَالَ
الإيلاقي الطَّبِيب مُحَمَّد بن شرِيف هُوَ السَّيِّد أَبُو عبد الله قَالَ ابْن أبي أصيبعة فِي تأريخ الْأَطِبَّاء فَاضل فِي نَفسه خَبِير بصناعة الطِّبّ والعلوم الْحكمِيَّة وَهُوَ من تلامذة الرئيس ابْن سينا والآخذين عَنهُ وَقد اختصر كتاب القانون وأجاد فِي تأليفه وَله كتاب الْأَسْبَاب والعلامات انْتهى كَلَام ابْن أبي أصبيعة
الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور الدِّمَشْقِي أحد عُلَمَاء الحَدِيث من وَالِي بني أُميَّة وروى عَنهُ الْأَرْبَعَة وثقة دُحَيْم وَقَالَ أَحْمد مَا أرى بِهِ بَأْسا وَكَانَ يُفْتِي فِي مجْلِس الْأَوْزَاعِيّ توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وماية وَقيل سنة مَا تبن ببيروت
وَالِد أبي بكر نحمد بن أبي شيبَة الْعَبْسِي وَالِد أبي بكر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وماية
القاهر صَاحب حمص مُحَمَّد بن شيركوه بن شادي بن مَرْوَان الْملك القاهر نَاصِر الدّين ابْن الْملك أَسد الدّين صَاحب حمص وَابْن عَم صَلَاح الدّين توفّي بحمص سوم عَرَفَة فِي الوقفة سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وخمسماسة بِمَرَض حاد مزعج وَملك حمص بعده وَلَده أَسد الدّين شيركوه فطالت أَيَّامه ونقلت القاهر زَوجته بنت عَمه سِتّ الشَّام بنت أَيُّوب إِلَى تربَتهَا بمدرستها الشامية ظَاهر دمشق ودفنته عِنْد أَخِيهَا شمس الدولة توران شاه وَكَانَ القاهر مَوْصُوفا بالشجاعة الْإِقْدَام لَهُ نفس أبيَّة قَالَ ابْن وَاصل شرب خمرًا كثيرا فَأصْبح مَيتا(3/127)
3 - (ابْن صَالح)
مُحَمَّد بن صَالح التمار وثقة أَبُو دَاوُد وَغَيره وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِالْقَوِيّ وروى لَهُ الْأَرْبَعَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وماية وروى هُوَ عَن الْقسم بن مُحَمَّد وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَابْن شهَاب وَرَأى سعيد بن الْمسيب وروى عَنهُ الْوَاقِدِيّ وَعبد الله بن نَافِع الصايغ وخَالِد بن مخلد والقعنبي وَغَيرهم
الْعلوِي مُحَمَّد بن صَالح بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يكنى أَبَا عبد الله حمله المتَوَكل من الْبَادِيَة فِي الْحجاز سنة أَرْبَعِينَ وماتين فِيمَن طلب من آل أبي طَالب فحبس ثلث سِنِين ثمَّ أطلق فَأَقَامَ بسر من رأى ثمَّ عَاد إِلَى الْحجاز وَكَانَ راوية أديباً شَاعِرًا وَسَيَأْتِي ذكر جمَاعَة من بَيته كل مِنْهُم فِي مَكَانَهُ وَهُوَ القايل
(رموني وغياها بشنعاء هم بهَا ... أَحَق أدال الله مِنْهُم فعجلا)
(لأمر تَرَكْنَاهُ وَحقّ مُحَمَّد ... عناناً فإمَّا عفة أَو تجملا)
والقايل
(أما وَأبي الدَّهْر الَّذِي جَار إِنَّنِي ... على مَا بدا من مثله لصليب)
(معي حسبي لم أرز مِنْهُ رزية ... وَلم تبد لي يَوْم الْحفاظ عُيُوب)
وَهُوَ القايل فِي امْرَأَته
(لَو أَن المنايا تشتري لاشتريتها ... لأم الحميد بالغلاء على عمد)
(وَمَا ذَاك عَن بغض وَلَا عَن ملالة ... وَلَا أَن يكون مثلهَا أحد عِنْدِي)
(وَلَكِن أَخَاف أَن تعيش بغبطة ... وَقد مت أَن يحظى بهَا أحد بعدِي)
وَمن قَوْله وَقد أَرَادَ سفرا
(لقد جعلُوا السِّيَاط لَهَا شعاراً ... وداعوا بالأزمة والبرين)(3/128)
(فَقلت وَمَا ملكت مفيض دمعي ... على خدي كالوشل الْمعِين)
(أأضربهن كي يبعدن عَنْهَا ... أشل الله يَوْمئِذٍ يَمِيني)
والقايل فِي الْحَبْس من أَبْيَات
(وبدا لَهُم من بعد اندمل الْهوى ... برق تألق موهناً لمعانه)
)
(يَبْدُو كحاشية الرِّدَاء ودونه ... صَعب الذرى متمنع أَرْكَانه)
(فَدَنَا لينْظر أَيْن لَاحَ فَلم يطق ... نظرا إِلَيْهِ وصده سجانه)
(فَالنَّار مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ ضلوعه ... وَالْمَاء مَا سمحت بِهِ أجفانه)
(وبدا لَهُ االذي قد ناله ... مَا كَانَ قدره لَهُ ديانه)
(حَتَّى اكمأن ضَمِيره وكأنما ... هتك العلايق عَامل وسنانه)
توفّي سنة خمس وَخمسين وماتين أَو سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين
ابْن بيهس الْقَيْسِي مُحَمَّد بن صَالح بن بيهس بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْهَاء سين مُهْملَة الْقَيْسِي الْكلابِي أَمِير عرب الشَّام وَفَارِس قيس وزعيمها وشاعرها والمقاوم للسفياني أبي العميطر الَّذِي خرج بِدِمَشْق ولاه الْمَأْمُون إمرة دمشق توفّي سنة عشر وماتين أَو مَا قبلهَا وَمن شعره
(منعت بني أُميَّة مَا أَرَادَت ... وَقد كَانَت تسمت بالخلافة)
(أبدتهم من الشامات قتلا ... وَلم يَك لي بهم فِي ذَاك رافه)
(أناضلهم عَن الْمَأْمُون إِنِّي ... على من خَالف الْمَأْمُون آفه)
قَاضِي بَغْدَاد الْمَالِكِي ابْن أم شَيبَان مُحَمَّد بن صَالح بن عَليّ ابْن يحيى بن عبد الله بن عِيسَى يَنْتَهِي إِلَى الْعَبَّاس الْهَاشِمِي الْكُوفِي الأَصْل الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن أم شَيبَان قَاضِي بَغْدَاد سمع وروى وَهُوَ رجل عَظِيم الْقدر وَاسع الْعلم كثير الطّلب حسن التصنيف ينظر فِي فنون متوسط فِي مَذْهَب مَالك وَهُوَ صَدُوق توفّي فجاءة لليلة من جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسِتِّينَ وَثلث ماية وَكَانَ من خِيَار الْقُضَاة قَالَ الْخَطِيب لَا أعلم قَاضِيا تقلد الْقَضَاء بِمَدِينَة السَّلَام من بني هَاشم غَيره
تَاج الدّين التنوخي مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن عَليّ تَاج الدّين أَبُو عبد الله التنوخي الْفَقِيه الشَّافِعِي سمع بِدِمَشْق ابْن طبرزد والكندي وَابْن الحرستاني وَولي(3/129)
نظر الاسكندرية وَجَمِيع أمورها من الأحباس والمساجد والجوامع والمدارس وَحدث بالثغر وَكَانَ ذَا سيرة مرضية وَولد بالمحلة من الديار المصرية سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس ماية وَتُوفِّي بالثغر سنة تسع وَخمسين وست ماية من شعره
(سَلام على ذَاك الْمقر فَإِنَّهُ ... مقرّ نعيمي وَهُوَ روحي وراحتي)
)
(فَإِن تسمح الْأَيَّام مني بنظرة ... إِلَيْهِ فقد أُوتيت سؤلي ومنيتي)
وَمِنْه
(أَقُول لمن يلوم على انقطاعي ... وإيثاري مُلَازمَة الزوايا)
(أأطمع أَن تجدّد لي حَيَاة ... وَقد جَاوَزت معترك المنايا)
وَمِنْه
(أَصبَحت من أسعد البرايا ... فِي نعْمَة الله بالقناعه)
(مَعَ بلغَة من كفاف عَيْش ... وخدمة الْعلم كل ساعه)
(طلقت دنياكم ثَلَاثًا ... بِلَا رُجُوع وَلَا شناعه)
(وأرتجي من ثَوَاب رَبِّي ... حشري مَعَ صَاحب الشفاعه)
ابْن الْبناء القفطي مُحَمَّد بن صَالح بن حسن شمس الدّين ابْن الْبناء القفطي الشَّافِعِي كَانَ فَقِيها أديباً شَاعِرًا أَخذ الْفِقْه وَالْأُصُول عَن الشَّيْخ مجد الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وتلميذه بهاء الدّين القفطي وَتَوَلَّى الحكم بسمهود والبلينا وجرجا وطوخ وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد يُكرمهُ وَتوجه صحبته إِلَى دمشق وَسمع مِنْهُ قَالَ ابْن الواني وَقد سمع مَه بقوص وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وست ماية
القفطي العامري مُحَمَّد بن صَالح بن عمرَان القفطي العامري لَهُ أدب ونظم كتب عَنهُ أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان الريحاني فِي سنة تسع وَسِتِّينَ ماية وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(لي صَاحب صاحبته ... أخْشَى مرَارَة كَيده)
(أنسي بِهِ مهما بدا ... أنس الْأَسير بقيده)
الدولابي الْبَزَّاز مُحَمَّد بن الصَّباح أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ الدولابي الْبَزَّاز وَهُوَ(3/130)
صَاحب كتاب السّنَن روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَنهُ بِوَاسِطَة وَجَمَاعَة وَحدث عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَكَانَ يعظمه مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وماتين
الجرجائي مُحَمَّد بن الصَّباح الجرجرائي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة توفّي سنة أَرْبَعِينَ وماتين
مُحَمَّد بن صبيح أَبُو الْعَبَّاس ابْن السماك الْعجلِيّ مَوْلَاهُم الْكُوفِي الْوَاعِظ الواهد أحد الْأَعْيَان)
سمع هِشَام بن عُرْوَة وَسليمَان الْأَعْمَش وَيزِيد بن أبي زِيَاد وَنَحْوهم كَانَ صَدُوقًا لَهُ مقَام وعظ بَين يَدي هرون الرشيد توفّي سنة ثلث وَثَمَانِينَ وماية يُقَال إِنَّه كَانَ لَا يعرف الفرايض فَألْقى إِلَيْهِ رقْعَة وَهُوَ على الْمِنْبَر فِيهَا مَسْأَلَة فرايض فَلَمَّا فضها وَرَأى مَا فِيهَا رَمَاهَا من يَده وَقَالَ نَحن نتكلم عَن مَذْهَب أَقوام إِذا مَاتُوا لم يخلفوا ميراثاُ وَلَا مَوْجُودا
مُحَمَّد بن صبيح بدر الدّين رَئِيس المؤذنين بِجَامِع بني أُميَّة توفّي سنة خمس وَعشْرين وَسبع ماية(3/131)
3 - (ابْن صَدَقَة)
البو شنجي الْكَاتِب الشَّاعِر مُحَمَّد بن صَدَقَة بن مُحَمَّد أَبُو المحاسن البوشنجي الْكَاتِب الأديب لَهُ شعر بِالْعَرَبِيَّةِ والعجمية وزر لأمير وَاسِط وَلغيره وَكَانَ وَالِده من كبار الْكتاب وَكَانَ هُوَ يلبس القميس والشربوش على قَاعِدَة الْعَجم توفّي سنة ثلث وَتِسْعين وَخمْس ماية قَالَ يرثي أزدق بن قماح
(سقى الله أَرضًا ضم أزدق عارضاً ... شآبيه منهلة كنواله)
(فوَاللَّه لَا جاد الزَّمَان بِمثلِهِ ... وَلَا بَرحت عين العلى عَن خياله)
وَقَالَ
(بتنا وشعارنا التقى وَالْكَرم ... والشمل بِسَاحَة اللقا ملتئم)
(نشكو ونبث مَا جناه الْأَلَم ... حَتَّى يسم الصُّبْح ولاح الْعلم)
وَقَالَ
(وَلما دَعَاني نحوكم حافز الْهوى ... ونازعني وجد وغالبني ذكر)
(وجدد يأسي حِين صبري عدمته ... وطوح بِي التذْكَار والشوق والفكر)
(تطفلت والتطفيل عذر ذَوي النهى ... على مثلكُمْ مِمَّا يَقُول بِهِ الْعذر)
وَقَالَ
(أَبَا حسن هَل جَازَ فِي الْحبّ قبلهَا ... لمستسلم من أَن يطاح لَهُ دم)
(يُقَاد على غير الرِّضَا وَهُوَ مُسلم ... فَيلقى إِلَى كف العدى وَهُوَ مُسلم)
قلت شعر متوسط
الخافجي الشَّاعِر مُحَمَّد بن صَدَقَة بن السبتي أَبُو عَليّ الخطاط الْمَعْرُوف بالخفاجي الشَّاعِر)
مدح النَّاصِر لدين الله وَغَيره وعاش إِحْدَى وَخمسين سنة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست ماية وَمن شعره
(ضعف الشقي بكم لقُوَّة دايه ... وأذله فِي الْحبّ عز دوايه)(3/132)
(أضحى يعالج دون رملي عالج ... حرقاً من الأحشاء حَشْو حشايه)
(لم يقْض من دُنْيَاهُ بعض دُيُونه ... وغرامه فِي العذل من غرمايه)
(لم أنسه إِذْ زار زوراً والدجى ... متلفت وَالصُّبْح من رقبايه)
(رشأ إِذا حاولت مِنْهُ نظرة ... ودع فُؤَادك قبل يَوْم لقايه)
(قسم الزَّمَان على الْبَريَّة حبه ... شطرين بَين رِجَاله ونسايه)
(لما أماط الْحسن عَنهُ لثامه ... ألْقى عَلَيْهِ الصون فضل ردايه)
وَمِنْه أَيْضا
(أتحسب أَيهَا الْحبّ الملول ... بِأَن هَوَاك غَيره العذول)
(وتزعم أَن قلبِي عَنْك يسلو ... وحقك إِن ذَلِك مُسْتَحِيل)
(وَكَيف يرى سلواً عَنْك صب ... قبيحك عِنْده حسن جميل)
(رويدك إِن حبك فِي فُؤَادِي ... تَزُول الراسيات وَلَا يَزُول)
(أَلا من مبلغ عني سليمي ... سَلاما خانني فِيهِ الرَّسُول)
(وَمَا أدّى أَمَانَته لعمري ... وَقَالَ لِسَانه مَالا أَقُول)
قلت هُوَ شعر مَقْبُول متوسط
عز الدولة أَبُو المكارم مُحَمَّد بن صَدَقَة بن دبيس أَبُو المكارم عز الدولة كَانَ شجاعاً ذكياً جواداً لما خرض كَانَ أَبوهُ سيف الدولة جَالِسا عِنْده فَأتى بديوان ابْن نباتة السَّعْدِيّ فَأخذ مُحَمَّد الدِّيوَان وفتحه فطلع مَا صورته وَقَالَ يعزي سيف الدولة فِي ابْنه أبي المكارم مُحَمَّد فَأخذ بعض الْجَمَاعَة الدِّيوَان من يَده وفتحه ثَانِيًا فَخرج ذَلِك الشّعْر الَّذِي قَالَه ابْن نباتة من قصيدة
(فَإِن بميا فرقين حفيرة ... تركنَا عَلَيْهَا نَاظر الْجُود داميا)
(وحاشاك سيف الدولة الْيَوْم أَن ترى ... من الصَّبْر خلوا أَو إِلَى الْحزن طاميا)
(وَلما أعدنا الصَّبْر بعد مُحَمَّد ... أَتَيْنَا أَبَاهُ نستفيد التعازيا)
فَمَاتَ بعد يَوْمَيْنِ وَجلسَ الْوَزير عميد الدولة فِي دَاره للعزاء ثَلَاثَة أَيَّام وَخرج لَهُ قايماً وبعص)
الْخَلِيفَة قَاضِي الْقُضَاة أَبَا الْحسن ابْن الدَّامغَانِي إِلَى حلَّة سيف الدولة رِسَالَة من الْخَلِيفَة يعزيه وَكَانَت وَفَاة مُحَمَّد الْمَذْكُور سنة ثلث وَتِسْعين وَأَرْبع ماية(3/133)
مُحَمَّد بن صَدَقَة الْمرَادِي الاطرابلسي من اطرابلس الغرب قَالَ الزبيدِيّ كَانَ عَالما باللغة شَاعِرًا متقعراً فِي كَلَامه جدا دخل يَوْمًا على أبي الْأَغْلَب ابْن أبي الْعَبَّاس بن إِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب فَتكلم وَأغْرب حَتَّى جَاوز الْحَد فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأَغْلَب أَكَانَ أَبوك يتَكَلَّم بِمثل هَذَا الْكَلَام فَقَالَ نعم أعز الله الْأَمِير وأميه يُرِيد وَأمي أَيْضا فَقَالَ الْأَمِير وَمَا يُنكر أَن الله يخرج بغيضاً من بغيضين
قَاضِي بلش مُحَمَّد بن الصَّقْر أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ كَانَ الْمَذْكُور قَاضِيا بحصن بلش رَأَيْته بهَا وَقد أجازني بِخَطِّهِ كَانَ لَهُ نظم وَكَانَ شَيخا سَاكِنا عَاقِلا لم يزل قَاضِيا ببلش السنين الطَّوِيلَة إِلَى أَن توفّي بهَا أَنْشدني أَبُو الْقسم لنَفسِهِ
(إِذا وصفوا حسن اللمى واختطاطه ... وَقَالُوا كَمثل الصَّاد من خطّ كَاتب)
(أَقُول لَهُم ضاد لَهَا الْخَال نقطة ... فَأَصدق تَشْبِيها وَلست بكاذب)
التوزي مُحَمَّد بن الصَّلْت أَبُو سعلي التوزي بِالتَّاءِ المثناه من تَحت وَبعد الْوَاو الْمُشَدّدَة زَاي وَهِي مَدِينَة توج من فَارس روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى النَّسَائِيّ عَن رجلٍ عَنهُ كَانَ يملي من حفظه التَّفْسِير وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وماتين
الْأَسدي مُحَمَّد بن الصَّلْت بن الْحجَّاج الْأَسدي روى عَنهُ البُخَارِيّ وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن رجل عَنهُ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وماتين
مُحَمَّد بن الضَّحَّاك بن عُثْمَان الحرامي الْمدنِي هُوَ القايل
(قل للَّذين تباشروا بنعيه ... صَبر على الرجل المحق قَلِيل)
(مَا مَاتَ حَتَّى لم يدع ذحلاً لَهُ ... وَعَلِيهِ من ترة الرِّجَال ذحول)(3/134)
الْمَكِّيّ العابد مُحَمَّد بن طَارق الْمَكِّيّ من الطَّبَقَة الثَّالِثَة كَانَ زاهداً عابداً ورعاً قَالَ مُحَمَّد بن فضل رَأَيْته فِي الطّواف وَقد انفرج لَهُ الطّواف فحزر طَوَافه فِي اللَّيْلَة وَالْيَوْم فَكَانَ عشرَة فراسخ وَبِه ضرب الْمثل ابْن شبْرمَة فَقَالَ
(لَو شِئْت كنت ككرز فِي تعبده ... أَو كَابْن طَارق حول الْبَيْت فِي الْحرم)
(قد حَال دون لذيذ الْعَيْش خوفهما ... وسارعا فِي طلاب الْفَوْز وَالْكَرم)
)
كَانَ ابْن طَارق يطوف فِي كل يَوْم وَلَيْلَة ثلث مَرَّات وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَو اكْتفى أحد بسف التُّرَاب كفى ابْن طَارق كف من تُرَاب(3/135)
3 - (ابْن طَالب)
الملقي الْكَاتِب مُحَمَّد بن طَالب الْكَاتِب من أهل مالقة كتب لواليها أبي عَامر بن حسون صَادف جمعا من الْعَرَب فِي بعض متوجهاته فَقَتَلُوهُ أورد لَهُ ابْن الْآبَاء يرثي أَبَا الْقسم بن نصير
(أنصبر أم عَن سماح وجود ... نصير إِلَى عدم من وجود)
(لقد عدل الْمَوْت بَين الورى ... فأودى بسيدهم والمسود)
(فَفِيمَ العويل وَعم السلو ... وَمَا للهديل وَمَا للنشيد)
(وَأَيْنَ الغواني وَأَيْنَ الصريع ... وَمَا شَأْن صَخْر وَبنت الشريد)
(وَكَيف يسيغ لذيذ الْورْد ... من الْمَوْت مِنْهُ كحبل الوريد)
مِنْهَا
(لبيت العلى كَانَ حرف الروي ... وَمن كلم الْفَخر بَيت القصيد)
(دَعَا نعيه بشتات النظام ... وشوب الصفاء وشيب الْوَلِيد)
(فيا أَرض صونيه شحا بِهِ ... فَمَا الْقَصْد افراد ذَاك الفريد)
(وَلَوْلَا الْأَمَانَة مَا أودعت ... سريرة معنى العلى فِي الصَّعِيد)
(طواه الضَّمِير كطي السّجل ... ونشره الدمع نشر البرود)
(عَشِيَّة طفنا بِهِ راكعين ... نقبل مِنْهُ مَكَان السُّجُود)
شيخ الربوة مُحَمَّد ابْن أبي طَالب الْأنْصَارِيّ الصُّوفِي شمس الدّين الْمَعْرُوف بشيخ حطين أَولا ثمَّ بشيخ الربوة آخرا رَأَيْته بصفد مَرَّات وَاجْتمعت بِهِ مُدَّة مديدة وَكَانَ من أذكياء الْعَالم لَهُ قدرَة على الدُّخُول فِي كل علم وجرأة على التصنيف فِي كل فن رَأَيْت لَهُ عدَّة تصانيف حَتَّى فِي الْأَطْعِمَة وَفِي أصُول الدّين على غير طَرِيق اعتزال وَلَا أشاعرة وَلَا حشوية لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ علم وَإِنَّمَا كَانَ ذكياً فيوماً أَجِدهُ وَهُوَ يرى رَأْي الْحُكَمَاء وَيَوْما أرَاهُ يرى رَأْي الأشاعرة يَوْمًا أرَاهُ يرى رَأْي الاعتزال وَيَوْما أرَاهُ يرى الحشوية وَيَوْما أرَاهُ يرى رَأْي ابْن سبعين وينحو طَرِيقه(3/136)
وَكَانَ يتَكَلَّم عَن الأوفاق ويضعها وَيتَكَلَّم على أسرار الْحُرُوف وَيعرف الرمل جيدا وَله)
فِي كل شَيْء يتَكَلَّم فِيهِ تصنيف وَكَانَ لَهُ نظم لَيْسَ بطايل وَكَانَ رُبمَا عرض عَليّ القصيدة وَطلب مني تنقيحها فأغير مِنْهَا كثيرا وَكَانَ يتلكم فِي علم الكيمياء وَيَدعِي فِيهَا أَشْيَاء وَالظَّاهِر أَنه كَانَ يعرف مَا يخدع بِهِ الْعُقُول ويلعب بألباب الأغمار وَلَقَد توصل إِلَى أَن طلبه الأفرم نايب دمشق ونفق عَلَيْهِ وَدخل مَعَه فِي أَشْيَاء وأوهمه مِنْهَا أموراً فولاه مشيخه الربوة وَهُوَ شيخ النَّجْم الحطيني الَّذِي سمره السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أوايل قدومه من الكرك فِي الْمرة الثَّالِثَة بِالْقَاهِرَةِ وجهزه مسمراً على جمل إِلَى دمشق لِأَن النَّجْم هَذَا كَانَ شَيْطَانا جرئاً قَاتل النَّفس لعب بعقل جولجين جمدار السُّلْطَان واتصل بِهِ بِدِمَشْق لما كَانَ السُّلْطَان بهَا وَأرَاهُ ملحمة عتقهَا وَذكر فِيهَا اسْمه وَاسم أَبِيه وَأمه وَذكر شامات فِي جِسْمه وآثاراً توصل إِلَى مَعْرفَتهَا من غَيره وَقَالَ لَهُ أَنْت تملك فَاطلع السُّلْطَان بعد مُدَّة فَقتل جولجين وَمن كَانَ يحادثه فِي ذَلِك وجهز أَخذ النَّجْم من قَرْيَة حطين وسمره وَكَانَ هَذَا النَّجْم يخْدم لشيخ شمس الدّين الْمَذْكُور لما كَانَ شيخ خانقاه حطين بِبِلَاد صفد فورد عَلَيْهِم إِنْسَان أضافوه وَأَرَادَ السّفر فِي الليلي وَعلم النَّجْم أَن مَعَه ذَهَبا فَاتبعهُ وَقَتله فبلغت الْقَضِيَّة الْأَمِير سيف الدّين كراي نايت صفد إِذْ ذَاك وأحضر الشَّيْخ وَقَتله فبلغت الْقَضِيَّة الْأَمِير سيف الدّين كراي نايب صفد إِذْ ذَاك وأحضر الشَّيْخ شمس الدّين الْمَذْكُور وضربه على مَا قيل لي ألف مقرعة وعوقب ثمَّ أفرج عَنهُ وَلِهَذَا شمس الدّين الْمَذْكُور وضربه على مَا قيل لي ألف مقرعة وعوقب ثمَّ أفرج عَنهُ وَلِهَذَا شمس الدّين الْمَذْكُور كتاب حسن فِي الفراسة جمع فِيهِ كَلَام الشَّافِعِي ابْن عَرَبِيّ وَكَلَام صَاحب المنصوري وَكَلَام أفلاطون وَكَلَام أرسطو فجَاء حسنا رَآهُ جمَاعَة من الْفُضَلَاء فَأَعْجَبَهُمْ وكتبوه مِنْهُم الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْأَكْفَانِيِّ وَغَيره وتناولته مِنْهُ سنة أَربع وَعشْرين وَسبع ماية بعد مَا كتبته بخطي وَكَانَ فكه المحاضرة حُلْو المنادرة يتوقد ذكاء ولحقه صمم قوي قبل مَوته بِعشر سِنِين وَأكْثر من ذَلِك وأضر بِآخِرهِ من عينه الْوَاحِدَة وَتُوفِّي فِي بيمارستان الْأَمِير سيف الدّين تنكز بصفد فِي سنة خمس وَعشْرين فِيمَا أَظن(3/137)
3 - (ابْن طَاهِر)
أَمِير خُرَاسَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر الخواعي ولى أمرة خُرَاسَان بعد وَالِده إِلَى أَن خرج عَلَيْهِ يَعْقُوب بن اللَّيْث الصفار فحار بِهِ وظفر بِهِ يَعْقُوب وَبَقِي عِنْده فِي الْأسر ثمَّ نجا مُحَمَّد بن طَاهِر وَلم يزل خاملاً بِبَغْدَاد إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وماتين وَهُوَ أَمِير ابْن أَمِير ابْن أَمِير ابْن أَمِير سمع من اسحق بن رَاهَوَيْه وَغَيره وروى عَنهُ أَحْمد بن حَاتِم الْمروزِي
أَبُو سُلَيْمَان المنطقي مُحَمَّد بن طَاهِر بن بهْرَام السجسْتانِي أَبُو سُلَيْمَان المنطقي كَانَ فَاضلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة متقناً لَهَا مطلعاً على دقايقها وَاجْتمعَ بِيَحْيَى بن عدي وَأخذ عَنهُ وَله شعر مِنْهُ
(لَا تحسدن على تظاهر نعْمَة ... شخصا تبيت لَهُ الْمنون بِمَرْصَد)
(أَو لَيْسَ بعد بُلُوغه آماله ... يُفْضِي إِلَى عدم كَأَن لم يُوجد)
(لَو كنت أحسد مَا تجَاوز خاطري ... حسد النُّجُوم على بَقَاء السرمد)
وَمِنْه
(الْجُوع يدْفع بالرغيف الْيَابِس ... فعلام أَكثر حسرتي ووساوسي)
(وَالْمَوْت أنصف حِين سَاوَى حكمه ... بَين الْخَلِيفَة وَالْفَقِير البايس)
وَمِنْه
(لَذَّة الْعَيْش فِي بهيمية الل ... ذة لَا مَا يَقُوله الفلسفي)
(حكم كأس الْمنون أَن يتساوى ... فِي حساها الغبي والألمعي)
(وَيحل البليد تَحت ثرى الأر ... ض كَمَا حل تحتهَا اللوذعي)
(أصبحا رمى تزايل عَنْهَا ... فصلها الْجَوْهَرِي والعرضي)
الأبيات الْمَذْكُورَة فِي تَرْجَمَة الفارابي مُحَمَّد بن مُحَمَّد وَله مقَالَة فِي مَرَاتِب قوى الْإِنْسَان وَكَلَام فِي الْمنطق مسايل عدَّة سُئِلَ عَنْهَا تعاليق حكمِيَّة وملح ونوادر مقَالَة فِي الإجرام العلوية أَن طبيعتها طبيعة خَامِسَة وَأَنَّهَا ذَوَات أنفس وَأَن النَّفس الَّتِي لَهَا هِيَ النَّفس الناطقة(3/138)
ابْن القيسراني الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر بن عَليّ بن أَحْمد الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْمَقْدِسِي وَيعرف فِي وقته بِابْن القيسراني الشَّيْبَانِيّ لَهُ الرحلة لواسعة سمع بِبَلَدِهِ من نصر الْمَقْدِسِي وَابْن وَرْقَاء وَجَمَاعَة وَدخل بَغْدَاد سنة سبع وَسِتِّينَ وَسمع من ابْن الصريفيني وَابْن النقور وطبتقهما)
وَحج وجاور وَسمع من أبي عَليّ الشَّافِعِي وَسعد الزنجاني وَهياج الحطيني وَسمع بِمصْر من أبي إِسْحَق الحبال وبالاسكندرية من الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الصفراوي وبتنيس من عَليّ بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحداد وَحَدِيثه من أَعلَى مَا وَقع لَهُ فِي الرحلة وَسمع بِدِمَشْق من أبي الْقسم ابْن أبي الْعَلَاء الْفَقِيه وبحلب من الْحسن بن مكي الشيزري وبالجزيرة العمرية من أبي أَحْمد عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد اليمني وبالرحبة من الْحُسَيْن بن سعدون وبصور من القَاضِي عَليّ بن مُحَمَّد بن عبيد الله الْهَاشِمِي وباصبهان من عبد الْوَهَّاب بن مندة وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْقفال وباجلمة فروى عَن كبار فِي ساير الْبِلَاد توفّي سنة سبع وَخمْس ماية قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة سنف كتابا سَمَّاهُ صفوة التصوف يضْحك مِنْهُ من رَآهُ ويعجب من استشهاداته بالأحاديث الَّتِي لَا تناسب وَكَانَ داودي فَمن أثنى عَلَيْهِ فلحفظه الحَدِيث وَإِلَّا باحة وَذكره الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق فأساء الثَّنَاء عَلَيْهِ جدا وَنسبه إِلَى أَشْيَاء وَكَذَلِكَ الْحَافِظ اسماعيل بن أَحْمد الطلحين كَانَ سيء الرَّأْي فِيهِ وَقَالَ أَبُو المعمر ابْن أَحْمد الْأنْصَارِيّ أَنْشدني لنَفسِهِ
(دع التصوف والزهد الَّذِي اشتغلت ... بِهِ جوارح أَقوام من النَّاس)
(وعج على دير دارياً فَإِن بِهِ الر ... هبان مَا بَين قسيس وشمال)
(واشرب مُعتقة من كف كَافِرَة ... تسقيك خمرين من لحظ وَمن كاس)
(ثمَّ اسْتمع رنة الأوتار من رشا ... مهفهف طرفه أمضى من الماس)
(غنى بِشعر امرء فِي النَّاس مشتهر ... مدون عِنْدهم فِي صدر قرطاس)
(لَوْلَا نسيم بذكراكم يروحني ... لَكُنْت محترقاً من حر أنفاسي)
وَقَالَ أَيْضا
(خلعت العذار بِلَا منَّة ... على من خلعت عَلَيْهِ العذار)(3/139)
(وأصبحت حيران لَا أرتجي ... جنَانًا وَلَا أتقي فِيهِ نَارا)
وَقَالَ ابْن عَسَاكِر سَمِعت أَبَا الْعَلَاء الْحسن بن أَحْمد الهمذاني يَقُول ابتلى مُحَمَّد بن طَاهِر بهوى امْرَأَة من أهل الرسداق وَكَانَت تسكن قَرْيَة على سِتَّة فراسخ من خمذان وَكَانَ كل يَوْم يذهب إِلَى قريتها فيراها تغزل فِي ضوء السراج ثمَّ يرجع إِلَى همذان فَكَانَ يمشي كل يَوْم اثْنَي عشر فرسخاً وَلما احْتضرَ كَانَ يردد هَذَا الْبَيْت)
(وَمَا كُنْتُم تعرفُون الجفا ... فَمِمَّنْ ترى قد تعلمتم)
أَبُو عَليّ الْحَنَفِيّ القَاضِي مُحَمَّد بن طَاهِر بن مُحَمَّد الْخَوَارِزْمِيّ أَبُو عَليّ من أهل بَاب الطاق الْبَغْدَادِيّ أحد أَصْحَاب أبي حنيفَة ولي الْقَضَاء بِبَاب الطاق وَولي قَضَاء وَاسِط وَعَاد إِلَى بَغْدَاد سمع من أبي الْقسم عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد الرزاز وَالْقَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبدِ الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأبي وهب مُنَبّه بن مُحَمَّد الْوَاعِظ وَغَيرهم وَحدث بواسط قَالَ ابْن النجار سمع مِنْهُ شُيُوخنَا القاضيان أَبُو الْفَتْح ابْن الماندائي وَأَبُو عَليّ يحيى بن الرّبيع بن سُلَيْمَان وَأَبُو المظفر وَأَبُو الْمَعَالِي ابْنا نغوبا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس ماية
ابْن طَاهِر الْأنمَاطِي مُحَمَّد بن طَاهِر الْأنمَاطِي أَبُو الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن القياء قَالَ ابْن النجار سمع الْكثير وَقَرَأَ بِنَفسِهِ على أبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيره وَحدث عَن أَحْمد بن جَعْفَر بن مُسلم الْخُتلِي وَالْقَاضِي أبي الْفرج الْمعَافي بن زَكَرِيَّاء النهرواني وروى عَنهُ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن الْمهْدي الْخَطِيب فِي مشيخته وَتُوفِّي سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبع ماية
مُحَمَّد بن طَاهِر بن عَليّ بن عِيسَى أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الداني الأندلسي النَّحْوِيّ ذكره الْحَافِظ أَبُو الْقسم وَقَالَ قدم دمشق سنة أَربع وخسم ماية وَأقَام بهَا مُدَّة وَكَانَ يقرئ النَّحْو وَكَانَ شَدِيد الوسواس فِي الْوضُوء بَلغنِي أَنه كَانَ لَا يسْتَعْمل من مَاء نهر ثوراء مَا يخرج من تَحت الربوة لأجل السِّقَايَة الَّتِي تَحت الربوة وَبَلغنِي أَنه كَانَ يبْقى أَيَّامًا لَا يُصَلِّي لِأَنَّهُ لم يتهيأ لَهُ الْوضُوء على الْوَجْه الَّذِي يريدهن ورأيته صَغِيرا وَلم أسمع مِنْهُ شَيْئا وَخرج إِلَى بَغْدَاد وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة تسع عشرَة وَخمْس ماية
نقيب النُّقَبَاء ابْن طراد مُحَمَّد بن طراد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإِمَام بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس أَبُو الْحسن ابْن أبي الفوارس ولي النقابة على الهاشميين(3/140)
وَسمع الحَدِيث من أَبِيه وَعَمه أبي نصر مُحَمَّد بن عَليّ وأبوي الْقسم عَليّ بن أَحْمد بن البسري واسمعيل بن مسْعدَة الأسمعيلي الْجِرْجَانِيّ توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخمْس ماية
ابْن بجكم التركي مُحَمَّد بن طرخان بن يلتكين بن بجكم التركي أَبُو بكر قَرَأَ الْفِقْه على أبي اسحق الشِّيرَازِيّ والفرايض على أبي حَكِيم الخبري وَالْكَلَام على أبي عبد الله القيرواني)
وَسمع الحَدِيث من أبي جَعْفَر ابْن الْمسلمَة وَالْقَاضِي أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ بن المُهتدي بِاللَّه وَأبي الغنايم عبد الصَّمد بن عَليّ المأموني وَأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن النقور وَأبي مُحَمَّد عبد الله الصريفيني وَأبي الْقسم عبد الْعَزِيز الْأنمَاطِي وَخلق كثير وَقَرَأَ على أبي عبد الله الْحميدِي كثيراُ وعَلى جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين وَسمع من أبي نصر عَليّ بن هبة الله بن مَاكُولَا كِتَابه فِي المؤتلف والمختلف وَرَوَاهُ عَنهُ وَحدث باليسير لِأَنَّهُ مَاتَ كهلاً وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا من الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْأَدب وَغير ذَلِك لنَفسِهِ وَلِلنَّاسِ وَكَانَ خطه مليحاً وَنَقله صَحِيحا وَكَانَ صَالحا زاهداً عابداً أَمينا صَدُوقًا وَتُوفِّي سنة ثلث عشرَة وَخمْس ماية
مُحَمَّد بن طريف البَجلِيّ الْكُوفِي روى لَهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَكَانَ ثِقَة صَاحب حَدِيث توفّي سنة خمسين وماتين أَو مَا دونهمَا
ابْن حمص أَخْضَر مُحَمَّد بن طشت مر الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْأَمِير سيف الدّين حمص أَخْضَر يَأْتِي ذكر وَالِده إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الطَّاء مَكَانَهُ كَانَ الْأَمِير نَاصِر الدّين الْمَذْكُور أَمِير طبلخاناه فِي حَيَاة أستاذهم الْملك النَّاصِر وَخرج مَعَ وَالِده إِلَى صفد وَهُوَ أَمِير قبل ذَلِك وَكَانَ وَالِده زايد الْحجر عَلَيْهِ لَا يسوع لَهُ فِي رزقه لما يتخيله من كرمه حُكيَ أَنه وَهُوَ صَغِير كَانَ فِي الصَّيْد بالصعيد وَقد انْفَرد فَقدم لَهُ إِنْسَان شَيْئا حَقِيرًا وَلم يكن مَا يُعْطِيهِ فَحل بربند مركوبه وَدفعه وَهُوَ شَدِيد القوى يمْلَأ سطل الْخَيل مَاء ويشيله من الأَرْض وَيَرْفَعهُ بِيَدِهِ إِلَى أَن يشرب مِنْهُ وَهُوَ وَاقِف وَلم يحن قامته وَقد ظَهرت شجاعته فِي نوبَة وَالِده لما دخر الْبِلَاد الرومية من حلب فَإِنَّهُ كَانَ يكر على عَسْكَر حلب الَّذين ساقوا خَلفهم فيطرح مِنْهُم جمَاعَة فعل ذَلِك غير مرّة وَأعْطِي تقدمة الْألف بعد وَفَاة أَبِيه وَلم يزل بِالْقَاهِرَةِ مُقيما على ذَلِك إِلَى أَن أخرج إِلَى صفد فِي الْأَيَّام الكاملية فورد إِلَيْهَا أَمِير طبلخاناه وَأقَام بهَا فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا الْأَمِير سيف الدّين أرغون شاه نايباً رمي بِأَنَّهُ كَاتب ابْن دلغادر فطالع بأَمْره فرسم لَهُ باعتقاله فِي قلعة صفد وَطلب الْأَمِير سيف الدّين النايب إِلَى مصر وجهز إِلَى حلب نايباً وَجَاء مِنْهَا إِلَى دمشق نايباً فِي الْأَيَّام المظفرية على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته وبقى الْأَمِير نَاصِر الدّين فِي قلعة صفد تَقْدِير خَمْسَة أشهر ثمَّ(3/141)
أفرج عَنهُ وجهز إِلَى دمشق أَمِيرا على اقطاع الطرخاني فَحَضَرَ إِلَيْهَا فِي نصف شعْبَان سنة ثَمَان واربعين وَسبع ماية وَلم يزل على حَاله بِدِمَشْق إِلَى أَن حضر دوادار وَالِده وَهُوَ سيف الدّين قطلو بوغا فِي الْبَرِيد من مصر)
بِطَلَبِهِ إِلَى الديار المصرية وَذَلِكَ فِي سَابِع شهر ربيع الأول سنة خمسين وَسبع ماية
الأخشيد صَاحب مصر مُحَمَّد بن طغج بن جف بن يلتكين ابْن فوران الأخشيد أَبُو بكر التركي الفرغاني صَاحب مصر روى عَن عَمه ولي ديار مصر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثلث ماية ولقب الأخشيد ثمَّ ولي دمشق الْحَرَمَيْنِ والجزيرة وَغير ذَلِك من قبل الراضي سنة ثلث وَعشْرين وَذَلِكَ مُضَافا إِلَى مصر والأخشيد بِلِسَان الفرغانيين ملك الْمُلُوك وطغج يَعْنِي عبد الرَّحْمَن وَأَصله من أَوْلَاد مُلُوك فرغانة وجف من التّرْك الَّذين حملُوا للمعتصم فَبَالغ فِي إكرامه وَتُوفِّي جف سنة سبع وَأَرْبَعين وماتين واتصل ابْنه طغج بِابْن طولون وَصَارَ من أكبر القواد وَلما قتل خمارويه سَار طغج إِلَى المكتفي فَأكْرم مورده ثمَّ بدا مِنْهُ تكبر على الْوَزير فحبس هُوَ وَابْنه فَمَاتَ طغج فِي الْحَبْس وَأخرج مُحَمَّد بعد مُدَّة وَجَرت لَهُ أُمُور يطول شرحها وَكَانَ ملكا مُطَاعًا شجاعاً لَا يقدر أحد يجر قوسه حازماً حسن التَّدْبِير مكرماً للجند وَهُوَ أستاذ كافور توفّي بِدِمَشْق سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَقيل خمس وَثلث ماية وَحمل إِلَى الْقُدس وَقد مدح أَبُو الطّيب أَبَا مُحَمَّد الْحسن بن عبيد الله بن طغج ابْن جف وَهُوَ ابْن عَم الأخشيد بقصيدته الَّتِي أَولهَا
(أَنا لَا يمي إِن كنت وَقت اللوايم ... علمت بِمَا بِي بَين تِلْكَ المعالم)
مِنْهَا
(حمته على الْأَعْدَاء من كل جَانب ... سيوف بني طغج بن جف القماقم)
(وَلَوْلَا احتقار الْأسد شبهتها بهم ... وَلكنهَا مَعْدُودَة فِي البهايم)
(كريم نفضت النَّاس لما بلغته ... كَأَنَّهُمْ مَا جف من زَاد قادم)
(وَكَانَ سروري لَا يَفِي بندامتي ... على تَركه فِي عمري المتقادم)
كَانَ جَيْشه قد احتوى على احتوى أَربع ماية ألف رجل وَكَانَ لَهُ ثَمَانِيَة آلَاف مَمْلُوك يحرسومه بالنوبة كل يَوْم ألف ويوكل الخدم بجوانب خيمته ثمَّ لَا يَثِق بِأحد حَتَّى يمضى إِلَى خيم الفراشين فينام فِيهَا
الْمُحدث الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن طغريل الصَّيْرَفِي فِي الْمُحدث الْفَاضِل الْمخْرج مُفِيد(3/142)
الطّلبَة نَاصِر الدّين الدِّمَشْقِي روى عَن أبي بكر بن عبد الدايم والمطعم وَقَرَأَ الْكثير سَمِعت بقرَاءَته صَحِيح مُسلم عل الْبَنْدَنِيجِيّ الصُّوفِي وَغير ذَلِك وَكَانَ سريع الْقِرَاءَة فصيحها توفّي غَرِيبا فِي حماة)
وَلم يتكهل أَو بلغ الْأَرْبَعين سنة سبع وثلثين وَسبع ماية قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين جيد التَّحْصِيل مليح التَّخْرِيج كثير الشُّيُوخ حسن الْقِرَاءَة ضَعَّفُوهُ من قبل الْعَدَالَة ثمَّ ترددنا فِي ذَلِك وتوقفنا فَالله يصلحه فَلَو قبل النصح فلح قلت لم يطعنوا عَلَيْهِ إِلَّا انه كَانَ إِذا قَرَأَ قلب الورقتين وَالثلث وَالله أعلم
الْأَعْظَم صَاحب الْهِنْد مُحَمَّد بن طغلق شاه السُّلْطَان الْأَعْظَم أَبُو الْمُجَاهِد صَاحب دهلي وساير مملكة الْهِنْد والسند ومكران والمعبر ويخطب لَهُ بمقدشوه وسرنديب وَكثير من الجزر البحرية ورث الْملك عَن أَبِيه طغاق شاه قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله وَكَانَ طغلق شاه تركياً من مماليك سلاطين الْهِنْد وَيُقَال إِنَّه عمل على أَبِيه حَتَّى قَتله قَالُوا وَصُورَة قَتله أَنه تَركه فِي خركاة وَقد بَدَت بِهِ عِلّة ثمَّ أَنه هاج عَلَيْهِ الفيلة حَتَّى أَتَى فيل مها على الخركاة فَحكمهَا وَأَلْقَاهَا عَلَيْهِ وَتَمَادَى فِي إِخْرَاجه حَتَّى أخرجه مَيتا لَا روح فِيهِ قَالَ وَمُحَمّد عنين لكَي كوي على صلبه أَوَان الحداثة لعِلَّة حصلت لَهُ وَهُوَ متمذهب للْإِمَام أبي حنيفَة يحفظ فِي الْمَذْهَب كتاب الْهِدَايَة وَقد شدا طرفا جيدا من الْحِكْمَة ويحضر مَجْلِسه الْفُقَهَاء للمناظرة بَين يَدَيْهِ ويجيز الجوايز السّنيَّة وَملكه ملك متسع جدا وَعَسْكَره كثير قَالَ ذكر الافتخار عبد الله دفتر خوان الْوَاصِل فِي الرسلية أَيَّام النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون أَن عسكره مبلغ تسع ماية ألف فَارس قَالَ وَفِي ذَلِك نظر إِنَّمَا الشايع أَنه يُقَارب الستماية ألف يجْرِي على كلهم ديوانه مِنْهُم الْفَارِس وَمِنْهُم الراجل والراجل أَكثر لقلَّة الْخَيل لِأَن بِلَادهمْ لَا تنْتج الْخَيل وتفسد مَا يجلب إِلَيْهَا من الْخَيل وَذكر أَن عِنْده ألفا وَسبع ماية فيل وَعِنْده عدد كثير من الْأَطِبَّاء والندماء وَالشعرَاء بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية الْهِنْدِيَّة وَعدد كثير من المغاني رجال وجواري ونعته فِي بِلَاده سُلْطَان الْعَالم اسكندر الثَّانِي خَليفَة الله فِي أرضه وَبِهَذَا يَدْعُو لَهُ الخطباء فِي ممالكه على المنابر والدعاة وَفِي بِلَاده معادن كَثِيرَة ويجاوره وه قراجل بِالْقَافِ وَالرَّاء وَالْألف وَالْجِيم وَاللَّام وَهُوَ جبل يُقَارب الْبَحْر الْمُحِيط الشَّرْقِي وَهِي بِلَاد كفار فِيهَا معادن الذَّهَب وَله عَلَيْهَا اتارة جزيلة إِلَى غير ذَلِك وَمِمَّا يُوجد فِي بعض بِلَاده من نفايس الْيَاقُوت والماس وَعين الهر والمسمى بالماذنبي قَالَ وَذكر لي الشَّيْخ مبارك نفايس الْيَاقُوت والماس وَعين الهر والمسمى بالماذنبي قَالَ وَذكر لي الشَّيْخ مبارك الأنبايتي وَكَانَ من كبار دولته ثمَّ تزهد أَن ابْن قَاضِي شيراز أَتَاهُ بكتب حكمِيَّة مِنْهَا كتاب الشِّفَاء لِابْنِ سيناء بِخَط ياقوت فِي مجلدة فَأَجَازَهُ عَنْهَا جايزة عَظِيمَة)
ثمَّ أَمر بإدخاله إِلَى خزاينه ليَأْخُذ مِنْهَا مَا يُرِيد فَأخذ مِنْهَا دِينَارا وَاحِدًا وَضعه فِي فَمه فَلَمَّا خرج ليقبل يَده قيل لَهُ مَا فعل وَأَنه لم يتَعَرَّض إِلَّا إِلَى دِينَار وَاحِد فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ أخذت حَتَّى امْتَلَأت وطلع هَذَا الدِّينَار من فمي فَضَحِك وَأَعْجَبهُ ذَلِك وَأَجَازَهُ بلك من الذَّهَب وَالْملك عبارَة عَمَّا يُقَارب المايتي ألف مِثْقَال وَسبعين ألف مِثْقَال بالمصري قَالَ ولحقه يبس مزاج من قبل السواداء انْتهى قلت وَمِمَّا يحْكى عَن كرمه(3/143)
إِعْطَاؤُهُ الشريف عضد ابْن قَاضِي يزدْ وَقد ذكرت ذَلِك فِي تَرْجَمَة عضد فِي حرف الْعين وَبَلغنِي عَنهُ أَنه إِذا سمع الْمُؤَذّن وقف مَكْشُوف الرَّأْس وَلَا يزَال وَاقِفًا إِلَى أَن يفرغ الْمُؤَذّن ثمَّ أَنه لَا يشْتَغل بِشَيْء بعد ذَلِك غير الصَّلَاة النَّوَافِل وَالْفَرِيضَة وَأعرف أَنِّي كنت يَوْمًا عِنْد الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري وَقد حضر إِنْسَان هندي وَقَالَ إِن السُّلْطَان مُحَمَّد بن طغلق فتح تِسْعَة آلَاف مَدِينَة وقرية وَأخذ مِنْهَا ذَهَبا كثيرا وَأَنه انْتقل من دهلي إِلَى وسط الْبِلَاد الَّتِي فتحهَا ليَكُون قَرِيبا من الْأَطْرَاف وَأَنه أجري عِنْده ذكر مَكَّة وَالْمَدينَة فَقَالَ أُرِيد أَن يتَوَجَّه من عندنَا ركب حَاج فَقيل لَهُ إِن ذَلِك فِي ملك الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فَقَالَ نجهز إِلَيْهِ هَدِيَّة ونطلب مِنْهُ ذَلِك وَأَنه جهز إِلَيْهِ مركبا قد مَلِيء تفاصيل هندية رفاع من يخار مَا يكون وَعشرَة بزاة بيض وخدم وجواري وَأَرْبَعَة عشر حَقًا قد ملئت ماساً وَأَنا كنت مَعَ المسفرين وإننا لما وصلنا إِلَى الْيمن أحضر صَاحب الْيمن المماليك الَّذين فِي خدمَة الرَّسُول وَقَالَ لَهُم أَي شَيْء يعكيكم صَاحب مصر أقتلوا أستاذكم وَأَنا أجعلكم أُمَرَاء عِنْدِي فَلَمَّا قَتَلُوهُ شنق الْجَمِيع وَأخذ الْمركب بِمَا فِيهَا وَأُرِيد أَن تحضرني عِنْد السُّلْطَان فَأحْضرهُ وَكتب القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله فِي ذَلِك الْوَقْت كتابا إِلَى صَاحب الْيمن جَاءَ مِنْهُ عِنْد ذكر ذَلِك وَبعد أَن كَانَ فِي عداد الْمُلُوك أصبح وَهُوَ من قطاع الطَّرِيق(3/144)
3 - (ابْن طَلْحَة)
السَّجَّاد مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبيد الله الْأَسدي ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يلقب السَّجَّاد وَأمه حمْنَة بنت جحش الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث غلإفك توفّي سنة سِتّ وثلثين لِلْهِجْرَةِ وَكَانَ يسْجد كل يَوْم ألف سَجْدَة وَلما أَتَت بِهِ أمه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله سمه فَقَالَ قد سميته مُحَمَّدًا وكنيته أَبَا سُلَيْمَان لَا أجمع لَهُ اسْمِي وكنيتي وَلما أَرَادَ عمر بن الْخطاب أَن يُغير الْأَسَامِي قَالَ لَهُ مُحَمَّد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نشدتك الله أَن تغير اسْمِي فوَاللَّه مَا سماني مُحَمَّدًا إِلَّا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سَبِيل إِلَى تَغْيِير شىء سَمَّاهُ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحضر يَوْم الْجمل مَعَ أَبِيه وَكَانَت رايته مَعَه وَكَانَ فِيمَا ذكر مكْرها أكرهه أَبوهُ على الْخُرُوج وَكَانَ عَليّ نهى عَن قَتله وَقَالَ إيَّاكُمْ وَصَاحب الْبُرْنُس فَإِنَّهُ خرج مكْرها وَتقدم ونثل درعه بَين رجلَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهَا وَجعل كلما حمل عَلَيْهِ رجل يَقُول نشدتك نحم فَيَنْصَرِف عَنهُ حَتَّى جَاءَ المعكبر الْأَسدي فطعنه وَلم يكن عَلَيْهِ درع فَقتله وَقَالَ
(وَأَشْعَث قوام بآيَات ربه ... قَلِيل الأذي فِيمَا ترى الْعين مُسلم)
(هتكت لَهُ بِالرُّمْحِ جيب قَمِيصه ... فَخر صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ)
(على غير شَيْء غير أَن لَيْسَ تَابعا ... عليا وَمن لم يتبع الْحق ينْدَم)
(يذكرنِي حم وَالرمْح شَاجر ... فَهَلا تَلا حَامِيم قبل التَّقَدُّم)
وَقد ادّعى قَتله جمَاعَة المعكبر الْأَسدي وَالْأَشْتَر النَّخعِيّ وَشُرَيْح بن أوفى وَابْن مكيس الْأَزْدِيّ وَمُعَاوِيَة بن شَدَّاد الْعَبْسِي وَمر عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ الْحسن ابْنه وعمار وصعصعة بن صوحان وَالْأَشْتَر وَمُحَمّد بن أبي بكر وبأيديهم النيرَان يطوفون على الْقَتْلَى فَمر عَليّ بِمُحَمد بن طَلْحَة وَهُوَ قَتِيل فَقَالَ السَّجَّاد وَرب الْكَعْبَة ورد رَأسه إِلَى جسده وَبكى واسترجع وَقَالَ وَالله هَذَا قريع قُرَيْش فوَاللَّه مَا عَلمته إِلَّا صَالحا عابداً زاهداً وَوَاللَّه مَا صرعه هَذَا المصرع إلابره بِأَبِيهِ(3/145)
فَإِنَّهُ كَانَ مُطيعًا لَهُ ثمَّ جعل يبكي ويحزن فَقَالَ الْحسن يَا أبه قد كنت أَنهَاك عَن هَذَا الْمسير فغلبك على رَأْيك فلَان وَفُلَان فَقَالَ قد كَانَ ذَلِك يَا بني ولوددت أَنِّي مت قبل هَا الْيَوْم بِعشْرين سنة
مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مصرف الْكُوفِي روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وماية)
كَمَا الدّين بن طَلْحَة الشَّافِعِي مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو سَالم الْقرشِي الْعَدوي النصيبي الشَّافِعِي الْمُفْتِي لد بالعمرية من قرى نَصِيبين سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وتفقه وبرع فِي الْمَذْهَب وَسمع بنيسابور من الْمُؤَيد الطوسي وَزَيْنَب الشعرية وَحدث بحلب ودمشق وَكَانَ صَدرا مُعظما محتشماً وَترسل عَن الْمُلُوك ولي الوزارة بِدِمَشْق ثمَّ تَركهَا وتزهد وَخرج عَن ملبوسه وانكمش عَن النَّاس وَترك مماليكه ودوابه وَلبس ثوب قطن وتخفيفة وَكَانَ يسكن الأمينية فَخرج مِنْهَا واختفى وَلم يعلم بمكانه وَسبب ذَلِك أَن النَّاصِر عينه للوزارة وَكتب تَقْلِيده فَكتب إِلَى النَّاصِر يعْتَذر قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَدخل فِي شَيْء من الهذيان والضلال وَعمل دايرة للحروف وَادّعى أَنه استخرج علم الْغَيْب وَعلم السَّاعَة توفّي بحلب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وست ماية وَقد جَاوز السّبْعين
القصري مُحَمَّد بن طوس القصري يكنى أَبَا الطّيب صَاحب المسايل القصريات املاها أَبُو عَليّ عَلَيْهِ قَالَ ياقوت أَظُنهُ مَنْسُوبا إِلَى قصر أبن هُبَيْرَة بنواحي الْكُوفَة وَيُقَال إِن أَبَا عَليّ كَانَ يتعشقه لما كَانَ حَدثا ويخصه بالطرف ويحرص على الْإِمْلَاء عَلَيْهِ والالفتفاتات إِلَيْهِ وَإنَّهُ مَاتَ شَابًّا
مُحَمَّد بن طولوبغا الْمُحدث نَاصِر الدّين أَبُو نصر التركي السيفي شَاب سَاكن دين كتب الْأَجْزَاء وَدَار على الشُّيُوخ وَحصل أجزت لَهُ ولد سنة ثلث عشرَة وَسبع ماية وَسمع من الحجار بعض الصَّحِيح وَسمع من ابْن أبي التايب وَبنت صصرى وَخلق بِنَفسِهِ وَكتب وَتخرج
أَبُو نصر الْكشِّي الْفَقِيه مُحَمَّد بن الطّيب أَبُو نصر الْكشِّي الزَّاهِد أحد الْفُقَهَاء الْعباد الرالين فِي طلب الحَدِيث توفّي صمان عشرَة وَثلث ماية(3/146)
القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني مُحَمَّد بن الطّيب بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْقسم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني الْبَصْرِيّ صَاحب التصاهيف فِي علم الكلان سكن بَغْدَاد وَكَانَ فِي فنه أوحد زَمَانه سمع أَبَا بكر الْقطيعِي وَغَيره وَكَانَ ثِقَة عرافاً بالْكلَام صنف الرَّد عل الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية ذكره القَاضِي عِيَاض فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة قَالَ وَهُوَ الملقب بِسيف السّنة ولسان الْأمة الْمُتَكَلّم على لِسَان أهل الحَدِيث وَطَرِيق الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ كَانَ ورده فِي اللَّيْل عشْرين ترويحة ثمَّ يكْتب خمْسا وَثَلَاثِينَ ورقة من تصنيفه توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثلث وَأَرْبع ماية وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْحسن وَدفن بداره ثمَّ حول إِلَى مقبره بَاب حَرْب)
ورثاه بعض أهل الْعَصْر بقوله
(انْظُر إِلَى جبل تمشي الرِّجَال بِهِ ... وَانْظُر إِلَى الْقَبْر مَا يحوي من الصلف)
(وَانْظُر إِلَى صارم الْإِسْلَام منغمداً ... وَانْظُر إِلَى درة الْإِسْلَام فِي الصدف)
جرى بَينه وَبَين أبي سعيد الهاروني مناظرة فَأكْثر القَاضِي أَبُو بكر الْكَلَام فِيهَا ووسع الْعبارَة وَزَاد فِي الإسهاب والتفت إِلَى الْحَاضِرين وَقَالَ اشْهَدُوا عَليّ إِن أعَاد مَا قلت لَا غير لم أطالبه بالجوابن فَقَالَ الهاروني إشهدوا عَليّ إِن أعَاد كَلَام نَفسه سلمت مَا قَالَ
الْمُقْرِئ أَبُو الغنايم مُحَمَّد بن طيبان بن الْخضر بن طيبان بن الْحسن ابْن سهل بن سُهَيْل بن سعد بن سعيد الهماني أَبُو الغنايم المقريء صَاحب أبي عَليّ ابْن الْبناء أورد لَهُ ابْن النجار
(من أَنا عِنْد الله حَتَّى إِذا ... أذنبت لَا يغْفر لي ذَنبي)
(الْعَفو يُرْجَى من بني آدم ... فَكيف لَا أرجوه من رَبِّي)
السجاوندي الْمُفَسّر مُحَمَّد بن طيفور الغزنوي السجاونيد المقريء الْمُفَسّر النَّحْوِيّ لَهُ تَفْسِير حسن لِلْقُرْآنِ وَكتاب علل القراآت فِي مجلدات وَالْوَقْف والابتداء فِي مُجَلد كَبِير يدل على تبحره توفّي سنة سِتِّينَ وَخمْس ماية
ابْن ظافر الْحداد الشَّاعِر مُحَمَّد بن ظافر بن الْقسم بن مَنْصُور أَبُو البركات الأديب بن أبي الْمَنْصُور الجذامي الإسكندري الْخياط الرجل الصَّالح وَأَبُو ظافر الْحداد الشَّاعِر الْمَشْهُور اخْتصَّ بِصُحْبَة الزَّاهِد أبي الْحسن ابْن بنت أبي سعد توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وست ماية(3/147)
3 - (ابْن ظفر)
مُحَمَّد بن ظفر بن أَحْمد بن ثَابت بن مُحَمَّد بن عَليّ الطرقي أَبُو عبد الله ابْن أبي الغنايم من أهل يزدْ من أَوْلَاد الأيمة والمحدثين سمع أَبَا الْوَقْت عبد الأول لما قدم عَلَيْهِم يزدْ وَحدث بِبَغْدَاد قَالَ ابْن النجار وَقد أجَاز لي بيزد رِوَايَة جَمِيع مسموعاته على يَدي بعض الطّلبَة فِي أول سنة عشر وست ماية
مُحَمَّد بن ظفر بن الْحُسَيْن بن يزْدَاد المناطقي أَبُو طَالب من أهل الكرخ أَخُو الْحُسَيْن بن ظفر سمع الْكثير من أَبَوي الْحُسَيْن أَحْمد بن النقور وَالْمبَارك بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد الصَّيْرَفِي قَالَ ابْن النجار وَمَا أَظُنهُ روى شَيْئا
الْمقنع الْكِنْدِيّ مُحَمَّد بن ظفر بن عُمَيْر وَقيل عُمَيْر بن أبي شمر ابْن فرعان بن قيس بن الْأسود بن عبد الله بن الْحَرْث الْولادَة سمي بذلك لِكَثْرَة وَلَده ابْن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن الْحَرْث الْأَكْبَر بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع بن كِنْدَة يَنْتَهِي إِلَى قحطان وَكَانَ مُحَمَّد الْمَذْكُور يعرف بالمقنع لِأَنَّهُ كَانَ أجمل النَّاس وَجها وَكَانَ إِذا سفر اللثام عَن وَجهه أَصَابَته الْعين وَكَانَ أمد النَّاس قامة وأجملهم خلقا وَكَانَ إِذا عين يمرض ويلحقه عنت فَكَانَ لَا يمشي إِلَّا متقنعا وَكَانَ متخرقاً فِي الْعَطاء سَمحا بِالْمَالِ لَا يرد سايلاً عَن شَيْء حَتَّى أتلف كل مَا خَلفه أَبوهُ من مَال فاستعلاه بَنو عَمه عَمْرو ابْن أبي شمر بِأَمْوَالِهِمْ وجاههم وهوي بنت عَمه عَمْرو فَخَطَبَهَا إِلَى إخواتها فَردُّوهُ وعيروه بتخرقه وَفَقره وَمَا عَلَيْهِ من الدّين فَقَالَ
(وَإِن الَّذِي بيني وَبَين بني أبي ... وَبَين بني عمي لمختلف جدا)
(فَمَا أحمل الحقد الْقَدِيم عَلَيْهِم ... وَلَيْسَ رَئِيس الْقَوْم من يحمل الحقدا)
(وَلَيْسوا إِلَى نصري سراغاً وَإِن هم ... دَعونِي إِلَى نصر أتيتهم شدا)
(وَإِن أكلُوا لحمي وفرت لحومهم ... وَإِن هدموا مجدي بنيت لَهُم مجدا)
(يعاتبني فِي الدّين قومِي وَإِنَّمَا ... ديوني فِي أَشْيَاء تكسبهم حمدا)
وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ أول خَليفَة ظهر مِنْهُ الْبُخْل أَي الشُّعَرَاء أفضل فَقَالَ لَهُ كثير بن هراشة يعرض ببخل عبد الْملك أفضلهم الْمقنع الْكِنْدِيّ حَيْثُ يَقُول(3/148)
(إِنِّي أحرض أهل الْبُخْل كلهم ... لَو كَانَ ينفع أهل الْبُخْل تحريضي)
(مَا قل مَا لي إِلَّا زادني كرماً ... حَتَّى يكون برزق الله تعويضي)
)
(وَالْمَال يرفع من لَوْلَا دَرَاهِمه ... أَمْسَى يقلب فِينَا طرف مخفوض)
(لَو تخرج الْبيض عفوا من أكفهم ... إِلَّا على وجع مِنْهُم وتمريض)
(كَأَنَّهَا من جُلُود الباخلين بهَا ... عِنْد النوايب تحذى بِالْمَقَارِيضِ)
فَقَالَ عبد الْملك وَعرف مَا أَرَادَهُ الله أصدق من الْمقنع حَيْثُ قَالَ وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَهُوَ القايل لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
(أَن ليا سَاد بالتكرم ... والحلم عِنْد غَايَة التحلم)
(هداه رَبِّي للصراط الأقوم ... بِأَخْذِهِ الْحل وَترك الْمحرم)
(كالليث بِي اللبوات الضيغم ... يرضعن أشبالاً وَلما تفطم)
مُحَمَّد بن عَاصِم الثَّقَفِيّ أَبُو جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ العابد وَهُوَ صَدُوق توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وماتين
الْمُقْرِئ الإشبيلي مُحَمَّد بن أبي الْعَافِيَة أَبُو عبد الله الإشبيلي النَّحْوِيّ الْمُقْرِئ إِمَام جَامع بلنسية كَانَ بارعاً فِي النَّحْو واللغة أَخذ عَن أبي الْحجَّاج الأعلم الشنتمري توفّي سنة تسع وَخمْس ماية
شمس الدّين الدمياطي مُحَمَّد بن عالي بن نجم الدمياطي الشَّيْخ شمس الدّين سمع من النجيب والمعين الدِّمَشْقِي مولده سنة خمسين وست ماية أجَاز لي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
ابْن عايذ صَاحب الْمَغَازِي مُحَمَّد بن عايذ بن عبد الرَّحْمَن صَاحب الْمَغَازِي والفتوح أَبُو عبد الله الْكَاتِب صنف الصوايف وَالسير وَغَيرهَا ولد سنة خمسين وماية وَولي خراج غوطة دمشق لِلْمَأْمُونِ وَكَانَ ثِقَة توفّي بِدِمَشْق سنة ثلث أَو أَربع وثلثين وماتين قَالَ(3/149)
صَالح جزرة ثِقَة إِلَّا أَنه قدري وثقة ابْن معِين وَأسْندَ عَن الْوَلِيد بن مُسلم وَخلق كثير وروى عَنهُ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَذكره فِي أهل التَّقْوَى وَأحمد بن أبي الْحوَاري وَغَيرهمَا وَأَجْمعُوا على عَدَالَته وديانته
الْمُغنِي مُحَمَّد بن عايشة أَبُو جَعْفَر لم يكن يعرف لَهُ أَب فَكَانَ ينْسب إِلَى أمه ويلقبه من يسبه ابْن عاهة الدَّار وعايشة أمه مولاة لكثير بن الصَّلْت الْكِنْدِيّ حَلِيف قُرَيْش وَقيل مولاة لآل الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي وَأَنه كَانَ لغير رشدة وَقَالَ مُحَمَّد كَانَت أُمِّي ماشطة وَكنت إِذا)
دخلت إِلَى مَوضِع قَالُوا ارْفَعُوا هَذَا لِابْنِ عايشة فَغلبَتْ على نسبي قَالَ اسحق كَانَ ابْن عايشة يفتن كل من سَمعه وَكَانَ فتيَان الْمَدِينَة قد فسدوا فِي زَمَانه بمحادثته ومجالسته وَقد أَخذ الْغناء عَن معبد وَمَالك وَمَا مَاتَا حَتَّى ساواهما على تَقْدِيمه لَهما واعترافه لَهما بفضلهما وَقيل إِنَّه كَانَ ضَارِبًا وَلم يكن يجيد الضَّرْب وابتداؤه يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال للمجيد من الْقُرَّاء والمغنين إِذا أَجَاد الِابْتِدَاء كَأَنَّهُ ابْن عايشة وَكَانَ ابْن عايشة سيء الْخلق إِذا قَالَ لَهُ إِنْسَان تغن قَالَ ألمثلي يُقَال هَذَا فَإِن قَالَ لَهُ وَقد ابْتَدَأَ أَحْسَنت قَالَ ألمثلي يُقَال أَحْسَنت ثمَّ يسكت وَكَانَ قَلِيلا مَا ينْتَفع بِهِ فَسَالَ العقيق مرّة فَدخل عَرصَة سعيد بن الْعَاصِ المَاء حَتَّى ملأها فَخرج النَّاس إِلَيْهَا وخراج ابْن عايشة فَجَلَسَ على قرن الْبِئْر فبيناهم كَذَلِك إِذْ طلع الْحسن بنالحسن ابْن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم على بغلة وَخَلفه علامان أسودان كَأَنَّهُمَا من الشَّيَاطِين فَقَالَ لَهما إمضيا رويداً حَتَّى تفقا بِأَصْل الْقرن الَّذِي عَلَيْهِ ابْن عايشة ففعلا ذَلِك ثمَّ ناداه الْحسن يَا ابْن عايشة كَيفَ أَصبَحت قَالَ بِخَير فدَاك بِي وَأمي قَالَ انْظُر من تَحْتك فَإِذا العبدان فَقَالَ لَهُ أتعرفهما قَالَ نعم قَالَ فهما حران لَئِن لم تغنني ماية صَوت لأمرتهما بطرحك فِي الْبِئْر وهما حران لَئِن لم يفعلا لأقطعن أَيْدِيهِمَا فَانْدفع ابْن عايشة فغنى ماية صَوت فَيُقَال إِن ابْن عايشة لم يسمع النَّاس مِنْهُ أَكثر مِمَّا سمعُوا فِي ذَلِك الْيَوْم وَمَا رئي يَوْم أحسن مَه وسمعوا مِنْهُ مَا لم يسمعوه وتبادر النَّاس إِلَيْهِ من الْمَدِينَة وَمَا حولهَا لما بَلغهُمْ الْخَبَر وَتُوفِّي ابْن عايشة فِيمَا قيل فِي أَيَّام هِشَام بن عبد الْملك وَقيل فِي أَيَّام الْوَلِيد وَقيل أَن الْغمر بن يزِيد خرج إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل قصر ذِي خشب شربوا عل سطحه فغنى ابْن عايشة صَوتا طرب لَهُ الْغمر فَقَالَ أردده فَأبى وَكَانَ لَا يرد صَوتا لسوء خلقه فَأمر بِهِ فَطرح من أَعلَى السَّطْح فَمَاتَ وَقيل بل قَامَ وَهُوَ سَكرَان فِي اللَّيْل ليبول فَسقط فَمَاتَ(3/150)
3 - (ابْن عباد)
الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن عباد المكين روى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وروى عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَعُثْمَان بن خرزاذ وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن يحيى بن مندة قَالَ أَحْمد حَدِيثه حَدِيث أهل الصدْق توفّي سنة خمس وثلثين وماتين
المهلبي أَمِير مُحَمَّد بن عباد بن عباد بن حبيب بن الْمُهلب بن أبي صفرَة المهلبي أَمِير الْبَصْرَة كتب إِلَيْهِ مَنْصُور بن الْمهْدي أَخُو الرشيد يشكو إِلَيْهِ ضايقة فَأرْسل فَأرْسل إِلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَمَات عَلَيْهِ خَمْسُونَ ألف دِينَار دينا وَأَعْطَاهُ الْمَأْمُون مَا مبلغه سِتَّة آلآف دِرْهَم توفّي سنة سِتّ عشرَة وماتين
الْمُغنِي الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن عباد الْكَاتِب مولى بني جمح ذكره إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي فِي كتاب أَخْبَار المغنين وَذكر أَنه كَانَ من الحذاق من أهل مَكَّة وَأَنه توفّي فِي زمن الرشيد بِبَغْدَاد وَلم يكن يضْرب بِالْعودِ يُقَال أَن ابْن عايشة غنى صَوتا فأجاده فَقيل لَهُ أَصبَحت من أحسن النَّاس غناء فَقَالَ وَمَا يَمْنعنِي من ذَلِك وَقد أخذت م ابْن عباد أحد عشر صَوتا
الْمُعْتَمد بن عباد مُحَمَّد بن عباد بن إِسْمَعِيل أَبُو الْقسم الْمُعْتَمد ابْن المعتضد ملكا الأندلس ولد مُحَمَّد بِمَدِينَة باجة سنة إِحْدَى وثلثين أَربع ماية وَولى الْملك سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ بإشبيلية فَقَامَ بِهِ أحسن قيام واهتم بِهِ أتم اهتمام عدل فِي الرّعية وأنصفهم وانتجعه الْفُضَلَاء ومدحه الشُّعَرَاء أَوْلَاده يزِيد يلقب الراضي وَهُوَ فَاضل لَهُ شعر وَعبد الله وَالْفَتْح وَكلهمْ فضلاء شعراء قتل يزِيد بَين يَدَيْهِ يَوْم الْوَقْعَة وَمن زرايه ابْن زيدون وَابْن عمار وللمعتمد شعر جيد فِي الذرْوَة مِنْهُ
(أَكثر هجرك غير أَنَّك رُبمَا ... عطفتك أَحْيَانًا عَليّ أُمُور)
(فَكَأَنَّمَا زمن التهاجر بَيْننَا ... ليل وساعات الْوِصَال بدور)
وَهُوَ يشبه قَول الآخر
(أَسْفر ضوء الصُّبْح عَن وَجهه ... فَقَامَ خَال الخد فِيهِ بِلَال)(3/151)
(كَأَنَّمَا الْخَال على خَدّه ... سَاعَة هجر فِي زمَان الْوِصَال)
وَقَالَ يودع حظاياه
(وَلما وقفنا للوداع غدية ... وَقد خَفَقت فِي ساحة الْقصر رايات)
(بكينا دَمًا حَتَّى كَأَن عيوننا ... بجري الدُّمُوع الْحمر مِنْهَا جراحات)
)
وَقَالَت يَوْمًا إِحْدَى جواريه وَهُوَ فِي سجن أغمات لقد هُنَا هُنَا فأعجبه مِنْهَا ذَلِك وَقَالَ
(قَالَت لقد هُنَا هُنَا ... مولَايَ أَيْن جاهنا)
(قلت لَهَا إِلَى هُنَا ... صيرنا إِلَّا هُنَا)
كَانَ الْمُعْتَمد بن عباد من أكبر مُلُوك الطوايف وَأَكْثَرهم بلاداً وَيُؤَدِّي الضريبة للاذفونش فَلَمَّا ملك طليطلة لم يقبل الضريبة طَمَعا فِي أَخذ بِلَاده وَأرْسل إِلَيْهِ بتهدده ويأمره بالنزول عَن الْحُصُون الَّتِي مَعَه فَضرب الْمُعْتَمد الرَّسُول وَقتل من كَانَ مَعَه من الفرنج وَكَانَ الأذفونش مُتَوَجها لحصار قرطبة فَرجع إِلَى طليطلة فَكتب الْمُعْتَمد إِلَى ابْن تاشفين صَاحب مراكش يستنجده فَحَضَرَ إِلَى سبتة وَعبر بالعساكر إِلَى الجزيرة الخضراء وَعبر آخِرهم وهم عشرَة آلَاف فَارس وَاجْتمعَ بالمعتمد وتسامع بِهِ مُلُوك الأندلس فَجَاءُوا إِلَيْهِ من كل جَانب فَكتب الأذفونش إِلَى ابْن تاشفين كتابا يتهدده فِيهِ وَطوله فَكتب يُوسُف بن تاشفين الْجَواب فِي ظَهره الَّذِي يكون ستراه فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ ارتاع ثمَّ إِنَّه جَاءَ والتقى الجيشان فِي مَكَان يُقَال لَهُ الزلاقة من بِلَاد بطليوس وتصافاً وَنصر الله الْإِسْلَام وَثَبت الْمُعْتَمد فِي ذَلِك الْيَوْم وأصابه عدَّة جراحات فِي وَجهه وبدنه وغنم الْمُسلمُونَ بِلَاد الفرنج وسلاحهم وَرجع ابْن تاشفين إِلَى بِلَاده ثمَّ أَنه عَاد فِي الْعَام الثَّانِي وحاصر بعض الْحُصُون وَخرج إِلَيْهِ الْمُعْتَمد وَعَاد ابْن تاشفين إِلَى مراكش وَقد أعجبه حسن بِلَاد الأندبس وبهجتها وَمَا بهَا من المباني والبساتين والمياه والمطاعم وَغَيرهَا مِمَّا لَا يُوجد بِبِلَاد مراكش وَلم يزل خواصه يغرونه على الْمُعْتَمد ويوحشون مَا بَينهمَا بِمَا ينقلونه عِنْد ليَأْخُذ هَلُمَّ بِلَاد الأندلس فَتغير عَلَيْهِ وقصده فَلَمَّا انْتهى إِلَى سبتة جهز إِلَيْهِ العساكر فحاصروه بإشبيلية حصاراً شَدِيدا وَقَاتلهمْ الْمُعْتَمد قتالاً عَظِيما فاستولى على النَّاس بِالْبَلَدِ الْجزع فَهَرَبُوا مها وألقوا نُفُوسهم فِي لنهر من شرفات السُّور ثمَّ إِن العسك هجم الْبَلَد وقبضوا على الْمُتَعَمد وَأَهله وقيدوه من وقته وَجعل مَعَ أَهله فِي مركب وحملوا إِلَى الْأَمِير يُوسُف بن تاشفين فَأرْسلهُ إِلَى حصن اغمات واعتقله بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَمن الْغَرِيب(3/152)
أَنه نُودي على جنَازَته الصَّلَاة على الْغَرِيب وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة يُوسُف بن تاشفين طرف جيد من سَبَب محاصرة بن عباد وَكَيف تغير عَلَيْهِ ابْن تاشفين فليطلب هُنَاكَ فَإِنَّهُ أبسط من هَذَا وَمَا جرى على أحد من الْمُلُوك مَا جرى عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده لِأَنَّهُ بَنَاته صرن يغزلن للنَّاس بالكرى وَبَعض أَوْلَاد أَوْلَاده وَهُوَ فَخر الدولة يعْمل أَجِيرا فِي دكان صايغ حَتَّى قَالَ أَبُو)
بكر ابْن اللبانة الداني فِي ذَلِك من جملَة قصيدة
(وَعَاد كونك فِي دكان قَارِعَة ... من بعد مَا كنت فِي قصر حكى إرما)
(صرفت فِي آلَة الصياغ أُنْمُلَة ... لم تدر إِلَّا الندى وَالسيف والقلما)
(يَد عهدتك للتقبيل تبسطها ... فأسقل الثريا أَن تكون فَمَا)
(يَا صايغاً كَانَت الْعليا تصاغ لَهُ ... حليا وَكَانَ عَلَيْهِ الْحلِيّ منتظما)
(للنفخ فِي الصُّور هول مَا حَكَاهُ سوى ... هول رَأَيْتُك فِيهِ تنفخ الفحما)
(وددت إِذْ نظرت عَيْني إِلَيْك بِهِ ... لَو أَن عَيْني تَشْكُو قبل ذَاك عمى)
(لح فِي العلى كوكباً إِن لم تلح قمراً ... وقم بهاربوة إِن لم تقم علما)
(وَالله لَو أنصفتك الشهب لَا نكسفت ... وَلَو وَفِي ذَلِك دمع الْغَيْث لانسجما)
وَتُوفِّي الْمُعْتَمد بسجن اغمات وَهِي خلف مراكش وَبَينهَا وَبَين الظُّلُمَات ثلث لَيَال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية وَمن شعر الْمُعْتَمد وَهُوَ فِي سجن أغمات وَعَسَى اللَّيَالِي أَن تمن بنظمنا عقدا كَمَا كُنَّا عَلَيْهِ وأجملا
(ولربما نثر الجمان تعمداً ... ليعود أحسن فِي النظام وأكملا)
وَمن شعره وَقد تألم يَوْمًا من الْقَيْد وضيقه
(تبدلت من ظلّ عز البنود ... بذل الْحَدِيد وَثقل الْقُيُود)
(وَكَانَ حديدي سِنَانًا زليقاً ... وعضباً رَقِيقا صقيل الْحَدِيد)
(وَقد صَار ذَاك وَذَا أدهماً ... يعَض بساقي عض الْأسود)
وَدخل عَلَيْهِ بناتهن فِي يَوْم عيد وَقد غزلت إِحْدَاهُنَّ غزلاً بِالْأُجْرَةِ لصَاحب الشّركَة الَّذِي كَانَ فِي خدمَة أَبِيهَا لما كَانَ فِي سُلْطَانه فرآهن فِي أطمارهن الرثة وحالهن السَّيئَة فَقَالَ
(فِيمَا مضى كنت بالأعياد مَسْرُورا ... فساءك الْعِيد فِي أغمات مأسورا)
(ترى بناتك فِي الأطمار جايعة ... يغزلن للنَّاس مَا يملكن قطميرا)
(يطأن فِي الطين والأقدام حافية ... كَأَنَّهَا لم تطَأ مسكاً وكافورا)(3/153)
ورأي الْقَيْد يَوْمًا فِي رجل وَلَده أبي هَاشم وَقد عض بساقيه فَبكى وَقَالَ
(قيدي أما تعلمني مُسلما ... أَبيت أَن تشفث أَو ترحما)
(دمي شراب لَك وَاللَّحم قد ... أَكلته لَا تهشم الأعظما)
)
(إرحم طفيلاً طايشاً لبه ... لم يخْش أَن يَأْتِيك مسترحما)
(وَارْحَمْ أخيات لَهُ مثله ... جرعتهن السم والعلقما)
وَلابْن اللبانة مُصَنف جمعه سَمَّاهُ نظم السلوك فِي وعظ الْمُلُوك قصره على أشعاره وأشعار أَوْلَاده والمراثي الَّتِي نظمها فيهم وَمِنْهَا قصيدة أَولهَا
(لكل شَيْء من الْأَشْيَاء مِيقَات ... وللمنى من مناياهن غايات)
مِنْهَا
(أنفض يَديك من الدُّنْيَا وزخرفها ... فالأرض قد أقفرت وَالنَّاس قد مَاتُوا)
(وَقل لعالمها الْعلوِي قد كتمت ... سريرة الْعلم الأرضي أغمات)
وَقَالَ أَيْضا وَهُوَ فِي السجْن ينديه
(تَنْشَق رياحين السَّلَام فَإِنَّمَا ... أفض بهَا مسكاً عَلَيْك مختما)
(أفكر فِي عصر مضى الك مشرقاً ... فَيرجع ضوء الصُّبْح عِنْدِي مظلما)
(وأعجب من أفق المجرة إِذْ رأى ... كسوفك شمساً كَيفَ أطلع أنجما)
(قناة سعت لِلطَّعْنِ حَتَّى تقصدت ... وَسيف أَطَالَ الضَّرْب حَتَّى تثلما)
(حبيب إِلَى قلبِي حبيب وَقَوله ... عَسى وَطن يدنو بهم ولعلما)
مِنْهَا
(حكيت وَقد فَارَقت ملكك مَالِكًا ... وَمن ولهي أحكي عَلَيْك متمما)
(تضيق عَليّ الأَرْض حَتَّى كَأَنَّمَا ... خلقت وَإِيَّاهَا سواراً ومعصما)
(ندبتك حَتَّى لم يخل لي الأسى ... دموعاً بهَا أبْكِي عَلَيْك وَلَا دَمًا)
(بكاك الحيا وَالرِّيح شقَّتْ جيوبها ... عَلَيْك وناح الرَّعْد بِاسْمِك معلما)
(ومزق ثوب الْبَرْق واكتسب الدجى ... حداداً وَقَامَت انجم الجو مأتما)
(قضى الله أَن خطوك عَن ظهر أشقر ... أَشمّ وَأَن أمطوك أشأم أدهما)
وَكَانَ قد انفكت عَنهُ الْقُيُود فَأَشَارَ إِلَى ذَلِك يَقُول فِيهَا
(قيودك ذَابَتْ فَانْطَلَقت لقد غَدَتْ ... قيودك مِنْهُم بالمكارم أرحما)
(عجبت لِأَن لَان الْحَدِيد وَقد قسوا ... لقد كَانَ مِنْهُم بالسريرة أعلما)
(ينجيك من نجى من الْجب يوسفاً ... ويؤومك من آوى الْمَسِيح بن مريما)(3/154)
)
وَقَالَ ابْن اللبانى أَيْضا
(تبْكي السَّمَاء بمزن رَايِح غادي ... على البهاليل من أَبنَاء عباد)
مِنْهَا
(عربسة دَخَلتهَا النابيات على ... أساود مِنْهُم فِيهَا وآساد)
(وكعبة كَانَت الآمال تخدمها ... فاليوم لَا عاكف فِيهَا وَلَا باد)
(يَا ضيف أقفر بَيت الكرمات فَخذ ... فِي ضم رحلك واجمع فضلَة الزَّاد)
(وَيَا مُؤَمل وَادِيهمْ ليسكنه ... خف القطين وجف الزَّرْع بالوادي)
وَاجْتمعَ من شعرايه عِنْد قَبره جمَاعَة وبكره وأنشدوا قصادي فِي رثايه مِنْهُم أَبُو بَحر عبد الصَّمد قَالَ قصيدة أَولهَا
(ملك الْمُلُوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عَن السماع عوادي)
(لما نقلت عَن الْقُصُور وَلم تكن ... فِيهَا كَمَا قد كنت فِي الأعياد)
(قبلت فِي هَذَا الثرى لَك خاضعاً ... وَجعلت قبرك مَوضِع الإنشاد)
وَلما تولى الْمُعْتَمد على الله الْملك بعد أَبِيه المعتضد قَالَ عَليّ بن عبد الْغَنِيّ الحصري الضَّرِير
(مَاتَ عباد وَلَكِن ... بَقِي النجل الْكَرِيم)
(فَكَأَن الْحَيّ ميت ... غير أَن الضَّاد مِيم)
ابْن الْقَزاز مُحَمَّد بن عبَادَة أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْقَزاز من شعراء الذَّخِيرَة لَهُ الْيَد الطولي فِي الموشحات من شعره قَوْله
(ثناؤك لَيْسَ تسبقه الرِّيَاح ... يطير وَمن نداك لَهُ جنَاح)
(لقد حسنت بك الدُّنْيَا وشبت ... فأضحت وَهِي ناعمة رداح)
(ثناؤك فِي طلاها حلي در ... وَفِي أعطافها مِنْهُ وشاح)
(تطيب بذكرك الأفواه حَتَّى ... كَأَن رضابها مسك وَرَاح)
وَمِنْه
(يَا دوحة بظلالها أتفيأ ... بِلَا معقلاً آوي إِلَيْهِ وَأَلْجَأَ)
(رمدت جفوني مذ حللت هُنَا وَلَو ... كحلت برؤيتكم لكَانَتْ تَبرأ)
(فخبئت عَنْك وَغنما أَنا جَوْهَر ... فِي طي أصداف الْحَوَادِث أخبأ)
)
(لم أخترع فِيك المديح وَإِنَّمَا ... من بحرك الْفَيَّاض هَذَا اللُّؤْلُؤ)(3/155)
(أما بَنو عبد الحميد فَإِنَّهُم ... زهر وَأَنت هلالها المتلأليء)
(فَخر الزَّمَان بِنَا لِأَنَّك حَاتِم ... فِي جوده ولأنني المتنبيء)
وَمن موشحاته المطبوعة قَوْله
(من ولي فِي أمة أمرا وَلم يعدل ... يعْزل إِلَّا لحاظ الرشإ الأكحل)
(جرت ي حكمك ... فِي قَتْلِي يَا مُسْرِف)
(فانصف فَوَاجِب ... أَن ينصف الْمنصف)
(وارأف فَإِن هَذَا ... الشوق لَا يرأف)
(علل قلبِي بِذَاكَ الْبَارِد السلسل ... ينجلي مَا بفؤادي من جوى مشعل)
(غنما يبرد كي ... يُوقد نَار الْفِتَن)
صمًّا مصوراً من كل شَيْء حسن إِن رمى لم يخط من دون الْقُلُوب الجنن
(كَيفَ لي تخلص من سهمك الْمُرْسل ... فصل واستبقني حَيا وَلَا تقتل)
يَا سنا الشَّمْس وَيَا أَسْنَى من الْكَوْكَب
(يَا منى النَّفس ... وَيَا رَسُولي وَيَا مطلبي)
(هأنا حل ... بأعدايك مَا حل بِي)
(عذلي من ألم الهجران فِي معزل ... والخلي فِي الْحبّ لَا يسال عَمَّن بلي)
(أَنْت قد صبرت ... بالْحسنِ من الرشد غي)
(لم أجد فِي طرفِي ... حبيك دينا عَليّ)
(فاتئد وَإِن تشأ ... قَتْلِي شَيْئا فشي)
(أجمل ووالني مِنْك ندى الْمفضل فَهِيَ لي ... من حَسَنَات الزَّمن الْمقبل)
مَا اغتدى طرفِي إِلَّا بسنا ناظريك وَكَذَا فِي الْحبّ مَا بِي لَيْسَ يخفى عَلَيْك وَلذَا أنْشد وَالْقلب رهين لديك
(يَا عَليّ سلطت جفنيك على مقتلي ... فابق لي قلبِي وجد بِالْفَضْلِ يَا موئلي)(3/156)
)
3 - (ابْن عَبَّاس)
ابْن الأخرم الْحَافِظ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن أَيُّوب بن الأخرم الْحَافِظ الصبهانين توفّي سنة إِحْدَى وَثلث ماية وَاخْتَلَطَ قبل مَوته بِسنة وَكَانَ أحد الْفُقَهَاء بأصبهان سمع بعد الْأَرْبَعين وماتين أَبَا كريب زِيَاد بن يحيى وعمار بن خَالِد وَعلي بن حَرْب والمفضل بن غَسَّان الْغلابِي وروى عَنهُ أَبُو أَحْمد الْعَسَّال وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عمر وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف وَجَمَاعَة
ابْن كوذك مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن كوذك بكافين بَينهمَا وَاو وذال مُعْجمَة أَبُو عمر مولى الْقَعْقَاع بن خُلَيْد الْعَنسِي الدِّمَشْقِي توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَثلث ماية سمع ابْن الدرفس وَأحمد بن بشر الصُّورِي وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم الرواس وجعفر بن أَحْمد بن الرواس وَإِبْرَاهِيم بن دُحَيْم والمفضل بن مُحَمَّد الجندي وروى عَنهُ تَمام وَأَبُو نصر بن هرون وَعبد الْوَهَّاب الميداني والخصيب بن عبد الله بن مُحَمَّد وَأَبُو الْحسن ابْن السمسار
الرئيس أَبُو عبد الله الْهَرَوِيّ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عصم الرئيس أَبُو عبد الله بن أبي ذهل الضَّبِّيّ الْهَرَوِيّ روى عَنهُ الأيمة الْكِبَار الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن الْحَجَّاجِي وَعَامة الخرويين كَانَ يعاشر الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَله إفضال كثير عَلَيْهِم وَكَانَ يضْرب لَهُ الدِّينَار دِينَارا وَنصفا فَيتَصَدَّق بِهِ وَيَقُول إِنِّي لأفرح إِذا ناولت فَقِيرا كاغداً فيتوهم أَنه فضَّة فيفرح بِهِ فيفتحه فيفرح بِهِ ثمَّ يزنه فيفرح بِهِ ثَالِثا دخل الْحمام وَخرج فألبس قَمِيصًا مُلَطَّخًا فانتفخ وَمَات شَهِيدا قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة نبيلاً من ذَوي الأفدار الْعَالِيَة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَثلث ماية
أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الشَّاعِر الْمَشْهُور يُقَال لَهُ الطرخزي لِأَنَّهُ كَانَت أمه من خوارزم وَأَبوهُ من طبرستان وَكَانَ ابْن أُخْت مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ قَالَ الْحَاكِم فِي تَارِيخه كَانَ أوحد عصره فِي حفظ اللُّغَة وَالشعر وَكَانَ يذاكرني(3/157)
بالأسماء والكنى حَتَّى يحيرني من حفظه انْتهى قلت يُقَال إِنَّه لما قصد الصاحب ابْن عباد فَطلب الْإِذْن من حَاجِبه فَدخل وقالك بِالْبَابِ شَاعِر فَقَالَ لَهُ الصاحب قل لَهُ لَا تدخل إِلَّا إِن كنت تحفظ للْعَرَب عشْرين ألف بَيت شعر فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِك قَالَ قل لَهُ للنِّسَاء أَو للرِّجَال فَلَمَّا قَالَ ذَلِك للصاحب قَالَ لَهُ هَذَا أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ فَتَلقاهُ الصاحب وأكرمه وَأقَام فِي نعْمَته مُدَّة ثمَّ إِنَّه كتب يَوْمًا)
هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وجعلهما فِي مَكَان يجلس فِيهِ الصاحب وهما
(لَا تحمدن ابْن عباد وَإِن هطلت ... كَفاهُ بالجود حَتَّى أخجل الديما)
(فَإِنَّهَا خطرات من وساوسه ... يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا وَلَا كرما)
ثمَّ إِن الْخَوَارِزْمِيّ فَارق ابْن عباد فَلَمَّا وقف عَلَيْهِمَا قَالَ بعد أَن بلغ الصاحب مَوته
(أَقُول لركب من خُرَاسَان أَقبلُوا ... أمات خوارزميكم قيل لي نعم)
(فَقلت اكتبوا بالجص من فَوق قَبره ... أَلا لعن الرَّحْمَن من يكفر النعم)
قَالَ ابْن خلطان ووقفت فِي مُعْجم الشُّعَرَاء لِابْنِ الْمَرْزُبَان وَوجدت فِي تَرْجَمَة أبي الْقسم الْأَعْمَى واسْمه مُعَاوِيَة بن سفين يهجو الْحسن بن سهل وَكَانَ يُؤَدب أَوْلَاده
(لَا تحمدن حسنا فِي الْجُود إِن مطرَت ... كَفاهُ غزراً وَلَا تذممه إِن زرما)
(فَلَيْسَ يمْنَع إبْقَاء على نشب ... وَلَا يجود لفضل الْحَمد مغتنما)
(لَكِنَّهَا خطرات من وساوسه ... يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا وَلَا كرما)
وَالله أعلم بذلك انْتهى قلت هَذَانِ البيتان أَشد تعلقاً بِالْبَيْتِ الثَّالِث فِي التوطية لَهُ فمعوية بن سفين الْمَذْكُور أَحَق بالشعر من الْخَوَارِزْمِيّ وَقد اشْتهر بِالْبَيْتِ الثَّالِث بَين الأدباء واستعملوه مقلوباً فَقَالَ القايل من أَبْيَات سينية
(يُعْطي وَيمْنَع لَا بخلا لَا كرماً ... لَكِنَّهَا خطرات من وساوسه)
وَهَذَا النَّوْع من أحسن الشّعْر وأدله عل جودة قريحه النَّاظِم وَقد سمى مثل هَذَا أَرْبَاب البلاغة التصريع الموجه أَي فِي أول القصيدة كَقَوْل ابْن حجاج
(من شُرُوط الصبوح والمهرجان ... خفَّة الشّرْب مَعَ خلو الْمَكَان)
فَإِنَّهُ يُمكن قلب الصَّدْر عَجزا وقلب الْعَجز صَدرا وَقد ذكرت من هَذَا النَّوْع جملَة فِي كتابي الَّذِي سميته نصْرَة الثاير على الْفلك الداير وَالظَّاهِر أَن الهوارزمي الْمَذْكُور كَانَ فِيهِ ملل واستحالة لِأَن أَبَا سعيد أَحْمد بن شهيب الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ فِيهِ
(أَبُو بكر لَهُ أدب وَفضل ... وَلَكِن لَا يَدُوم على الْوَفَاء)
(مودته إِذا دَامَت لخل ... فَمن وَقت الصَّباح إِلَى الْمسَاء)(3/158)
وَقد أَقَامَ الْخَوَارِزْمِيّ بِالشَّام مُدَّة وَسكن حلب وَتُوفِّي بنيسابور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ)
(رَأَيْتُك إِن أَيسَرت خيمت عندنَا ... مُقيما وَإِن أعسرت زرت لمالما)
(فَمَا أَنْت إِلَّا الْبَدْر إِن قل ضوءه ... أغب وَإِن زَاد الضياء أَقَامَا)
أَخذه مؤيد الدّين الطغرائي فَقَالَ
(سأحجب عني أسرتي عِنْد عسرتي ... وأبرز فيهم إِن أصبت ثراء)
(ولي أسوةٌ بالبدر ينْفق نوره ... فيخفى إِلَى أَن يستجد ضِيَاء)
وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ
(يَا من يحاول صرف الراح يشْربهَا ... وَلَا يفك لما يلقاه قرطاسا)
الكأس والكيس لم يقْض امتلاؤهما ففرغ الْكيس حَتَّى تملأ الكأسا وَقَالَ وَلَقَد ذكرتك والنجوم كَأَنَّهَا در على أَرض من الفيروزج
(يلمعن من خلل السَّحَاب كَأَنَّهَا ... شرر تطاير من دُخان العرفج)
(والأفق أحلك من خواطر كاسب ... بالشعر يستجدي اللئام ويرتجي)
وَقَالَ فِي السلحفاة
(بنت قفر بَدَت لنا من بعيد ... مِثْلَمَا قد كوى البُخَارِيّ سَفَره)
(رَأسهَا رَأس حَيَّة وقراها ... ظهر ترس وجلدها جلد صخره)
(مثل فهر الْعَطَّار دق بِهِ العط ... ر فَحلت طرايف الطّيب ظَهره)
(أَو كَمَا قد قلبت جَفْنَة شرب ... نقشوها بحمرة وبصفره)
(يقطع الْخَوْف رَأسهَا فَإِذا مَا ... أمنت قر رَأسهَا مستقره)
وَقَالَ
(ولي قَمِيص رَقِيق ... يقده الأوهام)
(وجبة لَا تَسَاوِي ... تصحيفها وَالسَّلَام)
أَخذه ابْن الْخياط الدِّمَشْقِي فَقَالَ
(أسوم الْجبَاب فَلَا خزها ... أُطِيق ابتياعاً وَلَا صوفها)
(وَكَيف السَّبِيل إِلَى جُبَّة ... لمن لَيْسَ يملك تصحيفها)(3/159)
وَذكر أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الحصري فِي كتاب النورين قَالَ كَانَ أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ)
رَافِضِيًّا غاليا وَفِي مرتبَة الْكفْر عَالِيا أَخْبرنِي من رَآهُ بنيسابور وَقد كظه الشَّاب فَطلب فقاعا فَلم يجده فَقَالَ لعن بِمَا قَالَ
(إِذا اعوز الفقاع لما طلبته ... هجوت عتيقاً والدلام ونعثلا)
فَإِذا كَانَ يهتتف بِهَذِهِ الْجُمْلَة بِغَيْر عِلّة فَكيف بِهِ مَعَ تَفْرِيغ الْعِلَل وتوسيع الأمل مِمَّن يطابقه على كفره وَيُوَافِقهُ على شَره وَقَالَ ياقوت قَرَأت فِي آخر ديوانه لَهُ
(بآمل مولدِي وَبني جرير ... فأخوالي ويحكي الْمَرْء خَاله)
(فها أَنا رَافِضِي عَن تراث ... وغيري رَافِضِي عَن كلاله)
وَقَالَ يهجو شريفاً
(عوار فِي شريعتنا وقبح ... علينا لِلنَّصَارَى وَالْيَهُود)
(كَأَن الله لم يخلقه إِلَّا ... لتنعطف الْقُلُوب على يزِيد)
وَقَالَ
(وَمَا خلقت كَفاك إِلَّا ربع ... وعوايد لم يخلق لَهُنَّ يدان)
(لتقبيلي أَفْوَاه وتبديد نايل ... وتقليب هندي وجر عنان)
وَقَالَ
(عَلَيْك بِإِظْهَار التجلد للعدى ... وَلَا تظهره مِنْك الذبول فتحقرا)
(أَلَسْت ترى الريحان يشْتم ناضراً ... ويطرح فِي الْمِيضَاة أَنى تغيرا)
وَكَانَ الْخَوَارِزْمِيّ يتعصب لآل بويه ويذم آل سامان وَكَانَ فِي أَيَّام يَاسر الْحَاجِب وانهزامه إِلَى جرجان فَبسط لِسَانه فِيهِ وَفِي الْوَزير الْعُتْبِي وَبلغ الْعُتْبِي عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ
(قل للوزير أَزَال الله دولته ... جزيت صرفا على نوح بن مَنْصُور)
وَلم يكن قَالَ ذَلِك وَإِنَّمَا قيل على لِسَانه فَكتب الْوَزير إِلَى يَاسر الْحَاجِب وَأمره بمصادرته وَقطع لِسَانه وَكتب إِلَى المظفر البرغشي بذلك وَكَانَ يَلِي النبدرة بنسابور فَأَخذه البرغشي وَقبض مِنْهُ مَا يتي ألف دِرْهَم ووكل بِهِ وَأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى منزله فهرب من الموكلين وَرجع إِلَى حَضْرَة(3/160)
الصاحب فحسنت حَاله عِنْده وَكتب برد مَا أَخذ مِنْهُ وَجَرت بَينه وَبَين البديع الهمذاني مناقضات ذكرهَا ياقوت فِي كتاب مُعْجم الأدباء فِي ترجمتهما
الْحَافِظ ابْن الْفُرَات مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفُرَات أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ)
توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وَولد سنة تسع عشرَة كتب الْكثير وَجمع مَا لم يجمعه أحد فِي زَمَانه وَكَانَ عِنْده عَن عَليّ بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ وَحده ألف جُزْء وَكتب ماية تَفْسِير وماية تَارِيخ وَخلف ثَمَانِيَة عشر صندوقاً مَمْلُوءَة كتبا غير مَا سرق لَهُ وَأكْثر ذَلِك بِخَطِّهِ وَكَانَت لَهُ جَارِيَة تعَارض مَعَه مَا يَكْتُبهُ وَكَانَ مَأْمُونا ثِقَة
مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن الْحسن أَبُو جَعْفَر كَانَ وَالِده وزيراً للمكتفي وَدخل أَبُو جَعْفَر بِلَاد خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَكَانَ أديباً فَاضلا وَله القصيدة السايرة وَهِي
(لقد أَصبَحت مَنْبُوذًا ... بأطراف خُرَاسَان)
(ومجفواً نبت عَن ل ... ذة التغميض اجفاني)
(ومخصوصاً بحرمان ... من الْأَعْيَان أعياني)
وَصرف عِنْد شكواي من الآذان آذَانِي
(كَأَن الْقَصْد من إحدا ... ث أزماني أزماني)
(فكم ماسرت فِي إصلا ... ح شأني مَا مرى شاني)
(وعاينت خطوباً ج ... رعتني مَاء خطبان)
(أشابت شيب فودي ... وأفنت نور أفناني)
(أغصتني بأرياقي ... لدن إيراق أغصاني)
(وَمَا ذَنبي إِلَى هُوَ هـ ... وعني عطفه ثَانِي)
(سوى أَنِّي أرى فِي الف ... ضل فَردا لَيْسَ لي ثَانِي)
(كَأَن الْبَحْث إِذْ كش ... ف عني كَانَ عطاني)
(وَمَا حلأني إِلَّا ... زَمَانا فِيهِ حلاني)
(سأسترفد صبري إِن ... هـ من خير أعواني)
(وأستتجد عزمي إِن ... هـ والحجزم سيان)
(وأنضو الْهم عَن قلبِي ... وَإِن أنضيت جثماني)
(وأنجو بنجاء إِن ... قَضَاء الله نجاني)(3/161)
(إِلَى أرضي الَّتِي أرْضى ... وترضيني وترضاني)
(إِلَى أَرض جناها من ... جنى جنَّة رضوَان)
)
(هَوَاء كهوى النَّفس ... تصافاه صفيان)
(وَمَاء مثل قلب الص ... ب قد ريع بهجران)
(رَقِيق الأل كالآل ... وَفِيه أَمن إِيمَان)
(وترب هُوَ والمسك ... لَدَى التَّشْبِيه تربان)
(فَإِن سلمني الله ... وبالصنع تولاني)
(وأولاني خلاصاً جا ... مَعًا شملي بخلصاني)
(وأداني لوداني ... وآواني وإخواني)
(وأوطاني وأوطاني ... وَأَعْطَانِي أَعْطَانِي)
(وأخلى ذرعى الدَّهْر ... وخلاني وخلاني)
(فَإِنِّي لَا أجد العو ... د مَا دَامَ الجديدان)
(إى ل الغربة حَتَّى تغ ... رب الشَّمْس بشروان)
(وَإِن عدت لَهَا يَوْمًا ... فسجاني سجاني)
(وللموت الوحى الأح ... مر القاني ألقاني)
ابْن فسانجس الْوَزير مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُوسَى بن فسانجس أَبُو الْفرج بن أبي الْفضل من أهل شيراز كَانَ كَاتبا لمعز الدولة أبي الْحُسَيْن احْمَد ابْن بويه قَلّدهُ الدِّيوَان ورد إِلَيْهِ اسْتِيفَاء الْأَمْوَال وحفظها على وزيره أبي مُحَمَّد المهلبي فَلَمَّا مَاتَ المهلبي أشرك بَينه وَبَين الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن فِي نِيَابَة الوزارة إِلَى أَن مَاتَ معز الدولة ودبر أُمُور الوزارة لعز الدولة بختيار بن معز الدولة مُدَّة ثلثة عشر شهرا وَعشرَة أَيَّام واعتقل بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ موقر الْمجْلس رَاجِح الْحلم حسن الدّيانَة وافر الْأَمَانَة توفّي سنة سبعين وَثلث ماية
ابْن الجعفرية مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو عَليّ الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بِابْن الجعفرية الْبَغْدَادِيّ أحد خلفاء الْقُضَاة على النواحي والخطباء على المنابر شيخ من شُيُوخ أَهله روى عَن رضوَان بن جالينوس الصيدلاني وَأبي بكر الْحسن بن مُحَمَّد العلاف الشَّاعِر وروى عَنهُ القَاضِي أَبُو عَليّ التنوخي فِي نشوار المحاضرة وَأَبُو مُحَمَّد ابْن الفحام السامري توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثلث ماية(3/162)
ابْن الهمذاني مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو الْوَفَاء الأديب الْمَعْرُوف بِابْن الهمذاني من أهل البندنيجين)
من شعره
(أأيامي بِذِي الأثلاث عودى ... ليورق فِي رَبًّا الأثلاث عودي)
(فَإِن شميم هَذَا الشَّيْخ أذكى ... لدي من انتشاقي نشر عود)
(وَإِن تجاوب اليرماق أحلى ... لسمعي فِيهِ من نغمات عود)
اليزيدي مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن يحيى أبي مُحَمَّد اليزيدي أَبُو عبد الله كَانَ اخبراياً نحوياً لغوياً من يبت علم مَاتَ سنة عشر وَثلث ماية وَقيل سنة ثلث عشرَة وَقد بلغ اثْنَتَيْنِ ومثانين سنة وثلثة أشهر حدث عَن عَمه عبد الله وَعَن أبي الْفضل الرياشي وَأبي الْعَبَّاس ثَعْلَب وَغَيرهم قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ راوية للْأَخْبَار والآداب مُصدقا فِي حَدِيثه وروى عَنهُ أَبُو بكر الصولي فِي آخَرين واستعدي فِي آخر عمره لتعليم أَوْلَاد المقتدر وَله نصانيف مِنْهَا مُخْتَصر فِي النَّحْو كتاب الْخَيل مَنَاقِب بني الْعَبَّاس أَخْبَار اليزيديين
ابْن حيويه مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء بن يحيى بن معَاذ أَبُو عمر الخزاز الْمَعْرُوف بِابْن حيويه مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثلث ماية ومولده سنة خمس وَتِسْعين وماتين سمع عبد الله بن إِسْحَق المدايني وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان الباغندي وَمُحَمّد بن خلف بن الْمَرْزُبَان وخلقاً كثيرين وَكَانَ ثِقَة سمع الْكثير وَكتب طول عمره وروى المصنفات الْكِبَار مثل طَبَقَات ابْن سعد وَمَغَازِي الْوَاقِدِيّ ومصنفات ابْن الْأَنْبَارِي وَمَغَازِي سعيد بن يحيى الْأمَوِي وتاريخ ابْن أبي خَيْثَمَة وَغير ذَلِك وَحدث عَنهُ أَبُو بكر البراقني وَالْقَاضِي التنوخي وَغَيرهمَا
عماد الدّين الدنيسري الطَّبِيب الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أَحْمد ابْن صَالح الْحَكِيم البارع عماد الدّين أَبُو عبد الله الربعِي الدنيسري ولد بدنيسر سنة خمس أَو سِتّ وَقَرَأَ الطِّبّ حَتَّى برع فِيهِ وساد وَسمع الحَدِيث بالديار المصرية من عَليّ بن مُخْتَار العامري وَعبد الْعَزِيز بن باقا وَالْحسن بن دِينَار وَابْن المقير وَصَحب الْبَهَاء زهيراً مُدَّة وَتخرج بِهِ فِي الْأَدَب وَالشعر(3/163)
وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وصنف فِي الطِّبّ الْمقَالة المرشدة فِي درج الْأَدْوِيَة المفردة وأرجوزة فِي الديارق الْفَارُوق وأرجوزة نظم تقدمة الْمعرفَة لَا بقراط كتاب المثرد يطوس وَغير ذَلِك ثمَّ سَافر من دنيسر وَدخل مصر وَرجع إِلَى الشَّام وخدم بالقعلة فِي الدولة الناصرية ثمَّ خدم بالبيمارستان الْكَبِير وَكَانَ أَبوهُ خَطِيبًا بدنيسر سمع مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين ابْن صصري والموفق أَحْمد بن أبي أصبيعة والبرزالي وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست ماية وَمن شعره)
(وَقلت شهودي فِي هَوَاك كَثِيرَة ... وَأصْدقهَا قلبِي ودمعي مسفوح)
(فَقَالَ شُهُود لَيْسَ يقبل قَوْلهم ... فدمعك مقذوف قَلْبك مَجْرُوح)
وَأحسن مِنْهُ قَول الْقَائِل
(ودمعي الَّذِي يجْرِي الغرام مسلسلاً ... رمى جَسَدِي بالضعف والجفن بِالْجرْحِ)
وَمِنْه أَيْضا
(عشقت بَدْرًا ملحياً ... عَلَيْهِ بالْحسنِ هاله)
(مثل الغزال وَلَكِن ... تغار مِنْهُ الغزاله)
(فَقلت أَنْت حَبِيبِي ... ومالكي لَا محاله)
(جسمي يذوب وجفني ... دُمُوعه هطاله)
(بعثت من نَار وجدي ... مني إِلَيْهِ رساله)
(ولي عَلَيْك شُهُود ... مَعْرُوفَة بالعداله)
وَمن شعر الدنيسري أَيْضا
(أما الحَدِيث فعنهم مَا أجمله ... واللموت من جور الْهوى مَا أعدله)
(قل للعذول أطلت لست بسامع ... بَين السلو وَبَين قلبِي مرحله)
(لَا أَنْتَهِي عَن حب من أحببته ... مَا دَامَ قلبِي والهوى فِي منزله)
(ظَبْي تنبأ بالجمال على الورى ... يَا لَيْت شعري صُدْغه من أرْسلهُ)
(قد حل فِي قلبِي وكل جوانحي ... فدمي لَهُ فِي حبه من حلله)
(وحياة ناظره وعامل قده ... روحي بِعَارِض خَدّه متململه)
(هَب أنني متجنن فِي حبه ... فعذاره فِي خَدّه من سلسله)
وَمِنْه أَيْضا
(إِذا رفع الْعود تَكْبِيرَة ... ونادى على الراح دَاعِي الْفَرح)
(رَأَيْت سجودي لَهَا دايماً ... وَلَكِن عقيب رُكُوع الْقدح)(3/164)
قلت تجَاوز هُنَا فِي اسْتِعَارَة الرُّكُوع للقدح لِأَن الرُّكُوع إِنَّمَا يَلِيق استعارته بالإبريق كَمَا قَالَ ابْن مكنسة الاسكندرية
(إبريقنا عاكف على قدح ... كَأَنَّهُ الْأُم ترْضع الولدا)
)
(أَو عَابِد من بني الْمَجُوس إِذا ... توهم الكأس شعلة سجدا)
وَمن شعر الدنيسري
(كلفت بالمعسول من رِيقه ... وهمت بالعسال من قده)
(بدر إِذا أبصرته مُقبلا ... أَبْصرت بدر التم فِي سعده)
(يجرح قلبِي لحظه مثل مَا ... يجرحه لحظي فِي خَدّه)
(قلت لعذالي على حبه ... وَالْقلب موثوق على وجده)
(من يَده فِي الما إِلَى زنده ... يعرف حر لماء من برده)
وَمِنْه أَيْضا
(وَلَقَد سَأَلت وصاله فَأَجَابَنِي ... عَنهُ الْجمال إِشَارَة عَن قايل)
(فِي نون حَاجِبه وَعين جفونه ... مَعَ مِيم مبسمه جَوَاب السايل)
قلت شعر جيد
لحية الليف مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ الْمُؤَدب سمع وروى وثقة الْخَطِيب وَكَانَ يلقب بلحية الليف توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة تسعين وماتين
قَاضِي دمشق الجُمَحِي مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَمْرو الجُمَحِي القَاضِي أَصله من الْبَصْرَة وَسكن دمشق بعد التسعين وماتين وَكَانَ ورعاً صَالحا فَاضلا عفيفاً جَاءَهُ ابْن زنبور الْوَزير وَمَعَهُ كيغلغ فَجَلَسَا فَقَالَ لَهُ الْوَزير الْأَمِير كيغلغ جَاءَ فِي حكونة يَشْتَهِي أَن تقضى على اخْتِلَاف الْعلمَاء فغمض عَيْنَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا أفتحهما وأنتما جالسان فَمَا فتحهما حَتَّى قاما من مَجْلِسه توفّي بِدِمَشْق سنة سبع وَتِسْعين ماتين وَبَقِي الْبَلَد يَعْنِي دمشق شاغراً من قَاض أَيَّامًا حَتَّى وليه أَبُو زرعه مُحَمَّد بن عُثْمَان
شمس الدّين بن اللبودي الطَّبِيب مُحَمَّد بن عَبْدَانِ بن عبد الْوَاحِد الطَّبِيب الْعَلامَة البارع شمس الدّين ابْن اللبودي الدِّمَشْقِي قَالَ فِيهِ ابْن أبي أصبيعة أفضل أهل زَمَانه فِي(3/165)
الْعُلُوم الْحكمِيَّة والطب سَافر إِلَى الْعَجم واشتغل على النجيب أسعد الهمذاني وَكَانَ لَهُ ذكاء مفرط وحرص بَالغ وَله مجْلِس الأشغال خدم الظَّاهِر غَازِي بحلب ثمَّ قدم بعد مَوته إِلَى دمشق توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وست ماية وَله من الْعُمر إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة وَله من التصانيف الرَّأْي الْمُعْتَبر فِي معرفَة القاضاء وَالْقدر شرح الملخص للْإِمَام فَخر الدّين رِسَالَة فِي وجع)
المفاصل شرح فُصُول بقراط شرح مسايل حنين بن إِسْحَق وَهُوَ وَالِد الصاحب نجم الدّين ابْن اللبودي
ابْن عَبدك الْحَنَفِيّ أَبُو مُحَمَّد بن عَبدك لبصري الْحَنَفِيّ إِمَام كَبِير صنف شرح الجامعين وَغير ذَلِك وأقرأ الْمَذْهَب ودرس وَتُوفِّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَثلث ماية
قَاضِي مصر الْعَبادَانِي مُحَمَّد بن عَبدة بن حَرْب أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ الْعَبادَانِي قَاضِي مصر قَالَ البرقاني هُوَ من المتروكين ورماه ابْن عدي بِالْكَذِبِ توفّي سنة ثلث عشرَة وَثلث ماية
الْعَبْدي النسابة مُحَمَّد بن عَبدة بن سُلَيْمَان بن حَاجِب الْعَبْدي يَأْتِي فِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الْكَاتِب المغربي مُحَمَّد بن عبد ربه أَبُو عَمْرو الْكَاتِب سكن مالقة وَكتب لواليها الْمَعْرُوف بالمنتظر ثمَّ ولي عمالة حَيَّان سنة أَربع وست ماية من شعره ويروي لبَعض الْأُمَرَاء
(بَين الرياض وَبَين الجو معترك ... بيض من الْبَرْق أَو سمر من السمر)
(إِن أوترت قوسها كف السَّمَاء رمت ... نبْلًا من المزن فِي صَاف من الْغدر)
(فاعجب لِحَرْب سِجَال لم تثر ضَرَرا ... نفع الْمُحَارب فِيهَا غَايَة الظفر)
(فتح الشقايق جرحاها ومغنمها ... وشي الرّبيع وقتلاها من الثَّمر)
(لأجل هَذَا إِذا هبت طلايعها ... تدرع النَّهر واهتزت قِنَا الشّجر)
هَذَا يشبه قَول ابْن عبَادَة الْقَزاز الأندلسي وَقيل لغيره
(ألؤلؤ دمع هَذَا الْغَيْث أَن نقط ... مَا كَانَ أحْسنه لَو كَانَ يلتقط)
(بَين السَّحَاب وَبَين الْبَرْق ملحمة ... قعاقع وظبى فِي الجو تخترط)
(وَالرِّيح تحمل أنفاساً مصعدة ... مثل العبير بِمَاء الْورْد يخْتَلط)
(وَالرَّوْض ينشر من ألوانه زهراً ... كَمَا تنشر بعد الطية الْبسط)(3/166)
كتب إِلَيْهِ ابْن صقْلَابٍ مَعَ نثر أما والهوى العذري وَهُوَ يَمِين عَلَيْهِ من الطّرف الكحيل أَمِين
(لقد خضت مقداماً شاكل فيلق ... وَلما ترعني الْحَرْب وَهِي زبون)
(وَقد حاد عَن لقيا كتابك خاطري ... كَمَا حاد منخوب الْفُؤَاد طيعن)
(أَفِي كل صدر مِنْك صدر كَتِيبَة ... وَفِي كل حرف غَارة وكمين)
)
(عجبت للفظ مِنْك ذاب نحافة ... وَمَعْنَاهُ ضخم مَا أردْت سمين)
(وأعجب من هذَيْن أَن بَيَانه ... حَيَاة لأرباب الْهوى ومنون)
(زحمت بِهِ فِي غنجها مقل الدمى ... وَعلمت سحر النفث كَيفَ يكون)
فَأجَاب ابْن عبد ربه
(أيا رَاكِبًا إِن الطَّرِيق يَمِين ... وَحَيْثُ ترى حَيا فَفِيهِ كمين)
(وَإِنِّي وَإِن أفلت مِنْهُم فَإِنَّمَا ... نجوت وقلبي باللحاظ طعين)
(عُيُون حَيَاة النَّفس بَين لحاظها ... وَإِن كَانَ فِي تِلْكَ اللحاظ منون)
(وأعلق مِنْهَا بالنفوس وَقد جرى ... حَدِيثك يَوْمًا والْحَدِيث شجون)
(سطور كهاتيك اللحاظ بِعَينهَا ... تَقول لنَفس السحر كن فَيكون)
(وَمَا كنت أَدْرِي قبل فن نهجته ... بِأَن بلاغات الرِّجَال فنون)
الجهشياري مُحَمَّد بن عَبدُوس بن عبد الله الجهشياري بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة بعد الْهَاء مُصَنف كتاب الوزراء كَانَ فَاضلا مداخلاً للدول مَاتَ فِي بَغْدَاد سنة إِحْدَى وثلثين وَثلث ماية مستتراً واستتر أَوْلَاده وحاشيته وَكَانَ حاجباً بَين يَدي الْوَزير أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن دَاوُد بن الْجراح وَقَالَ مُحَمَّد بن إسحب ابْتَدَأَ الجهشياري بتأليف كتاب اخْتَار فِيهِ ألف سمر من أسمار الْعَرَب والعجم وَالروم وَغَيرهم كل خبر قديم بِذَاتِهِ لَا تعلق لَهُ بِغَيْرِهِ وأحضر المسامرين وَأخذ عَنْهُم أحسن مَا يعْرفُونَ وَاخْتَارَ من الْكتب المصنفة فِي الأسمار والخرافات مَا يحلو بِنَفسِهِ من تَتِمَّة ألف سمر وَقَالَ وَرَأَيْت من ذَلِك عدَّة أَجزَاء بِخَط أبي الطّيب أخي الشَّافِعِي وصنف كتاب الوزارء وَكتاب ميزَان الشّعْر والاشتمال على أَنْوَاع الْعرُوض وَأما نسبته إِلَى جهشيار فَإِن أَبَاهُ كَانَ يخْدم أَبَا الْحسن عَليّ بن جهشيار القايد حَاجِب الْمُوفق وَكَانَ هصيصاً بِهِ فنسب إِلَيْهِ(3/167)
3 - (ابْن عبدون)
الْوراق السُّوسِي مُحَمَّد بن عبدون الْوراق السُّوسِي بل هُوَ من أكَابِر القيروان لَكِن أَبوهُ سكن سوسة قَالَ ابْن رَشِيق هُوَ شَاعِر وطي الْكَلَام كلف بعذوبة اللَّفْظ وَالْمعْنَى الْبعيد يتسلك إِلَيْهِ بلطافة ارتحل سنة ثلث وَتِسْعين وَثلث ماية إِلَى ثِقَة الدولة يُوسُف وامتدحه وَأحسن إِلَيْهِ وأضافه إِلَى وَلَده جَعْفَر وأكرمه قَالَ يتشوق إِلَى وَطنه
(يَا قصر طارف همي فِيك مَقْصُور ... شوقي طليق وخطوي عَنْك مَقْصُور)
(إِن نَام جَارك إِنِّي سَاكن أبدا ... أبْكِي عَلَيْك وباكي الْعين مَعْذُور)
(عِنْدِي من الوجد مَا لَو فاض عَن كَبِدِي ... إِلَيْك لاحترقت من حولك الدّور)
(لَا هم إِن الْهوى والوجد قد غلبا ... صبري فَكل اصْطِبَارِي فيهمَا زور)
وَقَالَ أَيْضا
(وَلما رَأَيْت الْبَدْر قُمْت مُسلما ... عَلَيْهِ وأظهرت الخضوع لَدَيْهِ)
(وَقلت لَهُ إِن الْأَمِير ابْن يُوسُف ... شبيهك قد عز الْوُصُول إِلَيْهِ)
(فَكُن لي شَفِيعًا عِنْده ومذكراً ... إِذا جِئْته تبغي السلان عَلَيْهِ)
تسلط على هَذَا الْمَعْنى من قَول ابْن الرُّومِي
(بِاللَّه يَا قمر الدجا ... كن لي إِلَى قمري شَفِيعًا)
وَقَالَ يرثي جَارِيَته وَابْنه
(قبر بسوسة قد قبرت بِهِ النهى ... أدرجت لحدي فِي مدارج لحده)
(أسكنته سكني ورحت كأنني ... فِي الأَرْض لَا بشرا أرى من بعده)
(عجبا لمن ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ... أَو مد كفا فِي الصَّعِيد لرده)
(صمت عَليّ مسامعي فِي رقّه ... وضعفت من صعق الصُّرَاخ ورعده)
(وجهدت أَن أبْكِي فَلم أجد البكي ... مَاء بخدي وَالتُّرَاب بخده)
(مَا الشَّأْن فِي جزعي عَلَيْهِ وحسرتي ... الشَّأْن فِي قرب الخيال وَبعده)
(طَال انتظاري للهدو وَلَيْسَ لي ... جفن يُطَابق جفْنه فِي ترده)
(هَيْهَات قد منع الهدو لناظري ... قبران ذَا ولد وَذَاكَ لوده)(3/168)
الجيلي الطَّبِيب مُحَمَّد بن عبون الجيلي العدوين رَحل إِلَى الْمشرق سنة تسع وَأَرْبَعين وَثلث)
ماية وَدخل الْبَصْرَة وَلم يدْخل بَغْدَاد وَدخل مصر ودبر مارستانها وَمهر بالطب ونبل فِيهِ وَأحكم كثيرا من أُصُوله وعانى الْمنطق عناية صَحِيحَة وكل شَيْخه فِيهَا أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن بهران السجسْتانِي الْبَغْدَادِيّ وَرجع إِلَى الأندلس سنة سِتِّينَ وَثلث ماية وَكَانَ قبل أَن يتطبب مؤدباً بِالْحِسَابِ والهندسة وَله فِي التكسير كتاب حسن قَالَ القَاضِي صاعد وَأَخْبرنِي أَبُو عُثْمَان سعيد بن نحمد بن البغونش الطيطلي أَنه لم يبْق فِي قرطبة أَيَّام طلبه فِيهَا من يلْحق بِمُحَمد بن عبون الجيلي فِي صناعته وَلَا يجاريه فِي الطِّبّ وَضَبطه وَحسن دربته وإحكامه لغامض ذَلِك
الطنافسي مُحَمَّد بن عبيد بن أبي أُميَّة الطنافسي الْكُوفِي الأحدب أَخُو الْأُخوة روى عَنهُ الْجَمَاعَة قَالَ أَحْمد وَابْن معِين عمر وَمُحَمّد وَيعْلي بَنو عبيد ثِقَات وَكَانَ كثير الحَدِيث صَاحب سنة وَجَمَاعَة قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة كَانَ مِمَّن يقدم عثمن على عَليّ وَقل من يذهب إِلَى هَذَا الْمَذْهَب من أهل الْكُوفَة توفّي سنة خمس وماتين
المَسْعُودِيّ مُحَمَّد بن أبي عُبَيْدَة بن معن المَسْعُودِيّ روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة رُوِيَ عَن ابْن معِين أَنه قَالَ ثِقَة وَتُوفِّي سنة خمسين وماتين
الْمحَاربي مُحَمَّد بن عبيد بن مُحَمَّد بن وَاقد أَبُو جَعْفَر الْمحَاربي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ قَالَ النَّسَائِيّ لَا بَأْس بِهِ وَتُوفِّي سنة خمسين وماتين أَو مَا دونهمَا
الْأَزْدِيّ مُحَمَّد بن عبيد بن عَوْف الْأَزْدِيّ قَالَ ابْن المزربان أدْرك الدولة العباسية وَكَانَ شَاعِرًا فصيحاً يَقُول
(وَإِنِّي لأستبقي إِذا الْعسر مسني ... بشاشة وَجْهي حِين تبلى الْمَنَافِع)(3/169)
(مَخَافَة أَن أقلى إِذا جِئْت سايلاً ... وترجعني نَحْو الرَّجَاء المطامع)
وَيَقُول
(يَقُولُونَ ثَمَر مَا اسْتَطَعْت وَإِنَّمَا ... لوَارِثه مَا ثَمَر المَال كاسبه)
(فكله وأطعمه وخالسه وَارِثا ... شحيحاً ودهراً تعتريك نوابيه)(3/170)
3 - (ابْن عبد الْأَعْلَى)
الصَّنْعَانِيّ مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ الْقَيْسِي روى لَهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وثقة أَبُو حَاتِم وَغَيره توفّي سنة خمسين وماتين أَو مَا ودنها
ابْن عليل مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى أَبُو هَاشم الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي يعرف بِابْن عليل توفّي سنة ثلث وَعشْرين وَثلث ماية(3/171)
3 - (ابْن عبد الأول)
شُجَاع الدّين الركبدار مُحَمَّد بن عبد الأول بن عَليّ بن هبة الله أَبُو الْوَقْت الوَاسِطِيّ ركبدار الْمُسْتَنْصر شيخ صَالح خير أديب شَاعِر يلقب شُجَاع الدّين الْمُقْرِئ كَانَت لَهُ حُرْمَة وافرة سمع وروى وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وست ماية(3/172)
3 - (ابْن عبد الْبَاقِي)
ابْن البطي مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن أَحْمد بن سلمَان أَبُو الْفَتْح ابْن أبي الْقَاسِم الْحَاجِب الْمَعْرُوف بِابْن البطي من سَاكِني الصاغة من دَار الْخلَافَة قَالَ ابْن النجار مُحدث بَغْدَاد فِي وقته بِهِ ختم الْإِسْنَاد عني بِهِ أَبُو بكر بن الخاضبة فَسَمعهُ الحَدِيث الْكثير وَأثبت لَهُ مسموعاته وَأخذ لَهُ الإجازات من الْمَشَايِخ وبورك لَهُ فِي عمره حَتَّى انتشرت عَنهُ الرِّوَايَة واتصل فِي شبابه بالأمير يمن أَمِير الجيوش وَغلب عَلَيْهِ وعَلى جَمِيع أُمُوره وفوض إِلَيْهِ أَكثر أُمُور النَّاس فقصده النَّاس وَظهر مِنْهُ كل خير مَعَ نزاهة عَمَّا يحمل إِلَيْهِ من حطام الدُّنْيَا فَلَمَّا توفّي يمن امْتنع من خدمَة غَيره وَجلسَ فِي بَيته مشتغلاً بِنَفسِهِ فقصده النَّاس وسمعوا عَلَيْهِ وَكَانَ شَيخا صَالحا حسن الطَّرِيقَة محبا للْحَدِيث صَدُوقًا أَمينا وَكَانَت لَهُ إجَازَة من الشريف أبي نصر نحمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي وَسمع مِنْهُ الشُّيُوخ الْكِبَار كَأبي الْفضل بن نَاصِر الْحَافِظ وَعبد الْخَالِق بن أَحْمد بن يُوسُف وَسعد الْخَيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد وَغَيرهم وروى عَنهُ جمَاعَة توفيوا قبله مولده سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع ماية ووفاته سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس ماية
ابْن الضبياني مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي أَبُو نصر الْكَاتِب سمع أَبَا طَالب بن غيلَان وَأَبا عَليّ بن وشاح وَأَبا بكر الْخَطِيب وَأَبا الْفضل بن خيرون وَغَيرهم وَكَانَ أحد ظرفاء بَغْدَاد وأدبايها من شعره
(كَيفَ السَّبِيل إِلَى سلوك محجة ... فِي الْوَصْل تستبقي الصّديق صديقا)
)
(إِن زرته مدَدا يمل وَإِن أزر ... غبا يرَاهُ قطيعة وعقوقا)
ابْن الرسولي الخباز مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن المؤمل ابْن الرسولي الخباز أَبُو نصر الأديب الشَّاعِر قَالَ ابْن النجار كَانَ حسن الشّعْر مليح الْخط سمع مِنْهُ أَبُو الْعِزّ ابْن كادش اقطاعاً وقصيدة من شعره وَمن قَوْله فِي الشمعة
(وضئيلة نطقت بِالسِّنِّ عِبْرَة ... تَشْكُو وَمَا ملكت لِسَان النَّاطِق)
(فِي ضرّ مشتاق ولون متيم ... وخيال مهجور وعبرة عاشق)
(قَامَت على قدم تناصب لَيْلهَا ... حَتَّى لقد فنيا بصبح طَارق)
القَاضِي بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء محمّد بن عبد الْبر بن يحيى بن عَليّ ابْن تَمام أقضى الْقُضَاة بهَا الدّين أَبُو الْبَقَاء ابْن القَاضِي سديد الدّين الْأنْصَارِيّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي مولده سنة(3/173)
سبع وَسبع ماية فِي ذِي الْحجَّة قَرَأَ الْقُرْآن وَحفظ التَّنْبِيه والمنهاج للبيضاوي وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان وَهُوَ من أجل تلامضته فِي الْعَرَبيَّة وكمل اشْتِغَاله على ابْن عَمه قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ سمع على الواني وعَلى أَشْيَاخ عصره وَسمع بِقِرَاءَتِي على أثير الدّين قِطْعَة من شعره وجود الْعَرَبيَّة وَأكْثر من نقلهَا وجود الْفِقْه والأصلين وَشرع فِي تعليقة على الْحَاوِي وَلما خرج القَاضِي تَقِيّ الدّين إِلَى قَضَاء بِالشَّام لم يخرج مَعَه غَيره من أَقَاربه وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة لَا يُبَاشر شَيْئا وَسَأَلَهُ ابْن عَمه فِي نيابته فِي الْقَضَاء بِدِمَشْق فَامْتنعَ فَدخل عَلَيْهِ برفاقه الْقُضَاة الثَّلَاثَة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وكلفوه إِلَى أَن وَافق على ذَلِك وَعمل النِّيَابَة على أحسن طَرِيق وساس النَّاس سياسة حَسَنَة ورتبه الْأَمِير سيف الدّين تنكز رَحمَه الله تَعَالَى مصدرا بالجامع الْأمَوِي يشغل النَّاس بِالْعلمِ ويفتي فِي مَذْهَب الشَّافِعِي فَكتبت لَهُ توقيعاً بذلك ونسخته رسم بِالْأَمر العالي لَا زَالَت أوامره المطاعة تزيد الْعلم بهاءاً وترفع لَهُ بِمن توليه إِذْ توليه النعم لواءاً وتفيده على مر الْأَيَّام من وسمه واسْمه بقاءاً أَن يرتب فِي كَذَا ركوناً إِلَى فَضله الَّذِي أظهره الأختيار وأبانه وساعده الِاجْتِهَاد على مَا حصله وأعانه وَتحقّق الْعلم أَنه بهاؤه فَلهَذَا جمله بِمَا حمله مِنْهُ وزاده وزانه وَشهِدت مصر لفنونه المتعددة أَنه سهم خرج من كنانه أما القراآت فَمَا يبخل السخاوي أَن يكون من حزبه وَمَا يبتعد الداني أَن يتَمَنَّى تيسير قربه وَأما الْفِقْه فالقفال لَا يدْخل مَعَه فِي بَابه وَابْن الصباع تتلون عَلَيْهِ الْوُجُوه فَمَا ترْضى فِيمَا أَتَى بِهِ وَأما النَّحْو فالفارسي لم يبْق لَهُ فِي الْعَرَبيَّة إِيضَاح وَلَا تَكْمِلَة وَابْن جنى غَابَ من أول مَا)
ذكر الْبَسْمَلَة وَأما الْفَتَاوَى فَإِنَّهَا تفيأت ظلّ قلمه وطوى ابْن الصّلاح لَهَا نشر علمه وَأما الْأَحْكَام فَمَا أسْرع سهم إِصَابَته فِيهَا نفاذا وَأطيب ثناءه حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيّ من قَالَ أقضى الْقُضَاة عني فَإِنَّمَا عني هَذَا فليباشر مَا فوض إِلَيْهِ ناشراً علم علمه الباهر مظْهرا نكت فَضله الَّتِي مَا علم ابْن حزم بَاطِن حسنها فِي الظَّاهِر باحثاً عَن الخبايا لِأَنَّهُ شافي العي فِي مَذْهَب الشَّافِعِي ماكثاً على إِفَادَة الطّلبَة مَا ضمه الرَّافِعِيّ باذلاً مَا عِنْده من الْعلم الَّذِي هُوَ أخبر بِمَا جَاءَ فِي حق من كتمه عَاملا على إِظْهَار الغوامض لمن حصل مَحْفُوظًا وَمَا فهمه مهدياً من نفايس مَا ادخر من الْجَوَاهِر الَّتِي يتحلى بهَا لانحر مبدياً فوايده الَّتِي اكتسبها من ابْن عَمه حَتَّى يُقَال ابْن عبد الْبر يحدث عَن الْبَحْر مُقَيّدا بطريقه فَعم الرجل صنو أَبِيه مهتدياً بِهِ فِيمَا يَأْتِيهِ عِنْد انقياده وتأبيه وعَلى كل حَال فَهُوَ أَبوهُ شَاءَ الْعرف أَو أَبى لِأَن بعض الْمُفَسّرين ذهب إِلَى أَن آزر عَم إِبْرَاهِيم وَقد سَمَّاهُ الله أَبَا فقد طلعتما بأفق الشَّام نيرين وأحيى الله بكما سيرة العمرين مَا ذكر فضلطما فِي الأوراق إِلَّا وراق لَا طلع بدر علمكما فِي الْآفَاق إِلَّا فاق قد انْكَشَفَ بكما من الْبَاطِل زيفه وبهرجه ونصرتما الشَّرْع لأنكما من قوم هم أوسه وخزرجه طالما كثر الْأَنْصَار يَوْم الْيَأْس إِذا قل النَّاس وقلوا يَوْم الطمع وَلَو خر سيف من العيوق منصلتاً مَا كَانَ إِلَّا على هاماتهم يَقع وحقيق بِمن كَانَ من هَؤُلَاءِ وَهُوَ فرعهم(3/174)
الزاكي ونجلهم الَّذِي يعجز عَن وَصفه الحاكي أتجري على أعراقهم جياده وَأَن يكون بِإِزَاءِ دم الشَّهِيد مداده والوصايا كَثِيرَة وَالتَّقوى زمامها وإمامها إِذا تقدم كل جمَاعَة أمامها إمامها فَلَا تعطل من حليها عُنُقك وَلَا تخل من بدورها أفقك وَالله يجمل بك الْأَيَّام والأنام ويديم لَهُم فضلك الَّذِي أراح جفنهم من الأرق وأنام والخط الْكَرِيم أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وكتبت لَهُ توقيعاً آخر وَهُوَ أَجود من هَذَا وأكبر وَلم يكن حَاضرا عِنْد تعليقي هَذِه التَّرْجَمَة وَطلبت مِنْهُ شَيْئا من نظمه لأثبته فوعد بِهِ فَلَمَّا عاودته فِي ذَلِك أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(أأعرض أشعاري عَلَيْك وَإِنَّهَا ... لمختلة الأوزان نَاقِصَة الْمَعْنى)
(وَأَنت خَلِيل الْوَقْت وَارِث علمه ... إِلَيْك يُشِير الْفضل إِن مُشكل عَنَّا)
(وَإِن قريضي بَين أزهار روضكم ... أَخُو البقلة الحمقاء فِي الرَّوْضَة الْغِنَا)
(فعفواً وتنزيهاً لجمع كَأَنَّهُ ... عُقُود اللآلي فَوق نَاصِيَة الحسنا)
)
(فَلَا زلت للآداب تعمر ربعهَا ... إِذا مَا وَهِي ركن أَقمت لَهُ ركنا)
وكتبت إِلَيْهِ
(يَا قَاضِيا أَحْكَامه لم تزل ... وَقفا على مَا جرت القاعده)
(ومنن فَتَاوِيهِ كشمس الضُّحَى ... إِن أظلمت مَسْأَلَة وارده)
(وَمن إِذا حئنا بِمَعْنى أَتَت ... لَهُ معَان بعد ذَا زايده)
(وَمن معاليه تحلت بِمَا ... بهجته بَين الورى خالده)
(صليت خمْسا عِنْد أَوْقَاتهَا ... ناسي غسل الْوَجْه فِي الواحده)
(فَقَالَ لي مفت تَوَضَّأ وص ... ل الْخمس طراً تصلح الفاسده)
(فَقلت فعلت الْأَمر لَكِن وَج ... هِيَ غسله رحت إِذا فاقده)
(قَالَ تَوَضَّأ ثمَّ صل العشا ... لَا غير واغنم هَذِه الفايده)
(فأوضح الْعلَّة فِي حكم مَا ... قلت وَنبهَ فكرتي الراقده)
(وَدم قرير الْعين فِي نعْمَة ... صلَاتهَا طول المدى عايده)
فَكتب الْجَواب عَن ذَلِك
(يَا فَاضلا فاق جَمِيع الورى ... وَمن غَدا فِي عصره واحده)
(وَمن غَدَتْ ألسن أهل النهى ... جَمِيعهَا لفضله حامده)
(وَمن إِذا مَا رام نظماً أَتَت ... لَهُ القوافي كلهَا ساجده)
(سَأَلتنِي عَن وَاضح عنْدكُمْ ... وَقلت نبه فكرتي الراقده)
(حاشاك يَا من لم يزل سامياً ... إِلَى العلى بهمة صاعده)(3/175)
(إِن الَّذِي لخمسة قد أَتَى ... ناسي غسل الْوَجْه فِي الواحده)
(وَقَالَ مفتيه تَوَضَّأ وص ... ل الْخمس طراً واسلك القاعده)
(وَحين صلاهَا بِهِ نَاقِصا ... قَالَ العشا تَكْفِي بِلَا زايده)
(من شَرطه أَن وضوء العشا ... لم ينْتَقض وَمن هُنَا الفايده)
(وَإِن يكن نقص بِهِ حَاصِل ... كَانَت صلَاته بِهِ الفاسده)
(وَهِي العشا فقد بدا أَنَّهَا ... تكفيه يَا ذَا الْفطْرَة الواقده)
(وعندك الْعلم بذا متقناً ... فعنك مَا مَسْأَلَة شارده)
)
(لكنني أجبتكم طايعاً ... أَمركُم وستركم قاصده)
(فابسط لي الْعذر فلي فطْرَة ... مَا بَرحت طول المدى جامده)
(وَالله يبقي للعلى فَضلكُمْ ... فَهُوَ بكم فِي بهجة زايده)(3/176)
3 - (ابْن عبد الْجَبَّار)
الكريزي الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار الكريزي الْمَكِّيّ يكنى أَبَا بكر قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان كَانَ شَاعِر مَكَّة فِي زمن المتَوَكل وَكَانَ يتعصب على أبي تَمام الطَّائِي
السَّمْعَانِيّ الْمروزِي الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد القَاضِي أَبُو مَنْصُور السَّمْعَانِيّ الْمروزِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ وسمعان بطن من تَمِيم كَانَ إِمَامًا ورعاً نحوياً لغوياً لَهُ مصنفات وَهُوَ وَالِد الْعَلامَة أبي المظفر مَنْصُور السَّمْعَانِيّ مُصَنف الاصطلام ومصنف الْخلاف الَّذِي انْتقل من مَذْهَب أَبِيه إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي توفّي سنة خمسين وَأَرْبع ماية أَو فِيمَا دونهَا وَقد ذكره الباخرزي فِي الدمية وَقَالَ أنشدت بِحَضْرَتِهِ قصيدة فِي مدح السَّيِّد ذِي المجدين أبي الْقسم عَليّ بن مُوسَى الموسوي وَذكر الباخرزي جانباً جيدا من القصيدة وَقَالَ فَقَالَ أَبُو مَنْصُور السَّمْعَانِيّ فِي بديهة
(حسن شعر وَعلا قد جمعا ... لَك جمعا يَا عَليّ بن الْحسن)
(أَنْت فِي عين العلى كحل وَمن ... رد قولي فَهُوَ فِي عين الوسن)
قَالَ الباخرزي وَقلت أَنا فِيهِ
(شغلت بسمعاني مرو مسامعي ... فحزت المنى من أوحد الْعَصْر فَرده)
(وألبست زيا من نسايج وشيه ... وقلدت سمطاً من جَوَاهِر عقده)
(وسرحت مِنْهُ الطّرف فِي متواضع ... أبي نخوة الْجَبَّار وَهُوَ ابْن عَبده)
(فَبَاتَ غرير الْعَيْش فِي بَيت عزه ... وظل قرير الْعين فِي ظلّ مجده)
قَالَ وأنشدني لَهُ
(الْحَمد لله على أَنه ... لم يبلني بِالْمَاءِ والضيعة)
(فالماء يغنى مَاء وَجه الْفَتى ... وَصَاحب الضَّيْعَة فِي ضَيْعَة)
الجويمي المقرى الْفَارِسِي مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الْحسن(3/177)
الجويمي الْفَارِسِي أَبُو سعد الْمُقْرِئ من أهل شيراز أحد الْقُرَّاء الْمَشْهُورين قَرَأَ على الْمَشَايِخ واشتغل بِجمع القراآت)
وطلبها ورحل فِي طلبَهَا حَتَّى صَار فِيهَا ماهراً وصنف فِي ذَلِك مُفْرَدَات وَجمع جموعاً وَسكن بَغْدَاد وَحدث بهَا قَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو بكر الْمُبَارك بن كَامِل بن أبي غلب الْخفاف وَذكره فِي مُعْجم شُيُوخه توفّي سنة عشر وَخمْس ماية
حفيد الْعُتْبِي مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار الْعُتْبِي من عتبَة بن غَزوَان وَهُوَ حفيد الْعُتْبِي كَاتب السُّلْطَان مَحْمُود مولده ومنشأه بِالريِّ وَتُوفِّي سنة ثلث عشرَة وَأَرْبع ماية
الأسفرايبني الْمُتَكَلّم مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن عَليّ الأسفراييني أَبُو بكر بن أبي الْقسم الْمُتَكَلّم الاسكاف إِمَام جَامع المنيعي توفّي سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية
ابْن الدويك الفلكي الأرمنتي مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار معِين الدّين الأرمنتي الفلكي الْمَعْرُوف بِابْن الدويك قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي كَانَ ينظم وأنشدني من نظمه وَكَانَ يعْمل التقاويم وَأَخْبرنِي فِي بعض السنين أَن النّيل مقصر فجَاء نيلاً جيدا فَعمل فِيهِ بَعضهم أبياتاً مِنْهَا قَوْله
(أخرم تقويمك يَا ابْن الدويك ... من أَيْن علم الْغَيْب يُوحى إِلَيْك)
ولد سنة إِحْدَى وَخمسين وست ماية وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وَسبع ماية(3/178)
3 - (ابْن عبد الْجَلِيل)
مُحَمَّد بن عبد الْجَلِيل بن عبد الْكَرِيم جمال الدّين أَبُو عبد الله الموقاني الأَصْل الْمَقْدِسِي المولد الدِّمَشْقِي الدَّار والوفاة مولده مستهل سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخمْس ماية مَعَ الْكثير وَكتب وَحدث وَكَانَ يَشْتَرِي الْكتب النفيسة للإنتفاع والمتجر وَكَانَ لَهُ معرفَة ويقظة وَيَشْتَرِي الْأَشْيَاء الظريفة من كل صنف ظريف توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وست ماية وَدفن بسفح قاسيون أهْدى للأمير جمال الدّين مُوسَى ين يغمور كتبا نفسية ومُوسَى وَكتب مَعَ ذَلِك
(بعثت بكتب نَحْو مولى قد اغتدت ... كِتَابَته يزهى بهَا الْغَوْر والنجد)
وَأهْديت مُوسَى نَحْو مُوسَى وَلم يكن بتشريكه فِي اللَّفْظ قد أَخطَأ العَبْد
(فَهَذَا لَهُ حد وَلَا فضل عِنْده ... وَذَاكَ لَهُ فضل وَلَيْسَ لَهُ حد)
قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني وَظَاهر الْحَال أَن هَذِه الأبيات لسعد الدّين مُحَمَّد بن الْعَرَبِيّ فَإِن الْجمال لم يكن لَهُ يَد فِي النّظم وَكَانَ صَاحبه وَيعْمل لَهُ الشّعْر فَلَمَّا مَاتَ ادّعى جمال الدّين أَنه تَابَ من عمل الشّعْر فنظم بهاء الدّين المغربي فِي ذَلِك
(مت الْجمال بأشعار سِرين لَهُ ... فَقلت لَيْسَ عجيباً من فَتى الْعَرَب)
)
(وَتَابَ عَنْهَا وَكَانَ السعد يَخْدمه ... فِيهَا وَلَوْلَا زَوَال السعد لم يتب)
وَلما قدم الشَّيْخ نجم الدّين الباذرائي من بَغْدَاد وَمَعَهُ تَقْلِيد الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين الصَّغِير عَن الْخَلِيفَة كتب إِلَيْهِ الْجمال على مَا ادّعى
(وافى بِسَعْد للأنام جليل ... مجم تطلع من بروج سعود)
(يَا أَيهَا الْمولى الَّذِي أضحى الورى ... من فَضله فِي نعْمَة ومزيد)
(إِنِّي عهدتك فِي الْعُلُوم مُقَلدًا ... فعجبت كَيفَ أتيت بالتقليد)
وَمن الْمَنْسُوب إِلَيْهِ
(لذيذ الْكرَى مذ فارقوا فَارق الجفنا ... وواصل قلبِي بعد بعدهمْ الحزنا)(3/179)
(فَمَا رحلوا حَتَّى استباحوا نفوسنا ... كَأَنَّهُمْ كَانُوا أَحَق بهَا منا)
(وَلَوْلَا الْهوى العذري مَا انْقَادَ للهوى ... نفوس رَأَتْ فِي طَاعَة الْحبّ أَن تفنى)
الْحَافِظ كوتاه الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن عبد الْجَلِيل بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد أَبُو حَامِد ابْن أبي مَسْعُود الْمَعْرُوف بكوتاه من أهل اصبهان كَانَ من حفاظ الحَدِيث الْمشَار إِلَيْهِم فِي الْمعرفَة والاتقان لَهُ كتاب أَسبَاب الحَدِيث على مِثَال أَسبَاب النُّزُول لِلْوَاحِدِيِّ لم يسْبق إِلَيْهِ وَجمع كَبِيرا لأصبهان لم يبيضه سمع الْكثير فِي صباه وبنفسه وَكتب بِخَطِّهِ قَالَ ابْن النجار وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا توفّي سنة ثلث وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية(3/180)
3 - (ابْن عبد الْحق)
جمال الدّين الْمُحْتَسب الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عبد الْحق بن خلف جمال الدّين أَبُو عبد الله الْحَنْبَلِيّ كَانَ فَاضلا ظريفاً حسن الْأَخْلَاق يؤرخ الوقايع والمتجددات والوفيات تولى حسبَة جبل الصالحية وَتُوفِّي بِهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتِّينَ وست ماية(3/181)
3 - (ابْن عبد الحميد)
الْعَلَاء السَّمرقَنْدِي نحمد بن عبد الحميد بن الْحُسَيْن بن الْحسن أَبُو الْفَتْح الأسمندي السَّمرقَنْدِي الْمَعْرُوف بِالْعَلَاءِ كَانَ فَقِيها مناظراً بارعاً صنف فِي الْخلاف وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس ماية كَانَ من فحول الْحَنَفِيَّة ورد بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن ابْن مازة البُخَارِيّ وروى عَنهُ أَبُو البركات مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ قَاضِي أسيوط فِي مشيخته
أَبُو طَالب الْعلوِي مُحَمَّد بن عبد الحميد بن عبد الله بن أُسَامَة بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن عمر بن يحيى بن الحسينن بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو طَالب الْعلوِي من أهل الْكُوفَة أديب فَاضل لَهُ معرفَة بالأنساب قَالَ ابْن النجار قدم بَغْدَاد وروى بهَا شَيْئا من شعره وَأورد لَهُ
(وصادحة باتت ترجع شجوها ... وَتظهر مَا ضمت عَلَيْهِ ضلوعي)
(تنوح إِذا مَا اللَّيْل أرْخى سدوله ... فَتذكر أشجاني بكم وولوعي)
(فياليت شعري والأماني ضلة ... هَل الله يقْضِي بَيْننَا بِرُجُوع)
(فنبلغ أوطاراً ونقضي مآرباً ... ويلتذ طرفِي من كرى بهجوع)
(وَمَا ذَاك من فعل الْإِلَه وصنعه ... غَرِيبا وَمَا من حوله ببديع)
قلت شعر مَقْبُول ومولده فِي رَجَب سنة تسع وَخمسين وَخمْس ماية(3/182)
3 - (ابْن عبد الْخَالِق)
الْمسند شرف الدّين الاسكندراني مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق بن طرخان الْمسند شرف الدّين أَو عبد الله الإسْكَنْدراني قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين الْمزي عَنهُ شيخ حسن سمع الْكثير من الْحَافِظ أبي الْحسن الْمَقْدِسِي وَعبد الله بن عبد الْجَبَّار العثماني وَمُحَمّد بن عماد وَأَجَازَ لَهُ أسعد بن سعيد بن روح وَجَمَاعَة كَثِيرُونَ وَكَانَ عسرا فِي الرِّوَايَة تفرد بعلو رِوَايَة الشفاه لعياض من ابْن جُبَير الْكِنَانِي وأجازت لَهُ عفيفة الفارقانية توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وست ماية
أَبُو عبد الله الصُّوفِي مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق بن أَحْمد بن عبد القارد بن مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو عبد الله أَخُو أبي الْحُسَيْن عبد الْحق وَأبي نصر عبد الرَّحِيم وَكَانَ الْأَصْغَر مِنْهُمَا ولد بيزد وَنَشَأ بهَا مَعَ أَبِيه وَسمع بهَا من أبي سعد اسماعيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَورد مَعَ وَالِده إِلَى بَغْدَاد فاسمعه من القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبدِ الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز وَمُحَمّد بن عبد الْملك بن خيرون وَأحمد ابْن مُحَمَّد الزوزني وَسمع من جمَاعَة وَبَالغ فِي الطّلب وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل الْأُصُول وَقَرَأَ على الْمَشَايِخ روى عَنهُ حَمْزَة السلمى ابْن المزازيني وَأَبُو الْمَوَاهِب الْحسن بن هبة الله ابْن مَحْفُوظ بن صصري وَكَانَ صوفياً استوطن الْموصل إِلَى حِين وَفَاته قَالَ ابْن النجار خَالف طَريقَة آبايه وَأهل بَيته فِي الثِّقَة وادخل على أبي الفضلبن الطوسي خطيب الْموصل مَا لَيْسَ مسموعاً لَهُ وأفسد عَلَيْهِ رواياته وزور لَهُ سماعات بَاطِلَة وأقدم على أُمُور عِظَام وقلده النَّاس فِي ذَلِك وقبلوا قَوْله حَتَّى فضحه الله وأوضح كذبه فَترك النَّاس الِاحْتِجَاج بنقله واطرحوا مَا كَانُوا سمعُوا بقوله وَلم تطل أَيَّامه بعد ذَلِك حَتَّى أَخذه الله وَأورد لَهُ
(يَا رب قد جئْتُك مستأمناً ... فَارْحَمْ بِفضل مِنْك افلاسي)
(وَلَا تؤاخذي بجرمي فقد ... سودت بالتسويف قرطاسي)
وَقَوله
(قد ورد الْمُفلس يَا ربه ... لَيْسَ لَهُ شَيْء سوى رحمتك)
(فَإِن تَجِد أَنْت جدير بِهِ ... وَأَن تعاقب فَهُوَ فِي قبضتك)
وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس ماية(3/183)
3 - (ابْن عبد الرَّحْمَن)
ابْن أبي عَتيق مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن أبي قُحَافَة هُوَ أعرق النَّاس فِي صُحْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ هُوَ وأوبه وجده وجد أَبِيه كل مِنْهُم رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَالِد عبد الله بن أبي عَتيق صَاحب النَّوَادِر الْمَشْهُورَة الَّتِي مِنْهَا أَنه لما سمع قَول عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي
(فأتتها طبة عَالِمَة ... تمزج الْجد مرَارًا باللعب)
(تغلظ القَوْل إِذا لانت لَهَا ... وتراخي عِنْد سورات الْغَضَب)
قَالَ لعمر مَا أحْوج الْمُسلمين إِلَى خَليفَة يسوسهم مثل قوادتك هَذِه وَطلبت مِنْهَا عايشة رَضِي الله عَنْهَا بغلاً لتركبه إِلَى قوم اخْتلفُوا فَقَالَ يَا أمه أَنا بعد مَا رحضنا عَار يَوْم الْجمل عَن أَنْفُسنَا أَتُرِيدِينَ أَن تجعلي لنا يَوْم الْبَغْل ومرضت فعادها فَقَالَ لَهَا كَيفَ تجدين نَفسك جعلني الله فدَاك فَقَالَت هُوَ الْمَوْت يَا ابْن أخي فَقَالَ إِذا لاجعلني الله فدَاك فَإِنِّي ظَنَنْت أَن فِي الْأَمر سَعَة وَلما سمع قَول نصيب الشَّاعِر
(وددت وَلم أخلق من الطير إِن بدا ... سنا بارق نَحْو الْحجاز أطير)
جَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ يَا عافاك الله مَا يمنعك أَن تَقول غاق فتطير يَعْنِي بذلك أَنه أسود كالغراب
ابْن ثَوْبَان مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان العامري مَوْلَاهُم الْمدنِي روى عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَفَاطِمَة بنت قيس وَجَابِر وَأبي سعيد روى عَنهُ الْجَمَاعَة فِي عشر الماية الأولى وَفَاته
ابْن أبي ليلى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي قَاضِي(3/184)
الْكُوفَة وفقيهها وعالمها ومقرئها فِي زَمَانه روى عَن الشّعبِيّ وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح وَالْحكم وَنَافِع وعطية الْعَوْفِيّ وَعَمْرو بن مرّة وَغَيرهم وَلم يدْرك السماع عَن أَبِيه وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَمْزَة الزيات قَالَ أَحْمد بن يُونُس كَانَ أفقه أهل الدُّنْيَا وَقَالَ الْعجلِيّ كَانَ فَقِيها صَدُوقًا صَاحب سنة جايز الحَدِيث قَارِئًا عَالما بالقراآت وَقَالَ أَبُو زرْعَة لَيْسَ هُوَ بأقوى مَا يكون وَقَالَ أَحْمد مُضْطَرب الحَدِيث وَقَالَ حَفْص ابْن غياث من جلالته قَرَأَ الْقُرْآن على عشرَة شُيُوخ وَكَانَ من أَحسب النَّاس وَأَحْسَنهمْ خطا ونقطاً للمحصف وأجملهم وأنبلهم قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَدِيء الْحِفْظ كثير الْوَهم وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم عَامَّة أَحَادِيثه)
مَقْلُوبَة وَقَالَ ابْن حنيل لَا يحْتَج بِهِ سيء الْحِفْظ وروى معوية ابْن صَالح عَن ابْن معِين ضَعِيف وَكَانَ رزقة على الْقَضَاء مايتي دِرْهَم وروى عَنهُ الْأَرْبَعَة توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وماية وَكَانَ بَينه وَبَين أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَحْشَة يسيرَة وَكَانَ يجلس للْحكم فِي مَسْجِد الْكُوفَة فَانْصَرف يَوْمًا من مَجْلِسه وَأمر بهَا فَضربت حَدَّيْنِ وَهِي قايمة فَبلغ أَبَا حنيفَة فَقَالَ أَخطَأ القَاضِي فِي هَذِه الْوَاقِعَة فِي سنة أَشْيَاء فِي رُجُوعه إِلَى مَجْلِسه بعد قِيَامه وَلَا ينغبي أيرجع وَفِي ضربه الْحَد فِي الْمَسْجِد وقدنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِقَامَة الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد وَفِي ضربه الْمَرْأَة قايمة وَإِنَّمَا تضرب النِّسَاء قاعدات كاسيات وَفِي ضربه إِيَّاهَا حيدن وَإِنَّمَا يجب على الْقَاف إِذا قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة حد وَاحِد وَلَو وَجب أَيْضا حدان لَا يوالي بَينهمَا يضْرب أَولا ثمَّ يتْرك حَتَّى يبرأ من الأول وَفِي إِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا بِغَيْر طَالب فَبلغ ذَلِك مُحَمَّدًا فسير إِلَيّ وَالِي الْكُوفَة وَقَالَ هَهُنَا شَاب يُقَال لَهُ أَبُو حنيفَة يعارضني فِي أحكامي ويفتي بِخِلَاف حكمي ويشنع عَليّ بالخطاء فازجره فَبعث إِلَيْهِ الْوَالِي وَمنعه من الْفتيا
ابْن مَحِيض الْمُقْرِئ واسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مَحِيض السَّهْمِي مقرئ مَكَّة من ابْن كثير وَلَكِن قِرَاءَته شَاذَّة فِيهَا مَا يُنكر وسندها غَرِيب وَقد اخْتلف فِي اسْمه على عدَّة أَقْوَال قَرَأَ على مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير ودرباس مولى ابْن عَبَّاس وَحدث عَن أَبِيه وَصفِيَّة بنت شيبَة وَمُحَمّد بن قيس بن مخرمَة وَعَطَاء وَغَيرهم قَالَ ابْن مُجَاهِد كَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ وَله اخْتِيَار لم يُتَابع فِيهِ أَصْحَابه روى عَنهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ توفّي سنة ثلث عشرَة وماية
ابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَرْث بن أبي ذِئْب أَبُو(3/185)
الْحَارِث الْمدنِي الإِمَام أحد الْأَعْلَام ورى عَن عِكْرِمَة وَشعْبَة ولى ابْن عَبَّاس وشرحبيل بن سعد وَنَافِع وَأسيد بن أبي أسيد وَسَعِيد المَقْبُري وَصَالح مولى التؤمة وَالزهْرِيّ وخاله الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي وَمُسلم بن جُنْدُب وَالْقسم ابْن الْعَبَّاس وَمُحَمّد بن قيس وَخلق سواهُم قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يشبه بِسَعِيد بن الْمسيب فَقيل لَهُ خلف مثله قَالَ لَا وَكَانَ أفضل من مَالك إِلَّا أَن مَالِكًا أَشد تنقية للرِّجَال قَالَ الْوَاقِدِيّ مولده سنة ثَمَانِينَ وَرمي بِالْقدرِ وَكَانَ يحفظ حَدِيثه وَلم يكن لَهُ كتاب وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل بلغ ابْن أبي ذِئْب أَن مَالِكًا لم يَأْخُذ بِحَدِيث البيعان بِالْخِيَارِ فَقَالَ يُسْتَتَاب مَالك فَإِن تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه ثمَّ قَالَ أَحْمد وَهُوَ أورع وَأَقُول للحق من مَالك مَاتَ بِالْكُوفَةِ بعد مُنْصَرفه من بَغْدَاد وأجزل لَهُ الْمهْدي الصِّلَة وروى عَنهُ الْجَمَاعَة)
وَكَانَت وَفَاته سنة تسع وَخمسين وماية
قَاضِي مَكَّة الأوقص مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن هِشَام أَبُو خَالِد القَاضِي الْمَكِّيّ الأوقص ولي قَضَاء مَكَّة وَكَانَ قَصِيرا دميما جدا وعنقه دَاخِلا فِي بدنه ومنكباه خارجان كَأَنَّهُمَا رحيان وَكَانَ الْخصم إِذا جلس بَين يَدَيْهِ لَا يزَال يرعد إِلَى أَن يقوم سمعته امْرَأَة يَوْمًا وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ أعتق رقبتي من النَّار فَقَالَت وَأي رَقَبَة لَك قَالَت لَهُ أمه إِنَّك خلقت خلقَة لَا تصلح مَعهَا لمعاشرة الفتيان فَعَلَيْك بِالدّينِ وَالْعلم فَإِنَّهُمَا يتممان النقايص ويرفعان الخسايس قَالَ فنفعني الله بِمَا قَالَت وتعلمت الْعلم حَتَّى وليت الْقَضَاء أسْند عَن خَالِد بن سَلمَة المَخْزُومِي وَغَيره وروى عَنهُ معن بن عَليّ وَغَيره توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وماية
الطفَاوِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي وثقة غير وَاحِد وَقَالَ أَبُو زرْعَة مُنكر الحَدِيث روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وماية
الْأمَوِي ملك الأندلس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هِشَام الْأمَوِي وَالِي الأندلس كَانَ عَالما فَاضلا عَاقِلا فصيحاً يخرج إِلَى الْجِهَاد ويوغل فِي بِلَاد الْكفَّار السّنة والسنتين وَأكْثر فَيقْتل وَسبي وَهُوَ صَاحب وقْعَة وَادي سليط وَهِي من الوقايع الْمَشْهُورَة لم(3/186)
يعرف قبلهَا مثلهَا فِي الأندلس وللشعراء فِيهَا أشعار كَثِيرَة يُقَال إِنَّه قتل فِيهَا ثلث ماية ألف كَافِر وَقَالَ بَقِي بن مخلد مَا رَأَيْت وَلَا علمت أحدا من الْمُلُوك أبلغ لفظا مِنْهُ وَلَا أفْصح وَلَا أَعقل ذكر يَوْمًا الخلايف وصفتهم وسيرتهم ومآثرهم بأفصح لِسَان فَلَمَّا وصل إِلَى نَفسه سكت وَكَانَ خَيرهمْ بُويِعَ يَوْم مَاتَ وَالِده سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وماتين فِي أَيَّام المتَوَكل فَأَقَامَ والياً خمْسا وثلثين سنة وَأمه أم ولد وَكَانَ محباً للْعُلَمَاء وَهُوَ الَّذِي نصر بَقِي بن مخلد وَولى بعده وَلَده الْمُنْذر بن مُحَمَّد يُقَال إِنَّه توفّي سنة خمس وَسبعين وماتين وَقيل سنة ثلث وَسبعين
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عمَارَة بن الْقَعْقَاع بن شبْرمَة أَبُو قبيصَة الضَّبِّيّ كَانَ صَالحا عابداً مُجْتَهدا قَالَ تزوجت بِأم أَوْلَادِي هولاء فَلَمَّا كَانَ بعد الإملاك قصدتهم للسلام فاطلعت من شقّ الْبَاب فرأيتها فأبغضتها وَهِي معي من سِتِّينَ سنة وَقَالَ اسمعيل بن عَليّ سَأَلته عَن أَكثر مَا قَرَأَ فِي يَوْم وَكَانَ يُوصف بِكَثْرَة الدَّرْس وسرعته فَامْتنعَ أَن يُخْبِرنِي فَلم أزل بِهِ حَتَّى قَالَ قَرَأت فِي يَوْم من أَيَّام الصَّيف الطوَال أَربع ختمات وَبَلغت فِي الْخَامِسَة إِلَى بَرَاءَة وَأذن الْعَصْر وَكَانَ من أهل الصدْق سمع سعيد بن سُلَيْمَان وَغَيره وروى عَنهُ الخطبي)
وَغَيره وَكَانَ ثِقَة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وماتين
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام المَخْزُومِي قَالَ قبحه الله يُخَاطب الْحُسَيْن الأشرم بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم فِي خبر لَهُ مَعَ عبد الْملك بن مرون
(وجدنَا بني مَرْوَان أمكر غَايَة ... وَآل أبي سفين أكْرم أَولا)
(فسايل على صفّين من ثل عَرْشه ... وسايل حُسَيْنًا يَوْم مَاتَ بكربلا)
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي عَطِيَّة مولى كنَانَة بَصرِي شَاعِر وَهُوَ أحد الْمُتَكَلِّمين الحذاق يذهب إِلَى مَذْهَب حُسَيْن النجار وَهُوَ معتزلي كَانَ زمن المتَوَكل قَالَ
(فَمن حكت كأسك فِيهِ فاحكم ... لَهُ بإقالة عِنْد العثار)
وَقَالَ
(فوحق الْبَيَان يعضده الْبر ... هان فِي مأقط أَلد الْخِصَام)
(مَا رَأينَا سوى الحبيبة شَيْئا ... جمع الْحسن كُله فِي نظام)
(هِيَ تجْرِي مجْرى الْأَصَالَة فِي الرأ ... ي ومجرى الْأَرْوَاح فِي الْأَجْسَام)(3/187)
وَقَالَ
(لم أحاكم صورف دهري إِلَى الأقد ... اح حَتَّى فقدت أهل السماح)
(أَحْمد الله صَارَت الْخمر تأسو ... دون إخْوَانِي الثِّقَات جراحي)
السَّامِي الْهَرَوِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السَّامِي الْهَرَوِيّ كَانَ من كبار الأيمة وثقات الْمُحدثين توفّي سنة إِحْدَى وَثلث ماية
الْحَافِظ الدغولي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الدغولي بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَبعدهَا غين مُعْجمَة مَضْمُومَة السَّرخسِيّ إِمَام وقته بخراسان توفّي سنة خمس وَعشْرين وَثلث ماية
قنبل الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خَالِد بن سعيد ابْن جرجة الْمَكِّيّ قَرَأَ على أبي الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد النبال القواس أبي الأخريط وَقَرَأَ عَلَيْهِ ابْن شنبوذ وَخلق كثير وَهُوَ الْمَعْرُوف بِأبي عَمْرو قنبل توفّي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وماتين وَإِنَّمَا قنبلاً لِأَنَّهُ أكل دَوَاء يعرف بالقنبيل يسقى للبقر فَلَمَّا أَكثر من اسْتِعْمَاله عرف بِهِ وَقيل هُوَ مَنْسُوب إِلَى القنبلة وَكَانَ قد ولي الشرطة وَأقَام الْحُدُود بِمَكَّة وَطَالَ عمره)
ابْن قريعة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي أَبُو بكر بن قريعة الْبَغْدَادِيّ سمع أَبَا بكر ابْن الْأَنْبَارِي وَلَا يعرف لَهُ رِوَايَة حَدِيث مُسْند توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثلث ماية وَكَانَ مُخْتَصًّا بالوزير أبي مُحَمَّد المهلبي كَانَ الْفُضَلَاء يداعبونه برسايل ومسايل هزلية فَيجب عَنْهَا بأسرع جَوَاب وَأَعْجَبهُ فِي وقته من غير توقف ونفق على عز الدولة فقر بِهِ وَأَدْنَاهُ ونادمه وَكَانَ لَا يُفَارِقهُ ويحمله الرسايل زحمه رجل رَاكِبًا على حمَار فَقَالَ
(يَا خَالق اللَّيْل وَالنَّهَار ... صبرا على الذل وَالصغَار)
(كم من جواد بِلَا جواد ... وَمن حمَار على حمَار)
وَكَانَ القَاضِي أَبُو بكر بن قريعة يتشيع وَمن شعره أَبْيَات مِنْهَا(3/188)
(لَوْلَا اعتذار رعية ... ألغى سياستها الخليفه)
(وسيوف أَعدَاء بهَا ... هاماتنا أبدا نقيفه)
(لكشفت من أسرار آ ... ل مُحَمَّد جملا ظريفه)
(تغنى بهَا عَمَّا روا ... هـ مَالك وَأَبُو حنيفه)
(ونشرت طي صحيفَة ... فِيهَا أَحَادِيث الصحيفه)
(وأريتكم أَن الْحسي ... ن أُصِيب فِي يَوْم السقيفه)
(ولأي حَال ألحدت ... بِاللَّيْلِ فَاطِمَة الشريفه)
(وَلما ختت شيخيكم ... عَن وطئ حُجْرَتهَا المنيفه)
(آه لبِنْت مُحَمَّد ... مَاتَت بغصتها أسفه)
وَمِنْه أَيْضا
(إِن كَانَ عِنْدِي دِرْهَم ... أَو كَانَ فِي بَيْتِي دَقِيق)
(فبرئت من أهل الكسا ... وكفرت بِالْبَيْتِ الْعَتِيق)
(وظلمت فَاطِمَة البتو ... ل كَمَا تحيفها عَتيق)
وَقيل إِنَّه لما كَانَ ينظر فِي الْحِسْبَة أحضر أَصْحَابه أَمْرَد وهم يعتلونه وَهُوَ يَصِيح ويستغيث فَقَالَ لأَصْحَابه خلوا عَنهُ واذْكُرُوا قصَّته وَصورته حَتَّى نسْمع فَقَالُوا هُوَ مؤاجر فَقَالَ وَمَا عَلَيْكُم أَن يكون مؤاجراً عِنْد عمله فَقَالُوا لَا وأعادوا اللَّفْظ فَقَالَ لَعَلَّكُمْ أردتم مؤاجراً بِكَسْر الْجِيم وَمَا عَلَيْكُم أَن آجر بهيمته لعمل أَو ضيعته لزراعة فَقَالُوا لَا هُوَ مؤاجر يَأْخُذ الْأُجْرَة)
وينام ليفجع قَالَ فصرف وَجهه عَن نَاحيَة القايل وَقَالَ يخاطبه لَعنه الله إِن كَانَ فَاعِلا وقبحك إِن كنت كَاذِبًا وَيحكم دَعوه لَا تبدوا عَوْرَته وَلَا تكشفوا سوءته فحسبه مَا يقاسيه حِين يواري سوءة أَخِيه وَكتب إِلَيْهِ الْعَبَّاس بن الْمُعَلَّى الْكَاتِب مَا يَقُول القَاضِي فِي يَهُودِيّ زنا بنصرانية فَولدت لَهُ ولدا جِسْمه للبشر وَوَجهه للبقر وَقد قبض عَلَيْهِمَا فَمَا ترى فيهمَا فَكتب الْجَواب بديهاً هَذَا من أعدل الشُّهُود على الملاعين الْيَهُود بِأَنَّهُم أشربوا حب الْعجل فِي صُدُورهمْ حَتَّى خرج من أيورهم وَأرى أَن يناط براس الْيَهُودِيّ رَأس الْعجل ويصلب على عنق النصرانيه السَّاق مَعَ الرجل ويسحبا على الأَرْض وينادي عَلَيْهِمَا ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض وَالسَّلَام وَسَأَلَهُ رجل يتطايب بِحَضْرَة الْوَزير أبي مُحَمَّد عَن حد القفاء فَقَالَ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ جربانك وأدبك فِيهِ سلطانك وباسطك فِيهِ غلمانك ومازحك فِيهِ إخوانك فَهَذِهِ حُدُود اربعة وجربان بِضَم الْجِيم(3/189)
وَالرَّاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف نون هُوَ الْخِرْقَة العريضة الَّتِي فَوق القب وَله عدَّة من هَذِه الْأَجْوِبَة مدونة فِي كتاب وَعمل على انموذجها شَيْئا كثيرا ابْن شرف القيرواني وأودعها كِتَابه أبكار الأفكار وَكَانَ ابْن قريعة قَاضِي السندية وَغَيرهَا من الْأَعْمَال ولاه أَبُو السايب عتبَة بن عبيد الله القَاضِي توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثلث ماية
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن حَاجِب الْعَبْدي وَاسم عبد الرَّحْمَن عَبدة لقب لَهُ يكنى أَبَا بكر مَاتَ قبل الثُّلُث ماية وَهُوَ أحد النصابين الثِّقَات حسن الْمعرفَة بالمآثر والمثالب وَالْأَخْبَار وَأَيَّام الْعَرَب اتَّصل بِخِدْمَة السُّلْطَان ثمَّ تَركهَا خرج إِلَى الثغر وَأقَام إِلَى أَن مَاتَ لَهُ كتبا النّسَب الْكَبِير يشْتَمل على نسب عدنان وقحطان ومختصر أَسمَاء القبايل الْكَافِي فِي النّسَب مناكح آل مهلب نسب ولد أبي صفرَة والمهلب وَولده مَنَاقِب قُرَيْش نسب ابْن فقعس بن طريف ابْن أَسد بن خُزَيْمَة كتاب الْأُمَّهَات الْأَخْنَس بن شريق الثقفني نسب كنَانَة كتاب أبي جَعْفَر الْمَنْصُور أشرف بكر وتغلب وأيامهم أَسمَاء فحول الشُّعَرَاء كتاب الشجعان كتاب الأولية مشجر أَنْسَاب قُرَيْش تَسْمِيَة القبايل الدراجات مُبْتَدأ سباق الْعَرَب ألقاب الْعَرَب النَّوَافِل تَفْضِيل الْعَرَب بيوتات الْعَرَب أَنْسَاب ثَقِيف أَنْسَاب ولد عِيسَى بن مُوسَى الْهَاشِمِي نسب خُزَاعَة المبايعات من نسَاء الْأَنْصَار
ابْن النَّاصِر الْأمَوِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن معوية الْأمَوِي المرواني هُوَ ابْن النَّاصِر عبد الرَّحْمَن)
صَاحب الأندلس وسوف يَأْتِي ذكر أَبِيه وَذكر أَخَوَيْهِ عبد الله وَعبد الْعَزِيز وَلَدي عبد الرَّحْمَن فِي مكانهما كَانَ شَاعِرًا اديباً حسن الْأَخْلَاق وَمن شعره وقله وَقد قدم أَخُوهُ المشتنصر من بعض غَزَوَاته
(قدمت بِحَمْد الله أسعد مقدم ... وضدك أضحى لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ)
(لقد حزت فِينَا السَّبق إِذْ كنت أَهله ... كَمَا حَاز بِسم الله فضل التَّقَدُّم)
وَسَيَأْتِي ذكر أَخِيه الْمُسْتَنْصر وَهُوَ الحكم بن عبد الرَّحْمَن فِي حرف الْحَاء فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الْمُحدث أَبُو طَاهِر المخلص مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْعَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن(3/190)
بن زَكَرِيَّاء مُحدث الْعرَاق أَبُو طَاهِر الْبَغْدَادِيّ الذَّهَبِيّ المخلص سمع وروى قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة والمخلص الَّذِي يخلص الذَّهَب من الْغِشّ بِالتَّعْلِيقِ فِي الناء توفّي سنة ثلث وَتِسْعين وَثلث ماية
والمستكفي بِاللَّه الْأمَوِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عُبيد الله بن النَّاصِر لدين الله الْأمَوِي الملقب بالمستكفي توثب على ابْن عَمه المستظهر عبد الرَّحْمَن فِي السّنة الْمَاضِيَة فَقتله وَبَايَعَهُ أهل قرطبة وَكَانَ أَحمَق مُتَخَلِّفًا لَا يصلح لشَيْء فطردوه وأنفوا مِنْهُ ثمَّ أطعموه حشيشة قتالة فَمَاتَ فِي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع ماية
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن يحيى بن يُونُس الطَّائِي الدَّارَانِي الْقطَّان الْمَعْرُوف بِابْن الْخلال الدِّمَشْقِي حدث عَن خَيْثَمَة كَانَ ثِقَة نبيلاً مضى على سداد وَأمر جميل وَقد كف بَصَره سنة خمس عشرو وَقتل سِتّ عشرَة وَأَرْبع ماية
أَبُو حَامِد الأشتري الْأَشْعَرِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو حَامِد الأشتري أحد الْمُتَكَلِّمين على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ صنف ارجوزة سَمَّاهَا الْعُمْدَة المنبهة عَن رقدة المشبهة للْإِمَام المسترشد بِاللَّه وَهُوَ إِذْ ذَاك ولي الْعَهْد وَحدث بِهَذِهِ الأرجوزة فِي رَجَب سنة سِتّ وَخمْس ماية سَمعهَا مِنْهُ بِبَغْدَاد أَبُو الْقسم هبة الله بن بدر بن أبي الْفرج الْمُقْرِئ قَالَ محب الدّين ابْن النجار وَقد رَأَيْتهَا بِمصْر وَهِي جُزْء لطيف وَرَأَيْت فِيهَا عجبا وَذَلِكَ أَنه أنكر الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَطعن على نَاقِلِيهَا مثل حَدِيث النُّزُول وَحَدِيث يضع فِيهَا قدمه وَقَالَ هَذِه الْأَحَادِيث بَاطِلَة وروايتها كذبة وَلَا أَدْرِي إِلَى مَا ذهب فِي ذَلِك فَإِن الأعشري يقبل هَذِه الْأَحَادِيث وَلَا يردهَا وَله فِيهَا مذهبان أَحدهمَا كمذهب أَصْحَاب الحَدِيث يمرها كَمَا جائت وَالْآخر يتأولها كنفي التَّشْبِيه وَهَذَا المُصَنّف)
قد أَتَى بِمذهب غَرِيب خَارج عَن مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ انْتهى
الكنجروذي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي الكنجروذي الْفَقِيه الأديب النَّحْوِيّ الطَّبِيب الْفَارِسِي شيخ مَشْهُور أدْرك الْأَسَانِيد الْعَالِيَة فِي الحَدِيث وَالْأَدب وَله شعر توفّي فِي صفر سنة ثلث وَخمسين وَأَرْبع ماية وَكَانَت لَهُ(3/191)
يَد فِي الطِّبّ والفروسية وأدب السِّلَاح وَحدث سِنِين وَسمع مِنْهُ خلق كثير وَجَرت بَينه وَبَين أبي جَعْفَر الزوزني البحاثي محاورات أدَّت إِلَى وَحْشَة فَرَمَاهُ بأَشْيَاء
القَاضِي ابْن الْعَجُوز الْمَالِكِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحِيم ابْن أَحْمد بن الْعَجُوز الْفَقِيه أَبُو عبد الله الكتامي السبتي من كبار فُقَهَاء الماليكة ولاه ابْن تاشفين قَضَاء فاس توفّي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبع ماية
ابْن خلصة النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن خلصة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالصَّاد أَبُو عبد الله اللَّخْمِيّ البلنسي النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ قَالَ ابْن الْأَبَّار كَانَ أستاذاً فِي علم اللِّسَان وَالْأَدب فصيحاً مفوهاً حَافِظًا للغات قَرَأَ كتاب سِيبَوَيْهٍ بدانية وبلنسية وَله يدفي النثر توفّي بالمرية سنة تسع عشرَة وَخمْس ماية وَقيل إِحْدَى وَعشْرين وَقَالَ فِي أبي الْعَلَاء ابْن زهر
(غَدَتْ عَنْك أَفْوَاه الغيوم الدوافق ... تفيض بِمَا توري زناد البوارق)
أنارت جِهَات الشرق لما احتللته فكاد الدجى يجلو لنا وَجه شارق
(وَكم زفت يَوْمًا بلنسية المنى ... إِلَيْك وَلَكِن رب حسناء طَالِق)
(تقلد مِنْك الدَّهْر عقدا وصارماً ... بهاء لجيد أَو سناء لعاتق)
(وَلَو قسمت أخلاقك الغر فِي الدنا ... لما صوحت خضر الرِّبَا والحدايق)
البُخَارِيّ الْمُفَسّر الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْعَلامَة أَبُو عبد الله البُخَارِيّ الْوَاعِظ الْمُفَسّر قَالَ السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا متقناً مفتياً قيل أَنه صنف تَفْسِيرا أَكثر من ألف جُزْء وأملى فِي آخر عمره وَلكنه كَانَ مجازفاً متساهلاً توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس ماية
الكتندي الشَّاعِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز بن خَليفَة بن أبي الْعَافِيَة الْأَزْدِيّ الغرناطي أَبُو بكر الكتندي بِضَم الْكَاف وَالتَّاء ثَالِث الْحُرُوف وَسُكُون النُّون وَكسر الدَّال الْمُهْملَة لَقِي ابْن خفاجة الشَّاعِر وَكَانَ أديباً شَاعِرًا لغوياً توفّي سنة ثلث وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية
المَسْعُودِيّ شَارِح المقامات مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَسْعُود بن أَحْمد(3/192)
بن الْحُسَيْن)
الإِمَام أَبُو سعيد وَأَبُو عبد الله بن أبي السعادات المَسْعُودِيّ الْخُرَاسَانِي البنجديهي الْفَقِيه الصُّوفِي الْمُحدث مؤدب الْملك الْأَفْضَل ابْن صَلَاح الدّين صنف لَهُ شرح المقامات الحريرية واتقنى كتبا نفيسة بجاه الْملك ووقفها بخانقاه السميساطي توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية حكى أَبُو البركات الْهَاشِمِي الْحلَبِي قيل لما دخل السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى حلب سنة تسع وَسبعين وَخمْس ماية وَنزل المَسْعُودِيّ الْمَذْكُور جَامع حلب قعد فِي خزانَة كتب الْوَقْف وَاخْتَارَ مِنْهَا جملَة أَخذهَا وحشاها فِي عدل وَلم يمنعهُ فِي ذَلِك مَانع قَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلطان رَحمَه الله تَعَالَى لقِيت جمَاعَة من أَصْحَابه وأجازوني ومولده سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس ماية وَمن شعره
(قَالَت عهدتك تبْكي ... دَمًا حذار التنائي)
(فَمَا لعينك جَادَتْ ... بعد الدِّمَاء بِمَاء)
(فَقلت مَا ذَاك مني ... لسلوة وعزاء)
(لَكِن دموعي شابت ... من طول عمر الْبكاء)
قلت يشبه قَول القايل
(قَالُوا ودمعي قد صفا لفراقهم ... إِنَّا عهدنا مِنْك دمعاً أحمرا)
(فأجبتهم إِن الصبابة عمرت ... فِيكُم وشاب الدمع لما عمرا)
ابْن عَيَّاش الْكَاتِب المغربي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَيَّاش التجِيبِي كَاتب الْإِنْشَاء للدولة المؤمنية بالغرب كَانَ رَئِيسا فِي الْكِتَابَة خَطِيبًا مصقعاً بليغاً مفوهاً كتب للسُّلْطَان ونال دنيا عريضة وَله فِي الْمُصحف العثماني وَقد أَمر الْمَنْصُور بتحليته
(ونفلته من كل قوم ذخيرة ... كَأَنَّهُمْ كَانُوا برسم مكاسبه)
(فَإِن ورث الْأَمْلَاك شرقاً ومغرباً ... فكم قد أخلوا جاهلين بواجبه)
(وألبسته الْيَاقُوت والدر حلية ... وَغَيْرك قد حلاه من دم كَاتبه)
وَقيل مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن توفّي سنة ثَمَان عشرَة وست ماية وَقيل سنة تسع عشرَة
الْحَافِظ المرسي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْحَافِظ أَبُو عبد الله التجِيبِي المرسي نزيل تلمسان سمع من نَحْو ماية وثلثين شَيخا مِنْهُم السلَفِي وَطول(3/193)
الْغَيْبَة دَعَا)
لَهُ السلَفِي وَقَالَ تكون مُحدث الْمغرب إِن شَاءَ تَعَالَى وَحدث بسبتة فِي حَيَاة شُيُوخه ثمَّ سكن تلمسان ورحل النَّاس إِلَيْهِ ألف أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي المواعظ وَأَرْبَعين حَدِيثا فِي الْفقر وفضله وَأَرْبَعين فِي الْحبّ فِي الله تَعَالَى وَأَرْبَعين فِي الصَّلَاة على النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصانيف أخر ومعجم شُيُوخه فِي مُجَلد كَبِير توفّي سنة عشر وست ماية
ابْن الْأُسْتَاذ الْحلَبِي مُحَمَّد بن عبد لرحمن بن عبد الله بن علوان بن رَافع قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو عبد الله ابْن الْأُسْتَاذ الْأَسدي الْحلَبِي الشَّافِعِي ولد بحلب وَسمع وَحدث وناب عَن أَخِيه القَاضِي زين الدّين عبد الله وَتُوفِّي بحلب سنة ثَمَان وثلثين وست ماية
القَاضِي محيي الدّين ابْن الْأُسْتَاذ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن علوان القَاضِي الْجَلِيل محيي الدّين أَبُو المكارم ابْن الشَّيْخ الزَّاهِد أبي مُحَمَّد ابْن القَاضِي الأوحد جمال الدّين ابْن الْأُسْتَاذ الْحلَبِي الشَّافِعِي ولد سنة اثْنَتَيْ عشرَة وروى عَن جده وَعَن بهاء الدّين ابْن شَدَّاد ودرس بِالْقَاهِرَةِ بالمسرورية ثمَّ ولي قَضَاء حلب إِلَى حِين وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست ماية
الشريف الْحلَبِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْقسم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ يَنْتَهِي إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الشريف أَبُو عبد الله الْحُسَيْنِي الْكُوفِي الأَصْل الْمصْرِيّ الدَّار الْمَعْرُوف وَالِده بالحلبي ولد سنة ثلث وَسبعين وَقَرَأَ الْقُرْآن وبرع فِي الْأُصُول والعربية وَسمع السِّيرَة من أبي طَاهِر مُحَمَّد بن محمدب ن بَيَان الْأَنْبَارِي عَن أَبِيه عَن الحبال وَمن الْأَمِير مرهف ابْن أُسَامَة بن منقذ وَحدث وَقَرَأَ النَّحْو مُدَّة وَكَانَ جيد الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم يُؤثر الِانْقِطَاع وَالْعُزْلَة وَكَانَ أَبوهُ من الْفُضَلَاء رَئِيسا يصلح للنقابة روى عَنهُ الدمياطي والأمير الدواداري وَعلي بن قُرَيْش والمصريون توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وست ماية
بدر الدّين ابْن الفويرة الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن بن حفاظ بدر الدّين السّلمِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الفويرة تفقه على الصَّدْر سُلَيْمَان وبرع فِي الْمَذْهَب وَأفْتى ودرس وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك وَنظر فِي الْأُصُول وَقَالَ الشّعْر الفايق وَكَانَ ذَا مرؤة وَدين ومعروف هُوَ وَالِد جمال الدّين وَأَخْبرنِي وَلَده أَنه تأدب على تَاج الدّين الصرخذي وَمن شعره)
(وشاعر يسحرني طرفه ... ورقة الْأَلْفَاظ من شعره)
(أَنْشدني نظماً بديعاً لَهُ ... أحبب بِذَاكَ النّظم من ثغره)
حدث عَن السخاوي وَغَيره وروى عَنهُ الدمياطي فِي مُعْجَمه توفّي سنة خمس وَسبعين وست ماية وَمن شعره مَا أنشدنيه من لَفظه وَلَده جمال الدّين يحيى قَالَ أَنْشدني وَالِدي لنَفسِهِ(3/194)
(عَايَنت حَبَّة خَاله ... فِي رَوْضَة من جلنار)
(فغدا فُؤَادِي طايراً ... فاصطاده شرك العذار)
وَمِنْه بالسند الْمَذْكُور
(كَانَت دموعي حمراً قبل بَينهم ... فمذ نأوا قصرتها لوعة الحرق)
(قطفت باللحظ وردا من خدودهم ... فاستقطر الْبعد مَاء الْورْد من حدقي)
وَمِنْه بالسند الْمَذْكُور
(ورياض كلما انقطفت ... نثرت أوراقها ذَهَبا)
(تحسب الأغصان حِين شدا ... فَوْقهَا الْقمرِي منتحبا)
(ذكرت عصر الشَّبَاب وَقد ... لبست أبراده القشبا)
(فانثنت فِي الدوح راقصة ... ورمت أثوابها طَربا)
نَاصِر الدّين ابْن الْمَقْدِسِي المشنوق مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نوح بن مُحَمَّد الْفَقِيه الرئيس نَاصِر الدّين ابْن الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي تففه على وَالِده الْعَلامَة شمس الدّين وَسمع من ابْن اللتي حضوراً وتاج الدّين بن حمويه وتميز فِي الْفِقْه قَلِيلا ودرس بالرواحية وتربة م الصَّالح ثمَّ دَاخل الدولة وتوصل إِلَى أَن ولي سنة سبع وَثَمَانِينَ وكَالَة بَيت المَال وَنظر جَمِيع الْأَوْقَاف بِدِمَشْق وَفتح أَبْوَاب الظُّلم وخلع عَلَيْهِ بطرحة غير مرّة وخافه النَّاس وظلم وعسف وعدى طوره وتحامق حَتَّى تبرم بِهِ النايب وَمن دونه وكاتبوا فِيهِ فجَاء الْجَواب بالكشف عَمَّا أكل من الْأَوْقَاف وَمن أَمْوَال السُّلْطَان وابرطيل فرسموا عَلَيْهِ بالعذراوية وضربوه بالمقاريع فَبَاعَ مَا يقدر عَلَيْهِ وَحمل جملَة وذاق الهوان واشتفى مِنْهُ الأعادي وَكَانَ قد أَخذ من السامري الزنبقية فَمضى إِلَيْهِ وتغمم لَهُ متشفياً فَقَالَ سَأَلتك الله أَن لَا تعود تَجِيء إِلَيّ فَقَالَ مو ينصبر لي وصنع الأبيات الَّتِي أَولهَا
(ورد البشير بِمَا أقرّ الأعينا ... فشفى الصُّدُور وَبلغ النَّاس المنى)
)
(إِن أنكر اللص القطيم فعاله ... بِالْمُسْلِمين فَأول الْقَتْلَى أَنا)
وَلما ولاه السُّلْطَان الْوكَالَة قَالَ عَلَاء الدّين عَليّ بن مظفر الوداعي نقلت ذَلِك من خطه(3/195)
(قل للمليك أمده ... رب العلى مِنْهُ بِروح)
(إِن الَّذِي وكلته ... لَا بالنصيح وَلَا الفصيح)
(وَهُوَ ابْن نوح فاسئل ال ... قُرْآن عَن عمل ابْن نوح)
وَكَانَ يُبَاشر شَهَادَة جَامع العقيبة فَحصل بَينه وَبَين قَاضِي الْقُضَاة بهَا الدّين ابْن الظكي تغير فَتوجه إِلَى مصر وَدخل على الشجاعي فَأدْخلهُ على السُّلْطَان وَأخْبرهُ بأَشْيَاء مِنْهَا أَمر بنت الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْعَادِل وَأَنَّهَا أباعت أملاكها وَهِي سَفِيهَة تَسَاوِي أَضْعَاف مَا أباعته فوكله السُّلْطَان وكَالَة خَاصَّة وَعَامة فَرجع إِلَى دمشق وَطلب مُشْتَرِي أملاكها بعد أَن أثبت سفهها فَأبْطل بيعهَا واسترجع الْأَمْلَاك من السَّيْف السامري وَغَيره وَأخذ مِنْهُم تفَاوت الْمغل وَأخذ الخان الَّذِي بناه الْملك النَّاصِر قريب الزنجيلية وبستانين بالنيرب وَنصف حزرما وَدَار السَّعَادَة وَغير ذَلِك ورده إِلَى بنت الشّرف ثمَّ إِنَّه عوضهَا عَن هَذِه الْأَمْلَاك شَيْئا يَسِيرا وَأثبت رشدها وَاشْترى ذَلِك مِنْهَا وَكَانَ من أمره مَا كَانَ ثمَّ إِنَّه طلب إِلَى مصر فَوجدَ مشنوفاً بعمامته سنة تسع وَثَمَانِينَ وست ماية ثمَّ جَاءَ المرسوم بِحمْلِهِ إِلَى الديار المصرية فخافوا من غَايَته وَلما كَانَ ثَالِث شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وست ماية أصبح مشنوقاً بعمامته فِي العذراوية وَحضر جمَاعَة ذَوُو عدل وشاهدوا الْحَال وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة
شمس الدّين ابْن البعلبكي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف ابْن مُحَمَّد الإِمَام الْمُفْتِي البارع شمس الدّين أَبُو عبد الله ابْن الشَّيْخ الْمُفْتِي الزَّاهِد فَخر الدّين البعلبكي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسمع من خطيب مردا وَشَيخ الشُّيُوخ شرف الدّين الْأنْصَارِيّ والفقيه مُحَمَّد اليونيني والزين ابْن عبد الدايم والرضي بن الْبُرْهَان والنجم الباذرائي وَجَمَاعَة ونتفقه على وَالِده وعَلى الشَّيْخ شمس الدّين بن قدامَة وجمال الدّين ابْن البغيدادي وَنجم الدّين ابْن حمدَان وَقَرَأَ الْأُصُول على مجد الدّين الروذراوري وبرهان الدّين المراغي وَالْأَدب على الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك وَالشَّيْخ أَحْمد الْمصْرِيّ وَقَرَأَ الْمعَانِي وَالْبَيَان على بدر الدّين ابْن مَالك وَحفظ الْقُرْآن وَصلى بِالنَّاسِ وَهُوَ ابْن تسع وَحفظ الْمقنع ومنتهى السول للآمدي ومقدمتي أبي الْبَقَاء وَقَرَأَ مُعظم الشافية الَّتِي لِابْنِ مَالك وَكَانَ أحد الأذكياء المناظرين العارفين بِالْمذهبِ وأصوله)
والنحو وشواهده وَله معرفَة حَسَنَة بِالْحَدِيثِ وَالسَّمَاء وَغير ذَلِك وعناية بالرواية وأسمع أَوْلَاده الحَدِيث توفّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية
شمس الدّين بن سامة الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سامة بن كَوْكَب بن عز بن حميد الطَّائِي السوادي الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ الْحَافِظ المتقن الْمُحدث الصَّالح شمس الدّين أَبُو عبد الله نزيل الْقَاهِرَة ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسمعوه من ابْن عبد الدايم وَطلب(3/196)
بِنَفسِهِ وَسمع من ابْن أبي عمر وَابْن الدرجي والكمال عبد الرَّحِيم وَأَصْحَاب حَنْبَل والكندي وارتحل فَسمع بِمصْر من الْعِزّ الْحَرَّانِي وَابْن خطيب المزة وغازي الحلاوي وببغداد من الْكَمَال ابْن الفويرة وعدة وبواسط وحلب والثغر وانْتهى إِلَى أَصْبَهَان قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا أَحْسبهُ ظفر بهَا بِرِوَايَة وَقَرَأَ الْكثير من الْأُمَّهَات وانتفع بِهِ الطّلبَة وَكَانَ فصيحاً سريع الْقِرَاءَة حسن الْخط لَهُ مُشَاركَة فِي أَشْيَاء وَفِيه كيس وتواضع وعفة وَدين وتلاوة وَله أوراد وَتزَوج بِآخِرهِ وَكَانَ عَمه شهَاب الدّين ابْن سامة مُحدثا عدلا شروطياً نسخ الْأَجْزَاء وَحمل عَن ابْن عبد الدايم وعدة وَتُوفِّي صَاحب التَّرْجَمَة سنة ثَمَان وَسبع ماية
الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الأرموي الْعَلامَة الأوحد الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ الشَّافِعِي الأصولي نزيل دمشق ومدرس الظَّاهِرِيَّة وَشَيخ الشُّيُوخ ولد بِالْهِنْدِ سنة أَربع وَأَرْبَعين وتفقه هُنَاكَ بجده لأمه ثمَّ رَحل من دلهي سنة سبع وَسِتِّينَ إِلَى الْيمن فَأعْطَاهُ صَاحبهَا أَربع ماية دِينَار فحج وخاطب ابْن سبعين وَقدم صمر ثمَّ سَار إِلَى لاروم فَأَقَامَ بقونية وسيواس مُدَّة وَأخذ عَن سراج الدّين الأرموي الْمَعْقُول وَقدم دمشق سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسمع من الْفَخر عَليّ وأقرأ الْأُصُول والمعقول وصنف الفايق فِي أصُول الدّين وَأفْتى وَكَانَ يحفظ ربع الْقُرْآن وَفِيه دين وَتعبد وَله أوراد درس بالواحية وأشغل بالجامع وَكَانَ حسن العقيدة وَيكْتب خطا ردئاً إِلَى الْغَايَة توفّي سنة خمس عشرَة وَسبع ماية
العتقي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْقسم بن خَالِد بن جُنَادَة أَبُو عبد الرَّحْمَن العتقي الْمصْرِيّ مَاتَ بِمصْر سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثلث ماية فِي أَيَّام الْعَزِيز لَهُ التَّارِيخ الْكَبِير الْمَشْهُور كتاب الْوَسِيلَة إِلَى دَرك الْفَضِيلَة سيرة العزيزة كتاب أدب الشَّهَادَة وَكَانَ خصيصاً بالعزيز وَله عَلَيْهِ رزق وإقطاعات إِلَى أَن عمل التَّارِيخ فأحضر الْوَزير ابْن كلس وأخرق بِهِ إِلَى أَن شفع فَأمر بِأخذ إقطاعه وَأمره بِلُزُوم دَاره إِلَى أَن مَاتَ والعتقي نِسْبَة إِلَى الله تَعَالَى كَانُوا جمَاعَة)
من أفناء اقبايل مِنْهُم من حجر حمير وَمن مذْحج وَمن كنَانَة وَغَيرهم تجمعُوا وَأَقَامُوا بِنَاحِيَة السَّاحِل من أَرض تهَامَة يقطعون على من أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت لَهُم نَاقَة حزماء فَكَانَ يُقَال لَهُم بَنو الحزماء فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاءَ بهم أسرى وَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فأسلموا فَقَالَ لَهُم أَنْتُم عُتَقَاء الله فَسَأَلُوهُ أَن يكْتب لَهُم بعتقهم كتابا فَفعل فَقَالُوا لَهُ وبعتقنا من الناؤ فَقَالَ وَمن الناؤ وَكَانَ ذَلِك الْكتاب عِنْد رئيسهم حسان بن أسعد بن حجر حمير فَلَمَّا انقرض وَلَده وصل الْكتاب إِلَى حجر بن الْحَرْث بن هدرة بن سُبْرَة أحد بن مَالك بن كنَانَة فَلَمَّا هَلَكت ابْنَته عتاهية بنت حجر(3/197)
دَفعته إِلَى ابْنة سليم امْرَأَة مِنْهُم وَقَالَ سعيد بن عفير وَهُوَ الْيَوْم عِنْدهم بأهناس من نواحي مصر
قطب الدّين خطيب قوص مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قطب الدّين ابْن عماد الدّين النَّخعِيّ القوصي خطيب قوص سمع من أبي الْحسن عَليّ ابْن بنت الجميزي بقوص سنة خمس وَأَرْبَعين وست ماية وَتَوَلَّى الحكم والخطابة وَتُوفِّي بقوص سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست ماية قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي من مَشْهُور حكاياته أَنه لما توفّي أَخُوهُ رثاه بقصيدة جَيِّدَة مِنْهَا
(فَلَا وَالله لَا أَنْفك أبْكِي ... إِلَى أَن نَلْتَقِي شعثاً عراتا)
(فأبكى إِن رَأَيْت سواهُ حَيا ... وأبكي إِن رَأَيْت سواهُ مَاتَا)
وأنشدها بِحَضْرَة جمَاعَة فيهم الأديب الْفَاضِل شرف الدّين النصيبي وَكَانَ قَادِرًا على الارتجال للشعر والحكاية فَلَمَّا وصل إِلَى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ قَالَ هَذَانِ البيتان لغيرك وهما لفُلَان من الْعَرَب لما قتل أَخُوهُ فلَان وقبلهما
(لَئِن قتل العداة أخي عديا ... فَقدما طالما قتل العداة)
(أألحى إِن نزفت أجاج عَيْني ... على قبر حزى العذب الفراتا)
فَحلف قطب الدّين بِالطَّلَاق أَنه لم يسمع هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وانكمش فَقَالَ لَهُ النصيبي تشكرن قَالَ نعم قَالَ أَنا ارتجلتهما وَأخذت الخطابة مِنْهُ وَأعْطيت للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد سعى فِي ذَلِك الصاحب بهاء الدّين بن حنا فجَاء إِلَى الصاحب وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا هَذَا منصبي فَقَالَ كَيفَ نعمل هَذَا تَقِيّ الدّين وَالِده رجل صَالح فَقَالَ يَا مَوْلَانَا فَأَنا أبي نَصْرَانِيّ ثمَّ أَنه استدرك وَعلم أَن سَعْيه لَا يُفِيد وحقد على الصاحب وَمن شعر قطب الدّين)
(وَلما رَأَيْت الجلنار بخده ... تيقنت أَن الصَّدْر أنبت رمانا)
بهاء الدّين الأسنائي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب بهاء الدّين الأسنائي فَقِيه فَاضل فَرضِي تفقه على الشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله القفطي وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأُصُول والفرايض والجبر والمقابلة وَكَانَ يَقُول لَهُ إِن اشتغلت مَا يُقَال لَك إِلَّا الإِمَام وَكَانَ حسن الْعبارَة ثاقب الذِّهْن ذكياً فِيهِ مرؤة بِسَبَبِهَا يقتحم الْأَهْوَال ويسافر فِي حَاجَة صَاحبه اللَّيْل وَالنَّهَار قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي ثمَّ ترك الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَتوجه لتَحْصِيل المَال فَمَا حصل عَلَيْهِ وَلَا وصل إِلَيْهِ وَتُوفِّي بقوص لَيْلَة الْأَضْحَى سنة تسع وثلثين وَسبع ماية
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن زيد البقراط الدندري قَرَأَ القراآت على أبي الرّبيع سُلَيْمَان الضَّرِير البوتيجي وَقَرَأَ أَبُو الرّبيع على الْكَمَال الضَّرِير وتصدر للإقراء وَقَرَأَ عَلَيْهِ(3/198)
جمَاعَة بدندرا واستوطن مصر مُدَّة واشتغل بالنحو وَاخْتصرَ الملحة نظما وَقَالَ فِي أول اختصاره
(وَهَا أَنا اخْتَرْت اخْتِصَار الملحه ... أمنحه الطلاب فَهُوَ منحه)
(وَفِي الَّذِي اختصرته الحشو سقط ... ليقرب الْحِفْظ وَيبعد الْغَلَط)
(وَفِيه أَيْضا رُبمَا أزبد ... فايدة يحتاجها المريد)
قَالَ الْفَاضِل كَمَا الدّين جَعْفَر الأدفوي وَهُوَ الْآن حَيّ
قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة ذُو الْفُنُون جلال الدّين أَو عبد الله الْقزْوِينِي الشَّافِعِي مولده بالموصل سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسكن الرّوم مَعَ وَالِده وأخيه وَولي بهَا قَضَاء نَاحيَة وَله نَحْو من عشْرين سنة وتفقه وناظر وأشغل بِدِمَشْق وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب وناب فِي قَضَاء دمشق لِأَخِيهِ إِمَام الدّين سنة سِتّ وَتِسْعين وَأخذ الْمَعْقُول عَن شمس الدّين الأيكي وَغَيره وَسمع من الشَّيْخ عز الدّين الفاروثي وطايفة وَولى خطابة الْجَامِع الْأمَوِي مُدَّة وَطَلَبه السُّلْطَان وشافهه بِقَضَاء دمشق وَوَصله بِذَهَب كثيؤ فَحكم بِدِمَشْق مَعَ الْخطاب ثمَّ طلب إِلَى مصر وولاه السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية سنة سبع وَعشْرين وَسبع ماية وَعظم شَأْنه وَبلغ من الْعِزّ والوجاهة مَا لَا يُوصف وَحج مَعَ السُّلْطَان ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَسبع ماية وَوَصله بجملة وَكَانَ إِذا جلس فِي دَار الْعدْل لم يكن لأحد مَعَه كَلَام ويرمل على يَد السُّلْطَان فِي دَار الْعدْل وَيخرج الْقَصَص الْكَثِيرَة من يَده وَيَقْضِي اشغال النَّاس فِيهَا وَوجد أهل الشَّام بِهِ رفقا كثيرا وتيسرت لَهُم الأرزاق)
والرواتب والمناصب بإشارته وَكَانَ حسن التقاضي لطيف السفارة لَا يكَاد يمْنَع من شَيْء يسْأَل فِيهِ وَكَانَ فصيحاً حُلْو الْعبارَة مليح الصُّورَة موطأ الأكناف سَمحا جواداً حَلِيمًا جم الفضايل حاد الذِّهْن يُرَاعِي قَوَاعِد الْبَحْث يتوقد ذهنه ذكاء وَكَانَ يخْطب بِجَامِع القلعة شَرِيكا لِابْنِ الْقُسْطَلَانِيّ ثمَّ إِنَّه نقل إِلَى قَضَاء الشَّام عايداً سنة ثَمَان وثلثين فتعلل وَحصل لَهُ طرف فالج ثمَّ أَنه توفّي فِي منتصف جُمَادَى الأولى وَدفن بمقبرة الصُّوفِيَّة فِي سنة تسع وثلثين وَسبع ماية وشيع جنَازَته خلق عَظِيم إِلَى الْغَايَة وَكثر التأسف عَلَيْهِ لما كَانَ فِيهِ من الْحلم والمكارم وَعدم الشَّرّ وَعدم مجازاة الْمُسِيء إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ ينْسب إِلَى أبي دلف الْعجلِيّ وَكَانَ يحب الْأَدَب ويحاضر بِهِ وَله فِيهِ ذوق كثير ويستحضر نكته وَألف فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان مصنفاً قَرَأَهُ عَلَيْهِ جمَاعَة بِمصْر وَهُوَ تصنيف حسن سَمَّاهُ تَلْخِيص الْمِفْتَاح وَشَرحه وَسَماهُ الْإِيضَاح وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ من كملة الزَّمَان وأفراد الْعَصْر فِي مَجْمُوعه(3/199)
وَكَانَ يعظم الأرجاني الشَّاعِر وَيرى أَنه من مفاخر الْعَجم وَاخْتَارَ شعره وَسَماهُ الشذر الْمرْجَانِي من شعر الأرجاني وَأَجَازَ لي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
ابْن فَخر الدّين البعلبكي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْعَلامَة الْمُفْتى الْمُحدث شمس الدّين أَبُو عبد الله بن الشَّيْخ فَخر الدّين البعلبكي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وست ماية وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة تسع وَتِسْعين وست ماية وَسمع من شيخ الشُّيُوخ الْحَمَوِيّ وخطيب مردا وَابْن عبد الدايم وَطلب الحَدِيث وَقَرَأَ وعلق وَلم يتفرغ لذَلِك وَكَانَ مَشْغُولًا بأصول الْمَذْهَب وفروعه أفتى ودرس وناظر وَكَانَ يبْحَث مَعَ الْعَلامَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَسمع بِقِرَاءَتِي مُعْجم الشَّيْخ عَليّ بن الْعَطَّار ولي مِنْهُ إجَازَة
ابْن الْعَطَّار الْحَمَوِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أيدمر الْفَقِيه البارع الْمُحدث المناظر المفنن شمس الدّين أَبُو الفضايل الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي ابْن الْعَطَّار ولد سنة عشر وَسبع ماية وتفقه بِابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ من بعده بالشيخ برهَان الدّين وَسمع من الحجار وَمن جمَاعَة وبحماة من قاضيها شرف الدّين وعني بِالْحَدِيثِ وَمَعْرِفَة رِجَاله وباختلاف الْعلمَاء
شمس الدّين ابْن الصايغ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ شمس الدّين أَبُو عبد الله ابْن الصايغ الْحَنَفِيّ اجْتمعت بِهِ غير مرّة بالديار المصرية بعد حُضُوره من دمشق وصحبته من حَلقَة الشَّيْخ أثير الدّين قَرَأَ عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة وعَلى الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن المرحل وَقَرَأَ بالروايات وجود)
الْعَرَبيَّة وَلم يكن لَهُ إِلْمَام بالأدب وَلَا لَهُ نظم فَلَمَّا اجْتمعت بِهِ كنت السَّبَب فِي ميله إِلَى الْأَدَب وَأخذ ينظم قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن مهر وَصَارَ فِي عداد الأدباء وَالشعرَاء وَمَال إِلَى الْأَدَب ميلًا كلياً وَأَقْبل على النّظم وغاص على الْمعَانِي وراعى التورية والاستخدام فِي شعره وَفِيه عشرَة وظرف وعلق عني كثيرا وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وثلثين وَسبع ماية
(قَاس الورى وَجه حَبِيبِي بالقمر ... لجامع بَينهمَا وَهُوَ الخفر)
(قلت الْقيَاس بَاطِل بفرقه ... وَبعد ذَا عِنْدِي فِي الْوَجْه نظر)
وأنشدني لنَفسِهِ من لَفظه
(عارضني العذال فِي عَارض ... قَالُوا بلطف بعد مَا أطنبوا)
(مَا آن بالعارض أَن تَنْتَهِي ... قلت وَلَا بالشيب لَا تتعبوا)
وأنشدني لنَفسِهِ من لَفظه
(راحت مني روحي فهذي مهجتي ... من بعد ذَاك وَجدتهَا قد طاحت)(3/200)
(فاترك ملامك يَا عذول فَإِنَّمَا ... هِيَ مهجة راحت على من راحت)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(قد زَاد فِي التفنيد لي عاذلي ... على هوى من لم اطق بَينهَا)
(حَتَّى بدا من لحظها صارم ... ففر لما أَن رأى عينهَا)
ونقلت من خطه لَهُ
(أَلا قَاتل الله الْهوى كم لدايه ... طريحاً من الأسقام لَيْسَ لَهُ دوا)
(إِذا مَا رمى سَهْما لقلب متيم ... يعِيش وَمَعَ هَذَا يُقَال لَهُ هوا)
ونقلت مِنْهُ لَهُ
(أمولاي شمس الدّين لاذقت بعض مَا ... فُؤَادِي الْمَعْنى بعد بعْدك ذاقه)
(فَمَا فارقتك الْعين حَتَّى ترافقت ... بدمع رَأَيْت الْبَحْر دمعي فاقه)(3/201)
3 - (ابْن عبد الرَّحِيم)
الْحَافِظ صَاعِقَة مُحَمَّد بن عبد لرحيم بن أبي زُهَيْر الْحَافِظ أَبُو يحيى الْعَدوي مولى آل عمر رَضِي الله عَنهُ الْفَارِسِي الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بصاعقة روى عَنهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره توفّي سنة خمس وَخمسين ومايتن
ابْن الْفرس الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن الْفرج بن خلف الإِمَام أَبُو عبد الله ابْن الْفرس الْأنْصَارِيّ الخزرجي الغرناطي ولي قَضَاء بلنيسة وَكَانَ فِي وقته أحد حفاظ الأندلس وَكَانَ أُصُوله أعلاقاً نيسة أَكْثَرهَا بِخَطِّهِ توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس ماية
أَبُو حَامِد الغرناطي مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان بن الرّبيع بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الصَّمد أَبُو حَامِد وَأَبُو عبد الله ابْن أبي الرّبيع الْقَيْسِي من أهل غرناطة قدم بَغْدَاد وَسمع بهَا أَبَا الْعِزّ أَحْمد بن عبيد الله بن كادش وَغَيره وَحدث بهَا عَن أبي صَادِق مرشد بن يحيى الْمَدِينِيّ وَأبي عبد الله نحمد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الرَّازِيّ وَكَانَ شَيخا فَاضلا أديباً صنف كتابا فِي العجايب الَّتِي شَاهدهَا بالمغرب أورد لَهُ ابْن النجار
(تكْتب الْعلم وتلقي فِي سفط ... ثمَّ لَا تحفظ لَا تفلح قطّ)
(إِنَّمَا يفلح من يحفظه ... بعد فهم وتوق من غلط)
وَأورد لَهُ
(الْعلم فِي الْقلب لَيْسَ الْعلم فِي الْكتب ... فَلَا تكن مغرماً باللهو واللعب)
(فاحفظه وافهمه وَاعْلَم كي تفوز بِهِ ... فالعلم لَا يجتنى إِلَّا مَعَ التَّعَب)
ولد سنة ثلث وَسبعين وَأَرْبع ماية وَتُوفِّي بِدِمَشْق سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس ماية تكلم فِيهِ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر قلت أَظن كَلَامه من قبيل الحكايات الَّتِي كَانَ يوردها عَن عجايب رَآهَا
أُجِيز الْبَهَاء الشُّرُوطِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الدِّمَشْقِي الشوطي الْعدْل شهَاب الدّين ابْن الضياء الْمَعْرُوف بأجير الْبَهَاء الشريف كَانَ بارعاً فِي الشُّرُوط انْتَهَت إِلَيْهِ معرفَة ذَلِك وحظي بِهِ فِي دمشق توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وست ماية
ابْن الْحلَبِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن قَاسم بن(3/202)
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَبُو عبد الله الحسني الْكُوفِي الأَصْل الْمصْرِيّ المولد وَالدَّار والوفاة الْمَعْرُوف)
وَالِده بالحلبي ولد سنة ثلث وَسبعين وَخمْس ماية بِالْقَاهِرَةِ وَسمع من أبي طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَنْبَارِي والشريف أبي مُحَمَّد عبد الله ابْن عبد الْجَبَّار الْعدْل وَأبي مُحَمَّد ابْن القيسراني وَأبي الفوارس مرهف بن أُسَامَة وَقَرَأَ الْقُرْآن الْكَرِيم واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُول وبرع فيهمَا وَحدث وأقرأ الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا مُدَّة وَكَانَ صَدرا محتشماً حسن الطَّرِيقَة كريم الْأَخْلَاق يُؤثر الِانْفِرَاد وَالْخلْوَة وَله عبَادَة توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وست ماية وَدفن بسفح المقطم
الْمُحدث شمس الدّين ابْن الْكَمَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الإِمَام الْمُحدث الْقدْوَة الصَّالح شمس الدّين بن الْكَمَال الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ ابْن أخي الْحَافِظ ضِيَاء الدّين ولد سنة سبع وماية وَسمع من الْكِنْدِيّ وَابْن الحرستاني حضوراً وَمن ابْن ملاحب والبكري أبي الْفتُوح ومُوسَى بن عبد الْقَادِر وَالشَّمْس أَحْمد الْعَطَّار وَالشَّيْخ الْعِمَاد إِبْرَاهِيم وَالشَّيْخ الْمُوفق وَابْن أبي لقْمَة وَابْن البن وَابْن صصارى وزين الْأُمَنَاء وَابْن رَاجِح وَأحمد بن طَاوُوس وَابْن الزبيدِيّ وَخلق كثير وَحدث بالكثير نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وَتمّ نصنيف الْأَحْكَام الَّذِي جمعه عَمه الْحَافِظ الضياء وَكَانَ مُحدثا فَاضلا نبيها حسن التَّحْصِيل وافر الدّيانَة كثير الْعِبَادَة نزهاً عفيفاً مخلصاً روى عَنهُ القَاضِي تَقِيّ الدّين ابْن سُلَيْمَان وَابْن تَيْمِية وَابْن الْعَطَّار والمزي وَابْن مُسلم وَابْن الخباز والبرزالي وَولي مشيخة الأشرفية الَّتِي بِالْجَبَلِ وغزا غير مرّة ودرس بالضيائية وَحج مرَّتَيْنِ حفر مَكَانا بالصالحية لبَعض شَأْنه فَوجدَ جرة مَمْلُوءَة ذَهَبا وَكَانَ مَعَه زَوجته تعينه فطمه وَقَالَ لزوجته هَذَا فتْنَة وَلِهَذَا مستحقون لَعَلَّنَا لَا نعرفهم فوافقته وطماه وتركاه توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وست ماية
كَمَال الدّين ابْن الْبَارِزِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله القَاضِي كَمَال الدّين ابْن قَاضِي حماة نجم الدّين ابْن الْبَازِي الْحَمَوِيّ فَقِيه إِمَام مدرس ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وست ماية
ابْن الطّيب الأندلسي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن الطّيب الْقَيْسِي الأندلسي الضَّرِير الْعَلامَة الْمُقْرِئ أَبُو الْقسم ولد سنة ثلثين أَو نَحْوهَا وتلا بالسبع على جمَاعَة وَسكن سبتة أَرَادَهُ الْأَمِير العزفي أَن يقْرَأ فِي رَمَضَان السِّيرَة فَبَقيَ يدرس كل يَوْم ميعاداً ويورده فحفظها فِي الشَّهْر وَكَانَ طيب الصَّوْت صَاحب فنون يروي عَن أبي عبد الله الْأَزْدِيّ أَخذ عَنهُ أيمة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبع ماية)
ابْن مُسلم الطَّبِيب مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُسلم كَمَال الدّين الطَّبِيب شيخ قديم عَارِف بالطب بَصِير بأصوله ومفرداته درس بالدخوارية وَطَالَ عمره وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وست ماية(3/203)
الْمسند شرف الدّين الحريري مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَبَّاس ابْن أبي الْفَتْح بن النشو الْقرشِي الدِّمَشْقِي شرف الدّين التَّاجِر الحريري ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بِالْقَاهِرَةِ وَسمع من ابْن رواج ويوسف الساوي وفخر الْقُضَاة ابْن الْجبَاب وَابْن الجميزي وَجَمَاعَة وَتفرد مُدَّة بعدة أَجزَاء روى الْكثير وَكَانَ تَامّ الشكل حسن الْهَيْئَة سَافر فِي التِّجَارَة وَسمع مِنْهُ ابْن الخباز وَابْن الْعَطَّار والقطب الْحلَبِي الْمزي والبرزالي والواني وَولده الْمُحب وَابْنه وَأَوْلَاد الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَابْن خَلِيل توفّي سنة عشْرين وَسبع ماية
شهَاب الدّين الباجربقي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عمر الباجر بَقِي الْجَزرِي الشَّيْخ الزَّاهِد مُحَمَّد بن الْمُفْتِي الْكَبِير جمال الدّين الشَّافِعِي تحول جمال الدّين بولديه بعد الثَّمَانِينَ إِلَى دمشق فسمعا من ابْن البُخَارِيّ وَجلسَ للإفادة والإفتاء ودرس وَمَات وَقد شاخ بعد السَّبع ماية فتزهد مُحَمَّد وَلَده الْمَذْكُور وَحصل لَهُ حَال وكشف وَانْقطع فصحبه جمَاعَة من الرذالة وهون لَهُم أَمر الشرايع وَأرَاهُ مبوارق شيطانية وَكَانَ لَهُ قُوَّة تَأْثِير فقصده جمَاعَة من الْفُضَلَاء وقلدوا الشَّيْخ نصر الدّين ابْن الْوَكِيل فِي تَعْظِيمه وَكَانَ مِمَّن قَصده الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ النَّحْوِيّ شيخ الْعَرَبيَّة فسلكه على عَادَته فجَاء إِلَيْهِ فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ لَهُ تعود إِلَيّ فِيهِ وَقَالَ لَهُ مَا رَأَيْت قَالَ وصلت فِي سلوكي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَقَالَ لَهُ هَذَا مقَام مُوسَى بن عمرَان بلغته فِي أَرْبَعَة أَيَّام فَرجع الشَّيْخ مجد الدّين إِلَى نَفسه وَتوجه إِلَى القَاضِي وَحكى مَا جرى وَتَابَ إِلَى الله وجدد إِسْلَامه فَطلب الباجربقي وَحكم بإراقة دَمه فاختفى وَتوجه إِلَى مصر وَانْقطع بالجامع الْأَزْهَر وَتردد إِلَيْهِ جمَاعَة وَحكى لي عَنهُ الشَّيْخ الإِمَام شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَكْفَانِيِّ حكايات عَجِيبَة وأموراً غَرِيبَة وَغَيره حُكيَ لي من مادتها أَشْيَاء كَثِيرَة لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهَا مجَال وَكَانَ الشَّيْخ صدر الدّين يتَرَدَّد إلهي وَهُوَ بِدِمَشْق وَيجْلس بَين يَدَيْهِ وَيحصل لَهُ بهت فِي وَجهه وَيَضَع يَده تَحت ذقنه ويخلل ذقنه بإصابعه وينشد
(عجب من عجايب الْبر والبح ... ر وشكل فَرد وَنَوع غَرِيب)
وَشهد عَلَيْهِ مجد الدّين التّونسِيّ وخطيب الزنجيلية ومحيي الدّين ابْن الفارغي وَالشَّيْخ أَبُو بكر ابْن مشرف بِمَا أُبِيح بِهِ دمع وجن هَذَا أَبُو بكر أَيَّامًا ثمَّ عقل وَحكي عَنهُ التهاون بِالصَّلَاةِ)
وَذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باسمه من غير تَعْظِيم وَلَا صَلَاة عَلَيْهِ حَتَّى يَقُول وَمن مُحَمَّد هَذَا فَحكم القَاضِي جمال الدّين الزواوي الْمَالِكِي بإراقة دَمه فاختفى وسافر إِلَى الْعرَاق وسعى أَخُوهُ بجاه بيبرس(3/204)
العلائي إِلَى القَاضِي الْحَنْبَلِيّ فَشهد نَحْو الْعشْرين بِأَن السِّتَّة بَينهم وَبَينه عَدَاوَة فعصم الْحَنْبَلِيّ دَمه فَغَضب الْمَالِكِي وجدد الحكم بقتْله وَجَاء بعد مُدَّة وَنزل بالقابون على بَاب دمشق وَلم يزل مختفياً إِلَى أَن مَاتَ وَله سِتُّونَ سنة قيل إِنَّه قَالَ إِن الرُّسُل طولت على الْأُمَم الطّرق إِلَى الله وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَسبع ماية
شرف الدّين الأرمنتي مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ القَاضِي شرف الدّين الأرمنتي قَالَ القَاضِي كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي كَانَ فَقِيها ذَا ورع ونزاهة وَمَكَارِم تولى الحكم بقنائم ارتحل إِلَى مصر وَتَوَلَّى الحكم بإطفيح ثمَّ بمنية بني خصيب وأبيار وفوة ودمياط والفيوم وسيوط قَالَ وَكَانَ شَيخنَا قَاضِي القاضة بدر الدّين ابْن جماعى يرعاه ويكرمه لما اتّصف بِهِ من النزاهة وَلَا يَأْكُل لأحد شَيْئا مُطلقًا سَوَاء كَانَ من أهل ولَايَته أَو غَيرهم غير أَنه كَانَ يقف مَعَ هز نَفسه وَيُحب التَّعْظِيم وَأَن يُقَال عَنهُ رجل صَالح وَإِذا فهم من أحد أَنه لَا يَعْتَقِدهُ يحقد عَلَيْهِ ويقصد ضَرَره وَيرى أَنه إِذا عزل عَن ولَايَة لَا يتَوَلَّى أَصْغَر مِنْهَا ويعالج الْفقر الشَّديد وعزله قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي من سيوط ثمَّ عرض عَلَيْهِ دونهَا فَلم يُوَافق مَعَ شدَّة ضَرُورَته وَاسْتمرّ بطالاً يعالج الضَّرُورَة إِلَى أَن توفّي بِمصْر سنة ثلث وثلثين وَسبع ماية فِيمَا يغلب على الظَّن وَكَانَ يحفظ التَّنْبِيه حفظا متقناً معرباً وَكَانَ قَلِيل النَّقْل والفهم وَله فِي الحكم حُرْمَة وَقُوَّة جنان(3/205)
3 - (ابْن عبد الرَّزَّاق)
الْوَاعِظ الساوي مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق بن عبد الله بن اسحق أَبُو لمناقب الْوَاعِظ الْأَعْرَج الساوي كَانَ بهَا قَاضِيا شَافِعِيّ الْمَذْهَب فَطلب الجاه عِنْد خَواص السُّلْطَان مَسْعُود والخدم فتمذهب لأبي حميفة وَكَانَ واعظاً مليح الْوَعْظ فصيح الْعبارَة وَكَانَ يضاهي الْعَبَّادِيّ فِي بعض أساليبه عقد فِي بَغْدَاد بِجَامِع الْقصر مجْلِس الْوَعْظ وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام ومدح المستنجد بقصيدة أَولهَا
(من الله مَا يسْقِي الرياض غمام ... عَلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ سَلام)
وَمن شعره قَوْله
(تنبه لنوم الدَّهْر قبل انتباهه ... فقد نَام عَنَّا الْبرد وانتبه الْورْد)
وَلَا تدعن الْأنس يَوْمًا إِلَى غَد فَإنَّك لَا تَدْرِي بِمَاذَا غَدا يَغْدُو وَمِنْه أَيْضا
(أَلا خلياً خلا شهِدت وغابا ... ونافست فِي رعي الذمام وحابى)
(وواربني حَتَّى تحقق أنني ... سكنت إِلَيْهِ خانني وأرابا)
(وماحض نصحي محين راقت مشاربي ... فَلَمَّا بدا شوب الْحَوَادِث شَابًّا)
(أنقب ظهر الأَرْض نَاشد صَادِق ... صديق فَهَل من منشد فيشابا)
(فماء إخاء الْأَكْثَرين وجدته ... بقيعة تطلاب الْوَفَاء سرابا)
قلت شعر متوسط وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس ماية بالموصل
شمس الدّين الرَّسْعَنِي مُحَمَّد بن عبد لرزاق بن رزق الله ابْن أبي بكر الْعدْل الْعَالم شمس الدّين الرَّسْعَنِي الْمُحدث الْحَنْبَلِيّ نزيل دمشق كَانَ شَيخا أَبيض مليح الشكل ولد فِي بضع عشرَة وَسمع من ابْن روزبه وبن بهروز وَابْن القبيطي وَجَمَاعَة بِبَغْدَاد وَمن كَرِيمَة وَغَيرهَا بِدِمَشْق وَأم بِالْمَسْجِدِ الْكَبِير بالرماحين وَكَانَ لَهُ شعر وسافر إِلَى مصر فِي شَهَادَة وَلما عَاد دخل الشَّرِيعَة يسْقِي فرسه فغرق وَلم يظْهر لَهُ خبر وَذَلِكَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وست ماية وَكَانَ يمدح الصاحب شمس الدّين ابْن السلعوس قبل وزارته كتب إِلَيْهِ بهاء الدّين ابْن الأرزني
(أحن إِلَى تِلْكَ السجايا وَإِن نأت ... حنين أخي ذكرى حبيب ومنزل)(3/206)
(وأهدي إِلَيْهَا من سلامي مشاكلاً ... نسيم الصِّبَا جَاءَت بريا القرنفل)
)
فَأَجَابَهُ شمس الدّين الْمَذْكُور
(على فَتْرَة جَاءَ الْكتاب معطراً ... بمسك سحيق لَا بريا القرنفل)
(وأذكرني ليلات وصل تصرمت ... بدار حبيب لَا بدارة جلجل)
(شَكَوْت إِلَى صبري اشتياقاً فَقَالَ لي ... ترفق وَلَا تهْلك أسى وتجمل)
(فَقلت لَهُ إِنِّي عَلَيْك معول ... وَهل عِنْد رسم دارس من معول)
وَمن شعره
(وَلَو أَن إنْسَانا يبلغ لوعتي ... ووجدي وأشجاني إِلَى ذَلِك الرشا)
(لأسكنته عَيْني وَلم أرْضهَا لَهُ ... وَلَوْلَا لهيب الْقلب أسكنته الحشا)
أَنْشدني من لَفظه الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ من أَبْيَات
(أأحبابنا إِن جَادَتْ المزن أَرْضكُم ... فَمَا هِيَ إِلَى من دموعي تمطر)
(وَإِن لَاحَ برق فَهُوَ برق أضالعي ... وَإِن ناح ورق عَن أنيني يخبر)
(وَإِن نسمت ريح الصِّبَا وتأرجت ... فَمن طيب أنفاسي بكم تتعطر)
(وَإِن رنحت أَغْصَان دجلة فانثنيت ... فعني بإبلاغ النسيم تخبر)
(وَمن عجب أُتِي أكتم لوعة ... وأودعها طي الصِّبَا وَهِي تنشر)
وَمِنْهَا فِي المديح
(على أدهم كالليل يَسْطُو على العدى ... بأبيض هندي بِهِ الْمَوْت أَحْمَر)
(إِذا ركعت أسيافه فِي عداته ... تَخِر سجوداً والرماح تكبر)
قلت هُوَ نظم متوسط واستعارة التَّكْبِير للرماح اسْتِعَارَة فَاسِدَة(3/207)
3 - (ابْن عبد الرشيد)
الرجائي الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن نَاصِر الرجائي أَبُو الْفضل الْوَاعِظ الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ ابْن النجار قدم غير مرّة بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن أبي الْفضل جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد الثَّقَفِيّ وَسمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عَليّ الْقرشِي وَتوجه إِلَى الْحَد فأدركه أَجله بالحلة السيفية سنة ثلث وَسِتِّينَ وَخمْس ماية وَكَانَ فَقِيها فَاضلا واعظاً مجوداً صَالحا دينا ورعاً تقياً زاهداً عابداً وَكَانَ لَهُ قبُول عَظِيم من أهل بدله وَله أَصْحَاب ومريدين حضر وَلِيمَة بأصبهان كَانَ فِيهَا الشَّيْخ أَبُو مَسْعُود كوتاه وَجَمَاعَة من الْأَعْيَان فَلَمَّا حضر الطَّعَام تنَاول مِنْهُ أَبُو مَسْعُود وَالْجَمَاعَة وَلم يمد مُحَمَّد بن عبد الرشيد يَده وَلم يَأْكُل فَقيل لَهُ إِن الشَّيْخ أيا مَسْعُود قد أكل وَأَنت لم تَأْكُل فَقَالَ إِن الْبَحْر لَا يُنجسهُ شَيْء وَالنّهر الصَّغِير إِذا كَانَ دون الْقلَّتَيْنِ نجسه أدنى النَّجَاسَات وَهُوَ الْبَحْر وَنحن دون الْقلَّتَيْنِ وَلم يَأْكُل
حفيد الرجائي مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن نَاصِر الرجائي حفيد الْمَذْكُور آناً من بَيت مَشْهُور بِالْفَضْلِ والزهد وَالْعِبَادَة وَالْعلم وَالرِّوَايَة سمع الحَدِيث من أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن ينَال التركي وَغَيره وَصَحب الصُّوفِيَّة وَكَانَ يعظفي الرساتيق وَقدم بَغْدَاد غير مرّة حَاجا وَحدث بهَا بِيَسِير وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق والتودد إِلَى النَّاس وَفِيه سخاء ومروءة وبذل لما فِي يَدَيْهِ قتل شَهِيدا على أَيدي التتار بأصبخان سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وست ماية
الْقُرْطُبِيّ الْأَزْدِيّ مُحَمَّد بن عبد الرؤف بن مُحَمَّد بن عبد الحميد الزدي أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ سمع من أَحْمد بن بشر بن الأغبس وقاسم بن أصْبع ونظرايهما وَكَانَ كَاتبا بليغاً عَالما باللغة والغريب والتواريخ ألف فِي شعراء الأندلس كتابا بلغ فِيهِ الْغَايَة وَتُوفِّي سنة ثلث وَأَرْبَعين وَثلث ماية(3/208)
البراتقيني مُحَمَّد بن عبد الستار بن مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الكردري البراتقيني بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الرَّاء ألف بعْدهَا تَاء مثناة ثَالِثَة الْحُرُوف وقاف بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف وَنون وبراتقين قَصَبَة من قصبات كردر من أَعمال ججانية خوارزم الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو الْوحدَة كَانَ أستاذ الأيمة على الأطلاق برع فِي الْمَذْهَب وأصوله توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست ماية(3/209)
3 - (ابْن عبد السَّلَام)
الشريف الْبَزَّاز مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن يَعْقُوب بن بعد الْوَاحِد بن سعيد بن زيد بن وَدِيعَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو الْفضل الْبَزَّاز سمع أَبَا عبد الله أَحْمد بن عبد الله الْمحَامِلِي وَالْحسن بن أَحْمد بن شَاذان وَعبد الْملك بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بِشران وَعبد الرَّحْمَن بن عبيد الله الْحرفِي ومكى بن عَليّ الحريري وَأحمد بن مُحَمَّد بن غَالب البرقاني وَأَبا الْعَلَاء مُحَمَّد بن عَليّ بن يَعْقُوب الوَاسِطِيّ وَأَبا عبد الله نحمد بن عَليّ الصُّورِي وَغَيرهم وَحدث بالكثير روى عَنهُ أَبُو الْقسم ابْن السَّمرقَنْدِي وَعبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَعبد الْخَالِق بن أَحْمد بن يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد ابْنا عبد الْبَاقِي وَعبد الله بن النَّرْسِي وشهدة الْكِتَابَة توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع ماية
ابْن عَفَّان الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن عَليّ بن عمر بن عَفَّان الدقاق أَبُو الْوَفَاء الْوَاعِظ سمع أَبَاهُ وَأَبا عَليّ بن شَاذان وَابْن بَشرَان وَعبد الرَّحْمَن الْحرفِي وروى عَنهُ أَبُو الْقسم السَّمرقَنْدِي وَكَانَ واعظاً مليح الْوَعْظ لَهُ قبُول وصيت وَكَانَ صَالحا دينا توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ أَربع ماية
الجبيري مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أبي نزار مُحَمَّد ابْن أبي نصر الحصري الجبيري الشَّاعِر الوَاسِطِيّ كن يذكر أَنه من ولد سعيد بن جُبَير حفظ الْقُرْآن فِي صباه وَسمع الحَدِيث وسافر إِلَى خُرَاسَان وَقدم بَغْدَاد بعد الثَّمَانِينَ وَخمْس ماية ومدح الإِمَام النَّاصِر وَمن شعره
(كئيب مدنف صب ... أضرّ بِقَلْبِه السرب)
(وَذَات الشّرْب أردى الش ... ب من ريقتها الشّرْب)
(فدمعي فِيك مَا يرقا ... ونار الْقلب مَا تخبو)
وسافر إِلَى الشَّام واتصل بِبَعْض أَوْلَاد السُّلْطَان صَلَاح الدّين ومدحه وَتُوفِّي بِالشَّام
فَخر الدّين المارديني الطَّبِيب مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن عبد السَّاتِر الْأنْصَارِيّ فَخر الدّين المارديني الطَّبِيب أَمَام أهل الطِّبّ فِي وقته أَخذ الطِّبّ عَن أَمِين الدولة ابْن التلميذ والفلسفة عَن النَّجْم أَحْمد بن الصّلاح قدم دمشق وأقرأ بهَا الطِّبّ وسافر إِلَى حلب فحظى عِنْد الظَّاهِر وسافر إِلَى ماردين ووقف كتبه بهَا وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس ماية وَله اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ(3/210)
سنة وَقَرَأَ عَلَيْهِ مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بعض القانون لِابْنِ سينا وَصَححهُ مَعَه وَلما عزم على)
السّفر من دمشق أُتِي إِلَيْهِ مهذب الدّين وَعرض عَلَيْهِ الْمقَام بِدِمَشْق وَأَن يُوصل لوَكِيله فِي كل شهر ثلث ماية دِرْهَم ناصرية فَأبى ذَلِك وَقَالَ الْعلم لَا يُبَاع أصلا وَشرح قصيدة ابْن سينا هَبَطت إِلَيْك من الْمحل الأرفع رِسَالَة فَضَح فِيهَا بعض من اتهمه بالميل إِلَى مَذْهَب يعِيبهُ
الخازن المغربي مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الخازن المغربي ذكره حرقوص فِي كِتَابه وَقَالَ هُوَ شَاعِر مفلق ومطبوع مجيد وأديب أرِي ومصقع خطيب كَامِل الْخِصَال بارع الْخلال خص بِمَا لم يخص بِهِ أحد من أهل بلدنا اجْتمعت لَهُ بلاغة اللِّسَان وَحسن الْبَيَان عِنْد المخاطبة والتحرير الفايت عِنْد الترسل وَالشعر البارع وَحسن الْخط وَمن شعره
(فؤاد غل باللوعات غلا ... وَعين دأبها ان تستهلا)
(عميد كَانَ ذَا جلد وعزم ... فأذعن للهوى قسراً وذلا)
(فَمن لمتيم لم تبْق مِنْهُ ... صبابات الْهوى إِلَّا الأقلا)
(شغفت بوصل مشغوف بهجري ... تولى الصَّبْر عني إِذْ تولى)
(بدا كالبدر حِين بدا تَمامًا ... فجرعني الْهوى نهلاً وَعلا)
(فيا لهفا على الْأَيَّام كُنَّا ... تفيأنا بهَا للوصل ظلا)
(لَعَلَّ صروف هَذَا الدَّهْر تجْرِي ... بأوبة من كلفت بِهِ لعلا)
وَمِنْه
(وَلما أَن أجد بِنَا افْتِرَاق ... ووقفنا الرَّقِيب على امتحان)
(تشاكينا فَلَا توديع إِلَّا ... بلحظ الطّرف أَو وَحي البنان)
تَاج الدّين ابْن أبي عصرون مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن المطهر الْعَلامَة شرف الدّين أبي سعد ابْن أبي عصرون الشَّيْخ الإِمَام الْمسند تَاج الدّين أَبُو عبد الله ابْن القَاضِي شهَاب الدّين التَّمِيمِي الشَّافِعِي ولد سنة عشر وست ماية بحلب وَنَشَأ واشتغل وَقَرَأَ الْفِقْه وَسمع من أبي الْحسن بن روزبة ومكرم بن أبي الصَّقْر وَالْعلم ابْن الصَّابُونِي ووالده شهَاب الدّين والز ابْن رَوَاحَة وَعبد الرَّحْمَن ابْن أبي الْقسم الصُّورِي وَأَجَازَ لَهُ الْمُؤَيد الطوسي وَعبد الْمعز الْهَرَوِيّ وَزَيْنَب الشعرية وَسَعِيد بن الرزاز وَأحمد بن سُلَيْمَان بن الْأَصْفَر وطايفة ودرس بالشامية الجوانية بِدِمَشْق وَكَانَ يُورد الدَّرْس مليحاً وَهُوَ من كبار شُيُوخ الشَّيْخ شمس الدّين توفّي سنة خمس)
وَثَمَانِينَ وست ماية(3/211)
ابْن الواثق الْخَطِيب مُحَمَّد بن عبد السَّمِيع بن مُحَمَّد بن الواثق بِاللَّه أَبُو نصر ابْن أبي تَمام الْخَطِيب بِجَامِع شَارِع الدَّقِيق ولي مرّة خطابة الحربية وجامع العتابيين كَانَ لَهُ أدب وَمن شعره
(سَلام كَمَا دارت على الشّرْب قرقف ... يطوف بهَا حُلْو الشمايل أهيف)
(وكالروض مخضل الجوانب مونق ... عَلَيْهِ من الأزهار برد مفوف)
(تنم على نمامه نفحاته ... وَتظهر أسرار الخزامى وَتكشف)
(تبلغه عني الْجنُوب إِذا سرت ... ركايبها وَهنا تخب وتوجف)
(إِلَى قمر يجلو بغرته الدجا ... إِلَى غُصْن بَان مايس يتعطف)
قلت شعر جيد توفّي سنة تسع وَعشْرين وست ماية(3/212)
3 - (ابْن عبد الصَّمد)
فتح الدّين السّلمِيّ الْمُحْتَسب مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن عبد الله ابْن عبد الله بن حيدرة فتح الدّين أَبُو عبد الله السّلمِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْعدْل كَانَ من الصُّدُور الْكِبَار ولي حسبَة دمشق مُدَّة زمانية إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَخمسين وست ماية كَانَ مشكور السِّيرَة مَحْمُود الطَّرِيقَة مَوْصُوفا بالعفاف والنزاهة كثير المهابة وجده الْعدْل نجيب الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الله هُوَ باني مدرسة الزبداني ووافقها فِي سنة ثلث وَتِسْعين وَخمْس ماية كَانَ لَهُ مكانة مكينة عِنْد السُّلْطَان صَلَاح الدّين الْكَبِير وَعند أَوْلَاده لمعْرِفَة قديمَة كَانَت بَينهمَا وَكَانَ عِنْده بِمَنْزِلَة الصاحب وَالْأَخ حَتَّى أَنه كَانَ يدْخل على حريمه ويحدثهن من وَرَاء حجاب اسْتَفَادَ مِنْهُ أمولاً جمة وَكَانَ كثير الْبر وَالصَّدَََقَة وَله الْأَمْلَاك الْكَثِيرَة بِتِلْكَ الأَرْض وَمن نَسْله جمَاعَة أَعْيَان مِنْهُم فتح الدّين الْمَذْكُور وَتُوفِّي بمنزله بِحَبل قاسيون وَدفن بسفحه وَقد نَيف على السّبْعين
أَبُو عبد الله الْجَوْهَرِي مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْجَوْهَرِي سمع الْكثير من الشريف أبي الْحسن الزيدي وَإِبْرَاهِيم الشعار وَكَانَ فَاضلا فهما أورد لَهُ ابْن النجار
(لم أودعك سَيِّدي خوف أَنِّي ... كمداً سَاعَة الْفِرَاق أَمُوت)
(ثمَّ لم أبق بعد إِلَّا لِأَنِّي ... أترجي لقاءكم إِن حييت)
وَله أَيْضا)
(قَالُوا تودع من تهوى فَقلت لَهُم ... وَهل يودع جسم روحه أبدا)
(أما الْفِرَاق فدَاء لَا دَوَاء لَهُ ... من لم يودع حبيباً لم يمت كمدا)
قلت شعر متوسط ابْن بشير المغربي مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن بشير أورد لَهُ أُميَّة ابْن أبي الصَّلْت فِي الحديقة
(وَلَقَد نظمت من القريض لآلئاً غراً ... جعلن سلوكهن طروسا)
(ورميت علوي الْكَلَام بمنطقي ... حَتَّى انتظمت بليله البرجيسا)
(وجلوت لِلْحسنِ الْهمام قلايدي ... فحبوت مِنْهَا بالنفيس نفيسا)
(ملك يود الْبَدْر لَو يلقى لَهُ ... فِي مبتدى شرف الْجلَال جَلِيسا)(3/213)
3 - (ابْن عبد الْعَزِيز)
ابْن حَاجِب النُّعْمَان مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن إِبْرَاهِيم بن بَيَان بن دَاوُد أَبُو عَليّ ابْن أبي الْحُسَيْن الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن حَاجِب النُّعْمَان كَانَ وَالِده من أَعْيَان الْكتاب وَله مصنفات فِي الْهزْل مِنْهَا كتاب النِّسَاء وأخبارهن فِي عشر مجلدات توفّي مُحَمَّد سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبع ماية
البندكاني مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سهل الْعجلِيّ أَبُو طَاهِر البند كاني والبند كَانَ قَرْيَة من قرى مرو كَانَ من الأيمة الْفُضَلَاء النبلاء قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن أبي عبد الله الْقفال وروى عَنهُ أَبُو الْحسن الغزنوي الْوَاعِظ وتفقه على الإِمَام أبي الْقسم سهل بن عبد الله السَّرخسِيّ الكموني وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا مفتياً مناظراً بهي المنظر مليح الشيبة كثير الْمَحْفُوظ عَزِيز النَّفس توفّي سنة ثلث وَعشْرين وَخمْس ماية
أَبُو عبد الله الإربلي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز أَبُو عبد الله الإربلي الْفَقِيه الشَّافِعِي قدم بَغْدَاد وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ النظامية يدرس الْفِقْه حَتَّى برع وَصَارَ معيداً بهَا وَكَانَ أديباً وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وَخمْس ماية تَقْرِيبًا وَله شعر من ذَلِك قَوْله
(رويدك فالدنيا الدنية كمن دنت ... بمكروهها من أَهلهَا وصحابها)
(لقد فاق فِي الْآفَاق كل موفق ... أَفَاق بهَا من سكره وصحا بهَا)
(فسل جَامع الْأَمْوَال فِيهَا بحرصه ... اخلفها من بعده أم سرى بهَا)
(هِيَ الْآل فاحذرها وذرها لأَهْلهَا ... وَمَا الْآل إِلَّا لمْعَة من سرابها)
(وَكم أَسد سَاد البرايا ببره ... وَلَو نابها خطب إِذا مَا ونى بهَا)
)
(فَأصْبح فِيهَا عِبْرَة لأولي النهى ... بمخلبها قد مزقته ونابها)
قَالَ محب الدّين ابْن النجار توفّي بِالشَّام ثَمَانِينَ وَخمْس ماية
الْيَشْكُرِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رزمة غَزوَان الْيَشْكُرِي مَوْلَاهُم روى عَنهُ الْأَرْبَعَة وروى البُخَارِيّ عَن رجل عَنهُ كَانَ ثِقَة وَتُوفِّي سنة خمسين وماتين أَو مَا دونهَا(3/214)
أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز يكنى أَبَا جَعْفَر هجا الْعَبَّاس ابْن مُحَمَّد الْهَاشِمِي وَكَانَ سميناً ضخماً وَمَعَهُ أَخ لَهُ مثل البندقة فَشَكَاهُ الْعَبَّاس إِلَى الْمَأْمُون فَأمر بصلبه على خَشَبَة عِنْد الْحَبْس يَوْمًا إِلَى اللَّيْل فصلب فَلَمَّا أنزل عَنْهَا دَعَا بحمال ليحملها فَقيل لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ أول حملان حَملَنِي عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أضعيه وَحملهَا فَبَاعَهَا بثلثة دَرَاهِم فَاشْترى مِنْهَا تيناً وَعِنَبًا لصبيانه فَرفع خَبره إِلَى الْمَأْمُون فَضَحِك وَأمر لَهُ بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم ثمَّ اتخذ اسحق ابْن إِبْرَاهِيم بعد ذَلِك مؤدباً لوَلَده وَالشعر الَّذِي هجا بِهِ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد هُوَ قَوْله
(كتب عِنْد الجسر مختبياً ... حِين ولى اللَّيْل والغلس)
(إِذا أَتَانِي رَاكب عجل ... قد علاهُ البهر وَالنَّفس)
(قَالَ هَل جازتك قنبلة ... حولهَا الأجناد والحرس)
(قلت مرت بِي قلنسوة ... فَوق سرج تحتهَا فرس)
(حشوها شونيز مَعهَا ... دنفخ فِي ظَهره قعس)
ابْن حسون الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن حسون أَبُو طَاهِر الاسكندري الْفَقِيه الشَّافِعِي شيخ جليل معمر توفّي سنة تسع وَخمسين وَثلث ماية
السُّوسِي الشَّاعِر مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز أَبُو عبد الله السُّوسِي ثمَّ الْبَصْرِيّ الشَّاعِر كَانَ ظريفاً مَاجِنًا ذكر أَنه ورث مَالا جزيلاً من أَبِيه فأنفقه فِي اللَّهْو واللعب وَالْعشرَة وافتقر وَله القصيدة السايرة الَّتِي أَولهَا
(الْحَمد لله لَيْسَ لي بخت ... وَلَا ثِيَاب يضمها تخت)
كَانَ فِي الْموصل سنة ثلث وَخمسين وَبعدهَا مَوْجُودا وَهُوَ حَيّ يرْزق قَالَ ابْن الزمكدم كَانَ لَهُ منظر حسن فلمته على مَا خرق بِنَفسِهِ فِي قصيدته فَقَالَ اسْمَع عُذْري فِي ذَلِك وَمَا كَانَ من خبري حَتَّى عملت هَذِه القصيدة فَإِنِّي ورثت من أبي مَالا جزيلً فَلم أدع فنوناً من اللّعب والولع بِبَغْدَاد إِلَّا دخلت فِيهَا قبيحاً وجميلاً وعاشرت الْمُلُوك والرؤساء والخاصة والعامة حَتَّى لم يبْق)
لي دِرْهَم وَلَا دِينَار وَلم يبْق لي أثاث وَلَا عقار فخلوت بنفسي وَقلت أَنا شَاعِر وَإِن لم أعمل شعرًا اختلب بِهِ قُلُوب الْخَاصَّة والعامة لم يكن لي ذكر فَعمِلت هَذِه القصيدة فنفقت على النَّاس وَطلبت وَكَانَ سَبَب ذكري فِي كل محفل وانتشار اسْمِي فِي كل نَاد ومجلس وَله فِي صفة الجسر
(شبهت دجلة وَاسِط ... والجسر فِيهَا ذُو امتداد)(3/215)
(بطراز ثوب أسود ... أَو مثل سطر من مداد)
ابْن الصَّباح الصُّوفِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن الصَّباح أَبُو مَنْصُور الهمذاني الصُّوفِي أحد مَشَايِخ وقته كَانَ صَدُوقًا ثِقَة أنْفق أَمْوَالًا لَا تحصى على وجوده الْبر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَأَرْبع ماية
النيلي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو عبد الرَّحْمَن النيلي الشَّافِعِي من كبار أيمة خُرَاسَان كَانَ إِمَامًا فَقِيها زاهداً عابداً كَبِير الْقدر لَهُ شعر عمر ثَمَانِينَ وَحدث عَن أبي أَحْمد الْحَاكِم وَغَيره وأملي مُدَّة وَله ديوَان شعر توفّي سنة سِتّ وثلثين وَأَرْبع ماية وَمن شعره
الْعجلِيّ الْمروزِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي سهل أَبُو طَاهِر الْعجلِيّ الْمروزِي البند كاني وبندكاني من قرى مرو كَانَ إِمَامًا مفتياً مناظراً بهي المنظر كثير الْمَحْفُوظ تفقه على سهل بن عبد الله السَّرخسِيّ وَتُوفِّي سنة ثلث وَعشْرين وَخمْس ماية
ابْن الْمعلم مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز ابْن الْمعلم أوحد وزراء المعتضد وَمن شعره مَا أوردهُ صَاحب الذَّخِيرَة
(لَو كنت صَادِقَة رحلت إِلَى الصَّبِي ... وخضبت شيبي بالشباب كحيلا)
(سقيا لعهدك والشباب ملاءة ... تثني عُيُون الْحور عني حولا)
(أَيَّام أمرح فِي الصبابة خالعاً ... رسني وأسحب فِي المجون ذيولا)
(وأصيد بَين حمايلي وحبايلي ... صيدا وغيداً مَا يدين قَتِيلا)
مِنْهَا
(فارح جيادك فَهِيَ اطلاح السرى ... وَقد الجيوش إِلَى العدى أسطولا)
(دهماً تخال الْبيض فِي أوساطها ... بلقاً وَفِي أطرافها تحجيلا)
)
(فرعت باسياط الرِّيَاح فأسرعت ... فِي المَاء تعْمل كلكلاً وتليلا)
وَمن شعره
(نُجُوم الراح فِي أفلاك رَاح ... مشارفها المطرفة الدقاق)
(وشذر تسمع الْأَلْفَاظ مِنْهُ ... كَمَا نفضت من الدّرّ الحقاق)
(وأفصح من أبان السحر عَنهُ ... يَد نيطت بهَا قدم وسَاق)(3/216)
مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَيَّاش أَبُو عبد الله التجِيبِي الأندلسي صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بالمغرب تقدم ذكره فِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
الدمياطي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي عبد الله بن صَدَقَة أَبُو عبد الله الدمياطي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمُقْرِئ ولد فِي حُدُود الْعشْرين وست ماية قَرَأَ القراآت على السخاوي ولازمه وَسمع مِنْهُ وَمن التَّاج ابْن أبي جَعْفَر وَأبي الْوَفَاء عبد الْملك ابْن الْحَنْبَلِيّ وَغَيرهم وَحفظ الرائية والشاطبية وَكَانَ ذَاكِرًا للقراآت حسنا طَوِيل الرّوح خلف ولدا من أبرع النَّاس وَأَقلهمْ فِي الدّيانَة حظاً وأقرأ الْجَمَاعَة احتساباً بِلَا مَعْلُوم وَلَا عوض وَحصل لَهُ عسر بَوْل وَمَات شَهِيدا سنة ثلث وَثَمَانِينَ وست ماية
شرف الدّين ابْن عبد السَّلَام مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام ابْن أبي الْحسن بن مُحَمَّد بن الْمُهَذّب شرف الدّين أَبُو عبد الله السّلمِيّ الشَّافِعِي ابْن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام كَانَ شرف الدّين أكبر أَوْلَاده وأوجههم وَكَانَ إِمَام الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي محراب الشَّافِعِيَّة وَغير ذَلِك من الْجِهَات توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وست ماية عقيب عوده من الشَّام وَكَانَت جنَازَته حفلة وَدفن بالقرافة الصُّغْرَى بتربة وَالِده وَقد نَيف على التسعين
أَبُو الزهر التونس مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن النَّاصِر أَبُو الزهر الْحِمْيَرِي التّونسِيّ أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ مولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وست ماية وَكَانَ يشْتَغل أَولا بالخدم السُّلْطَانِيَّة ثمَّ قدم علينا وَحج وَحضر فِي الْمِدْرَاس ثمَّ تنسك وَكَانَ لَهُ معرفَة بالعروض ونظم فِيهِ فمما أنشدناه قَوْله
(يَا من لَهُ بالعذار عز ... أورثني فِي هَوَاهُ ذله)
(ولَايَة الْعِزّ فِي انصراف ... وكل طاغ يُصِيب فعله)
(لكاتب الشّعْر قبح وسم ... لَو كَانَ فِي الْخط كَابْن مقله)
)
(وَشبه ذَاك العذار عِنْدِي ... بَسْمَلَة فِي كتاب عَزله)
وأنشدني لنَفسِهِ
(ينظر فِي النَّحْو وَهُوَ مُجْتَهد ... لكنه لَا يَقُول بالْعَطْف)
(قد علم الْعين فِي محاسنه ... تقارن الِابْتِدَاء بِالْوَقْفِ)
أَبُو نصر سِيبَوَيْهٍ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن سهل ابْن مندة يعرف بسيبويه أَبُو نصر لأصبهاني النَّحْوِيّ القَاضِي ذكره يحيى بن مندة فِي تَارِيخ اصبهان(3/217)
وَكَانَ أحد وُجُوه الْعلم عَالما باللغة والنحو حدث عَن زيد بن عبد الله بن رِفَاعَة الْهَاشِمِي وَأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن زَكَرِيَّاء الْفَارِسِي الأديب
ابْن الزكي المندري مُحَمَّد بن عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْحَافِظ المتقن رشيد الدّين أَبُو بكر ابْن الْحَافِظ الْكَبِير زكى الدّين المنذرى ولد سنة ثلث عشرَة وست ماية وسَمعه أَبوهُ من عبد القوى وَأَصْحَاب السلفى ثمَّ أكب على الطّلب بِنَفسِهِ بعد الثُّلثَيْنِ ورحل وَسمع بِدِمَشْق وحلب وَكَانَ ذكياً فطناً حَافِظًا روى عَنهُ رَفِيقه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي وَتُوفِّي شَابًّا واحتسب أَبوهُ وصبر وَكَانَت وَفَاته سنة أَربع وَأَرْبَعين وست ماية
مُحَمَّد بن عبد الْغفار الْخُزَاعِيّ ذكره أَبُو الطّيب عبد الْوَاحِد بن عَليّ اللّغَوِيّ أَنه عمل كتاب الْخَيل فَعَزاهُ النَّاس إِلَى أبي عُبَيْدَة فَهُوَ الْيَوْم بِأَيْدِيهِم قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء الصَّوَاب أَن مؤلف كتاب الْخَيل عبد الْغفار أَبوهُ
مُحَمَّد بن عبد الغفور قَالَ ابْن بسام فِي الذَّخِيرَة ذُو الوزارتين الْكَاتِب أَبُو الْقَاسِم صَاحب الْمُعْتَمد كَانَا قبل تمكن السُّلْطَان رضيعي لبان أمهما الكأس وفرسي رهان ميدانهما الْأنس فَلَمَّا أفْضى الْأَمر إِلَيْهِ وأديرت رحى التَّدْبِير عَلَيْهِ أرعاه تلاعه وَعصب بِهِ خِلَافه واجماعه وَتُوفِّي فِي عنفوان شباب ذَلِك الْملك وَهُوَ مِنْهُ بمَكَان الْوَاسِطَة من السلك فَقَالَ الْمُعْتَمد يرثيه من جملَة أَبْيَات
(أَبَا قَاسم قد كنت دنيا صحبتهَا ... قَلِيلا كَذَا الدُّنْيَا قَلِيل متاعها)
وَمن شعر أبي الْقسم ابْن عبد الغفور
(رويدك يَا بدر التَّمام فإنني ... أرى العيس حسارى وَالْكَوَاكِب طلعا)
(كَأَن أَدِيم الصَّباح قد قد أنجما ... وغودر درع اللَّيْل مِنْهُ مرقعا)
)
وَهَذَا معكوس قَول ابْن رَشِيق يصف لَيْلًا
(كَأَنَّمَا ضم النُّجُوم الزهرا ... فاجتمعت فِيهِ فَصَارَت فجرا)
وَالْأول هُوَ قَول الأول يستطيل اللَّيْل
(أرى الشمي قد مسخت كوكباً ... وَقد طلعت فِي عداد النُّجُوم)
وَمن شعر أبي الْقَاسِم
(تركت التصابي للصَّوَاب وَأَهله ... وبيض الطلى للبيض والسمر للسمر)
(مدادي مدامي والكؤوس محابري ... وندماي أقلامي ومنقلتي سَفَرِي)
(ومسمعتي وَرْقَاء ضنت بحسنها ... فأسدلت الأستار من ورق خضر)(3/218)
3 - (ابْن عبد الْغنى)
مُحَمَّد بن عبد الْغنى الفِهري الْمَعْرُوف بِابْن الجبان من أهل جيان سكن مَدِينَة فاس أورد لَهُ ابْن الْآبَار
(قَالُوا المشيب نُجُوم والشباب دجى ... لَو يحسن الْقبْح أَو لَو يقبح الْحسن)
(مَا كَانَ أَغْنَاك يَا ليل الذواي عَن ... نُجُوم شيبك ذِي لَو أنصف الزَّمن)
وَله أَيْضا
(لمن كلم كالسحر من غنج أحداق ... سقاك بكأس لم تدرها يَد الساقي)
(وَلم أر شعرًا فصل السحر لؤلؤاً ... على غير لبات وَمن غير أَعْنَاق)
(سوى نفثات للرصافي رصفت ... شرابًا لظمآن وكنزاً لإملاق)
الْحَافِظ ابْن الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ بن عبد الْوَاحِد ابْن عَليّ بن سرُور الْحَافِظ الْمُفِيد عز الدّين أَبُو الْفَتْح الْمَقْدِسِي الجماعيلي ثمَّ الدِّمَشْقِي ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس ماية فِي أحد الربيعين ارتحل إِلَى بَغْدَاد وَسمع من ابْن شاتيل وَأبي السعادات الْقَزاز ويوسف العاقولي وطبقتهم وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَحصل كثيرا من الْأُصُول واستنسخ كثيرا وَكَانَ حَافِظًا للْحَدِيث اسناداً ومتناًعارفاً بمعانيه وغريبه متقناً لأسامي الْمُحدثين وتراجمهم مَعَ ثِقَة وعدالة وديانة وتودد وكيس ومروءة ظَاهِرَة ومساعدة للغرباء قَرَأَ الْمسند للمعظم وسَمعه بقرَاءَته وَتُوفِّي سنة ثلث عشرَة وست ماية ورثاه الشَّيْخ الْمُوفق
ابْن نقطة مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ بن أبي بكر بن شُجَاع بن أبي نصر ابْن عبد الله الْحَافِظ معِين)
الدّين أَبُو بكر بن نقطة الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ أحد أيمة الحَدِيث بِبَغْدَاد ولد فِي نَيف وَسبعين وَخمْس ماية كَانَ أَبوهُ من مَشَايِخ بَغْدَاد وصلحايها فعنى أَبُو بكر بِالْحَدِيثِ وَسمع من يحيى بن بوش وَهُوَ أكبر شيخ لَهُ وَفَاته ابْن كُلَيْب وإضرابه ورحل إِلَى اصبهان ونيسابور وحران ودمشق وحلب ومصر والإسكندرية ودمنهور ودنيسة وَغير ذَلِك وَنسخ وَحصل الْأُصُول وصنف وَخرج وَكَانَ إِمَامًا ضابطاً متقناً صَدُوقًا حسن الْقِرَاءَة مليح الْكِتَابَة متثبتاً فِيمَا يَنْقُلهُ لَهُ سمت ووقار(3/219)
وورع وَصَلَاح كَانَ قانعاً باليسير وَأَجَازَ لجَماعَة وَهُوَ مؤلف كتاب التَّقْيِيد فِي معرفَة رُوَاة الْكتب والأسانيد وَهُوَ مُجَلد مُفِيد وصنف الْمُسْتَدْرك على إِكْمَال ابْن مَاكُولَا فِي مجلدين على براعته وَحفظه قَالَ فِي المباركى هُوَ سُلَيْمَان بن مُحَمَّد سمع أَبَا شهَاب الحناط قَالَ وَقَالَ الْأَمِير فِي الْإِكْمَال هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُد فَأَخْطَأَ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَأَظنهُ نَقله من تَارِيخ الْخَطِيب فَإِن الْخَطِيب ذكره فِي تَارِيخه على الْوَهم أَيْضا وَقد ذكره على الصَّوَاب فِي تَرْجَمَة أبي شهَاب عبد ربه الحناط وَقَالَ أَبُو أَحْمد فِي الكنى أَبُو دَاوُد المباركى هُوَ سُلَيْمَان بن مُحَمَّد كناه وَسَماهُ لنا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد الاسفراييني سمع أَبَا شهَاب عبد ربه ابْن نَافِع ثمَّ قَالَ ابْن نقطة روى عَن المباركى جمَاعَة فسموا أَيَّاهُ مُحَمَّدًا مِنْهُم خلف الْبَزَّاز وَهُوَ من أقرانه وَعبد الله بن أَحْمد ومُوسَى بن هَارُون وَالْحسن بن عَليّ المعمري واسحاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ وَأَبُو يعلى الْموصِلِي وَأحمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار وَقد أوردنا لكل وَاحِد مِنْهُم حَدِيثا فِي كتَابنَا الْمُلْتَقط مِمَّا فِي كتب الْخَطِيب وَغَيره من الْوَهم والغلط قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَسُئِلَ عَن نقطة فَقَالَ هِيَ جَارِيَة عرفنَا بهَا ربت جد أبي توفّي فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من صفر وَهُوَ فِي سنّ الكهولة بِبَغْدَاد سنة تسع وَعشْرين وست ماية
زين الدّين ابْن الحرستاني الذَّهَبِيّ مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ بن عبد الْكَافِي بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن أبي الفضايل الشَّيْخ زين الدّين الْأنْصَارِيّ ابْن الحرستاني وَعبد الْوَهَّاب هُوَ أَخُو القَاضِي أبي الْقَاسِم ابْن الحرستاني ولد سنة خمس وَعشْرين وَسمع من ابْن صباح وَابْن اللتي وَغَيرهمَا وَحدث بالدارمي قَرَأَهُ عَلَيْهِ ابْن حبيب وَكَانَ ذهبياً بقيسارية الْمَدّ لَهُ حُرْمَة ووجاهة بِبَلَدِهِ لدينِهِ ومكارمه وَكَانَ حَافِظًا للحكايات والأشعار يوردها إيراداً جيدا وَكَانَ يلقب بالنحوي توفّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية
ابْن حنيفَة مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد بن حنيفَة الباجسرائي أَبُو عبد)
الله ابْن أبي الْقَاسِم من أهل بايعقوبا واسمعه وَالِده الحَدِيث الْكثير فِي صباه مَعَ أَخِيه من أبي بكر الطريثيثي وَأبي الْحسن ابْن العلاف وَأبي الْقَاسِم ابْن بَيَان وَأبي عَليّ ابْن نَبهَان وَأبي مُحَمَّد الْحسن بن عبد الْملك بن يوسق وَأبي الْحُسَيْن ابْن الطيوري وأمثالهم وَحدث باليسير سمع مِنْهُ أَبُو بكر بن كَامِل توفّي سنة إِحْدَى وثلثين وَخمْس ماية(3/220)
3 - (ابْن عبد الْقَادِر)
مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن يُوسُف أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ سمع الْكثير وَكَانَ صَالحا ورعاً لَا يخرج من بَيته إِلَّا فِي أَوْقَات الصَّلَوَات حضر أَخُوهُ مجْلِس الْقشيرِي فهجره وَكَانَ متشدداً فِي حَاله توفّي تسع وَسبعين وَأَرْبع ماية
شرف الدّين ابْن عطايا مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْكَرِيم بن عطايا شرف الدّين أَبُو عبد الله الْقرشِي الزُّهْرِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْفَقِيه الْعدْل كَانَ من أَعْيَان المصريين ولي نظر الخزانة وَكَانَ عِنْده ديانَة ويعاني الرياضات والمجاهدات وَالذكر ومحبة الْفُقَرَاء توفّي سنة سبع وَسبعين وست ماية وَدفن بالقرافة الصُّغْرَى وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ
ابْن العالمة قَاضِي الْخَلِيل مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن نَاصِر بن الْخضر بن عَليّ الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي شهَاب الدّين قَاضِي الْخَلِيل وَيعرف بِابْن العالمة ولد سنة سِتّ ماية بِدِمَشْق وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست ماية كَانَ من الْفُضَلَاء الأدباء سَافر فِي طلب الْعلم وَكَانَت أمه عَالِمَة تحفظ الْقُرْآن وشيئاً من الْفِقْه والخطب ولمواعظ وتكلمت فِي عزاء السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وتعرف بدهن اللوز وروى عَن شهَاب الدّين الْمَذْكُور وَلَده زين الدّين عبد الله قَاضِي حلب شَيْئا من نظمه فَمِنْهُ قَوْله
(أَتَرَى أعيش أرى الْعَريش وشامه ... فبمصر قد سئم الْمُحب مقَامه)
(أم هَل تبلغ عَنهُ أنفاس الصِّبَا ... يَوْمًا إِلَى دَار الحبيب سَلَامه)
عَلَاء الدّين ابْن الصايع مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد الْعدْل الرئيس عَلَاء الدّين أَبُو الْمَعَالِي أَخُو قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن الصايغ ولي نظر الأسرى وَكَانَ أَمينا كَافِيا وافر الدّيانَة حصل لَهُ مرض طَال بِهِ ثمَّ مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست ماية روى عَن ابْن اللتي والسخاوي وروى عَنهُ ابْن الْعَطَّار وَغَيره
قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن الصايغ مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق قَاضِي الْقُضَاة عز)
الدّين أَبُو المفاخر الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ابْن الصايع ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وَسمع من أبي المنجا وَابْن الجميزي وَابْن خَلِيل وتفقه فِي صباه على جمَاعَة ولازم القَاضِي كَمَال الدّين التفليسي وَصَارَ من أَعْيَان أَصْحَابه ولي تدريس الشامية مشاركاً للْقَاضِي شمس الدّين ابْن الْمَقْدِسِي بعد فُصُول جرت فَلَمَّا حضر الصاهب بهاء الدّين ابْن حنا اسْتَقل شمس الدّين بالشامية وَولي عز الدّين وكَالَة بَيت المَال وَرفع الصاحب من قدره ونوه بِذكرِهِ ثمَّ عمد إِلَى القَاضِي شمس(3/221)
الدّين ابْن خلكان فَعَزله بِالْقَاضِي عز الدّين فباشر الْقَضَاء سنة تسع وَسِتِّينَ فظهرت مِنْهُ نهضة وشهامة وَقيام فِي الْحق وردء الْبَاطِل حفظ الْأَوْقَات وأموال الْأَيْتَام والشراف وأحبه النَّاس وأبغضه كل مريب وَكَانَ ينطوي على ديانَة وورع وَخَوف من الله تَعَالَى وَمَعْرِفَة بِالْأَحْكَامِ وَلكنه لَهُ بادرة من التوبيخ والمحاققة واطراح الروساء الَّذين يدْخلُونَ فِي الْعَدَالَة بالجاه فتعصبوا عَلَيْهِ وتتبعوا غلطاته وَتغَير الصاحب عَلَيْهِ وَلم يُمكنهُ عَزله لِأَنَّهُ شكرمنه وَبَالغ فِي وَصفه عِنْد السُّلْطَان ودام فِي الْقَضَاء إِلَى أولى سنة سبع وَسبعين فعزل وأعيد ابْن خلطان وَفَرح بعزله خلق وَبَقِي على تدريس العذراوية فَلَمَّا قدم السُّلْطَان لغزوة حمص سنة ثَمَانِينَ أَعَادَهُ إِلَى الْقَضَاء فَعَاد إِلَى عَادَته من إِقَامَة الشَّرْع وَإِسْقَاط الشُّهُود المطعون فيهم والغض من الْأَعْيَان فسعوا فِيهِ وأتقنوا قَضيته فَلَمَّا قدم السُّلْطَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سعوا فِيهَا وجاءه رَسُول إِلَى الْجَامِع وَقد جَاءَ لصَلَاة الْجُمُعَة فَأَخذه الأفرعي فَقَالَ لَهُ المشد بدر الدّين الأقرعي أَمر السُّلْطَان أَن تجْلِس فِي مَسْجِد الخيالة فَفعل وَلم يُمكن من صَلَاة الْجُمُعَة وَأثبت عَلَيْهِ محْضر عِنْد تَاج الدّين عبد الْقَادِر السنجاري بحلب بمبلغ ماية ألف دِينَار من جِهَة الشّرف ابْن الاسكاف كَاتب الْخَادِم ريحَان الخليفتي ثمَّ نبغ آخر وَزعم أَن عِنْده حياصة مجوهرة وعصابة بِقِيمَة خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار كَانَت عِنْد الْعِمَاد ابْن محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ للْملك الصَّالح اسمعيل صَاحب حمص ثمَّ قَالُوا إِن نَاصِر الدّين ابْن ملك الْأُمَرَاء عز الدّين أيدمر أودع عِنْده مبلغا كثيرا وَجَرت لَهُ أُمُور وَعقد لَهُ مجْلِس وَنكل بعض الْغُرَمَاء وَرجع بعض الشُّهُود وَعلم بطلَان ذَلِك وَأَن ابْن السنجاري عدوه وَلم يثبت عَلَيْهِ شَيْء فَأمر السُّلْطَان بِإِطْلَاقِهِ مكرماً وَنزل من القلعة إِلَى شيخ دَار الحَدِيث وَعطف إِلَى ملك الْأُمَرَاء حسام الدّين لاجين وَسلم عَلَيْهِ بدار السَّعَادَة ثمَّ مضى إِلَى دَار القَاضِي بهاء الدّين ابْن الزكي الَّذِي ولي مَكَانَهُ بعده وَسلم عَلَيْهِ وَأقَام بمنزله بدرب النقاضة وطلع بعد أَيَّام إِلَى بستانه بحميص وَبِه مَاتَ سنة ثلث وَثَمَانِينَ)
وست ماية وَكَانَ لَا يفصح بالراء(3/222)
3 - (ابْن عبد القاهر)
نَاصِر الدّين ابْن النشابي مُحَمَّد بن عبد القاهر بن أبي بكر ابْن عبد الله القَاضِي نَاصِر الدّين ابْن القَاضِي تَقِيّ الدّين الْمَعْرُوف بالنشابي هُوَ أحد كتاب الْإِنْشَاء السلطاني يكْتب جيدا وينظم وينثر وَهُوَ أحد أَعْيَان كتاب الْإِنْشَاء الْمُتَقَدِّمين عِنْد صَاحب الدِّيوَان سَاكن محتشم مهذب الْأَخْلَاق مفرط الْحيَاء حسن التودد والصحبة سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع ي الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وَسبع ماية قَرَأَ الْعَرَبيَّة وَالْعرُوض والمعاني وَالْبَيَان رتب كَاتبا بَين يَدي الْوَزير نجم الدّين مَحْمُود بن شروين هُوَ وناصر الدّين ابْن الْبُرُلُّسِيّ مُدَّة وزارته الأولى وَالثَّانيَِة وجهز صُحْبَة الْأَمِير بدر الدّين جنكلي بن البابا لما توجه لحصار الكرك فأعجبه تَأتيه وشكره وَأثْنى عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّن يكْتب الْمُهِمَّات فِي الدِّيوَان من أجوبة الْبَرِيد والإنشاء وعَلى الْجُمْلَة فأعجبتني حركاته وسكناته وَمَا يَأْتِيهِ وَمَا يذره ثمَّ إِنَّه فِي دولة الْملك النَّاصِر حسن رتب فِي جملَة موقعي الدست الشريف واختص بِخِدْمَة الْأَمِير سيف الدّين شيخو إِلَى أَن أمسك وَأول مَا رَآنِي فِي الدِّيوَان بِالْقَاهِرَةِ كتب إِلَيّ وَأَنا بَين الْجَمَاعَة قد حضرت مَطْلُوبا من الشَّام إِلَى مصر فِي الْأَيَّام الصالحية ورتبت من جملَة كتاب الْإِنْشَاء
(بِشِرَاك يَا مصر بمولى زكى ... فقد تشرفت بِهِ من نزيل)
(وصرت قدساً بخليل أَتَى ... فحبذا الْقُدس إِذا والخليل)
فَكتبت جَوَابه ارتجالاً وَأَنا بَينهم
(مولَايَ قد شرفت قدري بِمَا ... نظمته من حسن لفظ جميل)
(ونقطة الْخَاء غَدَتْ تحتهَا ... فها أَنا بعد خَلِيل جليل)
وكتبت إِلَيْهِ ملغزاً فِي عيد
(يَا كَاتبا بفضله ... كل أديب يشْهد)
(مَا اسْم عليل قلبه ... وفضله لَا يجْحَد)
(لَيْسَ بِذِي جسم يرى ... وَفِيه عين وَيَد)
فَكتب هوالجواب
(يَا عَالما لنحوه ... حسن الْمعَانِي يسند)
)
(وَمن لَهُ فضايل بَين ... الورى لَا تجحد)(3/223)
(أهديت لغزاً لَفظه ... كالدر إِذْ ينضد)
(عجل بشرى موسم ... وَكَانَ عيداً يُوجد)
(فابق إِلَى أَمْثَاله ... عَلَيْك ألفا يرد)
وَكتب هُوَ إِلَيّ ملغزاً فِي سالف
(مَا اسْم رباعي غَدا ... من حبه الصب دنف)
(تحذف مِنْهُ أَولا ... فَمَا ترى غير ألف)
فَكتبت أَنا الْجَواب إِلَيْهِ
(اسْم الَّذِي ألغزته ... عَن حبه لَا أنصرف)
(سالف صبري خانني ... فِي سالف الخد الترف)
وبيني وَبَينه مجاراة فِي كثير من الألغاز وَغَيرهَا وَرُبمَا أثبتها فِي كتابي ألحان السواجع بَين البادي والمراجع إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكتب إِلَيّ هَذِه القصيدة وَأَنا بِالْقَاهِرَةِ المحروسة وَهِي
(هَل اللثام فريد الْحسن قد حسره ... عَن وَجهه ولعقلي فِي الْهوى سحره)
(أم الْخمار أماطته محجبة ... أم النسيم سرى مستصحباً سحره)
(أم السَّمَاء أتاجتنا زواهرها ... أم محدق الرَّوْض قد أهْدى لنا زهره)
(أم الحميا تبدت فِي الكؤس لنا ... تجلى فتغدو بهَا الْأَلْبَاب مستتره)
(أم المليحة زارتنا على مهل ... لَا تختشي غيرَة الواشي وَلَا غَيره)
(أم الحمايم فِي سجع ترجعه ... أبدت فنوناً بأفنان لَهَا نضره)
(أم الأغاني إِذا أطربن منشدة ... بعودها وتري قد حركت وتره)
(أم طيب الْعَيْش باللذات متعنَا ... صفواً وآلى بِأَن لَا نَلْتَقِي كدره)
(أم الْأَحَادِيث ناجانا بهَا كلف ... عَن الْأَحِبَّة فارتحنا بِمَا ذكره)
(أم شنف السّمع أَلْفَاظ لمية أم ... سمير ذَاك الْحمى أبدا لنا سمره)
(أم الْجَوَاهِر أم شعر جوى درراً ... لَو نالها الْبَحْر أَمْسَى قاذقاً درره)
(تالله شَيْء مِمَّا فهت قايله ... إِلَّا ونظم كَمَال الدّين قد فخره)
(من كَانَ ذَا مبتداه فِي الشبيبة لَا ... شكّ بِأَن تحمد العقبى لنا خَبره)
)
(أصل كريم وَفرع زَان دوحته ... قد جَاءَ ينْقل عَن جد العلى أَثَره)
(وَمن يكن نجل قوم فِي الورى شرفوا ... لَا غرو يحوي لَدَى تحجيله غرره)
(يَا ابْن الَّذين لَهُم فِي الْمجد منقبة ... آلت معارفها أَن لَا ترى نكره)(3/224)
(سادو وشادو بآراء مسددة ... مباني الْملك حَتَّى جملوا سيره)
(مَا النّظم إِلَّا ختام فض عِنْدهم ... لما أَتَتْهُم مَعَاني القَوْل مبتكره)
(وَإِن دعوا غرر الْأَلْفَاظ نحوهم ... جَاءَت إِلَيْهِم سرَاعًا وَهِي مبتدره)
(جمَالهمْ جمل الدست الشريف كَمَا ... أضحى من الْكَاتِبين الْخَيْر والبرره)
(تمت فضايله عَمت فواضله ... قَامَت دلايله بِالدّينِ مشتهره)
(قدر عَليّ تداني من تواضعه ... كالبدر يدنو لى بعد لمن نظره)
(فليهنك الْيَوْم هَذَا الخيم إِن لَهُ ... خيرا ووصفاً ذكا طِبًّا لمن ذكره)
(وليهننا مِنْك مولى زَان منشأه ... إنْشَاء نظم بِهِ الْأَلْفَاظ مفتخره)
(قصيدة قصدت قلبِي لتملكه ... وَكم شبيهي هوى الْحَسْنَاء قد أسره)
(راقت باحرفها طرفِي وأعينها ... أَظن مِنْهَا عُيُون الغيد منكسره)
(تَضَمَّنت وصف من أَعْلَامه خَفَقت ... فِي الْخَافِقين ببث الْعلم منتشره)
(نعم الْخَلِيل تشرفنا بِصُحْبَتِهِ ... أَقَامَ فِي الْفضل يبتاً بالعلى عمره)
(قد راق نظماً فنظم العقد فِي خجل ... وفَاق نثر نُجُوم الْأُفق مَا نثره)
(وَكم لَهُ من تصانيف سرت وَله ... محاضرات أفادت كل من حَضَره)
(لَكِن لحصري ثناه لست مقتدراً ... وَالنَّفس مِنْهُ على الْإِكْثَار مقتدره)
(فازدد فديتك من علم تحصله ... فَلَيْسَ يَخْلُو اشْتِغَال الْمَرْء من ثمره)
(واجهد لترضي فِي الْأَفْعَال خير أَب ... رِضَاهُ يكسوك من نيل المنى حبره)
وَلما أحضرها أقسم عَليّ أَن لَا أكتب جوابها غير ثَلَاثَة أَبْيَات فَكتبت حَسْبَمَا قَصده مني
(من طَاعَة العَبْد للْمولى إِذا أمره ... أَن لَا يكون لَهُ عِنْد الْجَواب شَره)
(فَمَا أَقُول بعثث الرَّوْض فِي ورق ... إِذْ كل حرف مَتى حققته زهره)
(بل أَنْت بَحر بموج الْجُود مُضْطَرب ... طمى فأهدى إِلَى وراده درره)
ابْن الشهرزوري الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن بن حسن بن عبد القاهر بن)
حسن بن عَليّ بن قَاسم بن المظفر بن عَليّ بن قَاسم بن عبد الله هُوَ محيي الدّين الشَّيْبَانِيّ الشهرزوري الْموصِلِي مولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وست ماية وَأمه من بَيت ابْن كسيرات سَأَلته أَن يكْتب لَهُ اسْمه ومولده وَنسبه وشيئاً أستعين بِهِ على تَرْجَمته فَكتب إِلَيّ بِهَذِهِ الأبيات(3/225)
الْآتِي ذكرهَا اشْتغل على السَّيِّد ركن الدّين وَقَرَأَ الْقُرْآن على ابْن خروف وَسمع الْكثير من زَيْنَب وَابْن تَمام والمزي والذهبي وَنسخ الْأَجْزَاء وَعِنْده مُشَاركَة جَيِّدَة وَفِيه سُكُون كثير
(يَا مَالِكًا لقياد الْعلم وَالْأَدب ... وَمن أَتَى فِي فنون النّظم بالعجب)
(وَمن بدا فِي تصانيف الْعُلُوم بِمَا ... يزري على الرَّوْض بل يربى على الذَّهَب)
(سَأَلت مني حبرًا مِنْك عَن بلدي ... ومولدي وَعَن اسْمِي ثمَّ عَن نسبي)
(وَمَا اسْم بَيْتِي الَّذِي أعزى إِلَيْهِ وَمَا ... شَيْء أعانيه من حَال وَمن سَبَب)
(أسمى مُحَمَّد أَن تسْأَل وشهرتنا ... بالشهرزوري وَعبد القاهر اسْم أبي)
(وَالْجد قل عَابِد الرَّحْمَن لَا ألف ... من قبل بَاء وَسكن بَابه تصب)
(وَبعده مثل وصفي فِيكُم حسن ... وَبعد ذَلِك عبد القاهر احتسب)
(وَبعده حسن أَيْضا ويتبعه ... مِنْهُم عَليّ لَك الْعليا من الرتب)
(وَبعده قَاسم ثمَّ المظفر يَا ... من لم يزل ظافراً فِي الْمجد بالأرب)
(وَبعد ذَاك عَليّ يَا عَليّ ففز ... برتبة قد سمت عزا على الشهب)
(وقاسم ثمَّ عبد الله آخر مَا ... عَلمته وَإِلَى شَيبَان منتسبي)
(وَالْكل قَاضِي قُضَاة غير ثالثنا ... فَإِنَّهُ إِذْ دعِي للْحكم لم يجب)
(ومذهبي شَافِعِيّ يَا مالكي وَكَذَا ... من مر من سلفي الْمَاضِي وَآل أبي)
(وبيتنا فِيهِ من قد جاوزوا عددا ... سبعين كَانُوا قُضَاة النَّاس فِي الحقب)
(وَكم لنا غَيرهم من كل مشتهر ... بِالدّينِ وَالْعلم وَالْإِحْسَان وَالْأَدب)
(ودارنا الْموصل المحروس جَانبهَا ... كُنَّا أولى عزها قدماً أَبَا عَن أَب)
(وَقد ولدت بهَا يَوْم الْعرُوبَة فِي ... إهلال ذِي الْقعدَة الْمَشْهُور فِي الْعَرَب)
(فِي عَام ثامن تسعين وست مئ ... لهجرة الْمُصْطَفى الْهَادِي النَّبِي الْعَرَبِيّ)
(وَترد نسبي للْأُم والدها ... من آل بَيت كسيرات ذَوي الْحسب)
(وَكلهمْ من بني شَيبَان فاجتمعت ... فِي خدمَة الْعلمَاء السَّادة النجب)
)
(وعدت مِنْهَا إِلَى أرضي فَكنت بهَا ... خطيبها دايماً عشرا من الحقب)
(وَبعد ذَاك أتيت الشَّام لَا بَرحت ... محروسة من عوادي الدَّهْر والنوب)
(وَجئْت للناصر السَّامِي برتبته ... على جَمِيع مُلُوك الْعَجم وَالْعرب)
(عَام الثُّلثَيْنِ قد زَادَت ثَمَانِيَة ... ميمماً ملكا أندى من السحب)
(فعمنا مِنْهُ بِالْإِحْسَانِ معتنياً ... بِمَا تقدم من نصح وَمن قرب)(3/226)
(وسَاق أَهلِي وأطفالي وَتمّ بِهِ ... لي كل مَا كنت أرجوه من الأرب)
(وأنفذ الْأَمر أَن تجْرِي كفايتنا ... من بره نتقاضاها بِلَا تَعب)
(وَلم تزل تِلْكَ حَتَّى الْآن لَيْسَ لنا ... شَيْء سواهَا من الأتعاب وَالنّصب)
(ومذ سكنت دمشق وَاسْتقر بهَا ... حَالي جعلت حَدِيث الْمُصْطَفى طلبي)
(أرويه عَن كل من تعلو رِوَايَته ... من الروَاة الثِّقَات السَّادة النجب)
(وأخذم الْعلم لَا ألوي على أحد ... وَلست أجعَل غير الْعلم مكتسبي)
(وَلَا ألم بِغَيْر الخيرين ذَوي ال ... حَدِيث أهل التقى وَالْفضل وَالْأَدب)
(أعلاهم الْحَافِظ الْمزي وقدوتنا ... شيخ الحَدِيث الإِمَام الْحَافِظ الذَّهَبِيّ)
(فَالله ينفعنا طراً بهم وبمن ... لقِيت من منتم للْعلم منتسب)
(وَقد شرحت ووفيت الحَدِيث بِمَا ... سَأَلته شاكراً تسحين ظَنك بِي)
(لَا زَالَ علمك منثوراً وذكرك مش ... هوراً وقدرك مَرْفُوعا على الرتب)
وَكتب إِلَيّ يطْلب عَارِية شَيْء من التَّذْكِرَة الَّتِي جمعتها
(يَا من إِذا أهديت شكري لَهُ ... لم أخش فِي ذَلِك من عاذل)
(أعدت للدنيا فنون العلى ... إِعَادَة الحلى إِلَى العاطل)
(ظَهرت فِي الْفضل على أَهله ... كمظهر الْحق على الْبَاطِل)
(قد جَاءَك الْمَمْلُوك فِي حَاجَة ... لَيْسَ لَهَا غَيْرك من كافل)
(رسايل الْفَاضِل مسؤلة ... فجد بهَا فضلا على السايل)
(وَمَا تعدى رجل يَبْتَغِي ... فضايل الْفضل من الْفَاضِل)(3/227)
3 - (ابْن عبد القوى)
الْمَقْدِسِي النَّحْوِيّ الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عبد الْقوي بن بدران الإِمَام الْمُفْتِي النَّحْوِيّ شمس الدّين أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي المرداوي الْحَنْبَلِيّ ولد بمردا سنة ثَلَاثِينَ وَقدم إِلَى الصالحية وتفقه على الشَّيْخ شمس الدّين وَغَيره وبرع فِي الْعَرَبيَّة واللغة واشغل ودرس وَأفْتى وصنف وَكَانَ حسن الدّيانَة دمث الْأَخْلَاق ولي تدريس الصاحبية وَكَانَ يحضر دَار الحَدِيث ويشغل بهَا وبالجبل وَسمع من خطيب مردا وَمُحَمّد بن عبد الْهَادِي وَعُثْمَان ابْن خطيب القرافة ومظفر ابْن الشيرجي وَإِبْرَاهِيم ابْن خَلِيل وَابْن عَسَاكِر تَاج الدّين وَله قصيدة دالية فِي الْفِقْه وحكايات ونوادر قَرَأَ النَّحْو على الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك وَغَيره وَأخذ عَنهُ القاضيان شمس الدّين ابْن مُسلم وجمال الدّين ابْن جملَة وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية(3/228)
3 - (ابْن عبد الْكَرِيم)
الشهرستاني الْمُتَكَلّم مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد أَبُو الْفَتْح ابْن أبي الْقَاسِم الشهرستاني الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ كَانَ إِمَامًا مبرزاً فَقِيها متكلماً تفقه على أبي نصر الْقشيرِي وَغَيره وبرع فِي الْفِقْه وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي الْقسم الْأنْصَارِيّ وَتفرد بِهِ وصنف نِهَايَة الْإِقْدَام فِي علم الْكَلَام والملل والنحل والمناهج وَكتاب المضارعة وتلخيص الْأَقْسَام لمذاهب الْأَنَام وَكَانَ كثير الْمَحْفُوظ حسن المحاورة يعظ النَّاس دخل بَغْدَاد سنة عشر وَخمْس ماية وَأقَام بهَا ثلث سِنِين وَظهر لَهُ قبُول كثير عِنْد الْعَوام وَسمع من عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ بنيسابور وَغَيره وَكتب عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ وَكَانَت وِلَادَته بشهرستان سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع ماية ذكره السَّمْعَانِيّ فِي الذيل وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس ماية قَالَ أَبُو مُحَمَّد مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أرسلان الْخَوَارِزْمِيّ فِي تَارِيخ خوارزم بعد كَلَام طَوِيل فِي الغض مِنْهُ سُئِلَ يَوْمًا فِي محلّة بِبَغْدَاد عَن مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ فَقَالَ الْتفت مُوسَى يَمِينا ويساراً فَمَا رأى من يأنس بِهِ صاحباً وَلَا جاراً فآنس من جَانب الطّور نَارا خرجنَا نبتغي مَكَّة حجاجاً وَعمَّارًا فَلَمَّا بلغ الْحيرَة حادي جملي حارا فصادفنا بهَا ديراً وَرُهْبَانًا وخماراً قَالَ وَقد حضرت عدَّة مجَالِس من وعظه فَلم يكن فِيهَا قَالَ الله وَلَا قَالَ رَسُول الله وَلَا جَوَاب عَن المسايل الشَّرْعِيَّة وَالله أعلم بِحَالهِ
سديد الدولة ابْن الْأَنْبَارِي الْكَاتِب مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْكَرِيم بن رِفَاعَة)
سديد الدولة الشَّيْبَانِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْأَنْبَارِي كَاتب الْإِنْشَاء بالديوان الْعَزِيز أَقَامَ بديوان الْإِنْشَاء خمسين سنة وناب فِي الوزارة وَنفذ رَسُولا إِلَى مُلُوك الشَّام وَبَينه وَبَين الحريري صَاحب المقامات رسايل مدونة عَاشَ نيفاً وَثَمَانِينَ سنة سمع وروى كَانَ رايق الْخط وَاللَّفْظ مدحه الْعزي والأرجاني والقيسراني وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس ماية وَذكر أَبُو بكر ابْن عبيد الله بن عَليّ المارستاني أَنه سمع من أبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد الحناط الدِّمَشْقِي ومؤيد الدّين الطغرائي ديواني شعرهما وَأَنه قرأهما عَلَيْهِ ذكر ذَلِك محب الدّين ابْن النجار فِي ذيله وَقد تقدم ذكر وَلَده مُحَمَّد وَمن شعر سديد الدولة(3/229)
(يَا قلب إلام لَا يُفِيد النصح ... دع مزحك كم هوى جناه المزح)
(مَا جارحة مِنْك خَلاهَا جرح ... مَا تشعر بالخمار حَتَّى تصحو)
وَخرج مَعَ المسترشد لما سَافر إِلَى لِقَاء مَسْعُود وَأسر وَترسل عَن الْخَلِيفَة إِلَى الْمُلُوك وَمن شعره أَيْضا
(لَا تيأسن إِذا حويت فَضِيلَة ... من الْعلم من نيل المرام الْأَبْعَد)
(بَينا ترى الإبريز يلقى فِي الثرى ... إِذْ صَار تاجاً فَوق مفرق أصيد)
وَمن شعره أَيْضا
(يَا ابْن الْكِرَام نِدَاء من أخي ثِقَة ... تطويه نَحْوك أشواق وتنشره)
(مَا اخْتَار بعْدك لَكِن للزمان يَد ... على خلاف الَّذِي يهواه تجبره)
وَمن شعره
(إِن قدم الصاحب ذَا ثروة ... وعاف ذَا فقر وإفلاس)
(فَالله لم يدع إِلَى بَيته ... سوى المياسير من النَّاس)
أَبُو الرَّافِعِيّ مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل أَبُو الْفضل الْقزْوِينِي الرَّافِعِيّ الشَّافِعِي وَالِد صَاحب الشرحن تفقه بِبَلَدِهِ على ملكداذ بن عَليّ العمركي وَقدم بَغْدَاد وتفقه على الرزاز بالنظامية وبرع فِي الْمَذْهَب وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وَخمْس ماية
مؤيد الدّين المهندس مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم مؤيد الدّين أَبُو الْفضل الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِي المهندس كَانَ ذكياً أستاذاً فِي نجارة الدق ثمَّ برع فِي علم إقليدس ثمَّ ترك نقش الرخام وَضرب الْخَيط وَأَقْبل على الِاشْتِغَال وبرع فِي الطِّبّ والرياضي وَهُوَ الَّذِي صنع السَّاعَات على بَاب الْجَامِع)
وَسمع من السلَفِي وصنف كتبا مليحة وَاخْتصرَ الأغاني وَهُوَ بِخَطِّهِ فِي مشْهد عُرْوَة وَكتاب الحروب والسياسات والأدوية المفردة ومقالة فِي رُؤْيَة الْهلَال توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس ماية وَأورد لَهُ ابْن أبي أصبيعة فِي تَارِيخ الْأَطِبَّاء قَالَ نقلت من خطه من رِسَالَة فِي رُؤْيَة الْهلَال ألفها للْقَاضِي محيي الدّين ابْن الزكي وَيَقُول فِيهَا يمدحه
(خصصت بِالْأَبِ لما أَن رَأَيْتهمْ ... دعوا بنعتك أشخاصاً من الْبشر)
(ضد النعوت تراهم إِن بلوتهم ... وَقد يُسمى بَصيرًا غير ذِي بصر)
(والنعت مَا لم تَكُ الْأَفْعَال تعضده ... إسم على صُورَة خطت من الصُّور)
(وَمَا الْحقيق بِهِ لفظ يطابقه ال ... معنى كنجل الْقُضَاة الصَّيْد من مُضر)
(فالدين وَالْملك وَالْإِسْلَام قاطبة ... بِرَأْيهِ فِي أَمَان من يَد الْغَيْر)(3/230)
(كم سنّ سنة خير فِي ولَايَته ... وَقَامَ لله فِيهَا غير معتذر)
قلت هُوَ شعر مَقْبُول غير مرذول وَمَات بالإسهال بِدِمَشْق وَله سَبْعُونَ سنة
ابْن الْهَادِي الْمُحْتَسب مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن يحيى بن شُجَاع ابْن عَيَّاش رشيد الدّين أَبُو الْفضل الْقَيْسِي الدِّمَشْقِي الْمُحْتَسب الْمَعْرُوف بِابْن الْهَادِي ترك الْحِسْبَة مُدَّة ثمَّ وَليهَا فِي دولة النَّاصِر دَاوُد روى عَنهُ جمَاعَة وَتُوفِّي سنة سبع وثلثين وست ماية
ابْن الشماع الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عُثْمَان عماد الدّين أَبُو عبد الله المارديني الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الشماع كَانَ من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة درس بمدرسة القصاعين بدمشف وبغيرها وَكَانَ عِنْده فطنة ويتقظ وبيته مَشْهُور بماردين بالحشمة والرياسة توفّي سنة سِتّ وَسبعين وست ماية وَهُوَ فِيمَا يُقَارب الْخمسين
ابْن أبي سعد الْوزان مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر الْوزان أَبُو عبد الله ابْن أبي سعد من الرّيّ رئيسها وَابْن رئيسها والمقدم على ساير الطوايف كَانَ من كبار الشَّافِعِيَّة نبيلاً فَاضلا لَهُ مكانة على الْمُلُوك والسلاطين ومنزلته عِنْدهم رفيعة توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخمْس ماية
الزَّاهِد الْعَطَّار مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عمر الزَّاهِد الْكَبِير أَبُو عبد الله الأندلسي الْحَرَشِي الْمَشْهُور بالعطار حج وَسمع توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وست ماية
الْخَطِيب مُحي الدّين ابْن الحرستاني مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن أبي)
الْفضل الْخَطِيب مُحي الدّين أَبُو حَامِد ابْن القَاضِي الْخَطِيب عماد الدّين ابْن الحرستاني الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي خطيب دمشق وَابْن خطيبها ولد سنة أَربع عشرَة وست ماية وَأَجَازَ لَهُ جده والمؤيد الطوسي وَأَبُو روح الْهَرَوِيّ وَبنت الشعرى وَسمع من زين الْأُمَنَاء وَابْن الصَّباح وَابْن الزبيدِيّ وَابْن ناسويه وَابْن اللتي وَالْعلم الصَّابُونِي وَالْفَخْر الإربلي وَأبي الْقسم ابْن صصري وَالْفَخْر ابْن الشيرجي وَسمع بِالْقَاهِرَةِ من عبد الرَّحِيم ابْن الطُّفَيْل وَحدث بِالصَّحِيحِ وَغَيره أَقَامَ بصهيون مُدَّة حَيَاة أَبِيه وَولي الخطابة بعد موت أَبِيه ودرس بالغزالية والمجاهدية وَأفْتى وَأفَاد وَكَانَ متصوفاً حسن الدّيانَة وَله نظم وَكَانَ طيب الصَّوْت على خطيبته روح روى عَنهُ ابْن الخباز وَابْن الْعَطَّار وَابْن البرزالي وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مروياته وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست ماية
نظام الدّين التبريزي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَليّ التبريزي الْمُقْرِئ المعمر(3/231)
نظام الدّين ولد بتبريز سنة ثلث عشرَة وسافر مَعَ أَبِيه للتِّجَارَة وَأقَام بجلب وَسمع من ابْن رَوَاحَة وَقَالَ سَمِعت بهَا من بهاء الدّين ابْن شَدَّاد وكمل القراآت سنة خمس وثلثين على السخاوي إفراداً وجمعاً وتلا بِحرف أبي عَمْرو بالثغر على أبي الْقسم الصفراوي وبمصر على ابْن الرماح وتلا بِهِ وَبِغَيْرِهِ ختماً على المنتجب الهمذاني ثمَّ استوطن دمشق وَأم بِمَسْجِد وأقرأ بِحَلقَة وَكَانَ سَاكِنا متواضعاً كثير التِّلَاوَة قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ شمس الدّين لأبي عَمْرو وَسمع مِنْهُ حرز الْأَمَانِي بقرائة ابْن منتاب وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبع ماية
أَبُو الْحسن الْكَاتِب البطيحي مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن بشر أَبُو الْحسن الرئيس من أهل البطيحة حدث بواسط عَن إِبْرَاهِيم بن طَلْحَة بن غَسَّان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن يحيى البازكلي الْبَصرِيين وروى عَنهُ القَاضِي أَبُو طَالب مُحَمَّد بن عَليّ بن الْكِنَانِي وَأَبُو الْعَبَّاس هبة الله بن نصر الله بن مُحَمَّد بن مخلد الْأَزْدِيّ وَعَاد إِلَى البطيحة فَتوفي هُنَاكَ وَكَانَ أديباً فَاضلا لَهُ شعر مِنْهُ يصف الديك
(ومغرد بفصاحة وَبَيَان ... شوقاً إِلَى القرناء والإخوان)
(متدرع ديباجة ممزوجة ... بغرايب الأصباغ والألوان)
(متشمر لطلوعه وهبوطه ... يرتاح للتصفيق بالأردان)
(ذِي لحية كَدم الرعاف وصبغة ... من تَحت أكليل من المرجان)
)
(متنبه يدعى لغرة نَومه ... ولفرط يقظته أَبَا الْيَقظَان)
(ومبشر بالصبح يَهْتِف مُعْلنا ... حَيّ الْفَلاح لوقت كل أَذَان)
(يَدْعُو وكل دعايه لصَاحبه ... مَا دَامَت الدُّنْيَا على إِنْسَان)
(هَذَا أَوَان الجاشرية فَاشْرَبُوا ... وتغنموا صَوت الثقيل الثَّانِي)
(لَا تأمنوا صرف الزَّمَان فَإِنَّهُ ... لم يُعْط خلقا عَنهُ عقد أَمَان)(3/232)
3 - (ابْن عبد اللَّطِيف)
صدر الدّين الخجندي مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن ثَابت بن الْحسن بن عَليّ المهلبي الخجندي صدر الدّين أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ كَانَ رَئِيس أَصْبَهَان والمقدم عِنْد السلاطين قدم بَغْدَاد وَولي تدريس النظامية وَجلسَ بهَا للوعظ تَارَة وبجامع الْقصر أُخْرَى يحضر مَجْلِسه الْأَعْيَان وَحدث بِبَغْدَاد ويروي الْأَحَادِيث على منبره مُسندَة وَمن شعره
(أنْفق جسوراً واسترق الورى ... وَلَا تخف خشيَة إملاق)
(النَّاس أكفاء إِذا قوبلوا ... إِن فاق شخص فبإنفاق)
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس ماية بقرية كرد من همذان وَحمل إِلَى أَصْبَهَان وَكَانَ أشبه بالوزراء من الْعلمَاء والملوك تصدر عَن رَأْيه
القَاضِي تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح السُّبْكِيّ مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى بن تَمام أقضى الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح الْأنْصَارِيّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ مولده سنة خمس وَسبع ماية فِي شهر ربيع الآخر وَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان وَحفظ التَّنْبِيه وَقَرَأَ على جده صدر الدّين يحيى وعَلى جمَاعَة وَقَرَأَ الْمِنْهَاج للبيضاوي وألفية ابْن معط وَبحث فِي التسهيل على أثير الدّين وَسمع من أَشْيَاخ عصره بِمصْر وَتَوَلَّى الْقُرَّاء بِنَفسِهِ وَتَوَلَّى نِيَابَة ابْن عَمه قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وساس الْأَحْكَام وَله النّظم والنثر وَسمع بِقِرَاءَتِي عَليّ أثير الدّين بعض شعره وَقد برع فِي كل فنونه وَعرف دقايقها وَله ذوق فِي الْأَدَب وشعره جيد فِيهِ التورية البديعة المتمكنة الْقَاعِدَة وَغير ذَلِك من فنون البديع وَتُوفِّي رَحمَه الله لَيْلَة السبت ثامن عشر ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَكَانَ رَحمَه الله شَدِيد الْوَرع متحرزاً فِي دينه محتاطاً لنَفسِهِ درس بالركنية والسركسية حكى لي بعض فُقَهَاء الْمدرسَة الركنية أَنه كَانَ لَا يتَنَاوَل مِنْهَا مَا للمدرس فِيهَا من الجراية وَيَقُول تركي لهَذَا مُقَابلَة على أَنِّي مَا يتهيأ لي فِيهَا)
الصَّلَوَات الْخمس وَكَانَ سديد الْأَحْكَام بَصيرًا بمواقع الصَّوَاب فِيهَا وَكنت فد كتبت إِلَيْهِ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع ماية
(تَقِيّ الدّين يَا أقضى البرايا ... وَيَا رب النهى والألمعية)
(وَيَا من رَاح أثنيتي عَلَيْهِ ... تضوع كَمثل فطرته الذكيه)(3/233)
(أهز إِلَيّ مِنْك بجذع علم ... فوايده تساقط لي جنيه)
(لِأَنَّك لَا تسامى فِي عُلُوم ... نزلت بهَا منازلك العليه)
(ونظمك نظم مصري طباعاً ... حلاوته لذَلِك قاهريه)
(ودأبك فتح بَاب النَّصْر حَقًا ... وَغَيْرك شغله بالباطليه)
(أفدنا إننا فُقَرَاء فهم ... لما تملي فضايلك الغنيه)
(تقرر أَن فعالاً فعولًا ... مبالغتان فِي اسْم الفاعليه)
(فَكيف تَقول فِيمَا صَحَّ مِنْهُ ... وَمَا الله بظلام البريه)
(أيعطى القَوْل إِن فَكرت فِيهِ ... سوى نفي الْمُبَالغَة القويه)
(وَكَيف إِذا توضأنا بِمَاء ... طهُور وَهُوَ رَأْي الشَّافِعِيَّة)
(أزلنا الْوَصْف عَنهُ بفرد فعل ... وَذَاكَ خلاف رَأْي المالكيه)
(فأوضح مَا ادلهم عَليّ حَتَّى ... تغادني على بيضًا نقيه)
(فَإِن يدجو ظلام الشَّك مني ... فذهنك ذُو قناديل مضيه)
(وَدم للمشكلات تميط عَنْهَا ... أَذَى فهم لأذهان صديه)
فَكتب إِلَيّ الْجَواب وأجاد
(جلوت عَليّ ألفاظاً جليه ... وسقت إِلَيّ أَبْكَارًا سنيه)
(ونظمت الْكَوَاكِب فِي عُقُود ... فأزرت بِالْعُقُودِ الجوهريه)
(وأبدعت الْمسير من نظام ... فَمَا لمسير عِنْدِي مزيه)
(لآل مثل بدر التم نورا ... وَلَكِن فِي النَّهَار لنا مضيه)
(حلاوتها تخالط كل قلب ... وَمن حَشْو وحوشي نقيه)
(أَتَت من حَافظ الْآدَاب طراً ... وقلبي مغرم بالحافظيه)
(وتعزى للخليل فَمَا فُؤَادِي ... يمِيل هوى لغير السكريه)
)
(فهمت بِمَا فهمت من الْمعَانِي ... وَلم أظفر بنكتتها الخفيه)
(لِأَن الْعَجز مني غير خَافَ ... وَمَا لي فِي الْعُلُوم يَد قويه)
(تأفف صاغة الْآدَاب مني ... وَمَا لي للإجابة صالحيه)
(وَمن جَاءَ الحروب بِلَا سلَاح ... كمن عقد الصَّلَاة بِغَيْر نيه)
(فَخذ مَا قد ظَفرت بِهِ جَوَابا ... فَمَا أَنا قدر فطرتك الذكيه)
(فظلام كبزاز وَأَيْضًا ... فقد تَأتي بِمَعْنى الظالميه)(3/234)
(وَقد ينفى الْقَلِيل لعِلَّة فِي ... فوايده بِنَفْي الأكثريه)
(وَقد ينحا بِهِ التكثير قصدا ... لِكَثْرَة من يضام من البريه)
(وَأما قَوْله مَاء طهُور ... ونصرته لقَوْل المالكيه)
(فجَاء على مُبَالغَة فعول ... وشاع مَجِيئه للفاعليه)
(وَقد ينوى بِهِ التكثير قصدا ... لِكَثْرَة من يروم الطاهريه)
(وَأَيْضًا فَهُوَ يغسل كل جُزْء ... وَلَاء وَهُوَ رَأْي الشافعيه)
(فَخذهَا من محب ذِي دُعَاء ... أَتَى مِنْهُ الروي بِلَا رويه)
(لَهُ فِيكُم مُوالَاة حلت إِذْ ... أصُول الود مِنْهُ قاهريه)
(فَإِن مرت إِذا مرت فعفواً ... فَإِن السّتْر شمتك العليه)
(فمرسل شعره مَا فِيهِ طعم ... تجاب بِهِ القوافي السكريه)
سَأَلته أَن يكْتب لي شَيْئا أستعين بِهِ على تَرْجَمته فَكتب إِلَيّ بِخَطِّهِ وَردت الْإِشَارَة الْعَالِيَة المولوية الشيخية الإمامية العالمية العلامية الأوحدية السيدية البليغة الأثيرية المخدومية الصلاحية لَا زَالَ أَمر مرسلها مُطَاعًا وبره مشَاعا وخليله مراعى وعدوه مراعاً وسماحه يعم الْأَنَام صفدا وصلاحه يزِيد على ممر الْأَيَّام مدَدا وَلَا برح راجيه يتفيأ من إحسانه ظلا ظليلا وعافيه يَجْعَل قَصده خَلِيلًا ويتخذ مَعَه سَبِيلا فقابلها الْمَمْلُوك بالاحتفال وعاملها بأتم التَّعْظِيم والإجلال وَلم يتَأَخَّر عَمَّا يجب لَهَا من الِامْتِثَال بعد أَن صادفت تصعباً سهله كريم إِشَارَته وتوفقاً فِيمَا ندبته إِلَيْهِ جسره على الإلإقدام عَلَيْهِ وَاجِب طَاعَته
(مَاذَا أَقُول وَلَيْسَ عِنْدِي خصْلَة ... تخْتَار إِلَّا دنست بمعايب)
(أَمْسَى لي التَّفْرِيط أمرا لَازِما ... وَغدا لي التَّقْصِير ضَرْبَة لازب)
)
(والستر أولى بِي وَلَكِن أَمركُم ... حتم وندبكم معزر عاتبي)
(فاعذر كلَاما بادياً من نادب ... يعزى لقلب وَاجِب من وَاجِب)
وَمَا قدر امْرِئ إِذا فتش عَن قدره لَا يجد إِلَّا نقصا وَإِذا قصد إِلَى ذكره لم يجد إِلَّا معايب لَا تحصى وَكتب التواريخ يقصر عَنْهَا الأكابر وَلَا يؤهل لَهَا إِلَّا من تعقد عَلَيْهِ الخناصر
(وَمَا أَنا وَالسير فِي متْلف ... يبرح بِالذكر الضَّابِط)
هَذَا مَعَ غيبَة أوراق الممولك وَكتبه بِالْقَاهِرَةِ وَعجز قريحته الناسية وقوته الذاكرة وَلَكِن هَذِه عجالة من لَيْسَ لَهُ نباله وَدلَالَة لَا تُؤدِّي إِلَى ملالة وعلالة تحْتَمل على البلالة فَأَقُول مُحَمَّد(3/235)
بن عبد اللَّطِيف بن يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف ابْن مُوسَى بن تَمام بن تَمِيم بن حَامِد أَبُو الْفَتْح ابْن أبي البركات ابْن أبي زَكَرِيَّا السُّبْكِيّ الشَّافِعِي مولده بالمحلة من أَعمال الديار المصرية فِي السَّابِع عشر من ربيع الآخر سنة خمس وَسبع ماية وَأَجَازَ لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت جمَاعَة من المسندين مِنْهُم الْحَافِظ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد وَأحمد عبد الْمُؤمن بن خلف ابْن أبي الْحسن الدمياطي وَفِي تِلْكَ السّنة توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة فَأحْضرهُ أَبوهُ على أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي وَأبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن هَارُون الثَّعْلَبِيّ وَأبي المحاسن يُوسُف بن المفظر بن كوركيل الكحال وَأبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن الْقيم وَغَيرهم واجاز لَهُ فِي سنة سبع وَسبع ماية خلق بِالْقَاهِرَةِ ومصر وأعمالهما وَمَكَّة وَالْمَدينَة ودمشق بِذَاتِهِ وَقِرَاءَة غَيره كَأبي عَليّ الْحسن بن عمر بن عِيسَى بن خَلِيل الْكرْدِي الهكاري وَأبي الْحسن عَليّ بن عمر ابْن أبي بكر الواني وَأبي الْهدى أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن شُجَاع العباسي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله الْكِنَانِي الشَّافِعِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الحميد بن مُحَمَّد الهمذاني وَأبي بكر عبد الله بن عَليّ بن عمر بن شبْل الْحِمْيَرِي وَأبي المحاسن يُوسُف بن عمر بن حُسَيْن الختني وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي طَالب الصَّالِحِي وَأبي زَكَرِيَّاء يحيى بن يُوسُف بن أبي مُحَمَّد الْمَقْدِسِي وَأبي الْمَعَالِي يحيى بن فضل الله الْعمريّ وَأبي الْحسن عَليّ بن اسمعيل المَخْزُومِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن الصَّواف وَأبي بكر ابْن يُوسُف بن عبد الْعَظِيم الْمصْرِيّ وخلايق يطول ذكرهم وَسمع العالي والنازل وَكتب بِنَفسِهِ وانتقى وَحصل وَقَرَأَ الْقُرْآن الْعَظِيم جلّ منزله بالقراآت السَّبع فِي ختمات على الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة أثير الدّين)
أبي حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف الأندلسي الغرناطي باجازة باقريه حَيْثُ شَاءَ مَتى شَاءَ وَكتب لَهُ خطه بذلك وَقَرَأَ علم الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَغَيره من الْعُلُوم على شَيخنَا وأستاذنا قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام عَلامَة الزَّمَان تَقِيّ الدّين أبي الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي أبقاه الله تَعَالَى طَويلا فَمَا لَهُ من علم إِلَّا وَعَلِيهِ فِيهِ تخرج وَلَا فضل إِلَّا زهى بانتمايه إِلَيْهِ وتبرج وَلَا بحث إِلَّا وطاب عرفه باعتماده فِيهِ عَلَيْهِ وتأرج وَهُوَ الَّذِي حصل لي الإجازات الْعَالِيَة وقلدني فِي كل أَمر ديني ودنيوي منناً مُتَوَالِيَة فَالله تَعَالَى يجْزِيه عني أفضل الْجَزَاء ويعينني على الْقيام بِبَعْض مَا يجب لَهُ من الشُّكْر وَالثنَاء وقرأت أَيْضا علم الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على جدي أبي زَكَرِيَّاء يحيى بن عَليّ وَالشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قطب الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن عبد الله السنباطي الشَّافِعِي نايب الحكم الْعَزِيز بِالْقَاهِرَةِ ووكيل بَيت المَال الْمَعْمُور رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَانَا قرءآ هَذَا الْعلم على الشَّيْخَيْنِ العلامتين سديد الدّين أبي عَمْرو عُثْمَان التزمنتي وظهير الدّين أبي مُحَمَّد جَعْفَر التزمنتي رحمهمَا الله تَعَالَى وَكَانَا أَعنِي السديد والظهير القايمين بوظيفة الاشغال والاشتغال بِمذهب الشَّافِعِي فِي زمانهما وقرأت الْفِقْه أَيْضا على الْعَلامَة ذِي الْفُنُون أبي عَليّ الحجسين بن عَليّ الأسواني الشَّافِعِي ولازمته أَيْضا على الْعَلامَة ذِي الْفُنُون أبي عَليّ الْحُسَيْن بن عَليّ الأسواني الشَّافِعِي ولازمته أَيْضا مُدَّة طَوِيلَة وَأما الشَّيْخ قطب الدّين السنباطي الْمَذْكُور فلازمته نَحوا من سِتَّة أَعْوَام إِلَى أَن توفّي إِلَى(3/236)
رَحْمَة الله تَعَالَى واشتغل بأصول الْفِقْه أَيْضا على جده أبي زَكَرِيَّاء يحيى وَكَانَ قَرَأَ هَذَا الْعلم على العلامتين شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن مَحْمُود الْأَصْبَهَانِيّ وشهاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن إِدْرِيس الْمَالِكِي الشهير بالقارفي رحمهمَا الله تَعَالَى وَغَيرهمَا وَقَرَأَ علم النَّحْو على الْعَلامَة أثير الدّين أبي حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن حَيَّان ولازمه نَحوا من سَبْعَة عشر عَاما وَشرح عَلَيْهِ تقريب المقرب من تصنيفه وَكتاب تسهيل الفوايد وتكميل الْمَقَاصِد تصنيف الْعَلامَة جمال الدّين أبي عبد الله نحمد بن مَالك الجياني وَأَجَازَهُ بأقرايهما وإقراء علم الْعَرَبيَّة وَسمع عَلَيْهِ كثيرا من شَرحه لكتاب التسهيل وَكَثِيرًا من كتاب سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله تَعَالَى سَمَاعا وشرحاً وَسمع عَلَيْهِ كثيرا من شعره وَشعر غَيره وَكَثِيرًا من المرويات الأدبية وَقَرَأَ كتاب لباب الْأَرْبَعين للعلامة أبي الثَّنَاء الأرموي وَكَثِيرًا من علم الْخلاف على شخينا قَاضِي الْقُضَاة أَسْبغ الله ظله وَقَرَأَ كتاب مطالع)
الْأَنْوَار فِي لمنطق مرنين وسَمعه يقْرَأ أَيْضا على أبي الْحسن عَليّ التبريزي لشافعي قدم علينا مصر وَسمع عِنْده كثيرا من الْكتب المنطقية ولخلافية والأصولية الدِّينِيَّة وجالس فِي علم الْأَدَب نَاصِر الدّين أَبَا مُحَمَّد شَافِع بن عَليّ بن عَبَّاس رَحمَه الله تَعَالَى ابْن أُخْت الْعَلامَة محيي الدّين عبد الله بن عبد الظَّاهِر السَّعْدِيّ وَسمع عَلَيْهِ من شعره وتصانيفه ومدحه بِأَبْيَات مِنْهَا
(رَأَتْ العدا عَبَّاس جدك طَاهِرا ... فَأتوا إِلَى عليا نداك بشافع)
وَقلت الشّعْر صَغِيرا وَلَكِن الْجيد مِنْهُ قَلِيل مَعْدُوم واضعت أَكْثَره لعدم اهتمامي بتعليقهن وَحفظه فَلم أكتب مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ بطرِيق الِاتِّفَاق وَمِنْه مَا كتبته إِلَى الْعَلامَة أبي حَيَّان النَّحْوِيّ صُحْبَة هِلَال خشكنان قبل عيد الْفطر بِيَوْم على عَادَة المصريين
(أهنيك بالعيد الَّذِي جلّ عِنْدَمَا ... خلعت عَلَيْهِ من علاك حَلَالا)
(وحاولت تَعْجِيل الْبشَارَة والهنا ... فَأرْسلت من قبل الْهلَال هلالا)
وَقلت
(وَالله لم أذهب لبحر سلوة ... لكم وَلَا تفريج قلب موجع)
(لكنه لما تَأَخّر مُدَّة ... أَحْبَبْت تَعْجِيل الْوَفَاء بأدمعي)
وَقلت
(مُنْذُ بعدتم فسروري بعيد ... وبعدكم لم أتمتع بعيد)
(وَكَيف يهوي الْعِيد أَو نزهة ... شَهِيد وجدان ودمع يزِيد)
(فالبحر من تيار دمع لَهُ ... يبكي بِهِ والعيد عيد الشَّهِيد)
وَقلت من قصيدة طَوِيلَة
(وصال وَلَكِن وَاصل الْقلب وجده ... وَجمع وَلَكِن وَافق الجفن سهده)
(ودمع إِذا غاض الدِّمَاء تمده ... وَحب إِذا حَال الغرام يجده)(3/237)
(وقلب إِذا هَب النسيم يمليه اش ... تياقاً إِلَى أوطان من لَا يوده)
(غزال غزتني بِالسِّهَامِ لحاظه ... وبالسيف جفناه وبالرمح قده)
(يحاكي مَنَامِي فِي التناقص عطفه ... وَيُشبه سقمي فِي التزايد صده)
(أثار بقلبي النَّار سحر بطرفه ... وخد بخدي موطن الدمع خَدّه)
(يقوى مدى الْأَيَّام مِيثَاق هجره ... وينقض فِي كل الْأَحَايِين عَهده)
)
(تبدى وَقد أرْخى ذوايبه على ... قبَاء لَهُ فِي الخصر أحكم شده)
(فشدت عهود الوجد مذحل شعره ... وحلت عُقُود الصَّبْر مذ شدّ بنده)
(لَئِن شبهوا بالشمس والبدر وَجهه ... فنور حَبِيبِي لَا كسوف يردهُ)
(وَإِن شبهوا بالنرجس الغض طرفه ... فَهَذَا قِيَاس لَيْسَ يخفى مرده)
(وَإِن شبهوا بالورد حمرَة خَدّه ... فَخدَّ حَبِيبِي لَيْسَ يذبل ورده)
(وَإِن شبهوا بالخمرة الصّرْف رِيقه ... فَمَا عقلوا من أَيْن للخمر برده)
(يلومونني إِذْ هَمت فِيهِ صبَابَة ... وَمَا حِيلَة الصب الَّذِي غَابَ رشده)
وَقلت من قصيدة مودعاً لبَعض الأكابر
(وداع دنا للصب مِنْهُ عَذَاب ... وَبَين عَسى يدني نَوَاه إياب)
(وقلب على جمر الغضا متقلب ... وطرف يروي الخد مِنْهُ سَحَاب)
(وَوجد أناخت بالبواد ركايب ... لَهُ حِين زمت للحبيب ركاب)
(رعى الله سَادَات تدانى رحيلهم ... ولاحت لَهُم يَوْم الْفِرَاق قباب)
(ففودي ودمعي ذَاك عَاد شبابه ... مشيباً وَهَذَا بالدماء يشاب)
(وَكَانَ انقلاب اللَّيْل صبحاً مُوَافقا ... مني كن لي أَن الْبيَاض خضاب)
(وليلي ونومي ذَاك طَال لبعدهم ... وَذَا طَار إِذْ بالبين طَار غراب)
(وجسمي وعقلي ذَاك يفنى صبَابَة ... عَلَيْهِم وَهَذَا بالخبال يصاب)
(وفكري وصبري ذَاك ترداد وَصله ... وَهَذَا لَهُ عني نوى وَذَهَاب)
(لَئِن رحلوا بالجسم عَنَّا وقوضوا ... فَإِن لَهُم منا الْقُلُوب صِحَاب)
(وَإِن جانبونا واستقلوا فعندنا ... نداهم لنا مِنْهُ جنى وجناب)
(وَإِن تقلوا عَن مصر للشام دَارهم ... فَإِن انْتِقَال الْبَدْر لَيْسَ يعاب)
(وَإِن أوحشت مصر فأنس جميلهم ... لَهَا من تدانيه قرى وقراب)
وَمِنْهَا فِي الْمَدْح
(لقد ضم كل الْفضل فِي ضمن فَضله ... كَمَا ضمت العلياء مِنْهُ ثِيَاب)(3/238)
(وأعجزت الْأَلْبَاب غَايَة وَصفه ... فقصر عَنْهَا كَاتب وَكتاب)
(ندون أدناها فَأَما محبَّة ... فنصبو وَإِمَّا ضِدّه فيصاب)
)
وَآخِرهَا
(فدمت على مر الزَّمَان ممتعاً ... عداك وَمن يشناك مِنْك عصاب)
(وَعَاد ظلام الْبَيْت بِالْعودِ زايلاً ... وَعَاد مشيب الْوَصْل وَهُوَ شباب)
(وَلَا زَالَ عني من ثنايك طيب ... وَلَا صفرت لي من نداك وطاب)
وعلقت تصانيف كَثِيرَة فِي غَالب مَا قرأته واشتغلت بِهِ لَكِن كَمَا قَالَ بَعضهم تعوقت بتسويد الصَّحِيفَة بالاشغال عَن تسويد الصَّحِيفَة بالاشتغال وَأما تنقلاتي الدُّنْيَوِيَّة فإنني تنزلت بالمدارس مشتغلاً وتوليت الْإِعَادَة للفقهاء بالمشهد الْحُسَيْنِي والمدرسة السيفية فِي حُدُود سنة عشْرين وَسبع ماية نِيَابَة عَن الْجد أبي زَكَرِيَّاء يحيى رَحمَه الله تَعَالَى فاستقر التدريس بهَا باسمي وَلم أزل مدرساً بهَا مَعَ مَا أضيف إِلَيْهَا من الوظايف الَّتِي قدرهَا الله تَعَالَى إِلَى أَن باشرت التصدير بالجامع الطولوني وَغَيره مَكَان شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة أَسَبْعٌ الله ظله لما توجه إِلَى الشَّام المحروس وَوليت الْقَضَاء بالمقسم ظَاهر الْقَاهِرَة المحروسة ثمَّ فوض إِلَيّ الحكم بِالْقَاهِرَةِ المحروسة فأقمت على ذَلِك مُدَّة إِلَى أَن قدر الله تَعَالَى لانتقال إِلَى الشَّام المحروس فوليت تدريس الْمدرسَة الركنية الجوانية وَخِلَافَة الحكم الْعَزِيز بِالشَّام المحروس والتصدير بالجامع الْأمَوِي وَالله تَعَالَى أسأَل عَاقِبَة حميدة وَطَرِيقَة بالخيرات سديدة إِنَّه ولي ذَلِك وأختمن كَلَامي ببيتين على سَبِيل الِاعْتِذَار
(عَبدك لَا شعر لَهُ طايل ... وَلَا يُسَاوِي نثره سمسمه)
(وأعجمي النُّطْق من أجل ذَا ... أرسل يَا مولَايَ بالترجمه)
وَالله تَعَالَى يديم على الْعلمَاء مَادَّة فَضله العميم وَلَا يقطع عَنْهُم عَادَة مِنْهُ الجسيم وَبِه يسبغ عَلَيْهِ ظله الظليل ويمتع زوار حرمه من وَصفه واسْمه بالقدس والخليل بمنه وَكَرمه(3/239)
3 - (ابْن عبد الله)
مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن صعصة روى لَهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وتوفّي سنة تسع وثلثين وماية
القَاضِي الْأَسدي مُحَمَّد بن عبد الله بن لبيد الْأَسدي وَيُقَال الْأَسْلَمِيّ ولي الْقَضَاء مديدة أَيَّام مَرْوَان ثمَّ ولي فِي دولة السفاح وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وماية
الديباج مُحَمَّد بن عبد الله الديباج توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وماية وَقيل غير ذَلِك لقب بالديباج لحسنه وَهُوَ ابْن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان ابْن عَفَّان الْأمَوِي قَتله الْمَنْصُور قَالَ يُخَاطب الْمُغيرَة بن حَاتِم بن عَنْبَسَة بن عَمْرو ابْن عَفَّان الْأمَوِي وَكَانَ يكنى أَبَا مَرْيَم
(أَبَا مَرْيَم لَوْلَا حُسَيْن تطالعت ... عَلَيْك سِهَام من أَخ غير قَابل)
(فرج ابا عبد المليك فَإِنَّهُ ... أَخُو الْعرف مَا هبت ريَاح الشمايل)
(أَبَا ميرم لَوْلَا جوَار أخي الندى ... لأصبحت موتوراً كثير البلابل)
ابْن رهيمة مُحَمَّد بن عبد الله مولى عُثْمَان بن عَفَّان يعرف بِابْن رهيمة وَهِي أمه حجازي أدْرك الدولتين الأموية والعباسية وَهُوَ القايل
(الْآن أَبْصرت الْهدى ... وَعلا المشيب مفارقي)
(أَبْصرت رَأس غوايتي ... ومنحت قصد طرايقي)
(يفتر عَن متلألئ ... مصب لقلبك شايق)
(كالأقحوان مراءة ... ومذاقة للذايق)
ابْن قادم النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن قادم النَّحْوِيّ أَبُو جَعْفَر مَاتَ سنة إِحْدَى(3/240)
وَخمسين وماتين وَكَانَ حسن النّظر فِي علل النَّحْو وَكَانَ يُؤَدب ولد سعيد بن سلم بن قُتَيْبَة الْبَاهِلِيّ وَكَانَ من أَعْيَان أَصْحَاب الْفراء وَعنهُ أَخذ أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب وَكَانَ يعلم المعتز قبل الْخلَافَة فَلَمَّا ولى الْخلَافَة بعث إِلَيْهِ فَجَاءَهُ الرَّسُول وَهُوَ فِي منزله شيخ كَبِير فَقَالَ لَهُ الرَّسُول أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أَلَيْسَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِبَغْدَاد يَعْنِي المستعين قَالَ لَا قد ولى الْخلَافَة المعتز وَكَانَ المعتز قد حقد عَلَيْهِ بطرِيق تأديبه فخشي من بادرته فَقَالَ لِعِيَالِهِ السَّلَام عَلَيْكُم وَخرج فَلم يرجع إِلَيْهِم وَله كتاب الْكَافِي فِي النَّحْو وَكتاب غَرِيب الحَدِيث وَكتاب مُخْتَصر فِي النَّحْو
النميري مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير لقب النميري بكنية أَبِيه كَانَ يكنى أَبَا المير وَيُقَال باسم)
جده وَهُوَ ثقفي من أهل الطايف شَاعِر غزل قَالَ فِي زَيْنَب أُخْت الْحجَّاج أبياتاً مِنْهَا
(تضوع مسكاً بطن نعْمَان إِذْ مشت ... بِهِ زَيْنَب فِي نسْوَة خفرات)
(وَلما رَأَتْ ركب النميري أَعرَضت ... وَكن من أَن يلقينه حذرات)
(فادنين حَتَّى جَاوز الركب دونهَا ... حِجَابا من القسي والحبرات)
(وكدت اشتياقاً نَحْوهَا وصبابة ... اقْطَعْ نَفسِي دونهَا حسرات)
(فراجعت نَفسِي والحفيظة بعْدهَا ... بللت رِدَاء العصب بالعبرات)
فَلَمَّا بلغ ذَلِك عبد الْملك كتب إِلَى الْحجَّاج بَلغنِي قَول الْخَبيث فِي زَيْنَب فاله عَنهُ فَإنَّك إِن أدنيته أَو عاتبته أطعمته وَإِن عاقتبه صدقته وهرب النميري فَاسْتَجَارَ بِعَبْد الْملك فَقَالَ لَهُ عبد الْملك أَنْشدني م قَتله فَلَمَّا بلغ قَوْله فَلَمَّا رَأَتْ ركب النميري الْبَيْت قَالَ لَهُ عبد الْملك وَمَا كَانَ ركبك يَا نميري قَالَ أَرْبَعَة أحمرة كنت أجلب عَلَيْهَا القطران وَثَلَاثَة أحمرة صحبتني تحمل البعر فَضَحِك حَتَّى اسْتغْرب ثمَّ قَالَ لقد عظم أَمرك وَكتب إِلَى الْحجَّاج أَن لَا سَبِيل لَك عَلَيْهِ وَقيل بل جد الْحجَّاج فِي طلبه فَركب بَحر عدن وَقَالَ
(أَتَتْنِي عَن الْحجَّاج وَالْبَحْر بَيْننَا ... عقارب تسري والعيون هواجع)
(فضقت بهَا ذرعاً وأجهشت خيفة ... وَلم آمن الْحجَّاج وَالْأَمر فاظع)
(فَبت أدير الْأَمر فِي الرَّأْي لَيْلَتي ... وَقد أخضلت خدي الدُّمُوع التوابع)
(فَلم أر خيرا لي من الصَّبْر إِنَّه ... أعف وَخير إِذْ عرتني الفجايع)
وَقد استوفى خَبره صَاحب الأغاني
ابْن الْمولى مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم مولى عَمْرو بن عَوْف من الْأَنْصَار يكنى أَبَا عبد الله شَاعِر عفيف انشد عبد الْملك بن مَرْوَان لنَفسِهِ وَهُوَ متنكب قوسه(3/241)
(وأبكي فَلَا ليلى بَكت من صبَابَة ... لذاك وَلَا ليلى لذِي الود تبذل)
(واخضع بالعتبى إِذا كنت مذنباً ... وَإِن أذنبت كنت الَّذِي اتنصل)
فَقَالَ عبد الْملك من ليلى هَذِه لَئِن كَانَت حرَّة لأزوحنكها وَلَئِن كَانَت مَمْلُوكَة لأشترينها لَك بَالِغَة مَا بلغت فَقَالَ كلا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كنت لأمعر بِوَجْه حر أبدا فِي حرمته وَلَا فِي أمته وَالله مَا ليلى إِلَّا قوسي هَذِه فَأَنا أشبب بهَا وأسن حَتَّى مدح جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَقثم بن الْعَبَّاس وَيزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة وَقَالَ فِي يزِيد بن حَاتِم)
(يَا وَاحِد الْعَرَب الَّذِي ... أَمْسَى وَلَيْسَ لَهُ نَظِير)
(لَو كَانَ مثلك آخر ... مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَقير)
الْمهْدي الْعلوِي مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو عبد الله ظهر بِالْمَدِينَةِ بعد حبس الْمَنْصُور لِأَبِيهِ وَأهل بَيته فَقتله عِيسَى بن مُوسَى سنة خمس وَأَرْبَعين وماية وَله ثلث وَخَمْسُونَ سنة قَالَ يرثي إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي
(لَا أرى فِي النَّاس شخصا وحداً ... مثل ميت مَاتَ فِي دَار الْحمل)
(يَشْتَرِي الْحَمد ويختار العلى ... وَإِذا مَا حمل الثّقل حمل)
(موت إِبْرَاهِيم أَمْسَى هدني ... وأشاب الرَّأْس مني فاشتعل)
وَحكى من قُوَّة مُحَمَّد هَذَا أَنه شرد لِأَبِيهِ جمل فَعدا جمَاعَة خَلفه فَلم يلْحقهُ أحد سواهُ فَأمْسك ذَنبه وَلم يزَال يجاذبه حَتَّى انقلع ذَنبه فَرجع بالذنب إِلَى أَبِيه وَكَانَ يطْلب الْخلَافَة لنَفسِهِ فِي زمن بني أُميَّة وَزعم أَن الْمهْدي كَانَ نِهَايَة فِي الْعلم والزهد وَقُوَّة الْبدن وشجاعة الْقلب وَلم يزل متستراً سِنِين فِي جبال طَيء مرّة يرْعَى الْغنم وَمرَّة اجيراً وشيعته يدعونَ لَهُ بالخلافة فِي أقطار الأَرْض إِلَى أَن اشْتَدَّ أمره فِي خلَافَة الْمَنْصُور فاهتم بأَمْره وطالب بِهِ أَبَاهُ وَإِخْوَته وأقاربه فأنكروه وَزَعَمُوا أَنهم لَا يعْرفُونَ لَهُ مقَاما فنقلهم من الْحجاز إِلَى الْعرَاق فِي الْقُيُود والأغلال ثمَّ ظهر فِي الْمَدِينَة وَقَامَت لَهُ الدعْوَة بالحجاز واليمن واضطربت لَهُ دولة الْمَنْصُور فَجهز إِلَيْهِ عِيسَى بن مُوسَى وَكَانَ يُقَال لَهُ فَحل بني الْعَبَّاس وَلما حصره وأيقن مُحَمَّد بالخذلان رَجَعَ إِلَى منزله وَأخرج صندوقاً وفتحه بَين خاصته ودعا بِنَار أضرمت فَأخْرج كتبا كَثِيرَة من ذَلِك الصندوق ورماها فِي النَّار وَقَالَ الْآن طبت نفسا بِالْمَوْتِ لِأَن هَذِه كتب قوم من باطنة هَذَا الرجل حلفوا لنا على الصدْق وَالْوَلَاء فَلم آمن أَن تحصل فِي يَده فيهلكهم وَيكون ذَلِك بسببنا ثمَّ اخْتَرَطَ سَيْفه وَجعل يَقُول مرتجزاً
(لَا عَار فِي الغلب على الغلاب ... وَاللَّيْث لَا يخْشَى من الذُّبَاب)(3/242)
وَلم يزل يُقَاتل حَتَّى قتل وحز رَأسه وَحمل إِلَى الْمَنْصُور فَلَمَّا رَآهُ تمثل
(طمعت بليلى أَن تريع وَإِنَّمَا ... يقطع أَعْنَاق الرِّجَال المطامع)
وأدخلوا رَأسه على أَبِيه فِي السجْن وَهُوَ يُصَلِّي فَألْقوا الرَّأْس بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة الْتفت فَرَآهُ فَقَالَ رَحِمك الله لقد قتلوك صواماً قواماً ثمَّ قَالَ)
(فَتى كَانَ يُدْنِيه من السَّيْف دينه ... ويكفيه سوآت الْأُمُور اجتنابها)
ثمَّ قَالَ للرسول يَا هَذَا قل لصاحبك قد مضى شطر من عمرك فِي النَّعيم وَبَقِي شطر الْبُؤْس وَقد مضى لنا شطر الْبُؤْس وَبَقِي شطر النَّعيم وَمن شعر مُحَمَّد الْمهْدي الْمَذْكُور مَا أنْشدهُ الصولي
(أَشْكُو إِلَى الله مَا بليت بِهِ ... فَإِن عَالم الخفيات)
(من فقدي الْعدْل فِي الْبِلَاد وَمن ... جور مُقيم على البريات)
(رَجَوْت كشف الْبلَاء فِي زمن ... فصرت فِيهِ أَخا بليات)
وَقَالَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيم يرثيه وَبَعْضهمْ رَوَاهَا لأبي الهيذام
(سأبكيك بالبيض الرقَاق وبالقنا ... فَإِن بهَا مَا يدْرك الواتر الوترا)
(وَإِنَّا أنَاس مَا تفيض دموعنا ... على هَالك منا وَإِن قَصم الظهرا)
(ولسنا كمن يبكي أَخَاهُ بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا)
(ولكنني أشفي فُؤَادِي بغارة ... ألهب من قطري كتابيها جمرا)
وَإِلَى مُحَمَّد هَذَا تنتسب الْفرْقَة الْمَعْرُوفَة بالمحمدية وهم من فرق الشِّيعَة لَا يصدق أَتْبَاعه بِمَوْتِهِ وَلَا بقتْله ويزعمون أَنه فِي جبل حاجر من نَاحيَة نجد مُقيم إِلَى أَن يُؤمر بِالْخرُوجِ وَكَانَ الْمُغيرَة بن سعيد الْعجلِيّ وسوف يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ ضلالته يَقُول لأَصْحَابه إِن الْمهْدي المنتظر هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله ويستدل على ذَلِك بِأَن اسْمه وَاسم أَبِيه كاسم النبّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أَبِيه وَقَالَ هُوَ المُرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيَأْتِي رجل بعدِي يُوَافق اسْمه اسْمِي وَاسم أَبِيه اسْم أبي الحَدِيث ولعَبْد الله وَالِدَة عدَّة أَوْلَاد مُحَمَّد هَذَا وَإِبْرَاهِيم وَإِدْرِيس ومُوسَى الجون وَيحيى فأظهر مُحَمَّد دَعوته بِالْمَدِينَةِ وَاسْتولى علهيا وعَلى مَكَّة وَاسْتولى أَخُوهُ إِبْرَاهِيم على الْبَصْرَة وَاسْتولى أخوهما إِدْرِيس على بعض بِلَاد الْمغرب وَكَانَ ذَلِك فِي ولَايَة الْمَنْصُور وَنفذ الْمَنْصُور(3/243)
عِيسَى بن مُوسَى فِي جَيش كثيف لِحَرْب مُحَمَّد فَقتلُوا مُحَمَّدًا فِي المعركة ثمَّ نفذ الْمَنْصُور أَيْضا عِيسَى الْمَذْكُور لِحَرْب إِبْرَاهِيم فَقتله بباخمرى قَرْيَة من قرى الْكُوفَة على سِتَّة عشر فرسخاً مِنْهَا وَمَات إِدْرِيس بِأَرْض الْمغرب فِي تِلْكَ الْفِتْنَة وَقيل إِنَّه سم بهَا وَأما أبوهم عبد الله فَقبض عَلَيْهِ الْمَنْصُور وَمَات فِي سجنه وقبره بالقادسية وَهُوَ مشْهد مَعْرُوف يزار وَلما قتل مُحَمَّد هَذَا افْتَرَقت المغيرية فرْقَتَيْن فرقة أقرُّوا بقتْله وتبرءوا من)
الْمُغيرَة وكذبوه فِي قَوْله وَفرْقَة ثبتَتْ على مُوالَاة الْمُغيرَة وَقَالُوا إِن مُحَمَّدًا لم يقتل وَإِنَّمَا تغيب عَن عُيُون النَّاس وَهُوَ فِي جبل حاجر مُقيم إِلَى أَن يُؤمر بِالْخرُوجِ فَيملك الأَرْض وتعقد لَهُ الْبيعَة بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَيحيى لَهُ من الْأَمْوَات سَبْعَة عشر رجلا يعْطى كل وَاحِد مِنْهُم حرفا من حُرُوف الأسم الْأَعْظَم فيهزمون الجيوش وَزعم هَؤُلَاءِ أَن مُحَمَّدًا لم يقتل وَإِنَّمَا شَيْطَان تصور بصورته وَكَانَ جَابر بن يزِيد الْجعْفِيّ على هَذَا الْمَذْهَب وَكَانَ يَقُول برجعة الْأَمْوَات إِلَى الدُّنْيَا قبل الْقِيَامَة وَفِي ذَلِك يَقُول شَاعِر هَذِه الْفرْقَة فِي بعض أشعاره الْمَشْهُورَة
(إِلَى يَوْم يؤوب النَّاس فِيهِ ... إِلَى دنياهم قبل الْحساب)
وَلما خرج مُحَمَّد بن عبد الله الْمَذْكُور هُوَ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم على الْمَنْصُور قَالَ بعض العلوية بِالْكُوفَةِ
(أرى نَارا تشب على يفاع ... لَهَا فِي كل نَاحيَة شُعَاع)
(وَقد رقدت بَنو الْعَبَّاس عَنْهَا ... وباتت وَهِي آمِنَة رتاع)
(كَمَا رقدت أُميَّة ثمَّ هبت ... تدافع حِين لَا يُغني الدفاع)
أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي مُحَمَّد بن عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي ابْن الْمَنْصُور ثَالِث خلفاء بني الْعَبَّاس مولده بإيذج سنة سبع وَعشْرين وماية وَأمه أم مُوسَى بنت مَنْصُور الحميرية كَانَ جواداً ممدحاً مليح الشكل محبباً إِلَى الرّعية قصاباً للزنادقة روى عَن أَبِيه وَعَن مبارك بن فضَالة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَمَا علمت قيل فِيهِ جرحا وَلَا تعديلاً روى مَنْصُور بن أبي مُزَاحم وَمُحَمّد بن يحيى بن حَمْزَة عَن يحيى بن حَمْزَة قَالَ صلى بِنَا الْمهْدي فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا فَقَالَ حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده عَن(3/244)
ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلّى فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقلت للمهدي نأثره عَنْك فَقَالَ نعم هَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لَكِن مَا علمت أحدا احْتج بالمهدي وَلَا بِأَبِيهِ فِي الْأَحْكَام كَا نقش خَاتمه الله ثِقَة مُحَمَّد وَبِه يُؤمن قَالَ الفلاس ملك الْمهْدي عشر سِنِين وشهراً وَنصف شهر وَمَات لثمان بَقينَ من الْمحرم سنة تسع وَسِتِّينَ وماية وَقَالُوا مَاتَ بِمَا سبدان وعاش ثلثا وَأَرْبَعين سنة وَعقد من بعده بِالْأَمر لِابْنِهِ مُوسَى الْهَادِي ثمَّ هرون الرشيد بُويِعَ لَهُ بِمَكَّة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد وَفَاة الْمَنْصُور فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمسين وماية وَكَانَت خِلَافَته على أصح الْأَقْوَال عشر سِنِين وشهراً وَيَوْما ثمَّ بُويِعَ لَهُ بِبَغْدَاد على أصح)
الْأَقْوَال يَوْم الثلثاء لثلث عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْحجَّة وَلما مَاتَ صلى عَلَيْهِ ابْنه الرشيد هرون وكاتبه أَبُو عبيد الله معوية بن عبيد الله بن يسَار مولى عبد الله بن عَصَاهُ الْأَشْعَرِيّ ثمَّ يَعْقُوب بن دَاوُد ثمَّ الْفَيْض بن الرّبيع مَوْلَاهُ وحاجبه الْحسن بن عُثْمَان بن الْفضل بن الرّبيع وَنقش خَاتمه آمنتن بِاللَّه رَبًّا وَيُقَال الله ثِقَة مُحَمَّد بن عبد الله وَمن شعره يُخَاطب جَارِيَته
(أرى مَاء وَبِي عَطش شَدِيد ... وَلَكِن لَا سَبِيل إِلَى الْوُرُود)
(أما يَكْفِيك أَنَّك تملكيني ... وَأَن النأس كلهم عَبِيدِي)
(وَأَنَّك لَو قطعت يَدي ورجلي ... لقلقت من الرِّضَا أَحْسَنت زيدي)
وَكتب إِلَى الخيزران وَهِي فِي منتزه لَهُ
(نَحن فِي أفضل السرُور وَلَكِن ... لَيْسَ إِلَّا بكم يتم السرُور)
(عبت مَا نَحن فِيهِ يَا أهل ودي ... إِنَّكُم غبتم وَنحن حُضُور)
(فأغذوا الْمسير بل إِن قدرتم ... أَن تطيروا مَعَ الرِّيَاح فطيروا)
دخل ابْن الْخياط الْمَكِّيّ عَلَيْهِ فَقبل يَده ومدكه فَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم فَلَمَّا قبضهَا فرقها على النَّاس وَقَالَ
(لمست بكفي كَفه أَبْتَغِي الْغنى ... وَلم أدر أَن الْجُود من كَفه يعدي)
(فَلَا أَنا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغنى ... أفدت وأعداني فضيعت مَا عِنْدِي)
فَبلغ الْمهْدي ذَلِك فَأعْطَاهُ لكل دِرْهَم دِينَارا أَخذ هَذَا الْمَعْنى فنظمه البحتري وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ
(من شَاكر عني الْخَلِيفَة فِي الَّذِي ... أولاه من طول وَمن إِحْسَان)(3/245)
(مَلَأت يَدَاهُ يَدي فشرد جوده ... بخلي فأفقرني كَمَا أغناني)
(حَتَّى لقد أفضلت من أفضاله ... وَرَأَيْت نهج الْجُود حَيْثُ أَرَانِي)
(ووثقت بالخلف الْجَمِيل معجلا ... مِنْهُ فَأعْطيت الَّذِي أَعْطَانِي)
وعنفه وَالِده الْمَنْصُور لجزعه على جَارِيَة فقدها فَقَالَ لَهُ كَيفَ أوليك الْأَمر من الْأمة وَأَنت تجزع على أمة فَقَالَ لم أجزع على قيمتهَا وَإِنَّمَا أجزع على شيمتها وَجلسَ الْمهْدي جُلُوسًا عَاما فَدخل عَلَيْهِ رجل وَفِي يَده منديل فِيهِ نعل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه نعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَهْدَيْتهَا لَك فاخذها مِنْهُ وَقبل بَاطِنهَا ووضعها على عَيْنَيْهِ وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا خرج الرجل قَالَ لجلسايه أتروني أَنِّي أعلم أَن رَسُول الله صلى الله)
عَلَيْهِ وَسلم لم يرهَا فضلا عَن أَن يكون لبسهَا وَلَو كذبناه لقَالَ للنَّاس أتيت أَمِير الْمُؤمنِينَ بنعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَردهَا عَليّ وَكَانَ من يصدقهُ أَكثر مِمَّن يكذبهُ غذ كَانَ من شَأْن الْعَامَّة الْميل إِلَى أشكالها والنصرة للضعيف على الْقوي وَإِن كَانَ ظَالِما فاشترينا لِسَانه وَقَبلنَا هديته وصدقنا قَوْله وَكَانَ الَّذِي فَعَلْنَاهُ أرجح وأنجح
أَبُو الشيص الْخُزَاعِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن رزين الشَّاعِر الْمَشْهُور الملقلب بِأبي الشيص وَهُوَ ابْن عَم دعبل الْخُزَاعِيّ توفّي سنة ماتين أَو قبلهَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ سنة سِتّ وَتِسْعين وماية وَقد كف بَصَره قَالَ أَبُو الشيص وَهُوَ مَشْهُور عَنهُ
(وَقف الْهوى بِي حَيْثُ أَنْت فَلَيْسَ لي ... مُتَأَخّر عَنهُ وَلَا مُتَقَدم)
(أجد الْمَلَامَة فِي هَوَاك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم)
(أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إِذْ كَانَ حظي مِنْك حظي مِنْهُم)
(وأهنتني فأهنت نَفسِي عَامِدًا ... مَا من يهون عَلَيْك مِمَّن يكرم)
قَوْله أجد الْمَلَامَة الْبَيْت أَخذه بعض المغاربة فَقَالَ
(هددت بالسلطان فِيك وَإِنَّمَا ... أخْشَى صدودك لَا من السُّلْطَان)
(أجد اللذاذة فِي الملام فَلَو درى ... أَخذ الرشا مني الدي يلحاني)
وَخَالفهُ أَبُو الطّيب فَقَالَ
(أأحبه وَأحب فِيهِ ملامة ... إِن الْمَلَامَة فِيهِ من أعدايه)
وَلأبي الشيص أَيْضا
(لَا تنكري صدي وَلَا إعراضي ... لَيْسَ الْمقل عَن الزَّمَان براض)
(شَيْئَانِ لَا تصبو النِّسَاء إِلَيْهِمَا ... حلي المشيب وحلة الانفاض)(3/246)
(حسر المشيب قناعه عَن رَأسه ... فرمينه بالصد والإعراض)
(ولربما جعلت محَاسِن وَجهه ... لجفونها غَرضا من الْأَغْرَاض)
ابْن دِرْهَم الْأَسدي مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن دِرْهَم أَبُو أَحْمد الْأَسدي مَوْلَاهُم الْكُوفِي الْجبَال قَالَ الْعجلِيّ كُوفِي ثِقَة يتشيع وَقَالَ أَبُو حَاتِم حَافظ للْحَدِيث عَابِد مُجْتَهد لَهُ أَوْهَام توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة ثلث وماتين ورى عَنهُ الْجَمَاعَة
الأنسي قَاضِي بَغْدَاد مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ الأنسي لِأَنَّهُ من ولد أنس بن مَالك)
قَاضِي الْبَصْرَة زمن الرشيد ثمَّ بَغْدَاد بعد الْعَوْفِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ وورى الْجَمَاعَة عَن رجل عَنهُ وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن معِين وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره غلب عَلَيْهِ الرَّأْي وَلم يكن عِنْدهم من فرسَان الحَدِيث وَتُوفِّي سنو خمس عشرَة ماتين وَمَات بِالْبَصْرَةِ وَله نَيف وَتسْعُونَ سنة وَجه إِلَيْهِ الْمَأْمُون خمسين ألف دِرْهَم وَقَالَ اقسمها بِالْبَصْرَةِ بَين الْفُقَهَاء وَكَانَ هِلَال بن مُسلم يتَكَلَّم على أَصْحَابه والأنصاري يتَكَلَّم على أَصْحَابه فَقَالَ هِلَال هِيَ لي ولأصحابي وَقَالَ الْأنْصَارِيّ كَذَلِك فَلَمَّا اخْتلفَا قَالَ الْأنْصَارِيّ لهِلَال كَيفَ تتشهد فَقَالَ أَو مثلي يسْأَل عَن التَّشَهُّد فَتشهد على حَدِيث ابْن مَسْعُود فَقَالَ الْأنْصَارِيّ من حَدثَك بِهَذَا وَمن أَيْن ثَبت عنْدك فَسكت فَقَالَ الْأنْصَارِيّ أَنْت تصلي كل يَوْم وَلَيْلَة خمس صلوَات مُنْذُ سِنِين وَلَا تَدْرِي من رَوَاهُ عَن نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد باعد الله بَيْنك وَبَين الْفِقْه وَقسمهَا الْأنْصَارِيّ فِي أَصْحَابه
ابْن نمير الخارفي مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير الْهَمدَانِي الخارفي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف رَاء وَبعدهَا فَاء الْكُوفِي الْحَافِظ أحد الْأَعْلَام روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وروى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِوَاسِطَة وَبَقِي بن مُجَلد وَأَبُو زرْعَة وَغَيرهم وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل هُوَ درة الْعرَاق قَالَ أَبُو حَاتِم ثقو يحْتَج بحَديثه وَقَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة مَأْمُون وَله كَلَام فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مَاتَ فِي شعْبَان أَو شهر رَمَضَان سنة أَربع وثلثين وماتين(3/247)
ابْن عمار الْموصِلِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمَّا رالحافظ الْموصِلِي روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ثِقَة صَاحب حَدِيث توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وماتين
مُحَمَّد بن عبد لله بن طَاهِر بن الْحُسَيْن بن مُصعب الْخُزَاعِيّ الْخُرَاسَانِي الْأَمِير أَبُو الْعَبَّاس كَانَ جواداً ممدحاً أديباً شَاعِرًا مألفاً لأهل الْفضل وَالْأَدب من بَيت الْأَدَب والإمرة والتقدم ولاه المتَوَكل على بَغْدَاد وَعظم سُلْطَانه وَفِي دولة المعتز إِلَى أَن مرض بالخوانيق وَمَات سنة ثلث وَخمسين وماتين وَكَانَ أعرج أسْند الحَدِيث وروى الْأَشْعَار كتب إِلَى جَارِيَة لَهُ
(مَاذَا تَقُولِينَ فِيمَن شقَّه سقم ... من شهد حبك حَتَّى صَار حيرانا)
فأجابته
(إِذا رَأينَا محباً قد أضرّ بِهِ ... جهد الصبابة أوليناه إحسانا)
وَمن شعره)
(أواصل من هويت على خلال ... أذود بِهن ليات الْمقَال)
(وَفَاء لَا يحول بِهِ انتكاث ... وود لَا تخونه اللَّيَالِي)
(واحفظ سره والغيب مِنْهُ ... وأرعى عَهده فِي كل حَال)
(وأوثره على عسر وَيسر ... وَينفذ حكمه فِي سر مَالِي)
(واغفر نبوة الإدلال مِنْهُ ... إِذا مَا لم يكن غير الدَّلال)
(وَمَا أَنا بالملول وَلَا التجني ... وَلَا الْغدر المذمم من فعالي)
وَقَالَ فِي الأترج
(جسم لجين قَمِيصه ذهب ... ركب فِيهِ بديع تركيب)
(فِيهِ لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح مَحْبُوب)
أَبُو الْبَرْق مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْبَرْق المدايني مولى خثعم بلغ سناًعالية يُقَال إِنَّه تجَاوز الماية كَانَ يتشيع قَالَ وَبِه تمثل الْمَأْمُون
(بعدا وَسُحْقًا لَك من أمة ... لم تنكر الْمُنكر فِي وقته)
(أرجوا عليا وَأتوا غَيره ... وقلدوه الْأَمر عَن بَيته)(3/248)
مولى بني أُميَّة مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ مولى لبني أُميَّة شَامي قَالَ دعبل لَهُ أشعار كثية جِيَاد وَهُوَ القايل
(عَاشر النَّاس بالجمي ... ل وسدد وقارب)
(واحترس من أَذَى الكرا ... م وجد بالمواهب)
(لَا يسود الْجَمِيع من ... لم يقم بالنوايب)
(ويحوط الْأَذَى وير ... عى ذمام الْأَقْرَب)
(لَا تواصل إِلَّا الشري ... ف الْكَرِيم المناصب)
(من لَهُ خير شَاهد ... وَله خير غايب)
(واجتنب وصل كل وغ ... د دنى المكاسب)
(أَنا للشر كَارِه ... وَله غير هايب)
المخرمي قَاضِي حلوان مُحَمَّد بن عبد الله المخرمي أَبُو جَعْفَر الْقرشِي مَوْلَاهُم قَاضِي حلوان الْحَافِظ روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره ثِقَة توفّي سنة أَربع)
وَخمسين وماتين
ابْن أخي الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم ابْن أخي الزُّهْرِيّ روى لَهُ الْجَمَاعَة وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِالْقَوِيّ قَتله غلمانه لأجل الْمِيرَاث ثمَّ قتلوا سنة سبع وَخمسين وماية انْفَرد عَن الزُّهْرِيّ بثلثة أَحَادِيث
القَاضِي الْجَزرِي ابْن علاثة مُحَمَّد بن عبد الله بن علاثة القَاضِي الْجَزرِي من كبار الْعلمَاء قَالَ ابْن معِين ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ ابْن عدي أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ ابْن حَيَّان يروي الموضعات روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وماية قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة كَانَ يُقَال لَهُ قَاضِي الْجِنّ لِأَن بِئْرا كَانَت بَين حران وَقصر مسلمة بن عبد الْملك م ن شرب مِنْهَا خبطته الْجِنّ فجَاء فَوقف عَلَيْهَا وَقَالَ أَيهَا الْجِنّ إِنَّا قد قضينا بَيْنكُم وَبَين الْأنس لَهُم النَّهَار وَلكم اللَّيْل وَكَانَ الرجل إِذا استقى مِنْهَا نَهَارا لم يصبهُ شَيْء أسْند عَن عَبدة بن أبي لبَابَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهمَا ووى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره
الراقشي العابد مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْملك أَبُو عبد الله الرقاشِي(3/249)
العابد كَانَ يُصَلِّي كل يَوْم وَلَيْلَة أَربع ماية رَكْعَة سمع مَالك بن أنس وَغَيره وروى عَنهُ ابْن أَبُو قلَابَة وَغَيره وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ أَعنِي مُحَمَّدًا وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وماتين
ابْن قهزاذ مُحَمَّد بن عبد الله بن قهزاذ الْمروزِي بِالْقَافِ المضمومة وَالْهَاء الساكنة وَالزَّاي وَبعد الْألف ذال مُعْجمَة روى عَنهُ مُسلم توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وماتين
ابْن الْمُسْتَوْرد مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُسْتَوْرد الْحَافِظ الْبَغْدَادِيّ أَبُو بكر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وماتين
ابْن مَيْمُون مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون الْبَغْدَادِيّ الاسكندراني روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم ثِقَة صَدُوق توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وماتين
الأخيطل الْأَهْوَازِي مُحَمَّد بن عبد الله بن شُعَيْب مولى بني مَخْزُوم يكنى أَبَا بكر من أهل الأهواز قدم بَغْدَاد ومدح مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر وَهُوَ ظريف مليح الشّعْر يسْلك طَرِيق أبي تَمام وَغَيره كَانَ يهاجي الحمدوني وَهُوَ القايل فِي الشَّقِيق
(هذي الشقايق قد أَبْصرت حمرتها ... مَعَ السوَاد على أعناقها الذلل)
(كَأَنَّهَا دمعة قد غسلت كحلاً ... جَادَتْ بهَا وَقْفَة فِي وجنتي خجل)
)
وَله أَيْضا
(أسمعت أذن رجائي نَغمَة النعم ... فأرعني أذنا أمرجك فِي كلمي)
(رياض شعر إِذا مَا الْفِكر أمطرها ... فهما تروى لَهَا لب الْفَتى الْفَهم)
(فَمَا اقْترب الْهوى من عاشق دنف ... ألذ من مَاء شعر جال فِي كرم)
وَقَالَ فِي مصلوب وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة ابْن بَقِيَّة الْوَزير
(كَأَنَّهُ عاشق قد مد صفحته ... يَوْم الْفِرَاق إِلَى توديع مرتحل)
(أَو قايم من نُعَاس فِيهِ لوثته ... مواصل لتمطيه من الكسل)
الْأَبْهَرِيّ الْمَالِكِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن صَالح أَبُو بك التَّمِيمِي الْأَبْهَرِيّ القَاضِي شيخ الْمَالِكِيَّة الْعِرَاقِيّين فِي عصره سمع وروى وصنف فِي مذْهبه قَالَ القَاضِي(3/250)
عِيَاض لَهُ فِي شرح الْمَذْهَب تصانيف ورد عل المخالفي توفّي سنة خمس وَسبعين وَثلث ماية
ابْن شَاذان الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن شَاذان أَبُو بكر الرَّازِيّ الْوَاعِظ وَالِد الْمُحدث أبي مَسْعُود أَحْمد بن مُحَمَّد الْعجلِيّ تتبع أَلْفَاظ الصُّوفِيَّة وَجمع مِنْهَا كثيرا وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وَثلث ماية
ابْن سكرة الْهَاشِمِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْهَاشِمِي ابْن سكرة الأديب بغدادي من ذُرِّيَّة الْمَنْصُور كَانَ متسع الباع فِي أَنْوَاع الْأَدَب فايق الشّعْر لَا سِيمَا فِي المجون والسخف كَانَ يُقَال بِبَغْدَاد إِن زَمَانا جاد بِمثل ابْن حجاج وَابْن سكرة لسخي جدا وَقد شبها بالفرزدق وَجَرِير وَقيل إِن ديوانه يربى على خمسين ألف بَيت شعر كتب إِلَى ابْن العصب الْأُشْنَانِي الْبَغْدَادِيّ
(يَا صديقا أفادنيه زمانٌ ... فِيهِ ضيقٌ بالأصدقاء وشُحُّ)
(بَين شخصي وَبَين شخصك بُعْدٌ ... غيرَ أنَّ الخيالَ بالوصلِ سمحُ)
(إِنَّمَا أوجب التباعد منّا ... أنني سُكَّرٌ وَأَنَّك ملح)
فَكتب الْجَواب إِلَيْهِ
(هَل يَقُول الإخوان يَوْمًا لخلٍّ ... شابَ منهُ مَحْض الْمَوَدَّة قدح)
(بَيْننَا سكر فَلَا تفسدنه ... أم يَقُولُونَ بَيْننَا ويك ملح)
وَقَالَ ابْن سكرة)
(تهت علينا وَلست فِينَا ... ولي عهد وَلَا خليفه)
(فَلَا تقل لَيْسَ فِي عيب ... قد تقذف الْحرَّة العفيفه)
(وَالشعر نَار بِلَا دُخان ... وللقوافي رقى لطيفه)
(كم من ثقيل الْمحل سَام ... هوت بِهِ أحرف خفيفه)
(لَو هجي الْمسك وَهُوَ أهل ... لكل مدح لصار جيفه)
(فته وزد مَا عَليّ جَار ... يقطع عني وَلَا وظيفه)
وَقَالَ
(قيل مَا أَعدَدْت للبر ... د فقد جَاءَ بشده)
(قلت دراهة عري ... تحتهَا جُبَّة رعده)
وينسب إِلَيْهِ وَهُوَ لطيف جدا(3/251)
(نزلتي بِاللَّه زولي ... وانزلي غير لهاتي)
(واتركي حلقي بحقي ... فَهُوَ دهليز حَياتِي)
وَله البيتان المشهوران اللَّذَان بنى الحريري عَلَيْهِمَا المقامات الكرجية وهما
(جَاءَ الشتَاء وَعِنْدِي من حوايجه ... سبع إِذا الْقطر عَن حاجاتنا حبسا)
(كن وكيس وكانون وكأس طلا ... بعد الكباب وكس ناعم وكسا)
وَقد اشْتهر كثيرا ونظم النَّاس على هَذَا الأسلوب كثيرا لما قَرَأت المقامات الحريرية على الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أبي الثَّنَاء مَحْمُود الْكَاتِب الْحلَبِي رَحمَه الله ووصلت إِلَى بَيْتِي ابْن سكرة أَنْشدني لبَعْضهِم مواليا
(لقيتها قلت وقيتي من الْآفَات ... بِاللَّه ارحمي صبك المضنى والامات)
(قَالَت تُرِيدُ بحدوثه وخرافات ... تنصب علينا وَتَأْخُذ سادس الكافات)
ثمَّ إِنَّه التفتف إل الْحَاضِرين وَقَالَ هَل فِيكُم من يحفظ من نوع بَيْتِي ابْن سكرة شَيْئا فَأَنْشد بعد الْحَاضِرين قَول ابْن التعاويذي
(إِذا اجْتمعت فِي مجْلِس الشّرْب سَبْعَة ... فبادر فَمَا التَّأْخِير عَنهُ صَوَاب)
(شواء وشمام وَشهد وشادن ... وشمع وشاد مطرب وشراب)
وَسكت الْجَمَاعَة فَأَنْشَدته لِابْنِ قزل)
(عجل إِلَيّ فعندي سَبْعَة كملت ... وَلَيْسَ فِيهَا من اللَّذَّات إعواز)
(طَال وطبل وطنبور وطاس طلا ... وطفلة وطباهيج وطناز)
وأنشدته لَهُ أَيْضا
(جَاءَ الخريف وَعِنْدِي من حوايجه ... سبع بِهن قوام السّمع وَالْبَصَر)
(موز ومز ومحبوب ومايدة ... ومسمع ومدام طيب ومري)
وأنشدته أَيْضا قَول الآخر
(رمتنا يَد الْأَيَّام عَن قَوس خطبهَا ... بِسبع وَهل نَاجٍ من السَّبع سَالم)
(غلاء وغازان وغزو وغربة ... وغم وغدر ثمَّ غين ملازم)(3/252)
فأعجبه ذَلِك علقه ثمَّ إِنَّه قَالَ إِلَّا أَن من خَاصَّة هَذَا النوعأنه لَا بُد أَن يكون بعض السَّبْعَة مَوْصُوفا ليقوم الْوَزْن بذلك فاستقريت مَا أحفظه فَكَانَ كَذَلِك وَالْعلَّة فِي هَذَا أَنَّهَا سَبْعَة أَلْفَاظ وَيُرِيد النَّاظِم أَن يَأْتِي بهَا فِي بَيت وَاحِد فيضطره الْوَزْن إِلَى زِيَادَة لَفْظَة ليَكُون كل أَرْبَعَة فِي نصف وَبَقِي هَذَا الْكَلَام فِي ذهني وَلم أكن إِذْ ذَاك مشتغلاً بِغَيْر التَّحْصِيل وَالْقِرَاءَة والمطالعة إِلَى أَن اشتغلت بِبَعْض الْعلم فَأَرَدْت امتحان الخاطر المخاطر بنظم شَيْء فِي هَذِه الْمَادَّة بِحَيْثُ أَن يكون سَبْعَة أَلْفَاظ بِغَيْر زِيَادَة وصف فاتفق لي أَن قلت
(إِذا تيَسّر لي فِي مصر وَاجْتمعت ... سبع فَإِنِّي فِي اللَّذَّات سُلْطَان)
(خود وخمر وخاتون وخادمها ... وخلسة وخلاعات وخلان)
وَقلت أَيْضا
(إِن قدر الله لي فِي الْعُمر وَاجْتمعت ... سبع فَمَا أنافي أَنا فِي اللَّذَّات مغبون)
(قصر وَقدر وقواد وقحبته ... وقهوة وقناديل وقانون)
وَقلت أَيْضا فِي الْجمع بَين ثَمَانِيَة
(ثَمَانِيَة إِن يمسح الدَّهْر لي بهَا ... فَمَالِي عَلَيْهِ بعد ذَلِك مَطْلُوب)
(مقَام ومشروب ومزح ومأكل ... ومله ومشموم وَمَال ومحبوب)
وَقلت أَيْضا
(إِلَى مَتى أَنا لَا أَنْفك فِي بلد ... رهين جيمات جور كلهَا عطب)
(الْجُوع والجري وَالْجِيرَان والجدري ... وَالْجهل والجبن والجرذان والجرب)
)
وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا النَّوْع كثير وَلَكِن خفت تَطْوِيل هَذِه التَّرْجَمَة بايراد مَا يحضرني فِي ذَلِك فأخرت كل شَيْء أعرفهُ ليرد فِي تَرْجَمَة قايله توفّي ابْن سكرة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثلث ماية
الْحَاجِب الْملك الْمَنْصُور الأندلسي مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَامر مُحَمَّد بن الْوَلِيد القحطاني الْمعَافِرِي الأندلسي الْحَاجِب الْملك الْمَنْصُور أَبُو مَنْصُور كَانَ مُدبر دولة الْمُؤَيد بِاللَّه هِشَام بن الْمُسْتَنْصر الْأمَوِي عمد أول تغلبه إِلَى خزاين كتب الْمُسْتَنْصر فأبرز مَا فِيهَا من صنوف التواليف بِمحضر خواصه الْعلمَاء وأمرا بإفراد مَا فِيهَا من كتب الأوايل حاشى كتب الطِّبّ والحساب وَأمر باحراقها وأحرقت وطم بَعْضهَا وَكنت كَثِيرَة جدا فعل ذَلِك تحبباً إِلَى الْعَوام وتقبيحاً لرأي الْمُسْتَنْصر غزا مَا لم يغزه أحد الْمُلُوك وَفتح كثيرا وَكَانَ الْمُؤَيد مَعَه صُورَة ودانت لَهُ الأندلس وَكَانَ إِذا حضر من غَزْوَة نفض غباره وَجمعه وَأمر عِنْد مَوته أَن يذر مَا جمع على كَفنه وَتُوفِّي مبطوناً بِمَدِينَة سَالم سنة ثلث وَتِسْعين وَثلث ماية وللشعراء فِيهِ أمداح(3/253)
كَثِيرَة وَكَانَ رُبمَا صلى الْعِيد فَحدثت لَهُ نِيَّة فِي الْغَزْو فَلم يرجع إِلَى الْقصر وَسَار لوجهته على الْفَوْر وأصابه النقرس فَكَانَ يَغْزُو فِي محفة وَكَانَ مجدوداً فِي الحروب غزا إِحْدَى وَخمسين غَزْوَة قَالَ صَاحب الريعان وَالريحَان وَالروم تعظم قَبره إِلَى الْيَوْم وَكَانَت مدَّته سِتا وَعشْرين سنة وَولى بعده ابْنه عبد الْملك بن مُحَمَّد والحاجب مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَامر الْمَذْكُور هُوَ الَّذِي فرق شَمل القبايل بالأندلس وَدون الدَّوَاوِين للمرتزقة من الْجنُود وألزم النَّاس المعاون دون الحركات على قدر غلاتهم فَصَارَ الْعَرَب وأصناف النَّاس رعية وَإِنَّمَا كَانَ النَّاس من قبل هَذَا يجاهدون فِي قبايلهم وعَلى أَمْوَالهم وحرك الأنفة بينالمضرية واليمانية وَاسْتظْهر بالبربر والموالي وَكَانَ مبلغ المرتزقين فِي ديوانه اثنى عشر ألف فَارس وَأَرْبع ماية ثلث من الْعَرَب وَثلث من البربر وَثلث من الموَالِي لكَي لَا يتألف على خِلَافه صنف فيستظهر بالصنفين على مخالفيه وَكَانَ حزر الْمُطوِّعين مَعَه من أهل الأندلس اثْنَيْنِ وَعشْرين ألف فَارس وَملك من العدوة إِلَى سجلماسة وَبني مَدِينَة الزاهرة بشرقي قرطبة على النَّهر الْأَعْظَم محاكياً للزهراء وَبني قنطرة رشنشاقة على النَّهر الْأَعْظَم محاكياً للجسر الْأَكْبَر بقرطبة وَزَاد فِي الْجَامِع مثلَيْهِ
ابْن المستكفي بِاللَّه مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد هَارُون بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو الْحسن ابْن)
المستكفي بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن المكتفي ابْن المعتضد ابْن الْأَمِير الْمُوفق ابْن المتَوَكل ابْن المعتصم ابْن الرشيد ابْن الْمهْدي ابْن الْمَنْصُور فَارق أَبُو الْحسن هَذَا بَغْدَاد لما خلع وَالِده وسملت عَيناهُ وهرب فَدخل الشَّام ومصر وَأقَام هُنَاكَ ذكر ثَابت بن سِنَان الصَّابِئ أَن مُحَمَّد بن المستكفي كَانَ عِنْد كافور الأخشيذي فلاذ بِهِ جمَاعَة وأطمعوه فِي الْخلَافَة وَقَالُوا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمهْدي من بعدِي اسْمه أسمى وَاسم أَبِيه اسْم أبي وَأَنت إِن عدت إِلَى بَغْدَاد بَايع لَك الديلم بالخلافة فَدَخلَهَا سرا وَبَايَعَهُ جمَاعَة من الديلم سنة سبع وَخمسين وَثلث ماية فَاطلع الْملك عز الدولة بختيار ابْن معز الدولة على ذَلِك وَكَانَ قد قَالَ إِن وَالِدي كَانَ نصبني فِي الْخلَافَة بعده وَكتب اسْمِي على الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَصَحبه خلق من أهل بَغْدَاد مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم اسماعيل بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بزنجي وترتب لَهُ وزيراً فَأمر عز الدولة بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَنفذ إِلَى دَار الْخلَافَة فجدع أَنفه وَقطعت شفته الْعليا وشحمتا أُذُنَيْهِ وَحبس فِي دَار الْخلَافَة وَكَانَ مَعَه أَخُوهُ عَليّ وأنهما هربا من دَار الْخلَافَة فِي يَوْم عيد واختلطا بِالنَّاسِ مضيا فَلم يعلم لَهما خبر إِلَى هَذِه الْغَايَة قَالَ ابْن النجار وَلما هرب قصد خُرَاسَان وَدخل مَا وَرَاء النَّهر وَسمع الحَدِيث ببخارا من أبي حَاتِم البستي سنة تسع وَسِتِّينَ وَثلث ماية وَكَانَ قد اجْتمع بالمتنبي فِي مصر وروى عَنهُ شَيْئا من شعره قَالَ أَنْشدني المتنبئ لنَفسِهِ(3/254)
(لاعبت بالخاتم إنسانة ... كَمثل بدر فِي الدجا الفاحم)
(فَكلما حاولت أخذي لَهُ ... من البنان المترف الناعم)
(ألقته فِي فِيهَا فَقلت انْظُرُوا ... قد خبت الْخَاتم فِي الْخَاتم)
أَبُو الدبس ابْن السفاح مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو عبد الله بن أبي الْعَبَّاس السفاح ذكر الصولي أَن أمه أم سَلمَة بنت يَعْقُوب بن سَلمَة بن عبد الله بنالمغيرة المَخْزُومِي ولد بِأَرْض البلقاء من أَعمال دمشق وَخرج مَعَ أَبِيه السفاح إِلَى الْكُوفَة وولاه عَمه الْمَنْصُور الْبَصْرَة وَكَانَ كثير الطّيب يمْلَأ لحيته بالغالية إِذا ركب فلقبوه أَبَا الدبس لِأَنَّهُ لما قدم الْبَصْرَة كَانَ فِي يَوْم صايف فَصَعدَ الْمِنْبَر وخطب ولحيته تقطر على قبايه كَأَنَّهُ دوشاب توفّي بِبَغْدَاد سنة تسع وَأَرْبَعين وماية وَمن شعره
(أيا وقْعَة الْبَين مَاذَا شببت ... من النَّار فِي كبد المغرم)
(رميت جوانحه إِذْ رميت ... بقوس مسددة الأسهم)
)
(وقفنا لِزَيْنَب يَوْم الْوَدَاع ... على مثل جمر الغضا المضرم)
(فَمن صرف دمع جرى للفراق ... وممتزج بعده بِالدَّمِ)
أَبُو الْحسن ابْن الْمُهْتَدي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه أَبُو الْحسن ابْن أبي جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ من بَيت مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ وَالرِّوَايَة والخطابة والتقدم سمع الحَدِيث قَالَ ابْن النجار كتبت عَنهُ وَهُوَ متأدب من أهل الْفضل لَهُ شعر مطبوع وأخلاقه حَسَنَة وَفِيه كيس وتودد وتواضع توفّي سنة أَرْبَعِينَ وست ماية وَمن شعره
(لن لأعاديك إِذا مَا بغوا ... ودارهم مَا اسطعت أوداجهم)
(فَإِن تمكنت فرويهم ... يَا ذَا النهى من دم أَو داجهم)
ابْن عبد كَانَ الْكَاتِب مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مودود الْمَعْرُوف بِابْن عبد كَانَ أَبُو جَعْفَر الْكَاتِب المنشئ صَاحب الرسايل الْمُدَوَّنَة فِي عشر مجلدات توفّي سنة سبعين وماتين وَكَانَ على المكاتبات والترسل مُنْذُ أَيَّام أَحْمد بن طولون ومكاتباته وأجوبته مَوْجُودَة إِلَى آخر أَيَّام أبي الْجَيْش خمارويه بن أَحْمد وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقسم كَانَ أول أَمر ابْن عبد كَانَ أَنه ولى الْبَرِيد بِدِمَشْق وحمص ثمَّ صَار كَاتب أبي الْجَيْش خمارويه بن أَحْمد وَمن رِسَالَة كتبهَا إِلَى أَحْمد بن الْمُدبر
(لم يبْق غَيْرك من يخْشَى ويرتقب ... وَلَا يُرْجَى إِذا مَا نابت النوب)
(لَوْلَا قيامك بالدنيا تدبرها ... يَا ابْن الْمُدبر لاستهوى بهَا العطب)(3/255)
(دَانَتْ لَك الأَرْض أولاها وَآخِرهَا ... فالقرب متسق والبعد مقترب)
(إِن الْخلَافَة إِن أثبت عَلَيْك فَمَا ... أوليتها فلهَا تنأى وتقترب)
(تذود عَنْهَا وتحمي مَا حمته وَلَا ... يشوب جدك فِي توقيرها لعب)
(مَا إِن تَدور رحى للحرب تعرفها ... إِلَّا وَأَنت لَهَا فِي دورها القطب)
وَهِي أَكثر من هَذَا وَمِمَّا كتبه إِلَى أبي بكر بن أَيمن
(إِذا كنت عِنْد الْجد فِي الْجد عُمْدَة ... وَلَا أَنْت عِنْد الْهزْل تصلح للهزل)
(فَمَاذَا علينا أَن تكون حِجَارَة ... من الأَرْض لَا تندى بوبل وَلَا هطل)
الأودني الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن نصير بن وَرْقَاء أَو ورقة الأودني بِضَم الْهمزَة وَقيل بِفَتْحِهَا وأودن قَرْيَة من بخارا كَانَ إِمَام الشَّافِعِيَّة بِمَا وَرَاء النَّهر فِي زَمَانه وَكَانَ)
من أزهد الْفُقَهَاء يبكي على تَقْصِيره وَمن أعبدهم وأورعهم وَله وَجه فيالمذهب وَمن غرايب وجوهه أَن الرِّبَا حرَام فِي كل شَيْء فَلَا يجوز بيع مَال بِجِنْسِهِ مُطلقًا وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وَدفن بكلاباذ وَذكره صَاحب الْوَسِيط فِي مَوَاضِع عديدة
الْحَافِظ الجوزقي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الْحَافِظ أَبُو بكر الشَّيْبَانِيّ الجوزقي بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة وَالْوَاو الساكنة وَالزَّاي الْمَفْتُوحَة وَبعدهَا قَاف شيخ نيسابور وَابْن محدثها صنف الْمسند الصَّحِيح على كتاب مُسلم قَالَ الْحَاكِم وانتقيت لَهُ فوايد فِي عشْرين جُزْءا ثمَّ بعْدهَا ظهر سَمَاعه من السراح توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وجوزق قَرْيَة من قرى نيسابور
ابْن دِينَار الْفَقِيه الزَّاهِد مُحَمَّد بن عبد الله بن دِينَار أَبُو عبد الله الْفَقِيه الزَّاهِد النَّيْسَابُورِي رغب عَن الْفَتْوَى لاشتغاله بِالْعبَادَة كَانَ يحجّ دايماً وَيعود وَتُوفِّي عِنْد مُنْصَرفه من الْحَج سنة ثمن وثلثين وَثلث ماية وَدفن عِنْد قبر أبي حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى
الصفار الْخُرَاسَانِي الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو عبد الله الصفار مُحدث عصره بخراسان أَقَامَ أَرْبَعِينَ سنة لم يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء حَيَاء من الله وَكَانَ يَقُول(3/256)
اسْمِي اسْم رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسم أبي اسْم أَبِيه وَاسم أُمِّي آمِنَة توفّي سنة تسع وثلثين وَثلث ماية فِي ذِي الْقعدَة
ابْن حمشاذ الزَّاهِد مُحَمَّد بن عبد الله بن حمشاذ أَبُو مَنْصُور النَّيْسَابُورِي الزَّاهِد أحد الْأَعْلَام تخرج بِهِ جمَاعَة وَسمع وروى وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثلث ماية
السلَامِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الْقرشِي المَخْزُومِي السلَامِي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَاللَّام المخففة نِسْبَة إِلَى دَار السَّلَام نَشأ بِبَغْدَاد وَلَقي جمَاعَة بالموصل من الأدباء مِنْهُم الببغا وَأَبُو عُثْمَان الخالدي وَأَبُو الْحسن التلعفري وأعجبهتهم براعته على حَدَاثَة سنة وَبَالغ الصاحب فِي إكرامه لما قَصده وَكَانَ يَقُول إِذا رَأَيْته فِي مجلسي ظننته عُطَارِد نزل من الْفلك ووقف بَين يَدي توفّي السلَامِي فِي جُمَادَى الأولى سنة ثلث وَتِسْعين وَثلث ماية وَولد فِي كرخ بَغْدَاد سنة سِتّ وثلثين وَهُوَ من ولد الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أخي خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ الثعالبي هُوَ من أشعر أهل الْعرَاق قولا بالاطلاق وَأول شعر قَالَه فِي الْمكتب
(بدايع الْحسن فِيهِ مفترقه ... وأعين النَّاس فِيهِ متفقه)
)
(سِهَام ألحاظه مفوقة ... فَكل من رام لَحْظَة رشقه)
(قد كت بالْحسنِ فَوق وجنته ... هَذَا مليح وَحقّ من خلقه)
اتهمه الْجَمَاعَة المذكورون أَولا فِي تَرْجَمته لحداثة سنه فِيمَا ينشدهم فَصنعَ الخالدي دَعْوَة للشعراء وَفِيهِمْ السلَامِي فَلم يَلْبَثُوا أَن جَاءَ مطر شَدِيد وَبرد حَتَّى غطى وَجه الأَرْض فَألْقى الخالدي نارنجاً كَانَ هُنَاكَ وَقَالَ صفوا هَذَا فَقَالَ السلَامِي ارتجالاً
(لله در الخالدي ... الأوحد النّدب الخطير)
(أهْدى لماء المزن عَنَّا ... د جموده نَار السعير)
(لَا تعذلوه فَإِنَّمَا ... بعث الخدود إِلَى الثغور)
فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك مِنْهُ أَمْسكُوا عَنهُ إِلَّا التلعفوي فَإِنَّهُ أَقَامَ على قَوْله فِيهِ حَتَّى قَالَ السلَامِي فِيهِ
(سما التلعفري إِلَى وصالي ... وَنَفس الْكَلْب تكبر عَن وصاله)
(يُنَافِي خلقه خلقي وتأبى ... فعالي أَن تُضَاف إِلَى فعاله)
(فصنعتي النفسية فِي لساني ... وصنعته الخسيسة فِي قذاله)(3/257)
(فَإِن أشعر فَمَا هُوَ من رجالي ... وَإِن يصفع فَمَا أَنا من رِجَاله)
وَله فِيهِ أهاجي كَثِيرَة ومدح الصاحب ابْن عباد وَهُوَ بأصبهان بقصيدته البائية الَّتِي مِنْهَا
(تبسطنا على الآثام لما ... رَأينَا الْعَفو من ثَمَر الذُّنُوب)
ومدح عضد الدولة ابْن بويه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا
(إِلَيْك طوى عرض البسيطة عَاجل ... قصارى المطايا أَن يلوح لَهَا الْقصر)
(فَكنت وعزمي فِي الظلام وصارمي ... ثلثة أَشْيَاء كَمَا اجْتمع النسْر)
(وبشرت آمالي بِملك هُوَ الوارى ... وَدَار فِي الدُّنْيَا وَيَوْم هُوَ الدَّهْر)
وَمثله قَول أبي الطّيب
(هِيَ الْغَرَض الْأَقْصَى ورؤيتك المنى ... ومنزلك الدُّنْيَا وَأَنت الخلايق)
وَقَول الأرجاني
(يَا سايلي عَنهُ لما جِئْت أمدحه ... هَذَا هُوَ الرجل العاري من الْعَار)
(لَقيته فَرَأَيْت النَّاس فِي رجلٍ ... والدهر فِي سَاعَة وَالْأَرْض فِي دَار)
والسلامي فِي هَذَا الْمَعْنى فِي الطَّبَقَة الأولى حسنا والأرجاني فِي الْوُسْطَى وأبى الطّيب فِي)
السافلة مَعَ نقص الْمَعْنى وَرَأَيْت جمَاعَة من الأفاضل ينشدون قَول السلَامِي فَكنت وعزمي والظلام وصارمي الْبَيْت فَأَقُول لَهُ فِي الظلام فَيَقُول والظلام فَأَقُول فَيكون الْمَعْدُود أَرْبَعَة وَقد قَالَ ثلثة أَشْيَاء فَمنهمْ من يَهْتَدِي إِلَى الصَّوَاب وَمِنْهُم من لم يهتد ويصر على الْخَطَأ وَمن غرر شعره قَوْله
(نبهت نَدْمَانِي وَقد ... عبرت بِنَا الشعرى العبور)
(والبدر فِي أفق السما ... ء كروضة فِيهَا غَدِير)
(هبوا فقد عيي الرقي ... ب ونام وانتبه السرُور)
(وَأَشَارَ إِبْلِيس فَقل ... نَا كلنا نعم المشير)
(صرعى بمعركة يع ... فى الْوَحْش عَنْهَا والنسور)
(نوار روضتنا خدو ... د والغصون بهَا خصور)
(طَاف السقاة بهَا كَمَا ... أَهْدَت لَك الصَّيْد الصقور)
(عذراء يكتمها المزا ... ج كَأَنَّهَا فِيهِ ضمير)
(ويظن تَحت حبابها ... خد تقبله ثغور)(3/258)
(حَتَّى سجدنا والإما ... م أمامنا بِمَ وَزِير)
ابْن اللبان الفرضي مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن أَبُو الْحُسَيْن ابْن اللبان الْبَصْرِيّ الفرضي الْعَلامَة حدث بسنن أبي دَاوُد وسمعها من الْمَذْكُور أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَثَّقَهُ الْخَطِيب وَقَالَ انْتهى إِلَيْهِ علم الفرايض وصنف فِيهِ كتبا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبع ماية
الهرواني الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن يحيى بن حَاتِم الْجعْفِيّ القَاضِي أَبُو عبد الله الْكُوفِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالهرواني أحد الأيمة الْأَعْلَام يفنى بِمذهب أبي حنيفَة حدث بِبَغْدَاد ووثقة الْخَطِيب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبع ماية
الْحَاكِم ابْن البيع مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن نعيم بن الحكم الضَّبِّيّ الطهماني النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم الْمَعْرُوف بِابْن البيع صَاحب التصانيف فِي عُلُوم الحَدِيث ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى عشْرين وَثلث ماية وَطلب الْعلم من الصغر باعتناء أَبِيه وَأول سَمَاعه سنة ثلثين واستملى على أبي حَاتِم ابْن حبَان سنة أَربع وثلثين وَوصل الْعرَاق سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وانتخب على خلق كثير وجرح وَعدل وَقبل قَوْله فِي ذَلِك)
لسعة علمه ومعرفته بالعلل وَالصَّحِيح والسقيم وتفقه على أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَأبي سهل الصعلوكي وَغَيرهمَا ورحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد وَاتفقَ لَهُ من التصانيف مَا لَعَلَّه يبلغ ألف جُزْء من تَخْرِيج الصَّحِيحَيْنِ والعلل والتراجم والأبواب والشيوخ والمجموعات مثل معرفَة عُلُوم الحَدِيث ومستدرك الصَّحِيحَيْنِ وتاريخ النيسابوريين وَكتاب مزكى الْأَخْبَار والمدخل إِلَى علم الصَّحِيح وَكتاب الأكليل وفضايل الشَّافِعِي إِلَى غير ذَلِك وَتُوفِّي ثامن صفر سنة خمس وَأَرْبع ماية قَالَ يَا قوت قَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي سَأَلت الإِمَام أَبَا إسمعاعيل عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ بهراة عَن أبي عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي فَقَالَ ثِقَة فِي الحَدِيث رَافِضِي خَبِيث قَالَ وَكَانَ الْحَاكِم رَحمَه الله شَدِيد التعصب للشيعة فِي الْبَاطِن وَكَانَ يظْهر التسنن فِي التَّقْدِيم(3/259)
والخلافة وَكَانَ منحرفاً عَن مُعَاوِيه غالياً فِيهِ وَفِي أهل بَيته يتظاهر بِهِ وَلَا يعْتَذر مِنْهُ قَالَ وَسمعت أَبَا الْفَتْح سمكويه الْأَصْبَهَانِيّ بهراة يَقُول سَمِعت عبد الْوَاحِد المليحي يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن السلمى يَقُول دخلت على الْحَاكِم أبي عبد الله وَهُوَ فِي دَاره لَا يُمكنهُ الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد من جِهَة أَصْحَاب أبي عبد الله بن كرام وَذَلِكَ أَنهم كسروا منبره ومنعوه من الْخُرُوج فَقلت لَهُ لَو خرجت وأمليت فِي فضايل هَذَا الرجل حَدِيثا لاسترحت من هَذِه المحنة فَقَالَ لَا يجيئ من قلبِي لَا يَجِيء من قلبِي لَا يجِئ منقلبي قَالَ ابْن طَاهِر وَمن بحث عَن تصانيفه رأى فِيهَا العجايب من هَذَا الْمَعْنى خَاصَّة الْكتاب الَّذِي صنفه وَسَماهُ فِيمَا زعم الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ لَعَلَّ أَكْثَره إِنَّمَا قصد بِهِ ثلب أَقوام ومدح أَقوام وَقَالَ أَبُو سعدالماليني طالعت كتاب الْمُسْتَدْرك على الشَّيْخَيْنِ الَّذِي صنفه الْحَاكِم من أَوله إِلَى آخِره فَلم أر فِيهِ حَدِيثا على شَرطهمَا
ابْن أبي زمنين مُحَمَّد بن عبد الله بن عِيسَى بن مُحَمَّد المري الإِمَام أَبُو عبد الله الإلبيري الْمَعْرُوف بِابْن أبي زمنين بِفَتْح الزَّاي وَالْمِيم وَكسر النُّون نزيل قرطبة سمع وروى كَانَ عَارِفًا بِمذهب مَالك متفنناً فِي الْأَدَب وَالشعر مقتفياً لآثار السّلف لَهُ المقرب فِي اخْتِصَار الْمُدَوَّنَة لَيْسَ فِي مختصراتها مثله وَمُنْتَخب الْأَحْكَام الَّذِي سَار فِي الْآفَاق والوثايق وَالْمذهب فِي الْفِقْه ومختصر تَفْسِير ابْن سَلام وحياة الْقُلُوب فِي الزّهْد وَأنس المريدين والنصايح الْمَنْظُومَة شعره وأدب الْإِسْلَام وأصول السّنة توفّي سنة أَربع ماية أَو مَا قبلهَا
المَسْعُودِيّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مَسْعُود بن أَحْمد المَسْعُودِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي إِمَام فَاضل مبرز من أهل مرو تفقه على أبي بكر الْقفال الْمروزِي وَشرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَأحسن)
فِيهِ وروى قَلِيلا من الحَدِيث عَن أستاذه الْقفال وَحكى الْغَزالِيّ عَنهُ فِي كتاب الْوَسِيط فِي الْإِيمَان فِي الْبَاب الثُّلُث فِيمَا يَقع بِهِ الْحِنْث مَسْأَلَة لَطِيفَة فَقَالَ فرع لَو حلف لَا يَأْكُل بيضًا ثمَّ انْتهى إِلَى رجل فَقَالَ وَالله لآكلن مَا فِي كمك فَإِذا هُوَ بيض فقد سُئِلَ الْقفال عَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ على الْكُرْسِيّ فَلم يحضر الْجَواب فَقَالَ المَسْعُودِيّ تِلْمِيذه يتَّخذ مِنْهُ الناطف ويأكله فَيكون قد أكل مَا فِي كمه وَلم يَأْكُل الْبيض فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ توفّي فِي سنة نَيف وَعشْرين وَأَرْبع ماية ونسبته إِلَى جده
ابْن أبي عَبَايَة مُحَمَّد بن عبد الله بن أبان بن قُرَيْش أَبُو بكر الهيتي الْمَعْرُوف بِابْن أبي عَبَايَة كَانَت أُصُوله كَثِيرَة الْخَطَأ إِلَّا أَنه كَانَ صَالحا مغفلاً مَعْرُوفا بِالْخَيرِ توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبع ماية(3/260)
ابْن الْمعلم العابد مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو الْفرج الدِّمَشْقِي الدِّمَشْقِي العابد الْمَعْرُوف بِابْن الْمعلم الَّذِي بنى كَهْف جِبْرِيل بجبل قاسيون كَانَ مجاب الدعْوَة قَالَ ابْن عَسَاكِر كَانَ قرَابَة لنا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ عشرَة وَأَرْبع ماية
ابْن الدوري مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن أَبُو بكر وَيُقَال أَبُو الْحسن الدِّمَشْقِي النَّحْوِيّ الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن الدوري روى الحَدِيث وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانُوا يَتَّهِمُونَهُ فِي دينه توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبع ماية وَمن شعره
ابْن باكويه الصُّوفِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن باكويه أَبُو عبد الله الشِّيرَازِيّ أحد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة الْكِبَار سمع وَحدث وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبع ماية
ابْن ريذه مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَق بن زِيَاد أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ التَّاجِر الْمَعْرُوف بِابْن ريذه روى عَن الطَّبَرَانِيّ مُعْجَمه الْكَبِير وَالصَّغِير والفتن لنعيم بن حَمَّاد وَطَالَ عمره وَتفرد فِي وقته قَالَ ابْن مندة فِيهِ الثِّقَة الْأمين كَانَ أحد وُجُوه النَّاس حسن الْخط يعرف طرفا من النَّحْو واللغة روى عَنهُ خلق آخِرهم موتا فَاطِمَة الجوزدانية توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبع ماية وريذة بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَبعدهَا هَاء
المظفر بَان الافطس مُحَمَّد بن عبد الله بن مسلمة أَبُو رك التجِيبِي الملقب بالمظفر صَاحب بطليوس يعرف بِابْن الْأَفْطَس كَانَ أديباً جم الْمعرفَة جمَاعَة للكتب لم يكن فِي مُلُوك الأندلس)
من يفوقه فِي ذَلِك وَله التَّذْكِرَة فِي عدَّة فنون تكون فِي خمسين مجلداً توفّي سنة سِتِّينَ وَأَرْبع ماية
ابْن تومرت مُحَمَّد بن عبد الله بن تومرت أَبُو عبد الله الملقب بالمهدي المصمودي الهرغي بالراء الساكنة والغين الْمُعْجَمَة صَاحب دَعْوَة السُّلْطَان عبد الْمُؤمن ملك الغرب لَقِي الْغَزالِيّ والكياء الهراسي وَأَبا بكر الطرطوشي وجاور بِمَكَّة وَحصل طرفا جيدا من الْعلم وَكَانَ ورعاً ناسكاً مهيباً متقشفاً مخشوشناً أماراً بالمعرف كثير الإطراق متعبداً يبتسم إِلَى من لقِيه وَلَا يصحب من الدُّنْيَا إِلَّا عَصا وركوة وَكَانَ شجاعاً جرئاً فصيحاً عَاقِلا بعيد الْغَوْر وَإِذا خَافَ من الْبَطْش بِهِ خلط فِي كَلَامه ليظن أَنه مَجْنُون كَانَ قد رأى فِي مَنَامه أَنه شرب الْبَحْر جَمِيعه كرتين وَمن شعره
(أخذت بأعضادهم إِذْ نأوا ... وخلفك الْقَوْم إِذْ ودعوا)
(فكم أَنْت تنْهى وَلَا تَنْتَهِي ... وَتسمع وعظاً وَلَا تسمع)
(فيا حجر الشحذ حَتَّى مَتى ... تسن الْحَدِيد وَلَا تقطع)(3/261)
قيل إِنَّه رأى فِي الصَّعِيد أَو بِمصْر أَو الْقَاهِرَة سبّ الصَّحَابَة على بعض الْمَسَاجِد مَكْتُوبًا فَقَالَ مَا هَذِه دَار سَلام وَأنْشد
(ذَرْنِي وَأَشْيَاء فِي نَفسِي مخبأة ... لألبسن لَهَا درعاً وجلبابا)
(وَالله لَو ظَفرت كفي ببغيتها ... مَا كنت عَن ضرب أَعْنَاق الورى آبى)
(حَتَّى أطهر هَذَا الدّين من نجس ... وَأوجب الْحق للسادات إِيجَابا)
(وَأَمْلَأُ الأَرْض عدلا بعد مَا ملئت ... جوراً وأفتح لِلْخَيْرَاتِ أبوابا)
وَلما ركب من اسكندرية فِي الْبَحْر مُتَوَجها إِلَى بِلَاد أَخذ يُنكر على أهل السَّفِينَة ويلزمهم بِالصَّلَاةِ والتلاوة وَوصل إِلَى المهدية وصاحبها يحيى بن تَمِيم الصهناجي وقرأوا عَلَيْهِ كتبا فِي الْأُصُول وَكسر أواني الْخُمُور ثمَّ نزح إِلَى بجاية فَأخْرج مِنْهَا إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا ملالة فَوجدَ بهَا عبد الْمُؤمن بن عَليّ الْقَيْسِي يُقَال إِن ابْن تومرت كَانَ قد وَقع بِكِتَاب فِيهِ صفة عبد الْمُؤمن وَهُوَ رجل يظْهر بالمغرب الْأَقْصَى من ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى الله يكون مقَامه ومدفنه بِموضع من الغرب يُسمى ت ى ن م ل ويجاوز وقته الماية الْخَامِسَة فألقي فِي ذهنه أَنه هُوَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ مَا اسْمك قَالَ عبد الْمُؤمن فَقَالَ الله أكبر أَنْت بغيتي فَأَيْنَ)
مقصدك قَالَ الشرق لطلب الْعلم قَالَ قد وجدت علما وشرفاً اصحبني تنله فوافقه فَألْقى إِلَيْهِ مُحَمَّد أمره وأودعه سره وَكَانَ مُحَمَّد صحب عبد الله الونشريشي بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون النُّون وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا رَاء مَكْسُورَة وياء آخر الْحُرُوف ساكة وشين أُخْرَى وَهِي من أَعمال إفريقية ففاضوه فِيمَا عزم عَلَيْهِ فوافقه أتم مُوَافقَة وَكَانَ الونشريشي فَاضلا أَيْضا فصحياً وتفاوضا فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد أرى أَن تكْتم مَا أَنْت عَلَيْهِ من الْعلم والفصاحة وَتظهر العي وَالْعجز واللكن فَفعل ذَلِك ثمَّ إِن مُحَمَّدًا استدنى من المغاربة أشخاصاً أَغْمَارًا أجلاداً وَكَانُوا ستى وَسَار بهم لى أقْصَى الْمغرب ثمَّ بعد ذَلِك اجْتمع بِعَبْد الْمُؤمن وتوجهوا إِلَى مراكش وصاحبها عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وبحضرته رجل يُقَال لَهُ مَالك بن وهيب الأندلسي وَكَانَ عَالما صَالحا فشرع فِي الْإِنْكَار ابْن تومرت على عَادَته وَأنكر على ابْنة الْملك وقصته مَعهَا يطول شرحها فَبلغ خَبره الْملك وَأَنه يتحدث تَغْيِير الدولة فَتحدث مَعَ ابْن وهيب فَقَالَ أرى أَن تحضره وَأَصْحَابه ونسمع كَلَامه بِحُضُور الْعلمَاء وَكَانُوا مقيمين فِي مَسْجِد خراب خَارج الْبَلَد فَلَمَّا حَضَرُوا سَأَلَهُ مُحَمَّد بن أسود قَاضِي المرية وَقَالَ مَا الَّذِي يذكر عَنْك فِي حق هَذَا الْملك الْعَادِل المنقاد إل الْحق فَقَالَ مُحَمَّد الَّذِي نقل عني قلته ولي من رُوَائِهِ أَقْوَال فَهَل بلغك يَا قَاضِي أَن الْخمر تبَاع جَهرا والخنازير تمشي بَين الْمُسلمين وأموال الْيَتَامَى تُؤْخَذ وعد من ذَلِك شَيْئا كثيرا فَلَمَّا سَمعه الْملك ذرفت عَيناهُ فَلم يكلمهُ أحد مِنْهُم فَقَالَ لَهُ ابْن وهيب أَخَاف عَلَيْك من هَذَا وَأرى اعتقاله مَعَ أَصْحَابه وَينْفق كل يَوْم عَلَيْهِم دِينَار لتكفي شَره وَإِن لم تفعل هَذَا أنفقت خزاينك عَلَيْهِ فَقَالَ وزيره يقبح عَلَيْك أَن تبْكي من موعظته وتسيء إِلَيْهِ فِي مجْلِس وَاحِد ويهظر مِنْك الْخَوْف وَهُوَ فَقير فَصَرفهُ وَسَأَلَهُ الدُّعَاء وَلما خَرجُوا قَالَ(3/262)
مُحَمَّد لجماعته لَا مقَام لنا بمراكش مَعَ ابْن وهيب فتوجهوا إِلَى اغمات واجتمعوا بِعَبْد الْحق بن إِبْرَاهِيم من فُقَهَاء المصامدة وحكوا لَهُ مَا جرى فَقَالَ هَذَا الْموضع لَا يحميكم وَإِن أحصن هَذِه الْمَوَاضِع تين مل فانقطعوا فِيهِ بُرْهَة فَلَمَّا سمع مُحَمَّد هَذَا الِاسْم تجدّد لَهُ ذكره فِيمَا كَانَ اطلع عَلَيْهِ فقصدوا الْمَكَان وَأكْرمهمْ أَهله وأنزلوهم أكْرم نزل وَسَأَلَ الْملك عَنْهُم بعد ذَلِك فَقيل لَهُ سافروا فسر بذلك وتسامع أهل الْجَبَل بهم وقصدوهم من كل فج عميق يلتموسن بكرَة مُحَمَّد دعاءه فَكَانَ كل من استدناه عرض عَلَيْهِ مَا فِي نَفسه فَإِن أَجَابَهُ أَضَافَهُ إِلَى خواصه وَإِن أبي أعرض عَنهُ وَكَانَ أَصْحَاب الْعُقُول ينهون من يمِيل إِلَيْهِ خوفًا من السُّلْطَان فطال الْأَمر على)
مُحَمَّد وَخَافَ من حُلُول الْمنية وَرَأى بعض أَوْلَاد الْقَوْم شقراً زرقاً وألوان آبايهم إِلَى السمرَة والكحل فَسَأَلَهُمْ عَن ذَلِك فَأَجَابُوهُ بعد جهد إِنَّه علينا خراج للْملك فَإِذا جَاءَ مماليكه نزلُوا بُيُوتنَا وأخرجونا عَنْهَا ويخلون بِمن فِيهَا من السناء فَقَالَ لَهُم وَالله إِن الْمَوْت خير من هَذِه الْحَيَاة كَيفَ حالكم مَعَ نَاصِر يقوم بِدفع هَذَا عَنْكُم قَالُوا نقدم نفوسنا لَهُ من الْمَوْت وَمن هُوَ قَالَ ضيفكم يَعْنِي نَفسه وَكَانُوا يغالون فِي تَعْظِيمه فَأخذ عَلَيْهِم العهود والمواثيق وَقَالَ ضيفكم يَعْنِي نَفسه وَكَانُوا يغالون فِي تَعْظِيمه فَأخذ عَلَيْهِم العهود والمواثيق وَقَالَ اسْتَعدوا لحضورهم بِالسِّلَاحِ وغذا جَاءُوا أجروهم عل عَادَتهم وميلوا عَلَيْهِم بِالْخمرِ فَإِذا سَكِرُوا ادنوني مِنْهُم فَلَمَّا حَضَرُوا فعل بهم ذَلِك وأعلموه بأمرهم لَيْلًا فَأمر بِقَتْلِهِم فَأتوا على آخِرهم وَنَجَا مِنْهُم وَاحِد وَكَانَ خَارج الدَّار فهرب وَلحق بمراكش وَأخْبر الْملك فندم على فَوَات مُحَمَّد وَعلم أَن الحزم كَانَ مَا رَآهُ ابْن وهيب فَجهز عسكراً إِلَى وَادي تين مل وَعلم مُحَمَّد أَن الْعَسْكَر يحضر إِلَيْهِم فَأَمرهمْ بالقعود عل نقاب الْوَادي ومراصده واستنجد لَهُم المجاورين فَلَمَّا وصل الْعَسْكَر أَقبلت الْحِجَارَة عَلَيْهِم مثل الْمَطَر من جَانِبي الْوَادي وَلم يزَالُوا كَذَلِك إِلَى أَن حَان اللَّيْل بَينهم فَرجع الْعَسْكَر إِلَى الْملك فَعلم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بِأَهْل الْجَبَل فَأَعْرض عَنْهُم وَتحقّق ذَلِك مُحَمَّد وصفت لَهُ مَوَدَّة أهل الْجَبَل فَأمر الونشريشي وَقَالَ أظهر فضايلك وفصاحتك دفْعَة وَاحِدَة فَلَمَّا صلوا الصُّبْح قَالَ رَأَيْت البارحة فِي نومي ملكَيْنِ قد نزلا من السَّمَاء وشقا بَطْني وغسلاه وحشياه علما وَحكمه وقرآناً فانقاد لَهُ كل صَعب القياد وعجبوا من حَاله وَحفظه الْقُرْآن فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد عجل لنا الْبُشْرَى فِي أَنْفُسنَا وعرفنا أسعداء نَحن أم أشقياء فَقَالَ أما أَنْت فَإنَّك الْمهْدي القايم بِأَمْر الله وَمن تعبك سعد وَمن خالفك شقي ثمَّ قَالَ أعرض أَصْحَابك حَتَّى أميز أهل الْجنَّة من أهل النَّار فَقتل من خَالف أَمر مُحَمَّد وأبقي من أطاعه وَعلم أَن الَّذين قتلوا لَا يطيب قُلُوب أهلهم فبشرهم بِقِتَال الْملك وغنيمة أَمْوَاله فسروا بذلك وَلم يزل مُحَمَّد يسْعَى وَيُدبر الْأَمر إِلَى أَن جهز عشرَة آلَاف فَارس وراجل وَفِيهِمْ عبد الْمُؤمن والونشريشي واقام هوبالجبل وَأَقَامُوا على حِصَار مراكش شهرا ثمَّ أَنهم كسروا كسرة شنيعة وهرب من سلم من الْقَتْل وَكَانَ فِيمَن سلم عبد الْمُؤمن وَقتل الونشريشي فَبلغ الْخَبَر مُحَمَّدًا وَهُوَ بِالْجَبَلِ وحضرته الْوَفَاة فأوصى من حضر أَن يبلغ الغايبين أَن الْعَاقِبَة لَهُم حميدة والنصر لَهُم فَلَا يضجروا وليعاودوا الْقِتَال وَأَنْتُم فِي مبدأ أَمر وهم فِي أواخره وَأَطْنَبَ فِي الْوَصِيَّة من هَذِه الْمَادَّة ثمَّ إِنَّه توفّي سنة أَربع)
وَعشْرين(3/263)
وَخمْس ماية وَدفن فِي الْجَبَل وقبره هُنَاكَ يزار وولادته يَوْم عَاشُورَاء سنة خمس وَثَمَانِينَ وأربعماية وَأول ظُهُوره ودعايه إِلَى هَذَا الْأَمر سنة أَربع عشر وَخمْس ماية وَكَانَ ربعَة قضيف الْبدن أسمرعظيم الهامة حَدِيد النّظر قَالَ صَاحب الْمغرب فِي أَخْبَار أهل الْمغرب فِي حَقه
(آثاره تنبك عَن أخباره ... حَتَّى كَأَنَّك بالعيون ترَاهُ)
وَكَانَ قوته من غزل اخته رغيفاً فِي كل يَوْم بِقَلِيل سمن أَو زَيْت وَلم ينْتَقل عَن هَذَا حِين كثرت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَرَأى أَصْحَابه يَوْمًا وَقد مَالَتْ نُفُوسهم إِلَى مَا غنموه فَأمر بِضَم ذَلِك جَمِيعه وَأحرقهُ بالنَّار وَقَالَ من كَانَ يَتبعني للدنيا فَمَا لَهُ عِنْدِي إِلَّا مَا رأى وَمن كَانَ يَتبعني للآخرة فَجَزَاؤُهُ عِنْد الله وَكَانَ كثيرا مَا ينشد
(تجرد من الدُّنْيَا فَإنَّك إِنَّمَا ... خرجت إِلَى الدُّنْيَا وَأَنت مُجَرّد)
وَكَانَ يتَمَثَّل بقول أبي الطّيب
(إِذا غامرت فِي شرف مروم ... فَلَا تقنع بِمَا دون النُّجُوم)
(فَطَعِمَ الْمَوْت فِي أَمر حقير ... كطعم الْمَوْت فِي أَمر عَظِيم)
وَبِمَا ناسبه من شعره فِي هَذِه الْمَادَّة وَمَات لم يفتح شَيْئا من الْبِلَاد وَإِنَّمَا قرر الْقَوَاعِد ورتب الْأَحْوَال ووطدها وَكَانَت الفتوحات على يَد عبد الْمُؤمن كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْعين
الحزنبل مُحَمَّد بن عبد الله بن عَاصِم التَّمِيمِي الملقب بالحزنبل أَبُو عبد أحد رُوَاة الْأَخْبَار والنسابين والثقات روى عَن ابْن السّكيت كتاب سرقات الشّعْر وَهُوَ كثير الرِّوَايَة عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَق وَله كتاب الْخمر واسمايها وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن أبي دلف وَقد مدحه فتواني عَن صلته
(لَا تقبلن الْمَدْح ثمَّ تعوقه ... فتنام وَالشعرَاء غير نيام)
(وَاعْلَم بِأَنَّهُم إِذا لم ينعفوا ... حكمُوا لأَنْفُسِهِمْ على الْحُكَّام)
ومدح الْمُعْتَمد وأخاه الْمُوفق
أَبُو الْخَيْر الْمروزِي مُحَمَّد بن عبد الله الضَّرِير الْمروزِي أَبُو الْخَيْر كَانَ فَقِيها فَاضلا أديباً لغويا تفقه على الْقفال وبرع فِي الْفِقْه واشتهر بالأدب والنحو واللغة وصنف فِيهَا وَتُوفِّي سنة)
ثلث وَعشْرين واربع ماية قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي كتاب مرو كَانَ من أَصْحَاب الرَّأْي(3/264)
فَصَارَ من أَصْحَاب الحَدِيث بِصُحْبَة افمام أبي بكر الْقفال سمع الحَدِيث مِنْهُ وَمن أبي نصر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مَحْمُود المحمودي وروى عَنهُ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار السَّمْعَانِيّ وَمن شعره
(تنَافِي الْعقل وَالْمَال ... فَمَا بَينهمَا شكل)
(هما كالورد والنرج ... س لَا يحويهما فصل)
(فعقل حَيْثُ لَا مَال ... وَمَال حَيْثُ لَا عقل)
الْوراق الْكرْمَانِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْكرْمَانِي الْوراق أَبُو عبد الله مَاتَ بعد سنة ثلث ماية وَكَانَ عَالما فَاضلا عَارِفًا بالنحو واللغة من أَصْحَاب ثَعْلَب ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَق وَكَانَ مليح الْخط صَحِيح النَّقْل يرغب النَّاس فِي خطه وَكَانَ يورق بِالْأُجْرَةِ وَله كتاب مَا أغفله الْخَلِيل فِي الْعين وَمَا ذكر أَنه مهمل وَهُوَ مُسْتَعْمل وَالْجَامِع فِي اللُّغَة كتاب فِي النَّحْو لم يتم والموجز فِي النَّحْو وَكَانَ يخلط المذهبين
أَبُو الْحسن الْوراق مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْحسن الْوراق النَّحْوِيّ مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثلث ماية كَانَ فِي طبقَة أبي طَالب الْعَبْدي وَكَانَ زوج بنت أبي سعيد السيرافي وَله شرح مُخْتَصر الْجرْمِي الْأَكْبَر سَمَّاهُ الْفُصُول فِي نكت الْأُصُول شرح مُخْتَصر الْجرْمِي الْأَصْغَر الْهِدَايَة وَكتاب الْعِلَل فِي النَّحْو قَالَ ياقوت بَلغنِي أَن كتاب الْفُصُول أملاه عَلَيْهِ السيرافي فنسبه هُوَ إِلَى نَفسه
أَبُو الْحسن الْعجلِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن حمدَان الدلفي الْعجلِيّ أَبُو الْحسن النَّحْوِيّ من أَصْحَاب عَليّ بن عِيسَى الربعِي كَانَ فَاضلا بارعاً شرح ديوَان المتنبئ فِي عشر مجلدات قَالَ السلَفِي وقفت على نُسْخَة مقروءة عَلَيْهِ فِي سنة سِتِّينَ وَأَرْبع ماية بِمصْر وَعَلَيْهَا خطه وَأَظنهُ كَانَ مُقيما بِمصْر كَذَا ذكر السلَفِي قَالَ ياقوت وَوجدت فِي مَوضِع آخر أَبُو الْحسن عَليّ بن حمدَان الدلفي وَالله أعلم
أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد(3/265)
الإِمَام أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ الْمعَافِرِي الأندلسي الاشبيلي الْحَافِظ أحد الْأَعْلَام ولد سنة ثَمَان وَسِتِّينَ رَحل مَعَ وَالِده إِلَى الشرق وَصَحب الشَّاشِي وَالْغَزالِيّ وَرَأى غَيرهمَا من الْعلمَاء والأدباء وَكَذَلِكَ لَقِي بِمصْر)
والإسكندرية جمَاعَة من الْأَشْيَاخ وَكَانَ من أهل التفنن فِي الْعُلُوم والاستبحار فِيهَا وَالْجمع ثاقب الذِّهْن فِي تَمْيِيز الصَّوَاب نَافِذا فِي جَمِيعهَا وَدخل إِلَى الغرب بِعلم جم لم يدْخل بِهِ غَيره واستقضي بِبَلَدِهِ وانتفع بِهِ أَهلهَا لِأَنَّهُ كَانَت لَهُ رهبة على الْخُصُوم وَسورَة على الظلمَة وَمن تصانيفه كتاب عارضة الأحوذي فِي شرح التِّرْمِذِيّ وَالتَّفْسِير فِي خمس مجلدات وَغير ذَلِك فِي الحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفِقْه وَكَانَ أَبوهُ من وزراء الغرب وَكَانَ فصيحاً شَاعِرًا وَتوفى وَالِده بِمصْر منصرفاً عَن الشرق سنة ثلث وَتِسْعين وَأَرْبع ماية وَتُوفِّي أَبُو بكر صَاحب التَّرْجَمَة بِمَدِينَة فاس سنة ثلث وَأَرْبَعين وَخمْس ماية
الْحَرَّانِي الْمعدل مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الحميد الْمعدل أَبُو عبد الله الْحَرَّانِي ثمَّ البغداذي سمع جمَاعَة وروى عَنهُ ابْن الْجَوْزِيّ جمع كتابا سَمَّاهُ رَوْضَة الأدباء وَله شعر وَهُوَ آخر من مَاتَ من عدُول القَاضِي أبي الْحسن ابْن الدَّامغَانِي توفى سنة سِتِّينَ وَخمْس ماية
أفضل الدولة طَبِيب نور الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن مظفر الْبَاهِلِيّ الأندلسي ثمَّ الدِّمَشْقِي أَبُو الْمجد بن أبي الحكم رَئِيس الْأَطِبَّاء بِدِمَشْق الملقب أفضل الدولة طَبِيب نور الدّين الشَّهِيد كَانَ يقدمهُ وَيرى لَهُ ورد إِلَيْهِ أَمر الطِّبّ بمارستانه بِدِمَشْق وَلم يذكرهُ ابْن أبي أصيبعة وَكَانَ بارعاً فِي الطِّبّ يعرف الهندسة ويجيد اللّعب بِالْعودِ وصنع لَهُ أرغناً وَبَالغ فِي تحريره وَكَانَ يعرف الموسيقى توفى سنة سبعين وَخمْس ماية أَو مَا قبلهَا
القَاضِي كَمَال الدّين الشهرزوري مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقسم بن المظفر بن عَليّ قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين أَبُو الْفضل ابْن أبي مُحَمَّد الشهرزوري ثمَّ الْموصِلِي الْفَقِيه الشَّافِعِي ويعرفون قَدِيما ببني الْخُرَاسَانِي تفقه بِبَغْدَاد على أسعد الميهني وَسمع الحَدِيث من نور الْهدى أبي طَالب الزَّيْنَبِي وَولي قَضَاء بَلَده وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى بَغْدَاد وخراسان رَسُولا من أتابك زنجي ثمَّ إِنَّه وَفد على نور الدّين فَبَالغ فِي إكرامه وجهزه رَسُولا من حلب إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز وَبنى بالموصل مدرسة وبمدينة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رِبَاطًا وولاه نور الدّين قَضَاء دمشق وَنظر الْأَوْقَاف وَنظر أَمْوَال السُّلْطَان وَغير ذَلِك فاستناب ابْنه أَبَا حَامِد بحلب وَابْن أَخِيه الْقسم بحماة وَابْن أَخِيه الآخر فِي قَضَاء حمص وَحدث بِالشَّام وبغداد وَكَانَ يتَكَلَّم فِي الْأُصُول كلَاما حسنا وَكَانَ أديباً شَاعِرًا طريفاً فكه الْمجْلس أقره صَلَاح الدّين على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَتوفى سنة اثْنَتَيْنِ)
وَسبعين وَخمْس ماية وَدفن بجبل قاسيون ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع ماية وَمن شعره قَوْله(3/266)
(وَلَقَد أَتَيْتُك والنجوم رواصد ... وَالْفَجْر وهم فِي ضمير الْمشرق)
(وَركبت للأهوال كل عَظِيمَة ... شوقاً إِلَيْك لَعَلَّنَا أَن نَلْتَقِي)
قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب قَوْله وَالْفَجْر وهم فِي ضمير الْمشرق فِي غَايَة الْحسن مِمَّا سمح بِهِ الخاطر اتِّفَاقًا سَابق الْكَمَال إسرافاً وإشراقاً وتذكرت قَول أبي يعلى ابْن الهبرية الشريف فِي معنى الصُّبْح وإبطايه
(كم لَيْلَة بت مطوياً على حرق ... أَشْكُو إِلَى النَّجْم حَتَّى كَاد يشكوني)
(وَالصُّبْح قد مطل الشرق الْعُيُون بِهِ ... كَأَنَّهُ حَاجَة فِي نفس مِسْكين)
وَأورد الْعِمَاد للْقَاضِي كَمَال الدّين أَيْضا
(أنيخا جمالي بأبوابها ... وحطا بهَا بَين خطابها)
(وقولا لخمارها لَا تبع ... سواي فَإِنِّي أولى بهَا)
(فَإنَّا أنَاس نسوم المدام ... بأموالها وبألبابها)
وَأورد لَهُ أَيْضا قواه
(سبينَا الجاشرية للبرايا ... وعلمناهم الرطل الكبيرا)
(وأكببنا نعب على البواطي ... وعطلنا الأداوة والمديرا)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(قلت لَهُ إِذْ رَآهُ حَيا ... ولامه واعتدى جدالا)
(خَفِي نحولاً عَن المنايا ... أعرض عَن حجتي وَقَالا)
(الطيف كَيفَ اهْتَدَى إِلَيْهِ ... قلت خيالاً لَقِي خيالا)
وَكتب إِلَى وَلَده محيي الدّين وَهُوَ بحلب
(عِنْدِي كتايب أشواق أجهزها ... إِلَى جنابك إِلَّا أَنَّهَا كتب)
(ولي أَحَادِيث من نَفسِي أسر بهَا ... إِذا ذكرتك إِلَّا أَنَّهَا كذب)
وَلما كبر وَضعف كَانَ ينشد فِي كل وَقت قَول ابْن أبي الصَّقْر الوَاسِطِيّ
(يَا رب لَا تحيني إِلَى زمن ... أكون فِيهِ كلا على أحد)
)
(خُذ بيَدي قبل أَن أَقُول لمن ... أَلْقَاهُ عِنْد الْقيام خُذ بيَدي)
وَقد تقدم ذكر وَلَده محيي الدّين مُحَمَّد(3/267)
ابْن أبي العجايز مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْحُسَيْن الدِّمَشْقِي يعرف بِابْن أبي العجايز الْأَزْدِيّ سمع الحَدِيث وَتوفى بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية وَكَانَ ثِقَة
الْفَقِيه أَبُو عَليّ البغداذي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن صَالح أَبُو عَليّ الْفَقِيه البغداذي أَصله من بسطَام توفى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس ماية فِي شهر رَجَب من شعره
(على تِلْكَ العراص بجرجرايا ... من الأنواء أَنْوَاع التحايا)
(ديار كنت آلفها وأغشى ... بهَا هيفاء وَاضِحَة الثنايا)
(فَغير آيها صرف اللَّيَالِي ... وَبدل أَهلهَا بِالْقربِ نايا)
(غَدَتْ أَيَّامهَا سُودًا وَكَانَت ... ليالينا بهَا بيضًا وضايا)
أَخذه من قَول ابْن زيدون
(حَالَتْ لفقدكم أيامنا فغدت ... سُودًا وَكَانَت بكم بيضًا ليالينا)
وَمن شعره
(مَا محنة إِلَّا لَهَا غَايَة ... وَفِي تناهيها تقضيها)
(فاصبر فَإِن السَّعْي فِي دَفنهَا ... قبل التناهي زايد فِيهَا)
لَو قَالَ فَإِن السَّعْي فِي نَقصهَا كَانَ أحسن أَخُو أبي الْعَلَاء المعري مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان هُوَ أَبُو الْمجد التنوخي المعري وَهُوَ أَخُو أبي الْعَلَاء أَحْمد المعري الْمَشْهُور وسوف يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الأحمدين فِي مَكَانَهُ وَأَبُو الْمجد هَذَا هُوَ الْأَكْبَر من أَخِيه أبي الْعَلَاء وَله أَخ آخر اسْمه عبد الْوَاحِد يَأْتِي ذكره وَمن شعر مُحَمَّد أبي الْمجد الْمَذْكُور
(كرم الْمُهَيْمِن مُنْتَهى أملي ... لَا نيتي أَرْجُو وَلَا عَمَلي)
(يَا مفضلاً جلت فواضله ... عَن بغيتي حَتَّى انْقَضى أَجلي)
(كم قد أفضت عَليّ من نعم ... كم قد سترت عَليّ من زلل)
(إِن لم يكن لي مَا ألوذ بِهِ ... يَوْم الْحساب فَإِن عفوك لي)
قَاضِي المعرة مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان القَاضِي أَبُو الْمجد التنوخي)
المعري حفيد أبي الْمجد أخي أبي الْعَلَاء المعري الْمُقدم ذكره كَانَ أَبُو الْمجد هَذَا فَاضلا أريباً مفتياً على مَذْهَب الشَّافِعِي قَاضِيا بالمعرة إِلَى أَن دَخلهَا الفرنج فانتقل إِلَى شيزر وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي محرم سنة ثلث وَعشْرين وَخمْس ماية وَله ديوَان شعر ورسايل وَمن شعره وَقد فَارق المعرة وَغُلَامًا اسْمه شعيا
(زمَان غاض أهل الْفضل فِيهِ ... فسقيا للحمام بِهِ ورعيا)(3/268)
(أساوي بَين أتراك وروم ... وفقد أحبة ورفاق شعيا)
قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وَقد سبقه الْوَزير المغربي إِلَى هَذَا الْمَعْنى لما تَغَيَّرت عَلَيْهِ الوزارة وتغرب وَكَانَ مَعَه غُلَام يُقَال لَهُ داهر فَقَالَ
(كفى حزنا أَنِّي مُقيم ببلدة ... يعللني بعد الْأَحِبَّة داهر)
(يحدثني مِمَّا يجمع عقله ... أَحَادِيث مِنْهَا مُسْتَقِيم وَجَابِر)
وَقَالَ أُسَامَة بن منقذ لما بليت بفرقة الْأَهْل كتبت إِلَى أخي استطرد بغلامي أبي الْمجد والوزير المغربي اللَّذين ذكراهما
(أَصبَحت بعْدك يَا شَقِيق النَّفس فِي ... بَحر من الْهم المبرح زاخر)
(متفرداً بالهم من لي سَاعَة ... برفاق شعيا أَو علالة داهر)
وَمن شعر القَاضِي أبي الْمجد
(مَا زَالَ يخدع قلبِي سحر مقلته ... ويستقيد لَهُ حَتَّى تملكه)
(وَإِن يَوْمًا أرَاهُ فِيهِ أَحْسبهُ ... أسر يَوْمًا من الدُّنْيَا وأبركه)
وَمِنْه
(وَيَوْم دجن خانته أنجمه ... فِي الصحو والغيم فَهُوَ مُشْتَرك)
(كَأَنَّمَا الشَّمْس والرذاذ مَعًا ... فِيهِ بكاء يشوبه ضحك)
وَمِنْه
(إِذا جانبت مقتدراً عَلَيْهَا ... كباير مَا جنت كف الأثيم)
(فَلَا تستكثري لممي فَإِنِّي ... سأقدم فِي الْحساب على كريم)
أَبُو الْفرج ابْن رَئِيس الرؤساء مُحَمَّد بن عبد الله بن هبة بن المظفر بن رَئِيس الرؤساء أبي الْقسم عَليّ بن الْمسلمَة أَبُو الْفرج وَزِير الْعرَاق سمع وروى كَانَ أَولا أستاذ دَار المقتفى)
والمستنجد ووزر للمستضيء وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَة وإكرام للْعُلَمَاء عزل من الوزارة ثمَّ أُعِيد إِلَيْهَا وَخرج من بَيته حَاجا فَضَربهُ أحد الباطنية على بَاب قطفتا أَربع ضربات فَحمل إِلَى دَاره وَلم يسمع مِنْهُ إِلَّا الله وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس ماية
ابْن الْجد مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الْجد أَبُو بكر الفِهري الاشبيلي الْحَافِظ الْفَقِيه أَصله من لبلة بِالْبَاء الْمُوَحدَة سمع أَبَا الْحسن ابْن الْأَخْضَر وَبحث عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَأخذ عَنهُ اللُّغَات توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية أورد لَهُ ابْن بسام فِي الذَّخِيرَة قطعا من رسايله ونظمه فَمن شعره مَا كتبه إِلَى الْوَزير ابْن القصيرة
(سألقى بِحَدّ الصَّبْر صم خطوبه ... وَإِن صِيغ فِيهَا الشيب من حدق النبل)
مِنْهَا(3/269)
(روى لي أَحَادِيث المنى فِيهِ غضة ... وَلكنهَا لم تخل من غلط النَّقْل)
(وجاد بِقرب الدَّار غير متمم ... وَيَا رب جود قد من شيم الْبُخْل)
مِنْهَا
(سأبعث طيفي كل حِين لَعَلَّه ... يُصَادف خيالك مَا يسلي)
(ودونك من روض السَّلَام تَحِيَّة ... تنسيك غض الْورْد فِي رَاحَة الطل)
قَالَ ابْن بسام قَوْله وَيَا رب جود الْبَيْت يشبه قَول الآخر
(الدَّهْر لَيْسَ لَهُ صَنِيع يشْكر ... شرب لَهُ يصفو وَشرب يكدر)
(يهب الْقَلِيل وَقد نوى استرجاعه ... هبة الْبَخِيل أقل مِنْهُ وأنزر)
وَكَأن هَذَا من قَول بشار
(أما الْبَخِيل فلست أعذله ... كل امريء أعْطى على قدره)
ذخيرة الدّين ابْن القايم مُحَمَّد بن عبد الله ذخيرة الدّين ولي الْعَهْد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ القايم خطب لَهُ بِولَايَة الْعَهْد سنة أَرْبَعِينَ ولقب ذخيرة الدّين فأدركه أَجله فِي ثامن عشر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية كَانَ قد ختم الْقُرْآن وَحفظ الْفِقْه والعربية والفرايض قَالَ ابْن النجار وَخلف جَارِيَة حَامِلا فَولدت لَهُ ابْنا وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْقسم عبد الله الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله
أَبُو جَعْفَر سالإسكافي مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الإسكافي وإسكاف نَاحيَة أديب شَاعِر أورد)
لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة
(ونرجس قد لَهُ الْقد من ... زبرجد فِي قدر شربن)
(فالورق الغض مصوغ لَهُ ... من ورق وَالْعين من عين)
قلت وَمَا أحسن قَول التلعفري
(قد أَكثر النَّاس فِي تشبيههم أبدا ... للنرجس الغض بالأجفان والحذق)
(وَمَا أشبهه بِالْعينِ إِن نظرت ... لَكِن أشبهه بِالْعينِ وَالْوَرق)
وَأورد للاسكافي
(فرشت لشيبي أجل الْبسَاط ... فَلم يستطب مَجْلِسا غير رَأْسِي)
(فَقلت لنَفْسي لَا تنكريه ... فكم للمشيب كرأسي كراس)(3/270)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(الله أشهد والملايك أنني ... لعَظيم مَا أوليت غير كفور)
(نَفسِي فداؤك لَا لقدري بل أرى ... أَن الشّعير وقاية الكافور)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(نَفسِي فداؤك وَهِي غير عزيزة ... فِي جنب نَفسك وَهِي جد عَزِيز)
(وَلَقَد يقي الْخَزّ الثمين أذاته ... فِي وقته كف من الشونيز)
مُحَمَّد بن عبد الله الْخَطِيب الإسكافي أَبُو عبد الله اللّغَوِيّ صَاحب التصانيف أحد أَصْحَاب الصاحب ابْن عباد وَكَانَ من أهل أَصْبَهَان وخطيباً بِالريِّ قَالَ الصاحب ابْن عبّاد فَازَ بِالْعلمِ من أَصْبَهَان ثلثة حايك وحلاج وإسكاف فالحايك أَبُو عَليّ المرزوقى والحلاج أَبُو مَنْصُور ابْن ماشدة والإسكاف أَبُو عبد الله الْخَطِيب وَمن تصانيفه كتاب الْغرَّة يتَضَمَّن شَيْئا من غلط أهل الْأَدَب كتاب غلط كتاب الْعين كتاب مبادىء اللُّغَة وَهُوَ أشهلا كتبه وَكتاب شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَكتاب نقد الشّعْر وَكتاب درة التَّنْزِيل وغرة التَّأْوِيل كتاب لطف التَّدْبِير فِي سياسات الْمُلُوك
قَاضِي الْقُضَاة الناصحي مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن قَاضِي الْقُضَاة أَبُو بكر الناصحي النَّيْسَابُورِي أفضل أهل عصره فِي أَصْحَاب أبي حنيفَة وأوجههم مَعَ حَظّ وافر من الْأَدَب وَحفظ الْأَشْعَار والطب توفى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية قَالَ ابْن النجار كَانَ مناظراً جدلاً عَالما لَهُ يَد فِي الْكَلَام وَله حَظّ وافر من الْأَدَب يحفظ أشعاراً كَثِيرَة وَكَانَ يذهب إِلَى)
الاعتزال سمع أَبَا سعيد مُحَمَّد بن مُوسَى بن شَاذان الصَّيْرَفِي وَأَبا بكر أَحْمد بن الْحسن الْحِيرِي وَأَبا ابرهيم اسمعيل بن ابرهيم النَّصْر باذي وَغَيرهم قدم بغداذ وَحدث بهَا وروى عَنهُ عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَأَبُو الْقسم ابْن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو بكر ابْن الزَّاغُونِيّ
ابْن عبد الحكم الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن لَيْث الإِمَام أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ الْفَقِيه أَخُو عبد الرَّحْمَن وَسعد لزم الشَّافِعِي مُدَّة وتفقه بِهِ وبأبيه عبد الله وَغَيرهمَا روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ مرّة لَا بَأْس بِهِ وَكَانَ الشَّافِعِي(3/271)
معجباً بِهِ لذكايه وحرضه على الْفِقْه وَحمل فِي محنة الْقُرْآن إِلَى بغداذ وَلم يجب ورد إِلَى مصر وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم فِي مصر لَهُ تصانيف مِنْهَا أَحْكَام الْقُرْآن وَالرَّدّ على الشَّافِعِي فِيمَا خَالف فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَالرَّدّ على أهل الْعرَاق وأدب الْقُضَاة توفى سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وماتين وَقَالَ ابْن خلكان سنة ثَمَانِينَ وماتين وَقَالَ ابْن قَانِع سنة تسع وَسِتِّينَ قَالَ الْمُزنِيّ كُنَّا نأتي الشَّافِعِي فنسمع مِنْهُ فنجلس على بَاب دَاره وَيَأْتِي مُحَمَّد عبد الحكم فيصعد بِهِ ويطيل الْمكْث وَرُبمَا تغذى مَعَه ثمَّ نزل فَيقْرَأ علينا الشَّافِعِي فَإِذا فرغ من قِرَاءَته قرب إِلَى مُحَمَّد دَابَّته فركبها وَاتبعهُ الشَّافِعِي بَصَره فَإِذا غَابَ شخصه قَالَ وددت لَو ان لي ولدا مثله وَعلي ألف دِينَار لَا أجد لَهَا قَضَاء وَقَالَ الْقُضَاعِي فِي كتاب الخطط مُحَمَّد هَذَا هُوَ الَّذِي أحضرهُ ابْن طولون فِي اللَّيْل إِلَى جب سقايته بالمعافر لما توقف النَّاس عَن شرب مايها وَالْوُضُوء بِهِ فَشرب مِنْهُ وَتَوَضَّأ فأعجب ذَلِك ابْن طولون وَصَرفه لوقته وَوجه إِلَيْهِ بصلَة وَالنَّاس يَقُولُونَ إِنَّه الْمُزنِيّ وَلَيْسَ بِصَحِيح
وراق الرّبيع مُحَمَّد بن عبد الله بن مخلد الاصبهاني رَحل وَسمع وَيعرف بوراق الرّبيع توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وماتين
اليوسفي الْكَاتِب مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن يُوسُف بن الْقسم بن صبيح أَبُو الطّيب اليوسفي الْكَاتِب من بَيت معرق فِي الْكِتَابَة والبلاغة والترسل وَالنّظم والنثر وجده أَحْمد بن يُوسُف كَانَ وَزِير الْمَأْمُون وَأَبُو الطّيب هَذَا سمع من عُلَمَاء الْبَصْرَة دماذ والمازني واشباههما وَكَانَ يكْتب ليحيى بن عِيسَى بن مَنَارَة وَأَظنهُ القايل فِي ابْن ميادة يهجوه
(تكسبت بعد الْفقر مَا لم تمنه ... وَلَا دونه فِيمَا مضى كنت تَأمل)
(ونفسك تِلْكَ النَّفس أَيَّام فقرها ... وَأَنت بهَا مَا عِشْت فِي النَّاس خامل)
)
المهلبي البحراني مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَبَّاس المهلبي أَبُو عبد الله البحراني شَاعِر مجيد قَالَ ابْن النجار كتب عَنهُ شُجَاع الذهلي وَأَبُو نصر ابْن المجلى وَأَبُو البركات ابْن السَّقطِي وَأورد لَهُ قَوْله من قصيدة
(هواكم بِأَعْلَى الشَّام يَا ركب فانزلوا ... فَإِن هوى قلبِي برحبة مَالك)
(ذروني أفض من مقلتي كل عِبْرَة ... عَسى الْبَين يرضى بالدموع السوافك)
(أَلا زودينا نظرة من جمالك ... فقد آن أَن تحدو النَّوَى بجمالك)
(وعودي علينا مِنْك بالوصل وصلَة ... وَلَا تحرمينا من لذيذ وصالك)
(فَإِن غراب الْبَين ينعب جهده ... يخبرنا مِمَّا بِنَا بارتحالك)
(فَمَا منجد إِلَّا بكاني لأنني ... شجاني لوشك الْبَين حاد حدا بك)(3/272)
قلت شعر متوسط
أَبُو بكر الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو بكر الشَّافِعِي الْفَقِيه لَهُ تصانيف فِي أصُول الْفِقْه روى عَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ الدَّرَاهِم خَوَاتِيم الله فِي الأَرْض فَمن ذهب بِخَاتم الله قضيت حَاجته توفى سنة إِحْدَى وثلثين وَثلث ماية
الْحَرَّانِي البغداذي مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الحميد بن نصر بن عمر الْحَرَّانِي أَبُو عبد الله البغداذي أَصله من حران وَكَانَ من عدُول بغداذ فَاضلا لطيف الطَّبْع ظريفاً صَاحب نشوار ومحاضرة لَهُ مجموعات حَسَنَة وَشعر سمع نقيب النُّقَبَاء أَبَا القوارس طراد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي وَأَبا الْحسن هبة الله بن عبد الرَّزَّاق الْأنْصَارِيّ وَغَيرهمَا ببغداذ وَسمع باصبهان وروى عَنهُ ابْنَته خَدِيجَة وَعبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن عَليّ الْحَرَّانِي وَمن شعره
(إِن زار ربعك زاير ... يَوْمًا فَذَاك لفضلكا)
(أَو زرته متطولاً ... ومجملاً فبفضلكا)
(فالفضل كَيفَ تصرم ال ... حالان مَحْبُوس لكا)
قلت تكَرر مَعَه لفظ فضل وَهُوَ ايطاء وَذَلِكَ عيب وَمِنْه
(أَلَيْسَ عجيباً بِأَنِّي أذوب اش ... تياقاً إِلَيْهِم وهم فِي فُؤَادِي)
(وتطلبهم مقلتي دايماً ... وهم من محاجرها فِي السوَاد)
وَمِنْه)
(لابد للأحباب من فرقة ... وكل مصحوب وَأَصْحَابه)
(فَمن يمت يفقده أحبابه ... وَمن يَعش يرز بأحبابه)
توفى سنة سِتِّينَ وَخمْس ماية
ابْن بلبل الزَّعْفَرَانِي مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن يزِيد بن هَارُون أَبُو عبد الله الزَّعْفَرَانِي وَيعرف بِابْن بلبل كَانَ صَالحا ثِقَة قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فِي سنة نَيف وَتِسْعين وماتين وَفِي رَأسه ولحيته بَيَاض كثير فَقلت يَا رَسُول الله بلغنَا أَنه لم يكن فِي رَأسك ولحيتك بَيَاض إِلَّا شَعرَات بيض فَقَالَ ذَلِك لدُخُول سنة ثلث ماية حدث عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَكَانَ صَدُوقًا توفى سنة ثلث وَعشْرين وَثلث ماية(3/273)
الْعلوِي مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ من قصيدة
(وَلَقَد توَسط فِي الأرومة منزل ... وسطا فَصَارَ موازياً للكواكب)
(ثكلتك أمك هَل رَأَيْت لمعشري ... فِي الْحَرْب عِنْد وقودها المتلهب)
(فلنا المكارم مَا بَقينَ وَمَا لَهَا ... عَنَّا إِذا ذكر الندى من مَذْهَب)
أَبُو طَالب الْجَعْفَرِي مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب شَاعِر مقل نزل الْكُوفَة فَلَمَّا جرى بَين الطالبيين والعباسيين مَا جرى قَالَ أَبُو طَالب هَذَا
(بني عمنَا لَا تذمرونا سفاهة ... فينهض فِي عصيانكم من تأخرا)
(وَإِن تَرفعُوا عَنَّا يَد الظُّلم تخبنوا ... لطاعتكم منا نَصِيبا مُؤَخرا)
(وَإِن تركبونا بالمذلة تبعثوا ... ليوثاً ترى ورد الْمنية أعذرا)
الناجحون الْأَعْمَى مُحَمَّد بن عبد الله الناجحون الضَّرِير قَالَ ابْن رَشِيق هُوَ من أَبنَاء قفصة خرج مِنْهَا صَغِيرا كَانَ يسْرد جَمِيع ديوَان أبي نواس وَيقْرَأ الْقُرْآن بروايات وَلم يكن لَهُ صَبر على النَّبِيذ وَكَانَ يعلم الصّبيان رَأَيْته فِي الْمكتب يَوْمًا طافحاً وَهُوَ يَقُول للصبيان
(يَا فراخ الْمَزَابِل ... ونتاج الأراذل)
(إقرءوا لَا قَرَأْتُمْ ... غير سحر وباطل)
(روح الله مِنْكُم ... عَاجلا غير آجل)
)
أطْعم طَعَاما فَمَاتَ مِنْهُ مبطوناً بالحضرة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع ماية مشرفاً على السِّتين واتهم بِهِ جمَاعَة مِمَّن كَانَ هجاه
أَبُو طَالب المستوفي مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو طَالب الْمَعْرُوف بالبغداذي المستوفي أورد لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة بعد مَا قَالَ كَانَ أديباً كَاتبا حاسباً قَوْله فِي قايد اسْمه فولاذ
(قَالُوا امتدح فولاذ تسعد بِهِ ... فالحر بالأحرار يعتاذ)
(فَقلت لَا يغرركم بره ... فَإِنَّهُ فِي اللؤم أستاذ)(3/274)
(لَو أَنه الزيبق لم يجر لي ... فَكيف يجْرِي وَهُوَ فولاذ)
مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو بكر الدينَوَرِي الزَّاهِد كَانَ جلال الدولة يزوره سَأَلَهُ يَوْمًا فِي مكس كَانَ يُؤْخَذ فِي الْملح مِقْدَاره فِي كل سنة ألفا دِينَار فسامح بِهِ قَالَ أَبُو الْوَفَاء الْوَاعِظ حملت إِلَى الدينَوَرِي وَقد رمدت عَيْني وَكَانَ الرمد يعتريها كثيرا فَأدْخل خِنْصره فِيهَا وَمسح عَلَيْهَا فأقمت سِتِّينَ سنة لم أرمد وَلما توفّي سنة ثلثين وَأَرْبع ماية احتفل النَّاس بجنازته
الشاه بوري الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الظريف ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر أَحْمد بن الْحسن بن سهل بن عبد الله الْفَارِسِي أَبُو الْحَيَاة ابْن أبي الْقسم بن أبي الْفَتْح بن أبي بكر الشاه بوري الْوَاعِظ من أهل بَلخ قَالَ ابْن النجار هَكَذَا رَأَيْت نسبه بِخَط يَده وَرَأَيْت بِمصْر جُزْءا فِيهِ من أمالي الْبَلْخِي هَذَا وَقد نسب نَفسه إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَلم يظْهر ذَلِك فِي الْعرَاق سَافر فِي طلب الْعلم وجال فِي خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وخوارزم وَالْعراق وبغداذ وَالشَّام ومصر وَسمع من جمَاعَة وروى عَنهُ شَيْخه السلَفِي وَكَانَ يعظمه ويجله ويعجب بِكَلَامِهِ وَكَانَ مليح الشكل مليح الْوَعْظ حسن الْإِيرَاد رَشِيق الْمعَانِي لطيف الْأَلْفَاظ فصيح اللهجة لَهُ يَد باسطة فِي تنميق الْكَلَام وتزويقه وَله قبُول تَامّ من الأعوام ثمَّ قطع الْكَلَام وَلزِمَ دَاره إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس ماية قَالَ ابْن النجار وَكَانَ يرْمى بأَشْيَاء مِنْهَا شرب الْخمر وشرى الْجَوَارِي الْمُغَنِّيَات وَسَمَاع الملاهي الْمُحرمَات وَأخرج عَن بغداذ مرَارًا لأجل ذَلِك وَكَانَ يمِيل إِلَى الرَّفْض ويظهره وَالله يعْفُو عَنَّا وَعنهُ وَمن شعره
(دع عَنْك حَدِيث من يمنيك غَدا ... واقطع زمن الْحَيَاة عَيْشًا رغدا)
(لَا ترج هوى وَلَا تعجل كمدا ... يَوْمًا تمضيه لَا ترَاهُ أبدا)
)
وَكتب يَوْمًا رقْعَة إِلَى الْحَافِظ السلَفِي وَكتب على رَأسهَا فرَاش لمْعَة وفراش شمعة فأعجب السلَفِي بهَا وَكَانَ يكررها وَكَانَ يدس سبّ الصَّحَابَة فِي كَلَامه مثل قَوْله قَالَ عَليّ يَوْمًا لفاطمة وَهِي تبْكي لم تبكين أأخذت مِنْك قدك أغصبتك حَقك أفعلت كَذَا أفعلت كَذَا الْكَاتِب باح مُحَمَّد بن عبد الله بن غَالب أَبُو عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ الْكَاتِب الملقب بباح بباء مُوَحدَة بعْدهَا ألف ثمَّ حاء مُهْملَة لقب بذلك لقَوْله من أَبْيَات باح بِمَا فِي الْفُؤَاد باحا من أَصْبَهَان قدم بغداذ وَكَانَ كَاتبا لأبي ليلى أحد كبراء الديلم وَهُوَ صَاحب الرسايل ذكره عبيد الله بن أَحْمد بن أبي طَاهِر فِي كتاب بغداذ وَقَالَ مترسل شَاعِر مجيد وَله مدايح فِي الْمُعْتَمد والموفق واسمعيل بن بلبل الْوَزير لَهُ من قصيدة
(وَفِي المشيب لَو أَنِّي كنت منزجراً ... عَن الصَّبِي والتصابي كل منزجر)
(لَا عذر للمرء فِي حَال المشيب إِذا ... لم يثن ناظره عَن فتْنَة النّظر)
وَله من التصانيف كتاب جَامع الرسايل جزأه ثَمَانِيَة أَجزَاء وأضاف إِلَيْهِ بعد ذَلِك تاسعاً(3/275)
وَسَماهُ الْكتاب الْمَوْصُول نثره بالنظم وَكتاب التوشيح والترشيح فِي نقض التَّسْوِيَة بَين الشُّعَرَاء كتاب الْخطب والبلاغة كتاب الْفقر وَقَالَ فِي ابْن الخاقاني
(لَا تمنعن حمى إزارك سَيِّدي ... خلقا من البيضان والسودان)
(وأبح فراشك من أَرَادَ طروقه ... واحكم عَلَيْهِ النيك بالمجان)
(فليبلغنك من جميل تغافلي ... مَا لم تبلغ قطّ من إِنْسَان)
(مَالِي أروع بالقرون كأنني ... فِي النَّاس أول عاشق قرنان)
وَقَالَ أَيْضا
(أبدى الصدود وَأظْهر الهجرانا ... ظَبْي أَبَاحَ فُؤَادِي الأحزانا)
(أعلمته أَنِّي علمت بجرمه ... فغدا عَليّ لظلمه غضبانا)
(يَا سَيِّدي إِن كَانَ وصلك قد ثنى ... عني رضاك وسامني الهجرانا)
(فقد أرتضيت بِأَن تراجع وصلتي ... وأكون فِيك مكشخناً قرنانا)
الْحَافِظ مطين مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ الْكُوفِي مطين مفعل من الطين كَانَ أوحد أوعية الْعلم سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ ثِقَة جبل صنف الْمسند والتاريخ قَالَ أَبُو بكر ابْن أبي دارم الْحَافِظ كتبت عَن مطين ماية ألف حَدِيث قَالَ كنت)
صَبيا أَلعَب مَعَ الصّبيان وَكنت أطولهم فندخل المَاء ونخوض فيطينون ظَهْري فَبَصر بِي يَوْمًا أَبُو نعيم فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا مطين لَا تحضر مجْلِس الْعلم فاشتهر بذلك توفى سنة سبع وَتِسْعين وماتين
ابْن أبي الشَّوَارِب مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْملك ابْن أبي الشَّوَارِب القَاضِي الْأمَوِي وَيعرف بالأحنف كَانَ يخلف أَبَاهُ على الْقَضَاء ببغداذ وَكَانَ سرياً جميلاً وَاسع الْأَخْلَاق كثير الْإِحْسَان قَرِيبا من النَّاس توفى يَوْم السبت بعد أَبِيه بِثَلَاثَة وَسبعين يَوْمًا سنة إِحْدَى وَثلث ماية وَدفن بِبَاب الشَّام
اليعقوبي مُحَمَّد بن عبد الله بن يَعْقُوب بن دَاوُد بن طهْمَان مولى بني سليم هُوَ أَبُو عبد الله وجده يَعْقُوب وزر للمهدي وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ اليعقوبي صديق سعيد بن حميد فوصله بالْحسنِ بن مخلد وَهُوَ خليع ماجن وَكَانَ يصف نَفسه بالتطفيل والجوع والفقر والأبنة وَهُوَ القايل
(ودع المشيب شراستي وعرامي ... ومرى الجفون بمسبل سجام)(3/276)
(وصبغت مَا صبغ الزَّمَان فَلم يدم ... صبغي ودامت صبغة الْأَيَّام)
وَقَالَ
(مَتى بقيت نعْمَة ... لذِي نعْمَة لم تزل)
(وَهل بقيت حَالَة ... على أحد لم تحل)
(أرانا لأيدي الردى ... وأيدي المنايا نفل)
وَقَالَ
(أَمن بعد أَن أفنيت سبعين حجَّة ... وَلم تؤنسوا رشدي أنهنه بالزجر)
(وَمن لم ترعه الحادثات بصرفها ... فَلَا ترج مِنْهُ رشدة آخر الدَّهْر)
وَقَالَ
(إِلَى كم لَا تتوب من الْخَطَايَا ... وَقد ناجاك بِالصَّمْتِ المشيب)
مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْأَعْلَى الشَّيْبَانِيّ مَوْلَاهُم وَهُوَ شَاعِر وَأَبوهُ شَاعِر وجده شَاعِر وَابْنه عبد الله بن مُحَمَّد شَاعِر قَالَه أَبُو هفان
مَكْحُول البيروني مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد السَّلَام بن أبي أَيُّوب البيروني الْحَافِظ مَكْحُول كَانَ)
من الثِّقَات الْمَشْهُورين توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثلث ماية
الصَّيْرَفِي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو بكر الصَّيْرَفِي الشَّافِعِي البغداذي أَخذ الْفِقْه عَن أبي سُرَيج واشتهر بالحذق فِي النّظر وَفِي الْقيَاس وَعلم الْأُصُول وَله مصنفات فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِي الْأُصُول فِي الْفِقْه كتاب لم يسْبق إِلَى مثله قَالَ الْقفال فِي كِتَابه الَّذِي صنفه فِي أصُول الْفِقْه إِن أَبَا بكر الصَّيْرَفِي كَانَ أعلم النَّاس بالأصول بعد الشَّافِعِي وَهُوَ أول من انتدب من أَصْحَابنَا للشروع فِي علم الشُّرُوط وصنف فِيهِ كتابا أحسن فِيهِ كل الْإِحْسَان انْتهى وَله وَجه فِي الْمَذْهَب وَمن غرايبه إِيجَاب الْحَد على من وطىء فِي النِّكَاح بِلَا ولي إِذْ كَانَ يعْتَقد تَحْرِيم ذَلِك توفّي سنة ثلثين وَثلث ماية
الصفار مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو عبد الله الْأَصْفَهَانِي الصفار قَالَ الْحَاكِم مُحدث عصره مجاب الدعْوَة توفى سنة تسع وثلثين وَثلث ماية
الْبَزَّاز الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد بن ابراهيم بن عبدويه أَبُو بكر الشَّافِعِي الْبَزَّاز(3/277)
الْمُحدث قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة حسن التصنيف جمع أبواباً وشيوخاً وَلما منع بَنو بويه من ذكر فضايل الصَّحَابَة وَكَتَبُوا بسب السّلف على أَبْوَاب الْمَسَاجِد كَانَ أَبُو بكر يحدث بفضايل الصَّحَابَة فِي الْجَامِع قربَة إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ الثِّقَة الْمَأْمُون الَّذِي لم يغمز بِحَال توفى سنة خمس وَخمسين وَثلث ماية
مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أشتة أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ النَّحْوِيّ أحد الْأَعْلَام قَرَأَ الْقُرْآن على ابْن مُجَاهِد وَمُحَمّد بن يَعْقُوب وأبى بكر النقاش وَتوفى سنة سِتِّينَ وَثلث ماية أَو فِيمَا قبلهَا
أَبُو حنيفَة الصَّغِير مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر الْبَلْخِي كَانَ يُقَال لَهُ من كَمَاله فِي الْفِقْه أَبُو حنيفَة الصَّغِير كَانَ من أَعْلَام الأيمة فِي مذْهبه وَيعرف بالهندواني توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثلث ماية
أَبُو النَّصْر الأرغياني الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الأرغياني بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا ألف وَنون الإِمَام الْفَقِيه الشَّافِعِي قدم من بَلْدَة نيسابور واشتغل على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وبرع فِي الْفِقْه وَكَانَ ورعاً كثير الْعِبَادَة سمع من أبي الْحسن عَليّ الواحدي صَاحب التَّفْسِير وروى عَنهُ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى إِنِّي لأجد ريح يُوسُف أَن ريح الصِّبَا اسْتَأْذَنت رَبهَا أَن تَأتي يَعْقُوب برِيح يُوسُف عَلَيْهِمَا السَّلَام)
قبل أَن يَأْتِيهِ البشير بالقميص فَأذن لَهَا فَأَتَتْهُ بذلك فَلذَلِك يتروح كل محزون برِيح الصِّبَا وَهِي من نَاحيَة الْمشرق إِذا هبت على الْأَبدَان نعمتها ولينتها وهيجت الأشواق إِلَى الأوطان والأحباب وَأنْشد
(أيا جَبَليَ نُعمانَ بِاللَّه خَلِّيا ... نسيم الصِّبَا يخلص إِلَيّ نسيمها)
(فَإِن الصِّبَا ريح مَتى مَا تنفست ... على نفس مهموم تجلت همومها)
قلت الظَّاهِر إِن نسيم الصِّبَا يخْتَلف مزاجه وتأثيره باخْتلَاف الأَرْض وَالْبِقَاع الَّتِي يمر عَلَيْهَا والفصول أَيْضا فَهِيَ فِي الرّبيع تكون ألطف مِنْهَا فِي غَيره لأَنا نشاهد فِي الْحسن أَن الرّيح الَّتِي تهب(3/278)
بِدِمَشْق وَغَيرهَا مِمَّا يقاربها ريح يابسة المزاج تجفف الرطوبات وتقحل الْأَجْسَام وَتحرق الثِّمَار والزروع وَهِي فِي الديار المصرية أَشد مِنْهَا فِي الشَّام وَهِي الَّتِي يسمونها المريسية وَقَالَ الْجَوْهَرِي الصِّبَا ريح ومهبها المستوى ان تهب من مَوضِع مطلع الشَّمْس إِذا اسْتَوَى اللَّيْل وَالنَّهَار على أَن أشعار الْعَرَب ملأى من الاسترواح بهَا ووصفها باللطف وتنفيس الكرب ولعلها فِي بِلَاد الْحجاز وَمَا أشبههَا تكون بِهَذِهِ الصّفة قَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان والفتاوى المستخرجة من كتاب نِهَايَة الْمطلب المنسوبة إِلَى الأرغياني أَشك فِيهَا هَل هِيَ لَهُ أَو لأبي الْفَتْح سهل الأرغياني وَتوفى سنة ثَمَان وَعشْرين وَخمْس ماية انْتهى
ابْن الخبازة مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن حبيب أَبُو بكر العاري وَيعرف بِابْن الخبازة ولد سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية سَافر إِلَى الْبِلَاد وَشرح كتاب الشهَاب كَانَ لَهُ معرفَة بالفقه والْحَدِيث وَكَانَ يعظ على طَرِيق الصُّوفِيَّة قَلِيل التَّكَلُّف وَكَانَ كثيرا مَا ينشد إِذا صعد الْمِنْبَر
(كَيفَ احتيالي وَهَذَا فِي الْهوى حَالي ... والشوق أملك لي من عذل عذالي)
(وَكَيف أسلو وَفِي حبي لَهُ شغل ... يحول بَين مهماتي وأشغالي)
بنى رِبَاطًا وَاجْتمعَ إِلَيْهِ جمَاعَة من الزهاد فَلَمَّا احْتضرَ قَالُوا وصنا فَقَالَ راقبوا الله فِي الخلوات واحذروا مثل مصرعي هَذَا وَقد عِشْت إِحْدَى وَسِتِّينَ سنة وَمَا كَأَنِّي رَأَيْت الدُّنْيَا وَأنْشد
(هَا قد مددت يَدي إِلَيْك فَردهَا ... بِالْعَفو لَا بشماتة الْأَعْدَاء)
توفى سنة ثلثين وَخمْس ماية
الْجُنَيْد ابْن الخبازة مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن هِلَال أَبُو الْحسن الْمُسْتَعْمل الْمَعْرُوف بِابْن)
الخبازة ويلقب بالجنيد البغداذي سمع ابْن رزقويه وروى عَنهُ أَبُو الْقسم ابْن السمر قندي وَيحيى بن عَليّ ابْن الطراح والشريف واثق بن تَمام وَأَبُو الغنايم مُحَمَّد بن مَسْعُود بن السدنك توفى سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع ماية
القَاضِي محيي الدّين ابْن أبي عصرون مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن أبي عصرون القَاضِي محيي الدّين ابْن القَاضِي الْعَلامَة شرف الدّين أبي سعد التَّمِيمِي الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَابْن قاضيها توفى سنة إِحْدَى وست ماية وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الجزيري مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو عبد الله الجزيري بِالْجِيم وَالزَّاي وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا رَاء برع فِي الْعلم وَطَاف وسمت همته إِلَى أَن يحيي سنة مهْدي الْمغرب وَزعم(3/279)
أَن عبد الْمُؤمن وبنيه غيروا سيرته فَقَامَ فِي قوم من البربر يعْرفُونَ بمزالة فخطبوا لَهُ واتبعوه ثمَّ خَافُوا عَاقِبَة ذَلِك لما طلب مِنْهُم فأشاروا عَلَيْهِ أَن يختفي حَتَّى يجد موضعا يحميه فَرجع إِلَى بِلَاد الجزيرة بالأندلس وَأَرَادَ أَن يظْهر دَعوته فِي جبال جَزِيرَة الخضراء وخاطبهم فِي ذَلِك وانتسب إِلَى سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا هَذَا يريدنا لأمر تذْهب فِيهِ أَمْوَالنَا وأرواحنا وَلَو كلفنا سعد بن عبَادَة هَذَا لم نلتفت إِلَيْهِ فأيس مِنْهُم وَصَارَ إِلَى جِهَة بسطة فَقعدَ فِي مَسْجِد وَأَتَاهُ أَصْحَابه ببطيخ فَجعلُوا يَأْكُلُونَهُ ويرمون قشوره فِي الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُم رجل كَانَ هُنَالك مَا رَأَيْت أبعد مِنْكُم عَن مُرُوءَة الدُّنْيَا وَالدّين قَالُوا وَكَيف ذَلِك قَالَ أكلْتُم الْبِطِّيخ وَلَيْسَ فِي الْمَسْجِد غَيْرِي فَلم تعرضوا عَليّ فَعلمت أَنكُمْ لؤماء ورأيتكم ترمون قشور الْبِطِّيخ فِي بَيت الله فَعلمت أَنكُمْ مستخفون بحرمته فتردد فكري فِي أَن تَكُونُوا جُهَّالًا أَو زنادقة فَقَالُوا لَهُ لم يكن لَك فِي الطَّعَام نصيب فيلزمنا دعاؤك فَأَنت إِذا طفيلي وَبَيت الله لِعِبَادِهِ كلهم وقشور الْبِطِّيخ طَاهِرَة فَأَنت إِذا فُضُولِيّ فعلا الْكَلَام بَينهم وَكثر الصخب وأنكرتهم الْعَامَّة فرفعوهم إِلَى الْوَالِي فَبينا الْوَالِي يكْشف أَحْوَالهم إِذْ وَصله كتاب بِأَن الجزيري وأصحاباً لَهُ قد صَارُوا إِلَى جهتك فَبَثَّ الْعُيُون عَلَيْهِم وَاسْتقر مظان اختفايهم فَلَعَلَّ الله يظفرك بهم ويطهر مِنْهُم الْبِلَاد والعباد فَقَالَ الْوَالِي الله أكبر هَذِه حَاجَة أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ قَرَأَ إِن ينصركم الله فَلَا غَالب لكم الْآيَة وَقَالَ لَهُم كَيفَ رَأَيْتُمْ استخفافكم بِبَيْت الله وَسُوء أدبكم مَعَه وأنفذ بهم فَضربت أَعْنَاقهم بعد مَا كَانَ الجزيري قد اشْتهر أمره وَعظم فِي النُّفُوس قدره فاهتم بأَمْره بَنو عبد الْمُؤمن وَجعلُوا عَلَيْهِ الْعُيُون فِي جَمِيع بِلَادهمْ وَحصل فِي الْأَنْفس مِنْهُ أَنه يتَصَوَّر بصور الْحَيَوَانَات الْمُخْتَلفَة)
فَكَانَت الْعَوام يرجمون الْكلاب والسنانير توهماً أَنه تصور بِصُورَة وَاحِدَة من تِلْكَ الْحَيَوَانَات وَمن شعره
(فِي أم رَأْسِي سر ... يَبْدُو لكم بعد حِين)
(لأطلبن مرادي ... إِن كَانَ سعدي معيني)
(أَو لَا فأكتب مِمَّن ... سعى لإِظْهَار دين)
ابْن غطوس النَّاسِخ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مفرج أَبُو عبد الله ابْن غطوس بالغين الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة وَالْوَاو الساكنة وَالسِّين الْمُهْملَة على وزن سفود الْأنْصَارِيّ الأندلسي البلنسي النَّاسِخ قَالَ ابْن الْأَبَّار انْفَرد فِي وقته بالبراعة فِي كِتَابَة الْمَصَاحِف ونقطها يُقَال إِنَّه كتب ألف مصحف وَلم يزل الْمُلُوك والكبار ينافسون فِيهَا إِلَى الْيَوْم وَقد كَانَ آلى على نَفسه أَلا يكْتب حرفا إِلَّا من الْقُرْآن وَخلف أَبَاهُ وأخاه فِي هَذِه الصِّنَاعَة قلت أَخْبرنِي من لَفظه الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الصياد الفاسي بصفد سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع ماية أَنه كَانَ لَهُ بَيت فِيهِ آلَة النّسخ والرقوق وَغير ذَلِك لَا يدْخلهُ أحد من أَهله يدْخلهُ ويخلو بِنَفسِهِ وَرُبمَا قَالَ لي إِنَّه كَانَ يضع الْمسك فِي الدواة وَكَانَ مصحفه لَا يهديه إِلَّا بمايتي دِينَار وَإِن إنْسَانا جَاءَ إِلَيْهِ من بلد بعيد مَسَافَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو قَالَ أَكثر من ذَلِك وَأخذ مِنْهُ مُصحفا وَلما كَانَ بعد مُدَّة فكر فِي أَنه وضع نقطاً أَو ضبطاً على بعض الْحُرُوف فِي غير مَوْضِعه وَأَنه سَافر إِلَى تِلْكَ(3/280)
الْبَلَد وأتى إِلَى ذَلِك الرجل وَطلب الْمُصحف مِنْهُ فَتوهم أَنه رَجَعَ فِي البيع فَقَالَ قبضت الثّمن مني وتفاصلنا فَقَالَ لابد أَن أرَاهُ فَلَمَّا أَتَى بِهِ إِلَيْهِ حك ذَلِك الْغَلَط وَأَصْلحهُ وَأَعَادَهُ إِلَى صَاحبه وَرجع إِلَى بَلَده أَو كَمَا قَالَ وَقد رَأَيْت أَنا بِخَطِّهِ مُصحفا أَو أَكثر وَهُوَ شَيْء غَرِيب من حسن الْوَضع ورعاية المرسوم وَلكُل ضبط لون من الألوان لَا يخل بِهِ فاللازورد للشدات والجزمات واللك للضمات وللفتحات والكسرات والأخضر للهمزات الْمَكْسُورَة والأصفر للهمزات الْمَفْتُوحَة لَا يخل بِشَيْء من ذَلِك وَلَيْسَ فِيهِ وَاو وَلَا ألف وَلَا حرف وَلَا كلمة فِي الْحَاشِيَة وَلَا تخريجة وَكَأَنَّهُ مَتى فسد مَعَه شَيْء أبطل تِلْكَ القايمة توفى الْمَذْكُور سنة عشر وست ماية وَمِمَّنْ سلك هَذِه الطَّرِيق فِي الْمَصَاحِف ابْن خلدون البلنسي
ابْن سيدة الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عَليّ بن عمر بن صابر السّلمِيّ أَبُو طَالب ابْن أبي الْمَعَالِي الْمَعْرُوف بِابْن سيدة من أهل دمشق من أَوْلَاد الْمُحدثين)
سمع أَبَاهُ وَأَبا طَاهِر الخشوعي وَأَبا مُحَمَّد بن عَسَاكِر وَغَيرهم وسافر إِلَى مصر وَسمع بهَا البوصيري واسمعيل بن صَالح بن ياسين المقرىء وَكَانَت لَهُ دنيا وَاسِعَة وَحَال حَسَنَة يتقلب فِيهَا على مُرَاد قلبه فزهد فِيهَا فِي عنفوان شبابه وطرحها وَصَحب الصَّالِحين وَجَاوَزَ بِمَكَّة سِنِين عديدة وَحضر مَعَ الشَّيْخ عمر السهر وردي إِلَى بغداذ لما حضر من الشَّام وَسمع بهَا أثنى عَلَيْهِ ابْن النجار وَقَالَ سَمِعت مِنْهُ عَن وَالِده وَغَيره وَلم أر إنْسَانا كَامِلا غَيره فَإِنَّهُ زاهد عَابِد ورع تَقِيّ كثير الصّيام وَالصَّلَاة محافظ على الأوراد يكثر تِلَاوَة الْقُرْآن ومطالعة كتب الْعلم وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا من الْأَحَادِيث وَكَلَام الْمَشَايِخ وَتوفى بِدِمَشْق سنة سبع وثلثين وست ماية
القَاضِي شرف الدّين ابْن عين الدولة مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْقسم بن صَدَقَة بن حَفْص قَاضِي الْقُضَاة أَبُو المكارم شرف الدّين ابْن القَاضِي الرشيد ابْن القَاضِي أبي الْمجد الصفراوي الاسكندري الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن عين الدولة ولد بالاسكندرية سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس ماية وَقدم الْقَاهِرَة سنة ثلث وَسبعين وَكتب لقَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين ابْن درباس ثمَّ نَاب عَنهُ فِي الْقَضَاء وَحكم بالاسكندرية من أَعْمَامه وأخواله ثَمَانِيَة وناب فِي الْقَضَاء أَيْضا عَن قَاضِي الْقُضَاة ابْن أبي عصرون وَعَن زين الدّين عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي وَعَن عماد الدّين ابْن السكر ثمَّ اسْتَقل بِالْقضَاءِ بِالْقَاهِرَةِ وَولي الْقَضَاء بالديار المصرية وَبَعض الشامية سنة سبع عشرَة وَكَانَ عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ مطلعاً على غوامضها وَكتب الْخط الْجيد وَله نظم ونثر وَكَانَ يحفظ من شعر الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين جملَة وعزل عَن قَضَاء مصر ببدر الدّين السنجاري وَبَقِي قَاضِيا بِالْقَاهِرَةِ وبالوجه البحري وَنقل المصريون عَنهُ كثيرا من النَّوَادِر والزوايد كَانَ يَقُولهَا بِسُكُون وناموس وَمن شعره
(وليت الْقَضَاء وليت القضا ... ء لم يَك شَيْئا تَوليته)
(فأوقعني فِي الْقَضَاء القضا ... وَمَا كنت قدما تمنيته)(3/281)
وَتُوفِّي سنة تسع وثلثين وست وماية وَسَأَلَهُ الْكَامِل عَن سنه فَقَالَ ارتجالاً
(يَا سايلي عَن قوى جسمي وَمَا فعلت ... فِيهِ السنون أَلا فاعلمه تبيينا)
(ثاء الثَّلَاثِينَ أحسست الفتور بهَا ... فَكيف حَالي فِي ثاء الثمانينا)
تقدم إِلَى القَاضِي شرف الدّين ابْن عين الدولة رجلَانِ من أهل الْفسْطَاط فَقَالَ أَحدهمَا لي عِنْد)
هَذَا كَذَا وَكَذَا زبدية من ألوان الطَّعَام قدمتها إِلَيْهِ وَقد ورد من السّفر ووصلت أَنا من سفرتي هَذِه وَلم يقدم لي مثلهَا فَقَالَ يَا وَفِي الدولة اسْمَع مَا يَقُول كريم الدولة فَانْقَلَبَ الْمجْلس ضحكا
أَبُو عبد الله الصُّوفِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد الْمصْرِيّ أَبُو عبد الله بن أبي الْقسم الصُّوفِي شيخ رِبَاط المأمونية ولي مشيخة الرِّبَاط بعد وَالِده وعمره اثْنَتَا عشرَة سنة فَأَقَامَ بِهِ شَيخا عشْرين سنة ثمَّ غزل اسْمَعْهُ وَالِده من أبي الْفرج ابْن كُلَيْب وَأبي الْقسم ابْن بوش وذاكر بن كَامِل وَعبد الْحق ابْن الصَّابُونِي وَطلب هُوَ بِنَفسِهِ وَسمع من أَصْحَاب أبي الْقسم ابْن الْحصين وَأبي بكر ابْن الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن النجار وَقد سَمِعت مِنْهُ كثيرا برباطه لَهُ معرفَة بالفقه وَالْخلاف وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وَحصل من اللُّغَة والنحو طرفا صَالحا وَكتب خطا جيدا وَله نظم مليح وَكَانَ أظرف أهل زَمَانه وألطفهم أَخْلَاقًا وأوسعهم صَدرا وأتمهم مُرُوءَة وأنشدنى لنَفسِهِ
(أَيهَا المعرض عني ... صل ودع عَنْك التجني)
(قد رمت عَيْنَاك سَهْما ... فَأصَاب الْقلب مني)
وَقَالَ ابْن النجار وَقَالَ لي أنشدتهما لأبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ ابْن جميل فأنشدنى لنَفسِهِ
(يَا مليح الْوَجْه صلني ... أَخذ الهجران مني)
(فالضنى ترويه أجفا ... نك عَن خصرك عني)
وَتُوفِّي سنة تسع وثلثين وست ماية
شرف الدّين المرسي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن أبي الْفضل الإِمَام الأوحد شرف الدّين أَبُو عبد الله السّلمِيّ الأندلسي المرسي الْمُحدث الْمُفَسّر النَّحْوِيّ ولد بمرسية سنة تسع وَسِتِّينَ وَقيل سنة سبعين وعني بِالْعلمِ وَسمع الْمُوَطَّأ بعلو بالمغرب من الْحَافِظ الحجري وَحج وَدخل الْعرَاق وخراسان وَالشَّام ومصر وَسمع جمَاعَة كَثِيرَة وَقَرَأَ الْفِقْه وَالْأُصُول وَحدث(3/282)
بالسنن الْكَبِير للبيهقي وبغريب الحَدِيث للخطابى عَن مَنْصُور الفراوي وَله مصنفات عديدة وَله نظم ونثر حسن وَكَانَ زاهداً متورعاً كثير الْعِبَادَة فَقِيرا مُجَردا توفى بعريش مصر فِيمَا بَينه وَبَين الزعقة وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى دمشق وَدفن بتل الزعفة وَخلف كتبا عَظِيمَة كَانَت مودعة)
بِدِمَشْق فرسم السُّلْطَان بِبَيْعِهَا فَكَانُوا يحملون مِنْهَا كل يَوْم ثَلَاثًا إِلَى دَار السَّعَادَة لأجل الباذرائى فَاشْترى مِنْهَا جملَة كَثِيرَة وأبيعت فِي سنة وصنف تَفْسِيرا كَبِيرا لم يتمه وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَخمسين وست ماية وواخذ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل وَأخذ عَلَيْهِ فِي سبعين موضعا وَبرهن سقم ذَلِك قَالَ ياقوت وَكَانَ عُذْري الْهوى عامري الجوى لَهُ كل يَوْم حبيب وَطول تَرْجَمته ياقوت واستوفاها وَله كَلَام على شعر أَبى الطّيب أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ هُوَ صَاحب الضوابط الْكُلية فِي النَّحْو وَذكر لنا أَنه كَانَ لَهُ فِي الْبِلَاد الَّتِي يتنقل إِلَيْهَا من الْكتب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِحَيْثُ أَنه لَا يستصحب كتبا اكْتِفَاء بِمَالِه فِي الْبَلَد الَّذِي يُسَافر إِلَيْهِ من الْكتب وأنشدني من لَفظه قَالَ أنشدنا أَبُو الْهدى عِيسَى قَالَ أنشدنا شرف الدّين لنَفسِهِ لما دخل عَلَيْهِ الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس المريني وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ لَهُ مَا هيأت من الزَّاد مَا بَقِي إِلَّا الرحيل فَقَالَ ارتجالاً
(قَالُوا مُحَمَّد قد كَبرت وَقد أَتَى ... داعى الْحمام وَمَا اهتممت بزاد)
(قلت الْقَبِيح من الْكَرِيم لضيفه ... عِنْد الْقدوم مَجِيئه بالزاد)
ابْن الْأَبَّار مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن أبي بكر الْحَافِظ الْعَلامَة أَبُو عبد الله الْقُضَاعِي البلنسي الْكَاتِب الأديب الْمَعْرُوف بِابْن الْأَبَّار وبالأبار ولد سنة خمس وَتِسْعين وَسمع من أَبِيه الْأَبَّار وأبى عبد الله مُحَمَّد بن نوح الغافقي وأبى الرّبيع سُلَيْمَان بن مُوسَى بن سَالم الكلاعى الْحَافِظ وَبِه تخرج وعني بِالْحَدِيثِ وجال فِي الأندلس وَكتب العالي والنازل وَكَانَ بَصيرًا بِالرِّجَالِ عَارِفًا بالتاريخ إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة فَقِيها مقرئاً اخبارياً فصيحاً لَهُ يَد فِي البلاغة والإنشاء فِي النّظم والنثر كَامِل الرياسة ذَا جلالة وأبهة وتجمل وافر وَله من المصنفات فِي الحَدِيث والتاريخ وَالْأَدب كمل الصِّلَة لِابْنِ بشكوال بِكِتَاب فِي ثلثة أسفار قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين اختصرته فِي مُجَلد وَاحِد وَمن رأى كَلَام الرجل علم مَحَله من الحَدِيث وَكَانَ لَهُ إجَازَة من أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي جَمْرَة روى عَنهُ بهَا وَقتل مَظْلُوما بتونس على يَد صَاحبهَا لِأَنَّهُ تخيل مِنْهُ الْخُرُوج وشق الْعَصَا وَقيل إِن بعض أعدايه ذكر عِنْد صَاحب تونس أَنه ألف تَارِيخا وَأَنه تكلم فِيهِ فِي جمَاعَة فَلَمَّا طلب أحسن بِالْهَلَاكِ فَقَالَ للغلام خُذ البغلة وآمض بهَا إِلَى حَيْثُ شِئْت فَهِيَ لَك وَله جُزْء سَمَّاهُ دُرَر السمط فِي خبر السبط ينَال فِيهِ من بني أُميَّة ويصف عليا عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي وَهَذَا تشيع)
ظَاهر وَلكنه إنْشَاء بديع قلت وَله كتاب تحفة(3/283)
القادم تراجم شعراء وَكتاب إيماض الْبَرْق والحلة السيراء فِي أشعار الْأُمَرَاء وإعتاب الْكتاب أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس أَنه أملاه فِي ثَلَاثَة أَيَّام توفى سنة ثَمَان وَخمسين وست ماية وَمن شعره يصف الْمركب
(يَا حبذا من بَنَات المَاء سابحة ... تطفو لما شب أهل النَّار تطفئه)
(تطيرها الرّيح غرباناً بأجنحة ال ... حمايم الْبيض للاشراك ترزؤه)
(من كل أدهم لَا يلفى بِهِ جرب ... فَمَا لراكبه بالقار يهنؤه)
(يدعى غراباً وللفتخاء سرعته ... وَهُوَ ابْن مَاء وللشاهين جؤجؤه)
وَمِنْه
(مرقوم الخد مورده ... يكسوني السقم مجرده)
(شفاف الدّرّ لَهُ جَسَد ... بِأبي مَا أودع مجسده)
(فِي وجنته من نعْمَته ... جمر بفؤادي موقده)
(نظرت عَيْنَايَ لَهُ خطأ ... فَأبى الأنظار تَعَمّده)
(ريم يَرْمِي عَن أكحله ... زرقاً تصمي من يصمده)
(متداني الخطوة من ترف ... أَتَرَى الأحجال تقيده)
(ولاه الْحسن وَأمره ... وَأَتَاهُ السحر يُؤَيّدهُ)
وَمِنْه
(ونهر كَمَا ذَابَتْ سبايك فضَّة ... حكى بمحانيه آنعطاف الأراقم)
(إِذا الشَّفق آستولى عَلَيْهِ آحمراره ... تبدى خضيبا مثل دامي الصوارم)
(وتحسبه سنت عَلَيْهِ مفاضة ... لِأَن هاب هبات الرِّيَاح النواسم)
(وتطلعه من دكنة بعد زرقة ... ظلال لأدواح عَلَيْهِ نواعم)
(كَمَا آنفجر الْفجْر المطل على الدجى ... وَمن دونه فِي الْأُفق سحم الغمايم)
وَمِنْه أَيْضا
(لله نهر كالحباب ... ترقيشه سامي الْحباب)
(يصف السَّمَاء صفاؤه ... فخصاه لَيْسَ بِذِي اصطخاب)
(وكأنما هُوَ رقة ... من خَالص الذَّهَب الْمُذَاب)
)
(غارت على شطيه أَب ... كار المنى عصر الشَّبَاب)
(والظل يَبْدُو فَوْقه ... كالخال فِي خد الكعاب)
(لَا بل أدَار عَلَيْهِ خو ... ف الشَّمْس مِنْهُ كالنقاب)(3/284)
(مثل المجرة جر فِي ... هَا ذيله جون السَّحَاب)
وَمِنْه أَبْيَات
(شَتَّى محاسنه فَمن زهر على ... نهر تسلسل كالحباب تسلسلا)
(عريت بِهِ شمس الظهيرة لاتني ... إحراق صفحته لهيباً مشعلا)
(حَتَّى كَسَاه الدوح من أفنانه ... بردا يمزق فِي الأصايل سلسلا)
(وكأنما لمع الظلال بمتنه ... قطع الدِّمَاء جمدن حِين تحللا)
قلت شعر جيد لمعانيه غوص
أَبُو عبد الله المتيجي مُحَمَّد بن عبد الله بن ابراهيم بن عِيسَى بن معنين بن عَليّ بن يُوسُف أَبُو عبد الله الاسكندراني الْفَقِيه المالكى الْعدْل من أهل الْعلم والْحَدِيث كَانَ صَالحا ثِقَة ثبتاً وَكَانَ لَهُ نظم توفى سنة تسع وَخمسين وست ماية وَمن شعره فِيمَا يكْتب بِهِ على الإجازات
(أجزت لَهُم أَعلَى الْمُهَيْمِن قدرهم ... وحلاهم ذكرا جميلاً معطراً)
(رِوَايَة مَا أرويه شرقاً ومغرباً ... وَمَا قلته نظماً ونثراً محبرا)
(على شَرط أهل الْعلم والصيغة الَّتِي ... يكون بهَا معنى الْإِجَازَة مظْهرا)
(وَهَذَا جوابي ثمَّ وآسمي مُحَمَّد ... عَفا الله عَنهُ مَا مضى وتأخرا)
(أَقُول وَعبد الله اسْم لوالدي ... وإبرهيم جدي قد نصصت مخبرا)
(وَيعرف بالمتي نِسْبَة بَلْدَة ... وسطرت خطي بالقريض معبرا)
قلت طول وَجَاء بِشعر غث رَكِيك وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا كَانَ يَكْتُبهُ ابْن الظهير الإربلي وَقد تقدم شرف الدّين المتانى مُحَمَّد بن عبد الله بن مُوسَى شرف الدّين أَبُو عبد الله الحورانى المتانى الشَّيْخ الْعَارِف الزَّاهِد كَانَ لَهُ رياضات وخلوات وَانْقِطَاع وَمَعْرِفَة جَيِّدَة بعلوم مُتعَدِّدَة توفى بحماة فِي سنة تسع وَخمسين وست وماية ومتان بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق قَرْيَة من قرى حوران
الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن مَالك الإِمَام(3/285)
الْعَلامَة الأوحد جمال)
الدّين أَبُو عبد الله الطَّائِي الجياني الشَّافِعِي النَّحْوِيّ نزيل دمشق ولد سنة إِحْدَى وَسمع بِدِمَشْق من مكرم وَأبي صَادِق الْحسن بن صباح وَأبي الْحسن السخاوي وَغَيرهم وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن غير وَاحِد وجالس ابْن عمرون وَغَيره بحلب وتصدر بحلب لإقراء الْعَرَبيَّة وَصرف همته إِلَى إتقان لِسَان الْعَرَب حَتَّى بلغ فِيهِ الْغَايَة وأربى على الْمُتَقَدِّمين وَكَانَ إِمَامًا فِي القراآت وعللها صنف فِيهَا قصيدة دالية مرموزة فِي قدر الشاطبية وَأما اللُّغَة فَكَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِيهَا أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود رَحمَه الله من لَفظه قَالَ جلس يَوْمًا وَذكر مَا انْفَرد بِهِ صَاحب الْمُحكم عَن الْأَزْهَرِي فِي اللُّغَة قلت وَهَذَا أَمر معجز لِأَنَّهُ يُرِيد ينْقل الْكِتَابَيْنِ وَأَخْبرنِي عَنهُ أَنه كَانَ إِذا صلى فِي العادلية لِأَنَّهُ كَانَ إِمَام الْمدرسَة يشيعه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن خلكان إِلَى بَيته تَعْظِيمًا لَهُ وَقد قَرَأت ألفية الشَّيْخ الْمُسَمَّاة بالخلاصة من لَفْظِي على الشَّيْخ شهَاب الدّين الْمشَار إِلَيْهِ وَرَوَاهَا لي عَنهُ ورويتها بِالْإِجَازَةِ عَن نَاصِر الدّين شَافِع بن عبد الظَّاهِر وَعَن شهَاب الدّين ابْن غَانِم بِالْإِجَازَةِ عَنْهُمَا عَنهُ وَأما النَّحْو والتصريف فَكَانَ فيهمَا بحراً لَا يشق لجه وَأما اطِّلَاعه على أشعار الْعَرَب الَّتِي يستشهد بهَا على النَّحْو واللغة فَكَانَ أمرا عجيباً وَكَانَ الأيمة الْأَعْلَام يتحيرون فِي أمره وَأما الِاطِّلَاع على الحَدِيث فَكَانَ فِيهِ آيَة لِأَنَّهُ أَكثر مَا يستشهد بِالْقُرْآنِ فَإِن لم يكن فِيهِ عدل شَاهد إِلَى الحَدِيث وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء عدل إِلَى أشعار الْعَرَب هَذَا مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من الدّين وَالْعِبَادَة وَصدق اللهجة وَكَثْرَة النَّوَافِل وَحسن السمت وَكَمَال الْعقل وَانْفَرَدَ عَن المغاربة بشيئين الْكَرم وَمذهب الشَّافِعِي أَقَامَ بِدِمَشْق مُدَّة يصنف ويشغل بالجامع والتربة العادلية وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَكَانَ نظم الشّعْر عَلَيْهِ سهلاً رجوه وطويله وبسيطه وصنف كتاب تسهيل الفوايد مدحه سعد الدّين مُحَمَّد بن عَرَبِيّ بِأَبْيَات مليحة إِلَى الْغَايَة وَهِي
(إِن الإِمَام جمال الدّين جمله ... رب العلى ولنشر الْعلم أَهله)
(أمْلى كتابا لَهُ يُسمى الفوايد لم ... يزل مُفِيدا لذى لب تَأمله)
(فَكل مَسْأَلَة فِي النَّحْو يجمعها ... إِن الفوايد جمع لَا نَظِير لَهُ)
وَفِي هَذِه الأبيات مَعَ حسن التورية فِيهَا مَا لَا يَخْلُو من ايراد ذكرته فِي كتابي فض الختام عَن التورية والاستخدام وَمن تصانيفه سبك المنظوم وَفك الْمَخْتُوم وَكتاب الكافية الشافية ثلثة آلَاف بَيت وَشَرحهَا وَالْخُلَاصَة وَهِي مُخْتَصر الشافية وإكمال الْإِعْلَام بمثلث الْكَلَام وَهُوَ)
مُجَلد كَبِير كثير الفوايد يدل على اطلَاع عَظِيم ولامية الْأَفْعَال وَشَرحهَا وَفعل وأفعل والمقدمة الأَسدِية وَضعهَا باسم وَلَده الْأسد وعدة اللافظ وعمدة الْحَافِظ وَالنّظم الأوجز فِيمَا يهمز والاعتضاد فِي الظَّاء وَالضَّاد مُجَلد وَغير ذَلِك وإعراب مُشكل البُخَارِيّ أَنْشدني(3/286)
العلاّمة أثير الدّين أَبُو حَيَّان من لَفظه قَالَ أَنْشدني عَليّ بن مَنْصُور بن زيد بن أبي الْقسم الهمذاني التَّمِيمِي قَالَ أنشدنا الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك لنَفسِهِ
(إل ابْن الْخَيْر عَن ضَرَرا خشيتا ... فَحسن الحزم رَأيا إِن دهيتا)
(وَهَذَا مَذْهَب وعر مداه ... مواصل غرَّة قد حَان صيتًا)
(إِذا الملهوف ذَا صدق عَطاء ... تنَلْ حسن المحامد مَا حييتا)
قلت كَذَا أنشدنيه الْعَلامَة أثير الدّين بِفَتْح اللَّام من ال وَفتح النُّون من ابْن وبنصب ضرروفتح النُّون من حسن وَضم الْمِيم من الحزم وَكسر الْبَاء من مَذْهَب وَفتح الْفَاء من الملهوف وَنصب الْهمزَة من عَطاء وَضم النُّون من حسن وَفتح الدَّال من المحامد وَتَفْسِيره أَن ال امْر وَابْن مفعول وَعَن بِمَعْنى أَن أبدلت الْهمزَة عينا وَحسن فعل مَاض وَذَا مَذْهَب حَال ومواصل فَاعل وإامر وَذَا الملهوف مفعول وَعَطَاء مفعول ثَان وَحسن منادى والمحامد مفعول تنَلْ وَمن نظم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن مَالك رَحمَه الله تَعَالَى
(تثليث باإصبع مَعَ شكل همزته ... بِغَيْر قيد مَعَ الاصبوع قد نقلا)
(وَأعْطِ أُنْمُلَة مَا نَالَ الاصبع إِ ... لَا الْمَدّ فالمد للبا وَحدهَا بذلا)
(أرز أرز أرز صَحَّ مَعَ أرز ... والرز والرنز قل ماشئت لاعذلا)
(لدن بِتَثْلِيث دَال لدن لدن لدن ... ولد ولد لد لدن أوليت فعلا)
(فاأف ثلث وَنون إِن أردْت وأف ... أفى ورفعاً ونصباً إِنَّه قبلا)
(حيهل حيهل آحفظ ثمَّ حيهلاً ... أَو نون اَوْ حيهل قل ثمَّ حَيّ علا)
(هيا وهيك هيا هيك هيت وَهِي ... ت كلهَا اسْم لأمر يَقْتَضِي عجلا)
(أيهات بِالْهَمْز أَو بالها وَآخره ... ثلث وإيهات والتنوين مَا حظلا)
(أيهان إيهاك إيهاً قطّ قطّ وقط ... وقط مَعَ قطّ وقتا مَاضِيا شملا)
(هَا هَاء جردهما أَو أولينهما ... كَاف الْخطاب على الْأَحْوَال مُشْتَمِلًا)
(أَو مَا لذِي الْكَاف نول همز هَاء كها ... ء هاؤما هاؤم هاؤن فآمتثلا)
)
(وآحكم بفعلية لَهَا وهاء وصل ... هما بِمَا حف وناد آمراً وصلا)
(وَرب ربت ربت رب رب رب مَعَ ... تَخْفيف الاربع تقليل بهَا حصلا)
(همز ايم وايمن فأفتح واكسر أَو أم قل ... أَو قل م أَو من بالتثليث قد شكلا)
(وأيمن اختم بِهِ وَالله كلا اضف ... إِلَيْهِ فِي قسم تبلغ بِهِ الأملا)
وروى عَنهُ وَلَده بدر الدّين مُحَمَّد وَقد مر ذكره وشمس الدّين بن جعوان وَقد مر وشمس الدّين ابْن أبي الْفَتْح وَابْن الْعَطَّار وزين الدّين أَبُو بكر الْمزي وَالشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن اليونيني وَأَبُو عبد الله الصَّيْرَفِي وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة وشهاب الدّين مَحْمُود وشهاب الدّين ابْن غَانِم(3/287)
وناصر الدّين شَافِع وَخلق سواهُم أَنْشدني من لَفظه الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعيد الْحَنْبَلِيّ عرف بِابْن قيم الجوزية قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح بن أبي الْفضل البعلي قَالَ أنشدنا شَيخنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَالك لنَفسِهِ فِي لُغَات الْأرز بَيْتا مُفردا وَهُوَ
(أرز أرز أرز صَحَّ مَعَ أرز ... والرز والرنز قل مَا شِئْت لَا عذلا)
وأنشدني الْمَذْكُور وَالشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ بالسند الْمَذْكُور فِي أَسمَاء الذَّهَب لَهُ
(نضر نضير نضار زبرج سير ... وزخرف عسجد عقيان الذَّهَب)
(والتبر مَا لم يذب وأشركوا ذَهَبا ... وَفِضة فِي نسيك هَذَا الغرب)
وأنشدني الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ بالسند الْمَذْكُور لَهُ فِي أَسمَاء خيل السباق الْعشْرَة على الْوَلَاء
(خيل السباق المجلي يقتفيه مص ... ل والمسلي وتال قبل مرتاح)
(وعاطف وحظي والمؤمل وَال ... لطيم والفسكل السّكيت يَا صَاح)
وَله من هَذِه الضوابط شَيْء كثير وَكَانَ يَقُول عَن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الْحَاجِب إِنَّه أَخذ نَحوه من صَاحب الْمفصل وَصَاحب الْمفصل نَحوه صغيرات وناهيك بِمن يَقُول هَذَا فِي حق الزَّمَخْشَرِيّ وَكَانَ الشَّيْخ ركن الدّين ابْن القوبع يَقُول إِن ابْن مَالك مَا خلى للنحو حُرْمَة وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ يَوْمًا فِي الْحمام قد اعتزل فِي مَكَان يسْتَعْمل فِيهِ الموسى فهجم عَلَيْهِ أَمْرَد وَقَالَ لَهُ مَا تصنع فَقَالَ لَهُ أكنس لَك الْموضع الَّذِي تقعد عَلَيْهِ وَهَذَا أستبعده من الشَّيْخ جمال الدّين رَحمَه الله والعهدة على من حَكَاهُ لي وَلَا أستبعد ذَلِك من لطف النُّحَاة وطباع أهل)
الأندلس توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست ماية بِدِمَشْق رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ شرف الدّين الحصني يرثيه
(يَا شتات الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال ... بعد موت ابْن مَالك المفضال)
(وانحراف الْحُرُوف من بعد ضبط ... مِنْهُ فِي الِانْفِصَال والاتصال)
(مصدرا كَانَ للعلوم بِإِذن ... الله من غير شُبْهَة ومحال)
(عدم النَّعْت والتعطف والتو ... كيد مستبدلاً من الْإِبْدَال)
(ألم اعتراه أسكن مِنْهُ ... حركات كَانَت بِغَيْر اعتلال)
(يَا لَهَا سكتة لهمز قَضَاء ... أورثت طول مُدَّة الِانْفِصَال)
(رَفَعُوهُ فِي نعشه فانتصبنا ... نصب تَمْيِيز كَيفَ سير الْجبَال)
(فخموه عِنْد الصَّلَاة بدل ... فأمليت أسراره للدلال)
(صرفوه يَا عظم مَا فَعَلُوهُ ... وَهُوَ عدل معرف بالجمال)(3/288)
(أدغموه فِي الترب من غير مثل ... سالما من تغير الِانْتِقَال)
(وقفُوا عِنْد قَبره سَاعَة الدُّف ... ن وقوفاً ضَرُورَة الِامْتِثَال)
(وَمَدَدْنَا الأكف نطلب قصراً ... مسكنا للنزيل من ذِي الْجلَال)
(آخر الْآي من سبا حظنا مِنْهُ ... حَظه جَاءَ أول الْأَنْفَال)
(يَا لِسَان الْأَعْرَاب يَا جَامع الإع ... راب يَا مفهماً لكل مقَال)
(يَا فريد الزَّمَان فِي النّظم والنث ... ر وَفِي نقل مسندات العوالي)
(كم عُلُوم بثنتها فِي أنَاس ... علمُوا مَا ثنيت عِنْد الزَّوَال)
قلت هَذَا مَا اخترته من هَذِه القصيدة وَمَا رَأَيْت مرثية فِي نحوي أحسن مِنْهَا على طولهَا ولي فِي شَيخنَا الْعَلامَة أثير الدّين مرثية تقَارب هَذِه
جندي رخيص مُحَمَّد بن عبد الله نَاصِر الدّين الأتابكي الجندي عرف بجندي رخيص قتل مَعَ سنقر الْأَشْقَر فِي صفر سنة تسع وَسبعين وست ماية وَدفن بقباب التركمان
ابْن النن الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن مَسْعُود الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو عبد الله ابْن النن بالنونين المشددتين وَفتح الأولى الْعَنسِي البغداذي الْفَقِيه ولد سنة تسع وَتِسْعين ببغداذ وَسمع من ابْن منينا وَيحيى بن ياقوت وَسليمَان الْموصِلِي وثابت بن مشرف وَكَانَ ثِقَة)
متيقظاً ورى عَنهُ ابْن الْعَطَّار وَغَيره وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مروياته وَتوفى بالاسكندرية سنة تسع وَسبعين وست ماية
حافي رَأسه النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن عمر الْعَلامَة جمال الدّين التلمساني الزناتي الكملاني المازوني قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين لقبه محيي الدّين انْتهى النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بحامي رَأسه كَانَ من أيمة الْعَرَبيَّة بالثغر وَكَانَ يحفظ الْإِيضَاح لأبي عَليّ ويقرىء بداره وَحدث عَن ابْن رواج وَقَرَأَ عَلَيْهِ ابْن الْمُنِير شَيْئا من النَّحْو ولد بتلمسان سنة سِتّ وست ماية بِظَاهِر سمع من أبي الْقسم الصفراوي وَابْن رواج وَجَمَاعَة وتصدر للعربية زَمَانا أَخذ عَنهُ تَاج الدّين الْفَاكِهَانِيّ وطايفة وَتخرج بِهِ خلق وَأخذ هُوَ النَّحْو عَن أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن صَالح التَّيْمِيّ تلميذ ابْن بري وَعَن أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن الزيات تلميذ مُحَمَّد بن قَاسم بن قنداس وَابْن قنداس من أَصْحَاب الْجُزُولِيّ وابي ذَر الْخُشَنِي وَأخذ أَيْضا عَن نحوي الثغر عبد الْعَزِيز بن مخلوف الاسكندري الْجَرَاد ولقب بحافي رَأسه لحفرة كَانَت فِي دماغه وَقيل كَانَ فِي رَأسه شَيْء يشبه ح وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ فِي أول أمره مَكْشُوف الرَّأْس وَقيل رَآهُ رَئِيس فِي الثغر فَأعْطَاهُ(3/289)
ثيابًا جدداً لبدنه فَقَالَ هَذَا لبدني ورأسي حافي فَأمر لَهُ بعمامة فَلَزِمَهُ ذَلِك وَمن شعره أنشدنيه من لَفظه الشَّيْخ أثير الدّين
(ومعتقد أَن الرياسة فِي الْكبر ... فَأصْبح ممقوتاً بهَا وَهُوَ لَا يدْرِي)
(يجر ذيول الْكبر طَالب رفْعَة ... أَلا فاعجبوا من طَالب الرّفْع بِالْجَرِّ)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(يَا مُنْكرا من بخل أهل الثغر مَا ... عرف الورى أنْكرت مَالا يُنكر)
(أقصر فقد صحت نتانة أَهله ... وَمن الثغور كَمَا علمت الأبخر)
قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين وَلَا أعلمهُ صنف شَيْئا قلت وَهُوَ أحد النُّحَاة الثَّلَاثَة المحمدين فِي عصر وَاحِد هُوَ فِي الاسكندرية وَابْن النّحاس فِي مصر وَابْن مَالك فِي دمشق وَقد مر ذكرهمَا وَمن شعر الشَّيْخ محيي الدّين حافي رَأسه
(ومعلمي الصَّبْر الْجَمِيل بهجره ... فَثنى فؤاداً عَنهُ لم يَك ينثني)
(لَا بُد من أجر لكل معلم ... وَإِلَى السلو ثَوَاب مَا علمتني)
وَكتب إِلَى الْأَمِير نور الدّين على بن مَسْعُود الصوابى)
(شَكَوْت إِلَيْك نور الدّين حَالي ... وحسبي أَن أرى وَجه الصَّوَاب)
(وكتبي بعتها ورهنت حَتَّى ... بقيت من الْمَجُوس بِلَا كتاب)
فتح الدّين ابْن عبد الظَّاهِر مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الظَّاهِر ابْن نشوان بن عبد الظَّاهِر القَاضِي فتح الدّين ابْن القَاضِي محيي الدّين الجذامي الروحي الْمصْرِيّ صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء ومؤتمن المملكة بالديار المصرية مولده بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وثلثين وست ماية سمع من ابْن الجميزي وَغَيره وَحدث وساد فِي الدولة المنصورية بعقله ورأيه وهمته وَتقدم على وَالِده القَاضِي محيي الدّين وَهُوَ مَا هُوَ فِي فن الْإِنْشَاء وَكِتَابَة الترسل فَكَانَ وَالِده من جملَة الْجَمَاعَة الَّذين يصرفهم أمره وَنَهْيه وَكَانَ السُّلْطَان يعْتَمد عَلَيْهِ ويثق بِهِ وَتُوفِّي فِي حَيَاة وَالِده وفجع بِهِ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست ماية بقلعة دمشق وَدفن بسفح قاسيون وَلم يكن وفجع بِهِ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست ماية بقلعة دمشق وَدفن بسفح قاسيون وَلم يكن فِي صناعَة الانشاء مجيداً وَلَا مكثراً وَلم أسمع لَهُ غير بَيْتَيْنِ رثى بهما حسام الدّين طرنطاي وضمنهما بَيْتا وَنصفا وهما
(أَلا رحم الله الحسام فَإِنَّهُ ... أَصمّ بِهِ الناعي وَإِن كَانَ أسمعا)
(وَمَا كَانَ إِلَّا السَّيْف لَاقَى ضريبة ... وقطعها ثمَّ انثنى فتقطعا)
وَلكنه يدل على ذوق وذكاء ودبر الدِّيوَان وَنفذ مهماته وباشره أحسن مُبَاشرَة لما توزر فَخر الدّين ابْن لُقْمَان قَالَ لَهُ الْملك الْمَنْصُور من يكون عوضك فَقَالَ فتح الدّين ابْن عبد الظَّاهِر فَتمكن فتح الدّين من السُّلْطَان وحظي عِنْده إِلَى أَن دخل فَخر الدّين يَوْمًا على السُّلْطَان فَأعْطَاهُ كتابا يقرأه فَلَمَّا دخل فتح الدّين أَخذ الْكتاب مِنْهُ وَأَعْطَاهُ لفتح الدّين وَقَالَ لفخر الدّين تَأَخّر وَلما بَطل فَخر الدّين من الوزارة وَعَاد إِلَى ديوَان الْإِنْشَاء تأدب مَعَه وَلما ولي الوزارة(3/290)
للأشرف شمس الدّين ابْن السلعوس قَالَ لفتح الدّين اعْرِض عَليّ كل مَا تكتبه فَقَالَ لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك وَلَا يطلع على أسرار السُّلْطَان إِلَّا هُوَ فَإِن اخترتم وَإِلَّا عينوا عوضي فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك قَالَ صدق قَالَ قطب الدّين اليونيني لما توفى فتح الدّين وجد فِي أوراقه قصيدة عَملهَا مرثية فِي رَفِيقه تَاج الدّين ابْن الْأَثِير وَكَانَ قد مرض وَطول فِي مَرضه فَعُوفِيَ تَاج الدّين قبل وَفَاة فتح الدّين بأيام قلايل وَولي مَكَانَهُ فَعَاد تَاج الدّين رثاه وَقَالَ السراج الْوراق يرثيه وَكَانَ مَوته مُوَافقا لمَوْت سعد الدّين الْموقع
(رزية فتح الدّين سد بهَا الفضا ... علينا وَمَاتَتْ حِين مَاتَ الفضايل)
)
(وَقد قيل سعد الدّين وَافق مَوته ... فَقلت وَسعد كلهَا والقبايل)
وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا
(إِذا جدد الله سُبْحَانَهُ ... لكم نعما عَمت المسلمينا)
(فَلَا عدم الْملك نصرا عَزِيزًا ... وَلَا عدم الدّين فتحا مُبينًا)
ونقلت من خطّ وَالِده محيي الدّين رحمهمَا الله تَعَالَى
(أَيهَا الْفَتْح أَنْت عوني وسكنا ... ك بقلبي فَلَيْسَ عَنهُ تغيب)
(فَلهَذَا أمسيت نصري من الل ... هـ تَعَالَى رَبِّي وَفتح قريب)
ونقلت مِنْهُ أَيْضا
(لي فتح نصري بِهِ وبقلبي ... سَاكن فِيهِ لَيْسَ عَنهُ يغيب)
(وَأَنا مُؤمن فبشراي إِذْ لي ... من إلهي نصر وَفتح قريب)
ووقفت للْقَاضِي فتح الدّين ابْن عبد الظَّاهِر فِيمَا بعد على قصيدة مدح بهَا السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون عِنْدَمَا هزم التتار نوبَة حمص وَهِي
(الله أَعْطَاك لَا زيد وَلَا عَمْرو ... هَذَا الْعَطاء وَهَذَا الْفَتْح والنصر)
(هَذَا الْمقَام الَّذِي لَو لم تحل بِهِ ... لم يبْق وَالله لَا شام وَلَا مصر)
(من ذَا الَّذِي كَانَ يلقى ذَا الْعَدو كَذَا ... أَو يدرع لأمة مَا لامها الصَّبْر)
(يَا أَيهَا الْملك الْمَنْصُور قد كسرت ... جنودك الْمغل كسر مَا لَهُ جبر)
(واستأصلوا شأفة الْأَعْدَاء وانتصروا ... لما ثَبت وَزَالَ الْخَوْف والذعر)
(لما بغا جَيش أبغا فِي تجاسره ... وَلم يمد لَهُ إِلَّا القنا جسر)
(وَأجْمع الْمغل والتكفور وَاتَّفَقُوا ... مَعَ الفرنج وَمن أردى بِهِ الْكفْر)
(جَاءَت ثَمَانُون ألفا من بعوثهم ... لأرض حمص وَكَانَ الْبَعْث والنشر)(3/291)
(جَاءَ الخميسان فِي يَوْم الْخَمِيس ضحى ... وامتدت الْحَرْب حَتَّى أذن الْعَصْر)
(وَالسيف يرْكَع والأعلام رَافِعَة ... والروس تسْجد لَا عجب وَلَا كبر)
(وَالْخَيْل لَا تغتدي إِلَّا على جثث ... والسهل من أروس الْقَتْلَى بِهِ وعر)
(وَالْبيض تغمد فِي الأجفان من مهج ... والسمر ناهيك يَا مَا تفعل السمر)
(فجَاء فِي رَجَب عيدَان من عجب ... للسيف وَالرمْح هَذَا الْفطر والنحر)
)
(فَكَانَ أسلمهم من أسلموه لِأَن ... يَقُودهُ الْقَيْد أَو يسري بِهِ الْأسر)
(وَرَاح فارسهم فِي إِثْر راجلهم ... ينتابه الْوَحْش أَو ينبو بِهِ القفر)
(فَمَا رعى مِنْهُم رَاع مطيته ... وَلَا ارعوى لَهُم من روعة فكر)
(وَكَانَ يَوْم الْخَمِيس النّصْف من رَجَب ... عَام الثَّمَانِينَ هَذَا الْفَتْح والنصر)
(وَعَاد سلطاننا الْمَنْصُور منتصراً ... فَالْحَمْد للله ثمَّ الْحَمد وَالشُّكْر)
قلت شعر يُقَارب الْجَوْدَة إِلَّا أَنه حِكَايَة وَاقعَة الْحَال إِلَّا أَن هَذِه القافية فاترة إِلَى الْغَايَة وَكتب أَيْضا على دَوَاة نُحَاس استعملها بِدِمَشْق لوالده
(إفتح دَوَاة سَعَادَة أقلامها ... تجْرِي بواف من عَطاء وافر)
(عملت لعبد الله راجي عَفوه ... والمستجير بِهِ ابْن عبد الظَّاهِر)
السبتي مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن سعيد الْعَنسِي بالنُّون أَبُو عبد الله السبتي ولد سنة أَربع وست ماية قَالَ الْحَافِظ ابْن رشيد لَا يوثق لقَوْله إِلَّا إِن وجد شَيْء من رِوَايَته بِخَط غَيره توفى سنة ثلث وَتِسْعين وست ماية
الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن غَانِم مُحَمَّد بن عبد الله بن غَانِم بن عَليّ النابلسي الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو عبد الله ابْن الشيح الْقدْوَة الْعَارِف ابْن الشَّيْخ الْكَبِير غَانِم النابلسي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي قدم دمشق وتفقه على الشَّيْخ تَاج الدّين الْفَزارِيّ وَأفْتى بِبَلَدِهِ مُدَّة إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ صَالحا زاهداً لَهُ فُقَرَاء مريدون توفى سنة ثلث وَتِسْعين وست ماية
التجِيبِي الْخَطِيب مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي نصر التجِيبِي الغرناطي أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ هُوَ الأديب الصَّالح لَهُ خطب سهلة المساق عذبة الْأَلْفَاظ كَانَ يخْطب بِجَامِع مطخشارش من غرناطة سَمِعت مِنْهُ خطباً جملَة وأجازني ونقلت من خطه
(وَمَا الْعِيد بِاسْتِعْمَال طيب وزينة ... وَلَا أَن يرى فِيهِ عَلَيْك جَدِيد)
(وَلَكِن رضى الرَّحْمَن عَنْك هُوَ الَّذِي ... يَصح عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة عيد)
جمال الدّين الْأنْصَارِيّ الْحلَبِي مُحَمَّد بن عبد الله بن ماجد(3/292)
الْمَذْكُور لنَفسِهِ بِمصْر بمكتب ابْن عبد الحميد
(قف الركب يَا صَاح بالأجرع ... قَلِيلا لتندب قلبِي معي)
(فقد كَانَ يسكن بَين الضلوع ... وَقد صَار يربع بالأربع)
)
(دَعَاهُ الغرام إِلَى حتفه ... فلبى الْمنية لما دعِي)
(فآه لَهُ من قطيع اللحاظ ... وَمن بالنواظر لم يقطع)
(وَمن ذَا الَّذِي قَادَهُ طرفه ... فَلَا يستقاد وَلم يتبع)
(فَمن ينس لَا أنس يَوْم الْوَدَاع ... غَدَاة الثَّنية من لعلع)
(وَقَوْلِي لَهَا بِلِسَان الخضوع ... وَقد كدت أغرق فِي الأدمع)
(قفي سَاعَة نشتكيك الغرام ... وَمَا شِئْت من بعْدهَا فاصنعي)
(فَلم يبْق لي الدَّهْر أُمْنِية ... سوى أَن أَقُول وَأَن تسمعي)
(وَفِي سَاعَة الْبَين يَا هَذِه ... يبين المحق من الْمُدَّعِي)
(وَصَحَّ الْفِرَاق وَسَار الرفاق ... وَلم يبْق فِي الْوَصْل من مطمع)
(وَبَيت القصيدة أَتَى رجعت ... سليباً وَمَا عَاد قلبِي معي)
(فيا جنب إياك أَن تَسْتَقِر ... وَيَا عين إياك أَن تهجعي)
كَانَ مولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخمْس ماية
القَاضِي شرف الدّين ابْن القيسراني مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد القَاضِي شرف الدّين ابْن الصاحب فتح الدّين ابْن القيسراني المَخْزُومِي كَانَ رَئِيسا دينا متواضعاً كثير المحاسن توفّي سنة سبع وَسبع ماية وَله فِي فن الْإِنْشَاء الْيَد الطُّولى أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس قَالَ كَانَ قد توجه صُحْبَة السُّلْطَان إِلَى غَزْوَة قازان أَو غَيرهَا الشَّك مني فرأيته فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ منصرف عَن الْوَقْعَة وَقد نصر الله الْمُسلمين فِيهَا على التتار فَأَخْبرنِي بِمَا فتح اله بِهِ فنظمت فِي الْمَنَام بَيْتَيْنِ واستيقظت ذَاكِرًا للْأولِ مِنْهُمَا وَهُوَ
(الْحَمد لله جَاءَ النَّصْر وَالظفر ... واستبشر النيرَان الشَّمْس وَالْقَمَر)
فَكتبت إِلَيْهِ أعلمهُ بذلك فَكتب إِلَيّ الْجَواب عَن ذَلِك
(أيا فَاضلا تلهي مَعَاني صِفَاته ... وكل بليغ فَاضل من رُوَاته)
(وَمن يستبين الْفَهم من لحظاته ... لَهُ آمُر بِالرشد فِي يقظاته)
وَفِي النّوم يهديه لخير الطرايق(3/293)
(وَمن قربه غايات كل وَسِيلَة ... وأسطره تزهى بزهر خميلة)
(وَجُمْلَته فِي النَّاس أَي جميلَة ... فَإِن قَامَ لم يدأب لغير فَضِيلَة)
)
وَإِن نَام لم يحلم بِغَيْر الحقايق يقبل الْيَد الْعَالِيَة الفتحية فتح الله أَبْوَاب الْجنَّة بهَا وَلها وأسعد خاطره الَّذِي مَا اشْتغل عَن صوب الصَّوَاب ولالهى ومشتهى خلقه الَّذِي لَا أعرف لحسنه مشبهاً تَقْبِيل مشتاق إِلَى رِوَايَته ورؤيته ونتايج بديهته ورويته متعطش إِلَى روايه وإروايه والتيمن بعالي آرايه والتملي بِهِ فِي هَذِه السفرة المسفرة بمشية الله تَعَالَى عَن النجاح والفلاح والغزوة الَّتِي لَهَا الملايكة الْكِرَام النجدة والرايات النَّبَوِيَّة السِّلَاح وَالْحَرَكَة الَّتِي أخْلص فِيهَا الْمُسلمُونَ لله تَعَالَى رَوَاحهمْ وغدوهم وتعلقت آماله بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى يهْلك عدوهم فَإِنَّهُم قد بغوا وَالْبَغي وخيم المصرع وابتغوا الْفِتْنَة والفتنة لمثيرها تصرع وَقد تكفل الله للملة المحمدية أيديل دولتها وَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لَا يُسَلط عل هَذِه الْأمة من يستبيح بيضتها وَلِهَذَا مَا أمضينا فِي السهر لَيْلًا وَلَا أنضينا فِي السّفر خيلا وَلَا رجونا إِلَّا أَن نحمد السرى عِنْد الصَّباح وكدنا نطير إِلَى الهيجاء زرافات ووحداناً بِغَيْر جنَاح وَلَا جنَاح وسمحنا بنفوس النفايس فِي طلب الْجنَّة والسماح رَبَاح وَيُنْهِي أَن المشرف العالي ورد إِلَيْهِ فتنسم أَرْوَاح قربه وأوجد مسرات قلبه وأعدم مضرات كربه وأبهجه الْكتاب بعبير رياه وألهجه الْخطاب بتعبير رُؤْيَاهُ فَرَأى خطه وشياً مرقوماً وَلَفظه رحيقاً مَخْتُومًا ووجده محتوياً على دُرَر كلامية وَبشر منامية وَحَدِيث نفس عصامية نرجو من الله أَن نشاهد ذَلِك أيقاظاً ونكون لأبيايه حفاظا وَهُوَ كتاب طَوِيل أجَاب عَنهُ الشَّيْخ فتح الدّين وَقد أثبتهما فِي الْجُزْء الأول من التَّذْكِرَة
الشَّيْخ مُحَمَّد المرشدي مُحَمَّد بن عبد الله الْمجد بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ الْكَبِير الشهير الصَّالح المرشدي صَاحب الْأَحْوَال وَكَثْرَة الْإِطْعَام ولخلق كثير فِيهِ اعْتِقَاد ويحكى عَنهُ عجايب تحير السَّامع من إِحْضَاره الْأَطْعِمَة الْكَثِيرَة وَكَانَ مُقيما بقرية منية مرشد بِقرب بلد فوة وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وَقطعَة من مَذْهَب الشَّافِعِي ويخدم الواردين بِنَفسِهِ وَلَا يقبل من أحد شَيْئا وتحيل السُّلْطَان عَلَيْهِ وَبعث لَهُ مَعَ الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي جملَة من الذَّهَب فغالطه فِي قبُولهَا ودسها مَعَه فِي مَأْكُول جهزه مَعَه إِلَى السُّلْطَان وَحج فِي هَيْئَة وتلامذه أنْفق فِي لَيْلَة مَا قِيمَته أَلفَانِ وَخمْس ماية دِرْهَم وَقيل إِنَّه أنْفق فِي ثلث لَيَال مَا يُسَاوِي الْألف دِينَار وَكَانَ يَأْتِيهِ الْأُمَرَاء الْكِبَار وَمن دونهم إِلَى الفقؤاء فَيَأْتِي لكل وَاحِد بِمَا حَدثهُ بِهِ ضَمِيره على مفرده هَذَا ذكره(3/294)
لي غير وَاحِد وَكَاد يبلغ عَنهُ مبلغ التَّوَاتُر بل بلغه وَقل من أنكر عَلَيْهِ حَاله وَاجْتمعَ بِهِ إِلَّا)
وَزَالَ ذَلِك من خاطره كَانَ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس مِمَّن يُنكر حَاله ويشنع عَلَيْهِ فَمَا كَانَ إِلَّا أَن اجْتمع بِهِ فَسَأَلته عَنهُ فَقَالَ هُوَ إِنْسَان حسن ثمَّ اجْتمع بِهِ مرّة وَمرَّة وَكَذَلِكَ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جنكلي بن البابا كَانَ يُنكر عَلَيْهِ وَاجْتمعَ بِهِ وَجرى بَينهمَا تنافس فِي الْكَلَام وَلم يجِئ من عِنْده إِلَّا وَقد رَضِي بِهِ وَلَكِن أَخْبرنِي جمَاعَة عَنهُ مِمَّن توجه إِلَيْهِ وَأقَام عِنْده أَن فِي مَكَانَهُ مَسْجِدا ومنبراً للخطيب يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ يَأْمر النَّاس بِالصَّلَاةِ وَلم يصل مَعَ أحد وَصَلَاة الْجَمَاعَة لَا يعدلها شَيْء وَأمره غَرِيب وَالسَّلَام يتَوَلَّى الله سَرِيرَته وَكَانَ قد عظم شَأْنه وَيكْتب الأوراق إِلَى دوادار السُّلْطَان وَالِي كَاتب السِّرّ وَإِلَى من يتحدث فِي الدولة بِقَضَاء أشغال النَّاس بِعِبَارَة ملخصة موجزة على يَد من يتقاضاه ذَلِك وَيقْضى مَا يُشِير بِهِ وَمَا عظم واشتهر إِلَّا بتردد القَاضِي فَخر الدّين نَاظر الْجَيْش إِلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ يزوره كثيرا فَعظم مَحَله فِي النُّفُوس وَقَرَأَ على ضِيَاء الدّين ابْن عبد الرَّحِيم وتلا على الصايغ بَات فِي عَافِيَة وَأرْسل إِلَى الْقرى الَّتِي حوله ليحضروا إِلَيْهِ فقد عرض أَمر مُهِمّ فَأتوهُ فَدخل خلْوَة زاويته وَأَبْطَأ فطلبوه فوجدوه مَيتا والحكايات فِي شَأْنه كَثِيرَة تزيد وتنقص إِلَّا أَنه كَانَ لَا يَدعِي شَيْئا وَلم بِحِفْظ عَنهُ شطح حسن العقيدة شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَكَانَ يخرج إِلَى الواردين أطمعة كَثِيرَة من دَاخل مَكَانَهُ وَلَا يدْخل إِلَى ذَلِك الْمَكَان أحد سواهُ وَله همة عَظِيمَة وجلادة عل خدمَة النَّاس توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع ماية وَلَعَلَّه قد قَارب السِّتين رَحمَه الله تَعَالَى
قَاضِي الْقُضَاة ابْن الْمجد مُحَمَّد بن عبد الله بن حُسَيْن بن عَليّ بن عبد الله الزدزاري الإربلي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة شهَاب الدّين أَبُو الْفرج وَأَبُو عبد الله ابْن الإِمَام مجد الدّين ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسمع من أبي الْيُسْر ومظفر بن عبد الصَّمد بن الصايغ وَالْفَخْر عَليّ وَابْن أبي عمر وَأبي بكر ابْن الْأنمَاطِي وَابْن الصَّابُونِي وَعبد الْوَاسِع الْأَبْهَرِيّ والنجم بن المجاور وَابْن الوَاسِطِيّ وَابْن الزين وَابْن بلبان وَغَيرهم وَكتب الطباق وَسمع كثيرا وَأفْتى ودرس وجود الْعَرَبيَّة وَغير ذَلِك وَكَانَ أَولا يَنُوب فِي وكَالَة بَيت المَال عَن القَاضِي جمال الدّين وَالْقَاضِي عَلَاء الدّين ابْني القلانسي ثمَّ انْفَرد بِالْوكَالَةِ ثمَّ ولي قَضَاء الْقَضَاء بعد القَاضِي جمال الدّين ابْن جملَة وَلم يحمد فِي الحكم على أَنه حكى لي عَنهُ شرف الدّين الخليلي الْعدْل حِكَايَة تدل على مُرُوءَة جمة وَمَكَارِم عَظِيمَة وَكَانَ وَاسع النَّفس كثير الْبَذْل وَلما عزل من بَاب السُّلْطَان بقاضي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي وَلم يعلم توجه لهناء القَاضِي شهَاب الدّين)
ابْن القيسراني بِولَايَة كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق فنفرت بِهِ الْبلْغَة عِنْد حمام الخضراء فرض دماغه فَحمل فِي محفة إِلَى العادلية وَمَات بعد أُسْبُوع فِي آخر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وثلثين وَسبع ماية وَلم يعْمل لَهُ عزءا وأوذي أصهاره وَكَانَ مجموعاً عَظِيما فِي الْفَضِيلَة أما الْفُرُوع والشروط فَكَانَ إِمَامًا لَا يجارى فِي ذَلِك وَفِيه مَكَارِم وَله محَاسِن وَفِيه خدم للنَّاس كتب إِلَيْهِ جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة(3/295)
(قَاضِي الْقُضَاة ابق فِي سَمَاء علا ... مقتبل السعد نَافِذ الحكم)
(كم من صديق قد جَاءَ يسألني ... فِي الْبر والمكرمات والحلم)
(عَن ابْن صصرى وعنك قلت لَهُ ... لَا فرق بَين الشهَاب والنجم)
أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْمولى شمس الدّين مُحَمَّد الْخياط فِي وقْعَة القَاضِي شهَاب الدّين الْمَذْكُور لما توفّي
(بلغَة قاضينا إِذا زلزلت ... كَانَت لَهُ من فَوْقهَا الْوَاقِعَة)
(تكاثر ألهاه من عجبه ... حَتَّى غَدا ملقى على القارعة)
(فأظهرت زَوجته عِنْدهَا ... تضايقاً بِالرَّحْمَةِ الواسعة)
زين الدّين بن المرحل مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْوَرع الْخَيْر زين الدّين ابْن علم الدّين ابْن الشَّيْخ زين الدّين ابْن المرحل الشَّافِعِي هُوَ ابْن أخي الشَّيْخ صدر الدّين كَانَ من أحسن النَّاس شكلا وربي على طَرِيق خيرة فِي عفاف وملازمة اشْتِغَال وانجماع عَن النَّاس وَكَانَ عَمه يحسده وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله ابْن الْجَاهِل طلع فَاضلا وَابْن الْفَاضِل طلع جَاهِلا يَعْنِي الشَّيْخ صدر الدّين بذلك انه عينه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن الحريري للْقَضَاء وَأَشَارَ بِهِ على السُّلْطَان إِمَّا لقَضَاء مصر أَو لقَضَاء الشَّام فَلم يكن فِيهِ مَا مَنعه من ذَلِك غير صغر سنه وَحضر عل الْبَرِيد من مصر وَتَوَلَّى تدريس الشامية البرانية عوضا عَن الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني لما توجه قَاضِيا بحلب وَأَخْبرنِي جمَاعَة أَن دروسه لم تكن بعيدَة من دورس الشَّيْخ كَمَال الدّين لفصاحته وعذوبة لَفظه وَكَانَ الْفِقْه وأصوله قد جودهما وَأما الْعَرَبيَّة فَكَانَ فِيهَا ضَعِيفا وناب لقَاضِي الْقُضَاة علم الدّين الأخنائي بِدِمَشْق فِي الحكم وَتُوفِّي سنة ثَمَان وثلثين وَسبع ماية
أَبُو عبد الله ابْن الصايغ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْأمَوِي الْمَرْوِيّ الشَّيْخ الأديب محب الدّين)
أَبُو الْبَقَاء الْمَعْرُوف بِابْن الصايغ المغربي حضر إِلَى الديار المصرية رَأَيْته بِالْقَاهِرَةِ مَرَّات وَاجْتمعت بِهِ فِي حَلقَة الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان وَغَيرهَا وَسمعت أَنا وَهُوَ صَحِيح البُخَارِيّ بِقِرَاءَة الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن المرحل النَّحْوِيّ على الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس وأخيه أبي الْقسم بالظاهرية بَين القصرين وأتى بفوايد تتَعَلَّق بِالْعَرَبِيَّةِ غَرِيبَة وَقت السماع فَوَجَدته يستحضر من اللُّغَة شَيْئا كثيرا وَيعرف النَّحْو وَالْعرُوض معرفَة جَيِّدَة إِلَى الْغَايَة وينظم الشّعْر الفايق أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ مَا امتدح بِهِ القَاضِي نجم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ قَاضِي مَكَّة لما أنْشدهُ لمذكور لنَفسِهِ مَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمته وكتبها لي بِخَطِّهِ وَالْتزم الْهَاء قبل الْكَاف وَهُوَ(3/296)
(شرع الْهوى هوني لعزة جاهك ... فارثي لذلة موقفي بتجاهك)
(رقي لجسم رق من دنف الْهوى ... وشفاه مَا تحويه حو شفاهك)
(لَا تعجبي إِن ذبت سقماً واعجبي ... أَن لَيْسَ إِلَّا سقم طرفك ناهكي)
(وَسن نفى وسني فَنمت وَلم أنم ... مَا لَيْلَة الساهي كليل الساهك)
(بطحاء وَادي الأثل لَوْلَا تيهها ... وتفارها مَا حمت فِي أتياهك)
(وَلما وخدت بهَا شوازب ضمراً ... أوردتها عشرا ثغاب مياهك)
(بدلت سدرك بالسدير وَمَا حوى ... وبفايح النسرين فيح عضاهك)
(وهجرت طيب كرى وواصلت السرى ... بِمَشَقَّة التهجير فِي ادماهك)
(ادعوا بسعدى أَيْن يمن سراي إِذْ ... أكرهتم وعففت عَن إكراهك)
(نصبوا عَليّ رخاخهم لكِنهمْ ... شَاهَت وُجُوههم لصولة شاهك)
(جبت الشعاب وَآل شُعْبَة عِنْدَمَا ... سدل الظلام رِدَاءَهُ برداهك)
(اعشوا إِلَى حلى الترايب خُفْيَة ... إِذْ غمض الأتراب عَن أفكاهك)
(أدني اللجين لعسجدي شاحب ... صدئ الإهاب بِمَا اكتساه ساهك)
(أَتَى شممت الزهر بل عيونه ... طل فأنبهه لَدَى انباهك)
(اسقي عهاد الدمع عهدا باللوى ... أنسيته لشفاي لَا لشفاهك)
(زَمنا أردد أهة المشغوف من ... حرقي فتحكيني ترجع آهك)
(أنضارتي اشْتغل المشيب فأنضبت ... شعل الحشا مَا راق من أمواهك)
)
(ينْهَى وينهكني مشيب صنته ... وَلما عرفت بصون ناه نَاهِك)
(حلك المفارق قد تنفس صبحه ... يَا نفس خبي من كرى استعماهك)
(يستبدهونك للنسيب فشرفي ... بشريف مَكَّة منتج استبداهك)
(قَاضِي الشَّرِيعَة والمقيم منارها ... حَيْثُ الْمقَام وَحَيْثُ بَيت إلاهك)
(بلدت فِي جوب الْبِلَاد ومدحه ... يشفي فينفي تُهْمَة استبلاهك)
(لولاه أوشكت الخمول فلازمي ... شكر الَّذِي سنى لقاه لقاهك)
(يَا خير أَرض الله قد رَضِي النَّوَى ... رجل ثوى فأوى إِلَى أواهك)
(القطب نجم الدّين إشراق الدنى ... معنى العلى أَسْنَى وُجُوه وجاهك)
(من إِن تشابهت الرموز أقل لَهَا ... من بعد هَذَا الذِّهْن لاستشباهك)(3/297)
(إِن يخف معناك السقيم فعامل ... بِصَحِيح حكمته على افقاهك)
(روى الحَدِيث فرويت ساحاتنا ... يَا سحب إِذْ حلت عرى أفواهك)
(غيثاً أغاثك يَا حجاز بدره ... وجلا هوامد أغبرت بجلاهك)
(فاخضر مرعاك الْمُبَارك ممرعاً ... والتفت البهمى بغض شباهك)
(جودي سَمَاء ليمن دَعْوَة من سما ... رتباً يقل لَهَا انتعال جباهك)
(يَا نفس إِنَّك قد نقهت من الْغنى ... وَلَقَد غنيت الْيَوْم باستنقاهك)
(هَذَا الْجواد بِمَا حوى أمناه فِي ... إفقار كيس المَال أم إرفاهك)
(يسخو بِمَا يوعي ويظنى مَا يعي ... كم بَين كنز نفيسة ونفاهك)
(دارت رحى الأزمات تبغي جَاره ... فأجاره من كل دَاء داهك)
(أم الْقرى قد جَار من أم الْقرى ... بِفنَاء بدنك كلهَا وبشاهك)
(ناسبت غرته وَبَيت نسيبه ... فَأَعَدْت لَيْسَ الْبَدْر من أشباهك)
(يَا همة من كل هم نزهت ... إِلَّا العلى دومي على استنزاهك)
(لسموت حِين سهمت فِي شأو العلى ... أفردت فالأسماء فِي أسماهك)
(يَا فكرة بدهت بأبدع ملحة ... مَا أقرب الإبداع من إبداهك)
(عرضتها لمعارض لم يحكها ... أَنى وَقد لَزِمت قوافيها هك)
قلت مَا أثبت هَذِه القصيدة بِطُولِهَا إِلَّا طلبا للدلالة على قدرَة هَذَا النَّاظِم على الْإِتْيَان بِهَذِهِ القوافي المزلقة المرقى القلقة الْملقى وَكَانَ رَحمَه الله يلْعَب بِالْعودِ وَكَانَ فَقِيرا إِلَى الْغَايَة وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي طاعون مصر
بدر الدّين الشبلي الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عبد الله الْفَقِيه الْعَالم الْمُحدث بدر الدّين أَبُو الْبَقَاء الشبلي السابقي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ قَالَ شمس الدّين من نبهاء الطّلبَة وفضلاء الشَّبَاب سمع الْكثير وعني بالرواية على الشُّيُوخ وَسمع فِي صغره من أبي بكر ابْن عبد الدايم وَعِيسَى الْمطعم وَألف كتابا فِي الأوايل ومولده سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسبع ماية قلت وَيكْتب خطا وحسناً ولازم القَاضِي شهَاب الدّين أَبَا الْعَبَّاس ابْن فضل الله وَكتب كثيرا من إنشايه وَقد أجزت لَهُ
آخر الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الوافي بالوفيات(3/298)
(الْجُزْء الرَّابِع)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(ربِّ أَعِنْ)
3 - (ابْن عبيد الله)
أَبُو بكر الْعَرْزَمِي مُحَمَّد بن عبيد الله من الْيمن من حَضرمَوْت كُوفِي أدْرك الدولة العباسية ويكنى أَبَا بكر وَيعرف بالعرزمي جلّ شعره آدَاب وَحكم من شعره
(إِن يحسدوني فَإِنِّي غير لائمهم ... قبلي من النَّاس أهل الْفضل قد حسدوا)
(فدام لي وَلَهُم مَا بِي وَمَا بهم ... وَمَات أكثرنا غيظاً بِمَا يجد)
(أَنا الَّذِي وَجَدُونِي فِي حُلُوقهمْ ... لَا أرتقي صادراً مِنْهَا وَلَا أرد)
وَقَالَ
(أرى عَاجِزا يدعى جليداً لغشمه ... وَلَو كلف التَّقْوَى لكلت مضاربه)
(وَعَفا يُسمى عَاجِزا لعفافه ... وَلَوْلَا التقى مَا أَعْجَزته مذاهبه)
(وَلَيْسَ بعجز الْمَرْء أخطأه الْغنى ... وَلَا باحتيالٍ أدْرك المَال كاسبه)
ابْن الْمهْدي مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْمهْدي بِاللَّه مُحَمَّد بن الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ ابْن النجار ذكره الصولي وَغَيره توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين ومأتين قَالَ لَهُ يَوْمًا إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي يَا ابْن أخي بكم اشْترى أَبوك أمك قَالَ بخراج الدُّنْيَا ثَلَاثِينَ ألف ألف دِينَار فَضَحِك إِبْرَاهِيم وَقَالَ يَا ابْن أخي هَذَا خراج الدُّنْيَا)
وَالْآخِرَة
الْعُتْبِي الأخباري مُحَمَّد بن عبيد الله بن عَمْرو بن معوية بن عَمْرو بن عتبَة بن أبي سُفْيَان الْأمَوِي الْمَشْهُور بالعتبي الْبَصْرِيّ الأخباري أحد الأدباء الفصحاء مَاتَ لَهُ بنُون فَكَانَ يرثيهم وقصيدته فِي وَلَده مَشْهُورَة مِنْهَا(4/5)
(الصَّبْر يحمد فِي المواطن كلهَا ... إِلَّا عَلَيْك فَإِنَّهُ مَذْمُوم)
روى عَن أَبِيه وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَلُوط ابْن مخنف وروى عَنهُ أَبُو حَاتِم السجساتي وَأَبُو الْفضل الرياشي وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد النَّخعِيّ وَقدم بَغْدَاد وَحدث بهَا وَكَانَ مشتهراً بِالشرابِ وَكَانَ هُوَ وَأَبوهُ سيدين أديبين فصيحين وَمن تصانيفه كتاب الْخَيل كتاب أشعار الأعاريب وأشعار النِّسَاء اللَّاتِي أحببن ثمَّ أبغضن وَكتاب الذَّبِيح وَكتاب الْأَخْلَاق وَغير ذَلِك وَمن شعره القصيدة الَّتِي مِنْهَا
(رأين الغواني الشيب لَاحَ بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر)
(وَكن مَتى أبصرنني أَو سمعن بِي ... سعين فرقّعن الكوى بالمحاجر)
توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ أول شعر قلته
(بنفسي شيءٌ لست أعرف قدره ... على أَنه مَا كَانَ فَهُوَ شَدِيد)
(تمر بِهِ الْأَيَّام تسحب ذيلها ... فتبلى وَلَا تبليه وَهُوَ جَدِيد)
الْقَائِم بِأَمْر الله الفاطمي مُحَمَّد بن عبيد الله ويدعى مُحَمَّد نزاراً ابْن الْمهْدي الْقَائِم بالمغرب بَايع لمُحَمد وَالِده الْمَذْكُور بِولَايَة الْعَهْد بإفريقية وَمَا مَعهَا وَكَانَت الْكتب تكْتب باسمه والمظلة تحمل على راسه وجهزه أَبوهُ إِلَى مصر مرَّتَيْنِ ليأخذها الأولى فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَلَاث مائَة فوصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وملكها وَملك الفيوم وَصَارَ فِي يَده أَكثر خراج مصر وضيق على أَهلهَا والمرة الثَّانِيَة وصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي سنة سبع وَثَلَاث مائَة فِي عَسْكَر عَظِيم فَخرج عَامل الإِمَام المقتدر عَنْهَا فَدَخلَهَا ثمَّ خرج إِلَى الجيزة فِي خلق عَظِيم ووردت الْأَخْبَار إِلَى بَغْدَاد فَجهز مؤنس الْخَادِم بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَال فَلَمَّا وصل إِلَى مصر كَانَ الْقَائِم قد ملك الجيزة والأشمونين وَأكْثر بِلَاد الصَّعِيد فتلاقيا وَجرى بَينهمَا حروب عَظِيمَة وَوَقع فِي عَسْكَر الْقَائِم الوباء والغلاء فَمَاتَ النَّاس وَالْخَيْل فَرجع إِلَى إفريقية وَتَبعهُ عَسْكَر مصر إِلَى أَن تبَاعد عَنْهُم
وَفِي أَيَّامه خرج أَبُو يزِيد مخلد الْخَارِجِي وَكَانَت المطوعة قد تَبعته وقاسى مِنْهُم شَدَائِد فَأحْسن)
السِّيرَة بَنو(4/6)
عبيد فِي النَّاس وهذبوا وطووا مَا يرومونه من إِظْهَار مَذْهَبهم الْخَبيث وساسوا ملكهم وقنعوا بِإِظْهَار الرَّفْض والتشيع وَكَانَت ولادَة الْقَائِم بِمَدِينَة سلمية بِالشَّام سنة ثَمَانِينَ وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ واستصحبه وَالِده مَعَه إِلَى الْمغرب على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَتُوفِّي الْقَائِم الْمَذْكُور بالمهدية سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَأَبُو يزِيد الْخَارِجِي محاصر لَهُ فَقَامَ بِالْأَمر وَلَده الْمَنْصُور إِسْمَاعِيل وكتم خبر مَوته خوفًا من الْخَارِجِي وَكَانَ على سوسة وَأكْثر العطايا والصلات وَلم يتسم بالخليفة وَكتبه تنفذ من الْأَمِير إِسْمَاعِيل ولي عهد الْمُسلمين
الْوَزير البلعمي مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن رَجَاء الْوَزير أَبُو الْفضل البلعمي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام الساكنة وَالْعين الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وَبعدهَا مِيم أوحد عصره فِي الْعقل والرأي لَهُ كتاب تلقيح البلاغة وَكتاب المقالات وَغير ذَلِك وَهُوَ وَزِير صَاحب مَا وَرَاء النَّهر توفّي سنة تسع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة
الْوَزير أَبُو عَليّ الخاقاني مُحَمَّد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقَان أَبُو عَليّ الْوَزير كَانَ أكبر ولد أَبِيه أحضرهُ الْمُعْتَمد بعد وَفَاة أَبِيه وقلده مَكَانَهُ وَأَرَادَ أَن يخلع عَلَيْهِ فَأمر أَن يُؤَخر ذَلِك فَلم يضطلع بِالْأَمر فَترك أسبوعاً وعزل بالْحسنِ بن مخلد ووزر للمقتدر وصدرت مِنْهُ أَشْيَاء مضحكة وعزل بعلي بن عِيسَى وَقبض عَلَيْهِ على أَنه صدرت مِنْهُ وَاحِدَة حَسَنَة يُقَال أَنه لما عزل أَكثر النَّاس التزوير عَلَيْهِ وَعرضت تواقيع كَثِيرَة على أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى فأنكرها وجهزها إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ عرفني الصَّحِيح فِي هَذِه حَتَّى أمضيه وأبطل الزُّور مِنْهَا فَحَضَرَ الرَّسُول وَهُوَ يُصَلِّي فَأخذ ابْنه أَبُو الْقَاسِم يُمَيّز الْبَاطِل من الصَّحِيح مِنْهَا فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَبوهُ أَن يتَوَقَّف فَلَمَّا فرغ من صلَاته أَخذهَا وتصفحها وخلطها وَقَالَ كل هَذِه التوقيعات صَحِيحَة وَأَنا أمرت بهَا فَمَا رَأَيْت إِبْطَاله فأبطله وَلما انْصَرف الرَّسُول قَالَ لِابْنِهِ أردْت أَن تبغضنا إِلَى النَّاس بِلَا معنى وَيكون الْوَزير قد الْتقط الشوك على أَيْدِينَا نَحن قد صرفنَا فَلم لَا نحبب إِلَى النَّاس بإمضاء كل مَا زوروه فَإِن أَمْضَاهُ كَانَ الْحَمد لنا وَالضَّرَر عَلَيْهِ وَإِن أبْطلهُ كَانَ الْحَمد لنا والذم لَهُ توفّي وَقد تغير ذهنه فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَلَاث مائَة
ابْن الْبَلَدِي مُحَمَّد بن عبيد الله الْبَلَدِي قَالَ الثعالبي فِي التَّتِمَّة هُوَ أشعر من أَبِيه وَكَانَ قد حلف أَن لَا يشرب حولا فبرت يَمِينه فِي غرَّة شَوَّال فَقَالَ)
(برت على هجر الكؤوس يَمِيني ... شهر الصّيام فَمَا امتطين يَمِيني)(4/7)
(قُم هَاتِهَا حَمْرَاء فِي مبيضةٍ ... كالجلنارة فِي جنى نسرين)
(أوما رَأَيْت هِلَال فطرٍ قد بدا ... فِي الْأُفق مثل شعيرَة السكين)
(قسما بحبك لَا مزجت كؤوسها ... إِلَّا ببريقك أَو بماءٍ جفوني)
وَقَالَ
(وبيتٍ خلا من كل خيرٍ فناؤه ... فَضَاقَ علينا وَهُوَ رحب الْأَمَاكِن)
(كأنا مَعَ الجدران فِي جنباته ... دمىً فِي انْقِطَاع الرزق لَا فِي المحاسن)
القَاضِي ابْن مَعْرُوف مُحَمَّد بن عبيد الله بن أَحْمد بن مَعْرُوف أَبُو الْحُسَيْن ابْن قَاضِي الْقُضَاة أبي مُحَمَّد ولي الْقَضَاء نِيَابَة عَن وَالِده بالجانب الشَّرْقِي من بَغْدَاد بعد وَفَاة القَاضِي أبي بكر بن صَبر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَمَات وَالِده فِي سَابِع صفر من السّنة لِأَن الأول توفّي خَامِس الْمحرم فَوَقع لأبي الْحُسَيْن بِالْقضَاءِ على حَاله فَلَمَّا مَاتَ القَاضِي أَبُو عَليّ المحسن بن عَليّ التنوخي فِي محرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة ردَّتْ أَعماله إِلَى أبي الْحُسَيْن فَتَوَلّى الْقَضَاء بهَا كلهَا كَانَ فَقِيها فَاضلا متكلماً حسن الْعبارَة أديباً بليغ الْأَلْفَاظ مليح الْكِتَابَة وَكَانَ من محَاسِن النَّاس صُورَة وَمعنى ذكر ذَلِك ابْن النجار وَأورد لَهُ من شعره
(فَإِن كَانَ مَا بلغت حَقًا فلامني ... صديقي وشلت من يَدي الأنامل)
(ودام بِي الْإِعْرَاض مِنْك فَإِنَّهُ ... حمامٌ إِذا واصلته لي قَاتل)
وَله أَيْضا
(أَنْتُم وَإِن بَعدت عَنَّا مَنَازِلكُمْ ... نوازلٌ بَين أخطاري وأفكاري)
(وَإِن تحدثت لم ألفظ بغيركم ... وَإِن سكت فَأنْتم عقد إضماري)
وَكتب إِلَى صديق لَهُ لم يعده فِي مَرضه
(وأصلحت جسمي بِشرب الدَّوَاء ... وقلبي على حَاله فِي الْأَلَم)
(فَإِن جدت بالوصل عافيته ... وَإِن زَاد هجرك زَاد السقم)
(وَمثلك فِي الْبُرْء لَا يستزار ... ومثلي فِي الود لَا يتهم)
وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا
(أصلح شرب الدَّوَاء جسمي ... وَالْقلب مِنْهُ السقام بَاقٍ)
)
(أظلهُ الْبَين فَهُوَ شاكٍ ... من ألم الهجر والفراق)
(وَلست أَرْجُو لَهُ فراقاً ... إِلَّا بِأَن يقرب التلاقي)
توفّي رَابِع شعْبَان سنة تسعين وَثَلَاث مائَة قلت شعر متوسط(4/8)
أَبُو بكر الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عبيد الله بن أَحْمد أَبُو بكر ابْن أبي الْقَاسِم الْحَنْبَلِيّ من أهل دير العاقول روى عَن وَالِده أبي الْقَاسِم وَعَن الإِمَام أبي حَامِد الاسفراييني والوزير أبي الْقَاسِم الْحُسَيْن المغربي وَأبي الْحُسَيْن الْحَاجِب وروى عَنهُ مَسْعُود بن نَاصِر السجْزِي
الْأَمِير المسبحي مُحَمَّد بن عبيد الله بن أَحْمد المسبحي بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة الْمَكْسُورَة والحاء الْمُهْملَة الْحَرَّانِي الْأَمِير الْمُخْتَار عز الْملك أحد الْأُمَرَاء المصريين وكتابهم وفضلائهم صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور كَانَ على زِيّ الأجناد واتصل بِخِدْمَة الْحَاكِم ونال مِنْهُ سَعَادَة وَله تصانيف عديدة فِي الْأَخْبَار والمحاضرة وَالشعرَاء من ذَلِك كتاب التَّلْوِيح وَالتَّصْرِيح فِي الشّعْر وَهُوَ مائَة كراسة ودرك البغية فِي وصف الْأَدْيَان والعبادات فِي ثَلَاثَة آلَاف وَخمْس مائَة ورقة وأصناف الْجِمَاع ألف وَمِائَتَا ورقة والقضايا الصائبة فِي مَعَاني أَحْكَام النُّجُوم ثَلَاثَة آلَاف ورقة وَكتاب الراح والإرتياح ألف وَخمْس مائَة ورقة وَكتاب الْغَرق والشرق فِي ذكر من مَاتَ غرقاً أَو شرقاً مِائَتَا ورقة وَكتاب الطَّعَام والإدام ألف ورقة وقصص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ألف وَخمْس مائَة ورقة وجونة الماشطة يتَضَمَّن غرائب الْأَخْبَار والأشعار والنوادر الَّتِي لم يتَكَرَّر مرورها على الأسماع ألف وَخمْس مائَة ورقة ومختار الأغاني ومعانيها وَغير ذَلِك وَمن شعره
(أَلا فِي سَبِيل الله قلبٌ تقطعا ... وفادحةٌ لم تبْق للعين مدمعا)
(أصبراً وَقد حل الثرى من أوده ... فَللَّه همٌ مَا أَشد وأوجعا)
(فيا لَيْتَني للْمَوْت قدمت قبلهَا ... وَإِلَّا فليت الْمَوْت أذهبنا مَعًا)
وَتَوَلَّى المقياس والبهنسا من الصَّعِيد ثمَّ تولى ديوَان التَّرْتِيب وَله مَعَ الْحَاكِم مجَالِس ومحاضرات يشْهد بهَا تَارِيخه الْكَبِير ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتُوفِّي سنة عشْرين وَأَرْبع مائَة ابْن عمروس الْمَالِكِي مُحَمَّد بن عبيد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمروس أَبُو الْفضل الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي قَالَ الْخَطِيب انْتَهَت إِلَيْهِ الْفَتْوَى بِبَغْدَاد وَحدث روى عَنهُ الْخَطِيب وَغَيره وَكَانَ من الْقُرَّاء المجودين توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مائَة)
قَاضِي عكبرا مُحَمَّد بن عبيد الله بن أَحْمد بن أبي الرَّعْد الْحَنَفِيّ قَاضِي عكبرا كَانَ ثِقَة توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة ثَالِث شهر ربيع الآخر سمع أَبَا عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن دوست وَأَبا أَحْمد عبيد الله بن مُحَمَّد بن أبي مُسلم الفرضي وَأَبا عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مهْدي وَأَبا الْفَتْح هِلَال بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الحفار وَغَيرهم قدم(4/9)
بَغْدَاد بعد علو سنه وَحدث بهَا وأملى بِجَامِع الْمَنْصُور روى عَنهُ وَلَده أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد وَأَبُو البركات ابْن السَّقطِي وَأَبُو الْقَاسِم هبة الله ابْن عبد الْوَارِث الشِّيرَازِيّ ومكي بن عبد السَّلَام الرميلي
ابْن أبي الْبَقَاء قَاضِي الْبَصْرَة مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْحسن بن الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ أَبُو الْفرج ابْن أبي الْبَقَاء قَاضِي الْبَصْرَة كَانَ شَيخا مهيباً صبيح الْوَجْه عَالما بِالْمذهبِ لَهُ يَد باسطة فِي اللُّغَة وَالْأَدب وَله تصانيف فِي اللُّغَة حسان سمع الحَدِيث بِالْبَصْرَةِ من أبي الْقَاسِم الْفضل بن مُحَمَّد بن الْفضل القصباني وَأبي مُوسَى عِيسَى بن مُوسَى بن خلف الأندلسي وبواسط من القَاضِي أبي تَمام عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن وَأبي غَالب مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَشرَان وبالأهواز من أبي الْغَنَائِم الْحسن بن عَليّ بن حَمَّاد الْحَوْزِيِّ وبالكوفة من الشريف أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الحسني ودرس الْفِقْه بِبَغْدَاد على أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة بِالْبَصْرَةِ وَله مُقَدّمَة فِي النَّحْو وَكتاب المتقعرين
ابْن الْأَصْبَغ الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْأَصْبَغ الْقرشِي المرواني من أهل قرطبة وَسكن شاطبة أورد لَهُ ابْن الْأَبَّار فِي تحفة القادم
(تثنت فاستراب الخيزران ... وفاهت فاستذل الأقحوان)
(وأبدت من تثنيها فنوناً ... قُلُوب العاشقين لَهَا مَكَان)
(وَقَالَت لَا يباه بِنَا قتيلٌ ... وَلَيْسَ لخائفٍ عِنْدِي أَمَان)
(أرى رضوَان ملتمساً محلي ... كَأَن الأَرْض عَاد بهَا الْجنان)
(وَقَالَت للغزالة حسن وَجْهي ... وثغري يجتنى مِنْهُ الجمان)
مُحَمَّد بن عبيد الله بن غياث بالغين الْمُعْجَمَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت الْمُشَدّدَة وَبعد الْألف ثاء مُثَلّثَة أَبُو عَمْرو من أهل شريش كَانَ شَاعِرًا مطبوعاً توفّي سنة تسع عشرَة وست مائَة قَالَ من أَبْيَات)
(وكوثري الرِّيق إِلَّا أَنه ... فَوق العقيق دره قد نظما)
(أسكرني وَلم أذق رحيقه ... إِلَّا بثغر خاطري توهما)
مِنْهَا
(إِن لم تكن معرفةٌ تقدّمت ... فودنا بِالْغَيْبِ قد تقدما)
(يَا وَقْفَة بالشوق فِيمَا بَيْننَا ... أتعب مِنْهُ الْبَين شخصا كرما)(4/10)
(أَهْدَت لنا مِنْهُ الرِّبَا مَعَ الصِّبَا ... عرفا تذكرت بِهِ عهد الْحمى)
وَقَالَ فِي الشيب وأجاد
(صبوت وَهل عارٌ على الْحر إِن صبا ... وَقيد بِعشر الْأَرْبَعين إِلَى الصبى)
(يرى أَن حب الْحسن فِي الله قربةٌ ... لمن شَاءَ بِالْأَعْمَالِ أَن يتقربا)
(وَقَالُوا مشيبٌ قلت وَاعجَبا لكم ... أينكر بدرٌ قد تخَلّل غيهبا)
(وَلَيْسَ بشيبٍ مَا ترَوْنَ وَإِنَّمَا ... كميت الصبى مِمَّا جرى عَاد أشهبا)
أَبُو حنيفَة الخطيبي الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عبيد الله بن عَليّ بن عبيد الله بن عَليّ بن عبيد الله بن عَليّ الخطيبي أَبُو حنيفَة ابْن أبي إِسْمَاعِيل الْحَنَفِيّ من أهل أَصْبَهَان
قَالَ ابْن النجار كَانَ شَيخا فَاضلا من بَيت مَشْهُور بالرواية والخطابة وَالْقَضَاء وَالْفضل وَالْعلم قدم بَغْدَاد حَاجا وَحدث بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة عَن أَبِيه وَعَن جده لأمه حمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَدَقَة وَعَن أبي مُطِيع مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْعَزِيز الْمصْرِيّ وَأبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مرْدَوَيْه وَأبي الْفَتْح أَحْمد بن مُحَمَّد الْحداد وَعبد الرَّحْمَن ابْن حمد الدوني وَجَمَاعَة غَيرهم وأملى عدَّة مجَالِس بِجَامِع الْقصر وورى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وَعبد الرَّزَّاق بن عبد الْقَادِر الجيلي وَأَبُو الْقَاسِم الْمُبَارك بن أنوشتكين الْعدْل وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أبي الْحسن الضَّرِير الْمُقْرِئ وَغَيرهم ولد سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مائَة
ابْن التعاويذي مُحَمَّد بن عبيد الله بن عبد الله ابو الْفَتْح سبط الْمُبَارك التعاويذي الْبَغْدَادِيّ الْمَشْهُور صَاحب الدِّيوَان أضرّ آخر عمره روى عَنهُ عَليّ بن الْمُبَارك ابْن الْوَارِث توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة إِنَّمَا نسب إِلَى التعاويذي لِأَنَّهُ نَشأ فِي حجره وكفله صَغِيرا فنسب إِلَيْهِ وَهُوَ جده قَالَ ابْن خلكان زلم يكن فِي وقته مثله وَفِيمَا أعتقد لم يكن قبله بِمِائَتي سنة من)
يضاهيه وَلَا يؤاخذني من يقف على هَذَا الْفَصْل فَإِن ذَلِك يخْتَلف بميل الطباع قلت كَانَ شَاعِرًا مطيقاً سهل الْأَلْفَاظ عذب الْكَلَام منسجم التَّرْكِيب وَلم يكن لَهُ غوص على الْمعَانِي وَلم يُورد لَهُ ابْن خلكان رَحمَه الله على إطنابه فِي وَصفه شَيْئا من قصائده الطنانة وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين مَحْمُود رَحمَه الله لَا يُفَارِقهُ ديوانه وَيُعْجِبهُ طَرِيقه وَكَانَ ابْن التعاويذي(4/11)
كَاتبا بديوان المقاطعات وَعمي فِي آخر عمره سنة تسع وَسبعين وَله فِي عماه أشعار كَثِيرَة يرثي عَيْنَيْهِ وَينْدب زمَان شبابه وَجمع ديوانه بِنَفسِهِ ورتبه أَرْبَعَة فُصُول ثمَّ ألحقهُ بعد ذَلِك بِزِيَادَات وصنف كتابا سَمَّاهُ الحجبة والحجاب يدْخل فِي مِقْدَار خمس عشرَة كراسة وَهُوَ قَلِيل الْوُجُود وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب إِنَّه كَانَ فِي الْعرَاق صَاحبه فَلَمَّا انْتقل الْعِمَاد إِلَى الشَّام وخدم نور الدّين وَصَلَاح الدّين كتب إِلَيْهِ يطْلب مِنْهُ فَرْوَة برساله ذكرهَا ابْن خلكان فِي تَارِيخه وَكَانَ مولده سنة تسع عشرَة وَخمْس مائَة وَمن شعره
(سقاك سارٍ من الوسمي هتان ... وَلَا رقت للغوادي فِيك أجفان)
(يَا دَار لهوي وإطرابي وملعب أت ... رابي وللهو أوطارٌ وأوطان)
(أعائدٌ لي ماضٍ من جَدِيد هوى ... أبليته وشبابٌ فِيك فينان)
(إِذْ الرَّقِيب لنا عينٌ مساعدة ... والكاشحون لنا فِي الْحبّ أعوان)
(وَإِذ جميلَة توليني الْجَمِيل وَعَن ... د الغانيات وَرَاء الْحسن إِحْسَان)
(ولي إِلَى البان من رمل الْحمى طربٌ ... فاليوم لَا الرمل يُصِيبنِي وَلَا البان)
(وَمَا عَسى يدْرك المشتاق من وطرٍ ... إِذا بَكَى الرّبع والأحباب قد بانوا)
(كَانُوا مَعَاني المغاني والمنازل أم ... واتٌ إِذا لم يكن فِيهِنَّ سكان)
(لله كم قمرت لبي بجوك أقِم ... ارٌ وَكم غازلتني فِيك غزلان)
(وليلةٍ بَات يجلو الراح من يَده ... فِيهَا أغن خَفِيف الروج جذلان)
(خالٍ من الْهم فِي خلخاله حرج ... فقلبه فارغ وَالْقلب ملآن)
(يذكي الجوى باردٌُ من يقه شمٌ ... ويوقظ الوجد طرفٌ مِنْهُ وَسنَان)
(إِن يمس رَيَّان من مَاء الشَّبَاب فلي ... قلبٌ إِلَى رِيقه المعسول ظمآن)
(بَين السيوف وَعَيْنَيْهِ مشاركةٌ ... من أجلهَا قيل للأغماد أجفان)
(فَكيف أصحو غراماً أَو أفِيق جوىً ... وقده ثمل الأعطاف نشوان)
)
(أفديه من غادرٍ للْعهد غادرني ... صدوده ودموعي فِيهِ غُدْرَان)
(فِي خَدّه وثناياه مقلته ... وَفِي عذاريه للعشاق بُسْتَان)
(شقائقٌ وأقاحٌ نبته خضلٌ ... ونرجسٌ أَنا مِنْهُ الدَّهْر سَكرَان)
وَمِنْه قصيدة مدح بهَا القَاضِي الْفَاضِل أَولهَا
(مرت بِنَا فِي لَيْلَة النَّفر ... تجمع بَين الْإِثْم وَالْأَجْر)
(أدماء غراء هضيم الحشا ... وَاضِحَة اللبات والنحر)
(مرت تهادى بَين أترابها ... كالبدر بَين الأنجم الزهر)(4/12)
(مَال بهَا سكر الْهوى والصبى ... ميل الصِّبَا بالغصن النَّضر)
مِنْهَا
(ذَنبي إِلَى الْأَيَّام حريتي ... وَلم تزل إلباً على الْحر)
(مَا لي أرى النَّاس وحالي على ... خلاف أَحْوَالهم تجْرِي)
(وَمَا أرى لي بَينهم دولةً ... ترفع من شأني وَلَا قدري)
(كأنني لست من النَّاس فِي ... شَيْء وَلَا دهرهم دهري)
(وَمَا لإنسانيتي شاهدٌ ... شَيْء سوى أَنِّي فِي خسر)
مِنْهَا يذكر مَا حصل لَهُ من الْعَمى
(حَتَّى رمتني رميت بالأذى ... بنكبةٍ قاصمة الظّهْر)
(وأوترت فِي مقلةٍ قَلما ... علمتها باتت على وتر)
(أصبتني فِيهَا على غرَّة ... بغابرٍ من حَيْثُ لَا أَدْرِي)
(جوهرةٌ كنت ضنيناً بهَا ... نفيسة الْقيمَة وَالْقدر)
(إِن أَنا لم أبك عَلَيْهَا دَمًا ... فضلا عَن الدمع فَمَا عُذْري)
(مَا لي لَا أبْكِي على فقدها ... بكاء خنساء على صَخْر)
يُقَال أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد قَالَ لَو مدحت بِهَذِهِ القصيدة أجزت عَلَيْهَا بِأَلف دِينَار وَقَالَ ابْن التعاويذي
(يَا واثقاً من عمره بشبيبةٍ ... علقت يداك بأضعف الْأَسْبَاب)
(ضيعت مَا يجدي عَلَيْك بَقَاؤُهُ ... وحفظت مَا هُوَ مؤذنٌ بذهاب)
)
(المَال يضْبط فِي يَديك حسابه ... والعمر تنفقه بِغَيْر حِسَاب)
وَقَالَ وعلو السن قد كسر بالشيب نشاطي
(كَيفَ سموهُ علوا ... وَهُوَ أخذٌ فِي انحطاط)
وَقَالَ
(أأحرم دولتكم بَعْدَمَا ... ركبت الْأَمَانِي وأنضيتها)(4/13)
(وَمَا لي ذنبٌ سوى أنني ... رجوتكم فتمنيتها)
وَقَالَ
(جبةٌ طَال عمرها فغدت تصل ... ح أَن يسمع الحَدِيث عَلَيْهَا)
(كلما قلت فرج الله مِنْهَا ... أحوجت خسة الزَّمَان إِلَيْهَا)
وَقَالَ وَقد سمع قَول الصابي فالعمر مثل الكأس يرم وَسَب فِي أواخره القذى
(فَمَنْ شَبّه العُمرَ كأساً يَقِرُّ ... قَذَاهُ ويَرْسُبُ فِي أَسْفَله)
(فَإِنِّي رَأَيْت القذى طافياً ... على صفحة الكأس فِي أَوله)
وَقَالَ يهجو الْوَزير ابْن الْبَلَدِي
(يَا رب أَشْكُو إِلَيْك ضراً ... أَنْت على كشفه قدير)
(أَلَيْسَ صرنا إِلَى زمَان ... فِيهِ أَبُو جعفرٍ وَزِير)
وَقَالَ
(مُجَاهِد الدّين عِشْت ذخْرا ... لكل ذِي حاجةٍ وكنزا)
(بعثت لي بغلة وَلَكِن ... قد مسخت فِي الطَّرِيق عَنْزًا)
وَقَالَ
(قضيت شطر الْعُمر فِي مدحكم ... ظنا بكم أَنكُمْ أَهله)
(وعدت أفنيه هجاء لكم ... فَضَاعَ عمري فِيكُم كُله)
وَقَالَ أَيْضا
(وَلَقَد مدحتكم على جهلٍ بكم ... وظننت فِيكُم للصنيعة موضعا)
)
(وَرجعت بعد الاختبار أذمكم ... فأضعت فِي الْحَالين عمري أجمعا)
وَقَالَ يهجو
(قَالَ أطباؤه لعوده ... قولا عَن الْحق غير مَدْفُوع)
(شَقوا رغيفاً فِي وَجه صَاحبكُم ... فَمَا بِهِ علةٌ سوى الْجُوع)
وَقَالَ
(وباخلٍ قدم لي شمعةٌ ... وحاله من حرقٍ حَالهَا)(4/14)
(فَمَا جرت من عينهَا دمعةٌ ... إِلَّا وَمن عَيْنَيْهِ أَمْثَالهَا)
ابْن عَلان الوَاسِطِيّ مُحَمَّد بن عبيد الله بن عَلان بن زَاهِر بن عمر بن رزين الْخُزَاعِيّ أَبُو عبد الله الشَّاعِر من أهل وَاسِط قَالَ ابْن النجار شَاب فَاضل حسن الشّعْر دخل الشَّام ومدح مُلُوكهَا ثمَّ قدم بَغْدَاد سنة تسع عشرَة وست مائَة ومدح الإِمَام النَّاصِر وَسمع مِنْهُ الْحَافِظ ابْن الدبيثي ثمَّ إِنَّه سَافر إِلَى الجزيرة فَيُقَال أَنه هجا الْملك الْأَشْرَف والحاجب عليا وَهُوَ النَّاظر بحران فحبسه وخلد فِي السجْن بحران مُدَّة وَكَانَ يلقب بالراوية قَالَ أَنْشدني الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد قَالَ أنشدنا الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(أنظر إِلَى الْخمر وتكوينها ... تَجِد عجيباً مِنْهُمَا أَو عُجاب)
(رقت هَوَاء وصفت مزنةً ... وأضرمت نَارا وَكَانَت تُرَابا)
وَأنْشد لَهُ من أَبْيَات
(وَلكم هَمَمْت بِنصب أشراك الْكرَى ... لخياله وَالنَّوْم مِنْهُ شرود)
(أَو رمت أفلت من هَوَاهُ فشدني ... وسط الحبائل بنده المشدود)
(وَمَتى عزمت على السلو يَقُول لي ... حل الْعَزِيمَة خصره الْمَعْقُود)
(وَإِذا جحدت هَوَاهُ خوف وشاته ... فعلى الغرام دلائلٌ وشهود)
توفّي آخر يَوْم من سنة أَربع وَعشْرين وست مائَة وَلم يبلغ الْأَرْبَعين قلت شعره متوسط
زين الدّين ابْن عبيد الله مُحَمَّد بن عبيد الله بن جِبْرِيل الصَّدْر زين الدّين ابو عبد الله الْكَاتِب الْمصْرِيّ توفّي سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة كَانَ فِي ديوَان الْإِنْشَاء بِالْقَاهِرَةِ وتاج الدّين ابْن الأطرباني كَاتب الْإِنْشَاء هُوَ ابْن أُخْته وَسَيَأْتِي ذكر وَلَده القَاضِي صَلَاح الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد فِي حرف الْيَاء مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَهُ شعر لطيف عذب يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقلب مِنْهُ قَوْله)
(إِنَّمَا الشكوى إِلَى الْخلّ ... ق هوانٌ ومذله)
(فأترك الْخلق وَأنزل ... كل مَا نابك بِاللَّه)
وَقَالَ جَوَابا
(أَهلا وسهلاً بكتابٍ غَدا ... كالروض جادته سَمَاء السماح)
(وافى فَمن فرط سروري بِهِ ... بَات نديماً لي حَتَّى الصَّباح)
(تمزج فِيهِ بالعتاب الرِّضَا ... وَإِنَّمَا تمزج رَاحا براح)
وَكتب إِلَى بعض أَصْحَابه بالحجاز(4/15)
(يَا راحلاً قد كدت أَقْْضِي بعده ... أسفا وأحشائي عَلَيْهِ تقطع)
(شط المزار فَمَا الْقُلُوب سواكنٌ ... لَكِن دمع الْعين بعْدك يَنْبع)
وَقَالَ وَقد اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض
(لم تَجِد همي وَلَا حزني ... أم مفقودٍ لَهَا وَله)
(مَا بَقَاء الرّوح فِي جَسَدِي ... غير تعذيبٍ لَهَا وَله)
وَقَالَ أَيْضا
(أيا بديع الْجمال رق لمن ... ستر هَوَاهُ عَلَيْك مهتوك)
(دُمُوعه فِي هَوَاك جاريةٌ ... وَقَلبه فِي يَديك مَمْلُوك)
لما فتح حصن عكار نظم القَاضِي محيي الدّين عبد الله بن عبد الظَّاهِر وَمن خطه نقلت يَا مليك الأَرْض بِشِرَاك فقد نلْت الإراده
(إِن عكار يَقِينا ... هِيَ عكا وزياده)
ونظم زين الدّين ابْن عبيد الله
(إِن سُلْطَان البرايا ... زَاده الله سعاده)
(قتل الْأَعْدَاء رعْبًا ... وَله بالنصر عَاده)
(حصن عكار فتوحٌ ... هُوَ عكا وزياده)
كِلَاهُمَا من قَول الْقَائِل
(لَك يَا بدرون وجهٌ ... هُوَ عنوان السعاده)
(لَا تخف محقاً ونقصاً ... أَنْت بدرٌ وزياده)
)
وَقَالَ
(وَلَقَد شَكَوْت لمتلفي ... حَالي ولطفت العباره)
(فكأنني أَشْكُو إِلَى ... حجرٍ وَإِن من الحجاره)
وَقَالَ فِي شَبابَة فَأحْسن التَّضْمِين
(وناحلةٍ صفراء تنطق عَن هوى ... فتعرب عَمَّا فِي الضَّمِير وتخبر)
(براها الْهوى والوجد حَتَّى أَعَادَهَا ... أنابيب فِي أجوافها الرّيح تصفر)(4/16)
وَقَالَ مَا يكْتب على حياصة
(لقد غَار مني العاشقون وأظهروا ... قلائي فَلَا نَالَ الْوِصَال غيور)
(وَمن ذَا الَّذِي أضحى لَهُ كعلائقي ... لَدَيْهِ وَلَكِن للنفوس غرور)
(وَقد ضَاعَ مني خصره فَوق ردفه ... فَلَا عجبٌ أَنِّي عَلَيْهِ أدور)
وَمَا أحسن قَول محيي الدّين ابْن قرناص
(منْطقَة المحبوب قَالَت لنا ... مقَالَة توجب أَن نعشقه)
(علائقي يطرب تغريدها ... لَا يُنكر التغريد من مَنْطِقه)
وَقَول محيي الدّين بن عبد الظَّاهِر
(أَنا فِي خصرٍ أهيفٍ لَيْت أَنِّي ... كنت أرقى لجيده فأعانق)
(وَلكم رمت ذَاك مِنْهُ وَلَكِن ... أثقلتني كَمَا رَأَيْت العلائق)
وَهُوَ مَأْخُوذ برمتِهِ من قَول الْقَائِل
(لقد فزت من خصر الحبيب بموضعٍ ... تود بِأَن تسمو إِلَيْهِ المناطق)
(وددت بِأَن أرقى لتقبيل ثغره ... غراماً وَلَكِن أثقلتني العلائق)
وَقَالَ فِي ذَلِك صدر الدّين ابْن الْوَكِيل
(بلغت مقَاما مَا تأتى لعاشقٍ ... حسدت لَهُ من بَين كل الْخَلَائق)
(فَلَا يَدعِي العشاق حَالي فإنني ... نحيلٌ معنى مثقل بالعلائق)
وَقَالَ شهَاب الدّين العزازي فِي ذَلِك مَا عَلَوْت الخصور حَتَّى تبوأت من السقم مقعدي ومكاني وَصَبَرت الصَّبْر الشَّديد على الْبرد وذقت الْعَذَاب بالنيران)
(وَكَأَنِّي أعلنت أَو بحت بالس ... ر فكفوا كَمَا رَأَيْت لساني)
وَقَالَ آخر
(ألوذ بخصر حَبِيبِي وَمَا ... على من يلوذ بمحبوبه)
(كثيبٌ علاهُ قضيبٌ علاهُ ... هلالٌ فيا حسن ترتيبه)
(وحسرة عشاقه أنني ... أحطت بِمَا لم يحيطوا بِهِ)
وَقَالَ زين الدّين ابْن عبيد الله أَيْضا فِي حياصة ذهب
(غَار المحبون مني ... إِذْ درت حول نطاقه)(4/17)
(ونلت مَا لم ينالوا ... من ضمه وعناقه)
(مَا اصفر لوني إِلَّا ... مَخَافَة من فِرَاقه)
وَكتب إِلَى نَاصِر الدّين ابْن النَّقِيب
(يَا من يشنف مسمعي ... بحَديثه ويروق لحظي)
(أنبئت أَنَّك جئتني ... حفظا لعهدي أَي حفظ)
ثمَّ انثيت وَلم تصام دفني وَذَلِكَ لسوء حظي فَكتب ابْن النَّقِيب الْجَواب
(يَا متحف الأسماع من ... هـ بِكُل لفظٍ غير فظ)
(لفظٌ تثنى عطفه ... يختال فِي حكمٍ وَوعظ)
(لَوْلَا اعتذارك مَا خبا ... مَا كَانَ عِنْدِي من تلظي)
قلت لَيْسَ للْحكم والوعظ فِي هَذَا الْمقَام دُخُول وَلَا مقَام
شرف السَّادة مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن عَليّ بن الْحسن ابْن الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن عبيد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَبُو الْحسن الْعلوِي الْحُسَيْنِي الْمَعْرُوف بشرف السَّادة من أهل بَلخ صَاحب النّظم والنثر قدم بَغْدَاد رَسُولا من السُّلْطَان ألب رسْلَان إِلَى الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله فِي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبع مائَة ومدح الْقَائِم وَحدث عَن الْفَقِيه أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد الزَّاهِد روى عَنهُ أَبُو غَالب الذهلي وَأَبُو سعد الزوزني من شعره
(يَا نظرةً جلبت حتفي مفاجأة ... مَا خلت أَن حمامي حم فِي النّظر)
)
(لله حَاجِبه المفدي كَيفَ رمى ... قلب المتيم عَن قوسٍ بِلَا وتر)
وَمِنْه قَوْله
(أفدي بروحي من قلبِي كوجنته ... بِالْوَصْفِ لَا الحكم وَالْأَحْكَام تفترق)
(أعجب بحرقة قلبٍ مَا لَهُ لهبٌ ... وَمن تلهب خدٍ لَيْسَ يَحْتَرِق)
وَقد أثنى الباخرزي فِي الدمية على هَذَا شرف السَّادة ثَنَاء كثيرا وَطول تَرْجَمته وَقَالَ من جملَة وَصفه سيد السادات وشرفهم وبحر الْعلمَاء ومغترفهم وتاج الْأَشْرَاف العلوية المتفرعين من الجرثومة النَّبَوِيَّة تنوس على عَالم الْعلم ذوائبه وتقرطس أهداف الْآدَاب صوائبه وَلم يزل لَهُ أَمَام سَرِير الْملك قدم صدق يطلع فِي سَمَاء الْفجْر بدره ويوطئ أَعْنَاق النُّجُوم قدره وَأَقل مَا يعد من محصوله جمعه من ثمار الْأَدَب وأصوله وَوَصفه بِأَنَّهُ ينثر(4/18)
فينفث فِي عقد السحر ويحلق إِلَى الشعرى إِذا أَسف إِلَى الشّعْر فَأَما الَّذِي وَرَاءه من الْعُلُوم الإلهية الَّتِي أجال فِيهَا الأفكار واقتض مِنْهَا الْأَبْكَار فمما لَا يحصر وَلَا يحزر وَلَا يعد وَلَا يحد وَأورد لَهُ
(شدّ النطاق بخصره ... فغدا فريداً فِي جماله)
يجنى اللجين من الحبال فَكيف رد إِلَى حباله وَقَوله
(بدا للعيون كبدر الدجى ... أحيط بخطٍ من الغاليه)
(فخطٌ تسنن فِي ريه ... وَخط من الشيع الغاليه)
وَقَوله
(بدا بالعتاب وثنى بصد ... ومل فأزرى بِعقد عقد)
وَعلم أصداغه الفاتنات مَا فِي مودته من أود
(فطوراً تعطف كالصولجان ... وطوراً تحلق مثل الزرد)
(وَإِن ظمئت من طراد النسيم ... وردن ثنايا لَهُ كَالْبردِ)
(وَلما الْتَقَيْنَا على غفلةٍ ... وَغَابَ الرَّقِيب وَزَالَ الرصد)
(وَقد نظمت فِي أساريره ... لفرط الْحيَاء عُقُود النجد)
(أَشَارَ بساحرةٍ للقلوب ... إِلَيّ ونافثةٍ فِي العقد)
(وَمَا ضرّ لَو جاد لي بِالسَّلَامِ ... وروح من بعض هَذَا الكمد)
)
(فقد كنت أرْضى بنيل الْقَلِيل ... وَرب غليلٍ شفَاه الثمد)
وَقَوله
(أشبه الْغُصْن إِذْ تأود قدا ... وَحكى الْورْد إِذْ تفتح خدا)
(وثنى للوداع فِي حومة البي ... ن بناناً يكَاد يعْقد عقدا)
(وَلَقَد حاول الْكَلَام فحاشى ... واشييه فأسبل الدمع سردا)
(وَإِذا فاجأ الْمُحب جنود البي ... ن عبى من المدامع جندا)
(لست أنسى وَإِن تقادم عهدٌ ... عهد أحبابنا بنجدٍ ونجدا)
حِين غُصْن الشَّبَاب عضٌ وَنجم الْوَصْل سعدٌ بِحسن إسعاد سعدى
(وغزالاً قد أورث الْبَدْر غيظاً ... وَجهه الطلق والغزالة حقدا)
(ألف الصد والتجنب حَتَّى ... علم الطيف فِي الْكرَى أَن يصدا)
(فسقى عَهده العهاد وَإِن لم ... يقْض حَقًا لَهُ وَلم يرع عهدا)(4/19)
أَبُو الْمجد الْبَاهِلِيّ الطَّبِيب مُحَمَّد بن عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الْبَاهِلِيّ هُوَ أفضل الدولة أَبُو الْمجد بن أبي الحكم من الْحُكَمَاء الْمَشْهُورين كَانَ طَبِيبا حاذقاً وَله يَد طولى فِي الهندسة والنجوم وَيعرف الموسيقى ويلعب بِالْعودِ ويزمر وَله فِي سَائِر آلَات الطَّرب يَد عمالة وَعمل أرغناً وَبَالغ فِي إتقانه وَقَرَأَ على وَالِده وَغَيره الطِّبّ وَكَانَ فِي دولة نور الدّين الشَّهِيد وَلما عمر البيمارستان بِدِمَشْق جعل أَمر الطِّبّ فِيهِ إِلَيْهِ فَكَانَ يَدُور على المرضى فِيهِ وَيعْتَبر أَحْوَالهم وَبَين يَدَيْهِ المشارفون والخدام للمرضى وكل مَا يَكْتُبهُ للمرضى لَا يُؤَخر عَنْهُم فَإِذا فرغ من ذَلِك طلع القلعة وافتقد مرضى السُّلْطَان وَغَيرهم وَعَاد إِلَى البيمارستان وَجلسَ فِي الإيوان الْكَبِير وجميعه مفروش ويحضر كتب الِاشْتِغَال وَكَانَ نور الدّين قد أوقف عَلَيْهِ جملَة كَثِيرَة من الْكتب الطبية وَكَانَت فِي الخرستانين اللَّذين فِي صدر الإيوان وَكَانَ جمَاعَة الْأَطِبَّاء والمشتغلين يأْتونَ إِلَيْهِ ويقعدون بَين يَدَيْهِ ثمَّ تجْرِي مبَاحث طبية وَيقْرَأ التلاميذ وَلَا يزَال مَعَهم فِي مبَاحث وأشغال وَنظر فِي الْكتب مِقْدَار ثَلَاث سَاعَات ثمَّ يركب بعد ذَلِك كُله إِلَى دَاره وَتُوفِّي فِي دمشق سنة وَخمْس مائَة
أَبُو بكر ابْن خطاب الغافقي مُحَمَّد بن عبيد الله بن هَارُون بن خطاب الغافقي المرسي أَبُو بكر أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ الْمَذْكُور كَاتب عَالم عالي الهمة قدم غرناطة وَكتب)
بهَا عَن ملكهَا الْغَالِب بِاللَّه أبي عبد الله ابْن الْأَحْمَر ثمَّ رغب عَنهُ وَجَاوَزَ الْبَحْر إِلَى تلمسان فَكَانَ فِي كنف مَالِكهَا أبي يحيى يغمور العَبْد الْوَادي الْمَعْرُوف بيغمراسن مُعظما مكرماً إِلَى أَن توفّي بهَا سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وأنشدنا الْخَطِيب الْمُحدث النَّحْوِيّ محب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن رشيد الشبلي السبتي قدم علينا الْقَاهِرَة حَاجا قَالَ أنشدنا أَبُو بكر ابْن خطاب بتلمسان لنَفسِهِ
(رشأٌ فِي الخد مِنْهُ رَوْضَة ... مَا جناها دانياً للمهتصر)
(طلع الآس مَعَ الْورْد بهَا ... فهوى يغرب صَبر المصطبر)
(جال مَاء الْحسن فِيهَا والصبى ... فَالتقى المَاء على أمرٍ قد قدر)
(مرت الموسى على عَارضه ... فَكَأَن الآس بِالْمَاءِ غمر)
(مجمع الْبَحْرين أَمْسَى خَدّه ... إِذْ تلاقى فِيهِ مُوسَى وَالْخضر)
شمس الدّين الْكُوفِي الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبيد الله الْوَاعِظ الأديب الْكُوفِي تقدم ذكره فِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي عَليّ عبيد الله(4/20)
3 - (ابْن عبد المتكبر)
القَاضِي أَبُو جَعْفَر الْهَاشِمِي مُحَمَّد بن عبد المتكبر بن الْحسن بن عبد الْوَدُود ابْن عبد المتكبر بن هَارُون بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُهْتَدي بِاللَّه أَبُو جَعْفَر الْهَاشِمِي الْخَطِيب قَاضِي بَاب الْبَصْرَة بِبَغْدَاد سمع ابْن البزي وَغَيره وَكَانَ صَالحا ثِقَة توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
الْخَطِيب أَبُو يعلى الْهَاشِمِي مُحَمَّد بن عبد المتكبر بن الْحسن بن عبد الْوَدُود أَخُو الْمَذْكُور أَولا هُوَ أَبُو يعلى كَانَ يتَوَلَّى الخطابة بِجَامِع الْمَنْصُور سمع شَيْئا من الحَدِيث بعد علو سنه من أبي السُّعُود أَحْمد بن عَليّ بن المجلي وَحدث عَنهُ بِيَسِير سمع مِنْهُ الشريف أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الزيدي ورفيقه صبيح الحبشي وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
3 - (ابْن عبد الْمجِيد)
مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد بن أبي الْقَاسِم بن زُهَيْر أَبُو عبد الله التَّاجِر من أهل الحربية أسمعهُ وَالِده فِي صباه من أبي الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى السجْزِي وَغَيره وَحدث بديار مصر قَالَ محب الدّين ابْن النجار ذكر لنا عِيسَى بن عبد الْعَزِيز اللَّخْمِيّ بالإسكندرية أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن بالروايات وَذكر لنا أَنه كَانَ يَقُول الشّعْر وَله تواليف
ابْن فَخر الدّين ابْن الأقفاصي مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد بن عبد الله القَاضِي سعد الدّين ابْن فَخر الدّين ابْن صفي الدّين ابْن الأقفاصي ولي نظر الخزانة بِمصْر وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة وَلما توجه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد إِلَى الكرك سنة ثَمَان وَسَبْعمائة توجه صحبته وَأظْهر شرا كثيرا وعسفا(4/21)
3 - (ابْن عبد المحسن)
ابْن الرفاء وَالِد شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين مُحَمَّد بن عبد المحسن بن مُحَمَّد ابْن مَنْصُور بن خلف القَاضِي الْفَقِيه زين الدّين أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الأوسي الْكفْر طابي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن الرفاء وَهُوَ وَالِد شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين عبد الْعَزِيز ولي الْقَضَاء والأوقاف بحماة وَله شعر حسن توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة وست مائَة ببارين وَمن شعره
(كَأَن الْهلَال هِلَال السما ... وَقد لَاحَ فِي قمصٍ من سَواد)
(حبيبٌ أمات بهجرانه ... محباً ودارى بِلبْس الْحداد)
وَقَالَ فِي السِّوَاك
(ومصحوبٍ بِهِ أَمر الرَّسُول ... لَهُ لوني المغير والنحول)
(تنعم فِي مكانٍ مَا لخلقٍ ... سواهُ إِلَى تقحمه سَبِيل)
وَقَالَ ملغزاً فِي الْبَيْضَة
(هَا أَنا السَّابِق أَو واضعتي ... خبروا سَابِقنَا بالتبديه)
(إِن تكن مني فَمن أَيْن أَنا ... أَو أكن مِنْهَا فَمن أَيْن هيه)
وَقَالَ
(يَا مُولَعا بالأماني غير مُعْتَبر ... كَيفَ الْإِقَامَة وَالدُّنْيَا على سفر)
)
(لَا تركنن إِلَى دَار الْغرُور وَلَا ... تسكن إِلَى وطنٍ فِيهَا وَلَا وطر)
(وَسَالم النَّاس تسلم من مكايدهم ... مُسلما لقَضَاء الله وَالْقدر)
(كم منحةٍ بدرت مَا كنت تأملها ... ومحنةٍ لم تكن مِنْهَا على حذر)
وَمن شعره
(لَو نفرنا عَن السّكُون إِلَى الدن ... يَا هدينَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط)
(دَار غدرٍ وحسرةٍ وانقطاعٍ ... وبلاءٍ وقلعةٍ واشتطاط)
(أبدا تسترد مَا وهبته ... كخليل ابْن يُونُس الْخياط)
مَعْنَاهُ أَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سَالم بن يُونُس الْخياط كَانَ لَهُ خَلِيل يَدعُوهُ لمنادمته فَإِذا سكر خلع عَلَيْهِ ثوبا فَإِذا صَحا من الْغَد بعث إِلَيْهِ فاستعاده مِنْهُ وَكَانَ ابْن الْخياط هَذَا مُنْقَطِعًا إِلَى الزبير فَقَالَ فِي ذَلِك(4/22)
(كساني قَمِيصًا مرَّتَيْنِ إِذا انتشى ... وينزعه عني إِذا كَانَ صَاحِيًا)
(فلي فرحةٌ فِي سكره بِقَمِيصِهِ ... وروعاته فِي الصحو حصت جناحيا)
(فيا لَيْت حظي فِي سروري ولوعتي ... يكون كفافاً لَا عليّ وَلَا ليا)
وَقَالَ الشَّيْخ شرف الدّين عَن وَالِده زين الدّين صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة حفظ وَالِدي الْقُرْآن الْعَظِيم وعمره تسع سِنِين وَصلى التَّرَاوِيح بِجَامِع دمشق برواق الْحَنَابِلَة وتلقنه من صَالح الْمُقْرِئ وتأدب على الشَّيْخ يُوسُف الْبونِي ثمَّ على الشَّيْخ الْعَالم الْحَكِيم أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن عمر بن حسان الغساني الأندلسي ثمَّ على شَيخنَا تَاج الدّين الْكِنْدِيّ وتفقه على شرف الدّين عبد الله بن أبي عصرون ثمَّ على الشَّيْخ ضِيَاء الدّين الدولعي ونظم الشّعْر وَأَنْشَأَ الرسائل وعمره عشر سِنِين وَمَا حوله
ابْن الدواليبي الْمسند مُحَمَّد بن عبد المحسن بن أبي الْحسن بن عبد الْغفار الشَّيْخ الْفَاضِل الْوَاعِظ المعمر مُسْند الْوَقْت عفيف الدّين أَبُو عبد الله الْأَزجيّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الْخَرَّاط وَالِده الدواليبي شيخ الحَدِيث بالمستنصرية ولد فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ هَكَذَا أملاه وَكتب مرّة سنة تسع وَسمع سنة أَربع وَأَرْبَعين من ابْن الْخَيْر إِبْرَاهِيم وَابْن العليق وَابْن قميرة وأخيه يحيى وَعبد الْملك بن قينا وَأحمد بن عمر الباذبيني وعجيبة الباقدارية وَطَائِفَة وَكَانَ خَاتِمَة من سمع مِنْهُم وَسمع الْمسند كُله بفوت وصحيح مُسلم وانْتهى إِلَيْهِ علو الأسناد كَانَ يَقُول حفظت)
اللمع فِي النَّحْو ومختصر الْخرقِيّ وَحج غير مرّة وَوعظ بالكلاسة وَسمع مِنْهُ الشَّيْخ شمس الدّين بالعلى وَغَيرهَا وَكَانَ حسن المحاضرة طيب الْأَخْلَاق أَخذ عَنهُ الفرضي وَابْن الفوطي والبرزالي وصفي الدّين ابْن الْخَطِيب وسراج الدّين الْقزْوِينِي وشمس الدّين ابْن خلف وَأَخُوهُ مَنْصُور وعفيف الدّين ابْن المطري وَخلق سواهُم وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة
الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن عبد المحسن أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي قدم بَغْدَاد سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ شَاب مَعَ قَاضِي الْقُضَاة الْقَاسِم ابْن يحيى الشهرزوري وَكَانَ أديباً ولديه علم وَفضل وفوض إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة عُقُود الْأَنْكِحَة وولاه بعض الْوُقُوف وَأورد لَهُ محب الدّين ابْن النجار لغزاً فِي شَجَرَة النارنج
(وقائمةٍ على سَاق قويمٍ ... تعاين من تصرفها عجابا)
(تجود لنا ببلور فنلهو ... ونعرض عَن تنَاولهَا ونأبى)
(فتجعلها زمرذةً لنرضى ... وَلَيْسَ نزيدها إِلَّا اجتنابا)
(فتتركنا وتجعله عقيقاً ... فيعجبنا ونأخذها اغتصابا)(4/23)
وَمِنْه قَوْله
(وَكلما طَال عمر الْمَرْء قصر فِي ... أَحْوَاله وبدا فِي فعله الزلل)
(كَالشَّمْسِ مهما علت فِي الْأُفق طالعةً ... فَهَكَذَا فِي خضيض الأَرْض تستفل)
وَمِنْه مَا يكْتب على المسطرة أَنا لما أمرت بِالْعَدْلِ وانقدت وَلم يثنني الْهوى والمراء
(واستقامت طرائقي وتساوت ... فلهَا الِاعْتِدَال والاستواء)
(صرت للنَّاس قدوةً فِي طروس الع ... لم تقفو آثاري الْعلمَاء)
(فاستقم واعتدل تنَلْ رتب الفض ... ل وتعنو لأمرك الْفُضَلَاء)
قلت شعر متوسط وَقَالَ محب الدّين ابْن النجار ذكر لي الْقطيعِي أَنه خرج من بَغْدَاد مَعَ ابْن الشهرزوري سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخمْس مائَة
الأرمنتي قَاضِي البهنسا مُحَمَّد بن عبد المحسن بن الْحسن شرف الدّين الأرمنتي قَاضِي البهنسا فَقِيه نحوي شَاعِر كريم لَبِيب كثير الِاحْتِمَال مشكور فِي ولَايَته وَعين لقَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب إِلَى الْقَاهِرَة فَحَضَرَ جمع كَبِير من أهل البهنسا وأظهروا الْأَلَم وسألوا)
القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي أَن لَا يُغَيِّرهُ فأعفاه وَرجع إِلَيْهِم ثمَّ عين لقوص فَلم يُوَافق وَبني مدرسة بالبهنسا ورباطاً ومسجداً وَكَانَ محبباً إِلَى الْخلق قَرَأَ الْفِقْه بالصعيد على خَاله سراج الدّين يُونُس بن عبد الْمجِيد الأرْمَنْتي وتأدب بِهِ ولازمه وَأقَام بِمصْر سِنِين يشْتَغل بهَا مَعَ خَاله إِلَى أَن ولي خَاله فَسَار مَعَه وَتزَوج ابْنَته وَكَانَ يَنُوب عَنهُ حَيْثُ كَانَ وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين بأرمنت تَقْديرا وَلم يعقب قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي أَنْشدني من شعره كثيرا وَمِنْه
(جز بسفح العقيق وَانْشَقَّ خزامه ... وفؤادي سل عَنهُ إِن رمت رامه)
(وَإِذا مَا شهِدت أَعْلَام نجدٍ ... وزرودٍ وحاجرٍ وتهامه)
(صف لجيرانها الْكِرَام بُيُوتًا ... حَالَة الصب بعدهمْ وغرامه)
(وترقق لَهُم وسلهم وصالاً ... وَقل الهجر والصدود على مَه)
(عبدكم بعدكم على الود باقٍ ... لم يُغير طول البعاد ذمامه)
(يَا كرام النّصاب إِنَّا نَرَاكُمْ ... حَيْثُ كُنْتُم بِكُل حيٍ كرامه)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ يجمع العبادلة
(إِن العبادلة الْأَحْبَار أربعةٌ ... مناهج الْعلم فِي الْإِسْلَام للنَّاس)(4/24)
(ابْن الزبير وَابْن الْعَاصِ وَابْن أبي ... حَفْص الْخَلِيفَة والحبر ابْن عَبَّاس)
(وَقد يُضَاف ابْن مَسْعُود لَهُم بَدَلا ... عَن ابْن عَمْرو لوهمٍ أَو لإلباس)
وَقَالَ حكى لي أَن بعض عدُول البهنسا حكى لَهُ أَن امْرَأَة حضرت مَعَ زَوجهَا إِلَيْنَا لنوقع بَينهمَا الطَّلَاق فرأيناه لَا يَشْتَهِي ذَلِك فكلمناها فَلم تقبل فأوقعناه فالتفتت إِلَيْنَا وأنشدت
(لما غَدا الأكيد عهدي ناقضاً ... وَأَرَادَ ثوب الْوَصْل أَن يتمزقا)
(فارقته وخلعت من يَده يَدي ... وتلوت لي وَله وَإِن يَتَفَرَّقَا)(4/25)
3 - (ابْن عبد الْملك)
الْأمَوِي مُتَوَلِّي مصر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم الْأمَوِي
ولي الديار المصرية لِأَخِيهِ هِشَام بن عبد الْملك وَكَانَ فِيهِ دين ظفر بِهِ عبد الله بن عَليّ يَوْم نهر أبي فطرس فذبحه صبرا فِي سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة أَو مَا دونهَا
الْوَزير ابْن الزيات مُحَمَّد بن عبد الْملك بن ابان بن حَمْزَة الْوَزير أَبُو جَعْفَر ابْن الزيات كَانَ أَبوهُ زياتاً فَنَشَأَ هُوَ وَقَرَأَ الْأَدَب وَقَالَ الشّعْر البديع وتوصل بِالْكِتَابَةِ إِلَى أَن وزر للمعتصم والواثق وَسبب وزارته أَنه ورد على المعتصم كتاب بعض الْعمَّال وَفِيه ذكر الْكلأ فقرأه الْوَزير أَحْمد بن عمار بن شاذي وَزِير المعتصم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا الكلأفقال لَا أعلم فَقَالَ المعتصم خَليفَة أُمِّي ووزير عَامي انْظُرُوا من فِي الْبَاب فوجدوا ابْن الزيات فأدخلوه إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا الكلأفقال العشب على الْإِطْلَاق فَإِن كَانَ رطبا فَهُوَ الخلا فَإِذا يبس فَهُوَ الْحَشِيش وَشرع فِي تَقْسِيم النَّبَات فَعلم المعتصم فَضله فاستوزره وَحكمه وَبسط يَده وَأمر أَن لَا يمر بِأحد إِلَّا يقوم لَهُ فَكَانَ القَاضِي أَحْمد بن أبي دؤاد يرصد لَهُ غُلَاما إِذا رَآهُ مُقبلا أعلمهُ فَيقوم وَيُصلي حَتَّى يعبره ابْن الزيات فَقَالَ ابْن الزيات
(صلى الضُّحَى لما اسْتَفَادَ عَدَاوَتِي ... وَأرَاهُ ينْسك بعْدهَا ويصوم)
(لَا تعدمن عَدَاوَة مَسْمُومَة ... تركتك تقعد تَارَة وَتقوم)
فَبلغ ذَلِك القَاضِي ابْن أبي دؤاد فَقَالَ
(أحسن من تسعين بَيْتا هجا ... جمعك معناهن فِي بَيت)
(مَا أحْوج الدُّنْيَا إِلَى مطرةٍ ... تغسل عَنْهُم وضر الزَّيْت)
وَكَانَ ابْن الزيات قد اتخذ تنوراً من حَدِيد وَفِيه مسامير أطرافها المحددة إِلَى دَاخل التَّنور وَهِي قَائِمَة مثل رُؤْس المسال يعذب فِيهِ المصادرين وأرباب الدَّوَاوِين المطلوبين بالأموال فكيفما انْقَلب أحدهم أَو تحرّك من حرارة الضَّرْب دخلت تِلْكَ المسال فِي جِسْمه فيجد لذَلِك ألماً عَظِيما وَكَانَ إِذا قَالَ أحدهم أَيهَا الْوَزير ارْحَمْنِي فَيَقُول الرَّحْمَة خور فِي الطبيعة فَلَمَّا اعتقله المتَوَكل أدخلهُ ذَلِك التَّنور وَقَيده بِخَمْسَة عشر رطلا من الْحَدِيد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ارْحَمْنِي فَقَالَ الرَّحْمَة خور فِي الطبيعة فَطلب دَوَاة وقرطاساً فَأخذ ذَلِك وَكتب(4/26)
(هِيَ السَّبِيل فَمن يومٍ إِلَى يَوْم ... كَأَنَّهُ مَا تريك الْعين فِي النّوم)
)
(لَا تجزعن رويداً إِنَّهَا دولٌ ... دنيا تنقل من قوم إِلَى قوم)
وسيرها إِلَى المتَوَكل فاشتغل عَنْهَا وَلم يقف عَلَيْهَا إِلَّا فِي الْغَد فَلَمَّا قَرَأَهَا أَمر بِإِخْرَاجِهِ فجاؤوا إِلَيْهِ فوجدوه مَيتا سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت إِقَامَته فِي التَّنور أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَوجد قد كتب بالفحم على جَانب التَّنور
(من لَهُ عهدٌ بنومٍ ... يرشد الصب إِلَيْهِ)
(رحم الله رحِيما ... دلّ عَيْني عَلَيْهِ)
(سهرت عَيْني ونامت ... عين من هنت لَدَيْهِ)
وَقَالَ فِي التَّنور
(سل ديار الْحَيّ من غَيرهَا ... ومحاها وَعَفا منظرها)
(وَهل الدُّنْيَا إِذا مَا أَقبلت ... صيرت معروفها منكرها)
(إِنَّمَا الدُّنْيَا كظلٍ زائلٍ ... نحمد الله كَذَا قدرهَا)
وَلما توفّي المعتصم تولى الْأَمر الواثق وَكَانَ قد حلف إِن صَار الْأَمر إِلَيْهِ لينكبن ابْن الزيات فَلَمَّا كتب الْكتاب مَا يتَعَلَّق بالبيعة لم يرضوه وَكتب ابْن الزيات فأرضاه فَكفر عَن يَمِينه وَقَالَ المَال عَن الْيَمين فديَة وَعوض وَلَيْسَ عَن ابْن الزيات عوض فأقره على الوزارة كَانَ فِي نفس المتَوَكل مِنْهُ شَيْء كثير فَلَمَّا ولي الْخلَافَة خشِي أَن ينكبه عَاجلا فَيسْتر أَمْوَاله فتفوته فأقره على الوزارة وَجعل ابْن أبي دؤاد يغريه ويحثه على الْقَبْض عَلَيْهِ فأمسكه وأودعه التَّنور كَمَا تقدم فَلم يجد من ضيَاعه وأملاكه وذخائره إِلَّا مَا قِيمَته مائَة ألف دِينَار فندم على ذَلِك وَقَالَ لِابْنِ أبي دؤاد أطمعتني فِي الْبَاطِل وحملتني على شخص لم أجد عَنهُ عوضا وَكَانَ ابْن الزيات من أَئِمَّة الْأَدَب المتبحرين الَّذين دققوا النّظر فِيهِ وشعره جيد كثير وَله ديوَان رسائل ومدحه البحتري بقصيدته الدالية الَّتِي مِنْهَا
(وَأرى الْخلق مُجْمِعِينَ على فض ... لَك مَا بَين سيد ومسود)
(عرف الْعَالمُونَ فضلك بالعل ... م وَقَالَ الجهّال بالتقليد)
وَلأبي تَمام الطَّائِي فِيهِ مقطعات كَثِيرَة يعبث بِهِ فِيهَا مِنْهَا
(قَالَت فَأَيْنَ السراة قلت لَهَا ... لَا تسألي عَنْهُم فقد مَاتُوا)
(قَالَت وَلم كَانَ ذَاك قلت لَهَا ... هَذَا وَزِير الإِمَام زيات)
)
وَكَانَ ابْن الزيات يَقُول بِخلق الْقُرْآن
الغزال مُحَمَّد بن عبد الْملك بن زَنْجوَيْه الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ الغزال(4/27)
صَاحب الإِمَام أَحْمد وجاره روى عَنهُ الْأَرْبَعَة وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ ووثَّقه النَّسَائِيّ وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
الدقيقي مُحَمَّد بن عبد الْملك الدقيقي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
راوية بني أَسد مُحَمَّد بن عبد الْملك الفقعسي أَعْرَابِي فصيح أدْرك الْمَنْصُور وَمن بعده من الْخُلَفَاء إِلَى الْمَأْمُون وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ
(أَمِير الْمُؤمنِينَ عَفَوْت حَتَّى ... كَأَن النَّاس لَيْسَ لَهُم ذنُوب)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا
(إِنِّي وَجَدْتُك فِي جرثومةٍ فرعت ... مرعى قريشٍ إِذا مَا واصفٌ وَصفا)
(وَأَنت فِي هَاشم فِي سر نبعتها ... بِحَيْثُ حلت وَسِيطًا لم تكن طرفا)
وَله من الْكتب المصنفة كتاب مآثر بني أَسد وَأَشْعَارهَا
ابْن صَالح الْهَاشِمِي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن صَالح بن عَليّ بن عبد الله ابْن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب شَاعِر مَشْهُور أديب كَانَ ينزل أَرض قنسرين وَله مَعَ الْمَأْمُون خبر بَقِي إِلَى أَيَّام المتَوَكل وَجَرت بَينه وَبَين أبي تَمام الطَّائِي والبحتري مخاطبات
وَهُوَ الْقَائِل يرد على أبي الْأَصْبَغ
(أَنا ابْن آل الله فِي هاشمٍ ... حَيْثُ نمى خير وإحسان)
(من نبعةٍ مِنْهَا نَبِي الْهدى ... مورقةٍ وَالْفرع فينان)
(بِحَيْثُ خَلْفي الرّيح محشورة ... والثقلان الْإِنْس والجان)
(أَئِمَّة زهر نُجُوم الدجى ... بيضٌ على الْأَيَّام غران)(4/28)
وَقَالَ وَهُوَ تَشْبِيه شَيْئَيْنِ بشيئين
(ترى الْهَام فِيهَا وَالسُّيُوف كَأَنَّهَا ... فراخ القطا صبَّتْ عَلَيْهَا الأجادل)
وَقَالَ يصف الْقَلَم
(وأبيض طاوي الكشح أخرس ناطقٍ ... لَهُ ذملان فِي بطُون المهارق)
)
(إِذا استمطرته الْكَفّ جاد سحابه ... بِلَا صَوت إرعادٍ وَلَا ضوء بارق)
(كَأَن اللآلئ والزبرجد نظمه ... وَنور الأقاحي فِي بطُون الحدائق)
(كَأَن عَلَيْهِ من دجى اللَّيْل حلَّة ... إِذا مَا استهلت مزنةٌ بالصواعق)
(إِذا مَا امتطي غر القوافي رَأَيْتهَا ... مُجَللَة تمْضِي أَمَام السوابق)
الكلثومي مُحَمَّد بن عبد الْملك الكلثومي أَبُو عبد الله كَانَ متفناً عَلامَة فِي اللُّغَة وَعلم الْإِعْرَاب والنجوم والحساب وَمَعْرِفَة الْأَنْسَاب وَالْأَيَّام دخل خوارزم حِين زَالَ ملك الطاهرية وَانْقَضَت دولتهم وَمن شعره
(تَقول سعاد مَا يغرد طائرٌ ... على فننٍ إِلَّا وَأَنت كئيب)
(أجارتنا إِنَّا غَرِيبَانِ هَاهُنَا ... وكل غريبٍ للغريب نسيب)
(أجارتنا إِن الْغَرِيب وَإِن غَدَتْ ... عَلَيْهِ غوادي الصَّالِحَات غَرِيب)
(أجارتنا من يغترب يلق للأذى ... نَوَائِب تقذي عينه ويشيب)
(يحن إِلَى أوطانه وفؤاده ... لَهُ بَين أحناء الضلوع وجيب)
(سقى الله طيفاً بالعراق فَإِنَّهُ ... إِلَيّ وَإِن فارقته لحبيب)
(أحن إِلَيْهِ من خُرَاسَان نازعاً ... وهيهات لَو أَن المزار قريب)
(وَإِن حنيناً من خوارزم ضلةً ... إِلَى مُنْتَهى أَرض الْعرَاق عَجِيب)
ابْن أَيمن الْحَافِظ الْمَالِكِي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن بن فرج أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ كَانَ فَقِيها مشاوراً مالكياً حَافِظًا ثِقَة صنف كتابا على سنَن أبي دَاوُد كَمَا فعل ابْن أصبغ وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
الْقَيْسِي المغربي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن طفيل الْقَيْسِي من أهل(4/29)
برشانة من المرية كَانَ طَبِيبا أديباً كتب لوالي غرناطة فِي وَقت وَتُوفِّي فِي مراكش سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَحضر السُّلْطَان جنَازَته وشعره فِي غَايَة الْجَوْدَة وَهُوَ الْقَائِل
(أَتَذكر إِذْ مسحت بفيك عَيْني ... وَقد حل البكى فِيهَا عقوده)
(ذكرت بِأَن ريقك مَاء وردٍ ... فقابلت الْحَرَارَة بالبروده)
وَمن نظمه من قصيدة
(جلت عَن ثناياها فأومض بارقٌ ... فأضواء مَا شقّ الدجنة مِنْهُمَا)
)
(وساعدني جفن الْغَمَام على البكا ... فَلم أدر وجدا أَيّنَا كَانَ أسجما)
(ونظمت سمطي ثغرها ووشاحها ... فَأَبْصَرت در الثغر أجلى وأنظما)
الهمذاني الفرضي المؤرخ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد أَبُو الْحسن الهمذاني الفرضي ابْن الشَّيْخ أبي الْفضل جمع تَارِيخا فِي الْمُلُوك والدول توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس مائَة وَسمع أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النقور والنقيب أَبَا الفوارس طراداً الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا وروى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر فِي مُعْجم شُيُوخه وَكَانَ فَاضلا حسن الْمعرفَة بالتواريخ وأخبار الدول والملوك والحوادث قَالَ ابْن النجار وَبِه ختم هَذَا الْفَنّ وَله مصنفات ملاح مِنْهَا الذيل على تَارِيخ الطَّبَرِيّ وذيل آخر على تَارِيخ الْوَزير أبي شُجَاع التَّالِي لكتاب تجارب الْأُمَم لِابْنِ مسكويه وَكتاب عنوان السّير وأخبار الوزراء عمله ذيلاً على كتاب ابْن الصابي وَكتاب طَبَقَات الْفُقَهَاء أَخْبَار دولة السُّلْطَان مُحَمَّد ومحمود أُمَرَاء الْحَج من زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَيَّامه وَله كتاب فِي الشؤم قَالَ كَانَ أبي إِذا أَرَادَ أَن يؤدبني يَأْخُذ الْعَصَا بِيَدِهِ وَيَقُول نَوَيْت أَن أضْرب اني تأديباً كَمَا أَمرنِي وَإِلَى أَن تتمّ لَهُ النِّيَّة أهرب مِنْهُ وَكَانَ وَالِده رجلا صَالحا ورعاً دعِي إِلَى الْقَضَاء مرَارًا فَلم يفعل
القَاضِي ابْن العديم بسعادتك مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَحْمد بن هبة الله ابْن أَحْمد بن يحيى بن زُهَيْر بن أبي جَرَادَة أَبُو المكارم الْعقيلِيّ الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِابْن العديم من بَيت الْعلم وَالْقَضَاء والحشمة كَانَ كَاتبا شَاعِرًا فَاضلا قَالَ الْكِنْدِيّ كَانَ يسمع مَعنا فورد دمشق وَدعَاهُ ابْن القلانسي وَكنت حَاضرا وَكَانَ لَا يسْأَله عَن شَيْء فيخبره عَنهُ إِلَّا قَالَ بسعادتك إِلَى أَن قَالَ مَا فعل فلانقال مَاتَ بسعادتك أَو قَالَ مَا فعلت الدَّار الْفُلَانِيَّة قَالَ خربَتْ بسعادتك فلقبناه القَاضِي بسعادتك توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَمن شعره
(لَئِن تناءيتم عني وَلم يركم ... شخصي فَأنْتم بقلبي بعد سكان)(4/30)
(لم أخل مِنْكُم وَلم أسعد بقربكم ... فَهَل سَمِعْتُمْ بوصلٍ فِيهِ هجران)
وَمِنْه قَوْله
(لَئِن بَعدت أجسامنا عَن دِيَارنَا ... فَإِن بهَا الْأَرْوَاح فِي غيشةٍ رغد)
(وَلَيْسَ بَقَاء الْمَرْء فِي دَار غربةٍ ... مضراً إِذا مَا كَانَ فِي طلب الْمجد)
قلت شعر متوسط)
ابْن الْمُقدم مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الْمُقدم الْأَمِير شمس الدّين من كبار أُمَرَاء الدولتين نور الدّين وَصَلَاح الدّين وَهُوَ الَّذِي سلم سنجار إِلَى نور الدّين وَسكن دمشق وَلما توفّي نور الدّين كَانَ أحد من قَامَ بسلطنة وَلَده ثمَّ إِن صَلَاح الدّين أعطَاهُ بعلبك ثمَّ عَصا عَلَيْهِ فجَاء إِلَيْهِ وحاصره ثمَّ أعطَاهُ بعض القلاع عوضا عَنْهَا ثمَّ استنابه على دمشق وَكَانَ بطلاً شجاعاً حضر وقْعَة حطين وعكا والقدس والسواحل وَتوجه إِلَى الْحَج فَلَمَّا بلغ عَرَفَات ضرب الكوسالت وَرفع علم صَلَاح الدّين وَكَانَ أَمِير الركب الْعِرَاقِيّ طاشتكين فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ واقتتلوا فَجَاءَهُ سهم فِي عينه فَخر صَرِيعًا فَحَمله طاشتكين وخيط جراحه فَتوفي من الْغَد بمنى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَلما بلغ السُّلْطَان بَكَى وتأسف وَله دَار كَبِيرَة بِدِمَشْق إِلَى جَانب الْمدرسَة المقدمية ثمَّ صَارَت لصَاحب حماة ثمَّ صَارَت لقراسنقر المنصوري ثمَّ لسلطان الْملك النَّاصِر وَله تربة وَمَسْجِد وخان كل ذَلِك مَشْهُور جوا بَاب الفراديس بِدِمَشْق
ابْن زهر الطَّبِيب مُحَمَّد بن عبد الْملك بن زهر بن عبد الْملك بن مُحَمَّد ابْن مَرْوَان بن زهر أَبُو بكر الْإِيَادِي الإشبيلي أَخذ علم الطِّبّ عَن جده أبي الْعَلَاء وَعَن أَبِيه وَانْفَرَدَ بِالْإِمَامَةِ فِي الطِّبّ فِي زَمَانه مَعَ الْحَظ الوافر من اللُّغَة وَالْأَدب وَالشعر والحظوة عِنْد الْمُلُوك وَكَانَ سَمحا جواداً ممدحاً وَهَاتَانِ أعجوبتان مغربي طَبِيب كريم وَكَانَ جواداً نَفَّاعًا بِمَالِه وجاهه أَخذ عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ الشلوبين وَأَبُو الْخطاب ابْن دحْيَة وَكَانَ يحفظ صَحِيح البُخَارِيّ متْنا وإسناداً ويحفظ شعر ذِي الرمة وَهُوَ ثلث اللُّغَة وَكَانَ يجر قوساً سَبْعَة وَثَلَاثِينَ رطلا وَتُوفِّي فِي مراكش وَقد قَارب السّبْعين سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة قَالَ ابْن دحْيَة كَانَ يحفظ شعر ذِي الرمة وَهُوَ ثلث لُغَة الْعَرَب ومولده سنة سبع وَخمْس مائَة انْتهى وَمن شعره يتشوق ولدا صَغِيرا
(ولي واحدٌ مثل فرخ القطا ... صغيرٌ تخلف قلبِي لَدَيْهِ)
(تشوقني وتشوقته ... فيبكي عَليّ وأبكي عَلَيْهِ)
(نأت عَنهُ دَاري فيا وحشتا ... لذاك القديد وَذَاكَ الْوَجِيه)(4/31)
(وَقد تَعب الشوق مَا بَيْننَا ... فَمِنْهُ إِلَيّ ومني إِلَيْهِ)
أوصى أَن يكْتب على قَبره
(تَأمل بحقك يَا وَاقِفًا ... ولاحظ مَكَانا دفعنَا إِلَيْهِ)
(تُرَاب الضريح على وجنتي ... كَأَنِّي لم أَمْشِي يَوْمًا عَلَيْهِ)
)
(أداوي الْأَنَام حذار الْحمام ... وَهَا أَنا قد صرت رهباً لَدَيْهِ)
وَقَالَ فِي كتاب حِيلَة الْبُرْء لِجَالِينُوسَ
(حِيلَة الْبُرْء صنفت لعليلٍ ... يترجى الْحَيَاة أَو لعليله)
(فَإِذا جَاءَت الْمنية قَالَت ... حِيلَة الْبُرْء لَيْسَ فِي الْبُرْء حيله)
وَلابْن زهر من موشحات المغاربة جملَة وَمن موشحات ابْن زهر قَوْله أَيهَا الساقي إِلَيْك المشتكى قد دعوناك وَإِن لم تسمع ونديمٍ هَمت فِي غرته وشربت الراح من رَاحَته كلما اسْتَيْقَظَ من سكرته جذب الزق إِلَيْهِ واتكا وسقاني أَرْبعا فِي أَربع غُصْن بانٍ مَال من حَيْثُ اسْتَوَى بَات من يهواه من فرط الجوى خافق الأحشاء موهون القوى كلما فكر فِي الْبَين بَكَى مَا لَهُ يبكي لما لم يَقع لَيْسَ لي صبرٌ وَلَا لي جلد يَا لقومي عذلوا واجتهدوا أَنْكَرُوا شكواي مِمَّا أجد مثل حَالي حَقه أَن يشتكى كمد الْيَأْس وذل الطمع يَا لعَيْنِي عشيت بِالنّظرِ أنْكرت بعْدك ضوء الْقَمَر وَإِذا مَا شِئْت فاسمع خبري شقيت عَيْنَايَ من طول البكا وَبكى بَعْضِي على بَعْضِي معي وَمِنْهَا قَوْله أَيْضا شمسٌ قارنت بَدْرًا راحٌ ونديم أدر أكؤس الْخمر)(4/32)
عنبرية النشر إِن الرَّوْض ذُو نشر وَقد درع النهرا هبوب النسيم وسلت عَن الْأُفق يَد الغرب والشرق سيوفاًً من الْبَرْق وَقد أضْحك الزهرا بكاء الغيوم أَلا إِن لي مولى تحكم فاستولى أما إِنَّه لَوْلَا دمعٌ يفضح السرا لَكُنْت كتوم أَنى لي كتمان ودمعي طوفان شبت فِيهِ نيران فَمن أبْصر الجمرا فِي لج يعوم إِذا لامني فِيهِ من رأى تجنيه شدوت أغنيه لَعَلَّ لَهَا عذرا وَأَنت تلوم وَحكي لي أَن القانون الَّذِي لِابْنِ سينا لما دخل الغرب أَخذه أَبُو الْعَلَاء زهر جد ابْن زهر هَذَا وَسَيَأْتِي ذكره فِي حرف الزايووقف عَلَيْهِ فَلم يرض بِهِ وَكَانَ يكْتب الوصفات فِي هوامش الْكتاب الْمَذْكُور وَيكْتب فِيهَا مثل الجزاز على عَادَة الْأَطِبَّاء وَهَذَا إفراط فِي التعصب والحسد وَإِلَّا فَمَا كَانَ ابْن زهر مِمَّن يجهل القانون
(وهبني قلت هَذَا الصُّبْح ليلٌ ... أيعمى الْعَالمُونَ عَن الضياء)
الْوَاعِظ الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك ين عَليّ أَبُو عبد الله الْوَاعِظ)
الْحَنْبَلِيّ الْأَصْبَهَانِيّ كَانَ لَهُ قبُول كثير عِنْد أهل بَلَده سمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن عَليّ الحمامي وَأبي عبد الله الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي وَجَمَاعَة وَقدم بَغْدَاد حَاجا فِي شبابه(4/33)
وَسمع بهَا من الشريف ابْن الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز العباسي وَأبي المظفر هبة الله بن أَحْمد الشبلي وَغَيرهمَا ثمَّ قدمهَا ثَانِيًا وأملى بِجَامِع الْقصر عشر مجَالِس قَالَ ابْن النجار كتبناها عَنهُ وَكَانَ شَيخا فَاضلا صَدُوقًا متديناً توفّي فِي أَصْبَهَان سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة
كَمَال الدّين ابْن درباس مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عِيسَى بن درباس القَاضِي كَمَال الدّين أَبُو حَامِد ابْن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الماراني الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الضَّرِير الْعدْل أجَاز لَهُ السلَفِي وروى عَنهُ الدواداري وَابْن الظَّاهِرِيّ وَغَيرهمَا ودرس بِالْمَدْرَسَةِ السيفية مُدَّة وَأفْتى وأشغل وَقَالَ الشّعْر وجالس الْمُلُوك وَتُوفِّي سنة تسع وَخمسين وست مائَة وَمن شعره
الزَّاهِد الفارقي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الحميد أَبُو عبد الله الفارقي الزَّاهِد قدم بَغْدَاد فِي صباه واستوطنها إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى الزّهْد وَالْعِبَادَة والتجرد عَن الدُّنْيَا دَعَا الْخلق إِلَى الله تَعَالَى وَكَانَ يتَكَلَّم على النَّاس كل جُمُعَة بعد الصَّلَاة بِجَامِع الْقصر يجلس على آجرتين وَيقوم قَائِما إِذا حمي فِي الْكَلَام وَسُئِلَ أَن يعْمل لَهُ كرْسِي خشب فَأبى وَكَانَ يحفظ كتاب نهج البلاغة ويغير عِبَارَته وَكَانَ الْكِبَار يحْضرُون مَجْلِسه والأعيان والفضلاء وَكَانَ يتَكَلَّم على لِسَان أهل الْحَقِيقَة بِلِسَان عذب وَكَلَام لطيف وَعبارَة رشقة ومنطق بليغ فَانْتَفع النَّاس بِهِ وأناب إِلَى الله تَعَالَى جمَاعَة ببركته وطهارة أنفاسه وصفاء بَاطِنه وَظَاهره وَقد دون كَلَامه وَجمعه وبوبه ورتبه ابو الْمَعَالِي الكتبي فِي كتاب مُفْرد وَكتب النَّاس عَنهُ من كَلَامه وشعره وَشعر غَيره
وَأورد لَهُ محب الدّين ابْن النجار
(انتقد جوهرية الْإِنْسَان ... وَالَّذِي فِيهِ من فنون الْمعَانِي)
(خل عَنْك الْأَسْمَاء واطرح الألق ... اب وَانْظُر إِلَى الْمعَانِي الحسان)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(من عَاشَ عاين من أَيَّامه عجبا ... إِن الزَّمَان كَذَا يُبْدِي لنا العجبا)
(بَينا ترى الْمَرْء رَأْسا فِي تصرفه ... حَتَّى يعود على أعقابه ذَنبا)
)
(فَلَا تكن آمنا مِنْهُ مواهبه ... فَإِنَّهُ سالبٌ مَا كَانَ قد وهبا)
(إِذا تأملته تلقى خلائقه ... مريرةً بعد مَا ألفيتها ضربا)
قلت شعر فَوق المنحط وَدون الْمُتَوَسّط وَذكره الْعِمَاد الْكَاتِب فِي الخريدة وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ الْبَيْتَيْنِ الْأَوليين وَتُوفِّي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَأورد الْعِمَاد الْكَاتِب فِي الخريدة قِطْعَة وافية من كَلَامه
شرف الدّين الأرزوني مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عمر الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد الْقدْوَة(4/34)
شرف الدّين الأرزوني شيخ مَشْهُور بالصلاح تَامّ الشكل أسمر مهيب جليل قَلِيل الشيب مليح الْعمة وَالْبزَّة صَاحب سمت وَهدى ووقار صحب الْكِبَار وَتعبد وَانْقطع سنة سِتّ وَتِسْعين وست مائَة
الباقلاني الْمُؤَدب مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن حَمَّاد الأستاني أَبُو بكر الْمُؤَدب الْمَعْرُوف بالباقلاني من أهل الأستان قَرْيَة من بلد الْخَالِص انْتقل عَنْهَا إِلَى بَغْدَاد وَسكن بِبَاب الأزج يعلم الصّبيان وَكَانَ لَهُ شعر روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ ومنوجهر ابْن مُحَمَّد الْكَاتِب وَأَبُو نصر الرسولي وَغَيرهم
وَمن شعره
(قل للمليحة فِي الْخمار الْمَذْهَب ... ذهب الزَّمَان وحبكم لم يذهب)
(وجمعت بَين المذهبين فَلم يكن ... لِلْحسنِ فِي ذهبيهما من مَذْهَب)
(نور الْخمار وَنور وَجهك نزهةٌ ... عجبا لخدك كَيفَ لم يتلهب)
(وَإِذا بَدَت عينٌ لتسرق نظرةً ... قَالَ الْجمال لَهَا اذهبي لَا تذهبي)
وَمِنْه
(تبَاعد عَنَّا من نحب دنوه ... وقاطعنا من بعد طيب وصال)
(فيا ليته إِذْ شط عَنَّا مزاره ... تعاهدنا مِنْهُ بطيف خيال)
قلت شعر فِي الرُّتْبَة الأولى من الْجَوْدَة
التاريخي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير الْكَامِل نَاصِر الدّين ابْن الْملك الْعِيد بن السُّلْطَان الْملك السراج التاريخي لقب بذلك لاعتنائه بالتواريخ كنيته أَبُو بكر حدث عَن الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي وَأحمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي وَأبي بكر بن أبي خَيْثَمَة وابي العيناء والمبرد وثعلب وأمثالهم وَكَانَ أديباً فَاضلا متقناً حسن الْأَخْبَار مليح الرِّوَايَات وَألف تَارِيخا)
لأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الرُّوذَبَارِي صَاحب الْفضل بن جَعْفَر بن حنزابة وَكَانَ ولي كِتَابَة مصر من قبله وَحدث عَنهُ التنوخي فِي نشواره وَله كتاب تَارِيخ النَّحْوِيين وَذكر فِيهِ لنَفسِهِ شعرًا
وَمن شعره
(وَإِذا العريب تفرعت أصنافه ... وَتَفَرَّقَتْ فَكَأَنَّهُ بدوي)
(وَإِذا عُلُوم النَّحْو قيست فَهُوَ من ... جمعا لَهُ الْكُوفِي والبصري)
قلت شعر سَاقِط غث
أَبُو بكر الشنتريني مُحَمَّد بن عبد الْملك الشنتريني المغربي أَبُو بكر النَّحْوِيّ هُوَ شيخ ابْن بري النَّحْوِيّ الْمصْرِيّ حفظ عَلَيْهِ الْإِيضَاح للفارسي وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ وللشنتريني كتاب تلقيح الْأَلْبَاب فِي عوامل الْإِعْرَاب وَله كتاب فِي الْعرُوض جيد(4/35)
الْملك الْكَامِل الْأَمِير مُحَمَّد بن عبد الْملك الصَّالح ابْن الْعَادِل الأيوبي سبط السُّلْطَان الْملك الْكَامِل وَابْن خَالَة صَاحب الشَّام النَّاصِر يُوسُف وَابْن خَالَة صَاحب حماة
ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَحدث عَن ابْن عبد الدَّائِم وَكَانَ ذكياً خَبِيرا بالأمور فِيهِ انبساط كثير ولطف وافر وَله النَّوَادِر فِي التنديب الحلو الدَّاخِل وَهِي مَشْهُورَة بَين أهل دمشق نادم الأفرم نَائِب دمشق توجه مَعَه مرّة إِلَى الصَّعِيد فَلَمَّا ضرب الْحلقَة وَفرغ مِنْهَا أحضر الْأُمَرَاء مَا صادوه على الْعَادة فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُ الأفرم وَأَنت يَا ملك مَا رميت شيئاقال نعم الْكَفّ الَّذِي كَانَ مُعَلّق فِي الحياصة وَقيل لَهُ يَوْمًا إِن هِلَال شهر رَمَضَان ثَبت البارحة فَقَالَ من رآهقالوا لَهُ فلَان وَهُوَ من عدُول دمشق يعرف بِالْمَيتِ فَقَالَ هَذَا ميت وفضولي ويخلط شعْبَان برمضان وَحضر عِنْد الصاحب شمس الدّين لَيْلَة مولدٍ فَلَمَّا أحضرت الحلى اشْتغل هُوَ بِالْحَدِيثِ مَعَ الصاحب وَأكل الْحَاضِرُونَ الْحَلْوَى وَحضر بعد ذَلِك البابا بالفوطة والماورد ورش على يَده فَأَخذه وَمسح بِهِ عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا مهتار الْحَلْوَى رَأَيْتهَا بعيني وَأما يَدي فَمَا مستها فَضَحِك الصاحب وأحضر لَهُ حلوى تخصه وَكَانَ من كبار أُمَرَاء دمشق أوصى عِنْدَمَا توفّي أَن يدْفن عِنْد أَبِيه بتربة الْكَامِل فَمَا مكن وَدفن بتربة جدتهم أم الصَّالح وَله أَوْلَاد أُمَرَاء لم يزل هُوَ وهم فِي دُيُون ضخمة من كرمهم وتبذيرهم
وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة)(4/36)
3 - (ابْن عبد الْمُنعم)
ابْن شقير ابْن حوارِي مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن نصر الله بن جَعْفَر بن أَحْمد بن حوارِي الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو المكارم التنوخي المعري الأَصْل الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ يعرف بِابْن شقير الأديب الشَّاعِر
ولد سنة سِتّ وست مائَة روى الْأَرْبَعين الَّتِي لهبة الرَّحْمَن الْقشيرِي عَن أبي الْفتُوح الْبكْرِيّ وَهُوَ أَخُو الْمُحدث الأديب نصر الله سمع الدمياطي مِنْهُمَا وَهُوَ من شعراء الْملك النَّاصِر وَله فِيهِ مدائح جمة وَكَانَ يُحِبهُ ويقدمه على غَيره من الشُّعَرَاء
من شعره
(مَا ضرّ قَاضِي الْهوى العذري حِين ولي ... لَو كَانَ فِي حكمه يقْضِي عَليّ ولي)
(وَمَا عَلَيْهِ وَقد صرنا رَعيته ... لَو أَنه مغمد عَنَّا ظبى الْمقل)
(يَا حَاكم الْحبّ لَا تحكم بسفك دمي ... إِلَّا بفتوى فتور الْأَعْين النجل)
(وَيَا غَرِيم الأسى الْخصم الألد هوى ... رفقا عَليّ فجسمي فِي هَوَاك بلي)
(أخذت قلبِي رهنا يَوْم كاظمةٍ ... على بقايا دعاوٍ للهوى قبلي)
(ورمت مني كَفِيلا بالأسى عَبَثا ... وَأَنت تعلم أَنِّي بالغرام ملي)
(وَقد قضى حَاكم التبريح مُجْتَهدا ... عَليّ بالوجد حَتَّى يَنْقَضِي أَجلي)
(لذا قذفت شُهُود الدمع فِيك عَسى ... أَن الْوِصَال بِجرح الجفن يثبت لي)
(لَا تسطون بعسال القوام على ... ضعْفي فَمَا آفتي إِلَّا من الأسل)
(هددتني بالقلى حسبي الجوى وَكفى ... أَنا الغريق فَمَا خوفي من البلل)
توفّي تَاج الدّين سنة تسع وَسِتِّينَ وست مائَة
وَمن شعر تَاج الدّين ابْن شقير
(أما الْوَفَاء فشيءٌ لَيْسَ يتَّفق ... من بعد مَا خُنْت يَا قلبِي بِمن أَثِق)
(أغراك طرفِي بِمَا أغراك من فتنٍ ... حَتَّى سبتك القدود الهيف والحدق)
(وَقد تشاركتما فِي فتح بَاب هوى ... سدت على سلوتي من دونه الطّرق)
(سعيتما فِي دمي بغياً فنالكما ... لفرط بغيكما التبريح والأرق)
(حتام لَا ترعوي يَا قلب ذب كمداً ... فحسبك المزعجان الشوق والقلق)
)
(تبيت صبا كئيباً نهب جند هوى ... لَا قاتلي بك طول الدَّهْر تعتلق)
(طوراً بنجدٍ وَأَحْيَانا بكاظمةٍ ... وَتارَة لَك تبدو بالحمى علق)(4/37)
(وكل يَوْم تعنيني إِلَى أملٍ ... من دونه المرهفات الْبيض تمتشق)
(أبْكِي لكَي تنطفي من أدمعي حرقي ... وَكلما فاض دمعي زَادَت الحرق)
(وَكنت أَشْكُو ولي صبرٌ ولي رمقٌ ... فَكيف حَالي وَلَا صبرٌ وَلَا رَمق)
وَمِنْه أَيْضا
(أَقْسَمت برشق المقلة النباله ... قلبِي وبلين الْقَامَة العساله)
(مَا ألبسني حلَّة سقمٍ وضنىً ... يَا هِنْد سوى جفونك الغزاله)
وَمِنْه
(وغزالٍ سبى فُؤَادِي مِنْهُ ... ناظرٌ راشقٌ وقدٌ رَشِيق)
(رِيقه رائق السلافة والث ... غر حبابٌ وخده الراووق)
(حل صدغيه ثمَّ قَالَ لي افرق ... بَين هذَيْن قلت فرقٌ دَقِيق)
وَمِنْه
(واحيرة القمرين مِنْهُ إِذا بدا ... وَإِذا انثنى يَا خجلة الأغصان)
(كتب الْجمال وَيَا لَهُ مَا كاتبٍ ... سطرين فِي خديه بالريحان)
وَكَانَ تَاج الدّين يلقب بالهدهد فَأعْطَاهُ الْملك النَّاصِر ضَيْعَة على نهر ثورا فحسده جمَاعَة وَسعوا على إخْرَاجهَا من يَده فَكتب إِلَى الْملك النَّاصِر
(مَا قدر دَاري فِي الْبناء فسعيهم ... فِي هدمها قد زَاد فِي مقدارها)
(هَب أَنَّهَا إيوَان كسْرَى رفْعَة ... أوما بجودك كَانَ أصل قَرَارهَا)
(فَاكْتُبْ بِأَنِّي لَا أعارض كاتبٌ ... عصبٌ يضن عَليّ فِي إنكارها)
فالنص جَاءَ عَن النَّبِي مُحَمَّد الْهَادِي أقرُّوا الطير فِي أوكارها ابْن هامل المحدّث مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن عمار بن هامل شمس الدّين أَبُو عبد الله الْحَرَّانِي
سمع الزبيدِيّ وَابْن اللتي والإربلي والهمذاني وَابْن رَوَاحَة والسخاوي والقطيعي وَعمر بن كرم وَابْن رواج وَجَمَاعَة بديار مصر وعني بِالْحَدِيثِ عناية كَثِيرَة وَكتب الْكثير وتعب وَحصل روى عَنهُ ابْن الخباز والدمياطي وَابْن أبي الْفَتْح وَابْن الْعَطَّار)
توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وست مائَة ووقف أجزاءه بالضيائية وَكَانَ شيخ الحَدِيث بالعالمية
شهَاب الدّين ابْن الخيمي مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد شهَاب الدّين ابْن الخيمي الْأنْصَارِيّ اليمني الأَصْل الْمصْرِيّ الدَّار الشَّاعِر
حدث بِجَامِع التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن الْبناء الْمَكِّيّ وَأَجَازَ لَهُ ابْن سكينَة وَغَيره وعلت سنه وَحدث بِكَثِير من مروياته روى عَنهُ الدمياطي فِي(4/38)
مُعْجَمه وَسمع مِنْهُ قطب الدّين ابْن مُنِير وفخر الدّين ابْن الظَّاهِرِيّ وَكَانَ هُوَ الْمُقدم على شعراء عصره مَعَ الْمُشَاركَة فِي كثير من الْعُلُوم وَكَانَ يعاني الخدم الديوانية وباشر وقف مدرسة الشَّافِعِي ومشهد الْحُسَيْن وَفِيه أَمَانَة وَمَعْرِفَة وَكَانَ مَعْرُوفا بالأجوبة المسكتة وَلم يعرف مِنْهُ غضب
عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة أَو أَكثر وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة خمس وَثَمَانِينَ وست مائَة
وروى أَيْضا عَن عَتيق بن باقا وَابْن عبد الله بن الْبناء وَاتفقَ أَن نجم الدّين ابْن اسرائيل الشَّاعِر حج فَرَأى ورقة ملقاة فِيهَا القصيدة الَّتِي لِابْنِ الخيمي الْمَشْهُورَة البائية فادعاها
قَالَ قطب الدّين فَحكى لنا صاحبنا الْمُوفق عبد الله بن عمر أَن ابْن اسرائيل وَابْن الخيمي اجْتمعَا بعد ذَلِك بِحَضْرَة جمَاعَة من الأدباء وَجرى الحَدِيث فتحاكما إِلَى شرف الدّين ابْن الفارض فَقَالَ يَنْبَغِي لكل وَاحِد مِنْكُمَا أَن ينظم أبياتاً على هَذَا الْوَزْن والروي فنظم ابْن الخيمي لله قومٌ بجرعاء الْحمى غيب القصيدة ونظم ابْن اسرائيل لم يقْض فِي حبكم بعض الَّذِي يجب القصيدة فَلَمَّا وقف عَلَيْهِمَا ابْن الفارض أنْشد لِابْنِ اسرائيل لقد حكيت وَلَكِن فاتك الشنب وَحكم بالقصيدة لِابْنِ الخيمي واستجاد بعض الْحَاضِرين أَبْيَات ابْن اسرائيل وَقَالَ من ينظم مثل هَذَا مَا الْحَامِل لَهُ على ادِّعَاء مَا لَيْسَ بهفابتدر ابْن الخيمي وَقَالَ هَذِه سَرقَة عَادَة لَا سَرقَة حَاجَة وانفصل الْمجْلس وسافر ابْن اسرائيل لوقته من الديار المصرية وَقد طلب ابْن خلكان وَهُوَ نَائِب الحكم بِالْقَاهِرَةِ الأبيات من ابْن الخيمي فكتبها وذيل لَهُ فِي آخرهَا أبياتاً وَسَأَلَهُ الحكم بَينه وَبَين من ادَّعَاهَا وَالْقَصِيدَة المدعاة أنشدنيها من لَفظه الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين مُحَمَّد)
بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ إجَازَة الشَّيْخ شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم ابْن الخيمي وَفِي غَالب الظَّن أَنه سَماع
(يَا مطلباً لَيْسَ لي فِي غَيره أرب ... إِلَيْك آل التَّقَصِّي وانْتهى الطّلب)
(وَمَا طمحت لمرأى أَو لمستمعٍ ... إِلَّا لِمَعْنى إِلَى علياك ينتسب)
(وَمَا أَرَانِي أَهلا أَن تواصلني ... حسبي علوا بِأَنِّي فِيك مكتئب)
(لَكِن يُنَازع شوقي تَارَة أدبي ... فأطلب الْوَصْل لما يضعف الْأَدَب)
(وَلست أَبْرَح فِي الْحَالين ذَا قلقٍ ... نامٍ وشوقٍ لَهُ فِي أضلعي لَهب)
(ومدمعٍ كلما كفكفت أدمعه ... صونا لذكرك يعصيني وينسكب)
(وَيَدعِي فِي الْهوى دمعي مقاسمتي ... وجدي وحزني فَيجْرِي وَهُوَ مختضب)
(كالطرف يزْعم تَوْحِيد الحبيب وَلَا ... يزَال فِي ليله للنجم يرتقب)
يَا صَاحِبي قد عدمت المسعدين فساعدني على وَصبي لَا مسك الوصب(4/39)
(بِاللَّه إِن جزت كثباناً بِذِي سلمٍ ... قف لي عَلَيْهَا وَقل لي هَذِه الكثب)
(ليقضي الخد من أجراعها وطراً ... فِي تربها يُؤَدِّي بعض مَا يجب)
(ومل إِلَى البان من شَرْقي كاظمةٍ ... فلي إِلَى البان من شرقيها طرب)
(وَخذ يَمِينا لمغنىً تهتدي بشذا ... نسيمه الرطب إِن ضلت بك النجب)
(حَيْثُ الهضاب وبطحاها يروضها ... دمع المحبين لَا الأنواء والسحب)
(أكْرم بِهِ منزلا تحميه هيبته ... عني وأنواره لَا السمر والقضب)
(دَعْنِي أعلل نفسا عز مطلبها ... فِيهِ وَقَلْبًا لغدرٍ لَيْسَ يَنْقَلِب)
(فَفِيهِ عَايَنت قدماً حسن من حسنت ... بِهِ الملاحة واعتزت بِهِ الريب)
(دانٍ وَأدنى وَعز الْحسن يَحْجُبهُ ... عني وذلي والإجلال والرهب)
(أَحْيَا إِذا مت من شوقٍ لرُؤْيَته ... بأنني لهواه فِيهِ منتسب)
(وَلست أعجب من جسمي وَصِحَّته ... فِي حبه إِنَّمَا سقمي هُوَ الْعجب)
(والهف نَفسِي لَو أجدى تلهفها ... غوثاً ووا حَربًا لَو ينفع الْحَرْب)
(يمْضِي الزَّمَان وأشواقي مضاعفةٌ ... يَا للرِّجَال وَلَا وصلٌ وَلَا سَبَب)
(يَا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا ... لقد حكيت وَلَكِن فاتك الشنب)
)
(وَيَا نسيماً سرى من جو كاظمةٍ ... بِاللَّه قل لي كَيفَ البان والعذب)
(وَكَيف جيرة ذَاك الْحَيّ هَل حفظوا ... عهدا أراعيه إِن شطوا وَإِن قربوا)
(أم ضيعوا ومرادي مِنْك ذكرهم ... هم الْأَحِبَّة إِن أعْطوا وَإِن سلبوا)
(إِن كَانَ يرضيهم إبعاد عبدهم ... فَالْعَبْد مِنْهُم بِذَاكَ الْبعد مقترب)
(والهجر إِن كَانَ يرضيهم بِلَا سَبَب ... فَإِنَّهُ من لذيذ الْوَصْل محتسب)
(وَإِن هم احتجبوا عني فَإِن لَهُم ... فِي الْقلب مشهود حسنٍ لَيْسَ يحتجب)
(قد نزه اللطف وَالْإِشْرَاق بهجته ... عَن أَن تمنعها الأستار والحجب)
(مَا يَنْتَهِي نَظَرِي مِنْهُم إِلَى رتبٍ ... فِي الْحسن إِلَّا ولاحت فَوْقهَا رتب)
(وَكلما لَاحَ معنى من جمَالهمْ ... لباه شوقٌ إِلَى مَعْنَاهُ منتسب)
(أظل دهري ولي من حبهم طربٌ ... وَمن أَلِيم اشتياقي نحوهم حَرْب)
وَالَّتِي نظمها ابْن اسرائيل مِنْهَا
(لم يقْض فِي حبكم بعض الَّذِي يجب ... قلبٌ مَتى عنّ ذكراكم لَهُ يجب)
(ولي وفيٌ لرسم الدَّار بعدكم ... دمعٌ مَتى جاد ضنت بالحيا السحب)
(أحبابنا والمنى تدني زيارتكم ... وَرُبمَا حَال من دون المنى الْأَدَب)(4/40)
(مَا رَأْيكُمْ من حَياتِي بعد بعدكم ... وَلَيْسَ لي فِي حياةٍ بعدكم أرب)
(قاطعتموني فأحزاني مُوَاصلَة ... وحلتم فحلالي فِيكُم التَّعَب)
(رحتم بقلبي وَمَا كَادَت لتسلبه ... لَوْلَا قدودكم الخطية السَّلب)
(يَا بارقاً ببراق الْحزن لَاحَ لنا ... أَأَنْت أم أسلمت أقمارها النقب)
(وَيَا نسيماً سرى والعطر يَصْحَبهُ ... أجزت حَيْثُ مشين الخرد الْعَرَب)
(أَقْسَمت بالمقسمات الزهر تحجبها ... سمر العوالي والهندية القضب)
(لكدت تشبه برقاً من ثغورهم ... يَا در دمعي لَوْلَا الظُّلم والشنب)
أخبرنَا الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود قَالَ قلت لِابْنِ اسرائيل يَا شيخ نجم الدّين لأي شَيْء قصرت عَن ابْن الخيمي فِي هَذَا الْمَعْنى قَالَ وشاعر فَحل وَأخذ الْمَعْنى بكرا فجوده وَلم يدع فِيهِ فضلَة أَو كَمَا قَالَ وَالْقَصِيدَة الَّتِي نظمها ابْن الخيمي ثَانِيًا مَعَ ابْن اسرائيل هِيَ مَا أنشدنيه الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود قَالَ أَنْشدني شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عبد)
الْمُنعم ابْن الخيمي لنَفسِهِ
(لله قومٌ بجرعاء الْحمى غيب ... جنوا عَليّ وَلما أَن جنوا عتبوا)
(يَا رب هم أخذُوا قلبِي فَلم سخطوا ... وَإِنَّهُم غصبوا عيشي فَلم غضبوا)
(هم العريب بنجدٍ مذ عرفتهم ... لم يبْق لي مَعَهم مالٌ وَلَا نشب)
(شاكون للحرب لَكِن من قدودهم ... وفاترات اللحاظ السمر والقضب)
(فَمَا ألموا بحيٍ أَو ألم بهم ... إِلَّا أَغَارُوا على الأبيات وانتهبوا)
(عهِدت فِي دمن الْبَطْحَاء عهد هوى ... إِلَيْهِم وتمادت بَيْننَا حقب)
(فَمَا أضااعوا قديم الْعَهْد بل حفظوا ... لَكِن لغيري ذَاك الْعَهْد قد نسبوا)
(من منصفي من لطيف مِنْهُم غنجٍ ... لدن القوام لاسرائيل ينتسب)
مبدل الْقَوْم ظلما لَا يَفِي بمواعيد الْوِصَال وَمِنْه الذَّنب وَالْغَضَب
(تبين لثغته بالراء نسبته ... والمين مِنْهُ بزور الْوَعْد وَالْكذب)
(موحدٌ فَيرى كل الْوُجُود لَهُ ... ملكا وَيبْطل مَا يَأْتِي بِهِ النّسَب)
(فَمن عجائبه حدث وَلَا حرجٌ ... مَا يَنْتَهِي فِي الْمليح الْمُطلق الْعجب)
(بدرٌ وَكن هلالاً لَاحَ إِذْ هُوَ بَال ... وردي من شفق الْخَدين منتقب)
(فِي كأس مبسمه من حُلْو ريقته ... خمرٌ ودر ثناياه بهَا حبب)
(فلفظه أبدا سَكرَان يسمعنا ... من مُعرب اللّحن مَا ينسى بِهِ الْأَدَب)
(تجني لواحظه فِينَا ومنطقه ... جِنَايَة يجتنى من مرها الضَّرْب)(4/41)
(حُلْو الْأَحَادِيث والألحاظ ساحرها ... تلغى إِذا نطق الألواح والكتب)
(لم تبْق أَلْفَاظه معنى يروق لنا ... لقد شكت ظلمه الْأَشْعَار والخطب)
(فداؤه مَا جرى فِي الدمع من مهجٍ ... وَمَا جرى فِي سَبِيل الْحبّ محتسب)
(وَيْح المتيم شام الْبَرْق من إضمٍ ... فهزه كاهتزاز البارق الْحَرْب)
(وأسكن الْبَرْق من وجدٍ وَمن كلفٍ ... فِي قلبه فَهُوَ فِي أحشائه لَهب)
(وَكلما لَاحَ مِنْهُ بارقٌ بعثت ... مَاء المدامع من أجفانه سحب)
(وَمَا أعادت نسيمات الغوير لَهُ ... أَخْبَار ذِي الأثل إِلَّا هزه الطَّرب)
(واهاً لَهُ أعرض الأحباب عَنهُ وَمَا ... أَجدت رسائله الْحسنى وَلَا الْقرب)
)
وأنشدني الشَّيْخ جمال الدّين مَحْمُود بن طيّ الحافي قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ عفيف الدّين سُلَيْمَان بن عَليّ التلمساني
(لَوْلَا الْحمى وظباء بالحمى عرب ... مَا كَانَ فِي البارق النجدي لي أرب)
(حلت عُقُود اصْطِبَارِي دونه حللٌ ... خفوقها كارتياحاتي لَهَا تجب)
(وَفِي رياض بيُوت الْحَيّ من إضمٍ ... وردٌ جنيٌ وَمن أكمامه النقب)
(يسْقِي الأقاحي مِنْهَا قرقفٌ فَإِذا ... لَاحَ الْحباب عَلَيْهَا فاسمه الشهب)
(يقْضِي بهَا لعيون الناظرين على ... كل الْقُلُوب قَضَاء مَا لَهُ سَبَب)
(إِلَّا تمارض أجفانٍ إِذا سلبت ... فَمُقْتَضى همها المسلوب لَا السَّلب)
(وَبِي لَدَى الْحلَّة الفيحاء غُصْن نقاً ... يهفو فيجذبه حقفٌ فينجذب)
(لَا تقدر الْحجب أَن تخفي محاسنه ... وَإِنَّمَا فِي سناه الْحجب تحتجب)
(أعَاهد الراح أَنِّي لَا أفارقها ... من أجل أَن الثنايا شبهها الحبب)
(وأرقب الْبَرْق لَا سقياه من أربي ... لكنه مثل خديه لَهُ لَهب)
(يَا سالما فِي الْهوى مِمَّا أكابده ... رفقا بأحشاء صبٍ شفه الوصب)
(فالأجر يَا أملي إِن كنت تكسبه ... من كل ذِي كبدٍ حراء يكْتَسب)
(يَا بدر تمٍ محاقي فِي زِيَادَته ... مَا آن أَن تنجلي عَن أفقك السحب)
(صَحا السكارى وسكري دَامَ فِيك أما ... للسكر لَا سببٌ يرْوى وَلَا نسب)
(قد أيأس الصَّبْر والسلوان أيسره ... وعاقه الصب عَن آماله الوصب)
(وَكلما لَاحَ يَا عَيْني وميض سنا ... تهمي وَإِن هَب يَا قلبِي صبا تجب)
قلت فِيهِ مد حرى وَهِي مَقْصُورَة وَذكر ضمير الصِّبَا وَهِي مُؤَنّثَة
وأنشدني جمال الدّين مَحْمُود الْمَذْكُور قَالَ أَنْشدني عفيف الدّين لنَفسِهِ أَيْضا(4/42)
(أينكر الوجد أَنِّي فِي الْهوى شجب ... وَدون كل دُخان ساطعٌ لَهب)
(وَمَا سلوت كَمَا ظن الوشاة وَلَا ... أسلو كَمَا يترجى الواله الوصب)
(فَإِن بَكَى لصباباتي عذول هوى ... فلي بِمَا مِنْهُ يبكي عاذلي طرب)
(ناشدتك الله يَا روحي اذهبي كلفاً ... بحب قومٍ عَن الجرعاء قد ذَهَبُوا)
(لَا تسأليهم ذماماً فِي محبتهم ... فطالما قد وفى بِالذِّمةِ الْعَرَب)
)
(هم أهل ودي وَهَذَا واجبٌ لَهُم ... وَإِنَّمَا ودهم لي فَهُوَ لَا يجب)
(هم ألبسوني سقاماً من جفونهم ... أَصبَحت أرفل فِيهِ وَهُوَ ينسحب)
(وصيرت أدمعي حمراً خدودهم ... فَكيف أجحد مَا منوا وَمَا وهبوا)
(هَل السَّلامَة إِلَّا أَن أَمُوت بهم ... وجدا وَإِلَّا فبقياءي هِيَ العطب)
(إِن يسلبوا الْبَعْض مني والجميع لَهُم ... فَإِن أشرف جزءي الَّذِي سلبوا)
(لَو تعلم العذبات المائسات بِمن ... قد بَان عَنْهَا إِذا مَا اخضرت العذب)
(وَلَو درى منهل الْوَادي الَّذِي وردوا ... من واردو مَائه لاهتزه الطَّرب)
(إِنِّي لأكظم أنفاسي إِذا ذكرُوا ... كي لَا يحرقهم من زفرتي اللهب)
(أسائل البان عَن ميل النسيم بهم ... سُؤال من لَيْسَ يدْرِي فِيهِ مَا السَّبَب)
(وَتلك آثَار لينٍ فِي قدودهم ... مرت بهَا الرّيح فاهتزت لَهَا القضب)
(يصحو السكارى وَلَا أصحو ظماً بكم ... ويسكر السكر من بعض الَّذِي شربوا)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ فِي هَذِه الْمَادَّة الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود بن سلمَان بن فَهد
(قضى وَهَذَا الَّذِي فِي حبهم يجب ... فِي ذمَّة الوجد تِلْكَ الرّوح تحتسب)
(مَا كَانَ يَوْم رحيل الْحَيّ عَن إضمٍ ... لروحه فِي بَقَاء بعدهمْ أرب)
(صبٌ بَكَى أسفا والشمل مجتمعٌ ... كَأَنَّهُ كَانَ للتفريق يرتقب)
(نأوا فذابت عَلَيْهِم روحه كمداً ... مَا كَانَ إِلَّا النَّوَى فِي حتفه سَبَب)
(لم يدر أَن قدود السمر مشبهةٌ ... للبيض لَو لم يكن أسماءها القضب)
(وَظن كأس الْهوى يصحو النزيف بهَا ... إِذْ أوهمته الثنايا أَنَّهَا الحبب)
(طُوبَى لمن لم يُبدل دين حبهم ... بل مَاتَ وَهُوَ إِلَى الْإِخْلَاص منتسب)
(لَو لم يمت فيهم مَا عَاشَ عِنْدهم ... حَيَاته من وَفَاة الْحبّ تكتسب)
(بانوا وفبي الْحَيّ ميتٌ ناح بعدهمْ ... لَهُ الْحمام وسحت دمعها السحب)
(وشق غُصْن النقا من أَجله حزنا ... جيوبه وأديرت حوله العذب)(4/43)
(وَشَاهد الْغَيْث أنفاساً يصعدها ... فَعَاد والبرق فِي أحشائه لَهب)
(لَو أنصفوا وقفُوا حفظا لمهجته ... إِن الْوُقُوف على قَتْلَى الْهوى قرب)
(يَا بارق الثغر لَو لاحت ثغورهم ... وشمت بارقها مَا فاتك الشنب)
)
(وَيَا حَيا جادهم إِن لَك تكن كلفاً ... مَا بَال عَيْنَيْك مِنْهَا المَاء منسبك)
(وَيَا قضيب النقا لَو لم تَجِد خَبرا ... عِنْد الصِّبَا مِنْهُم مَا هزك الطَّرب)
(بِاللَّه يَا نسمات الرّيح ايْنَ هم ... وَهل نأوا أم دموعي دونهم حجب)
(بِاللَّه لما استقلوا عَن دِيَارهمْ ... أحنت الدَّار من شوقٍ أم النجب)
(وَهل وجدت فُؤَادِي فِي رحالهم ... فَإِنَّهُ عِنْدهم فِي بعض مَا سلبوا)
(نأوا غضاباً وقلبي فِي إسارهم ... يَا ليتهم غصبوا روحي وَلَا غضبوا)
(طُوبَى لقلبٍ غَدا فِي الركب عِنْدهم ... فَإِنَّهُ عِنْدهم ضيفٌ وهم عرب)
(وَإِن رجعت إِلَيْهِم فاذكري خبري ... إِنِّي شَرقَتْ بدمع الْعين مذ غربوا)
(ثمَّ اذكري سفح دمعي فِي معاهدهم ... لَا يذكر السفح إِلَّا حن مغترب)
(عساك أَن تعطفي نحوي معاطفهم ... فالغصن بِالرِّيحِ ينأى ثمَّ يقترب)
وَقلت أَنا فِي هَذِه الْمَادَّة وَإِن لم أسلك الجادة
(يَا جيرةً مذ نأوا قلبِي بهم يجب ... وَلَو قضى مَا قضى بعض الَّذِي يجب)
(سِرْتُمْ وقلبي أَسِير فِي حمولكم ... فَكيف يرجع مضناكم وينقلب)
(وَأي عَيْش لَهُ يصفو ببعدكم ... وَالْقلب مضطرم الأحشاء مُضْطَرب)
(أضرمتم نَار أشواقي ببينكم ... فالجسم منسكبٌ والدمع منسكب)
(ناحت عَليّ حمامات اللوى ورثت ... وَلَو رثتني مَا فِي فعلهَا عجب)
(تملي عَليّ من الأوراق مَا صنعت ... سجعاً فتهتز من ألحانها القضب)
(والغيث لما رأى مَا قد منيت بِهِ ... فكله مقلٌ بالدمع تنسكب)
(بِاللَّه يَا صَاح روحني بذكرهم ... وزد عَسى أَن يخف الوجد والوصب)
(وَيَا رَسُولي إِلَيْهِم صف لَهُم أرقي ... وَأَن طرفِي لضيف الطيف مرتقب)
(وأسأل مواهبهم للعين بعض كرى ... عساي أَن يهبوا لي بعض مَا نهبوا)
(ولطف القَوْل لَا تسأم مُرَاجعَة ... وأشك الْهوى والنوى قد ينجح الطّلب)
(عرض بذكرى فَإِن قَالُوا أتعرفه ... فأسأل لي الْوَصْل وانكرني إِذا غضبوا)
(ذكرهم بليالٍ قد مَضَت بهم ... وهم نجومي بهَا لَا السَّبْعَة الشهب)
(هم الرضى والمنى وَالْقَصْد من زمني ... وكل مَا أرتجي والسول والأرب)(4/44)
)
(وهم مرادي على حَالي جَفا ووفاً ... وبغيتي إِن نأوا عني أَو اقتربوا)
(هم روح جسمي الَّذِي يحيى لشقوته ... بهم فَإِن حَياتِي كلهَا تَعب)
(هم نور عَيْني وَإِن كَانَت لبعدهم ... أَيَّام عيشي سُودًا كلهَا عطب)
(إِن يحضروا فالبكى غطى على بَصرِي ... فهم حضورٌ وَفِي الْمَعْنى هم غيب)
(وَإِن يغيبوا وأهدوا طيفهم كرماً ... فالسهد من دون مَا يهدونه حجب)
(وَلَو فرضت انْقِطَاع الدمع لم أرهم ... وصدني عَنْهُم الإجلال وَالْأَدب)
(فَمَا تملت بهم عَيْني بل امْتَلَأت ... بأدمعٍ خجلت من سحها السحب)
(فَلم تتْرك التّرْك فِي شمسٍ وَلَا قمرٍ ... حسنا لغَيرهم يعزى وينتسب)
(لكِنهمْ لم يفوا إِن عاهدوك على ... ودٍ وَمَا هَكَذَا من فعلهَا الْعَرَب)
(خلا الغزال الَّذِي نَفسِي بِهِ ألفت ... فكم لَهُ من يدٍ فِي الْفضل تحتسب)
(لَهُ لطافة أخلاقٍ تعلم من ... لَا يعرف الوجد كَيفَ الذل وَالْحَرب)
(ولحظه الضّيق الأجفان وسع لي ... هموم وجدٍ لَهَا فِي أضلعي لَهب)
(سيوف أجفانه المرضى إِذا نظرت ... تفري الجوانح لَا الْهِنْدِيَّة القضب)
(إِذا انثنى سلب الْأَلْبَاب معطفه الب ... ادي التأود لَا الخطية السَّلب)
(وَإِن بدا فبدور الْأُفق من خجلٍ ... ترخى على وَجههَا من سحبها نقب)
(يَا برق لَا تبتسم من ثغره عجبا ... قد فَاتَ معناك مِنْهُ الظُّلم والشنب)
(وَيَا قضيب النقا لَو هز قامته ... لَكُنْت تسْجد إجلالاً وتقترب)
(شمعي ضيا فرقه والورد وجنته ... والريق خمري لَا مَا يعصر الْعِنَب)
(ومذ رشفت لماه وَهُوَ مبتسم ... مَا راق لي بعده خمرٌ وَلَا حبب)
3 - (ابْن عبد الْهَادِي)
الْمسند شمس الدّين ابْن قدامَة مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمسند شمس الدّين أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي أَخُو الْعِمَاد كَانَ شَيخا معمراً أجَاز لَهُ السلَفِي وشهدة الْكِتَابَة وَهُوَ آخر من روى عَنْهَا بِالْإِجَازَةِ روى عَنهُ الدمياطي وَغَيره
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين وست مائَة شَهِيدا بيد التتار فِي قَرْيَة ساوية من نابلس وَدفن بهَا وَقد نَيف على الْمِائَة(4/45)
3 - (ابْن عبد الْوَاحِد)
صريع الدلاء مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد صريع الدلاء وقتيل الغواشي وَالثَّانِي عِنْدِي أحسن لأمرين لِأَنَّهُ فِي الغواشي مَا فِي الدلاء من الْمَعْنى المُرَاد وَلِأَن الغواشي أَكثر شبها فِي اللَّفْظ بالغواني من الدلاء لأَنهم قابلوا بِهِ صريع الغواني وَهُوَ مُسلم بن الْوَلِيد الشَّاعِر الْفَحْل كَمَا قَالُوا صر بعر مُقَابلَة لصر در
ذكره ابْن النجار فَقَالَ بصريّ سكن بَغْدَاد وَكَانَ شَاعِرًا مَاجِنًا مطبوعاً يغلب على شعره الْهزْل والمجون عَارض مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد بمقصورةٍ مجن فِيهَا جَاءَ مِنْهَا
(من لم يرد أَن تنتقب نعاله ... يحملهَا فِي كمه إِذا مَشى)
(من دخلت فِي عينه مسلةٌ ... فاساله من سَاعَته عَن الْعَمى)
(من أكل الفحم تسود فَمه ... وَرَاح صحن خَدّه مثل الدجا)
(من صفع النَّاس وَلم يدعهم ... أَن يصفعوه فَعَلَيْهِم اعْتدى)
(من ناطح الْكَبْش تعجر رَأسه ... وسال من مفرقه شبه الدما)
(من طبخ الكرش وَلَا يغسلهُ ... سَالَ على شَاربه مِنْهُ الخرا)
(من فَاتَهُ الْعلم وأخطاه الْغنى ... فَذَاك وَالْكَلب على حدٍ سوى)
(من طبخ الديك وَلَا يذبحه ... طَار من الْقدر إِلَى حَيْثُ يشا)
قَالَ بَعضهم إِن هَذَا الْبَيْت خير من مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد فَإِنَّهُ حِكْمَة بَالِغَة
(والدرج يلفى بالغشاء مُلْصقًا ... والسرج لَا يلصق إِلَّا بالغرى)
(والذقن شعرٌ فِي الْوُجُوه نابتٌ ... وَإِنَّمَا الاست الَّتِي تَحت الخصى)
توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع مائَة وَمن شعر صريع الدلاء يمدح فَخر الْملك)
(كَيفَ نلقى بؤساً ودولة فَخر ال ... ملك فِينَا تعم بالإنعام)
(هَكَذَا مَا بَقِي الجديدان يبْقى ... للتهاني مملكاً ألف عَام)
(كل يومٍ لنا بنعماك عيدٌ ... لَا خلت مِنْهُ سَائِر الْأَيَّام)
(فَلهُ الأنعم الجسام اللواتي ... هِيَ مثل الْحَيَاة فِي الْأَجْسَام)
(لم يزل يطْلب المحامد والعل ... يَاء بَين السيوف والأقلام)(4/46)
(فَلَقَد نَالَ بالعزائم مجداً ... لم ينل مثله بِحَدّ الحسام)
(أدْرك النَّجْم قَاعِدا وسواه ... عاجزٌ أَن يَنَالهُ من قتام)
(لم يزل جوده يعطعط بالإف ... ضال مذ كَانَ فِي قفا الإعدام)
فَهُوَ فِي حبه المكارم والجود يرى الآملين فِي الأحلام قد كفتنا غيوث كفيه أَن نبسط كفا إِلَى سُؤال الْغَمَام
(ورضعنا لَدَيْهِ در الْأَمَانِي ... ونظمنا لَدَيْهِ در الْكَلَام)
قلت مديح جيد وَشعر عذب
أَبُو صَاحب الشَّامِل مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد أَبُو طَاهِر البيع الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الصّباغ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة درس الْفِقْه على أبي حَامِد الأسفراييني وَهُوَ وَالِد أبي نصر صَاحب الشَّامِل
توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
الدّارميّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عمر بن مَيْمُون أَبُو الْفرج الدَّارمِيّ الْبَغْدَادِيّ الشَّافِعِي نزيل دمشق
روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَله شعر سكن الرحبة مُدَّة ثمَّ دمشق وَكَانَ حاسباً فصيح القَوْل
روى عَنهُ من شعره ابْن النقور وَأَبُو عَليّ ابْن الْبناء وَله كتاب الاستذكار فِي الْمَذْهَب
توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب الفراديس وَمن شعره قَاضِي بَغْدَاد مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ أَبُو جَعْفَر ابْن الصّباغ الشَّافِعِي
ولد فِي رَجَب سنة ثَمَان وَخمْس مائَة وَولي قَضَاء بَغْدَاد وَكَانَ صَالحا نزهاً دخل فِي صَلَاة الْعَصْر فصلى ثَلَاث رَكْعَات وَمَات فِي الرَّابِعَة وَدفن بِبَاب حَرْب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة)
القَاضِي اللبني مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْجَلِيل بن عَليّ القَاضِي زكي الدّين ابو بكر المَخْزُومِي اللبنيبعد اللَّام بَاء مُوَحدَة مُشَدّدَة ونونالشافعي ولي قَضَاء بانياس وَبصرى وبعلبك وَله فَضَائِل ومشاركة حُكيَ أَنه من ذُرِّيَّة خَالِد بن الْوَلِيد وَله نظم
توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وست مائَة
وَمن شعره
(سل سابل العبرات فِي الأطلال ... كم قد خلوت بهَا بِذَات الْخَال)(4/47)
(وجنيت باللحظات من وجناتها ... مَا غض مِنْهُ الغض من عذالي)
(وهممت أرتشف اللمى فترنحت ... فحمت جنى المعسول بالعسال)
(لَو لم تكن مثل الغزالة لم يكن ... بمنى لَهَا عني نفور غزال)
(صدت وَلَوْلَا أَن تصدت لي لما ... وصل الغرام حبالها بحبالي)
(فاعجب لجذوة خدها ولمائه ... ضدان يَجْتَمِعَانِ من صلصال)
(أَنا فِي هجير محرقٍ مكن هجرها ... فَمَتَى أطفيه بِبرد وصال)
(إِن كَانَ أعرض أَو تعرض طيفها ... فمدامعي كالعارض الهطال)
(وَمن الْمحَال يزور من عبراته ... طوفانها قد طم طيف خيال)
(قَالَت وَقد حذت العقيق بِمثلِهِ ... هلا بدمعٍ لَا بدمع لآلي)
(فأجبتها ذِي مهجتي فِي مقلتي ... سَالَتْ فَكيف زعمت أَنِّي سَالَ)
(فتضاحكت فَبَكَيْت من فرط الجوى ... شوقاً فَمَا رقت لرقة حَالي)
مِنْهَا فِي مديح النَّاصِر ابْن الْعَزِيز مُحَمَّد
(رفعت عوامله بمجرور الظبى ... قسما بِمَا نصبت بِحكم الْحَال)
(ورماحه رقصت فنقطها الظبى ... يَوْم الوغى بجماجم الْأَبْطَال)
وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن سِتّ وَسِتِّينَ سنة
الْحَافِظ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل الْحَافِظ الْحجَّة الإِمَام ضِيَاء الدّين ابو عبد الله السَّعْدِيّ الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي صَاحب التصانيف
ولد بالدير الْمُبَارك سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة لزم الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَتخرج بِهِ وَحفظ)
الْقُرْآن وتفقه ورحل أَولا إِلَى مصر سنة خمس وَتِسْعين وَسمع ورحل إِلَى بَغْدَاد بعد موت ابْن كُلَيْب وَمن هُوَ أكبر مِنْهُ وَسمع من ابْن الْجَوْزِيّ الْكثير وبهمذان وَرجع إِلَى دمشق بعد السِّت مائَة ثمَّ رَحل إِلَى أَصْبَهَان فَأكْثر بهَا وتزيد وَحصل شَيْئا كثيرا من المسانيد والأجزاء ورحل إِلَى نيسابور فَدَخلَهَا لَيْلَة وَفَاة الفراوي ورحل إِلَى مرو وَسمع بحلب وحران والموصل وَقدم دمشق بعد خَمْسَة أَعْوَام بِعلم كثير وَحصل أصولاً نفيسة فتح الله بهَا عَلَيْهِ هبة وَشِرَاء ونسخاً وَسمع بِمَكَّة وَلزِمَ الِاشْتِغَال لما رَجَعَ وأكب على التصنيف والنسخ وَأَجَازَ لَهُ(4/48)
السلَفِي وشهدة وَأحمد بن عَليّ بن الناعم وأسعد بن بلدرك وتجنى الْوَهْبَانِيَّة وَابْن شاتيل وَعبد الْحق اليوسفي وَأَخُوهُ عبد الرَّحِيم وَعِيسَى الدوشابي وَمُحَمّد بن نسيم العيشوني وَمُسلم بن ثَابت النّحاس وَأَبُو شَاكر السقلاطوني وَابْن بري النَّحْوِيّ وَأَبُو الْفَتْح الْخرقِيّ وَخلق كثير
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سَمِعت الْحَافِظ ابا الْحجَّاج الْمزي وَمَا رَأَيْت مثله يَقُول الشَّيْخ الضياء أعلم بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَال من الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَلم يكن فِي وقته مثله
وَمن تصانيفه كتاب الْأَحْكَام يعوز قَلِيلا ثَلَاث مجلدات فَضَائِل الْأَعْمَال مُجَلد الْأَحَادِيث المختارة خرج مِنْهَا تسعين جُزْءا وَهِي الْأَحَادِيث الَّتِي تصلح أَن يحْتَج بهَا سوى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خرجها من مسموعاته فَضَائِل الشَّام ثَلَاثَة أَجزَاء فَضَائِل الْقُرْآن جُزْء كتاب الْجنَّة كتاب النَّار مَنَاقِب أَصْحَاب الحَدِيث النَّهْي عَن سبّ الصحاب سير المقادسة كالحافظ عبد الْغَنِيّ وَالشَّيْخ الْمُوفق وَالشَّيْخ أبي عمر وَغَيرهم فِي عدَّة مجلدات وَله تصانيف كَثِيرَة فِي أَجزَاء عديدة
وَبنى مدرسة على بَاب الْجَامِع المظفري وأعانه عَلَيْهَا بعض أهل الْخَيْر وَجعلهَا دَار حَدِيث وَأَن يسمع فِيهَا جمَاعَة من الصّبيان وقف بهَا كتبه وأجزاءه وفيهَا من وقف الشَّيْخ الْمُوفق والبهاء عبد الرَّحْمَن والحافظ عبد الْغَنِيّ وَابْن الْحَاجِب وَابْن سَلام وَابْن هامل وَالشَّيْخ عَليّ الْموصِلِي وَقد نهبت فِي نكبة الصالحية نوبَة غازان وَرَاح مِنْهَا شَيْء كثير ثمَّ تماثلت وتراجعت
وَجمع بَين فقه الحَدِيث ومعانيه وشدا طرفا من الْأَدَب وَكَثِيرًا من اللُّغَة وَالتَّفْسِير وَنظر فِي الْفِقْه وناظر فِيهِ
توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة وَله أَربع)
وَسَبْعُونَ سنة
مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْعَزِيز ابو مُطِيع الْمَدِينِيّ صَاحب الأمالي الْمَشْهُورَة عَاشَ بضعاً وَتِسْعين سنة وَتفرد بالرواية عَن جمَاعَة وَتُوفِّي سنة سبع وَتِسْعين واربع مائَة
التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ أورد لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة قَوْله
(إِن زارني لم أنم من طيب زورته ... وَإِن جَفا لم أنم من شدَّة الحرق)
(فَفِي الْوِصَال جفوني غير رَاقِدَة ... من السرُور وَفِي الهجران من قلقي)
(إِنِّي لأخشى حريقاً إِن علا نَفسِي ... وأتقي إِن جرى دمعي من الْغَرق)
وَقَوله
(قلت إِذْ قيل لي حَبِيبك يشكو ... رمداً سلط السهاد عَلَيْهِ)
لَا يظنّ الحسود ذَاك وَإِن دب دَبِيب التوريد فِي وجنتيه(4/49)
(إِنَّمَا خَدّه غلالة وردٍ ... نفضت صبغها على مقلتيه)
وَقَوله
(نظرت تشوقاً يَوْمًا إِلَيْهِ ... فأثر ناظري فِي وجنتيه)
(وجرد من لواحظه حساماً ... حمائله بنفسج عارضيه)
قلت أَخذه من قَول الأول
(سفك الدِّمَاء بصارمٍ من نرجسٍ ... كَانَت حمائل غمده من آس)
وَقَوله فِي الْكُسُوف
(كَأَنَّمَا الْبَدْر وَقد شانه ... كسوفه فِي لَيْلَة الْبَدْر)
(وَجه غلامٍ حسنٍ وَجهه ... جارت عَلَيْهِ ظلمَة الشّعْر)
مثله قَول الثعالبي
(انْظُر إِلَى الْبَدْر فِي أسر الْكُسُوف بدا ... مستسلماً لقَضَاء الله وَالْقدر)
(كَأَنَّهُ وَجه معشوقٍ أدل على ... عشاقه فابتلاه الدَّهْر بالشعر)
الملاحي الْحَافِظ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن إِبْرَاهِيم بن مفرج الملاحي بتَشْديد اللَّام وَجَاء مُهْملَة الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الغافقي الأندلسي والملاحة من قرى غرناطة من كبار الْحفاظ بَالغ عمره فِي الاستكثار)
ألف تَارِيخا فِي عُلَمَاء البيرة وَكتاب أَنْسَاب الْأُمَم الْعَرَب والعجم وَسَماهُ الشَّجَرَة وَالْأَرْبَعِينَ حَدِيثا بلغ فِيهِ الْغَايَة من الاحتفال وَشهد لَهُ بِحِفْظ أَسمَاء الرِّجَال وَله اسْتِدْرَاك على ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة
توفّي سنة تسع عشرَة وست مائَة
ابْن شفنين مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد الشريف الْمسند ابو الْكَرم المتوكلي الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شفنين بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء والنونين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف
ولد سنة تسع وَأَرْبَعين حسن الطَّرِيقَة عالي الْإِسْنَاد روى عَنهُ ابْن النجار وَجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وست مائَة
المستجير بِاللَّه مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن جَعْفَر المقتدر بِاللَّه بن أَحْمد المعتضد بِاللَّه بن الْمُوفق بِاللَّه أبي أَحْمد مُحَمَّد بن المتَوَكل جَعْفَر بن المعتصم أَبُو أَحْمد ابْن أبي عَليّ
لما خلع الْمُطِيع لله نَفسه فِي فتْنَة الأتراك ادّعى الْخلَافَة وتلقب بالمستجير بِاللَّه فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ(4/50)
الْخلَافَة للطائع لله طلبه وظفر بِهِ وَقطع أَنفه وَبَقِي إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ لَهُ ولدٌ اسود يضْرب على الْمُغَنِّيَات
وَالِد هبة الله الْمُحدث مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس بن الْحصين الشَّيْبَانِيّ أَبُو عبد الله الْكَاتِب وَالِد أبي الْقَاسِم هبة الله الْمُحدث الْمَشْهُور
كَانَ من أَعْيَان النَّاس أسمع أَوْلَاده الحَدِيث الْكثير قَالَ ابْن النجار وَلَا أَظُنهُ سمع شَيْئا وَلَا روى توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
ابو بكر السمسار مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الله بن مُحَمَّد السمسار أَبُو بكر ابْن أبي الْقَاسِم الْمُسْتَعْمل
سمع الْحسن بن شَاذان وَعبد الْملك بن بَشرَان وَأحمد ابْن مُحَمَّد البرقاني وَعبد الْغفار بن مُحَمَّد الْمُؤَدب وَسمع مِنْهُ عبد الله وَإِسْمَاعِيل ابْنا أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي وشجاع بن فَارس الذهلي
وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبع مائَة
ابْن زُرَيْق الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن الْحسن بن منَازِل الشَّيْبَانِيّ ابو غَالب الْقَزاز الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بِابْن زُرَيْق من أهل الْحَرِيم الظَّاهِرِيّ)
كَانَ من الْقُرَّاء المجودين وأرباب الصّلاح وَالدّين قَرَأَ بالروايات على أبي الْفَتْح عبد الْوَاحِد بن عَليّ ابْن شيطا وَأبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْخياط وَأبي عَليّ الشرمقاني وَالْحسن بن عَليّ الْعَطَّار وَغَيرهم وَسمع الحَدِيث الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم وَأبي الْحسن عَليّ ابْني عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي وَأبي الْحسن عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي وَأبي بكر الْخَطِيب وَأحمد ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن النقور وَغَيرهم وروى عَنهُ الْمُبَارك بن كَامِل الْخفاف وَأَبُو الْحسن سعد الله بن مُحَمَّد بن طَاهِر الدقاق وَجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمْس مائَة
التَّمِيمِي أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْعَزِيز بن الْحَارِث ابْن أَسد بن اللَّيْث بن سُلَيْمَان بن الْأسود بن سُفْيَان أَبُو الْفضل التَّمِيمِي ابْن عَم أبي مُحَمَّد رزق الله بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْعَزِيز التَّمِيمِي
سَافر إِلَى بِلَاد الْمغرب وَدخل القيروان يَدْعُو إِلَى دَعْوَة بني الْعَبَّاس فاستجيب لَهُ ثمَّ وَقعت الْفِتَن هُنَاكَ فَخرج إِلَى الأندلس وحظي عِنْد مُلُوكهَا واستوطن مَدِينَة طليطلة إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ أديباً فَاضلا وَله شعر
من شعره
(أينفع قولي أنني لَا أحبه ... ودمعي بِمَا يمليه وجدي يكْتب)
(إِذا قلت للواشين لست بعاشقٍ ... يَقُول لَهُم فيض المدامع يكذب)
وَقَوله(4/51)
(هبيني قد أنْكرت حبك جملَة ... وآليت أَنِّي لَا أروم محطها)
(فَمن أَيْن لي فِي الْحبّ جرح شهادةٍ ... سقامي أملاها ودمعي خطها)
وَقَوله
(يَا ذَا الَّذِي خطّ الْجمال بِوَجْهِهِ ... سطرين هاجا لوعةً وبلابلا)
(مَا صحّ عِنْدِي أنَّ لحظك صارمٌ ... حَتَّى لبست بعارضيك حمائلا)
قَالَ ابْن النجار ذكر ابْن حَيَّان أَنه توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة بطليطلة فِي كنف الْمَأْمُون يحيى بن ذِي النُّون وَذكر أَنه يتهم بِالْكَذِبِ
مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن حَرْب الْخَطِيب شهَاب الدّين نقلت من خطّ ابْن الشواء الْكَاتِب)
يَقُول أَخْبرنِي فِي مستهل شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست مائَة قَالَ أَقمت بالبيرة وَكنت أتشاغل وَأنْفق أَكثر الْأَوْقَات فِي المكاتبات إِلَى الْأَهْل والإخوان بحلب فَبينا أَنا يَوْمًا إِذْ رَأَيْت شَيخا ينشدني فِي النّوم
(وَقد كنت فِي قربي أمل من اللقا ... فقد صرت شوقاً لَا أملّ من الْكتب)
وَقَالَ لي أجزه فأجزته فِي النّوم بديهاً وَقلت
(فَللَّه قلبٌ يظْهر الود فِي النَّوَى ... على ربه فسراً ويخفيه فِي الْقرب)
وَأَخْبرنِي قَالَ رَأَيْت مَكْتُوبًا على ظهر كتابٍ قَول بعض الْأَعْرَاب
(نزلت على آل الْمُهلب شاتياً ... غَرِيبا عَن الأوطان فِي زمنٍ مَحل)
(فَمَا زَالَ بِي إلطافهم وافتقادهم ... وبرهم حَتَّى حسبتهم أَهلِي)
وتحتها مَكْتُوب قَول الحريري
(جزى الله مولى قد نزلت بداره ... كَمَا ينزل الضَّيْف الموَالِي المواليا)
(فأسرف فِي بري وَأكْرم جَانِبي ... وَقرب آمالي وأرضى الأمانيا)
(فَلَو زَارَهُ ضيف الْمُهلب لم يقل ... نزلت على آل الْمُهلب شاتيا)
فَكتبت تحتهما من شعري بديهاً
(سقى الله دَارا ظلت فِيهَا منعماً ... وَلَا جادها فِي الدَّهْر صوب المكاره)
(جنيت ثمار اللَّهْو فِيهَا محاوراً ... لمن لَا يُطيق الدَّهْر إيلام جَاره)
(مليكاً ترى صيد الْمُلُوك بِبَابِهِ ... وَكلهمْ يعشو إِلَى ضوء ناره)
(يؤججها بالعنبر الرطب ليله ... وبالعنبر الْهِنْدِيّ طول نَهَاره)
(فَلَو زار مغناه الحريري لم يقل ... جزى الله مولى قد نزلت بداره)(4/52)
الْمَدِينِيّ الْوَاعِظ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن أبي سعد الْمَدِينِيّ ابو عبد الله الْوَاعِظ من أهل مَدِينَة جي وَهِي أَصْبَهَان الْقَدِيمَة
شيخ واعظ فَقِيه مفتٍ على مَذْهَب الشَّافِعِي وَيعرف الحَدِيث وَكَانَ فِيهِ أدب وَفضل وَله قبُول عِنْد أهل بَلَده قدم بَغْدَاد وروى بهَا شَيْئا من شعره كتبه عَنهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي عبد الله الْوَاعِظ الْحَنْبَلِيّ الْأَصْبَهَانِيّ
قتل شَهِيدا بأصبهان على أَيدي التتار سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَمن شعره)
أَبُو عمر الزَّاهِد اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي هَاشم الْبَغْدَادِيّ أَبُو عمر الزَّاهِد صَاحب ثَعْلَب وتلميذه
كَانَ آيَة فِي الْحِفْظ للغة أمْلى فِيهَا ثَلَاثِينَ ألف ورقة من حفظه
قَالَ الْخَطِيب سَمِعت غير وَاحِد يحْكى أَن الْأَشْرَاف وَالْكتاب وَأهل الْأَدَب كَانُوا يحْضرُون عِنْد أبي عمر الزَّاهِد ليسمعوا مِنْهُ وَكَانَ لَهُ جُزْء جمع فِيهِ فَضَائِل مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ فَلَا يُقْرِئهُمْ شَيْئا حَتَّى يَبْتَدِئ بِقِرَاءَة ذَلِك الْجُزْء وَكَانَ جَمِيع شُيُوخنَا يوثقونه فِي الحَدِيث وَله غَرِيب الحَدِيث صنفه على مُسْند أَحْمد وَله كتاب الياقوتة وَله فَائت الفصيح وَشرح الفصيح والموضح والساعات وَيَوْم وَلَيْلَة والمستحسن والعشرات والشورى والبيوع وَتَفْسِير أَسمَاء الشُّعَرَاء والقبائل والنوادر وفائت الْعين والمداخل وَكتاب على المداخل والتفاحة والمكنون والملتزم وَمَا أنكرته الْأَعْرَاب على أبي عبيد فِيمَا رَوَاهُ وصنفه
وَأكْثر مَا نقل أَبُو مُحَمَّد ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي المثلث عَنهُ وروى عَنهُ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن رزقويه وَأَبُو عَليّ ابْن شَاذان وَغَيرهمَا وَكَانَ لسعة علمه وَرِوَايَته يكذبهُ أهل زَمَانه قَالَ ابْن خلكان وَغَيره قَصده جمَاعَة للأخذ عَنهُ فتذاكروا عِنْد قنطرة هُنَاكَ إكثاره وَأَنه يكذب فَقَالَ أحدهم أَنا أصحف لَهُ اسْم هَذِه القنطرة وأسأله عَنْهَا فَقَالَ لَهُ مَا الهرطنق عِنْد العربقال كَذَا وَكَذَا فَتَضَاحَكُوا سرا وتركوه شهرا ثمَّ تركُوا شخصا آخر سَأَلَهُ عَن اللَّفْظَة بِعَينهَا فَقَالَ أَلَيْسَ سُئِلت عَن هَذِه اللَّفْظَة مذ مُدَّة كَذَا وأجبت عَنْهَا كَذَا وكذاوقلد معز الدولة الشرطة لشخص اسْمه خواجا وَكَانَ أَبُو عمر يملي كتاب الياقوتة فَقَالَ اكتبوا ياقوتة خواجا الخواج فِي أصل كَلَام الْعَرَب الْجُوع وَفرع على هَذَا بَابا وأملاه فعجبوا لذَلِك وتتبعوه فوجدوه كَمَا قَالَ
توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَقيل سنة خمس وَأَرْبَعين(4/53)
3 - (ابْن عبد الْوَلِيّ)
أَمِين الدّين الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عبد الْوَلِيّ ابْن أبي مُحَمَّد خولان الإِمَام الْفَقِيه الْمُقْرِئ الْمُحدث أَمِين الدّين أَبُو عبد الله البعلي الْحَنْبَلِيّ التَّاجِر
ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وست مائَة وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَسبع مائَة سمع من الشَّيْخ الْفَقِيه اليونيني وَابْن عبد الدايم وَجَمَاعَة وَقَرَأَ وَنظر فِي عُلُوم الحَدِيث
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سَمِعت مِنْهُ ببعلبك وبالمدينة وبتبوك وَكَانَ من خِيَار النَّاس وعلمائهم وَألف كتابا سَمَّاهُ الْعُمْدَة القوية فِي اللُّغَة التركية(4/54)
3 - (ابْن عبد الْوَهَّاب)
القناد مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْكُوفِي القناد الرجل الصَّالح
روى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ
حمك مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن حبيب الْفَقِيه ابو أَحْمد الْعَبْدي النَّيْسَابُورِي الْفراء الأديب أَخذ الْأَدَب عَن الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي وَأبي عبيد والْحَدِيث عَن أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَالْفِقْه عَن أَبِيه وَعلي بن عثام وَكَانَ فِيمَا قَالَ فِيهِ الْحَاكِم يُفْتِي فِي هَذِه الْعُلُوم
روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَمُسلم وَقَالَ ثِقَة وَقَالَ ابْن مَاكُولَا وَغَيره لقبه حمك بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم وَالْكَاف وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة
الجبائي أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سَلام ابو عَليّ الجبائي شيخ الْمُعْتَزلَة
كَانَ رَأْسا فِي الْكَلَام أَخذ عَن أبي يَعْقُوب بن عبد الله الْبَصْرِيّ الشحام وَله مقالات مَشْهُورَة وتصانيف أَخذ عَنهُ ابْنه أَبُو هَاشم عبد السَّلَام وَالشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ كَانَ الجبائي زوج أمه ثمَّ أعرض عَنهُ الْأَشْعَرِيّ لما ظهر لَهُ فَسَاد مذْهبه وَتَابَ مِنْهُ على مَا يذكر فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى
عَاشَ الجبائي ثمانياً وَسِتِّينَ سنة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاث مائَة قَالَ الجبائي الحَدِيث لِابْنِ حَنْبَل وَالْفِقْه لأَصْحَاب أبي حنيفَة وَالْكَلَام للمعتزلة وَالْكذب للرافضة
والجبائي لَهُ طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة يَعْتَقِدُونَ مقالاته يعْرفُونَ بالجبائية وَكَذَلِكَ ابْنه أَبُو هَاشم تعرف طائفته بالبهشمية وهما من معتزلة الْبَصْرَة انفردوا عَن أصحابهما بمسائل وَانْفَرَدَ كل مِنْهُمَا عَن الآخر بمسائل هِيَ مَذْكُورَة فِي كتب الْكَلَام وَسَيَأْتِي ذكر وَلَده عبد السَّلَام بن مُحَمَّد فِي مَكَانَهُ)
من حرف الْعين
أَبُو عَليّ الزَّاهِد الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ النَّيْسَابُورِي الزَّاهِد الْوَاعِظ الْفَقِيه من ولد الْحجَّاج ين يُوسُف
كَانَ إِمَامًا فِي أَكثر علم الشَّرْع مقدما فِي كل فن عطل أَكثر علومه واشتغل بالتصوف وَمَعَ علومه خَالف ابْن خُزَيْمَة(4/55)
فِي مسَائِل مِنْهَا مسأله التَّوْفِيق والخذلان وَمَسْأَلَة الْإِيمَان وَمَسْأَلَة اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ فألزم الْبَيْت وَلم يخرج مِنْهُ حَتَّى مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَلَاث مائَة
كَانَ يَقُول يَا من بَاعَ كل شَيْء بِلَا شَيْء وَاشْترى لَا شَيْء بِكُل شَيْء أُفٍّ من أشغال الدُّنْيَا إِذا أَقبلت وأف من حسراتها إِذا أَدْبَرت الْعَاقِل لَا يركن إِلَى شَيْء إِذا أقبل كَانَ شغلاً وَإِذا أدبر كَانَ حسرة وَقَالَ ترك الرِّيَاء للرياء أقبح من الرِّيَاء
شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ
كَانَ إِمَامًا بارعاً أصولياً من كبار أَئِمَّة الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْخلاف تفقه على القَاضِي نجم الدّين رَاجِح الْحَنْبَلِيّ ثمَّ الشَّافِعِي وَالشَّيْخ مجد الدّين ابْن تَيْمِية وناظره مَرَّات وَقدم دمشق فَقَرَأَ الْأُصُول والعربية على الشَّيْخ علم الدّين الْقَاسِم وَدخل مصر ولازم دروس الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وناب فِي الْقَضَاء عَن تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز فَلَمَّا جعلت الْقُضَاة أَرْبَعَة نَاب فِي الْقَضَاء عَن الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْعِمَاد ثمَّ قدم دمشق وانتصب للإفادة
وَكَانَ حسن الْعبارَة طَوِيل النَّفس فِي الْبَحْث أعَاد بالجوزية مُدَّة وناب فِي إِمَامَة محراب الْحَنَابِلَة ثمَّ ابْتُلِيَ بالفالج وَبَطل نصفه الْأَيْسَر وَثقل لِسَانه حَتَّى لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير بَقِي كَذَلِك اربعة أشهر وَمَات فِي سنة خمس وَسبعين وست مائَة وَكَانَ من أذكياء النَّاس
روى عَن ابْن اللتي والموفق عبد اللَّطِيف بن يُوسُف وَجَمَاعَة وَمَات فِي عشر السّبْعين روى عَنهُ ابْن أبي الْفَتْح وَابْن الْعَطَّار وَكَانَ يقْرَأ تائية ابْن الفارض ويبكي ويشرحها وَدفن بمقابر بَاب الصَّغِير
أندشني الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ لغزاً فِي شَبابَة
(منقبةٌ مهما خلت مَعَ محبها ... يزودها لثماً ويسعها شزرا)
(وتصحيفها فِي كف من شِئْت فَلْتَقُلْ ... إِذا شِئْت فِي الْيُمْنَى وَإِن شِئْت فِي الْيُسْرَى)
)
وأنشدني لَهُ أَيْضا مِمَّا قرأته عَلَيْهِ من لَفْظِي
(طَار قلبِي يَوْم سَارُوا فرقا ... وَسَوَاء فاض دمعي أَو رقا)
(حَار فِي سقمي من بعدهمْ ... كل من فِي الْحَيّ داوى أَو رقى)
(بعدهمْ لَا طل وَادي المنحنى ... وَكَذَا بَان الْحمى لَا أورقا)
نقلت من خطّ الْحَافِظ اليغموري قَالَ أَنْشدني شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور بن معالي الدهان الْحَرَّانِي لنَفسِهِ وَقد كلفه محبوبه أَن يجمع بَينه وَبَين مَحْبُوب لَهُ فَلم يقدر على ذَلِك فهجره فَكتب إِلَيْهِ
(صددت عني صدود قالٍ ... وَجَرت فِي الْغَيْب والشهاده)
(جُرْمِي وذنبي إِلَيْك إِنِّي ... قدت فَمَا تمت القياده)(4/56)
نَاصِر الدّين الإسْكَنْدراني مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عَطِيَّة الْفَقِيه الْمُحدث نَاصِر الدّين الإسْكَنْدراني قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين صحبته بالثغر وَسمعت قِرَاءَته على الغرافي وَكَانَ قَارِئ الحَدِيث عِنْده بالأبزارية ويؤم بمسجدٍ وَكَانَ دينا عَاقِلا مليح الْخط ولد فِي حُدُود السِّتين وست مائَة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسبع مائَة
ابْن السديد الإسنائي قَاضِي قوص مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عَليّ القَاضِي جمال الدّين ابْن السديد الإسنائي
نَشأ فِي رئاسة وسعادة وحشم وخدم واشتغل بِالْعلمِ وَقَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ هبة الله القفطي وَأَجَازَهُ بالفتوى وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة وَسمع من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد والحافظ شرف الدّين الدمياطي وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة وَقَرَأَ على الشَّيْخ أثير الدّين أبي الْحَيَّانِ فِي النَّحْو الْفُصُول وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الْخَطِيب الْجَزرِي الْأُصُول وَأَجَازَهُ بالفتوى وَأَجَازَهُ الشَّيْخ فَخر الدّين عُثْمَان ابْن بنت أبي سعد وتعدل وَجلسَ بِالْقَاهِرَةِ وقوص وَتَوَلَّى الْعُقُود واستنابه زين الدّين إِسْمَاعِيل السفطي فِي الحكم بأرمنت وَتَوَلَّى الخطابة بإسنا وَتَوَلَّى الحكم بقمولا وقنا وقفط واصفون ثمَّ تولى النِّيَابَة بقوص ثمَّ إِن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين قسم عمل قوص بَينه وَبَين شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن حرمي الْقَمُولِيّ فَتَوَلّى جمال الدّين القوص وَالْبر الشَّرْقِي وَذَاكَ فِي الْبر الغربي وَتزَوج ببنت ابْن حرمي للائتلاف وَأَقْبل جمال الدّين على المتجر بحملته واستمال ابْن حرمي الْوَالِي بالهدايا فاتفق أَن وَقع غلاء)
فِي قوص سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَكَانَ عِنْد جمال الدّين تَقْدِير ألفي إِرْدَب وَخمْس مائَة إِرْدَب فَقَالَ الْوَالِي بِعْ بالسعر الْمَعْرُوف فَأَرَادَ التَّأْخِير فِي غلاء الأسعار فَكتب الْوَالِي إِلَى السُّلْطَان فبرز المرسوم بالحوطة عَلَيْهِ وإحضاره وَصرف عَن الْقَضَاء ثمَّ إِن جمال الدّين تولى النِّيَابَة خَارج بَاب النَّصْر بِالْقَاهِرَةِ بعد سنتَيْن وشهرين مُدَّة لَطِيفَة فَلَمَّا تولى قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن جمَاعَة لم يوله
ومولده بإسنا سنة ثَمَان وَسبعين وست مائَة(4/57)
3 - (ابْن عتاب)
الْكَاتِب مُحَمَّد بن عتاب الْكَاتِب لَهُ رسائل حسان
كَانَ يألف أَحْمد بن الخصيب قبل وزارته فَلَمَّا وزر أَحْمد أحسن إِلَيْهِ فَقَالَ
(هَذَا الْوَزير أَبُو الْعَبَّاس قد نجمت ... بِهِ المكارم واستعلت بِهِ الرتب)
(سموهُ أَحْمد فالإسلام يحمده ... والدهر كاسم أَبِيه ممرعٌ خصب)
(فَلَا فَضَائِل إِلَّا مِنْهُ أَولهَا ... وَلَا مواهب إِلَّا دون مَا يهب)
وَقَالَ فِي جَعْفَر بن مَحْمُود لما صرف عَن وزارة المعتز
(فِي غير حفظ الله يَا جَعْفَر ... زلت فَزَالَ الْخَوْف وَالْمُنكر)
(بلغت أمرا لست أَهلا لَهُ ... باعك عَمَّا دونه يقصر)
(كنت كثوبٍ زانه طيه ... حينا فأبدى عَلَيْهِ المنشر)
(مَا ينفع المنظر من جاهلٍ ... بأَمْره لَيْسَ لَهُ مخبر)
ابْن عتاب الجذامي المغربي مُحَمَّد بن عتاب بن محسن مولى عبد الْملك ابْن عتاب الجذامي أَبُو عبد الله
مفتي قرطبة وعاملها وَكَانَ بَصيرًا بِالْحَدِيثِ وطرقه عَالما بالوثائق لَا يجارى فِيهَا حَافِظًا للْأَخْبَار والأمثال والأشعار وَهُوَ شيخ أهل الشورى وَله اختيارات من أَقْوَال الْعلمَاء يَأْخُذ بهَا فِي خَاصَّة نَفسه توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة(4/58)
3 - (ابْن عَتيق)
ابْن أبي كدية الْأَشْعَرِيّ مُحَمَّد بن عَتيق أبي بكر بن مُحَمَّد بن أبي نصر أَبُو عبد الله التَّمِيمِي القيرواني الْأَشْعَرِيّ الْمُتَكَلّم الْمَعْرُوف بِابْن أبي كدية بِالْكَاف المضمومة وَبعد الدَّال الْمُهْملَة يَاء آخر الْحُرُوف مُشَدّدَة
درس الْأُصُول بالقيروان على أبي عبد الله الْحُسَيْن بن حَاتِم الْأَزْدِيّ صَاحب ابْن الباقلاني وَسمع بِمصْر من أبي عبد الله الْقُضَاعِي وَقدم الشَّام وَأخذ عَنهُ أَبُو الْفَتْح نصر الله بن مُحَمَّد المصِّيصِي وَدخل الْعرَاق وأقرأ الْكَلَام بالنظامية وَكَانَ صلباً فِي الِاعْتِقَاد وَسمع ابْن عبد الْبر بالأندلس
وَتُوفِّي بِبَغْدَاد سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخمْس مائَة سمع يَوْمًا قَائِلا ينشد أَبْيَات أبي الْعَلَاء المعري
(ضحكنا وَكَانَ الضحك منا سفاهةً ... وحقّ لسكان البسيطة أَن يبكوا)
(وتحطمنا الْأَيَّام حَتَّى كأننا ... زجاجٌ وَلَكِن لَا يُعَاد لنا سبك)
فَقَالَ
(كذبت وَبَيت الله حلفة صادقٍ ... سيسبكنا بعد النَّوَى من لَهُ الْملك)
(وَنَرْجِع أجسماً صحاحاً سليمَة ... تعارف فِي الفردوس مَا عندنَا شكّ)
وَمن شعره
(كَلَام إلهي ثابتٌ لَا نفارقه ... وَمَا دون رب الْعَرْش فَالله خالقه)
(وَمن لم يقل فقد صَار ملحداً ... وَصَارَ إِلَى قَول النَّصَارَى يُوَافقهُ)
وَدفن عِنْد الْأَشْعَرِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة وَكَانَ يحفظ كتاب سِيبَوَيْهٍ
اللاردي المغربي مُحَمَّد بن عَتيق بن عبد الله بن حميد الإِمَام ابو عبد الله التجِيبِي الغرناطي الْمَعْرُوف باللاردي صَاحب التصانيف
ولد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ من الأدباء الْعلمَاء
وَمن تواليفه أنوار الصَّباح فِي الْجمع بَين الْكتب السِّتَّة الصِّحَاح وَكتاب مطالع الْأَنْوَار ونفحات الأزهار فِي شمائل الْمُخْتَار والنكت الكافية فِي الِاسْتِدْلَال على مسَائِل(4/59)
الْخلاف بِالْحَدِيثِ ومنهاج الْعَمَل فِي صناعَة الجدل والمسالك النورية إِلَى المقامات الصُّوفِيَّة توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وست مائَة)
السوارقي مُحَمَّد بن عَتيق بن عمر بن أَحْمد ابو بكر السوارقي وسوارقية قَرْيَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة يعرف بالبكري تفقه على الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى بنيسابور وَتُوفِّي بطوس سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة ذكره السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه
وَمن شعره
(سوى عبراتي رقرقتها المعالم ... وة غير فُؤَادِي هيجته الحمائم)
(أَبَت لي ركُوب الذّكر نفسٌ كريمةٌ ... وأبيض مصقول الغرارين صارم)
مِنْهَا
(أيطمع فِي العلياء وَالْمجد سَالم ... وعاتقه من عرضة السَّيْف سَالم)
(يحاول نيل الْمجد وَالسيف مغمدٌ ... ويأمل إِدْرَاك العلى وَهُوَ نَائِم)
وَله بَيت جيد
(على يعملاتٍ كالحنايا ضوامرٍ ... إِذا مَا أنيخت فالكلال عقالها)(4/60)
3 - (ابْن عُثْمَان)
أَبُو الْجمَاهِر الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن عُثْمَان ابو الْجمَاهِر التنوخي الدِّمَشْقِي الكفرسوسي
روى عَنهُ ابو دَاوُد وروى ابْن ماجة عَن رجل عَنهُ وَأَبُو حَاتِم وَخلق قَالَ أَبُو دَاوُد مَا رَأَيْت أفْصح مِنْهُ وَقَالَ عُثْمَان الدَّارمِيّ كَانَ أوثق من أدركنا بِدِمَشْق توفّي سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
الْأمَوِي مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان بن حَرْب أم أَبِيه عُثْمَان بنت الزبير بن الْعَوام وَكَانَ هَوَاهُ وَهوى أَبِيه مَعَ ابْن الزبير على بني أُميَّة فَجَاءَهُ ابْن الزبير فَقَالَ ويروى لِأَبِيهِ
(بِأَيّ بلاءٍ أَو بأية نعْمَة ... أحب بني الْعَوام دون بني حَرْب)
(وَكنت إِذا كالسالك اللَّيْل مظلماً ... وتارك معروفٍ مذاهبه لحب)
(كبائع ذودٍ موطناتٍ صحائح ... بعارية الأصلاب مشنية جرب)(4/61)
(اشرب خمرًا ثمَّ ابكي دَمًا ... كَأَنَّمَا ابكي الَّذِي أشْرب)(4/62)
وَمِنْه أَيْضا وخمارة زرتها والظلام تفضحه جمرات الكؤس)
فزفت عروساً تدير الأكف من كأسها مثل تَاج الْعَرُوس وَأصْبح كانوننا كالجواد أدهم شقّ رواق الْخَمِيس كَأَن بِهِ الفحم سود الزنوج رمد الحماليق شيب الرؤس قلت شعر جيد وتخيل صَحِيح
ابْن زيرك مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مردين أَبُو الْفضل القومساني الهمذاني يعرف بِابْن زيرك
قَالَ شيرويه هُوَ شيخ عصره فِي فنون الْعلم توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَلَاث مائَة
ابْن بلبل النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن بلبل أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ
قَالَ ابْن النجار قَرَأَ النَّحْو على ابْن خالويه وروى عَنهُ وَكَانَ يكْتب خطا صَحِيحا مليحاً
مدح الإِمَام الْقَادِر بِاللَّه مِنْهُ قَوْله
(تزاحم آمال العفاة بِبَابِهِ ... كَمَا ازدحمت هيم الركاب على ورد)
(فَلم يخل من أسماعه لفظ مادحٍ ... وَلم يخل من أرفاده كف ذِي رفد)
(يرد على الْأَيَّام إِنْفَاذ حكمهَا ... وَلَيْسَ لما يقْضِي عَلَيْهِنَّ من رد)
(وَينْزع من كف الزَّمَان غصوبه ... وَلَو كَانَ طيب النّوم فِي الْأَعْين الرمد)
(لَهُ فِي شبا الأقلام مَا فِي شبا الظبى ... فيمشق من حدٍ وَيضْرب من حد)
(بعيد مدى الخيلين فِي حلبتيهما ... من القصبات الخور والضمر الجرد)
(فهذي تمد الطرس من ثَمَر الحجى ... وهاتيك فِي ظلٍ من النَّقْع ممتد)
قلت شعر جيد طبقَة وَكَانَ تلميذاً لأبي الْعَبَّاس النامي المصِّيصِي وروى عَنهُ ديوانه توفّي سنة عشر وَأَرْبع مائَة
الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْملك المسعود مُحَمَّد بن عُثْمَان الْأَمِير نَاصِر الدّين بن الْملك المسعود ابْن الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة
سيره الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَهُوَ ابْن عَمه وَكَانَت مَنْزِلَته عالية عِنْده رَسُولا إِلَى الْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس صَاحب مصر وَالشَّام سنة تسع وَخمسين وست مائَة فأنزله بِبَاب اللوق وأكرمه إِكْرَاما عَظِيما وَأجِيب بِمَا طلب بِهِ قلبه وَرجع مكرماً
وَمن شعر الْأَمِير نَاصِر الدّين الْمَذْكُور أوردهُ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني فِي الذيل الَّذِي كمل)
بِهِ الْمرْآة(4/63)
(لله در عِصَابَة تغشى الوغى ... تهوى الْخياطَة لَا اليهم تنتمي)
(ذرعوا الفوارس بالوشيج وفصلوا ... بالمرهفات وخيطوا بالأسهم)
صَاحب صهيون مُحَمَّد بن عُثْمَان بن منكورس بن خمارتكين الْأَمِير سيف الدّين ابْن الْأَمِير مظفر الدّين صَاحب صهيون
ملك صهيون وبرزيه بعد وَالِده سنة تسع وَخمسين وَمَات بصهيون فِي عشر السّبْعين سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست مائَة ثمَّ طلب السُّلْطَان وَلَده سَابق الدّين فَأخذ مِنْهُ الحصنين وَأَعْطَاهُ إمرية أَرْبَعِينَ فَارِسًا بِدِمَشْق وأقطع عميه مُجَاهِد الدّين وجلال الدّين وَسَيَأْتِي بَقِيَّة تَرْجَمته فِي تَرْجَمَة أَبِيه عُثْمَان ابْن منكورس
الشَّيْخ شرف الدّين ابْن الرُّومِي الصَّالح مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عَليّ شرف الدّين ابو عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الرُّومِي الشَّيْخ الصَّالح
كَانَ من أكْرم النَّاس لَا يدّخر شَيْئا وَكَانَ كَبِير النَّفس عالي الهمة كثير التَّوَاضُع لطيف الْأَوْصَاف مُنْقَطِعًا فِي زاويته بسفح قاسيون لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد إِلَّا فِي النَّادِر يعْمل السَّاعَات ويطلع إِلَيْهِ الْخلق الْكثير من الْفُقَرَاء وَالنَّاس ويرقص من أول السماع إِلَى آخِره ويخلع جَمِيع ثِيَابه على المغاني ويرقص عُريَانا لَيْسَ عَلَيْهِ غير السَّرَاوِيل وَله الْحُرْمَة الوافرة عِنْد الْأُمَرَاء والملوك وَيحمل إِلَيْهِ من الْفتُوح شَيْء كثير فيخرجه من وقته حضر حِصَار المرقب وَعَاد إِلَى دمشق فَتوفي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست مائَة وَدفن بزاويته وَهُوَ فِي عشر الثَّمَانِينَ وَتُوفِّي وَالِده بحماة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وست مائَة فَحَمله مريدوه على أكتافهم وَدفن بزاويته فِي سفح قاسيون
النوباغي الضَّرِير مُحَمَّد بن عُثْمَان أَبُو الْقَاسِم الإسكافي الْخَوَارِزْمِيّ النوباغي الأديب الضَّرِير
توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة كَانَ من أَعْيَان فضلاء خوارزم وَهُوَ فَقِيه أديب شَاعِر مترسل كَانَ آخر عمره مذكراً يعظ النَّاس
وَمن شعره
(ونار كالعقيقة فِي احمرارٍ ... وَفِي حافاتها مسكٌ وند)
(إِمَام الشَّيْخ مَوْلَانَا المرجى ... إمامٌ مَا لَهُ فِي الْفضل ندّ)
الصاحب شمس الدّين ابْن السلعوس مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الرَّجَاء الْوَزير الصاحب شمس)
الدّين التنوخي الدِّمَشْقِي التَّاجِر ابْن السلعوس وَزِير السُّلْطَان الْملك الشّرف
كَانَ فِي شبيبته يُسَافر فِي التِّجَارَة وَكَانَ أشقر سميناً أَبيض معتدل الْقَامَة فصيح الْعبارَة حُلْو الْمنطق وافر الهيبة كَامِل الأدوات خليقاً بالوزارة تَامّ الْخِبْرَة زَائِد الْإِعْجَاب عَظِيم التيه والبأو كَانَ جاراً للصاحب تَقِيّ الدّين ابْن البيع فصاحبه وَرَأى مِنْهُ الْكَفَاءَة فَأخذ لَهُ حسبَة دمشق ثمَّ إِنَّه ذهب إِلَى مصر وتوكل للْملك الْأَشْرَف فِي دولة أَبِيه فجرت عَلَيْهِ نكبة من السُّلْطَان فشفع فِيهِ مخدومه وَأطْلقهُ من الاعتقال وَحج فتملك الْأَشْرَف فِي غيبته وَكَانَ محباً فِيهِ فَكتب إِلَيْهِ بَين الأسطر يَا شقير يَا(4/64)
وَجه الْخَيْر قدم السّير فَلَمَّا قدم وزره وَكَانَ إِذا ركب يمشي الْأُمَرَاء والكبار فِي خدمته وَدخل دمشق قدومهم من عكا فِي دست عَظِيم وَكَانَ الشجاعي وَمن دونه يقفون بَين يَدَيْهِ وَجَمِيع أُمُور المملكة بِهِ منوطة فَفَارَقَ السُّلْطَان وَتوجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَفِي خدمته الْأَمِير علم الدّين الدواداري فصادر مُتَوَلِّي الثغر وعاقبه فَلم ينشب أَن جَاءَهُ الْخَبَر بقتل مخدومه فَركب لليلته مِنْهَا هُوَ وكاتبه شرف الدّين ابْن القيسراني وَقَالَ للوالي افْتَحْ الْبَاب لزيارة القباري وَجَاء إِلَى المقس لَيْلًا وَنزل بزاوية ابْن الظَّاهِرِيّ وَلم يتم مُعظم اللَّيْل وَاسْتَشَارَ الشَّيْخ فِي الاختفاء فَقَالَ أَنا قَلِيل الْخِبْرَة بِهَذِهِ الْأُمُور وأشير عَلَيْهِ بذلك فقوى نَفسه وَقَالَ هَذَا لَا أَفعلهُ وَلَو فعله عَامل من عمالنا كَانَ قبيحاً وَقَالَ هم محتاجون إِلَيْنَا وَمَا أَنا مُحْتَاج إِلَيْهِم ثمَّ ركب بكرَة وَدخل بأبهة الوزارة إِلَى دَاره فاستمر بهَا خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طلب فِي السَّادِس إِلَى القلعة فأنزله الشجاعي إِلَى الْبَلَد مَاشِيا وَسلمهُ من الْغَد إِلَى عدوه الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش مشد الصُّحْبَة فَقيل أَنه ضربه ألفا وَمِائَة مقرعة ثمَّ سلم إِلَى الْأَمِير بدر الدّين المَسْعُودِيّ مشد مصر حَتَّى يستخلص الْأَمْوَال مِنْهُ فعاقبه وعذبه وَحمل جملَة وَكتب تذكرة إِلَى دمشق بسبعة آلَاف دِينَار مودعة عِنْد أنَاس فَأخذت مِنْهُم وَمَات فِي الْعقُوبَة فِي تَاسِع صفر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة وَقد أَنْت جِسْمه وَقطع مِنْهُ اللَّحْم الْمَيِّت
وَلما تولي الوزارة كتب إِلَيْهِ بعض أَقَاربه أَو بعض أَصْحَابه من الشَّام يحذرهُ من الشجاعي
(تنبه يَا وَزِير الأَرْض وَاعْلَم ... بأنك قد وطِئت على الأفاعي)
(وَكن بِاللَّه معتصماً فَإِنِّي ... أَخَاف عَلَيْك من نهش الشجاعي)
فبلغا الشجاعي فَلَمَّا جرى مَا جرى طلب أَقَاربه واصحابه وصاردهم وعذبهم فَقيل لَهُ عَن هَذَا النَّاظِم فَقَالَ لَا أؤذيه لِأَنَّهُ نصحه فيّ وَمَا انتصح)
لما توفّي القَاضِي محيي الدّين ابْن عبد الظَّاهِر كَاتب الْإِنْشَاء بِمصْر طلب الصاحب شمس الدّين الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدّين ابا الثَّنَاء مَحْمُودًا من الشَّام ورتبه عوضه فِي الديار المصرية فامتدحه بقصيدة أَولهَا
(أجد لَهَا شوقاً إِلَى سَاكِني مصر ... هوى من بِهِ تاهت على الْبر وَالْبَحْر)
(وَمن أَصبَحت بَغْدَاد من بعد تيهها ... وَقد حل عليا مصر من خدم الْقصر)
(فشاق هوى التَّقْوَى بهَا الْقلب لَا هوى ... عُيُون المها بَين الرصافة والجسر)
مِنْهَا
(وَكم رام يَحْكِي النّيل نيل بنانه ... فأغنى وَلَكِن فَرد قطرٍ عَن الْقطر)
(وَذَاكَ يعم الأَرْض شرقاً ومغرباً ... سَوَاء لَدَيْهِ سَاكن القفر والمصر)
(وَحين رأى تَقْصِيره عَن وفائه ... تجنبه واحمر من خجل يجْرِي)(4/65)
(فَلَو كَانَ يحيى الْآن يحيى بن خَالِد ... لوافاه يستجدي ندى جوده الْغمر)
(وَمن جعفرٌ حَتَّى يضاهي بجوده ... وَهل هُوَ إِلَّا جدول قيس بالبحر)
(أمولاي قد لبيت أَمرك طَائِعا ... فأعليت من قدري وأغليت من شعري)
(وأدنيتني حَتَّى غَدَوْت موقعاً ... لديك بِمَا يجْرِي مَعَ الأنجم الزهر)
بدر الدّين ابْن العزازي مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الْوَفَاء بدر الدّين ابْن فَخر الدّين العزازي أحد كتاب الدرج بِدِمَشْق
كَانَ حسن السمت كثير الْوَقار عديم الشَّرّ يكْتب خطا حسنا وَله عناية باقتناء الْكتب نفيسة كَانَت أَو غير نفيسة يلازم الكتبيين كل جُمُعَة وَخلف مِنْهَا جملَة وَكَانَ رُبمَا أنشأ شَيْئا فَيَأْتِي فِيهِ بِمَا يضْحك وَكَانَ آخر أمره قد حنا عَلَيْهِ الْأَمِير سيف الدّين ألجاي الدوادار الناصري ووعده بِأَن يكون من جملَة موقعي الدست فعاجلته الْمنية قبل ذَلِك وَتُوفِّي فِي أَوَاخِر سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة أَو أَوَائِل إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَطلبت أَنا من رحبة مَالك بن طوق وَجئْت إِلَى دمشق عوضه على معلومه رَحمَه الله وَكَانَ عِنْده من وَالِده أَشْيَاء نفيسة
نجم الدّين البصروي مُحَمَّد بن عُثْمَان الصاحب الْأَمِير نجم الدّين البصروي ابْن أخي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الْحَنَفِيّ
ولي بِدِمَشْق الوزارة ثمَّ أعطي طبلخاناة وَكَانَ فِيهِ كرم زَائِد غارقاً فِي اللَّهْو درس أَولا ببصرى)
ثمَّ ولي حسبَة دمشق ثمَّ نظر الخزانة ثمَّ الوزارة ثمَّ اقْتصر على الإمرة وَلم يلبس زِيّ الْأُمَرَاء توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة بدر الدّين ابْن الْحداد مُحَمَّد بن عُثْمَان بن يُوسُف القَاضِي بدر الدّين ابو عبد الله الْآمِدِيّ ثمَّ الْمصْرِيّ الْحَنْبَلِيّ ابْن الْحداد
تفقه بِمصْر وَحفظ الْمُحَرر وتميز ثمَّ دخل فِي الْكِتَابَة واتصل بقراسنقر وَسَار مَعَه إِلَى حلب وَنظر فِي ديوانه وَفِي الْأَوْقَاف والخطابة فَلَمَّا ولي دمشق ولى ابْنه خطابة دمشق انتزعها من جلال الدّين الْقزْوِينِي فِيمَا أَظن ثمَّ إِنَّه بعد أَيَّام وصل التوقيع من مصر بإعادته ثمَّ ولي الْحِسْبَة وَنظر البيمارستان النوزي ثمَّ نظر الْجَامِع الْأمَوِي وَله سَماع من القَاضِي شمس الدّين ابْن الْعِمَاد وَذكر لقَضَاء دمشق
وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَسبع مائَة(4/66)
قَاضِي الْقُضَاة ابْن الحريري الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الْحسن اقضي الْقُضَاة شيخ الْمَذْهَب شمس الدّين ابْن صفي الدّين الْأنْصَارِيّ الْحَنَفِيّ ابْن الحريري الدِّمَشْقِي
ولد فِي صفر سنة ثَلَاث وَخمسين وتفقه وبرع وَحفظ الْهِدَايَة وَغَيرهَا وَأفْتى ودرس وتميز مَعَ الْوَقار والسمت والأوراد وَحسن الْهَدْي وَالْبزَّة والهيبة وانطلاق الْعبارَة
وَسمع من ابْن أبي الْيُسْر وَابْن عَطاء وَالْجمال ابْن الصَّيْرَفِي والقطب ابْن أبي عصرون وَجَمَاعَة ودرس بأماكن ثمَّ ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق مُدَّة وَطلب إِلَى الديار المصرية وَولي بهَا الْقَضَاء وَكَانَ صَارِمًا قوالاً بِالْحَقِّ حميد الْأَحْكَام قَلِيل الْمثل متين الدّيانَة انتقدوا عَلَيْهِ أموراً من تَعْظِيم نَفسه
توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة وَطلب القَاضِي برهَان الدّين ابْن قَاضِي الْحصن مَكَانَهُ بإشارته
أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس أَن المصريين لم يعدوا على القَاضِي شمس الدّين ابْن الحريري أَنه ارتشى فِي حُكُومَة وَيُقَال أَنه كَانَ لَهُ قلم للعلامة وقلم للتوقيع وَله أَشْيَاء من مُرَاعَاة الْإِعْرَاب فِي لَفظه حَتَّى مَعَ النِّسَاء فِي بَيته
شرف الدّين النهاوندي قَاضِي صفد مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي بكر القَاضِي شرف الدّين ابْن القَاضِي جلال الدّين النهاوندي)
تولى الْقَضَاء بصفد مَرَّات عزل أَولا بِفَتْح الدّين القليوبي بَعْدَمَا طلب إِلَى مصر وحنا عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين ابْن صصرى وولاه قَضَاء عجلون ثمَّ قَضَاء نابلس ثمَّ قَضَاء طرابلس ثمَّ أُعِيد إِلَى قَضَاء صفد بعد القَاضِي حسام الدّين القرمي ثمَّ ولي قَضَاء طرابلس ثمَّ أُعِيد إِلَى صفد بعد القَاضِي جمال الدّين عبد القاهر التبريزي ثمَّ إِن تنكز نَائِب الشَّام تغير عَلَيْهِ فَعَزله بِالْقَاضِي شمس الدّين الخضري فَأَقَامَ بصفد بطالاً فِي بَيته نَحوا من أَربع سِنِين ثمَّ توجه إِلَى مصر وَنزل عِنْد الْأَمِير سيف الدّين أرقطاي نَائِب صفد وَتُوفِّي هُنَاكَ فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَولي أَيَّام نِيَابَة كراي بِدِمَشْق نظر الْأَوْقَاف بِدِمَشْق وَكَانَ عقله المعيشي جيدا يداخل نواب السلطنة ويتحد بهم وَكَانَ فِيهِ كرم وَحسن عشرَة ومفاكهة حَدِيث
وجيه الدّين ابْن المنجا مُحَمَّد بن عُثْمَان الإِمَام الرئيس شيخ الأكابر وجيه الدّين ابو الْمَعَالِي شيخ الْحَنَابِلَة ابْن المنجا التنوخي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ ولد سنة ثَلَاثِينَ وتووفي سنة إِحْدَى وَسبع مائَة
وَسمع من ابْن اللتي حضوراً وَمن جَعْفَر الْهَمدَانِي ومكرم وَسَالم بن صصرى وَحضر ابْن المقير وَحمل عَنهُ جمَاعَة ودرس بالمسمارية وَكَانَ صَدرا مُحْتَرما دينا محباً للْأَخْبَار صَاحب أَمْلَاك ومتاجر وبر وأوقاف أنشأ دَارا لِلْقُرْآنِ بِدِمَشْق ورباطاً بالقدس وَعمل نَاظر الْجَامِع الْأمَوِي تَبَرعا وَكَانَ مَعَ سَعَة ثروته مقتصداً فِي ملبوسه
وَتُوفِّي بدار الْقُرْآن فِي شعْبَان فِي التَّارِيخ الْمُقدم(4/67)
سراج الدّين الدندري مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الله سراج الدّين ابو بكر الدندري الْفَقِيه الشَّافِعِي الصَّالح القَاضِي
قَرَأَ الْقرَاءَات على نجم الدّين عبد السَّلَام بن حفاظ صهره وتصدر للإقراء بالسابقية بقوص سِنِين كَثِيرَة وانتفع بِهِ جمع كَبِير وكتن متقناً ثِقَة وَسمع من الْحَافِظ ابْن الكومي وتقي الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَمُحَمّد بن أبي بكر النصيبي وَعبد النصير بن عَامر بن مصلح الإسكندري وَغَيرهم وَحدث بقوص وقرأأ الْفِقْه على جلال الدّين أَحْمد الدشناوي وسراج الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد ودرس وناب فِي الحكم بقفط وقنا وقوص وَاسْتمرّ فِي النِّيَابَة بقوص وبقفط إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ يستحضر متوناً كَثِيرَة من الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْإِعْرَاب
وَاخْتَلَطَ آخر عمره وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة)
ابْن دَقِيق الْعِيد مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع جلال الدّين ابْن علم الدّين ابْن الشَّيْخ تَقِيّ الدجين ابْن دَقِيق الْعِيد يَأْتِي ذكر وَالِده وجدّه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مكانيهما
سمع جده والحافظ الدمياطي والفقيه الْمُقْرِئ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْخَالِق الصَّائِغ وَمن أَحْمد بن إِسْحَق الأبرقوهي وَغَيرهم واشتغل بالمذهبين الشَّافِعِي والمالكي وَقَرَأَ مُخْتَصر الْمَحْصُول لجد وَالِده الشَّيْخ مجد الدّين وَكَانَ يذكر بِخَير وينسب إِلَى دين
قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة يؤثره ويبره ودعه مرّة فَأعْطَاهُ ذَهَبا وَفِضة من مَاله وَكتب لَهُ بتدريس دَار الحَدِيث بقوص فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يدرس
وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ أَو سبع وَعشْرين وَسبع مائَة
الْمُقْرِئ الْمدنِي مُحَمَّد بن عجلَان مولى فَاطِمَة بنت الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة الْمُقْرِئ الْمدنِي الفيه أحد الْأَعْلَام
وَثَّقَهُ ابْن عُيَيْنَة وَغَيره كَانَ أحد من جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل ولع حَلقَة فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث فِي بطن أمه ثَلَاث سِنِين فشق بَطنهَا وَقد نَبتَت أَسْنَانه
وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة فِي مُسْند عَليّ ثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ قلت لمَالِك أَنِّي حدثت عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت لَا تحمل الْمَرْأَة فَوق السنتين قدر ظلّ مغزل فَقَالَ من يَقُول هذاهذه امْرَأَة عجلَان جارتنا امْرَأَة صدق ولدت ثَلَاث أَوْلَاد فِي ثِنْتَيْ عشرَة سنة تحمل أَربع سِنِين قبل أَن تَلد قَالَ ابْن الْمُبَارك لم يكن بِالْمَدِينَةِ أحد أشبه بِأَهْل الْعلم من ابْن عجلَان كنت أشبهه بالياقوتة بَين الْعلمَاء
وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَتكلم الْمُتَأَخّرُونَ فِي سوء حفظه روى عَنهُ الْأَرْبَعَة وروى عَنهُ مُسلم مُتَابعَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة(4/68)
السّلمِيّ مُحَمَّد بن أبي عدي السّلمِيّ مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ الْحَافِظ
روى لَهُ الْجَمَاعَة توفّي سنة مِائَتَيْنِ تَقْرِيبًا
الشريف أَبُو البركات مُحَمَّد بن عدنان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله)
بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو البركات الْهَاشِمِي الزَّيْنَبِي من أهل الْحَرِيم الظَّاهِرِيّ من الْبَيْت الْمَشْهُور بالنقابة والرياسة وَالْعلم وَالرِّوَايَة سمع الْكثير من عَم أَبِيه الشريف أبي نصرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي وَغَيره وَحدث باليسير روى عَنهُ السلَفِي
مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
الشريف محيي الدّين ابْن عدنان مُحَمَّد بن عدنان بن حسن الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم العابد الشريف السَّيِّد محيي الدّين الْعلوِي الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي الشيعي شيخ الإمامية
ولد سنة تسع وَعشْرين وست مائَة ولي مرّة نظر السَّبع وَولي ابناه زين الدّين حُسَيْن وَأمين الدّين جَعْفَر نقابة الْأَشْرَاف فماتا واحتسبهما عِنْد الله
أَخْبرنِي غير وَاحِد أَنَّهُمَا لما مَاتَا كل وَاحِد مِنْهُمَا كَانَ مسجى قدامه وَهُوَ قَاعد يَتْلُو الْقُرْآن لم تنزل لَهُ دمعة عَلَيْهِ وَكَانَ كل مِنْهُمَا رَئِيس دمشق وَولي النقابة فِي حَيَاته ابْن ابْنه شرف الدّين عدنان ابْن جَعْفَر
وَكَانَ محيي الدّين ذَا تعبد زَائِد وتلاوة وتأله وَانْقِطَاع بالمزة أضرّ مُدَّة وَكَانَ يترضى على عُثْمَان وَغَيره من الصَّحَابَة وَيَتْلُو الْقُرْآن لَيْلًا وَنَهَارًا ويناظر منتصراً للاعتزال متظاهراً بِهِ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع مائَة
نَاصِر الدّين الهمذاني مُحَمَّد بن عربشاه بن أبي بكر نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله الهمذاني الدِّمَشْقِي
كَانَ رجلا فَاضلا لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ سمع الْكثير على مَشَايِخ عصره وأسمع وَكتب من كتب الحَدِيث شَيْئا كثيرا وَكَانَ متقناً محرراً لما يَكْتُبهُ كتب بِخَطِّهِ صَحِيح البُخَارِيّ فِي ثَلَاث مجلدات وحررها وقابلها وسمعها على الْمَشَايِخ وَصَارَت من الْأُصُول الْمُعْتَمد عَلَيْهَا بعد وَفَاته وانتقلت إِلَى عَلَاء الدّين ابْن غَانِم رَحمَه الله تَعَالَى ووقفها بدار الحَدِيث المعيدية ببعلبك
وَتُوفِّي نَاصِر الدّين الْمَذْكُور سنة سبع وَسبعين وستّ مائَة وَدفن بسفح قاسيون
جمال المواكب مُحَمَّد بن عُرْوَة بن الزبير ضربه فرس فَمَاتَ وَكَانَ بارع(4/69)
الْجمال يدعى زين الْكَوَاكِب أَو جمال الْكَوَاكِب يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْجمال وَالْحسن
وَكَانَت وَفَاته سنة مائَة أَو مَا قبلهَا
الْمَنْسُوب إِلَيْهِ المشهد مُحَمَّد بن عُرْوَة شرف الدّين الْموصِلِي الْمَنْسُوب إِلَيْهِ مشْهد عُرْوَة فِي)
دمشق بالجامع الْأمَوِي وَإِنَّمَا نسب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مخزناً فِيهِ آلَات تتَعَلَّق بالجامع فَعَزله وبيضه وَعمل لَهُ الْمِحْرَاب والخزانتين ووقف فِيهَا كتبا وَجعله دَار حَدِيث
توفّي سنة عشْرين وست مائَة
شهَاب الدّين ابْن مشرف مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن مشرف بن بَيَان الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّيْخ الْجَلِيل الْمسند المعمر شهَاب الدّين الْبَزَّاز شيخ الراوية بِالدَّار الأشرفية
روى الصَّحِيح غير مرّة عَن ابْن الزبيدِيّ وَحدث أَيْضا عَن ابْن صباح والناصح وَابْن المقير ومكرم وَابْن ماسويه وَتفرد فِي وقته وَكَانَ حسن الإصغاء جيد الْخط أخذُوا عَنهُ ببعلببك ودمشق وطرابلس وأماكن
وعاش سبعا وَثَمَانِينَ سنة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة سبع وَسبع مائَة وَأَظنهُ أَخا نجم الدّين أبي بكر ابْن أبي الْعِزّ بن مشرف الْكَاتِب وَسَيَأْتِي ذكره فِي حرف الْبَاء
الْأَيْلِي مُحَمَّد بن عُزَيْر الْأَيْلِي روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه قَالَ ابْن أبي حَاتِم كَانَ صَدُوقًا قيل أَنه تفرد بِهَذَا الحَدِيث أَكثر أهل الْجنَّة البله عَن سَلامَة عَن عقيل وَله متابع رَوَاهُ أَبُو روح عَن زَاهِر عَن الكنجروذي عَن ابْن حمدَان عَن مُحَمَّد بن الْمسيب الأرغياني ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد بن حَلِيم ثَنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء الْأَيْلِي عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَكثر أهل الْجنَّة البله
توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
العزيري مُحَمَّد بن عُزَيْر أَبُو بكر السجسْتانِي مُصَنف غَرِيب الْقُرْآن يُقَال أَنه صنفه فِي خمس عشرَة سنة وَهُوَ ابْن عُزَيْر بزاي أولى وَرَاء ثَانِيَة وَأكْثر النَّاس يَقُولُونَهُ بزايين توفّي(4/70)
سنة ثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة أَو مَا دونهَا
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ بالزاي وَكَانَ معصره وأخذا جَمِيعًا عَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْأَنْبَارِي وَيُقَال أَنه صنف غَرِيبه فِي خمس عشرَة سنة وَكَانَ يقرأه على ابْن الْأَنْبَارِي وَهُوَ يصلح لَهُ فِيهِ مَوَاضِع
نَفِيس الدّين الأسكاف الطَّبِيب مُحَمَّد بن عَسْكَر بن زيد بن مُحَمَّد طَبِيب فَاضل يعرف بنفيس الدّين ابي بكر الدِّمَشْقِي ابْن الأسكاف
حدث وروى عَنهُ ابْن الدمياطي توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتِّينَ وست مائَة وَلم يذكرهُ ابْن أبي اصيبعة)
ابْن حَيَّان المغربي مُحَمَّد بن عَطِيَّة بن حَيَّان الْكَاتِب قَالَ ابْن رَشِيق شَاعِر ذكي متوقد سَلس الْكَلَام تُطِيعهُ الْمعَانِي وينساغ لَهُ التَّشْبِيه وتحضره البديهة وَهُوَ صَاحب إِبْرَاهِيم فِي كِتَابَة الحضرة وَمن أَبنَاء الْكتاب وَأهل الْخدمَة قَدِيما
قَالَ ابْن حَيَّان
(أقلوا عَن مُطَالبَة ازدجاري ... فَمَا أَنا فِي المجانة بالمداري)
(إِذا اتَّسع الملام عَليّ فِيمَا ... أحب وأشتهي ضَاقَ اصْطِبَارِي)
(وَكَيف الصَّبْر عَن شمسٍ وغصنٍ ... على حقفٍ ترجرج فِي الْإِزَار)
(أَقَامَ عذاره للنَّاس عُذْري ... وَقد أَصبَحت مخلوع العذار)
(فقلبي من غرامي فِي حريقٍ ... وعيني من دموعي فِي بحار)
(أَقُول لَهُم وَقد لاموا دَعونِي ... وَمن أَهْوى وشربي للعقار)
(إِذا عجل المشيب عَليّ ظلما ... فَإِنِّي لست أعجل للوقار)
وَقَالَ أَيْضا
(بتنا ندير الراح فِي شاهقٍ ... لَيْلًا على نَغمَة عودين)
(وَالنَّار فِي الأَرْض الَّتِي دُوننَا ... مثل نُجُوم الأَرْض فِي الْعين)
(فيا لَهُ من منظرٍ مؤنقٍ ... كأننا بَين سمائين)
وَقَالَ أَيْضا
(كَأَنَّمَا الفحم والرماد وَمَا ... تَفْعَلهُ النَّار فيهمَا لهبا)
(شيخٌ من الزنج شَاب مفرقه ... عَلَيْهِ درعٌ منسوجةٌ ذَهَبا)
وَقَالَ أَيْضا
(وكأنما الصُّبْح المطل على الدجى ... ونجومه المتأخرات تقوضا)
(نهرٌ تعرض فِي السَّمَاء وَحَوله ... أَشجَار وردٍ قد تفتح أبيضا)
قلت هَذَا التَّشْبِيه المجرة أولى بِهِ من الصُّبْح أَلا ترى أَن ابْن حجاج قَالَ
(هذي المجرة والنجوم كَأَنَّهَا ... نهرٌ تدفق فِي حديقة نرجس)(4/71)
وَقَالَ الآخر
(وَكَأن المجر جدول مَاء ... نور الأقحوان فِي جانبيه)
)
وَقَالَ ابْن حَيَّان أَيْضا
(إِن وردا ونرجساً فِي أَوَان ... خبراني عَنْك الَّذِي خبراني)
(باحمرارٍ فِي صحن خدك بادٍ ... ووميضٍ من طرفك الْوَسْنَان)
وَقَالَ أَيْضا
(وَكم جزع وادٍ قد جزعنا وصخرةٍ ... بأمثالها من خَيْلنَا فِيهِ ترْجم)
(فباتت بِأَعْلَى شاهقٍ متمنعٍ ... ترى الطير فِيهَا دونه وَهِي حوم)
(كَأَن الأثافي حول كل معرسٍ ... نزلناه غربانٌ على الأَرْض جثم)
مُحَمَّد بن عفيف ابو عبد الله الشَّاعِر الْبَغْدَادِيّ أورد لَهُ ابْن النجار
(لَبِثت ببلدتكم بُرْهَة ... أَطُوف فِي الْبَلَد الشاسع)
(أروح وأغدو بِلَا طائلٍ ... وَألْفي إِلَى الْمَسْجِد الْجَامِع)
(وأمدح بالشعر قوما جياعاً ... وَهل يطْلب الْخبز من جَائِع)(4/72)
3 - (ابْن عقيل)
الْحَافِظ الْأَزْهَرِي الْبَلْخِي مُحَمَّد بن عقيل الْأَزْهَرِي أَبُو عبد الله الْبَلْخِي الْحَافِظ مُحدث بَلخ وعالمها
صنف الْمسند والتاريخ والأبواب توفّي سنة سِتّ عشرَة وَثَلَاث مائَة
الْمُحْتَسب ابْن كروس مُحَمَّد بن عقيل بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن حَمْزَة بن كروس الْمُحْتَسب جمال الدّين ابو المكارم السّلمِيّ الدِّمَشْقِي
سمع من بهاء الدّين ابْن عَسَاكِر وَابْن حيوس وَكَانَ رَئِيسا محتشماً قيمًا بالحسبة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وست مائَة
القَاضِي نجم الدّين ابْن عقيل مُحَمَّد بن عقيل بن أبي الْحسن البالسي ثمَّ الْمصْرِيّ الزَّاهِد الْعَالم نجم الدّين الشَّافِعِي
ولد سنة سِتِّينَ سمع من الْفَخر ابْن البُخَارِيّ وناب فِي الحكم عَن ابْن دَقِيق الْعِيد وَولي قَضَاء دمياط وَكَانَ من أَئِمَّة الْمَذْهَب شرح التَّنْبِيه وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة
توفّي سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة أجَاز لي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة
ابْن مهَاجر الْفَقِيه الْموصِلِي مُحَمَّد بن علوان بن مهَاجر بن عَليّ بن مهَاجر أَبُو المظفر ابْن أبي)
المشرف الْفَقِيه الشَّافِعِي من أهل الْموصل
مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة قدم بَغْدَاد حَاجا سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة فحج وَعَاد إِلَيْهَا وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ النظامية يدرس الْخلاف وَالْمذهب على يُوسُف الدِّمَشْقِي حَتَّى برع فيهمَا ثمَّ صَار مكعيداً بِالْمَدْرَسَةِ ثمَّ عَاد إِلَى الْموصل فدرس بِمَسْجِد هُنَاكَ مجاور لبيته وفوض إِلَيْهِ التدريس بعدة مدارس وَبنى وَالِده مدرسة بِقرب بَيته وَجعل عَلَيْهَا وقوفاً وَكَانُوا أهل ثروة ونعمة وعدالة ورياسة ثمَّ عَاد وَقدم إِلَى بَغْدَاد حَاجا ثمَّ قدمهَا وَمضى حَاجا وجاور مَكَّة سنة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة خمس عشرَة وست مائَة
وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْفَضْلِ الوافر والتدين والتعبد وَحسن الطَّرِيقَة والمروءة التَّامَّة(4/73)
والتفقد لطلاب الْعلم وَحدث باليسير من الحَدِيث عَن الْمُتَأَخِّرين وَله تَعْلِيق فِي الْخلاف
أورد لَهُ ابْن النجار قَوْله
(كلما قلت للحبيب حَبِيبِي ... صل فجسمي من البعاد سقيم)
قَالَ مستهجنا فَأَيْنَ إِذا قَوْلك لي أَنْت فِي الْفُؤَاد مُقيم ابْن كريب الْهَمدَانِي مُحَمَّد بن الْعَلَاء بن كريب الْهَمدَانِي الْحَافِظ مُحدث الْكُوفَة روى عَنهُ الْجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ(4/74)
3 - (ابْن عَليّ)
ابْن الْحَنَفِيَّة مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا أَبُو الْقَاسِم ابْن الْحَنَفِيَّة وَاسْمهَا خَوْلَة بنت جَعْفَر من سبي الْيَمَامَة
ولد فِي صدر الْخلَافَة عمر بن الْخطاب وَرَأى عمر وروى عَن أَبِيه وَعُثْمَان وعمار وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهم وروى عه الْجَمَاعَة صرع مَرْوَان يَوْم الْجمل وَجلسَ على صَدره فَلَمَّا وَفد على ابْنه ذكره بذلك فَقَالَ عفوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ وَالله مَا ذكرت ذَلِك وَأَنا أُرِيد أَن أكافيك بِهِ
سمته شيعته الْمهْدي وهم يَزْعمُونَ أَنه لم يمت وَمن شيعته كثير عزة وَالسَّيِّد الْحِمْيَرِي وَمن قَول كثير الشَّاعِر فِيهِ
(أَلا إِن الْأَئِمَّة من قريشٍ ... وُلَاة الْحق أربعةٌ سَوَاء)
(عليٌّ وَالثَّلَاثَة من بنيه ... هم الأسباط لَيْسَ بهم خَفَاء)
(فسبطٌ سبط الْإِيمَان وبرٍ ... وسبط غيبته كربلاء)
(وسبطٌ لَا يَذُوق الْمَوْت حَتَّى ... يَقُود الْخَيل يقدمهَا اللِّوَاء)
(تغيب لَا يرى فيهم زَمَانا ... برضوى عِنْده عسلٌ وَمَاء)
قلت هَذَا فِيهِ نظر لِأَن السبط هُوَ ابْن الْبِنْت فَأَما الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فولدا بنت رَسُول الله وَأما مُحَمَّد هَذَا فَإِنَّهُ من الْحَنَفِيَّة وَلَيْسَ من فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَلما تطاول مقَام مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة على زعمهم برضوى قَالَ السَّيِّد الْحِمْيَرِي
(أَلا قل للْوَصِيّ فدتك نَفسِي ... أطلت بذلك الْجَبَل المقاما)
(أضرّ بمعشرٍ والوك منا ... وسموك الْخَلِيفَة والإماما)
(وعادوا فِيك أهل الأَرْض طراً ... مقامك عَنْهُم سِتِّينَ عَاما)
(وَمَا ذاق ابْن خَوْلَة طعم موتٍ ... وَلَا وارت لَهُ أرضٌ عظاما)(4/75)
(لقد أَمْسَى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الْمَلَائِكَة الكلاما)
(وَإِن لَهُ بِهِ لمقيل صدقٍ ... وأنديةً تحدثه كراما)
وَكَانَ السَّيِّد الْحِمْيَرِي يعْتَقد أَنه لم يمت وَأَنه فِي جبل رضوى بَين أَسد ونمر يحفظانه وَعِنْده عينان نضاختان تجريان بِمَاء وَعسل وَيعود بعد الْغَيْبَة فَيمْلَأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جوراً)
وَيُقَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ سيولد لَك بعدِي غُلَام وَقد نحلته اسْمِي وكنيتي وَلَا يحل لأحد من أمتِي بعده وَمِمَّنْ تسمى مُحَمَّدًا واكتنى بِأبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن عبيد الله وَمُحَمّد بن سعد بن أبي وَقاص وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَمُحَمّد بن حَاطِب بن أبي بلتعة وَمُحَمّد بن الْأَشْعَث بن قيس
وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة شَدِيد القوى وَله فِي ذَلِك أَخْبَار عَجِيبَة حكى الْمبرد فِي الْكَامِل أَن أَبَاهُ عليا استطال درعاً كَانَت لَهُ فَقَالَ لَهُ يقص مِنْهَا كَذَا وَكَذَا حَلقَة فَقبض مُحَمَّد بِإِحْدَى يَدَيْهِ على ذيلها وبالأخرى على فَضلهَا ثمَّ جذبها فقطعها من الْموضع الَّذِي حَده أَبوهُ وَكَانَ عبد الله بن الزبير إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث غضب واعتراه أفكل وَهِي الرعدة لِأَنَّهُ كَانَ يحسده على قوته وَكَانَ عبد الله أَيْضا شَدِيد القوى
وَقَالَ ابْن سعد جَاءَ رجل إِلَى ابْن الْحَنَفِيَّة فسل عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ كَيفَ أنتمفقال مُحَمَّد إِنَّمَا مثلنَا فِي هَذِه الْأمة مثل بني إِسْرَائِيل فِي آل فِرْعَوْن كَانَ يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحيي نِسَاءَهُمْ وَإِن هَؤُلَاءِ يذبحون أبناءنا وَيَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا بِغَيْر أمرنَا وَكَانَ يَقُول لَيْسَ بِحَكِيم من لم يعاشر بِالْمَعْرُوفِ من لم يجد من معاشرته بدا حَتَّى يَجْعَل الله لَهُ فرجاًٍ ومخرجاً
وَكتب ملك الرّوم إِلَى عبد الْملك يتهدده ويتوعده وَيحلف أَنه يبْعَث إِلَيْهِ مائَة ألف فِي الْبر وَمِائَة ألف فِي الْبَحْر أَو يُؤَدِّي لَهُ الْجِزْيَة فَكتب إِلَى الْحجَّاج أَن اكْتُبْ إِلَى ابْن الْحَنَفِيَّة وتوعده وتهدده ثمَّ أَخْبرنِي بِمَا يكْتب إِلَيْك فَكتب الْحجَّاج إِلَيْهِ يتوعده بِالْقَتْلِ فَكتب إِلَيْهِ ابْن الْحَنَفِيَّة إِن لله فِي خلقه فِي كل يَوْم ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ نظرة وَأَنا أَرْجُو أَن الله ينظر إِلَيّ نظرة يَمْنعنِي بهَا مِنْك فَكتب الْحجَّاج بكتابه إِلَى عبد الْملك فَكتب عبد الْملك نسخته إِلَى ملك الرّوم فَقَالَ ملك الرّوم مَا خرج هَذَا مِنْك وَلَا من أهل بَيْتك مَا خرج إِلَّا من بَيت النُّبُوَّة
وَكَانَ يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم فَقيل لَهُ أَكَانَ أَبوك يخضبفقال لَا قيل فَمَا بالكقال أتشبب النِّسَاء وَكَانَ يلبس الْخَزّ ويتعمم عِمَامَة سَوْدَاء ويتختم فِي يسَاره وَكَانَ يطلي رَأس أمه ويمشطها وَسَيَأْتِي ذكر وَلَده عبد الله أبي هَاشم الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْفرْقَة الهاشمية من الإمامية فِي حرف الْعين فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الباقر رَضِي الله عَنهُ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله(4/76)
عَنْهُم أَبُو)
جَعْفَر الباقر سيد بني هَاشم فِي وقته
روى عَن جديه الْحسن وَالْحُسَيْن وَعَائِشَة وَأم سَلمَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر وَسمرَة بن جُنْدُب وَعبد الله بن جَعْفَر وَأَبِيهِ وَسَعِيد بن الْمسيب وَطَائِفَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة
مولده سنة سِتّ وَخمسين قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين فعلى هَذَا لم يسمع من عَائِشَة وَلَا من جديه
وَكَانَ أحد من جمع الْعلم وَالْفِقْه والديانة والثقة والسودد وَكَانَ يصلح للخلافة وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة الإثني عشر الَّذين يعْتَقد الرافضة عصمتهم وَسمي بالباقر لِأَنَّهُ بقر الْعلم أَي شقَّه فَعرف أَصله وخفيه
قَالَ ابْن فُضَيْل عَن سَالم بن أبي حَفْصَة سَأَلت أَبَا جَعْفَر وَابْنه جعفراً الصَّادِق عَن أبي بكر وَعمر فَقَالَا لي يَا أَبَا سَالم تولهما وابرأ من عدوهما فَإِنَّهُمَا كَانَا أَمَامِي هدى وَابْن فُضَيْل من أَعْيَان الشِّيعَة الصَّادِقين
قَالَ اسحق الْأَزْرَق عَن بسام الصَّيْرَفِي سَأَلت أَبَا جَعْفَر عَن أبي بكر وَعمر فَقَالَ وَالله إِنِّي لأتولاهما وَأَسْتَغْفِر لَهما وَمَا أدْركْت أحدا من أهل بَيْتِي إِلَّا وَهُوَ يتولاهما رُوِيَ أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مائَة وَخمسين رَكْعَة
توفّي سنة أَربع عشرَة وَمِائَة على الصَّحِيح وَقيل سنة سبع عشرَة وَقيل غير ذَلِك
ويعتقد قوم من الرافضة يعْرفُونَ بالباقرية أَنه لم يمت وَسَاقُوا الْإِمَامَة من عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي أَوْلَاده إِلَى مُحَمَّد الباقر وَزَعَمُوا أَنه الْمهْدي المنتظر وَاسْتَدَلُّوا بِمَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ إِنَّك تَلقاهُ فاقرأه مني السَّلَام وَكَانَ جَابِرا آخر من مَاتَ بِالْمَدِينَةِ من الصَّحَابَة وَكَانَ قد عمي آخر عمره فَكَانَ يمشي بِالْمَدِينَةِ وَيَقُول يَا باقر مَتى ألقاكفمر يَوْمًا فِي بعض سِكَك الْمَدِينَة فناولته جَارِيَة صَبيا فِي حجرها فَقَالَ لَهَا من هذافقالت مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ فضمه إِلَى صَدره وَقبل رَأسه وَيَديه وَقَالَ يَا بني جدك رَسُول الله يُقْرِئك السَّلَام ثمَّ قَالَ جَابر نعيت إِلَيّ نَفسِي فَمَاتَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَقَالَت هَذِه الطَّائِفَة مَا أقرأه السَّلَام إِلَّا وَهُوَ الْمهْدي المنتظر يُقَال لَهُم بعد صِحَة الْخَبَر يَنْبَغِي أَن يكون أويس الْقَرنِي مهدياً منتظراً لِأَنَّهُ صَحَّ أَنه قَالَ لعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا إنَّكُمَا تلقيان أويساً الْقَرنِي فأقرئاه مني السَّلَام)
وَكَانَت وَفَاته بالحميمة وَنقل إِلَى الْمَدِينَة وَدفن بِالبَقِيعِ فِي الْقَبْر الَّذِي فِيهِ أَبوهُ وَعم أَبِيه الْحسن بن عَليّ فِي الْقبَّة الَّتِي فِيهَا قبر الْعَبَّاس
أَبُو السفاح مُحَمَّد الإِمَام مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس أَبُو عبد الله وَالِد(4/77)
السفاح والمنصور
روى عَن أَبِيه وَسَعِيد بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَأرْسل عَن جده وَبَينه وَبَين أَبِيه فِي المولد أَربع عشرَة سنة وَكَانَ أَبوهُ يخضب فيظن من لَا يدْرِي أَن مُحَمَّدًا هُوَ الْأَب عَاشَ مُحَمَّد سِتِّينَ سنة وَهُوَ الَّذِي أوصى إِلَيْهِ عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَدفع إِلَيْهِ كتبه وَألقى إِلَيْهِ إِن هَذَا الْأَمر فِي ولدك وَكَانَ عبد الله قد قَرَأَ الْكتب وَكَانَ ابْتِدَاء دَعْوَة بني الْعَبَّاس إِلَى مُحَمَّد ولقبوه بِالْإِمَامِ وكاتبوه سرا بعد الْمِائَة وَالْعِشْرين وَلم يزل أمره يقوى ويتزايد فعاجلته الْمنية وَقد انتشرت دَعوته بخراسان وَأوصى بِالْأَمر إِلَى ابْنه إِبْرَاهِيم فَلم تطل مدَّته بعد أَبِيه فعهد إِلَى أَخِيه أبي الْعَبَّاس السفاح وَقيل إِن مُحَمَّدًا كَانَ من أجمل النَّاس وأمدهم قامة وَكَانَ رَأسه مَعَ منْكب أَبِيه وَكَانَ رَأس أَبِيه مَعَ منْكب عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ رَأس عبد الله مَعَ منْكب أَخِيه وروى عَن مُحَمَّد الْجَمَاعَة خلا البُخَارِيّ
وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَة
شَيْطَان الطاق مُحَمَّد بن عَليّ بن النُّعْمَان الْكُوفِي أَبُو جَعْفَر يتشيغ وَله مَعَ أبي حنيفَة خبر توفّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَمِائَة وَكَانَ معتزلياً وَكَانَ أَحول
وَهُوَ الْقَائِل
(وَلَا تَكُ فِي حب الأخلاء مفرطاً ... وَإِن أَنْت أبغضت البغيض فأجمل)
(فَإنَّك لَا تَدْرِي مَتى أَنْت مبغضٌ ... صديقك أَو تعذر عَدوك فاعقل)
والرافضة تنتحله وتسميه مَيْمُون الطاق كَانَ صيرفياً بِالْكُوفَةِ بطاق المحامل اخْتلف هُوَ وصيرفي فِي نقد دِرْهَم فغلبه هَذَا وَقَالَ أَنا شَيْطَان الطاق فغلب عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم
وَقَالَ بشار بن برد شَيْطَان الطاق أشعر مني وَقيل لَهُ وَيحك أما استحييت أما اتَّقَيْت الله أَن تَقول فِي كتاب الْإِمَامَة أَن الله لم يقل قطّ فِي الْقُرْآن ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الغارفضحك طَويلا
وسَاق شَيْطَان الطاق الْإِمَامَة إِلَى مُوسَى بن جَعْفَر وَقطع بِمَوْت مُوسَى وشارك هِشَام بن الحكم)
فِي قَوْله إِن الله تَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء بعد وُقُوعهَا وَلَا يعلم أَنَّهَا ستقع وَقَالَ إِن الله تَعَالَى على صُورَة إِنْسَان لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله خلق آدم على صُورَة الرَّحْمَن لكنه لَيْسَ بجسم
وَله طَائِفَة من الرافضة ينسبون إِلَيْهِ يعْرفُونَ بالشيطانية وَسَمَّاهُمْ الشهرستاني فِي كِتَابه النعمانية وَقَالَ إِنَّه صنف للرافضة كتبا جمة مِنْهَا كتاب افْعَل لم فعلت وَكتاب افْعَل لَا تفعل وَيذكر(4/78)
فِيهَا أَن كبار الْفرق أَرْبَعَة الْقَدَرِيَّة والخوارج والعامة والشيعة ثمَّ عين الشِّيعَة بالنجاة فِي الْآخِرَة من هَذِه الْفرق قَالَ وَذكر عَن هِشَام بن سَالم وَمُحَمّد بن النُّعْمَان أَنَّهُمَا أمسكا عَن الْكَلَام فِي الله تَعَالَى ورويا عَمَّن يوجبان تَصْدِيقه أَنه سُئِلَ عَن قَول الله تَعَالَى وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى قَالَ إِذا بلغ الْكَلَام إِلَى الله تَعَالَى فأمسكوا فأمسكا عَن القَوْل فِي الله والتفكر فِيهِ حَتَّى مَاتَا هَذَا قَول الْوراق
مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب
كَانَ فصيحاً شَاعِرًا هرب من بني الْعَبَّاس إِلَى أَن ظهر بخراسان فأضرمها نَارا فاعتنى الْمهْدي بأَمْره فَرغب إِلَيْهِ فِي أَن يرجع إِلَى الطَّاعَة فَقَالَ
(أبعد أَن قتلوا أَعْلَام سادتنا ... وجرعونا كؤس الحتف والذل)
(وَقد شهرت حسام الله مبتغياً ... فِي الأَرْض مَا ضيعوا من سيرة الْعدْل)
(أعطي يَدي لِأُنَاس قطعُوا رحمي ... هَذَا لعمرك مني غَايَة الْجَهْل)
فبلغت الأبيات الْمهْدي فحمي واغتاظ وَشد فِي طلبه حَتَّى ظفر بِهِ وَقتل وَحمل رَأسه إِلَيْهِ فَقَالَ الْمهْدي لَا حول وَلَا قوَّة إلاَّ بِاللَّه العليّ الْعَظِيم لن ينْتَفع بهَا إِلَّا بعد مَا تقطع وَلم يعقب هَذَا مُحَمَّد وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده عَليّ وَذكر وَالِده المثلث وجده الْمثنى وجد أَبِيه السبط كل مِنْهُم فِي مَكَانَهُ وَله أَخ يُسمى حُسَيْنًا
مُحَمَّد الْجواد مُحَمَّد بن عَليّ هُوَ الْجواد بن الرِّضَا بن الكاظم مُوسَى بن الصَّادِق جَعْفَر رَضِي الله عَنْهُم
كَانَ يلقب بالجواد وبالقانع وبالمرتضى وَكَانَ من سروات آل بَيت النُّبُوَّة زوجه الْمَأْمُون بابنته وَكَانَ يبْعَث إِلَى الْمَدِينَة فِي كل عَام أَكثر من ألف ألف دِرْهَم
توفّي بِبَغْدَاد شَابًّا طرياًً بعد وَفَاة الْمَأْمُون سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقد قدم على المعتصم فَأكْرمه وأجله وقبره عِنْد قبر جده مُوسَى وَكَانَ من الموصوفين بالسخاء وَلذَلِك لقب الْجواد وَهُوَ أحد)
الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر ومولده سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة وَلما مَاتَ حملت زَوجته أم الْفضل إِلَى دَار المعتصم
قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مزِيد كنت بِبَغْدَاد فَقَالَ لي مُحَمَّد بن مَنْدَه هَل لَك أَن أدْخلك على مُحَمَّد بن عَليّ الرضافقلت نعم فأدخلنا عَلَيْهِ فسلمنا وَجَلَسْنَا فَقَالَ لَهُ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أحصنت فرجهَا فَحرم الله ذريتها على النارقال خَاص لِلْحسنِ(4/79)
وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا
وَكَانَ يروي مُسْندًا عَن آبَائِهِ إِلَى عَليّ رَضِي عَنهُ أَنه قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَقَالَ لي وَهُوَ يوصيني يَا عَليّ مَا خَابَ من استخار وَلَا نَدم من اسْتَشَارَ يَا عَليّ عَلَيْك بالدلجة فَإِن الأَرْض تطى بِاللَّيْلِ مَا لَا تطى بِالنَّهَارِ يَا عَليّ اغْدُ بِسم الله فَإِن الله بَارك لأمتي فِي بكورها
ابْن أبي خِدَاش العابد مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي خِدَاش ابو هَاشم الْأَسدي الْموصِلِي العابد راوية الْمعَافى بن عمرَان
كَانَ صَالحا زاهداً مُجَاهدًا اسْتشْهد فِي سَبِيل الله بسميساط مُقبلا غير مُدبر سنة اثْنَتَيْ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
الرقي الْعَطَّار مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون الرقي الْعَطَّار
روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ الْحَاكِم ثِقَة مَأْمُون كَانَ إِمَام أهل الجزيرة فِي عصره توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
ابْن حَمْزَة الْعلوِي مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة الْعلوِي الأخباري الشَّاعِر روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم وَوَثَّقَهُ وَتُوفِّي سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ أَو مَا دونهَا
وَمن شعره
(لَو كنت من أَمْرِي على ثقةٍ ... لصبرت حَتَّى يَنْتَهِي أَمْرِي)
(لَكِن نوائبه تحركني ... فاذكر وقيت نَوَائِب الدَّهْر)
(وَاجعَل لحاجتنا وَإِن كثرت ... أشغالكم حظاً من الذّكر)
والمرء لَا يَخْلُو على عقب الْأَيَّام من ذمٍ وَمن شكر الْحَافِظ فستقة مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفضل الْحَافِظ فستقة الْبَغْدَادِيّ توفّي سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ أَو مَا)
قبلهَا
الْحَافِظ قرطمة مُحَمَّد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ قرطمة توفّي سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ أَو مَا قبلهَا
الصَّائِغ الْمُحدث بِمَكَّة مُحَمَّد بن عَليّ الصَّائِغ كَانَ مُحدث مَكَّة فِي وقته مَعَ الصدْق والمعرفة توفّي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ(4/80)
البيكندي الْبَلْخِي مُحَمَّد بن عَليّ بن طرخان البيكندي الْبَلْخِي أَكثر الترحال وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
الشلمغاني مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو جَعْفَر ابْن أبي العزاقر الشلمغاني الزنديق
أحدث مَذْهَب الرَّفْض فِي بَغْدَاد وَقَالَ بالتناسخ وحلول الإلهية فِيهِ ومخرق على النَّاس وضل بِهِ جمَاعَة وَأظْهر أمره أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْن بن روح الَّذِي تسميه الرافضة الْبَاب تَعْنِي أحد الْأَبْوَاب إِلَى صَاحب الزَّمَان فَطلب فاختفى وهرب إِلَى الْموصل وَأقَام سِنِين ثمَّ رد إِلَى بَغْدَاد وَأظْهر عَنهُ أَنه يَدعِي الربوبية وَقبض عَلَيْهِ ابْن مقلة وسجنه وكبس دَاره فَوجدَ فِيهَا رِقَاعًا وكتباً فِيهَا لَهُ مخاطبات من النَّاس بِمَا لَا يُخَاطب بِهِ الْبشر وَجَرت أُمُور وأتفى الْعلمَاء بِإِبَاحَة دَمه فَأحرق
وَكَانَ ابْن أبي عون أحد أَتْبَاعه وَهُوَ الْفَاضِل الَّذِي لَهُ التصانيف المليحة مثل مثل الشهَاب والأجوبة المسكنة وَهُوَ من أَعْيَان الْكتاب وَضرب ابْن أبي عون بالسياط ثمَّ ضرب عُنُقه وأحرق وَكَانَ ذَلِك فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وشلمغان بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الْمِيم والغين الْمُعْجَمَة وَبعدهَا ألف بعْدهَا نون
دندن الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو عَليّ يعرف بدندن بدالين ونونين
كَاتب يهجو الْكتاب قَالَ فِي مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الزيات لما أوقع بِهِ المتَوَكل
(ألم تَرَ أَن الله أيد دينه ... وأوقع بالزيات لما تجبرا)
(وَكم قَائِل والدمع يسْبق قَوْله ... بِهِ لَا بظبيٍ بالصريمة أعفرا)
(عَلَيْك سَلام لم توفره نيةٌ ... كَذَلِك شَيْء قد تولى فَأَدْبَرَا)
مبرمان النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل أَبُو بكر العسكري مُصَنف شرح سِيبَوَيْهٍ وَلم يتمه
لقبه الْمبرد مبرمان لِكَثْرَة سُؤَاله وملازمته لَهُ أَفَادَ بالأهواز مُدَّة وَكَانَ دني النَّفس مهيناً يلح بِالطَّلَبِ من تلامذته كَانَ إِذا أَرَادَ الْحُضُور إِلَى منزله ركب فِي طبلية حمال من غير عجز بِهِ وَرُبمَا بَال على الْحمال فَيَصِيح ذَلِك الْحمال فَيَقُول لَهُ احسب أَنَّك حملت رَأس غنم وَرُبمَا كَانَ)
يتنقل بِالتَّمْرِ ويحذف الطّلبَة بالنوى
أَخذ عَنهُ الْكِبَار مثل السيرافي وَأبي عَليّ الْفَارِسِي ولع كتاب الْعُيُون وَكتاب علل النَّحْو وَشرح سِيبَوَيْهٍ ول يتم وَكتاب التَّلْقِين وَشرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ كتاب المجاري لطيف كتاب صفة شكر الْمُنعم
توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة(4/81)
الْوَزير ابْن مقلة مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مقلة الْوَزير ابو عَليّ صَاحب الْخط الْمَنْسُوب
ولي بعض أَعمال فَارس وتنقلت بِهِ الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال حَتَّى وزر للمقتدر سنة سِتّ عشرَة فَقبض عَلَيْهِ بعد عَاميْنِ وعاقبه وصادره ونفاه إِلَى فَارس ثمَّ استوزره القاهر بِاللَّه ونكبه ثمَّ وزر للراضي قَلِيلا وأمسكه سنة أَربع وَعشْرين وَضرب بالسياط وعلق وصودر وَأخذ خطه بِأَلف ألف دِينَار ثمَّ تخلص
ثمَّ إِن ابْن رائق الْمُقدم ذكره لما تمكن احتاط على ضيَاعه وأملاكه فَكتب ابْن مقلة إِلَى الراضي أَنه إِن مكن من ابْن رائق خلص مِنْهُ ثَلَاثَة آلَاف ألف دِينَار فَأَجَابَهُ فَلَمَّا حضر إِلَيْهِ حَبسه واطلع ابْن رائق على الْخَبَر فَقطع يَده وحبسه فندم الراضي وداواه فَكَانَ ينوح ويبكي على يَده وَيَقُول كتبت بهَا الْقُرْآن وخدمت بهَا الْخُلَفَاء تقطع مثل اللُّصُوص وَكَانَ يشد الْقَلَم على يَده وَيكْتب فَأخذ يراسل الراضي ويطمعه فِي الْأَمْوَال فَلَمَّا قرب بِحكم أحد خَواص ابْن رائق من بَغْدَاد أَمر ابْن رائق بِقطع لِسَان ابْن مقلة فَقطع ولحقه ذرب وَمَات فِي السجْن سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَلَاث مائَة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو الْحسن ثَابت بن قُرَّة الطَّبِيب كنت إدخل إِلَيْهِ السجْن فيشكو إِلَيّ فأعزيه وَأَقُول هَذَا انْتِهَاء الْمَكْرُوه وخاتمة القطوع فينشدني
(إِذا مَا مَاتَ بعضك فابك بَعْضًا ... فَإِن الْبَعْض من بعضٍ قريب)
وَمن شعره فِي يَده مَا سئمت الْحَيَاة لَكِن توثقت بأيمانهم فَبَانَت يَمِيني
(بِعْت ديني لَهُم بدنياي حَتَّى ... حرموني دنياهم بعد ديني)
(وَلَقَد حطت مَا اسْتَطَعْت بجهدي ... حفظ أَرْوَاحهم فَمَا حفظوني)
(لَيْسَ بعد الْيَمين لَذَّة عيشٍ ... يَا حَياتِي بَانَتْ يَمِيني فبيني)
)
وَمن شعره
(وَإِذا رَأَيْت فَتى بِأَعْلَى رتبةٍ ... فِي شامخٍ من عزه المتنع)
(قَالَت لي النَّفس العروف بِقَدرِهَا ... مَا كَانَ أولاني بِهَذَا الْموضع)
وَمن شعره لست ذَا ذلةٍ إِذا عضني الدَّهْر وَلَا شامخاً إِذا واتاني أَنا نارق فِي مرتقى نفس الْحَاسِد ماءٌ جارٍ مَعَ الإخوان وَابْن مقلة هَذَا أول من نقل هَذِه الطَّرِيقَة من خطّ الْكُوفِيّين إِلَى هَذِه الصُّورَة
وَمِمَّنْ مدحه من الشُّعَرَاء ابْن الرُّومِي الشَّاعِر وَله فِيهِ قصيدة الَّتِي مِنْهَا(4/82)
(كَذَا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أَن السيوف لَهَا مذ أرهفت خدم)
وَفِيه قَالَ الشَّاعِر
(وَقَالُوا الْعَزْل للوزراء حيضٌ ... لحاه الله من حيضٍٍ بغيض)
(وَلَكِن الْوَزير أَبَا عليٍ ... من اللائي يئسن من الْمَحِيض)
وَمن الْعَجَائِب أَن الْوَزير ابْن مقلة تقلد الوزارة ثَلَاث مَرَّات وسافر فِي عمره ثَلَاث مَرَّات وَاحِدَة إِلَى الْموصل واثنتين فِي النَّفْي إِلَى شيراز وَدفن بعد مَوته ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
وَمن شعره
(أَحْبَبْت شكوى الْعين من أجلهَا ... لِأَنَّهَا تستر وجدي بهَا)
(كنت إِذا أرْسلت لي دمعةٌ ... قَالَ أناسٌ ذَاك من حبها)
(فصرت أبْكِي الْآن مسترسلاً ... أُحِيل بالدمع على سكبها)
وَقَالَ بَعضهم يرثيه
(استشعَرَ الكُتَّابُ فقدَك سالفاً ... وقضتْ بصحَّة ذَلِك الْأَيَّام)
(فلذاك سودت الدوي كآبةً ... أسفا عَلَيْك وَشقت الأقلام)
وَمَات فِي السجْن وَله سِتُّونَ سنة وباشر الْأَعْمَال وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة وَكَانَ لَا بُد أَن يشرب بعد صَلَاة الْجُمُعَة ويصطبح يَوْم السبت ويشترى لَهُ كل جُمُعَة فَاكِهَة بِخمْس مائَة دِينَار
أَبُو بكر الكتاني الصُّوفِي مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر ابو بكر الكتاني)
أَصله من بَغْدَاد وجاور بِمَكَّة حَتَّى مَاتَ بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاث مائَة كَانَ من خِيَار مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَأحد الْأَئِمَّة الْمشَار إِلَيْهِم فِي عُلُوم الْحَقَائِق والزهد وَالْعِبَادَة
قَالَ المرتعش الكتاني سراج الْحرم وَقَالَ السّلمِيّ ختم الكتاني فِي الطّواف اثْنَي عشر ألف ختمة
اسْتَأْذن أمه فِي الْحَج فَأَذنت لَهُ فَلَمَّا دخل الْبَادِيَة أصَاب ثَوْبه بَوْل فَقَالَ هَذَا خلل فَعَاد إِلَى بَيته وَإِذا أمه جالسة خلف الْبَاب فَقَالَ مَا هذافقالت اعتقدت مَعَ الله تَعَالَى أَن لَا أَبْرَح من هَذَا الْمَكَان حَتَّى تعود وَقَالَ رَأَيْت فِي مَنَامِي حوراء مَا رَأَيْت فِي الدُّنْيَا أحسن مِنْهَا فَقلت زوجيني نَفسك فَقَالَت اخطبني من سَيِّدي فَقلت مَا مهركفقالت حبس النَّفس عَن مأولفاتها توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة
أَبُو حشيشة الطنبوري مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي أُميَّة الْكَاتِب وكنيته ابو حشيشة(4/83)
الطنبوري
وَصفه مُخَارق لِلْمَأْمُونِ وَهُوَ بِدِمَشْق فَخرج إِلَيْهِ وَهُوَ حدث وغناه وَلم يزل يُغني للخلفاء وَاحِدًا إِلَى خلَافَة المستعين وَرُبمَا تجَاوز ذَلِك
وَقَالَ
(إِن الإِمَام المستعين بريه ... غيثٌ يعم الأَرْض بالبركات)
وَقَالَ
(وأخص مِنْك وَقد عرفت محبتي ... بالصد والإعراض والهجران)
(وَإِذا شكوتك لم أجد لي مسعداً ... ورميت فِيمَا قلت بالبهتان)
وَله كتاب الْمُغنِي الْمجِيد وأخبار الطنبوريين
الْقفال الْكَبِير الشَّاشِي مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل الْقفال الشَّاشِي الْفَقِيه الشَّافِعِي إِمَام عصره
كَانَ فَقِيها مُحدثا أصولياً لغوياً شَاعِرًا لم يكن بِمَا وَرَاء النَّهر مثله فِي وقته للشَّافِعِيَّة رَحل إِلَى خُرَاسَان وَالْعراق والحجاز وَالشَّام والثغور وَسَار فِي ذكره فِي الْبِلَاد وصنف فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَسمع ابْن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن جرير وَعبد الله الْمَدَائِنِي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد الباغندي وابا الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأَبا عرُوبَة الْحَرَّانِي وطبقتهم
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي الطَّبَقَات توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ وهم وَلَعَلَّه تصحف عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ بستين فَإِن الصَّحِيح وَفَاته سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة لِأَن الْحَاكِم والسمعاني ورخاه فِي هَذِه)
السّنة مولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو غسحاق أَنه درس على ابْن سُرَيج فَلم يلْحقهُ لِأَنَّهُ رَحل من الشاش إِلَيْهِ سنة تسع وَثَلَاث مائَة وَابْن سُرَيج مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاث مائَة
وَهُوَ أول من صنف الجدل الْحسن من الْفُقَهَاء وَله شرح الرسَالَة وَكتاب فِي أصُول الْفِقْه وَعنهُ انْتَشَر مَذْهَب الشَّافِعِي فِي بِلَاده وَهُوَ صَاحب وَجه فِي الْمَذْهَب وَمن غرائب وجوهه مَا نَقله عَنهُ الشَّيْخ محيي الدّين فِي الرَّوْضَة أَن الْمَرِيض يجوز لَهُ الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِعُذْر الْمَرَض وَأَنه اسْتحبَّ أَن الْكَبِير يعق عَن نَفسه وَقد قَالَ الشَّافِعِي لَا يعق عَن كَبِير
وروى عَنهُ الْحَاكِم وَابْن مَنْدَه وَغَيرهمَا وَابْنه الْقَاسِم هُوَ مُصَنف التَّقْرِيب الَّذِي نقل عَنهُ صَاحب النِّهَايَة والوسيط والبسيط وَقد ذكره الْغَزالِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الرَّهْن لكنه قَالَ أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ غلط وَصَوَابه الْقَاسِم
وَقَالَ الْعجلِيّ فِي شرح مشكلات الْوَجِيز والوسيط فِي الْبَاب الثَّالِث من كتاب التَّيَمُّم أَن صَاحب التَّقْرِيب هُوَ أَبُو بكر الْقفال وَقيل أَنه ابْنه الْقَاسِم فَلهَذَا يُقَال صَاحب التَّقْرِيب على الْإِبْهَام
قَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان رَحمَه الله ثمَّ رَأَيْت فِي شَوَّال من سنة خمس وست مائَة فِي خزانَة الْكتب بِالْمَدْرَسَةِ العادلية بِدِمَشْق كتاب(4/84)
التَّقْرِيب فِي سِتّ مجلدات وَهُوَ من حِسَاب عشر مجلدات وَكتب عَلَيْهِ أَنه من تصنيف ابي الْحسن الْقَاسِم بن أبي بكر الْقفال الشَّاشِي وَهَذَا التَّقْرِيب غير التَّقْرِيب الَّذِي لسليم الرَّازِيّ فَإِنِّي رَأَيْت خلقا كثيرا من الْفُقَهَاء يعتقدونه هُوَ فَلهَذَا نبهت عَلَيْهِ وتقريب ابْن الْقفال قَلِيل الْوُجُود
وللقفال أَيْضا دَلَائِل النُّبُوَّة ومحاسن الشَّرِيعَة وَهُوَ الْقفال الْكَبِير وَالصَّغِير هُوَ الْمروزِي الَّذِي توفّي بعد الْأَرْبَع مائَة وَالْأول يتَكَرَّر ذكره فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْكَلَام وَالثَّانِي فِي الفقهيات وَقَالَ الْحَاكِم كَانَ الْقفال شَيخنَا أعلم من لَقيته من عُلَمَاء الْعَصْر
الحماحمي مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو بكر الحماحمي لقب بذلك لِأَنَّهُ مر بِهِ رجل يَبِيع الحماحم فصاح بِهِ يَا حماحمي فلقب بِهِ وَهُوَ متوكلي نزل حلب وَهُوَ الْقَائِل
(كم موقفٍ لي بِبَاب الجسر أذكرهُ ... بل لست أنسى أينسى نَفسه أحد)
(نزهت عَيْني فِي حسن الْوُجُوه بِهِ ... حَتَّى أصَاب بعيني عَيْني الْحَسَد)
)
وَقَالَ
(أَرَاك تقل فِي عَيْني وقلبي ... كَأَنَّك من بني الْحسن بن سهل)
وَقَالَ
(أَشْكُو هَوَاك وَأَنت تعلم أنني ... من بعد مَا كذبت قولي صَادِق)
يَا من تجاهل قدوعلنمك بالهوى أنباك سقمي أنني لَك عاشق الْحَافِظ القصاب مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْحَافِظ أَبُو أحمكد الكرجي القصاب إِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك لِكَثْرَة مَا أهراق من دِمَاء الْكفَّار
أحد الْأَئِمَّة لَهُ تصانيف مِنْهَا كتاب ثَوَاب الْأَعْمَال وَكتاب عِقَاب الْأَعْمَال وَشرح السّنة وتأديب الْأَئِمَّة توفّي سنة سِتِّينَ وَثَلَاث مائَة أَو مَا قبلهَا
أَبُو بكر النقاش الْمُحدث مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن أَحْمد أَبُو بكر النقاش نزيل تنيس
وَهُوَ رَاوِي نُسْخَة فليح كَانَ أحد أَئِمَّة الحَدِيث توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة
ابْن رستم وَزِير خمارويه مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن رستم أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ الماذرائي الْكَاتِب وزر لخمارويه صَاحب مصر
لَهُ مَنَاقِب وَلم يكن لَهُ بلاغة الْكتاب وَلَا مُبَالغَة فِي النَّحْو لكنه كَانَ ذكياً صَاحب بديهة بلغ أملاكه فِي السّنة أَربع مائَة ألف دِينَار
توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة(4/85)
ابْن رزين الوَاسِطِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن رزين الوَاسِطِيّ
قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان معتصمي هُوَ الْقَائِل لِلْحسنِ بن وهب وَقد افتصد
(أراق الفصد خير دمٍ ... دم الأذهان والفهم)
(دمٌ أهْدى المداد إِلَى ... دَوَاة الْملك والقلم)
لقد أضحى الطَّبِيب غَدَاة فصدك طيب النسم
(وَرَاح وَفِي حديدته ... دم الْمَعْرُوف وَالْكَرم)
ابْن الْمعِين النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن أَبُو طَاهِر النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْمعِين غُلَام ثَعْلَب
حدث عَن أبي العيناء وروى عَنهُ أَبُو بكر مكرم بن أَحْمد فِي كتاب الرغائب من جمعه توفّي)
سنة ثَمَان وَثَلَاث مائَة
الماسرجسي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَليّ بن سهل بن مصلح الْفَقِيه أَبُو الْحسن الماسرجسي ابْن بنت الْحسن بن عِيسَى بن ماسرجس النَّيْسَابُورِي
شيخ الشَّافِعِيَّة فِي عصره سمع وروى قَالَ الْحَاكِم كَانَ أعرف الْأَصْحَاب بِالْمذهبِ وترتيبه صحب أَبَا إِسْحَاق الْمروزِي إِلَى مصر وَلَزِمَه وَكَانَ معيد أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ صَاحب وَجه فِي الْمَذْهَب وَعَلِيهِ تفقه القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَسمع من خَاله المؤمل بن الْحسن بن عِيسَى وَسمع بِمصْر من أَصْحَاب الْمُزنِيّ وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى الصَّدَفِي
وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم بن البيع عقد لَهُ مجْلِس الْأُمَرَاء فِي دَار السّنة فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
وَتُوفِّي سادس جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وعمره سِتّ وَسَبْعُونَ سنة
أَبُو طَالب الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن عَطِيَّة الْحَارِثِيّ أَبُو طَالب مُصَنف قوت الْقُلُوب
كَانَ من أهل الْجَبَل وَنَشَأ فِي مَكَّة وتزهد وَله لِسَان حُلْو فِي التصوف قَالَ أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن عَليّ ابْن العلاف أَنه وعظ بِبَغْدَاد وخلط فِي كَلَامه وَحفظ عَنهُ أَنه قَالَ لَيْسَ على المخلوقين أضرّ من الْخَالِق فبدعه النَّاس وهجروه قَالَه الْخَطِيب عَن أبي طَاهِر
وَكَانَ يسْتَعْمل الرياضة كثيرا(4/86)
وهجر الطَّعَام زَمَانا وَاقْتصر على أكل الحشائش الْمُبَاحَة فاخضر جلده وَلَقي جمَاعَة من الْمَشَايِخ فِي الحَدِيث وَعلم الطَّرِيقَة وَأخذ عَنْهُم
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة ذكر فِي قوت الْقُلُوب أَحَادِيث لَا أصُول لَهَا قلت وَلَقَد رَأَيْت غير مرّة عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الأقصرائي شيخ الشُّيُوخ بخانقاه سرياقوس نُسْخَة بقوت الْقُلُوب فِي مجلدة وَاحِدَة بِخَط الْوَلِيّ العجمي مَا رَأَيْت مثلهَا وَلَا غَيْرِي وَلَو أمكن بيعهَا لي اشْتَرَيْتهَا بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم لَكِنَّهَا كَانَت وَقفا أظنها على خانقاه كريم الدّين
توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة بِبَغْدَاد
الأدفوي النَّحْوِيّ الْمُفَسّر مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الإِمَام ابو بكر الأدفوي وأدفو قَرْيَة فِي الصَّعِيد قريب أسوان الْمصْرِيّ الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الْمُفَسّر
لَهُ تَفْسِير الْقُرْآن فِي مائَة وَعشْرين مجلدة وَمِنْه نُسْخَة وقف بِمصْر فِي وقف الْفَاضِل توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة)
الجواليقي مُحَمَّد بن عَليّ الجواليقي الْكُوفِي يتشيع قَالَ يرثي الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
(ابك حُسَيْنًا ليَوْم مصرعه ... بالطف بَين الْكَتَائِب الخرس)
(يعدو عَلَيْهِ بِسيف وَالِده ... أيدٍ طوال لمعشرٍ نكس)
(بِاللَّه مَا إِن رَأَيْت مثلهم ... فِي يَوْم ضنكٍ قماطرٍ عبس)
(أحسن صبرا على الْبلَاء وَقد ... ضيقت الْحَرْب مخرج النَّفس)
(أضحى بَنَات النَّبِي إِذْ قتلوا ... فِي مأتم وَالسِّبَاع فِي عرس)
الشطرنجي مُحَمَّد بن عَليّ الشطرنجي قَالَ يهجو ابْن الْمُدبر لانتمائه إِلَى ضبة(4/87)
(قد أحدث الْقَوْم دينا ... وجدد الْقَوْم نسبه)
(وَكَانَ أمرا ضَعِيفا ... فضببوه بضبه)
مَا أحسن مَا أَتَى بضبه هُنَا
الْوَزير فَخر الْملك مُحَمَّد بن عَليّ بن خلف الْوَزير فَخر الْملك أَبُو غَالب ابْن الصَّيْرَفِي الَّذِي صنف الفخري فِي الْجَبْر والمقابلة من أَجله وَالْكَافِي فِي الْحساب
كَانَ ممدحاً جواداً قَتله السُّلْطَان الدولة ابْن مخدومه بالأهواز سنة سبع وَأَرْبع مائَة
كَانَ وَزِير بهاء الدولة ابْن بويه ثمَّ وزر لوَلَده سُلْطَان الدولة وَكَانَ أعظم وزراء آل بويه على الْإِطْلَاق بعد ابْن العميد وَابْن عباد
أَصله من وَاسِط وَأَبوهُ صيرفي وَكَانَ وَاسع النِّعْمَة فسيح مجَال الهمة جم الْفَضَائِل والإفضال جزيل العطايا والنوال
مدحه الشُّعَرَاء وقصدوه مِنْهُم أَبُو نصر ابْن نباتة السَّعْدِيّ يَقُول فِيهِ من قصيدة نونية
(لكل فَتى قرين حِين يسمو ... وفخر الْملك لَيْسَ لَهُ قرين)
(أنخ بجنابه واحكم عَلَيْهِ ... بِمَا أملته وَأَنا الضمين)
فامتدحه بعض الشُّعَرَاء بعد هَذَا فَلم يرض إِجَازَته فجَاء إِلَى ابْن نباتة فَقَالَ أَنْت أغريتني بِعْهُ وغررتني فَأعْطَاهُ من عِنْده شَيْئا رَضِي بِهِ فَبلغ ذَلِك الْوَزير فسير إِلَى ابْن نباتة جملَة مستكثرة وَمثل هَذَا قَول أبي الطّيب
(وثقنا بِأَن تُعْطِي فَلَو لم تَجِد لنا ... لخلناك قد أَعْطَيْت من قُوَّة الْوَهم)
)
وَمن هَذِه الْمَادَّة مَا كتب بِهِ بعض الشُّعَرَاء إِلَى ممدوح لَهُ
(لم أعاجلك بالرقاع إِلَى أَن ... عاجلتني رقاع أهل الدُّيُون)
علمُوا أنني بمدحيك أمسيت مَلِيًّا فَأَصْبحُوا يرفعوني حذف النُّون الْوَاحِدَة وَهِي الَّتِي للرفعة عَلامَة رُبمَا جَازَ ذَلِك فِي الضَّرُورَة
وَلم يزل فَخر الْملك فِي عزه إِلَى أَن نقم عَلَيْهِ مخدومه سُلْطَان الدولة فحبسه ثمَّ قَتله وَدفن عِنْد جبل الأهواز وَلم يحكم دَفنه فتبشته الْكلاب وأكلته فشفع فِيهِ بعض اصحابه فنقلت عِظَامه إِلَى مشْهد هُنَاكَ ودفنت سنة ثَمَان وَأَرْبع مائَة وَمن شعرائه مهيار الديلمي وَقد استوفى أخباره هِلَال ابْن الصَّابِئ فِي تَارِيخه
مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي حَمْزَة الْعقيلِيّ الْكُوفِي مولى الْأَنْصَار
كَانَ هُوَ والدوابي وَبكر بن خَارِجَة يتراسلون الْأَشْعَار وَهُوَ الْقَائِل
(قَامَت تشجعني عرسي وَقد علمت ... أَن الشجَاعَة مقرونٌ بهَا العطب)
(يَا هِنْد لَا وَالَّذِي حج الحجيج لَهُ ... مَا يَشْتَهِي الْمَوْت عِنْدِي من لَهُ أدب)(4/88)
(وَلست مِنْهُم وَلَا أَهْوى مقالهم ... لَا الْجد يُعجبنِي مِنْهُم وَلَا اللّعب)
وَقَالَ فِي صديق لَهُ صلب على الزندقة
(لعمري لَئِن أَصبَحت فَوق مشذبٍ ... طَوِيل يلاقيك السَّحَاب مَعَ الْقطر)
(لقد عِشْت مَبْسُوط الْيَدَيْنِ مبرزاً ... وعوفيت عِنْد الْمَوْت من ضغطة الْقَبْر)
(وأفلت من ضيق التُّرَاب وغمه ... وَلم تفقد الدُّنْيَا فَهَل لَك من شكر)
(فَإِن كنت زنديقاً فقد ذقت غب مَا ... جنيت فَلَا يبعد سواك أَبَا عَمْرو)
النقاش الْحَافِظ الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن عَمْرو بن مهْدي أَبُو سعيد النقاش الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ الْحَنْبَلِيّ
كَانَ من الثِّقَات الْمَشْهُورين توفّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة
ابو طَالب مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله تقدم ذكره فِي مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ أَبُو طَالب الْبَغْدَادِيّ المستوفي الشَّاعِر الأديب الْكَاتِب
أَبُو بكر العبداني مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد العبداني ابو بكر أورد لَهُ الثعالبي فِي التَّتِمَّة
(شموسٌ مغاربهن الكلل ... رشقن فُؤَادِي بِسَهْم الْمقل)
)
(وحملنني ثقل أردافهن ... فيا وَيْح قلبِي مِمَّا حمل)
(ونادين قلبِي فلبى وَقَالَ ... عزاي مَعَ الظاعنين ارتحل)
(فيا عين جودي وَلَا تبخلي ... وَإِن كَانَ بِالصبرِ قلبِي بخل)
(وأدمعها كاثرت فِي الورى ... أيادي الْوَزير الْكَبِير الْأَجَل)
مُحَمَّد بن عَليّ الضَّبِّيّ راوية العتابي شَاعِر طَاهِر بن الْحُسَيْن وَابْنه عبد الله وَهُوَ الْقَائِل فِي طَاهِر
(وقوفك تَحت ظلال السيوف ... أقرّ الْخلَافَة فِي دارها)
(كَأَنَّك مطلعٌ فِي الْقُلُوب ... إِذا مَا تناجت بأسرارها)
(فكرات طرفك مرتدةٌ ... إِلَيْك بغامض أَخْبَارهَا)
(وَفِي راحتيك الردى والندى ... وكلتاهما طوع ممتارها)
(وأقضية الله محتومةٌ ... وَأَنت منفذ أقدارها)(4/89)
أَبُو سهل الْهَرَوِيّ اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو سهل الْهَرَوِيّ اللّغَوِيّ الْمُؤَذّن
توفّي بِمصْر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة كَانَ رَئِيس المؤذنين بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر أَخذ عَن أبي عبيد الْهَرَوِيّ الْمُؤَذّن صَاحب كتاب الغريبين وروى عَنهُ الغريبين وَأخذ عَن أبي اسامة جُنَادَة بن مُحَمَّد اللّغَوِيّ وَعَن أبي يَعْقُوب النجيرمي
وَله شرح فصيح ثَعْلَب سَمَّاهُ الْإِسْفَار استوفى فِيهِ واستقصى ثمَّ اخْتَصَرَهُ وَسَماهُ التَّلْوِيح فِي شرح الفصيح وَكتاب الْأسد مُجَلد ضخم نَحْو ثَلَاثِينَ كراسة ذكر فِيهِ سِتّ مائَة اسْم وَكتاب السَّيْف ذكر فِيهِ نَحْو ثَمَان مائَة اسْم
ابو بكر المراغي مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو بكر المراغي قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق أَطَالَ الْمقَام بالموصل واتصل بِأبي الْعَبَّاس دنحا صَاحب أبي تغلب بن حمدَان
وَكَانَ عَالما أديباً قَرَأَ على الزّجاج وَله كتاب شرح شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ وَكتاب فِي النَّحْو مُخْتَصر
الهراسي الْخَوَارِزْمِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الهراسي الكاثي أَبُو عبد الله ابْن أبي الْحسن الأديب الْخَوَارِزْمِيّ
توفّي يَوْم عيد الْفطر سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبع مائَة كَانَ أحد مفاخر خوارزم فِي الْأَدَب لَهُ كتاب فِي التصريف لم يسْبق إِلَى مثله وَكتاب شرح ديوَان المتنبي وَله كتاب رسائل)
وَمن شعره
(إِن الزَّمَان زمانة ... الرجل الأديب الْعَاقِل)
كم فائقٍ تَحت الحضيض ومائقٍ كالعاقل وَمِنْه
(قل للَّذي لَا أرى لَهُ مثلا ... إِلَّا صِفَات غَدَتْ لَهُ مثلا)
فِي الدّرّ والبدر والغزال وَفِي الخوط ودعص النقا إِذا مثلا
(وَمن بِهِ صرت فِي الْهوى مثلا ... كَمَا غَدا فِي جماله مثلا)
(لَا ترسلا ناظريك أَنَّهُمَا ... بأنفس الْعَالمين قد مثلا)
قلت شعر نَازل متكلف
ابو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن يَعْقُوب القَاضِي ابو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ الْمُقْرِئ
قَرَأَ الرِّوَايَات على شيوخها قَالَ الْخَطِيب رَأَيْت أُصُوله عتقا سَمَاعه(4/90)
فِيهَا صَحِيح وَرَأَيْت لَهُ أَشْيَاء فِيهَا مفسود إِمَّا مكشوط أَو مصلوح بالقلم
وروى حَدِيثا مسلسلاً بِأخذ الْيَد رِوَايَة أَئِمَّة واتهم بِوَضْعِهِ توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
الْوَزير ابْن حَاجِب النُّعْمَان مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن إِبْرَاهِيم ابو الْفضل الْكَاتِب
كَانَ أَبوهُ وَزِير الْقَادِر وَلما مَاتَ أَبوهُ وزر هُوَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وعزل بعد سِتَّة أشهر فَلَمَّا اسْتخْلف الْقَائِم وزر لَهُ وَكَانَ أديباً شَاعِرًا وَيعرف بِابْن حَاجِب النُّعْمَان
توفّي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة فِي ذِي الْقعدَة
أورد ابْن النجار لِابْنِ حَاجِب النُّعْمَان قَوْله
(مَا ترى النبق أثقل الأشجارا ... واستتمت أنواره فأنارا)
فَكَأَن الرّبيع فصل ديباجا وخاطته كَفه أزرارا وَقَوله فِي الشمعة
(وطفلةٍ كالرمح لاحظتها ... سنانها من ذهبٍ قد طبع)
(دموعها تنهل فِي نحرها ... ورأسها يحيى إِذا مَا قطع)
وَقَوله)
(وَكم ليلةٍ مزقت برد ظلامها ... أسامر فِيهَا نجمها وأساهره)
(وَقد لَاحَ فِيهَا الْبَدْر لابس تاجه ... بنظم الثريا والنجوم عساكره)
(كَأَن أَدِيم الجو جوشن فارسٍ ... وَقد جعلت نثر النُّجُوم مسامره)
وَقَوله
(وَذكرنَا الْورْد الجني بنشره ... رَوَائِح أحبابٍ ولون خدود)
(ونارنج أشجارٍ حكين نواهداً ... وأغصان رندٍ تنتثي كقدود)
القَاضِي ابْن حشيشة مُحَمَّد بن عَليّ القَاضِي أَبُو عبد الْمَعْرُوف بِابْن حشيشة بحاء مُهْملَة وشينين معجمتين بَينهمَا يَاء آخر الحرو فالمقدسي
من شعره مِمَّا أوردهُ فِي تَتِمَّة الْيَتِيمَة
(طول اللحى زين الْقُضَاة وفخرهم ... وتميز عَن غاغةٍ سُفَهَاء)
(لَو كَانَ فِي قصرٍ بهَا فخرٌ لَهَا ... لم يرو فِيهَا سنة الإعفاء)
الماسح مُحَمَّد بن عَليّ بن عُثْمَان الماسح أحد الْكتاب قَالَ لما مَاتَ إِبْرَاهِيم بن الْمُدبر عقيب مَا نقص أرزاق النَّاس(4/91)
(إِن قولي مقَال ذِي إشفاق ... منذرٍ من لِقَاء يَوْم التلاقي)
(من يرى نقص كاتبٍ من عطاءٍ ... ذاق مَا ذاقه أَبُو إِسْحَاق)
منعُوهُ الْحَيَاة إِذْ منع الرزق كَذَا كل مَانع الأرزاق ابو الْحسن الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر ابو الْحسن الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ أَخُو الْفَقِيه عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي صَاحب ديوَان الرسائل فِي دولة جلال الدولة
ترسل عَن الْمُلُوك وَلَقي جمَاعَة من أهل الْأَدَب وَأخذ عَن الببغاء وَابْن نباتة السَّعْدِيّ وَكَانَ أديباً بليغاً فصيحاً أخبارياً وَله كتاب الْمُفَاوضَة صنفه للْملك الْعَزِيز ابْن جلال الدولة
توفّي بواسط سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
أَبُو الْخطاب الْجبلي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْخطاب الْبَغْدَادِيّ الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالجبلي بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة المضمومة وَبعدهَا لَام
روى عَنهُ الْخَطِيب وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَعْرِِفَة الْعَرَبيَّة وَالشعر وَقد مدحه أَبُو الْعَلَاء المعري بقصيدته الَّتِي أَولهَا)
(أشفقت من وعب الزَّمَان وعابه ... ومللت من أرِي الزَّمَان وصابه)
وَكَانَ أَبُو الخطايب مفرطاً فِي الْقصر وَهُوَ رَافِضِي جلد توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
من شعر أبي الْخطاب
(ورياضٍ مختالة من ثراها ... فِي برودٍ من زهرها وعقود)
(وَكَأن الغصون فِيهَا غوانٍ ... تتبارى زهواً بِحسن القدود)
(وَكَأن الأطيار فِيهَا قيانٌ ... تتغنى فِي كل عود بِعُود)
وَكَأن الْمِيَاه فِي خلل الرَّوْض سيوفٌ تسل تَحت بنود وَكَأن النوار يغمز بالأعين مِنْهُ على ابْنة العنقود وَمِنْه
(رويدك قد أَصبَحت جاراً لِأَحْمَد ... وَحسب المرئٍ أَن يستجير بجاره)
لأَفْضَل من يغشى على بعد دَاره وَأكْرم من يعشى إِلَى ضوء ناره أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ المعتزلي مُحَمَّد بن عَليّ بن الطّيب ابو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ(4/92)
المعتزلي صَاحب المصنفات
كَانَ من فحول الْمُعْتَزلَة فصيحاً متفنناً حُلْو الْعبارَة بليغاً صنف الْمُعْتَمد فِي أصُول الْفِقْه وَهُوَ كَبِير وَكتاب صلح الْأَدِلَّة فِي مجلدين وغرر الْأَدِلَّة فِي مُجَلد وَشرح الْأُصُول الْخَمْسَة وَكتاب الْإِمَامَة وكتاباً فِي أصُول الدّين اعتزالاً وتنبه الْفُضَلَاء بكتبه واعترفوا بحذقه وذكائه
قَالَ الْخَطِيب كَانَ يروي حَدِيثا وَاحِدًا حَدَّثَنِيهِ من حفظه أَنا هِلَال بن مُحَمَّد أَنا الْغلابِي وَأَبُو مُسلم الْكَجِّي وَمُحَمّد بن أَحْمد بن خَالِد الزريقي وَمُحَمّد بن حيانم الْمَازِني وَأَبُو خَليفَة قَالُوا حَدثنَا القعْنبِي حَدِيث إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت قلت وَهَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ من خَواص الْمُعْتَزلَة فَإِن جمَاعَة من كبارهم لم يكن عِنْدهم رِوَايَة حَدِيث غَيره وَقد تقدم مِنْهُم وَقَالَ ابْن خلكان إِن الإِمَام فَخر الدّين أَخذ كِتَابه الْمَحْصُول فِي الْفِقْه من كتاب الْمُعْتَمد لأبي الْحُسَيْن قلت وَقد سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية غير مرّة يَقُول أصُول فقه الْمُعْتَزلَة خير من أصُول فقه الأشاعرة وأصول دين الأشاعرة خير من أصُول دين الْمُعْتَزلَة
وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي ابو عبد الله الصيرمي وَدفن فِي)
مَقْبرَة الشونيزي
مُحَمَّد بن أبي عَليّ أَصله من مَدِينَة صليبة بِأَرْض الْفُرَات وَدخل إفريقية يافعاً وَبهَا تأدب وَهُوَ شَاعِر
قَالَ ابْن رَشِيق فِي حَقه لَا يمدح وَلَا يهجو ثِقَة وإكباراً وَأورد لَهُ قَوْله فِي الشمع بِأبي مسعدات ذِي الوجد فِي اللَّيْلَة يَأْبَى الصَّباح فِيهَا الطلوعا أشبهتني لونا وحرقة أحشاء وتسهيد مقلةٍ ودموعا ولحيني بقيت حَيا وأفنين فيا ليتنا فنينا جَمِيعًا وَقَوله
(لَا تخدعن عَن الْبيُوت وَأَهْلهَا ... فلهَا من الْحق الحري الأوجب)
(فَلَقَد رَأَيْت من الْبيُوت عجائباً ... والدهر يَأْتِي بالعجيب ويغرب)
(بيتٌ تسير بِهِ الركاب فيفتدى ... فَرحا يسر السامعين فيطرب)
(وَترى سواهُ بالحريق ملظياً ... يسم الْوُجُوه فنورها يتنهب)
(كقيامة قَامَت فَهَذَا محسنٌ ... يحيى وَهَذَا فِي الْجَحِيم يعذب)
ابْن كَاتب إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الْأَزْدِيّ الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب إِبْرَاهِيم
ذكره ابْن رَشِيق فِي الأنموذج وَأورد لَهُ
(إِنِّي إِذا خَان الْخَلِيل تركته ... وصرمت بالهجران حَبل وصاله)(4/93)
(لَو كَانَ فِي عز الْمعز وَملكه ... وجلاله ونواله وجماله)
هُوَ من قَول ابْن المعتز
(وَالله لَا كلمتها لَو أنّها ... كالبدر أَو كَالشَّمْسِ أَو كالمُكْتَفي)
وَمن شعر مُحَمَّد بن عَليّ ابْن كَاتب إِبْرَاهِيم
(هَل فِي هوى الغيد الحسان الملاح ... من الغواني من حرج أَو جنَاح)
مِنْهَا
(ترنو بأجفانٍ سكارى بِلَا ... سكرٍ من الغنج مراضٍ صِحَاح)
(احمر لما استضحكت خدها ... فلاح مَا بَين الشَّقِيق الأقاح)
تأرج السفح عبيرا وكافورا ومسكاً حِين زارت وفاح)
(صَاح ذَر اللوم فَإِنِّي امرؤٌ ... من سكرتي فِي حبها غير صَاح)
(بمهجتي أفدي الَّتِي صيرت ... جسمي للأسقام مِنْهَا مُبَاح)
(وَمن إِذا رمت سلواً دَعَا ... قلبِي ولبى حبها لَا براح)
القنبري مُحَمَّد بن عَليّ القنبري الهنمذاني من ولد قنبر مولى عَليّ بن أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ
مدح عبيد الله بن يحيى بن خاقَان أَيَّام المعتنمد وَقدم بَغْدَاد أَيَّام المكتفي وَكَانَ يتشيع قَالَ
(إِلَى الْوَزير عبيد الله مقصدها ... أَعنِي ابْن يحيى حَيَاة الدّين وَالْكَرم)
(إِذا رميت برحلي فِي ذراه فَلَا ... نلْت المنى مِنْهُ إِن لم تشرقي بِدَم)
(وَلَيْسَ ذَاك لجرمٍ مِنْك أعلمهُ ... وَلَا لجهلٍ بِمَا أسديت من نعم)
(لكنه فعل شماخٍ بناقته ... لَدَى عرابةً إِذا أدته للأطم)
ابْن المكور مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن صَالح ابو طَاهِر الْمُؤَدب الْمَعْرُوف بِابْن العلاف وبابن المكور صَاحب أبي الْخطاب الْجبلي الشَّاعِر
قَالَ ابْن النجار كَانَ أديباً مليح الشّعْر يسكن بقطيعة الرّبيع بالجانب الغربي حدث باليسير عَن أبي عَليّ الْحسن ابْن أَحْمد بن(4/94)
شَاذان وَغَيره وَسمع مِنْهُ ابو الْفضل أَحْمد ابْن الْحسن بن خيرون وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الحمديدي وروى عَنهُ أَبُو سعد مُحَمَّد بن عبد الْملك الْأَسدي وَأَبُو الْحُسَيْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار الصَّيْرَفِي وَأَبُو غَالب مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز زشجاع بن فَارس الذهلي وَأَبُو نصر هبة الله بن عَليّ بن المجلي وَأَبُو الْقَاسِم هبة الله بن عبد الله الوَاسِطِيّ
أورد لَهُ من شعره
(ستروا الْوُجُوه بأذرعٍ ومعاصم ... ورنوا بنجلٍ للقلوب كوالم)
(حسروا الأكمة عَن سواعد فضةٍ ... فَكَأَنَّمَا انتضيت متون صوارم)
(أغروا سِهَام عيونهم بقلوبنا ... فلنا حَدِيث وقائع وملاحم)
وَقَوله
(وسترت وَجههَا عَن النّظر ... بساعدٍ حلّ عقد مصطبري)
(كَأَنَّهُ والعيون ترمقه ... عَمُود صبحٍ فِي دازة الْقَمَر)
)
قلت شعر متوسط توفّي ابْن المكور سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
الْحَافِظ ابْن رَحِيم الصُّورِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن رَحِيم الْحَافِظ أَبُو عبد الله الصُّورِي أحد أَعْلَام الحَدِيث
سمع على كبر وعني بِالْحَدِيثِ أتم عناية إِلَى أَن صَار فِيهِ رَأْسا وَكَانَ يسْرد الصَّوْم
قَالَ الْخَطِيب كَانَ صَدُوقًا كتب عني وكتبت عَنهُ قَالَ السلَفِي كتب الصُّورِي البُخَارِيّ فِي سَبْعَة أطباق ورق بغدادي وَلم يكن لَهُ سوى عين وَاحِدَة وَعنهُ أَخذ الْخَطِيب علم الحَدِيث وَله شعر رائق
توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة سمع بِالْكُوفَةِ من أَكثر من أَربع مائَة شيخ وَكَانَ هُنَاكَ يظْهر السّنة ويترحم على الصَّحَابَة فثاروا عَلَيْهِ ليقتلوه فالتجأ إِلَى أبي طَالب ابْن عمر الْعلوِي فأجاره وَقَالَ لَهُ اقْرَأ عَليّ فَضَائِل الصَّحَابَة فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَتَابَ من سبهم وَقَالَ قد عِشْت أَرْبَعِينَ سنة فِي سبهم اترى أعيش مثلهَا حَتَّى أذكرهم بِخَير
وَكَانَ قد قسم أوقاته فِي نَيف وَثَلَاثِينَ فَنًّا وَكَانَت لَهُ أُخْت بصور خلف عِنْدهَا اثْنَي عشر عدلا من الْكتب فَأَعْطَاهَا الْخَطِيب شَيْئا وَأخذ بعض الْكتب وَكَانَ حسن المحاضرة وَمن شعره
(قل لمن عاند الحَدِيث وأضحى ... عائباً أَهله وَمن يَدعِيهِ)
(أبعلمٍ تَقول هَذَا أبن لي ... أم بجهلٍ فالجهل خلق السَّفِيه)
أتعيب الَّذين هم حفظوا الدّين من الترهات والتمويه
(وَإِلَى قَوْلهم وَمَا رددوه ... راجعٌ كل عَالم وفقيه)
وَمن شعره من أَبْيَات
(تولى الشَّبَاب بريعانه ... وَجَاء المشيب بأحزانه)
(وَإِن كَانَ مَا جَار فِي سيره ... وَلَا جَاءَ فِي غير إبانه)(4/95)
(وَلَكِن أَتَى موذناً بالرحيل ... فويلي من قرب إيذانه)
(وَلَوْلَا ذنوبٌ تحملتها ... لما راعني حَال إِتْيَانه)
(وَلَكِن ظَهْري ثقيلٌ بِمَا ... جناه شَبَابِي بطغيانه)
القَاضِي الْبَصْرِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن صَخْر ابو الْحسن القَاضِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ
كَانَ كَبِير الْقدر عالي الْإِسْنَاد بِمصْر والحجاز وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة)
الْخَبَّازِي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عبد الله الْخَبَّازِي الْمُقْرِئ
ولد بنيسابور سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَلَاث مائَة وصنف فِي القراآت كتاب الإبصار محتوياً على أصُول الرِّوَايَات وغرائبها وَكَانَ لَهُ صيت لتقدمه فِي علم القراآت
توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
الكراجكي الشيعي مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْفَتْح الكراجكي شيخ الشِّيعَة والكراجكي بكافين وجيم هُوَ الخيمي
مَاتَ بصور فِي شهر ربيع الأول سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَكَانَ من فحول الرافضة بارعاً فِي فقههم لَقِي الْكِبَار مثل المرتضى
لَهُ كتاب تلقين أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ والأغلاط فِيمَا يرويهِ الْجُمْهُور وموعظة الْعُقَلَاء للنَّفس والمنازل وَكتاب عدد مَا جَاءَ فِي الاثْنَي عشر وَكتاب الْمُؤمن
العشاري مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفَتْح أَبُو طَالب الْحَرْبِيّ العشاري بِالْعينِ الْمُهْملَة المضمومة والشين الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف رَاء
سمع الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن شاهين وَغَيرهمَا قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَالحا توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبع مائَة
الْمُطَرز النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن صَالح أَبُو عبد الله السّلمِيّ الدِّمَشْقِي الْمُطَرز النَّحْوِيّ صَاحب الْمُقدمَة
روى عَنهُ الْخَطِيب وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبع مائَة
أَبُو مُسلم النَّحْوِيّ المعتزلي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مهربزد أَبُو مُسلم الْأَصْبَهَانِيّ الأديب الْمُفَسّر النَّحْوِيّ المعتزلي
لَهُ تَفْسِير فِي عشْرين مجلداً توفّي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبع مائَة قَالَ ابْن مَنْدَه كَانَ عِنْده أَحَادِيث حَرْمَلَة(4/96)
مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن نزار ابو عبد الله التنوخي الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِابْن العظيمي
كَانَ لَهُ عناية بالتاريخ وتأليفه عدَّة تواليف قَالَ ياقوت لَكِنَّهَا غير محكمَة كَثِيرَة الْخَطَأ وَكَانَ معلم صبيان بحلب وسافر إِلَى دمشق وامتدح بهَا واجتدى بِشعرِهِ)
قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ سَأَلت ابْن العظيمي عَن وِلَادَته فَقَالَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة بحلب
وَمن شعره
(يلقى العدى بجنانٍ لَيْسَ يرعبه ... خوض الْحمام ومتنٍ لَيْسَ ينفصم)
(فالبيض تَبَسم والأوداج داميةٌ ... وَالْخَيْل ترقص والأبطال تلتطم)
(وَالنَّقْع غيم وَوَقع المرهفات بِهِ ... لمع البوارق والغيث الملث دم)
وَمِنْه
(أيا بانة الْوَادي الَّذِي بَان عرفه ... أَلا حبذا وادٍ وَأَنت قرين)
(هَوَاك قديم لَيْسَ يبْلى جديده ... إِذا مر حينٌ مِنْهُ أقبل حِين)
(وحبك حيٌ فِي دوارس أعظمي ... وسرك ميتٌُ فِي الْفُؤَاد دَفِين)
(ووجدي بكم عفٌ بِغَيْر خِيَانَة ... ومؤتمنٌ فِي الْحبّ كَيفَ يخون)
(حمتني أسود عَن حماك ضراغمٌ ... لَهَا من وشيج السمهري عرين)
قلت شعر جيد(4/97)
مُحَمَّد بن عَليّ الْكَاتِب يعرف بِابْن الصّباغ الصّقليّ ابو عبد الله
ذكره ابْن القطاع فَقَالَ حسن الترسل والمذاكره مليح التَّمْثِيل والمحاضرة وَله فِي ذَلِك تصانيف لنَفسِهِ ومقامات شيقة ونظمه رفيع الْبُنيان ثَابت الْأَركان مِنْهُ قَوْله
(وليلٍ قطعناه بأخت نَهَاره ... إِلَى أَن أماط الصُّبْح عَنهُ لثامه)
(إِذا مَا أردنَا أَن نشب لقاصدٍ ... ضراماً سكبناها فَقَامَتْ مقَامه)
(ليَالِي نوفي اللَّهْو مكنا نصِيبه ... ونعطي الصبى مهما أَرَادَ احتكامه)
وَمِنْه
(ذكراك مَا قد فَاتَ تَعْلِيل ... ابعد شيب الرَّأْس تضليل)
(تَشْكُو ملال الْبيض إِن امرءً ... قد زاحم الْخمسين مملول)
(واهاً لذِي الشيب لقد راقلت ... بِهِ إِلَى الْمَوْت مَرَاسِيل)
(يُرِيد أَن يبقة على حَاله ... هَيْهَات هاتيك أباطيل)
قلت شعر جيد)
ابْن حسول الهمذاني مُحَمَّد بن عَليّ بن حسول بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالسِّين الْمُهْملَة وَبعد الْوَاو لَام على وزن فروجأبو الْعَلَاء الْكَاتِب الهمذاني
صدر نبيل عَالم لَهُ النّظم والنثر سمع من الصاحب ابْن عباد وَمن أَحْمد بن فَارس صَاحب الْمُجْمل فِي اللُّغَة توفّي سنة خمسين وَأَرْبع مائَة أَو مَا دونهَا
من شعره فِي أَمْرَد علوي
(وأزهر من بني الزهراء يرنو ... غلي كَمَا رنا الظبي الكحيل)
(نهاني الدّين وَالْإِسْلَام عَنهُ ... فَلَيْسَ إِلَى مقبله سَبِيل)
(إِذا أرْسلت الحاظي إِلَيْهِ ... نهاني الله عَنهُ وَالرَّسُول)
ذكرت هُنَا قَول ابْن سناء الْملك
(رغِبت فِي الْجنَّة لما بدا ... أنموذجُ الْجنَّة فِي شكله)
(فصرت من حرصي على شبهه ... فِي البَعثِ لَا ألوي على وصلِه)
(فانظُر لما قد جرّه حُسنُه ... من توبةٍ تَقبحُ عَن مِثله)(4/98)
وَكنت قد نظمت فِي هَذَا الْمَعْنى
(أذكرتني الْولدَان عَيْني لما ... لَاحَ كالبدر حَالَة الْإِشْرَاق)
(قلت لي إِن أعف عَنهُ كثيرٌ ... مثله فِي الْجنان يَوْم التلاق)
(يَا لَهَا من محاسنٍ أَعرَضت بِي ... عَن نعيمٍ فانٍ لآخر بَاقٍ)
وَمن شعر ابْن حسول
(تقعد فَوقِي لأي معنى ... للفضل للهمة الرئيسه)
(إِن غلط الدَّهْر فِيك يَوْمًا ... فَلَيْسَ فِي الشَّرْط أَن تقيسه)
(كنت لنا مَسْجِدا وَلَكِن ... قد صرت من بعد ذَا كنيسه)
(كم فارسٍ أفضت اللَّيَالِي ... بِهِ إِلَى أَن غَدا فريسه)
(فَلَا تفاخر بِمَا تقضى ... كَانَ الخرا مرّة هريسه)
أنْشد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الأبيات يَوْمًا وَالشَّيْخ أثير الدّين ابو حَيَّان حَاضر وَقَالَ كَانَ الكذا مرّة هريسه مَا هُوَ الكذا هُنَا يَا أَبَا حيانفقال لَهُ مَا وصلت فِي الطاهرية إِلَى هَذَا الْحَد أما أعرف أَن الكذا هَهُنَا الخرا)
وَمن شعر ابْن حسول
(دخلت على الشَّيْخ مستأنساً ... بِهِ وَهُوَ فِي دسته الأرفع)
(وَقد دخل النَّاس مثل الْجَرَاد ... فَمن ساجدين وَمن ركع)
(فهش وَلَكِن لمردانه ... وَقَامَ وَلَكِن على أَربع)
(وَأرْسل فِي كمه مخطة ... بَدَت لي على صُورَة الضفدع)
(فهوعني مَا تأملته ... وزعزع روحي من أضلعي)
(وَأعْرض إِعْرَاض مستكبرٍ ... تصدر مثلي ومستبدع)
(فَأَقْبَلت أضرط من خيفة ... وأفسو على السَّيِّد الأروع)
(وَقمت فجددت فرض الْوضُوء ... وَكنت قعدت وطهري معي)
(ورام الخضوع الَّذِي رامه ... أبي مَعَ أَبِيه فَلم أخضع)
(وَكَيف أقبل كف ارمئٍ ... إِذا صنع الْخَيْر لم يصنع)
(فيقبضها عِنْد بذل اللهى ... ويبسطها فِي الجدا الرضع)
(وإنيوإن كنت مِمَّن يهون ... عَلَيْهِ تكبر مستوضع)
(ليعجبني نتف شيب السبال ... وصفع قمحدوة الأصلع)
(خرها وَلَو أَنه ابْن الْفُرَات ... وحزها وَلَو أَنه الْأَصْمَعِي)
حسول(4/99)
الثعالي أَبُو الْمَنْصُور وَأثْنى عَلَيْهِ فِي التَّتِمَّة لليتيمة ثَنَاء كثيرا فيطلب هُنَاكَ
وَمن شعر ابْن حسول يهجو بعض المتكبرين عَلَيْهِ
(دخلت على الشَّيْخ فِيمَن دخل ... فغربل عصعصه وَانْتَحَلَ)
وَأظْهر من نخوة الْكِبْرِيَاء مَا لم أقدر وَمَا لم أخل
(فَقلت لَهُ مؤثراً نصحه ... وَقد يقبل النصح مِمَّن بخل)
(إِذا كنت سيدنَا سدتنا ... وَإِن كنت للْحَال فَاذْهَبْ فَخَل)
(فَقَالَ اغتفر زلتي منعماً ... فَإِنِّي نغلٌ بزيتٍ وخل)
وَكم من وزيرٍ كير عراه عِنْد قَضَاء الْحُقُوق الْبُخْل
(أخل بِحَق دهاة الرِّجَال ... فَمَا زَالَ يصفع حَتَّى أخل)
وَقَالَ يداعب ابْن الحبان وَكَانَ يخضب)
سني كسن أديب الْعرَاق زين الظراف
(سِتّ وَسِتُّونَ عَاما ... مَا بَيْننَا من خلاف)
(لَكِن شيبي بادٍ ... وشيبه فِي غلاف)
الصُّورِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حباب أَبُو عبد الله الصُّورِي الشَّاعِر
كَانَ فصيحاً توفّي بطرابلس وَقد نَيف على السّبْعين وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
وَمن شعره
(صبٌ جفاه حَبِيبه ... فحلا لَهُ تعذيبه)
فَالنَّار تضرم فِي الجوانح والسقام يذيبه حَتَّى بكاه لما دهاه بعيده وقريبه
(وَتَآمَرُوا فِي طبه ... كَيْمَا يخف لهيبه)
(فَأتى الطَّبِيب وَمَا دروا ... أَن الطَّبِيب حَبِيبه)
مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حبيب ابو سعيد الخشاب النَّيْسَابُورِي الصفار
كَانَ مُحدثا مُفِيدا توفّي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبع مائَة
أَبُو بكر الْخياط الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن جَعْفَر أَبُو بكر الْخياط الْبَغْدَادِيّ الْمُقْرِئ
ولد سنة سبع وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان(4/100)
وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَدفن بمقبرة جَامع الْمَنْصُور كَانَ قد توَحد فِي زَمَانه بِعلم القراآت وَسمع الحَدِيث وَكَانَ فَاضلا ثِقَة
ابو عَليّ الْهَاشِمِي الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عَليّ الْهَاشِمِي ابْن عَم الشريف ابي جَعْفَر ابْن أبي مُوسَى الْحَنْبَلِيّ
سمع الْكثير وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَكَانَ سيداً ثِقَة
ابْن الحندقوقا مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو عبد الله ابْن الْمُهْتَدي الْهَاشِمِي وَيعرف بِابْن الحندقوقا
سمع الحَدِيث وَكَانَ يسكن بِبَاب الْبَصْرَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة وَدفن فِي دَاره وَكَانَ صَحِيح السماع ثِقَة
ابْن الدجاجي مُحَمَّد بن عَليّ بن عَليّ بن الْحسن ابو الْغَنَائِم ابْن الدجاجي الْبَغْدَادِيّ)
ولي مرّة حسبَة بَغْدَاد وَلم يحمد فعزل حدث عَن جمَاعَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
ابْن الغريق مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُبيد الله بن عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه الْخَطِيب ابو الْحُسَيْن الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بِابْن الغريق سيد بني الْعَبَّاس فِي زَمَانه وشيخهم سمع الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن شاهين وَهُوَ آخر من حدث عَنْهُمَا وَهُوَ مِمَّن شاع أمره بِالْعبَادَة وَله مشيخة فِي جزئين وَكَانَ ثِقَة نبيلاً ولي الْقَضَاء بِمَدِينَة الْمَنْصُور
قَالَ أَبُو بكر ابْن الخاضبة رَأَيْت كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت الْمَنَام الْمَذْكُور فِي تَرْجَمَة ابْن الخاضبة
توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة ورحل النَّاس إِلَيْهِ لعلو إِسْنَاده وَكَانَ قد أَصَابَهُ صمم وَذَهَبت إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَكَانَ هُوَ الَّذِي يقْرَأ بِنَفسِهِ
أَبُو يَاسر الحمامي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو يَاسر الحمامي الْبَغْدَادِيّ
قَرَأَ الْقُرْآن وَسمع الحَدِيث وَتُوفِّي فِي الْمحرم سنة تسع وَثَمَانِينَ وَدفن بِبَاب حَرْب وَكَانَ إِمَامًا ثِقَة رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ
(دحرجني الدهرُ إِلَى معشرٍ ... مَا فيهِم للخير مستمتعُ)
(إِن حدثوا لم يفقهوا لَفْظَة ... أَو حدثوا ضجوا فَلم يسمعوا)
الخروري الْخَوَارِزْمِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن أَبُو طَاهِر الخروري بخاء مُعْجمَة وَرَاء بعْدهَا وَاو سَاكِنة وَرَاء ثَانِيَة الْخَوَارِزْمِيّ
مدح فَخر الْملك ابا غَالب وَزِير بني بويه روى عَنهُ عَاصِم بن الْحسن الأديب قَوْله(4/101)
(هَذَا هِلَال الْفطر حَالي حَاله ... وَالنَّاس فِي ملهىً لَدَيْهِ وملعب)
(هُوَ فِي الْهَوَاء شَبيه جسمي فِي الْهوى ... وَلَهُم بِهِ كمسرة الواشين بِي)
وَقَوله
(كم ليلةٍ أحييتها فِي ضمه ... وَجعلت فِيهَا وَجهه نبراسي)
(تالله بت بمعزلٍ عَن شخصه ... حذرا عَلَيْهِ الذوب من أنفاسي)
(وجلوت بكرا فِي عقيق زجاجةٍ ... لم ترض مهْرا غير عقل الحاسي)
قلت شعر جيد
السمسماني النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ السمسماني ابو الْحُسَيْن النَّحْوِيّ
كَانَ أحد النُّحَاة الْمَشْهُورين بِمَعْرِِفَة الْأَدَب واللغة وَكَانَ يكْتب خطا صَحِيحا مليحاً كتب بِخَطِّهِ)
كثيرا من كتب الْأَدَب وخطه مَرْغُوب فِيهِ وروى شَيْئا من الْأَخْبَار والأشعار عَن أبي سعيد السيرافي وَأبي الْفَتْح المراغي وَأبي الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مقسم الْمُقْرِئ وروى عَنهُ أَبُو نصر عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ فِي فَوَائده
توفّي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مائَة
السمسماني الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ السمسماني أَبُو نصر صَاحب الْخط الْمليح كَانَ طبقَة البغداديين فِي حسن الْخط بعد ابْن البواب
توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
عملاق الشَّاعِر مُحَمَّد بن عَليّ التغلبي الْمَعْرُوف بعملاق سمي بذلك لطوله
قَالَ ابْن النجار ذكره شَيخنَا أَبُو سعد الْحسن بن مُحَمَّد بن حمدون وَقَالَ شَاعِر يَأْتِي بالقصائد الجيدة فَإِذا قَرَأَهَا هُوَ صحفها وَغير إعرابها فَيُقَال أَن عِنْده أشعاراً لغيره فَهُوَ ينتحلها
فَمن شعره مَا مدح بِهِ أَبَا طَالب ابْن النَّاقِد صَاحب المخزن
(دع الْحمام ساجعاً فِي بانه ... وَمَا انثنى ولان من قضبانه)
(وعدّ عَن ذكر الصريم والنقا ... والرمل والمنهال من كثبانه)
(وَالْخمر والساقي إِذا طَاف بهَا ... حَمْرَاء كالجذوة من بنانه)
(والق زعيم الدّين بالمدح الَّذِي ... يزِيد إحساناً على إحسانه)
(مولى أَقَامَ الْمجد فِي ربوعه ... وَسَار فِي النَّاس ندا بنانه)
قَاضِي الْقُضَاة الدَّامغَانِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسن بن عبد الْوَهَّاب بن حسنويه قَاضِي الْقُضَاة ابو عبد الله الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ شيخ زَمَانه
حصل الْعلم على الْفقر والقنوع(4/102)
وَآل بِهِ الْأَمر إِلَى أَن ولي قَضَاء الْقُضَاة للمقتدر بِاللَّه ولأبيه بعد أَن كَانَ يحرس فِي درب الرِّيَاح وانتشر ذكره وَكَانَ مثل القَاضِي أبي يُوسُف فِي أَيَّامه حشمة وسودداً وعقلاً ووجاهة
توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبع مائَة
تَاج الْقُضَاة ابْن الدَّامغَانِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن ممد بن حسن ابْن الدَّامغَانِي حفيد الْمَذْكُور ابو عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة أبي الْحسن ابْن قَاضِي الْقُضَاة أبي عبد الله كَانَ يلقب بتاج الْقُضَاة)
شهد عِنْد وَالِده سنة إِحْدَى وَخمْس مائَة واستنابه فِي الحكم بِبَغْدَاد وَغَيرهَا وَلما توفّي وَالِده رشح للْقَضَاء وَلم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك ثمَّ نفذ رَسُولا إِلَى الْملك خَان مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد ملك مَا وَرَاء النَّهر صُحْبَة الرَّسُول القادم من هُنَاكَ فأدركه أَجله فَمَاتَ هُنَاكَ سنة تسع عشرَة وَخمْس مائَة
أَبُو جَعْفَر اللارزي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن شهفيروز بن ماهيار اللارزي الطَّبَرِيّ أَبُو جَعْفَر الْفَقِيه الشَّافِعِي
سمع بطبرستان الْفَقِيه ابا المحاسن عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل الرَّوْيَانِيّ وبنيسابور ابا الْحسن عَليّ بن عبد الله بن أبي صَادِق الْحِيرِي وَأَبا بكر عبد الْغفار بن مُحَمَّد الشيروي وبمكة أَبَا نصر عبد الْملك بن أبي مُسلم بن أبي نصر النهاوندي قَاضِي مَكَّة وَغَيره وَدخل بَغْدَاد وَسكن النظامية وَسمع الْكثير من شُيُوخ الْوَقْت وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَحدث بِيَسِير وأدركه الْأَجَل وَكَانَ صَدُوقًا فَاضلا متديناً جميل الطَّرِيقَة ووقف كتبه بالنظامية
وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَخمْس مائَة روى عَنهُ يحيى بن أسعد بن بوش التَّاجِر وَغَيره
أَبُو بكر الشَّاشِي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد الإِمَام أَبُو بكر الشَّاشِي الْفَقِيه الشَّافِعِي صَاحب الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة
تفقه ببلاده على الإِمَام أبي بكر السنجي وَكَانَ من أنظر أهل زَمَانه ثمَّ ارتحل إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بغزنة وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
ابو سعد الدقاق مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن أبي عُثْمَان الدقاق ابو سعد بن أبي الْقَاسِم
سمع الْكثير من أبي عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن مهْدي الْفَارِسِي وَأبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن شَاذان وَأبي بكرٍ أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب البرقاني وَأبي مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال وَغَيرهم وَكتب بِخَطِّهِ وَطلب بِنَفسِهِ وَكَانَ يكْتب خطا حسنا حدث باليسير سمع مِنْهُ أَبُو البركات ابْن السَّقطِي وَكتب عَنهُ الْخَطِيب وَأَبُو عبد الله الْحميدِي شَيْئا من الأناشيد
توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة بِبَغْدَاد(4/103)
أَبُو تَمام ابْن الدقاق مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن أبي عُثْمَان الدقاق ابو تَمام أَخُو أبي)
سعد الْمُقدم ذكره
حدث عَن أبي عمر ابْن مهْدي وَأبي الْحسن ابْن رزقزيه سمع مِنْهُ وَلَده أَبُو عبد الله أَحْمد وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصرٍ الْحميدِي توفّي سنة سبعين وَأَرْبع مائَة
أَبُو الْغَنَائِم ابْن الدقاق مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن أبي عُثْمَان الدقاق أَبُو الْغَنَائِم أَخُو أبي سعد وَأبي تَمام الْمُقدم ذكرهمَا كَانَ أَصْغَر الْأُخوة
تولى نظر البيمارستان الْعَتِيق بِبَاب المحول سمع الْكثير من أبي مُحَمَّد عبد اللله بن عبيد الله بن يحيى البيع وَأبي عمر عبد الْوَاحِد وَأبي الْحُسَيْن عَليّ بن بَشرَان وَأبي الْحسن مُحَمَّد بن رزقويه وَأبي بكر عبد القاهر بن مُحَمَّد بن عنترة الْموصِلِي وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو غَالب أَحْمد بن الْحسن ابْن الْبناء وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل ابْن السَّمرقَنْدِي وَعبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَغَيرهم
توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُمَيْر الزَّاهِد أَبُو عبد الله العميري الْهَرَوِيّ الرجل الصَّالح
سمع من أَبِيه وَمن جمَاعَة وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة
ابْن ودعان مُحَمَّد بن عَليّ بن عبيد الله بن ودعان القَاضِي أَبُو نصر الْموصِلِي قَاضِي الْموصل
قدم بَغْدَاد سنة ثَلَاث وَتِسْعين قبل مَوته وروى الْأَرْبَعين الودعانية الْمَوْضُوعَة الَّتِي سَرَقهَا عَمه أَبُو الْفَتْح ابْن ودعان من الْكذَّاب زيد بن رِفَاعَة سَمعهَا مِنْهُ هبة الله الشِّيرَازِيّ وَعمر الرواسِي كَانَ زيد كذابا ألف بَين كَلِمَات قَالَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين كَلِمَات من كَلَام لُقْمَان والحكماء وَطول الْأَحَادِيث
توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
ابْن أبي البط مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن أَبُو تغلب الْمَعْرُوف بِابْن أبي البط من أهل البردان
كَانَ ينظم روى عَنهُ أَبُو عَليّ البرداني وَعلي بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْفَقِيه
من شعره
(وَلَيْسَ غَرِيب النَّاس من كَانَ نَائِيا ... عَن الدَّار والأوطان وَالْمَال والأهل)
(وَلَكِن غَرِيب النَّاس من كَانَ صَحبه ... من الْحَيّ أهل الزيغ وَالشَّر وَالْجهل)
)
(يجل الْفَتى فِي النَّاس إِذْ كَانَ قرنه ... مَتى عَاشَ أهل الْعلم وَالدّين وَالْفضل)
(يعز عَليّ أَن أرى فِي مواطنٍ ... سوى الْعلم والتذكار يَا صَاح من شغل)
(وَلَكِن ضرورات الْأُمُور تلزني ... إِلَى الْكَوْن فِي حالٍس يعِيش بهَا مثلي)
(إِذا كَانَت الْآثَار وَالسَّعْي والخطا ... مقدرَة فاصبر وكف عَن العذل)
قلت هُوَ شعر منحط(4/104)
ابْن أبي الصَّقْر الوَاسِطِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن أبي صقر أَبُو الْحسن الوَاسِطِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْكَاتِب أحد الشُّعَرَاء لَهُ ديوَان فِي مُجَلد
حدث عَن عبيد الله بن الْقطَّان توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَق وَكَانَ شَدِيد التعصب للشَّافِعِيَّة وَله فِي ذَلِك القصائد الْمَعْرُوفَة بالشافعية وَله فِي الشَّيْخ أبي إِسْحَق مراث وَكَانَ كَامِلا فِي البلاغة وجودة الْخط
أورد لَهُ الخطيري فِي زِينَة الدَّهْر
(كل رزقٍ ترجوه من مَخْلُوق ... يَعْتَرِيه ضربٌ من التعويق)
وَأَنا قَائِل وَأَسْتَغْفِر الله مقَال الْمجَاز لَا التَّحْقِيق
(لست أرْضى من فعل إِبْلِيس شَيْئا ... غير ترك السُّجُود للمخلوق)
وَلما أسن وَضعف قَالَ
(كل أَمْرِي إِذا تفكرت فِيهِ ... وتأملته رَأَيْت ظريفا)
(كنت أَمْشِي على اثْنَتَيْنِ قَوِيا ... صرت أَمْشِي على ثَلَاث ضَعِيفا)
أحسن من هَذَا قَول ابْن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى
(قد صرت بعد قوةٍ ... تفض اصلاد الْحَصَى)
(أَمْشِي على ثلاثةٍ ... أصح مَا فِيهَا الْعَصَا)
وَقَالَ ابْن أبي الصَّقْر
(علةٌ سميت ثَمَانِينَ عَاما ... منعتني للأصدقاء القياما)
(فَإِذا عمروا تمهد عُذْري ... عِنْدهم بِالَّذِي ذكرت وقاما)
وَقَالَ أَيْضا
(وَالله لَوْلَا بولةٌ ... تحرقني عِنْد السحر)
)
(لما ذكرت أَن لي ... مَا بَين فَخذي ذكر)
وَله عدَّة مقاطيع فِي شيخوخته وَكبره وَضَعفه
أَبُو الْغَنَائِم الْمُحدث ابْن النَّرْسِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون أَبُو الْغَنَائِم ابْن النَّرْسِي الْكُوفِي مُحدث مَشْهُور يعرف بأبيّ لِأَنَّهُ كَانَ جيد الْقِرَاءَة
ولد سنة أَربع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة فِي شَوَّال وَسمع الْكثير وسافر إِلَى الشَّام والساحل وَختم بِهِ علم الحَدِيث بِالْكُوفَةِ
وَكَانَ يَقُول توفّي بِالْكُوفَةِ ثَلَاث مائَة وَثَلَاثَة عشر من الصَّحَابَة لَا يعرف قبر أحد مِنْهُم غير قبر عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام
وَقَالَ مُحَمَّد بن نَاصِر مَا رَأَيْت مثل أبي الْغَنَائِم ابْن النَّرْسِي فِي ثقته وَحفظه مَا كَانَ أحد يقدر أَن(4/105)
يدْخل فِي حَدِيثه مَا لَيْسَ مِنْهُ
وَكَانَ من قيام اللَّيْل مرض بِبَغْدَاد وَانْحَدَرَ إِلَى الْكُوفَة فَمَاتَ بحلة ابْن مزِيد سادس عشر شعْبَان سنة عشر وَخمْس مائَة وَحمل إِلَى الْكُوفَة وَدفن بهَا
قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز مَا كَانَ فِي الْكُوفَة من أهل السّنة والْحَدِيث سواهُ وَكَانَ فَاضلا ثِقَة عَاشَ سِتا وَثَمَانِينَ سنة ممتعاً بجوارحه وَقد أثنى عَلَيْهِ ابْن النجار ثَنَاء كثيرا
أَبُو الْغمر الإسناوي مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْغمر الْهَاشِمِي الإسناوي
قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب كَانَ أشعر أهل زَمَانه وَأفضل أقرانه وَأورد مَا أنْشدهُ بعض المصريين
(لحاظكم تجرحنا فِي الحشا ... ولحظنا يجرحكم فِي الخدود)
(جرحٌ بجرحٍ فاحسبوا ذَا بذا ... فَمَا الَّذِي أوجب جرح الصدود)
وَقَوله
(يَا أهل قوص غزالكم ... قد صَاد قلبِي واقتنص)
(نَص الحَدِيث فشفني ... يَا وَيْح قلبِي وَقت نَص)
وَله
(أيا لَيْلَة زار فِيهَا الحبيب ... وَلم يَك ذَا موعدٍ ينْتَظر)
(وخاض إِلَيّ سَواد الدجا ... فيا لَيْت كَانَ سَواد الْبَصَر)
(فطابت وَلَكِن ذممنا بهَا ... على طيب رياه نشر السحر)
)
(وبتنا من الْوَصْل فِي حلةٍ ... مطرزةٍ بالتقى والخفر)
(وعقلي بهَا نهب سكر المدام ... وسكر الرضاب وسكر الْحور)
(وَقد أخجل الْبَدْر بدر الجبين ... وتاه على اللَّيْل ليل الشّعْر)
(وأعدى نحولي جسم الْهوى ... وأعداه مني نسيمٌ عطر)
(فمني مُعْتَبر العاشقين ... وَمن حسن مَعْنَاهُ إِحْدَى العبر)
مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَليّ بن هندي
ذكره الرشيد بن الزبير فِي كتاب الْجنان وَقَالَ هُوَ خَاتم أدباء الْعَصْر بِهَذَا الْعَصْر وَقَالَ مِمَّا أَنْشدني لنَفسِهِ
(لثمت بفي التفكر وجنتيه ... فسالت وجنتاه دَمًا عبيطاً)
(وصافحني خيال مِنْهُ وَهنا ... فخطت فِي يَدي مِنْهُ خُطُوطًا)
قلت كَذَا وجدته وَهُوَ مقلوب الْمَعْنى لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي لطف بشرة العاشق وَالظَّاهِر أَنه قَالَ فَخط بكفه مني خُطُوطًا
وَأورد لَهُ أَيْضا
(هَمَمْت أَن أفكر فِي حسنه ... فخرّ مغشياًص لفرط الْأَلَم)
(وأشر الْوَهم إِلَى خَدّه ... فانصبغ الخدان مِنْهُ بِدَم)
وَأورد لَهُ(4/106)
توسد الْورْد وَقد مَال بالأجفان من عَيْنَيْهِ إغفاء
(فَأشبه الْبَدْر إِلَى جنبه ... سحابةٌ فِي الجو حمارء)
أَبُو سعد الْكَاتِب ابْن المعوج مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن المعوج ابو سعد الْكَاتِب أَخُو أبي طَالب مُحَمَّد بن عَليّ وَهُوَ الأسن
ولي النّظر بديوان الزِّمَام بعد وَفَاة أَبِيه إِلَى أَن عزل سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة سمع الحَدِيث من الشريف أبي نصرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن المُسلِمة وَأبي مُحَمَّد عبد الله الصريفيني وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن البسري وَكَانَ أديباً فَاضلا روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه
توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس مائَة أورد بِهِ ابْن النجار قَوْله)
(عهدي بهم وَالدَّار غير غربَة ... وَلَا نأى الْحَيّ بهم وَلَا رَحل)
(مثل جواري الْعين أَو مثل الدمى ... قد ضمنت أشخاصهم تِلْكَ الكلل)
(من كل بَيْضَاء رداحٍ طفلة ... كالبدر حسنا والغزال فِي الْكحل)
(ولي بأسماء الَّتِي تيمني ... حبي بهَا شغلٌق عَن الغيد الأول)
(من فضحت شمس الضُّحَى بوجهها ... والبدر فِي إشراقه عِنْد الطِّفْل)
أَبُو طَالب ابْن المعوج مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو طَالب ابْن المعوج أَخُو أبي سعد الْمُقدم ذكره
سمع من أَشْيَاخ أَخِيه توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
ابْن خلف الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ بن خلف أَبُو سعد الهمذاني الْكَاتِب
كَانَ كَاتبا لسناً ذَا براعة وعارضة قلت كَذَا ذكره ياقوت فِي مُعْجم الأدلباء وَسَاقه فِي المحمدين وَالصَّحِيح أَنه عَليّ بن مُحَمَّد بن خلف بن عَليّ كَمَا ذكره ابْن النجار فِي ذيل تَارِيخ بَغْدَاد وَغَيره وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب عَليّ بن مُحَمَّد فِي حرف الْعين
ابْن الْعَلامَة ابْن القطاع مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر أَبُو عَليّ ابْن القطاع السَّعْدِيّ الصّقليّ
كَانَت لَهُ حَلقَة فِي جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر لإقراء اللُّغَة وَكَانَ دمث الْأَخْلَاق مالكي الْمَذْهَب مائلاً إِلَى الحَدِيث وَهُوَ ولد الْعَلامَة ابْن القطاع
توفّي سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مائَة
ابْن هُبَيْرَة النَّسَفِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى بن هُبَيْرَة أَبُو الرِّضَا النَّسَفِيّ الْبَغْدَادِيّ
كَانَ حَافِظًا صَالحا لَهُ معرفَة تَامَّة بالتفسير والنحو وَالْأَدب توفّي سنة سبع عشرَة وَخمْس مائَة
ابْن البقراني مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن ابْن أبي الْقَاسِم الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن البقراني
قَالَ ابْن النجار من أَوْلَاد الرؤساء وَالْكتاب تولى الْكِتَابَة بأوانا(4/107)
ومعاملاتها ثمَّ لزم بَيته وَكَانَ أديباً فَاضلا ظريفاً لطيفاً حسن الْأَخْلَاق متواضعاًص طيب المجالسة فكهاً سمع الحَدِيث الْكثير فِي صباه وَحصل أَكثر مسموعاته وكتبها بِخَطِّهِ وَكتب كثيرا من دواوين الْمُحدثين وَكتب الْأَدَب والمجاميع وَلم يزل يكْتب إِلَى أَن مَاتَ وَجمع مجموعاً فِي فنون الْأَخْبَار والحكايات والأشعار سرداً بِغَيْر تَرْتِيب كتبه بِخَطِّهِ فِي عشْرين مجلداًً وصنف كتابا فِي صفة الغلمان)
فَأحْسن فِي تأليفه على شكل كتاب الثعالبي
كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي يَوْم السبت الثَّالِث من صفر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَخمْس مائَة
وَتُوفِّي لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَدفن من الْغَد بالشونيزية
ابْن البُخَارِيّ النسابة مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن أَبُو نصر النسابة الْمَعْرُوف بِابْن البُخَارِيّ
قَالَ ابْن النجار قَالَ القَاضِي أَبُو عَليّ المحسن بن عَليّ التنوخي فِي كتاب نشوار المحاضرة أَبُو نصر ابْن البُخَارِيّ النسابة هَذَا كهل من النسابات البغداديين يعرف بِابْن البُخَارِيّ نسابة الطالبيين وَإِلَيْهِ مرجع نقباء الطالبيين فِي معرفَة أنسابهم وصحتها وَنفى الأدعياء عَن هَذَا النّسَب وَهُوَ عَارِف بأنسابهم جدا مبرز فِي هَذَا الْعلم
قَالَ ابْن النجار مَاتَ سلخ الْمحرم سنة سبع وَخمسين وَثَلَاث مائَة
أَبُو يَاسر ابْن سعدون مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن سعدون الْموصِلِي أَبُو يَاسر من أَوْلَاد الْمُحدثين الْموصِلِي أصلا
سمع الشريفين أَبَا الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَأَبا الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن عَليّ بن الْمَأْمُون وَأَبا جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَأَبا الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الدجاجي وَأَبا الْحُسَيْن ابْن النقور وَأَبا مُحَمَّد عبد الله الصريفيني وَغَيرهم وروى عَنهُ ابو المعمر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو بكر الْمُبَارك بن كَامِل الْخفاف وَأَخُوهُ ذَاكر وَكَانَ شَيخا صَالحا
قَالَ ابْن النجار أَنا ذَاكر الْخفاف أَنا أَبُو يَاسر مُحَمَّد بن سعدون وَهُوَ متبسم وَأَنا عمر بن مُحَمَّد الْمُؤَدب وَهُوَ متبسم ثَنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز وَهُوَ متبسم قَالَا أَنا أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن الدجاجي وَهُوَ متبسم ثَنَا مهْدي بن أَحْمد الرَّمْلِيّ وَهُوَ متبسم ثَنَا أَسد بن مُوسَى وَهُوَ متبسم ثَنَا سعيد بن زَرْبِي وَهُوَ متبسم ثَنَا ثَابت الْبنانِيّ وَهُوَ متبسم ثَنَا أنس بن مَالك وَهُوَ متبسم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ متبسم حَدثنِي جِبْرِيل وَهُوَ متبسم أَن آخر من يدْخل الْجنَّة رجل يُقَال لَهُ مر على الصِّرَاط فَيتَعَلَّق بِهِ توفّي أَبُو يَاسر سنة تسع عشرَة وَخمْس مائَة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
ابْن المراق الْحلْوانِي الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان المراق الْحلْوانِي أَبُو الْفَتْح)
الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ
تفقه على القَاضِي أبي يعلى ابْن الْفراء مديدة ثمَّ صحب بعد(4/108)
وَفَاته صَاحِبيهِ الشريف أَبَا جَعْفَر ابْن أبي مُوسَى وَالْقَاضِي يَعْقُوب البرزبيني ودرس عَلَيْهِمَا الْفُرُوع وَالْأُصُول ودرس وَأفْتى وناظر ورتب إِمَامًا بِمَسْجِد شَافِع الجيلي إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ متعبداً دينا سمع الحَدِيث من الشريفين أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ بن المُهتدي بِاللَّه وَأبي الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن عَليّ بن الْمَأْمُون وَالْقَاضِي أبي يعلى ابْن الْفراء وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْمسلمَة وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الصريفيني وَأبي الْقَاسِم يُوسُف بن مُحَمَّد المهرواني وَغَيرهم وصنف فِي الْمَذْهَب كتبا مِنْهَا مُخْتَصر الْعِبَادَات روى عَنهُ السلَفِي فِي مشيخته توفّي سنة خمس مائَة
ابو بكر الْقصار الْمُؤَدب مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الدينَوَرِي الْقصار أَبُو بكر الْمُؤَدب سكن درب الدَّوَابّ بِبَغْدَاد
قَالَ ابْن النجار لَهُ أشعار فِي الزّهْد والغزل وَلم يكن يعرف النَّحْو وَلَا اللُّغَة روى عَنهُ عمر بن ظفر المغازلي وَالْمبَارك بن الْمُبَارك السراج وَغَيرهمَا
أورد لَهُ ابْن النجار كثيرا من ذَلِك
(يَا غافلاً يتمادى ... غَدا عَلَيْك يُنَادى)
(هَذَا الَّذِي لم يقدم ... قبل الترحل زادا)
(هَذَا الَّذِي وعظوه ... وخوفوه المعادا)
فَلم يكن لتماديه طَائِعا منقادا وَقَالَ
(ومشمر الأذيال فِي ممزوجةٍ ... متتوج تاجاً من العقيان)
(بالجاشرية ظلّ يَهْتِف سحرةً ... ويصيح من طربٍ إِلَى الندمان)
(يَا طيب لَذَّة هَذِه دنياكم ... لَو أَنَّهَا أبقت على الْإِنْسَان)
(هبوا إِلَى شرب الْخُمُور فَإِنَّمَا ... لصبوحكم لَا للصَّلَاة أذاني)
(طلعت كؤوس الراح من أَيْديهم ... مثل النُّجُوم وغبن فِي الْأَبدَان)
قلت شعر جيد وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَخمْس مائَة
أَبُو سعد الْكَاتِب الْكرْمَانِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْمطلب الْكرْمَانِي أَبُو سعد الْكَاتِب وَالِد)
الْوَزير أبي الْمَعَالِي هبة الله
كَانَ وَالِده من كرمان وَولد هُوَ بِبَغْدَاد وَقَرَأَ طرفا صَالحا من الْأَدَب وأخبار الْأَوَائِل وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن ابْن بَشرَان وَأبي عَليّ الْحسن بن شَاذان وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو البركات ابْن السَّقطِي وَيحيى بن الْحسن بن أَحْمد بن الْبناء وَسمع مِنْهُ أَبُو عبد الله الْحميدِي وَأَبُو غَالب الذهلي وَكَانَ كَاتبا شَدِيدا مليح الشّعْر إِلَّا أَنه كَانَ ثلبه(4/109)
كثير الهجاء دَقِيق الْفِكر فِيهِ
قَالَ ابْن النجار شبه هجوه بهجو ابْن الرُّومِي وجحظة
وَمن شعره
(عزلت وَمَا خُنْت فِيمَا وليت ... وغيري يخون فَلَا يعْزل)
(فَهَذَا يدل على أَن من ... يولي ويعزل لَا يعقل)
وَكتب إِلَى الْوَزير أبي نصر ابْن جهير
(هبني كَمَا زعم الواشون لَا زَعَمُوا ... أَخْطَأت حاشاي أَو زلت بِي الْقدَم)
(وهبك ضَاقَ عَلَيْك الْعذر من حرجٍ ... لم أجنه أيضيق الْعَفو وَالْكَرم)
(مَا أنصفتني فِي حكم الْهوى أذنٌ ... تصغي لواشٍ وَعَن عُذْري بهَا صمم)
وَمن شعره
(يَا حسرتا مَاتَ حظي من قُلُوبكُمْ ... وللحظوظ كَمَا للنَّاس آجال)
(تصرم الْعُمر لم أحظى بقربكم ... كم تَحت هذي الْقُبُور الخرس آمال)
الْمَازرِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد ابو عبد الله التَّمِيمِي الْمَازرِيّ الزَّاي الْمَفْتُوحَة قبل الراءالفقيه الْمَالِكِي الْمُحدث أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام
مُصَنف شرح مُسلم وَهُوَ الْمعلم بفوائد كتاب مُسلم وَله كتاب إِيضَاح الْمَحْصُول فِي الْأُصُول وَله فِي الْأَدَب كتب مُتعَدِّدَة وَكَانَ فَاضلا متقناً
أَخْبرنِي من أنسيته عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه كَانَ يَقُول مَا رَأَيْت أعجب من هذايعني المارزيلأي شَيْء مَا ادّعى الِاجْتِهَاد وعَلى الْمعلم بنى القَاضِي عِيَاض كتاب الْإِكْمَال روى عَنهُ القَاضِي عِيَاض وَأَبُو جَعْفَر ابْن يحيى الْقُرْطُبِيّ وَشرح المارزي التَّلْقِين لعبد الْوَهَّاب فِي عشر مجلدات
ومازر قد تكسر زايها وَهِي بليدَة بِجَزِيرَة صقلية توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة)
ابْن زبرج النَّحْوِيّ العتابي مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن زبرج العتابي أَبُو مَنْصُور ابْن أبي الْبَقَاء النَّحْوِيّ من أهل العتابيين بالجانب الغربي من بَغْدَاد وَسكن الْجَانِب الشَّرْقِي
قَالَ ابْن النجار كَانَ إِمَامًا فِي النَّحْو متصدراً لإقراء النَّاس وَيكْتب خطا مليحاً صَحِيحا قَرَأَ النَّحْو على ابْن الشجري واللغة على أبي مَنْصُور ابْن الجواليقي وَسمع الحَدِيث من جده لأمه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن قُرَيْش وَأبي الْقَاسِم هبة الله ابْن مُحَمَّد بن الْحصين وَأبي الْحسن(4/110)
عَليّ بن عبد الْوَاحِد الدينَوَرِي وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم وَحدث باليسير سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عليّ بن الْخضر الْقرشِي وَأَبُو المفاخر مُحَمَّد بن مَحْفُوظ الجرباذقاني وَعبد الرَّحْمَن بن يعِيش بن سَعْدَان القواريري
وَكَانَ بَينه وَبَين أبي مُحَمَّد ابْن الخشاب منافرات ومناقرات كَانَ يَقُول ابْن الخشاب النَّاس يتعجبون إِذا رَأَوْا حمارا عتابياً فَكيف لَا أتعجب إِذا رَأَيْت عتابياً حمارا وَيَقُول عِنْدِي ثَلَاث نسخ بالإيضاح والتكملة لَا تطيب نَفسِي أَن أفرط فِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَاحِدَة بخطي وَأُخْرَى بِخَط شَيْخي ابْن الجواليقي وَأُخْرَى بِخَط العتابي كلما نظرت فِيهَا ضحِكت عَلَيْهِ
وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مائَة
الشريف أَبُو جَعْفَر النَّيْسَابُورِي مُحَمَّد بن عَليّ بن هرون الشريف أَبُو جَعْفَر الموسوي النَّيْسَابُورِي
كَانَ من غلاة الشِّيعَة ثمَّ تحول شافعياً وترضى عَن الصَّحَابَة وتأسف على مَا مضى مِنْهُ وَسمع الْكثير وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
أَبُو البركات الصَّائِغ الْعِرَاقِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن يعلى الصَّائِغ الْعِرَاقِيّ
قَالَ عبد السَّلَام بن يُوسُف بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي فِي أنموذج الْأَعْيَان كنت اجْتمع بِهِ وينشدني أَشْيَاء من نظمه وَعرض عَليّ مقامات عَملهَا سلك فِيهَا أسلوب أبي مُحَمَّد الْقَاسِم الحريري وأنشدني من نظمه فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
(مَتى مَا تصفحت الزَّمَان وَأَهله ... فرقت وكلٌ بالفراق خليق)
(وَيلْحق بالمعدوم مِنْهُم ثلاثةٌ ... كريمٌ وحرٌ صَادِق وصدوق)
قَالَ ابْن النجار وَفَاته سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة
ابْن الْوَزير السميري مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الله السميري أَبُو المحاسن ابْن)
الْوَزير أبي طَالب الْأَصْبَهَانِيّ كَانَ يعرف بالعضد
قدم مَعَ وَالِده فِي صباه إِلَى بَغْدَاد وَسمع الحَدِيث من أبي البركات هبة الله ابْن البُخَارِيّ وَأبي الْقَاسِم هبة الله بن الْحصين وَأبي بكر ابْن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز كَانَ وَالِده وَزِير السُّلْطَان مَحْمُود فَقتله الْمَلَاحِدَة سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مائَة ومدح أَبُو المحاسن الْمَذْكُور المقتفي وَابْنه المستنجد وخدم فِي الدِّيوَان فِي زمانهما وَعَاد إِلَى أَصْبَهَان وخدم السُّلْطَان دَاوُد وَتَوَلَّى الطغراء لَهُ ثمَّ تزهد وَكتب مليحاً
توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة بأصبهان
من شعره
(يَا نسيم الصِّبَا تحمل إِلَيْهَا ... قصَّة من أخي جوىً وسهاد)
(ناظري كاتبي وهدبي يُرَاعِي ... وجنتي كاغذي ودمعي مدادي)
ابْن حميدة شَارِح المقامات مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ الْحلِيّ(4/111)
يعرف بِابْن حميدة
نحوي بارع حاذق فِي الْفَنّ بَصِير بِهِ عَارِف باللغة لَهُ شعر شرح أَبْيَات الْجمل وَشرح اللمع وَكتاب التصريف لِابْنِ جنيّ وَشرح المقامات
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين هُوَ شَاب فِيمَا أَظن توفّي سنة خمسين وَخمْس مائَة
قَالَ ابْن النجار لَهُ كتاب فِي الْفرق بَين الضَّاد والظاء وَكتاب الأدوات أورد لَهُ ابْن النجار فِي تَارِيخه قَول ابْن حميدة الحليّ
(سَلام على تِلْكَ المعالم والربا ... وَأهلا بأرباب القباب ومرحبا)
(وسقياً لربات الحجال ضارجٍ ... ورعياً لأرباب الخدود بيثربا)
(أحنّ لذياك الجناب وَإِن غَدا ... ربيبته عَن روضتي مجنبا)
(وأصبو لربع العامرية كلما ... تذكرت من جرعائها لي ملعبا)
(فَلَا همّ إِلَّا دون همي غدوه ... إِذا جرت النكباء أَو هبت الصِّبَا)
قلت هُوَ شعر متوسط وَقَالَ ياقوت لَهُ كتاب الرَّوْضَة فِيهَا مسَائِل نَحْو منثورة
أَبُو نصر الْفَقِيه ابْن نظام الْملك مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَق الطوسي أَبُو نصر ابْن أبي الْحسن ابْن الْوَزير نظام الْملك أبي عَليّ من الْبَيْت الْمَشْهُور بالوزارة)
درس الْفِقْه على أسعد الميهني وعَلى غَيره وبرع وَتَوَلَّى مدرسة وَالِده ثمَّ عزل ثمَّ أُعِيد إِلَيْهَا وفوض إِلَيْهِ نظر أوقافها وَكَانَت لَهُ الْحُرْمَة التَّامَّة والتاه العريض والقرب من الدِّيوَان إِلَى أَن عزل واعتقل بالديوان مديدة ثمَّ حج وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَتوجه إِلَى دمشق وَولي تدريس الزاوية الغربية من الْجَامِع وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
وَسمع من أبي الْمَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْملك بن خيرون وَأبي الْوَقْت عبد الأول السجْزِي وَأبي زرْعَة قَالَ ابْن النجار وَمَا أَظُنهُ روى لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا
الأبري الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر الأبري الْفَقِيه الْحَنَفِيّ
كَانَ حسن الْمعرفَة بِالْمذهبِ وَالْخلاف والأصولين وَيعرف الْكَلَام على مَذْهَب الاعتزال واستنابه قَاضِي الْقُضَاة عبد الرَّحْمَن بن مقبل فِي عُقُود الْأَنْكِحَة وَالطَّلَاق والديون وَكَانَ كيساً متودداً طيب الْأَخْلَاق
قَالَ ابْن النجار مَا علمت لَهُ رِوَايَة توفّي سنة تسع وَعشْرين وست مائَة
الجاواني الحلوي شَارِح المقامات مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن أَحْمد ابْن حمدَان أَبُو سعيد وَأَبُو عبد الله الجاواني الحلوي الْعِرَاقِيّ
قدم بَغْدَاد صَبيا وتفقه بهَا على الْغَزالِيّ والكيا وبرع وتميز وَقَرَأَ المقامات على الحريري وَكَانَ إِمَامًا مناظراً وَشرح المقامات وَله كتاب(4/112)
عُيُون الشّعْر وَالْفرق بَين الرَّاء والغين ولهنظم
وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة أورد لَهُ ابْن النجار
(دَعَاني من ملامكما دَعَاني ... فداعي الْحبّ للبلوى دَعَاني)
(أجَاب لَهُ الْفُؤَاد ونوم عَيْني ... وسارا فِي الرفاق وودعاني)
وَأورد لَهُ الْعِمَاد الْكَاتِب أفديك بِالْعينِ الصَّحِيحَة فالمريضة لَا تَسَاوِي أَنِّي أقيكم بالمحاسن لَا أقيكم بالمساوي ابْن الأقساسي مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة قطب الدّين ابو يعلى الْمَعْرُوف بِابْن الأقساسي
ولد بِالْكُوفَةِ سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وتوفّي سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة كَانَ نقيب العلويين بِالْكُوفَةِ قدم بِبَغْدَاد وَسمع الحَدِيث وَلما مَاتَ دفن فِي الشونيزية
من شعره)
(ربّ قومٍ فِي خلائقهم ... غررٌ قد صيروا غررا)
(ستر الإثراء عيبهم ... سترى إِن زَالَ مَا سترا)
وَمِنْه أَيْضا
(وَكنت إِذا خَاصَمت خصما كببته ... على الْوَجْه حَتَّى خاصمتني الدَّرَاهِم)
(فَلَمَّا تنازعنا الْخِصَام تحكمت ... عَليّ وَقَالَت قُم فَإنَّك ظَالِم)
ابْن الْبراق المغربي مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم الْهَمدَانِي بِالْمِيم الساكنة وَالدَّال الْمُهْملَة الْمَعْرُوف بِابْن الْبراق من أهل وَادي آش
سكن مرسية وبلنسية وَكتب بهَا الحَدِيث وَسمع من شيوخها ثمَّ انْصَرف إِلَى بَلَده وَتُوفِّي هُنَاكَ سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
أورد لَهُ ابْن الْأَبَّار فِي التُّحْفَة
(للفجر من خلل السَّحَاب تشوف ... وعَلى المذاكي عزةٌ وتشرف)
(فَكَأَن موشيّ الدرانك سندسٌ ... وَكَأن منضود الأرائك رَفْرَف)
(ولربما سجعت هُنَاكَ حمائمٌ ... فحسبت أَن بهَا قياناً تعزف)
وَقَوله فِي لابس أصفر
(برح بِي ذُو محاسنٍ صرفت ... لواحظ الْخلق عَن سنا الفلق)
(تشتاقه أضلعي وَإِن رشقت ... أحناءها مِنْهُ أسْهم الحدق)
(يعطفه التيه فِي مصبغةٍ ... بثت هُنَاكَ الشعاع فِي الْأُفق)(4/113)
(كَالشَّمْسِ عِنْد الْأَصِيل قد لبست ... صفرتها تَحت حمرَة الشَّفق)
وَقَوله فِي مليح لبس أطماراً قَالَه ارتجالاً
(عاينته ثني أطمارٍ يزان بهَا ... مَا بَين مستترٍ مِنْهَا ومنكشف)
(كَأَنَّهُ قمرٌ دارت بِهِ سحبٌ ... فالبعض منكشف وَالْبَعْض فِي سدف)
ابْن المرخي المغربي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز اللَّخْمِيّ الْكَاتِب من أهل إشبيلية وَيعرف بِابْن المرخي بخاء مُعْجمَة بعد الرَّاء
كَانَ أَبوهُ أَبُو الحكم كَاتبا وَأما جده أَبُو بكر فنظير ابْن أبي الْخِصَال فِي بلاغته وَبَيَانه وبيته عريق فِي النباهة وَالْكِتَابَة)
توفّي سنة سِتّ عشرَة وست مائَة لَهُ كتاب فِي الْخَيل وَكتاب حلية الأديب فِي اخْتِصَار الْغَرِيب المُصَنّف
أورد لَهُ ابْن الْأَبَّار يُخَاطب أستاذه الْمَعْرُوف باللص
(سأهجر الْعلم لَا بغضاً وَلَا كسلا ... حَتَّى يُقَال ارعوى عَن حبه وسلا)
(وَلَا أمرّ ببيتٍ فِيهِ مَسْكَنه ... كي لَا يمثل شوقي حَيْثُمَا مثلا)
(إِذا ظمئت وَكَانَ العذب مُمْتَنعا ... فلست عَن غير ذَاك العذب مُعْتَزِلا)
(إِذا طردت قصياً عَن حياضكم ... فَإِن نَفسِي مِمَّا تكره النهلا)
(قد كَانَ عِنْدِي زعيم الْقَوْم عالمهم ... فاليوم عِنْدِي زعيم الْقَوْم من جهلا)
(مَا إِن رَأَيْت الَّذِي يزْدَاد معرفَة ... إِلَّا يزِيد انتقاصاً كلما كملا)
(وَآيَة الصدْق فِي قولي وتجربتي ... أَن الجوّاد على العلات مَا وَألا)
ابْن حمادو الصنهاجي مُحَمَّد بن عَليّ بن حمادوبالحاء الْمُهْملَة وَبعد الدَّال الْمُهْملَة وَاو الصنهاجي من أهل قلعة حَمَّاد
ولي قَضَاء الجزيرة الخضراء وَقَضَاء سلا توفّي سنة سبع وَعشْرين وست مائَة
أورد لَهُ ابْن الْأَبَّار
(أَبَا عبد الْإِلَه إِلَيْك أَشْكُو ... لواعج بَين جانحتي تذكو)
(بَعدت عَن الديار وساكنيها ... وَفرق بَيْننَا فلكٌ وفلك)
(وَلم يعدل لعمر الله عِنْدِي ... فِرَاق أحبةٍ ملكٌ وَملك)
وَقَالَ يهنئ باسترجاع بِلَاد إفريقية والظهور على يحيى بن إِسْحَق
(فتوحٌ لَهَا فِي كل يَوْم تلاحق ... كَمَا استبقت يَوْم الرِّهَان السوابق)
(تَجِيء وَمَا بَين الزمانين مهلةٌ ... كَمَا نسق الْمَعْطُوف بِالْوَاو ناسق)(4/114)
(بشائر تعلوها تباشير مِثْلَمَا ... تبلج صبحٌ أَو تألق بارق)
(وراقت بِلَاد الله فَهِيَ نضارةً ... خمائل يندى زهرها وَحَدَائِق)
(كَذَا فَلْيَكُن فتحٌ وَإِلَّا فإننا ... جَمِيع فتوح الْعَالمين مغالق)
(إِذا أَقرَأ الْقُرْآن فِي غسق الدجى ... أبيّ بن كَعْب لم يغن مُخَارق)
الطَّبِيب الشريشي مُحَمَّد بن عَليّ بن رِفَاعَة الشريشي الطَّبِيب)
قَالَ ابْن الْأَبَّار كَانَ أسمر اللَّوْن أبرص وَهُوَ الْقَائِل
(شريش مَا هِيَ إِلَّا ... تَصْحِيف شرٍ تبين)
(فارحل فديتك عَنْهَا ... إِن كنت مِمَّن تدين)
(فَلم يسد قطّ فِيهَا ... حرٌ وَلَا من تعين)
ابْن القبيطي مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة بن فَارس الْحَرَّانِي ابو الْفرج الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن القبيطي
قَالَ ابْن النجار أَخُو شَيخنَا حَمْزَة سمع الْكثير فِي صباه مَعَ أَخِيه من أبي عبد الله الْحُسَيْن وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد الْخياط وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن السلال الْوراق وَأبي بكر أَحْمد ابْن عَليّ بن عبد الْوَاحِد الدَّلال وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف الأُرموي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن الطرائفي وَأبي الْحسن أَحْمد بن عبد الله بن عليّ بن الأبنوسي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن الصّباغ وَأبي الْقَاسِم هبة الله بن الْحُسَيْن بن الحاسب وَأبي سعد أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ وَأبي الْحسن سعد الْخَيْر بن مُحَمَّد بن سهل الْأنْصَارِيّ وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر الْحَافِظ وَأبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن نَبهَان الرقي وَأبي حَفْص عمر بن ظفر المغازلي وَخلق كثير سواهُم
وَعمر حَتَّى حدث بالكثير وانتشرت عَنهُ الرِّوَايَة وَانْفَرَدَ بِقِطْعَة من مسموعاته
قَالَ ابْن النجار قَرَأت عَلَيْهِ كثيرا وَكَانَ صَدُوقًا مرضِي الْأَخْلَاق مَحْمُود الطَّرِيقَة سليم الْجَانِب طيب الْأَخْلَاق حُلْو المجالسة حفظَة للحكايات والأشعار لَا يمل جليسه مِنْهُ مضى عمره فِي استقامة وَحسن طَريقَة
مولده سنة ثَمَان وَعشْرين وَخمْس مائَة ووفاته سنة تسع وست مائَة
ابْن البواب مُحَمَّد بن عَليّ ابْن البواب أَبُو عبيد الله الْموصِلِي
ذكره البلطي أَنه كَانَ معلما قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وَهُوَ الْآن يعِيش وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة لَهُ مفقطعات حَسَنَة فَمن ذَلِك مَا أنشدنيه فِي وَالِده لي أبٌ كل مَا بِهِ يُوصف الناسفهو مِنْهُ مبرا
(فَهُوَ كالصل من بَنَات الأفاعي ... كلما زَاد عمره زَاد شرا)
قَالَ وأنشدني لَهُ أَيْضا)
(أدرها لقد قَامَ السَّفِيه عَليّ رجل ... وَحكم جَيش الْجَهْل فِي عَالم الْفضل)(4/115)
الْوَزير الْجواد مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور الصاحب جمال الدّين أَبُو جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ الملقب بالجواد وَزِير صَاحب الْموصل أتابك زنكي بن آقسنقر
كَانَ نبيلاً رَئِيسا دمث الْأَخْلَاق حسن المحاضرة مَحْبُوب الصُّورَة سَمحا كَرِيمًا مدحه القيسراني بالقصيدة الَّتِي أَولهَا
(سقى الله بالزوراء من جَانب الغرب ... مهاً وَردت عين الْحَيَاة من الْقلب)
كَانَ جده أَبُو مَنْصُور فهاداً للسُّلْطَان ملكشاه بن الب رسْلَان السلجوقي فتأدب وَلَده وسمت همته وخدم فِي مناصب علية وصاهر الأكابر فَلَمَّا ولد لَهُ جمال الدّين الْمَذْكُور عني بتأديبه وتهذيبه ثمَّ رتب فِي ديوَان الْعرض للسُّلْطَان مَحْمُود بن ملكشاه فظهرت كِفَايَته فَلَمَّا تولى اتابك زنكي الْموصل وَمَا والاها استخدم جمال الدّين الْمَذْكُور وقربه واستصحبه مَعَه إِلَيْهَا وولاه نَصِيبين فظهرت كِفَايَته وأضاف إِلَيْهِ الرحبة فأبان عَن كِفَايَة وعفة فَجعله مشرف مَمْلَكَته وَحكمه تحكيماً لَا مزِيد عَلَيْهِ
وَكَانَ الْوَزير يومئذٍ ضِيَاء الدّين الكفرتوثي فَلَمَّا توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة تولى الوزارة بعده أَبُو الرِّضَا ابْن صَدَقَة وجمال الدّين الْمَذْكُور فخف على قلب زنكي وَلم يظْهر جمال الدّين فِي حَيَاة زنكي مَالا وَلَا نعْمَة إِلَى أَن توفّي على قلعة جعبر فرتبه سيف الدّين غَازِي ابْن اتابك فِي وزارته فَظهر جوده حِينَئِذٍ بالعطايا وَبَالغ فِي الْإِنْفَاق حَتَّى عرف بالجواد
وَأثر آثاراً جميلَة وأجرى المَاء إِلَى عَرَفَات أَيَّام الْمَوْسِم من مَكَان بعيد وَعمل الدرج من أَسْفَل الْجَبَل إِلَى أَعْلَاهُ وَبنى سور مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ خرب من الْمَسْجِد وَكَانَ يحمل فِي كل سنة إِلَى مَكَّة وَإِلَى الْمَدِينَة من الْأَمْوَال وَكِسْوَة الْفُقَرَاء والمنقطعين مَا يقوم بهم مُدَّة سنة كَامِلَة وَكَانَ لَهُ ديوَان مُرَتّب باسم أَرْبَاب الرسوم والقصاد وتنوع فِي فعل الْخَيْر وواسى النَّاس زمن الغلاء وَكَانَ إقطاعه عشر مغل الْبِلَاد على جاري عَادَة وزراء السلجوقية وأباع يَوْمًا بقياره وَصَرفه للمحاويج وَله مَكَارِم جمة كَثِيرَة
وَأقَام على هَذَا الْحَال إِلَى أَن توفّي مخدومه غَازِي وَقَامَ بعده قطب الدّين مودود فَاسْتَكْثر إقطاعه وَثقل عَلَيْهِ أمره فَقبض عَلَيْهِ وحبسه وَلم يزل مسجوناً حَتَّى توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَخمسين وَخمْس مائَة وَصلي عَلَيْهِ وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً من بكاء الضُّعَفَاء والأرامل)
والأيتام وضجيجهم حول جنَازَته
وَدفن بالموصل إِلَى بعض سنة سِتِّينَ ثمَّ نقل إِلَى مَكَّة وطيف بِهِ حول الْكَعْبَة وطافوا بِهِ مرَارًا مُدَّة مقامهم وَكَانَ يَوْم دُخُوله يَوْمًا مشهوداً وَكَانَ مَعَه شخص يذكر مآثره ويعدد محاسنه إِذا وصلوا بِهِ إِلَى المزارات فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْكَعْبَة وقف وَأنْشد
(يَا كعبة الْإِسْلَام هَذَا الَّذِي ... جَاءَك يسْعَى كعبة الْجُود)
(قصدت فِي الْعَام وَهَذَا الَّذِي ... لم يخل يَوْمًا غير مَقْصُود)
ثمَّ حمل إِلَى الْمَدِينَة صلوَات الله على ساكنها وَسَلَامه وَدفن بِالبَقِيعِ بعد أَن أَدخل الْمَدِينَة وطيف بِهِ حول حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنْشد الشَّخْص الْمَذْكُور(4/116)
(سرى نعشه فَوق الرّقاب وطالما ... سرى جوده فَوق الركاب ونائله)
(يمر على الْوَادي فتثني رماله ... عَلَيْهِ وبالنادي فتثني أرامله)
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين خالفوا بِهِ السّنة انْتهى قلت سَيَأْتِي ذكر وَلَده الْوَزير جلال الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ فِي مَكَانَهُ فِي حرف الْعين
أَبُو الْفَتْح النطنزي مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْفَتْح الْكَاتِب أَبُو الْفَتْح النطنزي
كَانَ من البلغاء أهل النّظم والنثر سَافر الْبِلَاد وَلَقي الأكابر وَكَانَ كثير الْمَحْفُوظ يحب الْعلم وَالسّنة وَيكثر الصَّدَقَة وَالصِّيَام ونادم الْمُلُوك والسلاطين وَكَانَت لَهُ وجاهة عَظِيمَة عِنْدهم وَكَانَ تياهاً عَلَيْهِم متواضعاً لأهل الْعلم سمع الْكثير بأصبهان وخراسان وبغداد وَلم يمتع بالرواية
توفّي فِي حُدُود الْخمسين وَالْخمس مائَة أورد لَهُ ابْن النجار قَوْله
(أقدم أستاذي على وَالِدي وَإِن ... تضَاعف لي من وَالِدي الْبر واللطف)
(فَهَذَا مربي النَّفس وَالنَّفس جوهرٌ ... وَذَاكَ مربي الْجِسْم وَهُوَ لَهَا صدف)
وَقَوله
(أَن تراني عريت بعد رياشٍ ... فجمال السيوف حِين تشام)
(واختصار الخصور فِي الْبيض تمٌ ... وَكَذَا صِحَة الجفون السقام)
وَقَوله
(أيا طَالب الْمَذْهَب الْمُجْتَبى ... تعلم من النحلة المذهبا)
(إِذا أكلت أكلت طيبا ... وَإِن أطعمت أطعمت طيبا)
)
(وَكن فِي دفاع الْأَذَى نَاظرا ... إِلَيْهَا إِذا ركبت مركبا)
وَقَوله
(يَا طَالبا للْعلم كي يحظى بِهِ ... دنيا وديناً حظوةً تعليه)
(اسْمَعْهُ ثمَّ احفظه ثمَّ اعْمَلْ بِهِ ... لله ثمَّ انشره فِي أهليه)
وَمن شعره
(وَلما تنكبنا الْكَثِيب وأبلغت ... لنا السدة العلياء قلت لصاحبي)
(أَلا فانشرح صَدرا فَلم يبْق بَيْننَا ... وَبَين المنى إِلَّا إناخة رَاكب)
مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يَاسر ابو بكر الْأنْصَارِيّ الجياني
قدم دمشق وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة فَفتح مكتباً عِنْد قنطرة سِنَان وتفقه على أبي الْفَتْح نصر الله(4/117)
المصِّيصِي ثمَّ زامل الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر إِلَى بَغْدَاد وَسمع وَدخل نيسابور ومرو
وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
الجصاني صَاحب الحماسة مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن حمدَان بن الْحُسَيْن أَبُو الْغَنَائِم الجصاني بِالْجِيم وَالصَّاد الْمُهْملَة مُشَدّدَة الهيتي الأديب اللّغَوِيّ نزيل الأنبار وينسب إِلَى جصين أحد مُلُوك الْفرس كَانَ صَاحب قلعة عِنْد الأنبار
صنف كتاب رَوْضَة الْآدَاب فِي اللُّغَة والمثلث الحمداني والحماسة وَغير ذَلِك توفّي سنة سبعين وَخمْس مائَة أَو قبل ذَلِك
أَبُو الْفضل ابْن الطّيب مُحَمَّد بن عَليّ بن الطّيب ابو الْفضل الْوَزير
نَاب عَن الْوَزير ابْن عميد الدولة ابي سعد ابْن عبد الرَّحِيم وَأبي عَليّ ابْن مَاكُولَا كَانَ فَاضلا أديباً
أورد لَهُ ابْن النجار عكبرا أَرض بهَا اللَّذَّات من عَيْش وَطيب فاسقني من حلب الْكَرم على صَوت العروب
(إِنَّمَا الدُّنْيَا حديثٌ ... لصدوقٍ أَو كذوب)
فاستلب أَيَّام لذاتك من أَيدي الخطوب ولد سنة سِتّ وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة)
أَبُو مَنْصُور القنائي مُحَمَّد بن عَليّ بن الطّيب القنائي من ديرقنابالقاف وَالنُّون الْمُشَدّدَة نَاحيَة بالنهروان أَبُو مَنْصُور الأديب
أورد لَهُ ابْن النجار
(يَحْكِي البدور وجوههن تبلجاً ... ولهن من هيف الغصون قدود)
(وثغورهن إِذا ابتسمن كَأَنَّهَا ... لنحورهن قلائدٌ وعقود)
(أشجىً بوجدي والقلوب خليةٌ ... عني وأسهر والعيون رقود)
رشيد الدّين المازندراني الشيعي مُحَمَّد بن عَليّ بن شهراسوب الثَّانِيَة سين مُهْملَة أَبُو جَعْفَر السروري المازندراني رشيد الدّين الشيعي أحد شُيُوخ الشِّيعَة
حفظ الْقُرْآن وَله ثَمَان سِنِين وَبلغ النِّهَايَة فِي أصُول الشِّيعَة كَانَ يرحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد ثمَّ تقدم فِي علم الْقُرْآن والغريب والنحو وَوعظ على الْمِنْبَر أَيَّام المقتفي بِبَغْدَاد فأعجبه وخلع عَلَيْهِ
وَكَانَ بهي المنظر حسن الْوَجْه والشيبة صَدُوق اللهجة مليح المحاورة وَاسع الْعلم كثير الْخُشُوع وَالْعِبَادَة والتهجد لَا يكون إِلَّا على وضوء
أثنى عَلَيْهِ ابْن أبي طي فِي تَارِيخه ثَنَاء كثير توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة
وَمن تصانيف المازندراني كتاب فِي النَّحْو سَمَّاهُ الْفُصُول جمع فِيهِ أُمَّهَات الْمسَائِل(4/118)
وَكتاب الْمكنون المحزون فِي عُيُون الْفُنُون كتاب أَسبَاب نزُول الْقُرْآن كتاب متشابه الْقُرْآن كتاب الْأَعْلَام والطرائق فِي الْحُدُود والحقائق كتاب مَنَاقِب آل أبي طَالب كتاب المثالب كتاب الْمَائِدَة والفائدة جمع فِيهِ أَشْيَاء من النَّوَادِر والفوائد
عَاشَ تسعا وَتِسْعين سنة وشهرين وَنصفا وَتُوفِّي بحلب فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور
ابْن الدهان الحاسب مُحَمَّد بن عَليّ بن شُعَيْب فَخر الدّين أَبُو شُجَاع ابْن الدهان الفرضي الأديب الحاسب
وَهُوَ أول من وضع الْفَرَائِض على شكل الْمِنْبَر وَجمع تَارِيخا جيدا وصنف غَرِيب الحَدِيث فِي عدَّة مجلدات وَكَانَت لَهُ يَد طولى فِي علم النُّجُوم
توفّي سنة تسعين وَخمْس مائَة وَمن نظمه فِي ابْن الدهان الْمَعْرُوف بالناصح أبي مُحَمَّد سعيد بن الْمُبَارك النَّحْوِيّ وَكَانَ مخلاً بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ
(لَا يبعد الدهان أَن ابْنه ... أدهن مِنْهُ بطريقين)
)
(من عَجَبِ الدَّهرِ فحدِّث بِهِ ... بفرْدِ عينٍ وبوجهين)
وَكتب إِلَى تَاج الدّين الْكِنْدِيّ
(يَا زيد زادك رَبِّي من مواهبه ... نعماء يعجز عَن إِدْرَاكهَا الأملُ)
(لَا غيرّ الله حَالا قد حباك بِهِ ... مَا دَار بَين النُّحَاة الْحَال والبدلُ)
(النحوُ أَنْت احقّ الْعَالمين بِهِ ... لأنَّ باسمِك فِيهِ يضْرب الْمثل)
وَلما جَاءَت دولة بني أَيُّوب تردد بَين أَوْلَاد اتابك وَصَلَاح الدّين عدَّة نوب وسفر بَينهم فِي إصْلَاح الْحَال
ابْن الْمعلم مُحَمَّد بن عَليّ بن فَارس نجم الدّين ابو الْغَنَائِم ابْن الْمعلم الوَاسِطِيّ الهرثي والهرث من قرى وَاسِط
انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الشّعْر فِي زَمَانه وَطَالَ عمره ولد سنة إِحْدَى وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
قَالَ ابْن الدبيثي سَمِعت عَلَيْهِ أَكثر شعره وَكَانَ بَينه وَبَين ابْن التعاويذي الشَّاعِر تنافس وهجاه ابْن التعاويذي وَكَانَ ابْن الْجَوْزِيّ يَوْمًا على الْمِنْبَر فَقيل لِابْنِ الْمعلم هَذَا ابْن الْجَوْزِيّ على الْمِنْبَر يتَكَلَّم فشق النَّاس وَجلسَ وَلم يعلم بِهِ أحد فَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ مستشهداً على بعض إشاراته وَلَقَد أحسن ابْن الْمعلم حَيْثُ يَقُول
(يزْدَاد فِي مسمعي تكْرَار ذكركُمْ ... طيبا وَيحسن فِي قلبِي مكرره)(4/119)
وَكَانَ يستشهد بِشعرِهِ كثيرا فِي تصانيفه وعَلى الْمِنْبَر فِي وعظه وشعره ينفع الوعاظ لِأَن الْغَالِب عَلَيْهِ ذكر الصبابة والغرام والشوق والارتياح فَلهَذَا خف على الأسماع وراج على الْقُلُوب وطربت لَهُ النُّفُوس
ووقف هُوَ والأبله الْعِرَاقِيّ وَابْن التعاويذي على القصيدة الَّتِي نظمها ابْن صردر وأولها
(أكذا يجازى ود كل قرين ... أم هَذِه شيم الظباء الْعين)
نظم الأبله على وَزنهَا وَابْن التعاويذي أَيْضا وَابْن الْمعلم وَكَانَ الَّذِي قَالَه ابْن الْمعلم
(مَا وَقْفَة الْحَادِي على يبرين ... وَهُوَ الخلي من الظباء الْعين)
(إِلَّا ليمنحني جوىً ويزيدني ... مَرضا على مرضِي وَلَا يبرين)
مِنْهَا)
(قسما بِمَا ضمت عَلَيْهِ شفاههم ... من قرقفٍ فِي لُؤْلُؤ مَكْنُون)
(أَن شَارف الْحَادِي الغوير لأقضين ... نحبي وَمن لي أَن تبر يَمِيني)
(وَلَقَد مَرَرْت على العقيق بزفرةٍ ... أَمْسَى الْأَرَاك بهَا بِغَيْر غصون)
(فَبكى الْحمام وَمَا يجن صبابتي ... وشكا الْمطِي وَمَا تحن حنيني)
قلت لَو كَانَ لي حكم فِي أول هَذِه القصيدة لَقلت
(مَا وَقْفَة الْحَادِي على يبرين ... إِلَّا ليمرضني وَمَا يبريني)
ليحصل لَهُ الجناس الَّذِي أَرَادَهُ فِي بَيت وَاحِد وَمن شعر ابْن الْمعلم
(أجيراننا أَن الدُّمُوع الَّتِي جرت ... رخاصاً على أَيدي النَّوَى لغوالي)
(أقِيمُوا على الْوَادي وَلَو عمر ساعةٍ ... كلوث إزارٍ أَو كحل عقال)
(وجودوا على صدق الْفِرَاق بنظرة ... تعلل قلبِي مِنْكُم بمحال)
وَمِنْه
(تنبهي يَا عذبات الرند ... كم ذَا الْكرَى هَب نسيم نجد)
(مر على الرَّوْض وَجَاء سحرًا ... يسحب ثوبي أرجٍ وَبرد)
(حَتَّى إِذا عانقت مِنْهَا نفحةً ... عَاد سموماً والغرام يعدي)
(وَاعجَبا مني أستشفي الصِّبَا ... وَمَا تزيد النَّار غير وَقد)
(أعلل الْقلب ببان رامةٍ ... وَمَا يَنُوب غصنٌ عَن قد)
(وأسأل الرّبع وَمن لي لَو وعى ... رَجَعَ الْكَلَام أَو سخا برد)
(تعلة وقوفنا بطللٍ ... وضلة سؤالنا لصلد)
(وأقتضي النوح حمامات اللوى ... هَيْهَات مَا عِنْد اللوى مَا عِنْدِي)(4/120)
(قد كنت استبكي الْحمام لَو شفا ... وَكنت أستشفي الصِّبَا لَو تجدي)
مِنْهَا
(مَا فَصمت أَيدي النَّوَى عرى الْهوى ... عني وَلَا حلت عُقُود الود)
(وأنتِ يَا عَيْني وعدت بالبكا ... هَذَا الْفِرَاق فانعمي بالوعد)
وَمِنْه قَوْله
(دع التجلد وامدد للغرام يدا ... من غَالب الشوق أَمْسَى وَهُوَ مغلوب)
)
(مَا خلت أَن الْهوى يقْضى عَليّ بِهِ ... وَالْحب كالحين للْإنْسَان مجلوب)
(وَلم أخل أَن سر الوجد يَفْضَحهُ ... من الحمائم تغريدٌ وتطريب)
(حَتَّى صدحن وَهل سرٌ يصان ولل ... أنفاس والدمع تصعيدٌ وتصويب)
(فَمَا بدا البارق الْعلوِي مُعْتَرضًا ... إِلَّا انثنيت وَعِنْدِي مِنْهُ ألهوب)
(كَأَنَّمَا هُوَ من جنبيّ مخترطٌ ... للومض أَو هُوَ فِي جنبيّ مقروب)
وَمِنْه قَوْله
(كلفي فِيكُم قديمٌ عَهده ... مَا صباباتي بكم مستكسبه)
(أَيْن ورق الْجزع من لي أَن أرى ... عجمه إِن لم أشاهد عربه)
(وَنعم ذَا بَان حزوى فاسألوا ... إِن شَكَكْتُمْ فِي عَذَابي عذبه)
(عَن جفوني النّوم من بعده ... وَإِلَى جسمي الضنا من قربه)
(وصلوا طيفاً إِذا لم تصلوا ... مستهاماً قد قطعْتُمْ سَببه)
(فَإلَى أَن تحسنوا صنعا بِنَا ... قد أَسَاءَ الْحبّ فِينَا أدبه)
(اعشق اللوم لحبي ذكركُمْ ... يَا لمرٍ فِي الْهوى مَا أعذبه)
(فاكشفوا لي سر مَا ألْقى بكم ... فَلَقَد أشكل مَا بِي واشتبه)
ابْن القصاب الْوَزير مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن الْمُبَارك الْوَزير مؤيد الدّين أَبُو الْفضل ابْن القصاب الْبَغْدَادِيّ
كَانَ ذَا رَأْي وشهامة وحزم وغور بعيد وهمة عالية كَانَ أديباً شَاعِرًا ولي كِتَابَة الْإِنْشَاء مُدَّة ثمَّ نَاب فِي وزارة الْخلَافَة وَسَار بعسكر الْخَلِيفَة وَفتح همذان وأصبهان وحاصر الرّيّ وَمتْن وَصَارَت لَهُ هَيْبَة فِي النُّفُوس فَلَمَّا عَاد ولي الوزارة ثمَّ خرج بالجيوش إِلَى همذان فَتوفي بظاهرها وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على أبي السعادات ابْن الشجري وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
وَمن شعره قَوْله فِي ولد يرثيه
(وَإِذا ذكرتك وَالَّذِي فعل البلى ... بِجَمَال وَجهك جَاءَ مَا لَا يدْفع)(4/121)
قَالَ يَوْمًا أحسن مَا قيل فِي الرَّأْي قَول ابْن حيوس
(وَلَو شيب مَاء الْبَحْر بِالدَّمِ لاغتدى ... يفصل بَين المَاء بِالرَّأْيِ وَالدَّم)
)
فَقَالَ أَبُو بكر الْمُبَارك بن الْمُبَارك بن سعيد الوَاسِطِيّ النَّحْوِيّ قَوْله لَو شيب يَجْعَل نَفسه بالمرصاد لهَذَا وَلَو قَالَ لَو أَرَادَ لفعل كَذَا لَكَانَ أحسن ثمَّ قَوْله بَين المَاء وَالدَّم هما جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَقَالَ شيخ الشُّيُوخ عبد الرَّحِيم صدقت وَإِنَّمَا القَوْل قَول المتنبي
(قاضٍ إِذا اشْتبهَ الْأَمْرَانِ عنّ لَهُ ... رأيٌ يفرق بَين المَاء وَاللَّبن)
فَقَالَ أَبُو بكر هَذَا أحسن وَلَكِن قَالَ بَين المَاء وَاللَّبن وَأَنا أفصل بَين المَاء وَاللَّبن بِأَن أغمس فِيهِ البردي ثمَّ أعصره فَلَا يشرب إِلَّا المَاء ثمَّ نظمت بَيْتَيْنِ لم يلْحق المتنبي غبارهما وهما
(وَلَو وَقعت فِي لجة الْبَحْر قطرةٌ ... من المزن يَوْمًا ثمَّ لَو شَاءَ مازها)
(وَلَو ملك الدُّنْيَا فأضحى مُلُوكهَا ... عبيدا لَهُ فِي الشرق والغرب مازها)
القَاضِي محيي الدّين ابْن الزكي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ قَاضِي قُضَاة الشَّام محيي الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين أبي الْحسن ابْن قَاضِي الْقُضَاة الْمُنْتَخب أبي الْمَعَالِي ابْن قَاضِي الْقُضَاة الزكي أبي الْمفضل الْقرشِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي
ولد سنة خمسين وَخمْس مائَة وَقَرَأَ الْمَذْهَب على جمَاعَة وَسمع وَالِده وَجَمَاعَة وَهُوَ من بَيت الْقَضَاء والحشمة والأصالة وَالْعلم وَكَانَ حسن اللَّفْظ والخط
شهد فتح الْقُدس مَعَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَكَانَ لَهُ يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة واسْمه على قبَّة النسْر فِي التثمين بِخَط كُوفِي أَبيض وخطب أول جُمُعَة فِي الْقُدس تِلْكَ الْخطْبَة البليغة وَلم يكن استعد لَهَا بل خرج إِلَيْهِ وَقد أذن المؤذنون على السدة رِسَالَة السُّلْطَان أَن يخْطب وَيُصلي بِالنَّاسِ وَهَذَا مقَام صَعب وَقد ذكرهَا ابْن خلكان فِي تَارِيخه
وَجَرت لَهُ قَضِيَّة مَعَ الإسماعيلية بِسَبَب قتل شخص مِنْهُم فَلذَلِك فتح لَهُ بَاب سر إِلَى الْجَامِع من دَاره الَّتِي بِبَاب الْبَرِيد لأجل صَلَاة الْجُمُعَة
وَكَانَ ينْهَى عَن الِاشْتِغَال بكتب الْمنطق والجدل وَقطع مجلدات فِي مَجْلِسه من ذَلِك
وَكَانَ قد تظاهر بترك النِّيَابَة عَن القَاضِي ابْن أبي عصرون فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان صَلَاح الدّين مجد الدّين ابْن النّحاس وَالِد الْعِمَاد عبد الله الرَّاوِي وَأمره أَن يضْرب عَليّ علامته فِي مجْلِس حكمه فَلَزِمَ بَيته حَيَاء واستناب ابْن أبي عصرون الْخَطِيب ضيَاع الدّين الدولعي وَأرْسل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة بالنيابة مَعَ الْبَدْر يُونُس الفارقي فَرده وَشَتمه فَأرْسل إِلَى جمال الدّين ابْن الحرستاني)
فناب عَنهُ ثمَّ توفّي ابْن أبي عصرون وَولي محيي الدّين الْقَضَاء وعظمت رتبته عِنْد صَلَاح الدّين وَسَار إِلَى مصر رَسُولا من الْملك الْعَادِل إِلَى الْعَزِيز ومكاتبات القَاضِي الْفَاضِل إِلَيْهِ مجلدة كَبِيرَة
وَلما فتح السُّلْطَان مَدِينَة حلب سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة أنْشدهُ القَاضِي محيي الدّين قصيدة بائيةً أَجَاد فِيهَا وَمِنْهَا(4/122)
(وفتحك القلعة الشَّهْبَاء فِي صفر ... مبشرٌ بفتوح الْقُدس فِي رَجَب)
فَكَانَ فتوح الْقُدس كَمَا قَالَ لثلاث بَقينَ من شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة فَقيل لمحيي الدّين من أَيْن لَك ذلكفقال أَخَذته من تَفْسِير ابْن برجان فِي قَوْله تَعَالَى ألم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين
ووفاته فِي سَابِع شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخمْس مائَة
أَبُو المفاخر النوقاني الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر بن أبي سعيد النوقاني أَبُو المفاخر الْفَقِيه الشَّافِعِي
درس الْفِقْه بنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى وَأقَام عِنْده حَتَّى حصل قِطْعَة صَالِحَة من الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَالْخلاف وَقدم بَغْدَاد واستوطنها إِلَى أَن مَاتَ
وَحضر عِنْده الْفُقَهَاء وعلقوا عَنهُ طَرِيقَته فِي الْخلاف وجدلاً أَلفه وَولي مدرسة أم الإِمَام النَّاصِر
وَكَانَ عَالما كَامِلا نبيلاً لَهُ الْيَد الباسطة فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَله يَد فِي التَّفْسِير والمنطق وَعقد مجَالِس الْوَعْظ قَدِيما
قَالَ ابْن النجار وَأكْثر الْفُقَهَاء والمدرسين بِبَغْدَاد من الشَّافِعِيَّة والحنابلة تلاميذه وَكَانَ مَعَ ذَلِك صَالحا دينا حَافِظًا لأوقاته لَا يضيع مِنْهَا سَاعَة فِي غير أشغال أَو اشْتِغَال أَو مطالعة أَو نسخ وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَة وسخاء وبذل لما فِي يَده حدث بِبَغْدَاد بِكِتَاب الْأَرْبَعين لشيخه مُحَمَّد بن يحيى
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة
قَاضِي أسيوط أَبُو البركات مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن القَاضِي أَبُو البركات الْأنْصَارِيّ الْموصِلِي الشَّافِعِي
ولي الْقَضَاء بأسيوط زِيَادَة على عشْرين سنة وبحماة مُدَّة ثَمَان سِنِين أَيَّام نور الدّين وَجمع كتابا)
سَمَّاهُ عُيُون الْأَخْبَار وغرر الحكايات والأشعار وَجمع أَرْبَعِينَ حَدِيثا عَن أَرْبَعِينَ شَيخا فِي أَرْبَعِينَ مَدِينَة وَخرج مُعْجم النِّسَاء
وَفِي سنة سِتّ مائَة كَانَت وَفَاته
نظام الدّين ابْن الخروف مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف نظام الدّين ابْن الخروف الْقَيْسِي الْقُرْطُبِيّ الشَّاعِر مَاتَ فِي سنة أَربع وست مائَة متردياً فِي جب بحلب
كتب إِلَى القَاضِي بهاء الدّين ابْن شَدَّاد يطْلب مِنْهُ فَرْوَة طلبت مَخَافَة الأنواء من نعماك جلد أبي
(حَلَبْتُ الدهرَ أَشطُرَهُ ... وَفِي حلبٍ صفا حَلَبي)
وَبَعْضهمْ يَقُول فِيهِ عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ وَسَيَأْتِي ذكره فِي مَكَانَهُ
قَاضِي أربل الكفرعزي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْجَارُود أَبُو عبد الله الماراني بالنُّون بعد الأل فالكفرعزي قَاضِي أربل
كَانَ عَالما متصوناً جَاوز الثَّمَانِينَ ووفاته سنة تسع وَعشْرين وست مائَة من شعره(4/123)
الصاحب كَمَال الدّين ابْن مهَاجر مُحَمَّد بن عَليّ بن مهَاجر الصاحب كَمَال الدّين أَبُو الْكَرم الْموصِلِي
قدم دمشق وسكنها وَسمع وروى قَالَ نجم الدّين ابْن السَّائِق سكن فِي دَار ابْن البانياسي وَشرع فِي الصَّدقَات وَشِرَاء الْأَمْلَاك ليوقفها وَكَانَ اتّفق مَعَ وَالِدي على عمل رصيف عقبَة الْكَتَّان وَقَالَ تَجِيء غَدا وَتَأْخُذ دَرَاهِم لعملها فَلَمَّا أصبح بعث إِلَيْهِ الْأَشْرَف جرزة بنفسج وَقَالَ هَذِه بركَة السّنة فَأَخذهَا وشمها فَكَانَت القاضية وَأصْبح مَيتا فورثه السُّلْطَان وأعطوا من تركته ألف دِرْهَم فاشتروا لَهُ تربة فِي سوق الصالحية
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بنى الصاحب تَقِيّ الدّين تَوْبَة بن عَليّ بن مهَاجر التكريتي فِي حيطان التربة خمس دكاكين وَادّعى أَنه ابْن عَمه
قَالَ أَبُو المظفر ابْن الْجَوْزِيّ بلغ قيمَة مَا خلف الصاحب كَمَال الدّين ثَلَاث مائَة ألف دِينَار وَأرَانِي الْملك الْأَشْرَف سبْحَة فِيهَا مائَة حَبَّة مثل بَيَاض الْحمام يَعْنِي من التَّرِكَة
وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وست مائَة
سبط الشاطبي مُحَمَّد بن عَليّ بن شُجَاع محيي الدّين ابو عبد الله الْقرشِي سبط الشَّيْخ الشاطبي)
صَاحب القصيدة
كَانَ عِنْده أدب وَله فضل ونظم ونثر حسن الْأَخْلَاق طيب الْعشْرَة ووالده الْحَاج كَمَال الدّين الضَّرِير كَانَ من الصلحاء الْفُضَلَاء
توة فِي محيي الدّين بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة وَدفن بالقرافة الصُّغْرَى ومولده سنة أَربع عشرَة وست مائَة
الشَّيْخ محيي الدّين ابْن عَرَبِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الشَّيْخ محيي الدّين أَبُو بكر الطَّائِي الْحَاتِمِي الأندلسي الْمَعْرُوف بِابْن عَرَبِيّ صَاحب المصنفات فِي التصوف وَغَيره
ولد فِي شهر رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة بمرسية ذكر أَنه سمع بمرسية من ابْن بشكوال وبإشبيلية وبمكة كتاب التِّرْمِذِيّ وَسمع بِدِمَشْق وبغداد
وَسكن الرّوم يُقَال أَنه رَكبه صَاحب الرّوم يَوْمًا فَقَالَ هَذَا بدعوة الْأسود فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ خدمت بِمَكَّة بعض الصلحاء فَقَالَ يَوْمًا الله يذل لَك أعز خلقه أَو كَمَا قَالَ وَقيل إِن صَاحب الرّوم أَمر لَهُ بدار تَسَاوِي مائَة ألف دِرْهَم على مَا قيل فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا قَالَ لَهُ بعض السُّؤَال شَيْء للهفقال مَا لي غير هَذِه الدَّار خُذْهَا لكقال ابْن مسدى فِي جملَة تَرْجَمته كَانَ ظاهري الْمَذْهَب فِي الْعِبَادَات باطني النّظر فِي الاعتقادات وَكتب لبَعض الْوُلَاة ثمَّ حج وَلم يرجع إِلَى بَلَده وروى عَن السلَفِي بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة وبرع فِي علم التصوف وَله فِيهِ مصنفات كَثِيرَة وَلَقي جمَاعَة من الْعلمَاء والمتعبدين(4/124)
وَأخذُوا عَنهُ
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قَالَ الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام هَذَا شيخ سوء كَذَّاب يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا هَكَذَا حَدثنِي شَيخنَا ابْن تَيْمِية الْحَرَّانِي بِهِ عَن جمَاعَة حدثوه عَن شَيخنَا ابْن دَقِيق الْعِيد أَنه سمع الشَّيْخ عز الدّين يَقُول ذَلِك وحَدثني بذلك المقاتلي ونقلته من خطّ أبي الْفَتْح ابْن سيد النَّاس أَنه سَمعه من ابْن دَقِيق الْعِيد انْتهى
قلت وقفت على كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الفتوحات المكية لِأَنَّهُ صنفه بِمَكَّة وَهُوَ فِي عشْرين مجلدة بِخَطِّهِ فَرَأَيْت أثناءه دقائق وغرائب وعجائب لَيست تُوجد فِي كَلَام غَيره وَكَأن الْمَنْقُول والمعقول ممثلان بَين عَيْنَيْهِ فِي صُورَة محصورة يشاهدها مَتى أَرَادَ أَتَى بِالْحَدِيثِ أَو الْأَمر ونزله على مَا يُريدهُ وَهَذِه قدرَة وَنِهَايَة إطلاع وتوقد ذهن وَغَايَة حفظ وَذكر وَمن وقف على)
هَذَا الْكتاب علم قدره وَهُوَ من أجلّ مصنفاته
وَأَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين إجَازَة وَمن خطه نقل قَالَ سَمِعت شَيخنَا الإِمَام أَبَا الْفَتْح الْقشيرِي يَقُول سَأَلت الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام عَن الشَّيْخ أبي بكر ابْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ فَقَالَ شيخ سوء كَذَّاب مقبوح يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يرى تَحْرِيم الْفرج فَسَأَلته عَن كذبه فَقَالَ كَانَ يُنكر تَزْوِيج الْإِنْس بالجن وَيَقُول الْجِنّ روح لطيف وَالْإِنْس جسم كثيف لَا يَجْتَمِعَانِ ثمَّ زعم أَنه تزوج امْرَأَة من الْجِنّ وأقامت مَعَه مُدَّة ثمَّ ضَربته بِعظم جمل فشجته وأرانا شجة بِوَجْهِهِ وبرئت
وسمعته يَقُول خرج ابْن الْعَرَبِيّ وَابْن سراقَة من هَذَا الْبَاب على هَذِه الْهَيْئَة انْتهى وَقد ذكر فِيهِ فِي المجلدة الأولى عقيدته فرأيتها من أَولهَا إِلَى آخرهَا عقيدة الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ لَيْسَ فِيهَا يُخَالف رَأْيه وَكَانَ الَّذِي طلبَهَا مني بصفد وَأَنا بِالْقَاهِرَةِ فنقلتها أَعنِي العقيدة لَا غير فِي كراسة وكتبت عَلَيْهَا
(لَيْسَ فِي هَذِه العقيدة شيءٌ ... يَقْتَضِيهِ التَّكْذِيب والبهتان)
لَا وَلَا مَا قد خَالف الْعقل وَالنَّقْل الَّذِي قد أَتَى بِهِ الْقُرْآن
(وَعَلَيْهَا للأشعري مدارٌ ... وَلها فِي مقاله إِمْكَان)
وعَلى مَا ادَّعَاهُ يتَّجه الْبَحْث وَيَأْتِي الدَّلِيل والبرهان
(بِخِلَاف الشناع عَنهُ وَلَكِن ... لَيْسَ يَخْلُو من حاسدٍ إِنْسَان)
وَلم أكن وقفت على شَيْء من كَلَامه ثمَّ إِنِّي وقفت على فصوص الحكم الَّتِي لَهُ فَرَأَيْت فِيهَا أَشْيَاء مُنكرَة الظَّاهِر لَا توَافق الشَّرْع وَمَا فِيهِ شكّ أَنه يحصل لَهُ ولأمثاله حالات عِنْد معانات الرياضات فِي الخلوات يَحْتَاجُونَ إِلَى الْعبارَة عَنْهَا فَيَأْتُونَ بِمَا تقصر الْأَلْفَاظ عَن تِلْكَ الْمعَانِي الَّتِي لمحوها فِي تِلْكَ الْحَالَات فنسأل الله الْعِصْمَة من الْوُقُوع فِيمَا خَالف الشَّرْع قَالَ الشَّيْخ شمس(4/125)
الدّين وَله توسع فِي الْكَلَام وذكاء وَقُوَّة خاطر وحافظة وتدقيق فِي التصوف وتواليف جمة فِي الْعرْفَان وَلَوْلَا شطحه فِي كَلَامه وشعرهلعل ذَلِك وَقع مِنْهُ حَال سكره وغيبتهفيرجى لَهُ الْخَيْر انْتهى
قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني فِي ذيله على الْمرْآة وَكَانَ يَقُول اعرف الِاسْم الْأَعْظَم واعرف الكيمياء بطرِيق المنازلة لَا بطرِيق الْكسْب وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فِي دَار القَاضِي محيي الدّين)
وغسله الْجمال ابْن عبد الْخَالِق ومحيي الدّين وَكَانَ الْعِمَاد ابْن النّحاس يصب عَلَيْهِ وَحمل إِلَى قاسيون وَدفن بتربة القَاضِي محيي الدّين فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وست مائَة انْتهى
مولده سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة بمرسية من الأندلس
وَمن تصانيفه الفتوحات المكية عشرُون مجلدة والتدبيرات الإلهية وفصوص الحكم وَعمل ابْن سودكين عَلَيْهَا شَيْئا سَمَّاهُ نقش الفصوص وَهُوَ من تِلْكَ الْمَادَّة والإسراء إِلَى الْمقَام الأسرى نظماً ونثراً وخلع النَّعْلَيْنِ والأجوبة المسكتة عَن سُؤَالَات الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ ومنزل الْمنَازل الفهوانية وتاج الرسائل ومنهاج الْوَسَائِل وَكتاب العظمة وَكتاب السَّبْعَة وَهُوَ كتاب الشَّأْن والحروف الثَّلَاثَة الَّتِي انعطفت أواخرها على أوائلها والتجليات ومفاتيح الْغَيْب وَكتاب الْحق ونسخة الْحق ومراتب عُلُوم الوهب والإعلام بإشارات أهل الإلهام والعبادات وَالْخلْوَة والمدخل إِلَى معرفَة الْأَسْمَاء كنه مَا لَا بُد للمريد مِنْهُ والنقباء وَحلية الأبدال والشروط فِيمَا يلْزم أهل طَرِيق الله تَعَالَى من الشُّرُوط وأسرار الْخلْوَة وعقيدة أهل السّنة وَالْمقنع فِي إِيضَاح السهل الْمُمْتَنع وإشارات الْقُرْآن وَكتاب الهو والأحدية والإتحاد العشقي وَالْجَلالَة وَالْأَزَلُ وَالْقسم وعنقاء مغرب فِي ختم الْأَوْلِيَاء وشمس الْمغرب والتنزلات الموصلية والشواهد ومناصحة النَّفس وَالْيَقِين وتاج التراجم والقطب والإمامين رِسَالَة الِانْتِصَار والحجب والأنفاس العلوية فِي الْمُكَاتبَة وترجمان النُّجُوم ومطالع أهلة الْأَسْرَار والعلوم وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة والمبشرات وخطبة تَرْتِيب الْعَالم والجلال وَالْجمال ومشكاة الْأَنْوَار فِيمَا رُوِيَ عَن الله من الْأَخْبَار وَشرح الْأَلْفَاظ الَّتِي اصطلحت عَلَيْهَا الصُّوفِيَّة ومحاضرات الْأَبْرَار ومسامرات الأخيار خمس مجلدات
وَحكي لي أَنه ذكر للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية أَن فِي دمشق إنساناأظنه قيل لحاميرد كَلَام ابْن عَرَبِيّ بالتأويل إِلَى ظَاهر الشَّرْع وَيُوجه خطأه فَطَلَبه فَلم يحضر إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام قدر الله الْجمع بَينهمَا فَقيل لَهُ هَذَا فلَان فَقَالَ لَهُ بَلغنِي عَنْك كَذَا وكذافقال هُوَ مَا بلغك فَقَالَ كَيفَ نعمل فِي قَوْله خضت لجة بَحر الْأَنْبِيَاء وقُوف على ساحلهفقال مَا فِي ذَا شَيْء يَعْنِي أَنهم واقفون لإنقاذ من يغرق فِيهِ من أممهم فَقَالَ لَهُ هَذَا بعيد فَقَالَ وَإِلَّا الَّذِي تفهمه أَنْت مَا هُوَ الْمَقْصُود أَو كَمَا قيل
وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين ابْن الْعَرَبِيّ رأيتُ النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم(4/126)
فِي النّوم فَقلت يَا رَسُول)
الله ايما أفضل الْملك أَو النبيفقال الْملك فَقلت يَا رَسُول الله اريد على هَذَا دَلِيلا إِذا ذكرته عَنْك أصدق فِيهِ فَقَالَ مَا جَاءَ عَن الله تَعَالَى أَنه قَالَ من ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُ
وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ رجلا عَظِيما وَالَّذِي نفهمه من كَلَامه حسن بسن وَالَّذِي يشكل علينا نكل علمه إِلَى الله تَعَالَى وَمَا كلفنا اتِّبَاعه وَلَا الْعَمَل بِكُل مَا قَالَه
وَقد عظمه الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُصَنفه الَّذِي عمله فِي الْكَلَام على الْملك وَالنَّبِيّ والشهيد وَالصديق وَهُوَ مَشْهُور فَقَالَ فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي فضل الصديقية وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين ابْن الْعَرَبِيّ الْبَحْر الزاخر فِي المعارف الإلهية وَذكر من كَلَامه جملَة ثمَّ قَالَ آخر الْفَصْل إِنَّمَا نقلت كَلَامه وَكَلَام مَا جرى مجْرَاه من أهل الطَّرِيق لأَنهم أعرف بحقائق هَذِه المقامات وَأبْصر بهَا لدخولهم فِيهَا وتحققهم بهَا ذوقاً والمخبر عَن الشَّيْء ذوقاً مخبر عَن عين الْيَقِين فاسأل بِهِ خَبِيرا انْتهى
وَمن شعره
(إِذا حلّ ذكركُمْ خاطري ... فرشت خدودي مَكَان التُّرَاب)
(وأقعدني الذلّ فِي بَابَكُمْ ... قعُود الْأُسَارَى لضرب الرّقاب)
وَمن شعره أوردهُ ابْن أَنْجَب فِي كتاب لطائف الْمعَانِي
(نَفسِي الْفِدَاء لبيضٍ خردٍ عربٍ ... لعبن بِي عِنْد لثم الرُّكْن وَالْحجر)
(مَا اسْتدلَّ إِذا مَا تهت خَلفهم ... إِلَّا بريحهم من طيب الْأَثر)
(غازلت من غزلي مِنْهُنَّ وَاحِدَة ... حسناء لَيْسَ لَهَا أختٌ من الْبشر)
(إِن أسفرت عَن محياها أرتك سنا ... مثل الغزالة إشراقاً بِلَا عثر)
(للشمس غرتها لِليْل طرتها ... شمسٌ وليلٌ مَعًا من أحسن الصُّور)
(فَنحْن فِي اللَّيْل من ضوء النَّهَار بِهِ ... وَنحن فِي الظّهْر فِي ليلٍ من الشّعْر)
قَالَ ابْن النجار اجْتمعت بِهِ بِدِمَشْق فِي رحلتي إِلَيْهَا وكتبت عَنهُ من شعره وَنعم الشَّيْخ هُوَ ذكر لي أَنه دخل بَغْدَاد سنة إِحْدَى وست مائَة فَأَقَامَ بهَا اثْنَي عشر يَوْمًا ثمَّ دَخلهَا ثَانِيًا حَاجا من مَكَّة مَعَ الركب سنة ثَمَان وست مائَة وَأورد لَهُ
(أَنا حائر مَا بَين علمٍ وشهوةٍ ... ليتصلا مَا بَين ضدين من وصل)
)
(وَمن لم يكن يستنشق الرّيح لم يكن ... يرى الْفضل للمسك الفتيق على الزبل)
أَبُو العشائر ابْن التلولي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن التلولي اللبان أَبُو العشائر من أهل قطفتا
حفظ الْقُرْآن وَقَرَأَ بالروايات وتمهذب لِابْنِ حَنْبَل وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وَقَرَأَ(4/127)
الْأَدَب على العشاب وَصَحب ابْن الْعَطَّار صَاحب المخزن
توفّي فِي محبس ابْن عباد نَاظر وَاسِط سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة
أَبُو مَنْصُور الْقزْوِينِي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عَليّ بن مَنْصُور بن عبد الْملك ابْن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفراء الْقزْوِينِي أَبُو مَنْصُور ابْن أبي الْحسن
قَرَأَ الْقُرْآن بالروايات على أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى الْخياط وَغَيره وَسمع الحَدِيث من أَبِيه وَمن أبي طَالب مُحَمَّد بن غيلَان وَأبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي وَأبي مُحَمَّد الْحسن الْجَوْهَرِي وَأبي الطّيب طَاهِر الطَّبَرِيّ وَأبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهم وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي وَأَبُو بكر الْمُبَارك بن كَامِل الْخفاف قَالَ ابْن النجار وَشَيخنَا يحيى بن بوش وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مائَة
ابو الْحسن الدقيقي مُحَمَّد بن عَليّ ابو الْحسن الدقيقي أَخذ عَن عَليّ ابْن عِيسَى الرماني وَغَيره مولده سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَله من الْكتب المرشد فِي النَّحْو المسموع من كَلَام الْعَرَب فِي الْغَرِيب
العمراني الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن هرون العمراني الْمَكِّيّ أَبُو عَليّ الأديب
توفّي سنة نَيف وَعشْرين وَخمْس مائَة قَالَه أَبُو مُحَمَّد مَحْمُود بن أرسلان فِي تَارِيخ خوارزم وَقَالَ هُوَ شيخ لطيف الْعبارَة خَفِيف الْحَرَكَة حَاضر الْجَواب أَخذ الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الدادي
قَالَ وَسمعت ابْنة حجَّة الْإِسْلَام ابا الْحُسَيْن عَليّ بن مُحَمَّد يَقُول هجا شبْل الدولة ابو مقَاتل عَطِيَّة الْبكْرِيّ وَالِدي فَقَالَ
(رَأَيْت الْفَتى الْمَكِّيّ أسود حالكاً ... طَويلا نحيفاً يَابِس الْكَفّ وَالْبدن)
(فشبهته وَالثَّوْب يَغْشَاهُ أبيضاً ... بمحراك تنورٍ تلطخ بِاللَّبنِ)
فَأَجَابَهُ وَالِدي)
(أيا شبْل لَا تهج السوَاد فإنني ... رَأَيْت سَواد الْعين أكْرم فِي الْبدن)
(وَلَا تهجوني بالنحول فإنني ... كبازٍ وَإِن الدب يُوصف بالسمن)
ابْن الجبان اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر بن الجبان ابو مَنْصُور اللّغَوِيّ من أهل الرّيّ
سكن بأصبهان وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة وَله مصنفات حَسَنَة فِي الْأَدَب وَهُوَ من أَصْحَاب أبي عَليّ يالفارسي النَّحْوِيّ قدم بَغْدَاد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة وروى بهَا كتاب انتهاز(4/128)
الفرص فِي تَبْيِين المقلوب من كَلَام الْعَرَب من تصنيفه قَرَأَهُ عَلَيْهِ عبد الْوَاحِد بن عَليّ بن برهَان الْأَسدي وَرَوَاهُ عَنهُ وَقُرِئَ عَلَيْهِ مُسْند الرَّوْيَانِيّ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ من قبل مذْهبه كَذَا قَالَه ابْن النجار قلت لَعَلَّه كَانَ معتزلياً
قَالَ ياقوت لَهُ كتاب أبنية الْأَفْعَال وَكتاب الشَّامِل فِي اللُّغَة كَبِير كتاب شرح الفصيح حسن
وَكَانَ ينخرط فِي سلك ندماء الصاحب ابْن عباد ثمَّ استوحش من خدمته وتمادت بِهِ أَحْوَال شَتَّى حَتَّى علق غُلَاما من الديلم يُقَال لَهُ البركاني وَاتفقَ للغلام أَنه أحرم بِالْحَجِّ وَلم يجد هُوَ بدا من مُوَافَقَته ومرافقته حَتَّى بلغا الْمِيقَات فَلَمَّا أَخذ فِي التَّلْبِيَة قَالَ لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك والبركاني ساقني إِلَيْك وَكَانَ يواصل إنشاد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ
(مليح الدلّ والغنج ... لَك سلطانٌ على المهج)
(إِن بَيْتا أَنْت ساكنه ... غير مُحْتَاج إِلَى سرج)
ثمَّ ابْتُلِيَ بِفِرَاقِهِ فَقَالَ
(يَا وحشتي لفراقكم ... أَتَرَى يَدُوم عَليّ هَذَا)
الْمَوْت وَالْأَجَل المتاح وكل معضلةٍ وَلَا ذَا الدوري الْوَاعِظ مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر بن البل الدوري ابو المظفر الْوَاعِظ
ولد بالدور من نواحي دجيل وَدخل بَغْدَاد فِي صباه واستوطنها وَسمع الحَدِيث الْكثير وَقَرَأَ الْفِقْه وَالْأَدب وسلك طَرِيق الْوَعْظ وَحفظ الْمجَالِس وَتكلم على رُؤُوس النَّاس وَلم يزل إِلَى أَن علت سنه وتعصب لَهُ النَّاس وَصَارَ يتَكَلَّم فِي التعازي الْمُتَعَلّقَة بدار الْخلَافَة والأكابر وَأذن لَهُ فِي الْجُلُوس بِبَاب التربة الجهنية عِنْد قبر مَعْرُوف كل سبت
وَكَانَت بَينه وَبَين أبي الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ منافرات ومناقرات
وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن جرت لوَلَده مخاصمة مَعَ غلْمَان أم النَّاصِر فَمنع من الْجُلُوس وَأمر)
بِلُزُوم بَيته وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وست مائَة ومولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
وَأورد لَهُ ابْن النجار
(يَتُوب على يَدي قومٌ عصاة ... أخافتهم من الْبَارِي ذنُوب)
(وقلبي مظلم من طول مَا قد ... جنى فَأَنا على يَد من أَتُوب)
(كَأَنِّي شمعةٌ مَا بَين قومٍ ... تضيء لَهُم ويحرقها اللهيب)
(كَأَنِّي مخيط يكسو أُنَاسًا ... وجسمي من ملابسهم سليب)
مهذب الدّين ابْن الخيمي مُحَمَّد بن عَليّ بن عَليّ بن عليثلاثة ابْن الْمفضل بن القامغار بِالْقَافِ وَبعد الْألف مِيم بعْدهَا غين مُعْجمَة بعْدهَا ألف بعْدهَا راءالأديب الْكَامِل مهذب الدّين ابْن الخيمي الْحلِيّ الْعِرَاقِيّ الشَّاعِر شيخ معمر فَاضل
قَالَ ابْن النجار كتبت عَنهُ بِالْقَاهِرَةِ وَله مصنفات كَثِيرَة سمع وروى وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة
من شعره(4/129)
(أأصنام هَذَا الجيل طراً أكلكم ... يعوق أما فِيكُم يَغُوث وَلَا ود)
(لقد طَال تردادي إِلَيْكُم فَلم أجد ... سوى رب شَأْن فِي الْغنى شَأْنه الرَّد)
(وَدَعوى كرامٍ يَسْتَحِيل قبُولهَا ... وَيقبل إِذْ حد الحسام لَهَا حد)
وَمِنْه
(جننت فعوذني بكتبك أَن لي ... شياطين شوقٍ لَا تفارق مضجعي)
(إِذا استرقت أسرار وجدي تمرداً ... بعثت عَلَيْهَا فِي الدجى شهب أدمعي)
وَمِنْه
(قَالَت وَقد رَأَتْ المشيب تجاف عَن ... مسي بشيبك فالمشيب أَخُو البرص)
(إِنِّي لأكرهه إِذا عاينته ... يقظى وَألقى دون رُؤْيَته الْغصَص)
(وَأَظنهُ كفني وقطن لفائفي ... حَملته غاسلتي وَجَاءَت فِي قفص)
وَمن تصانيفه كتاب حرف فِي علم الْقُرْآن أَمْثَال الْقُرْآن كتاب الْكلاب اسْتِوَاء الْحَاكِم وَالْقَاضِي رد على الْوَزير المغربي المقايسة لُزُوم الْخمس الملخص الديواني فِي الْأَدَب والحساب)
الْمَقْصُورَة المطاول فِي الرَّد على المعري فِي مَوَاضِع سَهَا فِيهَا سِتَّة اسطرلاب الشّعْر شرح التَّحِيَّات الْأَرْبَعين والأساميات الدِّيوَان الْمَعْمُور فِي مدح الصاحب الْجمع بَين الْأَخَوَات والمحافظة عَلَيْهِنَّ وَهن مسيئات صِفَات الْقبْلَة مجملة مفصلة رِسَالَة من أهل الْإِخْلَاص والمودة إِلَى النَّاكِثِينَ من أهل الْغدر وَالرِّدَّة
ولد فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة بالحلة المزيدية وَتُوفِّي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن من الْغَد بالقرافة الصُّغْرَى
قَالَ ابْن خلكان وَحَضَرت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة وراوية للشعر وَالْأَدب وَكَانَ اجتماعنا بِالْقَاهِرَةِ فِي مجَالِس عديدة وأنشدني كثيرا من شعره وَشعر غَيره انْتهى
قلت وَمن شعره الأبيات الْمَشْهُورَة وَهُوَ مَا كتبه لوَلَده وَقد عصر
(عصروك أَمْثَال اللصو ... ص ومكنوا مِنْك الإهانه)
(فَإِذا رجعت فخنهم ... إِن السَّلامَة فِي الخيانه)
وَافْعل كَفعل بني سناء الْملك فِي مَال الخزانه يُقَال أَن هَذِه الأبيات لما شاعت أمسك بَنو سناء الْملك وصودروا بِسَبَب هَذِه الأبيات
وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى أَنْشدني مهذب الدّين ابو طَالب ابْن الخيمي وَأَخْبرنِي أَنه كَانَ بِدِمَشْق وَقد رسم السُّلْطَان بحلق لحية شخص لَهُ وجاهة بَين النَّاس فحلق بَعْضهَا وحصلت فِيهِ شَفَاعَة فعفي عَنهُ فِي الْبَاقِي فَعمل فِيهِ وَلم يُصَرح باسمه بل رمزه وستره وَهُوَ(4/130)
(زرت ابْن آدم لما قيل قد حَلقُوا ... جَمِيع لحيته من بعد مَا ضربا)
(فَلم أر النّصْف محلوقاً فعدت لَهُ ... مهنئاً بِالَّذِي مِنْهَا لَهُ وهبا)
(فَقَامَ ينشدني والدمع يخنقه ... بَيْتَيْنِ مَا نظما ميناً وَلَا كذبا)
(إِذا أتتك لحلق الذقن طائفةٌ ... فاخلع ثِيَابك مِنْهَا ممعناً هربا)
(وَإِن أتوك وَقَالُوا أَنَّهَا نصف ... فَإِن أطيب نصفيها الَّذِي ذَهَبا)
ابْن الشَّيْخ عَليّ الحريري مُحَمَّد بن عَليّ هُوَ ابْن الشَّيْخ عَليّ الحريري رجل صَالح دين خير وَمن محاسنه أَنه كَانَ يُنكر على أَصْحَاب وَالِده وَيَأْمُرهُمْ بِاتِّبَاع الشَّرِيعَة وَلما مَاتَ أَبوهُ)
طلبُوا مِنْهُ الْجُلُوس فِي المشيخة فَشرط عَلَيْهِم شُرُوطًا لم يقدر أَصْحَابه على اشْتِرَاطهَا فتركهم وانعزل عَنْهُم
وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وست مائَة وَدفن عِنْد الشَّيْخ رسْلَان عَاشَ سبعا وَأَرْبَعين سنة
أَبُو الْفَتْح الْأنْصَارِيّ الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى شمس الدّين ابو الْفَتْح الْأنْصَارِيّ لم يشْتَهر إِلَّا بكنيته
كَانَ فَاضلا عَارِفًا بِالْقُرْآنِ تفرد بذلك فِي وقته وَكَانَ يقرئ بتربة أم الصَّالح بِدِمَشْق
توفّي سَابِع عشر صفر سنة سبع وَخمسين وست مائَة وانتفع النَّاس بِهِ
نجيب الدّين السَّمرقَنْدِي الطَّبِيب مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر السَّمرقَنْدِي نجيب الدّين
قَالَ ابْن أبي أصيبعة طَبِيب فَاضل بارع لَهُ كتب جليلة وتصانيف مَشْهُورَة قتل مَعَ جملَة من النَّاس الَّذين قتلوا بهراة لما دَخلهَا التتار وَكَانَ معاصراً لفخر الدّين الرَّازِيّ ولنجيب الدّين السَّمرقَنْدِي من الْكتب كتاب أغذية المرضى قسمه على حسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي التغذية لكل وَاحِد من سَائِر الْأَمْرَاض كتاب الْأَسْبَاب والعلامات جمع لنَفسِهِ وَنَقله من القانون لأبي عَليّ ابْن سينا وَمن المعالجات البقراطية وكامل الصِّنَاعَة كتاب الأقراباذين الْكَبِير وَكتاب الأقراباذين الصَّغِير انْتهى كَلَامه وَلم يذكر وَفَاته
الحاكمي الْخَوَارِزْمِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الحاكمي الْخَوَارِزْمِيّ ابو عبد الله
مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة فَقِيه خطيب واعظ شَاعِر كَاتب أديب أريب صنف كتاب فتح منقشلاغ ومدح فِيهِ الْملك المظفر أتسز خوارزمشاه وَوصف أخلاقه ومحاسنه
وَمن شعره
(أيحسب النَّاس أَن الْمجد مجان ... وَهل يملك بالمجان مرجان)
(مَا أعوز الْمجد مجَّانا بِلَا ثمنٍ ... الْمجد علقٌ وللأعلاق أَثمَان)
(الْمجد أبعد شأواً أَن يفوز بِهِ ... بِغَيْر وكدٍ وكد النَّفس إِنْسَان)(4/131)
(بأين عَدوك تسلم من غوائله ... بالبعد لَا تحرق الْأَشْيَاء نيران)
(وَلَا يغرنك إطراقٌ يُرِيك بِهِ ... تناوماً فضجيج الحقد يقظان)
)
(وَلَا تفه بِكَلَام لست تأمنه ... فَرُبمَا كَانَ للحيطان آذان)
(واجز الْكَرِيم إِذا أسدى إِلَيْك يدا ... وَإِن الْجَزَاء على الْإِحْسَان إِحْسَان)
الصاحب فَخر الدّين ابْن حنا مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم الْمصْرِيّ الشَّافِعِي هُوَ الْوَزير فَخر الدّين ابو عبد الله ابْن الصاحب بهاء الدّين ابْن القَاضِي السديد ابْن حنا
سمع من أبي الْحسن ابْن المقير وَحدث ودرس بمدرسة وَالِده وَعمر رِبَاطًا كَبِيرا بالقرافة ووقف عَلَيْهِ مَا لم يقم بالفقراء وَكَانَ دينا فَاضلا محباً للخير وَهُوَ وَالِد الصاحب تَاج الدّين وَقد مر ذكره وشيعه خلق كثير روى عَنهُ الدمياطي وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وست مائَة
وَله نظم من خطّ شمس الدّين الْجَزرِي وَمن نظم الصاحب فَخر الدّين مَا أنشدنا شَيخنَا شرف الدّين الدمياطي قَالَ أنشدنا الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(من يسمع العذل فِي من وَجههَا قمرٌ ... فَذَاك عِنْدِي مِمَّن لبه فقدا)
(لَو شاهدت عذلي مَا تَحت برقعها ... من الْجمال لماتوا كلهم شَهدا)
(روحي الْفِدَاء لمن عشاقها قتلت ... فكم أسيرٍ لَهَا مَا يفتدى أبدا)
(من علم الْغُصْن لَوْلَا قدها ميساً ... وَعلم الظبي لَوْلَا جيدها غيدا)
وأنشدنا لَهُ
(أَنا مرسلٌ للعاشقين جَمِيعهم ... من مَاتَ مِنْهُم وافياً من أمتِي)
(فَلهُ الشَّهَادَة كلهَا ولي الهنا ... إِذْ كَانَ مِمَّن قد غَدا فِي زمرتي)
قلت وَلما مَاتَ رثاه البوصيري قيل أَنه كتبهَا على قَبره هِيَ
(نم هَنِيئًا مُحَمَّد بن عليٍ ... لجميلٍ قدمت بَين يديكا)
(كنت عوناً لنا على الدَّهْر حَتَّى ... حسدتنا يَد الْمنون عليكا)
(أَنْت أَحْسَنت فِي الْحَيَاة إِلَيْنَا ... أحسن الله فِي الْمَمَات إليكا)
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الجزار يعزي الصاحب بهاء الدّين فِيهِ لما مَاتَ
(بَكت الصَّحَابَة عِنْد فقد محمدٍ ... أسفا فَكَانَ أَشَّدهم حزنا عَليّ)
(ولحسرة المتألمين حَقِيقَة ... فِي الرزء غير تجمل المتجمل)
ابْن الْمصْرِيّ تَاج الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف بن شاهنشاه تَاج الدّين ابْن(4/132)
الْمصْرِيّ
كَانَ فَاضلا صنف تَارِيخا للقضاة وَتُوفِّي بِمصْر فِي الْمحرم سنة سبع وَسبعين وستّ مائَة وَدفن)
بسفح المقطم
وجيه الدّين ابْن سُوَيْد مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب بن سُوَيْد الرئيس وجيه الدّين التكريتي التَّاجِر
كَانَ نَافِذ الْكَلِمَة وافر الْحُرْمَة كثير الْأَمْوَال والتجارات وَاسع الجاه كَانَ من خَواص الْملك النَّاصِر يَده مبسوطة فِي دولته لما توجه فِي الجفل إِلَى مصر من التتار غرم ألف ألف دِرْهَم وَلما تملك الْملك الظَّاهِر قربه وَأَدْنَاهُ وَأوصى إِلَيْهِ وَجعله نَاظر أوقافه لَا يتَعَرَّض أحد إِلَى متاجره وَكتبه عِنْد الْمُلُوك حَتَّى مُلُوك الفرنج نَافِذَة وكل من ينْسب إِلَيْهِ مرعي الْجَانِب وَلما مَاتَ وَلَده التَّاج مُحَمَّد سنة سِتّ وَخمسين مَشى الْملك النَّاصِر فِي جنَازَته ثمَّ ركب إِلَى الْجَبَل
وَحج وَلَده نصير الدّين عبد الله عَام حج الْملك الظَّاهِر فَحَضَرَ عِنْده يَوْم عَرَفَة مُسلما فحين وطئ الْبسَاط قَالَ لَهُ السُّلْطَان وَبَالغ فِي إكرامه وَسَأَلَهُ عَن حَوَائِجه فَقَالَ لَهُ يكون مَعنا أَمِير يُعينهُ السُّلْطَان فَقَالَ من اخْتَرْت أَرْسلتهُ فِي خدمتك فَطلب مِنْهُ جمال الدّين ابْن نَهَار فَقَالَ لَهُ هَذَا الْمولى نصير الدّين قد اختارك على جَمِيع من معي فتخدمه مِثْلَمَا تخدمني وَتَروح مَعَه إِلَى الشَّام
وَكَانَ وجيه الدّين فِيهِ بر وَمَكَارِم ورقة حَاشِيَة ولد سنة تسع وست مائَة وَتُوفِّي سنة سبعين وست مائَة وَدفن بتربته بقاسيون
وَسمع من المؤتمن ابْن قميرة وَلم يرو بل روى عَنهُ الدمياطي من شعره فِي مليح عروس كردِي
(لما جلوا ذَا الصَّبِي كالبدر فِي هالو ... سبى المواشط وَقَالُوا فِيهِ مَا قَالُوا)
(صبي وكردي وكرديه من أشكالوا ... لَوْلَا نَبَات عذارو لالتبس حالو)
وَكَانَ أقَارِب ذَلِك الصَّبِي أُمَرَاء القميرية وَكَانَ ابْن سُوَيْد قد أنْشد الْبَيْتَيْنِ للْملك النَّاصِر وَكَانَ إِذا حَضَرُوا يَقُول لَهُ على سَبِيل الْبسط يَا وجيه لَوْلَا يُوهِمهُ أَنه ينشد الْبَيْتَيْنِ فَيَضَع الْوَجِيه إصبعه على فَمه يَعْنِي اسْكُتْ عني خوفًا من الأكراد
أَمِين الدّين الْمحلي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْخ أَمِين الدّين ابو بكر الْأنْصَارِيّ الْمحلي النَّحْوِيّ أحد أَئِمَّة الْعَرَبيَّة بِالْقَاهِرَةِ
تصدر لإقراء النَّحْو وانتفع بِهِ النَّاس لَهُ تصانيف حَسَنَة مِنْهَا أرجوزة فِي الْعرُوض وَغير ذَلِك)
وَله شعر حسن
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وست مائَة عَن ثَلَاث وَسبعين سنة وَمن نظمه مَا كتبه فِي مَرضه لبَعض الأكابر
(يَا ذَا الَّذِي عَم الورى نَفعه ... وَمن لَهُ الْإِحْسَان وَالْفضل)
(العَبْد فِي منزله مدنفاً ... وَقد جفاه الصحب والأهل)(4/133)
(فروجه البقل وَيَا وَيْح من ... فروجه فِي الْمَرَض البقل)
وَمن نظمه أَيْضا مَا كتبه إِلَى مَرِيض
(إِن جِئْت نلْت ببابك التشريفا ... وَإِن انْقَطَعت فأوثر التخفيفا)
ووحق حبي فِيك قدماً أننيعوفيتأكره أَن أَرَاك ضَعِيفا وَمن نظمه مَا أنشدنيه الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الصَّائِغ الْمُقْرِئ قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ أَمِين الدّين الْمحلي
(عَلَيْك بأرباب الصُّدُور فَإِن من ... يُجَالس أَرْبَاب الصُّدُور تصدرا)
(وَإِيَّاك أَن ترْضى صحابة ساقطٍ ... فتنحط قدرا من علاك وتحقرا)
(فَرفع ابو من ثمَّ خفض مزملٍ ... يُحَقّق قولي مغرياً ومحذرا)
ابْن ميسر الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف بن ميسّر تَاج الدّين ابو عبد الله الْمصْرِيّ المؤرخ
صنف تَارِيخ الْقُضَاة وَله تَارِيخ كَبِير ذيل بِهِ على تَارِيخ المسبحي توفّي سنة سبع وَسبعين وست مائَة
الْمُحدث جمال الدّين ابْن الصَّابُونِي مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود بن أَحْمد الْحَافِظ الْمُحدث ابو حَامِد ابْن الشَّيْخ علم الدّين ابْن الصَّابُونِي المحمودي شيخ دَار الحَدِيث النورية
ولد سنة أَربع وست مائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وست مائَة سمع من الحرستاني وَابْن ملاعب وَابْن الْبناء وَأبي الْقَاسِم الْعَطَّار وَابْن أبي لقْمَة وعني بِالْحَدِيثِ وَكتب وَقَرَأَ وَصَارَ لَهُ فهم وَمَعْرِفَة وَسمع من ابْن البن وَابْن صصرى وَهَذِه الطَّبَقَة بِدِمَشْق
وَكَانَ صَحِيح النَّقْل مليح الْخط حسن الْأَخْلَاق صنف مجلداً سَمَّاهُ تَكْمِلَة إِكْمَال الْإِكْمَال ذيل بِهِ على إِكْمَال ابْن نقطة فأجاد وَأفَاد)
وَهُوَ من رفاق ابْن الْحَاجِب وَالسيف بن الْمجد وَابْن الدخميسي وَابْن الْجَوْهَرِي وَطَالَ عمره وعلت رِوَايَته وروى الْكثير بِمصْر ودمشق روى عَنهُ الدمياطي وَابْن الْعَطَّار والدواداري والبرزالي والبرهان الذَّهَبِيّ وَابْن رَافع جمال الدّين وقاضي الْقُضَاة نجم الدّين ابْن صصرى وَكَانَ لَهُ إجَازَة من الْمُؤَيد الطوسي وَابْن طبرزد وَحصل لَهُ تغير قبل مَوته بِسنة أَو أَكثر واعتراه غَفلَة وساء حفظه وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مروياته وَدفن بسفح قاسيون
شمس الدّين الْمزي العابر مُحَمَّد بن عَليّ بن علوان الشَّيْخ شمس الدّين الْمزي مُفَسّر الرُّؤْيَا كَانَ ضريراً كثير التِّلَاوَة وَكَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا يضْرب بِهِ الْمثل فِي وقته
توفّي سنة ثَمَانِينَ وست مائَة(4/134)
صدر الدّين ابْن القباقبي مُحَمَّد بن عَليّ الْأنْصَارِيّ الصَّدْر شمس الدّين ابْن القباقبي
كَانَ من شُيُوخ الْكتاب وَهُوَ وَالِد مجد الدّين يُوسُف أَظُنهُ كتب الدرج بصفد وَالله أعلم توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست مائَة
ابْن شَدَّاد الْحلَبِي الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن شَدَّاد الصَّدْر المنشئ عز الدّين ابو عبد الله الْأنْصَارِيّ الْحلَبِي الْكَاتِب
ولد سنة ثَلَاث عشرَة وَكَانَ أديباً فَاضلا وصنف تَارِيخا لحلب وسيره إِلَى الْملك الظَّاهِر وَكَانَ من خَواص النَّاصِر ذهب فِي الرسلية إِلَى هولاكو وَإِلَى غَيره وَسكن الديار المصرية بعد أَخذ حلب وَكَانَ ذَا مكانة عِنْد الظَّاهِر والمنصور وَله توصل ومداخلة وَفِيه مُرُوءَة ومسارعة لقَضَاء الْحَوَائِج وروى شَيْئا وَسمع مِنْهُ المصريون
وَتُوفِّي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وست مائَة
صَلَاح الدّين مدرس القيمرية مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود صَلَاح الدّين أَبُو عبد الله الشهرزوري الشَّافِعِي مدرس القيمرية بِدِمَشْق وناظرها الشَّرْعِيّ
كَانَ شَابًّا نبيها حسن الشكل كريم الْأَخْلَاق لين الْكَلَام ولي تدريسها بعد وَالِده القَاضِي شمس الدّين عَليّ
توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وست مائَة وَدفن إِلَى جَانب وَالِده بتربة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الضلاح وَلم يكمل لَهُ أَرْبَعُونَ سنة
رَضِي الدّين الشاطبي اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْعَلامَة رَضِي)
الدّين ابو عبد الله الْأنْصَارِيّ الشاطبي اللّغَوِيّ
ولد ببلنسية سنة إِحْدَى وست مائَة وروى عَن ابْن المقير وَابْن الجميزي وَكَانَ عالي الْإِسْنَاد فِي الْقُرْآن لِأَنَّهُ قَرَأَ لورش على المعمر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَسْعُود الشاطبي الْأَزْدِيّ صَاحب ابْن هُذَيْل
وَكَانَ رَضِي الدّين إِمَام عصره فِي اللُّغَة تصدر بِالْقَاهِرَةِ وَأخذ النَّاس عَنهُ روى عَنهُ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان وَسعد الدّين الْحَارِثِيّ وجمال الدّين الْمزي وَابْن مُنِير والظاهري ابو عَمْرو
توفّي سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وست مائَة وَكَانَ يجْتَمع بالصاحب زين الدّين ابْن الزبير ويجتمع بالصاحب الْمَذْكُور جمَاعَة الشُّعَرَاء من عصره مثل أبي الْحُسَيْن والوراق وَابْن النَّقِيب وَتلك الحلبة
أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ فَكَانَ الصاحب يرجحه عَلَيْهِم وَيَرْفَعهُ فَوْقهم فِي الْمجْلس وَيَقُول أَنْت عَالم وَهَؤُلَاء شعراء انْتهى
وَلما مَاتَ الشَّيْخ رَضِي الدّين رثاه السراج الْوراق بقصيدة أَولهَا
(سقى أَرضًا بهَا قبر الرضي ... حَيا الوسمي يردف بالولي)(4/135)
مِنْهَا
(فقد ترك الْغَرِيب غَرِيب دارٍ ... وأذكره بفقد الأضمعي)
(وَأحكم محكمٌ بلجام حزنٍ ... لفقد الْفَارِس البطل الكمي)
(وَلما اعتل قَالُوا اعتل أَيْضا ... لشكواه صِحَاح الْجَوْهَرِي)
(وجازى كل عينٍ قد بكته ... كتاب الْعين بالدمع الروي)
(لشيخ السَّبع أبين مَا رَوَاهُ ... وصال كصولة السَّبع الجري)
(فَحزن الشاطبية لَيْسَ يخفى ... من العنوان عَن فهم الغبي)
(وَفِي علم الحَدِيث لَهُ اجتهادٌ ... بِهِ يَتْلُو اجْتِهَاد الْبَيْهَقِيّ)
(وَفِي الْأَنْسَاب لَا يخفى عَلَيْهِ ... دعاوي من صَحِيح أَو دعِي)
(لَو أدْرك عصره الْكَلْبِيّ ولى ... وهرول خوف ليثٍ هبرزي)
وَكَانَ الشاطبي أَزْرَق الْعَينَيْنِ فَقَالَ نَاصِر الدّين ابْن النَّقِيب فِيهِ
(يَقُولُونَ قد حرف الشاطبي ... فَقلت وَتَصْحِيفه أكتر)
)
(وَمن لم يُقيد رواياته ... بِخَط الشُّيُوخ فَمَا يذكر)
(وَمن أَخذ الْعلم عَن نَفسه ... فَإِن سواهُ بِهِ أخبر)
(وَقَالُوا دعاويه لَا تَنْقَضِي ... وجد مساويه لَا يحصر)
(فَقلت اصفعوا الْأَزْرَق الْمُدَّعِي ... وَلَو أَنه خلف الْأَحْمَر)
ابْن العابد الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ بن العابد الْكَاتِب قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين مشافهة هَذَا من غرناطة وَهُوَ وَالِد الْكَاتِب أبي الْقَاسِم ابْن العابد
لَهُ يلغز فِي سَاحر من إنشاد أثير الدّين
(مَا اسمٌ لحسناء تسمت بِهِ ... مِمَّا بعينيها لقتل الْعباد)
(وَنصفه الثَّانِي مرادي الَّذِي ... أختاره مِنْهَا وَنعم المُرَاد)
الرندي مُحَمَّد بن عَليّ الرندي بالراء المضمومة وَالنُّون
أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ قدم علينا الْقَاهِرَة ومدح بهَا بعض قضاتها وَتشفع عِنْده بِبَعْض اصحابه وَكَانَ قد نظم فِيهِ أشعاراً وموشحات فَردهَا عَلَيْهِ وَكتب لَهُ بعد الشَّفَاعَة بأرطال من الْخبز قَليلَة فِي ورقة فَلم يقبلهَا وَكَانَ قد شكا إِلَيْهِ عائلة كَبِيرَة فَقَالَ إِذا كَانَ هَذَا رئيسهم فَفَارَقَ الْقَاهِرَة وَلَا أَدْرِي أَيْن ذهب
وأنشدني أثير الدّين للمذكور
(شكري لعليائكم كالروض للسحب ... وَقد غذتها بدر غيث منسكب)
(إِذْ لحت فِي آل شكرٍ بدر هالتها ... تمد بَحر الندى بِالْعلمِ وَالْأَدب)
(بِبَيْت عزٍ شهيرٍ لَا يلم بِهِ ... خرمٌ وَلَا وتدٌ يَنْفَكّ عَن سَبَب)(4/136)
(مديد سبقٍ طويلٍ فِي دوائره ... وكاملٍ وافرٍس يُغني عَن الخبب)
قلت شعر منحط
ابْن الملاق الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الملاق بِالتَّخْفِيفِ فِي اللامالقاضي بدر الدّين الرقي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ
سمع من بكبرس الخليفتي الْأَرْبَعين الودعانية وَسمع مِنْهُ الدواداري وَأَجَازَ للدماشقة
مولده سنة تسع عشرَة توفّي سنة سبع وَتِسْعين وست مائَة
نَائِب الدواداري فِي الشد مُحَمَّد بن عَليّ الْأَمِير شهَاب الدّين الْعقيلِيّ نَائِب الدواداري فِي شدّ)
الشَّام
قتل فِي أَوَاخِر سنة سبع وَتِسْعين وست مائَة وَكَانَ قد شاخ وأسن وَسمر قَاتله
الْمسند شمس الدّين ابْن الوَاسِطِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن فضل الْمسند الْمُبَارك شمس الدّين ابو عبد الله أَخُو الإِمَام الْقدْوَة تَقِيّ الدّين ابْن الوَاسِطِيّ
ولد سنة خمس عشرَة وست مائَة تَقْرِيبًا وَحضر عَليّ الشَّيْخ الْمُوفق ومُوسَى بن عبد الْقَادِر وَابْن رَاجِح وَسمع من ابْن أبي لقْمَة والقزويني وَابْن البن وَابْن صصرى والبهاء وَابْن صباح والكاشغري وَابْن غَسَّان والزبيدي وَعمر بن شَافِع وَطَائِفَة خرج لَهُ الشَّيْخ شمس الدّين عوالي فِي جُزْء ضخم وَخرج لَهُ النابلسي مشيخة فِي جزئين وَسمع مِنْهُ الْمزي والبرزالي وَابْن سيد النَّاس والمقاتلي وَابْن المهندس وَنجم الدّين القحفازي وشمس الدّين ابْن المهيني وَتُوفِّي سنة سبع مائَة
الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد الْقشيرِي المنفلوطي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي(4/137)
الشَّافِعِي أحد الْأَعْلَام وقاضي الْقُضَاة
ولد سنة خمس وَعشْرين بِنَاحِيَة يَنْبع وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع مائَة
سمع من ابْن المقير وَابْن الجميزي وَابْن رواج والسبط وعدة وَسمع من ابْن عبد الدَّائِم والزين خَالِد بِدِمَشْق وَخرج لنَفسِهِ أَرْبَعِينَ تساعية وَلم يحدث عَن ابْن المقير وَابْن رواج لِأَنَّهُ دَاخله شكّ فِي كَيْفيَّة التَّحَمُّل عَنْهُمَا
وَله التصانيف البديعة كالإلمام وَالْإِمَام شَرحه وَلم يكمل وَلَو كمل لم يكن لِلْإِسْلَامِ مثله وَكَانَ يَجِيء فِي خَمْسَة وَعشْرين مجلداً وَله عُلُوم الحَدِيث وَالَّذِي أملاه على ابْن الثير فِي شرح عُمْدَة الْأَحْكَام فَاضل الْعَصْر الَّذِي يعرفهُ وَهُوَ إملاء وَشرح مُقَدّمَة الْمُطَرز فِي أصُول الْفِقْه وَألف الْأَرْبَعين فِي الرِّوَايَة عَن رب الْعَالمين وَشرح بعض مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَكَانَ إِمَامًا متفنناً مُحدثا مجوداً فَقِيها مدققاً أصولياً أديباً نحوياً شَاعِرًا ناثراً ذكياً غواصاً على الْمعَانِي مُجْتَهدا وافر الْعقل كثير السكينَة بَخِيلًا بالْكلَام تَامّ الْوَرع شَدِيد التدين مديم السهر مكباً على المطالعة وَالْجمع قل أَن ترى الْعُيُون مثله وَكَانَ سَمحا جواداً عديم الدعاوي لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفُرُوع)
وَالْأُصُول وبصر بعلل الْمَنْقُول والمعقول قد قهره الوسواس فِي أَمر الْمِيَاه والنجاسات وَله فِي ذَلِك حكايات ووقائع عَجِيبَة وَكَانَ كثير التَّسَرِّي والتمتع وَله عدَّة أَوْلَاد ذُكُور بأسماء الصَّحَابَة الْعشْرَة
تفقه بِأَبِيهِ وبالشيخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وبطائفة واشتهر اسْمه فِي حَيَاته وحياة مشايخه وَتخرج بِهِ أَئِمَّة
وَكَانَ لَا يسْلك المراء فِي بَحثه بل يتَكَلَّم بسكينة كَلِمَات يسيرَة فَلَا يُرَاد وَلَا يُرَاجع وَكَانَ عَارِفًا بمذهبي مَالك وَالشَّافِعِيّ كَانَ مالكياً أَولا ثمَّ صَار شافعياً قَالَ وَافق اجتهادي اجْتِهَاد الشَّافِعِي إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ أحديهما أَن الابْن لَا يُزَوّج أمه وَالْأُخْرَى وحسبك بِمن يتنزل ذهنه على ذهن الشَّافِعِي
وَكَانَ لَا ينَام اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا يقطعهُ بمطالعة وَذكر وتهجد أوقاته كلهَا معمورة
وَلما طلع إِلَى السُّلْطَان حسام الدّين لاجين قَامَ لَهُ وخطا عَن مرتبته وعزل نَفسه عَن الْقَضَاء مَرَّات ثمَّ يسْأَل ويعاد إِلَيْهِ وَكَانَ شفوقاً على المشتغلين كثير الْبر لَهُم
وَقَالَ قطب الدّين أَتَيْته بِجُزْء سَمعه من ابْن رواج والطبقة بِخَطِّهِ فَقَالَ حَتَّى أنظر ثمَّ عَاد إِلَيْهِ فَقَالَ هُوَ خطي وَلَكِن مَا أحقق سَمَاعي لَهُ وَلَا أذكرهُ
وَحكى قطب الدّين السنباطي قَالَ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لكاتب الشمَال سِنِين لم يكْتب عَليّ شَيْئا قلت أَخْبرنِي ذَلِك الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ قَالَ حكى لي ذَلِك السنباطي فاجتمعت بِهِ وَقلت لَهُ قَالَ فلَان عَن فلَان عَن مَوْلَانَا كَذَا وكذافقال أَظن ذَلِك أَو كَذَلِك يكون الْمُسلم أَو كَمَا قَالَ
روى عَنهُ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس وقطب الدّين ابْن مُنِير وقاضي الْقُضَاة عَلَاء الدّين القونوي وقاضي الْقُضَاة علم الدّين الإخنائي وَآخَرُونَ وَحدث للشَّيْخ شمس الدّين إملاء
وشعره فِي غَايَة الْحسن فِي الانسجام والعذوبة وَصِحَّة الْمَقَاصِد وغوص الْمعَانِي وجزالة الْأَلْفَاظ ولطف التَّرْكِيب
أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين(4/138)
أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود فَقَالَ مَا رَأَيْت فِي أهل الْأَدَب مثله وناهيك بِمن يَقُول شهَاب الدّين مَحْمُود فِي حَقه هَذَا
وَقَالَ لي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس وَكَانَ بِهِ خصيصاً كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ممتعاً إِذا فتح)
لَهُ بَاب انْقَضتْ تِلْكَ اللَّيْلَة فِي تِلْكَ الْمَادَّة حَتَّى فِي شعر الْمُتَأَخِّرين والعصريين انْتهى
قلت
(فَهُوَ الَّذِي بجح الزَّمَان بِذكرِهِ ... وتزينت بحَديثه الْأَخْبَار)
قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُود قَالَ لي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد يَوْمًا قَول أبي الطّيب
(لَو كَانَ صَادف رَأس عازر سَيْفه ... فِي يَوْم معركةٍ لأعيى عِيسَى)
فِي هَذَا شَيْء غير إساءة الْأَدَب فأفكرت سَاعَة ثمَّ قلت نعم كَون الْمَوْت مَا يتَفَاوَت إِن كَانَ بِالسَّيْفِ أَو غَيره فالإحياء من الْمَوْت سَبِيل وَاحِدَة فَقَالَ أَحْسَنت يَا فَقِيه أَو كَمَا قَالَ وَهَذِه الْمُؤَاخَذَة لَا تصدر إِلَّا من أديب كَبِير كالجاحظ أَو غَيره
وَأما مَا كَانَ يَقع من الشَّيْخ أثير الدّين فِي حَقه فَلهُ سَبَب أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ فتح الدّين قَالَ كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد نزل عَن تدريس مدرسة لولدهنسيت أَنا الْمدرسَة وَاسم ابنهفلما حضر الشَّيْخ أثير الدّين درس قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز قَرَأَ آيَة يُفَسِّرهَا درس ذَلِك الْيَوْم وَهِي قَوْله تَعَالَى قد خسر الَّذين قتلوا أولادهمفبرز أَبُو حَيَّان من الْحلقَة وَقَالَ يَا مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة قدمُوا أَوْلَادهم قدمُوا أَوْلَادهم يُكَرر ذَلِك فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة مَا معنى هذاقال ابْن دَقِيق الْعِيد نزل لوَلَده فلَان عَن تدريس الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة فَنقل الْمجْلس إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فَقَالَ أما أَبُو حَيَّان فَفِيهِ دعابة أهل الأندلس ومجونهم وَأما أَنْت يَا قَاضِي الْقُضَاة فيبدل الْقُرْآن فِي حضرتك وَمَا تنكر هَذَا الْأَمر فَمَا كَانَ إِلَّا عَن قَلِيل حَتَّى عزل ابْن بنت الْأَعَز من الْقَضَاء بِابْن دَقِيق الْعِيد فَكَانَ إِذا خلا شَيْء من الْوَظَائِف الَّتِي تلِيق بالشيخ أثير الدّين ابي حَيَّان يَقُول النَّاس هَذِه لأبي حَيَّان يُخرجهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لغيره فَهَذَا هُوَ السَّبَب الْمُوجب لحط أبي حَيَّان وشناعه عَلَيْهِ وَأهل الْعَصْر لَا يرجع إِلَى جرحهم بَعضهم بَعْضًا لمثل هَذِه الْوَاقِعَة وأمثالها
(إِن العرانين تلقاها محسدةً ... وَلَا ترى للئام النَّاس حسادا)
وَمَا خلص ابْن بنت الْأَعَز من ضرب الْعُنُق إِلَّا ابْن دَقِيق الْعِيد لِأَن الْوَزير شمس الدّين ابْن السلعوس لما عمل على ابْن بنت الْأَعَز وعزله وسعى فِي عمل محَاضِر بِكُفْرِهِ وَأخذ خطّ الْجَمَاعَة على المحاضر وَلم يبْق إِلَّا خطّ ابْن دَقِيق الْعِيد أرسل إِلَيْهِ المحاضر مَعَ نقباء وَقَالَ يَا مَوْلَانَا(4/139)
السَّاعَة تضع خطك على هَذِه المحاضر فَأَخذهَا وَشرع يَتَأَمَّلهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد والنقباء)
يتواتر ورودهم بالحث والطلب والإزعاج وَأَن الْوَزير فِي انْتِظَار ذَلِك وَالسُّلْطَان قد حث فِي الطّلب وَهُوَ لَا ينزعج وَكلما فرغ محضراً دَفعه إِلَى الآخر فَقَالَ مَا أكتب فِيهَا شَيْئا قَالَ الشَّيْخ فتح الدّين فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي لأجل السُّلْطَان والوزير فَقَالَ أَنا مَا أَدخل فِي إِرَاقَة دم مُسلم قَالَ فَقلت لَهُ كنت تكْتب خطك بذلك وَبِمَا يخلص فِيهِ فَقَالَ يَا فَقِيه مَا عَقْلِي عقلك هم مَا يدْخلُونَ إِلَى السُّلْطَان وَيَقُولُونَ قد كتب فلَان بِمَا يُخَالف خطوط البَاقِينَ وَإِنَّمَا يَقُولُونَ قد كتب الْجَمَاعَة وَهَذَا خطّ ابْن دَقِيق الْعِيد فَأَكُون أَنا السَّبَب الأفوى فِي قَتله قَالَ فَأبْطل إِبْطَاله وأطفأ من شواظ نارهم
وَمَا أرَاهُ إِلَّا أَنه مِمَّن بَعثه الله تَعَالَى على رَأس كل مائَة ليجدد لهَذِهِ الْأمة دينهم فَإِن الله بعث على رَأس الْمِائَة الأولى عمر بن عبد الْعَزِيز وعَلى رَأس الثَّانِيَة الشَّافِعِي وعَلى رَأس الْمِائَة الثَّالِثَة ابْن سُرَيج وعَلى راس الْمِائَة الرَّابِعَة أَبَا حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ وعَلى رَأس الْمِائَة الْخَامِسَة ابا حَامِد الْغَزالِيّ وعَلى رَأس الْمِائَة السَّادِسَة الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وعَلى رَأس الْمِائَة السَّابِعَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَأَخْبرنِي فتح الدّين أَنه مَا كَانَ يُعجبهُ قَول من يقولقاضي الْقُضَاة الشافعيفإذا قُلْنَا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة قَالَ إِنَّه هَذَا
وَكتب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِلَى قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الْخَلِيل الخويي شافعاً ومتشوقاً يخْدم الْمجْلس لَا زَالَ حَافِظًا لأحكام الْجُود مَحْفُوظًا بِضَمَان الله فِي ضمن السُّعُود محروس الْعَزْم من دواعي الْهوى والعز من دواعي الحسود مُقَابل وَجه الرَّأْي بِمِرْآة الْحق مولي جناب الْبَاطِل جَانب الصدود وَلَا برح يمطر على العفاة سحائب كرمه ويروي الروَاة من بحار عُلُوم بِمد من قلمه ويجلو ابكار الأفكار مقلدة بِمَا نظم السحر من حلي كَلمه ويبرز خفيات الْمعَانِي منقادة بأيد ذهنه وأيدي حكمه ويسمو إِلَى غايات الْمَعَالِي حَتَّى يُقَال ايْنَ سمو النَّجْم من هممه ويسبغ من جمال فَضله وجميله مَا يبصره الْجَاهِل على عماه ويسمعه الْحَاسِد على صممه وَينْهى من ولائه مَا يشْهد بِهِ ضَمِيره الْكَرِيم وَمن ثنائه مَا هُوَ أطيب من ودائع الرَّوْض فِي طي النسيم وَمن دُعَائِهِ مَا يقوم مِنْهُ بوظيفة لَا تهمل وبشيعه برجاء يطْمع مَعَه بكرم الله أَن يقبل(4/140)
وَيقبل وَيجْرِي مِنْهُ على عَادَة إِذا انْقَضى مِنْهَا مَاض تبعه الْفِعْل فِي الْحَال والعزم فِي الْمُسْتَقْبل غير خَافَ أَنه لكل أجل كتاب وَلكُل مَقْصُود أَسبَاب وَلم يزل يهم بِالْكِتَابَةِ وَالْأَيَّام تدافع ويعزم على المخاطبة فتدفع فِي صدر عزمه الْمَوَانِع حَتَّى طلع الْوَقْت)
فجر حَظه واستناب منافثة قلمه عَن مشافهة لَفظه وَقَالَ لخدمته هَذِه ردي مورداً غير آسن وتهنى محَاسِن لَا تشبهها المحاسن وتوطني الْمحلة المسعودة فَكَمَا يسْعد النَّاس كَذَلِك تسعد الْأَمَاكِن
وشاهدي من ذَلِك السَّيِّد صَدرا بشره بالنجح ضَامِن وشهاباً مَا زلنا نعد السيارة سبعا حَتَّى عززت لنا مِنْهُ بثامن وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن القَاضِي نجم الدّين بمحلة منف لما قدم الْقَاهِرَة أَقَامَ بِحَيْثُ تقيم وحاضرنا محاضرة الرجل الْكَرِيم ونافث منافثة لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم ولازم الدُّرُوس مُلَازمَة لَوْلَا أَنَّهَا محبوبة لقلنا مُلَازمَة غَرِيم وَتلك حُقُوق لَهُ مرعية وَمَعْرِفَة أنسابها مراضعة الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَقصد هَذِه الْخدمَة إِلَى الْمجْلس فَكَانَ ذَلِك من وَاجِب حَقه وَذكر ثَنَاء عَلَيْهِ فَقُلْنَا رَأَيْت الْحق لمستحقه وَسَيِّدنَا حرسه الله تَعَالَى أهل لتقليد المنن وَمحل لِأَن يظنّ بِهِ كل حسن وَالْعلم بمروءته لَا يقبل تشكيك المشكك وابوته تَقْتَضِي أَن يرتقي من بِعُرْوَة وده يسْتَمْسك وَالله تَعَالَى يرفع شَأْنه ويعلى برهانه وَيكْتب لَهُ يَوْم إحسانه إحسانه ويطوي على المعارف اليقينية جنانه وَيُطلق بِكُل صَالِحَة يَده وَلسَانه بمنه وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قلت مَا أعرف بعد القَاضِي افاضل من كتب الْإِنْشَاء مثل القَاضِي محيي الدّين ابْن عبد الظَّاهِر وَمَا لَهُ مثل هَذِه الْمُكَاتبَة علم ذَلِك من علمه أَو جَهله من جَهله
أَنْشدني من لَفظه الشَّيْخ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس قَالَ أَنْشدني شَيخنَا تَقِيّ الدّين ابْن دقي قالعيد لنَفسِهِ
(الْحَمد لله كم أسعى بعزمي فِي ... نيل العلى وَقَضَاء الله ينكسه)
(كأنني الْبَدْر أبغي الشرق والفلك ال ... أَعلَى يُعَارض مسعاه فيعكسه)
قلت هُوَ مثل قَول الأرجاني
(سعيي إِلَيْكُم فِي الْحَقِيقَة وَالَّذِي ... تَجِدُونَ عَنْكُم فَهُوَ سعي الدَّهْر بِي)
(أنحوكم وَيرد وَجْهي الْقَهْقَرَى ... دهري فسيري مثل سير الْكَوْكَب)
(فالقصد نَحْو الْمشرق الْأَقْصَى لَهُ ... وَالسير رَأْي الْعين نَحْو الْمغرب)
وأنشدني بالسند الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا
(أأحباب قلبِي وَالَّذين بذكرهم ... وترداده طول الزَّمَان تعلقي)
(لَئِن غَابَ عَن عَيْني بديع جمالكم ... وجار على الْأَبدَان حكم التَّفَرُّق)
)
(فَمَا ضرنا بعد الْمسَافَة بَيْننَا ... سرائرنا تسري إِلَيْكُم فنلتقي)(4/141)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا
(قَالُوا فلَان عَالم فَاضل ... فأكرموه مثل مَا يرتضي)
(فَقلت لما لم يكن ذَا تقى ... تعَارض الْمَانِع والمقتضي)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور إجَازَة لَهُ يمدح رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم
(يَا سائراً نَحْو الْحجاز مشمراً ... اجهد فديتك فِي الْمسير وَفِي السرى)
(وَإِذا سهرت اللَّيْل فِي طلب العلى ... فحذار ثمَّ حذار من خدع الْكرَى)
(فالقصد حَيْثُ النُّور يشرق ساطعاً ... والطرف حَيْثُ ترى الثرى متعطرا)
(قف بالمنازل والمناهل من لدن ... وَادي قبَاء إِلَى حمى أم الْقرى)
(وتوخ آثَار النَّبِي فضع بهَا ... متشرفاً خديك فِي عفر البرى)
(وَإِذا رَأَيْت مهابط الْوَحْي الَّتِي ... نشرت على الْآفَاق نورا أنورا)
(فَاعْلَم بأنك مَا رَأَيْت شبيهها ... مذ كنت فِي ماضي الزَّمَان وَلَا ترى)
(فتردد الْمُخْتَار بَين بعيدها ... وقريبها متبدياً متحضرا)
(واستودعت من سره مَا كَاد أَن ... يُبْدِي لنا معنى الْكَمَال مصورا)
(سرٌ فهمنا كنهه لم يشْتَبه ... فنشك فِيهِ وَلم نهم فيفسرا)
(وَلَقَد أَقُول إِذا الْكَوَاكِب اشرقت ... وترفعت فِي منهتى شرف الذرى)
(لَا تفخرا زهر فَإِن مُحَمَّدًا ... أَعلَى على ص مِنْهَا وأشرف جوهرا)
(نلنا بِهِ مَا قد رَأينَا من على ... مَعَ مَا نؤمل فِي الْقِيَامَة أَن نرى)
(فسعادة أزلية سبقت وَمَا ... هُوَ ثابتٌ أزلاً فَلَنْ يتغيرا)
(وسيادة بارى الْأَنَام بهَا وَلَا ... سِيمَا إِذا قدمُوا عَلَيْهِ المحشرا)
(ومواهبٌ يَأْتِي لَهَا التأميل مس ... تقصىً فَيرجع عِنْدهَا مستقصرا)
(ومهابة مَلأ الْقُلُوب بهاؤها ... واستنزلت كبر الْمُلُوك مُصَغرًا)
(ولربما كفت الْقِتَال فَلَو غَدَتْ ... لليث نَالَ بهَا الفريسة مخدرا)
(وبديع لطف شمائلٍ من دونهَا ... مَاء الغمامة والنسيم إِذا سرى)
(مَعَ سطوة لله فِي يَوْم الوغى ... تعنو لشدَّة بأسها أَسد الشرى)
)
(لَا يُنكر الْمَعْرُوف من أخلاقه ... وَإِذا استبيح حمى الْإِلَه تنكرا)
(شوقي لقرب جنابه وصحابه ... شوقٌ يجل يسيره أَن يذكرَا)(4/142)
(أفنى كنوز الصَّبْر من إشرافه ... وَجرى على الأحشاء مِنْهُ مَا جرى)
(أَن لَاحَ صبحٌ كَانَ وجدا مقلقاً ... أَو جن ليلٌ كَانَ هما مسهرا)
(أَرْجُو وصال أحبتي فَكَأَنَّمَا ... أَرْجُو الْمحَال وجوده المتعذرا)
(وأسير نَحْو مقامهم حَتَّى إِذا ... شارفت رُؤْيَته رجعت الْقَهْقَرَى)
حذفت مِمَّن أَثْنَائِهَا وَمن آخرهَا ابياتاً خوف الإطالة وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَهُ إجَازَة
(تهيم نَفسِي طَربا كلما ... أستلمح الْبَرْق الحجازيا)
(ويستخف الوجد عَقْلِي وَقد ... لبست أَثوَاب الحجى زيا)
(يَا هَل أقضى حَاجَتي من منى ... وأنحر البزل المهاريا)
(وأرتوي من زَمْزَم فَهِيَ لي ... الذ من ريق المهى ريا)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا
(تمنيت أَن الشيب عَاجل لمتي ... وَقرب مني صباي مزاره)
(لآخذ من عصر الشَّبَاب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا
(عطيته إِذا أعْطى سرورٌ ... فَإِن سلب الَّذِي أعْطى أثابا)
(فَأَي النعمتين أعد فضلا ... وَأحمد عِنْد عقباها إيابا)
(أنعمته الَّتِي كَانَت سُرُورًا ... أم الْأُخْرَى الَّتِي جلت ثَوابًا)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور من أَبْيَات
(لم يبْق لي أملٌ سواك فَإِن يفت ... ودعت أَيَّام الْحَيَاة وداعا)
(لَا أستلذ لغير وَجهك منْظرًا ... وَسوى حَدِيثك لَا اريد سَمَاعا)
وأنشدني الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نباتة قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لنَفسِهِ
(أَتعبت نَفسك بَين ذلة كادحٍ ... طلب الْحَيَاة وَبَين حرص مُؤَمل)
(وأضعت نَفسك لَا خلاعة ماجنٍ ... حصلت فِيهِ وَلَا وقار مبجل)
(وَتركت حَظّ النَّفس فِي الدُّنْيَا وَفِي ال ... أُخْرَى ورحت عَن الْجَمِيع بمعزل)
)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا
(لعمري لقد قاسيت بالفقر شدَّة ... وَقعت بهَا فِي حيرةٍ وشتات)
(فَإِن بحت بالشكوى هتكت مروءتي ... وَإِن لم ابح بِالصبرِ خفت مماتي)
(فأعظم بِهِ من نازلٍ بملمةٍ ... يزِيل حيائي أَو يزِيل حَياتِي)(4/143)
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا دوبيت
(الْجِسْم تذيبه حُقُوق الخدمه ... وَالنَّفس هلاكها علو الهمه)
(والعمر بِذَاكَ يَنْقَضِي فِي تعبٍ ... والراحة مَاتَت فعلَيْهَا الرحمه)
وَمن العجيب أَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ الدوبيت حفظهما تَاج الدّين أَحْمد أَخُو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَكَانَ فارضاً وعاقداً بالحسينية فاتفق أَنه قَالَ فِي وَقت الهاجرة بسمجد الْجَوَارِي بالحسينية فَرَأى والدهما الشَّيْخ مجد الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ نَائِم فَسلم عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ يَا سَيِّدي بِخَير فَقَالَ كَيفَ مُحَمَّد أخوكقال بِخَير السَّاعَة كنت عِنْده وأنشدني دوبيت وأنشده للشَّيْخ فَقَالَ سلم عَلَيْهِ وَقل لَهُ
(الرّوح إِلَى محلهَا قد تاقت ... وَالنَّفس لَهَا مَعَ جسمها قد عاقت)
(وَالْقلب معذبٌ على جمعهم ... وَالصَّبْر قضى وحيلتي قد ضَاقَتْ)
فانتبه تَاج الدّين وَقد حفظ الدوبيت الْمَذْكُور ونقلت من خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَا أثْبته لنَفسِهِ
(أفكر فِي حَالي وَقرب منيتي ... وسيري حثيثاً فِي مصيري إِلَى الْقَبْر)
(فينشئ لي فكري سحائب للأسى ... تسح هموماً دونهَا وابل الْقطر)
(إِلَى الله أَشْكُو من وجودي فإنني ... تعبت بِهِ مذ كنت فِي مبدأ الْعُمر)
(تروح وتغدو للمنايا فجائعٌ ... تكدره وَالْمَوْت خَاتِمَة الْأَمر)
ونقلت مِنْهُ لَهُ أَيْضا
(سَحَاب فكري لَا يزَال هامياً ... وليل همي لَا أرَاهُ راحلا)
(قد أتعبتني همتي وفطنتي ... فليتني كنت مهيناً جَاهِلا)
وأنشدني الشَّيْخ فتح الدّين إجَازَة قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(كم ليلةٍ فِيك وصلنا السرى ... لَا نَعْرِف الغمض وَلَا نستريح)
(قد كلت العيس فجد الْهوى ... واتسع الكرب فَضَاقَ الفسيح)
)
(وكادت الْأَنْفس مِمَّا بهَا ... تزهق والأرواح مِنْهَا تطيح)
(وَاخْتلف الْأَصْحَاب مَاذَا الَّذِي ... يزِيل من شكواهم أَو يزيح)
(فَقيل تعريسهم سَاعَة ... وَقلت بل ذكراك وَهُوَ الصَّحِيح)
قلت مَا أعرف لأحد من الْمُتَقَدِّمين وَلَا من الْمُتَأَخِّرين حسن هَذَا المخلص
وَأَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَانَ مغرىً بالكيمياء مُعْتَقدًا صِحَّتهَا قَالَ لِأَنَّهُ أتفق لَهُ فِي مَدِينَة قوص لما كَانُوا بهَا من صنعها بِحُضُورِهِ وَحكى لي الْوَاقِعَة بِطُولِهِ وَمن شعر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قدس الله روحه(4/144)
(يَا معرضًا عني وَلست بمعرضٍ ... بل ناقضاً عهدي وَلست بناقض)
(أتعبتني فخلائقٌ لَك لم يفد ... فِيهَا وَقد جمحت رياضة رائض)
(أرضيت أَن تخْتَار رفضي مذهبا ... فيشنع الْأَعْدَاء أَنَّك رَافِضِي)
وَمِنْه
(قد جرحتنا يَد أيامنا ... وَلَيْسَ غير الله من آس)
(فَلَا ترج الْخلق فِي حاجةٍ ... لَيْسُوا بأهلٍ لسوى الياس)
(وَلَا تزد شكوى إِلَيْهِم فَلَا ... معنى لشكواك إِلَى قَاس)
(وَأَن تخالط مِنْهُم معشراً ... هويت فِي الدّين على الراس)
(يَأْكُل بعضٌ لحم بعضٍ وَلَا ... يحْسب فِي الْغَيْبَة من بَأْس)
(لَا ورعٌ فِي الدّين يحميهم ... عَنْهَا وَلَا حشمة جلاس)
(لَا يعْدم الْآتِي إِلَى بابهم ... من ذلة الْكَلْب سوى الخاسي)
(فاهرب من النَّاس إِلَى رَبهم ... لَا خير فِي الْخلطَة بِالنَّاسِ)
وَمن شعره أَيْضا
(وقائلةٍ مَاتَ الْكِرَام فَمن لنا ... إِذا عضنا الدَّهْر الشَّديد بنابه)
(فَقلت لَهَا من كَانَ غَايَة قَصده ... سؤالاً لمخلوقٍ فَلَيْسَ بنابه)
(لَئِن مَاتَ من يُرْجَى فمعطيهم الَّذِي ... يرجونه باقٍ فلوذي بنابه)
وَمِنْه
(ومستبعد قلب الْمُحب وطرفه ... بسُلْطَان حسنٍ لَا يُنَازع فِي الحكم)
)
(متين التقى عف الضَّمِير عَن الْخَنَا ... رَقِيق حَوَاشِي الظّرْف وَالْحسن والفهم)
(يناولني مسواكه فأظنه ... تحيل فِي رشفي الرضاب بِلَا إِثْم)
وَمِنْه
(إِذا كنت فِي نجدٍ وَطيب نسيمها ... تذكرت أَهلِي باللوى فمحجر)
(وَإِن كنت فيهم ذبت شوقاً ولوعةً ... إِلَى سَاكِني نجدٍ وَعيلَ تصبري)
(وَقد طَال مَا بَين الْفَرِيقَيْنِ قصتي ... فَمن لي بنجدٍ بَين أَهلِي ومعشري)
وَمِنْه مَا نظمه فِي بعض الوزراء
(مقبلٌ مدبرٌ بعيد قريب ... محسن مذنب عَدو حبيب)
(عجبٌ من عجائب الْبر والبح ... ر وَنَوع فَرد وشكل غَرِيب)
وَمِنْه وَقيل أَنه نظمه فِي ابْن الْجَوْزِيّ(4/145)
(دققت فِي الفطنة حَتَّى لقد ... أبديت مَا يسحر أَو يسبي)
(وصرت فِي أَعلَى مقاماتها ... حَيْثُ يراك النَّاس كالشهب)
(وَسَار مَا سيرت من جَوْهَر ال ... حِكْمَة فِي الشرق وَفِي الغرب)
(ثمَّ تنازلت إِلَى حَيْثُ لَا ... ينزل ذُو فهم وَلَا لب)
(تثبت مَا تجحده فطْرَة ال ... عقل وَلَا تشعر بالخطب)
(أَنْت دلَالَة على أَنه ... يُحَال بَين الْمَرْء وَالْقلب)
قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي حكى القَاضِي شهَاب الدّين ابْن الكويك التَّاجِر الكارمي رَحمَه الله قَالَ اجْتمعت بِهِ مرّة فرأيته فِي ضَرُورَة فَقلت يَا سيدنَا مَا تكْتب ورقة لصَاحب الْيمن أَكتبهَا وَأَنا أَقْْضِي فِيهَا الشّغل فَكتب ورقة لَطِيفَة فِيهَا
(تجَادل أَرْبَاب الْفَضَائِل إِذْ رَأَوْا ... بضاعتهم موكوسة الْحَظ فِي الثّمن)
(وَقَالُوا عرضناها فَلم نلف طَالبا ... وَلَا من لَهُ فِي مثلهَا نظرٌ حسن)
(وَلم يبْق إِلَّا رفضها واطراحها ... فَقلت لَهُم لَا تعجلوا السُّوق بِالْيمن)
وأرسلها إِلَيْهِ فَأرْسل لَهُ مِائَتي دِينَار وَاسْتمرّ يرسلها إِلَى أَن مَاتَ صَاحب الْيمن
وَقَالَ كَمَال الدّين ايضاً قَالَ لي عبد اللَّطِيف ابْن القفصي هجوته مرّة فَبَلغهُ فَلَقِيته فِي الكاملية فَقَالَ بَلغنِي أَنَّك هجوتني أَنْشدني فَأَنْشَدته بليقة أَولهَا)
(قَاضِي الْقُضَاة أعزل نَفسه ... لما ظهر للنَّاس نحسه)
إِلَى آخرهَا فَقَالَ هجوت جيدا وَقَالَ قَالَ لي صاحبنا الْفَقِيه الْفَاضِل الأديب الثِّقَة مجير الدّين عمر اللمطي قَالَ كنت مرّة بِمصْر وطلعت إِلَى الْقَاهِرَة فَقَالُوا لي الشَّيْخ طَلَبك مَرَّات فَجئْت إِلَيْهِ فَقَالَ أَيْن كنتقلت بِمصْر فِي حَاجَة قَالَ طلبتك سَمِعت إنْسَانا ينشد خَارج الكاملية
(بَكَيْت قَالُوا عاشق ... سكت قَالُوا قد سلا)
(صليت قَالُوا زوكر ... مَا أَكثر فضول النَّاس)
وَقَالَ حكى لي صاحبنا فتح الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين أَحْمد بن عِيسَى القيوبي قَالَ دخلت مرّة عَلَيْهِ وَفِي يَده ورقة ينظر فِيهَا زَمَانا ثمَّ ناولني ورقة وَقَالَ اكْتُبْ من هَذِه نُسْخَة فأخذتها فَوجدت فِيهَا بليقة أَولهَا
(كَيفَ أقدر أَتُوب ... وَرَأس ايري مثقوب)
وَقَالَ قَالَ لي شَيخنَا تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الدشناوي سمعته ينشد هَذِه البليقة الَّتِي أَولهَا جلد العميرة بالزجاج وَلَا الزواج(4/146)
وَيَقُول بالزجاج يَا فَقِيه وَقَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأُدْفوي حكى لي القَاضِي سراج الدّين يُونُس بن عبد الْمجِيد الأرمنتي قَاضِي قوص قَالَ جِئْت إِلَيْهِ مرّة وَأَرَدْت الدُّخُول فَمَنَعَنِي الْحَاجِب وَجَاء الْجلَال العسلوجي فَأدْخلهُ وَغَيره فتألمت وَأخذت ورقة وكتبت فِيهَا
(قل للتقي الَّذِي رَعيته ... راضون عَن علمه وَعَن عمله)
(انْظُر إِلَى بابك ... يلوح من خلله)
(بَاطِنه رحمةٌ وَظَاهره ... يَأْتِي إِلَيْك الْعَذَاب من قبله)
ثمَّ دخلت وَجعلت الورقة فِي الدواة وظننت أَنه مَا رأى وَقمت فَقَالَ اجْلِسْ مَا فِي هَذِه الورقة قلت يَقْرَأها سيدنَا قَالَ اقرأها أَنْت وكررت عَلَيْهِ وَهُوَ يرد عَليّ فقرأتها فَقَالَ مَا حملك على هذافحكيت لَهُ فَقَالَ وقف عَلَيْهَا أحدفقلت لَا قَالَ قطعهَا قَالَ وَأَخْبرنِي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ الطَّبِيب وَكَانَ قد استوطن قوص سِنِين قَالَ كنت أباشر وَقفا فَأَخذه مني شمس الدّين مُحَمَّد بن أخي الشَّيْخ ولاه لآخر فعز عَليّ ونظمت أبياتاً فِي الشَّيْخ فبلغته فَأَنا أَمْشِي مرّة خَلفه وَإِذا بِهِ قد الْتفت إِلَيّ وَقَالَ يَا فَقِيه بَلغنِي أَنَّك هجوتني فَسكت فَقَالَ أَنْشدني وألح عَليّ فَأَنْشَدته الأبيات وَهِي)
(وليت فولى الزّهْد عَنْك بأسره ... وَبَان لنا غير الَّذِي كنت تظهر)
(ركنت إِلَى الدُّنْيَا وعاشرت أَهلهَا ... وَلَو كَانَ عَن جبرٍ لقد كنت تعذر)
فَسكت زَمَانا وَقَالَ مَا حملك على هذافقلت أَنا رجل فَقير وَأَنا أباشر وَقفا أَخذه مني فلَان فَقَالَ مَا علمت هَذَا أَنْت على حالك فباشرت الْوَقْف مُدَّة وخطر لي الْحَج فَجئْت إِلَيْهِ استأذنه فَدخلت خَلفه فَالْتَفت إِلَيّ فَقَالَ أَمَعَك هجو آخرفقلت لَا ولكنني قصدت الْحَج وَجئْت أَسْتَأْذن سَيِّدي فَقَالَ مَعَ السَّلامَة مَا يُغير عَلَيْك وأنشدني إجَازَة الشَّيْخ نَاصِر الدّين شَافِع قَالَ من نظم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَوْله
(تجاوزت حد الْأَكْثَرين إِلَى العلى ... وسافرت واستبقيتهم فِي المفاوز)
(وخضت بحاراًص لَيْسَ يعرف قدرهَا ... وألقيت نَفسِي فِي فسيح المفاوز)
ولججت فِي الأفكار ثمَّ تراجع اخْتِيَاري إِلَى اسْتِحْسَان دين الْعَجَائِز قلت وَلَقَد وقفت لَهُ على جَوَاب طَوِيل كتبه فِي درج إِلَى الْأَمِير سيف الدّين منكوتمر نَائِب السلطنة لحسام الدّين لاجين وَكَانَ عِنْد استاذه الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ وَقد كتب فِيهِ بعد الْبَسْمَلَة ورد على العَبْد الْفَقِير مُحَمَّد بن عَليّ مُخَاطبَة الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين ووقف عَلَيْهَا وَعجب مِنْهَا(4/147)
الْأَمريْنِ ثمَّ أَنه يذكر كل فصل ويجيبه عَنهُ إِلَى أَن قَالَ فِي آخر ذَلِك فَكتب الْأَمِير إِلَيّ كتابا يكْتب إِلَى من لَيْسَ عِنْده من الدّين شَيْء وَلَو كَانَ الْأَمِير عرف مني ارْتِكَاب الْكَبَائِر الموبقات مَا زَاد على مافعل وعَلى الْجُمْلَة فَإِن الله تَعَالَى أَمر نبيه بالمباهلة والملاعنة فِي الدّين فَقَالَ لأهل الكتابفقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الكاذبينفنتمثل أَمر الله لرَسُوله ونقول اللَّهُمَّ يَا شَدِيد الْبَطْش يَا جَبَّار يَا قهار يَا حَكِيم يَا قوي يَا عَزِيز يَا قوي يَا عَزِيز يَا قوي يَا عَزِيز قد نسبت إِلَى أكل الْحَرَام من مَال الْمدَارِس الغائبة وَإِلَى أُمُور أَنْت عَالم بسرها فَإِن كَانَ ذَلِك فِي علمك صَحِيحا فَاجْعَلْ لعنتك ولعنة ملائكتك وَالنَّاس أَجْمَعِينَ عَليّ وَإِن لم يكن صَحِيحا فاجعلها على من افترى عَليّ بهَا وَإِن كَانَ الْوَلَد قد فعل مَا قيل من أَخذ البراطيل فاجعلها عَلَيْهِ وَإِن لم يكن فاجعلها على من افترى عَلَيْهِ فَهَذَا إنصاف وامتثال لما أَمر الله بِهِ وَرَسُوله وَرَبك بالمرصاد والشكوى إِلَى الله الحكم الْعدْل
قيل أَنه لم يلبث بعد ذَلِك إِلَّا أسبوعاً أَو قَرِيبا مِنْهُ حَتَّى قتل السُّلْطَان أستاذه وَقتل هُوَ أَيْضا)
الْوَزير سعد الدّين الساوجي مُحَمَّد بن عَليّ الْوَزير الْكَبِير سعد الدّين الساوجي العجمي
قَتله خربندا وَقتل مَعَه الْوَزير مبارك شاه وَالْملك نَاصِر الدّين يحيى بن إِبْرَاهِيم صَاحب سنجار وَصَاحب الدِّيوَان المانشتري كَانَت قَتلتهمْ بِبَغْدَاد وَمِمَّنْ قتل أَيْضا تَاج الدّين الآوي الشيعي كَبِير الْأَشْرَاف وَذبح ابناه قبله وَكَانَ جباراً ظَالِما فرافعوه وَأخذ للساوجي أَمْوَال عَظِيمَة وَيُقَال أَنه غرم على الْجَامِع الَّذِي عمره بِبَغْدَاد ألف ألف دِرْهَم قيل أَنه صلى رَكْعَتَيْنِ وودع أَهله وَثَبت للْقَتْل وخلع فرجية على قَاتله فباس يَده واستجعل مِنْهُ فِي حل ثمَّ طير رَأسه سنة إِحْدَى عشرَة وَسبع مائَة مُحَمَّد بن عَليّ الْعَلامَة الغرناطي الْمَالِكِي الْمُقْرِئ بِالْمَدِينَةِ توفّي سنة خمس عشرَة وَسبع مائَة
شمس الدّين الدهان مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الْمَازِني الدهان الشَّيْخ شمس الدّين الدِّمَشْقِي الشَّاعِر
كَانَ يعْمل صناعَة الدهان وَيعرف مقامات الحريري وينظم الشّعْر الرَّقِيق ويدري الموسيقى فَيعْمل الشّعْر ويلحنه فيغني بِهِ المغنون وَكَانَ يلْعَب بالقانون
توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع مائَة
أَنْشدني من لَفظه الْمولى القَاضِي شهَاب الدّين كَاتب السِّرّ ابْن القَاضِي محيي الدّين ابْن فضل الله إِلَى الشَّمْس الْمَذْكُور يضمن بَيت أبي تَمام
(رَأَيْتُك أَيهَا الدهان تبغي ... مزيداً فِي التودد بالمساعي)
(فَلَو صورت نَفسك لم تزدها ... على مَا فِيك كرم الطباع)
وَكَانَ قد ربى مَمْلُوكا اشْتَرَاهُ وأحبه وهذبه ورخجه فَمَاتَ فأسف عَلَيْهِ أسفا كثيرا ورثاه بِشعر(4/148)
كثير غنى بِهِ وَنَقله المغنون وتداوله النَّاس من ذَلِك أَنْشدني من لَفظه جمال الدّين الْخَطِيب الصُّوفِي يُوسُف لنَفسِهِ مَا نظمه فِي موت مَمْلُوك الدهان
(لَئِن مَاتَ يَا دهان مملوكك الَّذِي ... بلغت بِهِ فِي الْفسق مَا كنت ترتجي)
(فَمثله بالأصباغ وَجها وقامةً ... وخصراً وردفاً ثمَّ عاينه واصلج)
وَقَالَ شمس الدّين الدهان موشحة يَا بِأبي غُصْن بانةٍ حملا بدر دجى بالجمال قد كملا أهيف فريد حسنٍ مَا مَاس أَو سفرا)
إِلَّا أغار الْقَضِيب والقمرا يُبْدِي لنا بابتسامه دررا فِي شهدٍ لذّ طعمه وحلا كَأَن أنفاسه نسيم طلا قرقف مورد الخد فاتر الْمقل يفوق ظَبْي الكناس بِالْحملِ وينثني كالقضيب فِي الْميل من حمل ردفٍ مثل الْكَثِيب علا نيط بخصرٍ كأضلعي نحلا مخطف ظبيٌ من التّرْك يقنص الأسدا مقرطقٌ قد أذابني كمدا حَاز بديع الْجمال فانفردا واهاً لَهُ لَو أَجَارَ أَو عدلا لمستهامٍ بهجره نحلا مدنف غزال سربٍ جماله شرك ستر اصْطِبَارِي عَلَيْهِ منهتك لكل قلبٍ هَوَاهُ منتهك علم قلبِي الولع والغزلا طرف لَهُ بالفتور قد كحلا أَوْطَفُ لله يومٌ بِهِ الزَّمَان وفى إِذْ من بالوصل بعد طول جَفا حَتَّى إِذا مَا اطْمَأَن وانعطفا أَسْفر عَنهُ اللثام ثمَّ جلا وردا بِغَيْر اللحاظ مِنْهُ فَلَا يقطف فظلت من فرط شدَّة التَّرَحِ إِذْ زارني والرقيب لم يلح ألثم أقدامه من الْفَرح(4/149)
وَقلت إِذْ عَن صدوده عدلا أَهلا بِمن زار بعد جفوةٍ وقلا أسعف وَمن شعر شمس الدّين الدهان وَهُوَ مِمَّا غَنِي بِهِ
(مَا يج الْورْد فِي خديك ريحَان ... إِلَّا ووجهك فِي التَّحْقِيق بُسْتَان)
)
(وَلَا تعطف مِنْك الْعَطف من صلفٍ ... إِلَّا وَرِيقك خمرٌ وَهُوَ نشوان)
(لله فتْنَة ذَاك الطّرف مِنْك لقد ... سبى المحبين لحظٌ مِنْهُ فتان)
(لَو لم يكن سلب العشاق نومهم ... مَا رَاح من غير سهدٍٍ وَهُوَ وَسنَان)
وَمِنْه أَيْضا وَهُوَ مِمَّا غَنِي بِهِ
(عِنْد قلبِي مِنْك وجدٌ لَا يحد ... وغرامٌُ هزله فِي القَوْل جد)
(واشتياقٌ ناره لَا تنطفي ... وَله بَين شغَاف الْقلب وَقد)
(أَيهَا الْبَدْر الَّذِي تيمني ... مِنْهُ وجهٌ يخجل الْبَدْر وخد)
(وسباني جَوْهَر من ثغره ... فَوْقه من رِيقه خمرٌ وَشهد)
وَمِنْه أَيْضا وَهُوَ مِمَّا غَنِي بِهِ
(دَلَائِل الوجد لَا تخفى على الفطن ... وَالْحب أقصاه مَا أفْضى إِلَى الْفِتَن)
(كم ذَا التستر والأشواق تعرب عَن ... سر الْهوى بِلِسَان المدمع الهتن)
(دع التكتم فالكتمان نَار جوىً ... بَين الجوانح تذكيها يَد المحن)
(ونح فَلَيْسَ بعارٍ أَن تنوح فَمَا ... فِي ساحة الْحَيّ إِلَّا كل ذِي شجن)
وَمِنْه أَيْضا وَهُوَ مِمَّا غَنِي بِهِ
(أَلا حبذا الْوَادي وَروض البنفسج ... وَطيب شذاً من عرفه المتأرج)
(وأغصان بانٍ فِي نواحيه ميدٌ ... وكل قويم الْقد غير معوج)
(وأنهار ماءٍ فِي صفاءٍ ورقةٍ ... تسيل بهَا مَا بَين روض مدبج)
(فَإِن جعدته خطرة من نسيمه ... فيا حسن مرأى مَتنه المتموج)
قلت شعر مَقْبُول بل هُوَ متوسط لَا ينحط وَلَا يرْتَفع
محيي الدّين ابْن المارستاني مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْقوي بن عبد الْبَاقِي محيي الدّين التنوخي المعري ثمَّ الدِّمَشْقِي بن المارستاني الْحَنَفِيّ نزيل بِالْقَاهِرَةِ
ولد سنة سبع وَأَرْبَعين وَسمع من عُثْمَان بن عَليّ وَإِبْرَاهِيم بن خَلِيل وَفرج الْخَادِم وَعبد الله بن الخشوعي وعدة وَخرج لَهُ الدمياطي مشيخة وسمعها مِنْهُ قَدِيما وَكَانَ مديماً للاشتغال ورعاًً زهداًً مُفَسرًا متواضعاً من كبار(4/150)
الْحَنَفِيَّة أعَاد بالمنصورية والناصرية والظاهرية والصالحية حمل عَنهُ الطّلبَة من سماعاته جُزْء الذهلي عَليّ ابْن خطيب القرافة سنة اثْنَتَيْنِ)
وَخمسين
وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَسبع مائَة
ابْن الموازيني مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن سَالم الشَّيْخ الْمُقْرِئ الصَّالح الْحَاج بَقِيَّة المسندين شمس الدّين ابو جَعْفَر السّلمِيّ المرداسي الدِّمَشْقِي ابْن الموازيني
ولد سنة خمس عشرَة تقريباًص وسماعه سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة وَبعدهَا غذ كَانَ عِنْد الملقن سمع أَبَا الْقَاسِم ابْن صصرى والبهاء عبد الرَّحْمَن وَتفرد بالرواية عَنْهُمَا وَسمع من إِسْمَاعِيل بن ظفر وَأبي سُلَيْمَان بن الْحَافِظ وَالشَّيْخ ضِيَاء وَورث من أَبِيه ثروة وعقاراً وجاور مُدَّة وَأنْفق فِي الْبر والقرب ثمَّ أعْطى ملكه لابنته وبقى لنَفسِهِ كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ وَلبس العسلي وتزهد وَحدث بِالْحرم وانحطم بالهرم وَثقل سَمعه وَضعف بَصَره وَحدث عَنهُ ابْن الخباز وَبَاقِي الطّلبَة
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبع مائَة
الشَّمْس كَمَال الدّين الزملكاني مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُفْتِي قَاضِي الْقُضَاة ذُو الْفُنُون جمال الْإِسْلَام كَمَال الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن الزملكاني الْأنْصَارِيّ السماكي الدِّمَشْقِي كَبِير الشَّافِعِيَّة فِي عصرة والفضلاء فِي دهره كَأَنَّمَا عناه الْغَزِّي بقوله
(لم يبرح الْفِقْه روضاً فاق فِيك لَهُ ... سحابةٌ ورده مِنْهَا وعبهره)
(ذُو الدَّرْس سهل الْمعَانِي فِي جزالته ... يكَاد يحفظه من لَا يكرره)
(أما الْجِدَال فميدانٌ فوارسه ... تقر أَنَّك دون النَّاس عنتره)
ولد فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَسمع من أبي الْغَنَائِم ابْن عَلان وَالْفَخْر عَليّ وَابْن الوَاسِطِيّ وَابْن القواس ويوسف بن المجاور وعدة وَطلب الحَدِيث فِي وَقت وَقَرَأَ الحَدِيث وَكَانَ فصيحاً متسرعاً
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لَهُ خبْرَة بالمتون وَكَانَ بَصيرًا بِالْمذهبِ وأصوله قوي الْعَرَبيَّة قد أتقنها ذكاء ودربها ذكياً صَحِيح الذِّهْن صائب الْفِكر فَقِيه النَّفس تفقه على الشَّيْخ تَاج الدّين وَأفْتى وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ يضْرب بذكائه الْمثل وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة فِيمَا أَظن على الشَّيْخ بدر الدّين ابْن مَالك وَقَرَأَ على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين الخويي وشمس الدّين الأيكي وصفي الدّين(4/151)
الْهِنْدِيّ أول قدومه الْبِلَاد أما لما عَاد الشَّيْخ صفي الدّين وَأقَام بِدِمَشْق لم يقْرَأ عَلَيْهِ وَقَرَأَ على)
قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين ابْن الزكي
حكى لي الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ قلت لَهُ فرطت فِي الْمنطق فَقَالَ كَانَ بِدِمَشْق أَيَّام طلبي لَهُ شخص يعرف بالأفشنجي وكت قد تميزت ودرستأو قَالَ وأفتيت فَكنت أتردد إِلَيْهِ على كره مني وَالْعلم فِي نَفسه صَعب وَعبارَة الأفشنجي فِيهَا عجمة فَإِذا أردْت مِنْهُ زِيَادَة بَيَان أَو قلت لَهُ مَا ظهر قَالَ جَاءَ وأدار وَجهه عني فأنفت من تِلْكَ الْحَالة وَبَطلَت الِاشْتِغَال أَو كَمَا قَالَ قلت أغناه ذهنه الثاقب وفكره الصائب على أَنه كَانَ يعرف مِنْهُ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي أصُول الْفِقْه من معرفَة التَّصَوُّر والتصديق وَدلَالَة الْمُطَابقَة وَدلَالَة التضمن وَدلَالَة الِالْتِزَام وَالضَّرْب من الشكل المنتج والكاذب ومواد الْبُرْهَان والمقدم والتالي وَقِيَاس الْخلف وَغير ذَلِك مِمَّا يدْخل فِي الأصولين معرفَة جَيِّدَة يتسلط بهَا على بَاقِي الْفَنّ أما أَنه كَانَ يطْلب مِنْهُ أَن يشغل فِي مختلطات كشف الْأَسْرَار للخونجي فَلَا وَحفظ التَّنْبِيه فِيمَا أَظن والمنتخب فِي أصُول الْفِقْه والمحصل فِي أصُول الدّين وَغير ذَلِك
وَأما الْخط وَحسن وَضعه
(فَلَا تسْأَل عَن الرَّوْض النَّضِير ... وَلَا عَن طلعة الْقَمَر الْمُنِير)
فَإِنَّهُ كتب على الشَّيْخ نجم الدّين ابْن البصيص أحسن مِنْهُ وَمن بدر الدّين حسن ابْن الْمُحدث وخطه وَهُوَ أحسن وَقيل لي أَنه كَانَ يكْتب الْكُوفِي طبقَة
وَكَانَ شكله حسنا ومنظره رائعاً وتجمله فِي بزته وهيئته غَايَة وشيبته منورة بِنور الْإِسْلَام يكَاد الْورْد يلقط من وجنتيه وعقيدته صَحِيحَة متمكنة أشعرية وفضائله عديدة وفواضله ربوعها مشيدة فَإِنَّهُ كَانَ كريم النَّفس عالي الهمة حشمته وافرة وَعبارَته حلوة فصيحة ممتعة من رَآهُ أحبه قريب من الْقلب خَفِيف على النَّفس
صنف أَشْيَاء مِنْهَا ورساله فِي الرَّد عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الزِّيَارَة ورسالة سَمَّاهَا رَابِع أَرْبَعَة نظماً ونثراً وَشرح قِطْعَة جَيِّدَة من الْمِنْهَاج
وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب وانتفع بِهِ الطّلبَة ودرس بالشامية البرانية والظاهرية والرواحية وَولي نظر ديوَان الأفرم وَنظر الخزانة ووكالة بَيت المَال وَكتب فِي ديوَان الْإِنْشَاء مُدَّة وَوَقع فِي الدست فِيمَا أَظن وَله الْإِنْشَاء الْجيد ونثره خير من نظمه وَله التواقيع المليحة والإنشاءات الجيدة)
وَنقل إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بحلب ومدارسها فَأَقَامَ بهَا مُدَّة أَكثر من سنتَيْن وَاشْتَغلُوا عَلَيْهِ بهَا وَمَا رأى النَّاس بعد دروسه فِي دمشق مثلهَا ثمَّ إِن السُّلْطَان طلبه من حلب ليوليه قَضَاء دمشق لما نقل قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي إِلَى قَضَاء الديار المصرية ففرح النَّاس بذلك فَمَرض فِي الطَّرِيق وأدركه الْأَجَل فِي بلبيس فِي سادس عشر شهر رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة فَحَمله وَلَده تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن إِلَى الْقَاهِرَة وَدَفنه بالقرافة عِنْد الشَّافِعِي وَله سِتُّونَ سنة قيل أَنه سمّ فِي الطَّرِيق وَعند الله تَجْتَمِع الْخُصُوم(4/152)
وَحكى لي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله عَن وَلَده تَقِيّ الدّين أَن وَالِده الشَّيْخ كَمَال الدّين قَالَ لَهُ يَا وَلَدي وَالله أَنا ميت وَمَا أتولى لَا مصر وَلَا دمشق وَمَا بقى بعد حلب ولَايَة أُخْرَى لِأَنَّهُ فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ حضر إِلَى الْجَامِع فلَان الصَّالح فترددت إِلَيْهِ وخدمته وَطلبت مِنْهُ التسليك فَأمرنِي بِالصَّوْمِ مُدَّة ثمَّ أَمرنِي بصيام ثَلَاثَة أيامأظنه قالافطر فِيهَا على المَاء واللبان الذّكر وَكَانَ آخر لَيْلَة من الثَّلَاث لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَقَالَ لي اللَّيْلَة تَجِيء إِلَى الْجَامِع تتفرج أَو تَخْلُو بِنَفْسِك فَقلت أَخْلو بنفسي فَقَالَ جيد وَلَا تزَال تصلي إِلَى أَن أجيء إِلَيْك قَالَ فخلوت بنفسي أُصَلِّي كَمَا وقفني سَاعَة جَيِّدَة فَلَمَّا كنت فِي الصَّلَاة إِذا بِهِ قد أقبل فَلم أبطل الصَّلَاة ثمَّ أنني خيل لي قبَّة عَظِيمَة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وظاهرها معارج ومراقي وَالنَّاس يصعدون فِيهَا من الأَرْض إِلَى السَّمَاء فَصَعدت مَعَهم فَكنت أرى على كل مرقاة مَكْتُوبًا نظرالخزانة وعَلى أُخْرَى وَأُخْرَى وَأُخْرَى وكَالَة بَيت المَال التوقيع الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة قَضَاء حلب فَلَمَّا وصلت إِلَى هَذِه الْمرقاة استفقت من تِلْكَ الْحَالة وَرجعت إِلَى حسي وَبت لَيْلَتي فَلَمَّا اجْتمعت بالشيخ قَالَ كَيفَ كَانَت ليلتكجئت إِلَيْك وَمَا قصرت لِأَنَّك مَا اشتغلت بِي والقبة الَّتِي رايتها هِيَ الدُّنْيَا والمراقي هِيَ الْمَرَاتِب والوظائف والأرزاق وَهَذَا الَّذِي رَأَيْتهَا كُله تناله وَالله يَا عبد الرَّحْمَن وكل شَيْء رَأَيْته قد نلته وَكَانَ آخر الْكل قَضَاء حلب وَقد قرب الْأَجَل أَو كَمَا قَالَ
وَكَانَ الشَّيْخ كَمَال الدّين رَحمَه الله تَعَالَى كثير التخيل شَدِيد الِاحْتِرَاز يتَوَهَّم أَشْيَاء بعيدَة وَيَبْنِي عَلَيْهَا وتعب بذلك وعودي وحسد وَعمل عَلَيْهِ ولطف الله بِهِ
وَلَقَد رَأَيْته فِي الظَّاهِرِيَّة وَفِي يَده الْقَائِمَة من الْحساب وَهُوَ يساوق المباشرين على المصروف فيسبقهم إِلَى الْجمع وَعقد الْجُمْلَة وَيبقى سَاعَة ينتظرهم إِلَى أَن يفرغوا فَيَقُول كم جَاءَ)
معكمفيقولون كَذَا وَكَذَا فَيَقُول لَا فيعيدون الْجمع إِلَى أَن يَصح وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ غَرِيب الْمَجْمُوع
خرج لَهُ الشَّيْخ صَلَاح الدّين ابْن العلائي عوالي وَأَرْبَعين وَقرأَهَا الشَّيْخ شمس الدّين عَلَيْهِ وَمن نظمه قصيدة نظمها يذكر فِيهَا الْكَعْبَة المعظمة ويمدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَولهَا
(أهواك يَا ربة الأستار أهواك ... وَإِن تبَاعد عَن مغناي مغناك)
(وأعمل العيس والأشواق ترشدني ... عَسى يُشَاهد معناكي معناك)
(تهوى بهَا البيد لَا تخشى الضلال وَقد ... هدت ببرق الثنايا الغر مضناك)
(تشوقها نسمات الصُّبْح سَارِيَة ... تسوقها نَحْو رؤياكي برياك)
(يَا ربة الْحرم العالي الْأمين لمن ... وافاه من أَيْن هَذَا الْأَمْن لولاك)
أَن شبهوا الْخَال بالمسك الذكي فَهَذَا الْخَال من دونه المحكي والحاكي
(أفدي بأسود قلبِي نور أسوده ... من لي بتقبيله من بعد يمناك)
(إِنِّي قصدتك لَا ألوي على بشرٍ ... ترمي النَّوَى بِي سرَاعًا نَحْو مرماك)
(وَقد حططت رحالي فِي حماك عَسى ... تحط أثقال أوزاري بلقياك)
(كَمَا حططت بِبَاب الْمُصْطَفى أملي ... وَقلت للنَّفس بالمأمول بِشِرَاك)(4/153)
(محمدٌ خير خلق الله كلهم ... وفاتح الْخَيْر ماحي كل إشراك)
(سما بأخمصه فَوق السَّمَاء فكم ... أوطا أسافلها من علو أفلاك)
(ونال مرتبَة مَا نالها أحدٌ ... من أَنْبيَاء ذَوي فضلٍ وأملاك)
(يَا صَاحب الجاه عِنْد الله خالقه ... مَا رد جاهك إِلَّا كل أفاك)
(أَنْت الْوَجِيه على رغم العدى أبدا ... أَنْت الشَّفِيع لفتاكٍ ونساك)
(يَا فرقة الزيغ لَا لقِيت صَالِحَة ... وَلَا شفى الله يَوْمًا قلب مرضاك)
(وَلَا حظيت بجاه الْمُصْطَفى أبدا ... وَمن أعانك فِي الدُّنْيَا ووالاك)
(يَا أفضل الرُّسُل يَا مولى الْأَنَام وَيَا ... خير الْخَلَائق من إنسٍ وأملاك)
(هَا قد قصدتك اشكو بعض مَا صنعت ... بِي الذُّنُوب وَهَذَا ملْجأ الشاكي)
(قد قيدتني ذنوبٌ عَن بُلُوغ مدىً ... قصدي إِلَى الْفَوْز مِنْهَا من غير إمْسَاك)
(عَلَيْك من رَبك الله الصَّلَاة كَمَا ... منا عَلَيْك السَّلَام الطّيب الزاكي)
)
تمت وَلم أَقف لَهُ على نظم هُوَ خير من هَذِه القصيدة لمقصدها الصَّالح وَقد أشْبع فِيهَا حَرَكَة الْكَاف فِي خطاب الْمُؤَنَّث حَتَّى نشأت يَاء فِي موضِعين وَهُوَ جَائِز
وَعمل على هَذِه القصيدة فِيمَا أَظن أَو على قصيدة ميمية مدح بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَلَيْهِمَا كراريس وسماها عجالة الرَّاكِب
وَمن شعر كَمَال الدّين الزملكاني
(يَا سائق الظعن قف بِي هَذِه الكثب ... عساي أَقْْضِي بهَا مَا للهوى يجب)
(وارفق قَلِيلا لكَي تروي الثرى سحبٌ ... من ناظري بمزنٍ مِنْهُ تنسكب)
(فثم حيٌ حَياتِي فِي خيامهم ... فالموت أَن بعدوا والعيش أَن قربوا)
(لي فيهم قمرٌ الْقلب منزله ... لَكِن طرفِي لَهُ بالبعد يرتقب)
(لدن القوام رَشِيق الْقد ذُو هيفٍ ... تغار من لينه الأغصان والقضب)
(حُلْو الْمقبل معسولٌ مراشفه ... يجول فِيهَا رضاب طعمه الضَّرْب)
(لَا غروان رَاح نشواناًً فَفِي فَمه ... خمرٌٌ ودرٌ ثناياه لَهَا حبب)
(زلائمٍ لامني فِي الْبعد عَنهُ وَفِي ... قلبِي من الشوق نيران لَهَا لَهب)
(فَقلت أَن صروف الدَّهْر تصرفني ... عَمَّا أروم فَمَا لي فِي النَّوَى سَبَب)
(ومذ رماني زماني بالبعاد وَلم ... يرحم خضوعي وَلما يبْق لي نشب)
وَلما توجه إِلَى قَضَاء حلب نزل فِي مَكَان يعرف بالفردوس وَكَانَ مَعَه شمس الدّين الْخياط الشَّاعِر الدِّمَشْقِي فأنشده لنَفسِهِ وأنشدني من لَفظه غير مرّة(4/154)
(يَا حَاكم الْحُكَّام يَا من بِهِ ... قد شَرقَتْ رتبته الفاخره)
(وَمن سقى الشَّهْبَاء مذ حلهَا ... بحار علمٍ وندىً زاخره)
(نزلت فِي الفردوس فأبشر بِهِ ... دَارك فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَه)
ونظم فِيهِ جمال الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نباتة لما توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قصيدة طنانة يرثيه بهَا أنشدنيها من لَفظه أَولهَا
(بلغا القاصدين أَن اللَّيَالِي ... قبضت جملَة العلى بالكمال)
وَقفا فِي مدارس الْعقل وَالنَّقْل ونوحا معي على الأطلال
(سائلاها عَسى يُجيب صداها ... أَيْن ولى مُجيب أهل السُّؤَال)
)
(أَيْن ولى بَحر الْعُلُوم وَأبقى ... بَين أجفاننا الدُّمُوع لآلي)
(أَيْن ذَاك الذِّهْن الَّذِي قد ورثنا ... عَنهُ مَا فِي الحشا من الِاشْتِغَال)
(أَيْن تِلْكَ الأقلام يَوْم انتصارٍ ... كعوالي الرماح يَوْم النزال)
(ينْقل النَّاس عَن حَدِيث هداها ... طرق الْعلم عَن متون العوالي)
(وتفيد الجنا من اللَّفْظ حلواً ... حِين كَانَت نوعا من الْعَسَّال)
قلت هِيَ من قصائده الغر وَكلهَا نتقى وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِثْبَاتهَا
كنت قد اخْتلفت أَنا وَالْمولى شرف الدّين حُسَيْن ابْن رَيَّان الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي قَول الحريري
(فَلم يزل يبتزه دهره ... مَا فِيهِ من بطشٍ وعود صَلِيب)
فَذهب هُوَ فِي إِعْرَاب قَوْله مَا فِيهِ إِلَى أَنه فِي مَوضِع نصب على أَنه مفعول ثَان وَذَهَبت أَنا إِلَى أَنه بدل اشْتِمَال من الْهَاء الَّتِي فِي قولهيبتزه فَكتب شرف الدّين فتيا من صفد وجهزها إِلَى الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني رَحمَه الله تَعَالَى ونقلتها من خطه وَهِي مَا تَقول السَّادة عُلَمَاء الدَّهْر وفضلاء هَذَا الْعَصْر لَا برحوا لطَالب الْعلم الشريف قبله وموطن السُّؤَال وَمحله فِي رجلَيْنِ تجادلا فِي مسأله نحوية وَهِي فِي بَيت من المقامات الحريرية وَهُوَ
(فَلم يزل يبتزه دهره ... مَا فِيهِ من بَطش وعود صَلِيب)
ذَهَبا إِلَى معنى يبتزه يسلبه وكل مِنْهُمَا وَافق فِي هَذَا مَذْهَب خَصمه مذْهبه وموطن سؤالهما الْغَرِيب إِعْرَاب قَوْلهمَا فِيهِ من بَطش وعود صَلِيب لم يختلفا فِي نَصبه بل خلفهمَا فِيمَا انتصب بِهِ فَذهب أَحدهمَا إِلَى أَنه بدل اشْتِمَال من الْهَاء المنصوبة فِي يبتزه وَله على ذَلِك اسْتِدْلَال وَذهب الآخر إِلَى أَنه مفعول ثَان ليبتزه وَجعل الْمَفْعُول الْهَاء وَاخْتلفَا فِي ذَلِك وقاصديكم جَاءَا وَقد سَأَلَا الْإِجَابَة عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فقد اضطرا فِي ذَلِك إِلَى الْمَسْأَلَة فَكتب الشَّيْخ كَمَال الدّين رَحمَه الله الْجَواب ونقلته من خطه وَهُوَ الله يهدي إِلَى الْحق كل من الْمُخْتَلِفين الْمَذْكُورين قد نهج نهج صَوَاب وأتى بحكمة وَفصل خطاب وَلكُل من الْقَوْلَيْنِ مساغ فِي النّظر(4/155)
الصَّحِيح وَلَكِن النّظر إِنَّمَا هُوَ فِي التَّرْجِيح وَجعل ذَلِك مَفْعُولا أقوى توجيهاً فِي الْإِعْرَاب وأدق بحثا عِنْد ذَوي الْأَلْبَاب أما من جِهَة الصِّنَاعَة الْعَرَبيَّة فَلِأَن الْمَفْعُول مُتَعَلق بِالْفِعْلِ بِذَاتِهِ الَّتِي بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ معنية وَالْبدل مُبين بِكَوْن الأول مَعَه مطرحاً فِي النِّيَّة وَهَذَا الْفِعْل بِهَذَا)
الْمَعْنى مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين وَمَا فِيهِ من بَطش هُوَ أحد ذَيْنك الِاثْنَيْنِ لِئَلَّا يفوت مُتَعَلق الْفِعْل المستقل وَالْبدل بَيَان يرجع إِلَى توكيد بتأسيس الْمَعْنى مخل وَأما من جِهَة الْمَعْنى فَلِأَن الْمقَام مقَام تشك وَأخذ بالقلوب وتمكين هَذَا الْمَعْنى أقوى إِذا ذكر مَا سلب مِنْهُ مَعَ بَيَان أَنه المسلوب فَذكر المسلوب مِنْهُ مَقْصُود كذكر مَا سلب وَفِي ذَلِك من تَمْكِين الْمَعْنى مَا لَا يخفى على ذَوي الأرب ووراء هَذَا بسط لَا تحتمله هَذِه العجالة وَالله تَعَالَى أعلم كتبه مُحَمَّد بن عَليّ
قلت لَا أعلم أحدا يَأْتِي بِهَذَا الْجَواب غَيره لمعرفته بدقائق النَّحْو وبغوامض علمي الْمَعْنى وَالْبَيَان ودربته بصناعة الْإِنْشَاء وَأما صُورَة الْخط الَّذِي نقلت مِنْهُ هَذِه الْفتيا فَمَا كَانَت إِلَّا قِطْعَة روض تدبجت أَو هوامش عذار على طرس الخد تخرجت رَحمَه الله تَعَالَى وَأكْرم مثواه وَجعل الْجنَّة منقلبه وعقباه
ابْن العديسة الْمُحدث مُحَمَّد بن عَليّ بن العديسة الشَّيْخ شهَاب الدّين قَارِئ الحَدِيث توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة
وأظن مجير الدّين الْخياط فِيهِ يَقُول
(فِي الدَّهْر شَيْء عَجِيب ... مرآه يقذي اللواحظ)
(ابْن الرزيز خطيب ... وَابْن العديسة واعظ)
علم الدّين الدَّمِيرِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن هُوَ علم الدّين ابْن بهاء الدّين ابْن الإِمَام محيي الدّين عرف بِابْن الدَّمِيرِيّ
مولده سنة خمس وَسبعين وست مائَة بدار الزَّعْفَرَان بزقاق الْقَنَادِيل بِمصْر توفّي أجَاز لي رَحمَه الله
تَاج الدّين طوير اللَّيْل البارنباري الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَليّ الإِمَام الْفَاضِل الْفَقِيه النَّحْوِيّ الأصولي تَاج الدّين البارنباري الشَّافِعِي
أَخْبرنِي من لَفظه الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ قَالَ قَرَأَ الْمَذْكُور على الشَّيْخ حسن الرَّاشِدِي القراآت السَّبع بالفاضلية وَقَرَأَ الْمَعْقُول على الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَحفظ التَّعْجِيز وَكَانَ يستحضره إِلَى آخر وَقت ويعرفه جيدا وَحفظ الجزولية وَاسْتمرّ على حفظ الْقُرْآن إِلَى أَن مَاتَ سنة سبع عشرَة وَسبع مائَة
وَكَانَ جيد المناظرة متوقد الذِّهْن فِي الْفِقْه والأصولين والعربية والمنطق وَكَانَ عديم التَّكَلُّف فِي)
ملبسه وَلم يكن بِيَدِهِ غير فقاهات الْمدَارِس وَكَانَ يلقب بطوير اللَّيْل
بدر الدّين ابْن غَانِم مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن غَانِم الشَّيْخ بدر الدّين ابْن(4/156)
الشَّيْخ عَلَاء الدّين
كَانَ من جملَة كتاب الْإِنْشَاء بِدِمَشْق وَكَانَ متشدداً لَا يكْتب إِلَّا شَيْئا يُوَافق الشَّرْع وَإِن كَانَ غير ذَلِك لم يَكْتُبهُ طلب الاعفاء من كِتَابَة الْإِنْشَاء وَسَأَلَ أَن يكون نَظِير معلومه على الْجَامِع الْأمَوِي للأشغال فَأُجِيب إِلَى ذَلِك
كَانَ يدرس بالقليجية الشَّافِعِيَّة وَكَانَ قَلِيل الْكَلَام ملازم الصمت منجمعاً عَن النَّاس منقبضاً لَا يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه مكباً على الِاشْتِغَال يُكَرر على محفوظاته اللَّيْل وَالنَّهَار يحب الْكتب ويجمعها خلف لما مَاتَ ألفي مجلدة وَكَانَ مَعَه عدَّة وظائف يُبَاشِرهَا بِمَا يُقَارب الْألف دِرْهَم فِي كل شهر
توفّي فِي شهر جُمَادَى الأولى سنة أَرْبَعِينَ وَسبع مائَة
بهاء الدّين ابْن إِمَام الشمهد مُحَمَّد بن عَليّ بن سعيد الْمَعْرُوف بِابْن إِمَام المشهد
مولده فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَتِسْعين وست مائَة قَرَأَ الْقُرْآن الْكَرِيم وأتقنه بالروايات السَّبع واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ على الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ وَالشَّيْخ نجم الدّين القحفازي وَقَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن الشَّيْخ تَاج الدّين وَكتب الْخط الْمليح الظريف
وَتوجه إِلَى حلب ثمَّ إِلَى طرابلس وَأقَام بهَا مُدَّة وَثمّ عَاد إِلَى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ توجه إِلَى مصر وَحضر بَين يَدي السُّلْطَان الْملك النَّاصِر على الأهرام وولاه تدريس الْمدرسَة الأمينية بِدِمَشْق وَحضر إِلَيْهَا على الْبَرِيد
وَهُوَ مَجْمُوع متناسب الْحسن أخلاقه حَسَنَة وشكالته تَامَّة مليحة ووجاهته رائعة المنظر
جمع كتاب الْأَحْكَام وجوده فِي سِتّ مجلدات وتناولته مِنْهُ وأجازني رِوَايَة مَا لَهُ تسميعه بديوان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وتلا بالسبع على الكفري وَسمع بِمصْر والإسكندرية وحلب وأمّ بدار الحَدِيث ثمَّ بِمَسْجِد الْكَنِيسَة ودرس بالقوصية
الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد شمس الدّين أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ مولداً الْغَزِّي منشأ
سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وست مائَة اقام بغزة مُدَّة وبدمشق مُدَّة وبمصر وبصفد وحماة وحلب وخالط النَّاس وعاشر فِيهِ خفَّة روح وكيس وظرف وينظم الشّعْر الْجيد)
وَيكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيعرف النجامة والأسطرلاب والرمل
أَنْشدني غير مرّة بِدِمَشْق وصفد وبالقاهرة وحماة جملَة كَثِيرَة من شعره ونادم الْملك الْأَفْضَل صَاحب حماة فِيمَا أَظن وقربه وَأَدْنَاهُ وحنا عَلَيْهِ ورتب لَهُ الدَّرَاهِم وَالْخبْز وَاللَّحم
وَمن شعره نقلته من خطه وأنشدنيه من لَفظه
(بِأبي غزالٌٌ غزل هدب جفونه ... يكسو الضنى صبا أذيب بصده)
(يروي حَدِيث السقم جسم محبه ... عَن جفْنه عَن خصره عَن عَهده)
وأنشدني مَا نقلته من خطه لَهُ
(مَا رأى النَّاس قبل قامة حبي ... وعذاريه حول محمر خد)(4/157)
غصنا أنبت البنفسج والآس سياجاً على حديقة ورد وأنشدني لَهُ من لَفظه ونقلته من خطه
(ونيلٍ كم أنال منى وَأمنا ... وَكم أهْدى إِلَى سرٍ مسره)
(تخال مراكباً تختال فِيهِ ... نجوماً سائراتٍ فِي مجره)
وأنشدني من لَفظه وَمن خطه نقلت موالياً
(عَايَنت من ذَنْب هجرو بالوفا مغْفُور ... فِي النَّهر يسبح وحظو بالبها موفور)
(شبهت من فَوق جسمو شعرو المضفور ... ألف من الْمسك فِي صفحه من الكافور)
وأنشدني من لَفظه وَمن خطه نقلت
(باكر إِلَى رشف خمره تنعش المحرور ... مَعَ من تحب وقلبك منشرح مسرور)
(أما ترى اللَّيْل شمر ذيلو الْمَجْرُور ... والورد بالطل فتح جيبو المزرور)
وأنشدني أَيْضا وَمن خطه نقلت
(حبي الَّذِي خالقو بالْحسنِ قد مدوا ... حَتَّى سما وَتجَاوز فِي الصفه حدو)
(رمان نهدو عقد فِي غُصْن من قدو ... وَمَا انطفا جلنارو الغض فِي خدو)
وأنشدني أَيْضا وَمن خطه نقلت
(وهيفاء وطفاء فتانةٍ ... يلذ التهتك والوجد فِيهَا)
(إِذا سكر النَّاس من خمرةٍ ... فسكري مَا زَالَ من خمر فِيهَا)
وأنشدني أَيْضا وَمن خطه نقلت)
(انْظُر إِلَى تخييل أخياطها ... فِي كاسها يَا أحسن النَّاس)
(لَو لم تكن شمساً لما أظهرت ... أشعةً فِي أفق الكاس)
وأنشدني أَيْضا وَمن خطه نقلت
(أتشكى مَعَ البعاد إِلَيْكُم ... برقيق العتاب فرط اشتياقي)
فَكَأَنِّي الورقاء من فرقة الإلف تلهث بالسجع فِي الأوراق شمس الدّين السرُوجِي مُحَمَّد بن عَليّ بن ايبك السرُوجِي الشَّيْخ الإِمَام شمس الدّين
سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة بالديار المصرية عرض الْقُرْآن وَهُوَ ابْن تسع سِنِين وارتحل إِلَى دمشق وحلب وَغَيرهَا من بِلَاد الشَّام مَرَّات وَأخذ عَن الشَّيْخ فتح الدّين وَالشَّيْخ أثير الدّين وَمن عاصره من أَشْيَاخ الْعلم وَصَارَ من الْحفاظ أتقن(4/158)
الْمُتُون وَأَسْمَاء الرِّجَال وطبقات النَّاس والوقائع والحوادث وَضبط الوفيات والمواليد وَمَال إِلَى الْأَدَب وَحفظ من الشّعْر الْقَدِيم والمحدث جملَة وَكتب الْأَجْزَاء والطباق وَحصل مَا يرويهِ عَن أهل عصره فِي الْبِلَاد الَّتِي ارتحل إِلَيْهَا وَلم أر بعد الشَّيْخ فتح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى من يقْرَأ أسْرع مِنْهُ وَلَا أفْصح
وَسَأَلته عَن أَشْيَاء من تراجم النَّاس ووفياتهم وأعصارهم وتصانيفهم فَوَجَدته حفظَة مستحضراً لَا يغيب عَنهُ مَا حصله وَهَذَا الَّذِي رَأَيْته مِنْهُ فِي هَذِه السن الْقَرِيبَة كثير على من علت سنه من كبار الْعلمَاء وَمَعَ ذَلِك فَلهُ ذوق الأدباء وَفهم الشُّعَرَاء وخفة روح الظرفاء
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بحلب لَيْلَة ثامن من شهر ربيع الأوّل سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَدفن ثَانِي يَوْم بكرَة الْجُمُعَة
وَكَانَ قد خرج لنَفسِهِ تسعين حديثاًص متباينة الأسناد قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سمعناها مِنْهُ ثمَّ كملها مائَة
أَمِين الدّين الأنفي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن الْمُحدث الْفَاضِل أَمِين الدّين الأنفي الدِّمَشْقِي الْمَالِكِي
ولد سنة ثَلَاث عشرَة وَسبع مائَة فِي شَوَّال وَحفظ الْقُرْآن وَالْفِقْه وَطلب الحَدِيث وَقَرَأَ وَنسخ كثيرا من الْأَجْزَاء والكتب سمع الْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّمْس نقيب السَّبع وَبنت صصرى وَنسخ جملَة من تواليفي وَقَرَأَ عَليّ أَشْيَاء من شعري وَمن مصنفاتي وَهُوَ حسن الشكل جميل الود حُلْو)
الْعبارَة
القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْكَرِيم أَبُو الْفَضَائِل الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل الْعَلامَة ذُو الْفُنُون أعجوبة الزَّمَان القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ
سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست مائَة بِظَاهِر الْقَاهِرَة فِي الحبانية ووفاته بِدِمَشْق فِي دَاره بالعادلية الصَّغِيرَة بعد مرضة طَوِيلَة عوفي فِي أَثْنَائِهَا ثمَّ انتكس توفّي يَوْم الْأَحَد سادس عشر ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع مائَة وَصلي عَلَيْهِ الظّهْر بالجامع الْأمَوِي وَدفن فِي مَقَابِر الْبَاب الصَّغِير وَكَانَت جنَازَته حفلة
خرج من الديار المصرية أول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع مائَة وَأقَام بِدِمَشْق وَقَرَأَ الْقُرْآن على جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ مُوسَى العجمي وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه أَولا على الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ قَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن الشَّيْخ تَاج الدّين وَقَرَأَ بَقِيَّة الْعُلُوم على الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني وَهُوَ أَكْثَرهم إِفَادَة لَهُ وَكَانَ معجباً بِهِ وبذهنه الْوَقَّاد وَحفظه المنقاد يُشِير إِلَيْهِ فِي المحافل والدروس وينوه بِقَدرِهِ ويثني عَلَيْهِ وَقَرَأَ على الشَّيْخ صدر الدّين وَبحث على الشَّيْخ مجد الدّين التّونسِيّ وعَلى الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي كتاب المقرب فِي النَّحْو وَحفظ الجزولية وَبحث مِنْهَا جانباً على الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي وَقَرَأَ الجست على النُّعْمَان والمنطق على جمَاعَة أشهرهم الشَّيْخ رَضِي الدّين المنطقي وعَلى الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي بِمصْر وَحفظ التَّنْبِيه والمنتخب فِي أصُول الْفِقْه وَحفظ مُخْتَصر(4/159)
ابْن الْحَاجِب فِي مُدَّة تِسْعَة عشر يوماًص وَهَذَا أَمر عَجِيب إِلَى الْغَايَة فَإِن أَلْفَاظ الْمُخْتَصر غلقة عقدَة مَا يرتسم مَعْنَاهَا فِي الذِّهْن ليساعد على الْحِفْظ وَحفظ المحصل فِي أصُول الدّين وَهُوَ قريب من أَلْفَاظ الْمُخْتَصر وَحفظ الْمُنْتَقى فِي الْأَحْكَام وَشرع فِي حفظ أَشْيَاء لم تكمل مثل مطلع النيرين والمنهاج للشَّيْخ محيي الدّين وتصريف ابْن الْحَاجِب وَكَانَ يحفظ من الْمُنْتَقى فِي أَيَّام عديدة كراسة فِي كل يَوْم والكراسة قطع الْبَلَدِي تضمن خمس مائَة سطر
وَفِي سنة خمس عشرَة وَسبع مائَة ولي تدريس العادلية الصَّغِيرَة وفيهَا أذن لَهُ بالإفتاء وَكَانَ لَهُ من الْعُمر ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة
وَلما توفّي شَيْخه الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن الشَّيْخ تَاج الدّين جلس بعده بالجامع الْأمَوِي فِي حَلقَة)
الأشغال فِي الْمَذْهَب وتأدب مَعَ شَيْخه فأخلى مَكَانَهُ وَجلسَ دونه وعلق دروساًص من التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه مفيدة وأقدم من سمع عَلَيْهِ الحَدِيث هَدِيَّة بنت عَسْكَر وَأحمد ابْن مشرف
وَحج إِلَى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة سبع مَرَّات جاور فِي الأولى بِمَكَّة بعض سنة عشْرين وجاور فِي الثَّانِيَة سنة أَرْبَعِينَ بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَلما حضر من الْحجاز كتبت لَهُ توقيعاً بِإِعَادَة تدريس الدولعية ونظرها إِلَيْهِ وَهَذِه نسخته رسم بِالْأَمر العالي لَا زَالَ يرْتَفع بِهِ الْعلم الشريف إِلَى فخره ويعيده إِلَى خير حبر تقتبس الْفَوَائِد من نوره وتغترف من بحره ويجمل الزَّمَان بولائه من هُوَ علم عصره وفخر مصره أَن يُعَاد الْمجْلس العالي الفخري إِلَى كَذَا وَكَذَا وضعا للشَّيْء فِي مَحَله ورفعاً للوبل على طله ودفعاً لسيف النّظر إِلَى يدٍ هِيَ مألف هزه وسله ومنعاً لشعب مَكَّة أَن ينزل غير أَهله إِذْ هُوَ لأَصْحَاب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حجَّة ولبحر مذْهبه الزاخر لجة وَلأَهل فَضله الَّذين يقطعون مفاوزه بالسرى صبح وبالمسير محجة طالما نَاظر الأقران فعدلهم وجادل الْخُصُوم فِي حومة الْبَحْث فجد لَهُم وجد لَهُم كم قطع الشُّبُهَات بحجج لَا يعرفهَا وأتى بِوَجْه مَا رأى الرؤياني أحلى مِنْهُ فِي أَحْلَام الطيف وَدخل بَاب علم فَتحه الْقفال لطَالب نِهَايَة الْمطلب التبري وارتوى من معِين ورد عين حَيَاته الخضري وَتمسك بِفُرُوع صَحَّ سبكها فَقَالَ ابْن الْحداد هَذَا هُوَ الذَّهَب الْمصْرِيّ وأوضح المغالط بِمَا نسف بِهِ جبال النَّسَفِيّ وروى أَقْوَال اصحاب الْمَذْهَب بحافظة يتمناها الْحَافِظ السلَفِي كم جاور بَين زَمْزَم وَالْمقَام وَألقى عَصا سَفَره لما رَحل عَنْهَا الحجيج وَأقَام وَكم طَابَ لَهُ الْقَرار بطيبه وعطر بالأذخر والجليل ردنه وجيبه وَكم استروح بِظِل نخلها والسمرات وتملى بمشاهدة الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَغَيره يسفح على قرب تربها العبرات وَكم كتب لَهُ بالوصال وُصُول وَبث شكواه فَلم يكن بَينه وَبَين الرَّسُول رَسُول لَا جرم أَنه عَاد وَقد زَاد وقارا وآب بَعْدَمَا غَابَ لَيْلًا فتوضح شَيْبه نَهَارا فليباشر مَا فوض إِلَيْهِ جَريا على مَا عهد مَا افادته وَألف من رياسته لهَذِهِ الْعِصَابَة وسيادته وَعرف من زِيَادَة يَوْمه على أمسه فَكَانَ كنيل بِلَاده وَلَا يتعجب من زِيَادَته حَتَّى يحيى بدرسه مَا درس ويثمر عود الْفُرُوع فَهُوَ الَّذِي أَنْبَتَهُ بِهَذِهِ الْمدرسَة وغرس مجتهداًص فِي نظر وَقفهَا مُعْتَمدًا على تتبع وَرَقَات حِسَابهَا وصفحها عَاملا بِشُرُوط الْوَاقِف فِيمَا شَرط قَابِضا مَا قَبضه وباسطاً مَا بسط وتقوى الله تَعَالَى جنَّة يرتع فِيهَا خاطره ويسرح فِي رياضها الناضرة ناظره وَمثله لَا يُنَبه عَلَيْهَا وَلَا يومأ لَهُ)
بالإشارات إِلَيْهَا فَلَا ينْزع مالبسه من(4/160)
حلاها وَلَا يسر فِي مهمة مُهِمّ إِلَّا بسناها وَالله يديم فَوَائده لأهل الْعلم الشريف ويجدد لَهُ سَعْدا يشْكر التالد مِنْهُ والطريف والخط الْكَرِيم أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ
عماد الدّين الدمياطي مُحَمَّد بن عَليّ بن حرمي الشَّيْخ الفرضي الإِمَام الْمُحدث عماد الدّين ابو عبد الله الدمياطي نزيل بِالْقَاهِرَةِ
ولد سنة خمس وَسبعين وست مائَة وَسمع من الدمياطي والأبرقوهي وَبنت الأسعردي وَطَائِفَة وبدمشق من الموازيني وَابْن مشرف وَسمع بِقِرَاءَتِي كثيرا على الشَّيْخ أثير الدّين من ذَلِك المقامات الحريرية وَهُوَ حُلْو المحادثة كثير المحاسن لَهُ خُصُوصِيَّة زَائِدَة عَن الْحَد بقاضي الْقُضَاة عز الدّين ابْن جمَاعَة ولي مشيخة الكاملية
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بِالْقَاهِرَةِ فِي طاعون مصر فِي سَابِع جُمَادَى الأولى سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
ابْن خروف الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم الْمُقْرِئ الْكَبِير بَقِيَّة السّلف ابو عبد الله الْموصِلِي الْحَنْبَلِيّ ابْن خروف وَيعرف بِابْن الْوراق
مولده سنة أَرْبَعِينَ وست مائَة وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بالموصل فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة
ارتحل إِلَى بَغْدَاد فِي طلب الْعلم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فَتلا بعدة كتب على الشَّيْخ عبد الصَّمد وَسمع من جمَاعَة وَقَرَأَ كتبا كبارًا وَقَرَأَ تَفْسِير الكواشي على المُصَنّف وجامع أبي عِيسَى ابْن العجمي
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قدم علينا وَسَمعنَا مِنْهُ
الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن عماد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن أبي يعلى ابو عبد الله الْجَزرِي الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ التَّاجِر
سمع وروى عَالم فَقِيه كثير الْمَحْفُوظ حسن الْإِنْصَات صَالح طَال عمره وَسكن بالإسكندرية ورحل النَّاس إِلَيْهِ
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وست مائَة
ابْن عمار الأندلسي مُحَمَّد بن عمار الْمهرِي بالراء الأندلسي الشَّاعِر الْمَشْهُور هُوَ ذُو)
الوزارتين كَانَ هُوَ وَابْن زيدون فرسي رهان فِي الْأَدَب
اشْتَمَل عَلَيْهِ الْمُعْتَمد ووزره ثمَّ جعله نائباًص على مرسية فعصى عَلَيْهِ بهَا فَلم يزل يحتال عَلَيْهِ إِلَى أَن وَقع فِي يَده فذبحه صبرا بِيَدِهِ سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع مائَة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَلما قَتله الْمُعْتَمد رثاه عبد الْجَلِيل بن وهبون المرسي بِأَبْيَات مِنْهَا
(عجبا لَهُ أبكيه ملْء مدامعي ... وَأَقُول لَا شلت يَمِين الْقَاتِل)
قَالَ صَاحب القلائد الْفَتْح بن خاقَان لقد رَأَيْت عظمي ساقي ابْن عمار وَقد أخرجَا بعد سِنِين من حفر يحْفر بِجَانِب الْقصر وأساودهما بهما ملتفة ولباتهما مشتفة مَا فغرت أفواههما وَلَا حل التواؤهما فرمق النَّاس العبر وَصدق المكذب الْخَبَر يَعْنِي بالأساود الْقُيُود
وَسبب(4/161)
تغير الْمُعْتَمد على ابْن عمار أَنه هجا الرميكية وَهِي اعْتِمَاد حظية الْمُعْتَمد اخْتَارَهَا لنَفسِهِ وَاخْتَارَ لَهَا اللقب ليناسب لقبه وَقَالَ ابْن عمار من أَبْيَات
(تخيرتها من بَنَات الهجان ... رميكيةً لَا تَسَاوِي عقَالًا)
(فَجَاءَت بِكُل قصير الذِّرَاع ... لئيم النجارين عَمَّا وخالا)
وَقيل أَن هَذَا الهجو وضع على لِسَانه لإغراء الْمُعْتَمد بِهِ
وَمن شعر ابْن عمار القصيدة الْمَشْهُورَة الطنانة الَّتِي أَولهَا
(أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف الْعَنَان عَن السرى)
(وَالصُّبْح قد أهْدى لنا كافوره ... لما اسْتردَّ اللَّيْل منا العنبرا)
وَمن مدحها فِي الْمُعْتَمد
(ملكٌ إِذا ازْدحم الْمُلُوك بموردٍ ... ونحاه لَا يردون حَتَّى يصدرا)
(أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ فِي الأجفان من سنة الْكرَى)
(قداح زند الْمجد لَا يَنْفَكّ من ... نَار الوغى إِلَّا إِلَى نَار الْقرى)
(يخْتَار أَن يهب الخريدة كاعباً ... والطرف أجرد والحسام مجوهرا)
(لَا خلق أَقرَأ من شفار سيوفه ... إِن أَنْت شبهت المواكب أسطرا)
(ماضٍ وَصدر الرمْح يكهم والظبى ... تنبو وأيدي الْخَيل تعثر بالبرى)
(أيقنت أَنِّي من ذراه بجنة ... لما سقاني من نداه الكوثرا)
(وَعلمت حَقًا أَن ربعي مخصبٌ ... لما سَأَلت بِهِ الْغَمَام الممطرا)
)
(أثمرت رمحك من رُؤُوس كماتهم ... لما رَأَيْت الْغُصْن يعشق مثمرا)
مِنْهَا
(نمقتها وشياً بذكرك مذهبا ... وفتقتها مسكاً بحَمْدك أذفرا)
(فلئن وجدت نسيم حمدي عاطراً ... فَلَقَد وجدت نسيم برك أعطرا)
وَقَالَ أَيْضا يمدح الْمُعْتَمد وَيذكر فتح ابْنه قرمونة
(نوالٌ كَمَا اخضر العذار وفتكةٌ ... كَمَا خجلت من دونه صفحة الخد)
(جنيت ثمار الصَّبْر طيبَة الجنى ... وَلَا شجرٌ غير المثقفة الملد)(4/162)
(وقلدت أجياد الشرى رائق الحلى ... وَلَا دررٌ غير المطهمة الجرد)
(بِكُل فَتى عاري الأشاجع لابسٍ ... إِلَى غَمَرَات الْمَوْت محكمَة السرد)
مِنْهَا فِي ذكر ابْنه
(ببدرٍ وَلَكِن من مطالعه الوغى ... وليثٍ وَلَكِن من براثنه الْهِنْدِيّ)
(وربّ ظلامٍ سَار فِيهِ إِلَى العدى ... وَلَا نجم إِلَّا مَا تطلع من غمد)
(أطل على قرمونةٍ متبلجاً ... مَعَ الصُّبْح حَتَّى قلت كَانَا على وعد)
(فأرملها بِالسَّيْفِ ثمَّ أرعاها ... من النَّار أَثوَاب الْحداد على الْفَقْد)
(فيا حسن ذَاك السَّيْف فِي رَاحَة الْهدى ... وَيَا برد تِلْكَ النَّار فِي كبد الْمجد)
(هَنِيئًا ببكرٍ فِي الْفتُوح افترعتها ... وَمَا قبضت غير الْمنية فِي النَّقْد)
وَقَالَ من قِطْعَة وعاطلةٍ من ليَالِي الحروب اطَّلَعت رَأْيك فِيهَا قمر
(فَإِن يجنك الْفَتْح ذَاك الْأَصِيل ... فَمن غرس تَدْبِير ذَاك السحر)
مِنْهَا
(فعاقر سَيْفك حَتَّى انحنى ... وعربد رمحك حَتَّى انْكَسَرَ)
(وَكم نبت فِي حربهم عَن على ... وناب عَن النهروان النَّهر)
وَقَالَ فِي فارسين تطاعنا فَسبق أَحدهمَا الآخر
(روى ليضْرب فابتدهت بطعنةٍ ... أَن الرماح بديهة الفرسان)
وَمن شعره)
(عليّ وَإِلَّا مَا بكاء الغمائم ... وفيّ وَإِلَّا فيمَ نوح الحمائم)
مِنْهَا يصف وَطنه
(كساها الحيا برد الشَّبَاب فَإِنَّهَا ... بلادٌ بهَا عق الشَّبَاب تمائمي)
(ذكرت بهَا عهد الصبى فَكَأَنَّمَا ... قدحت بِنَار الشوق بَين الحيازم)
(ليَالِي لَا ألوي على رشد لائمٍ ... عناني وَلَا أثنيه عَن غيّ هائم)
(أنال سهادي من عُيُون نواعسٍ ... وأجني عَذَابي من غصون نواعم)
(وليلٍ لنا بالسد بَين معاطفٍ ... من النَّهر تنساب اسياب الأراقم)
(بِحَيْثُ اتخذنا الرَّوْض جاراً تَزُورنَا ... هداباه فِي أَيدي الرِّيَاح النواسم)
(تبلغنَا أنفاسه فتردها ... بأعطر أنفاساً وأذكى لناسم)
(تسير إِلَيْنَا ثمَّ عَنَّا كَأَنَّهَا ... حواسد تمشي بَيْننَا بالنمائم)(4/163)
(وبتنا وَلَا واشٍ يحس كأننا ... حللنا مَكَان السِّرّ من صدر كاتم)
وَقيل أَن سَبَب اشتهار ابْن حَاج هُوَ أَن الْوَزير ابا بكر ابْن عمار كَانَ كثير الْوِفَادَة على مُلُوك الأندلس لَا يسْتَقرّ بِبَلَد وَكَانَ كثير التطلب لما يصدر عَن أَرْبَاب المهن من الْأَدَب الْحسن فَبَلغهُ خبر ابْن حَاج قبل اشتهاره فَمر على حانوته وَهُوَ آخذ فِي صناعَة صباغه والنيل على يَده وَقد غشاها فَأخْرج زنده وَيَده بَيْضَاء من غير سوء وَأَرَادَ أَن يعلم سرعَة خاطره فَأَشَارَ إِلَى يَده وَقَالَ كم بَين زندٍ وزند فَقَالَ ابْن حَاج مَا بَين وصلٍ وَصد فَعجب من بادرته وجذب بصبغه وَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَدخل ابْن عمار إِلَى سرقسطة فَبَلغهُ خبر يحيى القصاب السَّرقسْطِي فَمر عَلَيْهِ وَبَين يَدَيْهِ لحم جزور فَأَشَارَ ابْن عمار إِلَى اللَّحْم وَقَالَ لحم سباط الخرفان مهزول فَقَالَ يَقُول يَا مشترين مَه زولوا)
فأعجبه ذَلِك وَأحسن إِلَيْهِ
وينسب إِلَى ابْن عمار وَقيل لغيره
(غنى أَبُو الْفضل فَقُلْنَا لَهُ ... سُبْحَانَ مخليك من الْفضل)
(غناؤه حدٌ على شربهَا ... فَاشْرَبْ فَأَنت الْيَوْم فِي حلّ)
وَمن شعر ابْن عمار رَحمَه الله تَعَالَى
(سل الركب إِن أَعْطَاك حَاجَتك الركب ... من الكاعب الْحَسْنَاء تمنعها كَعْب)
(أحبك ودا من يخافك طَاعَة ... وأعجب شيءٍ خيفةٌ مَعهَا حب)
وَمِنْه
(إِنِّي لممن إِن دعَاك لنصرتي ... يَوْمًا بساطاً حجةٍ وجلاد)
(أذكيت دُونك للعدى حدق القنا ... وخصمت عَنْك بألسن الأغماد)(4/164)
3 - (ابْن عمرَان)
قَاضِي الْمَدِينَة مُحَمَّد بن عمرَان بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عيد الله التَّيْمِيّ ابو سُلَيْمَان قَاضِي الْمَدِينَة الَّذِي حكم بَين الْمَنْصُور والجمالين من الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أهل الْمَدِينَة
أمه أَسمَاء بنت سَلمَة بن عمر بن أبي سَلمَة وَأمّهَا حَفْصَة بنت عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَأمّهَا أَسمَاء بنت بن زيد بن الْخطاب
قضى لبني أُميَّة ثمَّ للمنصور على الْمَدِينَة كَانَ مهيباً صليباً قَلِيل الحَدِيث اتَّفقُوا على صدقه وثقته وديانته وورعه ونزاهته كَانَ لَهُ من الْوَلَد عبد الله وَعبد الْعَزِيز لما بلغ مَوته سنة أَربع وَخمسين بعد الْمِائَة ابا جَعْفَر قَالَ الْيَوْم اسْتَوَت قُرَيْش
الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي مُحَمَّد بن عمرَان بن أبي ليلى الإِمَام الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي
روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَدَب وَابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيره وروى عَنهُ التِّرْمِذِيّ
توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
الْأَصْبَهَانِيّ الشَّاعِر مُحَمَّد بن عمرَان الْأَصْبَهَانِيّ الشَّاعِر
هُوَ الْقَائِل
(سأترك هَذَا الْبَاب مَا دَامَ إِذْنه ... على مَا أرى حَتَّى يلين قَلِيلا)
(إِذا لم أجد يَوْمًا إِلَى الْإِذْن سلما ... وجدت إِلَى ترك المزار سَبِيلا)
)
أوردهُ ابْن الْمَرْزُبَان فِي مُعْجم الشُّعَرَاء لَهُ
أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ الْمُؤَدب مُحَمَّد بن عمرَان بن زِيَاد الضَّبِّيّ ابو جَعْفَر النَّحْوِيّ الْكُوفِي
كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْأَخْبَار وَالْأَدب وَكَانَ ثِقَة فِيمَا ينْقل شَيخا حلواً وَكَانَ قبل أَن يُؤَدب المعتز يعلم الصّبيان فَلَمَّا اتَّصل بالمعتز جعله على الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ يَوْمًا فنعس ثمَّ لما فتح عَيْنَيْهِ قَالَ تهجوافضحكوا
وَحفظ عبد الله بن المعتز سُورَة النازعات وَقَالَ لَهُ إِذا سَأَلَك أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أَي سُورَة أَنْت فَقل لَهُ فِي السُّورَة الَّتِي تلِي عبس فَسَأَلَهُ ابوه ذَلِك فَقَالَ من علمك هذاقال معلمي فَأمر لع بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم
توفّي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
الْمَرْزُبَان الْكَاتِب مُحَمَّد بن عمرَان بن مُوسَى بن عبيد ابو عبيد الله الْمَرْزُبَان(4/165)
الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ الْعَلامَة
حدث عَن أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَابْن دُرَيْد ونفطويه وَغَيرهم وَكَانَ أخبارياً راوية للآداب صنف فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء وَفِي الْغَزل غير أَن كتبه أَكْثَرهَا لم تكن مَعَه مِمَّا سَمعه بل بِالْإِجَازَةِ فَيَقُول أخبرنَا وَلَا يبين وَكَانَ يضع المحبرة وقنينة النَّبِيذ فَلَا يزَال يكْتب وَيشْرب وَكَانَ معتزلياً صنف فِي أَخْبَار الْمُعْتَزلَة
وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ ثِقَة قَالَ ابْن الْخَطِيب وَلَيْسَ حَاله عندنَا الْكَذِب وَأكْثر مَا عيب عَلَيْهِ الْمَذْهَب وَرِوَايَته بِالْإِجَازَةِ وَلم يبينها
وَقَالَ العتيقي كَانَ معتزلياً ثِقَة قَالَ القفطي نِسْبَة تصانيفه تصانيف الجاحظ كَانَ عضد الدولة مَعَ عَظمته يجتاز بِبَابِهِ وَيقف حَتَّى يخرج إِلَيْهِ وَكَانَت دَاره مجمع الْفُضَلَاء
وَله كتاب أَخْبَار الشُّعَرَاء الْمُحدثين خَاصَّة كَبِير إِلَى الْغَايَة يكون فِي عشرَة آلَاف ورقة وأخبار النُّحَاة ثَلَاثَة آلَاف ورقة وأخبار الْمُتَكَلِّمين ألف ورقة وأخبار المتيمين ثَلَاثَة آلَاف ورقة وأخبار الْغناء والأصوات ثَلَاثَة آلَاف ورقة كتاب الْمُفِيد وَهُوَ عدَّة فُصُول وَكتاب الشُّعَرَاء الجاهليين وَكتاب مُعْجم الشُّعَرَاء وَكتاب الموشح وصف فِيهِ مَا أنكرهُ الْعلمَاء على بعض الشُّعَرَاء من الْعُيُوب كتاب الشّعْر وَهُوَ جَامع لفضائله كتاب أشعار النِّسَاء المقتبس فِي أَخْبَار النُّحَاة الْبَصرِيين المرشد فِي أَخْبَار الْمُتَكَلِّمين أهل الْعدْل والتوحيد كتاب أشعار الْجِنّ الرياض أَخْبَار)
المتيمين كتاب الرَّائِق أَخْبَار المغنين كتاب الْأَزْمِنَة كتاب الْأَنْوَار وَالثِّمَار كتاب أَخْبَار البرامكة كتاب الْمفضل فِي الْبَيَان والعربية وَالْكِتَابَة كتاب التهاني كتاب التَّسْلِيم والزيارة كتاب التعازي كتاب المراثي كتاب الْمُعَلَّى فِي فَضَائِل الْقُرْآن كتاب تلقيح الْعُقُول كتاب المشرف فِي حكم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآدابه كتاب أَخْبَار من تمثل بالأشعار كتاب الشبَّان والشيب كتاب المتوج فِي الْعُدُول وَحسن السِّيرَة كتاب المدبج فِي الولائم والدعوات وَالشرَاب كتاب الْفرج الْقَرِيب كتاب الْهَدَايَا كتاب المزخرف فِي الإخوان وَالْأَصْحَاب كتاب أَخْبَار أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي كتاب الدُّعَاء كتاب الْأَوَائِل كتاب المستظرف فِي الحمقى كتاب أَخْبَار الْأَوْلَاد والزوجات والأهل كتاب أَخْبَار الزهاد كتاب ذمّ الدُّنْيَا كتاب الْمُنِير فِي التَّوْبَة وَالْعَمَل الصَّالح كتاب المواعظ وَذكر الْمَوْت كتاب أَخْبَار المحتضرين كتاب الْحجاب كتاب الْخَاتم كتاب أَخْبَار أبي حنيفَة وَأَصْحَابه كتاب شعراء الشِّيعَة أَخْبَار شُعْبَة بن الْحجَّاج كتاب شعر حَاتِم وأخباره أَخْبَار عبد(4/166)
الصَّمد بن المعذل أَخْبَار مُلُوك كِنْدَة أَخْبَار ابي تَمام أَخْبَار مُحَمَّد بن حَمْزَة الْعلوِي كتاب أَعْيَان الشّعْر فِي المديح وَالْفَخْر والهجو أَخْبَار الأجواد وَله كتب غير ذَلِك بدأها وَلم يُتمهَا
قَالَ ابو حَيَّان التوحيدي حَضَرنَا مَعَ أبي عبيد الله المرزباني عزاء وَجلسَ إِلَى جَانِبه رجل خراساني يرجع إِلَى مَال كثير عَلَيْهِ قبَاء مبطن لَهُ رايحة مُنكرَة فَقَامَ المرزباني من جنبه وَجلسَ نَاحيَة وَقَامَ بقيامه من ذَلِك الْجَانِب خلق كثير فَقيل لَهُ أَيهَا الشَّيْخ مَا حملك على ذلكفذكر قصَّته وَشرح حَاله وَأَنْشَأَ يَقُول
(هَل لَك فِي مَالِي وَأَهلي مَعًا ... وجلّ مَا يملك جيرانيه)
(تَأْخُذهُ نَافِلَة جملَة ... أحسبك المحسن فِي شأنيه)
(فَاذْهَبْ إِلَى أبعد مَا ينتوى ... لَا ردك الله وَلَا ماليه)(4/167)
3 - (ابْن عمر)
ابْن عَليّ بن أبي طَالب مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ من سَادَات بني هَاشم
روى عَنهُ الْأَرْبَعَة توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة أَو مَا دونهَا
الْوَاقِدِيّ مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد السّلمِيّ مَوْلَاهُم الْمَعْرُوف بالواقدي الإِمَام أَبُو عبد الله الْمدنِي
روى عَن مُحَمَّد بن عجلَان وَابْن جريج وثور بن يزِيد وَأُسَامَة ابْن زيد وَمعمر بن رَاشد وَابْن أبي ذِئْب وَهِشَام بن الْغَاز وَأبي بكر ابْن أبي سُبْرَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك وَأبي معشر وخلائق وَكتب مَا لَا يُوصف كَثْرَة ولد سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة وَهُوَ مَعَ عَظمته فِي الْعلم ضَعِيف
قَالَ ابْن حَنْبَل لم ندفع أَمر الْوَاقِدِيّ حَتَّى روى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن نَبهَان عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفعمياوان أَنْتُمَا فجَاء بِشَيْء لَا حِيلَة فِيهِ وَهَذَا لم يروه غير يُونُس
ولي الْقَضَاء أَربع سِنِين بِبَغْدَاد لِلْمَأْمُونِ وَكَانَ عَالما بالمغازي والسيرة والفتوح وَالْأَحْكَام وَاخْتِلَاف النَّاس توفّي بِبَغْدَاد لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَمِائَتَيْنِ
وروى عَنهُ ابْن مَاجَه وَكَانَ يقلب الْأَسَانِيد وَيَأْتِي بمتن وَاحِد وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة فِي تَارِيخ ابْن عَسَاكِر وَحَاصِل الْأَمر أَنه مجمع على ضعفه وأجود الرِّوَايَات عَنهُ رِوَايَة ابْن سعد فِي الطَّبَقَات كَانَ(4/168)
يَقُول مَا من أحد إِلَّا وَكتبه أَكثر من حفظه وحفظي أَكثر من كتبي
وَيُقَال أَنه حمل كتبه على مائَة وَعشْرين وقرا وَيُقَال أَن الْمَأْمُون قَالَ لَهُ لَا بُد أَن تصلي غَدا بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فَقَالَ وَالله مَا أحفظ سُورَة الْجُمُعَة قَالَ أَنا أحفظك فَجعل يلقنه السُّورَة حَتَّى يبلغ النّصْف مِنْهَا فَإِذا حفظه ابْتَدَأَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي فَإِذا حفظ النّصْف الثَّانِي نسي الأول فأتعب الْمَأْمُون ونعس فَقَالَ لعَلي بن صَالح حفظه أَنْت قَالَ عَليّ فَلم يحفظ واستيقظ الْمَأْمُون وَلم يحفظ فَقَالَ الْمَأْمُون هَذَا رجل يحفظ التَّأْوِيل وَلَا يحفظ التَّنْزِيل اذْهَبْ فصل بهم واقرأ أَي سُورَة أردْت
قَالَ الْوَاقِدِيّ صَار إِلَيّ من السُّلْطَان سِتّ مائَة ألف دِرْهَم مَا وَجَبت عَليّ فِيهَا زَكَاة وَمَات وَهُوَ على الْقَضَاء وَلَيْسَ لَهُ كفن فَبعث الْمَأْمُون بأكفانه
روى عَنهُ بشر الحافي أَنه سَمعه يَقُول مَا يكْتب للحمى يُؤْخَذ ثَلَاث وَرَقَات زيتون تكْتب يَوْم)
السبت وَأَنت طَاهِر على وَاحِدَة مِنْهُنَّ جَهَنَّم غرثى وعَلى الْأُخْرَى جَهَنَّم عطشى وعَلى الْأُخْرَى جَهَنَّم مقرورة ثمَّ تجْعَل فِي خرقَة وتشد على عضد المحموم الْأَيْسَر قَالَ الْوَاقِدِيّ الْمَذْكُور جربته فَوَجَدته نَافِعًا قَالَ ابْن خلكان نقل هَذِه الْحِكَايَة أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الَّذِي وَضعه فِي أَخْبَار بشر الحافي
وَله كتاب التَّارِيخ والمغازي والمبعث كتاب أَخْبَار مَكَّة كتاب الطَّبَقَات كتاب فتوح الشَّام كتاب فتوح الْعرَاق كتاب الْجمل كتاب مقتل الْحُسَيْن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرِّدَّة وَالدَّار حروب الْأَوْس والخزرج أُمَرَاء الْحَبَشَة والفيل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب المناكح السَّقِيفَة وبيعة أبي بكر ذكر الْأَذَان سيرة أبي بكر ووفاته التَّرْغِيب فِي علم الْمَغَازِي وَغلط الرِّجَال تداعي قُرَيْش وَالْأَنْصَار فِي القطائع وَوضع عمر الدَّوَاوِين مولد الْحسن وَالْحُسَيْن ومقتله ضرب الدَّنَانِير تَارِيخ الْفُقَهَاء التَّارِيخ الْكَبِير الْآدَاب غلط الحَدِيث السّنة وَالْجَمَاعَة وذم الْهوى وَترك الْخُرُوج فِي الْفِتَن اخْتِلَاف أهل الْمَدِينَة والكوفة فِي أَبْوَاب الْفِقْه
قَالَ الْمفضل بن غَسَّان عَن أَبِيه قَالَ صليت خلق الْوَاقِدِيّ صَلَاة الْجُمُعَة فَقَرَأَ إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف عِيسَى ومُوسَى
الْمقدمِي الْبَصْرِيّ مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن عَطاء الْمقدمِي الْبَصْرِيّ
روى عَنهُ الْأَرْبَعَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق توفّي سنة خمين وَمِائَتَيْنِ أَو مَا قبلهَا
الْحَافِظ الجعابي مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن سلم ابو بكر الجعابي بِالْجِيم وَالْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ قَاضِي الْموصل
صحب ابْن(4/169)
عقدَة وَسمع كثيرا وصنف الْأَبْوَاب والشيوخ والتاريخ وتشيعه مَشْهُور
روى عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره وَكَانَ يفضل الْحفاظ بِأَنَّهُ كَانَ يَسُوق الْأَلْفَاظ من الْمُتُون على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَأكْثر الْحفاظ يتسمحون فِي ذَلِك
وَكَانَ إِمَامًا فِي الْمعرفَة بعلل الحَدِيث وثقات الرِّجَال ومواليدهم ووفياتهم وَمَا يطعن بِهِ على كل وَاحِد مِنْهُم وَلم يبْق فِي زَمَانه من يتقدمه فِي الدُّنْيَا
قَالَ السّلمِيّ سَأَلت عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ خلط وَذكر مذْهبه فِي التَّشَيُّع وَكَذَا ذكر الْحَاكِم عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَذكر عَنهُ قَالَ قَالَ لي الثِّقَة من أَصْحَابنَا مِمَّن كَانَ يعاشر الجعابي أَنه كَانَ نَائِما فَكتب على رجله فَكنت أرَاهُ ثَلَاثَة أَيَّام لم يمسهُ بِالْمَاءِ وَلما مَاتَ أوصى أَن تحرق كتبه فأحرقت)
وفيهَا كتب النَّاس
وَتُوفِّي سنة خمس وَخمسين وَثَلَاث مائَة وَأورد لَهُ الْخَطِيب من شعره قَوْله
(يَا خليليّّ جنباني الرحيقا ... إِنَّنِي لست للرحيق مطيقا)
(غير أَنِّي وجدت للكأس نَارا ... تلهب الْجِسْم والمزاج الرقيقا)
وَقَوله
(وَإِذا جدت للصديق بوعدٍ ... فصل الْوَعْد بالفعال الْجَمِيل)
(لَيْسَ فِي وعد ذِي السماحة مطلٌ ... إِنَّمَا المطل فِي وعود الْبَخِيل)
ابْن دوست اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن دوست العلاف ابو بكر اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ من أَوْلَاد الْمُحدثين
كَانَ أحد النُّحَاة الأدباء يحفظ اللُّغَة ويتقن الْعَرَبيَّة قَرَأَ عَلَيْهِ الْخَطِيب ابو زَكَرِيَّاء التبريزي الْأَدَب وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح والديانة والعفة سمع الحَدِيث من أبي عَليّ الْحسن بن شَاذان وَأبي الْقَاسِم عَليّ السمسار وروى عَنهُ ابو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد البرداني
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مائَة
وَمن شعره
(إِذا شِئْت أَن تبلو مَوَدَّة صاحبٍ ... بواطنه مطويةٌ عَن ظواهره)
(فقس مَا بِعَيْنيهِ إِلَى مَا بِقَلْبِه ... تَجِد خطراتٍٍ من خَفِي سرائره)
(فَكل خَلِيل ماذقٍ فِي مناظره ... إِلَيْك دَلِيل مخبرٌ عَن ضمائره)
ابْن اميرك الْحَازِمِي مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد ابْن اميرك أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ الْحَازِمِي من أهل هراة
كَانَ فَقِيها فَاضلا مناظراً أديباً بارعاً متديناً سمع بهراة أَبَا الْفَتْح نصر بن أَحْمد الْحَنَفِيّ وَعبد الرَّزَّاق الْمَالِينِي وَأَبا الْفضل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الفضيلي وَأَبا الْفَتْح الْمُخْتَار بن عبد الحميد البوشنجي وَجَمَاعَة وبنيسابور أَبَا عبد الله مُحَمَّدًا الفراوي وَإِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْقَارئ وَغَيرهمَا وبسرخس أَبَا الْمَعَالِي خلف بن الْحسن الْحداد وَأَبا النَّصْر مُحَمَّد بن الشرهمرد وَغَيرهمَا وببلخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله البسطامي
وَقدم بَغْدَاد حَاجا وَسمع بهَا من جمَاعَة ثمَّ قدمهَا وَحج وَعَاد وَحدث سمع مِنْهُ أَبُو الْفضل أَحْمد)
بن صَالح بن شَافِع وَعمر بن أَحْمد بن بكرون وَنصر الله بن سَلامَة الهيتي
توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة(4/170)
ابْن الْقُوطِيَّة اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز ابو بكر ابْن الْقُوطِيَّة هِيَ جدة أبي جده وَهِي سارة بنت الْمُنْذر من بَنَات الْمُلُوك الْقُوطِيَّة الَّذين بإقليم الأندلس من ذُرِّيَّة قوم بن حامبالقاف والطاء الْمُهْملَة الْقُرْطُبِيّ النَّحْوِيّ
سمع بقرطبة من طَاهِر بن عبد الْعَزِيز وَأبي الْوَلِيد الْأَعْرَج وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب بن مغيث وَغَيرهم وَسمع بإشبيلية من مُحَمَّد بن عبد الله الزبيدِيّ وَسَعِيد بن جَابر وَغَيرهمَا
وَكَانَ عَلامَة زَمَانه فِي اللُّغَة والعربية حَافِظًا للْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأَخْبَار لَا يلْحق شأوه وَلَا يشق غباره وَكَانَ مضطلعاً بأخبار الأندلس مَلِيًّا بِرِوَايَة سير أمرائها وأحوال فقهائها وأدبائها وشعرائها يملي ذَلِك عَن ظهر قلب وَكَانَت كتب اللُّغَة أَكثر مَا تملى عَلَيْهِ وَلم يكن بالضابط لرِوَايَة الحَدِيث وَلَا الْفِقْه وَلَا كَانَت لَهُ أصُول يرجع إِلَيْهَا وَكَانَ الَّذِي يسمع عَلَيْهِ من ذَلِك إِنَّمَا يحمل على الْمَعْنى لَا على اللَّفْظ وَكَثِيرًا مَا يقْرَأ عَلَيْهِ من ذَلِك للتصحيح لَا للرواية
وصنف كتبا مفيدة مِنْهَا كتاب تصاريف الْأَفْعَال وَهُوَ الَّذِي فتح الْبَاب فجَاء من بعده ابْن طريف وَابْن القطاع وأفعال الْحمار هِيَ أَجود مَا فِي هَذَا الْبَاب وصنف تَارِيخا للأندلس وَله الْمَقْصُور والممدود جمع فِيهِ فأوعى حَتَّى أعجز من يَأْتِي بعده وفَاق فِيهِ على من تقدمه
وَكَانَ ابو عَليّ القالي يعظمه كثيرا وَكَانَ ناسكاً عابداً تزهد أخيراًص عَن نظم الشّعْر قَالَ أَبُو يحيى بن هُذَيْل التَّمِيمِي تَوَجَّهت إِلَى ضيعتي يَوْمًا بسفح جبل قرطبة فصادفت ابْن الْقُوطِيَّة صادراً عَنْهَا وَكَانَت لَهُ هُنَاكَ ضَيْعَة فَقلت لَهُ
(من أَيْن أَقبلت يَا من لَا شَبيه لَهُ ... وَمن هُوَ الشَّمْس وَالدُّنْيَا لَهُ فلك)
فَقَالَ
(من منزلٍ يعجب النساك خلوته ... وَفِيه سترٌ عَن الفتاك إِن فتكوا)
وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة
وَمن شعر ابْن الْقُوطِيَّة
(ضحك الثرى وبدا لَك استبشاره ... واخضر شَاربه وطر عذاره)
(ورنت حدائقه وآزر نبته ... وتعطرت أنواره وثماره)
)
(واهتز ذابل كل مَاء قرارة ... لما أَتَى متطلعاً آذاره)
(وتعممت صلع الرِّبَا بنباتها ... وترنمت من عجمةٍ أطياره)
كاك الْحَنَفِيّ الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز بن طَاهِر أَبُو بكر الْمُقْرِئ(4/171)
الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بكاك بكافين بَينهمَا ألف من أهل بخارا
نزل بِبَغْدَاد مُدَّة وَسمع بهَا الحَدِيث من جمَاعَة وجاور بِمَكَّة سِنِين وَكَانَ إِمَامًا لأَصْحَاب أبي حنيفَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَكَانَ شَيخا أديباً فَاضلا متديناً صَالحا مكثراً من الحَدِيث
سمع ببخارا أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن جذام وَأَبا نصر أَحْمد الريغذموني وبنسف ابا بكر مُحَمَّدًا الْبَلَدِي وبسمرقند أَبَا لقاسم عليا الصَّيْرَفِي الكشاني وبنيسابور أَبَا نصر الْوراق وَأَبا عَليّ نصر الله الخشنامي وَغَيرهمَا وبهمذان أَبَا مَنْصُور الْعجلِيّ وببغداد أَبَا عَليّ مُحَمَّد بن نَبهَان وَأَبا الْغَنَائِم النَّرْسِي وَغَيرهمَا وَحدث بِبَغْدَاد وَكتب عَنهُ أَبُو البركات ابْن السَّقطِي وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن ماشاذه
توفّي فِي طَرِيق الْحجاز سنة خمس وَعشْرين وَخمْس مائَة
الْفَقِيه ابْن مازة الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز بن مازة أَبُو جَعْفَر الْفَقِيه الْحَنَفِيّ من أهل بخارا رئيسها وَابْن رئيسها
كَانَ من فحول فقهائها الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والنبل وَله التَّقَدُّم عِنْد الْمُلُوك والسلاطين قدم بَغْدَاد وَحدث عَن وَالِده روى عَنهُ أَبُو البركات مُحَمَّد بن عَليّ الْأنْصَارِيّ قَاضِي سيوط من أهل مصر فِي مشيخته
مولده سنة إِحْدَى عشرَة وَخمْس مائَة وَقتل سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة
الْحَافِظ ابو مَنْصُور الدينَوَرِي مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد أَبُو مَنْصُور الدينَوَرِي الْحَافِظ
حدث بِبَغْدَاد عَن أبي الْحسن مُحَمَّد بن زَنْجوَيْه الْقزْوِينِي الْمُقْرِئ وَمُحَمّد بن عبد الله بن بزرج وروى عَنهُ عبد الرَّزَّاق الْأَصْبَهَانِيّ أَخُو أبي نعيم أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ فِي مُعْجم شُيُوخه
رَئِيس الطالبيين مُحَمَّد بن عمر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن يحيى بن الْحُسَيْن بن الشَّهِيد زيد بن عَليّ الزيدي الْعلوِي ابو الْحسن الْكُوفِي نزيل بَغْدَاد
كَانَ رَئِيس الطالبيين مَعَ كَثْرَة الضّيَاع وَالْمَال قبض عَلَيْهِ عضد الدولة وسجنه وَأخذ أَمْوَاله وَبَقِي إِلَى أَن أطلقهُ شرف الدولة وَلَده يُقَال أَنه لما صادره أَخذ مِنْهُ ألف ألف دِينَار عينا توفّي)
سنة تسعين وَثَلَاث مائَة
سمع أَبَا الْعَبَّاس ابْن عقدَة وطبقته وروى عَنهُ أَبُو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ وشيوخ الْخَطِيب رفع ابو الْحسن عَليّ بن طَاهِر عَامل سقِِي الْفُرَات إِلَى شرف الدولة أَن الشريف زرع فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَثَلَاث مائَة ثَمَان مائَة ألف جريب وَأَنه يستغل ضيَاعه الفي ألف دِينَار وَبلغ الشريف ذَلِك فَدخل على شرف الدولة وَقَالَ يَا مَوْلَانَا وَالله مَا خاطبت بمولانا ملكا سواك وَلَا قبلت الأَرْض لملك سواك لِأَنَّك أخرجتني من محبسي وحفظت روحي ورددت عَليّ ضياعي وَقد أَحْبَبْت أَن أجعَل لَك النّصْف مِمَّا أملك وأطتبه باسم ولدك وَجَمِيع مَا بلغك عني صَحِيح فَقَالَ لَهُ شرف الدولة لَو كَانَ ارْتِفَاع ملكك أضعافه كَانَ قَلِيلا وَقد وفر الله مَالك عَلَيْك وأغنى وَلَدي عَنْك فَكُن على حالك وهرب ابْن طَاهِر إِلَى مصر فَلم يعد حَتَّى مَاتَ الشريف
وَلما بنى دَاره بِالْكُوفَةِ كَانَ فِيهَا حَائِط عَال فَسقط من الْحَائِط بِنَاء وَقَامَ سالما فَعجب النَّاس وَعَاد بِالْبِنَاءِ ليصلح الْحَائِط فَقَالَ لَهُ الشريف(4/172)
قد بلغ أهلك سقوطك وهم لَا يصدقون بسلامتك وَكَأَنِّي بالنوائح وَقد أتين إِلَى بَابي فَاذْهَبْ إِلَيْهِم ليطمئنوا ويصدقوا أَنَّك فِي عَافِيَة وارجع إِلَى عَمَلك فَخرج الْبناء إِلَى أَهله مسرعاً فَلَمَّا بلغ عتبَة الْبَاب عثر فَوَقع مَيتا
خَال الشرفي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْوَارِث أَبُو عبد الله الْقَيْسِي الْقُرْطُبِيّ النَّحْوِيّ وَيعرف بخال الشرفي
توفّي سنة تسع وَأَرْبع مائَة
الْحَافِظ ابْن الفخار المغربي مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف أَبُو عبد الله ابْن الفخار القطربي الْمَالِكِي الْحَافِظ عَالم الأندلس فِي زَمَانه
كَانَ إِمَامًا زاهداً من أهل الْعلم والورع ذكياًص عارفاًص بِمذهب الْأَئِمَّة وأقوال الْعلمَاء يحفظ الْمُدَوَّنَة جيدا والنوادر لِابْنِ أبي زيد كَانَ يُقَال أَنه مجاب الدعْوَة وفر عَن قرطبة لما نذرت البرابر دَمه
وَتُوفِّي سنة تسع عشرَة وَأَرْبع مائَة
أَبُو الْفضل الأرموي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف بن مُحَمَّد القَاضِي ابو الْفضل الأرموي الْفَقِيه الشَّافِعِي من أهل ارمية
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ فَقِيه إِمَام متدين ثِقَة صَالح الْكَلَام فِي الْمسَائِل كثير التِّلَاوَة حدث عَنهُ)
السلَفِي وَابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَعبد الْخَالِق بن أَسد وَابْن طبرزد وتاج الدّين الْكِنْدِيّ وَجَمَاعَة كَثِيرَة كَانَ أسْند من بقى بِبَغْدَاد وَآخر من حدث عَنهُ بِالسَّمَاعِ الْفَتْح بن عبد السَّلَام توفّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
أَبُو جَعْفَر الْجِرْجَانِيّ مُحَمَّد بن عمر أَبُو جَعْفَر الْجِرْجَانِيّ أحد رُوَاة الْأَخْبَار وَأَيَّام النَّاس
ذكره أَبُو عبيد الله المرزباني فِي كتاب المقتبس فِي من كَانَ بِبَغْدَاد من الأدباء
من شعره
(إِنِّي لأعرض عَن أَشْيَاء تؤلمني ... حَتَّى يظنّ رجالٌ أَن بِي حمقا)
(أخْشَى جَوَاب سفيهٍ لَا حَيَاء لَهُ ... فسلٍ يظنّ رجالٌ أَنه صدقا)
الْمُقْرِئ الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن عمر الْمُقْرِئ الْكَاتِب من أهل الْجَانِب الشَّرْقِي بِبَغْدَاد
قَالَ ابْن النجار رَأَيْت لَهُ كتابا سَمَّاهُ تَفْضِيل أَخْلَاق الْكلاب على من أحْوج إِلَى العتاب من أهل الزيغ والارتياب روى فِيهِ عَن جمَاعَة سردهم ابْن النجار مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم عبد الله الْبَغَوِيّ
أَبُو جَعْفَر الْحَرْبِيّ مُحَمَّد بن عمر بن سعيد أَبُو جَعْفَر الْحَرْبِيّ
ذكره مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح فِي كتاب الورقة فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء وَقَالَ بغدادي راوية صَالح
من شعره
(أنيتك كشتاقاً وَجئْت مُسلما ... عَلَيْك وَإِنِّي باحتجابك عَالم)(4/173)
(فَأَخْبرنِي البواب أَنَّك نَائِم ... وَأَنت إِذا استيقظت أَيْضا فنائم)
توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
الأشتيخني النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عَليّ الأديب ابو الْفضل الْقرشِي المَخْزُومِي الخالدي الإشتيخني السغدي السَّمرقَنْدِي
كَانَ أديباً نحوياً بارعاً صَالحا خيرا سريع الدمعة كتب بِنَفسِهِ أمالي أَئِمَّة سَمَرْقَنْد توفّي سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة أَو مَا دونهَا
الْحَافِظ ابو مُوسَى الْمَدِينِيّ مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد الْحَافِظ الْكَبِير ابو مُوسَى بن أبي بكر ابْن أبي عِيسَى الْمَدِينِيّ الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب التصانيف وَبَقِيَّة الْأَعْلَام
كَانَ وَاسع الدائرة فِي معرفَة الحَدِيث وَعلله وأبوابه وَرِجَاله وفنونه لم يكن فِي وقته أعلم مِنْهُ)
وَلَا أحفظ مِنْهُ وَلَا أَعلَى سنداً وروى عَنهُ جمَاعَة من الْحفاظ
لَهُ من التصانيف الْكتاب الْمَشْهُور فِي تَتِمَّة معرفَة الصَّحَابَة الَّذِي ذيل بِهِ على أبي نعيم يدل على تبحره والطوالات مجلدان وتتمة الغريبين والوظائف واللطائف وعوالي التَّابِعين وَعرض من حفظه كتاب عُلُوم الحَدِيث للْحَاكِم على إِسْمَاعِيل الْحَافِظ
وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة والمديني بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى مَدِينَة أَصْبَهَان
أَبُو نصر الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد الرئيس أَبُو نصر الْأَصْبَهَانِيّ كَاتب الْوَزير نظام الْملك
قَالَ الباخرزي ورد علينا نيسابور وَكَانَ وُرُوده كورود الْورْد بعد انحسار برد الْبرد وَأورد لَهُ من شعره
(طويت رِدَاء ودي لَا كطيّ ... يُرَاد بِهِ الْبَقَاء على النَّقَاء)
(وَمَا ظَنِّي بأعدائي إِذا مَا ... يكون كَذَاك حَال الأصدقاء)
وَمِنْه
(شَرق وَغرب واغترب تلق الَّذِي ... تهوى وتعزز أَي وجهٍ تشخص)
(وَأرى المهانة فِي اللُّزُوم فخله ... إِن الْمَتَاع بأرضه يسترخص)
وَمِنْه(4/174)
(بليت بمملوكٍ إِذا مَا بعثته ... لأمرٍ أُعِيرَت رجله مشْيَة النَّمْل)
(بليد كَأَن الله خالقنا عَنَّا ... بِهِ الْمثل الْمَضْرُوب فِي سُورَة النَّحْل)
وَمِنْه
(النَّاس أعداءٌ إِذا جربتهم ... لمقلهم وأصادق المتمول)
(كَالرِّيحِ قد تطفي السراج لضَعْفه ... وتزيد فِي ضوء الْحَرِيق المشعل)
الإِمَام حسام الدّين ابْن أُخْت صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن عمر بن لاجين ابْن أُخْت السُّلْطَان صَلَاح الدّين الْأَمِير حسام الدّين
توفّي فِي اللَّيْلَة الَّتِي توفّي فِيهَا صَاحب حماة تَقِيّ الدّين المظفر فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وحزن السُّلْطَان عَلَيْهِمَا وَدفن حسام الدّين فِي التربة الحسامية المنسوبة إِلَيْهِ من بِنَاء والدته)
سِتّ الشَّام وَهِي فِي الشامية الْكُبْرَى بِظَاهِر دمشق وَقيل اسْمه عمر بن لاجين
الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ مُحَمَّد بن عمر بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ الإِمَام الْعَلامَة فريد دهره ونسيج وَحده فَخر الدّين أَبُو عبد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ الْبكْرِيّ الطبرستاني الأَصْل الرَّازِيّ المولد ابْن خطيب الرّيّ الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ
(عَلامَة الْعلمَاء وَالْبَحْر الَّذِي ... لَا يَنْتَهِي وَلكُل بحرٍ سَاحل)
(مَا دَار فِي الحنك اللِّسَان وقلبت ... قَلما بِأَحْسَن من ثناه أنامل)
ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة واشتغل على وَالِده الإِمَام ضِيَاء الدّين وَكَانَ من تلامذة محيي السّنة أبي مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَكَانَ إِذا ركب يمشي حوله نَحْو ثَلَاث مائَة تلميذ فُقَهَاء وَغَيرهم وَكَانَ خوارزم شاه يَأْتِي إِلَيْهِ
وَكَانَ شَدِيد الْحِرْص جدا فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَالْحكمَة اجْتمع لَهُ(4/175)
خَمْسَة أَشْيَاء مَا جمعهَا الله لغيره فِيمَا عَلمته من أَمْثَاله وَهِي سَعَة الْعبارَة فِي الْقُدْرَة على الْكَلَام وَصِحَّة الذِّهْن والاطلاع الَّذِي مَا عَلَيْهِ مزِيد والحافظة المستوعبة والذاكرة الَّتِي تعينه على مَا يُريدهُ فِي تَقْرِير الْأَدِلَّة والبراهين وَكَانَ فِيهِ قُوَّة جدلية وَنَظره دَقِيق وَكَانَ عَارِفًا بالأدب لَهُ شعر بالعربي لَيْسَ فِي الطَّبَقَة الْعليا وَلَا السُّفْلى وَشعر بالفارسي لَعَلَّه يكون فِيهِ مجيداً
وَكَانَ عبل الْبدن ربع اقامة كَبِير اللِّحْيَة فِي صورته فخامة كَانُوا يقصدونه من أَطْرَاف الْبِلَاد على اخْتِلَاف مقاصدهم فِي الْعُلُوم وتفننهم فَكَانَ كل مِنْهُم يجد عِنْده النِّهَايَة فِيمَا يرومه مِنْهُ
قَرَأَ الْحِكْمَة على الْمجد الْجبلي والجيلي من كبار الْحُكَمَاء وَقَرَأَ بعد وَالِده على الْكَمَال السمناني وَقيل على الطبسي صَاحب الْحَائِز فِي علم الروحاني وَالله أعلم
وَله تصانيف ورزق الإِمَام فَخر الدّين السَّعَادَة الْعُظْمَى فِي تصانيفه وانتشرت فِي الْآفَاق وَأَقْبل النَّاس على الِاشْتِغَال بهَا ورفضوا كتب الأقدمين وَكَانَ فِي الْوَعْظ باللسانين مرتبَة عليا وَكَانَ يلْحقهُ الوجد حَال وعظه ويحضر مَجْلِسه أَرْبَاب المقالات والمذاهب ويسألونه وَرجع بِسَبَبِهِ خلق كثير من الكرامية وَغَيرهم إِلَى مَذْهَب السّنة وَكَانَ يلقب بهراة شيخ الْإِسْلَام يُقَال أَنه حفظ الشَّامِل فِي أصُول الدّين لإِمَام الْحَرَمَيْنِ
قصد خوارزم وَقد تمهر فَجرى بَينه وَبَين أَهلهَا كَلَام فِيمَا يرجع إِلَى العقيدة فَأخْرج من الْبَلَد وَقصد مَا وَرَاء النَّهر فَجرى لَهُ أَيْضا مَا جرى بخوارزم فَعَاد إِلَى الرّيّ وَكَانَ بهَا طَبِيب)
حاذق لَهُ ثروة وَله بنتان فزوجهما بِابْني فَخر الدّين وَمَات الطَّبِيب فاستولى على جَمِيع نعْمَته وَمن ثمَّ كَانَت لَهُ النِّعْمَة وَلما وصل السُّلْطَان شهَاب الدّين الغوري صَاحب غزنة بَالغ فِي إكرامه وحصلت لَهُ أَمْوَال عَظِيمَة مِنْهُ وَعَاد إِلَى خُرَاسَان واتصل بالسلطان خوارزم شاه مُحَمَّد بن تكش وحظي عِنْده وَأَظنهُ توجه رَسُولا مِنْهُ إِلَى الْهِنْد
وَهُوَ أول من اخترع هَذَا التَّرْتِيب فِي كتبه وأتى فِيهَا بِمَا لم يسْبق إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يذكر الْمَسْأَلَة وَيفتح بَاب تقسيمها وَقِسْمَة فروع ذَلِك التَّقْسِيم ويستدل بأدلة السبر والتقسيم فَلَا يشذ مِنْهُ عَن تِلْكَ الْمَسْأَلَة فرع لَهَا بهَا علاقَة فانضبطت لَهُ الْقَوَاعِد وانحصرت لَهُ الْمسَائِل وَكَانَ ينَال من الكرامية وينالون مِنْهُ
نقلت من خطّ الْفَاضِل عَلَاء الدّين الوداعي من تَذكرته أَن الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ رَحمَه الله كَانَ يعظ النَّاس على عَادَة مَشَايِخ الْعَجم وَأَن الْحَنَابِلَة كَانُوا يَكْتُبُونَ لَهُ قصصاً تَتَضَمَّن شَتمه ولعنه وَغير ذَلِك من الْقَبِيح فاتفق أَنهم رفعوا إِلَيْهِ يَوْمًا قصَّة يَقُولُونَ فِيهَا أَن ابْنه يفسق ويزني وَأَن امْرَأَته كَذَلِك فَلَمَّا قَرَأَهَا قَالَ هَذِه الْقِصَّة تَتَضَمَّن أَن ابْني يفسق ويزني وَذَلِكَ مَظَنَّة الشَّبَاب فَإِنَّهُ شُعْبَة من الْجُنُون وَنَرْجُو الله تَعَالَى إِصْلَاحه وَالتَّوْبَة وَأما امْرَأَتي فَهَذَا شَأْن النِّسَاء إِلَّا من عصمه الله تَعَالَى وَأَنا شيخ مَا فيّ للنِّسَاء مستمتع هَذَا كلهَا يُمكن وُقُوعه وَأما أَنا فوَاللَّه لَا قلت أَن البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جسم وَلَا شبهته بخلقه وَلَا حيزته انْتهى
ذكرت هُنَا مَا يحْكى من أَنه رفع لبَعض الوعاظ مِمَّن يحسده ورقة فِيهَا إِن زَوجتك تَزني هِيَ وبناتك وأولادك يفسقون ويفعلون ويصنعون وَأَشْيَاء من هَذِه الْمَادَّة فقرأها فِي نَفسه وَقَالَ يَا جمَاعَة هَذِه الورقة فِيهَا سبّ أهل الْبَيْت وذمهم العنوا من كتبهافقال النَّاس كلهم لَعنه الله
وَلما توفّي الإِمَام فَخر الدّين بهراة فِي(4/176)
دَار السلطنة يَوْم عيد الْفطر سنة سِتّ وست مائَة كَانَ قد أمْلى رِسَالَة على تِلْمِيذه ومصاحبه إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ تدل على حسن عقيدته وظنه بكرم الله تَعَالَى ومقصده بتصانيفه والرسالة مَشْهُورَة وَلَوْلَا خوف الإطالة لذكرتها وَلَكِن مِنْهَا وَأَقُول ديني مُتَابعَة سيد الْمُرْسلين وقائد الْأَوَّلين والآخرين إِلَى حظائر قدس رب الْعَالمين وكتابي هُوَ الْقُرْآن الْعَظِيم وتعويلي فِي طلب الدّين عَلَيْهِمَا اللَّهُمَّ يَا سامع الْأَصْوَات وَيَا مُجيب الدَّعْوَات وَيَا مقيل العثرات وَيَا رَاحِم العبرات وَيَا قيام المحدثات والممكنات أَنا كنت)
حسن الظَّن بك عَظِيم الرَّجَاء فِي رحمتك وَأَنت قلتأنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي خيرا وَأَنت قلتأمن يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ وَأَنت قلتوغذا سالك عبَادي عني فَإِنِّي قريب فَهَب أَنِّي جِئْت بِشَيْء فَأَنت الْغَنِيّ الْكَرِيم وَأَنا الْمُحْتَاج اللَّئِيم وَأعلم أَنه لَيْسَ لي أحد سواك وَلَا أحد كريم سواك وَلَا أحد محسن سواك وَأَنا معترف بالزلة والقصور وَالْعَيْب والفتور فَلَا تخيب رجائي وَلَا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الْمَوْت وَعند الْمَوْت وَبعد الْمَوْت وَسَهل عَليّ سَكَرَات الْمَوْت وخفض عني نزُول الْمَوْت وَلَا تضيق عَليّ سَبَب الآلام والسقام فَإنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ
ثمَّ قَالَ فِي آخرهَا واحملوني إِلَى الْجَبَل المصاقب لقرية مزداخان وادفنوني هُنَاكَ وَإِذا وضعتموني فِي اللَّحْد فاقرؤوا عَليّ مَا تقدرون عَلَيْهِ من آيَات الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ ردوا عَليّ التُّرَاب بِالْمَسَاحِي وَبعد إتْمَام ذَلِك قُولُوا مبتهلين إِلَى الله مُسْتَقْبلين الْقبْلَة على هَيْئَة الْمَسَاكِين المحتاجين يَا كريم يَا كريم يَا عَالما بِحَال هَذَا الْفَقِير الْمُحْتَاج احسن إِلَيْهِ واعطف عَلَيْهِ فَأَنت أكْرم الأكرمين وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأَنت الفعال بِهِ وَبِغَيْرِهِ مَا تشَاء فافعل بِهِ مَا أَنْت أَهله فَأَنت أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة انْتهى
قلت وَمن وقف على هَذِه الْأَلْفَاظ علم مَا كَانَ عَلَيْهِ هَذَا الإِمَام من صِحَة الِاعْتِقَاد ويقين الدّين وَاتِّبَاع الشَّرِيعَة المطهرة
(صلوةٌ وَتَسْلِيم وروح وراحة ... عَلَيْهِ وممدود من الظل سَجْسَج)
وَأكْثر شناع عَلَيْهِ لخصومه أَنه أَكثر من إِيرَاد الشّبَه والأدلة للخصوم وَلم يجب عَنْهَا بطائل حضرت أَنا وَالشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس رَحمَه الله عِنْد الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان فجَاء ذكر الإِمَام فَخر الدّين فَذكر ابْن سيد النَّاس أَن ابْن جُبَير ذكر عَنهُ فِي رحلته قَالَ ثمَّ دخلت الرّيّ فَوجدت ابْن خطيبها قد الْتفت عَن السّنة وشغلهم بكتب ابْن سينا وأرسطو فَقَالَ لي الشَّيْخ أثير الدّين وَأَظنهُ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق العيديقول فَخر الدّين وَإِن كَانَ قد أَكثر من إِيرَاد شبه الفلاسفة وملأ بهَا كتبه فَإِنَّهُ قد زلزل قواعدهم قلت الْأَمر كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ إِذا ذكر للفلاسفة أَو غَيرهم من خصومه شُبْهَة ثمَّ أَخذ فِي نقضهَا فإمَّا أَن يَهْدِمهَا ويمحوها ويمحقها وَإِمَّا أَن يزلزل أَرْكَانهَا من ذَلِك أَنه أَتَى إِلَى شُبْهَة الفلاسفة فِي أَن وجود الله تَعَالَى عين ذَاته وَلَهُم فِي)
ذَلِك شبه وحجج قَوِيَّة مَبْنِيَّة على أصولهم الَّتِي قرؤها فَقَالَ هَذَا كُله مَا نعرفه وَلَكِن نَحن نعلم قطعا أَن الله تَعَالَى مَوْجُود ونشك فِي ذَاته مَا هِيَ فَلَو كَانَ وجوده عين ذَاته لما كُنَّا نعلم وجوده من وَجه ونجهله من وَجه إِذْ الشَّيْء(4/177)
لَا يكون فِي نَفسه مَعْلُوما مَجْهُولا
هَذَا أَمر قَطْعِيّ فَانْظُر إِلَى هَذِه الْحجَّة مَا أقواها وأوضحها وأجلاها كَيفَ تهدم مَا بنوه وتدكدك مَا شيدوه وعلوه وَمَا رَأَيْت أحدا يَقُول إِذا عابه غير ذَلِك وَلم يَأْتِ بِشَيْء من عِنْده حَتَّى يَقُول كَانَ يَنْبَغِي أَن نجيب عَن كَذَا وَكَذَا فَيكون قد استدرك مَا أهمله وأغفله والأعمال بِالنِّيَّاتِ
وَلما مَاتَ الإِمَام فَخر الدّين خلف ثَمَانِينَ ألف دِينَار سوى الدَّوَابّ وَالْعَقار وَغير ذَلِك وَخلف وَلدين الْأَكْبَر مِنْهُمَا تجند فِي حَيَاة أَبِيه وخدم خوارزم شاه وَالْآخر اشْتغل وَلم نعلم لَهُ تَرْجَمَة وَأَظنهُ الَّذِي صنف لَهُ الْأَرْبَعين فِي أصُول الدّين لكنه قَالَ لأكبر أَوْلَادِي مُحَمَّد وَالله أعلم
وَكَانَ الإِمَام فِي أَيَّامه لَهُ صُورَة كَبِيرَة وجلالة وافرة وعظمة زَائِدَة
ذكر ابْن مسدي فِي مُعْجَمه عَن ابْن عنين رَحمَه الله يَقُول سَمِعت أَبَا المحاسن مُحَمَّد بن نصر الله ابْن عنين رَحمَه الله يَقُول كنت بخراسان فِي مجْلِس الْفَخر الرَّازِيّ إِذْ أَقبلت حمامة يتبعهَا جارح فَسَقَطت فِي حجر الرَّازِيّ وعاذت بِهِ وَهُوَ على منبره فَقُمْت وأنشدت بديهاً
(يَا ابْن الْكِرَام المطعمين إِذا شتوا ... فِي كل مسغبةٍ وثلجٍ خاشف)
(والعاصمين إِذا النُّفُوس تطايرت ... بَين الصوارم والوشيج الراعف)
(من نبأ الورقاء أَن محلكم ... حرمٌ وَأَنَّك ملْجأ للخائف)
(وافت إِلَيْك وَقد تدانى حتفها ... فحبوتها ببقائها المستأنف)
(وَلَو أَنَّهَا تحبى بمالٍ لانثنت ... من راحتيك بنائلٍ متضاعف)
(جَاءَت سُلَيْمَان الزَّمَان حمامةٌ ... وَالْمَوْت يلمع من جناحي خاطف)
فَخلع عَلَيْهِ جُبَّة كَانَت عَلَيْهِ قَالَ فَكَانَ هَذَا سَببا لإقبال السُّعُود عَليّ وتسني الآمال لدي انْتهى
واقترح الإِمَام عَلَيْهِ قصيدة فِي كل كلمة مِنْهَا سين فنظمها ابْن عنين وأولها
(مرسى السِّيَادَة سنة سيفية ... محروسة مسعودة التأسيس)
واقترح عَلَيْهِ قصدة أُخْرَى فِي كل كلمة مِنْهَا حاء فنظمها أَيْضا وأولها
(حيى مَحل الحاجبية بالحمى ... والسفح سيح مدلح سحاح)
والقصيدتان مثبتتان فِي ديوانه ومدحه بقصيدة سَيرهَا إِلَيْهِ من نيسابور مِنْهَا)
(من دوحةٍ فخريةٍ عمريةٍ ... طابت مغارس مجدها المتأثل)
(مَكِّيَّة الْأَنْسَاب زاكٍ أَصْلهَا ... وفروعها فَوق السماك الأعزل)
(بحراً تصدر للعلوم وَمن رأى ... بحراً تصدر قبله فِي محفل)(4/178)
(ومشمراً بِهِ بدعٌ تَمَادى عمرها ... قهرا وَكَاد ظلامها لَا ينجلي)
(فعلا بِهِ الْإِسْلَام أرفع هضبةٍ ... ورسا سواهُ فِي الحضيض الْأَسْفَل)
(غلط امرؤٌ بِأبي عليّ قاسه ... هَيْهَات قصر عَن مداه أَبُو عَليّ)
(لَو أَن رسطاليس يسمع لَفْظَة ... من لَفظه لعرته هزة أفكل)
(ولحار بطليموس لَو لاقاه من ... برهانه فِي كل شكل مُشكل)
(فَلَو أَنهم جمعُوا لَدَيْهِ تيقنوا ... أَن الْفَضِيلَة لم تكن للْأولِ)
وَقَالَ ابْن عنين حصلت بِلَاد الْعَجم من جِهَة فَخر الدّين وبجاهه نَحوا من ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ذكر ذَلِك ابْن أبي أصيبعة فِي تَارِيخه
وَحكى لي بعض الأفاضل أَن بعض الملوكأنسيتهسأله أَن يضع لَهُ شَيْئا فِي الْأُصُول يقرأه فَقَالَ لَهُ بِشَرْط أَنَّك تحضر إِلَى درسي وتقرأه عَليّ فَقَالَ نعم وَأَزِيدك على هَذَا فَوضع لَهُ المحصل قَالَ الحاكي والعهدة عَلَيْهِ فِي ذَلِك أَن السُّلْطَان كَانَ يَجِيء وَيقف وَيَأْخُذ مداسه يَعْنِي مداس الإِمَام ويحمله فِي كمه وَيسمع الدَّرْس فِي الْكتاب قلت إِذا كَانَ السُّلْطَان كَذَلِك كَيفَ لَا يرغب أهل الْعلم ويزادون نشاطاً ويجتهدون فِي طلب الغايات وَقَالَ لي يَوْمًا الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس مَا أعجب إِلَّا من فَخر الدّين كَونه وضع تَفْسِيرا أَنْت من أَيْن وَالتَّفْسِير من أَيْن كَمَا أعجب من تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية كَونه يرد على فَخر الدّين وَابْن سينا فَقلت لَهُ مَا الْقيَاس صَحِيحا وَلَا المسألتان متقابلتين لِأَن الإِمَام إِذا عمل تَفْسِيرا يحسن أَن يَقُول قَالَ فلَان كَذَا وَقَالَ فلَان كَذَا فينقل أَقْوَال الْمُفَسّرين وَلَكِن إِذا أَخذ الْآيَة وَذكر أَدِلَّة الشَّافِعِيَّة مِنْهَا وأدلة الْحَنَفِيَّة مِنْهَا وَبحث بَين الْفَرِيقَيْنِ من هُوَ الَّذِي يجْرِي مَعَه فِي ذَلِك الميدان وَإِن كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أقعد بِعلم الرِّوَايَة
وَقلت يوماًص للشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة أبي الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَقد ذكر تَفْسِير الإِمَام فِيهِ كل شَيْء إِلَّا التَّفْسِير فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة مَا الْأَمر كَذَا إِنَّمَا فِيهِ مَعَ التَّفْسِير كل شَيْء انْتهى)
وَمن تصانيف الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى التَّفْسِير الَّذِي لَهُ وَهُوَ فِي سِتَّة وَعشْرين مجلداً ذكر تَفْسِير الْفَاتِحَة مِنْهُ فِي مجلدة وَهُوَ على تجزئة الْفَاتِحَة فِي أَكثر من ثَلَاثِينَ مجلداً وأكمل التَّفْسِير على الْمِنْبَر إملاءً تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة على الْوَجْه الْعقلِيّ لَا النقلي أسرار التَّنْزِيل وأخبار التَّأْوِيل نِهَايَة الْعُقُول فِي أصُول الدّين يكون فِي أَربع مجلدات المطالب الْعَالِيَة فِي الْأُصُول أَيْضا فِي أَرْبَعَة كبار كتاب الْأَرْبَعين فِي مجلدة كَبِيرَة المحصل مجلدة كتاب الْخمسين صَغِير المعالم فِي أصُول الدّين وَالْفِقْه الْخلق والبعث مجلدة تأسيس التَّقْدِيس مجلدة الْبَيَان والبرهان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان الْمَحْصُول فِي أصُول الْفِقْه فِي مجلدين الْمُنْتَخب فِي أصُول الْفِقْه مجلدة النِّهَايَة البهائية فِي المباحث القياسية أجوبة الْمسَائِل النجارية الطَّرِيقَة(4/179)
العلائية فِي الْخلاف أَربع مجلدات شرح أَسمَاء الله الْحسنى إبِْطَال الْقيَاس الْملَل والنحل المباحث الْعمادِيَّة فِي المطالب المعادية تَحْصِيل الْحق عُيُون الْمسَائِل إرشاد النظار إِلَى لطائف الْأَسْرَار فَضَائِل الصَّحَابَة الْقَضَاء وَالْقدر ذمّ الدُّنْيَا نفثة المصدور إحكام الْأَحْكَام الرياض المؤنقة عصمَة الْأَنْبِيَاء تعجيز الفلاسفة بالفارسي الْأَخْلَاق اللطائف الغياثية الرسَالَة الكمالية فِي الْحَقَائِق الإلهية بالفارسي عربها تَاج الدّين الأرموي رِسَالَة الْجَوْهَر الْفَرد الْآيَات الْبَينَات فِي الْمنطق تَرْجِيح مَذْهَب الشَّافِعِي وأخباره شرح أَبْيَات الشَّافِعِي الْأَرْبَعَة الَّتِي أَولهَا وَمَا شِئْت كَانَ وَإِن لم أشأ أَظُنهُ كتاب الْقَضَاء وَالْقدر الزبدة نِهَايَة الإيجاز اخْتِصَار دَلَائِل الإعجاز الْمُحَرر فِي النَّحْو قِطْعَة من شرح الْوَجِيز شرح الْمفصل لم يتمه شرح ديوَان المتنبي شرح سقط الزند لباب الإشارات شرح الإشارات الإشارات لَهُ أَيْضا شرح نهج البلاغة وَلم يتم الْحِكْمَة المشرقية تكون فِي ثَلَاثَة الْمُخْتَص تكون فِي مجلدين شرح كليات القانون الطِّبّ الْكَبِير وَلم يتم عُيُون الْحِكْمَة مصادرات إقليدس التشريح وَلم يتم النبض الاختيارات السماوية السِّرّ المكتوم فِي علم الطلاسم والنجوم منتخب درج تنكلوشا وَقيل أَنه شرحها رِسَالَة فِي النبوات رِسَالَة فِي النَّفس مبَاحث الْوُجُود مبَاحث الْحُدُود رِسَالَة فِي التَّنْبِيه على الْأَسْرَار المودعة فِي بعض سور الْقُرْآن
وَكَانَ الشَّيْخ ركن الدّين ابْن القوبع يَقُول أَنه شرح الشِّفَاء وَإِن كَانَ هَذَا صَحِيحا فَأَقل مَا يكون فِي خمس وَعشْرين مجلدة رَأَيْت بَعضهم قد كتب على كتاب المحصل الَّذِي للْإِمَام فَخر الدّين بَيْتَيْنِ وهما
(محصلٌ فِي أصُول الدّين حَاصله ... من بعد تَحْصِيله أصلٌ بِلَا دين)
)
(بَحر الضلالات وَالشَّكّ الْمُبين وَمَا ... فِيهِ فأكثره وَحي الشَّيَاطِين)
فَكتبت تحتهما من نظمي
(عميت عَن فهم مَا ضمت مسَائِله ... ونورها قد تجلى بالبراهين)
(فملت عَجزا إِلَى التَّقْلِيد وَهُوَ مَتى ... حققت لم تلق أمرا غير مظنون)
(وَالنَّاس أَعدَاء مَا لم يعرفوه فَلَا ... بدعٌ إِذا قلت ذَا وَحي الشَّيَاطِين)
وكتبت على كتاب لَهُ فِي أصُول الدّين
(علم الْأُصُول بفخر الدّين منتصرٌ ... بِهِ نصول بإعجابٍ وإعجاز)
(أضحت بِهِ السّنة الغراء وَاضِحَة ... قد استقامت لمختارٍ ومجتاز)
(لَهُ مبَاحث كم قد أحرقت شبها ... بشهبها فَمن الرَّازِيّ على الرَّازِيّ)
وكتبت على كتاب الطِّبّ الْكَبِير الَّذِي لَهُ
(قد كنت يَا ابْن خطيب الرّيّ معْجزَة ... بذهنك الْمشرق الْخَالِي من الكدر)
(دخلت فِي كل علمٍ للأنام وَقد ... حررته بدقيق الْفِكر وَالنَّظَر)(4/180)
(إِذا انتصرت لرأيٍ أَو لمسألةٍ ... ترجحت لأولي الْأَلْبَاب والفكر)
(وكل علمٍس لَك الْفَصْل الْمُبين بِهِ ... فَأَنت حَقًا جمال الْكتب وَالسير)
قَالَ أَبُو عَليّ الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ سَمِعت فَخر الدّين بهراة ينشد على الْمِنْبَر عقيب كلامٍ عَاتب أهل الْبَلَد فِيهِ
(الْمَرْء مَا دَامَ حياًص يستهان بِهِ ... ويعظم الرزء فِيهِ حِين يفتقد)
وَمن شعر الإِمَام فَخر الدّين مَا أنْشدهُ ابْن أبي أصيبعة قَالَ أَنْشدني بديع الزَّمَان البندهي قَالَ أَنْشدني الإِمَام فَخر الدّين لنَفسِهِ
(فَلَو قنعت نَفسِي بميسور بلغةٍ ... لما سبقت فِي المكرمات رجالها)
(وَلَو كَانَت الدُّنْيَا مُنَاسبَة لَهَا ... لما استحقرت نقصانها وكمالها)
(وَلَا أرمق الدُّنْيَا بِعَين كرامةٍ ... وَلَا أتوقى سوءها واختلالها)
(وَذَاكَ لِأَنِّي عارفٌ بفنائها ... ومستيقنٌ ترحالها وانحلالها)
(أروم أموراً يصغر الدَّهْر عِنْدهَا ... وتستعظم الأفلاك طراً وصالها)
وَمِنْه)
(أَرْوَاحنَا لَيْسَ نَدْرِي أَيْن مذهبها ... وَفِي التُّرَاب توارى هَذِه الجثث)
(كونٌٌ يرى وفسادٌ جَاءَ يتبعهُ ... وَالله يعلم مَا فِي خلقه عَبث)
وَمِنْه
(نِهَايَة إقدام الْعُقُول عقال ... وَأكْثر سعي الْعَالمين ضلال)
(وأرواحنا فِي وَحْشَة من جسومنا ... وَحَاصِل دُنْيَانَا ردىًً ووبال)
(وَلم نستفد من بحثنا طول دَهْرنَا ... سوى أَن جَمعنَا فِيهِ قلت وَقَالُوا)
(وَكم قد رَأينَا من رجالٍ ودولةٍ ... فبادوا جَمِيعًا مُسْرِعين وزالوا)
(وَكم من جبالٍ قد علت شرفاتها ... وعالً فَزَالَتْ وَالْجِبَال جبال)
وَله قصيدة نونية طَوِيلَة سَمَّاهَا الهادية للتقليد المؤدية إِلَى التَّوْحِيد أَولهَا
(يَا طَالب التَّوْحِيد وَالْإِيمَان ... أبشر بِكُل كرامةٍ وأمان)
(وَاعْلَم بِأَن أجلّ أَبْوَاب الْهدى ... تَقْرِير دين الله بالبرهان)
ورجمه الكرامية يَوْمًا على الْمِنْبَر وزرقوا عَلَيْهِ من سقَاهُ السم وَالله أعلم فَمَاتَ من ذَلِك قَالَ ياقوت وجدت على ظهر كتابٍ من تصانيف فَخر الدّين الرَّازِيّ مَا صورته قَالَ الأديب الأخسيكتي
(إِن بالمشرق فِينَا ... جبل الْعلم ابْن سينا)(4/181)
(فدع الْمغرب يذكر ... ذرة ص من طور سينا)
فَقَالَ السراج
(اعلماً علما يَقِينا ... أَن رب العالمينا)
(لَو قضى فِي عالميهم ... خدمَة للعالمينا)
(خدم الرَّازِيّ فخراً ... خدمَة العَبْد ابْن سينا)
وَقيل أَيْضا
(قد تركنَا قد نَسِينَا ... حِكْمَة الشَّيْخ ابْن سينا)
(حِين شاهدنا عيَانًا ... حِكْمَة الرَّازِيّ فِينَا)
(نَحن قد بعنا حَصَاة ... واشترينا طور سينا)
وَقيل أَيْضا)
(نَحن بِالْجَهْلِ ابتلينا ... نَحن بالحمق رمينَا)
(نَحن قضينا زَمَانا ... فِي تصانيف ابْن سينا)
(ثمَّ صرنا آمنينا ... عَن مقَال الطاعنينا)
(حِين طالعنا كلَاما ... يشبه الدّرّ الثمينا)
(صاغه ارازي فِينَا ... كَامِلا فخماً مُبينًا)
(ربّ فاجعله بحالٍ ... يشبه الرّوح الآمنينا)
الْجمال الْكَاتِب الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن عمر الْمصْرِيّ الْكَاتِب المجود المنعوت بالجمال
كَانَ بارع الْخط حسن التَّوْقِيف انْتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة وَله شعر وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة
صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ ابْن حمويه مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حمويه صدر الدّين ابو الْحسن شيخ الشُّيُوخ ابْن شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين أبي الْفَتْح الْجُوَيْنِيّ البحيراباذي الصُّوفِي
ولي تدريس الشَّافِعِي ومشهد الْحُسَيْن وسيره الْكَامِل رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة وَكَانَت دَاره مجمع الْفُضَلَاء توفّي سنة سبع عشرَة وست مائَة
الْمَنْصُور صَاحب حماة مُحَمَّد بن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب السُّلْطَان الْملك(4/182)
الْمَنْصُور ابْن الْملك المظفر تَقِيّ الدّين ابْن الْأَمِير نور الدولة صَاحب حماة وَابْن صَاحبهَا
سمع الحَدِيث بالإسكندرية من السلَفِي وَكَانَ شجاعاً يحب الْعلمَاء وَجمع تَارِيخا على السنين فِي عدَّة مجلدات فِيهِ فَوَائِد
قَالَ شهَاب الدّين القوصي قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة من كِتَابه مضمار الْحَقَائِق وسر الْخَلَائق وَهُوَ كَبِير نَفِيس يدل على فَضله وَلم يسْبق إِلَى مثله وَله كتاب طَبَقَات الشُّعَرَاء يكون فِي عشرَة وَجمع من الْكتب مَا لَا مزِيد لَهُ وَكَانَ فِي خدمته مَا يناهز مِائَتي متعمم من الْفُقَهَاء والأدباء والنحاة والمشتغلين بالحكمة والمنجمين وَالْكتاب
وأقامت دولته ثَلَاثِينَ سنة وَتُوفِّي سنة سبع عشرَة وست مائَة
وَمن شعره
(زاغ وَلَو شَاءَ زار ... مهفهفٌ ذُو احورار)
(مرنح يسقيني ... من مقلتيه الْعقار)
)
وَمِنْه
(ادعني باسمها فَإِنِّي مُجيب ... وادر أَنِّي مِمَّا تحب قريب)
(حكم الْحبّ أَن أذلّ لَدَيْهَا ... نخوة الْملك والغرام عَجِيب)
وَمِنْه أربي رَاح وَرَيْحَان ومحبوب وشادي وَالَّذِي سَاق لي الْملك لَهُ دفع الأعادي وَمن شعر الْمَنْصُور صَاحب حماة
(سَحا الدُّمُوع فَإِن الْقَوْم قد بانوا ... وأقفر الصَّبْر لما أقفر البان)
(وأسعداني بدمعٍ بعد بَينهم ... فالشأن لما نأوا عني لَهُ شَأْن)
(لَا تبعثوا فِي نسيم الرّيح نشركم ... فإنني من نسيم الرّيح غيران)
(سقاهم الْغَيْث من قبلي كاظمةٍ ... سَحا وروى ثراهم أَيْنَمَا كَانُوا)
ابْن اللهيب الْمَالِكِي مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن جَعْفَر الإِمَام شرف الدّين ابو عبد الله الْأَزْدِيّ الغساني الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن اللهيب
أَخذ الْمَذْهَب عَن الإِمَام ظافر بن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ وَغَيره وناظر وَسمع وتصدر بالجامع الْعَتِيق وَكَانَ بَصيرًا بِالْمذهبِ ولي الْوكَالَة السُّلْطَانِيَّة وَنظر دمياط ودرس بالصالحبية باقاهرة وَكَانَ من الأذكياء الموصوفين وَله شعر وفضائل وَهُوَ من بَيت فِيهِ جمَاعَة فضلاء
توفّي سنة سبع وَعشْرين وست مائَة
ابْن مغايظ مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف الإِمَام أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الْقُرْطُبِيّ الْمَالِكِي الْمَعْرُوف بِابْن مغايظ بالغين الْمُعْجَمَة والظاء الْمُعْجَمَة
انْتقل بِهِ أَبوهُ إِلَى فاس فَنَشَأَ بهَا وَحج وَسمع بِمَكَّة والإسكندرية وَكَانَ إِمَامًا صَالحا مجوداً للقراآت عَارِفًا بوجوهها بَصيرًا(4/183)
بِمذهب مَالك حاذقاً بفنون الْعَرَبيَّة وَله يَد طولى فِي التَّفْسِير وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَجلسَ بعد موت الشاطبي فِي مَكَانَهُ للإقراء ونوظر عَلَيْهِ فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وجاور بِالْمَدِينَةِ وَعرف بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح وأمّ بِمَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ابْن الطيلسان توفّي بِمصْر وَدفن بقرافتها سنة إِحْدَى وثلاثيت وست مائَة
الْفَخر ابْن الْمَالِكِي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْكَرِيم الإِمَام فَخر الدّين الْحِمْيَرِي الدِّمَشْقِي)
الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالفخر ابْن الْمَالِكِي
ولد ظنا سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَسمع من الخشوعي وَالقَاسِم ابْن عَسَاكِر وحنبل وَابْن طبرزذ وَأكْثر عَن الْمُتَأَخِّرين كَأبي مُحَمَّد ابْن البن وزين الْأُمَنَاء وَكتب الْأَجْزَاء والطباق وخطه مليح دَقِيق مُعَلّق وَكَانَ لَهُ بَيت بالمنارة الشرقية وخزانة كتب تجاه محراب الصَّحَابَة وَكَانَ قد ولي إِمَامَة الكلاسة بعد الشَّيْخ تَاج الدّين فِي السنه وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة
مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن أَحْمد ابو عبد الله الْقُسْطَلَانِيّ التوريزي المولد الْمَكِّيّ الدَّار والوفاة الْمَالِكِي أَمَام حطيم الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة
مولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة سمع من أبي حَفْص عمر بن مُحَمَّد السهروردي وَغَيره وَحدث بِمَكَّة وَكَانَ شَيخا عَالما صَالحا وَله نظم وَدفن لما توفّي بالمعلى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وست مائَة
ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله ابو جَعْفَر التَّيْمِيّ الْبكْرِيّ السهروردي المولد الْبَغْدَادِيّ الدَّار الصُّوفِي
ولد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة سمع من أبي الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره وَكَانَ وَالِده شهَاب الدّين شيخ وقته فِي الطَّرِيقَة وتربية المريدين وَتُوفِّي ابو جَعْفَر فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمسين وست مائَة
ابْن الزقزوق مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ زين الدّين الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ الصُّوفِي الأديب الْمَعْرُوف بِابْن الزقزوق
مولده سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سبعين وست مائَة وَمن نظمه مَا رَوَاهُ الدمياطي فِي مُعْجَمه نقلته من خطّ الْجَزرِي المؤرخ
(مر فَقُلْنَا من فتونٍ بِهِ ... لله هَذَا من فَتى نابه)
(فَقَالَ بعض الْقَوْم لما رنا ... للْبَعْض يَا قوم فتنا بِهِ)
وَقَوله فِي مليح يَرْمِي
(وساهم فِي فُؤَادِي بدر تمٍّ ... فحاز فؤاد عاشقه بسهمه)
(وناضل من كِنَانَته فأصمى ... بِسَهْم جفونه من قبل سَهْمه)
خطيب كفربطنا مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْملك الْخَطِيب جمال الدّين أَبُو البركات الدينَوَرِي)
الصُّوفِي الشَّافِعِي خطيب كفربطنا
ولد سنة ثَلَاث عشرَة وست مائَة بالدينور وَقدم مَعَ وَالِده وَسكن سفح قاسيون وَنسخ الْأَجْزَاء وروى وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب يَعْتَقِدُونَ فِيهِ وروى عَنهُ البرزالي وَابْن الخباز وَابْن الْعَطَّار توفّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست مائَة(4/184)
الشريف الدَّاعِي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن عمر بن أبي الْقَاسِم الشريف أَبُو عبد الله الدَّاعِي الرَّشِيدِيّ الْهَاشِمِي الْمُقْرِئ شيخ الْقُرَّاء بالعراق ومسند الْآفَاق كَانَ أحد من عني بِهَذَا الشَّأْن
قَرَأَ الْعَرَبيَّة على أبي بكر ابْن الباقلاني وَأبي يَعْقُوب الْمُبَارك بن الْمُبَارك الْحداد وَعمر دهراً وَجلسَ للإقراء بِبَغْدَاد وَقَرَأَ عَلَيْهِ القراآت الْمُوفق عبد الله بن مظفر بن عَلان البعقوبي وَأَجَازَ لِابْنِ خروف بِخَط شَدِيد الِاضْطِرَاب وروى عَنهُ إِذْنا برهَان الدّين الجعبري شيخ الْحرم بِبَلَد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَتُوفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وست مائَة
ابْن شرف الدّين ابْن الفارض مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن مرشد كَمَال الدّين ابو حَامِد ابْن الشَّيْخ شرف الدّين ابْن الفارض
سمع من أَبِيه وَمن ابْن رواج وَأَجَازَ لَهُ الْمُؤَيد الطوسي وابو روح وَجَمَاعَة وَكتب عَنهُ المصريون والبرزالي وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وست مائَة
الصاحب جمال الدّين ابْن العديم مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن أبي جَرَادَة الصاحب الْعَالم البارع جمال الدّين ابو غَانِم ابْن الصاحب كَمَال الدّين ابْن العديم العقبلي الْحلَبِي الْحَنَفِيّ الْكَاتِب
حضر على الْحَافِظ أبي عبد الله البرزالي وَسمع من أبي رَوَاحَة وَابْن قميرة وَابْن خَلِيل وَجَمَاعَة بحلب ورحل بِهِ وَالِده قبل الْخمسين مَعَ الدمياطي إِلَى بَغْدَاد وأسمعه من شيوخها وطلع من أذكياء الْعلم وتأدب وشارك فِي الْفَضَائِل وبرع فِي كِتَابَة الْمَنْسُوب وَسكن حماة وَحدث بهَا وَمَشى السُّلْطَان الْملك المظفر وَمن دونه فِي جنَازَته وَهُوَ وَالِد القَاضِي نجم الدّين عمر وَدفن بتربته بعقبة نقيرين سنة خمس وَتِسْعين وست مائَة
ابْن العقادة الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن عمر بن حَافظ بن خَليفَة بن حفاظ أَبُو عبد الله ابْن أبي الْخطاب السَّعْدِيّ الْحَمَوِيّ الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العقادة)
درس بمدرسة طمان بحلب وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وست مائَة قَالَ الصاحب كَمَال الدّين ابْن العديم كتب إِلَيّ يعْتَذر من انْقِطَاعه عني من أَبْيَات
(عِنْدِي مريضٌق قد تَمَادى ضعفه ... متضاعفاً وتورمت أقدامه)
(طَال الْقيام بِهِ فيا عجبا لمن ... ورمت قوائمه وَطَالَ قِيَامه)
(غصنٌ ذَوي غض الشَّبَاب كَأَنَّمَا ... مر النسيم بِهِ فَمَال قوامه)
(فلأجل ذَلِك مَا انْقَطَعت وَقد بدا ... عُذْري وأمري فِي يَديك زمامه)(4/185)
ووالده الإِمَام الْمَشْهُور توفّي بحماة سنة عشر وست مائَة ونظم مُخْتَصر القذوري أرجوزة فِي مجلدة
الشَّيْخ صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مكي بن عبد الصَّمد الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة ذُو الْفُنُون البارع ابْن المرحل وَيعرف فِي الشَّام بِابْن وَكيل بَيت المَال الْمصْرِيّ الأَصْل العثماني الشَّافِعِي أحد الْأَعْلَام وفريد أَعَاجِيب الزَّمَان فِي الذكاء والحافظة والذاكرة
(كم مقفلٍ ضلّ فِيهِ الْعقل فانفرجت ... أرجاؤه لحجاه عَن مَعَانِيه)
(يُفْتِي فيروى غليل الدّين من حصرٍ ... أدناه نقلاًص وَقد شطت مراميه)
(ومؤنق قد سقَاهُ غيث فطنته ... مزناً أيادي ريَاح الْفِكر تمريه)
ولد فِي شَوَّال سنة خمس وَسِتِّينَ بدمياط وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ وَدفن عِنْد الشَّافِعِي سنة سِتّ عشرَة وَسبع مائَة
رثاه جمَاعَة فِي الشَّام ومصر وَحصل التأسف عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية لما بلغته وَفَاته أحسن الله عزاء الْمُسلمين فِيك يَا صدر الدّين أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد ابْن الْحَافِظ نَاظر جَيش صفد
(مَا مَاتَ صدر الدّين لكنه ... لما عدا جَوْهَرَة فاخره)
(لم تعرف الدُّنْيَا لَهُ قيمَة ... فَعجل السّير إِلَى الْآخِرَه)
وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل
(قد كَانَ صَاحب هَذَا الْقَبْر جَوْهَرَة ... غراء قد صاغها الْبَارِي من النطف)
(عزت فَلم تعرف الْأَيَّام قيمتهَا ... فَردهَا غيرَة مِنْهُ إِلَى الصدف)
نَشأ بِدِمَشْق وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدّين الْمَقْدِسِي وَأخذ الْأُصُول عَن صفي الدّين الْهِنْدِيّ)
وَسمع من الْقَاسِم الإربلي وَالْمُسلم بن عَلان وَجَمَاعَة وَكَانَ لَهُ عدَّة محفوظات قيل أَنه حفظ الْمفصل فِي مائَة يَوْم وَيَوْم والمقامات الحريرية فِي خمسين يَوْمًا وديوان المتنبي على مَا قيل فِي جُمُعَة وَاحِدَة وَكَانَ من أذكياء زَمَانه فصيحاً مناظراً لم يكن أحد من الشَّافِعِيَّة يقوم بمناظرة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية غَيره ناظره يَوْمًا فِي الكلاسة فاضطر الْكَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِلَى أحد الْحَاضِرين وَقَالَ لَهُ هَذَا الَّذِي أقوله مَا هُوَ الصوابفأنشده صدر الدّين
(إِن انتصارك بالأجفان من عجبٍ ... وَهل رأى النَّاس منصوراً بمنكسر)(4/186)
وَجَرت بَينهمَا مناظرات عديدة فِي غير مَوضِع
وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب والطلبة وَكَانَ بارعاً فِي العقليات وَأما الْفِقْه وأصول الْفِقْه فَكَانَا قد بقيا لَهُ طباعاًص لَا يتكلفهما أفتى ودرس وَبعد صيته ولي مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية سبع سِنِين وَجَرت لَهُ أُمُور وتنقلات وَكَانَ مَعَ اشْتِغَاله يتنزه ويعاشر ونادم الأفرم نَائِب دمشق ثمَّ توجه إِلَى مصر وَقَامَ بهَا إِلَى أَن عَاد السُّلْطَان من الكرك فِي سنة تسع وَسبع مائَة فجَاء بَعْدَمَا خلص من وَاقعَة الجاشنكيرفإنه نسب إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاء وعزم الصاحب فَخر الدّين ابْن الخليلي على الْقَبْض عَلَيْهِ تقرباًً إِلَى خاطر السُّلْطَان وَهُوَ بالرمل فَعَفَا عَنهُ السلطانوجاء إِلَى دمشق
فَعمل عَلَيْهِ زمَان قراسنقر وَتوجه إِلَى حلب وأقرأ بهَا ودرس وَأَقْبل عَلَيْهِ الحلبيون إقبالاً زَائِدا وعاشرهم وخالطهم قَالَ وصلني من مكارمات الحلبيين فِي مُدَّة عشر أشهر فَوق الْأَرْبَعين ألف دِرْهَم وَأَقْبل عَلَيْهِ نائبها أسندمر
وَكَانَ مَحْفُوظًا لم يَقع بَينه وَبَين أحد من الْكِبَار إِلَّا وَعَاد من أحب النَّاس فِيهِ وَكَانَ حسن الشكل تَامّ الْخلق حسن البزة حُلْو المجالسة طيب المفاكهة وَعِنْده كرم مفرط كل مَا يحصل لَهُ يُنْفِقهُ على خلطائه وخلصائه بِنَفس متسعة ملوكية وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الصلحاء ويلتمس دعاءهم وَيطْلب بركتهم
أَخْبرنِي من لَفظه الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن العسجدي الشَّافِعِي قَالَ كنت مَعَه وَكَانَت لَيْلَة عيد فَوقف لَهُ فَقير وَقَالَ شَيْء لله فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ ايش معكفقلت مِائَتَا دِرْهَم فَقَالَ ادفعها إِلَى هَذَا الْفَقِير فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي اللَّيْلَة الْعِيد وَمَا مَعنا نَفَقَة غَد فَقَالَ امْضِ إِلَى القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير وَقل لَهُ الشَّيْخ يهنيك بِهَذَا الْعِيد فَلَمَّا رَآنِي كريم الدّين قَالَ كَأَن الشَّيْخ يعوز نَفَقَة فِي هَذَا الْعِيد وَدفع إِلَيّ ألفي دِرْهَم للشَّيْخ وَثَلَاث مائَة دِرْهَم لي فَلَمَّا حضرت إِلَى)
الشَّيْخ وعرفته ذَلِك قَالَ صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمالحسنة بعشرةٍ مِائَتَان بِأَلفَيْنِ وَحكى لي عِنْد غير وَاحِد مِمَّن كَانَ يخْتَص بِهِ مَكَارِم كَثِيرَة ولطفاً زَائِدا وَحسن عشرَة وَأما أَوَائِل عشرته فَمَا كَانَ لَهَا نَظِير لكنه رُبمَا يحصل عِنْده ملل فِي آخر الْحَال حَتَّى قَالَ فِيهِ الْقَائِل
(وداد ابْن الْوَكِيل لَهُ شبيهٌ ... بلبادين جلق فِي المسالك)
(فأوله حليٌ ثمَّ طيبٌ ... وَآخره زجاجٌ مَعَ لوالك)
وشعره الْجيد مِنْهُ مليح إِلَى الْغَايَة وَرُبمَا يَقع فِيهِ اللّحن الْخَفي وَكَانَ ينظم الشّعْر والمخمس والدوبيت والموشح والزجل وَغير ذَلِك من أَنْوَاع النّظم وَيَأْتِي فِيهِ على اخْتِلَاف الْأَنْوَاع بالمحاسن
وَمن تصانيفه مَا جمعه فِي سفينة سَمَّاهُ الْأَشْبَاه والنظائر فِي الْفِقْه يُقَال أَنه شَيْء غَرِيب وَعمل مجلدة فِي السُّؤَال الَّذِي حضر من عِنْد أسندمر نَائِب طرابلس فِي الْفرق بَين الْملك وَالنَّبِيّ والشهيد وَالْوَلِيّ والعالم
وَلما كَانَ بحلب حضر الْأَمِير سيف الدّين أرغون الدوادار نَائِب السُّلْطَان أَظُنهُ متوجهاًص إِلَى مهنا بن عِيسَى فَاجْتمع بِهِ هُنَاكَ وَقدم لَهُ ربعَة عَظِيمَة كَانَ قد وَهبهَا لَهُ أسندمر نَائِب حلب فَقَالَ هَذِه مَا تصلح إِلَّا لمولانا السُّلْطَان ووعده بِطَلَبِهِ إِلَى الديار المصرية(4/187)
ووفى لَهُ بوعده وَطلب إِلَى مصر وَلم يزل بهَا فِي وجاهة وَحُرْمَة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله وجهزه السُّلْطَان رَسُولا إِلَى مهنا مَعَ الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا الْحَاجِب فَقَالَ الشَّيْخ إِنَّه حصل لي تِلْكَ السفرة ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم
وَمن شعره قصيدة بائية أَولهَا
(ليذهبوا فِي ملامي أَيَّة ذَهَبُوا ... فِي الْخمر لَا فضةٌ تبقى وَلَا ذهب)
(لَا تأسفن على مالٍ تمزقه ... أَيدي سقاة الطلا والخرد الْعَرَب)
(فَمَا كسوا راحتي من راحها حللاً ... إِلَّا وعروا فُؤَادِي الهمّ واستلبوا)
(راحٌ بهَا راحتي فِي راحتي حصلت ... فتمّ عجبي بهَا وازداد لي الْعجب)
(أَن يَنْبع الدّرّ من حلوٍ مذاقته ... والتبر منسبكٌ فِي الكأس منسكب)
(وَلَيْسَت الكيميا فِي غَيرهَا وجدت ... وكل مَا قيل فِي أَبْوَابهَا كذب)
)
(قِيرَاط خمرٍ على القنطار من حزنٍ ... يُعِيد ذَلِك أفراحاً وينقلب)
(عناصرٌ أربعٌ فِي الكأس قد جمعت ... وفوقها الْفلك السيار والشهب)
(ماءٌ ونارٌ هواءٌ أرْضهَا قدحٌ ... وطوفها فلكٌ والأنجم الحبب)
(مَا الكأس عِنْدِي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لَا يحلو لَهَا الْهَرَب)
(شججت بِالْمَاءِ مِنْهَا الرَّأْس مُوضحَة ... فحين أعقلها بالخمس لَا عجب)
قلت لَو لم يقل الشَّيْخ صدر الدّين من الشّعْر إِلَّا هَذَا الْبَيْت لَكَانَ قد أَتَى بِشَيْء غَرِيب نِهَايَة فِي البديع لقد غاص فِيهِ على الْمَعْنى ودق تخيله فِيهِ
(وَمَا تركت بهَا الْخمس الَّتِي وَجَبت ... وَإِن رَأَوْا تَركهَا من بعض مَا يجب)
(وَإِن أقطب وَجْهي حِين تَبَسم لي ... فَعِنْدَ بسط الموَالِي يحفظ الْأَدَب)
هَذَا الْبَيْت أَيْضا بديع الْمَعْنى دقيقه وَقد اعتذر عَن تقطيبه بِأَحْسَن عذر وأوضحه عَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ الشُّعَرَاء فِي ذَلِك وقبحوا فعله مثل قَول ابْن أبي الْحداد
(بِالرَّاحِ رح فَهِيَ المنى ... وعَلى جماع الكأس كس)
لَا تلقها إِلَّا ببشرك فالقطوب من الدنس
(مَا أنصف الصَّهْبَاء من ... ضحِكت إِلَيْهِ وَقد عبس)
(وَإِذا سكرت فغن لي ... ذهب الرقاد فَمَا يحس)
وَمَا أحسن قَول ابْن رَشِيق القيرواني
(أحب أخي وَإِن أَعرَضت عَنهُ ... وَقل على مسامعه كَلَامي)
(ولي فِي وَجهه تقطيب راضٍ ... كَمَا قطبت فِي وَجه المدام)
وتتمة أَبْيَات صدر الدّين(4/188)
(عاطيتها من بَنَات التّرْك عاطيةً ... لحاظها للأسود الغلب قد غلبوا)
(هيفاء جاريةٌ للراح ساقيةٌ ... من فَوق ساقيةٍ تجْرِي وتنسكب)
(من وَجههَا وتثنيها وقامتها ... تخشى الْأَهِلّة والقضبان والكتب)
(يَا قلب أردافها مهما مَرَرْت بهَا ... قف لي عَلَيْهَا وَقل لي هَذِه الكثب)
(وَإِن مَرَرْت بِشعر فَوق قامتها ... بِاللَّه قل لي كَيفَ البان والعذب)
(تريك وجنتها مَا فِي زجاجتها ... لَكِن مذاقته للريق تنتسب)
)
(تحكي الثنايا الَّذِي أبدته من حببٍ ... لقد حكيت وَلَكِن فاتك الشنب)
فِي هَذِه الأبيات تضمين إعجاز أَبْيَات من قصيدة ابْن الخيمي الْآتِي ذكرهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَالَ أَيْضا
(سرى وستور الْهم بالكأس تهتك ... وَسَاكن وجدي بِالْغنَاءِ يُحَرك)
(فعاطيته كأساً فحيى بفضلها ... ومازج ذَاك الْفضل ريقٌ مُمْسك)
(أرقت دم الراووق حلا لأنني ... رَأَيْت صليباً فَوْقه فَهُوَ مُشْرك)
(وسالت دموع الْعين مِنْهُ وَكلما ... بَكَى بالدما مِمَّا جرى مِنْهُ أضْحك)
(وزوجت بنت الْكَرم بِابْن غمامةٍ ... فصح على التَّعْلِيق وَالشّرط أملك)
وَهَذِه القصيدة وَالَّتِي قبلهَا حذفت مِنْهُمَا جملَة لِأَن هَذَا خُلَاصَة مَا فيهمَا وَقَالَ
(وعارضٍ قد لَام فِي عارضٍ ... وطاعنٍ يطعن فِي سنه)
(وَقَالَ لي قد طلعت ذقنه ... فَقلت لَا أفكر فِي ذقنه)
وَقَالَ وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن
(شبّ وجدي بشائبٍ ... من سنا الْبَدْر أوجه)
(كلما شَاب ينحني ... بيض الله وَجهه)
وَقَالَ
(وَلما جلا فصل الرّبيع محاسناً ... وصفق مَاء النَّهر إِذْ غرد الْقمرِي)
(أَتَاهُ النسيم الرطب رقص دوحه ... فنقط وَجه المَاء بِالذَّهَب الْمصْرِيّ)
وَقَالَ
(عيرتني بِالسقمِ طرفك مشبهي ... وكذاك خصرك مثل جسمي ناحلا)
(وأراك تشمت إِذْ أَتَيْتُك سَائِلًا ... لَا بُد أَن يَأْتِي عذارك سَائِلًا)
وَقَالَ فِي مليح بِهِ يرقان
(رَأَيْت فِي طرفه اصفراراً ... سبا فُؤَادِي فَقلت مهلا)(4/189)
(أيا مليك الْأَنَام حسنا ... الْعَفو من سَيْفك الْمحلى)
قلت وَهَذَا مثل قَول الوداعي
(قَالَ قومٌ قد شانه يرقانٌ ... قلت أخطأتم وحاشى وكلا)
)
(إِنَّمَا الخد واللواحظ مِنْهُ ... مصحفٌ مذهبٌ وَسيف محلى)
وَقَالَ
(أقْصَى مناي أَن أَمر على الْحمى ... ويلوح نور رياضه فيفوح)
(حَتَّى أرِي سحب الْحمى كَيفَ البكا ... وَأعلم الورقاء كَيفَ تنوح)
وَقَالَ أَيْضا
(بعيشك خلّ عاذلتي تلمني ... وَمِنْهَا فِي ملامتها ومني)
(فَإِن نجحت فَلَا نجحت طريقي ... وَأدْركت الْمنية لَا التَّمَنِّي)
(وَإِن خابت فَلَا خابت طريقي ... وَإِن كَانَ الْهوى ثَانِيه عني)
(فيا غُصْن النقا وَيحل قدرا ... قوامك أَن أشبهه بِغُصْن)
(لحاظك بالمها فتكت عناداً ... وَلَا تسْأَل عَن الظبي الأغن)
(وعطفك قد كسا الأغصان وجدا ... فمالت بالهوى لَا بالتثني)
(ورقت روقها فَبَكَتْ عَلَيْهَا ... وَفِي الأفنان أبدت كل فن)
(وَقد طارحتها شجناً فَلَمَّا ... بَكَيْت صبَابَة أخذت تغني)
وَقَالَ أَيْضا
(يَا لَيْلَة فِيهَا الْأمان والمنى ... وكل مَا أطلبه تهيا)
(لَا تقصري فالصبح قد شربته ... مدامةً عنقودها الثريا)
وَقَالَ أَيْضا
(تِلْكَ المعاطف أم غصون البان ... لعبت ذؤابتها على الكثبان)
(وتضرجت تِلْكَ الخدود فوردها ... قد شقّ قلب شقائق النُّعْمَان)
(مَا يفعل الْمَوْت المبرح فِي الورى ... مَا تفعل الأحداق فِي الْأَبدَان)
(أخليل قلبِي وَهُوَ يُوسُف عصره ... قلبِي الكليم رميت فِي النيرَان)
(قطعته مذ كَانَ قلباً طائراً ... ودعوته فَأتى بِغَيْر توان)
(يَا نور عَيْني لَا أَرَاك وَهَكَذَا ... إِنْسَان عَيْني لَا يرَاهُ عياني)
وَقَالَ أَيْضا
(أخفيت حبك عَن جَمِيع جوانحي ... فوشت عيوني والوشاة عُيُون)(4/190)
)
(ووددت أَن جوانحي وجوارحي ... مقلٌ تراك وَمَا لَهُنَّ جفون)
(ووددت دمع الخافقينا لمقلتي ... حَتَّى عَزِيز الدمع فِيك يهون)
(يَا لَيْت قيسا فِي زمَان صبابتي ... حَتَّى أريه الْعِشْق كَيفَ يكون)
وَقَالَ أَيْضا
(يَا وجنةً هِيَ جنَّة قد زخرفت ... وردا وَمن آس العذار تحصرت)
(عينٌ بِنور جمال وَجهك متعت ... وَسوى جمالك أَبْصرت لَا أَبْصرت)
وَقَالَ فِي مليح يلقب بالحامض وبديع الْجمال معتدل الْقَامَة كالغصن والقنا الأملود
(لقَّبُوه بحامضٍ وَهُوَ حلوٌ ... قولَ مَن لم يصل إِلَى العنقود)
وَقَالَ أَيْضا
(راحٌ بهَا الْأَعْمَى يرى مَعَ الْعَمى ... وهاك برهاناً على هذي الْمَدْح)
(الْخمر للأقداح قلبٌ دَائِما ... والحدق انظرها تَجِد قلب الْقدح)
وَقَالَ أَيْضا
(قَالَ لي من أحب والبدر يَبْدُو ... من خلال السَّحَاب ثمَّ يغيب)
(مَا حكى البدرقلت وَجهك لما ... يختفي عِنْدَمَا يلوح الرَّقِيب)
وَقَالَ أَيْضا
(كَأَنَّمَا الْبَرْق خلال السما ... من فَوق غيمٍ لَيْسَ بالكابي)
(طراز تبرٍ فِي قبا أزرقٍ ... من تَحْتَهُ فَرْوَة سنجاب)
وَقَالَ أَيْضا
(يَا غَايَة منيتي وَيَا معشوقي ... من بعْدك لم أمل إِلَى مَخْلُوق)
(يَا خير نديمٍ كَانَ لي يؤنسني ... من بعْدك قد صلبت على الراووق)
وَقَالَ أَيْضا
(فِي خدك خطّ مشرف الصدغ ستور ... وَالشَّاهِد ناظرٌ على الفتك يَدُور)
(يَا عَارضه بِالشَّرْعِ لَا تقتلي ... الشَّاهِد فاتكٌ وَذَا خطك زور)
وَقَالَ أَيْضا)
(تعطف على مهجةٍ ظاميه ... وتقذفها عبرةٌ هاميه)
(فقد طَال سقمي فَقل لي مَتى ... تَجِيء إِلَى عَبدك العافيه)
(وأرخصت دمعي يَوْم النَّوَى ... لأجل سوالفك الغاليه)(4/191)
(فصبراً على مَا قضى لم أقل ... فيا ليتها كَانَت القاضيه)
(وَنحن عبيدك ذبنا أساً ... فرفقاً على رقة الحاشيه)
(فَقَالَ بعيني أقيك الردى ... فَقلت على عَيْنك الواقيه)
(فشنف سَمْعِي بِهَذَا الحَدِيث ... فَمَا ذكرت قُرْطهَا ماريه)
(فيا عاذلي لَو دعَاك الْهوى ... لقد كنت تسمع يَا ساريه)
وَقَالَ أَيْضا من دمي أنتِ كنتِ فِي أوسع الْحل ومني خذي ثَوَاب الشهاده
(واحمليني على الترائب مهلا ... واحسبي أنني خييط القلاده)
وَقَالَ أَيْضا
(تغنت فِي ذرى الأوراق ورقٌ ... فَفِي الأفنان من طربٍ فنون)
(وَكم بسمت ثغور الزهر عجبا ... وبالأكمام كم رقصت غصون)
وَقَالَ أَيْضا رَحمَه الله تَعَالَى
(وَبِي من قسا قلبا وَلِأَن معاطفا ... إِذا قلت أدناني يُضَاعف تبعيدي)
(أقرّ برقٍ إِذْ أَقُول أَنا لَهُ ... وَكم قلها أَيْضا وَلَكِن لتهديدي)
قلت من العجيب أَن الباخرزي ذكر فِي الدمية تَرْجَمَة الْفَقِيه أبي نصر عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي أورد فِيهَا قَول الشَّيْخ أبي عَامر الْجِرْجَانِيّ
(عذيري من شادنٍ أغضبوه ... فَجرد لي مرهفا باتكا)
(وَقَالَ أَنا لَك يَا ابْن الْوَكِيل ... وَهل لي رجاءٌ سوى ذالكا)
أَيهَا الْوَاقِف أنعم النّظر فِي مَا أوردته وتعجب من هَذَا الِاتِّفَاق وَكَون صدر الدّين ابْن الْوَكِيل أَخذ هَذَا الْمَعْنى الَّذِي لَهُ فِي الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين من قَول الْجِرْجَانِيّ والجرجاني أَتَى بالْقَوْل بِالْمُوجبِ فِي بيتيه خفِيا لِأَنَّهُ قَالَ غضب وجر المرهف وَقَالَ أَنا ابْن الْوَكِيل وَهَذَا بِقَرِينَة تَجْرِيد المرهف لفظ تهديد فقلبه الْجِرْجَانِيّ وَقَالَ بِمُوجبِه وَنَقله إِلَى التَّمْلِيك فَأتى بِهِ الشَّيْخ صدر الدّين وَاضحا)
جلياً صَرِيحًا ظَاهرا وَمحل التَّعَجُّب قَوْله أَنا لم يَا ابْن الْوَكِيل كَأَن هَذَا الْمَعْنى قَالَ(4/192)
أَنا لَك يَا ابْن الْوَكِيل تنظمني فَيَجِيء أحسن وَأبين وَتَكون أَنْت أَحَق بِي من الْجِرْجَانِيّ وَهَذَا اتِّفَاق عَجِيب إِلَى الْغَايَة مَا مر بِي مثله وَالظَّاهِر أَن الشَّيْخ صدر الدّين لما وقف على هَذَا الْمَعْنى تنبه لَهُ وَأَخذه فَكَانَ لَهُ وَهُوَ بِهِ أَحَق وَهَذَا الْمَعْنى قد ابتكره الْجِرْجَانِيّ أَبُو عَامر وَترك فِيهِ فضلَة فجَاء الشَّيْخ صدر الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وجوده وَلم يبْق لأحد بعده مطمح إِلَى زِيَادَة وَلَا مطمع فِي إِفَادَة وَمَا بَقِي إِلَّا اخْتِصَار أَلْفَاظه فَقَط فَقلت
(قَالَ حبي أَنا لَهُ ... وَلكم قلت سرمدا)
(أَنا للْملك قلتهَا ... وَهُوَ للغيظ هددا)
وَقَالَ الشَّيْخ صدر الدّين
(غازل وَخذ من نرجسٍ من لحظه ... منثور دمعٍ كُلهنَّ نظام)
(وَاحْذَرْ إِذا بعث السَّلَام إِلَيْك من ... نبت العذار فَإِنَّهُ نمام)
وَقَالَ أَيْضا دوبيت
(كم قَالَ معاطفي حكتها الأسل ... وَالْبيض سرقن مَا حوته الْمقل)
(الْآن أوامري عَلَيْهِم حكمت ... الْبيض تحدّ والقنا تعتقل)
وَقَالَ أَيْضا
(عانقت وبالعناق يشفى الوجد ... حَتَّى شفي الصب وَمَات الصد)
(من أَخْمُصُهُ لثماً إِلَى وجنته ... حَتَّى اشتكت القضب وضج الْورْد)
وَقَالَ
(بكف الثريا وَهِي جذما تقاس لي ... شقَاق دجىً مدت من الشرق للغرب)
(وَلَو ذرعوها بالذراع لما انْقَضتْ ... فَمَا تَنْقَضِي يَا ليل أَو يَنْقَضِي نحبي)
وَأَنا شَدِيد التَّعَجُّب مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لم يكن عَاجِزا عَن النّظم الْجيد وَبعد هَذَا كَانَ يَأْخُذ أَشْيَاء من قصائد ومقاطيع ويدعيها من ذَلِك أَنه امتدح السُّلْطَان بقصيدة عِنْدَمَا فرغ الْقصر الأبلق من الْعِمَارَة بقلعة الْجَبَل وَهِي بمجموعها لِابْنِ التعاويذي أَولهَا
(لولاك يَا خير من يمشي على قدم ... خَابَ الرَّجَاء وَمَاتَتْ سنة الْكَرم)
مِنْهَا)
(بنيت دَارا قضى بالسعد طالعها ... قَامَت لهيبتها الدُّنْيَا على قدم)
فَغَيره وَقَالَ بنيت قصراً وَكَانَ ينظم الشَّاهِد شعرًا على الْفَوْر إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ وينشده تأييداً لما قَالَه وادعاه من ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ قَاضِي الْقُضَاة الْعَلامَة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ عَمَّن أخبرهُ قَالَ ادّعى يَوْمًا فِي الطَّائِفَة المنسوبة إِلَى ابْن كرام أَنهم الكرامية بتَخْفِيف الرَّاء فَقَالَ الْحَاضِرُونَ الْمَعْرُوف فيهم تَشْدِيد الرَّاء فَقَالَ لَا التَّخْفِيف وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول الشَّاعِر(4/193)