(الْجُزْء الأول)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الصَّفَدِي)
(عونك اللَّهُمَّ وعفوك)
الْحَمد لله الَّذِي قهر الْعباد بِالْمَوْتِ ونادى بالفناء فِي فنائهم فانهل فِي كل بقْعَة صوب ذَلِك الصَّوْت واسمع كل حَيّ نُسْخَة وجوده فَلم يخل أحدهم من فَوت نحمده على نعمه الَّتِي جعلت بصائرنا تجول فِي مرْآة العبر وتقف بمشاهدة الْآثَار على أَحْوَال من غبر وَتعلم بِمن تقدم أَن من تَأَخّر يُشَارِكهُ فِي الْعَدَم كَمَا اشْترك فِي الرّفْع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ونشكره على مننه الَّتِي جلت لما جلت الضراء بمواقعها وحلت عَن وُجُوه حسانها بإحسانها معاقد براقعها وحلت غمائم جودها على رياض عقولنا فاضحت كَأَن صغرى وكبرى من فواقعها
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تقر لَهُ بِالْبَقَاءِ السرمد وتجرد من التَّوْحِيد سيوفاً لم تزل فِي مفارق أهل الشّرك تغمد وتبعث لنا فِي ظلمات اللحود أنواراً لَا تخبو أشعتها وَلَا تخمد ونشهد أَن مُحَمَّدًا سيدنَا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أنذر بِهِ الْقَوْم اللد وَنَصره بِالرُّعْبِ فَقَامَ لَهُ مقَام المثقفة الملد وَأنزل عَلَيْهِ فِي مُحكم كِتَابه الْعَزِيز وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد الْأَنْبِيَاء) (صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين خَفَقت بهم عذبات الْإِسْلَام ونشرت أَعْلَام علمهمْ حَتَّى استبانت للهدى أَعْلَام واتضحت بهم غرر الزَّمن حَتَّى انْقَضتْ مددهم فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام صَلَاة لَا تغيب من سَمَاء روضها مجرة نهر وَلَا تسْقط من أنامل غصونها خَوَاتِم زهر مَا رَاح طَائِر كل حَيّ وَهُوَ على حِيَاض المون حايم وأشبهت الْحَيَاة وَإِن طَال أمدها حلم نَائِم وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَبعد فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْأمة المرحومة وَالْملَّة الَّتِي أمست أَخْبَارهَا بمسك الظلام على كافور الصَّباح مرقومة خير أمة أخرجت للنَّاس وأشرف مِلَّة أبطل فَضلهَا الْمَنْصُوص من غَيرهَا قَوَاعِد الْقيَاس علماؤها كأنبياء بني اسرائيل وامراؤها كملوك فَارس فِي التنويه والتنويل وفضلاؤها آربوا على حكماء الْهِنْد واليونان فِي التَّعْلِيم وَالتَّعْلِيل كم فيهم من فَرد جمع المفاخر وكاثرت مناقبه البحور الزواخر وَغدا فِي الْأَوَائِل وَهُوَ أَمَام فَاتَ سوابق الْأَوَاخِر(1/25)
(إِذا قَالَ لم يتْرك مقَالا لقَائِل ... بملتمات لَا يرى بَينهَا فصلا)
(كفى وشفى مَا فِي النُّفُوس فَلم يدع ... لذِي إربة فِي القَوْل جدا وَلَا هزلا)
)
وَكم أَتَى فيهم من كحلت مراود رماحه عُيُون اللحوم وتوقل حصونا لم يكن للكواكب فِيهَا ولوج وَلَا لطيف العدى هجوم وَضم عسكره الْمَجْرُور كل فتح أصبح الْعَدو بِهِ وَهُوَ مجزوم
(من كل من ضَاقَ الفضاء بجيشه ... حَتَّى ثوى فحواه لحد ضيق)
إِلَى غير ذَلِك مِمَّن شَارك الْأَوَائِل فِي الْعُلُوم الدقيقة وَاتخذ إِلَيْهَا مجَازًا أَدَّاهُ فِيهَا إِلَى الْحَقِيقَة واستنتج من مقدماتهم بَنَات فكر لم يرض جواهرهم لَهَا عقيقة
جمع المؤرخون رَحِمهم الله تَعَالَى أَخْبَار تِلْكَ الْأَحْبَار ونظموا سلوك تِلْكَ الْمُلُوك واحرزوا عُقُود تِلْكَ الْعُقُول وصانوا فصوص تِلْكَ الْفُصُول فوقفت على تواريخ مَاتَت أَخْبَارهَا فِي جلدهَا وَدخلت بتسطيرها الَّذِي لَا يبْلى جنَّة خلدها الْكَامِل
(وَرَأَيْت كلا مَا يُعلل نَفسه ... بتعلة وَإِلَى الْمَمَات يصير)
وَوجدت النَّفس تستروح إِلَى مطالعة أَخْبَار من تقدم ومراجعة آثَار من خرب ربع عمره وتهدم ومنازعة أَحْوَال من غبر فِي الزَّمَان وَمَا ترك للشعراء من متردم إِذْ هُوَ فن لَا يمل من أثارة دفائن دفاتره وَلَا تبل جوانح من الفه إِلَّا بمواطن مواطره كم من نَاظر اجتنى زهراً ناضراً من أوراقه وَكم من ماهر اقتنى قمراً سافراً بَين أرواقه لِأَن المطلع على أَخْبَار من درج ووقائع من غَابَ فِي غَابَ الْمَوْت وَمَا خرج ومآثر من رقا إِلَى سَمَاء السِّيَادَة وعرج ومناقب من ضَاقَ عَلَيْهِ خناق الشدَّة إِلَى أَن فتح لَهُ بَاب الْفرج يعود كَأَنَّهُ عاصر أُولَئِكَ وَجلسَ مَعَهم على نمارق الأسرة واتكا بَينهم على وسائد الأرائك واستجلى أقمار وُجُوههم إِمَّا فِي هالات الطيالس أَو فِي دارات الترائك وَشَاهد من أشرارهم شرر الشَّيَاطِين وفض لَهُ فضل أخيارهم فِي مَلأ الملائك وعاطاهم سلافة عصرهم فِي عصرهم السالف ورآهم فِي معاركهم ينتشقون رياحين السيوف ويستظلون القنا الراعف فَكَأَنَّمَا أُولَئِكَ الْقَوْم لداته وأترابه وَمن سَاءَهُ مِنْهُم أعداؤه وَمن سره أحبابه لكِنهمْ درجوا فِي الطليعة من قبله وأتى هُوَ فِي السَّاقَة على مهله الطَّوِيل
(وَمَا نَحن إِلَّا مثلهم غير أَنهم ... مضوا قبلنَا قدما وَنحن على الْأَثر)
والتاريخ للزمان مرْآة وتراجم الْعَالم للمشاركة فِي الْمُشَاهدَة مرقاة وأخبار الماضين لمن عَاقِر الهموم ملهاة الْبَسِيط
(لَوْلَا أَحَادِيث أبقاها أوائلنا ... من الندى والردى لم يعرف السمر)(1/26)
)
وَمَا أحسن قَول الأرجاني الْبَسِيط
(إِذا عرف الْإِنْسَان أَخْبَار من مضى ... توهمته قد عَاشَ فِي أول الدَّهْر)
(وتحسبه قد عَاشَ آخر دهره ... إِلَى الْحَشْر إِن أبقى الْجَمِيل من الذّكر)
(فقد عَاشَ كل الدَّهْر من كَانَ عَالما ... كَرِيمًا حَلِيمًا فاغتنم أطول الْعُمر)
وَرُبمَا أَفَادَ التَّارِيخ حزما وعزما وموعظة وعلما وهمة تذْهب هما وبيانا يزِيل وَهنا ووهما وجيلا تثار للأعادي من مكامن المكائد وسبلاً لَا تعرج بالأماني إِلَى أَن تقع من المصائب فِي مصائد وصبراً يَبْعَثهُ التأسي بِمن مضى واحتسابا يُوجب الرِّضَا بِمَا مر وحلا من القضا وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك هود فكم تشبت من وقف على التواريخ بإذيال معال تنوعت أجناسها وتشبه بِمن أخلده خموله إِلَى الأَرْض وأصعده سعده إِلَى السهى لِأَنَّهُ أَخذ التجارب مجَّانا مِمَّن انفق فِيهَا عمره وتجلت لَهُ العبر فِي مرْآة عقله فَلم تطفح لَهَا من قلبه جَمْرَة وَلم تسفح لَهَا فِي خَدّه عِبْرَة لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة لأولى الْأَلْبَاب يُوسُف فَأَحْبَبْت أَن أجمع من تراجم الْأَعْيَان من هَذِه الْأمة الْوسط وكملة هَذِه الْملَّة الَّتِي مد الله تَعَالَى لَهَا الْفضل الأوفى وَبسط ونجباء الزَّمَان وأمجاده ورؤوس كل فضل واعضاده وأساطين كل علم وأوتاده وأبطال كل ملحمة وشجعان كل حَرْب وفرسان كل معرك لَا يسلمُونَ من الطعْن وَلَا يخرجُون عَن الضَّرْب مِمَّن وَقع عَلَيْهِ اخْتِيَار تتبعي واختباري ولزنى إِلَيْهِ اضطرام تطلبي واضطراري مَا يكون متسقا فِي هَذَا التَّأْلِيف دره منتشقا من روض هَذَا التصنيف زهره فَلَا أغادر أحدا من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وأعيان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والملوك والأمراء والقضاة والعمال والوزراء والقراء والمحدثين وَالْفُقَهَاء والمشايخ والصلحاء وأرباب الْعرْفَان والأولياء والنحاة والأدباء وَالْكتاب وَالشعرَاء والأطباء والحكماء والألباء والعقلاء وَأَصْحَاب النَّحْل والبدع والآراء وأعيان كل فن اشْتهر مِمَّن اتقنه من الْفُضَلَاء من كل نجيب مجيد ولبيب مُفِيد الطَّوِيل
(طواه الردى طي الرِّدَاء وغيبت ... فواضله عَن قومه وفضائله)
فقد دَعَوْت الجفلى إِلَى هَذَا التَّأْلِيف وَفتحت أبوابه لمن دَخلهَا بِلَا تسويغ تسويف وَلَا تكليم تَكْلِيف وَذكرت لمن يجب فتحا يسره أَو خيرا قَرَّرَهُ أَو جودا أرْسلهُ أَو رَأيا أعمله أَو حَسَنَة أسداها أَو سَيِّئَة أبداها أَو بِدعَة سنّهَا وزخرفها أَو مقَالَة حرر فنها وَعرفهَا أَو كتابا وَضعه)
أَو تأليفاً جمعه أَو شعرًا نظمه أَو نثرا أحكمه الْبَسِيط(1/27)
(ذكر الْفَتى عمره الثَّانِي وَحَاجته ... مَا فَاتَهُ وفضول الْعَيْش أشغال)
وَلم أخل بِذكر وَفَاة أحد مِنْهُم إِلَّا فِيمَا ندر وشذ وانخرط فِي سلك أقرانه وَهُوَ فذ لِأَنِّي لم أتحقق وَفَاته وَكم من حاول أمرا فَمَا بلغه وَفَاته على أَنه قد يَجِيء فِي خلال ذَلِك من لَا يضْطَر إِلَى ذكره ويبدو هجر شوكه بَين وصال زهره
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يصل أحد من النَّحْو إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا بعد معرفَة مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ قلت فقد صَار مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ مُحْتَاجا إِلَيْهِ لِأَن المتوقف وجوده على وجود شَيْء آخر مُتَوَقف على وجود ذَلِك الشَّيْء وَهَكَذَا كل علم لَا يبلغ الْإِنْسَان اتقانه إِلَّا بعد تَحْصِيل مَا لم يفْتَقر إِلَيْهِ فقد اذكر فِي كتابي هَذَا من لَا لَهُ مزية وَجعلت أصْبع الْقَلَم من ذكره تَحت رزة رزية غير أَن لَهُ مُجَرّد رِوَايَة عَن المعارف متفردة وَلم تكن لَهُ دراية حمائمها على غصون النَّقْل مغردة الْبَسِيط
(والأيك مُشْتَبهَات فِي منابتها ... وَإِنَّمَا يَقع التَّفْضِيل فِي الثَّمر)
وَلَكِن أردْت النَّفْع بِهِ للمحدث والأديب وَالرَّغْبَة فِيهِ للبيب والأريب وَجعلت ترتيبه على الْحُرُوف وتبويبه وتذهيب وَضعه بذلك وتهذيبه على أنني ابتدأت بِذكر سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ هُوَ الَّذِي أَتَى بِهَذَا الدّين الْقيم وسراجه وهاج وَصَاحب التَّنْبِيه على هَذِه الشرعة والمنهاج فاذكر تَرْجَمته مُخْتَصرا وأسرد أمره مُقْتَصرا لِأَن النَّاس قد صنفوا الْمَغَازِي وَالسير وأطالوا الْخَبَر فِيهَا كَمَا أطابوا الْخَبَر ومليت لما ملئت بشمائله مهارق التواليف وَرفعت لما وضعت تيجانها على مفارق التصانيف فَأول من صنف فِي الْمَغَازِي عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ مُوسَى بن عقبَة ثمَّ عبد الله بن وهب ثمَّ فِي السّير ابْن إِسْحَق وَرَوَاهَا عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم من زَاد وَمن نقص فَمنهمْ زِيَاد بن عبد الله البكائي شيخ عبد الْملك بن هِشَام مُخْتَصر السِّيرَة وَسَلَمَة بن الْفضل الأبرش وَمُحَمّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي وَيُونُس بن بكير الْكُوفِي وَعمل أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي رَحمَه الله تَعَالَى كتاب الرَّوْض الْأنف فِي شرح السِّيرَة الْمشَار إِلَيْهَا وَوضع عَلَيْهِ شَيخنَا الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ كتابا سَمَّاهُ بلبل الرَّوْض وَفِي الطَّبَقَات الْكُبْرَى لِابْنِ سعد سيرة مُطَوَّلَة ثمَّ دَلَائِل النُّبُوَّة لأبي زرْعَة الرَّازِيّ شيخ مُسلم ثمَّ دَلَائِل السَّرقسْطِي ثمَّ دَلَائِل الْحَافِظ أبي نعيم فِي سفرين ثمَّ دَلَائِل النُّبُوَّة للنقاش صَاحب التَّفْسِير)
وَدَلَائِل النُّبُوَّة للطبراني وَدَلَائِل أبي ذَر الْمَالِكِي ثمَّ دَلَائِل الإِمَام الْبَيْهَقِيّ فِي سِتَّة أسفار كبار فأجاد مَا شَاءَ وأعلام النُّبُوَّة لأبي الْمطرف قَاضِي الْجَمَاعَة وأعلام النُّبُوَّة لِابْنِ قُتَيْبَة اللّغَوِيّ وَمن أَصْغَر مَا صنف فِي ذَلِك جُزْء لطيف لِابْنِ فَارس صَاحب الْمُجْمل فِي اللُّغَة وَكتاب الشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي رَحمَه الله كتبته بخطى وقرأته على(1/28)
شَيخنَا الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي وَالشَّمَائِل لِلْحَافِظِ المستغفري النَّسَفِيّ وَكتاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْقَاضِي أبي البخْترِي وَكتاب الْأَخْلَاق للْقَاضِي اسماعيل الْمَالِكِي وَكتاب الشفا للْقَاضِي عِيَاض وَالْوَفَاء لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِي مجلدين والاقتفاء لِابْنِ مُنِير خطيب الاسكندرية ونظم الدُّرَر لِابْنِ عبد الْبر وسيرة ابْن حزم وَحجَّة الْوَدَاع فأجاد فِيهَا وسيرة الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي وسيرة الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ مختصرة وعيون الْأَثر فِي الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير لشَيْخِنَا الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس ورويتها عَنهُ سَمَاعا لبعضها من لَفظه وإجازة لعامتها وَله سيرة أُخْرَى مختصرة سَمعتهَا من لَفظه ولشيخنا الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي أول تَارِيخ الْإِسْلَام مُجَلد فِي الْمَغَازِي ومجلد فِي السِّيرَة قرأتهما عَلَيْهِ وَفِي تَارِيخ ابْن جرير فِي الْأَيَّام النَّبَوِيَّة جملَة من ذَلِك وَلابْن عَسَاكِر فِي صدر تَارِيخه لدمشق جُزْء كَبِير وَلابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِيمَا يتَعَلَّق بذلك نفس طَوِيل هَذَا إِلَى مَا فِي الْكتب الصِّحَاح السِّتَّة من ذكر شمائله ومغازيه وسيره الوافر
(وَيبقى ضعف مَا قد قيل فِيهِ ... إِذا لم يتْرك أحد مقَالا)
وَقد اتيت فِي التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة بِمَا لَا غنى عَن عرفانه وَلَا يسع الْفَاضِل غير الِاطِّلَاع على بديع مَعَانِيه وَبَيَانه وسردت ذكر من جَاءَ بعده من المحمدين إِلَى عصري وَأَبْنَاء زماني الَّذين أينع زهرهم فِي روض دهري ثمَّ أذكر البَاقِينَ من حرف الْألف إِلَى الْيَاء على توالي الْحُرُوف وأتيت فِي كل حرف بِمن جَاءَ فِيهِ من الْآحَاد والعشرات والمئين والألوف بِشَرْط أَن لَا أدع كميت الْقَلَم يمرح فِي ميدان طرسه إِذا أجررته رسنه وَلَا أكون إِلَّا من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه الزمر وَلَا أغدو إِلَّا مِمَّن يلغي السَّيئَة وَيذكر الحسنه مجزوء الْكَامِل
(لَا خير فِي حَشْو الْكَلَام إِذا اهتديت إِلَى عيونه)
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن كَانَ لِلْقَوْلِ مجَال ومجاز وَلم يرخ دون الإطالة حجاب وَلَا حجاز فقد رَأَيْت كثيرا مِمَّن تصدى لذَلِك أَتَى فِي كِتَابه بِفُضُول كَثِيرَة وفصول لَا تضطجع الْمَنَافِع مِنْهَا على فرش وثيرة ونقول لَيست مثيبة للْوَاقِف وَلَا للفوائد مثيرة الْخَفِيف)
(إِن بعض القريض مِنْهُ هذاء ... لَيْسَ شَيْئا وَبَعضه أَحْكَام)
(مِنْهُ مَا يجلب البراعة وَالْفضل وَمِنْه مَا يجلب البرسام)
وَقد قدمت قبل ذَلِك مُقَدّمَة فِيهَا فُصُول فوائدها مهمة وقواعدها يملك الْفَاضِل بهَا من الاتقان أزمة تتنوع الإفادة فِيهَا كَمَا تنوع الْأَعْرَاب فِي كم عمَّة وينال بهَا المتأدب مَا ناله أَبُو(1/29)
مُسلم من الحزم وعلو الهمة ويهيم بهَا فكره كَمَا هام بمية ذُو الرمة ويبدو لَهُ من محاسنها مَا بدا من جمال ريا للصمة ثمَّ إِنِّي أعقد لكل اسْم بَابا يَنْقَسِم إِلَى فُصُول بِعَدَد حُرُوف المعجم تتَعَلَّق الْحُرُوف فِي الْفُصُول بأوائل أَسمَاء الْآبَاء ليتنزل كل وَاحِد فِي مَوْضِعه ويشرق كل نجم فِي هَذَا الْأُفق من مطلعه فَلَا يعدو أحدهم مَكَانَهُ وَلَا يرفع هَذَا تمسك تنسك وَلَا يخْفض ذَاك جِنَايَة خِيَانَة وَلَا يتَأَخَّر هَذَا لمهابط مهانة وَلَا يتَقَدَّم ذَاك لمكارم مكانة وَقد سميته الوافي بالوفيات وَمن الله تَعَالَى اطلب الإغاثة بالأعانة واستمد مِنْهُ التَّوْفِيق لطريق الْإِنَابَة والأبانة واستعينه على زمَان غلبت فِيهِ الزمانة لَا رب غَيره ينول العَبْد مناه وَأَمَانَة وَلَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ هُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل(1/30)
(الْمُقدمَة)
وفيهَا فُصُول الأول كَانَت الْعَرَب تورخ فِي بني كنَانَة من موت كَعْب بن لؤَي فَلَمَّا كَانَ عَام الْفِيل أرخت مِنْهُ وَكَانَت الْمدَّة بَينهمَا مئة وَعشْرين سنة قَالَ صَاحب الأغاني أَبُو الْفرج أَنه لما مَاتَ الْوَلِيد بن المُغيرة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم أرخت قُرَيْش بوفاته مُدَّة لأعظامها إِيَّاه حَتَّى إِذا كَانَ عَام الْفِيل جَعَلُوهُ تَارِيخا هَكَذَا ذكره ابْن دَاب وَأما الزبير بن بكار فَذكر أَنَّهَا تؤرخ بوفاة هِشَام بن الْمُغيرَة تسع سِنِين الى ان كَانَت السّنة الَّتِي بنوا فِيهَا الْكَعْبَة فارخوا بهَا انْتهى وارخ بَنو اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَام من نَار ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى بنائِهِ الْبَيْت وَمن بنائِهِ الْبَيْت الى تفّرق معد وَمن تفرق معّد الى موت كَعْب بن لؤيّ وَمن عَادَة النَّاس ان يؤرخوا بالواقع الْمَشْهُور وَالْأَمر الْعَظِيم فأرخ بعض الْعَرَب بعام الْخِتَان لشهرته قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي الوافر
(فَمن يَك سَائِلًا عني فَإِنِّي ... من الفتيان أَيَّام الْخِتَان)
(مَضَت مئة لعام ولدت فِيهِ ... وعام بعد ذَاك وحجتان)
(وَقد أبقت صروف الدَّهْر مني ... كَمَا أبقت من السَّيْف الْيَمَانِيّ)
وَكَانَت الْعَرَب قَدِيما تورخ بالنجوم وَهُوَ أصل قَوْلك نجمت على فلَان كَذَا حَتَّى يُؤَدِّيه فِي)
نُجُوم وَقَالَ بَعضهم قَالَت الْيَهُود إِن الْمَاضِي من خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى تَارِيخ الاسكندر ثَلَاثَة آلَاف سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ سنة وَقَالَت النَّصَارَى أَنَّهَا خَمْسَة آلَاف سنة وَمِائَة(1/31)
وَثَمَانُونَ سنة وَأما الْمدَّة المحررة من هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام من الْجنَّة إِلَى الأَرْض لتاريخ اللَّيْلَة المسفرة عَن صباح يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي كَانَ فِيهِ الطوفان عِنْد الْيَهُود ألف سنة وسِتمِائَة وَخَمْسُونَ سنة وَعند النَّصَارَى ألفا سنة ومائتان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة وَعند السامرة ألف وثلاثمائة سنة وَسبع سِنِين وَقَالَ آخر الْمدَّة الَّتِي بَين خلق آدم وَيَوْم الطوفان ألفا سنة ومائتان وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَأما تَارِيخ الاسكندر الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وتاريخ بخت نصر فمعلومان وتاريخ الطوفان مَجْهُول فأردنا تَصْحِيح ذَلِك وتحريره فصححناه بحركات الْكَوَاكِب وأوساطها من وَقت كَون الطوفان الَّذِي وضع فِيهِ بطلميوس أوساط الْكَوَاكِب فِي المجسطي فبمعاونة هذَيْن الْأَصْلَيْنِ صححنا تَارِيخ الطوفان بحركات الْكَوَاكِب كَمَا تصحح حركات الْكَوَاكِب بالتاريخ طرداً فعكسنا ذَلِك إِلَى خلف وجمعنا أزمنته وحررناه فَوَجَدنَا بَين الطوفان وبخت نصر من السنين الشمسية على أبلغ مَا يُمكن من التَّحْرِير ألفي سنة وَأَرْبَعمِائَة سنة وثلثي سنة وَربع سنة وَمِنْه إِلَى تَارِيخ السريان أَرْبَعمِائَة سنة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ سنة وجمعنا ذَلِك فَكَانَ مَا بَين الطوفان وَذي القرنين بعد جبر الكسور أَلفَيْنِ وتسع مائَة واثنين وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ زِدْنَا على ذَلِك مَا بَيْننَا وَبَين ذِي القرنين إِلَى عامنا هَذَا وَهُوَ سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة لِلْهِجْرَةِ فَبلغ من آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْآن سِتَّة آلَاف سنة وَسَبْعمائة وتسعا وَسبعين سنة على أبلغ مَا يُمكن من التَّحْرِير وَقَالَ وهب عَاشَ آدم ألف سنة وَفِي التَّوْرَاة تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ بَين آدم وطوفان نوح ألفا سنة ومائتان وَأَرْبَعُونَ سنة وَبَين الطوفان وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام تِسْعمائَة وَسَبْعَة وَأَرْبَعُونَ سنة وَبَين إِبْرَاهِيم ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام سَبْعمِائة سنة وَبَين مُوسَى وَدَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام خَمْسمِائَة سنة وَبَين دَاوُد وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ألف سنة وَمِائَة سنة وَبَين عِيسَى وَمُحَمّد نَبينَا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمَا سِتّمائَة وَعِشْرُونَ سنة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
(أقدم التواريخ الَّتِي بأيدي النَّاس)
زعم بَعضهم أَن أقدم التواريخ تَارِيخ القبط لِأَنَّهُ بعد انْقِضَاء الطوفان وَأقرب التواريخ الْمَعْرُوفَة تَارِيخ يزدجرد بن شهريار الْملك الْفَارِسِي وَهَذَا هُوَ تَارِيخ أرخه الْمُسلمُونَ عِنْد افتتاحهم بِلَاد)
الأكاسرة وَهِي الْبِلَاد الَّتِي تسمى بِلَاد إيران شهر وَأما التَّارِيخ المعتضدي فَمَا أَظُنهُ تجَاوز بِلَاد الْعرَاق وَفِيمَا بَين هَذِه التواريخ تواريخ القبط وَالروم وَالْفرس وَبني إِسْرَائِيل وتاريخ عَام الْفِيل وأرخ النَّاس بعد ذَلِك من عَام الْهِجْرَة وَأول من أرخ الْكتب من الْهِجْرَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ عشرَة وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه يأتينا من قبل أَمِير الْمُؤمنِينَ كتب لَا نَدْرِي على أَيهَا نعمل قد قَرَأنَا صكاً مِنْهَا مَحَله شعْبَان فَمَا نَدْرِي أَي الشعبانين الْمَاضِي أَو الْآتِي فَعمل عمر رَضِي الله عَنهُ على كتب التَّارِيخ فَأَرَادَ أَن يَجْعَل أَوله رَمَضَان فَرَأى أَن الْأَشْهر الْحرم تقع حِينَئِذٍ فِي سنتَيْن فَجعله من الْمحرم وَهُوَ(1/32)
آخرهَا فصيره أَولا لتجتمع فِي سنة وَاحِدَة وَكَانَ قد هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْخَمِيس لأيام من الْمحرم فَمَكثَ مُهَاجرا بَين سير ومقام حَتَّى دخل الْمَدِينَة شَهْرَيْن وَثَمَانِية أَيَّام وَقَالَ العسكري فِي كتاب الْأَوَائِل أول من آخر النيروز المتَوَكل قَالَ بَينا المتَوَكل يطوف فِي متصيد لَهُ إِذْ رأى زرعا أَخْضَر قَالَ قد استأذنني عبيد الله بن يحيى فِي فتح الْخراج وَأرى الزَّرْع أَخْضَر فَقيل لَهُ أَن هَذَا قد أضرّ بِالنَّاسِ فهم يقترضون ويستسلفون فَقَالَ هَذَا شَيْء حدث أم هُوَ لم يزل كَذَا فَقيل لَهُ حَادث ثمَّ عرف أَن الشَّمْس تقطع الْفلك فِي ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَربع يَوْم وَأَن الرّوم تكبس فِي كل أَربع سِنِين يَوْمًا فيطرحونه من الْعدَد فيجعلون شباط ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَات ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا وَفِي السّنة الرَّابِعَة وَهِي الَّتِي تسمى الكبيس نيجر من ذَلِك الرّبع يَوْم تَامّ فَيصير شباط تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا فَكَانَت الْفرس تكبس الْفضل الَّذِي بَين سنتها وَبَين سنة الشَّمْس فِي كل مئة وَسِتَّة عشر سنة شهرا وَهَذَا الكبس على طوله أصح من كبس الرّوم لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَا يحصله الْحساب من الْفضل فِي سنة الشَّمْس فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام عطل ذَلِك وَلم يعْمل بِهِ فاضر بِالنَّاسِ ذَلِك وَجَاء زمن هِشَام فَاجْتمع الدهاقنة إِلَى خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فشرحوا لَهُ وسألوه أَن يُؤَخر النيروز شهرا فَكتب إِلَى هِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة فَقَالَ هِشَام أَخَاف أَن يكون هَذَا من قَول الله تَعَالَى إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر التَّوْبَة فَلَمَّا كَانَ أَيَّام الرشيد اجْتَمعُوا إِلَى يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي وسألوه أَن يُؤَخر النيروز نَحْو شهر فعزم على ذَلِك فَتكلم اعداؤه فِيهِ فَقَالُوا هُوَ يتعصب للمجوسية فَاضْرب عَنهُ فَبَقيَ على ذَلِك إِلَى الْيَوْم فَاحْضُرْ المتَوَكل إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس وَأمره أَن يكْتب كتابا فِي تَأْخِير النيروز بعد أَن يحسبوا الْأَيَّام فَوَقع الْعَزْم على تَأْخِيره إِلَى سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا)
من حزيران فَكتب الْكتاب على ذَلِك وَهُوَ كتاب مَشْهُور فِي رسائل إِبْرَاهِيم وَإِنَّمَا احتذى المعتضد مَا فعله المتَوَكل إِلَّا أَنه قد قصره فِي أحد عشر يَوْمًا من حزيران فَقَالَ البحتري يمدح المتَوَكل الْخَفِيف
(لَك فِي الْمجد أول وأخير ... ومساع صغيرهن كَبِير)
(إِن يَوْم النيروز عَاد إِلَى الْعَهْد الَّذِي كَانَ سنه ازدشير)
(أَنْت حولته إِلَى الْحَالة الأولى وَقد كَانَ حائرا يستدير)
قَالَ أَحْمد بن يحيى البلاذري حضرت مجْلِس المتَوَكل وَإِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس يقْرَأ الْكتاب الَّذِي انشأه فِي تَأْخِير النيروز والمتوكل يعجب من حسن عِبَارَته ولطف مَعَانِيه وَالْجَمَاعَة تشهد لَهُ بذلك فدخلتني نفاسة فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا الْكتاب خطأ فَأَعَادُوا النّظر فِيهِ وَقَالُوا مَا نرَاهُ وَمَا هُوَ فَقلت أرخ السّنة الفارسية بالليالي والعجم تورخ بِالْأَيَّامِ وَالْيَوْم عِنْدهم أَربع وَعِشْرُونَ(1/33)
سَاعَة تشْتَمل على اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ جُزْء من ثَلَاثِينَ جُزْءا من الشَّهْر وَالْعرب تورخ بالليالي لِأَن سنتهمْ وشهورهم قمرية وَابْتِدَاء رُؤْيَة الْهلَال بِاللَّيْلِ قَالَ فَشَهِدُوا بِصِحَّة مَا قلت واعترف إِبْرَاهِيم وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من علمي قَالَ فخف عني مَا دخلني من النفاسة ثمَّ قتل المتَوَكل قبل دُخُول السّنة الجديدة وَولى الْمُنْتَصر واحتيج إِلَى المَال فطولب بِهِ النَّاس على الرَّسْم الأول وانتقض مَا رسمه المتَوَكل فَلم يعْمل بِهِ حَتَّى ولي المعتضد فَقَالَ ليحيى بن عَليّ المنجم قد كثر ضجيج النَّاس فِي أَمر الْخراج فَكيف جعلت الْفرس مَعَ حكمتها وَحسن سيرتها افْتِتَاح الْخراج فِي وَقت لَا يتَمَكَّن النَّاس من أَدَائِهِ فِيهِ قَالَ فشرحت لَهُ أمره وَقلت يَنْبَغِي أَن يرد إِلَى وقته وَيلْزم يَوْمًا من أَيَّام الرّوم فَلَا يَقع فِيهِ تَغْيِير فَقَالَ الْحق عبد الله بن سُلَيْمَان فوافقه على ذَلِك فصرت إِلَيْهِ ووافقته وحسبنا حسابه فَوَقع فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر من حزيران وَأحكم أمره على ذَلِك وَأثبت فِي الدَّوَاوِين وَكَانَ النيروز الْفَارِسِي فِي وَقت نقل المعتضد لَهُ يَوْم الْجُمُعَة لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من صفر سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن شهور الرّوم الْحَادِي عشر مكن نيسان فاخره حَسْبَمَا أوجبه الكبس سِتِّينَ يَوْمًا حَتَّى رَجَعَ إِلَى وقته الَّذِي كَانَت الْفرس ترده إِلَيْهِ وَكَانَ قد مضى لذَلِك مِائَتَان وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة فارسية تكون من سني الْعَرَب مِائَتَيْنِ وَتِسْعَة وَثَلَاثِينَ سنة وَبضْعَة عشر يَوْمًا وَوَقع بعد التَّأَخُّر يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الآخر سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن شهور الرّوم الْحَادِي عشر من حزيران)
انْتهى مَا حَكَاهُ العسكري قلت قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر التَّوْبَة الْآيَة فِي النسيء قَولَانِ الأول إِنَّه التَّأْخِير قَالَ أَبُو زيد نسأت الْإِبِل عَن الْحَوْض إِذا أخرتها وَكَأن النسيء عبارَة عَن التَّأْخِير من شهر إِلَى شهر آخر وَالثَّانِي هُوَ الزِّيَادَة قَالَ قطرب نسأ الله فِي الْأَجَل إِذا زَاد فِيهِ وَالصَّحِيح الأول نسأت الْمَرْأَة إِذا حملت لتأخير حَيْضهَا ونسأت اللَّبن إِذا أَخَّرته حَتَّى أَكثر المَاء فِيهِ كَانَت الْعَرَب تعتقد تَعْظِيم الْأَشْهر الْحرم تمسكا بِهِ من مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ يشق عَلَيْهِم الْكَفّ عَن مَعَايشهمْ وَترك الإغارة والقتال ثَلَاثَة أشهر على التوالي فنسئوا أَي أخروا تَحْرِيم ذَلِك الشَّهْر إِلَى غَيره فأخروا حُرْمَة الْمحرم إِلَى صفر فيحلون الْمحرم ويحرمون صفر وَإِذا احتاجوا إِلَى تَحْرِيم صفر أخروه إِلَى ربيع الأول هَكَذَا كل شهر حَتَّى يَدُور التَّحْرِيم على شهور السّنة كلهَا فَقَامَ الْإِسْلَام وَقد رَجَعَ الْمحرم إِلَى مَوْضِعه وَذَلِكَ بعد دهر طَوِيل فَخَطب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَقَالَ إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض السّنة اثْنَا عشر شهرا مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَوَاحِد فَرد وَهُوَ رَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان ووقف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة فِي حجَّة الْوَدَاع يَوْم التَّاسِع وخطب بمنى يَوْم الْعَاشِر واعلمهم أَن(1/34)
أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزَّمَان وَعَاد الْأَمر إِلَى مَا وضع عَلَيْهِ حِسَاب الْأَشْهر يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأمرهمْ بالمحافظة عَلَيْهَا لِئَلَّا تتبدل فِيمَا يَأْتِي من الزَّمَان وَأول من نسأ النسيء بَنو مَالك بن كنَانَة أَبُو عبيد بَنو فقيم من كنَانَة أَو أول من فعل ذَلِك نعيم بن ثَعْلَبَة من كنَانَة وَكَانَ يكون الْمَوْسِم فَإِذا هم النَّاس بالصدر قَامَ فَخَطب وَقَالَ لَا مرد لما قضيت فَلَا أعاب وَلَا أحاب فَيَقُول لَهُ الْمُشْركُونَ لبيْك فيسألونه أَن ينسئهم شهرا يغيرون فِيهِ فَيَقُول فَإِن صفراً الْعَام حرَام فيحلون الأوتار وينزعون الأسنة الأزجة وَإِن قَالَ حَلَال عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا وَكَانَ من بعده جُنَادَة بن عَوْف وَهُوَ الَّذِي أدْركهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يُقَال لَهُ القملش أَو أول من نسي النسيء عَمْرو بن لحي بن قمعة بن جُنْدُب
(الْفَصْل الثَّانِي)
تَقول الْعَرَب أرخت وورخت فيقلبون الْهمزَة واواً لِأَن الْهمزَة نَظِير الْوَاو فِي الْمخْرج فالهمزة)
من أقْصَى الْحلق وَالْوَاو من آخر الْفَم فَهِيَ محاذيتها وَلذَلِك قَالُوا فِي وعد أعد وَفِي وُجُوه أجوه وَفِي أثوب أثوب وَأحد ووحد فعلى ذَلِك يكون الْمصدر تَارِيخا وتوريخاً بِمَعْنى وَقَاعِدَة التَّارِيخ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة أَن يورخوا بالليالي دون الْأَيَّام لِأَن الْهلَال إِنَّمَا يرى لَيْلًا ثمَّ إِنَّهُم يؤنثون الذّكر ويذكرون الْمُؤَنَّث على قَاعِدَة الْعدَد لِأَنَّك تَقول ثَلَاثَة غلْمَان وَأَرْبع جوَار إِذا عرفت ذَلِك فَإنَّك تَقول فِي اللَّيَالِي مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر ثَلَاث لَيَال إِلَى بَابه وَتقول فِي الْأَيَّام مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَأَرْبَعَة أَيَّام وبابه فَإِن قلت لأي شَيْء فعلوا ذَلِك والتأنيث فرع على التَّذْكِير كَمَا تقرر فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف لما كَانَ التَّأْنِيث عِلّة من الصّرْف قلت لِأَن الأَصْل فِي الْعدَد التَّأْنِيث لكَونه جمَاعَة والمذكر الأَصْل فأنث الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب وَبَقِي الْمُذكر بِغَيْر تَأْنِيث لِأَنَّهُ فرع وَلِأَن الْفرق لَا يحصل إِلَّا بِزِيَادَة وَالزِّيَادَة يحتملها الْمُذكر لِأَنَّهُ أخف من الْمُؤَنَّث وَقَالُوا يَوْم وَاحِد ويومان وَثَلَاثَة أَيَّام وَمَا بعده إِلَى الْعشْرَة فَلم يضيفوا وَاحِد وَلَا اثْنَان إِلَى مُمَيّز فَأَما مَا جَاءَ من قَول الشَّاعِر الرجز
(كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عَجُوز فِيهِ ثنتا حنظل)(1/35)
فبابه الشّعْر وضرورة الشّعْر لَا تكون قَاعِدَة فَإِن قلت لأي شَيْء فعلوا ذَلِك قلت لِأَنَّهُ يعود إِلَى بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لِأَنَّك إِذا قلت اثْنَا يَوْمَيْنِ أَو وَاحِد رجل فاليومان هما الأثنان وَالْوَاحد هُوَ الرجل وَإِذا قلت يَوْم ورجلان فقد دللت على الكمية وَالْجِنْس وَلَيْسَ كَذَلِك فِي أَيَّام وَرِجَال فِيمَا فَوق الثَّلَاثَة لِأَن ذَلِك يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير فيضاف الْعدَد إِلَيْهِ لتعلم الكمية وأضافوا الْعدَد من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة إِلَى جموع الْقلَّة فَقَالُوا ثَلَاثَة أَيَّام وَأَرْبَعَة أجمال وَخَمْسَة أشهر وَسِتَّة أرغفة وَلَا يُورد هَهُنَا قَوْله تَعَالَى ثَلَاثَة قُرُوء الْبَقَرَة لِأَنَّهُ ميز الثَّلَاثَة بِجمع الْكَثْرَة لِأَن الْمَعْنى كل وَاحِدَة من المطلقات تَتَرَبَّص للعدة ثَلَاثَة أَقراء ثَلَاثَة أَقراء فَلَمَّا كَانَ مَجْمُوع الْأَقْرَاء من المطلقات كثيرا ميز الثَّلَاثَة بِجمع الْكَثْرَة وَلَا ينْقض هَذَا بقوله تَعَالَى الله يتوفى الْأَنْفس الزمر فَأتى بِجمع الْقلَّة والنفوس المتوفاة كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة أشعاراً بتهوين هَذَا الْفِعْل فِي مَقْدُور الله تَعَالَى وَكَأن توفى هَذِه النُّفُوس الْكَثِيرَة الَّتِي علم كثرتها وَتحقّق تزايدها فِي مَقْدُور الله تَعَالَى كَأَنَّهُ توفى أنفس قَليلَة دون الْعشْرَة وَلَا يُضَاف عدد أقل من سِتَّة إِلَى مميزين ذكر وَأُنْثَى لِأَن كل وَاحِد من المميزين جمع وَأَقل الْجمع ثَلَاثَة وَقَالُوا فِي الْعدَد الْمركب من بعد الشعرة إِلَى الْعشْرين وَهُوَ أحد عشر وَبَاب إِحْدَى عشرَة لَيْلَة واثنتا عشرَة سَاعَة وَثَلَاث عشرَة لَيْلَة وَمَا بعده إِلَى الْعشْرين بِإِثْبَات التَّأْنِيث فِي الجزءين من إِحْدَى عشرَة واثنتا عشرَة وَحذف التَّأْنِيث)
من الْجُزْء الأول فِي الْبَاقِي للمؤنث وَأحد عشر يَوْمًا وَاثنا عشر يَوْمًا وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَمَا بعده إِلَى الْعشْرين بخلو الجزءين الْأَوَّلين من التَّأْنِيث وإثباته فِي الْجُزْء الأول لما بعده فِي الْمُذكر والحجازيون يسكنون الشين فِي عشرَة وَبَنُو تَمِيم يكسرونها وميزوا مَا بعد الْعشْرَة إِلَى الْعشْرين وَمَا بعْدهَا من الْعُقُود إِلَى التسعين بمنصوب فَقَالُوا أحد عشر كوكباً وَأَرْبَعين لَيْلَة
فَإِن قلت هلا اجروا هَذَا الْمُمَيز مجْرى مَا قبل ذَلِك من الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة قلت أما فِي أحد عشر وبابه فَإِن حق الْجُزْء الْأَخير التَّنْوِين إِنَّمَا حذف تنوينه لبنائه من كَونه مركبا فَكَأَن التَّنْوِين مَوْجُود فِي اللَّفْظ لِأَنَّهُ لم يقم مقَامه شَيْء يبطل حكمه فَكَانَ بَاقِيا فِي الحكم فَمنع مميزه من الْإِضَافَة لِأَنَّهَا لَا تَجْتَمِع مَعَ التَّنْوِين وَأما فِي عشْرين وبابه لِأَن النُّون قَائِمَة مقَام التَّنْوِين الَّتِي فِي الْمُفْرد وَلِهَذَا تسْقط مَعَ الْإِضَافَة كالتنوين فَامْتنعَ الْمُمَيز أَيْضا من الْإِضَافَة فانتصب
وَأتوا بواو الْعَطف بعد الْعشْرين ومنعوها بعد الْعشْرَة إِلَى الْعشْرين فَقَالُوا أحد وَعِشْرُونَ وَأحد عشر فَإِن قلت مَا الْعلَّة فِي ذَلِك قلت حذفوها مَا بعد الْعشْرَة حملا على الْعشْرَة وَمَا قبلهَا من الْآحَاد لقربها مِنْهَا على لفظ الْأَعْدَاد المفردة فَلَمَّا بَعدت بعد الْعشْرين عَنْهَا أَتَوا بِالْوَاو فَإِن قلت فَهَلا اشتقوا فِي العشرات من لفظ الِاثْنَيْنِ كَمَا اشتقوا من الثَّلَاثَة ثَلَاثِينَ وهلم جرا إِلَى التسعين(1/36)
قلت لِأَن اثْنَيْنِ أعرب بِالْألف فِي حَالَة الرّفْع وَعِشْرُونَ جرت مجْرى الْجمع السَّالِم فأعربت بِالْوَاو حَالَة الرّفْع فَلَو أَنهم فعلوا ذَلِك احْتَاجَ الْمُشْتَقّ فِي العشرات من الِاثْنَيْنِ أَن يكون لَهُ إعرابان فثنوا عشرَة فَقَالُوا عشرُون فَإِن قلت كَانَ يلْزم على هَذَا أَن يَقُولُوا عشرُون بِفَتْح الْعين والشين وَالرَّاء لِأَنَّهَا تَثْنِيَة عشر قلت لِأَن الأَصْل هَهُنَا كَمَا أوردت أَن يشتق من لفظ اثْنَيْنِ وَكَانَ أول الِاثْنَيْنِ مكسوراً فكسروا أول الْعشْرين وَسَكنُوا الشين طلبا للخفة وكسروا الرَّاء لمناسبة مَا جمع بِالْوَاو وَالنُّون أَلا تراهم ضموها فِي حَالَة الرّفْع وَأَيْضًا فان الْعشْرَة تؤنث وَجَمعهَا لَا يؤنث فكسروا أَولهَا فِي الْجمع لَان الْكسر من جنس الْيَاء وَقَالُوا مائَة يَوْم وَمِائَتَا يَوْم فَجعلُوا الممّيز من الْمِائَة الى الْألف وَمَا بعده مُضَافا وَلم يجروه مجْرى مَا بعد الْعشْرَة إِلَى التسعين فان قلت مَا العلّة فِي ذَلِك قلت لِأَن الْمِائَة حملت على الْعشْرَة لكَونهَا عقدا مثلهَا وحملت على التسعين لِأَنَّهَا تَلِيهَا فألزم مميزها الْإِضَافَة تَشْبِيها بِالْعشرَةِ وميزت بِالْوَاحِدِ دون الْجمع تَشْبِيها بالتسعين وَقَالُوا ثَلَاث مائَة وَأَرْبَعمِائَة وبابه فميزوه بالمفرد وَلم يميزوا بِالْجمعِ فَقَالُوا ثَلَاث مائين فَإِن قلت مَا الْعلَّة فِي ذَلِك قلت اكْتِفَاء بِلَفْظ الْوَاحِد عَن الْجمع قَالَ الله تَعَالَى)
ثمَّ يخرجكم طفْلا غَافِر أَي أطفالا وَقَالَ الشَّاعِر الْكَامِل
(كلوا فِي بعض بطنكم تعفوا ... فَإِن زمانكم زمن خميص)
على أَنه قد قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين الْكَهْف بِإِضَافَة مائَة إِلَى سِنِين وَهَذَا إِضَافَة الْمُمَيز إِلَى جمع فعلى هَذِه الْقِرَاءَة أقل مُدَّة لبثهم على مَذْهَب من يرى أَن الْجمع اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا تكون سِتّمائَة سنة وتسع سِنِين لكَونه أضيف الْمُمَيز إِلَى جمع وَقَالُوا ألف لَيْلَة فأجروا ذَلِك فِي التَّمْيِيز مجْرى الْمِائَة فَإِن قلت مَا الْعلَّة فِي ذَلِك قلت لِأَن الْألف عقد كَمَا أَن الْمِائَة عقد وَقَالُوا ثَلَاثَة آلَاف لَيْلَة فَجمعُوا الْألف وَقد دخل على الْآحَاد وَلم يفرد مَعَ الْآحَاد كالمائة فَإِن قلت هَذَا ينْقض مَا قَرّرته أَولا من التَّعْلِيل قلت أَن الْألف طرف كَمَا أَن الْوَاحِد طرف لِأَن الْوَاحِد أول وَالْألف آخر ثمَّ تَتَكَرَّر الْأَعْدَاد فَلذَلِك أجري مجْرى الْآحَاد) تَنْبِيه (لفظ ألف مُذَكّر وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة آل عمرَان وَقد تقرر أَن الْمَعْدُود الْمُذكر يؤنث والمؤنث يذكر وَلَا يُورد قَوْلهم هَذِه ألف دِرْهَم فَإِن الْإِشَارَة إِنَّمَا هِيَ إِلَى الدَّرَاهِم لَا إِلَى الْألف وَتَقْدِيره هَذِه الدَّرَاهِم ألف وَقَالَت الْعَرَب ألف صنم وَألف أَقرع وَإِذا أردْت تَعْرِيف الْعدَد الْمُضَاف أدخلت الأداة على الِاسْم الثَّانِي فتعرف بِهِ الأول نَحْو ثَلَاثَة الرِّجَال وَمِائَة الدِّرْهَم كَقَوْلِك غُلَام الرجل قَالَ ذُو الرمة الطَّوِيل(1/37)
(وَهل يرجع التَّسْلِيم أَو يكْشف الْعَمى ... ثَلَاث الأثافي والرسوم البلاقع)
وَلَا يجوز الْخَمْسَة دَرَاهِم لِأَن الْإِضَافَة للتخصيص وَتَخْصِيص الأول بِاللَّامِ يُغْنِيه عَن ذَلِك فَأَما مَا لم يضف فأداة التَّعْرِيف فِي الأول نَحْو الْخَمْسَة عشر درهما إِذْ لَا تَخْصِيص بِغَيْر اللَّام وَقد جَاءَ شَيْء ف على خلاف ذَلِك) تَنْبِيه (الفصيح إِن تَقول عِنْدِي ثَمَانِي نسْوَة وثماني عشرَة جَارِيَة وثماني مائَة دِرْهَم لِأَن الْيَاء هُنَا يَاء المنقوص وَهِي ثَابِتَة فِي حَالَة الْإِضَافَة وَالنّصب كياء قَاض فَإِن قلت قَول الْأَعْشَى الْكَامِل
(وَلَقَد شربت ثمانيا وثمانيا ... وثمان عشرَة واثنتين وأربعا)
يُخَالف ذَلِك قلت بَابه الضَّرُورَة فِي الشّعْر كَمَا قَالَ الآخر الوافر
(وطرت بمنصلي فِي يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا)
يُرِيد الْأَيْدِي على أَنه قد قريء وَله الْجوَار المنشئات الرَّحْمَن بِضَم الرَّاء
(الْفَصْل الثَّالِث)
)
(فِي كَيْفيَّة كِتَابَة التَّارِيخ)
تَقول للعشرة وَمَا دونهَا خلون لِأَن الْمُمَيز جمع وَالْجمع مؤنث وَقَالُوا لما فَوق الْعشْرَة خلت وَمَضَت لأَنهم يُرِيدُونَ أَن مميزه وَاحِد وَتقول من بعد الْعشْرين لتسْع أَن بَقينَ وثمان أَن بَقينَ تَأتي بِلَفْظ الشَّك لاحْتِمَال أَن يكون الشَّهْر نَاقِصا أَو كَامِلا وَقد منع أَبُو عَليّ الْفَارِسِي رَحمَه الله تَعَالَى أَن يكْتب لليلة خلت كَمَا منع من صبيحتها أَن يُقَال المستهل لِأَن الاستهلال قد مضى وَنَصّ على أَن يورخ بِأول الشَّهْر فِي الْيَوْم أَو بليلة خلت مِنْهُ وَقَالَ الحريري فِي) درة الغواص (وَالْعرب تخْتَار أَن تجْعَل النُّون للقليل وَالتَّاء للكثير لأَرْبَع خلون ولأربع عشرَة لَيْلَة خلت قَالَ وَلَهُم(1/38)
اخْتِيَار آخر وَهُوَ أَن تجْعَل ضمير الْجمع للكثير الْهَاء وَالْألف وَضمير الْجمع الْقَلِيل الْهَاء وَالنُّون الْمُشَدّدَة كَمَا نطق الْقُرْآن إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم التَّوْبَة فَجعل ضمير الْأَشْهر الْحرم بِالْهَاءِ وَالنُّون لقلتهن وَضمير شهور السّنة الْهَاء وَالْألف لكثرتها وَكَذَلِكَ اخْتَارُوا أَيْضا أَن ألْحقُوا لصفة الْجمع الْكثير الْهَاء فَقَالُوا أَعْطيته دَرَاهِم كَثِيرَة وأقمت أَيَّامًا مَعْدُودَة وألحقوا لصفة الْجمع الْقَلِيل الْألف وَالتَّاء فَقَالُوا أَقمت أَيَّامًا معدودات وَكسوته أثواباً رفيعات وعَلى هَذَا جَاءَ فِي سُورَة الْبَقَرَة وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة الْبَقَرَة وَفِي سُورَة آل عمرَان إِلَّا أَيَّامًا معدودات آل عمرَان كَأَنَّهُمْ قَالُوا أَولا بطول الْمدَّة ثمَّ أَنهم رجعُوا عَنهُ فقصروا الْمدَّة انْتهى وَالْوَاجِب أَن تَقول فِي أول الشَّهْر لليلة خلت مِنْهُ أَو لغرته أَو لمستهله فَإِذا تحققت آخِره قلت انسلاخه أَو سلخه أَو آخِره قَالَ ابْن عُصْفُور وَالْأَحْسَن أَن تورخ بِالْأَقَلِّ فِيمَا مضى وَمَا بقى فَإِذا اسْتَويَا أرخت بِأَيِّهِمَا شِئْت قلت بل إِن كَانَ فِي خَامِس عشر قلت منتصف أَو فِي خَامِس عشر وَهُوَ أَكثر تَحْقِيقا لاحْتِمَال أَن يكون الشَّهْر نَاقِصا وَأَن كَانَ فِي الرَّابِع عشر ذكرته أَو السَّادِس عشر ذكرته
) فَائِدَة (وَرَأَيْت الْفُضَلَاء قد كتبُوا بعض الشُّهُور بِشَهْر كَذَا وَبَعضهَا لم يذكرُوا مَعَه شهرا وَطلبت الْخَاصَّة فِي ذَلِك فَلم أجدهم أَتَوا بِشَهْر إِلَّا مَعَ شهر يكون أَوله حرف رَاء مثل شَهْري ربيع وشهري رَجَب ورمضان وَلم أدر الْعلَّة فِي ذَلِك مَا هِيَ وَلَا وَجه الْمُنَاسبَة لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يحذف لفظ شهر من هَذِه الْمَوَاضِع لِأَنَّهُ يجْتَمع فِي ذَلِك راءان قد فروا من ذَلِك وَكَتَبُوا دَاوُد وناوس وَطَاوُس بواو وَاحِدَة كَرَاهِيَة الْجمع بَين المثلين وَجَرت الْعَادة بِأَن يَقُولُوا فِي)
شهر الْمحرم شهر الله وَفِي شهر رَجَب شهر رَجَب الْفَرد أَو الْأَصَم أَو الأصب وَفِي شعْبَان شعْبَان المكرم وَفِي رَمَضَان رَمَضَان الْمُعظم وَفِي شَوَّال شَوَّال الْمُبَارك ويورخوا أول شَوَّال بعيد الْفطر وثامن ذِي الْحجَّة بِيَوْم التَّرويَة وتاسعه بِيَوْم عَرَفَة وعاشره بعيد النَّحْر وتاسع الْمحرم بِيَوْم تاسوعاء وعاشره بِيَوْم عَاشُورَاء فَلَا يَحْتَاجُونَ أَن يذكرُوا الشَّهْر وَلَكِن لَا بُد من ذكر السّنة قد يَجِيء فِي بعض الْمَوَاضِع نَيف وبضع مثل قَوْلهم نَيف وَعشْرين وَهُوَ بتَشْديد الْيَاء وَمن قَالَ نَيف بسكونها فَذَلِك لحن وَهَذَا اللَّفْظ مُشْتَقّ من أناف على الشَّيْء إِذا أشرف عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لما زَاد على الْعشْرين كَانَ بِمَثَابَة المشرف عَلَيْهَا وَمِنْه قَول الشَّاعِر المتقارب
(حللت برابية رِأسها ... على كل رابية نَيف)
وَاخْتلف فِي مِقْدَاره فَذكر أَبُو زيد أَنه مَا بَين الْعقْدَيْنِ وَقَالَ غَيره هُوَ الْوَاحِد إِلَى الثَّلَاثَة وَلَعَلَّ هَذَا الْأَقْرَب إِلَى الصَّحِيح وَقَوْلهمْ بضع عشرَة سنة الْبضْع أَكثر مَا يسْتَعْمل فِيمَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر وَقيل بل هُوَ مَا دون نصف العقد وَقد آثروا القَوْل الأول إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين الرّوم وَذَلِكَ أَن الْمُسلمين كَانُوا يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم أهل كتاب وَكَانَ الْمُشْركُونَ يميلون إِلَى أهل فَارس لأَنهم أهل أوثان فَلَمَّا بشر الله تَعَالَى الْمُسلمين بِأَن الرّوم سيغلبون فِي بضع سِنِين سر الْمُسلمُونَ بذلك(1/39)
ثمَّ أَن أَبَا بكر بَادر إِلَى مُشْركي قُرَيْش فَأخْبرهُم بِمَا نزل عَلَيْهِم فِيهِ فَقَالَ لَهُ أبين بن خلف خاطرني على ذَلِك فخاطره على خمس قلايص وَقدر لَهُ مُدَّة الثَّلَاث سِنِين ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ كم الْبضْع فَقَالَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَأخْبرهُ بِمَا خاطر بِهِ أبي بن خلف فَقَالَ مَا حملك على تقريب الْمدَّة فَقَالَ الثِّقَة بِاللَّه وَرَسُوله فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد إِلَيْهِم فزدهم فِي الْخطر وازدد فِي الْأَجَل فَزَادَهُم قلوصين وازداد مِنْهُم فِي الْأَجَل سنتَيْن فاظفر الله تَعَالَى الرّوم بِفَارِس قبل انْقِضَاء الْأَجَل الثَّانِي تَصْدِيقًا لتقدير أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ أبي قد مَاتَ من جرح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ أَبُو بكر الْخطر من وَرَثَة أبي فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدق بِهِ وَكَانَت المخاطرة بَينهمَا قبل تَحْرِيم الْقمَار وَقيل الَّذِي خاطر أَبَا بكر إِنَّمَا هُوَ أَبُو سُفْيَان وَالْأول أصح
(الْفَصْل الرَّابِع)
(النّسَب مِمَّا يضْطَر إِلَيْهِ المورخ)
)
فَأَقُول النّسَب هُوَ الْإِضَافَة لِأَن النّسَب إِضَافَة شَيْء إِلَى بلد أَو قَرْيَة أَو صناعَة أَو مَذْهَب أَو عقيدة أَو علم أَو قَبيلَة أَو وَالِد كَقَوْلِك مصري أَو مزي أَو منجنيقي أَو شَافِعِيّ أَو معتزلي أَو نحوي أَو زهري أَو خالدي فَهَذَا الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ إِضَافَة وَلِهَذَا كَانَ النُّحَاة الأقدمون يترجمونه بِبَاب الْإِضَافَة وَإِنَّمَا سميته نسبا لِأَنَّك عَرفته بذلك كَمَا تعرف الْإِنْسَان بآبائه وَإِنَّمَا زيد عَلَيْهِ حرف لنقله إِلَى الْمَعْنى الْحَادِث عَلَيْهِ طرداً للقاعدة فِي التَّأْنِيث والتثنية وَالْجمع فَإِن قلت لأي شَيْء اخْتصّت الْيَاء دون اختيها الْوَاو وَالْألف وَالْكل من حُرُوف الْمَدّ واللين قلت لِأَن النّسَب قد تقرر أَنه إِضَافَة شَيْء إِلَى شَيْء فِي الْمَعْنى وَأثر الْإِضَافَة فِي الثَّانِي الْجَرّ والكسرة من جنس الْيَاء فَنَاسَبَ زِيَادَة الْيَاء دون الْوَاو وَالْألف فأعرفه فَإِن قلت فلأي شَيْء شَدَّدُوا يَاء النّسَب قلت لِأَن النّسَب أبلغ فِي الْمَعْنى من الْإِضَافَة فشددوا للدلالة على الْمَعْنى لأَنهم قَالُوا صَرْصَر الْبَازِي وصر الجندب فَإِن قلت فلأي شَيْء كسروا مَا قبلهَا قلت توطيداً لَهَا واعتناءً بأمرها لِأَن الْيَاء لَا يكون مَا قبلهَا إِلَّا من جِنْسهَا إِذا نسبت إِلَى الِاسْم الصَّحِيح الثلاثي الْمُفْرد أقررته على بنائِهِ فَتَقول بكري وعمري إِلَّا أَن يكون مكسور الْعين فتقل نمري ومعدي وابلي ودؤلي نِسْبَة إِلَى نمر ومعدة وابل ودؤل فتفتح الْمِيم وَالْعين وَالْبَاء وَالْوَاو وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك فِرَارًا من توالي الكسرات وَإِذا نسبت إِلَى رباعي أَو خماسي أقررته على بنائِهِ وزدته يَاء النّسَب فَتَقول أحمدي وسفرجلي نِسْبَة إِلَى أَحْمد وسفرجل فَإِن كَانَت عين الرباعي مَكْسُورَة مثل تغلب ويثرب ومغرب ومشرق قلت تغلبي ويثربي ومغربي ومشرقي بِكَسْر ثالثه وَعند الْمبرد الْفَتْح مطرد وَعند سِيبَوَيْهٍ مَقْصُور على السماع وَإِذا نسبت إِلَى معتل الطّرف محذوفه لزمك فِي النّسَب رد مَا حذف مِنْهُ فَتَقول أخوي وأبوي وذووي وعموي وغدوى وعضوى نِسْبَة الى أَخ وَأب وَذُو بِمَعْنى صَاحب وَعم(1/40)
وغد وعضة لأَنهم قَالُوا فِي التَّثْنِيَة أَخَوان وأبوان وعميان فان كَانَ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ لم يرد إِلَيْهِ مَا حذف مِنْهُ بالتثنية فَأَنت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت رَددته وَإِن شِئْت حذفته فَتَقول يَدي وَدمِي ويدوي ودموي نِسْبَة إِلَى يَد وَدم لأَنهم قَالُوا يدان وَدَمَانِ فَإِن كَانَ فِي الِاسْم تَاء الحاق فِي آخِره أَو همزَة وصل فِي أَوله فَإنَّك تحذفهما فَتَقول اخوي وبنوي نِسْبَة إِلَى أُخْت وَبنت وَابْن كَمَا قلت فِي مذكريهما وهمزة الْوَصْل إِن لم تحذفها لم ترد الْمَحْذُوف وَإِن حذفتها لزمك ردهَا فَتَقول ابْني وبنوي وسموي واسمي فَإِذا كَانَ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ حرفين لَا ثَالِث لَهما وَلم يكن الثَّانِي حرف لين جَازَ لَك التَّضْعِيف وَعَدَمه فَتَقول كمي وكمي بتَخْفِيف الْمِيم وتشديدها)
نِسْبَة إِلَى كم فَإِن كَانَ الثَّانِي حرف لين وَجب تَضْعِيفه فَتَقول فيوى ولووي نِسْبَة إِلَى فِي وَلَو فَإِن كَانَ حرف اللين ألفا ضوعف وأبدلت الثَّانِيَة همزَة ثمَّ أوليت يَاء النِّسْبَة فَتَقول لائي نِسْبَة إِلَى لَا وَيجوز قلب الْهمزَة واواً فَتَقول لاوى وَإِذا نسبت إِلَى مَحْذُوف الأول سليم الآخر لم ترد إِلَيْهِ الْمَحْذُوف فَتَقول صفي وعدي نِسْبَة إِلَى صفة وعدة وَلَك الْخِيَار فِي الصَّحِيح فَتَقول ثبي وقلي وثبوي وقلوي كَمَا قلت فِي دم فَإِن كَانَ معتل الآخر وَجب الرَّد فَتَقول وشوى وحرحى بِكَسْر الْوَاو وَفتح الشين نِسْبَة إِلَى شية وحر وَفِي لُغَة لغي ولغوي فَإِذا نسبت إِلَى مضاعف الثَّانِي لم تفكه فَتَقول رَبِّي وَلَا تَقول رببي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فَإِذا نسبت إِلَى الْمَقْصُور حذفت أَلفه خَامِسَة فَصَاعِدا ورابعة إِذا تحرّك ثَانِي مَا هِيَ فِيهِ فَتَقول حبارى وجمزى نِسْبَة إِلَى حبارى وجمزى وَإِن كَانَت الْألف رَابِعَة وَسكن ثَانِي مَا هِيَ فِيهِ جَازَ لَك حذفهَا وقلبها واواً مُبَاشرَة للياء أَو مفصولة بِأَلف فَتَقول حُبْلَى وحبلوى وحبلاوى نِسْبَة إِلَى حُبْلَى ودنيوي ودنياوي نِسْبَة إِلَى دنيا وَالْمُخْتَار الأول وَإِذا نسبت إِلَى الْمَقْصُور الثلاثي قلبت الْألف واواً فَتَقول قفوي ورحوي وعصوي نِسْبَة إِلَى قفا ورحى وعصا وَإِذا نسبت إِلَى المنقوص حذفت ياءه إِن كَانَت خَامِسَة فَصَاعِدا كَقَوْلِك معتدى نِسْبَة إِلَى مُعْتَد فَإِن كَانَت رَابِعَة جَازَ حذفهَا وقلبها واواً كَقَوْلِك قَاضِي وقاضوي نِسْبَة إِلَى قَاض والحذف هُوَ الْمُخْتَار قَالَ الشَّاعِر فِي لُغَة الْقلب الطَّوِيل
(وَكَيف لنا بالشرب إِن لم يكن لنا ... دَرَاهِم عِنْد الحانوي وَلَا نقد)
وَقَول النَّاس قضوى لَيْسَ من هَذَا الْبَاب وَإِنَّمَا هَذَا نِسْبَة إِلَى قضا بِالْقصرِ وَإِذا نسبت إِلَى المنقوص الثلاثي فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا فتح عينه وقلب الْيَاء واواً تَقول شجوي وندوي نِسْبَة إِلَى شجي وندي وَإِذا نسبت إِلَى مَمْدُود فَإِن كَانَت الْهمزَة أَصْلِيَّة كقراء سلمت فَقلت قرائي نِسْبَة إِلَى قراء(1/41)
لِأَن التَّثْنِيَة قراءان وَإِن كَانَت بَدَلا من ألف التَّأْنِيث قلبت واوا فَتَقول صحراوي نِسْبَة إِلَى صحراء لِأَن التَّثْنِيَة صحراوان وَإِن كَانَت منقلبة عَن أصل أَو زَائِدَة للالحاق جَازَ فِيهَا أَن تسلم وَأَن تقلب واوا فَتَقول كسائي وكساوي نِسْبَة إِلَى كسَاء لِأَن التَّثْنِيَة كساءان وكساوان وَإِذا نسبت إِلَى مثل مَاء وَشاء قلبت الْهمزَة واواً فَقلت ماوي وشاوي وَالْقَصِيدَة ياوية وَقَالَ الراجز الرجز
(لَا ينفع الشاوي فِيهَا شاته ... وَلَا حِمَاره وَلَا أداته)
وَإِذا نسبت إِلَى شقاوة وَنَحْوه مِمَّا آخِره وَاو سَالِمَة بعد ألف وَكَذَا سِقَايَة وحولايا مِمَّا الْيَاء فِيهِ غير ثَالِثَة قلت شقاوى وسقاءي وحولاوي وَإِذا نسبت إِلَى وزن فعيلة فتحت ياءه وحذفت عينه)
فَتَقول جهني ومزني نِسْبَة إِلَى جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وشذ من هَذَا رديني وعميري نِسْبَة إِلَى ردينة وعميرة وَإِذا نسبت إِلَى الْمُؤَنَّث وَلم يكن على هَذَا الْوَزْن حذفت التَّاء أَيْن وَقعت فَتَقول طلحي ومكي وبصري وعجوزي وسفرجلي نِسْبَة إِلَى طَلْحَة وَمَكَّة وَالْبَصْرَة وعجوزة وسفرجلة اللَّهُمَّ إِلَّا مَا كَانَ على وزن فعيلة بِفَتْح الْفَاء فَتَقول دِرْهَم خليفتي نِسْبَة إِلَى الْخَلِيفَة وَإِذا نسبت إِلَى فعيل وفعيل بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين فِي الأول وَضم الْفَاء وَفتح الْعين فِي الثَّانِي فَإِن كَانَا صحيحي اللَّام فالمطرد فِي النِّسْبَة إِلَيْهِمَا عقيلي وعقيلي نِسْبَة إِلَى عقيل وَعقيل وَقد يُقَال فيهمَا فعلي وفعلي بِضَم الْفَاء وَفتحهَا تَقول ثقفي وهذلي وَإِذا نسبت إِلَى وزن أُميَّة وطهية قلت أموي وأموي بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا وطهوي وطهوي بِضَم الطَّاء وَفتحهَا وَالْفَتْح على غير قِيَاس فيهمَا وَإِذا نسبت إِلَى مَا هُوَ مضاعف إِلَى مثل جليلة وطويلة لم تحذف الْيَاء لِأَنَّك لَو حذفت قلت جللي وطولي وَكَانَ مستثقلاً فك التَّضْعِيف وَالصَّوَاب أَن تَقول جليلي وطويلي
وَكَذَلِكَ النِّسْبَة إِلَى سلول وعدو تَقول سلولي وعدوي وَإِذا نسبت إِلَى مركب فَإِن كَانَ الْمركب جملَة فعلية نسبت إِلَى صدر الْجُمْلَة وَقلت تأبطي وبرقي وكنتي وكوني نِسْبَة إِلَى تأبط شرا وبرق نَحره وَكنت وَإِن(1/42)
كَانَ الْمركب مُضَافا ومضافاً إِلَيْهِ وَالْأول يتعرف بِالثَّانِي نسبت إِلَى الثَّانِي وحذفت الأول كَقَوْلِك بكري وزبيري وكراعي نِسْبَة إِلَى أبي بكر وَابْن الزبير وَابْن كرَاع وَإِن كَانَا قد جعلا بِمَنْزِلَة زيد وَلم يقْصد تَعْرِيف الأول بِالثَّانِي نسبت إِلَيْهِمَا بِصِيغَة ربَاعِية منحوتة مِنْهُمَا أَي مركبة وَذَلِكَ مسموع غير مقيس كَقَوْلِك عبدري وعبقسي وتيملي وعبشمي وحضرمي نِسْبَة إِلَى عبد الدَّار وَعبد قيس وتيم اللات وَعبد شمس وحضرموت إِلَّا أَن خفت التباساً فِي مثل امرء الْقَيْس وَعبد منَاف فَإنَّك تَقول امرءي ومنافي وَأَجَازَ الْجرْمِي النِّسْبَة إِلَى كل من الجزءين فَتَقول حضري أَو موتِي وَإِن كَانَ الْمركب تركيب مزج فعلت بِهِ كالقسم الأول فَتَقول بعلي ومعدي وخمسي نِسْبَة إِلَى بعلبك ومعدي كرب وَخَمْسَة عشر وقالي نِسْبَة إِلَى قالي قلا وَمِنْهُم من ينْسب إِلَيْهِمَا قَالَ الشَّاعِر الطَّوِيل
(تَزَوَّجتهَا رامية هرمزية ... بِفضل الَّذِي أعْطى الْأَمِير من الرزق)
فنسبها إِلَى رام هُرْمُز وَإِذا نسبت إِلَى مَا آخِره يَاء كياء النّسَب فَإِن كَانَت رَابِعَة فَصَاعِدا فحذفت وَجعل موضعهَا يَاء النّسَب فَتَقول شَافِعِيّ فِي النِّسْبَة إِلَى الشَّافِعِي وَكَذَا تفعل فِي نَحْو مرمى فِي الْأَصَح مَعَ كَون ثَانِي يائيه غير زايدة وَمن الْعَرَب من يحذف أول يائيه ويقلب الثَّانِيَة واوا بعد فتح الْعين فَيَقُول مرموي وشفعوي)
وَإِذا نسبت إِلَى مَجْمُوع فَإِن كَانَ جمع تكسير وَلم يكن لَهُ وَاحِد من لَفظه مثل عباديد وشماطيط قلت عباديدي وشماطيطي فَإِن كَانَ للْجمع وَاحِد من لَفظه وَلم يكن بَاقِيا على جمعيته قلت أنماري وأنصاري ومدائيني وهوازني نِسْبَة إِلَى الأنمار وَالْأَنْصَار والمدائن وهوزان وَإِن كَانَ بَاقِيا على جمعيته نسبت إِلَى واحده فَقلت فَرضِي ورجلي نِسْبَة إِلَى الْفَرَائِض وَالرِّجَال وَقد جَاءَ فِي الشّعْر شاذاً قَول الْقَائِل الرجز مُشَوه الْخلق كلابي الْخلق الْقيَاس كَلْبِي نِسْبَة إِلَى كلاب وَزعم الْخَلِيل أَن نَحْو ذَلِك مسمعي فِي المسامعة ومهلبي فِي المهالبة فَإِن كَانَ لَا وَاحِد لَهُ نسبت إِلَيْهِ كَقَوْلِك نفري ورهطي نِسْبَة إِلَى نفر ورهط فَإِن جمعت الْجمع رَددته إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَتَقول فِي أَنْفَار نفري وَفِي أَقوام قومِي وَفِي نسْوَة وَنسَاء نسوي وَتقول فِي محَاسِن وأعراب محاسني وأعرابي لِأَنَّك لَو قلت عَرَبِيّ لتغير الْمَعْنى لِأَن الْأَعرَابِي لَا يَقع إِلَّا على البدوي والعربي لَيْسَ كَذَلِك وَإِذا نسبت إِلَى أَبنَاء فَارس قلت بنوي فأجروه على الأَصْل
وَإِن كَانَ الْجمع جمع سَلامَة فَإِن كَانَ جمعا غير علم حذفت الزيادتين وَقلت زيدي نِسْبَة إِلَى زيدين فَإِن كَانَ علما قلت زيديني وَكَذَا فِي الْمثنى إِن كَانَ تَثْنِيَة قلت زيدي وَإِن كَانَ علما قلت زيداني وَإِن كَانَ الْجمع قد جعلت النُّون(1/43)
فِيهِ حرف أَعْرَاب قلت نصيبيني ويبريني وقنسريني نِسْبَة إِلَى نَصِيبين ويبرين وقنسرين وَكَذَلِكَ حكم سِنِين أَن جَعلتهَا جمعا كمسلمين قلت سنهي وسنوي وسني وَإِن كَانَ النُّون فِيهِ حرف الْأَعْرَاب قلت سنيني وَإِن كَانَ الْجمع سالما بِالْألف وَالتَّاء فَإِن سميت رجلا بتمرات قلت فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ تمري بِفَتْح الْمِيم وَإِن كَانَ جمعا قلت تمري بِسُكُون الْمِيم وَقَالُوا فِي النِّسْبَة إِلَى أَذْرُعَات أذرعي وَفِي عانات عاني
وَأما الْمَنْسُوب على غير قِيَاس فَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع الأول مَا كَانَ حَقه التَّغْيِير فَلم يغيروه كَقَوْلِهِم فِي النِّسْبَة إِلَى سليقة سليقي وَإِلَى عميرَة كلب عميري وسليمة سليمي وَإِلَى حَمْرَاء حمرائي بِالْهَمْزَةِ وَإِلَى بعلبك بعلبكي حَكَاهُمَا الْكُوفِيُّونَ وَإِلَى كنت كنتني قَالَ الشَّاعِر الطَّوِيل
(وَلست بكنتي وَلست بعاجز ... وَشر الرِّجَال الكنتني وعاجز)
وَالثَّانِي مَا كَانَ حَقه إِن لَا يتَغَيَّر فغيروه كَقَوْلِهِم فِي النِّسْبَة إِلَى هُذَيْل وسليم هذلي وسلمي وَإِلَى فقيم وقريش ومليح خُزَاعَة فقمي وقرشي وملحي وَفِي فقيم دارم ومليح خُزَيْمَة فقيمي ومليحي)
وَإِلَى أمس وَالْبَصْرَة أمسي وبصري بِكَسْر الْهمزَة وَالْبَاء وَإِلَى السهل والدهر سهلي ودهري بِضَم السِّين وَالدَّال وَإِلَى الْبَحْرين والنهرين والحصنين بحراني ونهراني وحصناني فرقا بَين النِّسْبَة إِلَى الْبَحْر وَالنّهر والحصن وَبَين مَا تقدم وَقَالُوا فِي النِّسْبَة إِلَى مَا فِي الْجَسَد من الْأَعْضَاء الرؤسي والشفاهي والأياري والجماني والرقباني واللحياني والشعراني إِذا كَانَ عَظِيما فِي هَذِه الْأَعْضَاء مُخَالفَة للنسب إِلَى الْبَلَد وَالْأَب وَقَالُوا فِي الْأُفق أفقي بِفَتْح الْهمزَة وَالْفَاء وَفِي الطلح طلاحي وَفِي خُرَاسَان خراسى وخرسى وَفِي حمض حمضي بِفَتْح الْمِيم وَفِي حرم مَكَّة حرمى بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الرَّاء وَفِي الرّبيع والخريف ربعى وخرفى بِسُكُون الرائين وَالْبَاء وَالْخَاء وَفِي قفا قفي وَفِي الشأم وَالْيَمِين وتهامة شآم ويمان وتهام وَمِنْهُم من يَقُول يماني وشامي وتهامي كَأَن هَذَا نسب إِلَى الْمَنْسُوب وَفِي الرّوح روحاني وَإِلَى مرو والري مروزى ورازي قَالَ إِبْنِ عُصْفُور وَلَا يُقَال فِي غير الْإِنْسَان إِلَّا مروى الثَّالِث مَا كَانَ حَقه ان يتَغَيَّر ضربا من التَّغْيِير فغيروه تغييراً آخر كَقَوْلِهِم فِي النّسَب إِلَى زبينة زباني وَإِلَى الْحيرَة وطيء حارى وطائي قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَا أظنهم قَالُوا فِي طَيء طائي إِلَّا فِرَارًا من اجْتِمَاع الياءات وَإِلَى الْعَالِيَة علوي وَإِلَى الْبَادِيَة بدوي وَإِلَى الشتَاء شتوي وَإِلَى بني عُبَيْدَة عَبدِي(1/44)
بِضَم الْعين وَالْبَاء وَإِلَى جذيمة جذمي بِضَم الْجِيم والذال وَإِلَى بني الحبلى من الْأَنْصَار حُبْلَى بِضَم الْحَاء وَالْبَاء وَإِلَى دستواء وروحاء وَصَنْعَاء وبهراء دستواني وروحاني وصنعاني وبهراني وروحائي أَكثر وَإِلَى حروراء وجلولاء حروري وجلولي وَإِلَى أُميَّة وطهية أموي وطهوي بِفَتْح الْهمزَة والطاء وَسُكُون الْهَاء وَإِلَى درابجرد وامرء الْقَيْس الشَّاعِر دراوردي ومرقسي وَإِلَى سوق مَازِن سقزني وَإِلَى سوق اللَّيْل سقلي وَإِلَى سوق الْعَطش سقشي وَإِلَى سوق يحيى سقحي وَإِلَى دَار الْبِطِّيخ دربخي) تَنْبِيه (قد ألْحقُوا للْمُبَالَغَة يَاء كياء النّسَب فَقَالُوا احمري ودواري قَالَ الشَّاعِر الرجز والدهر بالإنسان دواري كَمَا أَنهم قَالُوا عَلامَة ونسابة وكما أشركوا بَين تَاء الْمُبَالغَة وياء النّسَب للْمُبَالَغَة فقد أشركوا بَينهمَا فِي تَمْيِيز الْجمع من الْوَاحِد فحبشي وحبش وزنج وزنجي وتركي وَترك بِمَنْزِلَة تَمْرَة وتمر ونخلة ونخل وبسرة وَبسر وَقد زادوها أَيْضا لغير معنى زَائِد زِيَادَة لَازِمَة كحواري وبردى وبختي وكرسي وَزِيَادَة عارضة كَقَوْل الشَّاعِر الرجز مثل الفراتي إِذا مَا ظلما)
) تَتِمَّة (وَقد استغنوا بِبِنَاء فعال عَن الحاق يَاء النّسَب كَقَوْلِهِم بزاز وعطار وحمال وخياط وكلاب وسقاء وَقد يَجِيء هَذَا الْوَزْن بِمَعْنى صَاحب كَذَا وَمِنْه قَول امرء الْقَيْس الطَّوِيل
(وَلَيْسَ بِذِي رمح فيطعنني بِهِ ... وَلَيْسَ بِذِي سيف وَلَيْسَ بِنِبَالٍ)
مَعْنَاهُ وَلَيْسَ بِصَاحِب سيف وَلَيْسَ بِصَاحِب نبل وعَلى هَذَا حمل الْمُحَقِّقُونَ قَوْله تَعَالَى(1/45)
وَمَا رَبك بظلام للعبيد فصلت أَي بِذِي ظلم هَذَا كَلَام الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن مَالك رَحمَه الله تَعَالَى قلت مَعْنَاهُ لَيْسَ بِذِي ظلم وَلَا يفهم صِيغَة الْمُبَالغَة مِنْهُ كَقَوْلِنَا ضراب وشراب وقتال لِأَنَّهُ إِذا نفيت الْمُبَالغَة فِي الظُّلم فَلَا يلْزم من نَفيهَا نفي مُطلق الظُّلم تَعَالَى الله عَن ذَلِك بل هُوَ الحكم الْعدْل
وَكَذَا استغنوا بِبِنَاء فَاعل بِمَعْنى صَاحب كَذَا عَن يَاء النّسَب فَقَالُوا لِابْنِ وتامر وطاعم وكاس ورامح بِمَعْنى ذِي لبن وَذي تمر وَذي طعم وَذي كسْوَة وَذي رمح وَقد يستغنون بِفعل عَن يَاء النّسَب فَقَالُوا رجل طعم وَلبس وَعمل بِمَعْنى ذِي طعم وَذي لبس وَذي عمل وَمِنْه قَول الراجز أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ الرجز
(لست بليلي وَلَكِنِّي نهر ... لَا أدْلج اللَّيْل وَلَكِن ابتكر)
أَرَادَ وَلَكِنِّي نهاري أعمل فِي النَّهَار وكل صانع عِنْد الْعَرَب فَهُوَ إسكاف قَالَ الشَّاعِر الرجز وشعبتا ميس براها اسكاف أَي نجار والناصح الْخياط والنصاح الْخَيط والهاجري الْبناء والهالكي الْحداد لِأَن أول من عمل الْحَدِيد الْهَالِك والسفسير السمار والعصاب الغزال والقسامي الَّذِي يطوي الثِّيَاب أول طيها حَتَّى تنكسر على طيها والماسخي بِالْخَاءِ والحاء القواس
(الْفَصْل الْخَامِس)
(فِي بَيَان الْعلم والكنية واللقب)
(وَكَيْفِيَّة تَرْتِيب ذَلِك مَعَ النِّسْبَة على اختلافها المتنوع)
أعلم أَن الدَّال على معِين مُطلقًا أما أَن يكون مصدرا بأب أَو أم كَأبي بكر وَأبي الْحسن أَو كَأُمّ كُلْثُوم وَأم سَلمَة وَأما أَن يشْعر برفعة الْمُسَمّى كأنف النَّاقة وملاعب الأسنة وَعُرْوَة الصعاليك وَزيد الْخَيل والرشيد والمأمون والواثق والمكتفي وَالظَّاهِر والناصر وَسيف الدولة وعضد الدولة وجمال الدّين وَعز الدّين وأمام الْحَرَمَيْنِ وَحجَّة الْإِسْلَام وَملك النُّحَاة وَأما أَن يشْعر بضعَة الْمُسَمّى كجحي وَشَيْطَان الطاق وَأبي العبر وجحظة والعكوك وَقد لَا يشْعر)
بِوَاحِد مِنْهُمَا بل أجري عَلَيْهِ ذَلِك لواقعة جرت مثل غسل الْمَلَائِكَة وَحمى الدبر ومطين وَصَالح جزرة والمبرد وثابت قطنة وَذي(1/46)
الرمة والصعق وصردر وحيص بيص فَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة تسمى الألقاب وَإِلَّا فَهُوَ الِاسْم الْخَاص كزيد وَعَمْرو وَهَذَا هُوَ الْعلم وَقد يكون الْعلم مُفردا كَمَا تقدم وَقد يكون مركبا أما من فعل وفاعل كتأبط شرا وبرق نَحوه وَأما من مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ كَعبد الله وَأما من اسْمَيْنِ قد ركبا وَجعلا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد كسيبويه والمفرد قد يكون مرتجلاً وَهُوَ الَّذِي مَا اسْتعْمل فِي غير العلمية كمذجح وأدد وَقد يكون مَنْقُولًا أما من مصدر كسعد وَفضل أَو من اسْم فَاعل كعامر وَصَالح أَو من اسْم مفعول كمحمد ومسعود أَو من أفعل تَفْضِيل كأحمد وأسعد أَو من صفة كثقيف وَهُوَ الدَّرْب بالأمور الظافر بالمطلوب وسلول وَهُوَ الْكثير السل وَقد يكون مَنْقُولًا من اسْم عين كأسد وصقر وَقد يكون مَنْقُولًا من فعل مَاض كأبان وشمر أَو من فعل مضارع كيزيد ويشكر) ثَمَرَة هَذَا الْمَطْلُوب (إِذْ قد عرفت الْعلم والكنية واللقب فسردها يكون على التَّرْتِيب تقدم اللقب على الكنية والكنية على الْعلم ثمَّ النِّسْبَة إِلَى الْبَلَد ثمَّ إِلَى الأَصْل ثمَّ إِلَى الْمَذْهَب فِي الْفُرُوع ثمَّ إِلَى الْمَذْهَب فِي الِاعْتِقَاد ثمَّ إِلَى الْعلم أَو الصِّنَاعَة أَو الْخلَافَة أَو السلطنة أَو الوزارة أَو الْقَضَاء أَو الأمرة أَو المشيخة أَو الْحَج أَو الحرفة كلهَا مقدم على الْجَمِيع فَتَقول فِي الْخلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر لدين الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد السامري أَن كَانَ ولد بسر من رَأْي الْبَغْدَادِيّ فرقا بَينه وَبَين النَّاصِر الْأمَوِي صَاحب الأندلس الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ إِن كَانَ يتمذهب فِي الْفُرُوع بِفقه الشَّافِعِي ويميل فِي الِاعْتِقَاد إِلَى أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ثمَّ تَقول الْقرشِي الْهَاشِمِي العباسي وَتقول فِي السلطنة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ركن الدّين أَبُو الْفَتْح بيبرس الصَّالِحِي نِسْبَة إِلَى استاذه الْملك الصَّالح التركي الْحَنَفِيّ البندقدار أَو السِّلَاح دَار وَتقول فِي الوزراء الْوَزير فلَان الدّين أَبُو كَذَا فلَان وتسرد الْجَمِيع كَمَا تقدم ثمَّ تَقول وَزِير فلَان وَتقول فِي الْقُضَاة كَذَلِك القَاضِي فلَان الدّين وتسرد الْبَاقِي كَمَا تقدم وَتقول فِي الْأُمَرَاء كَذَلِك الْأَمِير فلَان الدّين وتسرد الْبَاقِي إِلَى أَن تجْعَل الآخر وظيفته الَّتِي كَانَ يعرف بهَا قبل اللمرة مثل الجاشنكير أَو الساقي أَو غَيرهمَا وَتقول فِي أَشْيَاخ الْعلم الْعَلامَة أَو الْحَافِظ أَو الْمسند فِي من عمر وَأكْثر الرِّوَايَة أَو الإِمَام أَو الشَّيْخ أَو الْفَقِيه وتسرد الْبَاقِي إِلَى أَن تختم الْجَمِيع بالأصولي أَو النَّحْوِيّ أَو المنطقي وَتقول فِي أَصْحَاب الْحَرْف فلَان الدّين وتسرد الْجَمِيع إِلَى أَن تَقول الحرفة أما الْبَزَّاز أَو الْعَطَّار أَو الْخياط فَإِن كَانَ النّسَب إِلَى أبي بكر)
الصّديق رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي التَّيْمِيّ الْبكْرِيّ لِأَن قُريْشًا أَعم من أَن يكون تيميا والتيمي أَعم من أَن يكون من ولد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَأَن كَانَ النّسَب إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الْعَدْوى الْعمريّ وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الْأمَوِي العثماني وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الْهَاشِمِي الْعلوِي وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي التَّيْمِيّ الطلحي وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى الزبير رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الْأَسدي الزبيرِي وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الزُّهْرِيّ السَّعْدِيّ وَإِن كَانَ النّسَب(1/47)
إِلَى سعيد رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الْعَدوي السعيدي إِلَّا أَنه مَا نسب إِلَيْهِ فِيمَا علم وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قلت الْقرشِي الزُّهْرِيّ الْعَوْفِيّ من ولد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَإِن كَانَ النّسَب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح قلت الْقرشِي من ولد أبي عُبَيْدَة على أَنه مَا أعقب هَذَا الَّذِي ذكرته هَهُنَا هُوَ الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة والجادة المسلوكة المألوفة عِنْد أهل الْعلم وَإِن جَاءَ فِي هَذَا الْكتاب فِي بعض التراجم مَا يُخَالف ذَلِك من تَقْدِيم وَتَأْخِير فَإِنَّمَا هُوَ سبق من الْقَلَم وَذُهُول من الْفِكر وَإِنَّمَا قررت هَذِه الْقَاعِدَة ليرد مَا خَالف الأَصْل إِلَيْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
) تَنْبِيه (كلما رفعت فِي أَسمَاء الْآبَاء وَالنّسب وزدت انتفعت بذلك وَحصل لَك الْفرق فقد حكى أَبُو الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا النهرواني قَالَ حججْت فِي سنة وَكنت بمنى أَيَّام التَّشْرِيق فَسمِعت مناديا يُنَادي يَا أَبَا الْفرج فَقلت لَعَلَّه يُرِيدنِي ثمَّ قلت فِي النَّاس كثير مِمَّن يكنى أَبَا الْفرج فَلم أجبه ثمَّ نَادَى يَا أَبَا الْفرج الْمعَافى فهممت بإجابته ثمَّ قلت قد يكون اسْمه الْمعَافى وكنيته أَبَا الْفرج فَلم أجبه فَنَادَى يَا أَبَا الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا فَلم أجبه فَنَادَى يَا أَبَا الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا النهرواني فَقلت لم يبْق شكّ فِي مناداته إيَّايَ إِذْ ذكر كنيتي واسمي وَاسم أبي وبلدي فَقلت هأنذا فَمَا تُرِيدُ فَقَالَ لَعَلَّك من نهروان الشرق فَقلت نعم فَقَالَ نَحن نُرِيد نهروان الغرب فعجبت من اتِّفَاق ذَلِك انْتهى وَكَذَلِكَ الْحسن بن عبد الله العسكري أَبُو أَحْمد اللّغَوِيّ صَاحب كتاب التَّصْحِيف وَالْحسن بن عبد الله العسكري أَبُو هِلَال صَاحب كتاب الْأَوَائِل كِلَاهُمَا الْحسن بن عبد الله العسكري وَالْأول توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَالثَّانِي كَانَ مَوْجُودا فِي سنة خمس وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة فاتفقا فِي الِاسْم وَاسم الْأَب وَالنِّسْبَة وَالْعلم وتقاربا فِي الزَّمَان وَلم يفرق بَينهمَا إِلَّا بالكنية لِأَن الأول أَبُو أَحْمد وَالثَّانِي أَبُو هِلَال وَالْأول ابْن عبد الله ابْن سعيد بن إِسْمَاعِيل وَالثَّانِي ابْن عبد)
الله بن سهل بن سعيد وَلِهَذَا كثير من أهل الْعلم بالتاريخ لَا يفرقون بَينهمَا ويظنون أَنَّهُمَا وَاحِد وستقف إِن شَاءَ الله تَعَالَى على ترجمتهما فِي مكانهما وَكَذَلِكَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ الشَّاشِي الشَّافِعِي هَذِه الكنية وَالِاسْم وَاسم الْأَب وَالنِّسْبَة إِلَى الْبَلَد وَإِلَى الْمَذْهَب الْجَمِيع مُشْتَرك بَين الْإِمَامَيْنِ الْمَشْهُورين أَحدهمَا الْفَقِيه الْمُحدث الأصولي اللّغَوِيّ الشَّاعِر الْمَعْرُوف بالقفال الْكَبِير وَالْآخر الْفَقِيه صَاحب الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة وَالْأول وَفَاته سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَالثَّانِي وَفَاته سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَالْأول مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل وَالثَّانِي مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن عَليّ كِلَاهُمَا شرح المقامات الحريرية أَحدهمَا مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد أَبُو عبد الله يعرف بِابْن حميدة الحلى توفّي سنة خمسين(1/48)
وَخمْس مائَة وَالْآخر مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله أَبُو سعيد الجاواني الحلوّى وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وسوف يمرّ بك فِي تراجم هَذَا الْكتاب من الْأَسْمَاء والكنى وَالنّسب والمذاهب والصناعات وَغَيرهَا مَا تشاهد مِنْهُ الْعجب
(الْفَصْل السَّادِس)
(فِي الهجاء)
وَهُوَ معرفَة وضع الْخط ورسمه وَحذف مَا حذف وَزِيَادَة مَا زيد وإبدال مَا أبدل واصطلاح مَا تواضع عَلَيْهِ الْعلمَاء من أهل الْعَرَبيَّة والمحدثين وَالْكتاب وَهَذَا الْبَاب جليل فِي نَفسه قلّ من أتقنه والمحدث والمؤرخ شَدِيد الْحَاجة إِلَيْهِ فاذكر هَهُنَا مهمّ هَذَا الْبَاب فَأَقُول اكثر مَا تجرى أوضاع الْكِتَابَة الَّتِي تحْتَاج إِلَى الْبَيَان فِي الْهمزَة وَالْألف وَالْوَاو وَالْيَاء الْهمزَة همزتان همزَة قطع وهمزة وصل فهمزة الْقطع ان كَانَت مَضْمُومَة أَو مَفْتُوحَة اَوْ مَكْسُورَة وَوَقعت أَولا فِي اسْم أَو فعل أَو حرف كتبت ألفا نَحْو أَحْمد وأبلم وأثمد أَو أَخذ وَأكْرم واستخرج أَو إِن ّوأنّ وَزَاد بَعضهم إِن جعل عَلامَة الْهمزَة وحركتها فِي الضَّم وَالْفَتْح من فَوق الْألف وَفِي الجرّ من تَحت الْألف فان وَقعت الْهمزَة حَشْوًا فان كَانَت سَاكِنة فِي نفس الْكَلِمَة كتبت حرفا من جنس الْحَرَكَة الَّتِي قبلهَا نَحْو سُؤْر وراس وبئر وَأَن كَانَت متحركة فان كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا كتبت على نَحْو حَرَكَة نَفسهَا نَحْو ارؤس وارأف واسئر وَأَن كَانَ مَا قبلهَا متحركاً فان كَانَ مضمومًا أَو مَفْتُوحًا أَو مكسوراً فالمضموم تكْتب همزته الْمَفْتُوحَة والمضمومة واواً نَحْو جُؤَن وذؤوب والمفتوح تكْتب همزته على جنس حَرَكَة نَفسهَا نَحْو لؤم وَسَأَلَ وسئم والمكسور تكْتب همزته يَاء نَحْو سُئِلَ وان وَقعت الْهمزَة)
طرفا فان كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا لم تثبت لَهَا صُورَة نَحْو الخبء والدفء والجزء وَبَعْضهمْ كتبهَا أَن وَقعت طرفا فِي الْمُضَاف على جنس حَرَكَة مَا قبلهَا نَحْو هَذَا امْرُؤ الْقَيْس وَرَأَيْت امْرأ الْقَيْس ومررت بامرئ الْقَيْس وَكَذَا إِذا اتَّصَلت الْهمزَة المتطرفة بضمير مثل هَذَا جزؤه وَرَأَيْت جزأه ومررت بجزئه وَبَعْضهمْ حذفهَا وَاسْتغْنى بالضبط فان كَانَت فَاء الْفِعْل همزَة واتصلت بِكَلَام قبلهَا كتبت بعْدهَا على الصُّورَة الَّتِي يبتدأ فِيهَا بِالْهَمْزَةِ نَحْو قلت لَهُ ائْتِ زيدا وَالَّذِي اوتمن
وان وَقعت الْهمزَة بعد مُدَّة فان كَانَت فِي منصرف كتبت فِي الْمَنْصُوب ألفا فَتَقول لبست قباأ وشريت كساأ بِأَلفَيْنِ وكتبت فِي الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور وَغير المنصرف بِأَلف وَاحِدَة نَحْو هَذَا رِدَاء وسوداء ومررت بكساء وحمراء فان كَانَ الْمَمْدُود مثنى كتب على مَا تلفظ بِهِ تَقول هَذَانِ كساآن وابتعت كسااين وان أضيف الْمَمْدُود إِلَى مُضْمر رفعته بواو ونصبته بِأَلف وجررته بياء(1/49)
فَتَقول هَذَا عطاؤك وكملت عطاأك وَالْأَحْسَن حذفهَا فِي حَالَة النصب فَتَقول كملّت عطاءك وَفِي الجرّ تَقول وصلت إِلَى عطائك وَأما همزَة الْوَصْل فقد حذفت فِي مَوَاضِع مِنْهَا إِذا اتَّصَلت باسم الله تَعَالَى خَاصَّة نَحْو بِسم الله لِكَثْرَة دورها فِي الْكَلَام وَلم يَفْعَلُوا ذَلِك فِي بَاقِي أَسمَاء الله الْحسنى فِي مثل باسم رَبك وباسم الرَّحْمَن وَأَجَازَ الْكسَائي الْحَذف فِي هَذَا فان اتَّصَلت بِغَيْر الْبَاء لم تحذف كاسم الله ولاسم الله وَمِنْهَا همزَة إِبْنِ إِذا مَا وَقعت بَين علمين فتكتب أَحْمد بن مُحَمَّد فان كَانَت بَين غير علمين كعلم وكنية وَبِالْعَكْسِ أَو غير الكنية فتكتب مُحَمَّد ابْن أبي بكر وَمُحَمّد ابْن جمال الدّين وَمُحَمّد ابْن الْأَمِير وَغَيره وَبَعْضهمْ أجراها على الْحَذف فِي هَذِه المواطن وَلَا أرضاه فان وَقع ابْن أول السطر وَهُوَ بَين علمين اثبتت أَلفه وَبَعْضهمْ أجراه فِي ابْنة فَقَالَ فَاطِمَة بنة مُحَمَّد وَلَا أرَاهُ لقلته ولإلباسه
الْألف حذفت فِي يَا حرف النداء نَحْو يرسول الله لِكَثْرَة دوره فِي الْكَلَام وَلم تحذف فِي يَا مُحَمَّد يَا جبال يَا رحمان وحذفوا ألف المنادى الْعلم من أَوله نَحْو يَا براهيم يَا سمعيل يَا سرائيل وحذفوها فِي الْأَعْلَام مثل الْحَرْث وخلد وَإِبْرَاهِيم واسماعيل وَإِسْحَق وهرون ومروان وسليمن وعثمن وحذفوها فِي السَّمَوَات وَمن ثلثة وثلثين وثمنية وثمنين وحذفوا ألف الِاسْتِفْهَام فِي نَحْو عَم وفيم وحتام وَألف هَؤُلَاءِ أُولَئِكَ وَهَذَا وهذاك وَهَكَذَا وَالسّلم ومسئلة وَالْقيمَة والمملئيكة وسبحنة وَهَاهُنَا وَحِينَئِذٍ وليتئذ وساعتئذ وزيدت فِي الْأَفْعَال الْمَاضِيَة والمضارعة الْمُتَّصِلَة بالضمائر فِي مثل قَامُوا وَلم يقومُوا فرقا بَين فعل الْجَمَاعَة والمفرد فِي)
مثل هُوَ يَغْزُو وَيَدْعُو ويحدو وَرَأَيْت جمَاعَة لم يزِيدُوا هَذِه الْألف وَكَتَبُوا قَالُوا وَلم يقولو بِغَيْر ألف فيهمَا اتكالاً على بَيَان الْقَرَائِن من سِيَاق الْكَلَام وَلم يثبتها الْمُحَقِّقُونَ وَلكنهَا فِي رسم(1/50)
الْمُصحف الْكَرِيم وَقَالُوا مائَة ومائتان فرقا بَين مئة ومئين جمع مائَة وَبَين مَا ذكر
الْوَاو حذفت فِي مثل دَاوُد وَطَاوُس وناوس ويؤده ويسؤه وينؤه والمؤدة وَهِي ثَلَاث واوات وزيدت فِي مثل عَمْرو رفعا وجراً فَأَما فِي النصب فَلَا فرق بَينه وَبَين عمر لِأَنَّهُ فِي النصب يكْتب ألفا بَدَلا من التَّنْوِين وَلَا تَنْوِين فِي عمر وَبَعْضهمْ يكْتب عَليّ بن أَبُو طَالب رَضِي الله عَنهُ ويلفظ بِهِ أبي بِالْيَاءِ وزادوها فِي أُولَئِكَ فرقا بَينهَا وَبَين إِلَيْك كَمَا كتبُوا الصلوة والزكوة والحيوة بِالْوَاو نظرا إِلَى الأَصْل فَإِن أضيفت إِلَى الضَّمِير بِهِ إِلَى اللَّفْظ فَكتب صَلَاتك وزكاتك وحياتك وَبَعْضهمْ أقرّ الْوَاو فِي هَذِه الْحَالة أَيْضا وَأما رسم الْمُصحف فَفِيهِ واوات لم يَكْتُبهَا الْعلمَاء إِلَّا فِي الْمُصحف فَقَط مثل الملؤا وألم يأتكم نبؤا إِبْرَاهِيم والربوأ وجزاواء سَيِّئَة يُونُس وَكَتَبُوا يَا وخي بِالْوَاو حَالَة التصغير لِئَلَّا يبهم بيا أخي مكبراً
الْيَاء اثبتت فِي المنقوص إِذا كَانَ مُعَرفا بِالْألف وَاللَّام نَحْو الداعى والقاضى فَإِن كَانَ نكرَة أَو غير منصرف حذفت الْيَاء فِي الرّفْع والجر نَحْو هَذَا قَاض وَجوَار وتثبتها فِي النصب نَحْو رَأَيْت قَاضِيا وجوارى وَمذهب يُونُس كِتَابَة الْجَمِيع بِالْيَاءِ لِأَن الْخط جَار مجْرى الْوَقْف وَالْأَحْسَن الأول وكل يَاء وَقعت طرفا فِي القافية فَالْأولى حذفهَا كَقَوْلِه الطَّوِيل قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وَقَوله الوافر وَأَنت على زَمَانك غير زار وَإِن كَانَت للإضافة فَالْأولى اثباتها كَقَوْلِه الطَّوِيل على النَّحْر حَتَّى بل دمعي محملي وَقَول الشَّاعِر الرمل
(أبلغ النُّعْمَان عني مألكا ... أَنه قد طَال حبسي وانتظاري)
فَمنهمْ من اثْبتْ الْيَاء وَمِنْهُم من حذفهَا وَكَتَبُوا أحديهما بِالْيَاءِ نظرا إِلَى حَالَة تجردها عَن الضَّمِير
وَقد يحْتَاج إِلَى معرفَة مَا وَمن وَلَا وَاللَّام إِذا كَانَت أول كلمة وَدخلت آلَة التَّعْرِيف عَلَيْهَا أما)
مَا إِذا اتَّصَلت بِكَلَام قبلهَا فَمِنْهُ مَا يحسن أَن يُوصل بِهِ وَمِنْه مَا يحسن أَن يفصل عَنهُ وَمِنْه مَا يلْزم وَصله وَمِنْه مَا لَا يحسن فَإِن كَانَت حرفا كتبت مَوْصُولَة نَحْو إِنَّمَا زيد قَائِم وإينما تكن أكن وكأنما زيد أَسد وَكلما وَأما فَإِن كَانَت أسماً مَوْصُولا بِمَعْنى الَّذِي كتبت مفصولة نَحْو إِن مَا فعلت(1/51)
حسن وَأَيْنَ مَا وَعَدتنِي بِهِ فَأَما إِذا اتَّصَلت بحروف الْجَرّ فَلَا تكْتب إِلَّا مَوْصُولَة نَحْو بِمَا وَلما وَفِيمَا وَمِمَّا وَعَما وَأما من فَكَذَلِك نَحْو بِمن وفيمن وَعَمن وَمِمَّنْ وَلمن وَأما لَا فقد كتبوها مَعَ كي مَوْصُولَة ومفصولة نَحْو كي لَا وَكيلا وَإِن اتَّصَلت بِأَن الناصبة للْفِعْل حذفت النُّون وادغمت فِي لَام لَا نَحْو أُرِيد أَلا تفعل كَذَا فَإِن كَانَت الْخَفِيفَة من أَن الثَّقِيلَة فصلت فِي مثل قَوْله تَعَالَى أَفلا يرَوْنَ أَن لَا يرجع إِلَيْهِم قولا طه فَأَما إِذا دخلت لَا على أَن الشّرطِيَّة فَالْأولى فصلها كَقَوْلِه تَعَالَى إِلَّا تفعلوه الْأَنْفَال وَقد كتبُوا لِئَلَّا جملَة وَاحِدَة وَهِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ لَام كي وَأَن الناصبة وَلَا النافية لِأَن اللَّام لَا تقوم بِنَفسِهَا فوصلت بِأَن ووصلت أَن بِلَا لِأَنَّهَا ناصبة وكتبت همزتها يَاء للكسرة قبلهَا وادغموا النُّون فِي اللَّام وَأما اللَّام فَكل كلمة أَولهَا لَام وَدخلت آلَة التَّعْرِيف ادغمت فِيهَا لفظا واظهرت خطا نَحْو اللَّيْل وَاللَّحم واللجام وَقد كتبت المغاربة الَّيْلِ على رسم الْمُصحف وَلم يَسْتَعْمِلهُ أهل الْمشرق وَأما الَّذِي فَإِنَّهُم كتبوها بلام وَاحِدَة طلبا للاختصار لِكَثْرَة دورها بِخِلَاف اللَّذين مثنى الَّذِي واللتين مثنى الَّتِي لِأَنَّهُمَا أقل وقوعاً من الَّذِي وَالَّذين جمعا وَالَّتِي
تَنْبِيه لَا يكْتب الْمُضَاف فِي آخر السطر الأول ويبتدأ بالمضاف إِلَيْهِ فِي السطر الثَّانِي كَعبد الله وَأبي بكر والمغاربة يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَيْسَ بِحسن وأبلغ من هَذَا أَن يكتبوا الْكَلِمَة الْوَاحِدَة مفصولة الْحُرُوف فِي السطرين كالزاي وَالْيَاء وَالدَّال وَالْوَاو فِي السطر الأول آخرا وَالنُّون من تَتِمَّة زيدون فِي أول السطر الثَّانِي وَهُوَ أقبح من الأول
قَاعِدَة لَا تنقط الْقَاف وَلَا النُّون وَلَا الْيَاء إِذا وقعن أَوَاخِر الْكَلم برهانه أَن الأعجام إِنَّمَا أَتَى بِهِ للفارق فَإِن صُورَة الْبَاء وَالتَّاء والثاء والحاء وَالْخَاء وَالدَّال والذال متشابهة وَالْقَاف وَالنُّون وَالْيَاء آخر الْكَلِمَة لَا تشبهها صُورَة أُخْرَى أما إِذا وقعن فِي بعض الْكَلِمَات وَجب نقطهن لِأَن الْفَارِق بَطل
تذنيب رَأَيْت أَشْيَاخ الْكِتَابَة لَا يشكلون الْكَاف إِذا وَقعت آخرا وَلَا يكتبونها مجلسة أما إِذا وَقعت أَولا فِي بعض الْكَلِمَة حَشْوًا فَإِنَّهُم يجلسونها ويشكلونها بردة الْكَاف ورأيتهم لَا يجوزون فِي)
السطر الْوَاحِد أَكثر من ثَلَاث مدات فَأَما الْكَلِمَة نَفسهَا فَلَا يمدون فِيهَا إِلَّا بعد حرفين ويعدون ذَلِك كُله من لحن الْوَضع فِي الْكِتَابَة
تَتِمَّة جرت الْعَادة من قديم الزَّمَان وهلم جرا إِلَى هَذَا الزَّمَان باقتصار الْمُحدثين على الرَّمْز فِي حَدثنَا وَأخْبرنَا وَاسْتمرّ الِاصْطِلَاح عَلَيْهِ لِكَثْرَة دوره فِي الْكَلَام وَهُوَ حسن فيكتبون من حَدثنَا الثَّاء وَالنُّون وَالْألف فَيكون صُورَة مَا بِلَا نقط ويكتبون من أخبرنَا الْألف وَالنُّون وَالْألف فَيكون صُورَة أَبَا بِلَا نقط هَكَذَا فِي الِاثْنَيْنِ بالْعَطْف من الْألف وَلَا تكون إِلَّا مائلة بتدوير غير منتصبة على الاسْتوَاء وَلم يَكفهمْ هَذَا حَتَّى حذفوا قَالَ جملَة كَافِيَة إِذا وَقعت بَين فلَان وَبَين أخبرنَا وَبَعْضهمْ حذفهَا خطا ولفظاً وَالْأَحْسَن حذفهَا خطا واثباتها لفظا(1/52)
وَإِذا كَانَ للْحَدِيث اسنادان أَو أَكثر كتبُوا عِنْد الِانْتِقَال من اسناد إِلَى آخر صُورَة ح وَهِي حاء مُهْملَة وَالْمُخْتَار أَنَّهَا مَأْخُوذَة من التَّحْوِيل وَأَن يَقُول الْقَارئ إِذا انْتهى إِلَيْهَا ح وَقيل أَنَّهَا من حَال بَين الشَّيْئَيْنِ وَيُقَال أَن أهل الْمغرب إِذا وصلوا إِلَيْهَا قَالُوا الحَدِيث وَقد كتب جمَاعَة من الْحفاظ موضعهَا صَحَّ يشْعر بِأَنَّهَا رمز هَكَذَا ذكره الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَهِي كَثِيرَة فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم رحمهمَا الله تَعَالَى وَجَرت عَادَة الْمُحدثين والمورخين والأدباء إِذا جَاءَ ذكر آيَة من الْقُرْآن الْكَرِيم أَو حَدِيث مَشْهُور أَو بَيت شعر اشْتهر أَو تقدم ذكره آنِفا أَن يذكر أول الْآيَة ثمَّ يَقُول الْآيَة بِالنّصب على اضمار أُرِيد أَو أَعنِي وَكَذَا يذكر لفظا من الحَدِيث وَيَقُول الحَدِيث وَأول الْبَيْت وَيَقُول الْبَيْت وَبَعْضهمْ يقْرَأ الْآيَة ويكمل الحَدِيث إِن كَانَ يحفظه وَهُوَ الْأَحْسَن وَبَعْضهمْ يقْتَصر على لَفظه كَمَا هُوَ مَكْتُوب لكنه يحسن أَن يقف عَلَيْهِ قَلِيلا وَلما اشْتهر بَين الْمُحدثين هَذِه الْكتب الصِّحَاح البُخَارِيّ وَمُسلم والموطأ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة جعلُوا رمزاً لكل اسْم مِنْهُم فَجعلُوا للْبُخَارِيّ خَ وَلمُسلم م وللموطأ ط وللترمذي ت وللنسائي ن وَلأبي دَاوُد د ولأبن ماجة ق وَإِنَّمَا رمزوا الْقَاف وَإِن لم يكن فِي شَيْء من اسْمه لأَنهم لَو رمزوا لَهُ بِالْجِيم لاشتبه حِينَئِذٍ بِالْخَاءِ للْبُخَارِيّ فِي الصُّورَة فَجعلُوا الْقَاف رمزا لِأَنَّهُ من قزوين
(الْفَصْل السَّابِع)
جرت عَادَة المورخين أَنهم يرتبون مصنفاتهم إِمَّا على السنين وَهُوَ الْأَلْيَق بالتاريخ لِأَن)
الْحَوَادِث والوقائع تَجِيء فِيهِ مرتبَة متتالية وَمِنْهُم من يرتبها على الْحُرُوف وَهُوَ الْأَلْيَق بالتراجم فَإِن الرجل الْمَذْكُور فِي الْحَرْف يذكر مَا وَقع لَهُ فِي السنين المتعددة فِي مَوْضِعه دفْعَة وَاحِدَة إِمَّا بإجمال وَهُوَ الْأَكْثَر وَإِمَّا بتفصيل وَهُوَ قَلِيل وَأحسن تَرْتِيب فِي الْحُرُوف مَا رتب على حُرُوف أهل الْمشرق هِيَ ألف بَاء تَاء ثاء جِيم حاء خاء ثمَّ تسرد متماثلين متماثلين إِلَى كَاف لَام مِيم نون هَاء وَاو لَام ألف يَاء وَبَعْضهمْ قدم الْوَاو على الْهَاء وَمِنْهُم الْجَوْهَرِي فِي صحاحه فَأَما حُرُوف المغاربة فَإِنَّهُم وافقوا المشارقة من أَولهَا إِلَى الزَّاي ثمَّ قَالُوا طاء ظاء كَاف لَام مِيم نون صَاد ضاد عين غين فَاء قَاف سين شين هَاء وَاو يَاء وترتيب المشارقة أحسن وانسب لأَنهم اثبتوا الْألف أَولا وَأتوا بِالْبَاء وَالتَّاء والثاء ثَلَاثَة وَبعدهَا جِيم حاء خاء ثَلَاثَة متشابهة فِي الصُّور أَيْضا ثمَّ أَنهم سردوها كل اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ متشابهين إِلَى الْقَاف وَأتوا بعد ذَلِك بِمَا لم يتشابه فَكَانَ ذَلِك انسب وَبَعْضهمْ رتب ذَلِك على حُرُوف أبجد وَلَيْسَ بِحسن وَبَعْضهمْ رتب ذَلِك على مخارج الْحُرُوف وهم بعض أهل اللُّغَة كصاحب الْمُحكم والأزهري وَالتَّحْقِيق أَن تَقول همزَة ألف بَاء تَاء ثاء فَإِن الْهمزَة غير الْألف وَهَذِه النُّكْتَة تَنْفَع من يرتب الشّعْر على القوافي فيذكر الْهمزَة أَولا وَالْألف ثَانِيًا وَيَجِيء فِيهَا الْمَقْصُور كُله(1/53)
كَيْفيَّة ضبط حُرُوف المعجم قَالُوا الْبَاء الْمُوَحدَة وَبَعْضهمْ يَقُول الْبَاء ثَانِي الْحُرُوف وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق لِئَلَّا يحصل الشّبَه بِالْيَاءِ فَإِنَّهَا مثناة وَلكنهَا من تَحت وَبَعْضهمْ قَالَ ثَالِث الْحُرُوف والثاء الْمُثَلَّثَة وَالْجِيم والحاء الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالزَّاي وَبَعْضهمْ يَقُول الرَّاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة والظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَالْقَاف وَالْكَاف وَاللَّام وَالْهَاء وَالْوَاو وَالْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبَعْضهمْ يَقُول آخر الْحُرُوف
تَتِمَّة إِذا أَرَادوا ضبط كلمة قيدوها بِهَذِهِ الأحرف على هَذِه الصُّورَة فَإِن أَرَادوا لَهَا زِيَادَة بَيَان قَالُوا على وزن كَذَا فَيذكرُونَ كلمة توازنها وَهِي أشهر مِنْهَا كَمَا إِذا قيدوا فلوا وَهُوَ الْمهْر قَالُوا فِيهِ بِفَتْح الْفَاء وَضم اللَّام وَتَشْديد الْوَاو على وزن عَدو فَحِينَئِذٍ يكون الْحَال قد اتَّضَح والأشكال قد زَالَ
(الْفَصْل الثَّامِن)
)
(الْوَفَاة يحْتَاج إِلَى معرفَة أَصْلهَا)
فَأَقُول أصل وَفَاة وفية بتحريك الْوَاو وَالْفَاء وَالْيَاء على وزن بقرة وَلما كَانَت الْيَاء حرف عِلّة سكنوها فَصَارَت وفية فَلَمَّا سكنت الْيَاء وَانْفَتح مَا قبلهَا قلبت ألفا فَقَالُوا وَفَاة وَلِهَذَا لما جَمَعُوهُ رجعُوا بِهِ إِلَى أَصله فَقَالُوا وفيات بِفَتْح الْوَاو وَالْفَاء وَالْيَاء كَمَا قَالُوا شَجَرَة وشجرات وَقَالُوا فِي الْفِعْل مِنْهُ توفّي زيد بِضَم التَّاء وَالْوَاو وَكسر الْفَاء وَفتح الْيَاء فبنوه على مَا لم يسم فَاعله لِأَن الْإِنْسَان لَا يتوفى نَفسه فعلى هَذَا الله الْمُتَوفَّى بِكَسْر الْفَاء أَو أحد الْمَلَائِكَة وَزيد الْمُتَوفَّى بِفَتْح الْفَاء وَقد حكى أَن بَعضهم حضر جَنَازَة فَسَأَلَ بعض الْفُضَلَاء وَقَالَ من الْمُتَوفَّى بِكَسْر الْفَاء فَقَالَ لَهُ الله تَعَالَى فَأنْكر ذَلِك إِلَى أَن بَين لَهُ الْغَلَط وَقَالَ قل من الْمُتَوفَّى بِفَتْح الْفَاء
مِنْهُم يتَعَيَّن هَهُنَا ذكره الْأَجَل أجل وَاحِد لَيْسَ إِلَّا فَإِن بعض النَّاس من حكماء الْمُسلمين كَأبي الْهُذيْل العلاف المعتزلي وَمن تَابعه وَقَالَ بقوله وافقوا غَيرهم على القَوْل بالأجل الطبيعي وَالْأَجَل الاخترامي أما الطبيعي فَهُوَ نفاد الْحَار الغريزي وَذَهَاب الرُّطُوبَة والاخترامي فَهُوَ مَا يحصل من الْغَرق والحرق والتردي وتفرق الِاتِّصَال بِالسَّيْفِ وَغَيره أَو دُخُول الْمنَافِي للحياة كالسموم أَو فَسَاد المزاج من غَلَبَة بعض الأخلاط أَو عدم التنفس من خنق أَو غَيره وَاحْتج بقوله تَعَالَى ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مُسَمّى عِنْده الْأَنْعَام وَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ أهل السّنة من أَن الْأَجَل وَاحِد لَا يزِيد وَلَا ينقص كَمَا قَالَ تَعَالَى أَن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر نوح وَلنْ يُؤَخر الله نفسا إِذا جَاءَ أجلهَا المُنَافِقُونَ وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي ذَلِك كَثِيرَة وَالْجَوَاب عَن الْآيَة على مَا تمسك بِهِ الْخصم أَن الْأَجَل الأول أما المُرَاد بِهِ آجال الماضين وَالْأَجَل الثَّانِي آجال البَاقِينَ الَّذين لم يموتوا أَو الْأَجَل الأول الْمَوْت وَالْأَجَل الثَّانِي أجل الْبَعْث يَوْم النشور للقيامة أَو الأول مَا بَين خلقه إِلَى مَوته وَالثَّانِي مُدَّة لبثه فِي البرزخ أَو الأول النّوم وَالثَّانِي الْمَوْت أَو الأول مِقْدَار مَا مضى من عمر كل أحد وَالثَّانِي مِقْدَار مَا بَقِي لَهُ من الْحَيَاة(1/54)
(الْفَصْل التَّاسِع)
(فِي فَوَائِد التَّارِيخ)
مِنْهَا وَاقعَة رَئِيس الرؤساء مَعَ الْيَهُودِيّ الَّذِي أظهر كتابا فِيهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِإِسْقَاط الْجِزْيَة عَن أهل خَيْبَر وَفِيه شَهَادَة الصَّحَابَة مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَحمل الْكتاب إِلَى رَئِيس الرؤساء وَوَقع النَّاس بِهِ فِي حيرة فعرضه على الْحَافِظ أبي)
بكر خطيب بَغْدَاد فَتَأَمّله وَقَالَ إِن هَذَا مزوّر فَقيل لَهُ من أَيْن لَك ذَلِك فَقَالَ فِيهِ شَهَادَة مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ اسْلَمْ عَام الْفَتْح وفتوح خَيْبَر سنة سبع وَفِيه شَهَادَة سعد بن معَاذ وَمَات سعد رَضِي الله عَنهُ يَوْم بني قُرَيْظَة قبل خَيْبَر بِسنتَيْنِ فَفرج ذَلِك عَن الْمُسلمين غما
وروى عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش أَنه قَالَ كنت بالعراق فَأَتَانِي أهل الحَدِيث فَقَالُوا هَهُنَا رجل يحدث عَن خَالِد بن معدان فَأَتَيْته فَقلت أَي سنة كتبت عَن خَالِد بن معدان فَقَالَ سنة ثَلَاث عشرَة يَعْنِي وَمِائَة فَقلت أَنَّك تزْعم أَنَّك سَمِعت مِنْهُ بعد مَوته بِسبع سِنِين لِأَن خَالِدا مَاتَ سنة سِتّ وَمِائَة وروى عَن الْحَاكِم أبي عبد الله أَنه قَالَ لما قدم علينا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن حَاتِم الْكشِّي بالشين وَالسِّين مَعًا وَحدث عَن عبد بن حميد سَأَلته عَن مولده فَذكر أَنه ولد سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَقلت لِأَصْحَابِنَا هَذَا سمع من عبد بن حميد بعد مَوته بِثَلَاث عشرَة سنة وَذكر قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله قَالَ وجدت فِي كتاب الشَّامِل فِي أصُول الدّين لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَذكر طَائِفَة من الثِّقَات الْأَثْبَات أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة تواصوا على قلب الدول والتعرض لإفساد المملكة واستعطاف الْقُلُوب واستمالتها وارتاد كل وَاحِد مِنْهُم قطراً أما الجنابي فأكناف الأحساء وَابْن المقفع توغل فِي أَطْرَاف بِلَاد التّرْك وارتاد الحلاج بَغْدَاد فَحكم عَلَيْهِ صَاحِبَاه بالهلكة والقصور عَن دَرك الأمنية لبعد أهل الْعرَاق عَن الانخداع هَذَا آخر كَلَام أَمَام الْحَرَمَيْنِ ثمَّ قَالَ(1/55)
شمس الدّين ابْن خلكان وَهَذَا لَا يَسْتَقِيم عِنْد أَرْبَاب التواريخ لعدم اجْتِمَاع الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين فِي وَقت وَاحِد وَأما الحلاج والجنابي فَيمكن اجْتِمَاعهمَا وَلَكِن لَا أعلم هَل اجْتمعَا أَو لَا وَذكر وَفَاة الحلاج فِي سنة تسع وَثَلَاث مائَة وَذكر وَفَاة الجنابي فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاث مائَة وَذكر ابْن المقفع فَقَالَ كَانَ مجوسياً وَأسلم على يَد عِيسَى بن عَليّ عَم السفاح والمنصور وَكتب لَهُ واختص بِهِ وَذكر أَنه قتل فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة ثمَّ إِن ابْن خلكان قَالَ لَعَلَّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَرَادَ الْمقنع الْخُرَاسَانِي وَإِنَّمَا النَّاسِخ حرف عَلَيْهِ ثمَّ فَكرت فِي أَن ذَلِك أَيْضا لَا يَصح لِأَن الْمقنع الْخُرَاسَانِي قتل نَفسه بالسم فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ قَالَ وَإِذا أردنَا تَصْحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَلَا يكون إِلَّا ابْن الشلمغاني لِأَنَّهُ أحدث مذهبا غالياً فِي التَّشَيُّع والتناسخ وأحرق بالنَّار فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة
(الْفَصْل الْعَاشِر)
(فِي أدب المورخ)
)
نقلت من خطّ الإِمَام الْعَلامَة الْحجَّة شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ الشَّافِعِي مَا صورته قَالَ يشْتَرط فِي المورخ الصدْق وَإِذا نقل يعْتَمد اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَأَن لَا يكون ذَلِك الَّذِي نَقله أَخذه فِي المذاكرة وَكتبه بعد ذَلِك وَأَن يُسمى الْمَنْقُول عَنهُ فَهَذِهِ شُرُوط أَرْبَعَة فِيمَا يَنْقُلهُ وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضا لما يترجمه من عِنْد نَفسه وَلما عساه يطول فِي التراجم من النقول وَيقصر أَن يكون عَارِفًا بِحَال صَاحب التَّرْجَمَة علما وديناً وَغَيرهمَا من الصِّفَات وَهَذَا عَزِيز جدا وَأَن يكون حسن الْعبارَة عَارِفًا بمدلولات الْأَلْفَاظ وَأَن يكون حسن التَّصَوُّر حَتَّى يتَصَوَّر حَال تَرْجَمته جَمِيع حَال ذَلِك الشَّخْص ويعبر عَنهُ بِعِبَارَة لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا تنقص عَنهُ وَأَن لَا يغلبه الْهوى فيخيل إِلَيْهِ هَوَاهُ الْأَطْنَاب فِي مدح من يُحِبهُ وَالتَّقْصِير فِي غَيره بل إِمَّا أَن يكون مُجَردا عَن الْهوى وَهُوَ عَزِيز وَإِمَّا أَن يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ ويسلك طَرِيق الانصاف فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط أُخْرَى وَلَك أَن تجعلها خَمْسَة لِأَن حسن تصَوره وَعلمه قد لَا يحصل مَعَهُمَا الاستحضار حِين التصنيف فَيجْعَل حُضُور التَّصَوُّر زَائِدا على حسن التَّصَوُّر وَالْعلم فَهِيَ تِسْعَة شُرُوط فِي المورخ وأصعبها الأطلاع على حَال الشَّخْص فِي الْعلم فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى الْمُشَاركَة فِي علمه والقرب مِنْهُ حَتَّى يعرف مرتبته
وَمَا ذكرت هَذَا الْكَلَام إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تواريخ الْمُتَأَخِّرين فَإِنَّهُ قل فِيهَا اجْتِمَاع هَذِه الشُّرُوط وَأما المتقدمون فَإِنِّي أتأدب مَعَهم لكني رَأَيْت حَال كتابتي هَذِه شَيْئا لَا بَأْس بِذكرِهِ هُنَا وَهُوَ أَن أَبَا الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي حكيي فِي كِتَابه الْمُسَمّى تَارِيخ الْفُقَهَاء عَن غَيره أَن يحيى بن معِين ضعف الشَّافِعِي فَبلغ ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ هُوَ لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُول انْتهى
قلت هَذِه الشُّرُوط تلْزم الَّذِي يعْمل تَارِيخا على التراجم أما من يعْمل تَارِيخا على الْحَوَادِث فَلَا يشْتَرط فِيهِ ذَلِك لإنه ناقل الوقائع الَّتِي يتَّفق حدوثها فَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مثبتاً عَارِفًا بمدلولات الْأَلْفَاظ حسن التَّصَوُّر جيد الْعبارَة(1/56)
(الْفَصْل الْحَادِي عشر)
(فِي ذكر شَيْء من أَسمَاء كتب التواريخ)
(الْمُؤَلّفَة لمن تقدم من أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ)
3 - (تَارِيخ الْمشرق وبلاده)
)
تَارِيخ بَغْدَاد للخطيب أبي بكر الذيل عَلَيْهِ للسمعاني الذيل عَلَيْهِ لِابْنِ الدبيثي وَفِيه مَا لم يذكرهُ السَّمْعَانِيّ وَذكر من أغفله أَو كَانَ بعده والذيل عَلَيْهِ لِابْنِ الْقطيعِي والذيل لمحب الدّين ابْن النجار والذيل لأبي بكر ابْن المارستاني والذيل لِابْنِ السَّاعِي تَارِيخ الْبَصْرَة لِابْنِ دهجان تَارِيخ الْكُوفَة لِابْنِ مجَالد تَارِيخ وَاسِط للدبيثي تاريخها أَيْضا لبحشل الذيل عَلَيْهِ لِابْنِ الجلابي تَارِيخ الْعرَاق لِابْنِ القاطولي تاريخها أَيْضا لِابْنِ اسفنديار الْوَاعِظ تاريخها لِأَحْمَد بن أبي طَاهِر وَهُوَ أول من وضع لبغداد تَارِيخا أَخْبَار الْموصل للخالديين تَارِيخ حران لمحاسن بن خَليفَة الْحَرَّانِي الْمشرق فِي أَخْبَار الْمشرق لِابْنِ سعيد المغربي تَارِيخ ميافارقين لِابْنِ الْأَزْرَق تَارِيخ أربل لِابْنِ الْمُسْتَوْفى تَارِيخ دنيسر لعمر بن اللمش التَّارِيخ الْخَاص لتكريب تَارِيخ الأنبار لِابْنِ الْأَنْبَارِي تَارِيخ الْموصل لِابْنِ باطيش تَارِيخ سامرا لِابْنِ أبي البركات تَارِيخ سَمَرْقَنْد للأدريسي والذيل عَلَيْهِ لأبي حَفْص النَّسَفِيّ تَارِيخ خوارزم لمطهر الدّين الكاشي تَارِيخ خُرَاسَان للأبيوردي تاريخها أَيْضا للْحَاكِم تَارِيخ مرو لِابْنِ سيار تاريخها أَيْضا للسمعاني تَارِيخ بيهق لعَلي بن زيد تَارِيخ جرجان للسهمي تَارِيخ لعَلي بن مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ تَارِيخ أبيورد لأبي الفتيان الشَّاعِر تَارِيخ مازندران لِابْنِ أبي مُسلم تَارِيخ استراباد لأبي سعد تاريخها لِحَمْزَة السَّهْمِي تَارِيخ الرّيّ لأبي مَنْصُور الآبي تَارِيخ أذربيجان لِابْنِ أبي الهيجاء الروادي تَارِيخ أَصْبَهَان لِحَمْزَة الطَّبَقَات الأصفهانية لأبي الشَّيْخ ابْن حَيَّان تاريخها أَيْضا لأبي نعيم تاريخها أَيْضا لِابْنِ مرْدَوَيْه تاريخها أَيْضا ليحيى بن مَنْدَه تَارِيخ قزوين لإِمَام الدّين الرَّافِعِيّ تَارِيخ همذان لشيرويه تاريخها لصالح بن أَحْمد الْحَافِظ طَبَقَات همذان لعبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْأنمَاطِي تَارِيخ مراغة لِابْنِ الْمثنى تَارِيخ نسف لِلْحَافِظِ المستغفري النَّسَفِيّ تَارِيخ أران للبرذعي تَارِيخ هراة لأبي إِسْحَق الْبَزَّاز تاريخها أَيْضا لأبي النَّضر الفامي تَارِيخ بُخَارى لِلْحَافِظِ غُنْجَار تَارِيخ شيراز لأبي عبد الله الْقصار تاريخها أَيْضا لهبة الله بن عبد الْوَارِث الشِّيرَازِيّ تَارِيخ دمشق لِلْحَافِظِ أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر وَهُوَ ثَمَانِي مائَة جُزْء يدْخل فِي ثَمَانِينَ مجلدة وَهُوَ(1/57)
تَارِيخ عَظِيم وذيل عَلَيْهِ وَلَده الْقَاسِم وَلم يكمل وذيل عَلَيْهِ صدر الدّين الْبكْرِيّ وذيل عَلَيْهِ أَيْضا عمر بن الْحَاجِب وتاريخ أبي شامة الدِّمَشْقِي وذيل عَلَيْهِ علم الدّين البرزالي تَارِيخ حلب للصاحب كَمَال الدّين ابْن العديم تَارِيخ حمص)
لِابْنِ عِيسَى تاريخها لعبد الصَّمد ابْن سعيد معادن الذَّهَب فِي تَارِيخ حلب لِابْنِ أبي طي
3 - (تَارِيخ مصر)
تَارِيخ مصر لِابْنِ يُونُس تَارِيخ مصر للأمير المسبحي الذيل عَلَيْهِ لِابْنِ ميسر تَارِيخ مصر لأبي عمر الْكِنْدِيّ أَخْبَار مصر الْكَبِير للموفق عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ الإفادة لَهُ فِي أَخْبَار مصر تَارِيخ مصر لقطب الدّين عبد الْكَرِيم تَارِيخ الْقَاهِرَة لأبي الْحسن الْكَاتِب تَارِيخ أسوان لِابْنِ الزبير تَارِيخ مصر لِابْنِ أبي طي تَارِيخ الصَّعِيد لعَلي بن عبد الْعَزِيز الْكَاتِب تاريخها لمُحَمد بن عبد الْعَزِيز الإدريسي
3 - (تَارِيخ الْمغرب وبلاده)
المقتبس لِابْنِ حَيَّان يدْخل فِي عشرَة أسفار المتين فِي تَارِيخ الأندلس أَيْضا للمذكور وَهُوَ يدْخل فِي سِتِّينَ مجلداً تَارِيخ الأندلس لِلْحَافِظِ الْحميدِي تَارِيخ ابْن الفرضي كتاب الصِّلَة عَلَيْهِ لِابْنِ بشكوال الذيل على ابْن بشكوال لِابْنِ فرتون والذيل أَيْضا لِابْنِ الْأَبَّار والذيل أَيْضا لأبي جَعْفَر ابْن الزبير الغرناطي وَلابْن بشكوال تَارِيخ صَغِير فِي أَحْوَال الأندلس تَارِيخ قرطبة للزهراوي تَارِيخ صقلية لأبي زيد الغمري تَارِيخ الأندلس لأبي عبد الله الْخُشَنِي القيرواني وَله تَارِيخ القيروانيين تَارِيخ المصامدة ولمتونه وصنهاجة تَارِيخ القيروان لِابْنِ رَشِيق تَارِيخ القيروان لأبي الْعَرَب الصنهاجي تاريخها لإِبْرَاهِيم الرَّقِيق تَارِيخ افريقية لأبي مُحَمَّد الْمَالِكِي تَارِيخ بلنسيه لمُحَمد بن الْخلف الصَّدَفِي الْمغرب فِي أَخْبَار أهل الْمغرب لِابْنِ سعيد المغربي المعجب فِي أَخْبَار الْمغرب لعبد الْوَاحِد بن عَليّ المراكشي
3 - (تَارِيخ الْيمن والحجاز)
تَارِيخ الْيمن للحميري تَارِيخ الرشيد لَهُ أَيْضا تَارِيخ عمَارَة الْيُمْنَى تَارِيخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيُمْنَى أَخْبَار تهَامَة والحجاز لأبي غَالب
3 - (التواريخ الجامعة)
تَارِيخ ابْن جرير الطَّبَرِيّ الذيل عَلَيْهِ لأبي مُحَمَّد الفرغاني تَارِيخ المَسْعُودِيّ تجارب الْأُمَم لِابْنِ مسكويه الذيل عَلَيْهِ لمُحَمد بن عبد الْملك الهمذاني وللوزير أبي شُجَاع الْكَامِل لِابْنِ الْأَثِير الذيل عَلَيْهِ لِابْنِ أَنْجَب المنتظم لِابْنِ الْجَوْزِيّ مرْآة الزَّمَان لسبط ابْن الْجَوْزِيّ الذيل عَلَيْهِ لقطب الدّين اليونيني الْجَامِع لِابْنِ السَّاعِي ترجمان الزَّمن لجمال الدّين ابْن المهنى الْعلوِي الدول لعَلي بن فضال الْمُجَاشِعِي النَّحْوِيّ جمل تَارِيخ الْإِسْلَام لِلْحَافِظِ الْحميدِي جَامع التَّارِيخ للْقَاضِي عِيَاض التَّعْرِيف بِصَحِيح التَّارِيخ لِأَحْمَد بن الجزار القيرواني الطَّبِيب درة(1/58)
الأكليل لِابْنِ الْجَوْزِيّ المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة تلقيح فهوم أهل الْأَثر لِابْنِ الْجَوْزِيّ على نمط المعارف تَارِيخ ابْن هِلَال الصابيء الدول المنقطعة لِابْنِ ظافر عُيُون السّير فِي محَاسِن البدو والحضر لِابْنِ عبد الْملك الهمذاني تَارِيخ العميد ابْن القلانسي تَارِيخ ابْن العميد الْكَاتِب شرح قصيدة ابْن عبدون لِابْنِ بدرون وَلغيره المظفري وَهُوَ تَارِيخ كَبِير للمظفر ابْن الْأَفْطَس المبدأ والمآل لياقوت الْحَمَوِيّ الدول لَهُ أَيْضا تَارِيخ إِبْرَاهِيم ابْن أبي الدَّم الْحَمَوِيّ تَارِيخ إِسْمَاعِيل بن عَليّ الخطبي تَارِيخ ابْن زولاق تَارِيخ ابْن قَانِع الْمُرَتّب على السنين تَارِيخ الإشراف الْكَبِير وَالصَّغِير للهيثم بن عدي تَارِيخ البلاذري الأغاني الْكَبِير لأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ يُقَال أَنه جمعه فِي خمسين سنة وَقد أختاره جمَاعَة مِنْهُم الْوَزير المغربي وَالْقَاضِي جمال الدّين ابْن وَاصل الْحَمَوِيّ وَابْن الزبير وَابْن ناقيا الْكَاتِب فِي مُجَلد وَابْن المكرم ورتبه على الْحُرُوف ووفيات الْأَعْيَان للْقَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان وتاريخ الْإِسْلَام لشَيْخِنَا شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَهُوَ كتاب علم نَافِع جدا قَرَأت عَلَيْهِ الْمَغَازِي الَّتِي لَهُ وسيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى آخر أَيَّام الْحسن رَضِي الله عَنهُ وحوادثه إِلَى آخر سنة سَبْعمِائة وَلم انْتفع بِشَيْء مثله وَعَلِيهِ الْعُمْدَة فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ القطب لهَذِهِ الدائرة واللب لهَذِهِ الْجُمْلَة السائرة وَله أَيْضا تَارِيخ النبلاء ودول الْإِسْلَام مجلدة وَله غير ذَلِك وتاريخ الشَّيْخ علم الدّين البرزالي وَقد هذبه الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وزاده أَشْيَاء من عِنْده)
تَارِيخ الدوادار وَهُوَ فِي خمس وَعشْرين مجلدة تَارِيخ شمس الدّين الْجَزرِي
3 - (تواريخ الْخُلَفَاء)
للشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي أَخْبَار الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الْأَرْبَعَة كل وَاحِد مِنْهُم رَضِي الله عَنهُ مجلدة تخصه سيرة العمرين تَارِيخ الْعَجم وَبني أُميَّة للهيثم بن عدي أَخْبَار الأمويين لعَلي بن مُجَاهِد أَخْبَار الأمويين لأبي عبد الرَّحْمَن خَالِد بن هِشَام الْأمَوِي الأيناس فِي تواريخ بني الْعَبَّاس الأوراق للصولي فِي أَخْبَار بني الْعَبَّاس وأشعارهم الدولة العباسية لمُحَمد بن صَالح بن النطاح أَخْبَار العباسيين لِأَحْمَد بن يَعْقُوب الْمصْرِيّ مَنَاقِب بني الْعَبَّاس لليزيدي النَّحْوِيّ سيرة الْخُلَفَاء لأبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الطَّبِيب الرَّازِيّ سيرة الْمَأْمُون سيرة المعتصم سيرة القاهر سيرة المستضيء لِابْنِ الْجَوْزِيّ سيرة النَّاصِر سيرة المستصر تواريخ الْخُلَفَاء للقضاعي من احتكم من الْخُلَفَاء إِلَى الْقُضَاة لأبي هِلَال العسكري تَارِيخ الْخُلَفَاء لِابْنِ الكردبوس أَخْبَار الْخُلَفَاء للدولابي تَارِيخ الْخُلَفَاء لِابْنِ أبي الدُّنْيَا
3 - (تواريخ الْمُلُوك)
سيرة الْمُلُوك للثعالبي أَخْبَار الديلم نصْرَة الْفطْرَة وعصرة الْفطْرَة فِي أَخْبَار السلجوقية للعماد الْكَاتِب كتاب اليميني للعتبي سيرة السُّلْطَان جلال الدّين خوارزم شاه سيرة السُّلْطَان صَلَاح الدّين ابْن أَيُّوب للْقَاضِي بهاء الدّين ابْن شَدَّاد الْفَتْح الْقُدسِي للعماد الْكَاتِب كتاب الروضتين فِي أَخْبَار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة مفرج الكروب فِي دولة بني أَيُّوب للْقَاضِي جمال الدّين ابْن وَاصل الْحَمَوِيّ الْمعلم الأتابكي لِابْنِ أَنْجَب تَارِيخ الْمُوَحِّدين أَوْلَاد(1/59)
عبد الْمُؤمن بن عَليّ لأبي الْحجَّاج يُوسُف بن عمر الأشبيلي تاريخهم أَيْضا لِابْنِ صَاحب الصَّلَاة سيرة أَحْمد بن طولون لِابْنِ الداية وسيرة ابْنه خمارويه وَابْنه لَهُ أَيْضا سيرة الْملك الظَّاهِر طغرلبك السجلوقي لعَلي بن أبي الْفرج الْبَصْرِيّ سيرة الْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس الصَّالِحِي صَاحب مصر وَالشَّام للْقَاضِي محيي الدّين ابْن عبد الطَّاهِر سيرة الظَّاهِر بيبرس لِابْنِ شَدَّاد عز الدّين سيرة الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاون الصَّالِحِي لمحيي الدّين سيرة وَلَده السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل لَهُ أَيْضا
3 - (تواريخ الوزراء والعمال)
الوزراء للصولى الوزراء للصابيء الوزارء للجهشياري الوزراء لإِبْرَاهِيم بن مُوسَى الوَاسِطِيّ الوزراء للصاحب ابْن عباد الوزراء لعَلي بن أَنْجَب الوزراء لأبي الْحسن على ابْن الماشطة الوزراء لِابْنِ الهمذاني أَخْبَار البرامكة لِابْنِ الْجَوْزِيّ سيرة آل الْفُرَات الوزراء للمطوق عَليّ بن أبي الْفَتْح تَارِيخ عُمَّال الشَّرْط لأمراء الْعرَاق للهيثم بن عدي
3 - (تواريخ الْقُضَاة)
أَخْبَار الْقُضَاة لِابْنِ المندائي أَخْبَار قُضَاة مصر لِابْنِ زولاق ذيلا على كتاب مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْكِنْدِيّ أَخْبَار قُضَاة قرطبة لِابْنِ بشكوال تَارِيخ ابْن ميسر الْمصْرِيّ أَخْبَار الْقُضَاة بِبَغْدَاد وعدولها لعَلي بن أَنْجَب أَخْبَار قُضَاة دمشق للشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ
3 - (تواريخ الْقُرَّاء)
أَفْوَاج الْقُرَّاء لأبي الْحُسَيْن ابْن الْمُنَادِي طَبَقَات الْقُرَّاء لأبي عَمْرو الداني طَبَقَات الْقُرَّاء لأبي الْعَلَاء الهمذاني فِي عشْرين مجلداً طَبَقَات الْقُرَّاء للشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ
3 - (تواريخ الْعلمَاء)
الطَّبَقَات لِابْنِ سعد طَبَقَات الْفُقَهَاء والمحدثين للهيثم بن عدي أَخْبَار الْعلمَاء لِابْنِ عَبدُوس أَخْبَار عُلَمَاء خُرَاسَان لأبي نصر الْمروزِي طَبَقَات أَصْحَاب الشَّافِعِي لِابْنِ باطيش طَبَقَات الْفُقَهَاء للشَّيْخ أبي إِسْحَق طَبَقَات الْفُقَهَاء لعبد الْملك بن حبيب الْقُرْطُبِيّ الْمَالِكِي طَبَقَات الْفُقَهَاء لأبي عَاصِم مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الشَّافِعِي تَارِيخ عُلَمَاء نيسابور للْحَاكِم جذوة المقتبس فِي عُلَمَاء الأندلس لِلْحَافِظِ الْحميدِي الْخطب والخطباء لأبي عبد الله الْحذاء الْقُرْطُبِيّ أَخْبَار الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة لِابْنِ عبد الْبر طَبَقَات الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة للشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ طَبَقَات الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة للْقَاضِي عِيَاض طَبَقَات الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة لأبي الْحُسَيْن بن أبي يعلى الْفراء طَبَقَات الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة لصلاح الدّين عبد الله بن المهندس تَارِيخ الْعلمَاء لِابْنِ أبي طي(1/60)
3 - (تواريخ الشُّعَرَاء)
البارع فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء لهارون بن المنجم أَخْبَار الشُّعَرَاء مُرَتّب على المعجم للصولي شعراء الجزيرة لِابْنِ القطاع طَبَقَات الشُّعَرَاء لصَاحب حماة طَبَقَات الشُّعَرَاء لِابْنِ الْمَرْزُبَان الشّعْر وَالشعرَاء لِابْنِ السراج النَّحْوِيّ شعراء الأندلس لِابْنِ الفرضى طَبَقَات الشُّعَرَاء لمُحَمد بن سَلام الْبَصْرِيّ طَبَقَات الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة النِّسَاء الشواعر لأبي الْفرج الشلحي العكبري الْكَاتِب الْإِمَاء الشواعر لأبي الْفرج الْأَصْفَهَانِي مُعْجم الشُّعَرَاء لياقوت الْحَمَوِيّ الْإِشَارَة فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء لِعبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر طَبَقَات الشُّعَرَاء لِابْنِ المعتز يتيمة الدَّهْر للثعالبي دمية الْقصر للباخرزي زِينَة الدَّهْر للحظيري الخريدة للعماد الْكَاتِب الذيل عَلَيْهَا لَهُ قلائد العقيان الذَّخِيرَة فِي محَاسِن أهل الجزيرة لِابْنِ بسام أنموذج الشُّعَرَاء لِابْنِ رَشِيق تحفة القادم لِابْنِ الْأَبَّار رَوْضَة الأزهار لِابْنِ قلاقس الحديقة لِابْنِ أبي الصَّلْت شعراء الزَّمَان لِابْنِ السَّاعِي عُقُود الجمان لِابْنِ الشعار جنى الْجنان لِابْنِ الزبير شعراء الْمِائَة السَّابِعَة لِابْنِ عبد الظَّاهِر الدُّرَر الناصعة فِي شعراء الْمِائَة السَّابِعَة لِابْنِ الفوطى أَخْبَار شعراء الشِّيعَة لِابْنِ أبي طي
3 - (تواريخ مُخْتَلفَة)
حلية الْأَوْلِيَاء لأبي نعيم الْحَافِظ ولخصه ابْن الْجَوْزِيّ وَسَماهُ صفوة الصفوة طَبَقَات النساك لأبي سعيد ابْن الْأَعرَابِي طَبَقَات الصُّوفِيَّة لأبي سعيد النقاش طَبَقَات الصُّوفِيَّة لأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَخْبَار صلحاء الأندلس لِابْنِ الطيلسان الْقُرْطُبِيّ تَارِيخ الوعاظ لناصح الدّين الْحَنْبَلِيّ الْوَاعِظ عباد افريقية لمُحَمد بن أَحْمد بن تَمِيم الأفريقي طَبَقَات أَهلهَا لَهُ تَارِيخ الْأَطِبَّاء لِابْنِ أبي أصيبعة طَبَقَات الْحُكَمَاء لأبي الْقَاسِم بن صاعد الْقُرْطُبِيّ أَخْبَار الْأَطِبَّاء لِابْنِ الداية أَخْبَار المنجمين لَهُ أَيْضا تواريخ الْخَوَارِج للهيثم بن عدي الْأَوَائِل للعسكري أَخْبَار النُّحَاة لِابْنِ درسْتوَيْه أَخْبَار النُّحَاة للمرزباني أَخْبَار النُّحَاة لِابْنِ الْأَنْبَارِي أَخْبَار النُّحَاة للصابئ أَخْبَار النُّحَاة واللغويين بالشرق والغرب لأبي بكر الزبيدِيّ أَخْبَار الْمُتَكَلِّمين للمرزباني طَبَقَات الْمُعْتَزلَة للْقَاضِي عبد الْجَبَّار فِيمَا أَظن الفهرست فِي أَخْبَار الأدباء لمُحَمد بن إِسْحَاق النديم نزهة الألباء فِي طَبَقَات الأدباء لِابْنِ الْأَنْبَارِي تحفة الألباء فِي أَخْبَار الأدباء لياقوت الفهرست فِي تواريخ الأدباء لمُحَمد بن إِسْحَاق النديم
وَأما كتب الْمُحدثين فِي معرفَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مثل الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عبد الْبر وَأسد الغاب لِابْنِ الْأَثِير وَغَيرهمَا وَكتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل والأنساب ومعاجم الْمُحدثين ومشيخات الْحفاظ والرواة فَإِنَّهَا شَيْء لَا يحصره حد وَلَا يقصره عد وَلَا يستقصيه ضبط وَلَا يستدنيه ربط لِأَنَّهَا كاثرت الأمواج أَفْوَاجًا وكابرت الإدراج اندراجاً فَلهَذَا لم أذكر مِنْهَا هَاهُنَا شَيْئا وَإِذا جَاءَ ذكر شَيْء مِنْهَا فِي تَرْجَمَة من يَأْتِي ذكره ذكرته هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد آن الشُّرُوع فِيمَا بنيت عَلَيْهِ هَذَا الْكتاب من ذكر التراجم بعون الله وَمِنْه لَا قُوَّة إِلَّا بِهِ وَلَا استعانة إِلَّا بحوله التَّرْجَمَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة(1/61)
(بَاب مُحَمَّد)
المسمون بِمُحَمد فِي الْجَاهِلِيَّة جمَاعَة كَانَ النَّصَارَى وَبَعض الْعَرَب يخبرون بِظُهُور نَبِي اسْمه مُحَمَّد من الْعَرَب وَكَانُوا يسمون ابناءهم مُحَمَّدًا رَجَاء أَن تكون النُّبُوَّة فِيهِ فَمنهمْ مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم التَّمِيمِي وَمُحَمّد بن وبر أَخُو بني عتوارة من بني لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وَمُحَمّد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي أَخُو بني جحجبا وَمُحَمّد بن خزاعي السَّامِي وَمُحَمّد بن حمْرَان بن مَالك الْجعْفِيّ وَمُحَمّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ أَخُو بني حَارِثَة
وَأول من سمى مُحَمَّدًا من أَبنَاء الْمُهَاجِرين مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب ولد بِالْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَة الأولى ثمَّ مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس ثمَّ مُحَمَّد بن عبيد الله التَّيْمِيّ ثمَّ مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق ثمَّ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب وَولد من الْأَنْصَار مُحَمَّد بن الحرّ بن قيس من الْخَزْرَج ثمَّ مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس من الْخَزْرَج ثمَّ مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم من بني النجار ثمَّ مُحَمَّد بن أنس بن فضَالة ولد عَام حجَّة الْوَدَاع
(مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
(سيدنَا ومولانا وحبيبنا نَبِي الرَّحْمَة وهادى الأمّة)
قَالَ أهل الْعلم بسيرة وأخباره هُوَ أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور وَأَبُو إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قُصَيّ بن كلاب بن مرَّة بن كَعْب بن لؤيْ بن غَالب بن فهرِ بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان الْبَسِيط
(وَكم أَب قد علا بِابْن ذرى شرفٍ ... كَمَا علا برَسُول الله عدنان)
هَذَا هُوَ الْمُتَّفق على صِحَّته وَقَالَ الْحَافِظ عبد الغنيّ وَغَيره عدنان بن ادد بن المقّوم بن ناحور بن تيرح بن يشحب بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلَام بن تارح وَهُوَ آزر بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن ارفخشذ بن سَام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا يَزْعمُونَ(1/62)
وَهُوَ أول بني آدم أعطي النبوّة وَخط بالقلم بن يرد بن مهليل بن قينين بن يانش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا النّسَب ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار المدنيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَات وَإِلَى)
عدنان مُتَّفق على صِحَّته من غير اخْتِلَاف وَمَا بعده مُخْتَلف فِيهِ وقريش فِيهِ أَقْوَال أشهرها هُوَ فهر بن مَالك وَقيل النَّضر وَأمه عَلَيْهِ السَّلَام آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب بن مرّة ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي شهر ربيع الأول من عَام الْفِيل قيل ثَانِيه وَقيل ثالثه وَقيل ثَانِي عشره وَقيل غير ذَلِك وَقَالَ بَعضهم بعد الْفِيل بِثَلَاثِينَ وَقيل بعده باربعين يَوْمًا وروى ابْن معِين باسناد حسن انه ولد يَوْم الْفِيل وَالصَّحِيح أَنه عَام الْفِيل الْكَامِل
(يَوْم أَضَاء بِهِ الزَّمَان وَفتحت ... فِيهِ الْهِدَايَة زهرَة الآمال)
وَمَات أَبوهُ عبد الله وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَتَى لَهُ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ شهرا وَقيل وَهُوَ حملٌ وَقيل وَله شَهْرَان وَقيل سَبْعَة وَقَالَ بَعضهم مَاتَ ابوه فِي دَار النَّابِغَة وَقيل بالأبواء بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَقَالَ أَبُو عبد الله الزبير بن بكار الزبيرِي توفّي عبد الله بن عبد الْمطلب بِالْمَدِينَةِ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن شَهْرَيْن وَمَاتَتْ أمه وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَقيل ستّ وَمَات جده عبد الْمطلب وَكَانَ قد كفله بعد وَفَاة أَبِيه وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ ثَمَانِي سِنِين وشهران وَعشرَة أَيَّام فولى كفَالَته عَمه أَبُو طَالب وأرضعته حليمة بنت أبي ذُؤَيْب السعدية وَعِنْدهَا شقّ صَدره وملئ حِكْمَة وإيمانا بعد ان استخرج حَظّ الشَّيْطَان مِنْهُ وروى البُخَارِيّ شقّ صَدره لَيْلَة الْمِعْرَاج وَاسْتَشْكَلَهُ ابْن حزم وأرضعته أَيْضا ثويبة الأسْلَمِيَّة جَارِيَة أَبى لَهب وأرضعت مَعَه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبا سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي أرضعتهم بِلَبن ابْنهَا مسروح وحضنته أم أَيمن بركَة الحبشية وَكَانَ ورثهَا من أَبِيه فَلَمَّا كبر اعتقها وَزوجهَا زيد بن حَارِثَة وَلما بلغ اثْنَتَيْ عشرَة سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام خرج مَعَ عمّه أبي طَالب إِلَى الشَّام فَلَمَّا بلغ بُصرى رَآهُ بحيرا الراهب فَعرفهُ بِصفتِهِ فجاءة وَأخذ بِيَدِهِ وَقَالَ هَذَا رَسُول رب الْعَالمين يَبْعَثهُ الله رَحْمَة للْعَالمين إِنَّكُم حِين أقبلتم من الْعقبَة لم يبْق حجر وَلَا شجر إِلَّا خرّ سَاجِدا وَلَا يسجدان إِلَّا لنبيّ وَإِنَّا نجده فِي كتبنَا وَقَالَ لأبي طَالب لَان قدمت بِهِ إِلَى الشأم(1/63)
لتقتلنه الْيَهُود فَرده خوفًا عَلَيْهِ مِنْهُم ثمَّ خرج مرّة ثَانِيَة إِلَى الشأم مَعَ ميسرَة غُلَام خَدِيجَة بنت خويلد فِي تِجَارَة لَهَا قبل ان يَتَزَوَّجهَا فَلَمَّا قدم الشَّام نزل تَحت ظلّ شَجَرَة قَرِيبا من صومعة رَاهِب فَقَالَ الراهب مَا نزل تَحت ظلّ هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي وَكَانَ ميسرَة يَقُول إِذا كَانَ الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر نزل ملكان يظلانه وَلما رَجَعَ من سَفَره تزوج خَدِيجَة بنت خويلد وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وشهران وَعشرَة أَيَّام)
وَقيل غير ذَلِك وَلما بلغ خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة شهد بُنيان الْكَعْبَة وَوضع الْحجر الْأسود بِيَدِهِ وَنَشَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قومه وَقد طهره الله تَعَالَى من دنس الْجَاهِلِيَّة وَمن كل عيب ومنحه كل خلق جميل حَتَّى لم يكن يعرف من بَينهم إِلَّا بالأمين لما رَأَوْهُ من أَمَانَته وَصدق لِسَانه وطهارته وَلما بلغ أَرْبَعِينَ سنة وَيَوْما ابتعثه الله تَعَالَى بشيرا وَنَذِيرا وَأَتَاهُ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِغَار حراء فَقَالَ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا أَنا بقارئ فَقَالَ فِي الثَّالِثَة اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق العلق إِلَى قَوْله تَعَالَى علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم العلق فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أول مَا بديء بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصادقة فِي النّوم وَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح وحبب إِلَيْهِ الْخَلَاء وَكَانَ يَخْلُو بِغَار حراء فَيَتَحَنَّث فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّد اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد قبل أَن ينْزع إِلَى أَهله ويتزود لذَلِك ثمَّ يرجع إِلَى خَدِيجَة فيتزود لمثلهَا حَتَّى جَاءَ الْحق رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَكَانَ مبدأ النُّبُوَّة فِيمَا ذكر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شهر ربيع الأول ثمَّ حاصره أهل مَكَّة فِي الشّعب فَأَقَامَ محصوراً دون الثَّلَاث سِنِين هُوَ وَأهل بَيته وَخرج من(1/64)
الْحصار وَله تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة أشهر وَاحِد وَعشْرين يَوْمًا مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَمَاتَتْ خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا بعد أبي طَالب بِثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَت أول من آمن بِمَا جَاءَ بِهِ ثمَّ آمن أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَزيد بن حَارِثَة وبلال ثمَّ أسلم بعد هَؤُلَاءِ عَمْرو بن عبسة السّلمِيّ وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَسعد بن أبي وَقاص وَعُثْمَان بن عَفَّان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَطَلْحَة بن عبيد الله ابْن عُثْمَان ثمَّ كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ تَمام الْأَرْبَعين إسلاماً ذكر ذَلِك ابْن حزم فِي مُخْتَصر السِّيرَة وَلما بلغ خمسين سنة وَثَلَاثَة أشهر قدم عَلَيْهِ جن نَصِيبين فأسلموا وَلما بلغ إِحْدَى وَخمسين سنة وَتِسْعَة أشهر أسرِي بِهِ من بَين زَمْزَم وَالْمقَام إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس بن مَالك أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ عَن لَيْلَة أسرى بِهِ قَالَ بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم وَرُبمَا قَالَ فِي الْحجر مُضْطَجع وَمِنْهُم من قَالَ بَين النَّائِم وَالْيَقظَان إِذْ أَتَانِي آتٍ قَالَ فَسَمعته يَقُول فشق مَا بَين هَذِه إِلَى هَذِه فَقيل للجارود مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ من ثغرة نَحره إِلَى شعرته وسمعته يَقُول من قصه إِلَى شعرته فاستخرج قلبِي ثمَّ أتيت بطست من ذهب مَمْلُوءَة إِيمَانًا فَغسل قلبِي ثمَّ حشي ثمَّ دعِي بِدَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار أَبيض فَقَالَ لَهُ)
الْجَارُود هُوَ الْبراق يَا أَبَا حَمْزَة فَقَالَ أنس نعم يضع خطوه عِنْد أقْصَى طرفه فَحملت عَلَيْهِ فَانْطَلق بِي جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أَتَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جِبْرَائِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قيل مرْحَبًا فَنعم الْمَجِيء جَاءَ الحَدِيث بِطُولِهِ وَرَأى الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وَرَأى من آيَات ربه الْكُبْرَى ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى وَأوحى إِلَيْهِ مَا أوحى وفرضت الصَّلَاة تِلْكَ اللَّيْلَة وَلما أصبح قصّ على قُرَيْش مَا رأى وروى البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن جَابر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لما كَذبَنِي قُرَيْش قُمْت إِلَى الْحجر الْأسود فجلا الله لي بَيت الْمُقَدّس فطفقت أخْبرهُم عَن آيَاته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ وَقد اخْتلف النَّاس فِي كَيْفيَّة الأسراء فالأكثرون من طوائف الْمُسلمين متفقون على أَنه بجسده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأقلون قَالُوا بِرُوحِهِ حكى الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ كل ذَلِك رُؤْيا وَحكى هَذَا القَوْل أَيْضا عَن عَائِشَة وَعَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَمِنْهُم من قَالَ بجسده إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس وَمن هُنَاكَ إِلَى السَّمَاوَات السَّبع بِرُوحِهِ قلت وَالصَّحِيح الأول لِأَنَّهُ قد صَحَّ أَن قُريْشًا كَذبته وَلَو قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت رُؤْيا لما كذب وَلَا أنكر ذَلِك على غَيره فضلا عَنهُ لِأَن آحَاد النَّاس يرَوْنَ فِي منامهم أَنهم ارْتَقَوْا إِلَى السَّمَاوَات وَمَا ذَلِك ببدع أَنْشدني لنَفسِهِ الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو الثَّنَاء(1/65)
مَحْمُود بن سلمَان بن فَهد الْحلَبِي الْكَاتِب رَحمَه الله قِرَاءَة مني عَلَيْهِ من جملَة قصيدة طَوِيلَة من جملَة مجلدة فِيهَا مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَامِل
(أسرى إِلَى الْأَقْصَى بجسمك يقظة ... لَا فِي الْمَنَام فَيقبل التأويلا)
(إِذْ أنكرته قُرَيْش قبل وَلم تكن ... لترى المهول من الْمَنَام مهولا)
وَلما بلغ ثَلَاثًا وَخمسين سنة هَاجر إِلَى الْمَدِينَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَمولى أبي بكر عَامر بن فهَيْرَة ودليلهم عبد الله بن الْأُرَيْقِط اللَّيْثِيّ قَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَغَيره وَهُوَ كَافِر وَلم نَعْرِف لَهُ إسلاماً فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عشر سِنِين وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس مُدَّة إِقَامَته بِمَكَّة وَلَا يستدبر الْكَعْبَة يَجْعَلهَا بَين يَدَيْهِ وَصلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس بعد قدومه الْمَدِينَة سَبْعَة عشر شهرا أَو سِتَّة عشر شهرا وَلما أكمل فِي الْمَدِينَة عشر سِنِين سَوَاء توفى وَقد بلغ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَقيل غير ذَلِك وَفِيمَا تقدم من التواريخ خلاف وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ حِين اشْتَدَّ الضحاء لثنتي عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَمرض أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَدفن لَيْلَة)
الْأَرْبَعَاء وَلما حَضَره الْمَوْت كَانَ عِنْده قدح فِيهِ مَاء فَجعل يدْخل يَده فِيهِ وَيمْسَح وَجهه وَيَقُول اللَّهُمَّ اعني على سَكَرَات الْمَوْت وسجي بِبرد حبرَة وَقيل أَن الْمَلَائِكَة سجته وَكذب بعض أَصْحَابه بِمَوْتِهِ دهشة تحكي عَن عمر رَضِي الله عَنهُ وأخرس عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وأقعد عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَلم يكن فيهم أثبت من الْعَبَّاس وَأبي بكر ثمَّ أَن النَّاس سمعُوا من بَاب الْحُجْرَة لَا تغسلوه فَإِنَّهُ طَاهِر مطهر ثمَّ سمعُوا بعد ذَلِك اغسلوه فَإِن ذَلِك إِبْلِيس وَأَنا الْخضر وعزاهم فَقَالَ إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة وخلفاً من كل هَالك ودركا من كل فَائت فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب وَاخْتلفُوا فِي غسله هَل يكون فِي ثِيَابه أَو يجرد عَنْهَا فَوضع الله عَلَيْهِم النّوم فَقَالَ قَائِل لَا يدْرِي من هُوَ اغسلوه فِي ثِيَابه فانتبهوا وفعلوا ذَلِك وَالَّذين ولوا غسله عَليّ وَالْعَبَّاس وولداه الْفضل وَقثم وَأُسَامَة وشقران موليَاهُ وحضرهم أَوْس بن خولي من الْأَنْصَار ونفضه عَليّ فَلم يخرج مِنْهُ شَيْء فَقَالَ صلى الله عَلَيْك لقد طبت حَيا وَمَيتًا وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة بل لفائف من غير خياطَة وَصلى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ أفذاذاً لم يؤمهم أحد وفرش تَحْتَهُ فِي الْقَبْر قطيفة حَمْرَاء كَانَ يتغطى بهَا نزل شقران وحفر لَهُ وَالْحَد وأطبق عَلَيْهِ تسع لبنات(1/66)
وَاخْتلفُوا أيلحد لَهُ أم يضرح وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ حفاران أَحدهمَا يلْحد وَهُوَ أَبُو طَلْحَة وَالْآخر يضرح وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة فاتفقوا أَن من جَاءَ مِنْهُمَا أَولا عمل عَلَيْهِ فجَاء الَّذِي يلْحد فلحد لَهُ ونحى فرَاشه وحفر لَهُ مَكَانَهُ فِي بَيت عَائِشَة وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ حول فرَاشه وَكَانَ ابْتِدَاء وَجَعه فِي بَيت عَائِشَة وَاشْتَدَّ أمره فِي بَيت مَيْمُونَة فَطلب من نِسَائِهِ أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأذن لَهُ فِي ذَلِك وَكَانَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ من الوجع صداع وَتَمَادَى بِهِ وَكَانَ ينفث فِي علته شَيْئا يشبه أكل الزَّبِيب وَمَات بعد أَن خَيره الله تَعَالَى بَين الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا ولقاء ربه فَاخْتَارَ لِقَاء الله تَعَالَى اصطفاؤه روى البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعثت من خير قُرُون بني آدم قرنا فقرنا حَتَّى كنت من خير قرن كنت مِنْهُ وروى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله اصْطفى كنَانَة من ولد اسماعيل وَاصْطفى قُريْشًا من كنَانَة وَاصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سيد النَّاس رَحمَه الله تَعَالَى السَّرِيع)
(مُحَمَّد خير بني هَاشم ... فَمن تَمِيم وَبَنُو دارم)
(وهَاشِم خير قُرَيْش وَمَا ... مثل قُرَيْش فِي بني آدم)
فَضله روى التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جلس نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتذاكرون وهم ينتظرون خُرُوجه قَالَ فَخرج حَتَّى إِذا دنا مِنْهُم سمعهم يتذاكرون فَسمع حَدِيثهمْ فَقَالَ بَعضهم عجبا أَن الله تبَارك وَتَعَالَى أَتَّخِذ من خلقه خَلِيلًا أَتَّخِذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَقَالَ آخر مَاذَا باعجب من كَلَام مُوسَى كَلمه تكليماً وَقَالَ آخر مَاذَا بِأَعْجَب من جعله عِيسَى كلمة الله وروحه وَقَالَ آخر مَاذَا بِأَعْجَب من آدم اصطفاه الله عَلَيْهِم زَاد رزين وخلقه بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه واسجد لَهُ مَلَائكَته ثمَّ اتفقَا فَسلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه وَقَالَ قد سَمِعت كلامكم وعجبكم إِن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله وَهُوَ كَذَلِك وَأَن مُوسَى نجى الله وَهُوَ كَذَلِك وَأَن عِيسَى روح الله وكلمته وَهُوَ كَذَلِك وَأَن آدم اصطفاه الله وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا وَأَنا حبيب الله وَلَا فَخر وَأَنا حَامِل لِوَاء الْحَمد يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَأَنا أكْرم الْأَوَّلين والآخرين على الله وَلَا فَخر وَأَنا أول شَافِع وَأول مُشَفع يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَأَنا أول من يُحَرك حلق الْجنَّة فَيفتح الله لي فيدخلنيها وَمَعِي فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ وَلَا فَخر
اسماؤه روى البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تعْجبُونَ كَيفَ يصرف الله عني شتم قُرَيْش ولعنهم يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وَأَنا مُحَمَّد قَالَ(1/67)
السخاوي فِي سفر السَّعَادَة قيل لعبد الْمطلب بِمَ أسميت ابْنك فَقَالَ بِمُحَمد فَقَالُوا لَهُ مَا هَذَا من أَسمَاء آبَائِك فَقَالَ أردْت أَن يحمد فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَأحمد أبلغ من مُحَمَّد كَمَا أَن احمر واصفر أبلغ من محمر ومصفر وروى البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم لي خَمْسَة أَسمَاء أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر وَأَنا الحاشر الَّذِي يحْشر النَّاس على قدمي وَأَنا العاقب وَالْعَاقِب الَّذِي لَيْسَ بعده نبيّ وَقد سَمَّاهُ الله رؤوفا رحِيما أَنْشدني لنَفسِهِ قِرَاءَة مني عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي فِيمَا وَافق من أَسمَاء الله الْحسنى لأسماء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قصيدة لَهُ فِي مدحه الطَّوِيل
(وحلاه من حسنى اساميه جملَة ... أَتَى ذكرهَا فِي الذّكر لَيْسَ يبيدُ)
(وَفِي كتب الله الْمُقَدّس ذكرهَا ... وَفِي سنة تَأتي بهَا وتفيد)
(رؤوف رَحِيم فاتح ومقدس ... أَمِين قوي عَالم وشهيد)
)
(وليٌّ شكور صَادِق فِي مقاله ... عَفْو كريم بالنوال يعود)
(وَنور وجبار وهادي من اهْتَدَى ... وَمولى عَزِيز لَيْسَ عَنهُ محيد)
(بشير نَذِير مُؤمن ومهيمن ... خَبِير عَظِيم بالعظيم يجود)
(وَحقّ مُبين آخر أول سما ... إِلَى ذرْوَة العلياء وَهُوَ وليد)
(فآخر أعنى آخر الرُّسُل بعثة ... وَأول من ينشقّ عَنهُ صَعِيد)
(أسام تلذ السّمع إِن هِيَ عددّت ... نعوت ثَنَاء وَالثنَاء عديد)
وَقد قَالَ حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ الطَّوِيل
(فشق لَهُ من اسْمه ليجله ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد)
وَمن اسمائه المقفى وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي المرحمة وَفِي صَحِيح مُسلم وَنَبِي الملحمة وَمن اسمائه طه وَيس والمزمل والمدثر وَعبد فِي قَوْله تَعَالَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا الْإِسْرَاء وَعبد الله فِي(1/68)
قَوْله تَعَالَى وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ الْجِنّ ومذكر فِي قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر الغاشية وَقد ذكر غير ذَلِك صفته كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربعَة بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أَبيض اللَّوْن مشربا حمرَة يبلغ شعره شحمة أُذُنَيْهِ وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كنت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَهُ شعر فَوق الجمة وَدون الوفرة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَت أم هَانِيء رَضِي الله عَنْهَا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وَله أَربع غدائر روياه أَيْضا وَكَانَ سبط الشّعْر فِي لحيته كَثَافَة وَمَات صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يبلغ الشيب فِي رَأسه ولحيته عشْرين شَعْرَة ظَاهر الْوَضَاءَة يتلألأ وَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر روى عَن عَائِشَة أَنَّهَا وَصفته فَقَالَت كَانَ وَالله كَمَا قَالَ شاعره حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ الطَّوِيل
(مَتى يبد فِي الداجي البهيم جَبينه ... يلح مثل مِصْبَاح الدجى المتوقد)
(فَمن كَانَ أَو من قد يكون كأحمد ... فطام لحق أَو نكال لمعتد)
وروى عَن أنس بن مَالك قَالَ كَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الوافر
(أَمِين مصطفى بِالْخَيرِ يَدْعُو ... كضوء الْبَدْر زايله الظلام)
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِذا رَآهُ ينشد قَول زُهَيْر فِي هرم بن سِنَان الْكَامِل)
(لَو كنت من شَيْء سوى بشر ... كنت المضيء لليلة الْبَدْر)
ازهر اللَّوْن لَيْسَ بالأبيض الأمهق وَلَا بِالْأدمِ أقنى الْعرنِين سهل الْخَدين ازج الحاجبين أقرن ادعج الْعين فِي بَيَاض عَيْنَيْهِ عروق حمر رقاق حسن الْخلق معتدله أطول من المربوع وأقصر من المشذب دَقِيق المسربة كَانَ عُنُقه أبريق فضَّة من لبته إِلَى سرته شعر(1/69)
مجْرى كالقضيب لَيْسَ فِي بَطْنه وَلَا صَدره شعر غَيره شئن الْكَفّ والقدم ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان بادنا متماسكاً سَوَاء الْبَطن والصدر ضخم الكراديس أنور المتجرد أشعر الذراعين والمنكبين عريض الصَّدْر طَوِيل الزندين رحب الرَّاحَة سَائل الْأَطْرَاف سبط الْقَضِيب خمصان بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة قَالَ جَابر بن سَمُرَة مثل بَيْضَة الْحمام يشبه جسده إِذا مَشى كَأَنَّمَا يتحدر من صبب وَإِذا مَشى كَأَنَّمَا يتقلع من صَخْر إِذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا كَأَنَّمَا عرقه اللُّؤْلُؤ ولريح عرقه أطيب من ريح الْمسك الأذفر وَقَالَ عِنْد أم سليم فعرق فَجَاءَت بقارورة فَجعلت تسكب الْعرق فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أم سليم مَا هَذَا الَّذِي تصنعين قَالَت هَذَا عرقك نجعله فِي طيبنَا وَهُوَ أطيب الطّيب وَفِي وصف أم معبد لَهُ وَفِي صَوته صَهل وَفِي عُنُقه سَطَعَ إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما وعلاه الْبَهَاء أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وأحلاه وَأحسنه من قريب حُلْو الْمنطق وَفِي وصف هِنْد بن أبي هَالة خافض الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أَكثر من نظره إِلَى السَّمَاء يَسُوق أَصْحَابه وَيبدأ من لقِيه بِالسَّلَامِ وَفِي وصف عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَجود النَّاس كفا وأرحب النَّاس صَدرا وأصدق النَّاس لهجة وأوفى النَّاس بِذِمَّة وألينهم عَرِيكَة وَأكْرمهمْ عشرَة من رَآهُ بديهة هابه وَمن خالطه أحبه يَقُول ناعته لم أر قبله وَلَا بعده مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
3 - (شرح الْغَرِيب مِمَّا فِي صفته)
3 - (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
الْوَضَاءَة الْحسن وَالْجمال والأزهر الْأَبْيَض والأمهق الشَّديد الْبيَاض لَيْسَ بنير وَلَا تخالطه حمرَة والآدم من النَّاس الأسمر والقنا أحد يداب فِي الْأنف والزجج دقة فِي الحاجبين وَطول الرجل أَزجّ والدعج شدَّة سَواد الْعين المشذب الطَّوِيل والمسربة بِضَم الرَّاء الشّعْر الَّذِي يَأْخُذ من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة وَهُوَ مستدق واللبة المنحر الشثن بتحريك الثَّاء مصدر شثنت كَفه إِذا خشنت وغلظت وضليع الْفَم قَالَ أَبُو عبيد أَرَادَ أَنه كَانَ وَاسع الْفَم وَقَالَ القتيبي ضليع الْفَم(1/70)
عظيمه والشنب حِدة فِي الْأَسْنَان والبادن السمين المتماسك المستمسك اللَّحْم الكراديس جمع كرْدُوس وَهُوَ كل عظمين التقيا فِي مفصل سَوَاء الْبَطن والصدر يُرِيد أَن بَطْنه غير مستفيض فَهُوَ مسَاوٍ لصدره أنور المتجرد يَعْنِي شَدِيد بَيَاض مَا جرد عَنهُ الثَّوْب رحب الرَّاحَة وَاسع الْكَفّ والخمصان الأخمص مَا ارْتَفع عَن الأَرْض من بَاطِن الْقدَم الصهل والصحل فِي رِوَايَة شبه البحة وَهُوَ غلظ فِي الصَّوْت لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من صَهِيل الْفرس والسطع طول الْعُنُق
3 - (أخلاقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
سُئِلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَنهُ فَقَالَت كَانَ خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه وَلَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَلَا يغْضب لَهَا إِلَّا أَن تنتهك حرمات الله فيغضب لله وَإِذا غضب لم يقم لغضبه أحد وَكَانَ أَشْجَع النَّاس وأسخاهم وأجودهم مَا سُئِلَ شَيْئا فَقَالَ لَا وَلَا يبيت فِي بَيته دِينَار وَلَا دِرْهَم فَإِن فضل وَلم يجد من يَأْخُذهُ وفجأه اللَّيْل لم يرجع إِلَى منزله حَتَّى يبرأ مِنْهُ إِلَى من يحْتَاج إِلَيْهِ لَا يَأْخُذ مِمَّا آتَاهُ الله إِلَّا قوت أَهله عَاما فَقَط من أيسر مَا يجد من التَّمْر وَالشعِير ثمَّ يُؤثر من قوت أَهله حَتَّى رُبمَا أحتاج قبل انْقِضَاء الْعَام انْتهى وَكَانَ من أحلم النَّاس وَأَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها خافض الطّرف نظره الملاحظة وَكَانَ أَكثر النَّاس تواضعا يُجيب من دَعَاهُ من غنى أَو فَقير أَو حر أَو عبد وَكَانَ ارْحَمْ النَّاس يصغي الْإِنَاء للهرة وَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا وَكَانَ أعف النَّاس وأشدهم إِكْرَاما لأَصْحَابه لَا يمد رجلَيْهِ بَينهم ويوسع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمَكَان وَلم تكن ركبتاه تتقدمان ركبة جليسه لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ إِن قَالَ أَنْصتُوا لَهُ وَأَن أَمر تبَادرُوا لأَمره ويتحمل لأَصْحَابه ويتفقدهم وَيسْأل عَنْهُم فَمن مرض عَاده وَمن غَابَ دَعَا لَهُ وَمن مَاتَ اسْترْجع فِيهِ وَاتبعهُ الدُّعَاء لَهُ وَمن تخوف أَن يكون وجد فِي نَفسه شَيْئا انْطلق)
إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله وَيخرج إِلَى بساتين أَصْحَابه وَيَأْكُل ضيافتهم ويتألف أهل الشّرف وَيكرم أهل الْفضل وَلَا يطوى بشره عَن أحد وَلَا يجفو عَلَيْهِ وَيقبل معذرة المعتذر إِلَيْهِ والضعيف والقوى عِنْده فِي الْحق سَوَاء وَلَا يدع أحدا يمشي خَلفه وَيَقُول خلوا ظَهْري للْمَلَائكَة وَلَا يدع أحدا يمشي مَعَه وَهُوَ رَاكب حَتَّى يحملهُ فَإِن أبي قَالَ تقدمني إِلَى الْمَكَان الْفُلَانِيّ يخْدم من خدمه وَله عبيد وإماء لَا يرْتَفع عَنْهُم فِي مأكل وملبس قَالَ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ خدمته نَحوا من عشر سِنِين فوَاللَّه مَا صحبته فِي حضر وَلَا سفر لأخدمه إِلَّا كَانَت خدمته إِلَى أَكثر من خدمتي لَهُ وَمَا قَالَ لي أُفٍّ قطّ وَلَا قَالَ لشَيْء فعلته لم فعلت كَذَا وَلَا لشَيْء لم أَفعلهُ أَلا فعلت كَذَا وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأمر بإصلاح شَاة فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله على ذَبحهَا وَقَالَ آخر على سلخها وَقَالَ آخر على طبخها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/71)
وعَلى جمع الْحَطب فَقَالُوا يَا رَسُول الله نَحن نكفيك فَقَالَ قد علمت أَنكُمْ تكفونني وَلَكِنِّي أكره أَن أتميز عَلَيْكُم فَإِن الله يكره من عَبده أَن يرَاهُ متميزاً بَين أَصْحَابه وَقَامَ فَجمع الْحَطب وَكَانَ فِي سفر فَنزل إِلَى الصَّلَاة ثمَّ كرّ رَاجعا فَقيل يَا رَسُول الله أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ اعقل نَاقَتي فَقَالُوا نَحن نعقلها قَالَ لَا يستعن أحدكُم بِالنَّاسِ وَلَو فِي قضمة من سواك وَكَانَ لَا يجلس وَلَا يقوم إِلَّا على ذكر وَإِذا انْتهى إِلَى قوم جلس حَيْثُ انْتهى بِهِ الْمجْلس وَيَأْمُر بذلك وَيُعْطى كل جُلَسَائِهِ نصِيبه لَا يحْسب جليسه أَن أحدا أكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِذا جلس إِلَيْهِ أحدهم لم يقم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يقوم الَّذِي جلس إِلَيْهِ إِلَّا أَن يستعجله أَمر فيستأذنه وَلَا يُقَابل أحدا بِمَا يكره وَلَا يجزى السَّيئَة بِمِثْلِهَا بل يعْفُو ويصفح وَكَانَ يعود المرضى وَيُحب الْمَسَاكِين ويجالسهم وَيشْهد جنائزهم وَلَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يعظم النِّعْمَة وَإِن قلت لَا يذم مِنْهَا شَيْئا مَا عَابَ طَعَاما قطّ أَن اشتهاه أكله وَألا تَركه وَكَانَ يحفظ جَاره وَيكرم ضَيفه وَكَانَ أَكثر النَّاس تبسماً وَأَحْسَنهمْ بشرا لَا يمْضِي لَهُ وَقت فِي غير عمل الله أَو فِي مَا لابد مِنْهُ وَمَا خير بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أيسرهما إِلَّا أَن يكون فِيهِ قطيعة رحم فَيكون أبعد النَّاس مِنْهُ يخصف نَعله ويرقع ثَوْبه ويركب الْفرس والبغل وَالْحمار ويردف خَلفه عَبده أَو غَيره وَيمْسَح وَجه فرسه بِطرف كمه أَو بِطرف رِدَائه وَكَانَ يحب الفأل وَيكرهُ الطَّيرَة وَإِذا جَاءَهُ مَا يحب قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَإِذا جَاءَهُ مَا يكره قَالَ الْحَمد لله على كل حَال وَإِذا رفع الطَّعَام من بَين يَدَيْهِ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وآوانا وَجَعَلنَا مُسلمين وَأكْثر جُلُوسه مُسْتَقْبل الْقبْلَة يكثر الذّكر)
ويطيل الصَّلَاة وَيقصر الْخطْبَة ويستغفر فِي الْمجْلس الْوَاحِد مائَة مرّة وَكَانَ يسمع لصدره وَهُوَ فِي الصَّلَاة أزيز كازيز الْمرجل من الْبكاء وَكَانَ يقوم حَتَّى ترم قدماه وَكَانَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وعاشوراء وقلما كَانَ يفْطر يَوْم الْجُمُعَة وَأكْثر صِيَامه فِي شعْبَان وَفِي الصَّحِيحَيْنِ رِوَايَة أنس كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم حَتَّى نقُول لَا يفْطر وَيفْطر حَتَّى نقُول لَا يَصُوم وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه انتظاراً للوحي وَإِذا نَام نفخ وَلَا يغط وَإِذا رأى فِي مَنَامه مَا يكره قَالَ هُوَ الله لَا شريك لَهُ وَإِذا أَخذ مضجعه قَالَ رب قني عذابك يَوْم تبْعَث عِبَادك وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي(1/72)
أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور وَكَانَ لَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَيَأْكُل الْهَدِيَّة ويكافئ عَلَيْهَا وَلَا يتأنق فِي مأكل ويعصب على بَطْنه الْحجر من الْجُوع وآتاه الله مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض فَلم يقبلهَا وَاخْتَارَ الْآخِرَة وَأكل الْخبز بالخل وَقَالَ نعم الأدام الْخلّ وَأكل لحم الدَّجَاج وَلحم الْحُبَارَى وَكَانَ يَأْكُل مَا وجد وَلَا يرد مَا حضر وَلَا يتَكَلَّف مَا لم يحضر وَلَا يتورع عَن مطعم حَلَال إِن وجد تَمرا دون خبز أكله وَإِن وجد شواء أكله وَإِن وجد خبز بر أَو شعير أكله وَإِن وجد حلواً أَو عسلاً أكله وَكَانَ أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ الحلو الْبَارِد وَقَالَ للهيثم ابْن التيهَان كَأَنَّك علمت حبنا للحم لَا يَأْكُل مُتكئا وَلَا على خوان لم يشْبع من خبز بر ثَلَاثًا تباعا حَتَّى لَقِي الله عز وَجل إيثاراً على نَفسه لَا فقرا وَلَا بخلا يُجيب الْوَلِيمَة ويجيب دَعْوَة العَبْد وَالْحر وَيقبل الْهَدَايَا وَلَو أَنَّهَا جرعة لبن أَو فَخذ أرنب وَكَانَ يحب الدُّبَّاء والذراع من الشَّاة وَقَالَ كلوا الزَّيْت وادهنوا بِهِ فَإِنَّهُ من شَجَرَة مباركة وَكَانَ يَأْكُل بأصابعه الثَّلَاث ويلعقهن منديله بَاطِن قَدَمَيْهِ وَأكل خبز الشّعير بِالتَّمْرِ والبطيخ بالرطب والقثاء بالرطب وَالتَّمْر بالزبد وَكَانَ يحب الْحَلْوَى وَالْعَسَل وَيشْرب قَاعِدا وَرُبمَا شرب قَائِما ويتنفس ثَلَاثًا مُبينًا للأناء وَيبدأ بِمن عَن يَمِينه إِذا سقَاهُ وَشرب لَبَنًا وَقَالَ من أطْعمهُ الله طَعَاما فَلْيقل اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيهِ وأطعمنا خيرا مِنْهُ وَمن سقَاهُ الله لَبَنًا فَلْيقل اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيهِ وزدنا مِنْهُ وَقَالَ لَيْسَ شَيْء يُجزئ مَكَان الطَّعَام وَالشرَاب غير اللَّبن قَالَ ابْن حزم وَشرب النَّبِيذ الحلو قلت تَفْسِيره المَاء الَّذِي ينْبذ فِيهِ التمرات الْيَسِيرَة ليحلو
وَكَانَ يلبس الصُّوف وينتعل المخصوف وَلَا يتأنق فِي ملبس وَأحب اللبَاس إِلَيْهِ الْحبرَة من برود الْيمن فِيهَا حمرَة وَبَيَاض وَأحب الثِّيَاب إِلَيْهِ الْقَمِيص وَيَقُول إِذا لبس ثوبا استجده اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كَمَا ألبستنيه أَسأَلك خَيره وَخير مَا صنع لَهُ وَأَعُوذ بك من شَره وَشر مَا)
صنع لَهُ وتعجبه الثِّيَاب الْخضر وَرُبمَا لبس الْإِزَار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طرفه بَين كَتفيهِ ويلبس يَوْم الْجُمُعَة برده الْأَحْمَر ويعتم ويلبس خَاتمًا من فضَّة نقشه مُحَمَّد رَسُول الله فِي خِنْصره الْأَيْمن وَرُبمَا فِي الْأَيْسَر وَيُحب الطّيب وَيكرهُ الرَّائِحَة الكريهة وَيَقُول إِن الله جعل لذتي فِي النِّسَاء وَالطّيب وَجعل قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة وَكَانَ يتطيب بالغالية والمسك أَو الْمسك وَحده ويتبخر بِالْعودِ والكافور ويكتحل بالأثمد وَرُبمَا اكتحل وَهُوَ صَائِم وَيكثر دهن رَأسه ولحيته ويدهن غبا ويكتحل وترا وَيُحب التَّيَمُّن فِي ترجله وتنعله وَفِي طهوره وَفِي شَأْنه كُله وَينظر فِي الْمرْآة وَلَا تُفَارِقهُ قَارُورَة الدّهن فِي سَفَره والمكحلة والمرآة والمشط والمقراض والسواك والإبرة وَالْخَيْط ويستاك فِي اللَّيْلَة ثَلَاث مَرَّات قبل النّوم وَبعده وَعند الْقيام لورده وَعند الْخُرُوج لصَلَاة الصُّبْح وَكَانَ يحتجم
وَكَانَ يمزح وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا جَاءَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت يَا رَسُول الله احملني على جمل فَقَالَ احملك على ولد النَّاقة قَالَت لَا يطيقني قَالَ لَا أحملك إِلَّا على ولد النَّاقة قَالَت لَا يطيقني فَقَالَ لَهَا النَّاس وَهل الْجمل إِلَّا ولد النَّاقة وجاءته امْرَأَة فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن زَوجي مَرِيض وَهُوَ(1/73)
يَدْعُوك فَقَالَ لَعَلَّ زَوجك الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاض فَرَجَعت وَفتحت عين زَوجهَا فَقَالَ مَا لَك قَالَت أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي عَيْنَيْك بَيَاضًا فَقَالَ وَهل أحد إِلَّا فِي عَيْنَيْهِ بَيَاض وَقَالَت لَهُ أُخْرَى يَا رَسُول الله ادْع الله لي أَن يدخلني الْجنَّة فَقَالَ يَا أم فلَان إِن الْجنَّة لَا يدخلهَا عَجُوز فَوَلَّتْ الْمَرْأَة وَهِي تبْكي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرُوهَا إِنَّهَا لَا تدخل وَهِي عَجُوز إِن الله يَقُول إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ انشاء فجعلناهن ابكاراً عربا أَتْرَابًا الْوَاقِعَة قد جمع الله لَهُ كَمَال الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَفْعَال وحسبك مَا أثنى عَلَيْهِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى وَأَنَّك لعلى خلق عَظِيم الْقَلَم وآتاه الله علم الْأَوَّلين والآخرين وَمَا فِيهِ النجَاة والفوز وَهُوَ أُمِّي لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ وَلَا معلم لَهُ من الْبشر نَشأ فِي بِلَاد الْجَهْل والصحارى وآتاه مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين وَاخْتَارَهُ على الْأَوَّلين والآخرين
3 - (
3 - (بعوثه)
نَحوا من خمسين بعث عُبَيْدَة بن الْحَرْث بن الْمطلب أَسْفَل ثنية الْمرة وَبعث حَمْزَة بن عبد الْمطلب إِلَى سَاحل الْبَحْر من نَاحيَة الْعيص وَهَذَانِ البعثان متقاربان جدا فَاخْتلف فِي أَيهمَا كَانَ أول وهما أول راية عقدهَا وَبعث سعد ابْن أبي وَقاص إِلَى الخرار وَبعث عبد الله بن جحش إِلَى نَخْلَة وَبعث زيد بن حَارِثَة مَوْلَاهُ إِلَى القردة وَبعث مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ إِلَى قتل كَعْب ابْن الْأَشْرَف وَبعث مرْثَد ابْن أبي مرْثَد الغنوي إِلَى الرجيع وَبعث الْمُنْذر ابْن عَمْرو الْأنْصَارِيّ إِلَى بِئْر مَعُونَة وَبعث عبد الله بن عتِيك إِلَى قتل سَلام ابْن أبي الْحقيق بِخَيْبَر وَبعث أَبَا عُبَيْدَة ابْن الْجراح إِلَى ذِي الْقِصَّة من طَرِيق الْعرَاق وَبعث عمر بن الْخطاب إِلَى تربة من أَرض بني عَامر وَبعث على ابْن أبي طَالب إِلَى الْيمن وَبعث غَالب بن عبد الله اللَّيْثِيّ إِلَى الكديد إِلَى بني الملوح من كنَانَة وَبعث عَليّ بن أبي طَالب إِلَى بني عبد الله بن سعد من أهل فدك وَبعث ابْن أبي العوجاء السّلمِيّ إِلَى بني سليم وَبعث عكاشة بن مُحصن الْأَسدي إِلَى الْغمر وَبعث أَبَا سَلمَة ابْن عبد الْأسد المَخْزُومِي إِلَى قطن مَاء لبني أَسد بِنَاحِيَة نجد(1/74)
وَبعث مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ إِلَى القرطاء من هوَازن وَبعث بشير بن سعد الْأنْصَارِيّ من بني الْحَرْث بن الْخَزْرَج إِلَى نَاحيَة خَيْبَر وَبعث زيد بن حَارِثَة إِلَى الجموم من أَرض بني سليم وَبعث زيدا أَيْضا إِلَى جذام بِأَرْض حسمي وَبعث زيدا أَيْضا إِلَى الطّرف من)
نَاحيَة نخل من طَرِيق الْعرَاق وَبعث أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِلَى فَزَارَة وَبعث أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ عَم أبي مُوسَى إِلَى أَوْطَاس وَبعث زيد بن حَارِثَة إِلَى وَادي الْقرى فلقي هُنَالك قوما من فَزَارَة فَقَاتلهُمْ فَارْتثَّ زيد من بَين الْقَتْلَى وَبعث زيدا أَيْضا إِلَى فَزَارَة فَقتل أم قرفة وَغَيرهَا وَبعث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى خَيْبَر وَبَعثه إِلَيْهَا مرّة أُخْرَى وَبعث عبد الله بن أنيس الْجُهَنِيّ لقتل خَالِد بن سُفْيَان الْهُذلِيّ فَقتله عبد الله بَعثه عَلَيْهِ السَّلَام لذَلِك وَحده وَبعث الْأُمَرَاء عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة فَإِن قتل فَعَلَيْهِم جَعْفَر بن أبي طَالب فَإِن قتل فَعَلَيْهِم عبد الله بن رَوَاحَة فَقتلُوا كلهم رضوَان الله عَلَيْهِم بموتة فِي أول الشَّام لقوا هُنَالك عَسَاكِر النَّصَارَى من الرّوم وَالْعرب وَأخذ الرَّايَة خَالِد بن الْوَلِيد فانحاز بِالْمُسْلِمين وَبعث كَعْب بن عُمَيْر الْغِفَارِيّ إِلَى ذَات اطلاح من أَرض الشَّام وَبعث عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة ابْن بدر الْفَزارِيّ إِلَى بني العنبر من بني تَمِيم وَبعث غَالب بن عبد الله اللَّيْثِيّ إِلَى أَرض بني مرّة فَأَصَابُوا فِي الحرقات من جُهَيْنَة وَبعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني جذيمة من بني كنَانَة وَبعث خَالِدا أَيْضا إِلَى الْيمن وَبعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ذَات السلَاسِل من أَرض بني عذرة وأمده بِجَيْش عَظِيم عَلَيْهِم أَبُو عُبَيْدَة وَبعث عبد الله بن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ إِلَى بطن أضم وَبَعثه أَيْضا إِلَى الغابة وَبعث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَى دومة الجندل وَبعث أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى سيف الْبَحْر وَبعث عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى قتل أبي سُفْيَان فَلم يُمكنهُ ذَلِك وَبعث زيد بن حَارِثَة إِلَى مَدين وَبعث سَالم بن عُمَيْر إِلَى أبي عفك من بني عَمْرو بن عَوْف فَقتله وَبعث عُمَيْر بن عدي الخطمي إِلَى عصماء بنت مَرْوَان من بني أُميَّة بن زيد فَقَتلهَا وَبعث بعثاً أسر فِيهِ ثُمَامَة بن أَثَال الْحَنَفِيّ وَبعث عَلْقَمَة بن مجزز المدلجي وَبعث كرز بن جَابر خلف الَّذين قتلوا الرعاء وسملوا عيونهم وَبعث أُسَامَة بن زيد إِلَى الشأم وَهُوَ آخر بعوثه مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينفذهُ فأنفذه أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
3 - (حججه وعمره)
قَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ روى همام بن يحيى عَن قَتَادَة قَالَ قلت لأنس بن مَالك كم حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة قَالَ حج حجَّة وَاحِدَة وَاعْتمر أَربع عمر عمْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ صده الْمُشْركُونَ عَن الْبَيْت وَالْعمْرَة الثَّانِيَة حَيْثُ صالحوه من الْعَام الْمقبل وعمرته من الْجِعِرَّانَة حَيْثُ قسم غنيمَة حنين فِي ذِي الْقعدَة وعمرته مَعَ حجَّته صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ هَذَا بعد قدومه الْمَدِينَة وَأما مَا(1/75)
حج بِمَكَّة وَاعْتمر فَلم يحفظ وَالَّتِي حج حجَّة الْوَدَاع ودع النَّاس فِيهَا وَقَالَ عَسى أَن لَا تروني بعد عَامي هَذَا انْتهى قلت وَلابْن حزم فِي حجَّة الْوَدَاع مُصَنف عَظِيم وَخرج فِي حجَّة الْوَدَاع نَهَارا بعد أَن ترجل وأدهن وتطيب فَبَاتَ بِذِي الحليفة وَقَالَ أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي فَقَالَ صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك وَقل عمْرَة فِي حجَّة فاحرم بهما قَارنا وَدخل مَكَّة يَوْم الْأَحَد بكرَة من كداء من الثَّنية الْعليا وَطَاف للقدوم فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا فسعى رَاكِبًا ثمَّ أَمر من لم يسق الْهدى بِفَسْخ الْحَج إِلَى الْعمرَة وَنزل بِأَعْلَى الْحجُون فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة توجه إِلَى منى فصلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَبَات بهَا وَصلى بهَا الصُّبْح فَلَمَّا طلعت الشَّمْس سَارُوا إِلَى عَرَفَة وَضربت قُبَّته بنمرة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى زَالَت الشَّمْس فَخَطب النَّاس وَصلى بهم الظّهْر وَالْعصر بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ ثمَّ رَاح إِلَى الْموقف فَلم يزل يَدْعُو ويهلل وَيكبر حَتَّى زاغت الشَّمْس ثمَّ دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة بعد الْغُرُوب وَبَات بهَا وَصلى الصُّبْح ثمَّ وقف بالمشعر الْحَرَام حَتَّى أَسْفر ثمَّ دفع قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى منى فَرمى جَمْرَة الْعقبَة بِسبع حَصَيَات وَثَلَاثَة أَيَّام التَّشْرِيق كَانَ يَرْمِي فِي كل يَوْم مِنْهَا الجمرات الثَّلَاث مَاشِيا بِسبع سبع يبْدَأ بِالَّتِي تلِي الْخيف ثمَّ بالوسطى ثمَّ بجمرة الْعقبَة ويطيل الدُّعَاء عِنْد الأولى وَالثَّانيَِة وَنحر يَوْم نُزُوله منى وأفاض إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ سبعا ثمَّ أَتَى إِلَى السِّقَايَة فَاسْتَسْقَى ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى وَنَفر فِي الْيَوْم الثَّالِث فَنزل المحصب وَأَعْمر عَائِشَة من التَّنْعِيم ثمَّ أَمر بالرحيل ثمَّ طَاف للوداع وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة
3 - (زَوْجَاته)
تزوج خَدِيجَة بنت خويلد قبل الْبعْثَة وَقد مر ذكرهَا ثمَّ تزوج سَوْدَة بنت زَمعَة بن قيس بن(1/76)
عبد شمس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي وَكَبرت عِنْده فَأَرَادَ طَلاقهَا فَوهبت يَوْمهَا لعَائِشَة وَقَالَت لَا حَاجَة لي فِي الرِّجَال وَإِنَّمَا أُرِيد أَن أحْشر فِي زوجاتك وانفردت بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين وَفَاة خَدِيجَة إِلَى أَن دخل بعائشة رَضِي الله عَنْهَا ثمَّ تزوج عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا تزَوجهَا بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بستين وَقيل بِثَلَاث وَهِي بنت سبت أَو سبع وَبني بهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِي بنت تسع وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَان عشرَة وَتوفيت سنة ثَمَان وَخمسين وَقيل غير ذَلِك وَلم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا ثمَّ تزوج حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ روى أَنه طَلقهَا فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تراجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَفِي خبر قَالَ رَحْمَة لعمر وَتزَوج أم حَبِيبَة رَملَة بنت أبي سُفْيَان أُخْت مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا وَهِي بِالْحَبَشَةِ فَأَصْدقهَا النَّجَاشِيّ أَربع مائَة دِينَار وَولي نِكَاحهَا عُثْمَان بن عَفَّان وَلم يَصح وَقيل خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَتوفيت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَتزَوج أم سَلمَة هِنْد ابْنة أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَمَاتَتْ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَهِي آخِرهنَّ موتا وَقيل مَيْمُونَة وَتزَوج زَيْنَب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن صبرَة بن مرّة بن كَبِير بن غنم بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة وَهِي ابْنة عمته أُمَيْمَة توفيت بِالْمَدِينَةِ سنة عشْرين وَهِي أولهنَّ وَفَاة وَأول من حمل على نعش وَكَانَت قبله عِنْد مَوْلَاهُ زيد بن حَارِثَة فَطلقهَا فَزَوجهَا الله إِيَّاه من السَّمَاء وَلم يعْقد عَلَيْهَا قَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَصَحَّ أَنَّهَا كَانَت تَقول لأزواجه زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات وَتزَوج جوَيْرِية بنت الْحَرْث بن أبي ضرار بن الْحَرْث بن عايذ بن ملك بن المصطلق لَبِيب فِي غَزْوَة بني المصطلق فَوَقَعت لِثَابِت بن قيس بن شماس فكاتبها فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تستعيه فِي كتَابَتهَا وَكَانَت امْرَأَة ملاحة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوخير من ذَلِك أؤدي عَنْك كتابتك واتزوجك فَقلت فَقضى عَنْهَا وَتَزَوجهَا وَأطلق من أجلهَا جَمِيع أسراء بني المصطلق وَتوفيت سنة سِتّ وَخمسين وَتزَوج صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب بن أبي حيى بن كَعْب ابْن الْخَزْرَج النَّضْرِية من ولد هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام سبيت من خَيْبَر فَأعْتقهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا توفيت سنة خمسين وَتزَوج مَيْمُونَة بنت الْحَرْث بن حزن بن بجير بن الهزم بن)
روبية بن عبد منَاف بن هِلَال بن عَامر خَالَة خَالِد ابْن الْوَلِيد وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهِي آخر من تزوج وَتوفيت سنة إِحْدَى وَخمسين وَقيل سنة سِتّ وَسِتِّينَ فَإِن ثَبت ذَلِك فَهِيَ آخِرهنَّ موتا وَتزَوج زَيْنَب بنت خُزَيْمَة أم الْمَسَاكِين سنة ثَلَاث من الهرجة وَلم تلبث عِنْده إلاّ يَسِيرا شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة وَمَاتَتْ وَتزَوج فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك وَخَيرهَا حِين نزلت آيَة التَّخْيِير فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا فَطلقهَا ثمَّ كَانَت بعد ذَلِك تلقط(1/77)
البعر وَتقول أَنا الشقية اخْتَرْت الدُّنْيَا وَتزَوج شَارف أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ وَخَوْلَة بنت الْهُذيْل وَقيل بنت حَكِيم وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا لَهُ وَقيل تِلْكَ أم شريك وَأَسْمَاء بنت كَعْب الْجَوْنِية وَعمرَة بنت يزِيد وَطَلقهَا قبل الدُّخُول وَامْرَأَة من غفار فَرَأى بهَا بَيَاضًا فألحقها بِأَهْلِهَا وَامْرَأَة تميمية فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا قَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك فَقَالَ منع الله عايذه الحقي بأهلك وغالية بنت ظبْيَان طَلقهَا حِين أدخلت عَلَيْهِ كَذَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ فتح الدّين مُحَمَّد ابْن سيد النَّاس وَقَالَ ابْن حظم وَلم يَصح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طلق امْرَأَة قطّ إِلَّا حَفْصَة بنت عمر ثمَّ رَاجعهَا وَقد طلق عمْرَة بنت يزِيد الْمَذْكُورَة آنِفا وَبنت الصَّلْت وَمَاتَتْ قيل أَن يدْخل عَلَيْهَا ومليكة الليثية فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا قَالَ هبي لي نَفسك فَقَالَت وَهل تهب الملكة نَفسهَا للسوقة فسرحها وحطب امْرَأَة من أَبِيهَا فوصفها لَهُ وَقَالَ ازيدك أَنَّهَا لم تمرض قطّ فَقَالَ مَا لهَذِهِ عِنْد الله من خير وَكَانَ صداقه لنسائه خمس مائَة دِرْهَم لكل وَاحِدَة هَذَا أصح مَا قيل إِلَّا صَفِيَّة فَإِنَّهُ اعتقها وَتَزَوجهَا وَأم حَبِيبَة وَأَوْلَمَ على زَيْنَب بنت جحش بِشَاة وَاحِدَة فكفت النَّاس قَالَ أنس وَلم نره أولم على امْرَأَة من نسائيه بِأَكْثَرَ من ذَلِك وَأَوْلَمَ على صَفِيَّة وَلِيمَة لَيْسَ فِيهَا شَحم وَلَا لحم إِنَّمَا كَانَ السويق وَالتَّمْر وَالسمن وَأَوْلَمَ على بعض نِسَائِهِ وَلم تسم بمدين من شعير فَكفى ذَلِك كل من حضر وَكَانَ ينْفق على ناسيه فِي كل سنة عشْرين وسْقا من شعير وَثَمَانِينَ وسْقا من تمر قَالَ ابْن حزم هَكَذَا روينَاهُ من طَرِيق فِي غَايَة الصِّحَّة وروينا من طَرِيق فِيهَا ضعف إِن هَذَا الْعدَد لكل وَاحِدَة فِي الْعَام وَالله أعلم فقد كَانَت كل وَاحِدَة لَهَا الْإِمَاء وَالْعَبِيد والعتقاء فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى كَلَام ابْن حزم قلت الوسق سِتُّونَ صَاعا والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثَلَاث بالبغدادي والرطل مائَة وَثَلَاثُونَ درهما وَالدِّرْهَم عشرَة أَمْثَاله سَبْعَة مَثَاقِيل وَالْفرق بتحريك الرَّاء زنبيل يسع خَمْسَة عشر صَاعا
3 - (أَوْلَاده)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقسم وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله وَيُسمى الطّيب والطاهر وَقيل الطّيب غير الطَّاهِر وابراهيم ولد لَهُ بِالْمَدِينَةِ من مَارِيَة وعاش عَاميْنِ غير شَهْرَيْن وَمَات قبل موت أَبِيه صلى الله عَلَيْهِ بِثَلَاثَة أشهر يَوْم كسف الشَّمْس وَالْقسم أكبر أَوْلَاده ولد لَهُ قبل النُّبُوَّة وعاش أَيَّامًا يسيرَة وَقَالَ ابْن حزم روينَا من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه إِنَّه كَانَ لَهُ ولد اسْمه عبد الْعُزَّى قبل النُّبُوَّة وَهَذَا بعيد وَالْخَبَر مُرْسل(1/78)
وَلَا حجَّة فِي مُرْسل انْتهى قلت قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب تلقيح فهوم أهل الْأَثر قَالَ الْهَيْثَم بن عدي حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ ولدت لَهُ خَدِيجَة عبد الْعُزَّى وَعبد منَاف وَالْقسم قلت لهشام فَأَيْنَ الطّيب والطاهر قَالَ هَذَا مَا وضعتم أَنْتُم يَا أهل الْعرَاق فَأَما أشياخنا فَقَالُوا عبد الْعُزَّى وَعبد منَاف وَالْقسم قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ الْهَيْثَم كَذَّاب لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله قَالَ لنا شَيخنَا ابْن نَاصِر لم يسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد منَاف وَلَا عبد الْعُزَّى قطّ
3 - (بَنَاته)
أكبرهن زَيْنَب تزَوجهَا أَبُو الْعَاصِ واسْمه الْقسم بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى ابْن عبد شمس بن عبد منَاف وَكَانَت أمهَا خَدِيجَة خَالَة أبي الْعَاصِ وَلم يكن لِزَيْنَب زوج غَيره وَمَاتَتْ سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وأولدها عليا فَمَاتَ مراهقاً وأولدها أَيْضا أُمَامَة الَّتِي حملهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب بعد فَاطِمَة فَلم تَلد وَمَات عَنْهَا فَتَزَوجهَا الْمُغيرَة بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَمَاتَتْ عِنْده وَلم تَلد لَهُ قَالَه ابْن حزم وَقَالَ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس فَولدت لَهُ يحيى وَمَات أَبُو الْعَاصِ فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب ورقية تزَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَلم يكن لَهَا زوج غَيره فَولدت لَهُ عبد الله وَفَاطِمَة تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن ومحسناً مَاتَ صَغِيرا وَأم كُلْثُوم تزَوجهَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ زيدا وَزَيْنَب تزَوجهَا عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب فَولدت لَهُ عليا وأعقب عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر وَلم يعقب زيد بن عمر بن الْخطاب وَلم يكن لفاطمة زوج غير عَليّ وَأم كُلْثُوم بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أصغرهن كَانَت مملكة بِعتبَة بن أبي لَهب فَلم يدْخل بهَا وَطَلقهَا فَتَزَوجهَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَمَاتَتْ عِنْده فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم تَلد لَهُ قَالَ ابْن حزم)
قَالَه ابْن خياط قَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْبَنَات أَربع بِلَا خلاف وَالصَّحِيح فِي الْبَنِينَ أَنهم ثَلَاثَة وَأول من ولد الْقَاسِم ثمَّ زَيْنَب ثمَّ رقية ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فِي الْإِسْلَام عبد الله ثمَّ إِبْرَاهِيم بِالْمَدِينَةِ وَأَوْلَاده كلهم من خَدِيجَة إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة وَكلهمْ مَاتُوا قبله إِلَّا فَاطِمَة فَإِنَّهَا عاشت بعده سِتَّة أشهر(1/79)
3 - (أَعْمَامه)
كَانَ لَهُ من العمومة أحد عشر مِنْهُم الْحَرْث وَهُوَ أكبر ولد عبد الْمطلب وَبِه كَانَ يكنى وَمن وَلَده وَولد وَلَده جمَاعَة لَهُم صُحْبَة وَقثم هلك صَغِيرا وهم أَخُو الْحَرْث لأمه وَالزُّبَيْر بن عبد الْمطلب وَكَانَ من إشراف قُرَيْش وَابْنه عبد الله بن الزبير شهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنيناً وَثَبت يَوْمئِذٍ وَاسْتشْهدَ بأجنادين وروى أَنه وجد إِلَى جَانب سَبْعَة قَتلهمْ وقتلوه وضباعة بنت الزبير لَهَا صُحْبَة وَأم الحكم بنت الزبير لَهَا رِوَايَة وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب أَسد الله وَأسد رَسُوله وَأَخُوهُ من الرضَاعَة أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَشهد بَدْرًا وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا وَلم يكن لَهُ إِلَّا ابْنه وَأَبُو الْفضل الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب أسلم وَحسن إِسْلَامه وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ أكبر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث سِنِين وَكَانَ لَهُ عشرَة من الذُّكُور وَلم يسلم من أَعْمَامه إِلَّا حَمْزَة وَالْعَبَّاس لَا غير وَمن عماته صَفِيَّة على الصَّحِيح وَأَبُو طَالب بن عبد الْمطلب واسْمه عبد منَاف وَهُوَ أَخُو عبد الله أبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله من الْوَلَد طَالب مَاتَ كَافِرًا وَعقيل وجعفر وَعلي وَأم هَانِيء لَهُم صُحْبَة وَاسم أم هَانِيء فَاخِتَة وَقيل هِنْد وجمانة وَأَبُو لَهب عبد الْعُزَّى بن عبد الْمطلب كناه أَبوهُ بذلك لحسن وَجهه وَمن وَلَده عتبَة ومعتب ثبتا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين ودرة لَهُم صُحْبَة وعتيبة قَتله الْأسد بالزرقاء من أَرض الشَّام على كفره بدعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الْكَعْبَة وحجل واسْمه الْمُغيرَة وَضِرَار أَخُو الْعَبَّاس لأمه والغيداق وَإِنَّمَا سمي الغيداق لِأَنَّهُ كَانَ أَجود قُرَيْش وَأَكْثَرهم طَعَاما
3 - (وعماته)
سِتّ صَفِيَّة وعاتكة وأروى وَأُمَيْمَة وبرة وَأم حَكِيم الْبَيْضَاء أما صَفِيَّة فَأسْلمت وَهَاجَرت وَهِي أم الزبير بن الْعَوام وَهِي أُخْت حَمْزَة لأمه وَأما عَاتِكَة قيل أَنَّهَا أسلمت وَهِي صَاحِبَة الرُّؤْيَا فِي بدر وَكَانَت عِنْد أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم فَولدت لَهُ عبد الله أسلم وَله صُحْبَة وزهيرا وقرينة الْكُبْرَى وَأما أروى فَإِنَّهَا كَانَت عِنْد عُمَيْر بن وهب بن عبد الدَّار ابْن قصي فَولدت لَهُ طليب بن عُمَيْر وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين شهد بَدْرًا وَقتل بأجنادين شَهِيدا وَلَا عقب لَهُ وَأما أُمَيْمَة فَكَانَت عِنْد جحش بن رِئَاب فَولدت لَهُ عبد الله الْمَقْتُول بِأحد شَهِيدا وَأَبا حَمْزَة الْأَعْمَى الشَّاعِر واسْمه عبد وَزَيْنَب زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحبيبة وَحمْنَة وَكلهمْ لَهُ صُحْبَة وَعبيد الله ابْن جحش أسلم ثمَّ تنصر وَمَات بِالْحَبَشَةِ كَافِرًا وَأما برة فَإِنَّهَا كَانَت عِنْد عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة واسْمه عبد الله وَكَانَ زوج أم(1/80)
سَلمَة قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَزَوجهَا بعد عبد الْأسد أَبُو رهم بن عبد الْعُزَّى ابْن أبي قيس فَولدت لَهُ أَبَا سُبْرَة ابْن أبي رهم وَأما أم حَكِيم الْبَيْضَاء فَإِنَّهَا كَانَت عِنْد كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف فَولدت لَهُ أروى بنت كريز وَهِي أم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
3 - (أمراؤه)
باذان بن ساسان بن يلابش بن الْملك جاماسب بن الْملك فَيْرُوز بن الْملك يزدجرد ابْن بهْرَام جور الْفَارِسِي على الْيمن كلهَا فَلَمَّا مَاتَ باذان ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنة شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها فَقَط وَولي المُهَاجر بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة كِنْدَة والصدف وَولي زِيَاد بن ولبيد البياضي الْأنْصَارِيّ حَضرمَوْت وَولي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ زبيد وعدن ورمع والساحل وَولي معَاذ بن جبل الجندب وعتاب بن أبي أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة بن عبد شمس مَكَّة وَإِقَامَة الْمَوْسِم وَالْحج بِالْمُسْلِمين سنة ثَمَان وَهُوَ دون الْعشْرين سنة فِي سنه وَولي أَبَا سُفْيَان صَخْر ابْن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس نَجْرَان وَولي يزِيد بن أبي سُفْيَان بن حَرْب على تيماء وَولي خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس على صنعاء بعد قتل شهر بن باذان قتل شهرا رَحمَه الله الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب وَولي أَخَاهُ عَمْرو ابْن سعيد على وَادي الْقرى وَولي أخاهما الحكم بن سعيد على قرى عرينة وَهِي فدك وَغَيرهَا وَولي أَخَاهُم أبان بن سعيد على مَدِينَة الْخط بِالْبَحْرَيْنِ وَهِي الَّتِي تنْسب إِلَيْهَا الرماح وَولي الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ حَلِيف بني سعيد بن الْعَاصِ على القطيف بِالْبَحْرَيْنِ وَولي عَمْرو بن الْعَاصِ على عمان وأعمالها وَولي عُثْمَان ابْن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ على الطَّائِف وَولي محمئة بن جُزْء بن عبد يَغُوث بن عرفج بن عمر بن زبيد الزنيدي على الْأَخْمَاس الَّتِي بِحَضْرَتِهِ قيل وَهُوَ حَلِيف بني جمح وَولي عَليّ بن أبي طَالب على الْأَخْمَاس بِالْيمن وَالْقَضَاء بهَا وَولي معيقب بن أبي فَاطِمَة الدوسي حَلِيف بني أُميَّة بن عبد شمس على خَاتمه وَولي عدي ابْن حَاتِم على صدقَات بني أَسد وطيء وَولي مَالك بن نُوَيْرَة الْيَرْبُوعي على صدقَات بني حَنْظَلَة وَولي قيس بن عَاصِم الْمنْقري على صدقَات منقر والزبرقان بن بدر السَّعْدِيّ على صدقَات بني سعد ابْن تَمِيم وَولي عمر بن الْخطاب على بعض الصَّدقَات أَيْضا وَولي بن اللتبية الْأَزْدِيّ على بعض الصَّدقَات أَيْضا وَولي جمَاعَة كَثِيرَة على الصَّدقَات أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ على كل قَبيلَة وَال يقبض صدقاتها وَولي أَبَا بكر الصّديق أَيْضا رَضِي الله عَنهُ على موسم سنة تسع وخليفته على ولَايَة الْأُمُور كلهَا
3 - (رسله إِلَى الْمُلُوك)
أرسل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ واسْمه اصحمه وَمَعْنَاهُ عَطِيَّة فَأخذ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَنزل عَن سَرِيره وَجلسَ على الأَرْض وَأسلم وَحسن إِسْلَامه إِلَّا(1/81)
أَن إِسْلَامه كَانَ عِنْد حُضُور جَعْفَر ابْن أبي طَالب وَأَصْحَابه وروى أَنه كَانَ لَا يزَال النُّور يرى على قَبره وَأرْسل دحْيَة ابْن خَليفَة الْكَلْبِيّ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم واسْمه هِرقل فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت عِنْده صِحَة نبوته فهم بِالْإِسْلَامِ فَلم توافقه الرّوم وخافهم على ملكه فَأمْسك وَأرْسل عبد الله بن حذافة السَّهْمِي إِلَى كسْرَى ملك فَارس فمزق كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مزق الله ملكه فمزق الله ملكه وَملك قومه وَأرْسل حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ إِلَى الْمُقَوْقس ملك الاسكندرية ومصر فَقَالَ خيرا وقارب الْأَمر وَلم يسلم وَأهْدى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَأُخْتهَا شيرين فَوَهَبَهَا لحسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن بن حسان وَأرْسل عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ملكي عمان جَيْفَر وَعبد ابْني الجلندي وهما من الأزد وَالْملك جَيْفَر فَأَسْلمَا وصدقا وخليا بَين عَمْرو وَالصَّدَََقَة وَالْحكم فِيمَا بَينهم فَلم يزل عِنْدهم حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرْسل سليط بن عَمْرو العامري إِلَى الْيَمَامَة إِلَى هَوْذَة بن عَليّ الْحَنَفِيّ فَأكْرمه وأنزله وَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحسن مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وأجمله وَأَنا خطيب قومِي وشاعرهم فَاجْعَلْ لي بعض الْأَمر فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسلم وَمَات زمن الْفَتْح وَأرْسل شُجَاع بن وهب الْأَسدي إِلَى الْحَرْث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء من ارْض الشَّام قَالَ شُجَاع فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ بغوطة دمشق فَقَرَأَ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرمى بِهِ وَقَالَ أَنا سَائِر إِلَيْهِ وعزم على ذَلِك فَمَنعه قَيْصر وَأرْسل المُهَاجر بن أبي أُميَّة إِلَى الْحَرْث الْحِمْيَرِي أحد مقاولة الْيمن وَأرْسل الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى الْعَبْدي ملك الْبَحْرين وَكتب لَهُ كتابا يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَآمن وَصدق وَأرْسل أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ بن جبل الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِلَى جملَة الْيمن داعيين إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم عَامَّة أهل الْيمن وملكوهم طَوْعًا نبذة من معجزاته وآياته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا الْقُرْآن الْعَظِيم وَهُوَ أكبرها الَّذِي دَعَا بِهِ بلغاء قُرَيْش وهم مَا هم قَالَه البلاغة ولسن الفصاحة لَهُم من آفَاق ذَلِك قمراها والنجوم والطوالع ودعا غَيرهم مذ بَعثه الله تَعَالَى قرنا فقرنا وجيلاً بعد جيل إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَإِلَى الْبَعْث والنشور على أَن يَأْتُوا بِعشر سور مثله مفتريات وتنازل مَعَهم إِلَى الأتيان بِسُورَة من مثله وَفِي السُّور مَا هُوَ ثَلَاث آيَات وتحدى بِهِ الْإِنْس وَالْجِنّ فَلم يَأْتُوا بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيراً ونكصوا على أَعْقَابهم خائبين وَذهب كل نَبِي بمعجزاته وَلم يبْق لَهَا أثر ظَاهر خلى الرِّوَايَات عَنْهَا وَالْأَخْبَار وَأبقى لنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معجزاً خَالِدا بَين ظهرانينا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بعد ذَهَابه لَا تنكسف شموسه وَلَا تذوى زهراته وانشقاق الْقَمَر روى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلقَتَيْنِ فَستر الْجَبَل فلقَة وَكَانَت فلقَة فَوق الْجَبَل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اشْهَدْ وروى التِّرْمِذِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله فَصَارَ فرْقَتَيْن فَقَالَت قُرَيْش سحر مُحَمَّد أَعيننَا فَقَالَ بَعضهم لَئِن كَانَ سحرنَا مَا يَسْتَطِيع أَن يسحر النَّاس كلهم وَزَاد رزين فَكَانُوا يتلقون الركْبَان فَيُخْبِرُونَهُمْ بِأَنَّهُم قد رَأَوْهُ فيكذبونهم وَمَا أحقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول أبي الطّيب الطَّوِيل مَتى مَا يشر نَحْو السَّمَاء بطرفه تَخِر لَهُ الشّعْر وينكسف الْبَدْر وَإِن الْمَلأ من قُرَيْش تعاقدوا على قَتله فَخرج عَلَيْهِم فخفضوا أَبْصَارهم وَسَقَطت أذقانهم فِي صُدُورهمْ وَأَقْبل حَتَّى قَامَ على رؤوسهم فَقبض قَبْضَة من تُرَاب وَقَالَ شاهدت الوجوم وحصبهم فَمَا أصَاب رجلا مِنْهُم من ذَلِك الْحَصْبَاء إِلَّا قتل يَوْم بدر وَرمى يَوْم حنين بقبضة من تُرَاب فِي وُجُوه الْقَوْم فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى ونسج العنكبوت فِي الْغَار وَمَا كَانَ من أَمر سراقَة بن مَالك إِذْ بعث خَلفه فِي الْهِجْرَة فساخت قَوَائِم فرسه فِي الأَرْض الْجلد وَمسح على ظهر عنَاق لم ينز عَلَيْهَا الْفَحْل فَدرت وشَاة أم معبد ودعوته لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن يعز الله بِهِ الْإِسْلَام ودعوته لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن يذهب عَنهُ الْحر وَالْبرد وتفله فِي عَيْنَيْهِ وَهُوَ أرمد فعوفى من سَاعَته وَلم يرمد بعد ذَلِك ورده عين قَتَادَة بن النُّعْمَان بعد أَن سَالَتْ على خَدّه فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ واحدهما ودعاؤه لعبد الله بن عَبَّاس بالتأويل وَالْفِقْه فِي الدّين وَكَانَ يُسمى الحبر وَالْبَحْر لعلمه ودعاؤه لجمل جَابر فَصَارَ سَابِقًا بعد أَن كَانَ مَسْبُوقا ودعاؤه لأنس بن مَالك بطول الْعُمر وَكَثْرَة المَال وَالْولد فَعَاشَ مائَة سنة أَو نَحْوهَا وَولد لَهُ مائَة وَعِشْرُونَ ولدا ذكرا لصلبه وَكَانَ نخله يحمل فِي السّنة مرَّتَيْنِ وَفِي تمر جَابر بِالْبركَةِ فأوفى غرماءه وَفضل ثَلَاثَة عشر وسْقا واستسقاؤه عَلَيْهِ السَّلَام فَمُطِرُوا أسبوعاً ثمَّ استصحاؤه فانجابت السَّحَاب الْكَامِل وَإِذا النوائب أظلمت أحداثها لبست بِوَجْهِك أحسن الْإِشْرَاق ودعاؤه على عتبَة بن أبي لَهب فَأَكله الْأسد بالزرقاء من الشَّام وَشَهَادَة الشَّجَرَة لَهُ بالرسالة فِي خبر الْأَعرَابِي الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ هَل من شَاهد على مَا تَقول فَقَالَ نعم هَذِه الشَّجَرَة ثمَّ دَعَاهَا فَأَقْبَلت فاستشهدها فَشَهِدت أَنه كَمَا قَالَ ثَلَاثًا ثمَّ رجعت إِلَى منبتها وَأمره شجرتين فاجتمعتا ثمَّ افترقتا وَأمره أنسا أَن ينْطَلق إِلَى نخلات فَيَقُول لَهُنَّ أمركن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن تجتمعن فاجتمعن فَلَمَّا قضى حَاجته أمره أَن يَأْمُرهُنَّ بِالْعودِ إِلَى أماكنهن فعدن ونام فَجَاءَت شَجَرَة تشق الأَرْض حَتَّى قَامَت عَلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذكرت لَهُ فَقَالَ هِيَ شَجَرَة اسْتَأْذَنت رَبهَا فِي أَن تسلم عَليّ فَأذن لَهَا وَسَلام الْحجر وَالشَّجر عَلَيْهِ ليَالِي بعث السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَقَوله إِنِّي لَا أعرف حجرا بِمَكَّة كَانَ يسلم عَليّ قبل أَن أبْعث وحنين الْجذع إِلَيْهِ وتسبيح الْحَصَى فِي كَفه وَكَذَلِكَ الطَّعَام وأعلامه الشَّاة بسمها وشكوى الْبَعِير إِلَيْهِ كَثْرَة الْعَمَل وَقلة الْعلف وسؤال الظبية لَهُ أَن يخلصها من الْحَبل لترضع وليدها وتعود فخلصها فتلفظت بِالشَّهَادَتَيْنِ وأخباره عَن مصَارِع الْمُشْركين يَوْم بدر فَلم يعد أحد مِنْهُم مصرعه وأخباره أَن طَائِفَة من أمته يغزون فِي الْبَحْر وَأَن أم حرَام بنت ملْحَان مِنْهُم فَكَانَ كَذَلِك وَقَوله لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ تصيبه بلوى شَدِيدَة فَكَانَت وَقتل وَقَوله للْأَنْصَار أَنكُمْ سَتَلْقَوْنَ بعدِي أَثَرَة فَكَانَت زمن مُعَاوِيَة وَقَوله فِي الْحسن أَن ابْني هَذَا سيد وَأَن الله سيصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين وأخباره بقتل العنسى الْكذَّاب وَهُوَ بِصَنْعَاء لَيْلَة قَتله وبمن قَتله وَقَوله لِثَابِت بن قيس تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا فَقتل يَوْم الْيَمَامَة وَلما ارْتَدَّ رجل من الْمُسلمين وَلحق بالمشركين بلغه أَنه مَاتَ فَقَالَ لَا اسْتَطَعْت فَلم يطق أيرفعها إِلَّا فِيهِ بعد ودخوله مَكَّة عَام الْفَتْح والأصنام حول الْكَعْبَة معلقَة وَبِيَدِهِ قضيب فَجعل يُشِير إِلَيْهَا بِهِ وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل وَهِي تتساقط وقص مَازِن بن الغضوبة الطَّائِي وَسَوَاد بن قَارب وأمثالهما وَشَهَادَة الضَّب بنبوته وإطعام ألف من صَاع شعير بالخندق فشبعوا وَالطَّعَام أَكثر مِمَّا كَانَ وأطعمهم من تمر يسير وَجمع فضل الأزواد على النطع ودعا لَهَا بِالْبركَةِ ثمَّ قسمهَا فِي الْعَسْكَر فَقَامَتْ بهم وَأَتَاهُ أَبُو هُرَيْرَة بتمرات قد صفهن فِي يَده وَقَالَ ادْع لي فِيهِنَّ بِالْبركَةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فأخرجت من ذَلِك التَّمْر كَذَا وَكَذَا وسْقا فِي سَبِيل الله وَكُنَّا نَأْكُل مِنْهُ ونطعم حَتَّى انْقَطع فِي زمن عُثْمَان ودعاؤه أهل الصّفة لقصعة ثريد قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَجعلت أتطاول ليدعوني حَتَّى قَامَ الْقَوْم وَلَيْسَ فِي الْقَصعَة إِلَّا الْيَسِير فِي نَوَاحِيهَا فجمعها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَ لقْمَة ووضعها على أَصَابِعه وَقَالَ كل باسم الله فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا زلت آكل مِنْهَا حَتَّى شبعت وَأمر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن يزود أَربع مائَة رَاكب من تمر كَانَ فِي اجتماعه كربضة الْبَعِير فزودهم كلهم مِنْهُ وبقى بِحَسبِهِ كَمَا كَانَ ونبع المَاء من بَين أَصَابِعه حَتَّى شرب الْقَوْم وتوضؤوا وهم ألف وَأَرْبَعمِائَة وأتى بقدح فِيهِ مَاء فَوضع أَصَابِعه فِي الْقدح فَلم ييع فَوضع أَرْبَعَة مِنْهَا وَقَالَ هلموا فتوضؤوا أَجْمَعِينَ وهم من السّبْعين إِلَى الثَّمَانِينَ وَورد فِي غَزْوَة تَبُوك على مَاء لَا يرْوى وَاحِدًا وَالْقَوْم عطاش فشكوا إِلَيْهِ فَأخذ سَهْما من كِنَانَته فغرسه فِيهَا ففار المَاء وارتوى الْقَوْم وَكَانُوا ثَلَاثِينَ ألفا وشكى إِلَيْهِ قوم ملوحة فِي مَائِهِمْ فجَاء فِي نفر من أَصْحَابه حَتَّى وقف على بئرهم فتفل فِيهِ فتفجر بِالْمَاءِ العذب الْمعِين وأتته امْرَأَة بصبي لَهَا اقرع فَمسح على رَأسه فَاسْتَوَى شعره وَذهب داؤه فَسمع أهل الْيَمَامَة بذلك فَأَتَت امرا إِلَى مُسَيْلمَة بصبي فَمسح رَأسه فتصلع وَبَقِي الصلع فِي نَسْله وانكسر سيف عكاشة يَوْم بدر فَأعْطَاهُ جذلاً من حطب فَصَارَ فِي يَده سَيْفا وَلم يزل بعد ذَلِك عِنْده وعزت كدية بالخندق عَن أَن يَأْخُذهَا الْمعول فضربها فَصَارَت كثيباً أهيل وَمسح على رجل أبي رَافع وَقد انْكَسَرت فَكَأَنَّهُ لم يشكها قطّ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله زوى لي الأَرْض فَرَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا وسيبلغ ملك أمتِي مَا زوى لي مِنْهَا وَصدق الله قَوْله بِأَن ملك أمته بلغ أقْصَى الْمشرق وَالْمغْرب وَلم ينتشر فِي الْجنُوب وَلَا فِي الشمَال وَأخْبر عَن الشيماء بنت بقيلة الْأَزْدِيَّة أَنَّهَا رفعت لَهُ فِي خمار أسود على بغلة شهباء فَأخذت فِي زمن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي جَيش خَالِد بن الْوَلِيد بِهَذِهِ الصّفة وَقَالَ لرجل مِمَّن يدعى الْإِسْلَام وَهُوَ مَعَه فِي الْقِتَال أَنه من أهل النَّار فَصدق الله قَوْله بِأَن ذَلِك الرجل نحر نَفسه وَهَذَا لَا يعرف الْبَتَّةَ بِشَيْء من النُّجُوم وَلَا بِخَط وَلَا بزجر وَلَا بِالنّظرِ فِي الْكَفّ وَلَا بتصويت الوزغ وأبطل الله تَعَالَى ببعثته الكهانة فَانْقَطَعت وَكَانَت ظَاهِرَة مَوْجُودَة ودعا الْيَهُود إِلَى تمنى الْمَوْت وَأخْبرهمْ بِأَنَّهُم لَا يتمنونه فحيل بَينهم وَبَين النُّطْق بذلك وَأخْبر بِأَن عماراً تقتله الفئة الباغية فَكَانَ مَعَ عَليّ بن أبي طَالب وَقَتله جمَاعَة مُعَاوِيَة وأنذر بِمَوْت النَّجَاشِيّ وَخرج هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى البقيع فصلوا عَلَيْهِ فورد الْخَبَر بِمَوْتِهِ بعد ذَلِك فِي ذَلِك الْيَوْم وَخرج على نفر من أَصْحَابه مُجْتَمعين فَقَالَ أحدكُم فِي النَّار ضرسه مثل أحد فماتوا كلهم على الْإِسْلَام وارتد مِنْهُم وَاحِد وَهُوَ الدَّجَّال الْحَنَفِيّ فَقتل مُرْتَدا مَعَ مسليمة وَقَالَ لآخرين مِنْهُم آخركم موتا فِي النَّار فَسقط آخِرهم موتا فِي نَار وَهُوَ سَمُرَة بن جُنْدُب وَأخْبر بِأَنَّهُ يقتل أُميَّة بن خلف الجُمَحِي فخدشه يَوْم أحد خدشاً لطيفاً فَكَانَت منيته مِنْهُ وَأخْبر فَاطِمَة ابْنَته رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا أول أَهله لحَاقًا بِهِ فَكَانَ كَذَلِك وَأخْبر نساؤه أَن أَطْوَلهنَّ يدا وأسرعهن لحَاقًا بِهِ وَكَانَت زَيْنَب بنت جحش الأَسدِية لِأَنَّهَا كَانَت كَثِيرَة الصَّدَقَة وَحكى الحكم ابْن أبي الْعَاصِ مشيته مستهزئاً فَقَالَ كَذَلِك فَكُن فَلم يزل يرتعش إِلَى أَن مَاتَ وخطب أَمَامه بنت الْحَارِث بن أبي عَوْف وَكَانَ أَبوهَا اعرابياً حافياً فَقَالَ أَن بهَا بَيَاضًا فَقَالَ لتكن كَذَلِك فبرصت من وَقتهَا فَتَزَوجهَا ابْن عَمها يزِيد بن حَمْزَة فَولدت لَهُ الشَّاعِر شبيب بن يزِيد وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن البرصاء وَلَيْلَة ميلاده اضْطربَ أيوان كسْرَى حَتَّى سمع صَوته وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شراقة وخمدت نَار فَارس وَلم تخمد قبل ذَلِك بِأَلف عَام وغاضت بحيرة ساوة وَمن علائم نبوته حراسة السَّمَاء بِالشُّهُبِ الَّتِي تقذف الشَّيَاطِين فَلَا تسْتَرق السّمع وبشرى الْكُهَّان بِهِ والهواتف وأخبار الْأَحْبَار بظهوره وفراسة بحيرا الراهب فِيهِ ومعرفته آيَات النُّبُوَّة وأمارات الْبعْثَة الْكَامِل ورأوك وضاح الجبين كَمَا يرى قمر السَّمَاء السعد لَيْلَة يكمل وولادته مختونا مَسْرُورا وسجع شقّ وسطيح ورؤيا الموبذان إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الظَّاهِرَة والإمارات الباهرة والدلالات الزاهرة والمعجزات الْقَاهِرَة والسيرة الَّتِي شهرت شهرة النُّجُوم وَسَار الذّكر مِنْهَا فِي النَّاس سير القوافي غَزَوَاته غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين غَزْوَة بِنَفسِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور قَالَه مُحَمَّد بن اسحاق وَأَبُو معشر ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهم وَقيل سبعا وَعشْرين غَزْوَة غَزْوَة الْأَبْوَاء وَهِي أول غزَاة غَزَاهَا بِنَفسِهِ غَزْوَة بواط وَهِي من نَاحيَة رضوى غَزْوَة الْعَشِيرَة من بطن يَنْبع غَزْوَة بدر الأولى يطْلب كرز بن جَابر بدر الثَّانِيَة وَهِي أكْرم الْمشَاهد غَزْوَة بني سليم حَتَّى بلغ مَاء الكدر غَزْوَة السويق يطْلب أَبَا سُفْيَان بن حَرْب غَزْوَة ذِي أَمر غَزْوَة بحران غَزْوَة بني قينقاع غَزْوَة أحد غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد غَزْوَة بني النَّضِير غَزْوَة ذَات الرّقاع غَزْوَة بدر الثَّالِثَة غَزْوَة دومة الجندل غَزْوَة الخَنْدَق غَزْوَة بني لحيان غَزْوَة ذِي قرد غَزْوَة بني المصطلق غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة غَزْوَة خبيير غَزْوَة مُؤْتَة غَزْوَة فتح مَكَّة غَزْوَة حنين غَزْوَة الطَّائِف غَزْوَة تَبُوك قَاتل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذِه الْغَزَوَات فِي سبع بدر وَاحِد وَالْخَنْدَق وَبني قُرَيْظَة وَبني المصطلق وخيبر والطائف وَقيل قَاتل أَيْضا بوادي الْقرى الغابة وَبني النَّضِير وَلم يكن فِي غير مَا قَاتل فِيهِ قتال(1/82)
3 - (موَالِيه)
زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل الْكَلْبِيّ وَابْنه أُسَامَة بن زيد وَكَانَ يُقَال لَهُ الْحبّ بن الْحبّ وثوبان بن بجدد وَكَانَ لَهُ نسب فِي الْيمن وَأَبُو كَبْشَة من مولدِي أَرض دوس شهد بَدْرًا وَأعْتقهُ واسْمه سليم وَتوفى يَوْم اسْتخْلف عمر وأنيسة من مولدِي السراة وَأعْتقهُ وَصَالح شقران وَرثهُ من أَبِيه وَقيل اشْتَرَاهُ من عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَأعْتقهُ ورباح أسود ويسار نوبي وَأَبُو رَافع واسْمه أسلم وَقيل ابراهيم وهبه لَهُ الْعَبَّاس فَأعْتقهُ حِين بشره بِإِسْلَام الْعَبَّاس وزوجه سلمى مولاة لَهُ فَولدت لَهُ عبيد الله كتب لعَلي وَأَبُو مويهبة من مولدِي مزينة وَأعْتقهُ وفضالة مَاتَ بِالشَّام وَرَافِع كَانَ مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ فورثه وَلَده فَأعْتقهُ بَعضهم وَتمسك بَعضهم فجَاء رَافع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستعينه فوهب لَهُ وَكَانَ يَقُول أَنا مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومدعم أسود وهبه لَهُ رِفَاعَة الجذامي قتل بوادي الْقرى وكركرة نوبى أهداه لَهُ هَوْذَة بن عَليّ وَأعْتقهُ وَكَانَ على ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزيد جد هِلَال بن يسَار بن زيد وَعبيد وطهمان أَو كيسَان أَو مهْرَان أَو ذكْوَان أَو(1/87)
مَرْوَان ومابور القبطي أهداه لَهُ الْمُقَوْقس وواقد وَأَبُو وَاقد وَهِشَام وَأَبُو ضميرَة من الْفَيْء وَأعْتقهُ وحنين وَأَبُو عسيب واسْمه أَحْمَر وَأَبُو عبيد وسفينة كَانَ لأم سَلمَة فأعتقته وشرطت عَلَيْهِ أَن يخْدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيَاته فَقَالَ لَو لم تشترطي على مَا فارقته وَكَانَ اسْمه رباحاً وَقيل مهْرَان وَأَبُو هِنْد واعتقه وأنجشة الْحَادِي وَأَبُو لبَابَة وَأعْتقهُ هَؤُلَاءِ هم المشهورون وَقد عدوا أَكثر من ذَلِك
3 - (وإماؤه)
سلمى أم رَافع وبركة أم أَيمن حاضنته ورثهَا من أَبِيه ومارية وَرَيْحَانَة سبية من قُرَيْظَة ومَيْمُونَة بنت سعد وخضرة ورضوى
3 - (خدمه)
أنس بن مَالك بن النَّضر الْأنْصَارِيّ وَهِنْد وَأَسْمَاء ابْنا حَارِثَة وَرَبِيعَة بن كَعْب الأسلميون وَكَانَ عبد الله بن مَسْعُود صَاحب نَعْلَيْه كَانَ إِذا قَامَ ألبسهُ إيَّاهُمَا وَإِذا جلس جَعلهمَا فِي ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يقوم وَكَانَ عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ صَاحب بغلته يَقُود بِهِ فِي الْأَسْفَار وَكَانَ بِلَال بن رَبَاح الْمُؤَذّن وَكَذَلِكَ عَمْرو بن قيس الْأَعْمَى الْمَدْعُو ابْن أم مَكْتُوم وَأَبُو مَحْذُورَة أقره مُؤذنًا بِمَكَّة وَسعد الْقرظ مُؤذن بِالْمَدِينَةِ وَمن خدمه سعد مولى أبي بكر الصّديق وَذُو مخمر ابْن أخي النَّجَاشِيّ وَيُقَال ابْن أُخْته وَيُقَال ذُو مخبر وَبُكَيْر بن شَدَّاخٍ اللَّيْثِيّ وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ وخطيبه ثَابت ابْن قيس بن الشماس وفارسه أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ وَكَانَت أم أَيمن دايته وبلال بن رَبَاح على نفقاته وَقيس بن سعد بن عبَادَة بِمَنْزِلَة صَاحب الشرطة من الْأَمِير وذؤيب بن حلحلة وَالِد الْفَقِيه قبيصَة صَاحب بدنه الَّتِي أهداها والناظر عَلَيْهَا وَحَجمه أَبُو طيبَة(1/88)
3 - (حرسه)
سعد بن معَاذ يَوْم بدر وذكوان بن عبد قيس وَمُحَمّد بن مسلمة بِأحد وَالزُّبَيْر يَوْم الخَنْدَق وَعباد بن بشر وَسعد بن أبي وَقاص وَأَبُو أَيُّوب بِخَيْبَر وبلال بوادي الْقرى فَلَمَّا نزلت وَالله يَعْصِمك من النَّاس الْمَائِدَة ترك الحرس ووقف الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ على رَأسه بِالسَّيْفِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي سيافه وَكَانَ عَمْرو بن عبسة السلمى صديق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ عِيَاض بن حمَار بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم بن مَالك ابْن حَنْظَلَة بن زيد مَنَاة بن تَمِيم حرمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة وَمعنى ذَلِك أَن قُريْشًا كَانَت من الحمس وَكَانَت بَنو مجاشع من الْحلَّة وهما دينان من أَدْيَان الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ الْحلِيّ لَا يطوف بِالْبَيْتِ إِلَّا عُرْيَان إِلَّا أَن يعيره رجل من الحمس ثيابًا يطوف فِيهَا وَكَانَ عِيَاض يطوف فِي ثِيَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعياض هَذَا ابْن عَم الْأَقْرَع بن حَابِس بن عقال لحا
3 - (كِتَابه)
كتب لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم وعامر بن فهَيْرَة وَعبد الله بن الأرقم وَأبي بن كَعْب وثابت بن قيس بن الشماس وخَالِد بن سعيد وحَنْظَلَة بن الرّبيع وَزيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ من بني النجار وَمُعَاوِيَة وَيزِيد أَخُوهُ ابْن أبي سُفْيَان وشرحبيل بن حَسَنَة وَكَانَ مُعَاوِيَة وَزيد بن ثَابت دون هَؤُلَاءِ يلازمون الْكِتَابَة بَين يَدَيْهِ فِي الْوَحْي وَغَيره لَا عمل لَهما سواهُ
وَكَانَ عَليّ وَالزُّبَيْر وَمُحَمّد بن مسلمة وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الْأَفْلَح والمقداد يضْربُونَ الْأَعْنَاق بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
3 - (النجباء من أَصْحَابه)
أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَحَمْزَة وجعفر وَأَبُو ذَر والمقداد وسلمان وَحُذَيْفَة وَابْن مَسْعُود وعمار وبلال
الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ هم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَطَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة عَامر بن عبد الله بن الْجراح رَضِي الله عَنْهُم
3 - (الَّذين أشبهوه)
الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَعَمه جَعْفَر بن أبي طَالب وَقثم بن الْعَبَّاس بن عبد(1/89)
الْمطلب وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب والسائب بن عبيد جد الشَّافِعِي وَقد جمعهم الشَّيْخ الإِمَام فتح الدّين ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْبَسِيط
(لخمسة شبه الْمُخْتَار من مُضر ... يَا حسن مَا خولوا من شبهه الْحسن)
(لجَعْفَر وَابْن عَم الْمُصْطَفى قثم ... وسائب وَأبي سُفْيَان وَالْحسن)
وَشبهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقتسم بَين الْحسن وَالْحُسَيْن فالأعلى لِلْحسنِ والأسفل للحسين وَمِمَّنْ أشبهه مُسلم بن معتب وكابس بن ربيعَة السَّامِي
3 - (دوابه)
من الْخَيل عشرَة على خلاف فِي ذَلِك بِزِيَادَة وَنقص وَهِي السكتب وَكَانَ عَلَيْهِ يَوْم أحد وَكَانَ أغر محجلاً طلق الْيَمين وَهُوَ أول فرس غزا عَلَيْهِ اشْتَرَاهُ من أَعْرَابِي من بني فَزَارَة بِعشر أَوَاقٍ والمرتجز وَهُوَ الَّذِي شهد بِهِ لَهُ خُزَيْمَة بن ثَابت ولزاز وَهُوَ الَّذِي أهداه إِلَيْهِ الْمُقَوْقس واللحيف وَهُوَ الَّذِي أهداه لَهُ ربيعَة بن أبي الْبَراء والظرب وَهُوَ الَّذِي أهداه فَرْوَة الجذامي والورد وَهُوَ الَّذِي أهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ والضرس وملاوح وسبحة اشْتَرَاهُ من تجار من الْيمن فَسبق عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات فَمسح عَلَيْهِ السَّلَام وَجهه وَقَالَ مَا أَنْت إِلَّا بَحر وَقد جمع من أَسمَاء خيله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَبْيَات من قصيدة يمدحه بهَا الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي أَنْشدني لنَفسِهِ قِرَاءَة مني عَلَيْهِ مجزوء الْكَامِل
(لم يزل فِي حربه ذَا ... وثبات وثبات)
(كلفاً بالطعن والضر ب وَحب الصافنات)
(من لزاز ولحيف ... وَمن السكب المواتي)
(وَمن المرتجز السَّابِق سبق الذاريات)
(وَمن الْورْد وَمن سبّ حة قيد العاديات)(1/90)
وَمن البغال ثَلَاثَة وَهِي الدلْدل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس وَهِي أول بغلة ركبت فِي الْإِسْلَام وَعَاشَتْ بعده إِلَى أَن زَالَت أسنانها وَكَانَ يجش لَهَا الشّعير وَفِضة أتهبها من أبي بكر والأيلية أهداها لَهُ ملك أَيْلَة وَكَانَ لَهُ حمَار يُقَال لَهُ عفير وَقيل يَعْفُور وَهُوَ الْأَشْهر وَأما النعم فَلم ينْقل أَنه اقتنى من الْبَقر شَيْئا وَكَانَ لَهُ بِالْغَابَةِ عشرُون لقحة يراح إِلَيْهِ كل لَيْلَة بقربتين عظيمتين من لبن وَكَانَ فِيهَا لقاح غرر الْحِنَّاء والسمراء والعريس والسعدية والبعوم واليسوم والزباء وَكَانَت لَهُ لقحة تسمى بردة أهداها لَهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان كَانَت تحلب كَمَا تحلب لقحتان غزيرتان وَكَانَت لَهُ مهرَة أرسل بهَا سعد بن عبَادَة من نعم بني عقيل والشقراء والعضباء ابتاعها أَبُو بكر من نعم بني الْحَرِيش والقصواء وَهِي الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت إِذْ ذَاك ربَاعِية وَكَانَ لَا يحملهُ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي غَيرهَا والجدعاء وَهِي الَّتِي سبقت فشق على الْمُسلمين فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن حَقًا على الله أَن لَا يرْتَفع شَيْء من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه وَقيل الْمَسْبُوق غَيرهَا وَكَانَ لَهُ من الْغنم مائَة وَكَانَ لَهُ منائح سبغ من غنم عجْرَة وزمزم)
وسقيا وبركة وورسة والطلال وأطراف وَكَانَ لَهُ شَاة يخْتَص بِشرب لَبنهَا تدعى غيثة وَكَانَ لَهُ ديك أَبيض
3 - (سلاحه)
تِسْعَة أسياف ذُو الفقار تنقله يَوْم بدر من بني الْحجَّاج السهميين وَرَأى فِي النّوم فِي ذبابه ثلمة فأولها هزيمَة وَكَانَت يَوْم أحد وَأصَاب من سلَاح بني قينقاع ثَلَاثَة أسياف سيف قلعي بِفَتْح اللَّام وَسيف يدعى بتارا وَسيف يدعى الحتف وَكَانَ لَهُ المخذم والرسوب أصابهما من الْفلس وَهُوَ صنم لطى وَآخر وَرثهُ من أَبِيه والعضب أعطَاهُ إِيَّاه سعد بن عبَادَة والقضيب وَهُوَ أول سيف تقلد بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أنس بن مَالك كَانَ نعل سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضَّة وقبيعته فضَّة وَمَا بَين ذَلِك حلق فضَّة وَأَرْبَعَة رماح المنثني وَثَلَاثَة من بني قينقاع وعنزة تحمل بَين يَدَيْهِ فِي الْعِيدَيْنِ ومحجن قدر الذِّرَاع ومخصرة تسمى العرجون وقضيب يُسمى الممشوق وَأَرْبَعَة قسي قويس اسْمهَا الروحاء وقوس شوحط وقوس صفراء يدعى الصَّفْرَاء وجعبة وترس كَانَ فِيهِ تِمْثَال عِقَاب أهدي لَهُ فَوضع يَده على الْعقَاب فَذهب وَقيل تِمْثَال رَأس كَبْش فكره مَكَانَهُ فَأصْبح وَقد أذهبه الله عز وَجل ودرعان من سلَاح بني قينقاع درع يُقَال لَهُ السعدية وَدرع يُقَال لَهَا فضَّة وَدرع تسمى ذَات(1/91)
الفضول لبسهَا يَوْم حنين وَلبس يَوْم خَيْبَر ذَات الفضول وَفِضة ومغفر يُقَال لَهُ السبوع ولواء أَبيض ومنطقة من أَدِيم مبشور فِيهَا ثَلَاث حلق فضَّة والأبزيم فضَّة والطرف فضَّة وَمن القصيدة التائية الَّتِي للشَّيْخ فتح الدّين مُحَمَّد ابْن سيد النَّاس الْمَذْكُورَة آنِفا أَبْيَات فِيهَا أَيْضا ذكر شَيْء من أَسمَاء سلاحه وَهِي مجزوء الْكَامِل
(وَإِذا هز حساماً ... هزه حتف الكماة)
(من قضيب ورسوب ... راسب فِي الضربات)
(وانتضى البتار فيهم ... فل حد الباترات)
(خلت لمع الْبَرْق يَبْدُو ... من سنا ذِي الفقرات)
(ولنار المخذم الْمَاضِي لهيب الجمرات)
وبماء الحتف والعضب طهُور الفجرات
(وَله بالأسمر الذا بل حر الفعلات)
)
(يتثنى المتثني ... مثل رقص الراقصات)
(ناظما مِنْهُم رؤوسا ... مثل نظم الخزرات)
(وَعَن الروحاء يَرْمِي ... بسهام مصميات)
وَاتخذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتم ذهب ثمَّ رَمَاه وتبرأ مِنْهُ وَاتخذ خَاتم فضَّة فصه مِنْهُ نقشه مُحَمَّد رَسُول الله فِي ثَلَاثَة أسطر قيل أَنه كَانَ حديداً ملوياً بِفِضَّة كَانَ يحْبسهُ فِي خِنْصره فِي يسَاره وَرُبمَا فِي يَمِينه يَجْعَل فصه إِلَى بَاطِن كَفه وَنهى أَن ينقش أحد على نقشه كَمَا نهى أَن يكتني أحد بكنيته وَلم يزل الْخَاتم فِي يَده إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ فِي يَد أبي بكر ثمَّ فِي يَد عمر ثمَّ فِي يَد عُثْمَان فَلَمَّا كَانَ فِي السّنة السَّادِسَة من خِلَافَته سقط فِي بِئْر أريس فَنُزِحَتْ الْبِئْر وَأخرج مِنْهَا أكوام طين فَلم يُوجد الْخَاتم
3 - (أثوابه وأثاثه)
ترك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم مَاتَ ثوبى حبرَة وأزاراً وعمامة وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وَآخر سحوليا وجبة يمنية وخميصة وَكسَاء أَبيض وقلانس صغَارًا لاطية ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَمِلْحَفَة مورسة وَكَانَت لَهُ ربعَة فِيهَا مرْآة ومشط عاج ومكحلة ومقراض وَسوَاك وَكَانَ لَهُ فرَاش من أَدَم حشوه(1/92)
لِيف وقدح مضبب بِفِضَّة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وقدح آخر وتور من حِجَارَة ومخضب من شبه تعْمل فِيهِ الْحِنَّاء والكتم وَيُوضَع على رَأسه إِذا وجد فِيهِ حرارة وقدح زجاج ومغتسل من صفر وقصعة وَصَاع يخرج بِهِ زَكَاة الْفطر وَمد وسرير وقطيفة وَأهْدى لَهُ النَّجَاشِيّ خُفَّيْنِ ساذجين فلبسهما وَكَانَ لَهُ كسَاء أسود وعمامة يُقَال لَهَا السَّحَاب فَوَهَبَهَا عليا فَكَانَ رُبمَا قَالَ إِذا رَآهُ مُقبلا وَهِي عَلَيْهِ أَتَاكُم عَليّ فِي السَّحَاب وَله ثَوْبَان للْجُمُعَة غير ثِيَابه الَّتِي يلبسهَا فِي سَائِر الْأَيَّام ومنديل يمسح بِهِ وَجهه من الْوضُوء
ومدحه بالشعر جمَاعَة من رجال الصَّحَابَة وَنِسَائِهِمْ جمعهم الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي فِي قصيدة ميمية ثمَّ شرحها فِي مجلدة سَمَّاهَا منح الْمَدْح ورتبهم على حُرُوف المعجم فأربى فِي هَذَا الْجمع على الْحَافِظ ابْن عبد الْبر لِأَنَّهُ ذكر مِنْهُم مَا يُقَارب الْمِائَة وَالْعِشْرين أَو مَا يزِيد على ذَلِك وَالشَّيْخ فتح الدّين قَارب بهم الْمِائَتَيْنِ وَلَا أعلم أحدا حصل من الصَّحَابَة الَّذين مدحوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الْقدر وَقد كتبت هَذَا المُصَنّف بخطى وَسمعت من لَفظه مَا يُقَارب نصفه وأجازني الْبَقِيَّة وَأما شعراؤه الَّذين كَانُوا بصدد المناضلة)
عَنهُ والهجاء لكفار قُرَيْش فَإِنَّهُم ثَلَاثَة حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَكَعب بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَكَانَ حسان يقبل بالهجو على أنسابهم وَعبد الله بن رَوَاحَة يعيرهم بالْكفْر وَكَعب بن مَالك يخوفهم الْحَرْب فَكَانُوا لَا يبالون قبل الْإِسْلَام بأهاجي ابْن رَوَاحَة ويألمون من أهاجي حسان فَلَمَّا دخل من دخل مِنْهُم الْإِسْلَام وجد ألم أهاجي ابْن رَوَاحَة أَشد وأشق وَمن أشهر الصَّحَابَة بالمدح لَهُ كَعْب بن زُهَيْر بن أبي سلمى السَّعْدِيّ وقصيدته بَانَتْ سعاد مَشْهُورَة وَمَا من شَاعِر فِي الْغَالِب جَاءَ بعده ومدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَقد نظم فِي وَزنهَا ورويها وَالْقَاضِي محيي الدّين عبد الله بن عبد الظَّاهِر حَيْثُ يَقُول الطَّوِيل
(لقد قَالَ كَعْب فِي النَّبِي قصيدة ... وَقُلْنَا عَسى فِي مدحه نتشارك)
(فَإِن شملتنا بالجوائز رَحْمَة ... كرحمة كَعْب فَهُوَ كَعْب مبارك)
وَقلت أَنا أمدحه بقصيدة متيمنا بِوَجْهِهِ الْأَغَر وكعبه الْمُبَارك راجياً أَن أحْشر فِي زمرة من مدحه فأولاه بره يَوْم الْقِيَامَة ومنحه وَهِي الْبَسِيط
(سلوا الدُّمُوع فَإِن الصب مَشْغُول ... وَلَا تملوا فَفِي املائها طول)
(واستخبروا صادحات الأيك عَن شجني ... هَل فِي الغرام الَّذِي تبديه تَبْدِيل)
(وَهل لما ضمت الأحشاء بعدكم ... من الجوى عِنْد مَا تحويه تَحْويل)
(أحبتي لَا وعيش مر لي بكم ... وَربع لهوى باللذات مأهول)
(مَا كَانَ لي مذ عرفت الوجد قطّ وَلَا ... يكون فِي غَيْركُمْ قصد وَلَا سَوَّلَ)(1/93)
(هَيْهَات مَا راق طرفِي غير حسنكم ... لِأَنَّهُ بسويداء الْقلب مجبول)
(وحقكم إِن عُذْري فِي محبتكم ... عِنْد العواذل بعد الْيَوْم مَقْبُول)
(مَا لي أَنِين لتقضوا أَن لي رمقاً ... هَذَا دَلِيل على أَن لَيْسَ مَدْلُول)
(فليت جسمي إِذْ أبلاه حبكم ... لم تبْق من سقمي عِنْدِي عقابيل)
(عقدتم هدب أجفاني بحاجبها ... فَلم أنم ونطاق الدمع محلول)
(هبوا من الغمض مَا ألْقى الخيال بِهِ ... إِذا سرى فلقاء الطيف تخييل)
(وخففوا إِن أردتم من ضني جَسَدِي ... أَو لَا فَمَا أحد عَن ذَاك مسؤول)
(أَن تحكموا لي بِأَن أبْكِي على أرقي ... فَإِن هَذَا على عَيْني مَحْمُول)
)
(يَا برق لَا تتشبه لي بمبسمهم ... فَمَا ابتسمت بثغر يخجل اللولو)
(وليت ثغرك فِيهِ مِنْهُم شنب ... وليت قطرك مثل الرِّيق معسول)
(وَيَا نسيم الصِّبَا برد لظى كَبِدِي ... فَإِن ذيلك بالانداء مبلول)
(واحمل رسائل أشواقي لطيبة لَا ... زَالَت تحث لَهَا النجب الْمَرَاسِيل)
(سلم على ربعهَا المحروس أَن لَهَا ... مجداً لَهُ برَسُول الله تأثيل)
(مُحَمَّد خير مَبْعُوث لأمته ... فِي الْحَشْر والنشر تَقْدِيم وتفضيل)
(سادت قُرَيْش بِهِ الْأَعْرَاب قاطبة ... فكم لَهَا مِنْهُ تنويه وتنويل أضحوا وَفرع معاليهم إِذا فَخَروا ... بِهِ على هَامة الجوزاء مهدول)
(وَكَانَ يدعى نَبيا حَيْثُ آدم لم ... يكن لَهُ قبل خلق الطين تشكيل)
(وَالْبَيْت صَار حمى إِذْ كَانَ مظهره ... فَكل من رامه بالسوء مخذول)
(فصان ساحته من كيد أَبْرَهَة ... لما أَتَاهُ وَفِي أَصْحَابه الْفِيل)
(بادوا بأحجار سجيل وَمَا رجعُوا ... لما رَمَتْهُمْ بهَا الطير الأبابيل)
(وَمَا شكت أمه من حمله الما ... وَكَيف وَهُوَ بلطف الله مَحْمُول)
(وَانْشَقَّ إيوَان كسْرَى عِنْد مولده ... وَارْتجَّ من جانبيه الْعرض والطول)
(ورؤية الموبذان الْخَيل فِي حلم ... مِنْهُ وسجع سطيح فِيهِ تَطْوِيل)
(ونار فَارس من بعد اللهيب خبت ... فراح كل بِهَذَا وَهُوَ مَشْغُول)
(وَكم بِهِ بشر الْأَحْبَار من بشر ... بِحَيْثُ لم يبْق فِي الْأَخْبَار تَأْوِيل)
(وَكم لَهُ آيَة فِي النَّاس قد ظَهرت ... لسردها جمل فِينَا وتفصيل)
(وشق فِي آل سعد صَدره ملك ... من السَّمَاء وَهَذَا القَوْل مَنْقُول)
(حَتَّى رمى مغمز الشَّيْطَان مِنْهُ فَلم ... يكن لَهُ فِيهِ بعد الْيَوْم مأمول)(1/94)
(وَقد رَآهُ بحيرا حِين واجهه ... عَلَيْهِ ظلّ السَّحَاب الغر أكليل)
(فَقَالَ يَا عَمه احفظ مَا خصصت بِهِ ... هَذَا بِهِ حد أهل الْكفْر مفلول)
(فَعَاد حَتَّى أَرَادَ الله بعثته ... وكل مَا قدر الرَّحْمَن مفعول)
(كم قد تَحنث يَوْمًا فِي حرى فَأتى ... إِلَيْهِ من عِنْد رب الْعَرْش جِبْرِيل)
(وَقَالَ قُم فأت هَذَا الْخلق تنذرهم ... فعقلهم عَن سراج الْحق مَعْقُول)
)
(فَجَاءَهُمْ بِكِتَاب لَيْسَ يدْخلهُ ... شكّ على أَنه لم يبْق تضليل)
(وَحي إِلَيْهِ من الله الْعَظِيم لَهُ ... عَلَيْهِ فِي كل حِين مِنْهُ تَنْزِيل)
(حَبل من الله قد أضحت هدايته ... بظلها من توحى الْحق مشمول)
(بَاقٍ على الدَّهْر غض فِي تِلَاوَته ... وَمَا سواهُ على التّكْرَار مملول)
(بِهِ تحدى الورى طراً فَأَعْجَزَهُمْ ... وصدهم عَنهُ تنكيب وتنكيل)
(بلاغة قصرت عَنْهَا الْأَنَام وَلم ... يعْهَد لَهَا قبل تَرْتِيب وترتيل)
(أعيى قُريْشًا وهم فِي الحفل أَن نطقوا ... كَمَا علمنَا هم اللسن المقاويل)
(إِذا تَلا آيَة فِي جمعهم زهقت ... على فصاحتهم تِلْكَ الأباطيل)
(وَجَاء أصنام أهل الشّرك فاضطربت ... ونكست فِي الثرى تِلْكَ التماثيل)
(فَكَانَ مِنْهُ لدين الله حِين دَعَا ... سيف على عنق الْكفَّار مسلول)
(وَلم يزل فِي جِهَاد الْمُشْركين إِلَى ... أَن فل جمعهم مِنْهُ وَمَا ديلوا)
(وَقَامَ فِي الله أَقوام إِذا ذكرُوا ... يَوْم الوغى فهم الغر البهاليل)
(وأفوا يلبونه طَوْعًا فقابلهم ... مَعَ الْهدى مِنْهُ ترحيب وتأهيل)
(لَا يألمون إِذا انكت جراحهم ... فَكل صَعب إِذا راضوه تسهيل)
(حَتَّى لقد ظهر الدّين الحنيف وَفِي ... عرنينه شمم وَالْكفْر مهزول)
(وَصَارَ أشهر من نَار على علم ... من بعد مَا كَانَ قدماً وَهُوَ مَجْهُول)
(فيا لَهَا أمة بالمصطفى رحمت ... إِذْ جوده لجَمِيع النَّاس مبذول)
(وَفضل أمته لم تخف رتبته ... إِذْ من يعد سواهُم فَهُوَ مفضول)
(كل يَجِيء وآثار الْوضُوء لَهُ ... فِي حشره غرَّة زانت وتحجيل)
(أَعْمَالهم تشبه التيجان فَوْقهم ... لَهَا الْهدى والتقى وَالْعلم أكليل)
(يَا خَاتم الرُّسُل هَل لي وَقْفَة بمنى ... تقضي المنى عِنْدهَا وَالْقَصْد والسول)
(وَهل أَزور ضريحاً أَنْت ساكنه ... تسري إِلَيْك بِي العيس المراقيل)
(فِي عصبَة يقطعون البيد فِي ظلم ... وُجُوههم فِي دياجيها قناديل)(1/95)
(حَتَّى أروي بلثم الترب فِيك حَشا ... هَيْهَات يشفي الظما من حرهَا النّيل)
(وأكحل الْعين من ذَاك التُّرَاب على ... قرب وَلَا فَرسَخ دوني وَلَا ميل)
)
(قد أثقلتني على ضعْفي الذُّنُوب وَمَا ... لي فِي سوى جاهك المقبول تأميل)
(فَكُن شفيعي فَإِن تشفع فَإِنِّي من ... لحدي إِلَى جنَّة الفردوس مَنْقُول)
(مَا لي سوى حبك المرجو من عمل ... أنفقت عمري وَهَذَا فِيهِ محصول)
(عَلَيْك صلى إِلَه الْخلق مَا نفحت ... ريح الشمَال وَروض الْحزن مطلول)
(وَمَا حكى فِيك رب النّظم ممتدحاً ... بأنت سعاد فقلبي الْيَوْم متبول)
تمت القصيدة وبتمامها تمت التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام(1/96)
(مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
كَمَا بدأت بالمحمدين فِي هَذَا الْكتاب تبركاً باسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك بدأت بِمن اسْم أَبِيه مُحَمَّد أَيْضا لِأَن الْبركَة تضاعفت والهمة تساعفت وَلِأَن صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة تقمص حلَّة بطرازين وَدخل إِلَى حَقِيقَة هَذَا التَّرْتِيب من مجازين واتسم بِحمْل علم علامته لَهَا زين ثمَّ من بعد ذَلِك ارتب أَسمَاء الْآبَاء على الْحُرُوف وأسرد مِنْهَا نقوداً يكون لَهَا عِنْد المتأمل أَو الكاشف صروف وَبِاللَّهِ الْإِعَانَة أَنه الْبر الرؤوف
3 - (الْحَافِظ ابْن الباغندي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحَرْث)
الْحَافِظ أَبُو بكر بن الباغندي قَالَ أَبُو بكر الاسماعيلي لَا أَتَّهِمهُ بِالْكَذِبِ لكنه خَبِيث التَّدْلِيس ويصحف أَيْضا وَقَالَ الْخَطِيب كَافَّة شُيُوخنَا يحتجون بِهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كثير التَّدْلِيس توفّي فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثلاثمائة
3 - (أَبُو الْحسن النفاح مُحدث مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
النفاح بِالْحَاء الْمُهْملَة هُوَ أَبُو الْحسن الْبَاهِلِيّ الْبَغْدَادِيّ نزيل مصر قَالَ ابْن يُونُس كَانَ ثبتا ثِقَة صَاحب حَدِيث متقللا من الدُّنْيَا توفّي سنة أَربع عشرَة وثلاثمائة
3 - (أَبُو جَعْفَر الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عقبَة)
أَبُو جَعْفَر الشَّيْبَانِيّ شيخ الْكُوفَة كَانَ السُّلْطَان يختاره والقضاة وَمَا قَالَ فَهُوَ القَوْل وَكَانَ ثِقَة كثير النَّفْع وَمكث النَّاس ينتابون قَبره نَحْو السّنة وَختم عِنْده ختمات كَثِيرَة وَتُوفِّي سنة تسع وثلاثمائة
3 - (النسوي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم)
أَبُو الْفضل النسوي الْفَقِيه الشَّافِعِي سكن بَغْدَاد ودرس بهَا وَكَانَت لَهُ حَلقَة للمناظرة وَكَانَ مقدما)
على أقرانه حدث عَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي وَالْقَاضِي أبي الْفرج الْمعَافى النهرواني والصاحب ابْن عباد وَغَيرهم وروى عَنهُ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم المحسن التنوخي وَأَبُو مَنْصُور محمّد بن محمّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن العكبري وَأَبُو نصر عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن هَارُون الشِّيرَازِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء النسوي من أَصْحَاب أبي الْحُسَيْن الْقطَّان وَكَانَ نظاراً فصيحاً سكن بَغْدَاد وَتُوفِّي بأرجان
3 - (أَبُو الْحُسَيْن الْخُزَاعِيّ النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حمدَان)
أَبُو الْحُسَيْن(1/97)
الْخُزَاعِيّ النَّحْوِيّ حدث عَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن بشار الْأَنْبَارِي وَأبي بكر أَحْمد بن الْعَبَّاس بن عبد الله بن عُثْمَان صَاحب ثَعْلَب وَعَن أبي عبد الله جَعْفَر بن مُحَمَّد الحسني الْعلوِي روى عَنهُ ختنه إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم ابْن مُوسَى السكونِي الْموصِلِي وَأَبُو بكر مكرم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مكرم كتب أَحْمد ابْن عَليّ بن أَحْمد البتى عَن أبي الْحُسَيْن الْخُزَاعِيّ املاء فِي صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة
3 - (الْوَزير ابْن بَقِيَّة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بَقِيَّة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف على وزن هَدِيَّة)
الْوَزير أَبُو الطَّاهِر نصير الدولة وَزِير عز الدولة بختيار بن معز الدولة ابْن بويه كَانَ من جلة الوزراء وأكابر الرؤساء وأعيان الكرماء يُقَال أَن راتبه فِي الشمع كَانَ فِي كل شهر ألف منا وَكَانَ من أهل أوانا من عمل بَغْدَاد وَفِي أول أمره توصل إِلَى أَن صَار صَاحب مطبخ معز الدولة ثمَّ تنقل فِي غير ذَلِك من الخدم وَلما مَاتَ معز الدولة حسنت حَاله عِنْد وَلَده عز الدولة ورعى لَهُ خدمته لِأَبِيهِ فاستوزره فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة فَقَالَ النَّاس من الغضارة إِلَى الوزارة وَستر عيوبه كرمه خلع فِي عشْرين يَوْمًا عشْرين ألف خلعة وَقَالَ أَبُو اسحاق الصابيء رَأَيْته فِي لَيْلَة يشرب
كلما لبس خلعة خلعها على أحد الْحَاضِرين فزادت على مئة فَقَالَت لَهُ مغنية فِي هَذِه الْخلْع زنانير مَا تدعك تلبسها فَضَحِك وَأمر لَهَا بحقة حلى ثمَّ أَنه قبض عَلَيْهِ لسَبَب يطول ذكره حَاصله أَنه حمله على محاربة ابْن عَمه عضد الدولة فَالْتَقَيَا على الأهواز وَكسر عز الدولة وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو عنان الطَّبِيب بِالْبَصْرَةِ الطَّوِيل
(أَقَامَ على الأهواز خمسين لَيْلَة ... يدبر أَمر الْملك حَتَّى تدمرا)
(فدبر أمرا كَانَ أَوله عمى ... وأوسطه بلوى وَآخره خرى)
)
وَلما قبض عَلَيْهِ بِمَدِينَة وَاسِط سمل عَيْنَيْهِ وَلزِمَ بَيته إِلَى أَن مَاتَ عز الدولة وَلما ملك عضد الدولة بَغْدَاد طلبه لما كَانَ يبلغهُ عَنهُ من الْأُمُور القبيحة مِنْهَا أَنه كَانَ يُسَمِّيه أَبَا بكر الغددي تَشْبِيها لَهُ بِرَجُل أشقر أنمش يَبِيع الغدد للسنانير وَالظَّاهِر أَن اعداءه كَانُوا يَفْعَلُونَ بِهِ ذَلِك ويفتعلونه فَلَمَّا حضر أَلْقَاهُ تَحت أرجل الفيلة فَلَمَّا قتلته صلبه بِحَضْرَة البيمارستان العضدي بِبَغْدَاد وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة لست خلون من شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَكَانَ عمره قد نَيف على الْخمسين ورثاه أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عمر بن يَعْقُوب الْأَنْبَارِي أحد الْعُدُول بِبَغْدَاد بقصيدة لم أر فِي مصلوب أحسن مِنْهَا وأولها الوافر
(علو فِي الْحَيَاة وَفِي الْمَمَات ... بِحَق أَنْت إِحْدَى المعجزات)
(كَانَ النَّاس حولك حِين قَامُوا ... وُفُود نداك أَيَّام الصلات)
(كَأَنَّك قَائِم فيهم خَطِيبًا ... وَكلهمْ قيام للصَّلَاة)(1/98)
(مددت يَديك نحوهم احتفاء ... كمدكها إِلَيْهِم بالهبات)
(وَلما ضَاقَ بطن الأَرْض عَن أَن ... يضم علاك من بعد الْمَمَات)
(أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عَن الأكفان ثوب السافيات)
(لعظمك فِي النُّفُوس تبيت ترعى ... بحفاظ وحراس ثِقَات)
(وتشعل عنْدك النيرَان لَيْلًا ... كَذَلِك كنت أَيَّام الْحَيَاة)
(ركبت مَطِيَّة من قبل زيد ... علاها فِي السنين الماضيات)
(وَلم أر قبل جذعك قطّ جذعاً ... تمكن من عنَاق المكرمات)
(أَسَأْت إِلَى النوائب فاستثارت ... فَأَنت قَتِيل ثار النائبات)
(وَكنت تجير من صرف اللَّيَالِي ... فَعَاد مطالباً لَك بالترات)
(وصير دهرك الْإِحْسَان فِيهِ ... إِلَيْنَا من عَظِيم السَّيِّئَات)
(وَكنت لمعشر سَعْدا فَلَمَّا ... مضيت تفَرقُوا بالمنحسات)
(غليل بَاطِن لَك فِي فُؤَادِي ... يُخَفف بالدموع الْجَارِيَات)
(وَلَو أَنِّي قدرت على قيام ... بفرضك والحقوق الْوَاجِبَات)
(مَلَأت الأَرْض من نظم القوافي ... ونحت بهَا خلاف النائحات وَمَالك تربة فَأَقُول تسقى ... لِأَنَّك نصب هطل الهاطلات)
)
(عَلَيْك تَحِيَّة الرَّحْمَن تترايا ... برحمات غواد رائحات)
وكتبها الشَّاعِر الْمَذْكُور وَرمى بهَا نسخا فِي شوارع بَغْدَاد فتداولها الأدباء إِلَى أَن وصل خَبَرهَا إِلَى عضد الدولة وأنشدت بَين يَدَيْهِ فتمنى أَن يكون هُوَ المصلوب دونه وَقَالَ عَليّ بِهَذَا الرجل فَطلب سنة كَامِلَة واتصل الْخَبَر بالصاحب ابْن عباد فَكتب لَهُ إِلَى عضد الدولة بالأمان فَحَضَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الصاحب أنشدنيها فَلَمَّا بلغ الوافر
(وَلم أر قبل جذعك قطّ جذعاً ... تمكن من عنَاق المكرمات)
قَامَ إِلَيْهِ وَقبل فَاه وأنفذه إِلَى عضد الدولة فَقَالَ لَهُ مَا حملك على رثاء عدوي قَالَ حُقُوق وَجَبت وإياد سلفت فَجَاشَ الْحزن فِي قلبِي فرثيت وَكَانَ بَين يَدَيْهِ شموع تزهر فَقَالَ هَل يحضرك شَيْء فِي الشموع فَأَنْشد المتقارب(1/99)
(كَانَ الشموع وَقد أظهرت ... من النَّار فِي كل رَأس سِنَانًا)
(أَصَابِع أعدائك الْخَائِفِينَ ... تضرع تطلب مِنْك الأمانا)
فَخلع عَلَيْهِ واعطاه فرسا وبدرة وَلم يزل ابْن بَقِيَّة مصلوباً إِلَى أَن توفى عضد الدولة فَأنْزل وَدفن فَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الْمَذْكُور يرثيه أَيْضا الْبَسِيط
(لم يلْحقُوا بك عاراً إِذْ صلبت بلَى ... باؤا بأثمك ثمَّ استرجعوا ندما)
(وأيقنوا أَنهم فِي فعلهم غلطوا ... وَأَنَّهُمْ نصبوا من سودد علما)
(فاسترجعوك وواروا مِنْك طود على ... بدفنه دفنُوا الأفضال والكرما)
(لَئِن بليت فَمَا يبلي نداك وَلَا ... ينسى وَكم هَالك ينسى إِذا عدما)
(تقاسم النَّاس حسن الذّكر فِيك كَمَا ... مَا زَالَ مَالك بَين النَّاس مقتسما)
وَمَا أحسن قَول ابْن حمديس فِي مصلوب الطَّوِيل
(ومرتفع فِي الْجذع إِذْ حط قدره ... أَسَاءَ إِلَيْهِ ظَالِم وَهُوَ محسن)
(كذي غرق مد الذراعين سابحاً ... من الجو بحراً عومه لَيْسَ يُمكن)
(وتحسبه من جنَّة الْخلد دائبا يعانق حورا مَا تراهن أعين)
وَقَول الآخر الْبَسِيط
(كَأَنَّهُ عاشق قد مد صفحته ... يَوْم الْفِرَاق إِلَى توديع مرتحل)
(أَو قَائِم من نُعَاس فِيهِ لوثته ... مواصل لتمطيه من الكسل)
)
وَقَول عمر الْخَرَّاط الْكَامِل
(انْظُر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ متظلم ... فِي جذعه لحظ السَّمَاء بطرفه)
(بسط الْيَدَيْنِ كَأَنَّهُ يَدْعُو على ... من قد أَشَارَ على الْعَدو بحتفه)
وَقَول الآخر الْكَامِل
(انْظُر إِلَيْهِم فِي الْجُذُوع كَأَنَّهُمْ ... قد فوقوا يرْمونَ بالنشاب)
(أَو عصبَة عزموا الْفِرَاق فنكسوا ... أَعْنَاقهم آسفاً على الأحباب)
وَقَول أبي تَمام الطَّائِي الْكَامِل
(سود اللبَاس كَأَنَّمَا نسجت لَهُم ... أَيدي السمُوم مدارعاً من قار)
(بَكرُوا وأسروا فِي متون ضوامر ... قيدت لَهُم من مربط النجار)
(لَا يبرحون وَمن رَآهُمْ خالهم ... أبدا على سفر من الْأَسْفَار)
وَقَوله أَيْضا الْكَامِل
(أهْدى لمتن الْجذع متنيه كَذَا ... من عاف متن الأسمر الْعَسَّال)(1/100)
(لَا كَعْب أَسْفَل فِي العلى من كَعبه ... مَعَ أَنه عَن كل كَعْب عَال)
(سَام كَانَ الْجذع يجذب ضبعه ... وسموه من ذلة وسفال)
وَقَول البحتري
(متشرفاً للشمس منتصباً لَهَا ... فِي أخريات الْجذع كالحرباء)
(فتراه مطرداً على أعواده ... مثل أطراد كواكب الجوزاء)
وَقَوله أَيْضا الْخَفِيف
(تحسد الطير مِنْهُ ضبع الْبَوَادِي ... وَهُوَ فِي غير حَالَة الْمَحْسُود)
(وَكَانَ امتداد كفيه فَوق الْجذع من محفل الردى الْمَشْهُود)
(طَائِر مد مستريحاً جناحته استراحات مُتْعب مكدود)
3 - (الملطى النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُسلم)
أَبُو بكر الْحِمْيَرِي مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بالملطي أَمَام جَامع عَمْرو ابْن الْعَاصِ كَانَ يعلم أَوْلَاد الْمُلُوك النَّحْو توفّي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة
3 - (القَاضِي الجذوعي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن اسماعيل بن شَدَّاد)
)
أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الجذوعي كَانَ صَالحا ورعاً دينا ثِقَة حدث عَن عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ وَغَيره وروى عَنهُ الْمحَامِلِي وَغَيره وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ دخل مَعَ الشُّهُود على الْمُعْتَمد فِي دين كَانَ اقترضه عِنْد الْإِضَافَة وأنفقه على صَاحب الزنج وَقَرَأَ عَلَيْهِ اسماعيل بن بلبل الْكتاب وَقَالَ يشْهد الْجَمَاعَة على أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ نعم فَشَهِدُوا وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى انْتهى الْأَمر إِلَى الجذوعي فَأخذ الْكتاب بِيَدِهِ وَقَالَ اشْهَدْ عَلَيْك قَالَ نعم قَالَ لَا يَصح حَتَّى تَقول اشْهَدْ فَقَالَ اشْهَدْ فَلَمَّا خَرجُوا سَأَلَ عَنهُ فَأخْبر فَقَالَ أَعمال أم بطال قيل بطال فقلده الْقَضَاء على وَاسِط وَكَانَ بهَا الْمُوفق فاستدعاه يَوْمًا فجَاء وعَلى رَأسه دنية طَوِيلَة وَكَانَ قصير الرَّقَبَة فَدخل فَوَجَدَهُ غُلَام مخمور وَهُوَ مكين عِنْد الْمُوفق فكبس الدنية فغاص رَأسه فِيهَا ففتقها غُلَامه واخرج رَأسه مِنْهَا فَثنى رِدَاءَهُ على رَأسه وَعَاد إِلَى دَاره وَسلم قمطر الْقَضَاء إِلَى الشُّهُود وصرفهم وأغلق بَابه فَلَمَّا علم الْمُوفق بالقضية قَالَ لوالي الشرطة جرد الْغُلَام واحمله إِلَى بَاب القَاضِي وَاضْرِبْهُ ألف سَوط وَكَانَ وَالِد الْغُلَام من جلة القواد فَمَشَوْا مَعَ وَالِده وَتَضَرَّعُوا للْقَاضِي فَقَالَ للوالي لَا تضربه فَقَالَ مَا أقدر أُخَالِف الْمُوفق فَركب إِلَى الْمُوفق وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَا بُد من ضربه فَقَالَ الْحق لي وَقد تركته لَهُ فَسكت الْمُوفق وَعَاد الجذوعي إِلَى بَغْدَاد
3 - (أَبُو الْحسن ابْن الْورْد الزَّاهِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى)
أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْورْد جده عِيسَى مولى سعيد بن الْعَاصِ مولى عتاقة صحب مُحَمَّد هَذَا بشر الحافي وسرى السَّقطِي والْحَارث المحاسبي وَأسْندَ الحَدِيث عَن الْهَيْثَم بن الْقَاسِم وَغَيره وروى عَنهُ عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَلم يزل مَشْهُورا بالزهد والورع وَالْخلْوَة توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ(1/101)
3 - (الطويري وَالِي مظالم القيروان مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَالِد)
هُوَ أَبُو الْقَاسِم الْقَيْسِي الطويري ولي بلد القيروان على الْمَظَالِم فامتحنه الله تَعَالَى على يَد مُحَمَّد بن عمر الْمروزِي قَاضِي الشِّيعَة فَضَربهُ فِي الْجَامِع وحبسه توفّي سنة سبع عشرَة وَثَلَاث مائَة
3 - (أَبُو نصر الفارابي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طرخان بن أوزلغ)
بِالْألف وَالْوَاو الساكنة وَالزَّاي الْمَفْتُوحَة وَاللَّام الْمَفْتُوحَة والغين الْمُعْجَمَة أَبُو نصر التركي)
الفارابي الْحَكِيم فيلسوف الْإِسْلَام هَكَذَا رَأَيْت الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ قد أثْبته أَعنِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد وَمن خطه نقلت وَرَأَيْت ابْن خلكان قد قَالَ مُحَمَّد بن طرخان قدم بَغْدَاد وَأدْركَ بهَا مَتى ابْن يُونُس الفيلسوف فَأخذ عَنهُ وَسَار إِلَى حران فَلَزِمَ يوحنا ابْن حبلان النَّصْرَانِي وَأخذ عَنهُ وأتقن بِبَغْدَاد اللُّغَة وَقيل أَنه مَا أَخذ الفلسفة إِلَّا من اللُّغَة اليونانية لِأَنَّهُ كَانَ بهَا وبغيرها من اللُّغَات عَارِفًا وَكَانَ قد برع فِي الْحِكْمَة وَمهر فِي الموسيقى وَيُقَال أَنه أول من وضع الْآلَة الْمَعْرُوفَة بالقانون وركبها هَذَا التَّرْكِيب وَذكر القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان حكايته الَّتِي جرت لَهُ مَعَ سيف الدولة ابْن حمدَان وَأَنه دخل عَلَيْهِ بزِي الأتراك وَكَانَ لَا يُفَارِقهُ فَقَالَ لَهُ اقعد فَقَالَ حَيْثُ أَنا أَو حَيْثُ أَنْت فَقَالَ حَيْثُ أَنْت فتخطى النَّاس حَتَّى انْتهى إِلَى مُسْند سيف الدولة وزحمه فِيهِ حَتَّى أخرجه عَنهُ وَكَانَ على رَأس سيف الدولة مماليك لَهُ مَعَهم لِسَان خَاص يسارهم بِهِ فَقَالَ لَهُم بذلك اللِّسَان هَذَا الشَّيْخ أَسَاءَ الْأَدَب فأخرقوا بِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو نصر بذلك اللِّسَان أَن الْأُمُور بعواقبها فَعجب سيف الدولة وَقَالَ أتحسن هَذَا اللِّسَان فَقَالَ أحسن أَكثر من سبعين لِسَانا وَأَنه نَاظر من كَانَ فِي الْمجْلس من أَئِمَّة كل فن فَلم يزل كَلَامه يَعْلُو وهم يستفلون إِلَى أَن صمت الْجَمِيع فَعرض عَلَيْهِ سيف الدولة بعد انصراف الْفُضَلَاء الْأكل وَالشرب فَامْتنعَ فَقَالَ لَهُ وَلَا تسمع قَالَ نعم فأحضر القيان فَلم يُحَرك أحد آلَته إِلَّا وعابه أَبُو نصر ثمَّ أخرج من وَسطه خريطة وَأخرج مِنْهَا عيداناً ركبهَا وَلعب بهَا فأضحك كل من فِي الْمجْلس ثمَّ فكها وركبها غير ذَلِك التَّرْكِيب الأول وحركها فأبكى كل من فِي الْمجْلس ثمَّ فكها وركبها غير ذَلِك التَّرْكِيب وَلعب بهَا وحركها فأنامهم حَتَّى البواب وَخرج قلت وَهَذِه الْوَاقِعَة مُمكنَة من مثل أبي نصر لِأَنَّهُ إِذا غنى السامعين مثلا بِمَا لِابْنِ حجاج من ذَلِك المجون الحلو فِي نغم فَإِن السَّامع يضْحك وَإِذا غنى بإشعار متيمي الْعَرَب وَالرَّقِيق من فراقياتهم وحزنياتهم فِي نغم النَّوَى وَمَا أشبه ذَلِك فَإِن السَّامع يبكي وَكَذَا حَاله إِذا أَرَادَ أَن يشجع أَو أَن يسمح أَو غير ذَلِك وَكَانَ كثير الإنفراد بِنَفسِهِ وَلما قدم دمشق كَانَ يلازم غِيَاض السفرجل وَرُبمَا صنف هُنَاكَ وَقد ينَام فَتحمل الرّيح تِلْكَ الأوراق وتنقلها من مَكَان إِلَى مَكَان وَقيل أَن السَّبَب فِي وجود بعض مصنفاته(1/102)
فِيهَا نقص هُوَ ذَلِك لِأَن الرّيح رُبمَا أطارت تِلْكَ الأوراق بَعْضهَا من بعض وَكَانَ لَا يصنف إِلَّا فِي الرّقاع لَا فِي الكراريس وَكَانَ أزهد النَّاس فِي الدُّنْيَا وأجرى عَلَيْهِ سيف الدولة فِي كل يَوْم أَرْبَعَة دَرَاهِم وَتوجه من دمشق إِلَى مصر ثمَّ عَاد إِلَيْهَا وَقيل إِنَّه)
لما عَاد من حران أَقَامَ بِبَغْدَاد واكب على مصنفات أرسطو حَتَّى مهر واتقن الْحِكْمَة يُقَال أَن نُسْخَة وجدت لكتاب النَّفس لأرسطو وَعَلَيْهَا بِخَط أبي نصر الفارابي قَرَأت هَذَا الْكتاب مِائَتي مرّة وَكَانَ يَقُول قَرَأت السماع الطبيعي لأرسطو أَرْبَعِينَ مرّة وَأَنا مُحْتَاج إِلَى معاودته وَسُئِلَ أَأَنْت أعلم بِهَذَا اللِّسَان أم أرسطو فَقَالَ لَو أَدْرَكته لَكُنْت أكبر تلامذته وَقَالَ ابْن صاعد الْقُرْطُبِيّ بذ جَمِيع الْإِسْلَام وأربى عَلَيْهِم فِي تَحْقِيق الفلسفة وَشرح غامضها وكشف سرها وَقرب تنَاولهَا وَهُوَ صَحِيح الْعبارَة لطيف الْإِشَارَة نبة على مَا أعيي على الْكِنْدِيّ وَغَيره من صناعَة التَّحْلِيل وأنحاء التعاليم وأوضح مواد الْمنطق الْخَمْسَة وَأفَاد وُجُوه الِانْتِفَاع بهَا وَعرف طرق اسْتِعْمَالهَا وَكَيف تصرف صور الْقيَاس فِي كل مَادَّة فَجَاءَت كتبه فِي ذَلِك الْغَايَة الكافية وَالنِّهَايَة الفاضلة انْتهى وَألف بِبَغْدَاد مُعظم كتبه وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَصلى عَلَيْهِ سيف الدولة فِي أَرْبَعَة من خواصه وَقد ناهز الثَّمَانِينَ وَدفن فِي مَقَابِر بَاب الصَّغِير وفاراب بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وَبَينهمَا ألف وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة وَهِي من بِلَاد التّرْك وَتسَمى الْآن أطرار بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَبَين الراءين ألف سَاكِنة وَكَانَ أَبوهُ قَائِد جَيش
وَقَالَ ابْن سينا سَافَرت فِي طلب الشَّيْخ أبي نصر وَمَا وجدته وليتني وجدته فَكَانَت حصلت إِفَادَة وَقَالَ قَرَأت كتاب مَا بعد الطبيعة فَمَا كنت أفهم مَا فِيهِ والتبس عَليّ غَرَض وَاضعه حَتَّى قرأته أَرْبَعِينَ مرّة وَصَارَ مَحْفُوظًا وأيست من فهمه وَقلت لَا سَبِيل إِلَى فهمه فَبينا أَنا يَوْمًا بعد صَلَاة الْعَصْر فِي الوراقين وَإِذا بدلال يُنَادي على مُجَلد فعرضه عَليّ فرددته رد متبرمٍ بِهِ مُعْتَقد أَن هَذَا الْعلم لَا فَائِدَة فِيهِ فَقَالَ اشتره فَإِنِّي أبيعك أَيَّاهُ بِثَلَاثَة دَرَاهِم فاشتريته فَإِذا هُوَ من تصانيف أبي نصر فِي أغراض ذَلِك الْكتاب فَرَجَعت إِلَى بَيْتِي وأسرعت قِرَاءَته فانفتح عَليّ فِي الْوَقْت أغراض ذَلِك الْكتاب وفهمته وفرحت فَرحا شَدِيدا وتصدقت ثَانِي يَوْم على الْفُقَرَاء بِشَيْء كثير انْتهى
وَمن تصانيفه آراء الْمَدِينَة الفاضلة وَهُوَ كتاب مليح شرح كتاب المجسطي لبطلميموس شرح كتاب الْبُرْهَان لأرسطو شرح الْمقَالة الثَّانِيَة وَالثَّامِنَة من كتاب الجدل لأرسطو شرح كتاب المغالطة لأرسطو شرح كتاب الْقيَاس لأرسطو وَهُوَ الشَّرْح الْكَبِير شرح كتاب باريمينياس لأرسطو على جِهَة التَّعْلِيق كتاب الْمُخْتَصر الْكَبِير فِي الْمنطق كتاب الْمُخْتَصر الصَّغِير فِي الْمنطق على طَريقَة الْمُتَكَلِّمين كتاب الْمُخْتَصر الْأَوْسَط فِي الْقيَاس كتاب التوطئة فِي الْمنطق)
شرح كتاب أيساغوجي لفرفوريوس املاء فِي مَعَاني أيساغوجي كتاب الْقيَاس الصَّغِير وَوجد كِتَابه(1/103)
هَذَا مترجماً بِخَطِّهِ احصاء القضايا والقياسات الَّتِي تسْتَعْمل على الْعُمُوم فِي جَمِيع الصَّنَائِع القياسية كتاب شُرُوط الْقيَاس كتاب الْبُرْهَان كتاب الجدل كتاب الْمَوَاضِع المنتزعة من الْمقَالة الثَّامِنَة فِي الجدل كتاب الْمَوَاضِع المغلطة كتاب اكْتِسَاب الْمُقدمَات كَلَام فِي الْمُقدمَات المختلطة من وجودي وضروري كَلَام فِي الْخَلَاء صدر لكتاب الخطابة شرح لكتاب السماع الطبيعي لأرسطو على جِهَة التَّعْلِيق شرح كتاب السَّمَاء والعالم لأرسطو شرح كتاب الْآثَار العلوية لأرسطو شرح مقَالَة الاسكندر الأفروديسي فِي النَّفس شرح كتاب الْأَخْلَاق لأرسطو كتاب فِي النواميس كتاب احصاء الْعُلُوم وترتيبها كتاب الفلسفتين لافلاطون وأرسطو مخروم الآخر الْمَدِينَة الفاضلة وَالْمَدينَة الجاهلة وَالْمَدينَة الفاسقة وَالْمَدينَة المتدينة وَالْمَدينَة الضَّالة كتاب الْأَلْفَاظ والحروف كتاب الموسيقى الْكَبِير أَلفه للوزير أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْكَرْخِي كتاب فِي احصاء الْإِيقَاع كَلَام لَهُ فِي النقلَة مضافات إِلَى الأيقاع كَلَام فِي الموسيقى مُخْتَصر فُصُول فلسفية منتزعة من كتب الفلاسفة كتاب المبادئ الإنسانية كتاب الرَّد على جالينوس فِيمَا تَأَوَّلَه من كَلَام أرسطو الرَّد على ابْن الراوندي فِي أدب الجدل الرَّد على يحيى النَّحْوِيّ فِيمَا رده على أرسطو الرَّد على الرَّازِيّ فِي الْعلم الإلهي كتاب الْوَاحِد والوحدة كَلَام فِي الحيز والمقدار كتاب فِي الْعقل صَغِير آخر فِي الْعقل كَبِير كَلَام فِي معنى اسْم الفلسفة الموجودات المتغيرة الموسوم بالْكلَام الطبيعي شَرَائِط الْبُرْهَان شرح المستغلق من مصادرة الْمقَالة الأولى وَالْخَامِسَة من أقليدس اتِّفَاق آراء ابقراط وافلاطون التَّنْبِيه على أَسبَاب السَّعَادَة كَلَام فِي الْجُزْء وَمَا يتَجَزَّأ كَلَام فِي اسْم الفلسفة وَسبب ظُهُورهَا واسماء المبرزين فِيهَا وعَلى من قَرَأَ مِنْهُم كَلَام فِي الْجِنّ كَلَام فِي الْجَوْهَر الفحص الْمدنِي كتاب السياسات المدنية كَلَام فِي الْملَّة وَالْفِقْه مدنِي كَلَام جمعه من أقاويل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير فِيهِ إِلَى صناعَة الْمنطق كتاب فِي الخطابة كَبِير عشرُون مجلدة رِسَالَة فِي قَود الجيوش كَلَام فِي المعايش والحروب كتاب فِي التأثيرات العلوية مقَالَة فِي الْجِهَة الَّتِي يَصح عَلَيْهَا القَوْل بِأَحْكَام النُّجُوم كتاب فِي الْفُصُول المنتزعة للاجتماعات كتاب فِي الْحِيَل والنواميس كَلَام لَهُ فِي الرُّؤْيَا كتاب فِي صناعَة الْكِتَابَة شرح كتاب الْبُرْهَان لأرسطو أملاه على ابراهيم بن عدي تِلْمِيذه بحلب كَلَام فِي الْعلم الإلهي شرح)
المستغلق من قاطيغورياس لأرسطو وَيعرف بتعليقات الْحَوَاشِي كَلَام فِي أَعْضَاء الْحَيَوَان كتاب مُخْتَصر جمع الْكتب المنطقية الْمدْخل إِلَى الْمنطق(1/104)
التَّوَسُّط بَين أرسطو وجالينوس غَرَض المقولات كَلَام فِي الشّعْر والقوافي شرح كتاب الْعبارَة لأرسطو على جِهَة التَّعْلِيق تعاليق على كتاب الْقيَاس كتاب فِي الْقُوَّة المتناهية وَغير المتناهية تَعْلِيق لَهُ فِي النُّجُوم الْأَشْيَاء الَّتِي يحْتَاج أَن تعلم قبل الفلسفة فُصُول جمعهَا من كَلَام الأقدمين أغراض أرسطو فِي كل وَاحِد من كتبه كتاب المقاييس مُخْتَصر كتاب الْهدى كتاب فِي اللُّغَات كتاب فِي الاجتماعات المدنية كَلَام فِي أَن حركات الْفلك دائمة كَلَام فِيمَا يصلح أَن يذم الْمُؤَدب كَلَام فِي لَوَازِم الفلسفة مقَالَة فِي وجوب صناعَة الكيمياء وَالرَّدّ على مبطليها مقَالَة فِي اعْتِرَاض أرسطو طاليس فِي كل مقَالَة من كِتَابه الموسوم بالحروف وَهُوَ تَحْقِيق غَرَضه فِي كتاب مَا بعد الطبيعة الدَّعَاوَى المنسوبة إِلَى أرسطو فِي الفلسفة مُجَرّدَة عَن بياناتها وحججها تعاليق فِي الْحِكْمَة كَلَام أملاه فِي معنى ذَات وَمعنى جَوْهَر وَمعنى طبيعة جَوَامِع السياسة الْمدْخل إِلَى الهندسة الوهمية مُخْتَصر عُيُون الْمسَائِل على رَأْي أرسطو وَهِي مائَة وَسِتُّونَ مَسْأَلَة جوابات لمسائل سُئِلَ عَنْهَا وَهِي ثَلَاث وَعِشْرُونَ مَسْأَلَة أَصْنَاف الْأَشْيَاء البسيطة الَّتِي تَنْقَسِم إِلَيْهَا القضايا فِي جَمِيع الصَّنَائِع القياسية جَوَامِع كتاب النواميس لأفلاطون كَلَام من إمْلَائِهِ وَقد سُئِلَ عَمَّا قَالَ أرسطو فِي الْحَار تعليقات أنالوطيقا الأولى لأرسطو شَرَائِط الْيَقِين مَاهِيَّة النَّفس السماع الطبيعي وَمن دُعَائِهِ أوردهُ ابْن أبي أصيبعة فِي تَارِيخ الْأَطِبَّاء اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك يَا وَاجِب الْوُجُود وَيَا عِلّة الْعِلَل يَا قَدِيما لم يزل أَن تعصمني من الزلل وَأَن تجْعَل لي من الأمل مَا ترضاه لي من عمل اللَّهُمَّ امنحني مَا اجْتمع من المناقب وارزقني فِي أموري حسن العواقب نجح مقاصدي والمطالب يَا آله الْمَشَارِق والمغارب الْكَامِل
(رب الْجَوَارِي الكنس السَّبع الَّتِي انبجست عَن الْكَوْن انبجاس الْأَنْهُر)
(هن الفواعل عَن مشيته الَّتِي ... عَمت فضائلها جَمِيع الْجَوْهَر)
(أَصبَحت أَرْجُو الْخَيْر مِنْك وامتري ... زحلاً وَنَفس عُطَارِد وَالْمُشْتَرِي)
اللَّهُمَّ البسني حلل الْبَهَاء وكرامات الْأَنْبِيَاء وسعادة الْأَغْنِيَاء وعلوم الْحُكَمَاء وخشوع الأتقياء اللَّهُمَّ أنقذني من عَالم الشَّقَاء والفناء واجعلني من إخْوَان الصفاء وَأَصْحَاب الْوَفَاء وسكان السَّمَاء)
مَعَ الصديقين وَالشُّهَدَاء أَنْت الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت عِلّة الْأَشْيَاء وَنور الأَرْض وَالسَّمَاء امنحني فيضاً من الْعقل الفعال يَا ذَا الْجلَال والافضال هذب نَفسِي بأنوار الْحِكْمَة وأوزعني شكر مَا أوليتني من نعْمَة أَرِنِي الْحق حَقًا وألهمني اتِّبَاعه وَالْبَاطِل بَاطِلا واحرمني اعْتِقَاده هذب نَفسِي من طِينَة الهيولى أَنَّك أَنْت الْعلَّة الأولى الْكَامِل
(يَا عِلّة الْأَشْيَاء جمعا وَالَّذِي ... كَانَت بِهِ عَن فيضه المثعنجر)(1/105)
(رب السَّمَوَات الطباق ومركز ... فِي وسطهن من الثرى والأبحر)
(إِنِّي دعوتك مستجيراً مذنباً ... فَاغْفِر خَطِيئَة مذنب ومقصر)
(هذب بفيض مِنْك رب الْكل من ... كدر الطبيعة والعناصر عنصري)
اللَّهُمَّ رب الْأَشْخَاص العلوية والأجرام الفلكية والأرواح السماوية غلبت على عَبدك الشَّهْوَة البشرية وَحب الشَّهَوَات وَالدُّنْيَا الدنية فَاجْعَلْ عصمتك مجنى من التَّخْلِيط وتقواك حصنى من التَّفْرِيط أَنَّك بِكُل شَيْء مُحِيط اللَّهُمَّ انقذني من أسر الطبائع الْأَرْبَع وانقلني إِلَى جنابك الأوسع وجوارك الأرفع اللَّهُمَّ اجْعَل الْكِفَايَة سَببا لقطع مَذْمُوم العلائق الَّتِي بيني وَبَين الْأَجْسَام الترابية والهموم الكونية وَاجعَل الْحِكْمَة سَببا لِاتِّحَاد نَفسِي بالعوالم الآلهية والأرواح السماوية اللَّهُمَّ طهر بِروح الْقُدس الشَّرِيفَة نَفسِي وآثر بالحكمة الْبَالِغَة عَقْلِي وحسي وَاجعَل الْمَلَائِكَة بَدَلا من عَالم الطبيعة أنسي اللَّهُمَّ ألهمني الْهدى وَثَبت إيماني بالتقوى وبغض إِلَى نَفسِي حب الدُّنْيَا اللَّهُمَّ قو ذاتي على قهر الشَّهَوَات الفانية وَالْحق نَفسِي بمنازل النُّفُوس الْبَاقِيَة وَاجْعَلْهَا من جملَة الْجَوَاهِر الشَّرِيفَة الْعَالِيَة فِي جنَّة عالية سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ سَابق الموجودات الَّتِي تنطق بِالسنةِ الْحَال والمقال أَنَّك معطي كل شَيْء مِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحقّه بالحكمة وجاعل الْوُجُود لَهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى عدمهَا نعْمَة وَرَحْمَة فالذوات مِنْهَا والأعراض مُسْتَحقَّة بآلائك شاكرة فَضَائِل نعمائك وَأَن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم الْإِسْرَاء سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَعَالَيْت إِنَّك الله الْأَحَد الْفَرد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد اللَّهُمَّ أَنَّك قد سجنت نَفسِي فِي سجن من العناصر الْأَرْبَعَة ووكلت بافتراسها سباعاً من الشَّهَوَات اللَّهُمَّ جد لَهَا بالعصمة وَتعطف عَلَيْهَا بِالرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ بك أليق وبالكرم الفائض الَّذِي هُوَ مِنْك أَجْدَر وأخلق وامنن عَلَيْهَا بِالتَّوْبَةِ العائدة بهَا إِلَى عالمها السماوي وَعجل لَهَا بالأوبه إِلَى مقَامهَا الْقُدسِي واطلع على ظلمآئها شمسا من الْعقل الفعال وأمط عَنْهَا)
ظلمات الْجَهْل والضلال وَاجعَل مَا فِي قواها بِالْقُوَّةِ كَائِنا بِالْفِعْلِ وأخرجها من ظلمات الْجَهْل إِلَى نور الْحِكْمَة وضياء الْعقل الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور الْبَقَرَة اللَّهُمَّ أر نَفسِي صور الغيوب الصَّالِحَة فِي منامها وبدلها من الأضغاث برؤيا الْخيرَات والبشرى الصَّالِحَة الصادقة فِي أحلامها وطهرها من الأوساخ الَّتِي تأثرت بهَا عَن محسوساتها وأوهامها وامط عَنْهَا كدر الطبيعة وانزلها فِي عَالم النُّفُوس الْمنزلَة الرفيعة الله الَّذِي هَدَانِي وكفاني وأواني وَأورد لَهُ أَيْضا من شعره مخلع الْبَسِيط
(لما رَأَيْت الزَّمَان نكساً ... وَلَيْسَ فِي الصُّحْبَة انْتِفَاع)
(كل رئيسٍ بِهِ ملالٌ ... وكل رأسٍ بِهِ صداع)
(لَزِمت بَيْتِي وصنت عرضا ... بِهِ من الْعِزَّة امْتنَاع)
(اشرب مِمَّا اقتنيت رَاحا ... لَهَا على راحتي شُعَاع)
(لي من قواريرها ندامى ... وَمن قراقيرها سَماع)(1/106)
(وأجتني من حَدِيث قوم ... قد أقفرت مِنْهُم الْبِقَاع)
وَمن شعر أبي نصر الفارابي المتقارب
(أخي خل حيّز ذِي بَاطِل ... وَكن بالحقائق فِي حيّز)
(فَمَا الدَّار دَار مقَام لنا ... وَلَا الْمَرْء فِي الأَرْض بالمعجز)
(ينافس هَذَا لهَذَا على ... أقل من الْكَلم الموجز)
وَهل نَحن إِلَّا خطوط وقعن على نقطة وَقع مستوفز
(مُحِيط العوالم أولى بِنَا ... فَمَاذَا التزاحم فِي المركز)
وَمن نظمه أَيْضا الرجز
(ملت وأيم الله نَفسِي نَفسِي ... يَا حبذا يَوْم حُلُول رمسى)
(أول سعدي وَزَوَال نحسي ... إِذْ كل جنس لَاحق بِالْجِنْسِ)
3 - (أَبُو عُثْمَان ابْن الإِمَام الشَّافِعِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ادريس)
أَبُو عُثْمَان الشَّافِعِي ولي قَضَاء الجزيرة وَحدث هُنَاكَ وَاجْتمعَ بِالْإِمَامِ أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ أَبوك من السِّتَّة الَّذين أَدْعُو لَهُم وَقت السحر سمع أَبَاهُ وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا وَكَانَ ثِقَة وَللشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ولد آخر اسْمه مُحَمَّد أَيْضا توفّي صَغِيرا بِمصْر سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ)
وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
3 - (ابْن القاهر أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
هُوَ ابْن القاهر كَانَ مَحْبُوسًا فِي دَار الْخَلِيفَة فَأخْرج إِلَى دَاره بِالْحَرِيمِ الظَّاهِرِيّ وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وعمره ثَمَان وَخَمْسُونَ أَو اثْنَان وَدفن إِلَى جَانب قبر أَبِيه وَقَالَ ابْن النجار حِكَايَة عَن خطّ هِلَال بن المحسن الصَّابِئ توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة عَن نَيف وَسبعين سنة
3 - (أَبُو جَعْفَر الْحمال الْمُحدث مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن حَمْزَة بن جميل)
أَبُو جَعْفَر الْحمال الْبَغْدَادِيّ الْمُحدث قَالَ الْحَاكِم هُوَ مُحدث عصره بخراسان وَأكْثر مَشَايِخنَا رحْلَة وأثبتهم أصولاً توفّي فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة
3 - (الْحَاكِم الْكَبِير الْمُحدث مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْحَاق)
الْحَافِظ الْحَاكِم الْكَبِير النَّيْسَابُورِي الْكَرَابِيسِي أَبُو أَحْمد صَاحب التصانيف سمع بنيسابور وبغداد والكوفة وطبرية ودمشق وَمَكَّة وَالْبَصْرَة وحلب والثغور وروى عَنهُ الْجَمَاعَة قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَبُو أَحْمد الْحَافِظ أَمَام عصره فِي الصَّنْعَة وَكَانَ من الصَّالِحين الثابتين على الطَّرِيق السلفية وَمن المنصفين فِيمَا يَعْتَقِدهُ(1/107)
فِي أهل الْبَيْت وَالصَّحَابَة تقلد الْقَضَاء فِي مدن كَثِيرَة وصنف على كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم وعَلى جَامع التِّرْمِذِيّ وَله كتاب الْأَسْمَاء والكنى وَكتاب الْعِلَل والمخرج على كتابي المزنى وَكتاب الشُّرُوط وَكَانَ بهَا عَارِفًا وصنف الشُّيُوخ والأبواب وقلد قَضَاء الشاش وَحكم ببها أَربع سِنِين ثمَّ قَضَاء طوس وَكَانَ يحكم بَين الْخُصُوم وَإِذا فرغ أقبل على التصنيف بَين يَدَيْهِ ثمَّ قدم نيسابور سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَقْبل على الْعِبَادَة والتأليف وكف بَصَره سنة سبعين وَكَانَ حَافظ عصره وَتغَير حفظه لما كف وَلم يخْتَلط قطّ وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَله ثَلَاث وَتسْعُونَ سنة
3 - (أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحُسَيْن)
القَاضِي أَبُو مَنْصُور الْأَزْدِيّ الْهَرَوِيّ أحد الْأَعْلَام مُحدث فَقِيه رَحل وَسمع وَحدث وَكَانَ أَمَام الشَّافِعِيَّة فِي عمره وَاسع الرِّوَايَة توفّي فَجْأَة بهراة فِي الْمحرم سنة عشر وَأَرْبع مائَة
3 - (الشَّيْخ الْمُفِيد الشيعي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النُّعْمَان بن الْمعلم)
الْمَعْرُوف بالشيخ الْمُفِيد كَانَ رَأس الرافضة صنف لَهُم كتبا فِي الضلالات والطعن على السّلف)
إِلَّا أَنه كَانَ أوحد عصره فِي فنونه توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع مائَة وَعَلِيهِ قَرَأَ المرتضى وَأَخُوهُ الرضى وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته بالكرخ دفن بداره ثمَّ نقل إِلَى مَقَابِر قُرَيْش وَلما مَاتَ رثاه الشريف الرضى فَقَالَ الْخَفِيف
(من لفضل أخرجت مِنْهُ خبئا ... وَمَعَان فضضت عَنْهَا ختاما)
(من يثير الْعُقُول من بعد مَا ... تكن هموداً وَيفتح الأبهاما)
(من يعير الصّديق رَأيا إِذا مَا ... سَله فِي الخطوب كَانَ حساما)
3 - (ابْن الدقاق الشَّافِعِي الأصولي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر)
القَاضِي أَبُو بكر الشَّافِعِي وَيعرف بِابْن الدقاق صَاحب الْأُصُول ولد سنة سِتّ وَثَلَاث مائَة وتفقه وَقَرَأَ الْقُرْآن وَسمع الحَدِيث وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة
3 - (أَبُو الْفرج الشلحي الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سهل)
أَبُو الْفرج الشلحي العكبري الْكَاتِب أحد الْفُضَلَاء الْكِبَار لَهُ كتاب الْخراج وَالنِّسَاء الشواعر والمجالسات وأخبار ابْن قريعة والرياضة والانشاء وتحف الْمجَالِس وبدائع مَا نجم من متخلفي كتاب الْعَجم توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن الْمَأْمُون مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن الْحُسَيْن ابْن الْمَأْمُون أَبُو تَمام ابْن أبي الْفَضَائِل يعرف بِابْن الزَّوَال أَخُو أبي الْعَبَّاس أَحْمد سمع الشريف أَبَا نصر مُحَمَّد الزَّيْنَبِي وَأَبا الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن النقور وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه وَكَانَ فَقِيها فَاضلا وعلق الْخلاف وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين(1/108)
وَأَرْبَعمِائَة الخيشي النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى)
ابْن إِسْحَاق بن جَابر أَبُو الْحسن الخيشي الْبَصْرِيّ النَّحْوِيّ قَرَأَ النَّحْو بِالْبَصْرَةِ على أبي عبد الله النمري صَاحب أبي رياش وَسمع جمَاعَة وبرع فِي النَّحْو قَالَ ابْن النجار كَانَ من أَئِمَّة النَّحْو الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والنبل وَله شعر وَقَالَ ابْن مَاكُولَا كَانَ إِمَامًا فِي حل المترجم وَهُوَ من شُيُوخ ابْن مَاكُولَا وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (أَبُو الْحَرْث نقيب الإشراف بِالْكُوفَةِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر الْعلوِي)
أَبُو الْحَرْث نقيب العلويين بِالْكُوفَةِ كَانَ شجاعاً جواداً دينا رَئِيسا وَكَانَت إِلَيْهِ النقابة مَعَ تسيير)
الْحَاج فحج بِالنَّاسِ عشر سِنِين ينْفق عَلَيْهِم من مَاله وَيحمل المنقطعين وَيُؤَدِّي الخفارة للْعَرَب عَن الركب من مَاله وَتُوفِّي بِالْكُوفَةِ فِي جُمَادَى الأولى فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبع مائَة
3 - (أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ابراهيم)
ابْن مخلد أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ ولد سنة تسع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَسمع الحَدِيث الْكثير وَرَوَاهُ وَلم يكن فِي زَمَانه أَعلَى إِسْنَادًا مِنْهُ مَعَ صدق وَصَلَاح وثقة وفضيلة وَكَانَ يتجر وَله مَال عَظِيم خرج إِلَى مصر وَأقَام بهَا ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد فإتفقت المصادرات بِسَبَب الاتراك والتقسيط فاخذ جَمِيع مَاله وافتقر إِلَى أَن توفّي سنة تسع عشرَة وَأَرْبع مائَة فَلم يكن لَهُ كفن حَتَّى بعث لَهُ الْخَلِيفَة أهابا من عِنْده
3 - (شيخ الشّرف العبيدلي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ)
ابْن عبد الله بن الْحُسَيْن الْأَصْغَر ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا أَبُو الْحسن الْعلوِي الْحُسَيْنِي النسابة الْبَغْدَادِيّ شيخ الشّرف ولد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ فريداً فِي علم الْأَنْسَاب وَلِهَذَا لقب شيخ الشّرف وَله تصانيف كَثِيرَة وَشعر انْتقل من بَغْدَاد إِلَى الْموصل ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا يُقَال إِنَّه توفّي بِدِمَشْق سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة وروى عَن صَاحب الأغاني كتاب الديارات لَهُ من شعره وَقد زوج ابْنَته بِمن موه عَلَيْهِ نسبه المتقارب
(آآل أبي طَالب داركوا ... ضَلَالَة شيخكم بالرشاد)
(فَإِنِّي كَبرت وَضاع المنى ... وشاب كَمَا شَاب فودى فُؤَادِي)
(وزوجت آل أبي طَالب ... بداهية من علوج السوَاد)
(رَجَوْت لأصلح حَالي بِهِ ... فَلَا زَالَ يصلحه من فَسَاد)
(فَلَا تعذلوه فانسابه ... بطول الذوائب لَا بالتلاد)(1/109)
(واقسم أَن فعالى بِهِ ... فعال مُعَاوِيَة فِي زِيَاد)
3 - (الناصحي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
الْعَلامَة أَبُو سعيد الناصحي النَّيْسَابُورِي أحد الْأَعْلَام الْكِبَار من كبار الشَّافِعِيَّة تفقه عَليّ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَتُوفِّي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الشاماتي الأديب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
أَبُو جَعْفَر الشاماتي النَّيْسَابُورِي الأديب تخرج بِهِ جمَاعَة من المتأدبين وَله الخّط الْمَشْهُور)
الْمَنْسُوب روى وحدّث وَتُوفِّي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبع مائَة
3 - (أَبُو طَالب ابْن غيلَان الْبَزَّاز مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم)
ابْن غيلَان أَبُو طَالب الْبَزَّاز ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَسمع الْكثير وعمّر حَتَّى بلغ مائَة وَخمْس سِنِين وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبع مائَة وَدفن بداره بدرب عَبده فِي قطيعة الرّبيع وَأخرج لَهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَحَادِيث مَشْهُورَة وسماها الغيلانيات وسمعها عَلَيْهِ خلق كثير وَكَانَ ثِقَة صَالحا صَدُوقًا قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود الرَّشِيدِيّ أردْت الحجّ فَقلت لأبي مَنْصُور بن حيدر أُرِيد أَن أسمع من أبن غيلَان فَقَالَ إِنَّه مَرِيض مبطون قلت وَمن لي أَن يعِيش حَتَّى أَعُود وَهُوَ ابْن مائَة وَخمْس سِنِين فَقَالَ اذْهَبْ فَأَنا ضَامِن لَك حَيَاته فَقلت وَكَيف فَقَالَ لَهُ ألف دِينَار حمر جعفرية كل يَوْم يقلبها ويتقوى بهَا فحججت وعدت وَهُوَ فِي الْحَيَاة وَسمعت عَلَيْهِ
3 - (أَبُو الْحسن البصروي الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
أَبُو الْحسن البصروي وبصري قَرْيَة بدجيل دون عكبرا كَانَ شَاعِرًا فصيحا مطبوعاً لَهُ نَوَادِر مِنْهَا أَنه قَالَ لَهُ رجل لقد شربت البارحة كثيرا فَاحْتَجت للْقِيَام للبول كل سَاعَة كَأَنِّي جدى فَقَالَ لَهُ لم تصغر نَفسك يَا سيدنَا وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره الوافر
(نرى الدُّنْيَا وزهرتها فنصبو ... وَمَا يَخْلُو من الشُّبُهَات قلب)
(فضول الْعَيْش أَكْثَرهَا هموم ... وَأكْثر مَا يَضرك مَا تحب)
(فَلَا يغررك زخرف مَا ترَاهُ ... وعيش لين الْأَطْرَاف رطب)
(إِذا مَا بلغَة جاءتك عفوا ... فَخذهَا فالغنى مرعى وَشرب)
(إِذا حصل الْقَلِيل وَفِيه سلم ... فَلَا ترد الْكثير وَفِيه حَرْب)
3 - (أَبُو الْفَتْح الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ ابْن الأديب مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
أَبُو الْفَتْح الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ(1/110)
الْفَاضِل ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مائَة وَمن شعره الْبَسِيط
(مَا لي وللبرق مجتازاً على أضم ... يُبْدِي تألقه عَن ثغر مبتسم)
(سهرت وَاللَّيْل مَكْحُول الجفون بِهِ ... كَأَنَّهُ ضرم قد دب فِي فَحم)
)
(أمخبري أَنْت عَن وَادي العقيق وَهل ... حلت مجاورة سلمى بِذِي سلم)
(حَملتك العبء من شوقي لتحمله ... رِسَالَة لم تكن فِيهَا بمتهم)
3 - (النَّقِيب أَبُو تَمام الزَّيْنَبِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ)
ابْن الْحسن النَّقِيب الْأَفْضَل أَبُو تَمام الْهَاشِمِي الزَّيْنَبِي أَخُو طراد وَأبي نصر وَابْن مَنْصُور وَالْحُسَيْن ولي نقابة الهاشميين بعد أَبِيه وروى عَن المخلص وَغَيره توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة
3 - (أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ الشَّافِعِي ختن الطَّبَرِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
ابْن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه قَاضِي الكرخ ختن القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَعَلِيهِ تفقه حَتَّى صَار من كبار الْأَئِمَّة وَكَانَ خيرا صَالحا قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة
3 - (مُسْند الْعرَاق أَبُو نصر العباسي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ)
ابْن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سلمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب أَبُو نصر الْهَاشِمِي العباسي الزَّيْنَبِي مُسْند الْعرَاق فِي زَمَانه وَآخر من حدث عَن المخلص توفّي سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن سندة الْمُطَرز مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن سندة الْأَصْبَهَانِيّ الْمُطَرز أَبُو سعد خَازِن الرئيس أبي عبد الله سمع جمَاعَة وروى عَنهُ السِّلفي وتوفِّي سنة ثَلَاث وَخمْس مائَة
3 - (الْوَزير فَخر الدولة ابْن جهير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جهير)
الْوَزير فَخر الدولة أَبُو نصر الثَّعْلَبِيّ مؤيد الدّين نَاظر ديوَان حلب وَزِير ميافارقين من رجالات الْعَالم حزماً ودهاء ورأياً سعى إِلَى أَن قدم بَغْدَاد وَولي وزارة الْقَائِم بِأَمْر الله ودامت دولته مُدَّة وَلما بُويِعَ المقتدى أقره على الوزارة واستدعاه السُّلْطَان ملكشاه فعقد لَهُ على ديار بكر وَسَار وَمَعَهُ الْأَمِير ارتق ابْن اكسب صَاحب حلوان فِي جمَاعَة مَعَ الْأُمَرَاء والتركمان والأكراد فَفتح وَلَده أَبُو الْقَاسِم زعيم الرؤساء مَدِينَة آمد وَفتح أَبوهُ الْمَذْكُور ميافارقين وَكَانَ أَخذهَا من نَاصِر الدولة وَاسْتولى على الْأَمْوَال وَكَانَ مِمَّا بعث من الْأَمْوَال لوَلَده عميد الدولة)
وَهُوَ عِنْد السُّلْطَان مائدة بلور دورها خَمْسَة أشبار وقوائمها(1/111)
مِنْهَا وزبادي وأقداح بلور وَبعث إِلَيْهِ حَقًا من ذهب فِيهِ سبْحَة كَانَت لنصر الدولة مائَة وَأَرْبَعُونَ حَبَّة لُؤْلُؤ وزن كل حَبَّة مِثْقَال وَفِي وَسطهَا الْحَبل الْيَاقُوت وَقطع بلخش بِمَا قِيمَته ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَاسْتولى على أَمْوَال ديار بكر جَمِيعهَا وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق أَن منجماً حضر إِلَى نَاصِر الدولة بن مَرْوَان وَحكم لَهُ بأَشْيَاء وَقَالَ لَهُ يخرج على دولتك رجل أَحْسَنت إِلَيْهِ فَيَأْخُذ الْملك من أولادك فَرفع رَأسه إِلَى فَخر الدولة وَقَالَ إِن كَانَ هَذَا صَحِيحا فَهُوَ هَذَا الشَّيْخ ثمَّ أقبل عَلَيْهِ وأوصاه بأولاده فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَكَانَ رَئِيسا جَلِيلًا خرج من بَيته جمَاعَة من الرؤساء ومدحهم أَعْيَان الشُّعَرَاء مِنْهُم أَبُو مَنْصُور الْمَعْرُوف بصردر كتب إِلَيْهِ من وَاسِط لما تقلد الوزارة قصيدته الْمَشْهُورَة أَولهَا الطَّوِيل
(لجاجة قلب مَا يفِيق غرورها ... وحاجة نفس لَيْسَ يقْضِي يسيرها)
(وقفنا صُفُوفا فِي الديار كَأَنَّهَا ... صَحَائِف ملقاة وَنحن سطورها)
مِنْهَا
(وَوَاللَّه مَا أَدْرِي غَدَاة نظرننا ... أتلك سِهَام أم كؤوس تديرها)
(فَإِن كن من نبل فاين حفيفها ... وَإِن كن من خمر فَأَيْنَ سرورها)
مِنْهَا الطَّوِيل
(أَرَاك الْحمى قل لي بِأَيّ وَسِيلَة ... توسلت حَتَّى قبلتك ثغورها)
مِنْهَا فِي مديحه الطَّوِيل
(أعدت إِلَى جسم الوزارة روحه ... وَمَا كَانَ يُرْجَى بعثها ونشورها)
(أَقَامَت زَمَانا عِنْد غَيْرك طامثاً ... وَهَذَا الزَّمَان قرؤها وطهورها)
قلت الْقُرْء من الاضداد يصدق على الْحَيْضَة وَالطُّهْر وَلِهَذَا وَقع الْخلاف فِيهِ بَين الْأَئِمَّة وَهُوَ هُنَا مَحْمُول على الطُّهْر وَلَا يجوز حمله على الْحيض لفساد الْمَعْنى وَجَاز الْعَطف لتغاير اللَّفْظَيْنِ رَجَعَ الطَّوِيل
(إِذا ملك الْحَسْنَاء من لَيْسَ أَهلهَا ... أَشَارَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاق مشيرها)
وَلما عَزله الْخَلِيفَة من الوزارة وَأَعَادَهُ إِلَيْهَا نظم فِيهِ ابْن صردر القصيدة الْمَشْهُورَة وأولها الرجز(1/112)
(قد رَجَعَ الْحق إِلَى نصابه ... وَأَنت من دون الورى أولى بِهِ)
(مَا كنت إِلَّا السَّيْف سلته يَد ... ثمَّ أعادته إِلَى قرَابه)
)
مِنْهَا الرجز
(تيقنوا لما رأوها ضَيْعَة ... أَن لَيْسَ للجو سوى عِقَابه)
(أَن الْهلَال يرتجي طلوعه ... بعد السرَار لَيْلَة احتجابه)
(وَالشَّمْس لَا يؤيس من طُلُوعهَا ... وَإِن طواها اللَّيْل فِي جنابه)
كتب أَبُو اسحاق الصَّابِئ لما أُعِيد الْوَزير بهاء الدولة سَابُور عَن الوزارة وأعيد إِلَيْهَا
(الْكَامِل فقد كنت طلقت الوزارة بعد مَا ... زَلَّتْ بهَا قَدَمٌ وساءَ صنيعُها)
(فغَدَتْ بغيرك تستحلّ ضَرُورَة ... كَيْمَا يحلّ إِلَى ثراك رجوعُها)
(فالآنَ قد عَادَتْ وآلت حلفةً ... أنْ لَا تبيت سواك وَهُوَ ضجيعها)
وَلما أُعِيد عميد الدولة ولد فَخر الدولة ابْن جهير إِلَى الوزارة بعد عَزله وَكَانَ قد تزوج أَولا ببنت الْوَزير نظام الْملك وَهِي زبيدة ابْنة الْحسن نظم ابْن الهبارية فِيهِ قَوْله الْبَسِيط
(قل للوزير وَلَا تفزعك هيبته ... وَإِن تعاظم واستعلى بمنصبه)
(لَوْلَا ابْنة الشَّيْخ مَا استوزرت ثَانِيَة ... فاشكر حرا صرت مَوْلَانَا الْوَزير بِهِ)
وَفِي الْوَزير فَخر الدولة ابْن جهير نظم ابْن صردر الأبيات الْمَشْهُورَة وَهِي المنسرح
(يَا قالة الشّعْر قد نصحتكم ... وَلَيْسَ أدهى إِلَّا من النصح)
(قد ذهب الدَّهْر بالكرام وَفِي ... ذَاك أُمُور طَوِيلَة الشَّرْح)
(وَأَنْتُم تمدحون بالْحسنِ والظرف وُجُوهًا فِي غَايَة الْقبْح)
(وتطلبون السماح من رجل ... قد طبعت نَفسه على الشُّح)
(من أجل ذَا تحرمون كدكم ... لأنكم تكذبون فِي الْمَدْح)
(صونوا القوافي فَمَا أرى أحدا ... يعثر فِيهِ الرَّجَاء بالنجح)
(وَإِن شَكَكْتُمْ فِيمَا أَقُول لكم ... فكذبوني بِوَاحِد سمح)
(سوى الْوَزير الَّذِي رئاسته ... تعرك أذن الزَّمَان بالملح)
قلت هَذِه الأبيات مَعَ عذوبتها ورقتها وانسجام تراكيبها قد أَتَى فِيهَا باستعارتين مليحتين إِلَى الْغَايَة وَهِي عثور الرَّجَاء بالنجح وعرك الرِّئَاسَة إِذن الزَّمَان بالملح كَأَنَّهَا تودبه وتهذبه وَأما قَوْله فكذبوني بِوَاحِد سمح فمأخوذ من النادرة الْمَشْهُورَة وَتوفى بالموصل فِي شهر رَجَب وَقيل فِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَدفن فِي تل تَوْبَة وَهُوَ تل قبالة الْموصل)
وَولد بهَا سنة(1/113)
ثَمَان وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة
3 - (أَبُو نصر الرامشي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
أبن هميماه أَبُو نصر الرامشي النَّيْسَابُورِي المقريء ابْن بنت الرئيس مَنْصُور بن رامش قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر كَانَ عَارِفًا بالنحو وعلوم الْقُرْآن توفّي سنة تسعين وَأَرْبع مائَة طلب الْقرَاءَات والْحَدِيث وارتحل وَاجْتمعَ بِجَمَاعَة وَتخرج بِهِ جمَاعَة قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أنشدنا أَبُو الْحسن عبد الغافر بن اسماعيل الْفَارِسِي اجازة أَنْشدني أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد لنَفسِهِ السَّرِيع
(إِن تلقك الغربة فِي معشر ... قد أَجمعُوا فِيك على بغضهم)
(فدارهم مَا دمت فِي دَارهم ... وأرضهم مَا دمت فِي أَرضهم)
قلت يشبه قَول مُحَمَّد بن شرف القيرواني مجزوء الرجز
(يَا خَائفًا من معشر ... قد اصطلى بنارهم)
(إِن تخش من شرارهم ... على يَدي شرارهم)
(أَو ترم من أحجارهم ... وَأَنت فِي أحجارهم)
(فَمَا بقيت جارهم ... فَفِي هواهم جارهم)
(وأرضهم فِي أَرضهم ... ودارهم فِي دَارهم)
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ وأنشدنا سعيد بن مُحَمَّد الملقاباذي قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد النَّحْوِيّ املاء لنَفسِهِ الطَّوِيل
(وَكنت صَحِيحا والشباب منادمى ... وانهلني صفو الشَّبَاب وعلني)
(وزادت على خمس ثَمَانِينَ حجَّة ... فجَاء مشيبي بالضنا وأعلني)
(سئمت تكاليف الْحَيَاة وعيلتي ... وَمَا فِي ضميري من عَسى ولعلني)
ولقى فِي طَوَافه أَبَا الْعَلَاء المعري وروى عَنهُ فِي شعره
3 - (ابْن عيشون المنجم الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن)
ابْن عيشون موفق الْملك أَبُو الْفضل المنجم كَانَ رَأْسا فِي صناعته فِي النجامة بالعراق وَله شعر توفّي سنة سِتّ وَخمْس مائَة قَالَ
(الْكَامِل الْقَارئ التشريح أَجْدَر بالتقى ... من رَاهِب فِي قوسه متقوس)
)
(ومراقب الأفلاك كَانَت نَفسه ... بِعبَادة الرَّحْمَن أَحْرَى الْأَنْفس)
(والماسح الْأَرْضين وَهِي رحيبة ... مسح الأنامل فِي أكف اللَّمْس)
(أولى بخيفة ربه من جَاهِل ... بمثلث ومربع ومخمس)(1/114)
3 - (الفلنقي المقريء مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
ابْن معَاذ أَبُو بكر اللَّخْمِيّ الإشبيلي الْمَعْرُوف بالفلنقي كَانَ إِمَامًا فِي صناعَة الْأَقْرَاء مجوداً مُسْندًا مشاركاً فِي الْعَرَبيَّة مليح الْخط لَهُ تأليف سَمَّاهُ الْإِيمَاء إِلَى مَذَاهِب السَّبْعَة الْقُرَّاء توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة قرطف ابْن الأديب الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر)
ابْن قرطف بِالْقَافِ وَالرَّاء والطاء الْمُهْملَة وَالْفَاء على وزن قطرب أَبُو الْفَتْح النُّعْمَان الشَّاعِر الْمَشْهُور وَيعرف بِابْن الأديب وَكَانَ من ظرفاء بَغْدَاد وَله كِتَابَة حَسَنَة روى عَنهُ من شعره ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة وَمِمَّا أورد لَهُ ابْن النجار من قصيدة الْبَسِيط
(كلا السوادين من قلبِي وَمن بَصرِي ... فدَاء مَا بيض الفودين من شعري)
(صبغ على الرَّأْس مَوْقُوف قضيت بِهِ ... مَا شِئْت من لَذَّة تلهى وَمن وطر)
(مر الْجَدِيد بِهِ حينا فأخلقه ... وَإِنَّمَا ذَلِك الْأَخْلَاق للعمر)
(مَا سَاعَة تَنْقَضِي إِلَّا وَقد أخذت ... شطراً من السّمع أَو شطراً من الْبَصَر)
(لَو فكر الْمَرْء فِي أطوار خلقته ... مَا كَانَ فِي غَيرهَا يَوْمًا بمعتبر)
3 - (مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّاعِر الأديب الأندلسي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الحميد ابْن الْحَرْث أَبُو عبد)
الله وَأَبُو بكر الْيَعْمرِي الأندلسي الأديب الشَّاعِر روى عَن ابْن أبي الْخِصَال توفّي فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة
3 - (الْوَاعِظ الحريمي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ)
أَبُو الْفَتْح الحريمي الْوَاعِظ كَانَ مليح الْإِيرَاد قدم بَغْدَاد سنة تسع وَخمْس مائَة حدث على الْمِنْبَر عَن الْقشيرِي قَالَ تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة فَرَأى بكشحها بَيَاضًا فَردهَا وَقَالَ ألحقي بأهلك وَزَاد فِي الحَدِيث فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ الْعلي الْأَعْلَى يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك بِنُقْطَة وَاحِدَة من الْعَيْب رددت عقدَة النِّكَاح وَنحن بعيوب كَثِيرَة لَا نفسخ عقد الْإِيمَان مَعَ امتك لَك نسْوَة تمسكهن لِأَجلِك امسك هَذِه لأجلي وَهَذَا كذب فَاحش مرض بِالريِّ مرضة مَوته)
فَاشْتَدَّ جزعه عِنْد الْمَوْت فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الْقدوم على الله شَدِيد قلت لَا سِيمَا قادم يكذب على الله تَعَالَى وعَلى جِبْرِيل وَتُوفِّي فِي سنة أَربع عشرَة وَخمْس مائَة وَدفن إِلَى جَانب ابراهيم الْخَواص قلت من الْعجب دَفنه إِلَى جَانب هَذَا سَمِعت الشَّيْخ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي يَقُول وَقد ذكر فِي حَدِيث جَاءَ فِي طَريقَة وَالله لقد كذب ابراهيم الْخَواص وَرُوِيَ الحريمي عَن الْقشيرِي ونظرائه
3 - (أَبُو الْحسن الْحَجَّاجِي الْمُحدث مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب)
أَبُو الْحسن النَّيْسَابُورِي من ولد الْحجَّاج بن الْجراح قَرَأَ الْقُرْآن وَسمع الْكثير وَكَانَ صَالحا حَافِظًا ثِقَة صَدُوقًا صنف الْعِلَل(1/115)
والشيوخ والأبواب وَكَانَ نسيب الْحَاكِم أبي عبد الله اثنى عَلَيْهِ وَقَالَ فِي حَقه العَبْد الصَّالح الثبت الصدوق كَانَ من الصَّالِحين الْمُجْتَهدين فِي الْعِبَادَة صحبته نيفا وَعشْرين سنة لَيْلًا وَنَهَارًا مَا علمت الْمَلَائِكَة كتبت عَلَيْهِ خَطِيئَة توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن عروس الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عروس)
الشِّيرَازِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر نزيل سامراً لَهُ نظم وَتُوفِّي فِي عشر الثَّمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ من شعره قَوْله مرفل الْكَامِل
(وَلَقَد تَأَمَّلت الْحَيَاة بعيد فقدان التصابي)
(فَإِذا الْمُصِيبَة بِالْحَيَاةِ هِيَ الْمُصِيبَة بالشباب)
وَله فِي أبي العيناء السَّرِيع
(طرف أبي العيناء معسول ... وَدينه لَا شكّ مَدْخُول)
(وَلَيْسَ ذَا علم بِشَيْء وَلَا ... لَهُ إِذا حصلت محصول)
(مَا هُوَ إِلَّا جملَة غثة ... وَلَيْسَ للجملة تَفْصِيل)
قَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عروس اجْتمعت أَنا وَعلي بن الجهم فِي سفينة وَنحن غير متعارفين فتذاكرنا وَوجدت لَهُ مذاكرة حلوة وَكَانَ فِي بعض مَا قَالَه أَنا أشعر النَّاس فَقلت بِمَاذَا فَقَالَ بِقَوْلِي الطَّوِيل
(سقى الله لَيْلًا ضمنا بعد هجعة ... وَأدنى فؤاداً من فؤاد معذب)
(فبتنا جَمِيعًا لَو تراق زجاجة ... من الْخمر فِيمَا بَيْننَا لم تسرب)
)
3 -
فَقلت لَهُ وَالله لقد أَحْسَنت ولكنني أشعر مِنْك قَالَ بِأَيّ شَيْء قلت بِقَوْلِي الْبَسِيط
(لَا والمنازل من نجد وليلتنا ... بفيد إِذْ جسدانا بَيْننَا جَسَد)
(كم رام فِينَا الْكرَى من لطف مسلكه ... نوماً فَمَا أَنْفك لَا خد وَلَا عضد)
فَقَالَ أَحْسَنت وَلَكِن بِمَ صرت أشعر مني قلت لِأَنَّك منعت دُخُول جَسَد بَين جسدين وَأَنا منعت دُخُول عرض بَين جسدين فَقَالَ من أَنْت فَقلت بل تَقول أَنْت أَولا قَالَ عَليّ بن الجهم قلت وَأَنا ابْن عروس
3 - (المفجع النَّحْوِيّ الشيعي الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
الْبَصْرِيّ النَّحْوِيّ من كبار النُّحَاة كَانَ شَاعِرًا مفلقاً وشيعياً متحرقاً وَبَينه وَبَين ابْن دُرَيْد مهاجاة وصنف كتاب الترجمان(1/116)
وعرائس الْمجَالِس والمتقدمين فِي الْأَيْمَان توفّي سنة عشْرين وَثَلَاث مائَة وَقَالَ ياقوت مُحَمَّد بن أَحْمد وَمن شعره الْخَفِيف
(لي أير أراحني الله مِنْهُ ... صَار حزني بِهِ عريضاً طَويلا)
(نَام إِذْ زارني الحبيب عنادا ... ولعهدي بِهِ ينيك الرَّسُول)
(حسبت زورة عَليّ لحيني ... وافترقنا وَمَا شفيت الغليلا)
وَمِنْه أَيْضا قَوْله السَّرِيع
(لنا سراج نوره ظلمَة ... لَيْسَ لَهُ ظلّ على الأَرْض)
(كَأَنَّهُ شخص الإِمَام الَّذِي ... يَبْغِي الْهدى مِنْهُ أولو الْفَرْض)
وَقَالَ اللحام يهجوه الْكَامِل
(إِن المفجع فألعنوه بِزَيْت ... يغلي يدين ببغض أهل الْبَيْت)
(يهوى الْعلُوق وَإِنَّمَا يهواهم ... بمؤخر حَيّ وَقبل ميت)
وَله من التصانيف كتاب الترجمان وَالشعر ومعانيه وَكتاب المنقذ من الْإِيمَان يشبه كتاب الملاحن لِابْنِ دُرَيْد وَهُوَ أَجود مِنْهُ كتاب أشعار الْجَوَارِي غرائب الْمجَالِس شعر زيد الْخَيل الطَّائِي قصيدته فِي أهل الْبَيْت وشعره كثير أورد لَهُ ياقوت جملَة مِنْهُ
3 - (أَبُو بكر اللباد الْمَالِكِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن وشاح)
أَبُو بكر اللباد اللَّخْمِيّ مَوْلَاهُم الْفَقِيه الْمَالِكِي الإفْرِيقِي صنف فَضَائِل مَكَّة وعصمة النَّبِيين)
وَكتاب الطَّهَارَة وَعَلِيهِ تفقه ابْن أبي زيد توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن الهبارية الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
وَقيل ابْن صَالح وَقيل مُحَمَّد بن عَليّ بن صَالح أَبُو يعلى الشريف العباسي ابْن الهبارية الْبَغْدَادِيّ الشَّاعِر قدم اصبهان وَبهَا ملكشاه ووزيره نظام الْملك فَدخل على الْوَزير وَمَعَهُ رقعتان إِحْدَاهمَا فِيهَا هجو الْوَزير وَالْأُخْرَى فِيهَا مدحه فَأعْطَاهُ الَّتِي فِيهَا هجوه وَهُوَ مجزوء الْكَامِل(1/117)
(لَا غرو إِن ملك ابْن إِسْحَاق وساعده الْقدر)
(وَصفا لدولته وَخص ... أَبَا المحاسن بالكدر)
(فالدهر كالدولاب لي ... س يَدُور إِلَّا بالبقر)
يَعْنِي بقر طوس فَكتب على رَأسهَا يُطلق لذا القواد رسمه مضاعفاً وَأَبُو المحاسن هَذَا هُوَ صهر نظام الْملك وَكَانَت بَينهمَا منافرة وَهُوَ الَّذِي حمله على هجوه وَله مَعَ نظام الْملك وقعات من الْغَضَب والرضى عَلَيْهِ وَمن شعره فِيهِ الْكَامِل
(وَإِذا سخطت على القوافي صغتها ... فِي غَيره لاذلها وأهينها)
(وَإِذا رضيت نظمتها لجلاله ... كَيْمَا أشرفها بِهِ وأزينها)
وَمن شعره مرفل الْكَامِل
(قد قلت للشَّيْخ الرئي ... س أخي السماح أبي المظفر)
(ذكر معِين الدّين لي ... قَالَ الْمُؤَنَّث لَا يذكرهُ)
وَمن شعره الْبَسِيط
(رَأَيْت فِي النّوم عرسي وَهِي ممسكة ... أُذُنِي وَفِي كفها شَيْء من الْأدم)
(معوج الرَّأْس مسود بِهِ نقط ... لَكِن أَسْفَله فِي هَيْئَة الْقدَم)
(وَلم يزل بِيَدَيْهَا وَهِي تنطلني ... بِهِ وتلتذ بالإيقاع والنغم)
(حَتَّى تنبهت محمر القذال وَلَو ... طَال الْمَنَام على الشَّيْخ الأديب عمي)
وَمن شعره الْبَسِيط
(كم لَيْلَة بت مطوياً على حرق ... أَشْكُو إِلَى النَّجْم حَتَّى كَاد يشكوني)
(وَالصُّبْح قد مطل الشرق الْعُيُون بِهِ ... كَأَنَّهُ حَاجَة فِي نفس مِسْكين)
وَمن شعره السَّرِيع)
(لذ بنظام الْملك فَهُوَ الرِّضَا ... إِذا بَنو الدَّهْر تحاشوك)
(وَأجل بِهِ عَن ناظريك القذى ... إِذا لئام الْقَوْم أغشوك)
(واصبر على وَحْشَة غلمانه ... لَا بُد للورد من الشوك)
وَهِي قافية صعبة لإنه الْتزم الشين وَمن شعره أَيْضا الْكَامِل
(الْمجْلس التاجي دَامَ جماله ... وجلاله وكماله بُسْتَان)
(وَالْعَبْد فِيهِ حمامة تغريدها ... فِيهِ المديح وطوقها الْإِحْسَان)
وَمِنْه الْكَامِل(1/118)
(خُذ جملَة الْبلوى ودع تفصيلها ... مَا فِي الْبَريَّة كلهَا إِنْسَان)
(وَإِذا البياذق فِي الدسوت تفرزنت ... فَالرَّأْي أَن يتبيذق الفرزان)
وَمِنْه أَيْضا الْكَامِل
(هَل لأيري مِمَّا عراه طَبِيب ... أم لَهُ فِي هوى الملاح نصيب)
(يَا فقاح الملاح مَا لقضيبي ... كل يَوْم يَأْتِي عَلَيْهِ عصيب)
(إِن جلدي عميرَة قد براني ... فَأَنا مغرم سقيم كئيب)
(وبأيري لَا أير غَيْرِي غزال ... آنس نافر بعيد قريب)
(تحسد الشَّمْس وَجهه وينادي ال ... آمن من قده الْقَضِيب الرطيب)
وشعره ثَلَاث مجلدات غالبه سخف ومجون أَرَادَ يَحْكِي طَريقَة ابْن حجاج وَلَكِن فَاتَهُ الشنب وَله نتائج الفطنة فِي نظم كليلة ودمنة وَله كتاب الصادح والباغم ألفا بَيت أدعى فِي آخِره أَنه نظمه فِي عشر سِنِين عمله لسيف الدولة صدفة وَله كتاب فلك الْمعَانِي وَتُوفِّي قبل سنة أَربع وَقيل سنة تسع وَخمْس مائَة وَهُوَ الصَّحِيح
3 - (الْعِمَاد الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد)
ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن مَحْمُود بن هبة الله بن أَله بِفَتْح الْهمزَة وَضم اللَّام وَهُوَ الْعقَاب بالعجمي عماد الدّين أَبُو عبد الله بن صفي الدّين أبي الْفرج ابْن نَفِيس الدّين أبي الرَّجَاء الْكَاتِب الْأَصْفَهَانِي الْمَعْرُوف بِابْن أخي الْعَزِيز ولد بأصبهان سنة تسع عشرَة وَخمْس مائَة وَقدم بَغْدَاد وَهُوَ ابْن عشْرين سنة أَو نَحْوهَا وَنزل النظامية وبرع فِي الْفِقْه على ابي مَنْصُور سعيد بن الرزاز واتقن الْخلاف والنحو وَالْأَدب وَسمع الحَدِيث من أبي الْحسن عَليّ بن هبة الله)
بن عبد السَّلَام وَأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْملك بن خيرون وَأبي المكارم الْمُبَارك بن عَليّ السَّمرقَنْدِي وَأبي بكر أَحْمد ابْن عَليّ الْأَشْقَر وَغَيرهم وروى وَسمع من السلفى بالاسكندرية وَكَانَ شَافِعِيّ
3 -
الْمَذْهَب وَلما مهر تعلق بالوزير عون الدّين ابْن هُبَيْرَة فولاه نظر الْبَصْرَة ثمَّ نظر وَاسِط فَلَمَّا مَاتَ الْوَزير ضعف أمره فَقدم دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وتعرف بمدبر الدولة القَاضِي كَمَال الدّين الشهرزوري واتصل بطريقة بِنَجْم الدّين أَيُّوب وَالِد السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَكَانَ يعرف عَمه الْعَزِيز من تكريت فاستخدمه كَمَال الدّين عِنْد السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد فِي الانشاء فجبن أَولا وَكَانَ ينشئ بالعجمية وترقت مَنْزِلَته عِنْد نور الدّين وجهزه رَسُولا إِلَى بَغْدَاد أَيَّام المستنجد وفوض إِلَيْهِ تدريس الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بالعمادية بِدِمَشْق ورتبه فِي إشراف الدِّيوَان فَلَمَّا مَاتَ نور الدّين وَقَامَ وَلَده ضويق من الَّذين حوله فسافر إِلَى الْعرَاق وَلما بلغه وُصُول صَلَاح الدّين إِلَى دمشق وَأَخذهَا عَاد إِلَى الشَّام وَصَلَاح الدّين على حلب فمدحه وَلزِمَ ركابه إِلَى أَن اسْتَكْتَبَهُ وَمَال إِلَيْهِ واطلعه على سره وَكَانَ يضاهي الوزراء وَإِذا انْقَطع الْفَاضِل بِمصْر لمصَالح صَلَاح الدّين(1/119)
قَامَ مقَامه وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن توفّي صَلَاح الدّين فاختلت أَحْوَاله وَلم يجد فِي وَجهه بَابا فَلَزِمَ بَيته وَأَقْبل على التصنيف إِلَى أَن توفّي مستهل شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة بِدِمَشْق وَكَانَ بَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل سنة فِي الْوَفَاة ولعمري لقد كَانَ ذَا قدرَة على النّظم والنثر أَكثر مِنْهُ وَأرى أَن شعره ألطف من نثره لإنه أَكثر من الجناس فِيهِ وَبَالغ حَتَّى يعود كَلَامه كَأَنَّهُ ضرب من الرقي والعزائم وَإِنَّمَا لطف نظمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى نثره لإن الْوَزْن كَانَ يضايقه فَلَا يَدعه يتَمَكَّن من الجناس وَقد عَابَ النَّاس مِمَّن لَهُ ذوق وفطرة سليمَة كَثْرَة التَّجْنِيس لإنه دَلِيل التَّكَلُّف وَقَالُوا كلما قل كَانَ أحسن ورؤى كالطراز فِي الثَّوْب وَالْخَال الْوَاحِد فِي الوجنة الْكَامِل
(والخد بهجته بخال وَاحِد ... وتقل فِيهِ بِكَثْرَة الخيلان)
وَأَيْنَ مرماه من مرمى القَاضِي الْفَاضِل وَيَا بعد مَا بَين المنزعين وَيَا فرق مَا بَين الطَّرِيقَيْنِ الْكَامِل
(إِنِّي رَأَيْت الْبَدْر ثمَّ رَأَيْتهَا ... مَاذَا عَليّ إِذا عشقت الأحسنا)
وَانْظُر إِلَى الْقُرْآن الْكَرِيم وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة والْآثَار المروية عَن الصَّحَابَة وَالسَّلَف هَل تَجِد)
الجناس فِي ذَلِك كُله إِلَّا أقل من غيبَة الرَّقِيب وَوصل الحبيب وَلم اقل هَذَا غضاً من قدره وَلَا فضاً لختم سره إِذْ هُوَ الْبَحْر العجاج وَفَارِس الْكِتَابَة الَّذِي يفرج بأنابيب أقلامه مضايق العجاج وَلَكِن لما زَاد فِي اسْتِعْمَال الجناس ضَاقَتْ بتردده الأنفاس وَأصْبح الْكَلَام من الْقُلُوب وحشياً وَمن الأسماع حوشيا أَلا ترى قَوْله فَلَمَّا أَرَادَ الله السَّاعَة الَّتِي جلاها لوَقْتهَا وَالْآيَة الَّتِي لَا أُخْت لَهَا فَتَقول هِيَ أكبر من أُخْتهَا أفضت اللَّيْلَة الماطلة إِلَى فجرها ووصلت الدُّنْيَا الْحَامِل إِلَى تَمام شهرها وَجَاءَت بواحدها الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ الْأَعْدَاد ومالكها الَّذِي لَهُ الأَرْض بِسَاط وَالسَّمَاء خيمة والحبك أطناب وَالْجِبَال أوتاد وَالشَّمْس دِينَار والقطر دَرَاهِم والأفلاك خدم والنجوم أَوْلَاد لما كَانَ هَذَا خَالِيا من الجناس عذب فِي السّمع وقعه واتسع فِي الْإِحْسَان صقعه ورشفه اللب مدامة وَكَانَ عِنْد من لَهُ ذوق أطرب من تغريد حمامة وَقَوله ورد الْكتاب الْكَرِيم الْأَشْرَف الَّذِي كرم وَشرف وأسعد وأسعف وأجنى الْعِزّ وأقطف وأوضح الْجد وَعرف وقوى الْعَزْم وَصرف والهج بِالْحَمْد وأشغف وَجمع شَمل الحبى وَألف فَوقف الْخَادِم عَلَيْهِ وأفاض فِي شكر فيض فَضله المستفيض وتبلج وَجه وجاهته وتأرج نبا نباهته مَا عرفه من عوارفه الْبيض وَأمنت بمكارمه المكاره وَزَاد فِي قدر التائه قدره النابه وافترت مباسم مراسمه عَن ثنايا مناجحه ورفد طلائع صنائعه فسر بمنن منائحه وَاسْتمرّ على هَذَا النهج إِلَى آخِره فَانْظُر إِلَى قلق هَذَا التَّرْتِيب وكل كَلَامه من هَذَا النمط وغالب مَا ينشئه إِذا تحامل السّمع لَهُ سقط وَلم يكفه هَذَا بل أَنه يكثر من رد الْعَجز على الصَّدْر كَقَوْلِه وسر أولياءه وأولي مسرته وأقدر يَده وأيد قدرته وآزر دولته وأدال موازرته وَبسط مكنته وَمكن بسطته وأسعد جده وَأَجد سعادته وَأَرَادَ نجحه وأنجح إِرَادَته وَأجل جيله وسر أسرته وحاط حماه وَحمى حوطته وَلَا زَالَ معروفه مواليا ومواليه مَعْرُوفا وَوَصفه حسنا وإحسانه مَوْصُوفا وألفه بارا وباره مألوفا وَعطفه كَرِيمًا(1/120)
وَكَرمه مَعْطُوفًا وَقد اقتصرت على هَذَا الْقدر وقلما يَخْلُو كَلَامه من هَذَا النَّوْع الغث وَالضَّرْب الرث وَله رسائل الْتزم فِي وَاحِدَة الدَّال فِي كل كلمة وَالضَّاد فِي الْأُخْرَى وَالْمِيم فِي الْأُخْرَى والشين فِي أُخْرَى وَأَشْيَاء من هَذَا النمط الَّذِي يقذفه السّمع ويمجه يقطعهُ الانكار ويحجه وديوانه يدْخل فِي أَربع مجلدات كبار وَمن نظمه الرمل
(وهضيم الكشح فِي حبي لَهُ ... لم يزدني كاشحي إِلَّا اهتضاما)
(كرم العاشق فِيهِ مثل مَا ... لؤم العاذل فِيهِ حِين لاما)
)
(بقوام علم الهز القنا ... ولحاظ تودع السكر المداما)
(أتراه إِذْ تثنى ورنا ... سمهريا هز أم سل حساما)
(خَدّه يجرحه لحظ الورى ... فَلِذَا عَارضه يلبس لاما)
(ويريك الْخط مِنْهُ دائرا ... هَالة الْبَدْر إِذا حط اللثاما)
(وكثيب الرمل قد أخجله ... وقضيب البان ردفاً وقواماً)
ويعجبني قَوْله فِي أترجة الطَّوِيل
(وأترجة صفراء لم أدر لَوْنهَا ... أَمن فرق السكين أم فرقة السكن)
(بِحَق عرتها صفرَة بعد خضرَة ... فَمن شجر بَانَتْ وَصَارَت إِلَى شجن)
وَمثله قَول الْأُخَر الْبَسِيط
(أمسيت أرْحم أترجا وَأَحْسبهُ ... فِي صفرَة اللَّوْن من بعض الْمَسَاكِين)
(عجبت مِنْهُ فَمَا أَدْرِي أصفرته ... من فرقة الْغُصْن أَو خوف السكاكين)
وَمن هَذِه الْمَادَّة قَول الْغَزِّي الْبَسِيط
(كالشمع يبكي وَلَا يدْرِي أعبرته ... من صُحْبَة النَّار أَو من فرقة الْعَسَل)
ويعجبني قَوْله أَيْضا أَعنِي الْعِمَاد الْخَفِيف
(هِيَ كتبي فَلَيْسَ تصلح من بعدِي لغير الْعَطَّار والاسكافي)
(هِيَ إِمَّا مزاود للعقاقي ... ر وَإِمَّا بطائن للخفاف)
قَالَ ابْن ظافر فِي بَدَائِع الْبِدَايَة أَخْبرنِي الشريف فَخر الدّين أَبُو البركات الْعَبَّاس ابْن مُحَمَّد العباسي الْحلَبِي قَالَ أَخْبرنِي القَاضِي الْأَجَل عماد الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي كَاتب الْملك النَّاصِر نور الله ضريحه قَالَ كنت أعشق بالموصل صَبيا سِرَاجًا وَكَانَ يواصلني فَكلما استويت على عَرْشه قَالَ لي اكتم عَليّ وَلَا تنطق بِحرف وَيزِيد فِي ذَلِك فصنعت فِي بعض الْأَيَّام بديها السَّرِيع
(فديت سِرَاجًا إِذا لم يرج ... للوصل عِنْدِي أحد راج هُوَ)
(يَقُول لي اركبني وَلَا تفشه ... يُرِيد الجامي واسراجه)(1/121)
وَكتب إِلَيْهِ النشؤ أَحْمد بن نفاذة يستدعيه أَيَّام المشمش الطَّوِيل
(دَعَا النَّاس للذات مشمش جلق ... فقد أَسْرعُوا من كل غرب ومشرق)
)
(فَقُمْ يَا عماد الدّين تحظ بِأَكْلِهِ ... وَلَا تثن عَنهُ عَزمَة السّير تسبق)
(وَقل حِين يَبْدُو أَحْمَر اللَّوْن مشرقاً ... وَيَا حسنه من أَحْمَر اللَّوْن مشرق)
(لأكلك مَا يلقى الْفُؤَاد وَمَا لقى ... وللتوت مَا لم يبْق مني وَمَا بَقِي)
فَأجَاب الْعِمَاد عَن ذَلِك الطَّوِيل
(تغنم زمَان الْجُود فِي اللَّهْو وأسبق ... وفز باجتماع الشمل قبل التَّفَرُّق)
(هلموا إِلَيْنَا نَحْو مشمش جلق ... وَثمّ لما نهوى على الْأكل نَلْتَقِي)
(تصفر شوقاً لانتظار قدومنا ... وَمن يتشوق ذَا الْفَضَائِل يشتق)
(وَمَا رمقت للشوق رمد عيونه ... فَإِن تترمق مِنْهُ تنظر وترمق)
(نواظر أحداق لَهَا فِي حدائق ... نواضر أَن يحدق بهَا الْمَرْء يحذق)
(إِذا حضرت أطباقه غَابَ رشدنا ... لما نتلاقى من مشوق وشيق)
(لِأَن مذاب الشهد فِيهِ مجسد ... أجد لَهُ عهد الرَّحِيق الْمُعْتق)
(وَمَا اصفر إِلَّا خوف أَيدي جناته ... فَلَيْسَ لَهُ أَمن من المتطرق)
(حكى جمرات بالأضي قد تعلّقت ... فيا عجبا من جمره الْمُتَعَلّق)
(كَأَن نُجُوم الأَرْض فَوق غصونه ... فيا حيرتا من نجمه المتألق)
(وحباتها محمرة وجناتها ... فَمن يرهَا مثلى يحب ويعشق)
(بَدَت بَين أوراق الغصون كَأَنَّهَا ... كرات نضار فِي لجين مطرق)
فَلَمَّا أنشدت للسُّلْطَان صَلَاح الدّين قَالَ تَشْبِيه الْوَرق باللجين غير مُوَافق فَإِن الْوَرق أَخْضَر فَقَالَ الْعِمَاد بالزمرد محدق الطَّوِيل
(تساقطها أشجارها فَكَأَنَّهَا ... دَنَانِير فِي أَيدي الصيارف ترتقي)
وَكتب الْعِمَاد إِلَيْهِ أَيْضا جَوَابا من أَبْيَات المنسرح
(مُصَور بل مدور عجب ... ترى بِهِ وَهُوَ جامد شعلا)
(فَفِي قُلُوب الْأَشْجَار مِنْهُ جذي ... وَفِي ظُهُور الغصون مِنْهُ حلى)
(طلوا بِمَاء النضار ظَاهره ... لباطن فِي حشاه نَار طلا)
(حلى تبر على عرائس أَغْصَان تشكت من قبلهَا عطلا)
(حمر حسان الْوُجُوه قد لبست ... من خضر أوراقها لَهَا حللا)
)
(عرائس من خدورها برزت ... تحسب أشجارها لَهَا كللا)(1/122)
(وَهِي كشهب السَّمَاء راجمة ... جن جناة بقطفها كفلا)
(عيونها الرمد فِي ترقبنا ... جاحظة أبرزت لنا مقلا)
وَمن شعر الْعِمَاد الْكَاتِب الْكَامِل
(متلون كمدامعي متعفف ... كضمائري مُتَعَذر كوسائلي)
(أَنا فِي الضنى كالخصر مِنْهُ اشتكي ... من جَائِر مَا يشتكي من جائل)
وَمن شعره يمدح المستنجد بِاللَّه الطَّوِيل
(وَمَا كل شعر مثل شعري فِيكُم ... وَمن ذَا يقيس البازل الْعود بالنفض)
(وَمَا عز حَتَّى هان شعر ابْن هَانِيء ... وللسنة الغراء عز على الرَّفْض)
وَمن شعره أَيْضا الْبَسِيط
(أفدى الَّذِي خلبت قلبِي لواحظه ... وخلدت لدغات الْحبّ فِي كَبِدِي)
(صِفَات ناظره سقم بِلَا ألم ... سكر بِلَا قدح جرح بِلَا قَود)
(معشق الدل من تيه وَمن صلف ... مرنح الْعَطف من لين وَمن ميد)
(على محياه من نَار الصَّبِي شعل ... وَورد خديه من مَاء الْحَيَاة ندى)
ويحكى عَنهُ أَنه قَالَ يَوْمًا للفاضل سر فَلَا كبا بك الْفرس فَأَجَابَهُ القَاضِي دَامَ عَلَاء الْعِمَاد وَهَذَا الْجَواب أول مصراع للْقَاضِي نَاصح الدّين الأرجاني فَإِن كَانَ الْفَاضِل استحضره فَحسن وَإِن كَانَ اخترعه فَأحْسن وكلا الْكَلَامَيْنِ مِمَّا يقْرَأ مقلوباً واجتمعا يَوْمًا فِي موكب السُّلْطَان وَقد انْتَشَر الْغُبَار لِكَثْرَة الفرسان بِمَا سد الفضاء فأنشده الْعِمَاد فِي الْحَال مرفل الْكَامِل
(أما الْغُبَار فَإِنَّهُ ... مِمَّا أثارته السنابك)
(والجو مِنْهُ مظلم ... لَكِن أنار بِهِ السنابك)
(يَا دهر لي عبد الرحي ... ر فلست أخْشَى مس نابك)
قلت لَيْسَ بَين الثَّالِث وَمَا قبله علاقَة وَإِنَّمَا الجناس اضطره إِلَى ذَلِك وَلما مَاتَ الْوَزير عون الدّين اعتقل الْعِمَاد فِي جملَة من اعتقل لإنه كَانَ يَنُوب عَنهُ فِي نظر وَاسِط فَكتب إِلَى عماد الدّين ابْن رَئِيس الرؤساء استاذ دَار المستنجد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْكَامِل
(قل للْإِمَام علام حبس وَلِيكُم ... أولُوا جميلكم جميل ولائه أوليس إِذْ حبس الْغَمَام وليه ... خلى أَبوك سَبيله بدعائه)
وَهَذَا الْمَعْنى فِي غَايَة الْحسن لإنه أَشَارَ إِلَى قصَّة الْعَبَّاس فِي الاسْتِسْقَاء وَدُعَاء عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِالْعَبَّاسِ فامطروا وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ من يعودهُ فِي مَرضه ينشد مجزوء الْخَفِيف
(أَنا ضيف بربعكم ... أَيْن أَيْن المضيف)(1/123)
(أنكرتني معارفي ... مَاتَ من كنت أعرف)
قَالَ شمس الدّين مَحْمُود الْمروزِي كنت بِحَضْرَة القَاضِي الْفَاضِل رَحمَه الله وَكَانَ الْعِمَاد الْكَاتِب حَاضرا عِنْده فَلَمَّا انْفَصل قَالَ الْفَاضِل للْجَمَاعَة بِمَ تشبهون الْعِمَاد وَكَانَ عِنْده فَتْرَة عَظِيمَة وجمود فِي النّظر وَالْكَلَام فَإِذا أَخذ الْقَلَم أَتَى بالنثر وَالنّظم فكلهم شبهه بِشَيْء فَقَالَ مَا أصبْتُم هُوَ كالزناد ظَاهره بَارِد وباطنه فِيهِ نَار وَمن شعر الْعِمَاد الْكَاتِب السَّرِيع
(اقنع وَلَا تطمع فَإِن الْفَتى ... كَمَاله فِي عزة النَّفس)
(وَإِنَّمَا ينقص بدر الدجى ... لأَخذه النُّور من الشَّمْس)
وَمِنْه أَيْضا مجزوء الرجز
(أبصرني مبلبلا و ... فِي الغرام ممتحن)
(فَقَالَ من قَاتله ... قلت لَهُ قَائِل من)
أَخذه من قَول الأول وَهُوَ مَشْهُور الرجز
(قَالَت لترب مَعهَا مُنكرَة ... لوقفتي هَذَا الَّذِي نرَاهُ من)
(قَالَت فَتى يشكو الْهوى متيماً ... قَالَت بِمن قَالَت بِمن قَالَت بِمن)
وَمِنْه قَول أبي الطّيب الْكَامِل
(قَالَت وَقد رَأَتْ اصفراري من بِهِ ... وتنهدت فأجبتها المتنهد)
وَمن شعر الْعِمَاد الطَّوِيل
(وَمَا هَذِه الْأَيَّام إِلَّا صَحَائِف ... نورخ فِيهَا ثمَّ تمحي وتمحق)
(وَلم أر فِي دهري كدائرة المنى ... توسعها الآمال والعمر ضيق)
وصنف الْبَرْق الشَّامي وَهُوَ مَجْمُوع تَارِيخ بَدَأَ فِيهِ بِذكر نَفسه واتصاله بِخِدْمَة نور الدّين وَصَلَاح الدّين وَسَماهُ بذلك لإنه شبه تِلْكَ الْأَيَّام لطيبتها وسرعتها بالبرق وَهُوَ فِي سبع مجلدات وَالْفَتْح الْقُدسِي وَيُقَال إِنَّه لما عرضه على الْفَاضِل قَالَ سمه الْفَتْح القسي فِي الْفَتْح الْقُدسِي قلت)
وَلَو قَالَ الْفَتْح الْقُدسِي فِي الْفَتْح الْقُدسِي لَكَانَ أحسن لأنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان روح الْقُدس ينفث فِي روعك ونصرة الفترة وعصرة القطرة تَارِيخ الدولة السلجوقية والبرق الشَّامي فِي أَخْبَار صَلَاح الدّين وفتوحه وأحواله وحوادث الشَّام فِي أَيَّامه وَكتاب خطْفَة البارق وعطفة الشارق وَكتاب عتب الزَّمَان فِي عُقبى الْحدثَان وأخبار الْمُلُوك السلجوقية ونحلة الرحلة وَحلية العطلة وخريدة الْقصر وجريدة الْعَصْر والذيل عَلَيْهَا ورأيتها بِخَطِّهِ وَيُقَال إِنَّه لما فرغ مِنْهَا جهزها إِلَى القَاضِي الْفَاضِل فِي ثَمَانِيَة اجزاء فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا مَا أَعْجَبته وَقَالَ أَيْن الْآخرَانِ لِأَنَّهُ قَالَ خري ده يَعْنِي خرى عشرَة لِأَن ده بالعجمي عشرَة وَمن هُنَا أَخذ ابْن سناء(1/124)
الْملك قَوْله فِيهَا السَّرِيع
(خريدة أفية من نتنها ... كَأَنَّهَا من بعض أنفاسه)
(فنصفها الأول فِي ذقنه ... وَنِصْفهَا الآخر فِي رَأسه)
وَرَأَيْت مكاتبات القَاضِي الْفَاضِل إِلَيْهِ جُزْءا والعماد رَحمَه الله طَوِيل النَّفس فِي رسائله وقصائده وَله ديوَان دوبيت وَلما التقى الْعِمَاد الْفَاضِل على حمص مدحه بقصيدة فَدخل على صَلَاح الدّين وَقَالَ لَهُ غَدا تَأْتِيك تراجم الْأَعَاجِم وَمَا يحلهَا مثل الْعِمَاد فَقَالَ لَهُ مَالِي عَنْك مندوحة أَنْت كاتبي ووزيري وَرَأَيْت على وَجهك الْبركَة فَإِذا استكتبت غَيْرك تحدث عَنْك النَّاس فَقَالَ هَذَا يحل التراجم وَرُبمَا أغيب أَنا فَإِذا غبت قَامَ مقَامي وَقد عرفت فَضله وخدمته لنُور الدّين فاستخدمه
3 - (عز الدّين ابْن القيسراني مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَالِد)
ابْن مُحَمَّد بن نصر بن صَغِير بن داعر عز الدّين أَبُو حَامِد المَخْزُومِي الْحلَبِي ابْن القيسراني الْكَاتِب الْمَشْهُور مولده بحلب الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخمْس مائَة سمع بحلب من ابْن طبرزذ وَحدث عَنهُ وَتقدم عِنْد الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين الصَّغِير وخدمه مُدَّة وولاه نظر دواوين الشَّام ووزر لَهُ وَكَانَ رَئِيسا مبجلاً مقدما سليم الصَّدْر دمث الْأَخْلَاق حسن الظَّن بالفقراء والصلحاء توفّي بِدِمَشْق فِي تَاسِع عشْرين شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة وَدفن بجبل قاسيون
3 - (ابْن ظفر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ظفر)
الصّقليّ حجَّة الدّين أَبُو عبد الله أحد الأدباء الْفُضَلَاء ولد بصقلية وَنَشَأ بِمَكَّة واستوطن بحماة)
وَتوفى بهَا سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَلم يزل يكابد الْفقر إِلَى أَن مَاتَ زوّج ابْنَته من الضَّرُورَة بِغَيْر كفؤ فسافر بهَا وأباعها فِي الْبِلَاد وَكَانَ ابْن ظفر قصير الْقَامَة ذميم الْخلق غير أَنه صبيح الْوَجْه جرت بَينه وَبَين الشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ مناظرة فِي النَّحْو واللغة فأورد عَلَيْهِ مسَائِل فِي النَّحْو فَلم يمش فِيهَا فَقَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين أعلم مني بالنحو وَأَنا أعلم مِنْهُ باللغة فَقَالَ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ الأول مُسلم وَالثَّانِي مَمْنُوع وَمن تصانيفه سلوان المطاع صنّفه لأحد القواد بصقلية سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مائَة وَكتاب انباء نجباء الْأَبْنَاء وَخير الْبشر بِخَير الْبشر والحاشية على درة الغواص وَشرح المقامات الحريرية شرحين كبيرأ وصغيرا وَكتاب تَفْسِير الْقُرْآن اثْنَا عشر مجلداً كتاب الِاشْتِرَاك اللّغَوِيّ والاستنباط الْمَعْنَوِيّ كتاب ينبوع الْحَيَاة أساليب الْغَايَة فِي أَحْكَام آيَة الْجنَّة من فرق أهل السّنة فِي الِاعْتِقَاد كتاب المعادات فِي الِاعْتِقَاد أَيْضا كتاب التشحين فِي أصُول الدّين كتاب معاتبة(1/125)
الجرئ على معاقبة البريء كتاب ملح اللُّغَة فِيمَا اتّفق لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ على حُرُوف المعجم كتاب كشف الكسف فِي نقض الْكتاب الْمُسَمّى بالكسف والأنباء عَن الْكتاب الْمُسَمّى بالأحياء كتاب مَالك الْأَذْكَار فِي مسالك الأفكار الخوذ الواقية والعوذ الراقية فِي الْوَعْظ كتاب نصائح الذكرى أرجوزة فِي الْفَرَائِض وَالْوَلَاء كتاب أكسير كيمياء التَّفْسِير كتاب الْإِشَارَة إِلَى علم الْعبارَة كتاب الْقَوَاعِد وَالْبَيَان مُخْتَصر فِي النَّحْو وَمن شعره الْخَفِيف
(أَيهَا المستجيش من السن الو عاظ قد أسهبوا وَمَا أيقظوكا)
(هاك بَيْتا يُغْنِيك عَن كل سجع ... وقريض كَانُوا بِهِ وعظوكا)
(لَا تشاغل بِالنَّاسِ عَن ملك النا س فلولا نعماه مَا لحظوكا)
وَمِنْه المتقارب
(بباء الْبَرَاءَة عِنْد الغلو ... وسين سروري بالمعرفة)
(وبالميم من مرحى عِنْد مَا ... تبشرني آيَة أَو صفة)
(أقل عَبدك المذنب المستجير ... بعفوك من سوء مَا أسلفه)
وتصانيفه مليحة وَمن شعره الطَّوِيل
(حَملتك فِي قلبِي فَهَل أَنْت عَالم ... بأنك مَحْمُول وَأَنت مُقيم)
(إِلَّا أَن شخصا فِي فُؤَادِي مَحَله ... واشتاقه شخص على كريم)
)
وَرَأَيْت بَعضهم يَقُول ابْن ظفر بِضَم الظَّاء وَالْفَاء وَالْأول أشهر وَالله أعلم
3 - (الشريف المرتضى لَيْسَ أَخ الرضى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ)
ابْن مُوسَى بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن عَليّ بن أبي طَالب الشريف أَبُو الْحسن وَأَبُو الْمَعَالِي ذُو الشرفين الْعلوِي الْحُسَيْنِي ولد بِبَغْدَاد وَسمع بهَا من أبي الْقَاسِم الحرقي وَأبي عبد الله الْمحَامِلِي وَالْبرْقَانِي وَطَلْحَة الْكِنَانِي وَمُحَمّد بن عِيسَى الهمذاني وَابْن شَاذان وَابْن بَشرَان وَطَائِفَة وَتخرج بالخطيب ولازمه وروى الْخَطِيب شَيْخه عَنهُ ورزق حسن التصنيف وَسكن آخر عمره سَمَرْقَنْد وَقدم بَغْدَاد وأملى بهَا وَكَانَ كثير الإيثار ينْفد فِي كل سنة إِلَى جمَاعَة من الْعلمَاء ألف دِينَار أَو خمس مائَة دِينَار أَو أَكثر أَو أقل وَيَقُول هَذِه زَكَاة مَالِي وَكَانَ يملك قَرِيبا من أَرْبَعِينَ قَرْيَة قبض عَلَيْهِ ملك سَمَرْقَنْد الْخضر خاقَان وَاصْطفى أَمْوَاله وضياعه فَصَبر وَحمد الله وَقيل منع من الطَّعَام إِلَى أَن مَاتَ جوعا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْجَوْهَرِي رَأَيْت السَّيِّد المرتضي أَبَا الْمَعَالِي بعد مَوته وَهُوَ فِي الْجنَّة وَبَين يَدَيْهِ طَعَام وَقيل لَهُ أَلا تَأْكُل فَقَالَ لَا حَتَّى يَجِيء ابْني فَإِنَّهُ غَدا يَجِيء فَلَمَّا انْتَبَهت وَذَلِكَ فِي رَمَضَان سنة بَيَاض وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة قتل ابْنه أَبُو الرِّضَا ذَلِك الْيَوْم وَتُوفِّي المرتضى الْمَذْكُور سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وَسَيَأْتِي ذكر وَلَده الأطهر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد فِي حرف الْهمزَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
3 - (الفرضي الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي حنيفَة)
الفرضي البغداذي نقلت من خطّ(1/126)
مُسْتَوفى إربل قَالَ هُوَ مؤدبي ورد إربل ومدح وَالِدي فنقلة لتأديبي عَلَيْهِ فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وَتوجه مَعَ المغيث والقاهر وَلَدي الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَركب الْبَحْر بالاسكندرية فَهبت ريح سَوْدَاء مُنْتِنَة مرض مِنْهَا جمَاعَة وَكَانَ مِنْهُم فَمَاتَ بِالْقَاهِرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وست مائَة وَذكر أَنه كَانَ أَولا مَعَ الفتاك الشطار وَأَنه حبس مُدَّة سَبْعَة عشر سنة وَأَنه كتب فِي الْحَبْس نيفاً وَسِتِّينَ مُصحفا وَكتب للوزير ابْن هُبَيْرَة مُصحفا لطيفاً وَقدمه فَقَالَ يَنْبَغِي قطع يَده لكتابته هَذَا فِي هَذَا الْقدر وَأورد لَهُ شعرًا كثيرا مِنْهُ قَوْله الرمل
(إِنَّمَا كَانَ ولوعى طَمَعا ... والردى لَا شكّ عُقبى الطمع)
(إِن من أسكنتهم فِي كَبِدِي ... وانطوت صونا عَلَيْهِم اضلعي)
(عرفُوا موضعهم من مهجتي ... فأضاعوا بالتجافي موضعي صَاحب الْأَرْبَعين الطائية مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْفَتْح بن أبي جَعْفَر الطَّائِي الهمذاني صَاحب الْأَرْبَعين الطائية توفّي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة)
)
3 - (القَاضِي أَبُو الْوَفَاء الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْوَفَاء)
القَاضِي الْأَصْبَهَانِيّ ولي الْقَضَاء بعسكر مكرم ودرس بالنظامية وَكَانَ حسن السِّيرَة فَاضلا من شعره المتقارب
(إِذا لَاحَ من أَرْضكُم برقة ... شممت الْوِصَال بإقبالها)
(وَلَو حَملتنِي الصِّبَا نحوكم ... تعلق روحي بأذيالها)
توفّي سنة سِتّ وَقيل سبع وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
3 - (ابْن قزمي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن)
أَبُو المظفر الْخَطِيب الاسكافي يعرف بِابْن قزمي بِالْقَافِ وَالزَّاي وَبعدهَا مِيم وياء قَالَ ابْن النجار هَكَذَا رَأَيْته مُقَيّدا بِخَط ابْن الخشاب قلت بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْمِيم الْمُشَدّدَة قَالَ صَاحب انموذج الْأَعْيَان هُوَ من أهل الْقُرْآن وَالْأَدب لَهُ شعر رائق وَلَفظ مطبوع كَانَ يؤم بالوزير أبي الْقَاسِم عَليّ بن طراد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي من شعره مجزوء الرمل
(لي حبيب لِأَن عطفا ... ليته لَو لِأَن عطفا)
(أَن قلبِي فِي هَوَاهُ ... فِي حريق لَيْسَ يطفا)
(منيتي تَقْبِيل عَيْني ... هـ وصحن الخد ألفا)
وَأورد لَهُ ابْن النجار مجزوء الْكَامِل
(إِن لي زَوْجَة سوء ... بخليق مَا كستني)
فَإِذا احتجت إِلَيْهَا لفراشي مَا كستني(1/127)
وَتُوفِّي ابْن قزمي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مائَة
3 - (ابْن الْخُرَاسَانِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
ابْن الْخُرَاسَانِي أَبُو عبد الله من أهل بَاب الْمَرَاتِب وَمن أَوْلَاد الْمُحدثين سمع فِي صباه من عبد الْحق بن عبد الْخَالِق بن أَحْمد بن يُوسُف وَسمع الْكثير من أبي السعادات نصر الله بن عبد الرَّحْمَن الْقَزاز وَمن بعده من أَصْحَاب أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي غَالب ابْن الْبناء وَأبي الْعِزّ ابْن كادش وأمثالهم وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ وَهُوَ خطّ حسن قَالَ ابْن النجار كتب لي كثيرا وَتُوفِّي سنة سِتّ وست مائَة قَالَ رَأَيْت كَأَنِّي فِي الْمَنَام أنْشد لنَفْسي الْخَفِيف
(غردت فِي الإراك أيكة سلع ... فَوق غُصْن سقيته مَاء دمعي)
)
(فاعتراني إِلَى الحبيب اشتياق ... وتذكرت موقفي بِالربعِ)
(يَا عذولي دع عَنْك لومي فَإِنِّي ... عَن ملام العذول قد صم سَمْعِي)
3 - (ابْن النَّرْسِي الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي حَرْب)
ابْن عبد الصَّمد أَبُو الْحسن ابْن النَّرْسِي الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة سمع وروى وَله ديوَان شعر وَله نثر ونوادر سائرة وَكَانَ من ظرفاء بَغْدَاد وَأَقْعَدَهُ الزَّمَان ومسه الْفقر وكسدت سوقه قَالَ ابْن النجار كَانَ نَاظرا على عقار الْخَلِيفَة وَمن شعره
(الْبَسِيط لَيْت العواذل للعذال مَا خلقُوا ... كم عذبُوا بأليم اللوم مشتاقا)
(أشجاه نوح حمامات فصاغ لَهَا ... من أسود الْعين يَوْم الْبَين أطواقا)
(وَبَات يرْعَى احمرار النَّجْم يحسبه ... فِي اللَّيْل سقط زناد مس حراقا)
(والأزرق اللَّوْن كالكبريت ذِي شعب ... اطرقن عِنْد اقتباس مِنْهُ أطراقا)
وَقَالَ يرثي امْرَأَته الْكَامِل
(لما تعذر أَن أكون بهَا الفدا ... فتعيش بعدِي أَو نموت جَمِيعًا)
(اتبعتها حلل الشَّبَاب فَمَا بَقِي ... فسواد عَيْني قد أذيب دموعا)
3 - (أَخُو الرَّافِعِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم)
ابْن الْفضل أَبُو الْفَضَائِل الرَّافِعِيّ الْقزْوِينِي نزيل بَغْدَاد أَخُو الإِمَام الْعَلامَة أَمَام الدّين الرَّافِعِيّ صَاحب شرح الْوَجِيز ولد فِي حُدُود السِّتين وَخَمْسمِائة وَسمع من جمَاعَة وَولي مشارفة النظامية وأوقافها وَنفذ رَسُولا إِلَى بعض النواحي وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ من الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْأَدب وَكَانَ ضَعِيف الْخط جدا صَدُوقًا وَله معرفَة حَسَنَة بِالْحَدِيثِ
3 - (الْوَزير القمي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم)
ابْن برز الْوَزير مؤيد الدّين أَبُو الْحسن القمي البليغ الْكَاتِب قَالَ ابْن النجار قدم بَغْدَاد صُحْبَة الْوَزير ابْن القصاب وَكَانَ بِهِ خصيصاً فَلَمَّا توفّي قدم بَغْدَاد وَقد سبقت لَهُ معرفَة بالديوان ورتب ابْن مهْدي فِي الوزارة ونقابة الطالبيين اخْتصَّ بِهِ أَيْضا وَكَانَا جارين فِي قُم وَلما مَاتَ أَبُو طَالب بن زِيَادَة كَاتب الْإِنْشَاء رتب القمي مَكَانَهُ(1/128)
وَلم يُغير هَيْئَة الْقَمِيص والشربوش على قَاعِدَة الْعَجم ثمَّ نَاب أَبُو الْوَلِيد ابْن أمسينا فِي الوزارة وعزل فِي سنة سِتّ وست مائَة فَردَّتْ النِّيَابَة)
وَأُمُور الدِّيوَان إِلَى القمي وَنقل إِلَى دَار الوزارة وَلما ولي الظَّاهِر الْخلَافَة أقره على حَاله وَكَذَلِكَ الْمُسْتَنْصر قربه وَرفع قدره وَحكمه فِي الْبِلَاد والعباد وَلم يزل فِي سعده إِلَى أَن عزل وسجن هُوَ وَابْنه بدار الْخلَافَة فَمَاتَ الابْن أَولا وَأَبوهُ بعده فِي سنة ثَلَاثِينَ وست مائَة وَكَانَ كَاتبا بليغاً فَاضلا كَامِل الْمعرفَة بالإنشاء يكْتب بالعربي والعجمي كَيفَ أَرَادَ وَيحل المترجم المغلق وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق مليح الْوَجْه تخافه الْمُلُوك وترهبه الْجَبَابِرَة وَله يَد باسطة فِي النَّحْو واللغة ومشاركة فِي الْعُلُوم
3 - (أَبُو الْخطاب الطَّبِيب مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن أبي طَالب)
أَبُو الْخطاب قَالَ ابْن أبي أصيبعة مقَامه بِبَغْدَاد قَرَأَ صناعَة الطِّبّ عَليّ أبي الْحسن سعيد بن هبة الله وَكَانَ متميزاً فِي الطِّبّ وَعَمله وَرَأَيْت خطه على كتاب من تصانيفه قد قريء عَلَيْهِ وَهُوَ كثير اللّحن يدل على أَنه لم يسْتَعْمل شَيْئا من الْعَرَبيَّة وَكَانَ تَارِيخه لذَلِك فِي تَاسِع شهر رَمَضَان سنة خمس مائَة وَله كتاب الشَّامِل فِي الطِّبّ جعله على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب فِي الْعلم وَالْعَمَل وَهُوَ يشْتَمل على ثَلَاث وَسِتِّينَ مقَالَة
3 - (ذُو المناقب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْقسم)
ابْن أَحْمد بن خذيو الأخسيكتي أَبُو الْوَفَاء الْمَعْرُوف بِذِي المناقب أَخُو الْأَكْبَر ذِي الْفَضَائِل وَسَيَأْتِي ذكر أَخِيه أَحْمد قَالَ السلَفِي كَانَ أديباً فَاضلا عَالما وقورا بهيا صَالحا صائنا عَارِفًا بالأدب حسن الشّعْر أَكثر شعره فِي الْحِكْمَة وَكَانَ يعرف التواريخ وأحوال الرِّجَال وصنف فِيهَا شَيْئا وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخمْس مائَة وَمن شعره الْكَامِل
(مَالِي وللظل الْمُحِيل بمنعج ... وَلذكر ملتفت الغزال الأدعج)
(بيني وَبَين اللَّهْو مُنْذُ عَرفته ... حرج الْعَفِيف وعفة المتحرج)
(غَيْرِي يشق على الغيور جواره ... ويحول حول الْبَين كالمتولج)
(جرت الْقَضِيَّة بِالسَّوِيَّةِ بَيْننَا ... لَا صَدره حرج وَلَا قلبِي شج)
3 - (ابْن السّكُون الْكَاتِب الْحلِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ثَابت)
ابْن السّكُون الْكَاتِب الْحلِيّ أورد لَهُ صَاحب انموذج الْأَعْيَان قصيدة أنشدها لَهُ أَولهَا الطَّوِيل
(نعم هَذِه أطلال مي دوارس ... فدمعي لَهَا جَار وطرفي ناكس)(1/129)
مِنْهَا الطَّوِيل)
(بنفسي من هام الْفُؤَاد بذكرها ... ونافسني فِيهَا الغيور المنافس)
(كَأَن بفيها قرقفاً وَكَأَنَّهَا ... حَيَاء إِذا مَا غضت الطّرف ناعس)
(لَهَا فَاحم ضاف على الحجل سابغ ... وَوجه يضاهي الْبَدْر لِلْعَقْلِ خالس)
3 - (ابْن مشق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُبَارك)
ابْن مُحَمَّد بن مشق بِفَتْح الْمِيم وَكسر الشين الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة وَالْقَاف أَبُو نصر ابْن الْمُحدث أبي بكر الْبَغْدَادِيّ توفّي شَابًّا سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخمْس مائَة
3 - (الخاتوني الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
أَبُو المظفر الخاتوني الْأَصْبَهَانِيّ الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب أحد الشُّعَرَاء سمع وروى توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة قَالَ ابْن النجار من سَاكِني دَار الْخلَافَة
كَانَ كَاتبا فَاضلا أديباً حسن الْأَخْلَاق خدم عدَّة من الْأُمَرَاء ثمَّ نظر فِي أَعمال قوسان وَبعدهَا فِي دجيل ثمَّ انْعَزل وَلزِمَ بَيته وَأورد لَهُ من أَبْيَات المتقارب
(لقد هاج لي الْبَين حزنا طَويلا ... وحملني الْبَين عبئاً ثقيلاً)
(واذكرني الْبَرْق سفح الغوير ... وَتلك القفار وَتلك الهجولا)
(وَمثل لي وقفات الحجيج ... وجوب الفلا عنقًا أَو ذميلا)
(فأذريت دمعي لَعَلَّ الدُّمُوع ... تبل غليلاً وتروي عليلا)
(فَمَا بلغت بعض مَا نلته ... وَمَا هُوَ امراً أرَاهُ منيلا)
(لِأَنِّي أروم شِفَاء الجوى ... وَقد أوحش الْبَين تِلْكَ السبيلا)
3 - (ابْن ابْن الْأَنْبَارِي الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَنْبَارِي)
ابْن الْأَنْبَارِي أَبُو الْفرج صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بِبَغْدَاد نَاب فِي الوزارة وَكتب الْإِنْشَاء سَبْعَة عشر عَاما وأشهراً وَكَانَ نَاقص الْفَضِيلَة ظَاهر الْقُصُور فِي الترسل وَإِنَّمَا روعى لأجل وَالِده سديد الدولة مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم وَسَيَأْتِي ذكر سديد الدولة توفّي مُحَمَّد الْمَذْكُور سنة خمس وَسبعين وَخمْس مائَة
3 - (ابْن مواهب الشَّاعِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مواهب)
أَبُو الْعِزّ ابْن الْخُرَاسَانِي الْبَغْدَادِيّ الشَّاعِر صَاحب الْعرُوض ومصنف النَّوَادِر المنسوبة إِلَى حِدة الخاطر قَرَأَ الْأَدَب على أبي مَنْصُور الجواليقي وَله ديوَان شعر فِي خَمْسَة عشر مجلداً)
قَالَه الْعِمَاد الْكَاتِب ومدح الْخُلَفَاء والوزراء وَله مصنفات أدبية وَتغَير ذهنه آخر عمره وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة وَله اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة أورد لَهُ ابْن النجار مَا يكْتب على كمران مجزوء الرمل
(أَنا مَحْسُود من النَّاس ... على أَمر عَجِيب)(1/130)
(أَنا مَا بَين قضيب ... ينثني فَوق كثيب)
وَقَوله الْخَفِيف
(أَنا رَاض مِنْكُم بأيسر شَيْء ... يرتضيه لعاشق معشوق)
بِسَلام على الطَّرِيق إِذا مَا جمعتنَا بالِاتِّفَاقِ الطَّرِيق وَقَوله مخلع الْبَسِيط
(إِن شِئْت إِن لَا تعد غمرا ... فَخَل زيدا مَعًا وعمرا)
(واستعن بِاللَّه فِي أُمُور ... مَا زلن طول الزَّمَان أمرا)
(وَلَا تخَالف مدى اللَّيَالِي ... حَتَّى الْمَمَات أمرا واقنع بِمَا راج من طَعَام ... وألبس إِذا مَا عريت طمرا)
3 - (قَوس الندف ابْن القلاس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سعد الله)
ابْن القلاس بِالْقَافِ وَالسِّين الْمُهْملَة الْبَغْدَادِيّ الْكَرْخِي الشَّاعِر الْمَعْرُوف بِابْن ملاوي ويلقب قَوس الندف عَاشَ دهرا ومدح المستنجد وَحكى أَنه رجل تائه معجب بِنَفسِهِ وجودة شعره وَهُوَ خَارج الشكل وَالْمعْنَى والْحَدِيث ذُو طبع جَاف وَربع عاف وَرُبمَا ندر لَهُ الْجيد من شعره توفّي سنة تسعين وَخمْس مائَة قَالَ من قصيدة يمدح برهَان الدّين الْوَاعِظ الغزنوي الْكَامِل
(يَا موقظ العزمات من سنة الْكرَى ... بنواله والباخلون نيام)
(ومبصر الجهلاء مَنْهَج رشدهم ... من بعد مَا قتحموا الضلال وعاموا)
(خلبتهم مِنْك المواعظ مثل مَا ... خلبت فؤاد العاشق الآرام)
(فَهموا بفهمك مَعَ بلادة فهمهم ... مَا لَا تحيط بِبَعْضِه الأوهام)
3 - (النجاد المقريء مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
أَبُو طَالب النجاد المقريء بغدادي سَافر إِلَى شيراز واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَلَاث مائَة حدث عَن أبي الْقَاسِم عبد الله الْبَغَوِيّ وَأبي مُحَمَّد ابْن يحيى بن صاعد)
وَأبي بكر عبد الله بن أبي دَاوُد السجسْتانِي وَأبي عبد الله ابراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة نفطويه النَّحْوِيّ وَغَيرهم وروى عَنهُ يحيى بن أَحْمد بن جَعْفَر الشرابي أَبُو الْحسن الْمُحْتَسب وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله الشِّيرَازِيّ
3 - (أَبُو عَليّ ابْن الْمسلمَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن مُحَمَّد بن عمر بن الْمسلمَة أَبُو عَليّ ابْن أبي جَعْفَر من أَوْلَاد الْمُحدثين هُوَ وَأَبوهُ وجده وجد أَبِيه وَكَانَ أَبُو عَليّ زاهدا متعبدا لَهُ كرامات سمع جده أَحْمد وهلال بن مُحَمَّد الحفار وَعلي بن مُحَمَّد بن بَشرَان وأخاه أَبَا الْقَاسِم عبد الْملك وَأَبا عَليّ الْحسن بن شَاذان وَأَبا الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عمر الحمامي وروى عَنهُ(1/131)
أَبُو غَالب أَحْمد بن الْحسن بن الْبناء وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْقَاسِم اسماعيل ابْن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْحسن عَليّ بن هبة الله بن عبد السَّلَام توفّي سنة تسع وَسبعين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن الشبلي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن عَليّ بن الشبلي الْقصار أَبُو بكر ابْن أبي الْغَنَائِم المدير من أهل بَاب الْبَصْرَة سمع أَبَا عَليّ الْحسن بن شَاذان وَأَبا الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله الْحرفِي وَأَبا بكر أَحْمد بن غَالب البرقاني وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَعبد الْوَهَّاب ابْن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَأَبُو مُحَمَّد الْمُبَارك بن أَحْمد بن بركَة الْكِنْدِيّ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن الحساس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن مُحَمَّد بن الجبان أَبُو عبد الله ابْن أبي الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن اللحاس من أهل الْحَرِيم الظَّاهِرِيّ روى شَيْئا يَسِيرا عَن عَمه مَنْصُور بن أَحْمد وَعَن أبي عَليّ بن الشبلي وروى عَنهُ وَلَده أَبُو الْمَعَالِي
3 - (ابْن الْمُهْتَدي الْخَطِيب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن مُحَمَّد بن المهتدى بِاللَّه أَبُو عبد الله أَخُو الشريف أبي الْغَنَائِم كَانَ أحد الخطباء بِبَغْدَاد توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
3 - (أَبُو الْغَنَائِم بن الْمُهْتَدي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن مُحَمَّد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه أَبُو الْغَنَائِم ابْن أبي الْحسن الشَّاهِد أَخُو الْخَطِيب الْمَذْكُور وخطب بِجَامِع الْمَنْصُور وَكَانَ من أَعْيَان الشُّهُود سمع أَبَاهُ وَأَبا الْحسن عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي الزَّاهِد)
وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ وَأَبا الْقَاسِم عبيد الله بن لولو الْوراق وَأَبا مُحَمَّد الْحسن الْجَوْهَرِي وَأَبا اسحاق ابراهيم بن عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي وروى عَنهُ الْأَئِمَّة والحفاظ من سَائِر الْبِلَاد كَأبي نصر الْحسن بن مُحَمَّد اليونارتي وَأبي طَاهِر السلَفِي وَأبي الْفضل ابْن نَاصِر وَأبي الْمُعْتَمِر الْأنْصَارِيّ وَأبي الْقَاسِم ذَاكر الْخفاف وَأبي طَاهِر ابْن المعطوش وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ توفّي سنة سبع عشرَة وَخمْس مائَة
3 - (ابْن الرسولي الْفَقِيه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
ابْن الْقسم بن الرسولي أَبُو السعادات الْبَغْدَادِيّ سَافر إِلَى خُرَاسَان وجال فِي الْبِلَاد وَسكن اسفرايين بِآخِرهِ إِلَى حِين وَفَاته سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة كَانَ فَقِيها شافعياً يتَكَلَّم فِي الْخلاف وَله معرفَة بالأدب وَله النّظم سمع أَبَا مُحَمَّد جَعْفَر بن أَحْمد السراج وَأَبا الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن بَيَان وَحدث بنيسابور روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو سعد السَّمْعَانِيّ وَمن شعره الْبَسِيط
(يَا سادتي مَا سلا قلبِي محبتكم ... وَلست فِي زمرة السالين معدودا)
(أَيَّام عمري مَا زَالَت بقربكم ... بيضًا فحين نأيتم أَصبَحت سُودًا)
(فقد رثى لي عدوي بعد فرقتكم ... وطالما كنت مغبوطا ومحسودا)
(ذممت عيشي مذ فَارَقت قربكم ... من بعد مَا كَانَ مشكوراً ومحمودا)
قلت هُوَ شعر فَوق المنحط وَدون الْوسط وَالثَّانِي أَخذه من ابْن زيدون حَيْثُ يَقُول الْبَسِيط
(حَالَتْ لفقدكم أيامنا فغدت ... سُودًا وَكَانَت بكم بيضًا ليالينا)(1/132)
3 - (أَبُو الْخطاب البطائحي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد المضري)
أَبُو الْخطاب الشَّاعِر من أهل البطائح قدم بَغْدَاد كتب عَنهُ الْمُبَارك بن كَامِل وروى عَنهُ فِي مُعْجم شُيُوخه وروى عَنهُ عبد الرَّحِيم ابْن الْأُخوة من شعره مَا أوردهُ ابْن النجار
3 - (السَّرِيع)
(يَا قاتلي ظلما بِلَا زلَّة ... مَا كَانَ أولاك بِأَن ترحما)
(جعلت خدي ظَالِما فِي الْهوى ... للدمع أَرضًا وجفوني سما)
(شربت من فِيك بِلَا رَقَبَة ... كأساً دهاقاً من سلاف اللمى)
(وَلست أروى من شراب ... إِذا شربته زِدْت إِلَيْهِ ظما)
)
(لَا اكتحلت عَيْنَايَ إِن أَبْصرت ... غَيْرك فِي الْعَالم إِلَّا عمى)
وَأورد لَهُ بِسَنَد يتَّصل بِهِ قَوْله الْبَسِيط
(يَا رَاقِد الْعين عَيْني فِيك ساهرة ... وفارغ الْقلب قلبِي مِنْك ملآن)
(إِنِّي أرى مِنْك عذب الثغر عذبني ... وَأَيْقَظَ الجفن جفن مِنْك وَسنَان)
قلت هَذَانِ البيتان فِي الذرْوَة من النّظم والأبيات الْمُتَقَدّمَة فِي الحضيض وَمن الْعجب أَنَّهُمَا تنازعهما الشُّعَرَاء وتجاذبوا هدابهما وأغاروا عَلَيْهِمَا فَقَالَ ابْن التعاويذي من قصيدته الْمَشْهُورَة الْبَسِيط
(غال من الْهم فِي خلخاله حرج ... فقلبه فارغ وَالْقلب ملآن)
(يذكي الجوى بَارِد من رِيقه شبم ... ويوقظ الطّرف طرف مِنْهُ وَسنَان)
وَأَبُو الْخطاب مُتَقَدم الزَّمَان على ابْن الساعاتي لِأَن ابْن النجار روى شعره عَن ثَلَاثَة عَنهُ وروى شعر ابْن التعاويذي عَن وَاحِد عَنهُ أَنْشدني الشَّيْخ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي من لَفظه قَالَ أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْملك العزازي قصيدته الَّتِي أَولهَا الْبَسِيط
(دمي بأطلال ذَات الْخَال مطلول ... وجيش صبري مهزوم ومفلول)
مِنْهَا الْبَسِيط
(يَا رَاقِد الْعين عَيْني فِيك ساهرة ... وفارغ الْقلب قلبِي مِنْك مَشْغُول)
فَغير القافية لَا غير
3 - (الْهمام الْمُرَتّب الحربوي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
الحربوي الْمَعْرُوف بالهمام مُرَتّب الْمدرسَة النظامية روى عَنهُ ابْن النجار قَوْله فِي مثاقف المنسرح
(قد سل سيف الثقاف منتضياً ... من بعده مرهفاً من النّظر)
(مثاقف من سيوف مقلته ... قد أَصبَحت مهجتي على خطر)
(مَا هم فِي شدّ عقد مِئْزَره ... إِلَّا وَقد حل عقد مصطبري)(1/133)
(يكَاد فِي حفي من يثاقفه ... بِالسَّيْفِ يُحْصى مغارز الشّعْر)
(كَأَنَّمَا ترسه لمبصره ... فِي وَجهه غيمة على قمر)
توفّي الْهمام الْمُرَتّب سنة عشرَة وست مائَة وَكَانَ شَابًّا)
3 - (ابْن لنكك مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر)
ابْن لنكك بكافين بعد النُّون وَاللَّام أَبُو الْحُسَيْن من أهل الْبَصْرَة كَانَ من النُّحَاة الْفُضَلَاء والأدباء النبلاء روى قصيدة دعبل التائية الَّتِي مدح بهَا أهل الْبَيْت وأولها الطَّوِيل
(مدارس آيَات خلت من تِلَاوَة ... ومنزل علم مقفر العرصات)
رَوَاهَا عَنهُ أَبُو الْفَتْح عبيد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بجخجخ وَلما قدم بَغْدَاد روى عَنهُ الْعلمَاء بهَا وَمن شعره الوافر
(زمَان قد تفرغ للفضول ... فسود كل ذِي حمق جهول)
(إِذا احببتم فِيهِ ارتفاعاً ... فكونوا جاهلين بِلَا عقول)
وَمِنْه الوافر
(يعيب النَّاس كلهم الزمانا ... وَمَا لزماننا عيب سوانا)
(نعيب زَمَاننَا وَالْعَيْب فِينَا ... وَلَو نطق الزَّمَان إِذا هجانا)
(ذئاب كلنا فِي خلق نَاس ... فسبحان الَّذِي فِيهِ برانا)
(يعاف الذِّئْب يَأْكُل لحم ذِئْب ... وَيَأْكُل بَعْضنَا بَعْضًا عيَانًا قلت شعر متوسط)
3 - (الشَّعْبَانِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جُمْهُور)
أَبُو الْحسن الشَّعْبَانِي أديب شَاعِر مدح الإِمَام الْقَادِر بِاللَّه وروى عَن أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الشمشاطي شَيْئا من تصانيفه روى عَنهُ أَبُو غَالب مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَشرَان الوَاسِطِيّ وَمن شعره قصيدة مدح بهَا الْقَادِر الطَّوِيل
(إِلَيْك انْتهى مجد الْخلَافَة وَالْفَخْر ... ولولاك لم يشرف لمملكة قدر)
(بمفرقك التَّاج استطال ترفعا ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ترفعه خطر)
(وذلت لَك الْأَيَّام فَهِيَ خواضع ... وَأصْبح منقاداً لسطوتك الدَّهْر)
(تدين لياليه لأمرك طَاعَة ... فَلَو تجتوي يَوْمًا لما ضمه شهر)
(لَك الشّرف الملحوظ فِي سَابق الذرى ... فَمن رامه أرداه مسلكه الوعر)(1/134)
(يخافك من اسكندرية دَاره ... واندلس القصوى وَمن ضمه مصر)
(فَمَا مِنْهُم من لَيْسَ مِنْك بِقَلْبِه ... بلابل لَا يخبو لجاحمها جمر)
(وَأَنت إِمَام الْحق تَدْعُو إِلَى الْهدى ... فَمَا لامرئ عَنْك انثنى حايداً عذر)
)
(فطاعتك الْإِيمَان بِاللَّه وَحده ... وعصيانك الْإِشْرَاك بِاللَّه وَالْكفْر)
3 - (ابْن الْجُنَيْد الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْجُنَيْد)
ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْجُنَيْد أَبُو مُسلم ابْن أبي الْفتُوح من أهل أَصْبَهَان وَالِد أبي الْفتُوح مُحَمَّد قدم بَغْدَاد حَاجا فِي شبابه سنة عشْرين وَخمْس مائَة مَعَ خَاله أبي غَانِم ابْن زِينَة وَسمع بهَا من شُيُوخ ذَلِك الْوَقْت وَحدث بهَا وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة عَن أبي سعد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمُطَرز وَأبي الْفَتْح أَحْمد بن مُحَمَّد الْحداد وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد بن نجوكه وَغَيرهم وَكتب عَنهُ أَبُو بكر الْمُبَارك ابْن كَامِل الْخفاف وعاش هَذَا بعد هَذَا التَّارِيخ سِتِّينَ سنة وَحدث بالكثير بأصبهان وَكتب النَّاس عَنهُ وَتُوفِّي سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة
3 - (الديناري النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن)
ابْن الديناري أَبُو الْفَتْح النَّحْوِيّ ذكر مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي أَنه من ولد دِينَار بن عبد الله الرَّاوِي عَن أنس بن مَالك سمع كثيرا وَقَرَأَ بالروايات السَّبع وَعرف الْأَدَب وَحدث بالأخبار الموفقيات للزبير بن بكار عَن أبي عبد الله الْكَاتِب سَمعهَا مِنْهُ عِيسَى ابْن أبي عِيسَى الْقَابِسِيّ وَكتب عَنهُ عَليّ بن الْحسن بن الصَّقْر الذهلي والخطيب أَبُو بكر علق عَنهُ شَيْئا فِي المذاكرة توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن حسنكويه الْفَارِسِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن)
ابْن الْحُسَيْن بن حسنكويه بن مرْدَوَيْه ابْن هندويه الْفَارِسِي أَبُو عبد الله ابْن أبي نصر من أهل فَارس سمع بكازرون أَبَا الْفَتْح عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن الْحَاكِم بهَا وبارجان أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن بَلخ الأرجاني وبأصبهان أَبَا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن ماجة الْأَبْهَرِيّ وَقدم بَغْدَاد شَابًّا واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته سنة سبع وَخمْس مائَة وتفقه على أبي اسحاق الشِّيرَازِيّ وَسمع الحَدِيث الْكثير من أبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي مُحَمَّد عبد الله الصريفيني وَأبي الْقَاسِم عَليّ الْبُشْرَى وَخلق غَيرهم وَله تأليف ومجموعات وتخاريج وَكَانَ فَقِيها فَاضلا روى عَنهُ أَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَمُحَمّد بن نَاصِر وَأَبُو معمر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو طَالب ابْن خضير
3 - (أَبُو مَنْصُور ابْن المعوج مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
ابْن عبد الله بن السكن أَبُو مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن المعوج ويلقب بزعيم الكفاة كَانَ حاجباً)
بالديوان مُدَّة ثمَّ ولي حجبة بَاب النوبى فِي أَيَّام الْمُقْتَدِي وقلد الْمَظَالِم وَإِقَامَة الْحُدُود والشرطة وبرز خطّ الْخَلِيفَة بتقليده ذَلِك وَصورته وَلما رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا اجْتمع فِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن من العفاف والديانة والثقة والصيانة قَلّدهُ الْمَظَالِم وَقد أَخذ عَلَيْهِ تقوى الله سُبْحَانَهُ وطاعته وَالسَّعْي فِي كل مَا يزلفه عِنْده(1/135)
ويحظيه ويقربه من أَمِير الْمُؤمنِينَ ويدنيه وَكَانَ أَبُو مَنْصُور يقظاً حازماً وَفِيه شجاعة وَقُوَّة نفس وَله رَغْبَة فِي حسن الذّكر توفّي سنة إِحْدَى وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو الْحسن ابْن القلعي الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
الْأَوَانِي أَبُو الْحسن الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن القلعي سمع أَبَا الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن الْمَأْمُون وَأَبا عَليّ ابْن الشبل الشَّاعِر وَكتب عَنهُ أَبُو طَاهِر السلَفِي وروى عَنهُ سعد الله بن مُحَمَّد الدقاق وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو الْحُسَيْن ابْن أبي يعلى الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
ابْن مُحَمَّد بن خلف بن الْفراء أَبُو الْحُسَيْن ابْن القَاضِي أبي يعلى الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ صنف فِي الأصولين وَالْخلاف وَالْمذهب وطبقات الْحَنَابِلَة وَسمع الْكثير فِي صباه عِنْد وَالِده وجده لأمه جَابر بن ياسين وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْمسلمَة وَعبد الصَّمد بن الْمَأْمُون وَأبي مُحَمَّد عبد الله الصريفيني وَمُحَمّد بن وشاح الزَّيْنَبِي وَمُحَمّد بن أَحْمد الأنبوشي وَأبي الْحُسَيْن ابْن النقور وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَحدث بِأَكْثَرَ مسموعاته ومجموعاته وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا روى عَنهُ مُحَمَّد بن نَاصِر وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وابنا أَخِيه أَبُو يعلى مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم وَجَمَاعَة كَثِيرُونَ ولد سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو خازم ابْن أبي يعلى الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
ابْن مُحَمَّد بن خلف بن الْفراء أَبُو خازم ابْن أبي يعلى الْحَنْبَلِيّ أَخُو أبي الْحُسَيْن الْمَذْكُور آنِفا كَانَ أَصْغَر سنا درس الْفِقْه على أبي عَليّ يَعْقُوب بن ابراهيم البرزياني تلميذ وَالِده حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَالْخلاف وصنف التَّبْصِرَة فِي الْخلاف ورؤوس الْمسَائِل وَشرح كتاب الْخرقِيّ وَشهد مَعَ أَخِيه أبي الْحُسَيْن عِنْد قَاضِي الْقُضَاة أبي الْحسن ابْن الدَّامغَانِي وَسمع الحَدِيث فِي صباه من ابْن النقور وجده لأمه جَابر بن ياسين وَأبي جَعْفَر ابْن الْمسلمَة وَأبي الْغَنَائِم ابْن الْمَأْمُون وَحدث باليسير وروى عَنهُ أَوْلَاده أَبُو يعلى مُحَمَّد وَأَبُو الْفرج عَليّ وَأَبُو)
مُحَمَّد عبد الرَّحِيم وَأَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ وَابْن نَاصِر وَأَبُو النَّجْم الباماوردي وَابْن بوش وَكَانَ زاهداً ورعاً ناسكاً صَدُوقًا أَمينا توفّي سنة سبع وَعشْرين وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو البركات ابْن خَمِيس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
بن الْقَاسِم بن خَمِيس أَبُو البركات من أهل الْموصل من بَيت مَشْهُور بِالْعلمِ وَالرِّوَايَة قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن أبي نصر أَحْمد بن عبد الْبَاقِي بن طوق الْموصِلِي سمع مِنْهُ أَبُو الْحُسَيْن هبة بن الْحسن بن هبة الله الدِّمَشْقِي وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الله بن الشهرزوري ورويا عَنهُ توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة
3 - (زين الْأَئِمَّة الْحَنَفِيّ الضَّرِير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن)
ابْن صَالح أَبُو الْفضل الضَّرِير الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بزين الْأَئِمَّة كَانَ لَهُ معرفَة تَامَّة بالفقه وناب فِي التدريس عَن قَاضِي الْقُضَاة أبي(1/136)
الْقَاسِم الزَّيْنَبِي بمشهد أبي حنيفَة ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ الغيائية سمع أَبَا الْفضل أَحْمد بن خيرون وَأَبا طَاهِر أَحْمد الكرجي وَأَبا عَليّ أَحْمد البرداني الْحَافِظ وَغَيرهم وَسمع مِنْهُ أَبُو مُحَمَّد ابْن الخشاب وَأَبُو بكر الْخفاف وَتُوفِّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
3 - (ابْن بطة وَالِد عبيد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حمدَان)
ابْن بطة بن عمر بن عِيسَى بن ابراهيم بن سعد بن عتبَة بن فرقد صَاحب رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم أَبُو بكر العكبري وَالِد عبيد الله الْفَقِيه صَاحب المصنفات حدث عَن عبد الله بن الْوَلِيد بن جرير وَغَيره وروى عَنهُ وَلَده فِي مصنفاته
3 - (ابْن أبي الْمليح الْوَاعِظ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خطاب)
ابْن عبد الله بن أبي الْمليح أَبُو عبد الله الْوَاعِظ من أهل الحربية سمع الْكثير وَطلب بِنَفسِهِ وَكتب وَحصل وَكَانَ فَاضلا يعظ النَّاس على الأعواد إِلَّا أَنه كَانَ كذابا ظهر عَلَيْهِ أَشْيَاء أنكرها أَصْحَاب الحَدِيث قَالَ ابْن النجار رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ على تَركه وَلم يرضه شَيخنَا ابْن الْأَخْضَر توفّي سنة تسع وَسبعين وَخمْس مائَة
3 - (الدباس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُفْيَان)
الدباس أَبُو طَاهِر الْفَقِيه أَمَام أهل الرَّأْي بالعراق بغدادي درس الْفِقْه على القَاضِي أبي خازم صَاحب بكر الْعمي قَالَ ابْن النجار وَكَانَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة صَحِيح المعتقد تخرج بِهِ)
جمَاعَة من الْأَئِمَّة قَالَ بعض الْعلمَاء ترك التدريس آخر عمره وجاور بِمَكَّة وَفرغ نَفسه لِلْعِبَادَةِ إِلَى أَن أَتَاهُ أَجله
3 - (ابْن عباد المقريء مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عباد)
أَبُو عبد الله المقريء النَّحْوِيّ قَرَأَ على أبي سعيد السيرافي وَجمع كتابا فِي الْوَقْف والابتداء وَحدث بِهِ سَمعه مِنْهُ أَحْمد بن الْفرج بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج بن هَارُون توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ابْن الغزال المقريء مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الغزال أَبُو جَعْفَر ابْن أبي بكر المقريء من أهل أَصْبَهَان سمع الْكثير فِي صباه وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وَصَحب الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وَانْقطع فِي بَيته لَا يخرج إِلَّا لجمعة أَو جمَاعَة وتقنع بِمَا يدْخل لَهُ من ملكه قدم بَغْدَاد وَهُوَ شَاب حَاجا وَحدث بهَا قَالَ ابْن النجار وَسَمعنَا مِنْهُ وَكَانَ صَدُوقًا وَكَانَ أجل عباد الله الصَّالِحين توفّي بأصبهان سنة عشْرين وست مائَة
3 - (أَبُو رشيد ابْن الغزال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
ابْن الغزال أَخُو الْمَذْكُور سمع فِي صباه كثيرا ثمَّ طلب بِنَفسِهِ وجد واجتهد وَسمع وَقَرَأَ شَيْئا كثيرا على أَصْحَاب أبي على الْحداد وَأبي مَنْصُور ابْن الصَّيْرَفِي وغانم الْبُرْجِي وَأبي عبد الله الدقاق وأمثالهم وَكتب بِخَطِّهِ وَحصل الْأُصُول وَقدم بَغْدَاد وَحج قَالَ ابْن النجار وَسمع من مَشَايِخنَا وَكَانَ يكنى أَبَا رشيد وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة
3 - (أَبُو بكر بن كوتاه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْجَلِيل)
ابْن عبد الْوَاحِد أَبُو بكر الْمَعْرُوف بِابْن كوتاه من أَصْبَهَان من أَوْلَاد الْمُحدثين والحفاظ وَكلهمْ محدثون فضلاء ثِقَات سمع الْكثير من جده وَأبي الْوَقْت السجْزِي وَجَمَاعَة وَسمع مِنْهُ ابْن النجار وَكتبه مليحة الْأُصُول وَكَانَ ثِقَة(1/137)
توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وست مائَة
3 - (الشريف الإدريسي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله)
ابْن إِدْرِيس بن يحيى بن عَليّ بن حمود بن مَيْمُون بن أَحْمد بن عَليّ بن عبيد الله ابْن عمر بن إِدْرِيس بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب الشريف الإدريسي مؤلف كتاب رجار وَهُوَ نزهة المشتاق فِي اختراق الْآفَاق وسوف يَأْتِي ذكر وَالِده فِي تَرْجَمَة جده)
إِدْرِيس بن يحيى وَذكر جمَاعَة من بَيته كل مِنْهُم فِي مَكَانَهُ نَشأ مُحَمَّد هَذَا فِي أَصْحَاب رجال الفرنجي صَاحب صقلية وَكَانَ أديباً ظريفاً شَاعِرًا مغرىً بِعلم جغرافيا صنف لرجار الْكتاب الْمَذْكُور وَفِي تَرْجَمَة رجال فِي حرف الرَّاء شَيْء من ذكر هَذَا الْكتاب وَسبب تصنيفه وَمن شعر مُحَمَّد هَذَا المجتث
(دَعْنِي أجل مَا بَدَت لي ... سفينة أَو مَطِيَّة)
(لَا بُد يقطع سيري ... أُمْنِية أَو منية)
وَمِنْه مجزوء الرمل
(لَيْت شعري أَيْن قَبْرِي ... ضَاعَ فِي الغربة عمري)
(لم أدع للعين مَا تش تاق فِي بر وبحر)
(وخبرت النَّاس والأر ض لَدَى خير وَشر)
(لم أجد جاراً وَلَا دا راً كَمَا فِي طي صَدْرِي)
(فَكَأَنِّي لم أسر ... لَا بميت أَو بقفر)
وَمِنْه الْخَفِيف
(إِن عَيْبا على الْمَشَارِق إِن أر جع عَنْهَا إِلَى ذيول المغارب)
(وَعَجِيب يضيع فِيهَا غَرِيب ... بعد مَا جَاءَ فكره بالغرائب)
(ويقاسي الظما خلال أنَاس ... قسموا بَينهم هَدَايَا السحائب)
وَمِنْه الطَّوِيل
(وَمن قبل أَن أَمْشِي على قدم المنى ... سعى قلمي فِي الْمَدْح سعياً على الرَّأْس)
وَمِنْه المتقارب
(وليل كصدر أخي غمَّة ... قطعناه حَتَّى بلغنَا النجاح)(1/138)
(وَبدر السَّمَاء بدا فِي النُّجُوم ... كَمَا لَاحَ فِي النَّاس بدر السماح)
قلت شعر جيد
3 - (أَبُو الْفَتْح ابْن الخشاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن)
ابْن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان بن فضَالة التغلبي أَبُو الْفَتْح الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن الخشاب أحد الْكتاب الْفُضَلَاء قدم بَغْدَاد مرَارًا وروى بهَا قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَنْشدني)
لنَفسِهِ المتقارب
(أَرَاك اتَّخذت سواكا أراكا ... لكيما أَرَاك وأنسي سواكا)
(سواك فَمَا اشتهي أَن أرى ... فَهَب لي رضاباً وهب لي سواكا)
قلت من هَهُنَا أَخذ الْقَائِل قَوْله الْخَفِيف
(مَا أردْت الْأَرَاك إِلَّا لِأَنِّي ... إِن ذكرت الْأَرَاك قلت أراكا)
(وهجرت السِّوَاك إِلَّا لِأَنِّي ... إِن ذكرت السِّوَاك قلت سواكا)
وَكَانَ حسن الْخط والعبارة والترسل وَله حَظّ وافر من الْعَرَبيَّة واللغة غير أَنه كَانَ منهمكاً على الشّرْب مَعَ كبر سنه وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْكَذِب وَوضع المحالات وحكايات المستحيلات بَين أَصْحَاب الدِّيوَان مَشْهُور بذلك وللغزي فِيهِ أشعار مِنْهَا قَوْله الْبَسِيط
(أوصى بِأَن ينحت الأخشاب وَالِده ... فَلم يطقها وأضحى ينحت الكذبا)
توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَخمْس مائَة
3 - (الْخَطِيب الْكشميهني مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن)
ابْن أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي تَوْبَة الْخَطِيب الْكشميهني أَبُو عبد الرَّحْمَن من أهل مرو سمع أَبَا حنيفَة النُّعْمَان بن اسماعيل النملاني وَأَبا بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَحدث بِصَحِيح مُسلم وَغَيره بِمَجْلِس الْوَزير عون الدّين ابْن هُبَيْرَة وَحدث بحلب وَمَات بمرو سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مائَة وَكتب عَنهُ ابْن النجار
3 - (أَبُو عَليّ الْخَطِيب ابْن الْمهْدي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز)
ابْن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْمهْدي بِاللَّه أَبُو عَليّ ابْن أبي الْفضل الْخَطِيب اسْمَعْهُ وَالِده فِي صباه الْكثير وَعمر حَتَّى حدث بالكثير وروى عَنهُ الْحفاظ والكبار من سَائِر الْبِلَاد وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو البركات ابْن الطوسي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر)
ابْن هِشَام ابْن الطوسي أَبُو البركات أَخُو أبي نصر أَحْمد قَرَأَ الْفِقْه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن ابْن النقور وَأبي بكر مُحَمَّد الناصحي النَّيْسَابُورِي وَغَيرهمَا وانتقل إِلَى الْموصل من بَغْدَاد وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهَا وَحدث روى عَنهُ أَبُو المعمر الْمُبَارك الْأنْصَارِيّ وابراهيم بن عَليّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْفراء وَأَبُو الْقَاسِم ابْن بوش وَبَينه وَبَين الأبيوردي)
مكاتبات توفّي سنة ثَمَان عشرَة وَخمْس مائَة
3 - (ابْن الضجة المقريء الشَّافِعِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد كَانَ أَبُو المحاسن المقريء(1/139)
الْمَعْرُوف بِابْن الضجة كَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب أشعرياً صنف كتابا فِي الْأُصُول سَمَّاهُ نور الْحجَّة وإيضاح المحجة قَرَأَ الْقُرْآن على أبي الْخَيْر الْمُبَارك الغسال وَغَيره قَالَ ابْن النجار سَأَلت عَنهُ ابْن أبي الْفُنُون النَّحْوِيّ فَأثْنى عَلَيْهِ وَوَصفه بِالْعلمِ وَالْفضل وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مائَة
3 - (ابْن الصّباغ أَخُو الْفَقِيه)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ أَبُو طَالب بن أبي طَاهِر بن أبي أَحْمد أَخُو أبي نصر عبد السَّيِّد الْفَقِيه صَاحب الشَّامِل فِي الْفِقْه حدث باليسير عَن أبي الْقَاسِم بن بَشرَان روى عَنهُ اسماعيل بن أَحْمد بن السَّمرقَنْدِي توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن الصّباغ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ أَبُو غَالب ابْن أبي جَعْفَر كَانَ من بَيت الْعَدَالَة وَالْقَضَاء وَالْفِقْه والْحَدِيث ارتشى قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد بن جَعْفَر العباسي على كتاب بَاطِل أثْبته وَقَالَ لِأَحْمَد بن الْبَنْدَنِيجِيّ أكتب عَلَيْهِ عورض بِأَصْلِهِ وَلم يكن لَهُ أصل فقد رَأَيْت أَصله فركن إِلَيْهِ وَكتب عَلَيْهِ وأتى بِالْكتاب إِلَى ابْن الصّباغ هَذَا فَلَمَّا رأى خطّ الْبَنْدَنِيجِيّ ركن إِلَيْهِ وَكتب فَلَمَّا ظَهرت الْحَال عزل القَاضِي وَأشهر الشَّاهِدَانِ على جملين بحريم دَار الْخلَافَة مكشوفي الرَّأْس سمع أَبُو غَالب من أبي بكر ابْن الزَّاغُونِيّ وَأبي الْوَقْت السجْزِي وَغَيرهم وَكتب عَنهُ ابْن النجار وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وست مائَة
3 - (مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب)
ابْن عَليّ بن عَليّ بن عبيد الله الْأُمِّي ن أَبُو عبد الله ابْن أبي مَنْصُور قَالَ ابْن النجار إِن شَيخنَا الْمَعْرُوف بِابْن سكينَة توفّي وَالِده وَهُوَ صَغِير وكفله جده ورباه حفظ الْقُرْآن والتنبيه وأتقنه وَقَرَأَ الْأَدَب وَسمع الحَدِيث الْكثير من جده وَكَانَ وَالِده اسْمَعْهُ من ابْن كُلَيْب وَأخذ لَهُ إجَازَة من)
ابْن شاتيل وَأبي السعادات ابْن زُرَيْق وناب عَن ابْن المجير وَكيل الإِمَام النَّاصِر وعلت مرتبته وارتفع مِقْدَاره وَلما ولي الْمُسْتَنْصر رفع مَنْزِلَته ثمَّ إِنَّه استعفى من الْخدمَة فَأُجِيب وَانْقطع يديم الصّيام وَيكثر الْقيام وَيَتْلُو الْقُرْآن توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة
3 - (ابْن الشخير الصَّيْرَفِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبيد الله ابْن مُحَمَّد بن الْفَتْح بن عبيد الله بن يزِيد بن عبد الله بن الشخير الصَّيْرَفِي أَبُو الطّيب ابْن أبي بكر الشَّاعِر لَهُ قصيدة طَوِيلَة سَمَّاهَا ذَات الْهدى نقض بهَا قصيدة ابْن بسام رَوَاهَا عَنهُ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المحسن الدقاق من شعره الطَّوِيل
(رفعت إِلَى مولَايَ فِي الْحبّ قصتي ... وَقلت لَهُ أنظر لضعفي فِي أَمْرِي)
(فَوَقع لي يُعْفَى من الصد فِي الْهوى ... وَيخرج حَال الْقلب هَل هم بالغدر)
(فَجئْت إِلَى ديوَان وجدي أديره ... على الْهم وَالْأَحْزَان والشوق وَالذكر)
(فَكل عَلَيْهِ علمُوا إِنَّنِي بِهِ ... أَسِير هوى مَا استفيق إِلَى الْحَشْر)(1/140)
(وعدت إِلَيْهِ بِالْكتاب فَقَالَ لي ... أَلا قر عينا قد سلمت من الهجر)
3 - (ابْن الْوَزير ابْن مقلة)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْحسن بن مقلة أَبُو الْحسن ابْن الْوَزير أبي عَليّ حدث بالديار المصرية عَن وَالِده وَعَن أبي بكر بن دُرَيْد وَأبي الْحسن أَحْمد جحظة وروى عَنهُ أَبُو زَكَرِيَّاء ابْن مَالك الطرطوشي وَالْقَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ الدينَوَرِي
3 - (مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ)
ابْن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإِمَام بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس ابْن عبد الْمطلب أَبُو تَمام ابْن أبي الْحسن هُوَ أحد الْأُخوة الْخَمْسَة أبي مَنْصُور مُحَمَّد وَأبي نصر مُحَمَّد وَأبي الفوارس طراد وَأبي طَالب الْحُسَيْن وَكَانَ الْأَكْبَر وَيعرف بالأفضل ولي النقابة على الهاشميين بعد وَفَاة أَبِيه سمع فِي صباه من أبي الْقَاسِم عِيسَى بن عَليّ بن عِيسَى بن الْجراح وَأبي طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المخلص قَالَ ابْن النجار وَمَا أَظُنهُ روى شَيْئا وَتُوفِّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة)
3 - (أَبُو الْمَعَالِي الهيتي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْفَارِسِي أَبُو الْمَعَالِي الهيتي شَاعِر اجتدى بالشعر كتب عَنهُ أَبُو طَاهِر السلَفِي بِبَغْدَاد وبالحلة سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَمن شعره رِوَايَة السلَفِي الْكَامِل
(صرمت بِلَا ذَنْب خيالي زَيْنَب ... وتجرمت وَتقول أَنْت المذنب)
(وغدت تضن بوصلها من تيهها ... والوصل أحسن بالحسان وأصوب)
(ومذ أَعرَضت عني قد أضرم فِي الحشا
نَار توقد حرهَا يتلهب)
(فلحرقة الْبَين المشتت لوعة ... والبين أعظم مَا يكون وأصعب)
(يَا عاذلاً لم يدر مَا صنع الأسى ... أقصر فَإِن ملام مثلك يعطب)
وَقَالَ السلَفِي كَانَ من المجيدين قلت هَذَا شعر رذل منحط إِلَى الْغَايَة
3 - (أَبُو الْفَتْح الخزيمي الْوَاعِظ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ ابْن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة أَبُو الْفَتْح الخزيمي الفراوي الْوَاعِظ قَالَ ابْن النجار هَكَذَا رَأَيْت نسبه بِخَط الْحُسَيْن بن خسرو الْبَلْخِي قدم بَغْدَاد سنة تسع وَتِسْعين منصرفاً من الْحَج وَعقد بهَا مجْلِس الْوَعْظ تَارَة بِجَامِع الْقصر وَتارَة بالنظامية وأملي عدَّة مجَالِس استملاها أَبُو الْفَضَائِل بن الخاضبة وَحدث بِبَغْدَاد أَيْضا سنة تسع وَخمْس مائَة سمع عبد الغافر الْفَارِسِي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا الْخَيْر مُحَمَّد الصفار واسماعيل ابْن(1/141)
عَليّ الْخَطِيب الرَّازِيّ وَأحمد بن مُحَمَّد الناصحي الْفَقِيه وَأَبا عبد الله عمر بن أَحْمد الفراوي وَأَبا الْحسن بن همزَة الدهستاني وَمُحَمّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن الكامخي الساوي وروى عَنهُ عَليّ بن هبة الله بن عبد السَّلَام الْكَاتِب وَابْنه مُحَمَّد وَسعد الله ابْن مُحَمَّد بن طَاهِر الدقاق وَمن شعره الوافر
(دَعَا لومي فلومكما معاد ... وَقتل العاشقين لَهُ معاد)
(وَلَو قتل الْهوى أهل التصابي ... لما تَابُوا وَلَو ردوا لعادوا)
وَمِنْه أَيْضا الطَّوِيل
(إِذا كنت ترْضى بالتمني من البقا ... فَإِن التَّمَنِّي بَابه غير مغلق)
)
(وَمَا ينفع التَّحْقِيق بالْقَوْل فِي التقى ... إِذا كَانَ بالأفعال غير مُحَقّق)
توفّي سنة أَربع عشرَة وَخمْس مائَة وَدفن بالوردية
3 - (ابْن الباطوخ الْوَاعِظ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ ابْن طَالب أَبُو عبد الله ابْن أبي الْغَنَائِم الْوَاعِظ الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الباطوخ سمع الْكثير من أبي مُحَمَّد يحيى ابْن الطراح وَمُحَمّد بن عبد الْملك بن خيرون وَجَمَاعَة وَله خطب مَعْرُوفَة على الْحُرُوف كل خطْبَة نَاقِصَة عَن حرف مختومة بِخطْبَة لَيْسَ فِيهَا نقطة من شعره الطَّوِيل
(بحقك إِن عَايَنت من أَنا عَبده ... فَقل قَالَ ذَاك العَبْد قد مسني الضّر)
(ترفق بصب فِيك قد عز صبره ... وصل دنفاً قد شفه الْبعد والهجر)
(اعلل قلبِي فِي وصالك بالمنى ... واسأل عَن صبري وَقد عدم الصَّبْر)
(فَكيف سلوى عَن حبيب إِذا بَدَت ... محاسنه لي غَابَ عَن حسنها الْبَدْر)
(ذللت لَهُ وَالْحب عَار وذلة ... وصرت لَهُ عبدا وَفِي يَده الْأَمر)
قلت شعر يكَاد يكون متوسطاً وَتُوفِّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو عبد الله ابْن المعوج)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن السكن التَّمِيمِي أَبُو عبد الله ابْن أبي سعد الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن المعوج من أهل بَاب الْمَرَاتِب وَمن أهل الْبيُوت الْكِبَار كَانَ كَاتبا سديداً أديباً فَاضلا حسن الْعبارَة لَهُ نظم ونثر وأضر فِي آخر عمره وَكَانَ صَالحا حسن الطَّرِيقَة سمع أَبَا الْخطاب نصر بن البطر وَأَبا عبد الله الْحُسَيْن ابْن البشري وَغَيرهمَا وروى عَنهُ عبد الْوَهَّاب بن عَليّ الْأمين وَأَبُو الْفتُوح ابْن الخضري وَجَمَاعَة وَمن شعره الْبَسِيط
(الله يسْعد مَوْلَانَا ودولته ... بِكُل عَام جَدِيد وَافد أبدا)
(وَلَا تزَال لَهُ الأعوام خادمة ... توليه مجداً وتحبوه سداً وندى)
(مَا لَاحَ برق وَمَا غنت مطوقة ... على الْأَرَاك وَمَا أولى الْأَنَام يدا)(1/142)
قلت شعر منحط رَكِيك وَتُوفِّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة
3 - (الصاحب محيي الدّين ابْن ندي الْجَزرِي)
)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سعيد بن ندي الصاحب الْكَبِير محيي الدّين ابْن الصاحب شمس الدّين الْجَزرِي وَسَيَأْتِي ذكر أَبِيه وَذكر أَوْلَاده وَذكر مماليكه توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة اسْتَقل الصاحب محيي الدّين بتدبير الْملك بالجزيرة بعد وَفَاة وَالِده شمس الدّين وَكَانَ فَاضلا محباً للفضلاء مقربا مكرماً لَهُم يلازمهم أبدا ويتحفونه بالفوائد ويؤلفون لَهُ التصانيف الْحَسَنَة فَمِمَّنْ كَانَ عِنْده الإِمَام رشيد الدّين الفرغاني وَالشَّيْخ أثير الدّين الْأَبْهَرِيّ وَصدر الدّين الخاصي وضياء الدّين أَبُو طَالب السنجاري وَالشَّيْخ شرف الدّين التيفاشي صَاحب فصل الْخطاب وَهُوَ فِي أَرْبَعَة وَعشْرين مجلداً وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة وَنور الدّين ابْن سعيد المغربي الأديب وَنجم الدّين القمراوي وَغير هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء كَانُوا أَعْيَان ذَلِك الْعَصْر كل مِنْهُم فَرد زَمَانه فِي فنه وَله صنف ابْن سعيد كتاب الْمغرب فِي محَاسِن أهل الْمغرب وَكتاب الْمشرق فِي أَخْبَار الْمشرق وَذكره فِي أول كِتَابه وَذكر لَهُ تَرْجَمَة طَوِيلَة وَكَانَ مشغوفاً بِجمع المحاسن مُولَعا بإحياء الرسوم البرمكية وَلما فتح الْكَامِل ابْن الْعَادِل دمشق وَعبر الْفُرَات اجْتمع بِهِ فَأَحبهُ وَأقَام يتدرج فِي الِاجْتِمَاع بِهِ أَربع سِنِين ثمَّ فاوض صَاحب الجزيرة فِيهِ وأضافه إِلَيْهِ وخوله فِي نعمه وَزَاد فِي بره وتمثل عِنْدَمَا اجْتمع بالكامل وشرق غَيره أَنه قَالَ الطَّوِيل
(وَمَا شِئْت إِلَّا أَن أذلّ عواذلي ... على أنَّ رَأْيِي فِي هَوَاك صوابُ)
(وَأعلم قوما خالفوني وشرَّقوا ... وغرّبتُ أَنِّي قد ظَفرت وخابوا)
فَاشْتَدَّ اهتزاز الْكَامِل لهَذَا الاستشهاد وَقَالَ يَا محيي الدّين أَنْت وَالله أولى بهما من المتنبي قلت وَمن هُنَا نقل الاستشهاد بهما النَّاصِر دَاوُد لما كتب إِلَى الْكَامِل بمخالفة الْأَشْرَف وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة النَّاصِر وَكَانَ وَالِد محيي الدّين فَاضلا وَأَوْلَاد محيي الدّين فضلاء شعراء ومماليكه فضلاء مِنْهُم أيدمر المحيوي الشَّاعِر الْفَاضِل الْمَشْهُور وأيبك المحيوي الْكَاتِب الْفَائِق الْفَاضِل وَسَيَأْتِي ذكر كل مِنْهُم فِي مَكَانَهُ وصنف محيي الدّين مصنفات مِنْهَا لطائف الواردات وَكتاب معالم التَّدْبِير وَكتاب مراشد الْملك وَكتاب ضوابط الْملك وَكتاب وظائف الرِّئَاسَة وَكتاب التَّذْكِرَة الملوكية
وَمن الشُّعَرَاء الَّذين مدحوه جمَاعَة مِنْهُم زكى الدّين ابْن أبي الْأصْبع وَأكْثر من إمداحه وَشرف الدّين ابْن قديم وَبدر الدّين ابْن المسجف وَأحمد بن منهال وَشرف الدّين ابْن الحلاوي(1/143)
ووجيه)
الدّين ابْن العالمة والوزير شرف الدّين مُحَمَّد ابْن نظيف وَزِير الْحَافِظ صَاحب جعبر ويوسف بن عَليّ الْقرشِي وَنجم الدّين ابْن المنفاح الطَّبِيب وَمُحَمّد بن عمار الْمَكِّيّ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مِسْكين وَابْن سعيد المغربي وَغَيرهم
وَكَانَ الصاحب محيي الدّين يترسل جيدا من ذَلِك مَا كتبه إِلَى أَخِيه الصاحب عماد الدّين وَقد طلب مِنْهُ شَيْئا من ملبوسه وَهُوَ أَيْن أَنْت مِمَّا نَحن فِيهِ أكتب إِلَيْك وتكتب إِلَيّ والغفلة شَامِلَة والحيرة سابغة وَقد رين على الْقُلُوب وَزَاد الوله حَتَّى إلهي الْعُقُول وفاض حَتَّى أعشى الْأَبْصَار ل قد كُنَّا فِي غَفلَة من هَذَا الْأَنْبِيَاء فواعجبا كَيفَ لَا ينفطر مَا لَا أُسَمِّيهِ وينشق لِكَثْرَة مَا أحوم حول القَوْل فِيهِ وَلَا أوفيه إِن شرحت فاضت نفوس فضلا عَن عُيُون وترامت إِلَى مهاوي الْإِثْم فِيهِ ظنون وَلَو أبديت بعضه أَخَاف أَن يفْطن بعض النَّاس وَلَو أفضت فِيهِ أخْشَى أَن لَا يحملهُ سمع وَلَا يَسعهُ قرطاس وَالرِّضَا بِالْقضَاءِ يمْنَع من استبطاء مُقَدّر اللِّقَاء وَمن غرائب هَذِه الْحَال أَنَّك تكون فِي شَرق الأَرْض وأكون فِي غربها فتستدرج الآمال الْأَجْسَام حَتَّى تجعلها كقاب قوسين أَو أدنى ثمَّ يفْطن بِنَا الزَّمَان فَيجْعَل أجسامنا سهاما ويرمينا بقوسه إِلَى الْبعد الْأَقْصَى الْخَفِيف
(أَيهَا المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كَيفَ يَجْتَمِعَانِ)
(هِيَ شامية إِذا مَا اسْتَقَلت ... وَسُهيْل إِذا اسْتَقل يمَان)
وَلَقَد عَام السابح فِي بَحر الْفِكر ليستخرج من قَعْره مَا يَسْتَعِين بِهِ على هَذَا الدَّهْر فَلم ير إِلَّا أثرا بعد عين فَبعث شعاراً بليه واستدعى دثارا ساميه ليتلاقى فِيهَا جسوم مَا تلاقى قانعاً فِي الْوَقْت الْحَاضِر بِقَلِيل هُوَ كثير راجياً من الله جمع الشمل وَهُوَ على جمعهم إِذا يَشَاء قدير الشورى الوافر
(فليت هوى الْأَحِبَّة كَانَ عدلا ... فَحمل كل قلب مَا أطاقا)
وَبِالْجُمْلَةِ أَلَيْسَ إِذا صَار الْمَرْء فِي غامض علمه يُقَال من حَيْثُ الصُّورَة كَانَ أمل بطانته وظهارته أَن يصل مِنْهُ نبأ يقر الْعين وَيسر السّمع ويبهج النَّفس من كَونه فِي نعيم وَفِي غرف من عليين وَفِي جنَّة عالية قطوفها دانية الحاقة وأكلها دَائِم الرَّعْد وَبَين أَشجَار وأنهار وأثمار وَفِي جنَّات ونهر فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر الْقَمَر فصاحبكم وبعيدكم فِي هَذِه الْحَالة يتقلب وَفِي هَذِه النِّعْمَة يصلكم خبر التَّوَاتُر عَنهُ بِهَذِهِ الحظوة فليرض بِهَذَا الْمِقْدَار فِي الِاجْتِمَاع واحسبوه فِي غامض علم الله تَعَالَى من حَيْثُ الْمَعْنى وَلما توجه فلذة الكبد وسر الرّوح وَسَوَاد النَّاظر وسويداء الْقلب وشارفنا ثنايا الْوَدَاع أهملت مَشْرُوع التشييع حذرا أَن تفيض عُيُون وتتقرح)
جفون وَيظْهر مَكْتُوم وتلجئ ضَرُورَة إِلَى مَا لَا يَلِيق بذوي المرائر الأبية والنحائز الْعَظِيمَة الطَّوِيل
(وَلما شربناها ودب دبيبها ... إِلَى مَوضِع الْأَسْرَار قلت لَهَا قفى)
(مَخَافَة أَن يَسْطُو عَليّ دخيلها ... فَيظْهر مني بعض مَا كَانَ قد خَفِي)(1/144)
وَالله المشكور وَبِه الْمُسْتَعَان فِي جَمِيع الْأُمُور وَهُوَ الْخَلِيفَة عَلَيْكُم لي وَعلي لكم وَالسَّلَام
3 - (ابْن الْجنان الشاطبي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد كَذَا قرأته على الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان وَأَخْبرنِي الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَمن خطه نقلت أَنه مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن هِشَام بن الْجنان بتَشْديد النُّون بعد الْجِيم الشَّيْخ فَخر الدّين أَبُو الْوَلِيد الْكِنَانِي الشاطبي الْحَنَفِيّ ولد سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة بشاطب وَقدم الشأم وَصَحب الصاحب كَمَال الدّين ابْن العديم وَولده فاجتذباه بإحسانهما ونقلاه من مَذْهَب مَالك إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة ودرس بالإقبالية وَكَانَ أديباً فَاضلا وشاعراً محسناً وَكَانَ يخالط الأكابر وَفِيه حسن الْعشْرَة والمزاح توفّي سنة خمس وَسبعين وست مائَة أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس قَالَ أَخْبرنِي وَالِدي قَالَ كُنَّا عِنْد القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان وَهُوَ يَنُوب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَالشَّيْخ فَخر الدّين ابْن الْجنان حَاضر وَهُوَ إِلَى جَانِبي فَأَنْشد أبياتاً لَهُ وَهِي الْكَامِل
(عرف النسيم بعرفكم يتعرف ... وأخو الغرام بحبهم يتشرف)
(شرف المتيم فِي هواهم أَنه ... طوراً ينوح وَتارَة يتلهف)
(لطفت مَعَانِيه فَهَب مَعَ الصِّبَا ... فرقيبه بهبوبه لَا يعرف)
(وَإِذا الرَّقِيب درى بِهِ فَلِأَنَّهُ ... أخْفى لَدَيْهِ من النسيم وألطف)
(وَلِأَنَّهُ يعدو النسيم دِيَارهمْ ... وَلها على تِلْكَ الربوع توقف)
فَقَالَ القَاضِي شمس الدّين يَا شيخ فَخر الدّين لطّفته لطفته إِلَى أَن عَاد لَا شَيْء فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ بِلِسَانِهِ الكاضي حمَار هوّس مالو ذوك شي يَعْنِي القَاضِي حمَار مَاله ذوق وأنشدني لَهُ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان المجتث
(أفناني الْقَبْض عني ... حَتَّى تلاشى وجودي)
(وَجَاءَنِي الْبسط يحيى ... روحي بِفضل وجودي)
(فَقلت للنَّفس شكرا ... لذاك بِالنَّفسِ جودي)
)
(وَقمت أشطح سكرا ... فغبت عَن ذَا الْوُجُود)
وَقَالَ ابْن الْجنان الْكَامِل
(ذكر العذيب فَمَال من سكر الْهوى ... صب على صحف الغرام قد انطوى)
(يبكي على وَادي العقيق بِمثلِهِ ... ويميل من طرب بمنعطف اللوى)
(وجهت وَجْهي نحوهم فوحقهم ... لَا أَبْتَغِي غيراً وَلَا أَرْجُو سوى)
(وبمهجتي معبود حسن مِنْهُم ... فَلِذَا على عرش الْقُلُوب قد اسْتَوَى)
(أوحى إِلَى قلبِي الَّذِي أوحى لَهُ ... فعجبت كَيفَ نطقت فِيهِ عَن الْهوى)(1/145)
وَقَالَ أَيْضا السَّرِيع
(عَلَيْك من ذَاك الْحمى يَا رَسُول ... بشرى عَلَامَات الْهوى وَالْقَبُول)
(جِئْت وَفِي عطفيك مِنْهُم شذا ... يسكر من خمر هَوَاهُ العذول)
(يَكْفِيك تَشْرِيفًا رَسُول الرضى ... إِنَّك للعشاق فيهم رَسُول)
(حللتم قلبِي وَهُوَ الَّذِي ... يَقُول فِي دين الْهوى بالحلول)
وَقَالَ أَيْضا الْكَامِل
(وَأَبِيك لم يخْفق حشاي وَإِنَّمَا ... طَربا لأيام الغرام يصفق)
(بِاللَّه قُولُوا من أكون لديهم ... حَتَّى أرى بهواهم أتعشق)
(نطق الغرام بحالهم لما رأى ... إِن اللِّسَان بِحَالهِ لَا ينْطق)
(لَا يدعى فِيهِ الْفُؤَاد خفوقه ... فوشاح من أَهْوى لعمري أخفق)
قَالَ وَفِيه جناس معنوي الْكَامِل
(نزلُوا حديقة مقلتي أَو مَا ترى ... أَغْصَان أهدابي بدمعي تزهر)
قلت أَرَادَ يَقُول حديقة حدقتي فَمَا ساعده الْوَزْن فَعدل إِلَى مَا يرادفه وَهُوَ المقلة وَقَالَ أَيْضا وَهُوَ لطيف جدا المتقارب
(ودوح بَدَت معجزات لَهُ ... تبين عَلَيْهِ وَتَدْعُو إِلَيْهِ)
(جرى النَّهر حَتَّى سقى غصنه ... فَمَال يقبل شكرا يَدَيْهِ)
(وكف الصِّبَا ضيعت حليه ... فأضحى الْحمام يُنَادي عَلَيْهِ)
(كَسَاه الْأَصِيل ثِيَاب الضنى ... فَحل طَبِيب الدياجي لَدَيْهِ)
)
(وَجَاء النسيم لَهُ عَائِدًا ... فَقَامَ لَهُ لاثما معطفيه)
3 - (مُحَمَّد القفصي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّائِي القفصي الأَصْل والمولد قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان قِرَاءَة وَأَنا أسمع رَأَيْته بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يستجدي بالشعر وَله أدب وأنشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ الْخَفِيف
(أنكرتني لما رَأَتْ من سقامي ... وَبَيَاض المشيب حَال احتلامي)
(غادة غادرت فُؤَادِي كثيبا ... وجفوني بِلَا لذيذ الْمَنَام)
(لَا أُبَالِي وَإِن غَدا الْقلب مِنْهَا ... وَهُوَ دَامَ بناظر كالحسام)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني أَيْضا لنَفسِهِ المتقارب
(سقى قبَّة الشَّافِعِي الإِمَام ... من الْكَوْثَر الْأَعْين الجاريه)
(لَهُ قبَّة تحتهَا سيد ... وبحر لَهُ فَوْقهَا جاريه)(1/146)
قلت يَعْنِي بذلك صُورَة السَّفِينَة الَّتِي عملت من الرصاص على قبَّة الضريح وَأحسن من هَذَا مَا أنشدنيه من لَفظه الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ مُحَمَّد بن سعيد بن حَمَّاد البوصيري الطَّوِيل
(بقبة قبر الشَّافِعِي سفينة ... رست من بِنَاء مُحكم فَوق جلمود)
ومذ غاض طوفان الْعُلُوم بِمَوْتِهِ اسْتَوَى الْفلك من ذَاك الضريح على الجودي
3 - (مهذب الدّين الحاسب الشَّاعِر)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن الْخضر أَبُو نصر الْحلَبِي الحاسب وَيعرف بالسطيل ولقبه مهذب الدّين كَانَ وَالِده يعرف بالبرهان المنجم الطَّبَرِيّ وَولد الْمُهَذّب بحلب سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ فَاضلا أديبا وَله تآليف مفيدة وصنف زيجاً ومقدمة فِي الْحساب وَغير ذَلِك وشعره فِي مجلدين واستوطن صرخد وَتُوفِّي بهَا يَوْم السبت ثامن عشر ذِي الْحجَّة سنة خمس وَخمسين وست مائَة قَالَ النُّور الأسعردي أَنْشدني الْمُهَذّب لنَفسِهِ المجتث
(أَقُول إِذْ نكت بغا ... رَأَيْت مِنْهُ هوانا)
(إلام تفدي فسَاء ... فَقَالَ هاك بَيَانا)
)
(اطفأت بِالْمَاءِ نَارِي ... فقد أثارت دخانا)
3 - (جمال الدّين الدباب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن أبي الْفرج ابْن أبي الْمَعَالِي ابْن الدباب الْعدْل الْوَاعِظ جمال الدّين أَبُو الْفضل ابْن أبي الْفرج الْبَغْدَادِيّ البابصري الْحَنْبَلِيّ وَيعرف أَيْضا بِابْن الرزاز وَلكنه بِابْن الدباب أشهر وسمى جده الدباب لِأَنَّهُ كَانَ يمشي على تؤدة سمع الْكثير وَأَجَازَ لَهُ خلق وَأول سَمَاعه سنة سِتّ عشرَة وَسمع المهروانيات الْخَمْسَة من أَحْمد بن صرما وَسمع أَشْيَاء مليحة وَوعظ فِي شبيبته وَأَجَازَ لطائفة من دمشق مِنْهُم علم الدّين البرزالي وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وست مائَة
3 - (الخواجا نصير الدّين الطّوسي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن نصير الدّين أَبُو عبد الله الطوسي الفيلسوف صَاحب عُلُوم الرياضي والرصد كَانَ رَأْسا فِي علم الْأَوَائِل لَا سِيمَا فِي الأرصاد والمجّسطي فَأَنَّهُ فاق الْكِبَار قَرَأَ على الْمعِين سَالم بن بدران الْمصْرِيّ المعتزلي الرافضي وَغَيره وَكَانَ ذَا حُرْمَة وافرة ومنزلة عالية عِنْد هولاكو وَكَانَ يطيعه فِيمَا يُشِير بِهِ عَلَيْهِ وَالْأَمْوَال فِي تصريفه فابتنى بِمَدِينَة مراغة قبّة ورصدا عَظِيما وَاتخذ فِي ذَلِك خزانَة عَظِيمَة فسيحة الأرجاء وملأها من الْكتب الَّتِي نهبت من بَغْدَاد وَالشَّام والجزيرة حَتَّى تجمّع فِيهَا زِيَادَة على أَربع مائَة ألف مُجَلد وَقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة والفضلاء وَجعل لَهُم الجامكية وَكَانَ حسن الصُّورَة سَمحا كَرِيمًا جوادا حَلِيمًا حسن الْعشْرَة غزير الْفَضَائِل جليل الْقدر داهية حكى لي أَنه لما أَرَادَ(1/147)
الْعَمَل للرصد رأى هولاكو مَا ينْصَرف عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ هَذَا الْعلم الْمُتَعَلّق بالنجوم مَا فَائِدَته أيدفع مَا قدر أَن يكون فَقَالَ أَنا أضْرب لمنفعته مِثَالا ألقان يَأْمر من يطلع إِلَى أَعلَى هَذَا الْمَكَان ويدعه يَرْمِي من أَعْلَاهُ طست نُحَاس كَبِيرا من غير أَن يعلم بِهِ أحد فَفعل ذَلِك فَلَمَّا وَقع ذَلِك كَانَت لَهُ وقْعَة عَظِيمَة هائلة روعت كل من هُنَاكَ وَكَاد بَعضهم يصعق وَأما هُوَ وهولاكو فَإِنَّهُمَا مَا تغير عَلَيْهِمَا شَيْء لعلمهما بِأَن ذَلِك يَقع فَقَالَ لَهُ هَذَا الْعلم النجومي لَهُ هَذِه الْفَائِدَة يعلم المتحدث فِيهِ مَا يحدث فَلَا يحصل لَهُ من الروعة والاكتراث مَا يحصل للذاهل الغافل عَنهُ فَقَالَ لَا بَأْس بِهَذَا وَأمره بِالشُّرُوعِ فِيهِ أَو كَمَا قيل وَمن دهائه مَا حكى لي أَنه حصل لَهُ غضب عَليّ عَلَاء الدّين الْجُوَيْنِيّ صَاحب الدِّيوَان فِيمَا)
أَظن فَأمر بقتْله فجَاء أَخُوهُ إِلَيْهِ وَذكر لَهُ ذَلِك وَطلب مِنْهُ إبِْطَال ذَلِك فَقَالَ هَذَا القان وَهَؤُلَاء الْقَوْم إِذا أمروا بِأَمْر مَا يُمكن رده خُصُوصا إِذا برز إِلَى الْخَارِج فَقَالَ لَهُ لَا بُد من الْحِيلَة فِي ذَلِك فَتوجه إِلَى هولاكو وَبِيَدِهِ عكاز وسبحة واسطرلاب وَخَلفه من يحمل مبخرة وبخوراً وَالنَّار تضرم فَرَآهُ خَاصَّة هولاكو الَّذين على بَاب المخيم فَلَمَّا وصل أَخذ يزِيد فِي البخور وَيرْفَع الاسطرلاب نَاظرا فِيهِ ويضعه فَلَمَّا رَأَوْهُ يفعل ذَلِك دخلُوا إِلَى هولاكو واعلموه وَخَرجُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا مَا الَّذِي أوجب هَذَا فَقَالَ القان أَيْن هُوَ قَالُوا لَهُ جواً قَالَ طيب معافى مَوْجُود فِي صِحَة قَالُوا نعم فَسجدَ شكرا لله تَعَالَى وَقَالَ لَهُم طيب فِي نَفسه قَالُوا نعم وَكرر هَذَا وَقَالَ أُرِيد أَن أرى وَجهه بعيني إِلَى أَن دخلُوا إِلَيْهِ واعلموه بذلك وَكَانَ وَقت لَا يجْتَمع فِيهِ بِهِ أحد فَأمر بادخاله فَلَمَّا رَآهُ سجد وَأطَال السُّجُود فَقَالَ لَهُ مَا خبرك قَالَ اقتضي الطالع فِي هَذَا الْوَقْت أَن يكون على القان قطع عَظِيم إِلَى الْغَايَة فَقُمْت وعملت هَذَا وبخرت هَذَا البخور ودعوت بأدعية أعرفهَا اسْأَل الله صرف ذَلِك عَن القان وَيتَعَيَّن الْآن أَن القان يكْتب إِلَى سَائِر مماليكه ويجهز الألجية فِي هَذِه السَّاعَة إِلَى سَائِر المملكة بِإِطْلَاق من فِي الاعتقال وَالْعَفو عَمَّن لَهُ جِنَايَة أَو أَمر بقتْله لَعَلَّ الله يصرف هَذَا الْحَادِث الْعَظِيم وَلَو لم أر وَجه القان مَا صدقت فَأمر هولاكو فِي ذَلِك الْوَقْت بِمَا قَالَ وَأطلق صَاحب الدِّيوَان فِي جملَة النَّاس وَلم يذكرهُ النصير الطوسي وَهَذَا غَايَة فِي الدهاء بلغ بِهِ مقْصده(1/148)
وَدفع عَن النَّاس أذاهم وَعَن بَعضهم إزهاق أَرْوَاحهم وَمن حلمه مَا وقفت لَهُ على ورقة حضرت إِلَيْهِ من شخص من جملَة مَا فِيهَا يَقُول لَهُ يَا كلب يَا ابْن الْكَلْب فَكَانَ الْجَواب وَأما قَوْله كَذَا فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْكَلْب من ذَوَات الْأَرْبَع وَهُوَ نابح طَوِيل الْأَظْفَار وَأَنا فمنتصب الْقَامَة بَادِي الْبشرَة عريض الْأَظْفَار نَاطِق ضَاحِك فَهَذِهِ الْفُصُول والخواص غير تِلْكَ الْفُصُول والخواص وَأطَال فِي نقض كل مَا قَالَه هَكَذَا برطوبة وتأن غير منزعج وَلم يقل فِي الْجَواب كلمة قبيحة وَرَأَيْت لَهُ شعرًا كتبه لكَمَال الدّين الطوسي على مُصَنف صنفه الْمَذْكُور وَهُوَ نظم منحط وَمن تصانيفه كتاب المتوسطات بَين الهندسة والهيئة وَهُوَ جيد إِلَى الْغَايَة ومقدمة فِي الْهَيْئَة وكتاباً وَضعه للنصيرية وَأَنا أعتقد أَنه مَا يَعْتَقِدهُ لِأَن هَذَا فيلسوف وَأُولَئِكَ يَعْتَقِدُونَ آلهية على وَاخْتصرَ المحصل للْإِمَام فَخر الدّين وهذبه وَزَاد فِيهِ وَشرح الإشارات ورد فِيهِ على الإِمَام فَخر الدّين فِي شَرحه وَقَالَ هَذَا بِهِ جرح وَمَا هُوَ شرح قَالَ فِيهِ إِنِّي حررته فِي عشْرين سنة وناقض فَخر الدّين كثيرا وَلَقَد ذكره قَاضِي الْقُضَاة جلال)
الدّين الْقزْوِينِي رَحمَه الله يَوْمًا وَأَنا حَاضر وعظمه أَعنِي الشَّرْح فَقلت يَا مَوْلَانَا مَا عمل شَيْئا لإنه أَخذ شرح الإِمَام وَكَلَام سيف الدّين الْآمِدِيّ وَجمع بَينهمَا وزاده يَسِيرا فَقَالَ مَا أعرف للآمدي فِي الإشارات شَيْئا قلت نعم كتاب صنفه وَسَماهُ كشف التمويهات عَن الإشارات والتنبيهات فَقَالَ هَذَا مَا رَأَيْته وَمن تصانيفه التَّجْرِيد فِي الْمنطق وأوصاف الإشراف وقواعد العقائد وَالتَّلْخِيص فِي علم الْكَلَام وَالْعرُوض بِالْفَارِسِيَّةِ وَشرح الثَّمَرَة لبطلميوس وَكتاب مجسطي وجامع الْحساب فِي التخت وَالتُّرَاب والكرة والاسطوانة والمعطيات والظاهرات والمناظر وَاللَّيْل وَالنَّهَار والكرة المتحركة والطلوع والغروب وتسطيح الكرة والمطالع وتربيع الدائرة والمخروطات والشكل الْمَعْرُوف بالقطاع والجواهر والإسطوانة والفرائض على مَذْهَب أهل الْبَيْت وتعديل المعيار فِي نقد تَنْزِيل الأفكار وَبَقَاء النَّفس بعد بوار الْبدن والجبر والمقابلة وَإِثْبَات الْعقل الفعال وَشرح مَسْأَلَة الْعلم ورسالة الْإِمَامَة ورسالة إِلَى نجم الدّين الكاتبي فِي إِثْبَات وَاجِب الْوُجُود وحواشي على كليات القانون ورسالة ثَلَاثُونَ فصلا فِي معرفَة التَّقْوِيم وَكتاب أكرمانالاوس وأكرثاوذوسيوس والزيج الأيلخاني وَله شعر كثير بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَالَ الشَّمْس ابْن الْمُؤَيد العرضي أَخذ النصير الْعلم عَن الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن يُونُس الْموصِلِي ومعين الدّين سَالم بن بدران الْمصْرِيّ المعتزلي وَغَيرهمَا قَالَ وَكَانَ منجماً لابغاً بعد أَبِيه وَكَانَ يعْمل(1/149)
الوزارة لهولاكو من غير أَن يدْخل يَده فِي الْأَمْوَال واحتوى على عقله حَتَّى أَنه لَا يركب وَلَا يُسَافر إِلَّا فِي وَقت يَأْمُرهُ بِهِ وَدخل عَلَيْهِ مرّة وَمَعَهُ كتاب مُصَور فِي عمل الدرياق الْفَارُوق فقرأه عَلَيْهِ وعظمه عِنْده وَذكر مَنَافِعه وَقَالَ إِن كَمَال منفعَته إِن تسحق مفرداته فِي هاون ذهب فَأمر لَهُ بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار لعمل الهاون وولاه هولاكو جَمِيع الْأَوْقَاف فِي سَائِر بِلَاده وَكَانَ لَهُ فِي كل بلد نَائِب يستغل الْأَوْقَاف وَيَأْخُذ عشرهَا ويحمله إِلَيْهِ ليصرفه فِي جامكيات المقيمين بالرصد وَلما يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَعْمَال بِسَبَب الأرصاد وَكَانَ للْمُسلمين بِهِ نفع خُصُوصا الشِّيعَة والعلويين والحكماء وَغَيرهم وَكَانَ يبرهم وَيَقْضِي اشغالهم ويحمي أوقافهم وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله فِيهِ تواضع وَحسن ملتقى قَالَ شمس الدّين الْجَزرِي قَالَ حسن بن أَحْمد الْحَكِيم صاحبنا سَافَرت إِلَى مراغة وتفرجت فِي هَذَا الرصد ومتوليه صدر الدّين عَليّ بن الخواجا نصير الدّين الطوسي وَكَانَ شَابًّا فَاضلا فِي التنجيم وَالشعر بِالْفَارِسِيَّةِ وصادفت شمس الدّين مُحَمَّد بن الْمُؤَيد العرضي وشمس الدّين)
الشرواني وَالشَّيْخ كَمَال الدّين الأيكي وحسام الدّين الشَّامي فَرَأَيْت فِيهِ من آلَات الرصد شَيْئا كثيرا مِنْهَا ذَات الْحلق وَهِي خمس دوائر متخذة من نُحَاس الأولى دَائِرَة نصف النَّهَار وَهِي مركوزة على الأَرْض ودائرة معدل النَّهَار ودائرة منْطقَة البروج ودائرة الْعرض ودائرة الْميل وَرَأَيْت الدائرة الشمسية يعرف بهَا سمة الْكَوَاكِب واصطرلاباً تكون سَعَة قطره ذِرَاعا واصطرلابات كَثِيرَة وكتباً كَثِيرَة قَالَ وَأَخْبرنِي شمس الدّين ابْن العرضي أَن نصير الدّين أَخذ من هولاكو بِسَبَب عمَارَة هَذَا الرصد مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَأَقل مَا كَانَ يَأْخُذ بعد فرَاغ الرصد لأجل الْآلَات وإصلاحها عشرُون ألف دِينَار خَارِجا عَن الجوامك والرواتب الَّتِي للحكماء والقومة وَقَالَ الخواجا نصير الدّين فِي الزيج الأيلخاني أنني جمعت لبِنَاء الرصد جمَاعَة من الْحُكَمَاء مِنْهُم الْمُؤَيد العرضي من دمشق وَالْفَخْر المراغي الَّذِي كَانَ بالموصل وَالْفَخْر الخلاطي الَّذِي كَانَ بتفليس والنجم دبيران الْقزْوِينِي وابتدأنا ببنائه فِي سنة سبع وَخمسين وست مائَة فِي جُمَادَى الأولى بمراغة والأرصاد الَّتِي بنيت قبلي وَعَلَيْهَا كَانَ الِاعْتِمَاد دون غَيرهَا هُوَ رصد برجس وَله مذ بنى ألف وَأَرْبع مائَة سنة وَبعده رصد بطلميوس بِمِائَتي سنة وَخمْس وَثَمَانِينَ سنة وَبعده فِي مِلَّة الْإِسْلَام رصد الْمَأْمُون بِبَغْدَاد وَله أَربع مائَة سنة وَثَلَاثُونَ سنة والرصد الْبنانِيّ فِي حُدُود الشَّام والرصد الحاكمي بِمصْر ورصد بني الأعلم بِبَغْدَاد وأوفقها الرصد الحاكمي ورصد ابْن الأعلم وَلَهُمَا مِائَتَان وَخَمْسُونَ سنة وَقَالَ الأستاذون إِن أرصاد الْكَوَاكِب السَّبْعَة لَا يتم فِي أقل من ثَلَاثِينَ سنة لِأَن فِيهَا يتم دور هَذِه السَّبْعَة فَقَالَ هولاكو أجهد فِي أَن يتم رصد هَذِه السَّبْعَة فِي اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَقلت لَهُ اجهد فِي ذَلِك وَكَانَ النصير قد قدم من مراغة إِلَى بَغْدَاد وَمَعَهُ جمَاعَة كَثِيرَة من تلامذته وَأَصْحَابه فَأَقَامَ بهَا مُدَّة أشهر وَمَات وَخلف من الْأَوْلَاد صدر الدّين عَليّ والأصيل حسن وَالْفَخْر أَحْمد وَولي صدر الدّين على بعد أَبِيه غَالب مناصبه فَلَمَّا مَاتَ ولي مناصبه أَخُوهُ الْأَصِيل وَقدم الشَّام مَعَ غازان وَحكم تِلْكَ الْأَيَّام فِي أوقاف دمشق وَأخذ مِنْهَا جملَة وَرجع مَعَ غازان وَولي نِيَابَة بَغْدَاد مُدَّة فاساء السِّيرَة فعزل وصودر وأهين فَمَاتَ غير حميد وَأما أخوهما الْفَخر أَحْمد فَقتله غازان لكَونه أكل أوقاف الرّوم وظلم ومولد النصير بطوس سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مائَة توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست مائَة بِبَغْدَاد وَقد(1/150)
نَيف على الثَّمَانِينَ أَو قاربها وشيعه صَاحب الدِّيوَان والكبار وَكَانَت جَنَازَة حفلة وَدفن فِي مشْهد الكاظم)
3 - (قَاضِي قُضَاة حلب محيي الدّين الْأَسدي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله بن علوان بن رَافع قَاضِي الْقُضَاة بحلب محيي الدّين أَبُو المكارم الْأَسدي الشَّافِعِي ولد بحلب خَامِس شعْبَان سنة اثْنَتَيْ عشرَة وست مائَة وَسمع وَحدث ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المسرورية بِالْقَاهِرَةِ وتولي قَضَاء حلب وأعمالها إِلَى حِين وَفَاته وبيته مَعْرُوف بِالْمَعْرُوفِ بِالْعلمِ وَالدّين والتقدم وَالسّنة وَالْجَمَاعَة توفّي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى بحلب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست مائَة وَدفن بتربة جده وَقيل فِي وَفَاته غير ذَلِك وَقد ولي قَضَاء حلب من بَيتهمْ جمَاعَة
3 - (ابْن العلقمي الْوَزير)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو طَالب الْوَزير الْمُدبر مؤيد الدّين ابْن العلقمي الْبَغْدَادِيّ الرافضي وَزِير المستعصم ولي الوزارة أَربع عشرَة سنة فأظهر الرَّفْض قَلِيلا وَكَانَ وزيراً كَافِيا خَبِيرا بتدبير الْملك وَلم يزل ناصحاً لأستاذه حَتَّى وَقع بَينه وَبَين الدوادار لإنه كَانَ يتغالى فِي السّنة وعضده ابْن الْخَلِيفَة فَحصل عِنْده من الضغن مَا أوجب لَهُ أَنه سعى فِي دمار الْإِسْلَام وخراب بَغْدَاد على مَا هُوَ مَشْهُور لِأَنَّهُ ضعف جَانِبه وقويت شَوْكَة الدوادار بحاشية الْخَلِيفَة حَتَّى قَالَ فِي شعره الطَّوِيل
(وَزِير رضى من بأسه وانتقامه ... بطيّ رقاع حشوها النّظم والنثر)
(كَمَا تسجع الورقاء وَهِي حمامة ... وَلَيْسَ لَهَا نهى يطاع وَلَا أَمر)
واخذ يُكَاتب التتار إِلَى أَن جرّ هولاكو وجرّأه على أَخذ بَغْدَاد وقررّ مَعَ هولاكو أمورا انعكست عَلَيْهِ وَنَدم حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم وَكَانَ كثيرا مَا يَقُول عِنْد ذَلِك الْكَامِل
3 - (وَجرى الْقَضَاء بعكس مَا أملته)
لِأَنَّهُ عومل بأنواع الهوان من أراذل التتار والمرتدة حكى أَنه كَانَ فِي الدِّيوَان جَالِسا فَدخل بعض التتار مِمَّن لَا لَهُ وجاهة رَاكِبًا فرسه فساق إِلَى أَن وقف بفرسه على بِسَاط الْوَزير وخاطبه بِمَا أَرَادَ وبال الْفرس على الْبسَاط وَأصَاب الرشاش ثِيَاب الْوَزير وَهُوَ صابر لهَذَا الهوان يظْهر قُوَّة النَّفس وَأَنه بلغ مُرَاده وَقَالَ لَهُ بعض أهل بَغْدَاد يَا مَوْلَانَا أَنْت فعلت هَذَا جَمِيعه وحميت الشِّيعَة حمية لَهُم وَقد قتل من الْأَشْرَاف الفاطميين خلق لَا يُحصونَ وارتكب من الْفَوَاحِش مَعَ نِسَائِهِم وافتضت بناتهم)
الْأَبْكَار مِمَّا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى فَقَالَ بعد أَن قتل الدوادار وَمن كَانَ على مثل رَأْيه لَا مبالاة بذلك وَلم تطل مدَّته حَتَّى مَاتَ غما وغبنا فِي أَوَائِل سنة سبع وَخمسين وست مائَة مولده فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخمْس مائَة بعث إِلَيْهِ المستعصم بِاللَّه شدّة أَقْلَام فَكتب إِلَيْهِ قبل الْمَمْلُوك الأَرْض شكرا للأنعام عَلَيْهِ بأقلام قلّمت أظفار الْحدثَان وَقَامَت لَهُ فِي حَرْب الزَّمَان مقَام عوالى المرّان وأجنته ثمار الأوطار من أَغْصَانهَا وحازت لَهُ قصبات المفاخر يَوْم رهانها فيا لله كم عقد(1/151)
ذمام فِي عقدهَا وَكم بَحر سَعَادَة أصبح جَارِيا من مدادها ومددها وَكم متأوّد خطّ استقام بمثقفاتها وَكم صوارم فلّت مضاربها بمطرور من مرهفاتها الْبَسِيط
(لم يبْق لي أملا إِلَّا وَقد بلغت ... نَفسِي أقاصيه برا وإنعاما)
(لأفتحن بهَا وَالله يقدر لي ... مصاعبا أعجزت من قبل بهراما)
(تُعْطِي الأقاليم من لم تبد مسالة ... لَهُ فَلَا عجب إِن يُعْط أقلاما)
وَكَانَ قد طالع المستعصم فِي شخص من أمرء الْجَبَل يعرف بِابْن شرفشاه وَقَالَ فِي آخر كَلَامه وَهُوَ مُدبر فَوَقع المستعصم لَهُ السَّرِيع
(وَلَا تساعد أبدا مدّبرا ... وَكن مَعَ الله على الْمُدبر)
وَكتب ابْن العلقمي أبياتا فِي الْجَواب مِنْهَا السَّرِيع
(يَا مَالِكًا أَرْجُو بحبي بِهِ ... نيل المنى والفوز فِي الْمَحْشَر)
(أرشدتني لَا زلت لي مرشداً ... وهادياً من رَأْيك الأنور)
(ابنت لي بَيت هدى قلته ... عَن شرف فِي بَيْتك الأطهر)
(فضلك فضل مَا لَهُ مُنكر ... لَيْسَ لضوء الشَّمْس من مُنكر)
(أَن يجمع الْعَالم فِي وَاحِد ... فَلَيْسَ لله بمستنكر)
قلت قلب بَيت أبي نواس فَجعل عَجزه صَدرا وَهُوَ مَشْهُور واشتغل بالحلة على عميد الرؤساء أَيُّوب وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَأقَام عِنْد خَاله عضد الدّين أبي نصر الْمُبَارك ابْن الضَّحَّاك وَكَانَ استاذ الدَّار وَلما قبض على مؤيد القمي وَكَانَ أستاذ الدَّار فوضت الْأُسْتَاذ دارية إِلَى شمس الدّين ابْن النَّاقِد ثمَّ عزل وفوضت الْأُسْتَاذ دارية إِلَى ابْن العلقمي فَلَمَّا توفّي الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَولي الْخلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم وَتُوفِّي الْوَزير نصر الدّين ابو الْأَزْهَر أَحْمد بن النَّاقِد وزر ابْن العلقمي وَكَانَ قد سمع الحَدِيث واشتغل على أبي الْبَقَاء العكبري وَحكى أَنه لما كَانَ يُكَاتب التتار تحيل مرّة إِلَى أَن أَخذ)
رجلا وَحلق رَأسه حلقا بليغاً وَكتب مَا أَرَادَ عَلَيْهِ بوخز الأبر كَمَا يفعل بالوشم ونفض عَلَيْهِ الْكحل وَتَركه عِنْده إِلَى أَن طلع شعره وغطى مَا كتب فجهزه وَقَالَ إِذا وصلت مرهم بحلق رَأسك ودعهم يقرأون مَا فِيهِ وَكَانَ فِي آخر الْكَلَام قطعُوا الورقة فَضربت رقبته وَهَذَا غَايَة فِي الْمَكْر والخزي وَالله أعلم
3 - (سعد الدّين ابْن عَرَبِيّ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْعَرَبِيّ الطَّائِي الْحَاتِمِي سعد الدّين ابْن الشَّيْخ محيي الدّين ابْن الْعَرَبِيّ الأديب الشَّاعِر ولد بملطية فِي رَمَضَان سنة ثَمَان عشرَة وست مائَة وَسمع الحَدِيث ودرس وَكَانَ شَاعِرًا مجيداً أَجَاد المقاطيع الَّتِي نظمها فِي الغلمان وأوصافهم وَله ديوَان مَشْهُور وَتُوفِّي بِدِمَشْق سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة وقبره عِنْد قبر أَبِيه بسفح قاسيون بتربة القَاضِي محيي الدّين ابْن الزكي وَمن شعره فِي مليح رَآهُ بِالزِّيَادَةِ فِي دمشق الْخَفِيف
(يَا خليلي فِي الزِّيَادَة ظَبْي ... سلبت مقلتاه جفنى رقاده)(1/152)
(كَيفَ أَرْجُو السلو عَنهُ وطرفي ... نَاظر حسن وَجهه فِي الزِّيَادَة)
وَقَوله فِي مليح قَاض مخلع الْبَسِيط
(وَرب قَاض لنا مليح ... يعرب عَن منطق لذيذ)
(إِذا رمانا بِسَهْم لحظ ... قُلْنَا لَهُ دَائِم النّفُوذ)
وَقَوله فِي غُلَام لبس قاضياني الْخَفِيف
(قد روينَا أَن الْقُضَاة بعدن ... وَاحِد والجحيم فِيهِ اثْنَان)
وَأرى الْأَمر ظلّ بِالْعَكْسِ
(ففؤادي فِي النَّار قَاض وَفِي ... جنَّة عدن من جسمك القاضيان)
وَقَوله فِي مليح قواس السَّرِيع
(قلت لقواس لَهُ طلعة ... من رام عَنْهَا الصَّبْر لم يقدر)
(يَا من لَهُ وَجه كبدر الدجا ... كَيفَ تبيع الْقوس للْمُشْتَرِي)
وَقَوله فِي مليح لبان الْكَامِل
(كلفي بلبان إِذا عاينته ... أهْدى بطلعته لي الأفراحا)
)
(قد ظلّ يسكرنا بِخَمْر لحاظه ... أَو مَا ترَاهُ يصفف الأقداحا)
وَقَوله فِي مليح مناخلي السَّرِيع
(مناخلي هَمت فِي حبه ... وَفِي الحشا من هجره جمر)
(قلت وَقد عَايَنت من حوله ... مناخلاً لم يحوها الْحصْر)
(مَا هَذِه قَالَ شموس غَدَتْ ... يكسفها من وَجْهي الْبَدْر)
وَقَوله فِي مليح أشقر الْحَاجِب الطَّوِيل
(وَمَا أنكر العذال شَيْئا عَرفته ... سوى شقرة فِي حاجبي منية النَّفس)
(فَقلت وَقد أبديت مِنْهُم تَعَجبا ... لَعَلَّهُم لم يبصروا حَاجِب الشَّمْس)
وَقَوله فِي مليح يقطف مشمشا الطَّوِيل(1/153)
(كلفت بِظَبْيٍ وَهُوَ يقطف مشمشاً ... على سلم فِيهِ اعتصام لهارب)
(كَذَا الْبَدْر لَوْلَا أَنه فِي مسيره ... رقى درجا لم يتَّصل بالكواكب)
وغالب مقاطيعه الَّتِي فِي الغلمان من الْحسن والجودة فِي هَذِه الطَّبَقَة وَأكْثر ديوانه فِي الغلمان وَمَا أحسن قَوْله مضمنا
(الرجز لم تبداً عارضاه فِي نمط ... قيل ظلام بضياء اخْتَلَط)
(وَقيل نمل فَوق عاج قد سقط ... وَقَالَ قوم أَنَّهَا اللَّام فَقَط)
وَقَوله الْخَفِيف
(لست أنسى غَدَاة قولي لهِنْد ... لَك تَحت النقاب أحسن خد)
(فثنت عطفها إِلَى وَقَالَت ... أنقاباً ترَاهُ أم غيم ورد)
وَقَوله الطَّوِيل
(وَفِي حلب الْبِطِّيخ لَيْسَ كجلق ... فَمَا لدمشق غير زور وتلبيس)
(لنا ابْن كثير شَاهد مَعَ نَافِع ... وشاهدهم فِي الطّيب لَيْسَ سوى السوس)
وَقَوله الْكَامِل
(سهري من المحبوب أصبح مُرْسلا ... وَأرَاهُ مُتَّصِلا بفيض مدامعي)
(قَالَ الحبيب بِأَن ريقي نَافِع ... فاسمع رِوَايَة مَالك عَن نَافِع)
3 - (النُّور الأسعردي)
)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد وَقيل مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد بن رستم الأسعردي نور الدّين أَبُو بكر الشَّاعِر ولد سنة تسع عشرَة وست مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة وَكَانَ من كبار شعراء الْملك النَّاصِر وَله بِهِ اخْتِصَاص وَله ديوَان شعر مَشْهُور وَغلب عَلَيْهِ المجون وأفرد هزلياته من شعره وَجَمعهَا وسمى ذَلِك سلافة الزرجون فِي الخلاعة والمجون وَضم إِلَيْهَا أَشْيَاء من نظم غَيره وَكَانَ شَابًّا خليعاً يجلس تَحت السَّاعَات واصطفاه النَّاصِر وَحضر مجْلِس شرابه فَخلع عَلَيْهِ لَيْلَة قبَاء وعمامة بِطرف مَذْهَب فَأتي بهما من الْغَد وَجلسَ تَحت السَّاعَات مَعَ الشُّهُود أَنْشدني الشَّيْخ شمس الدّين وَغَيره من أشياخي قَالُوا أنشدنا الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الدمياطي قَالَ أَنْشدني النُّور الأسعردي لنَفسِهِ الْكَامِل
(وَلَقَد بليت بشادن إِن لمته ... فِي قبح مَا يَأْتِيهِ لَيْسَ بِنَافِع)
(متبذل فِي خسة وجهالة ... ومجاعة كشهود بَاب الْجَامِع)
وَحضر لَيْلَة عِنْد النَّاصِر مجْلِس أنس وَكَانَ فِيهِ شرف الدّين ابْن الشيرجي وَكَانَ الْحَيّ فَقَامَ ابْن الشيرجي فَقضى شغله وَعَاد فَأَشَارَ إِلَيْهِ السُّلْطَان بصفع النُّور الأسعردي فصفعه فَلَمَّا فعل ذَلِك نزلت ذقنه على كتف النُّور لما انحنى لصفعه فَأَمْسكهَا بِيَدِهِ وَأنْشد فِي الْحَال الْخَفِيف
(قد صفعنا فِي ذَا الْمحل الشريف ... وَهُوَ إِن كنت تَرْتَضِي تشريفي)(1/154)
(فأرث للْعَبد من مصيف صفاع ... يَا ربيع الندى وَإِلَّا خري فِي)
مَا أحسن مَا أُتِي بِهَذَا المنادى هُنَا ليرشح التورية بَين الرّبيع والخريف وَقَوله وَإِلَّا خري فِي من أحسن مَا يكون من الْإِشَارَة بِقَرِينَة إِمْسَاكه ذقن الصافع لَهُ وَقد ظرف غَايَة وأضر قبل مَوته فَقَالَ الْبَسِيط
(قد كنت من قبل فِي أَمن وَفِي دعة ... طرفِي يرود لقلبي رَوْضَة الْأَدَب)
(حَتَّى تلقبت نور الدّين فانعمشت ... عَيْني وحول ذَاك النُّور للقب)
وَقَالَ فِي أَبْيَات الوافر
(سَأَلت الله يخْتم لي بِخَير ... فَعجل لي وَلَكِن فِي عيوني)
وَأخذ مِنْهُ الكحال ذَهَبا بِنَاء على أَن يُبرئ عينه من الْأَلَم فَلم يتَّفق ذَلِك فَقَالَ الْكَامِل
(عجب لذا الكحال كَيفَ أضلني ... وَلكم أضلّ بميله وبمينه)
(ذهب اللَّئِيم بناظري وَمَا رثى ... لأخي الأسى إِذْ رَاح مِنْهُ بِعَيْنِه)
)
(أأصاب مِنْهُ فِي ثَلَاثَة أعين ... هَذَا لعمركم الصغار بِعَيْنِه)
الثَّالِث مضمن أول بَيت من شَوَاهِد الْعَرَبيَّة تَمَامه الْكَامِل لَا أم لي إِن كَانَ ذَاك وَلَا أَب والنور الأسعردي أَخذ هَذَا الْمَعْنى من قَول القَاضِي الْفَاضِل المنسرح
(رجل توكل لي واكحلني ... ففجعت فِي عَيْني وَفِي عَيْني)
وَقَالَ النُّور أَيْضا السَّرِيع
(يَا سائلي لما رأى حالتي ... والطرف مني لَيْسَ بالمبصر)
(لغستت أحاشيك ولكنني ... سمحت بالعينين لِلْأَعْوَرِ)
أَخذه من قَوْلهم تصدق بنظره على ذكره وَقَالَ أَيْضا
(السَّرِيع فِي هَذَا الورى حِكْمَة ... وأنعم أعيت على الحاصر)
(عوضني وَالله ذُو رَحْمَة ... عَن ناظري الباصر بالناصر)
وَقَالَ يضمن قَول الشريف الرضى الْخَفِيف
(قلت إِذْ نَام من أحب وَأبْدى ... ضرطة آذَنت لشملي بِجمع)
(فَاتَنِي أَن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي)(1/155)
وَقَالَ يضمن قَول أبي الطّيب
(الطَّوِيل سباني معسول المراشف عاسل المعاطف مصقول السوالف مائد)
(يروم على إردافه الخصر مسعداً ... إِذا عظم الْمَطْلُوب قل المساعد)
وَقَالَ أَيْضا الْبَسِيط
(سمحت بيعا لمملوك يعاندني ... وَلَو أَرَادَ رضاتي مَا تعداني)
(قَالُوا أينسب للعلان قلت لَهُم ... مَا كنت بَائِعه لَو كَانَ علاني)
وَقَالَ ملغزاً فِي الطست والإبريق وظرف مَا شَاءَ مجزوء الْكَامِل
(وَذَات بطن فارغ ... تحمل فِيهِ ابْنهَا)
(حَتَّى إِذا فَارق فِي ال يَوْم مرَارًا بَطنهَا)
(يصب فِيهَا مَاءَهُ ... بِآلَة كَأَنَّهَا)
وَقَالَ وَهُوَ ظريف الْكَامِل)
(كم رام أيرى جرح جُحر معذبي ... بالطعن فِيهِ عِنْد جد مراسه)
(حَتَّى تجرح رَأسه فأعجب لَهُ ... طلع الَّذِي فِي قلبه فِي رَأسه)
وَقَالَ أَيْضا الْخَفِيف
(قلت يَوْمًا للزين هَل تثبت الْبَعْث وتنفي أنكارهم للحشر)
(قَالَ أثبت قلت ذقنك فِي أستي ... قَالَ أنفي فَقلت فِي وسط جحري)
وَقَالَ أَيْضا الْبَسِيط
(لما ثنى جيده للسكر مُضْطَجعا ... وَهنا وَلَوْلَا شَفِيع الراح لم ينم)
(دببت لَيْلًا عَلَيْهِ بعد هجعته ... سكرا فَقل فِي دَبِيب النُّور فِي الظُّلم)(1/156)
وَرَأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ ينشد فأنتبه وَهُوَ يحفظه الوافر
(دببت على الْخَطِيب قبيل نوم ... فَقَالَ أَصْبِر إِلَى وَقت الدبيب)
(فَلَمَّا نَام قُمْت إِلَيْهِ سرا ... فَقل فِيمَن يطيب على الْخَطِيب)
وَقَالَ أَيْضا الطَّوِيل
(وريم جلى لي خمرة مزة جلت ... همومي وَقد عَايَنت فِي خَدّه سطرا)
(وربوته الشقراء ناعمة غَدَتْ ... وَيَا حسنها من بَرزَة ليتها عذرا)
جمع فِيهَا أَسمَاء أَمَاكِن وَهِي سطراء والربوة والشقراء والناعمة وبرزة وعذراء والمزة فِي الأول
وَقَالَ أَيْضا الْخَفِيف
(لحية طَال شعرهَا وعلتها ... صفرَة ليتها تكون لهيبا)
(لَو لوى شعرهَا إِلَى أَنفه الها ئل عَايَنت مِنْهُ جنكا عجيبا)
وَقَالَ فِي غُلَام يحرث الْكَامِل
(يَا حارثاً تروي مقامات الْهوى ... عَن طرفه الفتاك غير مؤوله)
(أضحى يشق لحود من قتل الْهوى ... فِي حبه لَيست خُطُوطًا مُهْملَة)
(روحي الْفِدَاء لبدر تمّ سائق ... للثور لَيْسَ يروم غير السنبله)
وَقَالَ ملغزاً فِي عُثْمَان الْكَامِل
(يَا سائلي عَمَّن هويت وَحسنه ... ذُو شهرة فِي النَّاس وَهُوَ يصان)
(خوف الوشاة أجبْت عَنهُ ملغزاً ... هُوَ ثَالِث من سَبْعَة وثمان)
)
وَقَالَ فِي مليح ضَعِيف الْخط الْخَفِيف
(وهلال شكا من الْخط ضعفا ... بمعانيه تضرب الْأَمْثَال)
(قلت إِن رمت جودة الْخط فَاكْتُبْ ... بمثال فَقَالَ مَا لي مِثَال)
3 - (نَاصِر الدّين ابْن قرناص)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أَحْمد بن هبة الله بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن قرناص الْخُزَاعِيّ الْحَمَوِيّ نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله ولد سنة ثَلَاث عشرَة(1/157)
وست مائَة وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة كَانَ عَالما فَاضلا زاهداً عابداً ورعاً كريم الْأَخْلَاق حسن الْأَوْصَاف جميل الْعشْرَة جم الْفَوَائِد من نظمه فِي تَرْتِيب حُرُوف كتاب الْمُحكم فِي اللُّغَة لِابْنِ سيدة الطَّوِيل
(عَلَيْك حروفاً هن غير غوامض ... قيود كتاب جلّ شَأْنًا ضوابطه)
(صِرَاط سوى زل طَالب دحضه ... تزيد ظهوراً إِذْ تناءت روابطه)
(لذلكم نلتذ فوزا بمحكم ... مُصَنفه أَيْضا يفوز وضابطه)
3 - (عماد الدّين ابْن الْعَرَبِيّ أَخُو سعد الدّين)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن عَرَبِيّ عماد الدّين أَبُو عبد الله قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني كَانَ فَاضلا سمع الْكثير وَسمع مَعنا صَحِيح مُسلم على الشَّيْخ بهاء الدّين أَحْمد بن عبد الدايم الْمَقْدِسِي وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَسِتِّينَ وست مائَة وَدفن عِنْد وَالِده بسفح قاسيون وَقد نَيف على الْخمسين وَلما كَانَ بحلب كتب إِلَيْهِ أَخُوهُ سعد الدّين الْمُقدم ذكره آنِفا الْبَسِيط
(مَا للنوى رقة ترثى لمكتئب ... حران فِي قلبه والدمع فِي حلب)
(قد أَصبَحت حلب ذَات الْعِمَاد بكم ... وجلق إرم هَذَا من الْعجب)
3 - (الْكَامِل ابْن الْعَادِل)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب ابْن شادي بن مَرْوَان السُّلْطَان الْملك الْكَامِل نَاصِر الدّين أَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو المظفر ابْن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل أبي بكر وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده ولد بِمصْر سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مائَة وَأَجَازَ لَهُ الْعَلامَة ابْن)
بري وَأَبُو عبد الله بن صَدَقَة الْحَرَّانِي وَعبد الرَّحْمَن بن الْخرقِيّ وَخرج لَهُ أَبُو الْقَاسِم بن الصفراوي أَرْبَعِينَ حَدِيثا وسمعها جمَاعَة تملك الديار المصرية أَرْبَعِينَ سنة شطرها فِي أَيَّام وَالِده وَعمر دَار الحَدِيث بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وست مائَة وَجعل ابْن دحْيَة شيخها والقبة على ضريح الشَّافِعِي وجر إِلَيْهَا المَاء من بركَة الْحَبَش إِلَى حَوْض السَّبِيل والسقاية وهما على بَاب الْقبَّة الْمَذْكُورَة وَله المواقف المشهودة فِي الْجِهَاد بدمياط الْمدَّة الطَّوِيلَة وَأنْفق الْأَمْوَال الْكَثِيرَة وَكَانَ يحب أهل الْعلم ويجالسهم ويؤثر الْعدْل شكا إِلَيْهِ ركبدار أَن استاذه استخدمه شهرا بِلَا جامكية فألبس الْغُلَام قماش استاذه وأركبه فرسه وألبس الاستاذ قماش الْغُلَام وَأمره بِخِدْمَة الركبدار وَحمل مداسه سِتَّة أشهر وَكَانَت الطّرق آمِنَة فِي أَيَّامه وَبعث وَلَده الْملك المسعود أطسيس افْتتح الْيمن والحجاز وَمَات قبله وَورث أَمْوَالًا عَظِيمَة وَلما بلغه وَفَاة أَخِيه الْأَشْرَف سَار إِلَى دمشق وَقد ملكهَا أَخُوهُ الصَّالح فحاصره وَأَخذهَا مِنْهُ وَاسْتقر بقلعتها فَلم يمتع بهَا وَمَات بعد شَهْرَيْن بهَا فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وست مائَة فِي بَيت صَغِير وَلم يشْعر بِهِ أحد من هيبته مرض بالسعال والإسهال نيفاً وَعشْرين يَوْمًا وَلم يتحزن النَّاس عَلَيْهِ ولحقهم بهتة وَكَانَ فِيهِ جبروت وَمن عدله الممزوج بالعسف إِنَّه شنق جمَاعَة من الأجناد فِي أكيال شعير أخذوها وَدفن بالقلعة فِي تَابُوت وَنقل إِلَى تربته الْمَعْرُوفَة بِهِ بِجَانِب الشميصاتية(1/158)
وشباكها إِلَى صحن جَامع دمشق وَخلف وَلدين الْعَادِل أَبَا بكر والصالح أَيُّوب والصاحبة وَكَانَ عِنْده مسَائِل غَرِيبَة من النَّحْو وَالْفِقْه ويوردها فَمن أَجَابَهُ حظي عِنْده حضر عِنْده زين الدّين ابْن معط فِي جملَة الْعلمَاء فَسَأَلَهُمْ الْكَامِل فَقَالَ زيد ذهب بِهِ يجوز فِي زيد النصب فَقَالُوا لَا فَقَالَ ابْن معط نعم يجوز النصب على أَن يكون الْمُرْتَفع بِذَهَب الْمصدر الَّذِي دلّت عَلَيْهِ ذهب وَهُوَ الذّهاب وعَلى هَذَا فموضع الْجَار وَالْمَجْرُور الَّذِي هُوَ بِهِ النصب فَيَجِيء من بَاب زيد مَرَرْت بِهِ وَيجوز فِي زيد النصب كَذَلِك هَهُنَا فَاسْتحْسن الْكَامِل جَوَابه وَأمره بِالسَّفرِ إِلَى مصر فسافر إِلَيْهَا وَقرر لَهُ مَعْلُوما جيدا وَكَانَ لَا يزَال يحضر عِنْده جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَله نظم نقلت من خطّ ابْن سعيد المغربي قَالَ أورد الصاحب كَمَال الدّين ابْن العديم للْملك الْكَامِل الْبَسِيط
(إِذا تحققتم مَا عِنْد عبدكم ... من الغرام فَذَاك الْقدر يَكْفِيهِ)
(أَنْتُم سكنتم فُؤَادِي وَهُوَ منزلكم ... وَصَاحب الْبَيْت أَدْرِي بِالَّذِي فِيهِ)
وَقد مدحه ابْن سناء الْملك بقصيدة أَولهَا الطَّوِيل
(على خاطري يَا شغله مِنْك أشغال ... وَفِي ناظري يَا نوره مِنْك تِمْثَال)
)
(وَفِي كَبِدِي من نَار خدك شعلة ... وَمَوْضِع مَا أخليت مِنْهَا هُوَ الْخَال)
مِنْهَا فِي الْمَدْح الطَّوِيل
(جنى عسل الْفَتْح الْمُبين برمحه ... وَلَا غرو أَن اسْم الرديني عَسَّال)
(لَهُ صولة الرئبال فِي مايس القنا ... وَلَا ريب أَن ابْن الغضنفر رئبال)
(إِذا صال فِي يَوْم النزال تفصلت ... لَا عدائه بِالرُّعْبِ والذعر أوصال)
وَمن حلم الْكَامِل مَا حَكَاهُ صَاحب كتاب الْإِشْعَار بِمَا للملوك من النَّوَادِر والأشعار فَإِنَّهُ حكى أَن بعض خواصه كَانَ قد صَار بِحَيْثُ يَبْدُو من فلتات لِسَانه كَلِمَات فِيهَا غلظة فِي حق الْملك الْكَامِل ودام على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ ذَلِك الشَّخْص فَلَمَّا مَاتَ قَالَ لبَعض ثقاته امْضِ إِلَيْهِ بِسُرْعَة وائتني بِمَا فِي كمرانه وَأتي بِشَيْء مثل الذرور فَاحْضُرْ الطَّبِيب وَقَالَ بِمحضر من خواصه مَا هَذَا فَقَالَ سم فَقَالَ لأَصْحَابه لهَذَا مَعَ هَذَا الشَّخْص ثَلَاث سِنِين يترقب أَن يَجْعَل مِنْهُ وَأَنا أعلم بِهِ وَمَا أَحْبَبْت أَن أفضحه وَكَانَ لَيْلَة جَالِسا فَدخل عَلَيْهِ مظفر الْأَعْمَى فَقَالَ لَهُ أجز يَا مظفر وَأنْشد مخلع الْبَسِيط قد بلغ الشوق منتهاه فَقَالَ مظفر وَمَا دري العاذلون مَا هُوَ فَقَالَ السُّلْطَان ولي حبيب رأى هواني فَقَالَ مظفر وَمَا تَغَيَّرت عَن هَوَاهُ(1/159)
فَقَالَ السُّلْطَان رياضة النَّفس فِي احتمالي فَقَالَ مظفر وروضة الْحسن فِي حلاه فَقَالَ السُّلْطَان اسمر لدن القوام المى فَقَالَ مظفر يعشقه كل من يرَاهُ فَقَالَ السُّلْطَان ريقته كلهَا مدام فَقَالَ مظفر ختامها الْمسك من لماه فَقَالَ السُّلْطَان ليلته كلهَا رقاد فَقَالَ مظفر وليلتي كلهَا انتباه فَقَالَ السُّلْطَان وَمَا يرى ان يهين عبدا فَسكت مظفر سَاعَة فَقَامَ وَقَالَ)
بِالْملكِ الْكَامِل احتماه وَكَانَت فِي يَد الْكَامِل ورقة يكْتب فِيهَا مَا ينظمانه فألقاها من يَده إِلَى الزين الدمياطي وَأمره أَن يكْتب لِئَلَّا يكْتب مديحه بِيَدِهِ قَالَ مظفر فَقلت مخلع الْبَسِيط
(الْعَالم الْعَامِل الَّذِي ... فِي كل حلاه ترى أَبَاهُ)
(لَيْث وغيث وَبدر تمّ ... ومنصب جلّ مرتقاه)
وَلما اسْتردَّ الْكَامِل دمياط من الفرنج وطلبوا مِنْهُ الْأمان أرسل إِلَيْهِم ابْنه الصَّالح أَيُّوب وَابْن أَخِيه شمس الْمُلُوك وَجَاءَت مُلُوك الفرنج إِلَى الْكَامِل فالتقاهم وأنعم عَلَيْهِم وَضرب لَهُم الْخيام وَوصل الْأَشْرَف مُوسَى والمعظم عِيسَى فِي تِلْكَ الْحَالة إِلَى المنصورة فِي ثَالِث شهر رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وست مائَة فَجَلَسَ الْكَامِل مَجْلِسا عَظِيما فِي خيمة كَبِيرَة عالية وَمد سماطاً عَظِيما وأحضر مُلُوك الفرنج والخيالة ووقف أَخَوَاهُ الْأَشْرَف والمعظم فِي خدمته وَقَامَ رَاجِح الحلى الشَّاعِر وَأنْشد قَوْله الطَّوِيل
(هَنِيئًا فَإِن السعد رَاح مخلداً ... وَقد أنْجز الرَّحْمَن بالنصر موعدا)
(حبانا إِلَه الْخلق فتحا بدا لنا ... مُبينًا وأنعاماً وَعزا مُؤَبَّدًا)
(تهلل وَجه الدَّهْر بعد قطوبه ... وَأصْبح وَجه الشّرك بالظلم أسودا)
(وَلما طَغى الْبَحْر الخضم بأَهْله التطغاة وأضحى بالمراكب مزبدا أَقَامَ لهَذَا الدّين من سل عزمه ... صقيلاً كَمَا سل الحسام المهندا)
(فَلم ينج إِلَّا كل شلو مجدل ... ثوى مِنْهُم أَو من ترَاهُ مُقَيّدا)
(ونادى لِسَان الْكَوْن فِي الأَرْض رَافعا ... عقيرته فِي الْخَافِقين ومنشدا)
(أعباد عِيسَى أَن عِيسَى وَحزبه ... ومُوسَى جَمِيعًا ينصران مُحَمَّدًا)(1/160)
وَأَشَارَ عِنْد قَوْله عِيسَى إِلَى عِيسَى الْمُعظم وَعند قَوْله مُوسَى إِلَى الْأَشْرَف مُوسَى وَعند قَوْله مُحَمَّد إِلَى الْكَامِل مُحَمَّد قَالَ الْأَمِير سيف الدّين ابْن اللمطي كتب بعض المغاربة إِلَى الْملك الْكَامِل رقْعَة فِي ورقة بَيْضَاء إِن قُرِئت فِي ضوء السراج كَانَت فضية وَإِن قُرِئت فِي الشَّمْس كَانَت ذهبية وَإِن قُرِئت فِي الظل كَانَت حبرًا أسود فِيهَا هَذِه الأبيات المتقارب
(لَئِن صدني الْبَحْر عَن موطني ... وعيني بأشواقها ساهره)
(فقد زخرف الله لي مَكَّة ... بأنوار كعبته الزاهره)
(وزخرف لي بِالنَّبِيِّ يثرباً ... وبالملك الْكَامِل القاهره)
)
قَالَ الْأَمِير سيف الدّين ابْن اللمطي فَقَالَ الْملك الْكَامِل قل المتقارب
(وَطيب لي بِالنَّبِيِّ طيبَة ... وبالملك الْكَامِل القاهره)
3 - (جمال الدّين ابْن عمرون النَّحْوِيّ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ ابْن أبي سعد ابْن عمرون الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو عبد الله الْحلَبِي النَّحْوِيّ ولد سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مائَة تَقْديرا وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وست مائَة سمع من ابْن طبرزد وَأخذ النَّحْو عَن الْمُوفق بن يعِيش وَغَيره وبرع فِي الْعَرَبيَّة وتصدر لاقرائها وجالسه الإِمَام جمال الدّين ابْن مَالك وَأخذ عَنهُ الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس وَحدث عَنهُ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي وَشرح الْمفصل شرحاً مطولا
3 - (الجدائي الْكَاتِب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُبَارك ابْن عَليّ الشِّيرَازِيّ أَبُو سعد الْمَعْرُوف بالجدائي كَانَ من الأدباء وَله شعر وَكَانَ كثير الهجاء سمع الحَدِيث من أبي طَالب ابْن غيلَان وَأبي بكر الْخَطِيب وَغَيرهمَا وَحدث باليسير وَمن شعره يهجو غرس النِّعْمَة أَبَا الْحسن ابْن الصابي صَاحب التَّارِيخ الطَّوِيل
(أَلا قل لغرس النِّعْمَة الْيَوْم مِدْحَة ... تجاوزتها من قبل أَن تبلغ السنا)
(فقد كتب التَّارِيخ قبلك معشر ... ولسنا نرى فيهم لما قلته خدنا)
(فَإِن كَانَ كذب يمْلَأ الْعين وَحدهَا ... فكذبك فِيهِ يمْلَأ الْعين والأذنا)
وَمِنْه أَيْضا الْخَفِيف
(أدب نازح وخسة نفس ... لوضيع جدوده من سرخس)
(إِن يكن من مضى كسيدنا أَنْت فَحمل غَدا على أم أمس)
قلت شعر جيد
3 - (ابْن مُحرز الزُّهْرِيّ البلنسي الشَّاعِر)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو بكر الزُّهْرِيّ البلنسي وَيعرف بِابْن مُحرز سمع وروى وَكَانَ أحد رجال الْكَمَال علما وإدراكاً وفصاحة مَعَ(1/161)
التفنن فِي الْعُلُوم وَحفظ اللُّغَات روى عَنهُ ابْن الزبير ولد فِي سنة تسع)
وَسِتِّينَ وَتُوفِّي سنة خمس وَخمسين وست مائَة وَله شعر رائق فَمِنْهُ مَا قَالَه ملغزا فِي نارنجة الرجز وَمَا ذَات حمل وَهِي حمل نَفسهَا ... لَا حرَّة فِي جِنْسهَا وَلَا بغى)
(كالبدر إِلَّا أَنَّهَا مكنة ... أهلة إبدارها لَا يَنْبَغِي)
(تريك من جُمْلَتهَا فأعجب لَهَا ... شطر اسْمهَا وخاطر ابْن اصبغ)
وَمِنْه الوافر
(سقى الله المعرس إِذْ سهرنا ... بِهِ والحادثات بِحَال غمض)
(قَطعنَا لَيْلَة وَالْحَال رفع ... يقر الْعين مِنْهُ عَيْش خفض)
(نضاجع من نَبَات المَاء أَو من ... بَنَات المَاء كل غض)
(يروقك أَو يروعك مِنْهُ فاعجب ... سيوف بَعْضهَا أغماد بعض)
وَمِنْه الْخَفِيف
(إِن لله مطلقين أسَارِي ... طلبُوا الْقرب مهتدين حيارى)
(عثروا إِذْ تحيروا فَرَآهُمْ ... فجزاهم بِأَن أقَال العثارا)
(قبلت مِنْهُم الصَّلَاة وهم لَا ... يقربون الصَّلَاة إِلَّا سكارى)
وَكتب مَعَ قلنسوة أهداها الْكَامِل
(خُذْهَا محدبة مقعرة لَهَا ... من طرفها مَا للسماء من الحبك)
(اطلع بهَا الْأَسْنَى جبينك يجتلي ... مِنْهَا وَمِنْه الشَّمْس فِي نصف الْفلك)
وَكتب مَعَ تفاحة مجزوء الوافر
(بعثت بهَا على عجل ... وود خَالص صدقك)
(فَخذ من لَوْنهَا خجلي ... وَخذ من عطرها خلقك)
وَكتب مَعَ حجل الْكَامِل
(مزق موشى بردهَا ومفصلاً ... من طوقها أنثره وعفر جنبها)
(خُذْهَا بِمَا فِيهِ مشت غدراً وَلَا ... تغفل خطاها فِي الدِّمَاء وغبها)
(فأعجب من الْبَازِي لَهُ فِي جِنْسهَا ... أثر الْعَدو وَلَا يزَال محبها)
(نظمت ثَلَاث بَدَائِع فِي خلقهَا ... نثرت بهَا فِي كل قلب حبها)
(تمشي بمرجان وتبلع أرقماً ... وبحبة الرُّمَّان تلقط حبها)(1/162)
)
وَقَالَ يُخَاطب وَالِي بلنسية لما صدر إِلَيْهِ من مراكش الْكَامِل
(بشرى الإياب أفادها لَك حَالا ... مَا ساءك لَيْلَة أزمعوا الترحالا)
(كم منحة من محنة نجت وَكم ... أجمال بغيتن سببت إِجْمَالا)
وَله الأبيات الدالية الْمَكْسُورَة واللامية المضمومة فِي وصف مِثَال نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
3 - (الْحَافِظ ضِيَاء الدّين المالقي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن صابر ابْن مُحَمَّد بن صابر بن مندار الْحَافِظ المتقن ضِيَاء الدّين أَبُو جَعْفَر الْقَيْسِي الأندلسي المالقي ولد بمالقة سنة خمس وَعشْرين وست مائَة وَسمع الْكثير بِبِلَاد الْمغرب وَحج وَسمع بِمصْر وَقدم دمشق وَسمع من أَصْحَاب يحيى الثَّقَفِيّ وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانَ سريع الْكِتَابَة وَالْقِرَاءَة كثير الْفَوَائِد دينا فَاضلا جيد الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم كتب عَنهُ الشريف عز الدّين وَأفَاد الطّلبَة وَمَات شَابًّا فِي الْقَاهِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة
3 - (زين الدّين الكوفني الْمُحدث)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمُحدث الْمُفِيد زين الدّين أَبُو الْفَتْح الأبيوردي الكوفني الصُّوفِي الشَّافِعِي ولد سنة سِتّ مائَة أَو سنة إِحْدَى وَقدم دمشق وَسمع من كَرِيمَة والضياء الْمَقْدِسِي وَجَمَاعَة وبمصر من أَصْحَاب السلَفِي وَابْن عَسَاكِر وَمن أَصْحَاب البوصيري والخشوعي وَكتب الْكثير وَحصل جملَة صَالِحَة وكلف بِالْحَدِيثِ وحرص وَبَالغ فِي الْإِكْثَار وَخرج المعجم وروى الْيَسِير وَلم يعمر وَلَا أَفَاق من الطّلب وأدركته الْمنية وَطلب وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ ووقف كتبه واجزاءه وروى عَنهُ الدمياطي وَله شعر يسير وكوفن بَلْدَة قريبَة من أبيورد
3 - (بدر الدّين الْوَاعِظ النَّيْسَابُورِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي سعد ابْن أَحْمد الْعَالم الْوَاعِظ بدر الدّين أَبُو حَفْص الْكرْمَانِي الأَصْل النَّيْسَابُورِي التَّاجِر ولد بشاذياخ نيسابور فِي تَاسِع الْمحرم سنة سبعين كَانَ يُمكنهُ أَن يسمع من ابْن الفراوي وطبقته وَإِنَّمَا سمع فِي الكهولة من ابْن الصفار الْقَاسِم بن عبد الله وَحدث بِدِمَشْق ومصر وَعمر دهراً طَويلا وَحفظ مقامات الحريري قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَلَا نعلم أحدا روى بعده بِالسَّمَاعِ عَن ابْن الصفار روى)
عَنهُ الدمياطي وأمام الْحَنَابِلَة وَابْن الخباز وَابْن الزراد وقارب الْمِائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وست مائَة
3 - (عماد الدّين ابْن الشِّيرَازِيّ الْكَاتِب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هبة الله ابْن مُحَمَّد بن هبة الله بن مميل الصَّدْر الْكَبِير عماد الدّين أَبُو الْفضل ابْن القَاضِي شمس الدّين ابْن الشِّيرَازِيّ الدِّمَشْقِي صَاحب الْخط الْمَنْسُوب سمع أَبَاهُ وَابْن ملاعب وَابْن الحرستاني وروى عَنهُ الخباز وَابْن الْعَطَّار وَالشَّيْخ جمال الدّين الْمزي وَالشَّيْخ علم الدّين البرزالي وَطَائِفَة وَكَانَ رَئِيسا محتشماً متمولاً مليح الشكل متواضعاً وقوراً وافر الْحُرْمَة كتب على الْوَلِيّ الْكَاتِب وانْتهى إِلَيْهِ التَّقَدُّم فِي براعة الْخط لَا سِيمَا فِي الْمُحَقق والنسخ ارتحل غير مرّة للتِّجَارَة فَسمع وَلَده المعمر أَبَا نصر من أَصْحَاب السلفى وَاتفقَ أَنه قبل مَوته بأَرْبعَة أَيَّام شهد عِنْد ابْن الصَّائِغ فِي العادلية وَهُوَ طيب وَركب وَخرج فَتغير عِنْد(1/163)
بَاب الْجَابِيَة وأصابه فالج فَركب الْغُلَام خَلفه وأمسكه إِلَى الْبُسْتَان وَاسْتمرّ بِهِ الْمَرَض إِلَى أَن مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَدفن بسفح قاسيون وَحكى لي أَنه بلغه أَن ربعَة فِي بَغْدَاد بِخَط ابْن البواب كتبهَا بخفيف الْمُحَقق فَاسْتعْمل من ورق الطير جملَة وَأَخذه مَعَه وَتوجه إِلَى بَغْدَاد وَأخذ تِلْكَ الربعة جُزْءا فجزءاً وَكَانَ يضع ورق الطير على خطّ ابْن البواب فيشف عَمَّا تَحْتَهُ ويجلي الْكِتَابَة لَهُ فَيكْتب عَلَيْهَا لَا يخل بذرة مِنْهَا وَقد رَأَيْت أَنا من هَذِه الربعة الَّتِي كتبهَا عماد الدّين جُزْءا وَمَا فِي الورقة مَكْتُوب إِلَّا وجهة وَاحِدَة فَكنت أتعجب لذَلِك فَلَمَّا سَمِعت هَذِه الْوَاقِعَة علمت السَّبَب فِي ذَلِك وَالله أعلم وَحكي أَيْضا أَنه توجه إِلَى الديار المصرية وَاتفقَ أَنه ركب فِي النّيل مَعَ الصاحب تَاج الدّين ابْن حنا فَكَانَ مَعَه جمَاعَة من أَصْحَابه المختصين بِهِ وَكَانَ فِيهَا شخص يعرف بِابْن الفقاعي مِمَّن لَهُ عناية بِالْكِتَابَةِ فَسَأَلَ الصاحب بهاء الدّين وَقَالَ يَا مَوْلَانَا عِنْدِي لمولانا الصاحب وَهَؤُلَاء الْجَمَاعَة يَوْم كَامِل الدعْوَة ومولانا يدع الْمولى عماد الدّين يفيدني قطة الْقَلَم فَقَالَ وَالله مَا فِي ذَا شَيْء مَوْلَانَا يتفضل عَلَيْهِ بذلك فَأَطْرَقَ عماد الدّين مغضباً ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ أوخير لَك من ذَلِك قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أحمل إِلَيْك ربعَة بخطى وتعفيني من هَذَا فَقَالَ الصاحب لَا وَالله الربعة بِخَط مَوْلَانَا تَسَاوِي ألفي دِرْهَم وَأَنا مَا آكل من هَذِه الضِّيَافَة شَيْئا يُسَاوِي عشرَة دَرَاهِم أَو كَمَا قيل وَكَانَ قد طلب إِلَى الديار المصرية ورتب نَاظرا على الْأَمْلَاك الظَّاهِرِيَّة والتعلقات المختصة بِالْملكِ السعيد ابْن الظَّاهِر وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر الدولة الظَّاهِرِيَّة بعد وَفَاة الرئيس مؤيد الدّين أسعد ابْن القلانسي)
وَكَانَ وَالِده القَاضِي شمس الدّين أَبُو نصر من كبار الْعلمَاء العارفين بِالْمذهبِ وَولي نِيَابَة الحكم بِدِمَشْق مُدَّة زمانية
3 - (الْحَافِظ شمس الدّين ابْن جعوان)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الْحَافِظ شمس الدّين أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي النَّحْوِيّ أحد الْأَئِمَّة أَخذ النَّحْو عَن جمال الدّين مُحَمَّد بن مَالك وَكَانَ من كبار أَصْحَابه ثمَّ أقبل على الحَدِيث وعني بِهِ أتم عناية وَسمع من ابْن عبد الدَّائِم وَابْن النشبي وَابْن أبي الْخَيْر وَغَيرهم وارتحل إِلَى مصر وَسمع من عَامر القلعي والعز الْحَرَّانِي وَطَائِفَة وَكتب كثيرا بِخَطِّهِ وَخرج الْمَشَايِخ وَقَرَأَ الْمسند على ابْن عَلان قِرَاءَة لم يسمع النَّاس مثلهَا فِي الفصاحة وَالصِّحَّة وحضره جمَاعَة من الْأَئِمَّة فَمَا أمكنهم أَن يَأْخُذُوا عَلَيْهِ لحنة وَاحِدَة وَمَات فِي عنفوان الشبيبة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست مائَة وَهُوَ أَخُو الْفَقِيه الزَّاهِد شهَاب الدّين كتب ابْن جعوان إِلَى أَهله من تَبُوك الطَّوِيل
(كتبت كتابي من تَبُوك لتسعة ... مَضَت بعد عشر فِي الْمحرم ولت)
(وَإِنِّي بِحَمْد الله أَرْجُو لقاءكم ... إِذا صفر عشرُون مِنْهُ تبقت)
3 - (القَاضِي بهاء الدّين ابْن خلكان)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن أبي بكر بن خلكان القَاضِي بهاء الدّين أَبُو عبد الله الأربلي الشَّافِعِي قَاضِي بعلبك أَخُو قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن خلكان ولد بأربل سنة ثَلَاث وست مائَة وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ من أبي جَعْفَر ابْن مكرم كأخيه وَحدث وَسمع مِنْهُ ابْن أبي الْفَتْح وَالشَّيْخ علم الدّين البرزالي وَالْجَمَاعَة وَهُوَ وَالِد النَّجْم صَاحب(1/164)
الْفَيْض والخيال الهذياني وَكَانَ مَعْدُوم النظير فِي كثير من أَوْصَافه من التَّوَاضُع المفرط ولين الْكَلِمَة ورقة الْقلب وسلامة الصَّدْر توفّي ببعلبك قَاضِيا بهَا فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وست مائَة وَلم ينله من جَمِيع مَا كَانَ باسمه من الجراية والجامكية إِلَّا قوته لَا غير وَلَا يسْأَل عَمَّا عدا ذَلِك وَمَات فَمَا خلف دِينَارا وَلَا درهما وَعَلِيهِ جملَة من الدّين فأبيعت كتبه لوفائها وَتُوفِّي أَخُوهُ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان قبله سنة إِحْدَى فَلم ترقأ لَهُ بعده دمعة وَدفن فِي تربة الزَّاهِد عبد الله اليونيني
3 - (الشَّيْخ بدر الدّين ابْن مَالك)
)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك الإِمَام البليغ النَّحْوِيّ بدر الدّين ابْن الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين الطَّائِي الجياني ثمَّ الدِّمَشْقِي كَانَ إِمَامًا ذكياً فهما حاد الخاطر إِمَامًا فِي النَّحْو إِمَامًا فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان والبديع وَالْعرُوض والمنطق جيد الْمُشَاركَة فِي الْفِقْه وَالْأُصُول أَخذ عَن وَالِده وَجرى بَينه وَبَين وَالِده صُورَة سكن لأَجلهَا بعلبك فَقَرَأَ عَلَيْهِ بهَا جمَاعَة مِنْهُم بدر الدّين ابْن زيد فَلَمَّا مَاتَ وَالِده طلب إِلَى دمشق وَولي وَظِيفَة وَالِده وسكنها وتصدى للأشغال والتصنيف وَكَانَ اللّعب يغلب عَلَيْهِ وَالْعشرَة حكى لي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود الْكَاتِب رَحمَه الله تَعَالَى حِكَايَة جرت لَهُ مَعَ الْأَمِير علم الدّين سنجر الدواداري وَهِي غَرِيبَة وَمَا أوثر ذكرهَا وَحكى لي غَيره عَنهُ مَا يُوَافِقهَا من اللّعب وَكَانَ إِمَامًا فِي مواد النّظم من الْعرُوض والنحو والمعاني وَالْبَيَان والبديع وَلم يقدر على نظم بَيت وَاحِد وَلَقَد حضرت إِلَيْهِ رقْعَة من صَاحبه فِيهَا نظم أَرَادَ أَن يجِيبه عَنْهَا بنظم فَجَلَسَ فِي بَيته من بكرَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر وَلم يقدر على بَيت وَاحِد حَتَّى اسْتَعَانَ بجار لَهُ فِي الْمدرسَة على الْجَواب بعد مَا حكى ذَلِك لجاره وَقيل لي أَنه أمْلى على قَول أبي جلنك الْكَامِل
(والبان تحسبه سنانيراً رَأَتْ ... قَاضِي الْقُضَاة فنفشت أذنابها)
كراسة وَتكلم على مَا فِي هَذَا الْبَيْت من عُلُوم البلاغة سُبْحَانَ الله الْعَظِيم ووالده كَانَ ينظم الْعُلُوم فِي الأراجيز ويدرج الْمسَائِل الْكَثِيرَة فِي الْأَلْفَاظ القليلة وَهَذَا دَلِيل الْقُدْرَة على النّظم وَمن تصانيف الشَّيْخ بدر الدّين شرح الفية وَالِده الْمَعْرُوفَة بالخلاصة وَهُوَ شرح فَاضل منقى منقح وَخطأ وَالِده فِي بعيض الْمَوَاضِع وَلم تشرح الْخُلَاصَة بِأَحْسَن وَلَا أَسد وَلَا أجزل على كَثْرَة شروحها وأراها فِي الشُّرُوح كالشرح الَّذِي لِابْنِ يُونُس للتّنْبِيه والمصباح اختصر فِيهِ مَعَاني وَبَيَان الْمِفْتَاح وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن وَقيل إِنَّه وضع أكبر مِنْهُ وَسَماهُ رَوْضَة الأذهان وَالِي الْآن لم أره وَرَأَيْت لَهُ مُقَدّمَة فِي الْمنطق ومقدمة فِي الْعرُوض وَمَات قبل الكهولة من قولنج كَانَ(1/165)
يَعْتَرِيه كثيرا فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست مائَة بِدِمَشْق وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَكثر التأسف عَلَيْهِ وَولي إِعَادَة الأمينية بعده الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني وَكثر تأسف النَّاس عَلَيْهِ وَقيل إِنَّه حضر مجْلِس الشَّيْخ شمس الدّين الأيكي وَكَانَ يعرف الْكَشَّاف معرفَة مليحة فَقعدَ لَا يتَكَلَّم والأيكي يذكر درسه إِلَى أَن أَطَالَ الْكَلَام فَقَالَ لَهُ يَا شيخ بدر الدّين لأي شَيْء مَا تَتَكَلَّم فَقَالَ مَا أَقُول وَمن وَقت تَكَلَّمت فِيهِ إِلَى الْآن عددت عَلَيْك إِحْدَى وَثَلَاثِينَ لحنة أَو كَمَا قيل)
3 - (فَخر الدّين ابْن التنبي الْكَاتِب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عقيل فَخر الدّين ابْن الصَّدْر بهاء الدّين ابْن التنّبي بِالتَّاءِ ثَالِثَة الْحُرُوف وَالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة على وزن جلق الْكَاتِب روى عَن الشَّيْخ الْمُوفق بن قدامَة وَالْعلم السخاوي وَكتب الْخط الْمليح طَريقَة ابْن البواب على الشَّيْخ ولي الدّين العجمي وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة
3 - (جمال الدّين ابْن سَالم قَاضِي نابلس)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَالم ابْن يُوسُف بن صاعد القَاضِي جمال الدّين ابْن القَاضِي نجم الدّين سفير الدولة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين النابلسي الشَّافِعِي قَاضِي نابلس وَابْن قاضيها إِمَام جليل متميز فَاضل رَئِيس ولد سنة عشْرين وَسمع بالقدس على الأوقى مشيخة الْفَسَوِي وَغَيرهَا وَكَانَ قَاضِي نابلس مُدَّة وأضيف إِلَيْهِ آخر عمره قَضَاء الْقُدس سمع عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ بِقِرَاءَة الْحَافِظ الْعَلامَة جمال الدّين الْمزي بدار الحَدِيث لما قدم دمشق وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وست مائَة
3 - (الْأسد ابْن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبد الله بن مَالك تَقِيّ الدّين الْمَعْرُوف بالأسد ابْن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك وأخو الشَّيْخ بدر الدّين الْمَذْكُور آنِفا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين صنف لَهُ وَالِده الألفية فَلم يحذق فِي نَحْو وَكَانَ طيب الصَّوْت يقْرَأ بالظاهرية وَله مَسْجِد ودكان شُهُود وَتُوفِّي فِي سنة تسع وست مائَة قلت والمقدمة الأَسدِية لوالده أَيْضا وَهِي صَغِيرَة نثر غير نظم إِنَّمَا وَضعهَا باسمه
3 - (الْغَالِب بِاللَّه ابْن الْأَحْمَر صَاحب الأندلس)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن نصر صَاحب الأندلس أَمِير الْمُسلمين أَبُو عبد الله ابْن الْأَحْمَر تملك بعد وَالِده سنة إِحْدَى وَسبعين وامتدت أَيَّامه إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة تسع وَتِسْعين وست مائَة وَهُوَ من الْخَزْرَج أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان قِرَاءَة منى عَلَيْهِ وَهُوَ يسمع رَأَيْته بغرناطة مرَارًا بالمصلى وأنشدته قصيدة أمدحه بهَا وَحَضَرت عِنْده إنشاد الشُّعَرَاء فِي بعض أعياده وَكَانَ رجلا جميلاً عَاقِلا حسن السياسة متظاهراً بِالدّينِ وَقَرَأَ شَيْئا من النَّحْو على الاستاذ أبي الْحسن الأبدي وَيذكر أَن لَهُ نظماً وَقد)
اشْتهر عَنهُ وَهُوَ قَوْله يُخَاطب وزيره أَبَا سُلْطَان عَزِيز ابْن عَليّ الداني المتقارب
(تذكر عَزِيز ليالينا ... وأنساً نعاطي على الفرقدين)
(وَنحن ندبر فِي ملكنا ... ونعطي النضار بكلتا الْيَدَيْنِ)(1/166)
(وَقد طلب الصُّلْح منا اللعين ... فَمَا فَازَ إِلَّا بخفي حنين)
(إِذا مَا تكاثر إرْسَاله ... يكون الْجَواب شبا المرهفين)
(فَلم لَا تشمر عَن ساعد ... وتضرب بِالسَّيْفِ فِي المغربين)
(وَقد خدمتنا مُلُوك الزَّمَان ... وَقد قصدتنا من العدوتين)
(فنسأل من رَبنَا عونه ... على مَا نوينا من الْجَانِبَيْنِ)
وَمِمَّا ذكر عَنهُ لَهُ قَوْله الطَّوِيل
(أيا ربة الْحسن الَّتِي أذهبت نسكي ... على كل حَال أَنْت لَا بُد لي مِنْك)
(فَأَما بذل وَهُوَ أليق بالهوى ... وَإِمَّا بعز وَهُوَ أليق بِالْملكِ)
انْتهى مَا أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين قلت لم أثبت هَذِه الْقطعَة الأولى إِلَّا من كَونهَا شعر سُلْطَان وَإِلَّا فَلَيْسَتْ مِمَّا ينتقي وَإِمَّا البيتان الكافيان فَإِنِّي نظمت جَوَابه مجاراة كَأَنِّي حاضره وَفِي وَزنه ورويه وَهُوَ الطَّوِيل
(مَتى لَاق بالعشاق عز وسطوة ... كَأَنَّك من ذل الْمحبَّة فِي شكّ)
(تلق الْهوى مَعَ مَا ملكت بذلة ... لتنظم مَعَ أهل الْمحبَّة فِي سلك)
بُويِعَ السُّلْطَان أَبُو عبد الله بعد أَبِيه سنة إِحْدَى وَسبعين فتملك ثَمَانِيَة أَعْوَام ثمَّ توثب عَلَيْهِ أَخُوهُ أَبُو الجيوش نصر وظفر بِهِ فخلعه وسجنه مُدَّة ثمَّ جهزه إِلَى بَلَده شلوبينة فحبسه إِلَى أَن تحرّك على نصر ابْن أُخْته الْغَالِب بِاللَّه وَطلب نصر أَخَاهُ المخلوع إِلَى غرناطة فَجعله عِنْده بالحمراء فِي بَيت أُخْته وَمرض أَبُو الجيوش نصر فأغمى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام فأحضر الكبراء أَخَاهُ ليملكوه فَلَمَّا عوفى أَبُو الجيوش تعجب من مَجِيئه وَأخْبر فغرقه خوفًا من شهامته وَكَانَ خلعه سنة تسع وَتِسْعين وَسبع مائَة ووفاته
3 - (الشَّيْخ محيي الدّين الشاطبي الْمُحدث الْمَالِكِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن الْحُسَيْن بن سراقَة مُحي الدّين أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ الأندلسي الشاطبي مولده فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس مائَة بشاطبة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بسفح)
المقطم سمع الْكثير وَولي مشيخة دَار الحَدِيث البهائية بحلب ثمَّ قدم الديار المصرية وَولي مشيخة دَار الحَدِيث الكاملية بِالْقَاهِرَةِ إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ أحد الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين بغزارة الْفضل وَكَثْرَة الْعلم وَالْجَلالَة والنبل وَاحِد الْمَشَايِخ المعروفين بطرِيق الْقَوْم وَله فِي ذَلِك إشارات لَطِيفَة مَعَ مَا جبل عَلَيْهِ من كرم الْأَخْلَاق واطراح التَّكْلِيف ورقة الطَّبْع ولين الْجَانِب وَله شعر مِنْهُ الطَّوِيل
(إِلَى كم أمنى النَّفس مَا لَا تناله ... فَيذْهب عمري والأماني لَا تقضى)(1/167)
(وَقد مر لي خمس وَعِشْرُونَ حجَّة ... وَلم أَرض فِيهَا عيشتي فمتي أرْضى)
(وَأعلم أَنِّي وَالثَّلَاثُونَ مدتي ... وَخير مغاني اللَّهْو أوسعها رفضاً)
(فَمَاذَا عَسى فِي هَذِه الْخمس ارتجى ... ووحدي إِلَى أَوب من الْعشْر قد أفْضى)
وَمِنْه أَيْضا مخلع الْبَسِيط
(وَصَاحب كالزلال يمحو ... صفاؤه الشَّك بِالْيَقِينِ)
(لم يخص إِلَّا الْجَمِيل منى ... كَأَنَّهُ كَاتب الْيَمين)
وَهَذَا عكس قَول أَحْمد المنازي مخلع الْبَسِيط
(وَصَاحب خلته خَلِيلًا ... وَمَا جرى غدره ببالي)
(لم يحص إِلَّا الْقَبِيح منى ... كَأَنَّهُ كَاتب الشمَال)
وَكَانَ محيي الدّين من أَبنَاء الْقُضَاة حفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وتفقه على مَذْهَب مَالك رَضِي الله عَنهُ ورحل إِلَى بَغْدَاد وَلَقي بهَا أَبَا حَفْص عمر بن مكرم الدينَوَرِي وَأَبا عَليّ الْحسن بن مبارك بن مُحَمَّد الزبيدِيّ وَأَبا الْفضل ابْن بكران وَقدم إربل وَقَرَأَ على أبي الْخَيْر بدران التبريزي
3 - (قَاضِي حلب القَاضِي شمس الدّين الدِّمَشْقِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْعَلامَة قَاضِي حلب وخطيبها ومفتيها شمس الدّين أَبُو عبد الله ولي الْقَضَاء مُدَّة طَوِيلَة تفقه بِمصْر على الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وبرع فِي الْمَذْهَب وتصدر وَخرج لَهُ الْأَصْحَاب وَكَانَ مَحْمُود الْأَحْكَام على ضيق خلقه كَانَ يُخَالف قرا سنقر نائبها فِي أغراضه فعزل بِالْقَاضِي زين الدّين ابْن قَاضِي الْخَلِيل وَتُوفِّي سنة خمس وَسَبْعمائة البوزجاني الحاسب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يحيى)
ابْن اسماعيل بن الْعَبَّاس البوزجاني بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْوَاو وَالزَّاي وَالْجِيم أَبُو الْوَفَاء أحد الْأَئِمَّة الْمَشَاهِير فِي علم الهندسة والحساب وَله فيهمَا استخراجات غَرِيبَة لم يسْبق إِلَيْهَا قَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ شَيخنَا الْعَلامَة كَمَال الدّين أَبُو الْفَتْح مُوسَى بن يُونُس رَحمَه الله وَهُوَ الْقيم بِهَذَا الْفَنّ يُبَالغ فِي وصف كتبه ويعتمد عَلَيْهَا فِي أَكثر مطالعاته ويحتج بِمَا يَقُوله وَكَانَ عِنْده من تأليفه عدَّة كتب وَله فِي اسْتِخْرَاج الأوتار تصنيف جيد نَافِع ولد يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة بِمَدِينَة بوزجان انْتهى قلت وَمن تصانيفه فِي الْحساب كتاب الْمنَازل وَهُوَ مَبْسُوط مُرَتّب جيد إِلَى الْغَايَة
3 - (أَبُو النَّصْر الطوسي الزَّاهِد)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن الْحجَّاج أَبُو النَّصْر الطوسي الزَّاهِد العابد يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَيتَصَدَّق بِمَا فضل عَن(1/168)
قوته رَحل فِي طلب الحَدِيث إِلَى الْعرَاق وَالشَّام ومصر والحجاز وَسمع الْكثير وجزأ اللَّيْل ثَلَاثَة أَجزَاء جزأ لِلْقُرْآنِ وجزءا للتصنيف وجزأ للراحة توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة ورثي فِي الْمَنَام فَقَالَ الرَّائِي وصلت إِلَى مَا تطلبه فَقَالَ أَي وَالله أَنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبشر بن الْحَرْث يحجبنا بَين يَدَيْهِ ويرافقنا وَقد عرضت مصنفاتي كلهَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرضيها
3 - (القَاضِي محيي الدّين ابْن الشهرزوري)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الْقسم بن المظفر بن عَليّ القَاضِي محيي الدّين أَبُو حَامِد الشهرزوري ولي الْقَضَاء بالموصل وَقدم بَغْدَاد رَسُولا من صَاحبهَا فَأكْرمه الْخَلِيفَة وخلع عَلَيْهِ توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَمن نظمه فِي يَوْم وَقع فِيهِ الثَّلج الوافر
(وَلما شَاب رَأس الدَّهْر غيظاً ... لما قاساه من فقد الْكِرَام)
(أَقَامَ يميط عَنهُ الشيب عمدا ... وينشر مَا أماط على الْأَنَام)
قلت هَذَا تخيل حسن إِلَى الْغَايَة وَمَا أحسن قَول أبي طَالب المأموني الْبَسِيط
(كَانَ فِي الجو مِنْهُ وَهُوَ منعكس ... سَحَابَة نشأت من فت كافور)
(كَانَ ناق ثَمُود فِي الْهَوَاء غَدَتْ ... ترمي اللغام على الْأَرْضين والدور)
)
وَقَول الآخر الْكَامِل
(فالأرض تضحك عَن قلائد أنجم ... نشرت بهَا والجو جهم قاطب)
(فَكَأَنَّمَا زنت البسيطة تَحْتَهُ ... وأكب يرجمها الْغَمَام الحاصب)
وَهُوَ يشبه قَول الغزى الْكَامِل
(والسحب من برد تسح كَأَنَّمَا ... ترمي البسيطة عَن قصي البندق)
وَقَول الصاحب ابْن عباد الْخَفِيف
(أقبل الثَّلج فانبسط لسرور ... ولشرب الْكَبِير بعد الصَّغِير)(1/169)
(فَكَانَ السَّمَاء صاهرت الأر ض فَصَارَ النثار من كافور)
وَقَول ظافر الْحداد مجزوء الوافر
(كَانَ الرّيح تنثره ... على الْأَرْضين فِي وَشك)
(تغربل من خلال الند ... كافوراً على مسك)
قيل إِنَّه مُدَّة ولَايَته فِي الْموصل لم يعتقل أحدا على دين فِي دينارين فَمَا دونهمَا بل كَانَ يُوفى ذَلِك من مَاله وَهُوَ ووالده لَهما شعر حسن وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده القَاضِي كَمَال الدّين وَمن شعر محيي الدّين الْمَذْكُور الْخَفِيف
(إِن تبدلت بِي سواي فَإِنِّي ... لَيْسَ لي مَا حييت مِنْك بديل)
(لي أذن حَتَّى أناجيك صماء وطرف حَتَّى يراك كليل)
وَمِنْه مخلع الْبَسِيط
(يَا رَاقِد اللَّيْل عَن محب ... مَا زَارَهُ بعْدك الرقاد)
(فرَاش جَنْبَيْهِ من قتاد ... وكحل أجفانه سهاد)
وَمِنْه الْخَفِيف
(جاد لي فِي الرقاد وَهنا بوصل ... أنشط الْقلب من عقال الهموم)
(وجفاني لما انْتَبَهت فَمَا أق رب مَا بَين شقوتي ونعيمي)
وَمِنْه الْكَامِل
(لَا تحسبوا أَنِّي امْتنعت من البكى ... عِنْد الْوَدَاع تجلداً وتصبرا)
(لكنني زودت عَيْني نظرة ... والدمع يمْنَع لحظها أَن ينظرا)
)
(إِن كَانَ مَا فاضت فَقلت ألزمتها ... صلَة السهاد وسمتها هجر الْكرَى)
قلت شعر جيد فِي الذرْوَة
3 - (الْكشميهني الصَّالح)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الْكشميهني بِالْكَاف والشين الْمُعْجَمَة الساكنة وَالْمِيم الْمَكْسُورَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَالْهَاء وَالنُّون كَانَ من الصلحاء وَله مجاهدات ورياضات توفّي سنة سِتّ عشرَة وست مائَة وَأوصى أَن يكْتب على كنفه الطَّوِيل
(يكون أجاجاً دونكم فَإِذا انْتهى ... إِلَيْكُم تلقى نشركم فيطيب)
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات مُخْتَلف فِيهَا الصَّحِيح أَنَّهَا للْعَبَّاس بن الْأَحْنَف وَالله أعلم
3 - (مُحَمَّد التكريتي الشَّاعِر)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد التكريتي النَّحْوِيّ أَقَامَ بِبَغْدَاد وَقَرَأَ الْأَدَب وبرع فِيهِ وَله شعر من جملَته مخلع الْبَسِيط
(من كَانَ ذمّ الرَّقِيب يَوْمًا ... فإنني للرقيب شَاكر)
(لم أر وَجه الرَّقِيب وقتا ... إِلَّا وَوجه الحبيب حَاضر)(1/170)
أَخذه برمتِهِ من قَول الْخَفِيف
(لَا أحب الرَّقِيب إِلَّا لِأَنِّي ... لَا أرى من أحب حَتَّى أرَاهُ)
توفّي سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة
3 - (مُحَمَّد بن مسلمة الإشبيلي الشَّاعِر)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مسلمة الإشبيلي وسلفه من قرطبة أَبُو الْحُسَيْن وَكَانَ جميل الصُّورَة فِي صغره وَفِيه يَقُول أَبُو الْعَبَّاس اللص المجتث
(خلبت قلبِي بلحظ ... أَبَا الْحُسَيْن خلوب)
(فَلم أسمى بلص ... وَأَنت لص الْقُلُوب)
توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وست مائَة وَقَالَ فِي كير الْحداد الْكَامِل
(ومنضد فِيهِ الرِّيَاح سواكن ... فَإِذا تحرّك آذَنت بهبوب)
(يطوى على زفراته كشحاً لَهُ ... عِنْد التحرك هَيْئَة المكروب)
)
(ولآبنوس الفحم إِن عرضته ... أهْدى لَهُ مَا شِئْت من تذهيب)
(صدر الْمُحب يخال مِنْهُ معملاً ... وَمَتى تعطله فخصر حبيب)
وَقَالَ فِي قصيدة الْكَامِل
(يَا دَار وَادي الشط من أَعلَى الْقرى ... هطلت عَلَيْك من الْغَمَام ثقالها)
(عهدي بدوحك وَهُوَ يخْطر من قِنَا ... والسرب وَهُوَ من الْجِيَاد رعالها)
(ومهاك هذي الْبيض وَهِي أوانس ... يقصدن حبات الْقُلُوب نبالها)
(نفر تصيد وَلَا تصاد وَإِنَّمَا ... تدني لنا آجالنا آجالها)
(من كل سابغة الوشاح خريدة ... لفاء غص بساقها خلْخَالهَا)
مِنْهَا الْكَامِل
(أَيَّام أَرْضك لَا يطير غرابها ... سَالَتْ مذانبها ورق ظلالها)
(فَكَأَنَّهَا والأمن فِيهَا والمنى ... لأبي سُلَيْمَان اغتدت أَعمالهَا)
قلت قَوْله عهدي بدوحك الْبَيْت أَخذه من ابْن هَانِيء الأندلسي حَيْثُ يَقُول الْكَامِل
(إِذْ ذَلِك الْوَادي قِنَا وأسنة ... وَإِذ الديار مشَاهد ومحافل)
وَالرَّابِع أَخذه من قَول أبي سعيد المَخْزُومِي المديد حدق الْآجَال آجال
3 - (مُحَمَّد الْيَعْمرِي الأبذي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْيَعْمرِي الأبذي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وباؤها الْمُوَحدَة مُشَدّدَة وهمزتها مَضْمُومَة أَبُو بكر قَالَ ابْن الْآبَار فِي تحفة القادم أنشدنا أَبُو عبد الله ابْن الصفار(1/171)
الضَّرِير قَالَ أنشدنا أَبُو بكر الْمَذْكُور يهجو ابْن همشك مجزوء الوافر
(همشك ضم من حرفي ... ن من هم وَمن شكّ)
(فعين الدّين وَالدُّنْيَا ... لامرته أسى تبْكي)
هَذَا ابراهيم أَحْمد بن همشك رومي الأَصْل ملك فِي الْفِتْنَة جيغان وشقورة وَكَثِيرًا من أَعمال غرب الأندلس قَالَ ابْن الْآبَار كَانَ يعذب خلق الله تَعَالَى بِالتَّعْلِيقِ وَالتَّحْرِيق وَلَا يتناهى عَن مُنكر فعله من رميهم بالمجانيق ودهدهتهم كالحجارة من أعالي النيق وَحكى ابْن صَاحب الصَّلَاة عَن بعض)
الصَّالِحين أَنه رَآهُ فِي النّوم فَقَالَ لَهُ كَيفَ حالك وَمَا لقِيت من رَبك فأنشده بَيْتَيْنِ لم يسمعا قبل وهما الْبَسِيط
(من سره العيث فِي الدُّنْيَا بخلقة من ... يصور الْخلق فِي الْأَرْحَام كَيفَ يشا)
(فليحزن الْيَوْم حزنا قبل سطوته ... مغللاً يمتطي جمر الغضا فرشا)
3 - (ابْن أبي الْبَقَاء البلنسي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأنْصَارِيّ الاستاذ أَبُو عبد الله البلنسي يعرف بِابْن أبي الْبَقَاء أَصله من سرقسطة وَتعلم كثيرا فبرع فِي الْعَرَبيَّة وَعلم بهَا واعتنى بتقييد الْآثَار وَكَانَ شَاعِرًا مجوداً توفّي سنة عشر وست مائَة قَالَ من مرثية الْبَسِيط
(قد علمتني اللَّيَالِي أَن ريقتها ... صاب وَإِن قَالَ قوم أَنه عسل)
(إِن الَّذِي كَانَت الآمال مشرقة ... بِهِ وعيش الْأَمَانِي بردهَا خضل)
(أصَاب صرف اللَّيَالِي مِنْهُ قطب حجي ... يَا من رأى الشهب قد أعيت بهَا السبل)
(وهد للحلم طوداً شامخاً علما ... يَا لليالي تَشْكُو صرفهَا الْحِيَل)
(وضاق وَجه الدجا عَن نور بهجته ... فَكيف توسعها إشراقها الأَصْل)
وَقَالَ يصف السَّيْف الطَّوِيل
(وَذي رونق كالبرق لَكِن وعده ... صَدُوق ووعد الْبَرْق كذب وَرُبمَا)
(عقدت نجاديه لحل تمائمي ... وَقلت لَهُ كن للمكارم سلما)
(وساء الأعادي إِذْ بَكت شفراته ... وسر وُلَاة الود حِين تبسما)
وَقَالَ أَيْضا الْخَفِيف
(غير خَافَ على بَصِير الغرام ... إِن يَوْم الْفِرَاق يَوْم حمام)
(عبرات تصد عَن نظرات ... ونشيج يحول دون الْكَلَام)
(وَدِمَاء تراق باسم دموع ... ونفوس تُؤدِّي برسم سَلام)(1/172)
(شربت بعْدك اللَّيَالِي حَياتِي ... غير أوشال لوعتي وسقامي)
مَا أحسن قَوْله شربت بعْدك اللَّيَالِي حَياتِي
3 - (أَبُو الْقَاسِم الغافقي قَاضِي بلنسية)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نوح)
الغافقي هُوَ أَبُو الْقسم قَاضِي بلنسية وَهِي بَلَده واصله من سرقسطة توفّي مصروفاً بمراكش سنة أَربع عشرَة وست مائَة لَهُ شعر حسن مِنْهُ قَوْله فِي فتح المهدية من أَبْيَات الْبَسِيط
(قد أنزل القسر من أَعلَى ذوائبها ... من كَانَ مُعْتَقدًا فِي برجها الأسدا)
(حَيْثُ الثواء لقد ظلت حلومهم ... على مجانيق توهى الْعقل والجلدا)
(كَأَنَّمَا الأَرْض كَانَت قبل واجدة ... حقداً على واكفات السحب أَو حردا)
(فأمطرتهن أَحْجَار الْعَذَاب بِمَا ... كَانَت قَدِيما عَلَيْهَا أمْطرت بردا)
وَقَالَ الرمل
(لَا تغبطن كل موفور الْغنى ... مُشْتَمل ملابس العظمه)
(يلمز لَا بِسَبَب إِلَّا بِمَا ... يحويه من أكياسه المفعمه)
(فَالله قد أخبر عَن أَمْثَاله ... وَقَالَ فِي آيَاته المحكمة)
(يحْسب أَن مَاله أخلده ... كلا لينبذن فِي الحطمه)
3 - (ابْن جهور الْأَزْدِيّ المرسي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جهور الْأَزْدِيّ أَبُو بكر من أهل مرسية كَانَ أحد أدبائها ونبهائها من شعره وَقد رأى امْرَأَة سافرة فغطت وَجههَا بكفها المخصوب السَّرِيع
(فاجأتها كالظبي فِي سربه ... فاحتجبت بالكف والمعصم)
(وَقد بدا الوشى بأطرافها ... فأقصرت عَن لومها لومي)
(قَالُوا وَقد دلههم حبها ... من طوق البلار بالعندم)
(قلت جرت من مقلتي دمعة ... فاختضبت أنملها بِالدَّمِ)
هَذَا الْمَعْنى مطروق مبذول متداول مر وَهُوَ بِجَزِيرَة شقر بِأَرْض حَمْرَاء لِابْنِ مرج الْكحل غير صَالِحَة للعمارة فَقَالَ يداعبه الْبَسِيط
(يَا مرج كحل وَمن هذي المروج لَهُ ... مَا كَانَ أحْوج هذي الأَرْض للكحل)
(مَا حمرَة الأَرْض عَن طيب وَعَن كرم ... فَلَا تكن طَمَعا فِي رزقها الْعجل)(1/173)
(لَكِن شيمتها أَخْلَاق صَاحبهَا ... فَمَا تفارقها كَيْفيَّة الخجل)
فَأَجَابَهُ الْبَسِيط)
(يَا قَائِلا إِذْ رأى مرجى وحمرته ... مَا كَانَ أحْوج هذي الأَرْض للكحل)
(تِلْكَ الدِّمَاء الَّتِي للروم قد سفكت ... فِي الْفَتْح بيض ظَبْي أجدادي الأول)
(أحببتها إِذْ حكت من قد كلفت بِهِ ... فِي حمرَة الخد أَو إخلافه أمْلى)
الصاحب تَاج الدّين ابْن حنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن سليم الْمصْرِيّ الصاحب تَاج الدّين أَبُو عبد الله ابْن الصاحب فَخر الدّين ابْن الْوَزير بهاء الدّين ابْن حنا ولد سنة أَرْبَعِينَ وَتُوفِّي سنة سبع وَسبع مائَة وَسمع من سبط السلفى جُزْء الذهلي وَمن الشّرف المرسي وبدمشق من ابْن عبد الدَّائِم وَمن ابْن أبي الْيُسْر حدث بِدِمَشْق وبمصر وانتهت إِلَيْهِ رئاسة عصره بمصره وَكَانَ ذَا تصون وسودد وَمَكَارِم وشكل حسن وبزة فاخرة إِلَى الْغَايَة يتناهى فِي المطاعم والملابس والمناكح والمساكن وَمَعَ ذَلِك صدقاته كَثِيرَة وتواضعه وافر ومحبته فِي الْفُقَرَاء والصلحاء زَائِدَة وَهُوَ الَّذِي اشْترى الْآثَار النَّبَوِيَّة على مَا قيل بستين ألف دِرْهَم وَجعلهَا فِي مَكَانَهُ بالمعشوق وَهُوَ الْمَكَان الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بالديار المصرية وَقد زرت هَذِه الْآثَار فِي مَكَانهَا ورأيتها وَهِي قِطْعَة من العنزة ومرود ومخصف وملقط وَقطعَة من قَصْعَة وكحلت ناظري برؤيتها وَقلت أَنا الْكَامِل
(أكْرم بآثار النَّبِي مُحَمَّد ... من زارها استوفى السُّعُود مزاره)
(يَا عين دُونك فألحظي وتمتعي ... أَن لم تريه فَهَذِهِ آثاره)
وَرَأى من الْعِزّ والرئاسة والوجاهة والسيادة مَا لَا رَآهُ جده الصاحب بهاء الدّين حكى لي القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُود رَحمَه الله وَغير وَاحِد أَن الصاحب فَخر الدّين ابْن الخليلي لما لبس تشريف الوزارة توجه من القلعة بالخلعة إِلَى عِنْد الصاحب تَاج الدّين وَجلسَ بَين يَدَيْهِ وَقبل يَده فَأَرَادَ أَن يجْبرهُ ويعظم قدره فَالْتَفت إِلَى بعض غلمانه أَو عبيده وَطلب مِنْهُ توقيعاً بمرتب يخْتَص بذلك الشَّخْص فَأَخذه وَقَالَ مَوْلَانَا يعلم على هَذَا التوقيع فَأَخذه وَقَبله وَكتب عَلَيْهِ قدامه وَكَانَ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس رَحمَه الله إِذا حكى ذَلِك يَقُول وَهَذِه الْحَرَكَة من الصاحب تَاج الدّين بِمَنْزِلَة الْإِجَازَة والإمضاء لوزارة ابْن الخليلي وَمن أحسن حَرَكَة اعتمدها مَا حَكَاهُ لي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ اجتزت بتربته فَرَأَيْت فِي داخلها مكتباً للأيتام وهم يَكْتُبُونَ الْقُرْآن فِي ألواحهم فَإِذا أَرَادوا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذَلِك على قَبره فَسَأَلت عَن ذَلِك فَقيل لي هَكَذَا شَرط فِي هَذَا الْوَقْف وَهَذَا مقصد حسن وعقيدة صَحِيحَة وَكَانَ الصاحب بهاء الدّين يؤثره على أَوْلَاده لصلبه ويعظمه أَخْبرنِي)
القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ أَخْبرنِي قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي رَحمَه الله قَالَ وقفت على إِقْرَار الصاحب بهاء الدّين بِأَنَّهُ فِي ذمَّته للصاحب تَاج الدّين ولأخيه مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار مصرية وَمن وجاهته وعظمته فِي النُّفُوس أَنه لما نكب على يَد الشجاعي جرده من ثِيَابه وضربه مقرعة وَاحِدَة فَوق قَمِيصه وَلم يَدعه النَّاس يصل(1/174)
إِلَى أَكثر من ذَلِك مَعَ جبروت الشجاعي وعتوه وتمكنه من السُّلْطَان وَكَانَ لَهُ شعر حسن من ذَلِك مَا كتبه إِلَى السراج الْوراق يعزيه عَن حمَار سقط فِي بِئْر فنفق من أَبْيَات الْكَامِل
(يفديك جحشك إِذْ مضى متردياً ... وبتالد يفْدي الأديب وطارف)
(عدم الشّعير فَلم يجده وَلَا رأى ... تبناً وَرَاح من الظما كالتالف)
(وَرَأى البويرة غير جَاف مَاؤُهَا ... فَرمى حشاشة نَفسه لمخاوف)
(فَهُوَ الشَّهِيد لكم بوافر فَضلكُمْ ... هذي المكارم لَا حمامة خاطف)
(قوم يَمُوت حمارهم عطشا لقد ... ازروا بحاتم فِي الزَّمَان السالف)
قَوْله لَا حمامة خاطف أَشَارَ إِلَى أَبْيَات ابْن عنين الَّتِي مدح الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَقد جَاءَت حمامة فَدخلت حجره هربا من جارح كَانَ خلفهَا وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة فَخر الدّين الرَّازِيّ وأجابه الْوراق بقصيدة على وَزنهَا فِي غَايَة الْحسن مَوْجُودَة فِي ديوانه أَولهَا الْكَامِل
(أدنت قطوف ثمارها للقاطف ... وثنت بِأَنْفَاسِ النسيم معاطفي)
مِنْهَا فِيمَا يتَعَلَّق بِذكر الْحمار الْكَامِل
(وَلكم بَكَيْت عَلَيْهِ عِنْد مرابع ... ومراتع رَشَّتْ بدمعي الذارف)
(يُمْسِي على عسرى ويسرى صَابِرًا ... بمعارف تلهيه دون معالف)
(وَقد اسْتمرّ على القناعة يَقْتَدِي ... بِي وَهِي فِي ذَا الْوَقْت جلّ وظائفي)
(وَدعَاهُ للبئر الصدى فَأَجَابَهُ ... واعتاقه صرف الْحمام الآزف)
(وَهُوَ المدل بألفة طَالَتْ وَمَا ... أنسى حُقُوق مرابعي ومآلفي)
(وموافقي فِي كل مَا حاولته ... فِي الدَّهْر غير مواقفي ومخالفي)
(دوران سَاقيه لطاحون لنقل المَاء فِي شات وَيَوْم صَائِف)
(لَكِن بِمَاء الْبِئْر رَاح بنقله ... قتلته شامات بِمَوْت جارف)
وَمِمَّا ينْسب إِلَى الصاحب تَاج الدّين الطَّوِيل)
(توهم واشينا بلَيْل مزارنا ... فجَاء ليسعى بَيْننَا بالتباعد)
(فعانقته حَتَّى اتخذنا تلازماً ... فَلم ير واشينا سوى فَرد وَاحِد)
ونظم يَوْمًا الصاحب تَاج الدّين الطَّوِيل
(توافى الْجمال الفائزي وَأَنه ... لخير صديق كَانَ فِي زمن الْعسر)
وَأمر السراج الْوراق بإجازته فَقَالَ الطَّوِيل
(فيا رب عَامله بالطافك الَّتِي ... يكون بهَا فِي الفائزين لَدَى الْحَشْر)
وَبعث الصاحب إِلَى السراج وَقد ولد لَهُ ولد صلَة وَثلثا حريرياً وَكتب مَعَ ذَلِك أبياتا خَمْسَة(1/175)
أَولهَا الوافر
بعثت بهَا وبالثلث الرفيع فَأَجَابَهُ الْوراق بِأَبْيَات أَولهَا الوافر
(سرت من جَانب الْعِزّ الرفيع ... إِلَيّ بِطيب أنفاس الرّبيع)
(مصرعة كَأَنِّي الْيَوْم مِنْهَا ... ولجت على حبيب والصريع)
(دَعونَا الْخَمْسَة الأبيات سِتا ... لسبع علقت فَوق الْجَمِيع)
(فدينا من هباتك مذهبات ... كَانَ محوكها قطع الرّبيع)
(تزيد بلمس كفك حسن وشى ... كحسن الرَّوْض بالغيث الهموع)
(بِمَا أَحييت للنفساء نفسا ... ولي مَعهَا وللطفل الرَّضِيع)
(وَقد سمنت كيسى بعد ضعف ... بِهِ الْتَقت الضلوع مَعَ الضلوع)
وَهَذَا الثَّالِث من هَذِه الأبيات بديع فِي الْغَايَة وَمن شعر الصاحب تَاج الدّين مَا قَالَه ملغزا فِي الْورْد الطَّوِيل
(ومعركة أبطالها قد تخضبت ... أكفهم من شدَّة الضَّرْب عِنْدَمَا)
(لَهُم عِنْدهَا نَار وللنار عنبر ... تأجج حَتَّى يتْرك الْورْد أدهما)
وَقَوله يمدح الشَّيْخ خضر الهكاري الطَّوِيل
(وحزت بميدان الْعِبَادَة غَايَة ... تذكرني يَوْم السباق ابْن أدهما)
وَله موشح مَشْهُور بَين أهل مصر الْتزم فِيهِ الْحَاء قبل اللَّام فِي أقفاله وَهُوَ مجزوء الرجز
(قد انحل الْجِسْم أسمر أكحل ... وأوحل الْقلب فِيهِ مذ حل)
(يمِيل ... وَعنهُ لَا أميل)
(يحول ... وَعنهُ لَا أَحول)
)
(أَقُول ... إِذا زَاد بِي النحول)
(أما حل عقد الصدود ينْحل ... ويرحل عَن نجمي المزحل)
(برغمي ... كم يستبيح ظلمي)
(وَيَرْمِي ... بحربه لسلمى)
(وجسمي ... مَعَ الْتِزَام سقمي)
(منحل وَقد غَدا مزحل ... فَلم حل سفك دمي وَمَا حل)
(متوج ... بالْحسنِ هَذَا الأبهج)
(مدبج ... عذاره البنفسج)(1/176)
(مفلج ... يرنو بِطرف أدعج)
(مكحل وريقه المنحل ... مفحل بالعنبر المحلحل)
(كم أبعد ... وَكم أَبيت مكمد)
(ويعمد ... بهجره لَا يفقد)
(ويجهد ... فِي ارتضاء من قد)
(تمحل والحاسدون دحل ... وَمحل والوعد مِنْهُ أمحل)
(قلاني ... واشتط هَذَا الحاني)
(رماني ... فِي عشقه زماني)
(خلاني ... أَشْكُو لمن يراني)
(قد انحل الْجِسْم أسمر أكحل ... وأوحل الْقلب فِيهِ مذ حل)
ونظم يَوْمًا الصاحب تَاج الدّين بَيْتا وَهُوَ الطَّوِيل
(أَلا قَاتل الله الْحَمَامَة أَنَّهَا ... أذابت فؤاد الصب لما تغنت)
وَقَالَ للسراج أجزه فَقَالَ قصيدة أَولهَا الطَّوِيل
(أطارحها شكوى الغرام وبثه ... فَمَا صدحت إِلَّا أجبْت بآنة)
أَخْبرنِي الشَّيْخ الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان قِرَاءَة مني عَلَيْهِ قَالَ اجْتمعت بِهِ وَسمعت عَلَيْهِ شَيْئا من الحَدِيث وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْكَامِل
(وَلَقَد أَبيت على أغر أدهم ... عبل الشوى كالليل إِذْ هُوَ مظلم)
)
(وبكفي الْيُمْنَى قناة لدنة ... كالأفعوان سنانها مِنْهُ الْفَم)
(مُتَقَلِّدًا عضباً كَانَ متونه ... برق تلألأ أَو حريق مضرم)
(وعَلى سابغة الذيول كَأَنَّهَا ... سلخ كسانيه الشجاع الأرقم)
(وعَلى المفارق بَيْضَة عَادِية ... كالنجم لَاحَ وَأَيْنَ مِنْهَا الأنجم)
(فالرعد من تصهال خيلي والسنا ... برق الأشعة والرذاذ هُوَ الدَّم)
اشْترى فرسا من الْعَرَب فأقامت عِنْده فِي الْحَاضِرَة ثمَّ إِنَّه عبر بهَا على بيُوت الْعَرَب فجفلت فَقَالَ
(الطَّوِيل نسيت بيُوت الشّعْر يَا فرسي وَقد ... ربيت بهَا وَالْحر للْعهد ذَاكر)
(وَلَكِن رأيتيها بِنَجْد وَأَهْلهَا ... على صفة أُخْرَى فعذرك ظَاهر)
فِي الثَّانِي عيب لِأَنَّهُ لحن من كَونه أشْبع حَرَكَة الكسرة فِي رَأَيْتهَا حَتَّى نشأت يَاء قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين ونظمت أَنا فِي هَذَا الْمَعْنى فَقلت الطَّوِيل(1/177)
(عجبت لمهري إِذْ رأى الْعَرَب نكبا ... كَأَن لم يكن بَين الأعاريب قد رَبًّا)
(أجل لَيْسَ نكراً للفريق وَإِنَّمَا ... تخوف عتباً مِنْهُم فتجنباً)
قلت التصريع فِي الْبَيْتَيْنِ لَيْسَ بمليح وَكَانَ يتعاطى الفروسية ويحضر الْغَزَوَات ويتصيد بالجوارح وَالْكلاب وَقد مدحه الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود رَحمَه الله بقصيدة عدتهَا أَزِيد من ثَمَانِينَ بَيْتا وَهِي روايتي عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَولهَا الْكَامِل
(أَعلَى فِي ذكر الديار ملام ... أم هَل تذكرها عَليّ حرَام)
(أم هَل أَذمّ إِذْ ذكرت منازلاً ... فارقتها وَلها عَليّ ذمام)
مِنْهَا فِي مدح الصاحب تَاج الدّين الْكَامِل
(وشجاعة مَا عَامر فِيهَا لَهُ ... قدم وَلَا عَمْرو لَهُ إقدام)
(ثَبت الْجنان إِذا الفوارس أحجمت ... خوف الردى لم يثنه إحجام)
(وبكفه فِي جحفل أَو محفل ... تزهى الرماح السمر والأقلام)
وَحكى لي الْمشَار إِلَيْهِ سيادة كَثِيرَة شَاهدهَا مِنْهُ من ذَلِك أَنه قَالَ دخلت يَوْمًا إِلَيْهِ فلقيني إِنْسَان نسيت أَنا اسْمه وَمَعَهُ قصيدة قد امتدحه بهَا فَقَالَ لي يَا مَوْلَانَا لي مُدَّة وَلم يتَّفق لي إِلَى الصاحب وُصُول فأخذتها وَدخلت إِلَيْهِ وَقلت بِالْبَابِ شَاعِر قد مدح مَوْلَانَا الصاحب فَقَالَ يدْخل فَأعْطَاهُ القصيدة فأنشدها وَلم يمْتَنع من سماعهَا كَمَا يَفْعَله بعض النَّاس فَلَمَّا فرغت أَخذهَا مِنْهُ ووضعها إِلَى جَانِبه وَلم يتَكَلَّم وَلَا)
أَشَارَ فَحَضَرَ خَادِم وَمَعَهُ مبلغ مِائَتي دِرْهَم وتفصيلة فَدَفعهَا إِلَيْهِ قلت وَهَذَا غَايَة فِي الرِّئَاسَة من سماعهَا وَعدم قَوْله أَعْطوهُ كَذَا أَو إِشَارَة إِلَى من يحضر فيسر إِلَيْهِ وَقيل عَنهُ أَن جَمِيع أَحْوَاله كَذَا لَا يُشِير بِشَيْء وَلَا يتَكَلَّم بِهِ فِي بَيته وكل مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ يَقع على وفْق المُرَاد وَحكى لي أَنه أضَاف جده يَوْمًا ووسع فِيهِ فَلَمَّا عَاد إِلَى بَيته أَخذ النَّاس يعْجبُونَ من همته وكرم نَفسه فَقَالَ الصاحب بهاء الدّين لَيْسَ مَا ذكرتموه بعجيب لإن نَفسه كَرِيمَة ومكنته متسعة وَالْعجب العجيب كَونه طول هَذَا النَّهَار وَمَا أحضرهُ من المشروب والمأكول من الطَّعَام والفاكهة والحلوى وَغير ذَلِك على اخْتِلَاف أَنْوَاعه مَا قَامَ من مَكَانَهُ وَلَا دَعَا خَادِمًا فَأسر إِلَيْهِ وَلَا أَشَارَ بِيَدِهِ وَلَا بطرفه وَلم يَجِيء إِلَيْهِ أحد من خدمه وَلَا أَشَارَ وَقيل أَن النَّاس تعجبوا على كثرتهم وشربهم المَاء مبرداً فِي كيزان عَامَّة ذَلِك النَّهَار فَسئلَ عَن ذَلِك فِيمَا بعد فَقَالَ اشترينا خمس مائَة كوز وبعثنا إِلَى الْجِيرَان قَلِيلا قَلِيلا بردوا ذَلِك فِي الباذهنجات الَّتِي لَهُم وَلَا شكّ فِي أَنه كَانَ عَليّ الهمة ممجداً مسوداً وَلَكِن لم يكن لَهُ دربة وَالِده فِي تَنْفِيذ الوزارة فَإِنَّهُ وَليهَا مرَّتَيْنِ وَمَا أَنْجَب وَكَانَ لَهُ إِنْسَان مُرَتّب مَعَه حمام كحمام البطائق مدرب إِذا خرج من بَاب القرافة أطلق مَا مَعَه من الْحمام فيروح إِلَى الدَّار الَّتِي لَهُ فَيعلم أَهله بِأَنَّهُ قد خرج من القلعة فيرمون الططماج والملوخية وَغير ذَلِك من أَنْوَاع المطجن وَمَا شابهه حَتَّى إِذا جَاءَ وجد الطَّعَام حَاصِلا والسماط ممدوداً وَقد سمع مِنْهُ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ أَيْضا وجالسه وأنشده شعره وَاعْتَكف فِي مأذنة عَرَفَات(1/178)
بِجَامِع مصر ثَلَاثَة أَيَّام فَقَالَ السراج الْوراق الطَّوِيل
(ثَلَاثَة أَيَّام قطعت لطولها ... ثَلَاث شديدات من السنوات)
(حجبن محيا الصاحب ابْن مُحَمَّد ... لِتجمع بَين الْحسن والحسنات)
(وَمَا كَاد قلبِي أَن يقر قراره ... لِأَنِّي بِمصْر وَهُوَ فِي عَرَفَات)
وَقَالَ السراج أَيْضا لما عمر الصاحب تَاج الدّين جَامع دير االطين الطَّوِيل
(بنيتم على تقوى من الله مَسْجِدا ... وَخير مباني العابدين الْمَسَاجِد)
(وأعلن داعيه الْأَذَان فبادرت ... اجابته الصم الْجبَال الجلامد)
(ونالت نواقيس الديارات وجمة ... وَخَوف فَلم يمدد إلَيْهِنَّ ساعد)
(تبْكي عَلَيْهِنَّ البطاريق فِي الدجى ... وَهن لديهم ملقيات كواسد)
(بذا قَضَت الْأَيَّام مَا بَين أَهلهَا ... مصائب قوم عِنْد قوم فَوَائِد)
البيتان الأخيران للمتنبي من قصيدته الْمَشْهُورَة وَأهْدى إِلَيْهِ عسلاً مسعودياً فَقَالَ الطَّوِيل)
(من الظّرْف رد الظّرْف ممتلئاً حمداً ... كَمَا جَاءَ فِي نعماك ممتلئا رفدا)
مِنْهَا الطَّوِيل
(أَتَانِي مَسْعُود بِهِ لون عرضه ... بَيَاضًا جلا من حالك الْحَال مَا اسودا)
(وَكنت لسيعاً من زماني وَصَرفه ... فبدلني من سمه الْقَاتِل الشهدا)
(فأدنيت من أبعدتها لَا قلى لَهَا ... وَلَكِن من الْأَشْيَاء مَا يُوجب البعدا)
(فَإِن رفع الدَّاعِي يَدَيْهِ فَهَذِهِ ... بأربعها تَدْعُو وتستفرغ الجهدا)
وَقَالَ أَيْضا يمدحه بقصيدة أَولهَا الْكَامِل
(أتروم صبري دون ذَاك الريم ... هَيْهَات لمت عَلَيْهِ غير ملوم)
(لَو شاهدت عَيْنَاك مَا شاهدته ... لرجعت فِي أَمْرِي إِلَى التَّسْلِيم)
(مخضر آس واحمرار شقائق ... أَنا مِنْهُمَا فِي جنَّة ونعيم)
(ومعاطف من دونهن روادف ... أَنا مِنْهُمَا فِي مقْعد ومقيم)
(سل طرفه عَن شعره الداجي فَلم ... يُخْبِرك عَن طول الدجى كسقيم)
(يَا غُصْن قامته إِلَيْك تحيتي ... مَعَ كل ماطرة وكل نسيم)
(إِن الْجمال لَهُ بِغَيْر مُنَازع ... والوجد لي فِيهِ بِغَيْر قسيم)
(وَكَذَا الْعلَا لمُحَمد بن مُحَمَّد ب ... ن عليّ بن مُحَمَّد بن سليم)
(نسب كمطرد الكعوب فَلَا ترى ... إِلَّا كَرِيمًا ينتمي لكريم)(1/179)
مِنْهَا الْكَامِل
(وشبيبة حرس التقى أطرافها ... فلهَا مَحل الشيب فِي التَّعْظِيم)
(وَإِذا تحرمت الْمسَائِل باسمه ... جلى عَن التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم)
(إِن قَالَ لَا يَخْلُو فَمَا من عِلّة ... تبقى لصِحَّة ذَلِك التَّقْسِيم)
(إِمَّا إِذا جارى أَخَاهُ أحمداً ... شاهدت بحرى نائل وعلوم)
(بحران إِن شِئْت الندى نجمان إِن ... شِئْت الْهدى غوثان فِي الأقليم)
وَأرْسل إِلَيْهِ ديوكاً مخصية فاستبقاهن فَأرْسل إِلَيْهِ دجَاجَة كَبِيرَة فَقَالَ المتقارب
(فديت الديوك بِذبح عَظِيم ... وأنقذتها من عَذَاب اليم)
(فنارى لَهُم مثل نَار الْخَلِيل ... ونارك لي مثل نَار الكليم)
)
(وَذُو الْعرف بِاللَّه فِي جنَّة ... فَكُن واثقاً بالأمان الْعَظِيم)
(لقد أنست لي دَار بهم ... وَمن قبلهم أَصبَحت كالصريم)
(مَشوا كالطواويس فِي ملبس ... بهى البرود بهيج الرقوم)
(كَأَنِّي أشاهدهم كالقضاة ... بسمت عَلَيْهِم كسمت الْحَلِيم)
(وَإِلَّا أزمة دَار غَدَتْ ... بهم حرما آمنا كالحريم)
(وَلَا فرق بيني وَبَين الخصى ... فَلم لَا أَرَاهُم بِعَين الْحَمِيم)
(وَنعم الْفِدَاء لَهُم قد بعثت ... من القانتات ذَوَات الشحوم)
(أعدن الشَّبَاب إِلَى مطبخي ... وَقد كَانَ شَاب لحمل الهموم)
(وعادت قدوري زنجية ... فأعجب بزنجية عِنْد رومي)
(وَطَالَ لِسَان لناري بِهِ ... خصمت خطوباً غَدَتْ من خصومي)
(وأمسيت ضيفك فِي منزلي ... وَمن فِيهِ ضيف لضيف الْكَرِيم)
ثمَّ خرج إِلَى الْمَدْح وَأدْخل الْمِيم على ضمير الديكة وَإِن كَانَت لمن يعقل لِأَنَّهُ نزلها منزلَة من يعقل وَإِمَّا اسْتِعَارَة الشَّبَاب والشيب للمطبخ فَمن أحسن الْكِنَايَات عَن الطَّبْخ وَعَدَمه وَقَوله زنجية عِنْد رومي ظرف فِيهِ إِلَى الْغَايَة لإن السراج رَحمَه الله كَانَ أشقر أَزْرَق وَله نظم فِي ذَلِك وَهُوَ قَوْله الرجز
(وَمن رَآنِي وَالْحمار مركبي ... وزرقتي للروم عرق قد ضرب)
(قَالَ وَقد أبْصر وَجْهي مُقبلا ... لَا فَارس الْخَيل وَلَا وَجه الْعَرَب)
وَلما قدم من غَزْوَة حمص سنة ثَمَانِينَ وست مائَة امتدحه الْحَكِيم شمس الدّين مُحَمَّد بن دانيال بقصيدة أَولهَا الطَّوِيل
(تذكرت سعدى أم أَتَاك خيالها ... أم الرّيح قد هبت إِلَيْك شمالها)(1/180)
مِنْهَا الطَّوِيل
(لقد أقبل الصَّدْر الْوَزير مُحَمَّد ... فَأَقْبَلت الدُّنْيَا وسر وصالها)
مِنْهَا
(الطَّوِيل بغى آبغا لما تصرع أَهله ... بدار هوان قد عراهم نكالها)
(وألقوا عَن الأفراس حَيْثُ رؤوسهم ... أكاليلها فَوق التُّرَاب نعالها)
(وَكَانَت لَهَا تِلْكَ الذوائب فِي الثرى ... شكالاً وثيقاً يَوْم حل شكالها)
)
(فأمسوا فراشا والأسنة شرع ... ذبال إِلَى أَن أحرقتم ذبالها)
وَقَالَ نَاصِر الدّين حسن بن النَّقِيب يهجوه المنسرح
(يحْتَاج ذَا التَّاج من يرصعه ... بدرة تَحت دالها كَسره)
(فَمن رأى عُنُقه الطَّوِيل وَلَا ... ينزل فِيهِ يَمُوت بالحسرة)
3 - (ابْن الجعفرية الحلى)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن غَانِم ويتصل بزيد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم الحلى يعرف بِابْن الجعفرية مولده سنة سِتّ وست مائَة أَنْشدني الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان من لَفظه قَالَ أنشدنا الْمَذْكُور لنَفسِهِ بالحلة سَابِع ذِي الْحجَّة سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة الْكَامِل
(أَتَرَى يبل غليله المشتاق ... مِنْكُم ويسكن قلبه الخفاق)
(وتعود أَيَّام الْوِصَال كَمَا بَدَت ... وَيرى لأيام الْفِرَاق فِرَاق)
(يَا حاجباً عَن مقلتي سنة الْكرَى ... فدموعها بجنابه اطلاق)
(لَا تنكرن تملقى لعواذلي ... فأخو الغرام لِسَانه مذاق)
3 - (القَاضِي نجم الدّين الطَّبَرِيّ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الله القَاضِي نجم الدّين ابْن جمال الدّين ابْن محب الدّين الطَّبَرِيّ الأملي كَانَ فَقِيها جيدا فِيهِ كرم وَحسن أَخْلَاق وَله نظم أَنْشدني الشَّيْخ تَاج الدّين اليمني لنَفسِهِ قَالَ أنشدته سنة سِتّ عشرَة وَسبع مائَة وَقد قدمت منصرفاً من دمشق قَاصد الْيمن قصيدة امتدحه بهَا أَولهَا مجزوء الرجز
(جاد عهاد الْمَطَر ... عهدي مني والمشعر)
(وَلَا عدا ربوعها ... سح السَّحَاب الممطر)
(منَازِل كم لي بهَا ... من ليل وصل مقمر)
(والبين فِي بينونة ... بوصلنا لم يشْعر)
فَلَمَّا فرغت من إنشادها أَنْشدني بديهاً مجزوء الرجز
(أَقْسَمت حَقًا بالصفا ... يَا ابْن الْكِرَام الْغرَر)
(شعرك هَذَا فائق ... أشعار أهل الْحَضَر)(1/181)
)
(مَا ناله حَبِيبه ... وَلَا الْوَلِيد البحتري)
قَالَ وأنشدني القَاضِي نجم الدّين الْمَذْكُور قصيدة يمدح بهَا الْملك المظفر عِنْد قدومه الْيمن أَولهَا الْكَامِل
(إِن لم أرو الرّبع من أجفاني ... بعد البعاد دَمًا فَمَا أجفاني)
قلت وأنشدني من لَفظه بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة الشَّيْخ محب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الصَّائِغ المغربي الْأمَوِي قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ بِمَكَّة قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين الطَّبَرِيّ الْكَامِل
(اشبيهة الْبَدْر التَّمام إِذا بدا ... حسنا وَلَيْسَ الْبَدْر من اشباهك)
(مأسور حبك إِن يكن متشفعا ... فإليك فِي الْحسن البديع بجاهك)
(أشفى أسى أعيى الأساة دواؤه ... وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك)
(فصليه واغتنمي بَقَاء حَيَاته ... لَا تقطعيه جَفا بِحَق الهك)
قَالَ فنظمت قصيدة ومدحته بهَا والتزمت مَا الْتَزمهُ من الْهَاء قبل الْكَاف وَسَتَأْتِي فِي تَرْجَمَة محب الدّين الْمَذْكُور فِي المحمدين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ تَاج الدّين الْيُمْنَى توفّي قَاضِي مَكَّة نجم الدّين الطَّبَرِيّ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَأَخْبرنِي الشَّيْخ شمس الدّين قَالَ توفّي قَاضِي مَكَّة ومفتيها وعالمها نجم الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة ومولده سنة ثَمَان وَخمسين سمع من عَم جده يَعْقُوب ابْن ابي بكر الطَّبَرِيّ جَامع التِّرْمِذِيّ وَسمع من جده محب الدّين وَمن الفاروثي وَله إجَازَة من الْحَافِظ أبي بكر بن مسدي وَأخذ عَنهُ البرازلي وجمال الدّين الغانمي وألواني وَآخَرين وَمَا خلف بِمَكَّة مثله وَكَانَ بارعاً فِي الْفِقْه وَولي بعده الْقَضَاء ابْنه الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد انْتهى
3 - (مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن)
ابْن عَبدك الأذربيجاني الصُّوفِي نزيل الْقُدس سمع من ابْن المقير وَابْن رَوَاحَة وَابْن رواج والسخاوي وَابْن قميرة وطبقتهم بِالشَّام ومصر وَالْعراق والحجاز قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَخرج لنَفسِهِ معجماً فِيهِ أَوْهَام وَأَرْبَعين بلدانية تكَرر من شيوخها حدث عَنهُ ابْن الخباز وَابْن الْعَطَّار وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست مائَة
3 - (الكنجي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر عبد الرَّحْمَن الكنجي الدِّمَشْقِي سمع كثيرا وَنسخ وَكتب الطباق وعلق أَشْيَاء جَيِّدَة واقتنى كتبا مليحة)
وأصولاً وَله عمل قَلِيل فِي هَذَا الْفَنّ وَهُوَ قَانِع متعفف لَا بَأْس بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى سمع من ابْن القواس وطبقته قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَسمع قبلنَا من الشَّيْخ تَاج الدّين مولده سنة خمس وَسبعين وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْهُ وَسَمعنَا من أَبِيه توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَنسبه إِلَى خفَّة وَعدم رزانة(1/182)
3 - (ابْن رَشِيق قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن عَتيق بن رَشِيق القَاضِي الإِمَام الْمُفْتِي زين الدّين أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام علم الدّين الْمصْرِيّ الْمَالِكِي قَاضِي الاسكندرية بَقِي بهَا اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ عزل وَقد عينه القَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة لقَضَاء دمشق وَكَانَ شَيخا وقوراً دينا معمرا فَقِيها روى مَعَ الْجَمَاعَة عَن أبي الْحسن ابْن الجميزي وَتُوفِّي سنة عشْرين وَسبع مائَة
3 - (ابْن الصَّيْرَفِي الْمُحدث)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْفَقِيه الْمُحدث مجد الدّين الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي ابْن الصَّيْرَفِي الشَّافِعِي سبط الْمُحْتَسب ابْن الحبوبي كَانَ شَابًّا متواضعاً فَاضلا سَاكِنا نسخ للنَّاس ولنفسه وَعمل المعجم جلس مَعَ الشُّهُود وَحدث عَن مُحَمَّد بن النشبي والتقى ابْن أبي الْيُسْر وَأحمد بن أبي الْخَيْر وَابْن مَالك وَابْن البُخَارِيّ وَحضر الْمدَارِس مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع مائَة وعاش أَبوهُ بعده نَحْو عشر سِنِين ولمجد الدّين نظم
3 - (ابْن حُرَيْث)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن ابراهيم بن حُرَيْث الْقرشِي الْعَبدَرِي البلنسي ثمَّ السبتي الْمَالِكِي المقريء ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَحدث بالموطأ عَن أبي الْحُسَيْن ابْن أبي الرّبيع عَن ابْن بَقِي وتفنن فِي الْعُلُوم والقراآت والعربية وَولي خطابة سبتة مُدَّة واقرأ الْفِقْه مُدَّة ثَلَاثِينَ عَاما ثمَّ تزهد ووقف كتبه بِأَلف دِينَار وعقاره وَحج وجاور بالحرمين سبع سِنِين وَحدث بِمَكَّة وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع مائَة
3 - (ابْن دمرداش الشَّاعِر)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود)
ابْن دمرداش الدِّمَشْقِي شهَاب الدّين أَبُو عبد الله كَانَ فِي أول حَاله جندياً وخدم بحماة وَصَحب صَاحبهَا الْملك الْمَنْصُور ثمَّ أبطل ذَلِك وَلبس زِيّ الْعُدُول وَجلسَ فِي مَرْكَز الرواحية بِدِمَشْق رَأَيْته بهَا سنة ثَمَان عشرَة وَأَظنهُ كَانَ مخلاً من إِحْدَى عَيْنَيْهِ أَنْشدني الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ أَنْشدني ظهير الدّين الْبَارِزِيّ قَالَ أَنْشدني شهَاب الدّين الْمَذْكُور لنَفسِهِ الطَّوِيل
(أَقُول لمسواك الحبيب لَك الهنا ... برشف فَم مَا ناله ثغر عاشق)
(فَقَالَ وَفِي أحشائه حرقة النَّوَى ... مقَالَة صب للديار مفارق)
(تذكرت أوطاني فقلبي كَمَا ترى ... أعلله بَين العذيب وبارق)
قلت مَا أحلى قَول محيي الدّين ابْن قرناص الْحَمَوِيّ الطَّوِيل
(سَأَلتك يَا عود الأراكة إِن تعد ... إِلَى ثغر من أَهْوى فَقبله مشفقا)
(ورد من ثنيات العذيب منيهلاً ... تسلسل مَا بَين الأبيرق والنقا)(1/183)
وَقَول الوافر
(وعود أراكة يجلو الثنايا ... من الْبيض الدمى جلى المرايا)
(يَقُول مساجل الأغصان فخراً ... أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا)
وأنشدني الشَّيْخ أثير الدّين بالسند الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا الطَّوِيل
(وَلما الْتَقَيْنَا بعد بَين وَفِي الحشا ... لواعج شوق فِي الْفُؤَاد تخيم)
(أَرَادَ اختباري بِالْحَدِيثِ فَمَا رأى ... سوى نظر فِيهِ الجوى يتَكَلَّم)
وأنشدني من لَفظه القَاضِي الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ الْكَامِل
(ومهفهف الأعطاف معسول اللمى ... كالغصن يعطفه النسيم إِذا سرى)
(قَالَ اسْقِنِي فَأَتَيْته بزجاجة ... ملئت قراحاً وَهُوَ لاه لَا يرى)
(وتأرجت برضابه وأمدها ... من نَار وجنته شعاعاً أحمرا)
(ثمَّ انثنى ثملاً وَقد أسكرته ... برضابه وبوجنتيه وَمَا درى)
وأنشدني من لَفظه الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة نجم الدّين القحفازي الْحَنَفِيّ النَّحْوِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ الْخَفِيف
(قَالَ لي سَاحر اللواحظ صف لي ... هيفي قلت يَا رَشِيق القوام)
(لَك قد لَوْلَا جوارح جفني ... ك تغنت عَلَيْهِ ورق الْحمام)
)
وَله وَهُوَ مِمَّا نقلته من خطه وَكَانَ يكْتب مليحا إِلَى الْغَايَة الْكَامِل
(حتام لَا تصل المدام وَقد أَتَت ... لَك فِي النسيم من الحبيب وعود)
(وَالنّهر من طرب يصفق فرحة ... والغصن يرقص والرياض تميد)
ونقلت من خطه لَهُ وَهُوَ غَايَة الْكَامِل
(قد صنت سر هواكم ضناً بِهِ ... إِن المتيم بالهوى لضنين)
(فوشت بِهِ عَيْني وَلم أك عَالما ... من قبلهَا إِن الوشاة عُيُون)
ونقلت مِنْهُ لَهُ الطَّوِيل
(روى دمع عَيْني عَن غرامي فاشكلا ... وَلكنه ورى الحَدِيث فاشكلا)(1/184)
(وأسنده عَن واقدي أضالعي ... فأضحى صَحِيحا بالغرام مُعَللا)
ونقلت مِنْهُ لَهُ الْكَامِل
(وافي النسيم وَقد تحمل مِنْكُم ... لطفاً يقصر فهمه عَن علمه)
(وشكى السقام وَمَا درى مَا قد حوى ... وَأَنا أَحَق من الرَّسُول بسقمه)
ونقلت مِنْهُ لَهُ الْكَامِل
(إِن طَال ليلى بعدكم فلطوله ... عذر وَذَاكَ لما أقاسي مِنْكُم)
(لم تسر فِيهِ نجومه لَكِنَّهَا ... وقفت لتسمع مَا أحدث عَنْكُم)
ونقلت مِنْهُ لَهُ الْكَامِل
(عجبا لمشغوف يفوه بمدحكم ... مَاذَا يَقُول وَمَا عساه يمدح)
(والكون إِمَّا صَامت فمعظم ... حرماتكم أَو نَاطِق فمسبح)
ونقلت مِنْهُ لَهُ وَهُوَ مليح المنسرح
(من لأسير أمست قرينته ... فِي الدوح عَن حَاله تسائله)
(فَهُوَ يُغني مبدأ الحزين لَهَا ... وَهِي بأوراقها تراسله)
ونقلت مِنْهُ لَهُ الْبَسِيط
(حَتَّى إِذا رق جِلْبَاب الدجى وسرت ... من تَحت أذياله مسكية النَّفس)
(تَبَسم الصُّبْح أعجاباً بخلوتنا ... ووصلنا الطَّاهِر الْخَالِي من الدنس)
ونقلت مِنْهُ لَهُ وأجاد السَّرِيع)
(بِالروحِ أفدى منطقياً علا ... برتبة النَّحْو على نشوه)
(مَنْطِقه العذب الشهي الَّذِي ... قد جذب الْقلب إِلَى نَحوه)
ونقلت مِنْهُ لَهُ وَهُوَ فِي الْغَايَة الطَّوِيل
(جيادك يَا من طبق الأَرْض عدله ... وَحَازَ بِأَعْلَى الْحَد أَعلَى المناصب)
(إِذا سابقتها فِي المهامه غرَّة ... ريَاح الصِّبَا عَادَتْ لَهَا كالجنائب)
(وَلَو لم تكن فِي ظهرهَا كعبة المنى ... لما شبهت آثارها بالمحارب)
ونقلت مِنْهُ لَهُ وَأحسن الْكَامِل
(يَا سَيِّدي أوحشت قوما مَا لَهُم ... عَن حسن منظرك الْجَمِيل بديل)
(وتعللت شمس النَّهَار فَمَا لَهَا ... من بعد بعْدك بكرَة وأصيل)
(وَبكى السَّحَاب مساعداً لتفجعي ... من طول هجرك والنسيم عليل)
وَمن شعره أَجَاد الْكَامِل(1/185)
(انْظُر إِلَى الْأَشْجَار تلق رؤوسها ... شابت وطفل ثمارها مَا أدْركَا)
(وعبيرها قد ضَاعَ من أكمامها ... وَغدا بأذيال الصِّبَا متمسكا)
وَله وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن الطول
(وَلما أشارت بالبنان وودعت ... وَقد أظهرت للكاشحين تشهدا)
(طفقنا نبوس الأَرْض نوهم أننا ... نصلي الضُّحَى خوفًا عَلَيْهَا من العدى)
وَله أَيْضا الْكَامِل
(مَا أَبْطَأت أَخْبَار من احببته ... عَن مسمعي بقدومه ورجوعه)
(إِلَّا جرى قلمي إِلَيْهِ حافياً ... وشكا إِلَيْهِ تشوقي بدموعه)
وَمِمَّا نقلته من خطه لَهُ
(الطَّوِيل يَقُولُونَ شبهت الغزال بأهيف ... وَهَذَا دَلِيل فِي الْمحبَّة وَاضح)
(وَلَو لم يكن لحظ الغزال كلحظه احورارا لما تاقت إِلَيْهِ الْجَوَارِح)
سبقه إِلَى هَذَا شمس الدّين مُحَمَّد بن دانيال فَقَالَ المجتث
(بِي من أَمِير شكار ... وجد يذيب الجوانح)
(لما حكى الظبي جيدا ... حنت إِلَيْهِ الْجَوَارِح)
)
ونقلت مِنْهُ لَهُ الطَّوِيل يَقُول لي الدولاب رَاض حَبِيبك الملول بِمَا يهوى من الْخَيْر والنفع
(فَإِنِّي من عود خلقت وَهَا أَنا ... إِذا مَال عني الْغُصْن اسقيه من دمعي)
وأنشدت لَهُ دوبيت الدوبيت
(الصب بك المتعوب والمعتوب ... وَالْقلب بك الملسوب والمسلوب)
(يَا من طلبت لحاظه سفك دمي ... مهلا ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب)
قيل أَن الشَّيْخ صدر الدّين ابْن الْوَكِيل كَانَ يَقُول وددت لَو كَانَ يَأْخُذ مني كل شعري ويعطيني هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَتُوفِّي ابْن دمرداش سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة ولهذه المقاطيع الَّتِي أوردتها لَهُ عِنْدِي نَظَائِر وَأَشْبَاه مَا أوردتها خوفًا من الإطالة
3 - (الْوَزير ابْن سهل)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سهل ابْن مُحَمَّد بن سهل الْوَزير الْعَالم الزَّاهِد ابْن الْوَزير الْأَزْدِيّ الغرناطي ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمَات أَبوهُ سنة سبعين وجده سنة سبع وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَحج سنة سبع وَثَمَانِينَ وَرجع ثمَّ أَنه قدم سنة عشْرين وَسبع مائَة وَحج وجاور سنتَيْن وَسمع من ابْن الرضي الطَّبَرِيّ ثمَّ قدم دمشق وَقَرَأَ الصَّحِيح على الحجار وصحيح مُسلم عَليّ ابْن الْعَسْقَلَانِي وَقَرَأَ بالسبع فِي صغره على ابْن بشر وَابْن أبي الْأَحْوَص وَابْن الزبير وبرع فِي معرفَة الاسطرلاب وَكَانَ وافر الْجَلالَة بِبَلَدِهِ يرجعُونَ إِلَى رَأْيه فِيمَن يُولى المملكة ويلقبونه الْوَزير(1/186)
وَفِيه ورع وَله فَضَائِل أَخذ عَنهُ قطب الدّين عبد الْكَرِيم وَكَانَ شَيخا وقوراً لَا يتعمم ويتطيلس على طاقية رَأَيْته عِنْد الشَّيْخ أثير الدّين وَأَخْبرنِي هُوَ وَغَيره عَنهُ أَنه يتَصَدَّق سرا من مَاله الَّذِي يحمل إِلَيْهِ من أملاكه بالغرب وعرفه النَّاس وصاروا يقصدونه فَإِذا طلب مِنْهُ أحد شَيْئا أنكر ذَلِك وَقَالَ لَهُ لَيْسَ مَا قيل لَك صَحِيحا ثمَّ يتْركهُ بعد يَوْم أَو أَكثر وَيَأْتِي إِلَيْهِ وَهُوَ غافل ويلقى فِي حجره كاغداً فِيهِ ذهب ويمر وَلَا يقف لَهُ وَيتَصَدَّق من السِّتين دِينَارا فَمَا دونهَا توفّي رَحمَه الله سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة واستنسخ الْبَحْر الْمُحِيط تَفْسِير الشَّيْخ أثير الدّين وَشرح التسهيل لَهُ وَغير ذَلِك وجهزه إِلَى الغرب وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام تَاج الدّين أَحْمد بن مَكْتُوم النَّحْوِيّ يرثيه المجتث
(مَاتَ ابْن سهل فَمَاتَتْ ... من بعده المكرمات)
(وَلم يخلف مثيلاً ... أَمْثَاله الصَّيْد مَاتُوا)
)
3 - (البرزالي الْحَنْبَلِيّ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود ابْن قَاسم الإِمَام ذُو الْفُنُون الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو عبد الله ابْن الإِمَام أبي الْفضل الْعِرَاقِيّ الْحَنْبَلِيّ مدرس المستنصرية بعد الذريراني ولد فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ كَانَ بَصيرًا بِالْمذهبِ والعربية وَرَأس فِي الطِّبّ سَافر إِلَى الْهِنْد وَرجع وصنف فِي الطِّبّ مَا يَسْتَعْمِلهُ الْإِنْسَان وَله سطوة وشهامة وَسمع من أبي الْقَاسِم والعماد ابْن الطبال وَكتب فِي الإجازات وساد وَتقدم وَله نظم وَلما توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة دفن عِنْد وَالِده بمقبرة الإِمَام أَحْمد
3 - (ابْن الْحَاج الفاسي الْمصْرِيّ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْعَبدَرِي الفاسي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي ابْن الْحَاج مؤلف كتاب الْبدع توفّي عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة
3 - (ابْن الْعَفِيف الْكَاتِب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل الْكَاتِب المجود الْمُحَرر شيخ الديار المصرية كَانَ صَالحا خيرا فَاضلا لَهُ شعر وخطب وَله حَظّ من النَّحْو قَرَأَ الْعَرَبيَّة على بهاء الدّين ابْن النّحاس وَكَانَ شيخ خانقاه أقبغا عبد الْوَاحِد بالقرافة وَكَانَ تالياً لكتاب الله تَعَالَى توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة
3 - (الشَّيْخ ركن الدّين ابْن القوبع)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن يُوسُف التّونسِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُحَقق البارع المتقن المفنن جَامع أشتات الْفَضَائِل ركن الدّين أَبُو عبد الله الْجَعْفَرِي الْمَالِكِي التّونسِيّ لم أر لَهُ نظيراً فِي مَجْمُوعَة واتقانه وتفننه واستحضاره واطلاعه كل مَا يعرفهُ يجيد فِيهِ من أصُول وَحَدِيث وَفقه وأدب ولغة وَنَحْو وعروض وَأَسْمَاء رجال وتاريخ وَشعر يحفظه للْعَرَب والمولدين والمتأخرين وطب وَحِكْمَة وَمَعْرِفَة الخطوط خُصُوصا خطوط المغاربة قد مهر فِي ذَلِك وبرع وَإِذا تحدث فِي شَيْء من ذَلِك كُله تكلم على دقائق ذَلِك الْفَنّ وغوامضه ونكته حَتَّى يَقُول الْقَائِل إِنَّمَا أفنى عمره هَذَا فِي هَذَا الْفَنّ قَالَ لي الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة)
تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ الشَّافِعِي وَهُوَ مَا هُوَ مَا أعرف أحدا مثل الشَّيْخ ركن الدّين أَو كَمَا(1/187)
قَالَ وَقد رأى جمَاعَة مَا أَتَى الزَّمَان لَهُم بنظير بعدهمْ مثل الشَّيْخ وَغير هَؤُلَاءِ أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس قَالَ قدم إِلَى الديار المصرية وَهُوَ شَاب فَحَضَرَ سوق الْكتب وَالشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس حَاضر وَكَانَ مَعَ الْمُنَادِي ديوَان ابْن هَانِيء المغربي فَأَخذه الشَّيْخ ركن الدّين وَأخذ يترنم بقول ابْن هَانِئ الْكَامِل
(فتكات لحظك أم سيوف أَبِيك ... وكؤوس خمرك أم مراشف فِيك)
وَكسر التَّاء وَفتح الْفَاء وَالسِّين وَالْفَاء فَالْتَفت إِلَيْهِ الشَّيْخ بهاء الدّين وَقَالَ لَهُ يَا مولى ذَا نصب كثير فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ ركن الدّين بِتِلْكَ الحدة الْمَعْرُوفَة مِنْهُ والنفرة أَنا مَا أعرف الَّذِي تريده أَنْت من رفع هَذِه الْأَشْيَاء على أَنَّهَا أَخْبَار لمبتدآت مقدرَة أَي أهذه فتكات لحظك أم كَذَا أم كَذَا وَأَنا الَّذِي أقوله أغزل وأمدح وَتَقْدِيره أأقاسي فتكات لحظك أم أقاسي سيوف أَبِيك وأرشف كؤوس خمرك أم مراشف فِيك فأخجل الشَّيْخ بهاء الدّين وَقَالَ لَهُ يَا مولى فلأي شَيْء مَا تتصدر وتشغل النَّاس فَقَالَ اسْتِخْفَافًا بالنحو واحتقاراً لَهُ وأيش النَّحْو فِي الدُّنْيَا أَو كَمَا قَالَ وَأَخْبرنِي أَيْضا قَالَ كنت أَنا وشمس الدّين ابْن الْأَكْفَانِيِّ نَأْخُذ عَلَيْهِ فِي المباحث المشرقية فأبيت لَيْلَتي أفكر فِي الدَّرْس الَّذِي نصبح نَأْخُذهُ عَلَيْهِ وأجهد قريحتي وأعمل تعقلي وفهمي إِلَى أَن يظْهر لي شَيْء أَجْزم بِأَن المُرَاد بِهِ هَذَا فَإِذا تكلم الشَّيْخ ركن الدّين كنت أَنا فِي وَاد فِي بارحتي وَهُوَ فِي وَاد أَو كَمَا قَالَ وَأَخْبرنِي تَاج الدّين المراكشي قَالَ قَالَ لي الشَّيْخ ركن الدّين لما أوقفني الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس على السِّيرَة الَّتِي عَملهَا علمت فِيهَا على مائَة وَأَرْبَعين موضعا أَو مائَة وَعشْرين السَّهْو مني أَو كَمَا قَالَ وَلَقَد رَأَيْته مَرَّات يواقف الشَّيْخ فتح الدّين فِي أَسمَاء رجال ويكشف عَلَيْهَا فَيظْهر مَعَه الصَّوَاب وَكنت يَوْمًا أَنا وَهُوَ عِنْد الشَّيْخ فتح الدّين فَقَالَ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية عمل ابْن الْخَطِيب أصولاً فِي الدّين الْأُصُول أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قل هُوَ الله أحد الْإِخْلَاص إِلَى آخرهَا فنفر الشَّيْخ ركن الدّين وَقَالَ قل لَهُ يَا عرة عمل النَّاس وصنفوا وَمَا أفكروا فِيك ونهض قَائِما وَولي مغضباً وَأَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين قَالَ جَاءَ إِلَيْهِ إِنْسَان يصحح عَلَيْهِ فِي أمالي القالي فَأخذ الشَّيْخ ركن الدّين يسابقه إِلَى أَلْفَاظ الْكتاب فبهت ذَلِك الرجل فَقَالَ لَهُ لي عشرُون سنة مَا كررت عَلَيْهَا وَكَانَ إِذا أنْشدهُ أحد شَيْئا فِي أَي معنى كَانَ أنْشد فِيهِ جملَة للْمُتَقَدِّمين والمتأخرين كَانَ الْجَمِيع كَانَ البارحة يُكَرر عَلَيْهِ وَتَوَلَّى نِيَابَة الحكم للْقَاضِي الْمَالِكِي بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة ثمَّ تَركهَا تديناً مِنْهُ وَقَالَ يتَعَذَّر فِيهَا بَرَاءَة الذِّمَّة وَكَانَ سيرته فِيهَا حَسَنَة(1/188)
لم يسمع)
عَنهُ أَنه ارتشى فِي حكم وَلَا حابى وَكَانَ يدرس فِي الْمدرسَة المنكتمرية بِالْقَاهِرَةِ ويدرس الطِّبّ بالبيمارستان المنصوري وينام أول اللَّيْل ثمَّ يستفيق وَقد أَخذ رَاحَة ويتناول كتاب الشِّفَاء لِابْنِ سينا ينظر فِيهِ لَا يكَاد يخل بذلك قَالَ الشَّيْخ فتح الدّين قلت لَهُ يَوْمًا يَا شيخ ركن الدّين إِلَى مَتى تنظر فِي هَذَا الْكتاب فَقَالَ إِنَّمَا أُرِيد أَن اهتدي وَكَانَ فِيهِ سأم وملل وضجر حَتَّى فِي لعب الشطرنج يكون فِي وسط الدست وَقد نفضه وَقطع لَذَّة صَاحبه وَيَقُول سئمت سئمت وَكَذَلِكَ فِي بعض الْأَوْقَات يكون فِي بحث وَقد حرر لَك الْمَسْأَلَة وكادت تنضج فَيتْرك الْكَلَام ويمضي وَكَانَ حسن التودد يتَرَدَّد إِلَى النَّاس ويهنئهم بالشهور والمواسم من غير حَاجَة إِلَى أحد لِأَنَّهُ كَانَ مَعَه مَال لَهُ صُورَة مَا يُقَارب الْخمسين ألف دِرْهَم وَكَانَ يتَصَدَّق سرا على أنَاس مخصوصين ولثغته بالراء قبيحة يَجْعَلهَا همزَة وَكَانَ إِذا رأى أحدا يضْرب كَلْبا أَو يُؤْذِيه يخاصمه وينهره وَيَقُول ليش تفعل ذَا أما هُوَ شريكك فِي الحيوانية وَكَانَ خطه على وضع المغاربة وَلَيْسَ بِحسن وَسمع بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست مائَة على الْمسند تَقِيّ الدّين ابْن الوَاسِطِيّ واستجزته سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ باستدعاء فِيهِ ونظم فَأجَاب وَأَجَازَ وأجاد بنثر ونظم أَنْشدني لنَفسِهِ إجَازَة وَمن خطه نقلت الطَّوِيل
(جوى يتلظى فِي الْفُؤَاد استعاره ... ودمع هتون لَا يكف انهماره)
(يحاول هَذَا برد ذَاك بصوبه ... وَلَيْسَ بِمَاء الْعين تطفأ ناره)
(ولوعاً بِمن حَاز الْجمال بأسره ... فحاز الْفُؤَاد المستهام إساره)
(كلفت بِهِ بَدْرِي مَا فَوق طوقه ... ودعصي مَا يثنى عَلَيْهِ إزَاره)
(غزال لَهُ صَدْرِي كناس ومرتع ... وَمن حب قلبِي شيحه وعراره)
(من السمر يُبْدِي عدمي الصَّبْر خَدّه ... إِذا مَا بدا ياقوته ونضاره)
(جرى سابحاً مَاء الشَّبَاب بروضه ... فأزهر فِيهِ ورده وبهاره)
(يشب ضراماً فِي حشاي نعيمه ... فيبدو بأنفاسي الصعاد شراره)
(وينثر دمعي مِنْهُ نظم موشر ... كنور الأقاحي حفه جلناره)
(يعل بعذب من برود رضابه ... تفاوح فِيهِ مسكه وعقاره)
(ويسهر أجفاني بوسنان أدعج ... يحير فكري غنجه وأحوراره)
(حكاني ضعفا أَو حكى مِنْهُ موثقًا ... وخصرا نحيلا غال صبري اختصاره)
(معنى بردف لَا ينوء بثقله ... فيا شدّ مَا يلقى من الْجَار جَاره)
)
(على أَن ذَا مثر وَذَلِكَ مُعسر ... وَمن محنتى أعساره ويساره)
(تألف من هَذَا وَذَا غُصْن بانة ... توافت بِهِ أزهاره وثماره)
(تجمع فِيهِ كل حسن مفرق ... فَصَارَ لَهُ قطباً عَلَيْهِ مَدَاره)(1/189)
(زلال وَلَكِن أَيْن مني وُرُوده ... ولدن وَلَكِن أَيْن مني اهتصاره)
(وسلسال رَاح صد عني كأسه ... وغودر عِنْدِي سكره وخماره)
(وَبدر تَمام مشرق الضَّوْء باهر ... لأفقي مِنْهُ محقة وسراره)
(دنا ونأى فالدار غير بعيدَة ... وَلَكِن بعدا صده ونفاره)
(وَحين درى أَن شدّ أسرى حبه ... أحل بِي الْبلوى وساء اقتداره)
مِنْهَا الطَّوِيل
(حكت لَيْلَتي من فقدي النّوم يَوْمهَا ... كَمَا قد حكى ليلى ظلاماً نَهَاره)
(كتمت الْهوى لَكِن بدمعي وزفرتي ... وسقمي تَسَاوِي سره وجهاره)
(ثَلَاث سجلات عَليّ بأنني ... أَمَام غرام قل فَكيف استتاره)
(أورى بنظمي فِي العذار وَتارَة ... بِمن أَن تغني القرط أصغي سواره)
(وَجل الَّذِي أَهْوى عَن الحلى زِينَة ... وَلما يُقَارب أَن يدب عذاره)
(أراحة نَفسِي كَيفَ صرت عَذَابهَا ... وجنة قلبِي كَيفَ مِنْك استعاره)
ونقلت مِنْهُ من قصيدة يمدح بهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد الوافر
(وَلَو غير الزَّمَان يكون قَرْني ... للأقى الحتف من لَيْث جرى)
(تحاماه الكماة إِذا أدلهمت ... دجى الهبوات فِي ضنك حمى)
(وطبقت الفضاء فَلَا ضِيَاء ... سوى لمعان أَبيض مشرفى)
(وأرمدت الْعُيُون وكل طرف ... عَم إِلَّا لأسمر سمهرى)
(بِحَيْثُ عباب بَحر الْمَوْت يَرْمِي ... بموج من بَنَات الأعوجى)
(عَلَيْهَا كل أروع هبرزي ... يغالب كل أغلب شمرى)
(ترَاهُ يرى الظبي ثغراً شنيباً ... من الأفرند فِي ظلم شهي)
(ويعتقد الرماح قدود هيف ... فيمتحها معانقة الْهدى)
(هُنَاكَ ترى الْفَتى الْقرشِي يحمى ... حماة الْمجد والحسب السّني)
)
(وَتعلم أَن أصلا هاشمياً ... تفرع بالنضار الْجَعْفَرِي)
(وَلَو أَن الجعافرة استبدت ... بِهِ يمنى الْهمام القوبعي)
مِنْهَا فِي المديح الوافر
(إِلَى صدر الْأَئِمَّة بِاتِّفَاق ... وقدوة كل حبر المعي)
(وَمن بِالِاجْتِهَادِ غَدا فريداً ... وَحَازَ الْفضل بالقدح العلى)
(وَمَا هُوَ والقداح وَتلك بخت ... وَهَذَا نَالَ بالسعي الرضى)(1/190)
(صبا للْعلم صبا فِي صباه ... فأعل بهمة الصب الصَّبِي)
(فأتقن والشباب لَهُ لِبَاس ... أَدِلَّة مَالك وَالشَّافِعِيّ)
مِنْهَا الوافر
(وَنور جَلَاله يرْتَد عَنهُ ... رَسُول الطّرف بالْحسنِ الحيّي)
(وَمن كثرت صَلَاة اللَّيْل مِنْهُ ... سيحسن وَجهه قَول النَّبِي)
مِنْهَا الوافر
(بِعدْل عَم أَصْنَاف البرايا ... تَسَاوِي فِيهِ دَان بالقصي)
(ضممت ندا وجودا حاتمياً ... إِلَى رَأْي وحلم أحنفي)
(لديك دعائم الْمجد اسْتَقَرَّتْ ... فحط بَنو الرِّضَا ملقى العصى)
(بِحَيْثُ طوامح الآمال مهما ... رمت لم تخط شاكلة الرمى)
(أيا قمر الفهوم إِذا أدلهمت ... دجى الأشكال فِي غوص خَفِي)
(وسحبان الْمقَالة حِين يلفى ... بليغ الْقَوْم كالفة العيي)
(لكم أبديت من معنى بديع ... يروق بحلة اللَّفْظ الْبَهِي)
(فأقسم مَا الرياض حنا عَلَيْهَا ... ملث الودق هطال الحبي)
(فألبسها المزخرف والموشى ... حَيا الوسمي مِنْهُ أَو الْوَلِيّ)
(وأضحك نبتها ثغر الأقاحي ... فَمَا نظم الجمان اللؤْلُؤِي)
(وعطر جوها بشذا أريج ... من الْمسك الفتيق التبتي)
(فلاحت كالخرائد يزدهيا ... حلى الْحسن أَو حسن الحلى)
(بأبهج من كلامك حِين تفتى ... سؤالاً بالبديه أَو الروى)
)
وكتبت لَهُ استدعاء بِإِجَازَة مِنْهُ لي نسخته المسؤول من إِحْسَان سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْكَامِل جَامع شتات الْفَضَائِل وأرث عُلُوم الْأَوَائِل حجَّة المناظرين سيف الْمُتَكَلِّمين الْكَامِل
(سباق غايات الورى فِي بَحثه ... فالبرق يسري فِي السَّحَاب بَحثه)
(ويهب مِنْهُ بِالصَّوَابِ صبا لَهَا ... برد على الأكباد سَاعَة نفثه)
(ويضوع من تِلْكَ المباحث مَا يرى ... أشهى من الْمسك السحيق وبثه)
الْمُتَكَلّم الَّذِي ذهلت بصائر أولي الْمنطق نَحوه وانتجت مقدماته الْمَطْلُوب عنْوَة ووقف السَّيْف عِنْد حَده فَمَا للآمدي فِي مداه خطْوَة وَحَازَ رتب النِّهَايَة فَمَا لأبي الْمَعَالِي بعْدهَا حظوة فَهُوَ الزاري على الرَّازِيّ لِأَن قطب علومه من مصره ومحصوله ذهب قبل دُخُول أَوَانه وعصره والفقيه الَّذِي رفع لصَاحب الْمُوَطَّأ أَعْلَام مذْهبه مذهبَة فمالك عَنهُ رضوَان وأسفر وُجُوه اخْتِيَاره خَالِيَة من(1/191)
كلف التَّكَلُّف حَالية بِالدَّلِيلِ والبرهان وأبرزها فِي حلاوة عِبَارَته فَهُوَ جلاب الْجلاب وَأظْهر الْأَدِلَّة من مكامن أماكنها وطالما جمحت تِلْكَ الأوابد على الطلاب والنحوي الَّذِي تركت لمعه الْخَلِيل أخفش وأعرت الْكسَائي ثوب فخره الَّذِي بهر بِهِ سِيبَوَيْهٍ وأدهش فأبعد ابْن عُصْفُور حَتَّى طَار عَن مقربه وأمات ابْن يعِيش لما أخلق مَذْهَب مذْهبه والأديب الَّذِي هُوَ روض جمع زهر الْآدَاب وَحبر قلد العقد أجياد فنه الَّذِي هُوَ لب الْأَلْبَاب وكامل أَخذ كتاب الْأَدَب عَنهُ أدب الْكتاب فَإِذا نظم قلت هَذِه الدراري فِي إبراجها تتسق أَو خلت الدُّرَر تتنضد فِي أزدواجها وتنتسق أَو نثر فالزهر يتطلع من كمامه غب غمامه والفات غصون ترنح معاطفها لحمائم همزَة الَّتِي هِيَ كهمز حمامه والطبيب الَّذِي تحلى مِنْهُ بقراط بأقراط وَسقط عَن دَرَجَته سقراط فالفارابي ألفاه رابياً وَابْن مسكويه امسك عَنهُ محاشياً لَا محابياً وَابْن سينا انطبق قانونه على جَمِيع جزئياته وكلياته وَطلب الشِّفَاء والنجاة من إشاراته وتنبيهاته فَلَو عالج نسيم الصِّبَا لما اعتل فِي سحره أَو الجفن الْمَرِيض لزانه وَزَاد من حوره ركن الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْجَعْفَرِي الْمَالِكِي السَّرِيع
(لَا زَالَ روض الْعلم من فَضله ... فِي كل وَقت طيب النشر)
(وكل مَا يبدعه للورى ... تطويه فِي الأحشاء للنشر)
(وتزدهي الدُّنْيَا بِمَا حازه ... حَتَّى ترى دائمة الْبشر)
إجَازَة كَاتب هَذِه الأحرف مَا لَهُ من مقول منظوم أَو منثور وضع أَو تأليف جمع أَو تصنيف إِلَى غير ذَلِك على اخْتِلَاف الأوضاع وتباين الْأَجْنَاس والأنواع وَذكرت أَشْيَاء مَذْكُورَة فِي الاستدعاء)
فَأجَاب بِخَطِّهِ رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول العَبْد الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه وعفوه عَمَّا تعاظم من ذَنبه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي الْجَعْفَرِي الْمَعْرُوف بِابْن القويع بعد حمد الله ذِي الْمجد والسناء وَالْعَظَمَة والكبرياء الأول بِلَا ابْتِدَاء وَالْآخر بِلَا انْتِهَاء خَالق الأَرْض وَالسَّمَاء وجاعل الإصباح والإمساء وَالشُّكْر لَهُ على مَا من بِهِ من تضَاعف الآلاء وترادف النعماء نحمده ونذكره ونعبده ونشكره لِتَفَرُّدِهِ بِاسْتِحْقَاق ذَلِك وتوفر مَا يسْتَغْرق الْحَمد وَالشُّكْر هُنَالك مَعَ مَا خصنا بِهِ من الْعلم وأضاء بِهِ بضيائها من نور الْفَهم وَنُصَلِّي على نبيه مُحَمَّد سيد الْعَرَب والعجم وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين فازوا من كل فضل بِعظم الْحَظ ووفور الْقسم أجزت لفُلَان وذكرني الْكَامِل
(جماع أشتات الْفَضَائِل وَالَّذِي ... سبق السراع ببطئه وبمكثه)
(فكأنهم يتعثرون بجدول ... ويسير فِي سهل الطَّرِيق وبرثه)
(أذري بسحب بيانهم فِي هطلها ... فِيمَا يبين بطله وبدثه)
جَمِيع مَا يجوز لي أَن أرويه مِمَّا رويته من أَصْنَاف المرويات أَو قلته نظماً أَو نثراً أَو اخترعته من مَسْأَلَة علمية مفتتحاً أَو اخترته من أَقْوَال الْعلمَاء واستنبطت الدَّلِيل عَلَيْهِ مرجحاً مِمَّا لم أصنعه فِي تصنيف وَلَا أجمعه فِي تأليف على شَرط ذَلِك عِنْد أهل الْأَثر
(السَّرِيع وَفقه الله لما يرتضي ... فِي القَوْل وَالْفِعْل وَمَا يدْرِي)(1/192)
(وزاده فضلا إِلَى فَضله ... بِمَا بِهِ يَأْمَن فِي الْحَشْر)
(فَهَذِهِ الدَّار بِمَا تحتوي ... دَار أَذَى ملأى من الشَّرّ)
(دلّت بنيها بغرور فهم ... فِي عَمه عَنهُ وَفِي سكر)
(قد خدعتهم بزخاريفها ... معقبة للغدر بالغدر)
(تريهم بشرا وَيَا ويحهم ... كم تَحت ذَاك الْبشر من مكر)
(بَينا ترى مبتهجاً نَاعِمًا ... ذَا فَرح بِالنَّهْي وَالْأَمر)
(آمن مَا كَانَ وأقصى مني ... فاجأه قاصمة الظّهْر)
(فعد عَنْهَا واشتغل بِالَّذِي ... يوليك خيرا آخر الدَّهْر)
(فَإِنَّمَا الْخَيْر خصيص بِمَا ... تَلقاهُ بعد الْمَوْت والنشر)
(هَذَا إِذا من الَّذِي ترتجي ... رحماه بالصفح وبالغفر)
(وَزَاد رضوانا فَهَذَا الَّذِي ... يَدعِي بِهِ لأطول الْعُمر)
)
وَيُؤَيّد هَذَا مَا أخبرناه الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الزَّاهِد الْوَرع الْمسند تَقِيّ الدّين أَبُو اسحاق ابراهيم بن عَليّ ابْن الوَاسِطِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَنحن نسْمع بِدِمَشْق فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست مائَة قيل لَهُ أخْبركُم أَبُو البركات دَاوُد بن أَحْمد بن ملاعب الْبَغْدَادِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ بِدِمَشْق وَأَبُو الْفرج الْفَتْح بن عبد الله بن عبد السَّلَام الْبَغْدَادِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ بِبَغْدَاد قَالَا أَنا الْحَاجِب أَبُو مَنْصُور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني قِرَاءَة عَلَيْهِ أَنا أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد البسري ح وَأَنا ابْن ملاعب وَأَبُو عَليّ الْحسن بن إِسْحَاق ابْن الجواليقي بِبَغْدَاد قَالَا أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبيد الله الزَّاغُونِيّ أَنا الشريف أَبُو نصرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي قَالَا أَنا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المخلص الذَّهَبِيّ ثَنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ ثَنَا خلف بن هِشَام الْبَزَّاز سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ ثَنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نحفر الخَنْدَق وننقل التُّرَاب على أكتافنا اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة مُخْتَصر وَهَذَا الحَدِيث من أَعلَى مَا أرويه ونسأل الله حَالا يرضاها ورضاها أَنه سميع الدُّعَاء فعال لما يَشَاء وَله الْحَمد والْمنَّة كتبه مُحَمَّد بن القوبع لَيْلَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب سنة ذلح
وَتُوفِّي الشَّيْخ ركن الدّين الْمَذْكُور بِالْقَاهِرَةِ فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة اعتل يَوْمَيْنِ وَمضى إِلَى رَحْمَة ربه الرَّحِيم ومولده سنة أَربع وَسِتِّينَ بتونس لَهُ من التصانيف الَّتِي دونهَا تَفْسِير سُورَة ق فِي مجلدة وَلما تولى الْإِعَادَة فِي الْمدرسَة الناصرية عمل درساً فِي قَوْله تَعَالَى إِن أول بَيت وضع للنَّاس للَّذي ببكة مُبَارَكًا آل عمرَان وعلق مَا أملاه فِي ذَلِك وَكَانَ الشَّيْخ ركن الدّين ابْن القوبع قَرَأَ النَّحْو عَليّ يحيى بن الْفرج بن زيتون والأصولغ على مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَاضِي تونس وَقدم مصر عَام تسعين وَسمع بِدِمَشْق من ابْن الوَاسِطِيّ وَابْن القواس وبحماة من الْمُحدث ابْن مزيز(1/193)
3 - (كَمَال الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن وهب بن مُطِيع كَمَال الدّين ابْن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد الْقشيرِي وَسَيَأْتِي وَالِده وَذكر جده وَذكر لخؤته وَذكر عميه كل وَاحِد مِنْهُم فِي مَكَانَهُ من هَذَا الْكتاب كَانَ يحفظ الْقُرْآن ويتلوه كثيرا وَكرر على مُخْتَصر مُسلم لِلْمُنْذِرِيِّ وَرُبمَا قيل أَنه حفظه وَسمع من الْمُنْذِرِيّ وَمن النجيب عبد اللَّطِيف والعز الحرانيين وَجَمَاعَة قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي وأخبرت أَنه كرر على الْوَجِيز وَجلسَ بالوراقين بِالْقَاهِرَةِ ودرس بِالْمَدْرَسَةِ النجيبية بقوص إِلَّا أَنه خالط أهل السَّفه والخلطة)
لَهَا تَأْثِير فَخرج عَن حَده وَترك طَرِيق أَبِيه وجده وَلما ولي أَبوهُ الْقَضَاء أَقَامَهُ من السُّوق وألحقه بِأَهْل الفسوق قَالَ هَكَذَا أَخْبرنِي جمَاعَة من أَهله وَغَيرهم وَكَانَ قوي النَّفس بَلغنِي أَن وَكيل بَيت المَال مجد الدّين عِيسَى ابْن الخشاب رسم للشُّهُود أَن لَا يكتبوا شَيْئا يتَعَلَّق بِبَيْت المَال إِلَّا بِإِذْنِهِ فَجَاءَتْهُ ورقة فِيهَا خطّ كَمَال الدّين ابْن الشَّيْخ فَطَلَبه وَقَالَ لَهُ مَا سَمِعت مَا رسمت بِهِ فَقَالَ نعم فَقَالَ كَيفَ كتبت قَالَ جَاءَ مرسوم أقوى من مرسومك وَأَشد قَالَ السُّلْطَان قَالَ لَا قَالَ فَمن رسم قَالَ جَاءَ مرسوم الْفُقَرَاء أَصبَحت فَقِيرا مَا أجد شَيْئا وجاءتني ورقة أخذت فِيهَا خَمْسَة عشر درهما فَتَبَسَّمَ وَقَالَ لَا تعد قَالَ وَحكى لي بعض أَصْحَابنَا قَالَ حَضَرنَا يَوْمًا وَهُوَ مَعنا عِنْد الشَّيْخ عبد الْغفار بن نوح وَكَانَ الشَّيْخ عبد الْغفار كَبِير الصُّورَة بقوص يَأْتِي إِلَيْهِ الْوُلَاة والقضاة والأعيان وَكَانَ يمد رجله فِي بعض الْأَوْقَات ويدعى احتياجاً لذَلِك فَمد رجله ذَلِك الْيَوْم فَأخذ الْكَمَال مروحة وضربه على رجله وَقَالَ ضمهَا بِلَا قلَّة أدب وَكَانَ كثير الصَّدَقَة مَعَ الْفَاقَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ الْمُفْتِي بركَة الْوَقْت مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْمُفْتِي بركَة الْوَقْت بدر الدّين أَبُو الْيُسْر بن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أبي المفاخر الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي مدرس الدماغية والعمادية ولد سنة سِتّ وَسبعين وَسمع كثيرا من أَبِيه وَابْن شَيبَان وَالْفَخْر عَليّ وَبنت مكي وعدة وَحضر ابْن عَلان وَحدث بِصَحِيح البُخَارِيّ عَن اليونيني وَسمع حضوراً من فَاطِمَة بنت عَسَاكِر وَحفظ التَّنْبِيه وأزم حَلقَة الشَّيْخ برهَان الدّين وولوه قَضَاء الْقُضَاة فاستغفى وصمم فاحترمه النَّاس وأحيوه لتواضعه وَدينه وعظمه تنكر نَائِب دمشق واعتقد فِيهِ وَحج غير مرّة وَتَوَلَّى خطابة الْقُدس مديدة ثمَّ تَركهَا وَلما كَانَ بالقدس طلبه المقادسة ودخلوا عَلَيْهِ بِسَمَاع الحَدِيث وَخَرجُوا بِهِ من هَذَا إِلَى طلب الشفاعات عِنْد نَاظر الْحَرَمَيْنِ فشفع لَهُم وَأكْثر من الشفاعات فاستثقله النَّاظر وشكء فِي الْبَاطِن لنائب دمشق وَقَالَ هَذَا يدْخل روحه فِي غير الخطابة وَيتَكَلَّم فِي الْولَايَة والعزل فنقص قدره عِنْده وَكَانَ مقتصداً فِي لِبَاسه وأموره ودرس وَهُوَ أَمْرَد ثمَّ زار الْقُدس فتعلل هُنَاكَ الْخَلَائق وَحمل على الرؤوس وَكَانَت وَفَاته بعد القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي بِليَال يسيرى
3 - (الْخَطِيب بدر الدّين)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرحمان بدر الدّين أَبُو عبد الله الْخَطِيب بالجامع الْأمَوِي ابْن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي خطب بالجامع الْمَذْكُور فِي حَيَاة وَالِده(1/194)
وحياة الْمَشَايِخ الْكِبَار مثل الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني وَالشَّيْخ برهَان الدّين وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَلما طلب وَالِده إِلَى مصر وتولي قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام اسْتَقل هُوَ بالخطابة فِيمَا أَظن فَلَمَّا طلب وَالِده أَيْضا إِلَى قَضَاء الديار المصرية بَقِي هُوَ فِي الْوَظِيفَة وَكَانَ فِي كل سنة يتَوَجَّه على الْبَرِيد إِلَى مصر ويحضر عِنْد السُّلْطَان ويلبس تَشْرِيفًا وَيُقِيم عِنْد وَالِده مديدة ثمَّ يعود إِلَى دمشق على الْبَرِيد وَكَانَ لَهُ بذلك وجاهة زَائِدَة وصيت وَقضى سَعَادَة وافرة فَلَمَّا عَاد وَالِده إِلَى الشَّام قَاضِيا نابه فِي الحكم وَكَانَ قد أتقن الخطابة وانصقلت عِبَارَته وتلفظ بهَا فصيحاً وَقَرَأَ فِي الْمِحْرَاب قِرَاءَة حَسَنَة طيبَة النغم وَلما توفّي وَالِده كَانَ يظنّ أَنه يَلِي الْقَضَاء فَمَا اتّفق لَهُ ذَلِك وَعكس الدَّهْر آماله وَنقض حَبل سعادته فتعكس وَكلما حاول أمرا لم ينجب وَطلب إِلَى مصر فَبَقيَ مُدَّة إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان الْملك النَّاصِر رَحمَه الله وَأقَام بعده قَلِيلا ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَقد أكمده الْحزن فَبَقيَ أَيَّامًا قَلَائِل وَتُوفِّي فِي ثَانِي جماديا الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة وَقد جَاوز الْأَرْبَعين قَلِيلا وَكَانَ وافر الحشمة ظَاهر التجمل حسن البزة جميل الصُّورَة
3 - (القَاضِي تَاج الدّين البارنباري)
)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم القَاضِي الْكَاتِب النَّاظِم الناثر تَاج الدّين أَبُو سعد السَّعْدِيّ الْمَعْرُوف بِابْن البارنباري بباء مُوَحدَة وَألف بعْدهَا رَاء وَنون بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ايضاً وَبعد الْألف رَاء أُخْرَى ثمَّ يَاء النّسَب صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء بطرابلس يَوْمئِذٍ كَاتب مطيق ومترسل منطيق خطه أبهج من الحديقة الْغناء وأخلب للقلب من الحدقة الوسناء كتب الرّقاع وَالثلث والتوقيعات من أحسن مَا يكون وَكَانَ لما رَأَيْته بالديوان بقلعة الْجَبَل أعرف بمصطلح الدِّيوَان من كل من فِيهِ بِحَيْثُ أَنه يُعْطي كتابا إِلَى ملك الْهِنْد أَو إِلَى ملك الْيمن أَو إِلَى ملك الكرج أَو إِلَى ملك الغرب أَو إِلَى أَي ملك من الْمُلُوك الَّذين يكاتبون من بَاب السُّلْطَان فَيَأْخُذ الْقَلَم وَيكْتب من رَأس الْقَلَم تِلْكَ الألقاب وَتلك النعوت عَن ظهر قلب من غير أَن يُرَاجع شَيْئا ثمَّ ينشئ الْكتاب الْمَطْلُوب من رَأس الْقَلَم فِي ذَلِك الْمَعْنى الْمَقْصُود من أحسن مَا يكون وَكتب شَيْئا كثيرا من التقاليد والمناشير والتواقيع إِلَى الْغَايَة وَقل مَا رَأَيْته يكْتب شَيْئا من مسودة فَهُوَ أحد كتاب الْإِنْشَاء الَّذين رَأَيْتهمْ فِي عصري مولده فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وست مائَة وَكتب الْإِنْشَاء فِي الدولة الناصرية فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث عشرَة وَسبع مائَة وَلم يزل من أَعْيَان كتاب الْإِنْشَاء إِلَى أَن توفّي القَاضِي بهاء الدّين أَبُو بكر بن غَانِم فرسم السُّلْطَان للْقَاضِي تَاج الدّين بِأَن يتَوَجَّه إِلَى طرابلس مَكَانَهُ صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء فَتوجه إِلَيْهَا فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة فرأس هُنَاكَ وَأحسن إِلَى النَّاس وَسَار سيرة مرضية وَأقَام بهَا إِلَى أَن تولي النِّيَابَة الْأَمِير سيف الدّين بيدمر البدري فِي أَوَائِل سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فعزل من كِتَابَة سر طرابلس وَأقَام بطرابلس إِلَى أَن رسم لَهُ بِالْخرُوجِ فَحَضَرَ إِلَى دمشق فِي أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة وَعَاد بعد مُدَّة إِلَى دمشق موقع دست فِي شهر رَجَب فِيمَا أَظن سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع مائَة وَتُوفِّي فِي أَوَائِل شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَسبع مائَة بالقدس كتبت إِلَيْهِ من دمشق وَقد وَردت إِلَيْهَا مُتَوَجها من الديار المصرية إِلَى الرحبة الْبَسِيط
(لما أتيت دمشقاً بعد مصر وَفِي ... عطفي مِنْك بقايا الْفضل للراجي)
(عظمت من أجل مَوْلَانَا وصحبته ... وَقيل هَذَا بِمصْر صَاحب التَّاج)(1/195)
وَينْهى بعد رفع الدُّعَاء وَحمل لِوَاء الْوَلَاء وإشادة بِنَاء الثَّنَاء إِن الْمَمْلُوك سطرها وشوقه قد ضَاقَتْ بِهِ الرحبة وأغار عَليّ مَثَاقِيل الْبَصَر فَمَا ترك مِنْهَا عِنْد حَبَّة الْقلب حَبَّة وَذكره الْأَيَّام السالفة حَتَّى عَاد نسيبه بهَا أعظم نسبه)
3 - (الوافر)
(كَأَنِّي لم أكن فِي مصر يَوْمًا ... قطعت بِهِ الْوِصَال مَعَ الْأَحِبَّة)
(ونلت الْقرب من سَادَات دست ... محلهم علا كيوان رتبه)
(إِذا عَايَنت فِي الإنشا حلاهم ... تراهم بالنجوم الزهر أشبه)
(وَإِن سابقتهم علم فا وفضلاً ... فَأَنت إِذا نطقت سكيت حلبه)
(فَمَا ابْن الصَّيْرَفِي إِذا أَتَاهُم ... يُسَاوِي عِنْدهم فِي الْفضل حَبَّة)
(خُصُوصا تاجهم سقى الغوادي ... مَحل ضمه وأخضل تربه)
(إِذا أَخذ اليراع فَلَيْسَ بَين الطروس وَبَين زهر الرَّوْض نسبه)
(وَإِن نطق اسْتَفَادَ الْمَرْء مِنْهُ ... محَاسِن تستبي فِي الْحَال لبه)
(وَلَيْسَ الْملك مُحْتَاجا إِلَى أَن ... يعد كتائبا إِن عد كتبه)
(لَهُ الفضلان فِي نظم ونثر ... إِذا مَا جال فِي شعر وخطبه)
(أيا مولَايَ عفوا عَن محب ... تهجم فالبعاد إذاب قلبه)
(بعثت بهَا إِلَيْك عَسى ترَاهَا ... على بعد من الْمَمْلُوك قربه)
فَكتب إِلَيّ الْجَواب الْبَسِيط
(شكرا لغرس بروض الْفضل قد نبتا ... ووده فِي صميم الْقلب قد ثبتا)
(أهْدى إِلَيّ كتابا كنت أرقبه ... أَزَال عني من عيث النَّوَى العنتا)
(مُبَارَكًا جَاءَ بِالْحُسْنَى فَأحْسن لي ... وَكَيف لَا وَهُوَ من عِنْد الْخَلِيل أَتَى)
لَا زَالَت أَلْفَاظه حلية المماليك ووده فِي النُّفُوس ثَابتا وللقلوب خير مَالك ومنزله من فضل الله رحيب الساحات معمورا بالسماحات فِي رحبة مَالك وَينْهى وُرُود مشرف سمح ببيانه ونفح بعرفانه وجنح إِلَى عوائد إحسانه ولمح أشرف الْمعَانِي بإنسانه وَربح إِذْ بدا بفصل خطابه وَفضل بنانه أَبى الله إِلَّا أَن يكون لَهُ الْفضل فِي ابْتِدَائه والفوز بسبق تحيته وانشائه فَقبله الْمَمْلُوك تقبيلاً وفضه فَإِذا الْبَيَان جَاءَ كُله مَعَه قبيلا وَرَأى أدباً غضاً ونظماً ونثراً فاقاً من سلف عصره وتقضي وَلَقَد ذكر مَوْلَانَا بأوقات قربه على أَن الْمَمْلُوك مَا زَالَ يذكرهَا وَأقر عينا مَا بَرحت تشهد محاسنه وتنظرها الْبَسِيط
(أبلغ أخانا أدام الله نعْمَته ... أَنِّي وَإِن كنت لَا أَلْقَاهُ أَلْقَاهُ)
(الله يعلم أَنِّي لست أذكرهُ ... وَكَيف يذكرهُ من لَيْسَ ينساه)
)
وَلَقَد تحملت بمولانا جِهَة تصدر أَخْبَارهَا بأقلامه وتصدر مهماتها بمتين كَلَامه ويبدو(1/196)
صَلَاحهَا بألفاظه الَّتِي هِيَ كالزلزال فِي رقته والدر فِي نظامه فَبسط الله ظلال من أمتع هَذِه المملكة بمولانا وسير ركابه إِلَيْهَا وطالما أولاه الْخَيْر وأولانا قد شَمل الْبعيد والقريب بفضله وَعمر مصر بسودده وغمر الشَّام بوبله الْكَامِل
(كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... كرماً وَيبْعَث للبعيد سحائبا)
ثمَّ يعود الْمَمْلُوك إِلَى وصف محَاسِن مَوْلَانَا الَّتِي مكنت فِي الْقلب حبه وأرضت بالود مَمْلُوكه وتربه وشيدت لَهُ فِي الأفئدة أرفع رُتْبَة الوافر
(اتتنا من ودادك خير هبه ... فَنعم طيبها عَيْش الْأَحِبَّهْ)
(وزارتنا على نأي فَأَهْدَتْ ... لنا أنسا بِهِ أنسى تنبه)
(تذكرني بزورتها ائتلافا ... ووقتا طالما متعت قربه)
(نأى عَن مصر من مولَايَ أنس ... فألفى بعْدهَا رحباً ورحبه)
(للفظك فِي الطروس عُقُود معنى ... بهَا در الترائب قد تشبه)
(وخظك لم يزل درا ثميناً ... لَهُ بالجوهر الشفاف نسبه)
(بنانك مِنْبَر ترقى عَلَيْهِ ... يراع كم لَهَا فِي الطرس خطبه)
(خطبت من الْمعَانِي كل بكر ... فلبت بالإجابة خير خطبه)
(كَأَنَّك قد رقيت الْأُفق عفوا ... فَأعْطى طرسك الميمون شهبه)
(فدمت مُعظما فِي كل أَرض ... تنَال من السُّعُود أجل رتبه)
وَكتب إِلَيّ وَنحن بالمخيم السلطاني على طنان ملغزا فِي كتاب السَّرِيع
(يَا مبدعاً فِي النّظم والنثر ... وفاضلاً فِي علمه يثري)
(ومودعا مهرقه كل مَا ... يزري بِحسن الدّرّ والتبر)
(إِن أحكمت أَلْفَاظه أَصبَحت ... قواطعا تربى على البتر)
(مَا صَامت ينْطق أفضاله ... وكاتم للسر فِي الصَّدْر)
(تصلحه الرَّاحَة لكنه ... يتعب فِي الطي وَفِي النشر)
(قد أشبه الْبيض وَلكنه ... يحْتَاج يَا ذَا الْفضل للسمر)
(تفرق اللَّيْل بأرجائه ... كَأَنَّهُ وصل على هجر)
)
(يسير عَن أوطانه دَائِما ... للنفع فِي الْبر وَفِي الْبَحْر)
(إِن كَانَ يَوْمًا ضيف قوم غَدا ... يقري وَخير النَّاس من يقري)
(فهات لي عَنهُ جَوَابا كَمَا ... عودتني يَا عالي الْقدر)
فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك السَّرِيع(1/197)
(أروضة تَبَسم عَن زهر ... أم أكوس دارت من الْخمر)
(أم نظم مَوْلَانَا فَإِنِّي الَّذِي ... أعده من جملَة السحر)
(إِذْ كل حرف مِنْك شمس وَأَن ... سامحت قلت الْكَوْكَب الدُّرِّي)
(يَا فَاضلا مَا مشتهي نظمه ... فِي النَّاس إِلَّا قطع الزهر)
(وكاتباً أصبح من خطه ... يُغني عَن الخطية السمر)
(حللت مَا ألغزته فِي الَّذِي ... تجلوه لي فِي حبر الحبر)
(مَا فَاه بالنطق وَلكنه ... لَهُ فنون النّظم والنثر)
(يخبرنا عَمَّا مضى وانقضى ... وَمَا جرى فِي سالف الدَّهْر)
(لَا يكذب القَوْل إِذا مَا روى ... فقد حكى صدق أبي ذَر)
(وَعِنْده لِلْحسنِ ديباجة ... شَبيهَة بِاللَّيْلِ وَالْفَجْر)
(ذرت على كافوره مسكة ... لَيْسَ لَهَا نشر مَعَ النشر)
(كم أقسم الْبَارِي بِهِ مرّة ... مرت لنا فِي مُحكم الذّكر)
(يَا حسن مَا قد قلت يقري وَهل ... تعرف فِي الْأَيَّام من يقري)
(وَمَا قراه غير سمع الَّذِي ... يبثه باللب والفكر)
(هَذَا جَوَاب أَن تكن رَاضِيا ... بِهِ فيا عزى وَيَا فخري)
(وَإِن أكن أَخْطَأت فِي حلّه ... فأبسط على مَا اعتدته عُذْري)
(لَا زلت ترقى صاعداً فِي العلى ... إِلَى مَحل الأنجم الزهر)
وكتبت إِلَيْهِ عقيب ذَلِك السَّرِيع
(بلغك الله الْأَمَانِي فقد ... أطربني لغزك لما أَتَى)
(حلا وَقد كررت إنشاده ... وَكَيف لَا يحلو وَفِيه كتا)
وَكتب إِلَيّ أَيْضا وَنحن بالمخيم السلطاني على المنوفية الْكَامِل)
(طرق الصَّوَاب بك استبان سَبِيلهَا ... وَبِك استقام على السوَاء دليلها)
(كم خلة محمودة أوتيتها ... فِي المكرمات وانت أَنْت خليلها)
(مَا ملغز الْفَاء مِنْهُ كَلَامه ... وحروفه مَا شأنهن قليلها)
(لَا شَيْء يَحْجُبهُ وَكم من دونه ... من حَاجِب فعلاه تمّ أثيلها)
(إِن طَال مل وخيره يَا صَاح مَا ... قد طَال والنعماء طَابَ طويلها)
(وَإِذا أهل الْوَفْد من ميقاتهم ... طويت غمامته وَزَالَ ظليلها)
(كم أوضحُوا فرقا فأخفاه وَمَعَ ... هَذَا أبانته دنا تَعْجِيلهَا)(1/198)
(وَمحله بِمحل مَوْلَانَا غَدا ... يسمو فَرَفَعته رسا تأصيلها)
(فأحلله لَا بَرحت يراعك كالظبي ... فصريرها مِنْهُ يمد صليلها)
فحللته فِي شاش وكتبت الْجَواب إِلَيْهِ الْكَامِل
(جَاءَت تدار على النُّفُوس شمولها ... وتجر من فَوق الرياض ذيولها)
(أبياتك الغر الَّتِي أبدعتها ... تطوي على جمل الْجمال فصولها)
(ويسير فِي الْآفَاق ذكرك لي بهَا ... وتهب بالإقبال مِنْك قبُولهَا)
(قد ألغزت لي فِي مُسَمّى وَاحِد ... وَله مقادير تفَاوت طولهَا)
(كغمامة ترخى على ليل الشَّبَاب الغض أَو صبح المشيب فضولها)
(لَا يَسْتَحِيل إِذا قلبت حُرُوفه ... بِالْعَكْسِ بل يبْقى لَهَا مدلولها)
(وحروفه بَيت وَبَاقِي لَفظه ... أس على التَّصْحِيف رحت أقولها)
(هَذَا الْجَواب وَغَايَة الْفضل الَّتِي ... قد نلتها فِي النّظم لست أطولها)
(فلك النُّجُوم تسير فِي فلك العلى ... مَا شَأْنهَا بعد الطُّلُوع أفولها)
فَكتب إِلَى عقيب ذَلِك المجتث
(الْمسك مِنْك ختام ... وراحتاك غمام)
(الْخط روض نديم ... وَاللَّفْظ حُلْو مدام)
(وَالسحر قَوْلك لَكِن ... السحر أَمر حرَام)
(اجبتني عَن معمى ... بِسُرْعَة لَا ترام)
(فِي الْقلب حبك ثاو ... لَهُ أَقَامَ غرام)
)
(فَأَنت حَقًا خَلِيل ... على الْخَلِيل السَّلَام)
فأجبته عَن هَذِه الْقطعَة المجتث
(أجوهر أم كَلَام ... وقهوة أم نظام)
(أم البدور تجلت ... فأنجاب عَنْهَا الظلام)
(أم الحدائق وشى ... مِنْهَا البرود غمام)
(غصونها الفات ... والهمز فِيهَا حمام)
(أشبه السطر كاساً ... فِيهِ الْمعَانِي مدام)
(أَو أعيناً فاتنات ... يصبو لَهَا المستهام)
(وحشوها السحر باد ... وَلَا أَقُول السقام)
(أقلامك الْحمر فِيهَا ... للنائبات سِهَام)(1/199)
(كم قد أَصَابَت لمرمى ... وَلم يفتها مرام)
(أثنت عَلَيْك الْمعَانِي ... والكاتبون الْكِرَام)
(وقلدتك الْمَعَالِي ... إِذْ أَنْت فِينَا أَمَام)
(فَأَنت أشرف تَاج ... فِي فَضله لَا يرام)
(لَهُ على كل راس ... فَاء وضاد وَلَام)
فَكتب الْجَواب أَيْضا المجتث
(ألفاظك الغر أضحت ... بروقهن تشام)
(لأجل ذَلِك سحت ... من سحبهن ركام)
(فأحبس سيولك أَن الْبيُوت ... هذي الْخيام)
(مصر بهَا قد تحلت ... كَمَا تحلى الشَّام)
(عَنْهَا يقصر قس ... والسالفون الْكِرَام)
(أَمْثَالهَا سائرات ... وَمَا لَهُنَّ مقَام)
(بدورها طالعات ... لَهَا التَّمام لزام)
(وَفِي الْعشي اتتني ... مِنْهَا وُجُوه وسام)
(تعزى إِلَى الْعَرَب لما ... يرْعَى لَدَيْهَا الذمام)
)
(لَهَا الْعُيُون عُيُون ... وَالنُّون فِيهَا لثام)
(فَكُن خير سمير ... حَتَّى تقضى الظلام)
(وَكلما دَار دور ... من خمرها جَاءَ جَام)
(هَذَا جَوَاب جَوَاب ... قد كل فِيهِ الْكَلَام)
(فاستر لَهُ كل عَابَ ... إِذْ أَنْت فِينَا إِمَام)
نقلت من خطه فصلا كتبه فِي وصف يَوْم ماطر وَهُوَ مطر غامت لَهُ السَّمَاء وعامت الأَرْض لما كثر مِنْهُ المَاء ودامت بِهِ من الله الرَّحْمَة والنعماء وَغَابَتْ تَحت غمامه عين الشَّمْس فَمَا لَهَا إِشَارَة وَلَا إِيمَاء وتوالي كرمه إِلَى الرياض فَلهُ عِنْد كل ساف يَد بَيْضَاء إِلَّا أَن الأَرْض تغير حَالهَا وَاسْتقر فِي بطُون الأَرْض مَا أَرْسلتهُ جبالها فَتفرق فِي الأَرْض غدرانا وروت أَحَادِيثه السُّيُول عَن الحيا عَن الْبَحْر عَن جود مَوْلَانَا كَأَنَّمَا الأَرْض بِهِ سقيت فشفيت من باسها لَا بل كَأَنَّمَا أَبُو حَفْص هَذِه الْأمة استسقى الله بعباسها وأضحت فَاكِهَة الشتَاء كوجه المحبوب غير مملولة وَأمنت سحبه الْقُلُوب وَإِن كَانَت سيوف بروقها مسلولة وخمدت فِيهَا كل نَار قراك وَمَا غَابَتْ فِيهِ الشَّمْس وَنحن نرَاك وَمَا أطلق الْمَمْلُوك عنان الْقَلَم فِي هَذِه الْكَلم إِلَّا لما قيد نَفسه محبَّة فِي ذراك ونقلت من خطه مَا كتبه إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن الْأَثِير فِي قصيدة الْكَامِل(1/200)
(يَا من بِهِ جمع الألوف مفرق ... ومفرق العلياء فِيهِ مجمع)
(يَا من إِذا وضع المكارم فِي الورى ... أضحى لَهُ عمل زكي يرفع)
(يَا من يعد مآثراً ومكارماً ... مَا عدهن عُيَيْنَة والأقرع)
(أبوابه محجوجة وجبينه ... بدر وبطن الْكَفّ مِنْهُ يَنْبع)
3 - (ابْن صَغِير الطَّبِيب)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن صَغِير نَاصِر الدّين الطَّبِيب الْمصْرِيّ قَرَأَ الطِّبّ وَالْحكمَة عَليّ وَالِده وَالْأَدب على الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست مائَة فِيهِ ظرف الأدباء وخلاعة أهل مصر وَهُوَ من أطباء السُّلْطَان توجه مَعَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد إِلَى الْحجاز سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَحضر من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق مُتَوَجها على خيل الْبَرِيد لمداواة الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا المارداني نَائِب حلب فَمَا لحقه إِلَّا وَقد تمكن مِنْهُ الْمَرَض فَعَاد نَاصِر الدّين)
الْمَذْكُور إِلَى دمشق وَقد تغير مزاجه من حماة فَأَقَامَ بِدِمَشْق يمرض فِي مدرسة الدنيسري قَرِيبا من خمسين يَوْمًا وَهُوَ من بَيت كلهم أطباء وَهُوَ شرِيف النَّفس لَا يطب إِلَّا أَصْحَابه أَو بَيت السُّلْطَان اجْتمعت بِهِ غير مرّة فَوَجَدته لطيف الْعشْرَة دمث الْأَخْلَاق وَله يَد فِي ضرب الْعود وَجَاء الْخَبَر إِلَى دمشق فِي ذِي الْقعدَة بوفاته بِالْقَاهِرَةِ بالطاعون سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (النصيبي القوصي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى ابْن نحام بن نجدة بن معتوق الشَّيْبَانِيّ النصيبي ثمَّ القوصي الأديب الشَّاعِر الْفَاضِل الْمُحدث سمع الْعِزّ الْحَرَّانِي وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن الخليلي واسماعيل بن هبة الله بن عَليّ بن المليحي وَغَيرهم وَحدث بالبخاري بقوص وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي النَّحْو واللغة والتاريخ والبديع وَالْعرُوض والقوافي كثير الْمُرُوءَة ظَاهر الفتوة ظريفاً لطيفاً خَفِيفا لَهُ قدرَة على ارتجال الْحِكَايَة المطولة وَالشعر سريع النادرة قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي شعره فِي ثَلَاث مجلدات وَكَانَ رزقه مِنْهُ يمتدح الْقُضَاة والأمراء والأكابر والتجار قَالَ لما جِئْت إِلَى قوص وجدت بهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ جلال الدّين الدشنائي فترددت إِلَيْهِمَا فَقَالَ لي كل مِنْهُمَا كلَاما انتفعت بِهِ فَأَما الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَقَالَ لي أَنْت رجل فَاضل والسعيد من تَمُوت سيئاته بِمَوْتِهِ لَا تهج أحدا فَمَا هجوت أحدا وَأما الشَّيْخ جلال الدّين فَقَالَ لي أَنْت رجل فَاضل وَمن أهل الحَدِيث وَمَعَ ذَلِك فأشاهد عَلَيْك شَيْئا مَا هُوَ بِبَعِيد أَن يكون فِي عقيدتك شَيْء وَكنت متشيعاً فتبت من ذَلِك وَقَالَ كنت مرّة عِنْد عز الدّين البصراوي الْحَاجِب بقوص فَحَضَرَ الشَّيْخ على الحريري وَحكى أَنه رأى درة تقْرَأ سُورَة يس فَقلت وَكَانَ غراب يقْرَأ سُورَة السَّجْدَة فَإِذا جَاءَ عِنْد آيَة السَّجْدَة سجد وَيَقُول سجد لَك سوَادِي وَاطْمَأَنَّ بك فوادي وَتُوفِّي بقوص سنة سبع وَسبع مائَة وَمن شعره
(الوافر إِذا ابتسمت من الْغَوْر البروق ... تأوه مغرم وَبكى مشوق)
(تذكرني العقيق وَأي صب ... لَهُ صَبر إِذا ذكر العقيق)
وَمن المتقارب
(تذكر بالسفح باناً وظلاً ... فَأجرى المدامع وَبلا وطلا)
(يُرْجَى زَمَانا تولى يعود ... وَلَيْسَ يعود زمَان تولى)(1/201)
(كثيب تحمل مَا لَا يُطيق ... لَهُ الصخر من ألم الْبَين حملا)
)
(يبيت يكابد آلامه ... وأسقامه وكما بَات ظلا)
(وضيع أوقاته فِي عَسى ... وماذا تفِيد عَسى أَو لعلا)
(وَيشْرب من مَاء أجفانه ... على الظمأ البرح نهلاً وَعلا)
وَمِنْه الوافر
(نعم هِيَ دَار من نهوى يَقِينا ... وَمَا نخشاه ساكنها يَقِينا)
(أنيخوا فِي معالمها المطايا ... فديتكم لنشكو مَا لَقينَا)
(ذكرنَا حُلْو عَيْش مر فِيهَا ... وَمَا كُنَّا لَهُ يَوْمًا نَسِينَا)
(وكاسات المسرة دائرات ... تحيينا شمالاً أَو يَمِينا)
3 - (ابْن تَاج الخطباء القوصي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد جلال الدّين الْكِنْدِيّ ابْن تَاج الخطباء القوصي قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي سمع من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي وَكَانَ فَقِيها فَاضلا أديباً لَهُ نظم ونثر وخطب وَكَانَ أَمِين الحكم بقوص وعاقد الْأَنْكِحَة وفارضاً بَين الزَّوْجَيْنِ وَيكْتب خطا حسنا لَا يماثله أحد بقوص اجْتمعت بِهِ كثيرا بقوص ثمَّ أَقَامَ بغرب قمولا فتوفى بهَا سنة أَربع وَعشْرين وَسبع مائَة وَأورد لَهُ من شعره
(الدوبيت يَا غَايَة منيتي وَيَا مقصودي ... قد صرت من السقام كالمفقود)
(إِن كَانَ بَدَت مني ذنُوب سلفت ... هبها لكريم عفوك الْمَعْهُود)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(الْخَفِيف هَل إِلَيّ وصل عزة من سَبِيل ... وَإِلَى رشف رِيقهَا السلسبيل)
(غادة جردت حسام المنايا ... مُصْلِتًا من جفون طرف كحيل)
(قد أَصَابَت مقاتلي بسهام ... فوقتها من جفنها المسبول)
(أبرزت مبدعاً من الْحسن يفْدي ... بنفوس الورى بِوَجْه جميل)
وَأورد لَهُ أَيْضا الْبَسِيط
(دَعْوَى سَلامَة قلبِي فِي الْهوى عجب ... وَكَيف يسلم من أودي بِهِ الوصب)
(أضحت سَلَامَته مِنْكُم على خطر ... لَا تسلموه فَفِي إِسْلَامه نصب)
(شربت حبكم صرفا على ظمإ ... وَكنت غراً بِمَا تَأتي بِهِ النوب)
)
(لَا يمنعنكم مَا قَالَ حاسدنا ... عَن الدنو فأقوال العدى كذب)
3 - (ابْن الجبلى الفرجوطي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الجبلى الفرجوطي بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْجِيم وَالْوَاو والطاء الْمُهْملَة لَهُ مُشَاركَة فِي الْفِقْه والفرائض وَمَعْرِفَة بالقراءات وَله أدب وَشعر وَمَعْرِفَة بِحل الألغاز والأحاجي وَكَانَ ذكياً جدا جيد الْإِدْرَاك خَفِيف الرّوح حسن الْأَخْلَاق(1/202)
كف بَصَره آخر عمره قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي اجْتمعت بِهِ كثيرا وأنشدني من شعره وألغازه وَتُوفِّي بفرجوط فِي المحرَّم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَأورد لَهُ السَّرِيع
(وشاعر يزْعم من غرَّة ... وفرط جهل أَنه يشْعر)
(يصنف الشّعْر وَلكنه ... يحدث من فِيهِ وَلَا يشْعر)
وَأورد لَهُ فِي النبق الْبَسِيط
(انْظُر إِلَى النبق فِي الأغصان منتظماً ... وَالشَّمْس قد أخذت تجلوه فِي القضب)
(كَانَ صفرته للناظرين غَدَتْ ... تحكي جلاجل قد صيغت من الذَّهَب)
3 - (شمس الدّين ابْن الْموصِلِي الشَّافِعِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم ابْن رضوَان بن عبد الْعَزِيز البعلي المولد الشَّافِعِي الْمَذْهَب الشَّيْخ شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الْموصِلِي سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة تسع وَتِسْعين وست مائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن الْكَرِيم فِي مَسْجِد الْحَنَابِلَة على الشَّيْخ شُجَاع الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ خَادِم الشَّيْخ شرف الدّين اليونيني وَعلي ابْن أَخِيه الشَّيْخ مُحَمَّد الْأَعْرَج ببعلبك وَسمع الحَدِيث من الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني وعَلى الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح الْحَنْبَلِيّ وعَلى الشَّيْخ عفيف الدّين إِسْحَاق بن يحيى الْآمِدِيّ وعَلى شيخ الْإِسْلَام جمال الدّين يُوسُف الْمزي وعَلى الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وعَلى الشَّيْخ جمال الدّين يُوسُف العزازي بطرابلس وعَلى الشَّيْخ بدر الدّين ابْن مكي وعَلى قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين ابْن جهبل وَغَيرهم وَأخذ الْفِقْه عَن شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين الْبَارِزِيّ بحماة وَعَن أقضى الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد التبريزي قَاضِي بعلبك وَعَن أقضى الْقُضَاة جمال الدّين الخابوري وَعَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن الْمجد البعلي وَعَن الشَّيْخ الْعَالم نجم الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن بَابا)
جوك وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْمجد البعلي وَعَن الشَّيْخ بدر الدّين ابْن مكي وَغَيرهمَا وَله من التصانيف كتاب غَايَة الْإِحْسَان فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان النَّحْل وَكتاب بهجة الْمجَالِس ورونق الْمجَالِس خمس مجلدات يتَضَمَّن الْكَلَام على آيَات كريمات وَغَيرهَا وَكتاب لوامع الْأَنْوَار نظم مطالع الْأَنْوَار لِابْنِ قرقول ونظم الْمِنْهَاج للنووي وَكتاب الدّرّ المنتظم فِي نظم أسرار الْكَلم وَهُوَ نظم كتاب فقه اللُّغَة
وَكتب إِلَيّ وَهُوَ بطرابلس يقبل الأَرْض وَينْهى أَن الْمَمْلُوك لم يزل يلتقط من فرائد أسفار السفار فوائدغ أَخْبَار الأخيار ويبحث عَن كنوز الْعلم ومعادن الْأَدَب ليفوز مِنْهَا بمطلب يُخَفف عَنهُ مُؤنَة الطّلب حَتَّى سمع عَن سجايا مَوْلَانَا الْكَرِيمَة مَا هُوَ ألطف من النسيم وَأحلى من الضَّرْب بل ألذ من منادمة الحبيب وَقد سلف الْمُحب سلاف الشنب فَمن مشبب بقصبات سبق مَوْلَانَا فِي الْفَضَائِل وَلَا تشبيب الْقصب وَمن متغن بل مستغن بِوَصْف شمائله عَن اطلَاع شموس(1/203)
الشُّمُول وبدور الحبب فثمل الْمَمْلُوك من سَماع هَذَا الذّكر الْجَمِيل حَتَّى مَاس عطفي من الطَّرب وَفِي حَان سكري حَان شكري لمولانا فَإِنَّهُ كَانَ فِي مسرتي السَّبَب وَلم تزل عرائس محامده تجلى ونفائس ممادحه تتلى حَتَّى رغب الْمَمْلُوك فِي خطْبَة عبوديته وَإِن لم يكن لَهُ أَهلا على صدَاق قلب صَادِق فِي وفائه واف فِي صدقه مخلص فِي صفائه يوالي الدُّعَاء وَيَدْعُو على الْوَلَاء ويديم الشُّكْر ويشكر على الآلاء وَقد أشهد الْمَمْلُوك ذَوي عدل على مَا ذكر وهما الْوَفَاء والصفاء وَإِن عزا فِي الْبشر وَحين أشهدهما كَانَ غير ساه وَلَا لاه فيرجو أَن يقوم بِمَا الْتزم وَأَن يُقِيمَا الشَّهَادَة لله على أَن يسكنهَا الْمَمْلُوك صميم فُؤَاده ويحلها مَحل النَّاظر من سوَاده وَيتبع أمرهَا اتِّبَاع الصّفة للموصوف ويمسكها مدى الزَّمَان بِمَعْرُوف فَإِن رأى جبر الْمَمْلُوك بِمَا لَهُ قصد وَإِلَيْهِ صَمد فليضرب صفحاً عَن كفاءة الْفَضَائِل الَّتِي بهَا قد انْفَرد فقد علم أَنه لم يكن فِيهَا كفوا أحد وَهل يُكَافِئ محليات الْعُقُود النفاثات فِي العقد أَو ينظم در السَّحَاب فِي حَبل من مسد أَو يُقَابل در السَّحَاب بلمع السراب والثمد لَكِن كرم عَادَة مَوْلَانَا وَعَادَة كرمه أَن لَا يرد حُرْمَة للقصد قَاصد حرمه لَا سِيمَا وطفيلي الْمحبَّة أَحمَق وفدان الْعِشْق كَمَا قيل مُطلق وَلَيْسَ الْمَمْلُوك على هَذَا المنهل العذب أول وَارِد فَيكون لحُرْمَة هَذَا الْقَصْد أحرم قَاصد لكنه يَرْجُو من الصَّدقَات الشَّرِيفَة الإسعاد والإسعاف وَأَن يكون جَوَابه الشريف مُقَدّمَة الزفاف لتقر عين الطّلب ببلوغ الأمنية وَيقوم سَماع المسرة بالنوبة الخليلية وتجلا عرائس البلاغة فِي حلل نفثاتها السحرية وتتلى نفائس البراعة بألحان نفحاتها السحرية فَيفتح لي إِلَى جنان الجناس بَابا ويزوج)
مبتكرات مَعَانِيه بأكفائها أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا فيجهر دَاعِي الْبركَة واليمن بالتأمين وَأجل سعد هَذَا الْجد عَن الرفاء والبنين وَيَطوف براحات الكؤوس لراحات النُّفُوس راحها ويبتديء باهداء أطباق الطباق صَلَاحهَا ثمار آدَاب قد انْتهى اصلاحها وأجلها عَن قَول بدا صَلَاحهَا فأرتع فِي رياضها وأكرع من حياضها واغترف من بحرها واعترف بحبرها واسمو بكتابها الْمحل الْأَسْنَى فأصير مكَاتبا بعد أَن كنت قِنَا وَتلك دَرَجَة لَا أطلب بعْدهَا التجاوز إِلَى التَّحْرِير وَلَا أكلف خاطره الشريف فِي الْمُكَاتبَة إِلَى التحبير والتحرير بل يَكْتَفِي الْمَمْلُوك بِأَدْنَى لمحة من ملحها وينتشي ببلالة قَطْرَة من قدحها وَالله تَعَالَى لَا يخلي مَوْلَانَا من نعْمَة يؤبدها ونعمة يؤيدها ومنة يجددها ومنة يشيدها وأمنية يسددها وسعادة يؤكدها وسيادة يولدها
فَكتبت الْجَواب إِلَيْهِ عَن ذَلِك الطَّوِيل
(أروض بكاه فِي الصَّباح غمام ... فغنت على الأغصان فِيهِ حمام)
(أم الْأُفق لاحت زهره وتلألأت ... فَأحْسن بِنور قد حواه ظلام)
(أم الشَّمْس حيتني بكأس رِسَالَة ... لَهَا الْمسك من فَوق الرَّحِيق ختام)
(أَتَتْنِي بدءا من كريم ممجد ... غَدا وَهُوَ فِي الْفضل التَّمام إِمَام)(1/204)
(فَقَبلتهَا شوقاً لفرط صبابتي ... وقابلها مني جوى وغرام)
(تجلت لطرفي فاجتليت محاسناً ... كَمَا شقّ عَن زهر الرياض كمام)
(وقصت على سَمْعِي حَدِيثا روته لي ... فشنف سَمْعِي الدّرّ وَهُوَ كَلَام)
(وَلما رَوَت رَوَت فُؤَادِي من الضنى ... وَلم يلقه من بعد ذَاك أوام)
(وناجت بِأَلْفَاظ فَقلت جَوَاهِر ... إِلَى أَن سبت عَقْلِي فَقلت مدام)
(ورقت حواشيها فَقلت شمائل ... إِلَى أَن أصابتني فَقلت سِهَام)
(وابدت من السحر الْحَلَال عجائباً ... وَمَا كل سحر فِي الْأَنَام حرَام)
(أثارت ريَاح الوجد فَهِيَ عواصف ... وأجرت دموع الْعين فَهِيَ سجام)
(وحاشى لما أبدته أَن يستميله ... ملال وَأَن يسري إِلَيْهِ ملام)
(أَلا يَا غزير الْفضل عَبدك قَاصِر ... وَفِي ذهنه عَمَّا يُرِيد سقام)
(وانشاؤه إِن شاءه لَا يَنَالهُ ... كَأَنِّي جفن الصب وَهُوَ مَنَام)
(وَأَيْنَ مَحل الشَّمْس مِمَّن يرومه ... لقد جلّ مَطْلُوب وَعز مرام)
)
(وَأَنت الَّذِي يمْلَأ الملا نور فَضله ... لِأَنَّك شمس والأنام قتام)
(فَلَيْسَ لشمس مذ أنرت إنارة ... وَلَيْسَ لبدر مذ تممت تَمام)
وَينْهى وُرُود المشرف الْكَرِيم فانتصب لَهُ قَائِما على الْحَال وتلقاه بِمَا يجب لَهُ من الإجلال وَوَضعه على الْعين وَالرَّأْس وَهَذِه غَايَة يعْتَقد أَنَّهَا مَا خلت من الْإِخْلَال ومتع طرفه بِتِلْكَ الطّرف والتحف بظلال هاتيك الْهَدَايَا الفاخرة والتحف وَدخل جنَّات سطورها فَرَأى مِنْهَا غرفاً مَبْنِيَّة من فَوْقهَا غرف
وأسرف فِي لثمها على أَنه لَا سرف فِي الشّرف وَعلم أَنه بِهَذَا الْجَواب أَحمَق فلولا إِضَافَة الود الصادقة إِلَيْهِ لما انْصَرف الطَّوِيل
(وَفِي تَعَبٍ من يحسُدُ الشمسَ ضوءها ... ويزعُمُ أَن يَأْتِي لَهَا بضريب)
فَالله يوزع الْمَمْلُوك شكر هَذِه النِّعْمَة الْبَادِيَة والمانة الَّتِي هِيَ فِي الصُّورَة هَدِيَّة وَفِي الْمَعْنى إِلَى الصَّوَاب هادية ويمتع الْوُجُود بِهَذِهِ الْكَلم الَّتِي تَطوف على الأسماع بكؤوس المدام والأسجاع الَّتِي هِيَ عِنْدِي در وَعند النَّاس كَلَام وَعين الله على هَذِه الْفَضَائِل الَّتِي أخملت الخمائل وحققت فضل الْأَوَاخِر على الْأَوَائِل وَإِن كَانَ فيهم سحبان وَائِل وَقد عطفها الْمَمْلُوك على خدمَة إِلَى الْمولى شمس الدّين مُحَمَّد بن الخراز الَّذِي يعجز عَن نَقله حَمَّاد الرِّوَايَة أطلع الله شمسه بأفقها وَأَعَادَهُ إِلَى بَلَده الَّتِي عَامل جلق بِخلق لَا يَلِيق بخقلها وَلَا خلقهَا وعَلى كل حَال فجبر مَوْلَانَا لألم انْفِرَاده طَبِيب وَهُوَ فِي بلد مَوْلَانَا غَرِيب كَمَا أَن مَوْلَانَا فِي الْإِحْسَان غَرِيب الْخَفِيف
(يَا غَرِيب الصِّفات حقَّ لمن كَا ن غَرِيبا أَن يرحم الغرباء)(1/205)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ فِي أَوَاخِر صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بِدِمَشْق المحروسة يمدح سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَسِيط
(جوانحي لسواكم قطّ مَا جنحت ... فَمَا لَهَا جرحت من غير مَا اجترحت)
(أهكذا كل صب بَاعَ مهجته ... فِي حبكم غير برح الشوق مَا ربحت)
(ضَاقَتْ لبينكم الدُّنْيَا بِمَا رَحبَتْ ... على حشى من جوى التبريح مَا بَرحت)
(فيا لنَفس على جمر الغضا سحبت ... ومقلة فِي بحار الدمع قد سبحت)
(قرت بقربكم حينا وَقد فرحت ... لَكِنَّهَا الْيَوْم بعد الْبعد قد قرحت)
(رامت برامة كتمان الغرام فمذ ... بدا لَهَا ريمها فِي دمعها افتضحت)
(رَأَتْ مسارح غزلان النقا سنحت ... بَين الرياض وورق الأيك قد صدحت)
(رَأَتْ قباب الَّذِي فِي كَفه نطقت ... صم الْحَصَا وعيون المَاء قد سرحت)
)
(الْهَاشِمِي الَّذِي لَو نَفسه وزنت ... بالأنبياء وأملاك السما رجحت)
(لولاه مَا طلعت شمس وَلَا غربت ... كلا وَلَا دحيت أَرض وَلَا سطحت)
(وَلَا السَّمَاء سمت وَلَا الْجبَال رست ... وَلَا الْبحار طمت وَلَا الصِّبَا نفحت)
(وَلَا الْحَيَاة حلت وَلَا الغيوث هَمت ... وَلَا الْجنان زهت وَلَا لظى لفحت)
(أنوار غرته لَو أَنَّهَا لمحت ... لوح الدجى إِذْ سجى مسوده لمحت)
(وَإِن بدا مطرقاً للرأس من خفر ... تخال عذراء من فرط الحيا أتشحت)
(تبدي أساريره معنى سرائره ... فِي النَّفس إِن فرحت يَوْمًا وَإِن ترحت)
(عوذت بِاللَّيْلِ إِذْ يغشى ذوائبه ... وفرقه بالضحى وَالشَّمْس إِذْ وضحت)
(من قَاس بالمزن جدوى راحتيه فقد ... أَخطَأ الْقيَاس فروق الْفضل قد وضحت)
(يَدَاهُ بالدر تجدي وَهُوَ مبتسم ... والسحب تبْكي وتجدي الدّرّ إِن سمحت)
(يمناه مَا صفحت لسائل منحاً ... وَكم عَن المذنب الخطاء قد صفحت)
(فكم فدت وودت وأوجلت وجلت ... وأوكست وكست وأثبتت ومحت)
(ودارساً عمرت وعامراً درست ... وبائساً رحمت وفارساً رمحت)
(وَكم لهى فتحت بِالْحَمْد إِذْ منحت ... لهى بهَا سمحت وَكم ندى رشحت)
(وقيدت نعما وأطلقت نعما ... وقلدت مننا ومائنا نصحت)
(وَكم شفت عللا وَكم رَوَت غللا ... وَكم هدت سبلاً لولاه مَا فتحت)
(وَكم لِأَحْمَد خير الْخلق من شيم ... كشامة لمحت فِي وجنة ملحت)
(عدل وحلم وأغضاء ومرحمة ... وعفة وغني نفس بِهِ منحت)(1/206)
(وعزمة كالمنايا للعدي حطمت ... وهمة للدنايا قطّ مَا طمحت)
(وَكم مراض قُلُوب حِين عالجها ... باللطف صحت وَمن سكر الضلال صحت)
(مَا قدر مدحي سجاياه وَقد حمدت ... لَدَى الزبُور وَفِي الْقُرْآن قد مدحت)
(وَالله أقسم فِي الذّكر الْحَكِيم لنا ... بالعاديات الَّتِي من خيله ضبحت)
(وبالمغيرات صبحاً من مراكبه ... الموريات شرار النَّار قد قدحت)
(صلى عَلَيْهِ إِلَه الْعَرْش مَا عذبت ... أمداحه لمحبيه وَمَا ملحت)
(ثمَّ الصَّلَاة على الْأَصْحَاب كلهم ... والآل أعداد قطر السحب إِذْ سفحت)
)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْخَفِيف
(نَالَ أَعلَى مَرَاتِب الْمجد من لَا ... كَانَ يدْرِي بِهِ وَلَا بمكانه)
(بجميل الْجوَار مَعَ كرم النَّفس ... وعرفانه بِأَهْل زَمَانه)
(وتعام عَن الْعُيُوب وزهد ... فِي مَتَاع يفنى وَحفظ لِسَانه)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الطَّوِيل
(إِذا جرت الصَّهْبَاء مَا يرفع الحيا ... بِنصب شباك صيدها يحرم التَّقْوَى)
(فَمن شرعهم فِي الصحو محو الَّذِي جرى ... وَإِن بِسَاط الْبسط يطوى وَلَا يرْوى)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ السَّرِيع
(ومنكر قتل شَهِيد الْهوى ... وَوَجهه يُنبئ عَن حَاله)
(اللَّوْن لون الدَّم فِي خَدّه ... وَالرِّيح ريح الْمسك من خَاله)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ مجزوء الرمل
(قَالَ لي سَاحر طرف ... كم سبى من متنسك)
(إِن طرفِي قد تنبي ... أَفلا تنجو بِنَفْسِك)
(قلت مَا آيَة هَذَا ... قَالَ فِي العشاق يسفك)
(قلت يُنجي الله مِنْهُ ... قَالَ هَيْهَات لمثلك)
(قلت فَأمرنِي برشد ... وَهدى اسْمَع لأمرك)
(قَالَ وحد عشق حسني ... وَاحْذَرْ التَّشْرِيك تشرك)
(ثمَّ صدق سحر طرفِي ... لَا تكذبه فتهلك)
(قلت لَا أومن دَعْنِي ... أصطلي فِي نَار خدك)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْبَسِيط
(قد كنت أعشق ورد الخد لَيْسَ لَهُ ... ثَان وَلَا لغرامي فِيهِ من ثَان)(1/207)
(فَكيف لَا أتغالي فِي محبته ... وَورد خديه قد حفا بريحان)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ مجزوء الرمل
(قَالَ محبوبي بقدي ... وبخدي وبنهدي)
(صف لي خَالِي فَوق خدي ... قلت لَا ينْهض جدي)
)
(قَالَ شبهه بحقي ... قلت لَا يُشْرك وجدي)
(قَالَ مثله ودع ذَا ... قلت يَا غَايَة قصدي)
(هُوَ وَالله وحيد ... جلّ عَن مثل وند)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْخَفِيف
(يَا مضيعاً للْعهد والود غدراً ... ومريداً بِجهْدِهِ التفريقا)
(إِن أَطَعْت الْعَدو فِينَا فَإنَّا ... قد عصينا فِيك الصّديق الصدوقا)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْكَامِل
(أفدى الَّذين تحكموا بحشاشتي ... أصلوا بهَا نَار الغرام وأججوا)
(باعوا فُؤَادِي بالهوان زهادة ... وَعَلِيهِ فِي سوق المذلة حرجوا)
(مَا كنت أَحسب أَن قدري عِنْدهم ... هَذَا وَلَا ودي لديهم يسمج)
(لكِنهمْ لم يظلموني الذَّنب لي ... فِي مثل صحبتهم وَمَا أَنا أهوج)
(لكنما عين الْمحبَّة أكمه ... وَلَقَد نشبت بهم فَكيف الْمخْرج)
(لَا ودهم يصفو وَلَا رسم الْهوى ... يعْفُو وَلَا عني الهموم تفرج)
(ضَاعَت مَفَاتِيح السلو جَمِيعهَا ... مني وَبَاب الْعِشْق بَاب مرتج)
3 - (السفاقسي الْمَالِكِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد الإِمَام الْفَاضِل شمس الدّين السفاقسي وَيَأْتِي ضَبطه فِي تَرْجَمَة أَخِيه ابراهيم كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ رحمهمَا الله تَعَالَى مالكيين وهما من فضلاء الْمَالِكِيَّة حضر شمس الدّين هَذَا إِلَى دمشق وَأَنا بهَا ورأيته شكلاً تَاما حسنا مليح الْوَجْه أَظُنهُ لم يبلغ الْأَرْبَعين وَأقَام بِدِمَشْق بعض سنة أَو أَكثر واقرأ النَّاس بالجامع الْأمَوِي ثمَّ توجه إِلَى حلب فحظي بَين الحلبيين وتصدر هُنَاكَ وَأفَاد وَولي وظائف وَلم تطل الْمدَّة حَتَّى توفّي رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة اثنى عَلَيْهِ الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ ثَنَاء كثيرا وَقَالَ لَهُ على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب بعض شرح وَشرح قصيدة ابْن الْحَاجِب فِي الْعرُوض
3 - (شمس الدّين ابْن نَبَاته)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن)
الشَّيْخ شمس الدّين ابْن نَبَاته الفارقي الْمصْرِيّ هُوَ وَالِد الشَّاعِر الناثر جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة يَأْتِي تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة وَلَده مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ثَلَاثَة فِي مَكَانَهُ هَذَا الشَّيْخ شمس الدّين من أَشْيَاخ الحَدِيث بِدِمَشْق سَاكن(1/208)
خير قَلِيل الْكَلَام ينْفق كل مَا يحصل لَهُ على أحفاده أَوْلَاد وَلَده جمال الدّين يُبَاشر شَهَادَة الْخَاص وَقت الْقسم بدومة وداريا وَكَانَ فِي مصر شَاهدا بديوان الجاشنكير بيبرس ولد بِمصْر سنة سِتّ وَسِتِّينَ وست مائَة سمع من الْعِزّ الْحَرَّانِي وَابْن خطيب المزة وغازي الحلاوي وَأبي بكر مُحَمَّد بن اسماعيل بن الْأنمَاطِي وَغَيرهم وَله سكن بالظاهرية بِدِمَشْق أجَاز لي بخطِّه فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَتَوَلَّى دَار الحَدِيث النورية بعد الشَّيْخ زين الدّين ابْن الْمزي وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ثَانِي صفر سنة خمسين وَسبع مائَة
3 - (ابْن ميناء)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ميناء الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل شمس الدّين البعلبكي الشَّافِعِي سمع من الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَمن عِيسَى الْمطعم وَغَيرهمَا وَقَرَأَ الْفِقْه وبرع فِيهِ وناظر وَأفْتى وَتوجه إِلَى بَغْدَاد وَأعَاد بالنظامية فِيمَا قيل وَعَاد إِلَى الشَّام وَكَانَ الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني رَحمَه الله يثني على ذهنه وَكَانَ على ذهنه إشكالات فِي الْمَذْهَب وشكوك فِي غير الْفِقْه وَكَانَ ينحرف كثيرا وَتَوَلَّى قَضَاء الإقليم بِدِمَشْق وَمَا كَانَ يَخْلُو من تعبد وَخلف لما توفّي رَحمَه الله دنيا صَالِحَة ووصى بِثلث مَاله أَن يصرف على فُقَرَاء الْفُقَهَاء كل إِنْسَان عشرَة دَرَاهِم وَكَانَ مُقيما بالرواحية وَكتب عني شَيْئا وَكَانَ يُعجبنِي ذهنه وَحَدِيثه وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي طاعون دمشق فِي شهر رَجَب الْفَرد سنة تسعٍ وَأَرْبَعين وَسبع مائَة فِي حُدُود الْخمسين
3 - (مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن قوام)
توفّي بكرَة الْجُمُعَة سادس عشر الْمحرم سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَدفن بزاوية جده
3 - (ابْن محمش)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن محمش بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة على وزن مَسْجِد ابْن عَليّ بن دَاوُد الْفَقِيه أَبُو طَاهِر الزيَادي الشَّافِعِي الأديب كَانَ أَبوهُ من أَعْيَان الْعباد وَأما أَبُو طَاهِر فَكَانَ أَمَام أَصْحَاب الحَدِيث بنيسابور وفقيههم ومفتيهم بِلَا مدافعة وَكَانَ متبحرا فِي الشُّرُوط وصنف فِيهِ وَله معرفَة تَامَّة بِالْعَرَبِيَّةِ)
وَحدث بعلو فِي الثقفيات وَتُوفِّي سنة أَربع مائَة
3 - (الْوَزير عميد الدولة ابْن جهير)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن جهير الْوَزير عميد الدولة أَبُو مَنْصُور ابْن الْوَزير فَخر الدولة الْمُتَقَدّم ذكره وزر فِي أَيَّام وَالِده وخدم ثَلَاثَة خلفاء وَلما احْتضرَ الْقَائِم أوصى بِهِ وَلَده المقتدى ثمَّ أَنه عزل بِأبي شُجَاع ثمَّ عَاد إِلَى الوزارة ونظم فِيهِ ابْن الهبارية الْبَيْتَيْنِ السائرين وذكرتهما فِي تَرْجَمَة وَالِده وَبَقِي فِيهَا تِسْعَة أَعْوَام وَكَانَ خَبِيرا كَافِيا مُدبرا فصيحاً مفوها مترسلا وَله هَيْبَة وَسُكُون وكلماته مَعْدُودَة كلم يَوْمًا لولد أبي نصر ابْن الصّباغ فَقَالَ لَهُ اشْتغل وادأب وَإِلَّا كنت صباغاً بِغَيْر أَب فَلَمَّا قَامَ من الْمجْلس جَاءَ النَّاس إِلَى ابْن الصّباغ للهناء لكَون الْوَزير كَلمه وَله ترسل حسن وتواقيع وجيزة وَله شعر أَيْضا وَكَانَت لَهُ رئاسة وسياسة وَهُوَ من الوزراء الممدحين قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب مدحه عشرَة آلَاف شَاعِر وَيُقَال أَنه مدح بِمِائَة ألف بَيت شعر وَمن شعرائه مَسْعُود بن الْعَلَاء الْمَعْرُوف بِابْن الخبار وَمن مدحه فِيهِ من جملَة قصيدة الْبَسِيط(1/209)
(مجرب الرَّأْي يقظان البصيرة هج ام الْعَزِيمَة قوام الْبَرَاهِين)
(يُرِيك فِي الدست أطراقاً وهيبته ... من الصَّعِيد إِلَى أقطار جيحون)
(للحمد سوق لَدَيْهِ غير كاسدة ... وللمدائح أجر غير ممنون)
وَآخر أمره آل إِلَى أَن حَبسه الْخَلِيفَة المستظهر فِي دَاره واستصفى أَمْوَاله وأموال من يلوذ بِهِ من الْعمَّال والنواب وَأخرج مَيتا فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مائَة وَحمل إِلَى دَاره فَغسل فِيهَا وَدفن بالتربة الَّتِي استجدها فِي قراح ابْن رزين وَمنع أَصْحَاب الدُّيُون الَّتِي عَلَيْهِ من دَفنه فِي التربة وَقَالُوا هَذِه ملكه وَلم يَصح وَقفهَا ثمَّ عجزوا عَن إبِْطَال ذَلِك وَقيل أَن المستظهر أَدخل عميد الدولة ابْن جهير حَماما وَسمر عَلَيْهِ الْبَاب إِلَى أَن مَاتَ فِيهِ وَأخرج للشُّهُود ليشهدوا أَنه لَيْسَ فِيهِ أثر قتل ليقال أَنه مَاتَ حتف أَنفه وَدخل فِي جملَة الشُّهُود أَخُوهُ الْكَافِي فصاح يَا أخي يَا أَبَا مَنْصُور قتلوك وَجعل يُرَدِّدهَا دفعات فَقيل أَن خمس مائَة خَادِم خلعوا مداساتهم وخفافهم وصفعوه بهَا فَوَقع مَيتا وَلم يسمع بِمن مَاتَ هَذِه الْميتَة
3 - (الطَّالقَانِي الصُّوفِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
أَبُو عبد الله الطَّالقَانِي الصُّوفِي سَافر الْبِلَاد وَسمع الْكثير وَسكن صور إِلَى أَن مَاتَ بهَا فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة عَن ثَمَانِينَ سنة وَمن رواياته عَن أبي عبد الرَّحْمَن السلمى عَن مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِيّ عَن أبي الْحُسَيْن النوري قَالَ رَأَيْت غُلَاما جميلاً بِبَغْدَاد فَنَظَرت إِلَيْهِ ثمَّ أردْت أَن أكرر النّظر فَقلت يلبسُونَ النِّعَال الصرارة ويمشون فِي الطرقات فَقَالَ الْغُلَام أَحْسَنت أتجمش بِالْعلمِ ثمَّ أنشأ يَقُول الطَّوِيل
(تَأمل بِعَين الْحق إِن كنت نَاظرا ... إِلَى صفة فِيهَا بَدَائِع فاطر)
(وَلَا تعط حَظّ النَّفس مِنْهَا ... وَكن نَاظرا بِالْحَقِّ قدرَة قَادر)
3 - (أَبُو مَنْصُور العكبري)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو مَنْصُور العكبري كَانَ فَاضلا فصيحاً صَدُوقًا يحاضر بالحكايات المستحسنة والأناشيد الظريفة من انشاداته الوافر
(أطيل الْفِكر مني فِي أنَاس ... مضوا عَنَّا وَفِي من خلفونا)
(هم الْأَحْيَاء بعد الْمَوْت ذكرا ... وَنحن من الخمول الميتونا)
(لذَلِك قد تعاطيت التَّجَافِي ... وَأَن خلائقي كَالْمَاءِ لينًا)
(وَلم أبخل بصحبتهم لأمر ... وَلَكِن هَات قوما يصحبونا)
وَيقرب من هَذَا قَول البارع من أَبْيَات الْخَفِيف
(لَا لِأَنِّي أنفت مَعَ ذَا من الكد ... ية أَيْن الْكِرَام حَتَّى أكدي)
وَقَول شَاعِر الحماسة الْكَامِل // الْمدْخل طَارق غَنَّام اسْم الْكتاب الوافي بالوفيات الْجُزْء الأولالمؤلف صَلَاح الدّين الصَّفَدِي(1/210)
(خلت الديار فَسدتْ غير مسود ... وَمن العناء تفردي بالسودد)
وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله قَول لبيد الْكَامِل
(ذهب الَّذين يعاش فِي أَكْنَافهم ... وَبقيت فِي خلف كَجلْد الأجرب)
كَانَت ولادَة أبي مَنْصُور فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة ووفاته بِبَغْدَاد فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبع مائَة
3 - (الْغَزالِيّ)
)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد حجَّة الْإِسْلَام زين الدّين أَبُو حَامِد الطوسي الْفَقِيه الشَّافِعِي لم يكن فِي آخر عصره مثله اشْتغل فِي مبدأ أمره بطوس على أَحْمد الرادكاني ثمَّ قدم نيسابور وَاخْتلف إِلَى دروس أَمَام الْحَرَمَيْنِ وجد فِي الِاشْتِغَال حَتَّى تخرج فِي مُدَّة قريبَة وَصَارَ من الْأَعْيَان فِي زمن استاذه وصنف وَلم يزل يلازمه إِلَى حِين وَفَاته فَخرج إِلَى الْعَسْكَر وَلَقي نظام الْملك فَأكْرمه وعظمه وَكَانَ بِحَضْرَة الْوَزير جمَاعَة من الْفُضَلَاء فناظروه وَظهر عَلَيْهِم واشتهر اسْمه وَسَار بِذكرِهِ الركْبَان الطَّوِيل
(فَسَار بِهِ من لَا يسير مشمراً ... وغنى بِهِ من لَا يُغني مغردا)
وفوض إِلَيْهِ الْوَزير تدريس النظامية وعظمت حشمته بِبَغْدَاد حَتَّى علت على الْأُمَرَاء والكبار وأعجب بِهِ أهل الْعرَاق ثمَّ أَنه ترك جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مائَة وسلك طَرِيق التزهد والانقطاع وَحج فَلَمَّا رَجَعَ توجه إِلَى الشَّام فَأَقَامَ فِي مَدِينَة دمشق مُدَّة يذكر الدُّرُوس فِي زَاوِيَة الْجَامِع الْمَعْرُوفَة الْآن بِهِ فِي الْجَانِب الغربي ثمَّ توجه إِلَى الْقُدس واجتهد فِي الْعِبَادَة وزيارة الْمشَاهد والمواضع المعظمة ثمَّ قصد مصر وَأقَام بالاسكندرية مُدَّة وَيُقَال أَنه عزم مِنْهَا على ركُوب الْبَحْر للاجتماع بالأمير يُوسُف ابْن تاشفين صَاحب مراكش لما بلغه مِنْهُ من محبَّة أهل الْعلم والإقبال عَلَيْهِم فَبَلغهُ نعى الْمَذْكُور فَعَاد إِلَى وَطنه بطوس وصنف بهَا كتبا نافعة ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور وألزم بتدريس النظامية بعد معاودات ثمَّ ترك ذَلِك وَأقَام بوطنه وَاتخذ خانقاه للصوفية ومدرسة للمشتغلين بِالْعلمِ فِي جواره ووزع أوقاته على وظائف الْخَيْر من ختم الْقُرْآن ومجالسة أهل الْقُلُوب وَأما مصنفاته فَمِنْهَا كتاب أَحيَاء عُلُوم الدّين وَهُوَ من أجل الْكتب وَأَعْظَمهَا حَتَّى قيل فِيهِ أَنه لَو ذهبت كتب الْإِسْلَام وَبَقِي الْأَحْيَاء لأغنى عَمَّا ذهب وَأول مَا دخل إِلَى الغرب أَنْكَرُوا فِيهِ أَشْيَاء وصنفوا عَلَيْهِ الْإِمْلَاء فِي الرَّد على الْأَحْيَاء قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ قد جمعت أغلاط الْكتاب وسميته أَعْلَام الْأَحْيَاء بأغلاط الْأَحْيَاء وأشرت إِلَى بعض ذَلِك فِي كتابي تلبيس إِبْلِيس وَقَالَ سبطه أَبُو المظفر وَضعه على مَذَاهِب الصُّوفِيَّة وَترك فِيهِ قانون الْفِقْه كَمَا ذكر فِي مجاهدة النَّفس إِن رجلا أَرَادَ محو جاهه فَدخل الْحمام فَلبس ثِيَاب غَيره(1/211)
ثمَّ لبس ثِيَابه فَوْقهَا وَخرج يمشي على مهل حَتَّى لحقوه فَأَخَذُوهَا مِنْهُ فَسمى سَارِق الْحمام وَذكر مثل هَذَا على سَبِيل التَّعْلِيم للمريدين)
وَهَذَا قَبِيح لإنه مَتى كَانَ للحمام حَافظ وسرق مِنْهُ سَارِق قطع ثمَّ لَا يحل لمُسلم أَن يتَعَرَّض لأمر يؤثم النَّاس بِهِ فِي حَقه وَذكر أَن رجلا اشْترى لَحْمًا فَرَأى فِي نَفسه أَنه يستحي من حمله إِلَى بَيته فعلقه فِي عُنُقه وَهَذَا فِي غَايَة الْقبْح وَمثله كثير انْتهى وأنكروا عَلَيْهِ مَا فِيهِ من الْأَحَادِيث الَّتِي لم تصح وَمثل هَذَا يجوز فِي التَّرْغِيب والترهيب وَالْكتاب غَايَة فِي النفاسة وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين يَقُول كَانَ الله جمع الْعُلُوم فِي قبَّة وأطلع الْغَزالِيّ عَلَيْهَا أَو كَمَا قَالَ وَمن مصنفاته الْبَسِيط والوسيط وَهُوَ عديم النظير فِي بَابه من حسن ترتيبه وتهذيبه وَعَلِيهِ الْعُمْدَة الْآن فِي إِلْقَاء الدُّرُوس وَالْوَجِيز وَالْخُلَاصَة هَذِه الْأَرْبَع فِي الْفِقْه قَالَ بَعضهم فِيهَا
(مجزوء الْكَامِل هذب الْمَذْهَب حبر ... أحسن الله خلاصه)
(ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه)
وَيُقَال لنه قيل لَهُ مَا عملت شَيْئا أخذت الْفِقْه من كَلَام شيخك فِي نِهَايَة الْمطلب وَالتَّسْمِيَة لكتبك من الواحدي وَيُقَال أَن نِهَايَة الْمطلب لإِمَام الْحَرَمَيْنِ كَانَت زبر حَدِيد فَجَعلهَا الْغَزالِيّ زبر خشب وَمن مصنفاته الْمُسْتَصْفى فِي أصُول الْفِقْه والمنخول واللباب وبداية الْهِدَايَة وكيمياء السَّعَادَة والمآخذ والتحصين والمعتقد والجام الْعَوام وَالرَّدّ على الباطنية ومقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة وجواهر الْقُرْآن والغاية القصوى وفضائح الأباحية وغور الدّور والمنتخل فِي علم الجدل ومعيار الْعلم والمضنون بِهِ على غير أَهله وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى ومشكاة الْأَنْوَار والمنقذ من الضلال والقسطاس الْمُسْتَقيم وَحَقِيقَة الْقَوْلَيْنِ وَأورد ابْن السَّمْعَانِيّ من نظمه قَوْله الْكَامِل
(حلت عقارب صُدْغه من وَجهه ... قمراً فجل بِهِ عَن التَّشْبِيه)
(وَلَقَد عهدناه يحل ببرجها ... وَمن الْعَجَائِب كَيفَ حلت فِيهِ)
وَأورد لَهُ الْعِمَاد الْكَاتِب فِي الخريدة قَوْله الْكَامِل
(هبني صبوت كَمَا ترَوْنَ بزعمكم ... وحظيت مِنْهُ بلثم خد أَزْهَر)
(إِنِّي اعتزلت فَلَا تلوموا أَنه ... أضحى يقابلني بِوَجْه أشعري)(1/212)
وَأورد لَهُ ابْن النجار الْكَامِل
(فقهاؤنا كذبالة النبراس ... هِيَ فِي الْحَرِيق وضؤوها للنَّاس)
(خبر ذميم تَحت رائق منظر ... كالفضة الْبَيْضَاء تَحت نُحَاس)
وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمسين وَأَرْبع مائَة وَقيل سنة إِحْدَى وَخمسين بالطابران وَتُوفِّي يَوْم)
الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمْس مائَة بالطابران ورثاه أَبُو المظفر مُحَمَّد الأبيوردي بِأَبْيَات فائية مِنْهَا الْبَسِيط
(مضى وَأعظم مَفْقُود فجعت بِهِ ... من لَا نَظِير لَهُ فِي النَّاس يخلفه)
وتمثل الإِمَام اسماعيل الحاكمي بعد وَفَاته بقول أبي تَمام الطَّائِي الطَّوِيل
(عجبت لصبري بعده وَهُوَ ميت ... وَكنت امْرَءًا أبكى دَمًا وَهُوَ غَائِب)
(على أَنَّهَا الْأَيَّام قد صرن كلهَا ... عجائب حَتَّى لَيْسَ فِيهَا عجائب)
وَدفن بالطابران وَهِي قَصَبَة طوس وَقيل أَنه قَالَ فِي بعض مصنفاته ونسبني قوم إِلَى الغزال وَإِنَّمَا أَنا الْغَزالِيّ نِسْبَة إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا غزالة بتَخْفِيف الزَّاي وَالله أعلم
3 - (قَاضِي النعمانية)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن حَامِد بن عمر بن بنيق أَبُو تَمام من أهل النعمانية كَانَ قَاضِيا بهَا وَقدم بَغْدَاد وَسمع من أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْمسلمَة وَأبي بكر الْخَطِيب وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو السعادات الْمُبَارك ابْن الْحُسَيْن بن نعوبا وَأَبُو طَاهِر السلَفِي
3 - (أَبُو الْغَنَائِم المعوج)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن السكن أَبُو الْغَنَائِم ابْن أبي مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن المعوّج من أهل بَاب الْمَرَاتِب حدّث عَن الشريف أبي نصر الزَّيْنَبِي وَسمع مِنْهُ أَبُو بكر بن كَامِل وَأخرج عَنهُ حَدِيثا فِي مُعْجم شُيُوخه
3 - (أَبُو نصر العكبرى)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عبد الْعَزِيز بن مهْرَان أَبُو مَنْصُور ابْن أبي نصر العكبري من أَوْلَاد الْمُحدثين حدث هُوَ وَأَبوهُ وجده وَأَبُو جده وَذكرهمْ الْخَطِيب فِي تَارِيخه وَأَبُو مَنْصُور هَذَا اسْمَعْهُ أَبوهُ من أبي الطّيب طَاهِر الطَّبَرِيّ وَأبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَغَيرهمَا وَحدث باليسير بِبَغْدَاد وعكبرا روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَأَبُو بكر الْمُبَارك الْخفاف وَتُوفِّي سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس مائَة
3 - (أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ)
)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عمر أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ من أهل بَاب الْبَصْرَة حدث عَن أبي طَاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الصَّقْر الْأَنْبَارِي وَسمع مِنْهُ أَبُو بكر بن الْمُبَارك الْخفاف وَأخرج عَنهُ حَدِيثا فِي مُعْجم شُيُوخه
3 - (أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَيْضَاوِيّ أَبُو عبد الله سبط القَاضِي أبي الطّيب طَاهِر الطَّبَرِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا شافعياً قَالَ عبد الْملك بن ابراهيم الهمذاني الفرضي لم أر أذكي مِنْهُ ترسل إِلَى غزنة بِسَبَب بيعَة المقتدى وَحدث بهراة عَن جمَاعَة وَكَانَ سرياً جميلاً توفّي سنة سبعين وَأَرْبع مائَة(1/213)
3 - (البروي الشَّافِعِي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن سعيد بن عبد الله أَبُو مَنْصُور الْفَقِيه الشَّافِعِي البروي بالراء أحد الْأَئِمَّة الْمَشَاهِير الْمشَار إِلَيْهِ بالتقدم فِي النّظر وَعلم الْكَلَام وَالْفِقْه والوعظ وَكَانَ حُلْو الْعبارَة فصيحها تفقه على الْفَقِيه مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي صَاحب الْمُحِيط فِي شرح الْوَسِيط وَكَانَ من أكبر أَصْحَابه صنف فِي الْخلاف تعليقة جَيِّدَة والمقترح فِي المصطلح وَهُوَ مليح فِي الجدل وَشَرحه تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح مَنْصُور بن عبد الله الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بالمعتز شرحا مُسْتَوْفِي وَعرف بِهِ فَلَا يُقَال شرح التقي الْمصْرِيّ دخل البروي إِلَى بَغْدَاد سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وصادف قبولاً من الْعَام وَالْخَاص وَتَوَلَّى الْمدرسَة البهائية قَرِيبا من النظامية وَيذكر بهَا كل يَوْم عدَّة دروس ويحضره الْخلق وَله حَلقَة المناظرة بِجَامِع الْقصر ويحضر عِنْده المدرسون والأعيان وَيظْهر عَلَيْهِ من الحركات مَا يدل على رغبته فِي تدريس النظامية وَكَانَ ينشد فِي أثْنَاء مَجْلِسه مُشِيرا إِلَى مَوضِع التدريس قَول أبي الطّيب الْبَسِيط
(بَكَيْت يَا ربع حَتَّى كدت أبكيكا ... وجدت بِي وبدمعي فِي مغانيكا)
الأبيات الثَّلَاثَة وَيفهم النَّاس عَنهُ ذَلِك وَكَانَ قدم دمشق وَنزل فِي رِبَاط الشميساطي وَقُرِئَ عَلَيْهِ هُنَاكَ شَيْء من أَمَالِيهِ وَكَانَت وِلَادَته يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر ذِي الْحجَّة سنة سبع عشرَة وَخمْس مائَة بطوس وَتُوفِّي سادس عشر شهر رَمَضَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة بِبَغْدَاد وَصلى عَلَيْهِ المستضيء يَوْم الْجُمُعَة بقصر الْخَلِيفَة وَدفن بِبَاب أبرز من تربة الشَّيْخ أبي اسحاق الشِّيرَازِيّ وَكَانَ)
يُبَالغ فِي ذمّ الْحَنَابِلَة وَقَالَ لَو كَانَ لي أَمر لوضعت عَلَيْهِم الْجِزْيَة فَجَاءَتْهُ امْرَأَة فِي اللَّيْل بِصَحْنِ حلوى قَالَت أَنا أعزل وأبيعه وَقد اشْتريت هَذَا الصحن وَهُوَ حَلَال وَأُرِيد أَن يَأْكُل الشَّيْخ مِنْهُ فَأَكله هُوَ وَزَوجته وَولد لَهُ صَغِير فَأَصْبحُوا موتى
3 - (ركن الدّين العميدي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد وَقيل أَحْمد ركن الدّين أَبُو حَامِد الْحَنَفِيّ السَّمرقَنْدِي الْمَعْرُوف بالعميدي كَانَ إِمَامًا فِي الْخلاف وخصوصا الجست وَهُوَ أول من أفرده بالتصنيف وَمن تقدمه كَانَ يمزجه بِخِلَاف الْمُتَقَدِّمين واشتغل فِيهِ على رضى الدّين النَّيْسَابُورِي وَهُوَ أحد الْأَركان الْأَرْبَعَة لإنهم اشتغلوا على الشَّيْخ الْمَذْكُور وكل مِنْهُم لقبه ركن الدّين وهم الطاوسي وركن الدّين زادا والعميدي هَذَا وصنف العميدي الْإِرْشَاد فاعتنى بشرحه جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي شمس الدّين الخويي قَاضِي دمشق وأوحد الدّين قَاضِي منبج وَنجم الدّين المرندي وَبدر الدّين المراغي عرف بالطويل وَغَيرهم وصنف الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة بأيدي النَّاس والنفائس وَاخْتَصَرَهُ القَاضِي شمس الدّين الخويي أَيْضا وَسَماهُ عرائس النفائس وصنف أَشْيَاء أُخْرَى مستملحة واشتغل عَلَيْهِ خلق كثير وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم نظام الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ جمال الدّين أبي الْمُجَاهِد مَحْمُود الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالحصيري صَاحب الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة وَكَانَ العميدي كريم الْأَخْلَاق كثير التَّوَاضُع طيب المعاشرة توفّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس(1/214)
عشرَة وسِتمِائَة ببخارى
3 - (الْأَثِير ابْن بنان الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن بنان الْأَنْبَارِي أَبُو طَاهِر ابْن أبي الْفضل الْكَاتِب من أهل مصر وَأَصله من الأنبار قَرَأَ الْأَدَب وَسمع الحَدِيث وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا مهيباً عَالما أديباً كَاتبا بليغاً يكْتب الْخط الْحسن وَيَقُول الشّعْر الْجيد ويترسل فِيهِ مفاكهة ودماثة أَخْلَاق قدم بَغْدَاد رَسُولا مَعَ قافلة الْحَاج من مَكَّة من جِهَة سيف الْإِسْلَام طغتكين أخي صَلَاح الدّين من الْيمن فَأنْزل بِبَاب الأزج وَأكْرم مثواه وَحدث بِكِتَاب الصِّحَاح فِي اللُّغَة للجوهري عَن أبي البركات مُحَمَّد بن حَمْزَة بن الغرقي عَن أبي الْقَاسِم بن القطاع عَن أبي بكر ابْن الْبر التَّمِيمِي عَن أبي اسماعيل بن عَبدُوس عَن الْجَوْهَرِي وبالسيرة النَّبَوِيَّة لعبد الْملك بن هِشَام عَن وَالِده عَن أبي إِسْحَاق ابراهيم بن عبد الله بن سعيد الحبال سمع مِنْهُ أَبُو الْفتُوح ابْن الحصري وَأَبُو الْقَاسِم الْمُبَارك بن أنوشتكين الْجَوْهَرِي الْعدْل ولد سنة سبع وَخمْس مائَة بِمصْر وَتُوفِّي بهَا سنة سِتّ)
وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَدفن بالقرافة لَهُ كتاب تَفْسِير الْقُرْآن الْمجِيد وَكتاب المنظوم والمنثور فِي مجلدين وَمن نظمه وَقد رأى بَعضهم وَقد كتب وَكتب فلَان بِخَط يَده فَقَالَ الْكَامِل
(أفسدت معرفتي بفرط تخلف ... وَنسخت بالتشكيك صدق يقيني)
(لَو كَانَ قوم يَكْتُبُونَ برجلهم ... لبسطت عذرك يَا سخين الْعين)
قلت ندد ابْن البنان فِي غير مَوْضِعه لِأَن الله تَعَالَى يَقُول فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم وَمن شعره أَيْضا فِي صَاحب توفّي الْخَفِيف
(عجبا لي وَقد مَرَرْت بآثا رك كَيفَ اهتديت نهج الطَّرِيق)
(أَترَانِي نسيت عَهْدك فِيهَا ... صدقُوا مَا لمَيت من صديق)
وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ الْمليح وَتَوَلَّى ديوَان النّظر فِي الدولة المصرية وتقلب فِي الخدم فِي الْأَيَّام الصلاحية بتنيس والاسكندرية وَكَانَ القَاضِي الْفَاضِل مِمَّن يغشى بَابه ويمدحه ويفتخر بالوصول إِلَيْهِ وَأنْشد يَوْمًا السَّرِيع
(برح بِي أَن عُلُوم الورى ... شَيْئَانِ أَن حصلتها لَا مزِيد)(1/215)
(علم إِذا مَا رمت تَحْقِيقه ... أعييا وَعلم حفظه لَا يُفِيد)
وَكَانَ الصَّالح بن رزيك قد ألزم الْأَثِير بِمَال رفع إِلَيْهِ لكَونه كَانَ يتَوَلَّى أَمْوَالًا لَهُ واعتقله فَأرْسل إِلَيْهِ يمت بقديم الْخدمَة والتشيع الْمُوَافق فِي الْمَذْهَب فَقَالَ الصَّالح المتقارب
(أَتَى ابْن بنان ببهتانه ... يحصن بِالدّينِ مَا فِي يَدَيْهِ)
(بَرِئت من الرَّفْض إِلَّا لَهُ ... وتبت من النصب إِلَّا عَلَيْهِ)
وَكَانَ قدر المَال سِتِّينَ ألف دِينَار فَأخذ مِنْهُ اثْنَا عشر ألفا وَترك لَهُ الْبَاقِي
3 - (برهَان الدّين النَّسَفِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
الشَّيْخ برهَان النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ المنطقي صَاحب التصانيف قَالَ ابْن الفوطي هُوَ شَيخنَا الْمُحَقق المدقق الْعَلامَة الْحَكِيم لَهُ التصانيف الْمَشْهُورَة كَانَ فِي الْخلاف والفلسفة أوحد متع بحواسه وَكَانَ زاهداً وَقد لخص تَفْسِير الإِمَام فَخر الدّين قدم بَغْدَاد حَاجا سنة خمس وَسبعين واشتغل عَلَيْهِ هَارُون ابْن الصاحب مولده تَقْرِيبًا سنة سِتّ مائَة وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وست مائَة
3 - (شرف الدّين ابْن عمروك الْبكْرِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
)
ابْن عمروك وَهُوَ أَبُو الْفَضَائِل ابْن أبي عبد الله ابْن أبي الْفتُوح ابْن أبي سعد ابْن أبي سعيد شرف الدّين الْقرشِي التَّيْمِيّ الْبكْرِيّ مولده بِالْقَاهِرَةِ سنة تسعين وَخمْس مائَة وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَحدث هُوَ وَأَبوهُ وجده وَأَخُوهُ صدر الدّين الْبكْرِيّ وَتُوفِّي الرَّابِع من الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن من الْغَد بسفح المقطم
3 - (نظام الدّين ابْن الْمولى الْكَاتِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن عبد الْمجِيد نظام الدّين أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الْبَغْدَادِيّ الأَصْل الْحلَبِي المولد والمنشأ الْمَعْرُوف بِابْن الْمولى ولد بحلب فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة بِدِمَشْق لَيْلَة الْخَامِس من جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن من الْغَد بجبل قاسيون كَانَ صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء للْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين مقدما على جمَاعَة الْكتاب فَاضلا رَئِيسا لَهُ الوجاهة الْعَظِيمَة والمنزلة المكينة عِنْد مخدومه وَله الترسل وَالنّظم الْحسن وروى عَنهُ الدمياطي وَسَيَأْتِي ذكر أَخِيه أَحْمد ونظام الدّين الْمَذْكُور وَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ السامري فِي أرجوزته فَقَالَ وَلَيْسَ يَسْتَثْنِي من الْجَمَاعَة غير كَمَال الدّين والنظام
3 - (موفق الدّين الْخَطِيب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن عبد الْمُنعم بن جَيش بن أبي المكارم الْفضل الْخَطِيب موفق الدّين أَبُو الْمَعَالِي الْمَعْرُوف بخطيب جَامع حماة تولى خطابة الْجَامِع الْأمَوِي والإمامة يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشْرين شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست مائَة عوضا عَن الشَّيْخ عز الدّين الفاروثي فعز على النَّاس وَعَلِيهِ ذَلِك فَحَضَرَ إِلَى السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف فَلَمَّا(1/216)
رَآهُ السلحدارية أخذُوا بِيَدِهِ وأجلسوه إِلَى جَانب الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب الشَّام فَسَأَلَ السُّلْطَان عَنهُ فَأخْبر أَنه قد عزل وتوهم الشَّيْخ أَن الْوَزير ابْن السلعوس عَزله فَاعْتَذر إِلَيْهِ السُّلْطَان وَقَالَ بلغنَا أَنَّك ضَعِيف فَقَالَ من صلى مائَة رَكْعَة بِأَلف قل هُوَ الله أحد يعجز عَن صَلَاة الْفَرْض يَعْنِي صَلَاة النّصْف فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ وانكسر قلبه وهرب فِي هَذِه الْجُمُعَة حسام الدّين لاجين فاغتنم السُّلْطَان وَتوجه هُوَ والأمراء والعسكر فِي الْبَريَّة يفتشون عَلَيْهِ وَكَانُوا قد أطلعوا الْمِنْبَر إِلَى الميدان الْأَخْضَر فصلى الْخَطِيب موفق الدّين بالعوام وَالسُّلْطَان والعساكر مهججون فِي طلب حسام الدّين لاجين ثمَّ إِن السُّلْطَان عَاد بعد الْعَصْر يَوْم الْعِيد فنظم بعض الشُّعَرَاء الْكَامِل
(خطب الْمُوفق إِذْ تولى خطْبَة ... شقّ الْعَصَا بَين الْمُلُوك وفرقا)
(وَأَظنهُ أَن قَالَ ثَانِيَة غَدا ... دين الْأَنَام وشمله متمزقا)
)
ثمَّ إِن الْمُوفق طلب إِلَى حماة وَولى الْقَضَاء بهَا مُدَّة ثمَّ إِنَّه قدم دمشق متجفلاً من التتار فتوفى رَحمَه الله تَعَالَى بدرب القَاضِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة كَانَ من أهل الْخَيْر وَالدّين وَالصَّلَاح
3 - (عز الدّين ابْن الْوَزير العلقمي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
عز الدّين أَبُو الْفضل ابْن الْوَزير ابْن العلقمي قَرَأَ الْقُرْآن والعربية على التقي حسن بن الباقلاني الحلى النَّحْوِيّ واللغة عَليّ رضى الدّين الصغاني وَكتب التقاليد عَن الْخَلِيفَة أَيَّام وَالِده وَله النّظم الْمُتَوَسّط كتب على كتاب مُعْجم الأدباء لياقوت الْحَمَوِيّ الطَّوِيل
(سَمَاء أنارت للفضائل أنجماً ... وبحر آثَار الدّرّ فَذا وتوأما)
(جلا أوجه الْآدَاب زهراً مضيئة ... فثقف عود الْعلم حَتَّى تقوما)
(آثَار خفيات الْفَضَائِل فأنثنى ... سناها مضيئاً بعد أَن كَانَ مظلماً)
(وَألف من بعد التَّفَرُّق شملها ... على أَن فِيهِ حسنها متقسما)
(تضمن أَسمَاء ينير بهَا الدجى ... وَيهْدِي بهَا الغاوي ويجلي بهَا الْعَمى)
3 - (شمس الدّين ابْن الشِّيرَازِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن يحيى بن بنْدَار بن مميل الْفَارِسِي الشِّيرَازِيّ الأَصْل الدِّمَشْقِي ثمَّ الْمزي شمس الدّين أَبُو نصر ابْن عماد الدّين الْكَاتِب ابْن أقضى الْقُضَاة شمس الدّين أبي نصر ولد سنة تسع وَعشْرين سمع من جده حضوراً ثمَّ سَمَاعا وَمن عَمه تَاج الدّين وَمن علم الدّين السخاوي وَالْعلم ابْن الصَّابُونِي والمؤتمن ابْن قميرة وَأبي اسحاق ابْن الخشوعي وبهاء الدّين ابْن الحميزي وَجَمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ(1/217)
شهَاب الدّين الشهرزوري وبهاء الدّين ابْن شَدَّاد واسماعيل بن باتكين وَابْن روزبه وَخلق كثير وَتفرد بأجزاء وعوال وازدحم الطّلبَة عَلَيْهِ وَالْحق الصغار بالكبار انتقى لَهُ الشَّيْخ صَلَاح الدّين ابْن العلائي والبرزالي وألواني وَالشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ سَاكِنا وقوراً متواضعا نزر الحَدِيث منجمعا عَن النَّاس لَهُ ملك يعِيش مِنْهُ وَكَانَ بارعا فِي تذهيب الْمَصَاحِف ظَهرت فِيهِ مبادئ اخْتِلَاط سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع مائَة
3 - (افتخار الدّين الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
افتخار الدّين أَبُو عبد الله نقلت من خطّ مُسْتَوفى أربل صَاحب كتاب نباهة الْبَلَد الخامل بِمن ورده من الأماثل وَهُوَ تَارِيخ أربل مَا صورته ورد فِي أَوَائِل صفر سنة عشْرين وست مائَة شَاب طَوِيل عجمي حَنَفِيّ الْمَذْهَب سَأَلته عَن لقبه فَذكره لي وَسَأَلته عَن كنيته فَلم يعرفهَا)
وَسَأَلته عَمَّا بعد مُحَمَّد الْأَخير فَقَالَ مَا أعرف إِلَّا ذَلِك أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ حَدثنِي أَنه ولد باوش من فرغانة وَنَشَأ بكاشغر أَنْشدني لنَفسِهِ يمدح عميد الْملك أسعد بن نصر وَزِير شيراز الْكَامِل
(يَا خير من بلغ المدى فِيمَا سلك ... ورقاب احرار الورى بذلاً ملك)
(خرت لَهُ الثَّقَلَان طَوْعًا سجدا ... مهما أظلهما ويخدمه الْملك)
(مارست فِيك السّير ممتطي الوجى ... بخشاشة قد جَاوَزت حَيا هلك)
(إِن كنت تقلبني أصبت مآربي ... أَو لَا فَأَبت آيساً وَالْحكم لَك)
(فز بالعلى وحز المنى وجز المدى ... قطب الْمَعَالِي مَا اسْتَدَارَ رحى الْفلك)
قلت هُوَ نظم غث ورقم رث
3 - (زين الدّين الشريشي القنائي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن أَحْمد زين الدّين أَبُو حَامِد العثماني ابْن تَقِيّ الدّين الشريشي القنائي بِالْقَافِ وَالنُّون وَالْألف القَاضِي الشَّافِعِي اشْتغل بالفقه على الشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد الدشنائي وَأَجَازَهُ بالفتوى وَسمع مِنْهُ وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة فِي الْأُصُول والنحو وَالْأَدب وَيكْتب خطا حسنا وَله يَد فِي الوراقة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بأدفو وأسوان وَتَوَلَّى فَقَط وقنا وَهُوَ وعيذاب وَكَانَ حسن السِّيرَة مرضِي الطَّرِيقَة قَائِما بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَتُوفِّي فِي شهر رَجَب سنة خمس وَسبع مائَة بقنا وَأورد لَهُ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي أبياتاً من جملَة صدَاق كتبه وَهِي الطَّوِيل
(أطل نظرا فِيهِ فلست بناظر ... نظيراً لَهُ كلا وَلست بواجد)
(وفز من محياه بلمحة نَاظر ... تنَلْ مَا ترجي من سنى الْمَقَاصِد)
(فَكل سديد مِنْهُم ومسدد ... وكل تَقِيّ عِنْدهم ثمَّ ماجد)
(إِذا مَا اغتذى سَمْعِي بِذكر صفاتهم ... تخامر قلبِي سكرة المتواجد)(1/218)
3 - (ابْن عَسَاكِر القوصي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن جمَاعَة بن عَسَاكِر بن ابراهيم أَبُو بكر الْقرشِي الزُّهْرِيّ القوصي كَانَ من الْفُقَهَاء الصَّالِحين والقضاة الْمُتَّقِينَ سمع بقوص من أبي الْفضل الهمذاني وتخاصم مَعَ أَخِيه مَنْصُور فَترك قوص ورحل إِلَى مصر وَأقَام بمدرسة منَازِل الْعِزّ وَصَحب قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن السكرِي قبل الْقَضَاء وَكَانَت الْكتب تَأتي إِلَيْهِ من أَهله من الْبِلَاد فَلَا يفتحها حَتَّى تفقه وَأذن لَهُ فِي الْفَتْوَى قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي كتب بِخَطِّهِ كثيرا حَتَّى قيل أَنه كتب النِّهَايَة مَرَّات وَأَنه)
كتب الْوَسِيط ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين مرّة وَتَوَلَّى تدريس مدرسة بالفيوم وَأقَام بهَا فَلَمَّا ولي الْقَضَاء عماد الدّين ابْن السكرِي أضَاف إِلَيْهِ الْقَضَاء بالفيوم فَلَمَّا بلغه أَنه قبل سجد شكرا قَالَ هَكَذَا أَخْبرنِي ابْن ابْنه القَاضِي نظام الدّين مُحَمَّد قَاضِي البهنسا وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مائَة
3 - (نَاصِر الدّين بن الصَّائِغ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن الصَّائِغ الإِمَام الْمُفْتِي الْمدرس نَاصِر الدّين الدِّمَشْقِي من أَعْيَان الْفُقَهَاء سمع كثيرا وَنظر فِي الرِّجَال وعني بالمتون ومولده سنة سبع وَسَبْعمائة وَسمع من القَاضِي والمطعم وعدة وَكتب عَن الشَّيْخ شمس الدّين قَالَ وَله عبَادَة وإنابة وتسنن)
3 - (ابْن التنسي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
الإِمَام الْمُحدث جمال الدّين الاسكندري الْمَالِكِي سبط التنسي شَاب فَاضل متفنن قدم دمشق وَسمع من الْمزي وَزَيْنَب وَأكْثر وتميز ولد سنة عشر وَسبع مائَة
3 - (الْوراق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
الْفَاضِل الْعَالم صدر الدّين الْوراق الْبَغْدَادِيّ الْمصْرِيّ قدم دمشق طَالب حَدِيث سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة وَسمع من القَاضِي والصدر ابْن مَكْتُوم وَطَائِفَة وخطه حُلْو وخلقه حسن ولد بعد التسعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بِالْقَاهِرَةِ رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (ابْن خطيب الزنجيلية مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن مَحْمُود الْمُحدث تَقِيّ الدّين البُخَارِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ ابْن خطيب الزنجيلية جلال الدّين ولد سنة سِتّ وَسبع مائَة وَحفظ الْقُرْآن واشتغل فِي النافع وَسمع كثيرا وَنسخ أَجزَاء وَكتاب الكاشف وَكتب الطباق وَسمع ابْن سعد والبهاء ابْن عَسَاكِر وعدة وَأخذ عَن الشَّيْخ شمس الدّين وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة فِي آخرهَا
3 - (فتح الدّين بن سيد النَّاس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
ابْن أَحْمد بن سيد النَّاس الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ الْمُحدث الأديب النَّاظِم الناثر فتح الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن الْفَقِيه أبي عَمْرو ابْن الْحَافِظ أبي بكر الْيَعْمرِي الربعِي كَانَ حَافِظًا بارعا أديبا متفننا بليغاً ناظماً ناثراً كَاتبا مترسلاً خطه أبهج من حدائق الأزهار وآنق من صفحات الخدود الْمُطَرز وردهَا بآس العذار حسن المحاورة لطيف الْعبارَة فصيح الْأَلْفَاظ كَامِل الأدوات جيد الفكرة صَحِيح الذِّهْن جميل المعاشرة لَا تمل محاضرته أدبه غض والأمتاع بأنسه نض كريم الْأَخْلَاق كثير الْحيَاء زَائِد الِاحْتِمَال حسن الشكل والعمة قل إِن ترى الْعُيُون مثله الطَّوِيل(1/219)
(لَهُ هزة من أريحية نَفسه ... تكَاد لَهَا الأَرْض الجديبة تعشب)
(تجَاوز غايات الْعُقُول مواهبا ... تكَاد لَهَا لَوْلَا العيان تكذب)
)
(خلائق لَو يلقى زِيَاد مثالها ... إِذا لم يقل أَي الرِّجَال الْمُهَذّب)
(عجبت لَهُ لم يزه تيهاً بِنَفسِهِ ... وَنحن بِهِ نختال زهواً ونعجب)
وَهُوَ من بَيت رئاسة وَعلم عِنْده كتب كَثِيرَة وأصول جَيِّدَة سمع وَقَرَأَ وارتحل وَكتب وصنف وَحدث وَأَجَازَ وَتفرد بِالْحَدِيثِ فِي وقته أجَاز لَهُ النجيب عبد اللَّطِيف وكناه أَبَا الْفَتْح وَأَجْلسهُ فِي حجره وَسمع حضوراً سنة خمس وَسبعين من القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الْعِمَاد وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ كتب الحَدِيث بِخَطِّهِ عَن الشَّيْخ قطب الدّين ابْن الْقُسْطَلَانِيّ وقرأه بِلَفْظِهِ عَلَيْهِ وعَلى اصحاب ابْن طبرزد وَأَصْحَاب الْكِنْدِيّ وَابْن الحرستاني بِمصْر وَالشَّام والحجاز والاسكندرية وارتحل إِلَى دمشق سنة تسعين وَكَاد يدْرك الْفَخر ابْن الفخاري ففاته بليلتين وَسمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُؤمن الصُّورِي وَمن أبي الْفَتْح ابْن المجاور وَأبي اسحاق ابْن الوَاسِطِيّ وطبقتهم وَسمع بِمصْر من الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن الصيقل وغازي الحلاوي وَابْن خطيب المزة والصفي خَلِيل وَتلك الطَّبَقَة وتنزل فِي الْأَخْذ من أَصْحَاب سبط السلَفِي ثمَّ إِلَى أَصْحَاب الرشيد الْعَطَّار قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلَعَلَّ مشيخته يقاربون الْألف وَنسخ بِخَطِّهِ وَاخْتَارَ وانتقى شَيْئا كثيرا ولازم الشَّهَادَة مُدَّة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين جالسته مَرَّات وَبت مَعَه لَيْلَة وَسمعت بقرَاءَته على الرضى النَّحْوِيّ وَكَانَ طيب الْأَخْلَاق بساماً صَاحب دعابة وَلعب وَكَانَ صَدُوقًا فِي الحَدِيث حجَّة فِيمَا يَنْقُلهُ لَهُ بصر نَافِذ بالفن وخبرة بِالرِّجَالِ وطبقاتهم وَمَعْرِفَة بالاختلاف وَيَد طولى فِي علم اللِّسَان ومحاسنه جمة انْتهى كَلَام الشَّيْخ شمس الدّين قلت صحبته زَمَانا طَويلا ودهراً داهراً ونمت مَعَه ليَالِي وخالطته أَيَّامًا وأقمت بالظاهرية وَهُوَ بهَا شيخ الحَدِيث قَرِيبا من سنتَيْن فَكنت أرَاهُ فِي كثير من الْأَوْقَات يُصَلِّي كل صَلَاة مَرَّات كَثِيرَة فَسَأَلته يَوْمًا عَن ذَلِك فَقَالَ إِنَّه خطر لي يَوْمًا أَن أُصَلِّي كل صَلَاة مرَّتَيْنِ فَفعلت ذَلِك زَمَانا ثمَّ خطر لي أَن أُصَلِّي كل صَلَاة ثَلَاث مَرَّات فَفعلت ذَلِك زَمَانا وخف عَليّ ثمَّ خطر لي أَن أُصَلِّي كل صَلَاة أَربع مَرَّات فَفعلت ذَلِك زَمَانا وخف عَليّ فعله وأنسيت هَل قَالَ لي خمس مَرَّات أَو لَا وَكَانَ صَحِيح الْقِرَاءَة سريعها كَأَنَّهَا السَّيْل إِذا تحدر سريع الْكِتَابَة كتب ختمة فِي جُمُعَة وَكَانَ يكْتب السِّيرَة الَّتِي لَهُ فِي عشْرين يَوْمًا وَهِي مجلدان كبيران وَكَانَ صَحِيح العقيدة جيد الذِّهْن يفهم بِهِ النكت الْعَقْلِيَّة ويسارع إِلَيْهَا وَلكنه جمد ذهنه(1/220)
لاقتصاره بِهِ على النَّقْل وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد يُحِبهُ ويؤثره ويركن إِلَى نَقله أَخْبرنِي من لَفظه القَاضِي عماد الدّين اسماعيل ابْن القيسراني قَالَ كَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا حَضَرنَا درسه وَتكلم فَإِذا جَاءَ ذكر أحد من الصَّحَابَة أَو أحد من رجال الحَدِيث قَالَ أيش)
تَرْجَمَة هَذَا يَا أَبَا الْفَتْح فَيَأْخُذ فتح الدّين فِي الْكَلَام ويسرد وَالنَّاس كلهم سكُوت وَالشَّيْخ مصغ إِلَى مَا يَقُوله انْتهى قَالَ لي لم يكن لي فِي الْعرُوض شيخ وَنظرت فِيهِ جُمُعَة فَوضعت فِيهِ مصنفاً وَقد رَأَيْت هَذَا المُصَنّف قلت وَلَو كَانَ اشْتِغَاله بِقدر ذهنه كَانَ قد بلغ الْغَايَة القصوى وَلكنه كَانَ فِيهِ لعب على أَنه مَا خلف مثله لإنه كَانَ متناسب الْفَضَائِل وَكَانَ محظوظاً مَا رَآهُ أحد إِلَّا أحبه كَانَ الْأَمِير علم الدّين الدواداري يُحِبهُ ويلازمه كثيرا وَيَقْضِي أشغال النَّاس عِنْده وَدخل بِهِ إِلَى السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين وَقد امتدحه بقصيدة وَقَالَ احضرت لَك هَذَا وَهُوَ كَبِير من أهل الْعلم فَلم يَدعه السُّلْطَان يبوس الأَرْض وَأَجْلسهُ مَعَه على الطراحة وَهل قَامَ لَهُ أَو لَا أَنا فِي شكّ من ذَلِك فَلَمَّا رأى خطه وَسمع كَلَامه قَالَ هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي ديوَان الْإِنْشَاء فرتب فِي جملَة الموقعين فَرَأى فتح الدّين الْمُلَازمَة وَلبس الْخُف والمهماز صعباً عَلَيْهِ فَسَأَلَ الإعفاء من ذَلِك فَقَالَ السُّلْطَان إِذا كَانَ لَا بُد لَهُ من ذَلِك فَيكون الْمَعْلُوم لَهُ على سَبِيل الرَّاتِب فرتب لَهُ إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ الكمالي ينَام مَعَه فِي قرظية النّوم وَكَانَ كريم الدّين الْكَبِير يمِيل إِلَيْهِ ويوده وَيَقْضِي الإشغال عِنْده وَهُوَ الَّذِي ساعده على عمل الْمحْضر واثباته بعداوة قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة وَسمع البُخَارِيّ بقرَاءَته على الحجار وتعصب لَهُ الْأَمِير سيف الدّين أرغون الدوادار وخلص لَهُ مشيخة الظَّاهِرِيَّة فِي الحَدِيث وَمَا أعرف أحدا من الْأُمَرَاء الْكِبَار الْأَعْيَان فِي الدولة إِلَّا وَهُوَ يمِيل إِلَيْهِ ويجتمع بِهِ وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين الجائي الدوادار منحرفاً عَنهُ وَالْقَاضِي فَخر الدّين نَاظر الْجَيْش شَيْئا يَسِيرا وَكَانَ بِيَدِهِ مَعَ مشيخة الظَّاهِرِيَّة مدرسة أبي حليقة على بركَة الْفِيل وَمَسْجِد الرصد وخطابة جَامع الخَنْدَق وَله رزق وَله فِي صفد راتب وَفِي حلب فِيمَا أَظن وَكَانَ عِنْده كتب كبار أُمَّهَات جَيِّدَة وأصول غالبها حضر إِلَيْهِ من تونس كمصنف ابْن أبي شيبَة وَمُسْنَده والمحلى وتاريخ ابْن أبي خَيْثَمَة وجامع عبد الرَّزَّاق والتمهيد والاستيعاب والاستذكار وتاريخ الْخَطِيب والمعاجم الثَّلَاثَة للطبراني وطبقات ابْن سعد والتاريخ المظفري وَغير ذَلِك وصنف عيونه السّير فِي فنون الْمَغَازِي وَالشَّمَائِل وَالسير سَمِعت بعضه من لَفظه ومختصر ذَلِك سَمَّاهُ نور الْعُيُون وسمعته من لَفظه وَتَحْصِيل الْإِصَابَة فِي تَفْضِيل الصَّحَابَة وسمعته من لَفظه والنفح الشذي فِي شرح جَامع التِّرْمِذِيّ وَلم يكمل جمع فأوعى وَكَانَ قد سَمَّاهُ الْعرف الشذي فَقلت لَهُ سمه النفح الشذي ليقابل الشَّرْح بالنفح فَسَماهُ كَذَلِك وَكتاب بشرى اللبيب بذكرى الحبيب وقرأته عَلَيْهِ بلفظي ومنح الْمَدْح وسمعته من لَفظه إِلَى تَرْجَمَة عبد الله بن الزبعري والمقامات الْعلية فِي كرامات الصَّحَابَة الجلية وشعره رَقِيق سهل التَّرْكِيب منسجم الْأَلْفَاظ عذب النّظم وترسله)
جيد وَكَانَ النّظم عَلَيْهِ بِلَا كلفة يكَاد لَا يتَكَلَّم إِلَّا بِالْوَزْنِ حَتَّى قلت فِيهِ اصفه الْبَسِيط(1/221)
(لي صَاحب يتَمَنَّى لي الرِّضَا أبدا ... كَأَنَّمَا يختشي صدى وهجراني)
(ويغلب النّظم ألفاظاً يفوه بهَا ... فَمَا يكلمني إِلَّا بميزان)
وَكتب بالمغربي طبقَة كَمَا كتب بالمشرقي وَكَانَت بيني وَبَينه مكاتبات كَثِيرَة نظماً ونثراً يضيق عَنْهَا هَذَا الْمَكَان لَكِن أورد مِنْهَا شَيْئا وَهُوَ مَا كتبه إِلَيّ وَأَنا بصفد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الطَّوِيل
(سررتم فَإِنِّي بعدكم غير مسرور ... وَكم لي على الأطلاق وَقْفَة مهجور)
(وَلَا حس إِلَّا حس صائحة الصدى ... وَلَا أنس إِلَّا أنس عيس ويعفور)
(فيا وحدة الدَّاعِي صداه جَوَابه ... وَيَا وَحْشَة السَّاعِي إِلَى غير معمور)
(إِذا قلت سيري قَالَ سيري محاكياً ... وَإِن قلت زوري قَالَ مثلي لَهَا زوري)
(وَمَا سرني بِالْقربِ إِنِّي استزرتها ... وَلَا سَاءَنِي بالبعد قولي لَهَا سيري)
(فيا وَيْح قلبِي كم يعلله المنى ... علالة دنيا استعبدت كل مغرور)
(تواصل وصل الطيف فِي سنة الْكرَى ... وَلست إِذا استيقظت مِنْهُ بمحبور)
(وتدنو دنو الْآل لَا ينقع الصدى ... وتخلب آمالاً بخلبها الزُّور)
(تنيل المنى من سالمته خديعة ... وَتعقب من نيل المنى كل مَحْذُور)
(فدعها وثق بِاللَّه فَالله كافل ... برزقك مَا أبقاك وَأَرْض بمقدور)
(وَكن شاكراً يسرا وبالعسر رَاضِيا ... فأجر الرضى وَالشُّكْر أفضل مذخور)
فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك الطَّوِيل
(هَل الْبَرْق قد وشى مطارف ديجور ... أَو الصُّبْح قد غشي دجى الْأُفق بِالنورِ)
(وَهل نسمَة الأسحار جرت ذيولها ... على زهر روض طيب النشر مَمْطُور)
(وهيهات بل جَاءَت تَحِيَّة جيرة ... إِلَى مغرم فِي قَبْضَة الْبعد مأسور)
(أَتَتْهُ وَمَا فِيهِ لعائد سقمه ... سوى آنة تنبث من قلب مصدور)
(فَلَمَّا تهادت فِي حلى فصاحة ... من النّظم عَن سحر البلاغة مأثور)
(أكب على تقبيلها بعد ضمهَا ... إِلَى خاطر من لوعة الْبَين مكسور)
(وأجرى لَهَا دمع المآقي وَلم يكن ... يُقَابل منظوما سواهُ بمنثور)
(فأرشفه كأس السلاف خطابها ... وغازله من خطها أعين الْحور)
)
(فكم حِكْمَة فِيهَا لَهَا الحكم فِي النهى ... وَكم مثل فِي غَايَة الْحسن مَشْهُور)
(يرى كل سطر فِي محَاسِن وَضعه ... كمسك عذار فَوق وجنة كافور)
(فَلَا ألف إِلَّا حكت غُصْن بانة ... وهمزتها من فَوْقهَا مثل شحرور)(1/222)
(فَأصْبح لَا يثنى إِلَى الرَّوْض جيده ... غراماً وَلم يعدل بهَا ورده الْجُورِي)
(وَقد كَانَت الأطماع نَامَتْ ليأسها ... فَلَمَّا أَتَت قَالَ الغرام لَهَا ثوري)
(وزادت جفون الْعين سهداً كَأَنَّمَا ... حبتها بكحل مِنْهُ فِي الجفن مذرور)
(وَكَانَ الدجى كالعام فاحتقرت بِهِ ... وَقَالَت لَهُ ميعادك النفخ فِي الصُّور)
(وَلم ترض من نَار الحشا باتقادها ... فقد قذفت فِي كل عُضْو بك النُّور)
(وَمَا شكرت عَيْني على سفح عبرتي ... على أَن محصول البكى غير مَحْصُور)
(وَقَالَت أما تخبا الدُّمُوع لشدَّة ... فدعها تفض من زاخر اللج مسجور)
(وَلَو كنت ألْقى فِي البكى فرجا لما ... مضى الْيَوْم حَتَّى كنت أول مسرور)
(أاحبابنا عذرى على الْبعد وَاضح ... وَمَا كل صب فِي البعاد بمعذور)
(فَلَو كنت ألْقى الصَّبْر هَانَتْ مصيبتي ... وَلكنه للحظ فِي غير مقدوري)
(فَإِن تبعثوا لي من زَكَاة اصطباركم ... فَإِنِّي لما تهدونه جد مضرور)
(سلوا اللَّيْل هَل آنست فِيهِ برقدة ... فَمَا هُوَ مِمَّن رَاح يشْهد بالزور)
(فكم لي فِيهِ صعقة موسوية ... وللقلب من ذكراكم دكة الطّور)
(تشفعت للبين المشت بكم عَسى ... يعود هزيم الْقرب عودة مَنْصُور)
(على أَن جاه الْحَظ أكْرم شَافِع ... ولولاه كَانَ الدَّهْر أطوع مَأْمُور)
(وَمَا هُوَ إِلَّا الْحَظ يعْتَرض المنى ... وَلَو صَحَّ لم يحْتَج إِلَى بنت مَنْظُور)
(فكم فِي البرايا بَين عان وَمُطلق ... وسال ومحزون ودان ومهجور)
(وَلَيْسَ سوى التَّسْلِيم لله والرضى ... بقلب منيب طائع غير مقهور)
(وحاش لعلام الخفيات فِي الورى ... على مَا ابتلاني أَن ارى غير مأجور)
فَكتب إِلَيّ الْجَواب رَحمَه الله تَعَالَى وَردت المشرفة السامية بحلاها الزاهية بعلاها الْمُشْتَملَة على الأبيات الأبيات الصادرة عَن السجيات السخيات الَّتِي فاقت الكنديين وطوت ذكر الطائيين مَا شِئْت من بَدَائِع أيداع وروائع)
إبداع تقف الفصاحة عِنْدهَا وتقفو البلاغة حَدهَا فَللَّه ذَلِك الْفضل الوافي بل ذَلِك السحر الْحَلَال الشافي بل تِلْكَ الْقوي فِي القوافي بل تِلْكَ الْمَقَاصِد الَّتِي أقصدت المنى فِي الْمنَافِي بل تِلْكَ الْمعَانِي الَّتِي حيرت الْمعَانِي وَفعلت بالألباب مَا لَا تَفْعَلهُ المثالث والمثاني بل تِلْكَ الأوضاع الَّتِي حاكى الرّبيع وشيها وامتثل الْقَلَم أمرهَا ونهيها فَهُوَ يصرفهَا كَيفَ يَشَاء مرسوماً ثِقَة مِنْهُ أَنَّهَا لَا تخَالف لَهُ مرسوماً لقد آل فضل الْكتاب إِلَيْهَا وآلى فصل الْخطاب لَا وقف إِلَّا بَين يَديهَا لقد صدرت عَن رياض الْأَدَب فجنت زهره اليانع لقد أخذت بآفاق سَمَاء الشّرف فلهَا قمراها والنجوم الطوالع لقد أفحمت قائلة الرمل(1/223)
(من يساجلني يساجل ماجداً ... يمْلَأ من آدابه كل ذنُوب الطَّوِيل)
(لقد حسنت حَتَّى كَانَ محاسناً ... تقسمها هَذَا الْأَنَام عُيُوب)
(هِيَ الشَّمْس تَدْنُو وَهِي ناء محلهَا ... وَمَا كل دَان للعيون قريب)
(تخطت إِلَى الْحَضَر الْجِيَاد نباهة ... وهيهات من ذَاك الجناب جنيب)
(وحيت فأحيت بالأماني متيماً ... حبيب إِلَيْهِ أَن يلم حبيب)
(يذكرنِي ذَاك الْجمال جمَالهَا ... فليلي كَمَا شَاءَ الغرام رحيب)
(وَمَا لي إِلَّا آنة بعد آنة ... وَمَا لي إِلَّا زفرَة ونحيب)
(حنيناً لعهد غادر الْقلب رَهنه ... وَعلم دمع الْعين كَيفَ يصوب)
(وذكرى خَلِيل لم يغب غير شخصه ... وَفِي كل قلب من هَوَاهُ نصيب)
(وَلَوْلَا حَدِيث النَّفس عَنهُ بعوده ... وَأَن المنى تَدْعُو بِهِ فيجيب)
(لما استعذب المَاء الزلَال لِأَنَّهُ ... إِذا مازج المَاء الزلَال يطيب)
فبادرها الْمَمْلُوك لنبئها متعرفا وبارجها متعرفا وبولائها متمسكاً وبثنائها متمسكاً شوقاً إِلَيْهَا لَا يبيد وَلَو عمر عمر لبيد وَاقِفًا على آمال اللِّقَاء وقُوف غيلَان بدار مية عاكفاً على أرجاء الرَّجَاء عكوف تَوْبَة على ليلى الأخيلية وَالله يَتَوَلَّاهُ فِي حالتيه ظَاعِنًا وَمُقِيمًا وَيجْعَل السعد لَهُ حَيْثُ حل خدينا والنجح خديماً بمنه وَكَرمه
فَكتبت الْجَواب إِلَيْهِ رَحمَه الله تَعَالَى الطَّوِيل
(تنوح حمامات اللوى فَأُجِيب ... ويحضر عِنْدِي عائدي فأغيب)
(وَقد مل فرش السقم طول تقلقي ... عَلَيْهِ بجنبي إِذْ تهب جنوب)
)
(وَلما بَكت عَيْني نواك تعلمت ... دموع السَّحَاب الغر كَيفَ تصوب)
(أيا برق إِن حاكت قلبِي فَلم يكن ... لنارك مَعَ هَذَا الخفوق لهيب)
(وَيَا غيث إِن ساجلت دمعي فَإِنَّهُ ... يفوتك مَعَ ذَا آنة ونحيب)
(وَيَا غُصْن إِن هزت معاطفك الصِّبَا ... فَمَا لَك قلب بالغرام يذوب)
(إِذا جف جفني ذاب قلبِي أدمعاً ... فَللَّه قلب عَاد وَهُوَ قليب)
(أَبيت بجفن لَيْسَ يعرف مَا الْكرَى ... وَأي حَيَاة بالسهاد تطيب)
(وقلب إِذا مَا قر عَادَته لوعة ... فيعروه من بعد الْقَرار وجيب)
(إِلَّا أَن دهراً قد رماني بصرفه ... لدهر إِذا فَكرت فِيهِ عَجِيب)(1/224)
(وَيَكْفِي بِأَنِّي بَين أَهلِي ومعشري ... وصحبي لبعدي عَن حماك غَرِيب)
وَينْهى وُرُود الْمِثَال الَّذِي تصدق بِهِ منعماً وأهداه خميلة فكم شفى زهرها الْمُنعم من عمى وَبَعثه قلادة فكم أَزَال درها المنظم من ظما وَإِقَامَة حجَّة على أَن مرسله يكون فِي الْإِحْسَان والآداب مَالِكًا ومتمماً فبللت بِرُؤْيَتِهِ غلَّة الظماء البرح وعاينت مَا شاده من بُنيان الْبَيَان فَقلت لبلقيس عَيْني ادخلي الصرح النَّحْل وَقمت من حُقُوقه الْوَاجِبَة عَليّ بِمَا يطول فِيهِ الشَّرْح وتلقيته بِالضَّمِّ إِلَى قلب لَا يجْبر مِنْهُ الْكسر غير الْفَتْح واسمت ناظري من طرسه فِي الرَّوْض الْأنف وَقسمت حليه على أعضائي فللجيد القلائد وللفرق التيجان وللأذن الشنف ووردت منهله الصافي والتحفت بظله الضافي واجتليت من وَجهه بشرا قابله الشُّكْر بالقلم الحافي وعكفت مِنْهُ على كعبة الْفضل فَللَّه مَا نشر فِي استلامي وطوى فِي طوافي وكلفت قلبِي الطَّائِر جَوَابا فَلم تقو القوادم وَظهر الخوى فِي الخوافي وَقلت هَذَا الْفَنّ الْفَذ الَّذِي مَا لَهُ ضريب وَهَذَا وصل الحبيب الْبعيد قد نلته برغم الرَّقِيب الْقَرِيب الوافر
(فيا عَيْني بَيْتا فِي اعتناق ... وَيَا نومي قدمت على السَّلامَة)
وَأقسم أَن الْبَيَان مَا نكب عَمَّا دبجه مَوْلَانَا ونكت وَلَا أجراه الله على لِسَانه إِلَّا لما سكت البلغاء وبكت وَلَا آتَاهُ هَذِه النُّقُود المطبوعة إِلَّا وَقد خلصت الْقُلُوب من رق غَيره وفكت وَلَا وهبه الله هَذِه الْكَلم الْجَوَامِع إِلَّا أَن الْأَوَائِل أحسوا بطول رسائلهم فقطعوها من حَيْثُ رقت وَالصَّحِيح ركت فَمَا كل كَاتب يَده فَم وَلسَانه فِيهِ قلم وَلَا كل مُتَكَلم حسن بَيَانه تأتم الهداة بِهِ كَأَنَّهُ علم وَلَا كل بليغ إِذا خَاطب الْوَلِيّ كلا وَإِذا كلم الْعَدو كلم لِأَن مَوْلَانَا حرسه الله تَعَالَى لَا يتَكَلَّف إِذا أنشأ وَلَا يتَخَلَّف إِذا وشى والسجع عِنْده أَهْون من النَّفس الَّذِي يردده وأخف والدر الَّذِي يقذفه من رَأس قلمه أكبر من الدّرّ الَّذِي فِي قَعْر)
الْبَحْر وأشف وَإِذا رَاض قلمه روض الطروس من وقته وَإِذا أَفَاضَ كَلمه فوض الْبَيَان إِلَيْهَا أَمر مقته ومقته وَمَا كَلمه إِلَّا بَحر والقوافي أمواج وَمَا قلمه إِلَّا ملك البلاغة فَإِذا امتطى يَده ركضت بِهِ من الطروس على حلل الديباج فَلهَذَا أخملت رسائله الخمائل وتعلمت مِنْهُ الصِّبَا لطف الشَّمَائِل وَأخذت بآفاق البلاغة فلهَا أقمارها الطوالع ولغيرها نجومها الأوافل وانتقت أعالي الْفَضَائِل وَتركت للنَّاس فضالات الأسافل الوافر
(وَهَذَا الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء ... فَدَعْنِي من بنيات الطَّرِيق)
فَأَما دره الَّذِي خلطه الجناس وخرطه فِي ذَلِك السلك فَمَا أحقه وأولاه بقول ابْن سناء الْملك الطَّوِيل
(فَذا السجع لَيْسَ فِي النثر مثله ... وَهَذَا جناس لَيْسَ يُحسنهُ الشّعْر)
فَلَو رأى الميكالي نمطه العالي وتنسم شذا غاليته الْعَزِيز الغالي لقَالَ عطلت هَذِه المحاسن حَالي الحالي وَكنت من قبلهَا مَا أَظن اللآلئ إِلَّا لي وَلَو ظفر الحظيري بِتِلْكَ الدُّرَر حلى بهَا تصنيفه وَعلم أَن أَرْبَاب الجناس لَو أنْفق أحدهم من الْكَلَام ملْء الأَرْض ذَهَبا مَا بلغ مد(1/225)
مَوْلَانَا وَلَا نصيفه وَلَو بلغ الْعِمَاد الْكَاتِب هَذِه النكت رَفعهَا على عَرْشه وعوذها بِآيَة الْكُرْسِيّ وَدخل دَار صمته وأغلق بَاب الْفَتْح الْقُدسِي فعين الله على هَذِه الْكَلم الَّتِي نفثت فِي العقد وأيقظت جد هَذَا الْفَنّ الَّذِي كَانَ قد رقد فقد أصَاب النَّاس بِالسِّهَامِ وأصبت أَنْت بالقرطاس وجاؤوا فِي كَلَامهم بالذاوي الذابل وَجئْت أَنْت بالغض اليانع الْغِرَاس وأبعدت فِي مرمى هَذَا الْفَنّ وقاربوا وَلَكِن أَيْن النَّاس من هَذَا الجناس وسبقت إِلَى الْغَايَة وَلَو وقفت مَا فِي وقوفك سَاعَة من باس وَقد قيل بديء الشّعْر بأمير وَختم بأمير يُرِيدُونَ امْرأ الْقَيْس وَأَبا فراس وَكَذَا أَقُول بديء الجناس بالبستي وَختم بمولانا وكلاكما أَبُو الْفَتْح فصح الْقيَاس وَقد اثنيت على تِلْكَ الرَّوْضَة وَلَو وفقت لانثنيت وَمَا أثنيت ووقفت عِنْد قدري فَمَا أجبْت وَلَكِن اتقحت وَمَا استحييت على أَنِّي لَو وجدت لِسَانا قَائِلا لَقلت فَإِنِّي وجدت أول الْبَيْت وَقد شغل وصف مِثَال مَوْلَانَا عَن شكوى حَالي الشاقة وَأَرْجُو أنني أوحيها شفاهاً إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا يَوْم الحاقة الْخَفِيف
(إِن نعش نَلْتَقِي وَإِلَّا فَمَا ... أشغل من مَاتَ عَن جَمِيع الْأَنَام)
قلت لم نلتق وحالت منيته بَينه وَبَين الْجَواب وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم السبت حادي عشر شعْبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ سَبْعمِائة وَكَانَت جنَازَته حفلة إِلَى الْغَايَة شيعها الْقُضَاة والأمراء والجند وَالْفُقَهَاء والعوام وتأسف النَّاس عَلَيْهِ وَلما بلغتني وَفَاته قلت أرثيه الْبَسِيط
(مَا بعد فقدك لي أنس أرجيه ... وَلَا سرُور من الدُّنْيَا أقضيه)
)
(إِن مت بعْدك من وجد وَمن حزن ... فَحق فضلك عِنْدِي من يُوفيه)
(وَمن يعلم فِيك الْوَرق أَن جهلت ... نواحها أَو تناسته فتمليه)
(إِمَّا لطافة أنفاس الرياض فقد ... نسيتهَا غير لطف كنت تبديه)
(وَأَن ترشفت عذب المَاء اذْكُرْنِي ... زلاله خلقا قد كنت تحويه)
(يَا راحلاً فَوق أَعْنَاق الرِّجَال وأجفان الملائك تَحت الْعَرْش تبكيه)
(وذاهباً سَار لَا يلوي على أحد ... وَالذكر ينشره واللحد يطويه)
(وماضياً غفر الله الْكَرِيم لَهُ ... باللطف حاضره مِنْهُ وباديه)
(وَبَات بالحور والرضوان مشتغلاً ... إِذْ أَقبلت تتهادى فِي تلقيه)
(حَتَّى غَدا فِي جنان الْخلد مبتهجاً ... وَالْقلب بالحزن يفنى فِي تلظيه)
(لهفي على ذَلِك الشَّخْص الْكَرِيم وَقد ... دَعَاهُ نَحْو البلى فِي الترب داعيه)
(وحيرتي فِيهِ لَا تقضي عَليّ وَلَا ... تقضي لواعجها حَتَّى أوافيه)
(أجْرى الأسى عبراتي كالعقيق وَقد ... اصم سَمْعِي وأصمى الْقلب ناعيه)
(يَا وَحْشَة الدَّهْر فِي عين الْأَنَام فقد ... خلت وُجُوه اللَّيَالِي من مَعَانِيه)(1/226)
(ووحشة الدَّهْر أَن تنثر ملاءته ... وَلم تطرز حواشيها أمالية)
(يَا حَافِظًا ضَاعَ نشر الْعلم مِنْهُ إِلَيّ ... أَن كَاد يعرفهُ من لَا يُسَمِّيه)
(صان الرِّوَايَة بِالْإِسْنَادِ فامتنعت ... ثغورها حِين حاطتها عواليه)
(واستضعفت بارقات الجو أَنْفسهَا ... فِي فهم مشكلة عَن أَن تجاريه)
(حفظت سنة خير الْمُرْسلين فَمَا ... أَرَاك تمسي مضاعاً عِنْد باريه)
(لله سعيك من حبر تبحر فِي ... علم الحَدِيث فَمَا خابت مساعيه)
(وَهل يخيب معَاذ الله سعى فَتى ... فِي سنة الْمُصْطَفى أفنى لياليه)
(يَكْفِيهِ مَا خطه فِي الصُّحُف من مدح النني ... يَكْفِيهِ هَذَا الْقدر يَكْفِيهِ)
(عز البُخَارِيّ فِيمَا قد أُصِيب بِهِ ... مَاتَ الَّذِي كَانَ بَين النَّاس يدريه)
(كَأَنَّهُ مَا تحلى سمع حاضره ... بِلَفْظِهِ عِنْد مَا يرْوى لآليه)
(رِوَايَة زانها مِنْهُ بِمَعْرِِفَة ... مَا كل من قَامَ بَين النَّاس يرويهِ)
(يَا رحمتاه لشرح التِّرْمِذِيّ فَمن ... يضم غربته فِينَا ويؤويه)
)
(لَو كَانَ أمهله دَاعِي الْمنون إِلَى ... أَن تَنْتَهِي فِي أَمَالِيهِ أمانيه)
(لَكَانَ أهداه روضاً كُله زهر ... أنامل الْفِكر فِي مَعْنَاهُ تجنيه)
(من للقريض فَلم أعرف لَهُ أحدا ... سواهُ رقت بِهِ فِينَا حَوَاشِيه)
(مَا كَانَ ذَاك الَّذِي تَلقاهُ ينظمه ... شعرًا وَلكنه سحر يعانيه)
(يهز سامعه حَتَّى يخيل لي ... كأس الحميا إدارتها قوافيه)
(وَمن يمر على القرطاس رَاحَته ... فينبت الزهر غضاً فِي نواحيه)
(مَا كل من خطّ فِي طرس وسوده ... بالحبر تَغْدُو بِهِ بيضًا لياليه)
(وَلَا تخل كل من فِي كَفه قلم ... إِذا دَعَاهُ إِلَى معنى يلبيه)
(هَيْهَات مَا كَانَ فتح الدّين حِين مضى ... وَالله إِلَّا فريداً فِي معاليه)
(كم حَاز فضلا يَقُول الْقَائِلُونَ لَهُ ... لَو حازك اللَّيْل لابيضت دياجيه)
(لَا تسْأَل النَّاس سلني عَن خلائقه ... لتأْخذ المَاء عني من مجاريه)
(مَاذَا أَقُول وَمَا للنَّاس من صفة ... محمودة قطّ إِلَّا ركبت فِيهِ)
(كَالشَّمْسِ كل الورى يدْرِي محاسنها ... وَالْكَاف زَائِدَة لَا كَاف تَشْبِيه)
(سقى الْغَمَام ضريحاً قد تضمنه ... صوباً إِذا انهل لَا ترقى غواديه)
(وباكرته تحيات نوافحها ... من الْجنان تحييه فتحييه)
وكتبت إِلَيْهِ عِنْد قدومي دمشق من الْقَاهِرَة الْخَفِيف(1/227)
(كَانَ سَمْعِي فِي مصر بالشيخ فتح الدّين يجني الْآدَاب وَهِي شهيه)
(يَا لَهَا غربَة بِأَرْض دمشق ... أعوزتني الْفَوَاكِه الفتحيه)
وكتبت إِلَيْهِ السَّرِيع
(يَا حَافِظًا كم لرواياته ... من جنَّة فِي بطن قرطاس)
(وَكم شذى من سنة الْمُصْطَفى ... قد ضَاعَ من حفظك للناسى)
وأنشدني رَحمَه الله من لَفظه لنَفسِهِ الْبَسِيط
(فقري لمعروفك الْمَعْرُوف يغنيني ... يَا من أرجيه وَالتَّقْصِير يرجيني)
(إِن أوبقتني المطايا عَن مدى شرف ... نجا بإدراكه الناجون من دوني)
(أَو غض من أملي مَا سَاءَ من عَمَلي ... فَإِن لي حسن ظن فِيك يَكْفِينِي)
)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الطَّوِيل
(عذيري من دهر تصدى معاتباً ... لمستمنح العتبى فاقصد من قصد)
(رَجَوْت بِهِ وصل الحبيب فعندما ... تبدي لي المعشوق قابله الرصد)
وأنشدني إجَازَة وَمن خطه نقلت مجزوء الوافر
(صرفت النَّاس عَن بَال ... فحبل ودادهم بالي)
(وحبل الله معتصمي ... بِهِ علقت آمالي)
(وَمن يسل الورى طراً ... فَإِنِّي عَنْهُم سَالَ)
(فَلَا وَجْهي لذِي جاه ... وَلَا ميلي لذِي مَال)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْخَفِيف
(يَا بديع الْجمال شكر جمالك ... إِن توافى عشاقه بوصالك)
(لنت عطفا لَهُم وقلبك قَاس ... فهم يَأْخُذُونَ من ذَا لذَلِك)
(غير أَن الْكَمَال أولى بذا الح سنّ وَمن للبدور مثل كمالك)
قابلت وَجهك السَّمَاء فشكل الْبَدْر مَا فِي مرآتها من خيالك
(مثلته لَكِن رسوم صداها ... كلفته فقصرت عَن مثالك)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ ملغزا السَّرِيع
(ظَبْي من التّرْك هضيم الحشا ... مهفهف الْقد رَشِيق القوام)
(للطرف من تذكاره عِبْرَة ... وَالْقلب شوق أرق المستهام)(1/228)
الِاسْم قراقوش وأنشدني لنَفسِهِ إجَازَة وَمن خطه نقلت السَّرِيع
(ومستنير بسنا رَأْيه ... وَقَلبه من حوبه مظلم)
(يَرْجُو وَمَا قدم من صَالح ... ربحا وَهل ربح لَهُ يقسم)
(وَالله بالعصر على خسره ... مَا لم يقدم صَالحا يقسم)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الطَّوِيل
(سلى عَن غرامي مدمعي فَهُوَ صَادِق ... وَسَاكن قلبِي فَهُوَ للبين خافق)
(ونومي يَا وسنى سليه فإنني ... لما ضَاعَ مِنْهُ فِي جفونك رائق)
(تمنيني الْأَيَّام مِنْك بخلسة ... فكم عِنْدهَا عَمَّا تمنى عوائق)
)
(مَتى وعدت بالوصل فالوعد كَاذِب ... وَإِن وعدت بالهجر فالوعد صَادِق)
(حكى حسن من أحببتها الشَّمْس أشرقت ... فَلَا زَالَ ذَاك الْحسن مَا ذَر شارق)
(بِكُل فؤاد من هَواهَا مغارب ... وَفِي كل حسن من حلاها مَشَارِق)
(تثنت فَمن أعطافها الْغُصْن مائس ... وَمن لينها غُصْن الخميلة سَارِق)
(يلوم عَلَيْهَا لَا عدته ملامة ... عَدو منَاف أَو صديق مُنَافِق)
(وَمَا العذل مَقْبُول إِذا صدق الْهوى ... وَلَا اللوم عَن طرق الصبابة عائق)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْكَامِل
(عهدي بِهِ والبين لَيْسَ يروعه ... صب براه نحوله ودموعه)
(لَا تَطْلُبُوا فِي الْحبّ ثار متيم ... فالموت من شرع الغرام شُرُوعه)
(عَن سَاكن الْوَادي سقته مدامعي ... حدث حَدِيثا طَابَ لي مسموعه)
(أفدى الَّذِي عنت البدور لوجهه ... إِذْ حل معنى الْحسن فِيهِ جَمِيعه)
(الْبَدْر من كلف بِهِ كلف بِهِ ... والغصن من عطف عَلَيْهِ خضوعه)
(معسول المراشف واللمى ... حُلْو الحَدِيث ظريفه مطبوعه)
(دارت رحيق لحاظه فلنا بهَا ... سكر يجل عَن المدام صَنِيعه)
(يجني فاضمر عَتبه فَإِذا بدا ... فجماله مِمَّا جناه شفيعه)
وأنشدني إجَازَة وَمن خطه نقلت لَهُ الْبَسِيط
(إِن غض من فقرنا قوم غنى منحوا ... فَكل حزب بِمَا أوتوه قد فرحوا)
(إِن هم أضاعوا لحفظ المَال دينهم ... فَإِن مَا خسروا أَضْعَاف مَا ربحوا)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الْبَسِيط
(قضى وَلم يقْض من أحبابه أرباً ... صب إِذا مر خفاق النسيم صبا)(1/229)
(رَاض بِمَا صنعت أَيدي الغرام بِهِ ... فحسبه الْحبّ مَا أعْطى وَمَا سلبا)
(لَا تحسبن قَتِيل الْحبّ مَاتَ فَفِي ... شرع الْهوى عَاشَ للأحباب منتسبا)
(فِي جنَّة من مَعَاني حسن قَاتله ... لَا يشتكي نصبا فِيهَا وَلَا وصبا)
(مَا مَاتَ من مَاتَ فِي احبابه كلفاً ... وَمَا قضى بل قضى الْحق الَّذِي وجبا)
(فالسحب تبكيه بل تسقيه هامية ... وَكَيف تبْكي محباً نَالَ مَا طلبا)
)
(وطوقت جيبها الورقاء واختضبت ... بِهِ وغنت على أعوادها طَربا)
(ومالت الدوحة الْغناء راقصة ... تصبو وتنثر من أوراقها ذَهَبا)
(والغصن نشوان يثنيه الغرام بِهِ ... كَأَنَّهُ من حميا وجده شربا)
(وَالرَّوْض حمل أنفاس النسيم شذا ... أزهاره راجياً من قربه سَببا)
(فِرَاقه الْورْد فاستغنى بِهِ وثنى ... عطفا إِلَيْهِ وَمن رَجَعَ الْجَواب أَبى)
(ففارقت روضها الأزهار واتخذت ... نَحْو الرَّسُول سَبِيلا وابتغت سربا)
(وَحين وافته نادت عِنْد رُؤْيَته ... لمثل هَذَا حباء فليحل حبا)
(تهللت وجنات الْورْد من فَرح ... وأعين النرجس اخضلت لَهُ نغبا)
(سقته واستوسقت من عرفه أرجاً ... أذكى وأعطر أنفاساً إِذا انتسبا)
(وأملت لمحة من حسن قَاتله ... فأجفلت هرباً إِذْ لم تطق رهبا)
ورأيته بعد وَفَاته فِي النّوم رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَهُوَ على عَادَة اجتماعي بِهِ وَهُوَ يَقُول فِي أثْنَاء كَلَامه رَأَيْت التَّرْجَمَة الَّتِي عملتها وَمَا كنت تحْتَاج إِلَى تينك اللفظتين أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ ففطنت فِي النّوم لما قَالَ وكشطتهما لِأَنَّهُمَا لم يَكُونَا من كَلَامي فِي حَقه
وكتبت لَهُ استدعاء اجازته لي بِمَا صورته بعد الحمدلة وَالصَّلَاة المسؤول من إِحْسَان سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة المتقن الْحَافِظ رحْلَة الْمُحدثين قبْلَة المتأدبين جَامع أشتات الْفَضَائِل حاوي محَاسِن الْأَوَاخِر والأوائل الرمل
(حَافظ السّنة حفظا لَا ترى ... مَعَه أَن تعْمل النَّاس الأسنة)
(مَرْكَز الدائر من أهل النَّهْي ... فَإلَى مَا قد حوى تثني إلاعنة)
بديع زَمَانه نادرة أَوَانه ضَابِط الْأَنْسَاب على اختلافها فَهُوَ السَّيْل المتحدر لِابْنِ نقطه ناقل الْعلم الشريف عَن سلفه الَّذِي وَافق على المُرَاد شَرطه ساحب ذيل الْفَخر الَّذِي لَو بلغ السَّمْعَانِيّ جعله فِي الْحِلْية قرطه صَاحب النَّقْل الَّذِي إِذا أَتَى رايت الْبَحْر بأمواجه مِنْهُ يلتطم والعبارة تستبق فِي مضمار لهواته فتزداد وتزدحم الَّذِي أَن ترسل نقصت عِنْده أَلْفَاظ الْفَاضِل وَعجز عَن(1/230)
مفاوضته ومعارضته كل مناظر ومناضل أَو نظم ثَبت الْجَوْهَر الْفَرد خلافًا للنظام فِيمَا زعم وتخطى بِمَا يبديه فرق الفرقدين وترضى النُّجُوم بِمَا حكم أَو أورد مِمَّا قد سمع وَاقعَة مَاتَ التَّارِيخ فِي جلده ووقف سيف كل حاك عِنْد حَده أَو استمد قَلما كف بَصَره عَنهُ ابْن مقلة ووقف ابْن البواب بخدمته يطْلب من فَضله)
فضلَة فَهُوَ الَّذِي تطير أقلامه إِلَى اقتناص شوارد الْمعَانِي فَتكون من أنامله أولى أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث فاطر وتنبعث فكرته فِي خدمَة السّنة النَّبَوِيَّة وَمَا يكره الله هَذَا الانبعاث وتبرز مخبآت الْمعَانِي بنظمه وَمن السحر إِظْهَار الخبايا ويعقد الْأَلْسِنَة عَن معارضته وَعقد اللِّسَان لَا يكون بِغَيْر السحر فِي البرايا وَيُسْتَنْزَلُ كواكب الفصاحة من سماتها بِغَيْر رصد وَيَأْتِي بألفاظه العذبة ونورها للشمس وفحولتها للأسد وَيحل من شرف سيادته بَيْتا عموده الصُّبْح وطنبه المجرة ويتوقل هضبات المنابر ويستجن حَشا المحاريب ويطأ بطُون الأسرة فتح الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن سيد النَّاس السَّرِيع
(لَا زَالَ روض الْعلم من فَضله ... أنفاسه طيبَة النفحق)
(وَكلما نظمات إِلَى نظمه ... أبدى سحابا دَائِم السحق)
(وَكَيف مَا حاوله طَالب ... فِي الْعلم لَا يَنْفَكّ ذَا ننجتحق)
(وَإِن غَدا بَاب النَّهْي مقفلاً ... فِي النَّاس نادوتا يَا أَبَا الفتحق)
إجَازَة كَاتب هَذِه الأحرف جَمِيع مَا رَوَاهُ من أَنْوَاع الْعُلُوم وَمَا حمله من تَفْسِير لكتاب الله تَعَالَى أَو سنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أثر عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله عَنْهُم وَمن بعدهمْ إِلَى عصرنا هَذَا بِسَمَاع من شُيُوخه أَو بِقِرَاءَة من لَفظه أَو سَماع بِقِرَاءَة غَيره أَو بطرِيق الْإِجَازَة خَاصَّة كَانَت أَو عَامَّة أَو بأذن أَو مناولة ث أَو وَصِيَّة ث كَيفَ مَا تأدى ذَلِك إِلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك من كتب الْأَدَب وَغَيرهَا وإجازة مَا لَهُ من مقول نظماً ونثراً وتأليفاً وجمعاً فِي سَائِر الْعُلُوم وَإِثْبَات ذَلِك بأجمعه إِلَى هَذَا التَّارِيخ بِخَطِّهِ إجَازَة خَاصَّة وإجازة مَا لَعَلَّه يتَّفق لَهُ من بعد ذَلِك من هَذِه الْأَنْوَاع فَإِن الرياض لَا يَنْقَطِع زهرها والبحار لَا ينْفد دررها إجَازَة عَامَّة على أحد الرأيين عِنْد من يجوزه وَكَانَ ذَلِك فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع مائَة
فَكتب الْجَواب رَحمَه الله بِمَا صورته بعد حمد الله الْمُجيب من دَعَاهُ الْقَرِيب مِمَّن نَادَى نداه الَّذِي ابتعث مُحَمَّدًا بأنواره الساطعة وهداه وأيده بِصُحْبَة الَّذين حموا حماه ونصروه على من عداهُ وَحزبه الَّذين رووا سنته وَرووا أسنتهم من عداهُ وشفوا بإيراد مناهله من كَانَ يشكو صداه وأجابوه لما دعاهم لما يحييهم إِلَيْهِ إِجَابَة الصَّارِخ صداه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة تبلغهم من الشّرف الرفيع غَايَة مداه وَسلم عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم تَسْلِيمًا يسوغهم مشرع الرضْوَان عذباً ريه سهلاً منتداه فَلَمَّا كتبت أَيهَا الصَّدْر الَّذِي يشْرَح الصُّدُور شِفَاء والبدر الَّذِي يبهر البدور سنا وسناء والحبر الَّذِي غَدا فِي التمَاس أزهار الْأَدَب رَاغِبًا ولاقتباس أنوار الْعلم طَالبا فَحصل على اقتناء فرائدها)
واقتناص شواردها وَألْفي عقله عقال أوابدها ومجال مصائدها ومطار مطاردها بِمَا أودعت الألمعية من الْمعَانِي المبتدعة ذهنه واستعادته على لِسَان قلمه وَقد ألبسته(1/231)
الفصاحة مَا ألبسته من حسن تِلْكَ الفطنة الرمل
(زهر الْآدَاب مِنْهُ يجتني ... حسن الإبداع مَا أبدع حسنه)
(بارع فِي كل فن فَمَتَى ... قَالَ قَالَ النَّاس مَا أبرع فنه)
(وَمَتى مَا فَاه فاض السحر عَن ... غامض الأفكار مِنْهُ المرجحنة)
فالآداب حرسه الله تَعَالَى رياض هُوَ مجتني غروسها وسماء هُوَ مجتلي أقمارها وشموسها وبحر اسْتَقَرَّتْ لَدَيْهِ جواهره وسحر حَلَال لم تنفث فِي عصره إِلَّا عَن قلمه سواحره فَلهُ فِي فني النّظم والنثر حمل الرايتين وَسبق الغايتين وحوز البراعتين وسر الصناعتين وَهُوَ مجمع الْبَحْرين فَمَا طل الغمامة وَله النّظر الثاقب فِي دقائقهما فَمن زرقاء الْيَمَامَة أَن سَام نظما فَمن شَاعِر تهَامَة وَإِن شَاءَ انشاء فَلهُ التَّقَدُّم على قدامَة وَأَن وشى طرساً فَمَا ابْن هِلَال إِلَّا كالقلامة إِن أُجِيز لَك مَا عِنْدِي فَكَأَنَّمَا ألزمتني أَن أتجاوز حدي لَوْلَا الْإِقْرَار بِأَن الرِّوَايَة عَن الإقران نهج مهيع وَالِاعْتِرَاف بِأَن للكبير من بَحر الصَّغِير الاغتراف وَأَن لم يكن مشرعه ذَاك المشرع فَنعم قد أجزت لَك مَا رويته من أَنْوَاع الْعُلُوم وَمَا حَملته على الشَّرْط الْمَعْرُوف وَالْعرْف الْمَعْلُوم وَمَا تضمنه الاستدعاء الرقيم بخطك الْكَرِيم مِمَّا اقتدحه زندي الشحاح وجادت لي بِهِ السجايا الشحاح من فنون الْأَدَب الَّتِي باعك فِيهَا من باعي أمد وسهمك فِي مراميها من سهمي أَسد وأذنت لَك فِي اصلاح مَا تعثر عَلَيْهِ من الزلل وَالوهم والخلل الصَّادِر عَن غَفلَة اعترت النَّقْل أَو وهلة اعترضت الْفَهم فِيمَا صدر عَن قريحتي القريحة من النثر وَالنّظم وَفِيمَا ترَاهُ من استبدال لفظ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَعَلَّه أنجى من المرهوب أَو أنجع فِي نيل الْمَطْلُوب أَو أجْرى فِي سنَن الفصاحة على الأسلوب وَقد أجزت لَك إجَازَة خَاصَّة يرى جَوَازهَا بعض من لَا يرى جَوَاز الْإِجَازَة الْعَامَّة أَن تروى عني مَا لي من تصنيف أبقيته فِي أَي معنى انتقيته فَمن ذَلِك وَذكر رَحمَه الله تَعَالَى مَا لَهُ من التصانيف وَقد ذكرتها أَنا آنِفا قد أجزت لَك أيدك الله جَمِيع ذَلِك بِشَرْط التَّحَرِّي فِيمَا هُنَالك تبركاً بِالدُّخُولِ فِي هَذِه الحلبة وتمسكاً باقتفاء السّلف فِي ارتقاء هَذِه الرُّتْبَة واقبالاً من نشر السّنة على مَا هُوَ أُمْنِية المتمني وامتثالاً لقَوْله عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بلغُوا عني فقد أخبرنَا أَبُو الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن عبد الْمُنعم بن عَليّ الْحَرَّانِي رَحمَه الله تَعَالَى بِقِرَاءَة وَالِدي رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَأَنا أسمع سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة قَالَ أخبرنَا أَبُو عَليّ ابْن أبي)
الْقَاسِم الْبَغْدَادِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع سنة سِتّ مائَة وَقبل ذَلِك سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس مائَة وَأَنا محْضر فِي الْخَامِسَة قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ قَاضِي المارستان سَمَاعا عَلَيْهِ سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس مائَة قَالَ أَنا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة قَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن بشار السابوري بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن محمويه العسكري حَدثنَا مُحَمَّد ابْن ابراهيم بن كثير الصُّورِي حَدثنَا الْفرْيَابِيّ عَن ابْن ثَوْبَان عَن حسان ابْن عَطِيَّة عَن أبي كَبْشَة السَّلُولي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغُوا عني وَلَو آيَة وَحَدثُوا عَن بني اسرائيل وَلَا حرج وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من(1/232)
النَّار أَبُو كَبْشَة السَّلُولي تَابِعِيّ ثِقَة وَالصَّحِيح أَنه لَا يعرف اسْمه ومولدي فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسبعين وست مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَفِي هَذِه السّنة أجَاز لي الشَّيْخ الْمسند نجيب الدّين أَبُو الْفرج عبد اللَّطِيف بن عبد الْمُنعم الْحَرَّانِي وَكَانَ أبي رَحمَه الله يُخْبِرنِي أَنه كناني وأجلسني فِي حجره وَكَانَ يسْأَله عني بعد ذَلِك وَأَجَازَ لي بعده جمَاعَة ثمَّ فِي سنة خمس وَسبعين حضرت مجْلِس سَماع الحَدِيث عِنْد جمَاعَة من الْأَعْيَان مِنْهُم الحبر الإِمَام شيخ الْإِسْلَام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي ابْن أخي الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَأثبت اسْمِي فِي الطباق حَاضرا فِي الرَّابِعَة ثمَّ فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ كتبت الحَدِيث عَن شَيخنَا الإِمَام قطب الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقُسْطَلَانِيّ رَحمَه الله بخطي وقرأت عَلَيْهِ بلفظي وعَلى الشُّيُوخ من أَصْحَاب الْمسند أبي حَفْص ابْن طبرزذ والعلامة أبي الْيمن الْكِنْدِيّ وَالْقَاضِي أبي الْقَاسِم الحرستاني والصوفي أبي عبد الله ابْن الْبناء وَأبي الْحسن ابْن الْبناء وَغَيرهم بِمصْر والاسكندرية وَالشَّام والحجاز وَغير ذَلِك وَأَجَازَ لي جمَاعَة من الروَاة بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام وافريقية والأندلس وَغَيرهَا يطول ذكرهم وحبذا أيدك الله اختيارك من طلب الحَدِيث الدرجَة الْعَالِيَة وايثارك أَن تكون مَعَ الْفرْقَة النَّاجِية لَا الْفرْقَة التاوية فقد أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّد عبد اللَّطِيف وَعبد الْعَزِيز ابْنا الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن عَليّ بن نصر بن مَنْصُور بن الصيقل الْحَرَّانِي الأول إجَازَة وَالثَّانِي سَمَاعا قَالَا أَنا ضِيَاء بن الخريف أَنا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي أَنا أَبُو بكر الْخَطِيب أَنا أَبُو نعيم الْحَافِظ أَنا أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ سُلَيْمَان بن أَحْمد بن أيّوب بن مطير اللَّخْمِيّ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن هَاشم البعلبكي حَدثنَا عبد الْملك بن الْأَصْبَغ البعلبكي ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن بني اسرائيل افْتَرَقت على إِحْدَى وَسبعين فرقة وَأَن أمتِي سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين)
فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة وَهِي الْجَمَاعَة وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى الْخَطِيب قَالَ ثنى عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ السوذرجاني بأصبهان قَالَ سَمِعت عبد الله بن الْقَاسِم يَقُول سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن روه يَقُول ثَنَا ابراهيم بن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حدثت عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَذكر حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفترق الْأمة على نَيف وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة فَقَالَ إِن لم يَكُونُوا أَصْحَاب الحَدِيث فَلَا أَدْرِي من هم وَبِه إِلَى أبي بكر الْخَطِيب قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي الْحسن قَالَ أَخْبرنِي أَبُو الْقَاسِم بن سختويه قَالَ سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مَنْصُور الْحَافِظ بصور يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن عبد الله بن بشر بفسا يَقُول رأيتُ النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي الْمَنَام فَقلت يَا رَسُول الله من الْفرْقَة النَّاجِية من ثَلَاث وَسبعين فرقة قَالَ أَنْتُم يَا أَصْحَاب الحَدِيث وَبِه إِلَى الْخَطِيب قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ ثَنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد التسترِي بهَا ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف(1/233)
بن مسْعدَة املاء قَالَ سَمِعت عبد الله بن سَلام يَقُول أَنْشدني عَبدة بن زِيَاد الْأَصْبَهَانِيّ من قَوْله الْكَامِل
(دين النَّبِي مُحَمَّد أَخْبَار ... نعم المطية للفتى الْآثَار)
(لَا تخدعن عَن الحَدِيث وَأَهله ... فَالرَّأْي ليل والْحَدِيث نَهَار)
(ولربما غلط الْفَتى سبل الْهدى ... وَالشَّمْس بازغة لَهَا أنوار)
أَنْشدني وَالِدي أَبُو عَمْرو مُحَمَّد قَالَ أَنْشدني وَالِدي أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى بن سيد النَّاس رحمهمَا الله تَعَالَى قَالَ أَنْشدني الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن مفرج النباتي قَالَ أَنْشدني أَبُو الْوَلِيد سعد السُّعُود بن أَحْمد بن هِشَام قَالَ أَنْشدني الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْملك أَنْشدني أَبُو أُسَامَة يَعْقُوب قَالَ أَنْشدني وَالِدي الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم لنَفسِهِ الرمل
(من عذيري من أنَاس جهلوا ... ثمَّ ظنُّوا أَنهم أهل النّظر)
(ركبُوا الرَّأْي عناداً فسروا ... فِي ظلام تاه فِيهِ من غبر)
(وَطَرِيق الرشد نهج مهيع ... مثل مَا أَبْصرت فِي الْأُفق الْقَمَر)
(وَهُوَ الْإِجْمَاع وَالنَّص الَّذِي ... لَيْسَ إِلَّا فِي كتاب أَو أثر)
وَالله الْمَسْئُول أَن يلهمنا رشدا يدلنا عَلَيْهِ وَدلَالَة تهدينا إِلَى مَا يزلفنا لَدَيْهِ وهداية يسْعَى نورها بَين أَيْدِينَا إِذا وقفنا يَوْم الْعرض بَين يَدَيْهِ بمنه وَكَرمه
3 - (جمال الدّين مُحَمَّد بن نَبَاته مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن)
ابْن أبي الْحسن بن صَالح بن عَليّ بن يحيى بن طَاهِر بن مُحَمَّد بن الْخَطِيب أبي يحيى عبد الرَّحِيم بن)
نَبَاته الفارقي الأَصْل الْمصْرِيّ المولد الحذاقي الشَّافِعِي جمال الدّين أَبُو بكر الأديب النَّاظِم الناثر تفرد بلطف النّظم وعذوبة اللَّفْظ وجودة الْمَعْنى وغرابة الْمَقْصد وجزالة الْكَلَام وانسجام التَّرْكِيب وَأما نثره فَإِنَّهُ الْغَايَة فِي الفصاحة سلك مَنْهَج الْفَاضِل رَحمَه الله وحذا حذوه واطفأ نور ابْن عبد الظَّاهِر فَلم يدع لَهُ فِي الْقُلُوب حظوة وَأما خطه فأغلى قيمَة من الدّرّ لَو رزق حظا وأغزر دِيمَة من الْغَيْث إِلَّا أَن الزَّمَان أصبح قلبه عَلَيْهِ فظاً لَو أنصفه الدَّهْر كَانَ للْكتاب إِمَامًا وَلَو رقاه رتباً يَسْتَحِقهَا لغرد سجعه حَماما وانسجم لَفظه غماماً وطلع بدر فَضله تَمامًا الْكَامِل
(وغضارة الْأَيَّام تأبى أَن يرى ... فِيهَا لأبناء الذكاء نصيب)
(ولذاك من صحب اللَّيَالِي طَالبا ... جدا وفهماً فَاتَهُ الْمَطْلُوب)
ولد بِمصْر فِي زقاق الْقَنَادِيل سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست مائَة وَنَشَأ بالديار المصرية وَبهَا تأدب واشتغل بفني النّظم والنثر وَسمع مِمَّن أمكنه السماع مِنْهُ وَكَانَ لَهُ بِالْقَاضِي عَلَاء الدّين ابْن عبد(1/234)
الظَّاهِر اجْتِمَاع وَله مِنْهُ نصيب وَورد إِلَى الشَّام سنة خمس عشرَة تَقْرِيبًا ومدح أكابرها وأجازوه ومدح الْملك المؤيَّد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة فَأَجَازَهُ وَجعل ذَلِك عَادَة لَهُ فِي كل سنة فمدحه بمدائح حَسَنَة ثمَّ لما مَاتَ رَحمَه الله اسْتمرّ بذلك الرَّاتِب لَهُ وَلَده الْملك الْأَفْضَل نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَكَانَ يرتحل إِلَى حلب وطرابلس ثمَّ إِنَّه اقْتصر آخر أمره على الْإِقَامَة بِدِمَشْق والانجماع عَن النَّاس وَقَررهُ الصاحب أَمِين الدّين أَمِين الْملك رَحمَه الله أَن يكون فِي كل سنة نَاظر القمامة بالقدس الشريف أَيَّام زِيَارَة النَّصَارَى لَهَا فَيتَوَجَّه يُبَاشر ذَلِك وَيعود وأضيف لَهُ إِلَى نكد الزَّمَان أَنه لم يَعش لَهُ ولد فَدفن فِيمَا أَظن قَرِيبا من سِتَّة عشر ولدا كلهم إِذا ترعرع وَبلغ خمْسا أَو سِتا أَو سبعا يتوفاه الله تَعَالَى فيجد لذَلِك الآلام المبرحة ويرثيهم بالأشعار الرائقة الرقيقة كتبت إِلَيْهِ من الديار المصرية فِي سنة تسع وَعشْرين وَسبع مائَة استدعاه لاجازته لي صورته الْحَمد لله على نعمائه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على خير انبيائه مُحَمَّد وَآله وَصَحبه واصفيائه المسؤول من إِحْسَان سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة رحْلَة الْأَدَب قبْلَة ذَوي التحصين لَهُ فِي التَّحْصِيل والدأب الَّذِي تبيت شوارد الْمعَانِي صرعي تخوله للطافة تخيله وتمسي الْأَلْفَاظ العذبة طوع تحوله فِي التَّرْكِيب وتحيله فأمسى وَله النسيب الَّذِي يضْحك من الْعَبَّاس من رقته وَيُقِيم صريع الغواني إِلَى مقته بعد مقته والغزل الَّذِي يشيب لَهُ فود الْوَلِيد ويسترق الْحر من كَلَام عبيد والتشبيه الَّذِي لَو علمه ابْن المعتز لما نصب الْهلَال فخاً لصيد النُّجُوم وَلَو تعاطاه حفيد جريج لقيل لَهُ ألم تسمع ألم)
غلبت الرّوم الرّوم والمديح الَّذِي لَو بلغ زهيراً لقَالَ مَا أَنا من هَذِه الحدائق أَو اتَّصل نبأه بالمتنبي لاشتغل عَن ذكر العذيب وبارق والرثاء الَّذِي نقص عِنْده أَبُو تَمام بعد أَن رفع لَهُ لِوَاء الشّرف وَالْفَخْر وَقَالَ هَذِه عذوبة الزلَال لَا مَا تفجر من الخنساء على صَخْر والترسل الَّذِي سقى الْفَاضِل كأسغ الحتوف لما شبه الغمود بالكمائم وَالسُّيُوف بالأزهار وأذهله حَتَّى صحت لَهُ قسْمَة التَّجْنِيس فِي الْخَيل والخيال بَين المراقب والمراقد واخطأت مَعَه فِي المرابع والمساجد بَين الأنواء والأنوار وَالْكِتَابَة الَّتِي تَغْدُو الطروس بهَا وَكَأَنَّهَا برود محبرة أَو سَمَاء بالنجوم زاهرة أَن لم ترض أَن تكون فِي الأَرْض رياضا مزهرة الْكَامِل
(أدب على الحصري يَعْلُو تاجه ... وَله ابْن بسام بكي ألوانا)
(وَترسل سُبْحَانَ من قد زَاده ... مِنْهُ وَأعْطى الْفَاضِل النقصانا)
(وَكِتَابَة لعلوها فِي وَضعهَا ... لَيْسَ ابْن مقلة عِنْدهَا انسانا)
(فلكم أخي فضل رَأَتْ عَيناهُ فِي ال أوراق لِابْنِ نَبَاته بستانا)
جمال الدّين أبي بكر مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد بن نَبَاته جمع الله(1/235)
بِهِ شتات الْأَدَب فِي دوحة هَذِه الدولة وَلم بِهِ شعث ابنائه الَّذين لَا صون لَهُم وَلَا صولة وَأقَام بِهِ عماد أَبْيَات الشّعْر الَّتِي لولاه لما عرفت دَار مية من اطلال خَوْلَة بمنه وَكَرمه اجازة كَاتب هَذِه الأحرف مَا لَهُ فسح الله فِي مدَّته من رِوَايَة المصنفات فِي الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة والتأليفات الأدبية على اخْتِلَاف أوضاعها وتباين أجناسها وأنواعها بِحَسب مَا تأدى ذَلِك إِلَيْهِ واتصل بِهِ من قِرَاءَة أَو سَماع أَو إجَازَة أَو وَصِيَّة أَو جادة من مَشَايِخ الْعلم الَّذين أَخذ عَنْهُم واجازة مَا لَهُ أحسن الله إِلَيْهِ من مقول نظماً أَو نثراً تأليفاً أَو وضعا اجازة خَاصَّة واثبات مَا لَهُ من التصانيف إِلَى هَذَا التَّارِيخ بِخَطِّهِ الْكَرِيم واجازة مَا لَعَلَّه يَقع لَهُ بعد ذَلِك اجازة عَامَّة على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة فَإِن الرياض لَا يَنْقَطِع زهرها والبحار لَا تنفد دررها واثبات مَا يحسن ايراده فِي هَذِه الاجازة من المقاطيع الرائقة والأبيات اللائقة وَذكر نسبه ومولده ومكانه فَأجَاب بِمَا صورته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد حمدا لله الَّذِي إِذا توجه ذُو السُّؤَال إِلَيْهِ فَازَ وَإِذا دعى كرمه ذَوُو الطّلب أجَاب وَأَجَازَ وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد كعبة الْقَصْد الَّتِي لَيْسَ بَينهَا وَبَين النجح حجاز وعَلى آله وَصَحبه حقائق الْفضل والفصل وَمن بعدهمْ مجَاز فَلَو لزم فِي كل الْأَحْوَال تناسب المخاطبة وَكَانَ جَوَاب السُّؤَال بِحَسب مَا بَينهمَا من شرف الْمُنَاسبَة لما رضى سجع الحمائم لمطارحته نوعا من الأطيار وَلَا قبل فصحاء الأول مُرَاجعَة الصدى من الديار)
وَلَا قنع غمز حواجب الْأَحِبَّة برد الْقُلُوب الهائمة فِي أَوديَة الأفكار وَلَكِن تَقول الأكابر والاتباع تبذل من الْأَجْوِبَة جهدها وتنفق مِمَّا عِنْدهَا وتجرد الأماثل سيوف النُّطْق وَلَا تتعدى الْأَوْلِيَاء من الطَّاعَة حَدهَا وَلما كنت أَيهَا الراقم برود هَذَا السُّؤَال ببيانه والمنشئ روض هَذَا الاستدعاء بآثار السحب من بنانه والسائل الَّذِي هزت المعاطف فضائله وسحرت أَرْبَاب الْعُقُول عقائله وَأقَام المسؤول مقَاما لَيْسَ هُوَ من أَهله فليتق الله سائله فريد فن الْأَدَب الَّذِي لَا يُبَارى وبحره الَّذِي لَا يهدى غائص قلمه الدّرّ إِلَّا كبارًا وَذَا الْيَد الْبَيْضَاء فِيهِ الَّذِي طالما آنس من جَانب ذهنه الشريف نَارا وخليله الَّذِي اطلع على أسراره الدقيقة ورئيسه الَّذِي لَو جارى ابْن المعتز وتمت ولَايَته لَكَانَ خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ على الْحَقِيقَة وناظمه الَّذِي يسرى الطائيان تَحت علمه المنشور وكاتبه الَّذِي يتبحح العبدان بِالدُّخُولِ تَحت رقّة الْمَأْثُور طالما شافه مِنْهُ الْعلم وَجها جميلا وَقدرا جَلِيلًا ولاقى من لَا ينْدَم على صحبته فَيَقُول لَيْتَني لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا الْفرْقَان فَهُوَ الْغَرْس الَّذِي يقصر عَن آمالي وَصفه الشجري ويفخر الدّين وَالْعلم بشخصه وَلَفظه فَهَذَا يَقُول غرسى وَهَذَا يَقُول ثمرى كم أغْنى بمفرد شخصه عَن فضلاء جيل وَكم بدا للسمع وَالْبَصَر من بَنَات فكره بثينة وَمن وَجهه جميل وَكم تنزهت الأفكار من لَفظه وخطّه بَين ريحَان وَورد لَا بَين أذخر وجليل وَكم دَامَ عَهده وودّه حَتَّى كَاد يبطل قَول الأول دَلِيل على أَن لَا يَدُوم خَلِيل توّد الشهب لَو كَانَت حَصْبَاء غَدِير طرسه وتغار الْأُفق إِذا طرز يراع دَرَجه بالظلماء أردية شمسه ويتحاسد النّظم والنثر على مَا تنْتج مُقَدمَات مَنْطِقه من النتائج وينشده كل مِنْهُمَا إِذا حاول القَوْل خَلِيل الصَّفَا هَل أَنْت بِالدَّار عائج إِن كتب أغضى ابْن مقلة من الْحَسَد على قذاة وَحمل ابْن البواب لحجبته عَصا الْقَلَم قَائِلا مَا ظلم من أشبه أَبَاهُ وَإِن نحا النَّحْو لباه عشرا(1/236)
ولأنت أعطاف الْحُرُوف قسراً وتشاجرت الْأَمْثِلَة على لَفظه فَلَا غرو أَن ضرب زيد عمرا يترجل كَلَام الْفَارِسِي بَين يَدَيْهِ ويطير لفظ ابْن عُصْفُور حذرا من الْبَازِي المطل عَلَيْهِ وَإِن شعر هامت الشُّعَرَاء بِذكرِهِ فِي كل وَاد وَحمل ذكرهَا فِي كل نَاد ونصبت بيوته على يفاع الشّرف كَمَا تنصب بيُوت الأجواد طالما بلد لبيدا وَولي شعر ابْن مقبل مِنْهُ شَرِيدًا وَقَالَت الْآدَاب لبحتري لَفظه ألم نربك فِينَا وليدا الشُّعَرَاء وَإِن نثر فَمَا الدّرّ الْيَتِيم إِلَّا تَحت حجره وَلَا الزهر النَّضِير إِلَّا مَا ارتضع من أخلاف قطره وَلَا المترسلون إِلَّا من تصرف فِي ولَايَة البلاغة تَحت نَهْيه وَأمره وَإِن تكلم على فنون الْأَدَب روى الظما وجلا مَعَاني الْأَلْفَاظ كالدمى وَقَالَ الْعرُوض لَهُ وَلابْن أَحْمد خليلي هبا بَارك الله فيكما هَذَا وَكم أثنى قدم عُلُوم الْأَوَائِل على فكره الْحَكِيم وَشهِدت رِوَايَة الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة بفضله وَمَا أَعلَى من شهد بفضله)
الحَدِيث وَالْقَدِيم الْبَسِيط
(علت بِهِ دَرَجَات الْفضل واتضحت ... دقائق من مَعَاني لَفظه البهج)
(هَذَا وليل الشَّبَاب الجون منسدل ... فَكيف حِين يضيء الشيب بالسرج)
(يَا حبذا أعين الْأَوْصَاف ساهرة ... بَين الدقائق من علياه والدرج)
بدأتني أعزّك الله من الْوَصْف بِمَا قل عَنهُ مَكَاني واضمحل عياني وَكَاد من الخجل يضيق صَدْرِي وَلَا ينْطَلق لساني الشُّعَرَاء وحمغلت كاهلي من الْمَنّ مَا لم يسْتَطع وَضربت لذكرى فِي الْآفَاق نوبَة خليلية لَا تَنْقَطِع وَسَأَلتنِي مَعَ مَا عنْدك من المحاسن الَّتِي لَهَا طرب من نَفسهَا وثمر من غرسها أَن أجيبك وأجيزك وأوازن بمثقال كلمي الْحَدِيد أبريزك وأقابل لسنك الْمُطلق بلساني المحصور وَأثبت استدعاءك الجليلي على بَيت مَال نطقي المكسور فتحيرت بَين أَمريْن أَمريْن وَوَقع ذهني السقيم بَين دائين مضرين إِن فعلت مَا أمرت فَمَا أَنا من ارباب هَذَا الْقدر العالي والصدر الحالي وَمن أَنا من أَبنَاء مصر حَتَّى أتقدم لهَذَا الْملك الْعَزِيز وَكَيف أطالب مَعَ اقتار علمي وفهمي بِأَن أُجِيب واجيز وَأَيْنَ لمقيد خطوى هَذِه الوثبات وَإِنِّي يماثل قُوَّة هَذَا الْغَرْس ضعف هَذَا النَّبَات وَأَن منعت فقد أَسَأْت الْأَدَب وَالْمَطْلُوب حسن الْأَدَب مني وأهملت الطَّاعَة الَّتِي أَقرع بعْدهَا بِرُمْح الْقَلَم سنى وفاتني شرف الذّكر الَّذِي امْتَلَأَ بِهِ حَوْض الرِّجَال وَقَالَ قطني ثمَّ ترجح عِنْدِي إِن أُجِيب السُّؤَال وأقابل بالامتثال وأتحامل على ظلع الْأَقْوَال صَابِرًا على تهكم سائلي مُعظما قدري كَمَا قيل بتغافلي منقاداً إِلَى جنَّة استدعائك من السطور بسلاسلي وأجزت لَك أَن تروى عني مَا تجوز لي رِوَايَته من مسموع(1/237)
ومأثور ومنظوم ومنثور وإجازة ومناولة ومطارحة ومراسلة وَنقل وتصنيف وتنضيد وتفويف وماض ومتردد وَآت على رَأْي بعض الروَاة ومتجدد وَجَمِيع مَا تضمنه استدعاؤك فأجمع مَا يكون لَفظه المتفرد كَاتبا لَك بذلك خطى مشترطاً عَلَيْك الشَّرْط الْمُعْتَبر فَلْيَكُن قبولك يَا عَرَبِيّ الْبَيَان جَوَاب شرطي ذَاكِرًا من لمع خبري مَا أَبْطَأت بِذكرِهِ وَأَرْجُو أَن أبطئ وَلَا أخطئ فَأَما مولدِي فبمصر المحروسة فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست مائَة بزقاق الْقَنَادِيل وَأما شُيُوخ الحَدِيث الَّذين رويت عَنْهُم سَمَاعا وحضوراً فَمن أقدمهم الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الهيجاء غَازِي بن أبي الْفضل بن عبد الْوَهَّاب نزيل قطيا الْمَعْرُوف بِابْن الردّاف سَمِعت عَلَيْهِ بعض الغيلانيات وَهُوَ الْجُزْء الثَّانِي وَالثَّالِث من تجزئة أحد عشر جُزْءا وَالشَّيْخ عزّ الدّين أَبُو نصر عبد الْعَزِيز بن أبي الْفرج الحصري الْبَغْدَادِيّ سَمِعت عَلَيْهِ جُزْءا من أَحَادِيث خرجها لَهُ وَالِدي وَالشَّيْخ الْعَالم شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي)
مُحَمَّد إِسْحَاق بن مُحَمَّد الهمذاني الأبرقوهي سَمِعت عَلَيْهِ السِّيرَة النَّبَوِيَّة بِقِرَاءَة الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيّد النَّاس وَأما من أجازني مِنْهُم بِمصْر وَغَيرهَا من الْأَمْصَار فكثير أخبرنَا الشَّيْخ الْمسند عز الدّين أَبُو الْعِزّ عبد الْعَزِيز بن عبد الْمُنعم بن عَليّ الحرّاني رَحمَه الله أجازة انا الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح يُوسُف بن الْمُبَارك بن كَامِل قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر بِبَغْدَاد أَنا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أَنا الشَّيْخ أَبُو الْغَنَائِم عبد الصَّمد بن عَليّ بن مُحَمَّد قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر قيل لَهُ أخْبركُم أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر بن أَحْمد الدَّارَقُطْنِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل الْأَيْلِي ثَنَا أَحْمد بن الْمُعَلَّى بن يزِيد ثَنَا حَمَّاد بن الْمُبَارك ثَنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب ثَنَا مَرْوَان بن جنَاح عَن هِشَام بن عُرْوَة أَنه أخبرهُ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَن من الشّعْر حِكْمَة وَأما الْفُضَلَاء والأدباء الَّذين رويت عَنْهُم وَرَأَيْت مِنْهُم فَمنهمْ القَاضِي الْفَاضِل محيي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الشَّيْخ رشيد الدّين عبد الظَّاهِر الْكَاتِب الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام بهاء الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم بن النّحاس النَّحْوِيّ الْحلَبِي والأمير الْفَاضِل شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الصاحب المورخ شرف الدّين اسماعيل التيتي الْآمِدِيّ اقترح عَليّ وَلم أبلغ الْحلم نظما فِي زِيَادَة النّيل فَقلت مرفل الْكَامِل
(زَادَت أَصَابِع نيلنا ... وطمت فأكمدت الأعادي)
(وَأَتَتْ بِكُل جميلَة ... مَا ذِي أَصَابِع ذِي أيادي)
وَالشَّيْخ الْعَالم علم الدّين قيس بن سُلْطَان الضَّرِير من أهل منية بني خصيب قَرَأت عَلَيْهِ كثيرا من كتب الْأَدَب الْمَشْهُورَة وَكَانَ كثيرا مَا يستنشدني إِلَيّ أَن أنشدته قولي الْبَسِيط
(يَا غائبين تعللنا لغيبتهم ... بِطيب لَهو وَلَا وَالله لم يطب)
(ذكرت والكأس فِي كفي لياليكم ... فالكأس فِي رَاحَة وَالْقلب فِي تَعب)(1/238)
فَقَالَ أتعب وَالله جدعك الْقرح وَالشَّيْخ الْعَالم بهاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْمُفَسّر أَنْشدني يَوْمًا لنَفسِهِ الرمل
(لَا أرى لي فِي حَياتِي رَاحَة ... ذهبت لَذَّة عيشي بِالْكبرِ)
(بَقِي الْمَوْت لمثلي ستْرَة ... يَا آلهي أَنْت أولى من ستر)
فَأَنْشَدته لي الْخَفِيف
(بقلت وجنة الْمليح وَقد ولي ... زمَان الصَّبِي الَّذِي كنت أملك)
)
(يَا عذار الْمليح دَعْنِي فَإِنِّي ... لست فِي ذَا الزَّمَان من خل بقلك)
وَالشَّيْخ الأديب الْفَاضِل سراج الدّين عمر الْوراق الْمصْرِيّ سمعته ينشد لنَفسِهِ الْكَامِل
(يَا خجلتي وصحائفي سود غَدا ... وصحائف الْأَبْرَار فِي إشراق)
(وتوقعي لموبخ لي قَائِل ... أكذا تكون صَحَائِف الْوراق)
والأديب الْفَاضِل نصير الدّين الْمَنَاوِيّ الحمامي أَنْشدني لنَفسِهِ الطَّوِيل
(أحب من الدُّنْيَا إِلَيّ وَمَا حوت ... غزال تبدي لي بكأس رحيق)
(وَقد شهِدت لي سنة اللَّهْو أنني ... أحب من الصَّهْبَاء كل عَتيق)
فَأَنْشَدته لي الْكَامِل
(إِنِّي إِذا آنست هما طَارِقًا ... عجلت باللذات قطع طَرِيقه)
(ودعوت أَلْفَاظ الْمليح وكأسه ... فنعمت بَين حَدِيثه وعتيقه)
وَجَمَاعَة يطول ذكرهم ويعز على أَن لَا يحضرني الْآن إِلَّا شعرهم وَأما مصنفاتي الَّتِي هِيَ كالياسمين لَا تَسَاوِي جمعهَا وَلَوْلَا جبر الخزائن الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة الملكية المؤيدية لَهَا مَا استجزت نصبها وَلَا رَفعهَا فَهِيَ كتاب مجمع الفرائد كتاب الْقطر النباتي كتاب شرح الْعُيُون فِي شرح رِسَالَة ابْن زيدون كتاب منتخب الْهَدِيَّة من المدائح المؤيدية كتاب الْفَاصِل من انشاء الْفَاضِل كتاب زهر المنثور كتاب سجع المطوق كتاب ابزار الْأَخْبَار كتاب شَعَائِر الْبَيْت التَّقْوَى وَلم يكمل إِلَى الْآن الأرجوزه الْمُسَمَّاة فرائد السلوك فِي مصائد الْمُلُوك أجزت لَك أعزّك الله رِوَايَتهَا عني وَرِوَايَة مَا أدونه وأجمعه بعْدهَا حَسْبَمَا اقترحه استدعاؤك ونمقه ونسخه وحققه وتضمنه سؤالك الَّذِي تَصَدَّقت بِهِ على فمنك السُّؤَال ومنك الصَّدَقَة وَالله تَعَالَى يشْكر عَهْدك الْجَمِيل وكلماتك الجزلة وكرمك الجزيل ويمتع فنون الْفَضَائِل الملتجئة إِلَى ظلّ قلمك الظليل وَلَا يعْدم الأحباب الْآدَاب من اسْمك وسمتك خير صَاحب وخليل بمنه وَطوله تمت الْإِجَازَة ثمَّ أنني سَمِعت من لَفظه كتاب منتخب الْهَدِيَّة والقطر النباتي وَكنت قد كتبت عَلَيْهِ وَأَنا بِالْقَاهِرَةِ الوافر
(بحقك لَا تقل فِيمَن تقضي ... وَفَاتَ لقد مضى بالطيبات)(1/239)
(وَرَاح وشعره حُلْو رَقِيق ... فَمَا يتَكَلَّم الْقطر النباتي)
وَسمعت من لَفظه فرائد السلوك وَسمعت من لَفظه الْمُنْتَخب المنصوري وَسمعت من لَفظه النحلة الأنسية فِي الرحلة القدسية وغالب مَا انشأه من النّظم والنثر سمعته وَكنت قد كتبت بِالْقَاهِرَةِ على قِطْعَة)
أهداها من شعره الوافر
(أيا ابْن نَبَاته أهديت شعرًا ... نَصِيبي سكر مِنْهُ وسكر)
(يفوت الْغَيْث عدا وَهُوَ حُلْو ... فشعرك كَيفَ مَا حاولت قطر)
وَقد اخْتَار من دواوين الشُّعَرَاء جملَة مِنْهَا ديوَان ابْن الرُّومِي وديوان ابْن سناء الْملك وديوان ابْن قلاقس وديوان ابْن حجاج وَهُوَ اخْتِيَار جيد سَمَّاهُ تلطيف المزاج من شعر ابْن حجاج وديوان شرف الدّين شيخ الشُّيُوخ وبيني وَبَينه مكاتبات كَثِيرَة ومراجعات أثيرة مِنْهَا مَا كتبه إِلَيّ وَأَنا بِالْقَاهِرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة وَهُوَ الْبَسِيط
(رضيت بالكتب بعد الْقرب فَانْقَطَعت ... حَتَّى رضيت سَلاما فِي حواشيها)
وَينْهى أَنه كَانَ كسير الخاطر حسير النَّاظر لانْقِطَاع بر مَوْلَانَا الممتاز ولامتناع الْمَمْلُوك من الْمُكَاتبَة ظنا أَن بَينهَا وَبَين الْقَصْد حجاز فَلَمَّا وقف الْآن على ذكره فِي حَاشِيَة مُكَاتبَة جمالية اسْتَأْنف للخاطر سُرُورًا وَأقَام وزن الْبَيْت القلبي وَكَانَ مكسوراً وَوضع الطرس على وَجه خطه الْأَعْمَى فَارْتَد بَصيرًا يُوسُف وَجمع بَين ذَلِك الخاطر وَاللَّفْظ وَالْقلب وَإِنَّمَا جمع مِسْكينا ويتيما وأسيرا الْإِنْسَان وسره أشهد الله أَن يكون مَعْدُود الذّكر فِي الْحَاشِيَة واستوقف أَلْفَاظ العتاب وَقد كَانَت إِلَى درج الأدراج مَاشِيَة الطَّوِيل
(حَلَال لليلى أَن تروع فُؤَاده ... بهجر ومغفور لليلى ذنوبها مرفل الْكَامِل)
(لَا تقرعن سَماع من تهوى ... بتعداد الذُّنُوب)
(مَا ناقش الأحباب ... إِلَّا من يعِيش بِلَا حبيب)
وَقد علم الله شوق الْمَمْلُوك إِلَى تِلْكَ الْخَلَائق وربيعها والألفاظ وبديعها وشجوه الَّذِي أخْفى الْجلد وأبانه ووحشته الَّتِي أفردته سَهْما وَاحِدًا فِي دمشق لَا فِي كنَانَة الْبَسِيط
(لم يتْرك الدَّهْر لي خلا أسر بِهِ ... إِلَّا اصطفاه بنأي أَو بهجران)
وَالله تَعَالَى يحرس مَوْلَانَا حَيْثُ كَانَ ويمده بمعونتي الْمَكَان والإمكان ويصون نفاسة نَفسه وَإِن تَغَيَّرت على أحبابها وأعرضت عَن غلمانها ويأبى ناموس الرُّتْبَة أَن يُقَال عَن أَصْحَابهَا وَلَا يعْدم الْأَوْلِيَاء على الْقرب والبعد أَن يجتنوا من نظمه ونثره ثَمَر الْبَيَان متشابهاً الْمَمْلُوك يقبل يَد الجناب الأخوي البرهاني شكر الله احسانه وأوضح فِي اسْتِحْقَاق رتب الْفضل برهانه وود الْمَمْلُوك لَو رَآهُ عِنْد الْقدوم من حلب فَكَانَ يُوفي بعض قروض فَضله وفروض بذله وَلَكِن أَبى الْحَال الْمُنَاسب إِلَّا أَن تبدأ هَدِيَّة ذَلِك الْمولى تحيته فيقابلها الْمَمْلُوك ببخله يَا مَوْلَانَا بلغ الْمَمْلُوك تقدم الْمقر الْفُلَانِيّ وتبينه وتعينه وَأَرَادَ الْمَمْلُوك مطالعته(1/240)
وَعرض وسائله وَلكنه ذكر حِكَايَة بعض جُفَاة الْأَعْرَاب ومتعجرفيهم وَقد اشْتَدَّ بِهِ ضعفه فَقَالَ لَهُ بعض إخوانه تب إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ يَا أخي إِن عافاني تبت فَإِنِّي لَا أقبل القسر فَإِن نظر ذَلِك الْمقر إِلَى الْمَمْلُوك ونفعه كتب وَقَالَ وأطاب وَأطَال ونهض فِي خدمَة أَيَّامه بِمَا لَا ينْهض بِهِ سواهُ من أهل الْمقَال وَإِلَّا الطَّوِيل
(كِلَانَا غَنِي عَن أَخِيه حَيَاته ... وَنحن إِذا متْنا أَشد تَغَانِيًا)
فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك وَينْهى وُرُود الْمِثَال العالي وَالْفضل الَّذِي نصب لي لِوَاء الْفَخر لَو أَنه كَمَا أعهده متوالي وَالْبر الَّذِي كم تمسكت بحباله فَأرْسل الحبا لي وَالرَّوْض الَّذِي هُوَ لِابْنِ الشجري نِهَايَة الْأَمَانِي فِي الأمالي والأزاهر الَّتِي أَصبَحت من جناة جناتها فَلَا بدع إِذا كنت لنار عتبها الْيَوْم صالي الطَّوِيل
(إِذا لم يخن صب فَفِيمَ عتاب ... وَإِن لم يكن ذَنْب فمم يُتَاب)
(أجل مَا لنا إِلَّا هواكم جِنَايَة ... فَهَل عنْدكُمْ غير الصدود عِقَاب)
فَوقف الْمَمْلُوك عَلَيْهِ بعد أَن تمثل وَاقِفًا لَدَيْهِ وَشَاهد ذَلِك اللَّفْظ الرَّقِيق الْمُشْتَمل على العتب الْفظ وَتحقّق أَن هَذَا من جزئيات مَا سَاق إِلَيْهِ الْقسم وحض عَلَيْهِ الْحَظ مخلع الْبَسِيط
(وغايتي أَن الوم حظي ... وحظي الْحَائِط الْقصير)
وَلَقَد علم الْمَمْلُوك عِنْد رُؤْيَته أَنه غمامة تقَعْقع بالعتب رعدها عِنْد الفض وَرَسُول جَاءَ بعد فَتْرَة يَدْعُو الْقلب إِلَى الْكسر والطرف إِلَى الغض وخصم يروع بالعتب ويروق باللطف وَكَذَا جرى لِأَن الروع تعجل نَقده فِي النض الْبَسِيط
(هَذَا عتابك إِلَّا أَنه مقة ... قد ضمن الدّرّ إِلَّا أَنه كلم)
فيا لَهُ من عتاب مَا حاك العتابى مِنْهُ لقطَة لَفْظَة وَلَا رقا إِلَى رقته عتاب جرى بَين الزَّمَان وجحظة وَلَا استحضر مهديه عِنْد تسطيره من الْقُرْآن الْكَرِيم وليجدوا فِيكُم غلظة التَّوْبَة الطَّوِيل
(وأطيبُ أَيَّام الهَوَى يَوْمك الَّذِي ... تُروَّعُ بالهجران فِيهِ وبالعتب)
(إِذا لم يكن فِي الحبِّ سخطٌ وَلَا رضى ... فَأَيْنَ حلاوات الرسائل والكتب)
ومولانا فَإِنَّهُ كبث لما كتب وعبث لما عتب وَنَفث بعد أَن لبث وَلَو اجتث الود لاجتنب وَلَكِن دلّ بِهَذَا على أَنه لَيْسَ لَهُ أغراض من الْإِعْرَاض وَأَنه لَا يَلِيق بوده الثَّابِت التبذل فِي التبدل وَلَا يعْتَاد أَن يعتاض وَالْقَائِل مَا أشرف همته مجزوء الرمل
(لست سَمحا بودادي ... كل من نَادَى أَجَبْته)
)
ولعمري أَن مَوْلَانَا سباق غايات وَرب آيَات وَصَاحب دهاء لَا بل دهاشات علم أَنه نكب عَن الْوَفَاء وَظهر عَن لطفه مَا لَا يَلِيق بِهِ من الْجفَاء وأهمل الْمَمْلُوك هَذِه الْمدَّة وطمع فِي ضعفه وَظن أَنه لَيْسَ لذكره كرة بعد الْفِرَار وَلَا ردة فَتلا سُورَة من العتب سكنت مَا عِنْد الْمَمْلُوك(1/241)
من السُّورَة وَأمكنهُ غَفلَة الرقباء فاختلس الزورة وسابق حراف الْمَمْلُوك وقاطع عَلَيْهِ الذرْوَة الْبَسِيط
(تشكي الْمُحب وتشكو وَهِي ظالمة ... كالقوس تصمى الرمايا وَهِي مرنان)
وَقد تمثل الْمَمْلُوك بِهَذَا الْبَيْت دون غَيره من الْأَمْثَال لِأَنَّهُ أنسب بمولانا وَأقرب وتخيل مَا يعهده من توهم مَوْلَانَا فَلم يقل يلْدغ ويصي كالعقرب على أَن الْمَمْلُوك أَحَق بِهَذِهِ المعاتبة وأليق بِأَن يصدر عَنهُ مثل تِلْكَ الْمُكَاتبَة وَإِذ قد فتح هَذَا الْبَاب ونوقش فِي مثل هَذَا الْحساب فاسكب دموعك يَا غمام ونسكب نظهر مَا فِي زَوَايَا الجوانح من الخبايا وَنَتبع مَا فِي الْقلب إِن كَانَ حب مَوْلَانَا ترك مِنْهَا بقايا وَإِن كَانَ مَوْلَانَا حمل الْبَرِيد هَذِه البطاقة فَعِنْدَ الْمَمْلُوك مَا يعجز عَن حمله المطايا هَيْهَات مَا هَذَا مقَام يحصل فِيهِ الصَّفَا وَلَو كَانَ هَذَا مَوضِع العتب لاشتفى الْبَسِيط
(فَمَا يقوم لأهل الْحبّ بَيِّنَة ... على بَيَاض صباح أَو سَواد دجا الطَّوِيل)
(وَإِن شِئْت ألقينا التَّفَاضُل بَيْننَا ... وَقُلْنَا جميلاً واقتصرنا على الود)
استطرد الْمَمْلُوك بِهَذَا الْفَصْل وَهُوَ قَبِيح بِصدق ولَايَة ونكتة سَواد كَأَنَّهَا الْخَال لَكِنَّهَا مَا تلِيق بوجنة صفائه وَلَكِن الود إِذا مَا صفا لم يتَحَمَّل مَعَه الضَّمِير أَذَى وَلم تغمض الجفون مِنْهُ على قذى الْبَسِيط
(مَا ناصحتك خبايا الود من رجل ... مَا لم ينلك بمكروه من العذل)
(محبتي فِيك تأبى إِن تسامحني ... بِأَن أَرَاك على شَيْء من الزلل)
وَإِن اتّفق اقتراب فَلِكُل سُؤال جَوَاب وَمن كل جرم متاب وَلكُل صَغِيرَة وكبيرة مناقشة وحساب وَلكُل ظمأ إِمَّا سقيا رَحْمَة أَو سقيا عَذَاب الوافر
(وَإِن ظَفرت بِنَا أَيدي المنايا ... فكم من حسرة تَحت التُّرَاب)
وَقد اشْتغل الْمَمْلُوك بِهَذَا الْفَصْل وَلَو وفْق فِي هَذِه الْخدمَة قطع مِنْهَا هَذَا الْوَصْل وَجرى على عَادَته فِي الأغضاء وَطلب النَّصْر بالبصر لَا بِالنّصب مجزوء الْكَامِل
(فالعمر أقصر مُدَّة ... من أَن يضيع بالعتاب)
ويستغفر الله الْمَمْلُوك من هَذَا على أَن مَوْلَانَا عود الْمَمْلُوك بِالِاحْتِمَالِ إِذا آذَى وَيرجع إِلَى وصف مِثَال مَوْلَانَا فَيَقُول أَنه الحديقة وَالرَّوْض الَّذِي جمع الأزاهر إِلَّا أَنه عدم شقيقه وَالْفضل الَّذِي صدر)
عَن أمثل النَّاس طَرِيقه والقادم الَّذِي كَأَنَّهُ ولد جَاءَ بعد الْيَأْس وَأَن عملت لَهُ الدُّمُوع عقيقة الْبَسِيط(1/242)
(وَالله مَا فتنت عَيْني محاسنه ... إِلَّا وَقد سحرت أَلْفَاظه أُذُنِي)
فمتع الله الْوُجُود بكلم مَوْلَانَا الَّتِي هِيَ عوذة من الْغَيْر وجمال الْكتب وَالسير وَلَا أخلى الله من فَوَائده وَلَا قطع مَا أجراه على الْمَمْلُوك من عوائده وَقد بلغ الْمَمْلُوك سَلَامه وجبره مَمْلُوكه الْأَخ فَدَعَا وابتهل وشب جمر شوقه إِلَى رُؤْيَته بَعْدَمَا اكتهل وَقَالَ لَا بُد من الْعود إِلَى جنابه إِن كَانَ فِي الْعُمر مهل وَإِمَّا الْإِشَارَة الْكَرِيمَة فِي أَمر من ذكره مَوْلَانَا وَأَنه تعين وَتمكن وَتبين والنادرة اللائقة بذلك الْمقَام فَيَقُول الْمَمْلُوك أَنه مَا عَامل كَمَا عومل وَلَا قَابل كَمَا قوبل بل ادكر ركود الدَّهْر وهباته وَعمل بقول الحيص بيص فِي أبياته بعد أَن كبا سَرِيعا وخر للفم وَالْيَدَيْنِ صَرِيعًا الْكَامِل
(فعففت عَن أثوابه لَو إِنَّنِي ... كنت المقطر بزني أثوابي)
تمّ الْجَواب وَكتب إِلَيّ فِي وَقت لرمل
(دمت للآداب تنشي رسمها ... بيراع خطوه خطو فسيح)
(لَيْت شعري أَنْت يَا باعثها ... بَعْدَمَا مَاتَت خَلِيل أم مسيح)
فأجبت بِقَوْلِي الرمل
(اخْتَلَفْنَا لبديع النّظم فِي ... كل مَا تهديه من لفظ فصيح)
(قَالَ غَيْرِي هُوَ زهر قَالَ لَا ... قلت زهر قَالَ لي هَذَا الصَّحِيح)
وَكتب إِلَيّ يطْلب مني عَارِية كتاب التشبيهات لِابْنِ ظافر السَّرِيع
(لفظ ابْن ظافر قد ظَفرت بِهِ ... وفؤاد حبي مِنْهُ غير خلي)
(فبأحمد وَهُوَ الشفيعلنا ... أمتع أَبَا بكر بِلَفْظ عَليّ)
وَينْهى أَنه يحب لفظ على وتثقيله يزِيد ومنن مَوْلَانَا الْمَعْهُودَة لَا يثقل عَلَيْهَا أَن تفيء وتفيد وَقد سمع بِكِتَاب الْمشَار إِلَيْهِ وسؤاله مُشَاهدَة ذَلِك المحبوب وعارية هَذَا الْكتاب مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك وعد غير مَكْذُوب هود
فاشتغلت عَن تَجْهِيزه بالحمى ثمَّ أنني جهزته وكتبت مَعَه السَّرِيع
(العَبْد مجبول الطباع على ... مَا تشْتَهي فِي القَوْل وَالْعَمَل)
(وَمَعَ التوالي فِي ودادك لم ... أمنع أَبَا بكر كَلَام عَليّ)
فَكتب إِلَيّ قبل وُصُوله إِلَيْهِ الطَّوِيل)
(عذيري مِنْهُ معرضًا متجنباً ... كَأَنِّي لَهُ نَحْو الوداد أجاذب)(1/243)
(قسا فَوق مَا تعتو الْجبَال فَلم يجب ... نداي وأصداء الْجبَال تجاوب)
فَكتبت الْجَواب عَن ذَلِك الطَّوِيل
(عذيري من مولى يرى الْعذر وافراً ... بسيطاً وَمَا إقباله مُتَقَارب)
(يصد دلالاً عَن ودادي وينثني ... وَقبل صُدُور الذَّنب مني يُعَاتب)
فَلَمَّا تَأَخّر كتاب التشبيهات الْمَذْكُور وَلم يُرْسِلهُ كتبت إِلَيْهِ الْبَسِيط
(قد قلت إِن ثَلَاثًا عمر غيبته ... عني وَذَلِكَ وعد غير مَكْذُوب)
وَلَيْسَ وَعدك شَاة سَاقهَا الزَّمن الْجَانِي فعلقها مِنْهُ بعرقوب فَكتب الْجَواب عَن ذَلِك الْبَسِيط
(جَاءَت وَمن طرسها سَاق يُدِير على ... سَمْعِي من اللَّفْظ فِيهِ خير مشروب)
(فحبذا هُوَ من سَاق نعمت بِهِ ... وَإِن تعرض فِيهِ ذكر عرقوب)
وَكتب إِلَيّ وَأَنا ضَعِيف الطَّوِيل
(نثقل إِذْ نبغي بلفظك طبنا ... من الْهم والجسم الشريف نحيل)
(فها أَنْت فِينَا كالنسيم بِلُطْفِهِ ... طَبِيب يداوي النَّاس وَهُوَ عليل)
(وحاشاك من شكوى اعتلال سينقضي ... قَرِيبا كَمَا تختاره وَيَزُول)
(فَلَا غير أجفان الْمليح سقيمة ... وَلَا غير أرداف الْمليح ثقيل)
فَكتبت الْجَواب عَن ذَلِك الطَّوِيل
(لحماي نَار جاءها مِنْك جنَّة ... غصون رباها بالبديع تميل)
(تهدلت الأفنان مِنْهَا فخاطري ... لَهُ بَين هاتيك الظلال مقيل)
(فأبدعت فضلا مِنْك بِالْحَقِّ قَاضِيا ... وَلَيْسَ لَهُ عني بِذَاكَ عدُول)
(وَأَنت حبيب الشّعْر أَصبَحت سيداً ... كَمَا أنني مولى وَالِاسْم خَلِيل)
وَكنت أَجْلِس أَنا وَهُوَ عِنْد شباك الكاملية نتذاكر فِي الْجَامِع الْأمَوِي كل لَيْلَة بعد صَلَاة الْعَصْر فغبت بعض اللَّيَالِي لشغل عرض فَكتب إِلَيّ المتقارب
(أمولاي غبت وخلفتني ... من الْهم ذَا فكرة خاضعه)
(فها أَنا بعْدك فِي جَامع ... وَلَكِن قلبِي فِي جَامعه)
فَكتبت الْجَواب إِلَيْهِ عَن ذَلِك المتقارب)
(وقفت على نظمك المشتهي ... وعاينت روضته اليانعة)
(فكم ألف مثل غُصْن النقا ... وهمزتها فَوْقهَا ساجعه)(1/244)
(أَقَامَت على الود لي حجَّة ... وَلَكِن عَن النَّاس لي قاطعه)
(وَقد سمع العَبْد ألفاظها ... فيا حسنها فِي الحشا واقعه)
(وَأصْبح شكري لَهَا تالياً ... وَجُمْلَته للثنا جَامعه)
(ورحت لباب الثنا قارعاً ... إِلَى أَن تصيب العدي قارعه)
فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا وانْتهى إِلَى الرَّابِع مِنْهَا قَالَ هَذَا التَّالِي والجامعة مَا كَانَا لي فِي حِسَاب وَلما حضرت من الْقَاهِرَة أهْدى إِلَيّ طَعَام بسلى فكتبة إِلَيْهِ من أَبْيَات الوافر
(ظَنَنْت العَبْد عَن مصر تسلى ... فأهدى جودك الوافي بسلى)
(نعم اذكرتني عَيْشًا بِمصْر ... واقبالاً من الدُّنْيَا تولى)
(طَعَام فَوْقه لحم شهي ... إِلَى كل النُّفُوس فَكيف يقلى)
(ودهن فَوْقه قد كَانَ صبا ... تلظت ناره حَتَّى تسلى)
وَكتب إِلَيّ مَعَ خونجه شرائح الْخَفِيف
(شبه الْمَرْء من هداياه يدْرِي ... فِي العلى والسقوط حكما بِحكم)
(وَكَذَا فِي هديتي لي شبه ... حَيْثُ أَنِّي وَتلك قِطْعَة لحم)
وكتبت إِلَيْهِ ملغزا فِي بَاب السَّرِيع
(قل لي مَا شَيْء إِذا رمت إِن ... تعكسه لم تستطع ذَلِك)
(ترَاهُ فِي طول المدى وَاقِفًا ... فِي خدمَة الْمَمْلُوك وَالْمَالِك)
(ذُو حَاجِب مِنْهُ مُحِيط بِهِ ... وَرُبمَا اعتاق بأسمالك)
(وَإِن حوى آنِفا يكن طوله ... فأعجب لهَذَا الْأَمر فِي حالك)
(كم صَاح من طارقة رُبمَا ... حلت بِهِ مثل الدجى الحالك)
(وَلم تزل تقرعه فِي الْقَفَا ... مِنْهُ وَلم يشْعر بأفعالك)
(وَلَيْسَ شَيخا وَهُوَ ذُو دورة ... طَرِيقه يعرفهَا السالك)
(تأمنه إِن غبت دهراً على ... مَا تصطفيه النَّفس من مَالك)
(مبن على ضم وَفتح مَعًا ... يجره النَّفْع لأشغالك)
)
(والحشو مَنْسُوب إِلَيْهِ وَلَا ... يعرف مَا أَحْمد من مَالك)
(وَكم يُولى صاحباً ظَهره ... وَمثل ذَا الْعَيْب رضى آلك)
(بَينه لَا زلت فصيح اللها ... فَإِنَّهُ لم يخف عَن بالك)(1/245)
فَكتب إِلَيّ الْجَواب السَّرِيع
(فتحت لي بَابا من الود مَا ... عهدته يرضى بإهمالك)
(فحبذا لغزك من فاتح ... ودك لي من بعد اغفالك)
(ألغزته فِي وَاقِف خاضع ... كَالْعَبْدِ فِي تصريف أفعالك)
(مَا فِيهِ من عيب وَيَا طالما ... قد رده فِي حكمه مَالك)
(لَكِن لَهُ فِي وَسطه غَالِبا ... قرع أعاذ الله من ذَلِك)
(يُقَال للأمرد أَو غَيره ... هَذَا لعمري شَرط ادخالك)
(وَرُبمَا بِالْوَطْءِ أزعجته ... فِي عقبه مَعَ طهر أعمالك)
(لَا الشّعْر والتوشيح يدْرِي وَمن ... تصريعك استملى واقفالك)
(وَكم بدا يحمل لوحاً وَمَا ... خطّ عَلَيْهِ بعض أقوالك)
(يخْشَى إِذا أبصرته مرتجاً ... فأعجب لَهُ فِي كل أحوالك)
(ودقه الْخَارِج لَا يختفي ... وَرُبمَا يحلو لسؤالك)
(اعجبني وَالله مَعَ نظمه ... رضوانك الْمَعْهُود يَا مَالك)
وَكتب إِلَيّ ملغزاً فِي قلم المنسرح
(يَا فَاضلا قد عني لرتبته ... ناثر در الثنا وناظمه)
(مَا اسْم سقيم باك كَانَ عَليّ ... أحشائه صبوة تلازمه)
(يبكي على الْوَصْل وَهُوَ واجده ... وَلَيْسَ يبكيه وَهُوَ عادمه)
(وَهُوَ أُلُوف وَعِنْده ملق ... لم يسْتَطع قلبه يكاتمه)
(قل فِيهِ مَا شِئْت إِن حذفت وَإِن ... حرفت واشرح مَا أَنْت عالمه)
(وقم بفن بك استقام فَمَا ... ثمَّ لمولاي من يقاومه)
فَكتب إِلَيْهِ الْجَواب المنسرح
(يَا من بِهِ الشّعْر راق راقمه ... وباسمه رَاح وَهُوَ باسمه)
)
(ألغزت فِيمَا إِذا سعى رسمت ... خطاه روضاً تزهى كمائمه)
(إِن طَابَ فِي سجعه وَطَالَ فَقل ... بإن الْحمى رجعت حمائمه)
(وَهُوَ لَدَى الروع صارم ذكر ... فِي كف أهل الانشاء قائمه)
(أَمْسَى لباريه سَاجِدا ببكى ... وَعز بَين الْأَنَام راحمه)
(وَطَالَ عمر الْبكاء مِنْهُ فَأجرى ... أسود المقلتين ساجمه)
(يدْرِي ضميري وَمَا ألم بِهِ ... وَهُوَ على سره يزاحمه)(1/246)
(كل حِسَاب الْأَنَام يعمله ... فَكيف تقوى بِهِ قوائمه)
(وَكم لَهُ من تراجم صدرت ... إِلَى عَدو بهَا تزاحمه)
(حوشيت من عَكسه فَمَا أحد ... يرضى بِهِ صاحباً يلازمه)
(ودمت للباهرات تبدعها ... مَا هطلت فِي الْحمى غمائمه)
وَكتب إِلَيّ ملغزا فِي كباد المنسرح
(يَا شَامِل الْبر زانه خلق ... يشْتَغل الْمَدْح فِي مهذبه)
(مَا اسْم لشَيْء بِحكم همي لَا ... أَقُول فِيهِ وَلَا أَقُول بِهِ)
(مشتبه الْأَمر كَاد أَكْثَره ... يخفى على الْفِكر فِي تقلبه)
(لَكِن إِذا مَا جعلت دابك فِي ال قلب فَمَا أمره بمشتبه)
فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك المنسرح
(يَا من نحا الْفضل فاقتني جملا ... مَا أبعد النَّاس من مقربه)
(دابك عكس الَّذِي تحاوله ... مني فِي ملغز بعثت بِهِ)
(أحرفه أَربع فَإِن سقط ال أول باد الْبَاقِي لمنتبه)
(رَأَيْت من شَاءَ قلب أحرفه ... كابد أَشْيَاء من تقلبه)
(فِي الشّجر الْأَخْضَر النَّضِير بدا ... كَأَنَّهُ الْجَمْر فِي تلهبه)
وَكتب إِلَيّ معاتبا المنسرح
(يَا خليلي بل سَيِّدي لم ذَا ... قُلُوبنَا بالفراق مندهشه)
(ووحشة بَيْننَا يحركها ... نَحْو الجفا فَهِيَ هَكَذَا وحشه)
فَكتبت الْجَواب المنسرح)
(عَبدك هَذَا العتاب صبره ... وَنَفسه بالملام منكمشه)
(وَكَانَ من قبل إِذْ تلاطفه ... يقْرَأ تَصْحِيف نَفسه نقشه)
وَلما حضر من الْقُدس أهْدى إِلَيّ حزاما وَكتب مَعَه مجزوء الْبَسِيط
(بلد بعد الذكاء ذهني ... تشَتت الرزق فِي الْبِلَاد)
(وَغير مستنكر حمَار ... أهْدى حزاماً إِلَى جواد)
فَكتبت الْجَواب الْخَفِيف
(عُرْوَة الود من طباعي وثقى ... قبل تهدي الحزام يَا ابْن الْكِرَام)(1/247)
(فودادي قد اغتدى عَرَبيا ... كَونه بَين عُرْوَة وحزام)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ وَقد دخل ديوَان الْإِنْشَاء بِدِمَشْق فَتعذر إِيصَال معلومه النزر إِلَيْهِ مخلع الْبَسِيط
(كُنَّا من الشّعْر قد هربنا ... لرتبة تَقْتَضِي الإعاذة)
(فَمَا دَخَلنَا فِي بَاب جاه ... وَلَا خرجنَا عَن الشحاذة)
وَكَانَ القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قد دخل بِهِ إِلَى الدِّيوَان بِدِمَشْق فِي أَوَائِل سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَكَانَ أَقَامَ مُدَّة يتَرَدَّد إِلَى الدِّيوَان وَيكْتب وَلم يكْتب لَهُ توقيع فَكَانَ يتقاضى القَاضِي شهَاب الدّين فِي ذَلِك كل قَلِيل بمقاطيع مطبوعة وأبيات فِيهَا المحاسن مَجْمُوعَة من ذَلِك قَوْله وكتبت لَهُ توقيعاً هَذِه نسخته رسم بِالْأَمر العالي لَا زَالَ يزِيد البلغاء جمالاً ويفيد الفصحاء بِاخْتِيَارِهِ كفوا يخجل الْقَمَر كمالاً أَن يرتب الْمجْلس السَّامِي القضائي الجمالي فِي كَذَا انجازاً لوعد اسْتِحْقَاقه الَّذِي أوجب لَهُ الصون والصولة وابرازاً لما فِي ضمير الزَّمَان لَهُ من أَن يرى لَهُ فِي الجو جَوْلَة وايجازاً لما أسهب توهمه من الحرمان والحنو الشهابي يرفرف حوله واحرازاً لأدبه الَّذِي مَا حلي بقلمه فَم ديوَان وَلَا حلى بكلمه جيد دولة لِأَنَّهُ الْفَاضِل الَّذِي يروض الإطراس ويصيب بسهام أقلامه الْأَغْرَاض على أَنَّهَا مَا تنفذ فِي القرطاس ويترجل الْبَرْق لارتجاله الَّذِي يَقُول لَهُ التروي مَا فِي وقوفك سَاعَة من باس ويهز الأعطاف بأنشائه الَّذِي كَأَنَّهُ زمن الصَّبِي والدهر سمح والحبيب مواتي ويمطر الأفهام غمام كَلَامه الحلو فَيتَحَقَّق النَّاس أَنه الْقطر النباتي وَيذكر الزَّمن الفاضلي بآدابه الَّتِي أظلمت على ابْن سناء الْملك وَمَا عَاشَ لَهَا ابْن مماتي فليباشر ذَلِك مُبَاشرَة تصدق الأمل فِي فضائله وَتحقّق الظَّن فِي كَمَاله الَّذِي تنزه الطّرف فِي مخائل خمائله وَيشْهد أَوَاخِر أدبه لقديم بَيته وأوائله ولينمق الطروس بسطوره فَإِن حُرُوفه آنق من تخاريج العذار ومداده أليق من خيلان)
ليل فِي خدود نَهَار وَأَلْفَاظه تروق لطفاً كَمَا تروق الثغور الْعَذَاب عِنْد التبسم والافترار ومعانيه يشف نورها كَمَا شف لجين الكاس عَن ذهب الْعقار فقد صادفت سحائب كَلمه روابي يزكو غراس نباتها ومواقع انشائه أكباداً تتلظى ظماً إِلَى برد قطراتها وجياد بلاغته مضماراً لَا يضيق مداه عَن فسيح خطواتها وَأَقْلَام بَيَانه أجماً لَا تزأر أَسد الفصاحة إِلَّا من غاباتها فكم لَهُ من تعاليق مَا رَآهَا الجاحظ فِي حيوانه وَكم لَهُ من جمل دواوين وَلكنه الْيَوْم جمال ديوانه وليكتم مَا يكْتب فِي قلبه ويدفن ميت الْأَسْرَار فِي ضريح جانحتيه إِلَى لِقَاء ربه فَإِنَّهَا صناعَة الكتمان رَأس مَالهَا والترفع والانجماع عَن النَّاس سر جمَالهَا والوصايا كَثِيرَة وتقوى الله تَعَالَى ملاك مَا يُؤمر بِهِ وتناط الْوَصَايَا الحسان بِسَبَبِهِ فلينسج مِنْهَا على خير منوال وليجر فِيهَا على خير أسلوب فَإِن من عدمهَا مَاله من وَال والخط الْكَرِيم أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
3 - (أَبُو الْيُسْر بن الصَّائِغ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر)
ابْن عبد الْخَالِق بن خَلِيل(1/248)
ابْن مقلد الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْمُفْتِي بركَة الْوَقْت بدر الدّين أَبُو الْيُسْر ابْن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أبي المفاخر الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي مدرس الدماغية والعمادية ولد سنة سِتّ وَسبعين وَسمع كثيرا من أَبِيه وَابْن شَيبَان وَالْفَخْر عَليّ وَبنت مكي وعدة وَحضر ابْن عَلان وَحدث بِصَحِيح البُخَارِيّ عَن اليونيني وَسمع حضوراً من فَاطِمَة بنت عَسَاكِر وَحفظ التَّنْبِيه ولازم حَلقَة الشَّيْخ برهَان الدّين وولوه قَضَاء الْقُضَاة فاستعفى وصمم فاحترمه النَّاس وأحبوه لتواضعه وَدينه وعظمه تنكز نَائِب دمشق واعتقد فِيهِ وَحج غير مرّة وَتَوَلَّى خطابة الْقُدس مديدة ثمَّ تَركهَا وَلما كَانَ بالقدس طلبه المقادسة ودخلوا عَلَيْهِ بِسَمَاع الحَدِيث وَخَرجُوا بِهِ من هَذَا إِلَى طلب الشفاعات عِنْد نَاظر الْحَرَمَيْنِ فشفع لَهُم وَأكْثر من الشفاعات فاستثقله النَّاظر وشكا فِي الْبَاطِن لنائب دمشق وَقَالَ هَذَا يدْخل روحه فِي غير الخطابة وَيتَكَلَّم فِي الْولَايَة والعزل فنقص قدره عِنْده وَكَانَ مقتصداً فِي لِبَاسه وأموره ودرس وَهُوَ أَمْرَد ثمَّ زار الْقُدس فتعلل هُنَاكَ وَنقل إِلَى دمشق وَمَات بهَا يَوْم الْجُمُعَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَدفن عِنْد أَبِيه بسفح قاسيون وشيعه الْخَلَائق وَحمل على الرؤوس وَكَانَت وَفَاته بعد القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي بِليَال يسيرَة وَهُوَ ابْن عَم قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين بن الصَّائِغ قَاضِي حلب
3 - (نور الدّين بن الصَّائِغ قَاضِي حلب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر)
ابْن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد القَاضِي نور الدّين بن الصَّائِغ قَاضِي قُضَاة حلب الشَّافِعِي كَانَ خيرا)
سَاكِنا وقوراً سمع من أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر ولي قَضَاء العساكر بِالشَّام أَيَّام الفخري وَرَاح مَعَهم إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ عزل وَبَقِي على تدريس الدماغية إِلَى أَن تولى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن ابْن الخشاب سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة ومولده سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة وَتُوفِّي على قَضَاء حلب فِي شَوَّال سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة
(فصل الْألف وَمَا بعْدهَا فِي الْآبَاء)
3 - (أَبُو المظفر الْهَرَوِيّ مُحَمَّد بن آدم)
ابْن كَمَال أَبُو المظفر الْهَرَوِيّ ذكره الْحَافِظ عبد الغافر الْفَارِسِي فِي السِّيَاق وَقَالَ مَاتَ بَغْتَة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة وَدفن بمقبرة الْحُسَيْن بِقرب قبر أبي الْعَبَّاس السراج وَوَصفه فَقَالَ الاستاذ الْكَامِل الإِمَام فِي الْأَدَب والمعاني المبرز على أقرانه وعَلى من تقدمه من الْأَئِمَّة باستخراج الْمعَانِي وَشرح الأبيات والأمثال وغرائب التَّفْسِير بِحَيْثُ يضْرب بِهِ الْمثل وَمن تَأمل فَوَائده فِي كتاب شرح الحماسة وَشرح الْإِصْلَاح وَشرح أَمْثَال أبي عبيد وَشرح ديوَان أبي الطّيب وَغَيرهَا اعْترف لَهُ بِالْفَضْلِ والانفراد وتتلمذ للاستاذ أبي بكر الْخَوَارِزْمِيّ الطَّبَرِيّ وتفقه على القَاضِي أبي الْهَيْثَم ثمَّ جدد الْفِقْه على القَاضِي أبي الْعَلَاء صاعد وَكَانَ يقْعد للتدريس فِي النَّحْو وَشرح الدَّوَاوِين وَغير ذَلِك فَأَما الحَدِيث فَمَا أعلم أَنه نقل عَنهُ مِنْهُ شَيْء لاشتغاله بِمَا سواهُ لعدم السماع لَهُ(1/249)
(فصل الْهمزَة وَمَا بعْدهَا فِي الْآبَاء)
3 - (أَبُو بكر الْمُسْتَمْلِي مُحَمَّد بن أبان)
وَزِير الْبَلْخِي أَبُو بكر الْمُسْتَمْلِي كَانَ ثِقَة حَافِظًا مصنفاً مَشْهُورا حدث عَنهُ البُخَارِيّ وَغَيره أَصْحَاب الْكتب الصِّحَاح
3 - (مُحَمَّد بن أبان الْجعْفِيّ الْكُوفِي مُحَمَّد بن أبان بن صَالح)
الْجعْفِيّ الْقرشِي الْكُوفِي ضعفه ابْن معِين وَقَالَ البُخَارِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِي حفظه قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ من دعاة المرجئة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ كَذَا أورد الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمَة هَذَا وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمد هَذَا مُحَمَّد بن أبان الْجعْفِيّ يروي عَن أبي اسحاق وَحَمَّاد وَعبد الْعَزِيز بن رفيع توفّي سنة سبعين وَمِائَة
3 - (الإِمَام ابْن أبان الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن أبان سيد)
ابْن أبان أَبُو عبد الله اللَّخْمِيّ الْقُرْطُبِيّ كَانَ عَارِفًا باللغة والغريب وَالنّسب وَالْأَخْبَار أَخذ عَن أبي عَليّ القالي وَكَانَ مكيناً عِنْد الْمُسْتَنْصر المغربي توفّي سنة أَربع وَخمسين وَثَلَاث مائَة
3 - (الْكَاتِب الشَّاعِر مُحَمَّد بن أبان الْكَاتِب)
يكنى أَبَا جَعْفَر أديب حسن البلاغة كَانَ يكْتب لنصر بن مَنْصُور بن بسام ثمَّ اتهمَ بالزندقة فحبس فِي بَغْدَاد ثمَّ أطلق لَهُ قصيدة يصف فِيهَا سامراء من شعره الطَّوِيل
(إِذا أَنا لم أَصْبِر على الذَّنب من أَخ ... وَكنت أُجَازِيهِ فَأَيْنَ التَّفَاضُل)
(إِذا مَا دهاني مفصل فقطعته ... بقيت وَمَا لي للنهوض مفاصل)
(وَلَكِن أداويه فَإِن صَحَّ سرني ... وَإِن هُوَ أعيى كَانَ فِيهِ تحامل)
توفّي الْمَذْكُور
3 - (مُحَمَّد بن أبي بن كَعْب)
توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ
3 - (أَبُو أُميَّة الْحَافِظ مُحَمَّد بن ابراهيم)
أَبُو أُميَّة الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الوَاسِطِيّ الْحَافِظ رَحل وطوف وصنف وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره توفّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة
3 - (ابْن الْمَوَّاز الْمَالِكِي مُحَمَّد بن ابراهيم بن زِيَاد)
)
الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَوَّاز بِالْوَاو الْمُشَدّدَة وَالزَّاي الاسكندراني الْمَالِكِي صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة لَهُ تصنيف حافل فِي الْفِقْه رَوَاهُ ابْن أبي مطر وَابْن مُبشر عَنهُ قدم دمشق صُحْبَة ابْن طولون وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْمَذْهَب والمعرفة بتفريعه ودقائقه توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
3 - (الإِمَام ابْن الْمُنْذر مُحَمَّد بن ابراهيم بن الْمُنْذر)
الإِمَام أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي الْفَقِيه صَاحب التصانيف توفّي سنة ثَمَان عشرَة وَثَلَاث مائَة بِمَكَّة قَالَ ابو اسحاق فِي كتاب الطَّبَقَات صنف فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء كتبا لم يصنف مثلهَا وَاحْتَاجَ إِلَى كتبه الْمُوَافق والمخالف انْتهى وَمن(1/250)
كتبه الْمَشْهُورَة كتاب الْأَشْرَاف وَهُوَ كتاب كَبِير فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء وَله الْمَبْسُوط وَهُوَ أكبر مِنْهُ فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء وَله كتاب الْإِجْمَاع وَهُوَ صَغِير
3 - (الْفَزارِيّ المنجم مُحَمَّد بن ابراهيم بن حبيب)
ابْن سُلَيْمَان بن سَمُرَة بن جُنْدُب الْفَزارِيّ الْكُوفِي كَانَ عَالما بِأَمْر النُّجُوم لَهُ قصيدة تقوم مقَام الزيجات وَهِي مزدوجة قَالَ المرزباني تدخل هِيَ وَشَرحهَا فِي عشرَة أجلاد أَولهَا الرجز
(الْحَمد لله الْعلي الْأَعْظَم ... ذِي الْفضل وَالْمجد الْكَبِير الأكرم)
(الْوَاحِد الْفَرد ... الْجواد الْمُنعم)
(الْخَالِق السَّبع العلى طباقاً ... وَالشَّمْس يجلو ضوءها الأغساقا)
(والبدر يملا ... نوره الآفاقا)
(والفلك الدائر فِي الْمسير ... لأعظم الْخطب من الْأُمُور)
(يسير فِي بَحر ... من البحور)
(فِيهِ النُّجُوم كلهَا عوامل ... مِنْهَا مُقيم دهره وزائل)
(فطالع مِنْهَا ... وَمِنْهَا آفل)
قَالَ فِيهِ يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي أَرْبَعَة لم يدْرك مثلهم الْخَلِيل بن أَحْمد وَابْن المقفع وَأَبُو حنيفَة والفزاري
3 - (الْعلوِي الْخَارِج مُحَمَّد بن ابراهيم بن اسماعيل)
ابْن ابراهيم الْمَعْرُوف بطباطبا ابْن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كَانَ خَطِيبًا شَاعِرًا خرج فِي أَيَّام الْمَأْمُون بِالْكُوفَةِ وَلما عزم نصر بن شبيب على الْخُرُوج مَعَ مُحَمَّد الْمَذْكُور وَمن مَعَه من قيس غيلَان وَمن أطاعه من غَيرهم أنْشدهُ بعض بني عَمه ينهاه عَن ذَلِك مِنْهَا الْكَامِل)
(يَا نصر لَا يذهب بِرَأْيِك عصبَة ... تبع الْغرُور خَفِيفَة أحلامها)(1/251)
(فَأنْظر لنَفسك قبل سَاعَة زلَّة ... يبْقى عَلَيْك شنارها ولزامها)
(لَا تعرضن لما يخَاف وباله ... إِن الْخلَافَة لَا يرام مرامها)
فَاضْرب نصر عَن رَأْيه وَوجه إِلَى مُحَمَّد بِمَال كثير وَسلَاح وَقَالَ اسْتَعِنْ بِهَذَا واقلني فَلم يقبل وَقَالَ مُحَمَّد بن ابراهيم الطَّوِيل
(سنغني بِحَمْد الله عَنْك بعصبة ... يهبون للداعي إِلَى مَنْهَج الْحق)
(ظننا بك الْحسنى فقصرت دونهَا ... فَأَصْبَحت مذموماً وفاز ذَوُو الصدْق)
(وَمَا كل شَيْء سَابق أَو مقصر ... يؤول بِهِ التَّحْصِيل إِلَّا إِلَى الْعرق)
وَدخل الْكُوفَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة وخطب النَّاس وَبَايَعُوهُ وَأَعْطَاهُمْ الْأمان فَقَالَ بعض شعراء الْكُوفَة فِيهِ
3 - (الطَّوِيل ألم تَرَ أَن الله أظهر دينه ... وصلت بَنو الْعَبَّاس خلف بني عَليّ)
فَلَمَّا وصل الْخَبَر بذلك جهز الْحسن بن سهل إِلَيْهِ عسكراً فَكَسرهُ أَبُو السَّرَايَا وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِأَمْر مُحَمَّد بن ابراهيم وَهُوَ مقدم عسكره ثمَّ جهزه إِلَيْهِ مرّة أُخْرَى فكبسه أَبُو السَّرَايَا لَيْلًا وَهُوَ ينشد الزاجر
(وَجْهي رُمْحِي والحسام حصني ... وَالرمْح ينبي بالضمير عني)
وَالْيَوْم يَبْدُو مَا أَقُول مني وَمضى ذَلِك الْعَسْكَر الَّذِي نفذ إِلَيْهِ مَا بَين قَتِيل وغريق وَقتل مقدمه ثمَّ رَجَعَ أَبُو السَّرَايَا إِلَى الْكُوفَة ظافراً غانماً فَوجدَ مُحَمَّد بن ابراهيم شَدِيد الْمَرَض فَقَالَ لَهُ أَبُو السَّرَايَا أوصني يَا ابْن رَسُول الله فَقَالَ مُحَمَّد الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله الطيبين أوصيك بتقوى الله فَإِنَّهَا أحصن جنَّة وأمتع عصمَة وَالصَّبْر فَإِنَّهُ أفضل مفزع وَأحمد معول وَأَن تستتم الْغَضَب لِرَبِّك وتدوم على منع دينك وتحسن صُحْبَة من اسْتَجَابَ لَك وتعدل بهم عَن المزالق وَلَا تقدم أَقْدَام متهور وَلَا تضجع تضجيع متهاون وأكفف عَن الْإِسْرَاف فِي الدِّمَاء مَا لم يوهن ذَلِك مِنْك دينا أَو يصدك عَن صَوَاب وأرفق بالضعفاء وأياك والعجلة فَإِن مَعهَا الهلكة وَأعلم أَن نَفسك مَوْصُولَة بدماء آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودمك مختلط بدمائهم فَإِن سلمُوا سلمت وَإِن هَلَكُوا هَلَكت فَكُن على أَن يسلمُوا أحرص مِنْك على أَن يعطبوا وَوقر كَبِيرهمْ وبر صَغِيرهمْ وَأَقْبل رَأْي عالمهم وَاحْتمل إِن كَانَت هفوة)
من جاهلهم يرع الله حَقك واحفظ قرابتهم يحسن الله نصرك وول النَّاس الْخيرَة لأَنْفُسِهِمْ فِي من يقوم مقَامي لَهُم من آل(1/252)
عَليّ فَإِن اخْتلفُوا فَالْأَمْر إِلَى عَليّ بن عبيد الله فَإِنِّي قد بلوت دينه ورضيت طَرِيقه فأرضوا بِهِ وأحسنوا طَاعَته تحمدوا رَأْيه وبأسه ثمَّ مَاتَ فدفنه لَيْلًا فرثاه أَبُو السَّرَايَا بِأَبْيَات مِنْهَا الْبَسِيط
(عَاشَ الحميد فَلَمَّا أَن قضى وَمضى ... كَانَ الفقيد فَمن ذَا بعده الْخلف)
وَمن شعر مُحَمَّد بن ابراهيم أَيْضا الطَّوِيل
(وَكنت على جد من أَمْرِي فزادني ... إِلَى الْجد جدا مَا رَأَيْت من الظُّلم)
(أيذهب مَال الله فِي غير حَقه ... وَينزل أهل الْحق فِي جَائِر الحكم)
(لعمرك مَا أبصرتها فسألتها ... وجاوزتها إِلَّا لأمضي فِي عزمي)
(كفى عِبْرَة وَالله يقْضِي قَضَاءَهُ ... بهَا عظة من رَبنَا لِذَوي الْحلم)
وَمِنْه الوافر
(أينقض حَقنا فِي كل وَقت ... على قرب وَيَأْخُذهُ الْبعيد)
(فيا لَيْت التَّقَرُّب كَانَ بعدا ... وَلم تجمع مناسبنا الجدود)
3 - (مُحَمَّد بن ابراهيم بن صدران)
الْأَزْدِيّ السليمي بِفَتْح السِّين الْبَصْرِيّ الْمُؤَذّن روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ توفّي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ
3 - (مُحَمَّد بن ابراهيم بن دِينَار الْمدنِي توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة)
3 - (ابْن صندل مُحَمَّد بن ابراهيم بن دِينَار)
يعرف بِابْن صندل قَالَ فِي يُوسُف بن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون الْبَسِيط
(إِن كنت تطلب علما نَافِعًا وَهدى ... فأقصد ليوسف ثمَّ أقصد الْحجَّاج)
(والرافعي فَخذ عَنهُ فَإِن لَهُ ... عقلا أصيلا وتصحيحا بإبهاج)
(لَا تعدلن بهم ذَا فطنة أبدا ... قَاضِي الْقُضَاة وَلَا نوح بن دراج)
3 - (الباخرزي مُحَمَّد بن ابراهيم)
أَبُو مَنْصُور الباخرزي من أهل خُرَاسَان نزل بَغْدَاد كَانَ يتشيع وَعمي آخر عمره وَكَانَ يهاجي مِثْقَالا الوَاسِطِيّ قَالَ الباخرزي الْكَامِل
(صبَّتْ على مصائب لَو أَنَّهَا ... صبَّتْ على الْأَيَّام عدن لياليا)
)
وَقَالَ فِي مِثْقَال مرفل الْكَامِل
(فِي بَيت مِثْقَال يكون ذُو وَالزِّنَا وذوو اللواط)
(يعلونه وعجوزه ... وَيرى بِذَاكَ أَخا اغتباط)
3 - (مُحَمَّد بن ابراهيم الْمصْرِيّ)
وَيعرف بِابْن الْخُرَاسَانِي كَانَ كيساً كثير النادرة لَهُ مَعَ الْحُسَيْن الْجمل الْمصْرِيّ مداعبات وَهُوَ الْقَائِل المتقارب
(بَكَيْت وَمَا خلتني باكياً ... على رسم دَار وَلَا فِي طلل)(1/253)
(وَلَكِن بُكَائِي من حَادث ... تورط فِيهِ حُسَيْن الْجمل)
(فَمن للقيادة من بعده ... لقد كَانَ نَارا بهَا تشتعل)
(وَمن للواط وَمن للزِّنَا ... وَمَا حرم الله لَا مَا أحل مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ المدمني)
3 - (مُحَمَّد بن ابراهيم التَّيْمِيّ الْمدنِي الْفَقِيه)
كَانَ جده الْحَرْث بن صَخْر من الْمُهَاجِرين وَهُوَ ابْن عَم أبي بكر الصّديق روى عَن أُسَامَة بن زيد وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن عبد الله وعلقمة بن وَقاص وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله وَطَائِفَة من قدماء التَّابِعين وَرَأى سعد بن أبي وَقاص وَغَيره وَكَانَ أحد الْفُقَهَاء الثِّقَات وَكَانَ عريف بني تيم وَقد روى لَهُ أَصْحَاب الْكتب الصِّحَاح السِّتَّة توفّي سنة عشْرين وَمِائَة
3 - (الْأَمِير مُحَمَّد بن الإِمَام إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن ابراهيم)
الْأَمِير مُحَمَّد ابْن الإِمَام إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس ولي دمشق للمهدي والرشيد وَولي مَكَّة والموسم وَكَانَ كَبِير الْقدر مُعظما وَهُوَ صَاحب أكْرمُوا الشُّهُود توفّي بِبَغْدَاد سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة أسْند عَن عَمه الْمَنْصُور وجعفر بن مُحَمَّد بن عَليّ وَغَيرهمَا
3 - (ابْن ابراهيم الْمدنِي صَاحب مَالك مُحَمَّد بن ابراهيم بن دِينَار)
الْمدنِي مولى جُهَيْنَة الْفَقِيه صَاحب الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ توفّي سنة تسعين وَمِائَة
3 - (ابْن عَبدُوس صَاحب سَحْنُون مُحَمَّد بن ابراهيم بن عَبدُوس)
الْقرشِي مَوْلَاهُم المغربي الْفَقِيه الْمَالِكِي صَاحب سَحْنُون كَانَ إِمَامًا كَبِيرا مَشْهُورا زاهداً عابداً مجاب الدعْوَة توفّي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
3 - (البوشنجي الْكَبِير الْمَالِكِي مُحَمَّد بن ابراهيم بن سعيد)
الإِمَام الْكَبِير البوشنجي الْعَبْدي الْفَقِيه الْمَالِكِي شيخ أهل الحَدِيث فِي زَمَانه بنيسابور رَحل وطوف)
وصنف وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة وَكَلَام الْعَرَب توفّي غرَّة الْمحرم سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة
3 - (ابْن ابراهيم مُحدث دمشق مُحَمَّد بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن)
ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان الْقرشِي الدِّمَشْقِي أَبُو عبد الله مُحدث دمشق فِي وقته قَالَ عبد الْعَزِيز الْكِنَانِي كَانَ ثِقَة مَأْمُونا جواداً توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَثَلَاث مائَة
3 - (خَازِن كتب الصاحب الْمسند مُحَمَّد بن ابراهيم بن عَليّ)
ابْن عَاصِم بن زَاذَان أَبُو بكر المقريء الْحَافِظ مُسْند أَصْبَهَان طوف الشَّام ومصر وَالْعراق وَسمع فِي قريب خمسين مَدِينَة قَالَ ابْن مرْدَوَيْه هُوَ ثِقَة مَأْمُون صَاحب أصُول وَكَانَ خَازِن كتب الصاحب ابْن عباد توفّي سنة إِحْدَى(1/254)
وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن المشكيالي مُحَمَّد بن ابراهيم بن اسماعيل)
ابْن يحيى أَبُو عبد الله الْحُسَيْنِي الطليطلي وَيعرف بِابْن المشكيالي من كبار المسندين بالأندلس توفّي سنة أَربع مائَة
3 - (اليزدي مُسْند أَصْبَهَان مُحَمَّد بن ابراهيم بن جَعْفَر)
أَبُو عبد الله اليزدي الْجِرْجَانِيّ مُسْند أَصْبَهَان فِي وقته وَهُوَ صَدُوق مَقْبُول توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن شقّ اللَّيْل مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُوسَى)
ابْن عبد السَّلَام أَبُو عبد الله ابْن شقّ اللَّيْل الْأنْصَارِيّ الطليطلي كَانَ فَقِيها عَارِفًا بِمذهب مَالك حَافِظًا يعرف الرِّجَال والعلل مليح الْخط جيد الْمُشَاركَة فِي الْفُنُون لغوياً نحوياً حسن الْفَضِيلَة كثير التصانيف وَله شعر توفّي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مائَة
3 - (الْحَافِظ مربع الْأنمَاطِي مُحَمَّد بن ابراهيم)
أَبُو جَعْفَر الْأنمَاطِي وَيعرف بمربع أحد الحافظين قَالَ حضرت عِنْد الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فَذكر حَدِيثا فَقلت أتأدن لي أَن أكتب من محبرتك قَالَ يَا هَذَا هَذَا ورع مظلم اكْتُبْ أسْند الْأنمَاطِي عَن أبي حُذَيْفَة النَّهْدِيّ وَغَيره وروى عَنهُ الْمحَامِلِي وَغَيره وَكَانَ ثِقَة توفّي سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ
3 - (أَبُو حَمْزَة الصُّوفِي الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن ابراهيم أَبُو حَمْزَة)
الصُّوفِي الْبَغْدَادِيّ استاذ البغداديين قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة هُوَ أول من تكلم بِبَغْدَاد فِي هَذَا)
الْمَذْهَب من صفاء الذّكر وَجمع الْهم والمحبة والشوق والقرب والأنس لم يسْبقهُ إِلَى الْكَلَام بِهَذَا على رُؤُوس المنابر بِبَغْدَاد أحد وَمَا زَالَ مَقْبُولًا حسن الْمنزلَة عِنْد النَّاس إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَدفن بِبَاب الْكُوفَة فِي بَغْدَاد وَكَانَ عَالما بالقراءات جَالس الإِمَام أَحْمد وَكَانَ إِذا جرى فِي مجْلِس أَحْمد شَيْء من كَلَام الْقَوْم يلْتَفت إِلَى أبي حَمْزَة وَيَقُول مَا تَقول فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يَا صوفي وَصَحب سريا والجنيد وحسنا المسوحي وَغَيرهم وَقدم مَكَّة وَالْمَدينَة وَتكلم بهما مرَارًا وَمن كَلَامه من رزق ثَلَاثَة أَشْيَاء نجا من الْآفَات بطن جَائِع مَعَ قلب قَانِع وفقر دَائِم مَعَ زهد حَاضر وصبر كَامِل مَعَ ذكر دَائِم وَسُئِلَ عَن الْأنس فَقَالَ ضيق الصَّدْر من معاشرة الْخلق سمع إنْسَانا يلوم آخر على اظهار وجده وَغَلَبَة الْحَال عَلَيْهِ فِي مجْلِس بعض الأضداد فَقَالَ يَا أخي الوجد الْغَالِب يسْقط التَّمْيِيز وَيجْعَل الْأَمَاكِن كلهَا مَكَانا وَاحِدًا والأعيان عينا وَاحِدَة وَمَا أحسن قَول الْقَائِل هما لِابْنِ الرُّومِي الْكَامِل(1/255)
(فدع الْمَلَامَة للمحب فَإِنَّهَا ... بئس الدَّوَاء لموجع مقلاق)
(لَا تطفئن جوى بلوم إِنَّه ... كَالرِّيحِ تغري النَّار بالإحراق)
وَخرج جمَاعَة من بَغْدَاد يَسْتَقْبِلُونَهُ عِنْد قدومه من مَكَّة فَإِذا بِهِ قد شحب لَونه فَقيل لَهُ يَا سَيِّدي هَل تَتَغَيَّر الْأَسْرَار بِتَغَيُّر الصِّفَات قَالَ معَاذ الله إِن تَتَغَيَّر لَو تَغَيَّرت لهلك الْعَالم وَلكنه سَاكن الْأَسْرَار فحملها وَأعْرض عَن الصِّفَات فلاشاها ثمَّ أنْشد مجزوء الرجز
(كَمَا ترى صيرني ... قطع قفار الدمن)
(شردني عَن وطني ... كأنني لم أكن)
(إِذا تغيبت بدا ... وَإِن بدا غيبني)
(يَقُول لَا تشهد مَا ... تشهد أَو تشهدني)
3 - (ابْن قَحْطَبَةَ الْبَغْدَادِيّ الْمُؤَدب مُحَمَّد بن ابراهيم بن قَحْطَبَةَ)
الْبَغْدَادِيّ الْمُؤَدب بِالْبَاء قَالَ ابْن أبي حَاتِم صَدُوق توفّي فِي عشر السِّتين وَالْمِائَة
3 - (مُحَمَّد ابْن شاهين الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن ابراهيم بن حَفْص)
ابْن شاهين أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ سمع الْكثير وَحدث عَن يُوسُف بن مُوسَى الْقطَّان وَغَيره وروى عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره كَانَ ثِقَة خرج من الْحمام فِي رَمَضَان وَهُوَ فِي عَافِيَة فَمَاتَ فجاءة سنة عشْرين وَثَلَاث مائَة
3 - (ابْن عبد ربه الْهُذلِيّ مُحَمَّد بن ابراهيم بن عبد ربه)
)
أَبُو عبد الله الْهُذلِيّ من ولد عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ نيسابوري رَحل فِي طلب الْعلم وصنف الْكتب وَكَانَ فَاضلا خرج حَاجا فأصابته جِرَاحَة فِي نوبَة القرمطي فَرد إِلَى الْكُوفَة وَمَات بهَا حدث عَن أبي الْحسن بن جوصا وَغَيره وروى عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَلَاث مائَة كَانَ ثِقَة
3 - (أَبُو عَمْرو الزجاجي النَّيْسَابُورِي مُحَمَّد بن ابراهيم بن يُوسُف)
أَبُو عَمْرو الزجاجي النَّيْسَابُورِي أحد الْمَشَايِخ فِي وقته صحب الْجُنَيْد وَالثَّوْري والخواص وَغَيرهم جاور بِمَكَّة وَصَارَ شيخ الْحرم وَحج سبعين حجَّة وَلم يبل وَلم يتغوط فِي الْحرم أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ يخرج إِلَى الْحل فَيَقْضِي حَاجته ثمَّ يرجع وَكَانَ يجْتَمع الْكِنَانِي والنهرجوري والمرتعش وَغَيرهم فِي حلقته وَهِي صدر الْجَمِيع فَإِن اخْتلفُوا فِي شَيْء رجعُوا إِلَى قَوْله وَهُوَ المنظور إِلَيْهِ توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة
3 - (أَبُو بكر الصَّالح الزَّاهِد مُحَمَّد بن ابراهيم بن أَحْمد)
أَبُو بكر كَانَ مُقيما بأصبهان وَكَانَ صَالحا زاهداً يحجّ مَاشِيا من أَصْبَهَان إِلَى مَكَّة كثيرا كَانَ ثِقَة توفّي بهمذان سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة(1/256)
3 - (الجرباذقاني الصَّالح ابْن مُحَمَّد دادا مُحَمَّد بن ابراهيم بن الْحُسَيْن)
أَبُو جَعْفَر الجرباذقاني قَرْيَة من عمل أَصْبَهَان انْقَطع إِلَى الْعلم وَالْعِبَادَة وَأقَام بأصبهان وبغداد وَصَحب أَبَا الْفضل ابْن نَاصِر حَتَّى مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَخمْس مائَة وَدفن بالشونيزية وَقيل سنة تسع وَأَرْبَعين وَمن شعره الطَّوِيل
(أيا لَيْت أَسبَاب المنايا أراحت ... فَإِنِّي أرى فِي الْمَوْت أروح رَاحَة)
(وَمَوْت الْفَتى خير لَهُ من حَيَاته ... إِذا ظَهرت أَعْلَام سوء ولاحت)
3 - (ابْن الكيراني الواعظي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن ابراهيم بن ثَابت)
ابْن ابراهيم بن فَرح الْكِنَانِي المقريء الْوَاعِظ الأديب الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بالكيزاني نِسْبَة إِلَى عمل الْكوز قَالَ ابْن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ زاهداً ورعا وبمصر طَائِفَة ينسبون إِلَيْهِ ويعتقدون مقَالَته وَله ديوَان شعر مَشْهُور أَكْثَره فِي الزّهْد وَلم أَقف عَلَيْهِ وَسمعت لَهُ بَيْتا وَاحِدًا أعجبني وَهُوَ الْخَفِيف
(وَإِذا لَاق بالمحب غرام ... فَكَذَا الْوَصْل بالحبيب يَلِيق)
وَقَالَ صَاحب الْمرْآة كَانَ يَقُول أَفعَال الْعباد قديمَة وَلما توفّي سنة سِتِّينَ وَخمْس مائَة دفن عِنْد الشَّافِعِي)
رَحمَه الله بالقرافة فَبعث عَلَيْهِ الخيوشاني ونبشه فِي أَيَّام صَلَاح الدّين وَأخرجه وَدفن فِي مَكَان آخر قَالَ ابْن خلكان نقل إِلَى سفح المقطم بِقرب الْحَوْض الْمَعْرُوف بِأم مودود وقبره هُنَاكَ مَشْهُور وَقَالَ صَاحب الْمرْآة وَكَانَ زاهداً قنوعاً من الدُّنْيَا باليسير فصيحا وَمن شعره مجزوء الْكَامِل
(اصرفوا عني طبيبي ... ودعوني وحبيبي)
(عللوا قلبِي بذكرا هـ فقد زَاد لهيبي)
(طَابَ هتكي فِي هَوَاهُ ... بَين واش ورقيب)
(لَا أُبَالِي بِفَوَات النَّفس مَا دَامَ نَصِيبي)
وَقَالَ مجزوء الرمل
(لَيْسَ من لَام وَإِن أط نب فِيهِ بمصيب)
(جَسَدِي رَاض بسقمي ... وجفوني بنحيبي)
وَقَالَ الْكَامِل
(يَا من يتيه على الزَّمَان بحسنه ... أعطف على الصب المشوق التائه)
(أضحى يخَاف على احتراق فُؤَاده ... أسفا لِأَنَّك مِنْهُ فِي سودائه)
قلت وَهَذَا معنى مَشْهُور أشبه شَيْء بقول الأرجاني الْكَامِل
(يَرْمِي فُؤَادِي وَهُوَ فِي سودائه ... أتراه لَا يخْشَى على حوبائه)
وَقَول الآخر الْكَامِل(1/257)
(يَا محرقاً بالشمع وَجه محبه ... رفقا فَإِن مدامعي تطفيه)
(حرق بهذي النَّار كل جوارحي ... وَاحْذَرْ على قلبِي فَإنَّك فِيهِ)
وَقَول الأرجاني وَهُوَ مليح الوافر
(وَلَا تسب الْقُلُوب وَأَنت فِيهَا ... فأخشى أَن تكون من السبايا)
وَقَول وَمن شعر ابْن الكيزاني أَيْضا الطَّوِيل
(أسكان هَذَا الْحَيّ من آل مَالك ... مسالمة مَا بَيْننَا وَجَمِيل)
(ألم تعدونا أَن تزوروا وتكرموا ... فَمَا بَال ميعاد الْوِصَال يطول)
(وحلتم عَن الْوَعْد الْجَمِيل ملالة ... وَأَنْتُم على نقض العهود نزُول)
(وَإِنَّا لنستبقي الْمَوَدَّة والهوى ... شَهِيد لنا أَن لَيْسَ عَنهُ نزُول)
)
(وَمَا مِنْكُم بُد على كل حَالَة ... وَإِن كَانَ مِنْكُم هَاجر وملول)
(دواعي الْهوى محتومة فاصطبر لَهَا ... وَإِن جَار بَين أَو جفاك خَلِيل)
وَمن شعر ابْن الكيزاني السَّرِيع
(شريفنا يمْضِي ومشروفنا ... وَإِنَّمَا يفتقد الْخَيْر)
(كالجو لَا يعْدم إظلامه ... إِلَّا إِذا مَا عدم النير)
وَمِنْه الْخَفِيف
(أسعد النَّاس من يكاتم سره ... وَيرى بذله عَلَيْهِ معره)
(إِنَّمَا يعرف اللبيب إِذا مَا ... حفظ السِّرّ عَن أَخِيه فسره)
(إِن يجد مرّة حلاوة شكواه سيلقى ندامة ألف مره)
وَمِنْه الطَّوِيل
(أتزعم ليلى أنني لَا أحبها ... وَإِنِّي لما أَلْقَاهُ غير حمول)
(فَلَا ووقوفي بَين ألوية الْهوى ... وعصيان قلبِي للهوى وعذولي)
(لَو انتظمتني أسْهم الهجر كلهَا ... لَكُنْت على الْأَيَّام غير ملول)
(وَلست أُبَالِي إِذا تعلّقت حبها ... أفاضت دموعي أم أضرّ نحولي)(1/258)
وَمِنْه مجزوء الْخَفِيف
(أَي صَبر تركْتُم لي لما رحلتم ... فلي فؤاد متيم سَائِر حَيْثُ سِرْتُمْ)
(ثَابت تَحت حبكم جرتم أَو عدلتم ... فَبِحَق الْهوى المبرح إِلَّا رحمتم)
أَنا فِي كل حَالَة عبدكم إِن رَضِيتُمْ وَمِنْه الْكَامِل
(يَا دَار هَل تجدين وجد الشاكي ... أَو تعطفين على بكاء الباكي)
(لَا تنكري سقمي فَمَا حكم البلى ... فِي مهجتي إِلَّا لأجل بلاك)
(أَصبَحت داثرة الجناب وطالما ... طَابَ الْهوى وغنيت فِي مغناك)
(أمحل أطرابي بعيشك غادري ... لولاك مَا كَانَ الجوى لولاك)
(مَا قصرت نوحًا حمامات الْحمى ... مذ غَابَ عَن قمريها قمراك)
وَمِنْه الْكَامِل)
(وَالله لَوْلَا أَن ذكرك مؤنسي ... مَا كَانَ عيشي بِالْحَيَاةِ يطيب)
(وَلَئِن بَكت عَيْني عَلَيْك صبَابَة ... فَلِكُل جارحة عَلَيْك نحيب)
(أتظن أَن الْبعد حل مودتي ... أَن بَان شخصك فالخيال قريب)
(كَيفَ السلو وَقد تمكن فِي الحشا ... وجد على مَا فِي الْفُؤَاد رَقِيب)
(وَإِلَيْك قد رَحل الْهوى بحشاشتي ... والسقم مُشْتَمل وَأَنت طَبِيب)
3 - (مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُحَمَّد ابْن يحيى بن سختويه بن عبد الله الْمُحدث الْمُزَكي أَبُو اسحاق)
النَّيْسَابُورِي أحد الْأُخوة الْخَمْسَة وأصغرهم حدث عَن وَالِده وَغَيره وَكَانَ صَحِيح السماع توفّي سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
3 - (أَبُو عبد الله المقريء الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُحَمَّد)
أَبُو عبد الله المقريء الْبَغْدَادِيّ أَقَامَ بِمَكَّة وَحدث بهَا وَكَانَ دينا زاهداً من أهل الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْخلاف والنحو روى عَن جمَاعَة كَأبي عَليّ على بن أَحْمد بن عَليّ التسترِي الْبَصْرِيّ وَأبي الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الشمخاني وَأبي اسحاق ابْن عَليّ الطَّبَرِيّ وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد البرقي وَأبي الْقَاسِم مَيْمُون ابْن عَليّ الْمَيْمُونِيّ وابراهيم بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ وروى عَنهُ أَبُو المظفر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الشَّيْبَانِيّ الطَّبَرِيّ قَاضِي مَكَّة توفّي بِالْكُوفَةِ منصرفاً من الْحَج سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مائَة
3 - (ابْن خيرة مُحَمَّد بن ابراهيم بن خيرة)
أَبُو الْقَاسِم بن المراعيني الاشبيلي كَانَ من أَعْيَان اشبيلية سما بفضله وارتقى إِلَى أَن كتب عَن ملك اشبيلية السَّيِّد بن حَفْص صنف فِي الْأَدَب كتاب ريحَان الْأَلْبَاب وريعان الشَّبَاب فِي مَرَاتِب الْآدَاب وَهُوَ كتاب حسن فِي الْأَدَب(1/259)
ملكته فِي مجلدين كبار وَهُوَ كتاب ممتع وَأورد لَهُ ابْن الإِمَام من الشّعْر قَوْله الْكَامِل
(رعياً لمنزلنا الخصيب وظله ... وَسَقَى الثرى النجدي سح ربابه)
واهاً على ذَاك الزَّمَان وطيبه
(واهاً على ساداته لَا أَدعِي ... كلفاً بزينبه وَلَا بربابه)
وَمن شعره أَيْضا الْبَسِيط)
(يَا من لَهُ منطق كالدر فِي نسق ... يزهي بِهِ الحبر فِي وشى من الحبر)
(ويشرق الطرس ممشوقاً بأسطره ... كَأَنَّمَا هُوَ مُشْتَقّ من الْحور)
وَمِنْه أَيْضا المتقارب
(لَك الأنمل السبط أقلامها ... تغص بِخمْس على سادس)
(فطورا تخط بقرطاسها ... وطورا تقط طلى الْفَارِس)
(فريحان خطك روض المنى ... تعلق من خوطه المائس)
3 - (ابْن هَانِئ المغربي مُحَمَّد بن ابراهيم بن هَانِيء)
أَبُو الْقَاسِم وَأَبُو الْحسن الْأَزْدِيّ الأندلسي الشَّاعِر الْمَشْهُور قيل أَنه من ولد يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب بن أبي صفرَة وَقيل من ولد أَخِيه روح وَكَانَ أَبوهُ شَاعِرًا من قَرْيَة من قرى المهدية انْتقل إِلَى الأندلس فولد لَهُ مُحَمَّد الْمَذْكُور باشبيلية وَنَشَأ بهَا وَحصل حظاً وافراً من الْأَدَب وتمهر فِي النّظم واتصل بِصَاحِب اشبيلية وحظى عِنْده وَكَانَ منهمكاً على اللَّذَّات مُتَّهمًا بِمذهب الفلاسفة فنقم عَلَيْهِ وعَلى الْملك أَيْضا أهل اشبيلية فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالغيبة فانفصل عَنْهَا وعمره يَوْمئِذٍ سبع وَعِشْرُونَ سنة فلقي جَوْهَر الْقَائِد فامتدحه وَتوجه إِلَى المسيلة ونمى خَبره إِلَى تَمِيم بن الْمعز فَطَلَبه فَجَاءَهُ وأكرمه وَبَالغ فِي الْأَنْعَام عَلَيْهِ وَتوجه الْمعز إِلَى الديار المصرية فشيعه ابْن هَانِيء وَرجع إِلَى الْمغرب لأخذ عِيَاله والالتحاق بِهِ فَلَمَّا وصل إِلَى برقة أَضَافَهُ شخص من أَهلهَا فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا فَقيل أَنهم عربدوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَقيل بل خرج من عِنْدهم سكراناً فَنَامَ فِي الطَّرِيق فَأصْبح مَيتا وَلم يعلم سَبَب مَوته وَكَانَ مَوته سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مائَة كَذَا قَيده ابْن خلكان وَقَالَ صَاحب الْمرْآة سنة خمس وَسِتِّينَ وَلما بلغت الْمعز وَفَاته تأسف عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا الرجل كُنَّا نرجو أَن نفاخر بِهِ شعراء الْمشرق فَلم يقدر لنا قَالَ ابْن خلكان وَلَيْسَ فِي المغاربة من هُوَ فِي طبقته لَا من متقدميهم وَلَا من متأخريهم بل هُوَ أشعرهم على الْإِطْلَاق وَهُوَ عِنْدهم كالمتنبي فِي المشارقة وَكَانَا متعاصرين قلت أما أَبُو الْعَلَاء المعري فَكَانَ يَقُول عَن شعره هُوَ بعر مفضض وَإِذا سَمعه يَقُول رحى تطحن قروناً وَهَذَا من التعصب المفرط لِأَن شعره يرشف خندريساً ويكسف من أشعار غَيره شموساً وَمن شعره القصيدة الفائية الَّتِي أَولهَا
(الطَّوِيل أليلتنا إِذْ أرْسلت وارداً وحفا ... وبتنا نرى الجوزاء فِي أذنها شنفا)(1/260)
(وَبَات لنا سَاق يُدِير مدامة ... بشمعة صبح لَا تقط وَلَا تطفا)
مِنْهَا بعد تَشْبِيه كثير فِي النُّجُوم الطَّوِيل)
(كَانَ سهاها عاشق بَين عود ... فآونة يَبْدُو وآونة يخفى)
عَارضه فِي هَذِه القصيدة جمَاعَة ونسجوا على منواله وَلم يَتَمَسَّكُوا فِي الْحسن بأذياله مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد الخفاجي من قصيدته الْمَشْهُورَة الطَّوِيل
(كَانَ السهى انسان عينٍ غريقةً ... من الدمع يَبْدُو كلما ذرفت ذرفا)
أَنْشدني الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين مَحْمُود لنَفسِهِ اجازة الطَّوِيل
(كَانَ السهى صب سَهَا نَحْو أَلفه ... يُرَاعِي اللَّيَالِي جفْنه لَا ينامها)
وأنشدني بعض أهل الْعَصْر لنَفسِهِ الطَّوِيل
(كَانَ السهى كشاف حَرْب لَدَى الوغى ... فَفِي كره يَبْدُو وَفِي فره يخفى)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْغَزِّي الْقَدِيم الطَّوِيل
(كَأَن السهى جسمي فَلَيْسَ بشاهدٍ ... وَلَا غائبٍ من شدَّة السقم البرح)
وَقَالَ ابْن حمديس الطَّوِيل
(كَانَ السهى مضنى أَتَاهُ بنعشه ... بنوه وظنوا أَن ميتَته حتم)
وَكلهمْ مَا أصَاب شاكلة الرمى غَيره وَمن شعره أَيْضا القصيدة الْمَشْهُورَة أَولهَا الْكَامِل
(فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ... وأمدكم فلق الصَّباح المسفر)
(وجنيتم ثَمَر الوقائع يانعاً ... بالنصر من ورق الْحَدِيد الْأَخْضَر)
مِنْهَا الْكَامِل
(لَا يَأْكُل السرحان شلو طعينهم ... مِمَّا عَلَيْهِ من القنا المتكسر)
طعن بَعضهم فِي هَذَا وَقَالَ هُوَ بالذم أشبه مِنْهُ بالمدح لِأَنَّهُ وَصفهم أَنهم يَجْتَمعُونَ جمَاعَة على الْعَدو وتتكسر رماحهم عَلَيْهِ حَتَّى يقدروا عَلَيْهِ قلت وَيحْتَمل أَن يكون الْقَتِيل مِنْهُم أَي الطعين من الممدوحين فَلَا يَمُوت حَتَّى تتكسر عَلَيْهِ رماح أعاديهم وَهُوَ ظَاهر وَمن شعره القصيدة النونية الَّتِي مِنْهَا الْكَامِل
(المشرقات كأنهن كواكب ... والناعمات كأنهن غصون)
(بيض وَمَا ضحك الصَّباح وَإِنَّمَا ... بالمسك من غرر الحسان يخون)
مِنْهَا الْكَامِل
(أأعير لحظ الْعين بهجة منظر ... من بعدهمْ إِنِّي إِذا لخؤون)(1/261)
)
(لَا الجو جو مشرق وَإِن اكتسي ... زهرا وَلَا الرَّوْض الْمعِين معِين)
مِنْهَا فِي الْخَيل الْكَامِل
(عرفت بساعة سبقها لَا أَنَّهَا ... علقت بهَا يَوْم الرِّهَان عُيُون)
(وَأجل علم الْبَرْق فِيهَا أَنَّهَا ... مرت بجانبتيه وَهِي ظنون)
وَالْقَصِيدَة الفائية الْأُخْرَى الَّتِي مِنْهَا الْكَامِل
(وَلَقَد هززت غصونها بثمارها ... وهصرتهن مهفهفاً فمهفهفاً)
(فرددتها من راحتيه مرّة ... وشربتها من مقلتيه قرقفا)
(مَا كَانَ أفتكني لَو اخترطت يَدي ... من ناظريك على رقيبك مرهفا)
وَأخذ هَذَا الْمَعْنى نَاصح الدّين الأرجاني الْكَامِل
(عجب الْخَلَائق من فؤاد فَتى ... أرسى بِحَيْثُ الأسهم المرق)
(يلتذ مَا أصماه قَاتله ... وَبِه إِذا لم يرمه القلق)
(أَشْجَع بقلبي حِين ترشقه ... لَو أَن صدغك فَوْقه حلق)
وَقَوله الرمل
(امسحوا عَن ناظري كحل السهاد ... وانفضوا عَن مضجعي شوك القتاد)
(أَو خُذُوا مني مَا أبقيتموا ... لَا أحب الْجِسْم مسلوب الْفُؤَاد)
مِنْهَا فِي وصف الدروع الرمل
(كل رقراق الْحَوَاشِي فَوْقه ... كعيون من أفاع أَو جَراد)
(فعلى الأجساد وَقد من سنا ... وعَلى الماذي صبغ من جساد)
وَقَوله الْكَامِل
(فتكات طرفك أم سيوف أَبِيك ... وكؤوس خمرك أم مراشف فِيك)
(أجلاد مرهفه وفتك محاجر ... لَا أَنْت راحمة وَلَا أهلوك)
مِنْهَا الْكَامِل
(منعوك من سنة الْكرَى وسروا فَلَو عثروا بطيف طَارق ظنوك)
(ودعوك نشوى مَا سقوك مدامة ... لما تمايل عطفك اتهموك)
3 - (أَبُو بكر الْعَطَّار الْحَافِظ مُحَمَّد بن ابراهيم بن عَليّ)
)
ابْن ابراهيم أَبُو بكر الْعَطَّار الْحَافِظ الْأَصْبَهَانِيّ كَانَ عَظِيم الشان بِبَلَدِهِ عَارِفًا بِالرِّجَالِ والمتون وَهُوَ إِمَام ثِقَة توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة(1/262)
3 - (ابْن غَرِيب الْحَال مُحَمَّد بن ابراهيم بن غَرِيب الْحَال)
أَبُو بكر طلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ فَسمع أَبَوي الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الله بن الْخضر السوسنجردي وَعلي بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بِشران وَأَبا الْحسن عَليّ الحمامي وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو عَليّ ابْن الْبناء فِي مشيخته وروى عَنهُ الْخَطِيب وَكتب عَنهُ أناشيد توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبع مائَة
3 - (ابْن زروقة مُحَمَّد بن ابراهيم بن خلف)
اللَّخْمِيّ الأديب وَيعرف بِابْن زروقة قَالَ ابْن بشكوال كَانَ من أهل الْأَدَب معتنياً بِطَلَبِهِ قَدِيما مَشْهُورا فِيهِ مِمَّن يَقُول الشّعْر الْحسن لَهُ التأليفات فِي الْأَدَب وَالْأَخْبَار وَمن شُيُوخه أَبُو نصر النَّحْوِيّ وَابْن أبي الْحباب وَغَيرهمَا وَتُوفِّي فِي حُدُود سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مائَة وَهُوَ ابْن سبع وَسِتِّينَ سنة وَمن شعره
3 - (أَبُو سعيد الْبَيْهَقِيّ مُحَمَّد بن ابراهيم بن أَحْمد)
الْبَيْهَقِيّ أَبُو سعيد قَالَ عبد الغافر رجل فَاضل متدين حسن الطَّرِيقَة حسن العقيدة صنف فِي اللُّغَة كتاب الْهِدَايَة كتاب الغنية وَسمع الحَدِيث من مَشَايِخ نيسابور كَالْإِمَامِ شيخ الْإِسْلَام الصَّابُونِي وَالْإِمَام نَاصِر الْمروزِي
3 - (مُحَمَّد بن ابراهيم الْأَسدي مُحَمَّد بن ابراهيم)
أَبُو عبد الله الْأَسدي ولد بِمَكَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة وَتُوفِّي سنة خمس مائَة سَافر إِلَى الْبِلَاد وَلَقي الْعلمَاء وخدم الْوَزير أَبَا الْقَاسِم المغربي وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب هُوَ من أهل مَكَّة لَقِي أَبَا الْحسن التهامي فِي صباه مولده بِمَكَّة ومنشؤه بالحجاز وَتوجه إِلَى الْعرَاق ثمَّ ورد خُرَاسَان وَعمر إِلَى أَن بلغ حد الْمِائَة وَلَقي الْقرن بعد الْقرن والفئة بعد الفئة وَتُوفِّي بغزنة وَمن شعره الطَّوِيل
(كفى حزنا أَنِّي خدمتك بُرْهَة ... وأنفقت فِي مدحيك شرخ شَبَابِي)
(فَلم ير لي شكر بِغَيْر شكاية ... وَلم ير لي مدح بِغَيْر عتاب)
قَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَمن بديع شعره الْخَفِيف)
(قَالَ ثقلت إِذْ أتيت مرَارًا ... قلت ثقلت كاهلي بالأيادي)
(قَالَ طولت قلت لَا بل تطولت ... وأبرمت قلت حَبل الوداد)
قلت وَهَذَا من أَنْوَاع البديع وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أَرْبَاب البلاغة القَوْل بِالْمُوجبِ وَله نَظَائِر كَثِيرَة مِنْهَا قَول الشَّيْخ صدر الدّين ابْن الْوَكِيل الطَّوِيل
(وَبِي من قسا قلبا وَلِأَن معاطفا ... إِذا قلت أدناني يُضَاعف تبعيدي)
(أقرّ برقٍ إِذْ أَقُول أَنا لَهُ ... وَكم قَالَهَا أَيْضا وَلَكِن لتهديدي)
وَقَول محَاسِن الشواء الطَّوِيل
(وَلما أَتَانِي العاذلون عدمتهم ... وَمَا فيهم إِلَّا للحمي قارض)
(وَقد بهتُوا لما رأوني شاحباً ... وَقَالُوا بِهِ عين فَقلت وعارض)
وَقَوْلِي أَنا الْكَامِل
(وَلَقَد أتيت لصَاحب وَسَأَلته ... فِي قرض دِينَار لأمر كَانَا)(1/263)
(فَأَجَابَنِي وَالله دَاري مَا حوت ... عينا فَقلت لَهُ وَلَا انساناً)
3 - (مُحَمَّد الشرش مُحَمَّد بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن)
ابْن مُحَمَّد أَبُو عبد الله التلمساني الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بالشرش بالشين الْمُعْجَمَة قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني ذكره أَبُو المظفر مَنْصُور بن سليم فِي تَارِيخ الاسكندرية وَقَالَ شيخ حسن من أهل الدّيانَة وَالْخَيْر والعفاف والصيانة سمع الحَدِيث بالمغرب وبمكة وبغيرهما وَسكن الاسكندرية وَحدث بهَا وَكَانَ ثِقَة صَالحا سُئِلَ عَن مولده فَقَالَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة بتلمسان توفّي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة بالاسكندرية وَدفن مَا بَين الميناوين وَكَانَ يَوْمًا مشهودا آخر الْجُزْء الأول من كتاب الوافي بالوفيات ويتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن عمر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا(1/264)
(الْجُزْء الثَّانِي)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
3 - (الْخَطِيب أصيل الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عمر آبو عَليّ أصيل الدّين الْعَوْفِيّ)
الاسعردي المولد قدم دمشق وعزل الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام فَتَوَلّى خطابة الْجَامِع بِدِمَشْق ثمَّ عرل وَتَوَلَّى عماد الدّين خطيب بَيت الْآبَار ثمَّ تولى عماد الدّين عبد الْكَرِيم بن الجهاتي ثمَّ تولى أصيل الدّين الْمَذْكُور ثمَّ عزل فانتقل إِلَى الديار المصرية وَتَوَلَّى خطابة الْجَامِع الَّذِي عمره الصَّالح طلايع بن رزيك ظَاهر بَاب زويلة وَتَوَلَّى نِيَابَة الحكم عَن القَاضِي)
بدر الدّين السنجاري وَبَقِي على الخطابة ونيابة الحكم إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وستمئة فِي بَيت الخطابة قبل الصَّلَاة وَقد لبس ثِيَاب الخطابة ليخرج إِلَى الصَّلَاة فَجَاءَهُ رَئِيس المؤذنين فَوَجَدَهُ لَابسهَا وَقد سجد وَهُوَ ميت فاحضروا وَلَده فَخَطب عوضه وَصلى بِالنَّاسِ وَكَانَت جنَازَته حفلة وَدفن بقرافة سَارِيَة وَكَانَ دينا متواضعا لطيفا حسن الْعبارَة وَالصَّوْت وَله مُشَاركَة فِي كثير من الْعُلُوم وَله ديوَان خطب وَغير ذَلِك من التصانيف وَله نظم كثير ونظم مَا اوصى بِوَضْعِهِ فِي كَفنه
(إِذا مَا جَاءَ قوم فِي الميعاد ... بِصَوْم مَعَ صَلَاة واجتهاد)
(ومعروف واحسان جزيل ... وَحج واعتمار مَعَ جِهَاد)
(اتيت بحبكم يَا آل طه ... وَمَا أَعدَدْت من صدق الوداد)
(فَذَاك ذخيرتي فِي يَوْم حشري ... وَحسن الظَّن من رب الْعباد)
وَكَانَ أصيل الدّين الْمَذْكُور قد حضر مَعَ المظفر قطز إِلَى دمشق وَحضر وقْعَة عين جالود وخطب بِجَامِع دمشق مُدَّة مقَام المظفر بهَا فَلَمَّا توجه إِلَى مصر توجه مَعَه ذكره قطب الدّين اليونيني فِي ذيل الْمرْآة وَالله اعْلَم
3 - (الْحَكِيم شمس الدّين الكلى مُحَمَّد بن ابرهيم بن أبي المحاسن بن أرسلان شمس الدّين أَبُو)
عبد الله الْحَكِيم الطَّبِيب الْكُلِّي لِأَنَّهُ كَانَ يحفظ كليات القانون كَانَ فَاضلا فِي الطِّبّ وَله مُشَاركَة فِي الادب والتاريخ اقام مُدَّة ببعلبك قَالَ قطب الدّين اليونيني كَانَ يلازم وَالِدي وَسكن فِي جواره وَسمع عَلَيْهِ ومولده بِدِمَشْق سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس ماية سمع الْكثير بِدِمَشْق من عبد الصَّمد الحرستاني وَحدث وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة خمس وَسبعين(2/5)
وست ماية قَالَ ابْن أبي أصيبعة فِي تأريخ الْأَطِبَّاء كَانَ وَالِده اندلسيا قدم دمشق وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي وَنَشَأ وَلَده الْمَذْكُور واشتغل على مهذب الدّين الدخوار وَكَانَ جيد الْفَهم غزير الْعلم لَا يخلى وقتا من الِاشْتِغَال حسن المحاضرة خدم الْملك الْأَشْرَاف ابْن الْعَادِل إِلَى حِين وَفَاته ثمَّ خدم بالبيمارستان النوري قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني وَكَانَ يعاني مُشْتَرِي المماليك الملاح بأوفر الآثمان وَعِنْده الْخُيُول والغلمان وَهُوَ كثير التجمل وَخلف عدَّة أَوْلَاد وَكَانَ بَعضهم بالرحبة وَقَالَ فِيهِ الْمُوفق الْحَكِيم الْمَعْرُوف بالورن لما تولى رياسة الطِّبّ)
(رياسة الطِّبّ غَدا حكمهَا ... وكل جُزْء مِنْهُ للكلى)
(كَأَنَّهُ قا آن فِي طبه ... يسقى شراب الْمَوْت بالمغلى)
3 - (عز الدّين ابْن شَدَّاد الْحلَبِي مُحَمَّد بن ابرهيم)
وَقيل مُحَمَّد بن عَليّ بن ابرهيم بن شَدَّاد عز الدّين أَبُو عبد الله الْحلَبِي ولد بحلب سادس ذِي الْحجَّة سنة ثلث عشرَة وست ماية وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست ماية وَدفن من الْغَد بسفح المقطم كَانَ رَئِيسا حسن المحاضرة صنف تَارِيخا بحلب وسيره للْملك الظَّاهِر وَكَانَ من خَواص الْملك النَّاصِر وَترسل عَنهُ إِلَى هولاكو وَغَيره من الْمُلُوك واستوطن الديار المصرية بعد أَخذ التتار حلب وَكَانَت لَهُ مكانة عِنْد الْملك الظَّاهِر بيبرس وَالْملك الْمَنْصُور قلاوون وحرمته وافرة وَله توصل ومداخلة وَعِنْده بشر كثير ومسارعة إِلَى قَضَاء حوايج من يَقْصِدهُ التَّمِيمِي الكموني مُحَمَّد بن ابرهيم التَّمِيمِي الكموني ذكره ابْن رَشِيق فِي الانموذج فَقَالَ شَاعِر فصيح لفاظ حسن التَّقْسِيم جيد الترسيم جزل الشّعْر ظَاهر البلاغة عَالم بأسرار الْكَلَام إِذا ركب معنى أجاده وَله فِي المعاتبات مَذْهَب مليح واورد لَهُ من نظمه
(إِلَيْك ابْن باديس إِلَى حِين قوست ... قناتي وافشى الدَّهْر غرَّة ادهمى)
(قطعت نِيَاط الأَرْض من بعد مظلم ... مضيئاً وَمَا فِيهِ عصي لمخيم)
(تَبَسم لما حلّه اللَّيْث باكياً ... وَلَوْلَا بكاء اللَّيْث لم يتبسم)
واورد لَهُ ايضا
(طربت لذكرى مِنْك هزت جوانحي ... كَمَا يطرب النشوان كأس مدام)
(وَمَا زَالَ بِي ذكراك فِي كل سَاعَة ... وشخصك حَتَّى كنت طيف مَنَامِي)
(وَمَا ذكرتك النَّفس إِلَّا أَصَابَهَا ... كلذع ضرام أَو كوخز سِهَام)
(وَأَن حَدِيثا مِنْك أحلى مذاقة ... من الشهد ممزوجاً بِمَاء غمام)(2/6)
واورد لَهُ أَيْضا
(وَهِي كالدر مبسماً وكبد ال ... تمّ وَجها والخيزرانة قدا)
(ومهاة النقا لحاظا وَأم الخش ... ف جيدا ووردة الرَّوْض خدا)
(تتمشى مَا بَين غُصْن ودعص ... ذَا مروح وَذَا مهيل مندى)
مِنْهَا)
(عرضت بابتسامة زجرت لي ... أَن من بعْدهَا بعاداً وصدا)
(واستدلت بالبرق يُومِض لمحا ... وَهُوَ بعد الوميض ينذر رعدا)
توفّي
3 - (القفصي الكفيف المغربي مُحَمَّد بن ابرهيم بن عمرَان القفصي الكفيف)
اصله من دائية وتأدبه بهَا ذكره ابْن رَشِيق أَيْضا فَقَالَ شَاعِر مُتَقَدم عَلامَة بغريب اللُّغَة قَادر على التَّطْوِيل يضع القصيدة تبلغ الماية واكثر فِي لَيْلَتهَا ويحفظها فَلَا يشذ عَنهُ مِنْهَا شَيْء ويسرد اكثر مسايل كتاب الْعين للخليل ابْن أَحْمد أورد لَهُ قَوْله
(وَمن غير الْأَيَّام أَنِّي شَاعِر ... أديب بسربال الخمول مسربل)
(أروم على أكداء حَالي تجملا ... واخشن من مضغ الْحَدِيد التجمل)
واورد لَهُ
(سقاك بلحظ مقلته مداما ... وهز الْغُصْن من خنث قواما)
(وظل الصُّبْح يخْطر فِي رداه ... وَقد خطّ العذار بِهِ ظلاما)
(كَأَن تتموج الأصداغ مِنْهُ ... عقارب مسكه تَشْكُو الضراما)
(مجمجمة بهَا الواوات تعلو ... على قرطاسها لاما فلاما)
(بِعَيْنيهِ من الْمَنْصُور سيف ... يقد بشفرتيه طلى وهاما)
(فَتى لبس المكارم وارتداها ... وَشد عرى أزمتها غُلَاما)
واورد لَهُ
(نثرت فريد الدمع نثر فريدها ... حاكت معاندة سلوك عقودها)
(ولهى غَدَاة رَأَتْ ركابي قربت ... مشدودة بنسوعها وقتودها)
3 - (أَبُو الطّيب السبتي الْمَالِكِي مُحَمَّد بن ابرهيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر أَبُو الطّيب السبتي الْمَالِكِي)
نزيل قوص كَانَ من الْعلمَاء العاملين الْفُقَهَاء الْفُضَلَاء الأدباء سمع من الْحَافِظ(2/7)
أبي يَعْقُوب يُوسُف بن مُوسَى وَقَرَأَ عَلَيْهِ جملَة من التَّهْذِيب للبراذعي وَجُمْلَة من مَذْهَب مَالك بسبتة وَقَرَأَ النَّحْو بهَا على الْأُسْتَاذ عبد الله بن أَحْمد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن أبي الرّبيع قَرَأَ عَلَيْهِ شرح الْإِيضَاح وَغَيره وَكتاب سِيبَوَيْهٍ وَقدم قوص وَسمع بهَا من الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَكتب)
بِخَطِّهِ سِيبَوَيْهٍ وَشرح ابْن أبي الرّبيع للايضاح وَاخْتَصَرَهُ فِي مُجَلد وَكتب شرح الْمَحْصُول للقرافي وكتبا كَثِيرَة وَكَانَ يعرف الهندسة والهيئة وعلوما غَيرهمَا واقام بقوص سِنِين كَثِيرَة ووقف كتبه بخزانة بالجامع وَكَانَ ورعا قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الادفوي واشتغل عَلَيْهِ بقوص طلبتها فِي النَّحْو وَغَيره وَتُوفِّي بقوص سنة خمس وَتِسْعين وست ماية وَبني حَوْض سَبِيل ظَاهر قوص ووقف عَلَيْهِ وَقفا وَقَالَ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان اجْتمعت بِهِ فِي قوص وَقَالَ لَو وجدت بِالْقَاهِرَةِ رغيفين مَا خرجت مِنْهَا وَهُوَ الَّذِي ادخل شرح ابْن ابي الرّبيع إِلَى مصر
3 - (ابْن الفهاد الشَّافِعِي مُحَمَّد بن ابرهيم بن عَليّ فتح الدّين القوصي ابْن الفهاد)
فَقِيه حسن مشكور السِّيرَة اشْتغل بِفقه الشَّافِعِي على أَبِيه وَغَيره وَتَوَلَّى الحكم بسمهود ثمَّ استوطن الْقَاهِرَة وَجلسَ بحانوت الشُّهُود يعْقد الانكحة وَعرف بذلك وَمضى على جميل وَتُوفِّي سنة أَربع وثلثين وَسبع ماية
3 - (أَبُو بكر النَّحْوِيّ الْجُورِي مُحَمَّد بن ابرهيم بن عمرَان بن مُوسَى الْجُورِي)
جور فَارس الأديب أَبُو بكر النَّحْوِيّ كَانَ من الأدباء المنقرين عَلامَة فِي معرفَة الْأَنْسَاب وعلوم الْقُرْآن نزل نيسابور مُدَّة وَكثر الِانْتِفَاع بِهِ وَسمع حَمَّاد بن مدرك وجعفر بن درسْتوَيْه وَأَبا بكر بن دُرَيْد وأقرانهم قَالَ الْحَاكِم وجاءنا نعيه من فَارس سنة أَربع وَخمسين وَثلث ماية صدر الدّين القنائي مُحَمَّد بن ابرهيم بن أبي الْمَنِيّ عَرَفَات بن صَالح بن مُحَمَّد صدر الدّين الْهُذلِيّ القنائي سمع من تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَتَوَلَّى الحكم بقنا وَكَانَ كثير الصَّدَقَة وَكَانَت لَهُ معصرة يُرْسل غلمانه يجْعَلُونَ فِي دهليز كل بَيت من الْفُقَرَاء قادوس محلب وَطن قصب فِي لَيْلَة عيد الْفطر قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الادفوي قيل أَنهم قومُوا ركبته البغلة والبدلة وَمَا مَعهَا بآلف دِينَار وَلما وصل ابْن بشكور إِلَى قِنَا نزل عِنْد أَوْلَاد الْقُرْطُبِيّ وَكَانُوا أعداءه فَطَلَبه وَقَالَ تحمل السَّاعَة ماية آلف دِرْهَم فَقَالَ نعم وَخرج فحملها ثمَّ كتب إِلَى الخزندار نايب السلطنة وَإِلَى الصاحب بهاء الدّين فكتبا بالأنكار على ابْن بشكور ورسما لَهُ بِإِعَادَة مَا أَخذه مِنْهُ إِلَيْهِ وَتُوفِّي بِبَلَدِهِ فجاءة بعد خُرُوجه من الْحمام سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وست ماية
3 - (أَبُو الْخطاب الكعبي الطَّبَرِيّ مُحَمَّد بن ابرهيم بن عَليّ الْعَلامَة أَبُو الْخطاب الكعبي الطَّبَرِيّ)
شيخ الشَّافِعِيَّة ببخارا توفّي سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية)(2/8)
3 - (ابْن المنخل الشلبي الشَّاعِر مُحَمَّد بن ابرهيم بن المنخل أَبُو بكر الْمهرِي الأديب الشلبي)
أحد الشُّعَرَاء المجودين وَكَانَ يعرف علم الْكَلَام توفّي فِي عشر السِّتين وَخمْس ماية من شعره مسليا عَن هزيمَة
(لَا تكترث يَا بن الْخَلِيفَة إِنَّه ... قدرٌ أتيح فَمَا يرد متاحه)
(قد يكدر المَاء القراح لعلةٍ ... وَيعود صفواً بعد ذَاك قراحه)
3 - (ابْن الشواش الجميمي مُحَمَّد بن ابرهيم الجميمي بِالْجِيم والميمين)
وَيعرف بِابْن الشواش بالشينين المعجمتين وَالْوَاو الْمُشَدّدَة قَالَ ابْن الْآبَار لم اعرف وَفَاته واراها قبل الماية السَّابِعَة وَهُوَ من أهل بلنسية اورد لَهُ
(فَتى حَاز فِي شرخ الشبيبة غَايَة ... من الْمجد تكبو الرّيح فِيهَا وتطلح)
(يصرف بَين النَّاس والجود رَاحَة ... هِيَ الدَّهْر ذُو الْحَالين تسطو وتمنح)
3 - (قَاضِي بجاية مُحَمَّد بن ابرهيم القَاضِي أَبُو عبد الله)
قَاضِي بجاية أَمَام بارع فِي المذهبين مَالك وَالشَّافِعِيّ صنف كتابا سَمَّاهُ وَكَانَ قيمًا بالأصول وَالْكَلَام والفلسفة توفّي سنة أَربع وست ماية رَحل وَلَقي جمَاعَة وَسمع بِمصْر وَولي قَضَاء مرسية وناب فِي قَضَاء مراكش وَكَانَ علم وقته علما وكمالا حَتَّى اشْتهر بالاصولي اعتني بإصلاح مستصفى الْغَزالِيّ وامتحن هُوَ وَأَبُو الْوَلِيد ابْن رشد محنتهما الْمَشْهُورَة من أجل نظرهما فِي علم الاوايل وكف بَصَره بِآخِرهِ
3 - (معِين الدّين الجاجرمي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن ابرهيم بن أبي الْفضل الْأَمَام معِين الدّين أَبُو حَامِد)
السهلي الجاجرمي الشَّافِعِي كَانَ إِمَامًا مفتيا مصنفا مَشْهُورا صنف فِي الْفِقْه الْكِفَايَة وإيضاح الْوَجِيز وَله طَريقَة مَشْهُورَة فِي الْخلاف وَالْقَوَاعِد الْمَشْهُورَة بِهِ واشتغل النَّاس عَلَيْهِ وانتفعوا بِهِ وبكتبه من بعده خُصُوصا الْقَوَاعِد وَشرح أَحَادِيث الْمُهَذّب والألفاظ المشكلة وَتُوفِّي بكرَة الْجُمُعَة حادي عشر شهر رَجَب سنة ثلث عشرَة وست ماية بنيسابور وجاجرم بجيمين بَلْدَة بَين نيسابور وجرجان قنور الصُّوفِي الاربلي مُحَمَّد بن ابرهيم بن مُسلم بن سُلَيْمَان أَو سلمَان الْفَخر آبو عبد الله الاربلي الصُّوفِي خرج لَهُ الزكي البرزالي مشيخة فِي جُزْء لقب بقنور وَقَالَ ابْن مسدي القور روى عَنهُ جمَاعَة وَتُوفِّي سنة ثلث وثلثين وست ماية)(2/9)
3 - (الْفَخر الصُّوفِي الخبري مُحَمَّد بن ابرهيم بن أَحْمد بن طَاهِر الشِّيرَازِيّ الخبري بِالْخَاءِ)
الْمُعْجَمَة وَالْبَاء ثَانِي الْحُرُوف الفيروزاباذي الشَّافِعِي فَخر الدّين أَبُو عبد الله الصُّوفِي شيخ مَشْهُور عَالم بمقالات الصُّوفِيَّة مُعظم لَهُ تصانيف فِي الطَّرِيقَة وَفِي علم الْكَلَام كَانَ بِذِي اللِّسَان كثير الوقيعة فِي النَّاس توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست ماية وَهُوَ نزيل مصر
3 - (القَاضِي شمس الدّين ابْن الْعِمَاد الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن ابرهيم بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ بن سرُور)
الشَّيْخ الْأَمَام قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو بكر ابْن الشَّيْخ الْعِمَاد الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ ولد فِي صفر سنة ثلث وست ماية وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَسبعين وست ماية سمع التَّاج الْكِنْدِيّ وَابْن الحرستاني وَابْن ملاعب وَالشَّيْخ الْمُوفق وتفقه عَلَيْهِ وَحضر ابْن طبرزذ وَسمع ببغداذ من الْفَتْح بن عبد السَّلَام وَعمر بن كرم الحمامي والداهري وَابْن روزبه وَجَمَاعَة وسكنها وتأهل بهَا وجاءته الْأَوْلَاد واسمعهم من الكاشغري ثمَّ ارتحل وَسكن مصر وَرَأس بهَا فِي مَذْهَب الْأَمَام أَحْمد وَصَارَ شيخ الإقليم فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَكَانَ محققاً حسن الشكل روى عَنهُ الدمياطي وَسعد الدّين الْحَارِثِيّ وَالشَّيْخ على النشار وقطب الدّين عبد الْكَرِيم وَقَالَ هُوَ أول شيخ سَمِعت مِنْهُ ويحكى عَنهُ كرامات ومكاشفات وعزل عَن الْقَضَاء وَحبس بالقلعة سنتَيْن واطلق وَلزِمَ بَيته يدرس ويفتى ويروى الحَدِيث وَهُوَ أول من درس الدَّرْس بالصالحية لمَذْهَب أَحْمد وَأول من ولي قَضَاء الْقُضَاة من بَيته وَولي مشيخة خانقاه سعيد السُّعَدَاء وَكَانَ الصاحب بهاء الدّين ابْن حنا يغرى بِهِ الْملك الظَّاهِر
3 - (شرف الدّين الْمَيْدُومِيُّ النَّحْوِيّ الْمُحدث مُحَمَّد بن ابرهيم ابْن أبي الْقسم بن عنان)
الإِمَام الْمُحدث المتقن شرف الدّين أَبُو عبد الله الْمَيْدُومِيُّ بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالدَّال الْمُهْملَة الْمصْرِيّ النَّحْوِيّ ولد بِالْقَاهِرَةِ سنة إِحْدَى عشرَة وست ماية وَسمع الْكثير وَكتب واشتغل وَكَانَ من الْعلمَاء الأتقياء سمع من عبد الْعَزِيز بن باقا وَابْن رواج وَابْن الجميزي ودرس واعاد وَكَانَ خصيصا بِالْحَافِظِ الْمُنْذِرِيّ وَولي خزانَة كتب الكاملية وَطلب لمشيختها فَامْتنعَ مُدَّة ثمَّ وَليهَا إِلَى أَن مَاتَ أَخذ عَنهُ الْحَارِثِيّ وَأَبُو عَمْرو ابْن الظَّاهِرِيّ وقطب الدّين
3 - (بهاء الدّين ابْن النّحاس مُحَمَّد بن ابرهيم بن مُحَمَّد بن أبي نصر)
الشَّيْخ(2/10)
الْأَمَام الْعَلامَة حجَّة الْعَرَب بهاء الدّين أَبُو عبد الله ابْن النّحاس النَّحْوِيّ شيخ الْعَرَبيَّة)
بالديار المصرية سمع من ابْن اللتي والموفق بن يعِيش النَّحْوِيّ وَأبي الْقسم ابْن رَوَاحَة وَابْن خَلِيل ووالده وَقَرَأَ الْقُرْآن على أبي عبد الله الفاسي وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن عمرون وَدخل مصر لما خربَتْ حلب وَقَرَأَ الْقُرْآن على الْكَمَال الضَّرِير وَأخذ عَن بقايا شيوخها ثمَّ جلس للإفادة كَانَ حسن الْأَخْلَاق منبسطا على الْإِطْلَاق متسع النَّفس فِي حالتي الْغَنِيّ والإملاق ذكي الْفطر زكي المخالطة وَالْعشرَة مطرح التَّكَلُّف مَعَ أَصْحَابه عديم التَّخَلُّف عَن أشكاله وإضرابه وَمَعَ ذَلِك فَلم يرْزق أحد وجاهته فِي صُدُور الصُّدُور وَلَا فَرح أحد بسيادته الَّتِي آربت على تَمام البدور وَكَانَ مَعْرُوفا بِحل المشكلات مَوْصُوفا بإيضاح المعضلات كثير التِّلَاوَة والأذكار كثير الصَّلَاة فِي نوافل الأسحار موثوقا بديانته مَقْطُوعًا بأمانته وَأما علمه بِالْعَرَبِيَّةِ فاليه الرحلة من الأقطار وَمن فوايده تدْرك الْأَمَانِي وتنال الأمطار قد اتقن النَّحْو وتصريفه وَعلم حد ذَلِك ورسمه وتعريفه مَا أَظن ابْن يعِيش مَاتَ إِلَّا من حسده وَلَا ابْن عُصْفُور لأَجله طَار ذكره إِلَّا فِي بَلَده وَلَا المرسي رست لَهُ مَعَه قَوَاعِد وَلَا لأبي الْبَقَاء العكبري مَعَه ذكر خَالِد بذهن نحي النّحاس الْقَدِيم عَن مَكَانَهُ وَجعل ابْن بري برياً من فصاحة لِسَانه وَتَحْقِيق مَا اهْتَدَى ابْن جني إِلَى إِظْهَار خباياه وَلَا نسبت إِلَى السخاوي هباته وَلَا عطاياه تخرج بِهِ الأفاضل وتحرج مِنْهُ كل مناظر ومناضل وانتفع النَّاس بِهِ وبتعليمه وصاروا فضلاء من توقيفه وتفهيمه وَكتب خطا آزري بالوشى إِذا حبك وَالذَّهَب إِذا سبك وَلم يزل على حَاله إِلَى أَن بلغ من الْحَيَاة امدها واهدى الزَّمَان إِلَى عينه بفقده رمدها وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الثلثاء سَابِع جمدى الْآخِرَة سنة سبع وَعشْرين وست ماية وَكَانَ من الْعلمَاء الأذكياء الشُّعَرَاء لَهُ خبْرَة بالْمَنْطق وحظ من اقليدس وَكَانَ على مَا قيل يحفظ ثلث صِحَاح الْجَوْهَرِي وَكَانَ مطرحا صَغِير الْعِمَامَة يمشى فِي اللَّيْل بَين القصرين بقميص وطاقية فَقَط وَرُبمَا ضجر من الأشغال فَأخذ الطّلبَة وَمَشى بهم بَين القصرين والقى لَهُم الدُّرُوس وَكَانَ متين الدّيانَة وَله أبهة وجلالة فِي صُدُور النَّاس وَكَانَ بعض الْقُضَاة إِذا انْفَرد بِشَهَادَة حكمه فِيهَا وثوقا بديانته واقتنى كتبا نفيسة اخبرني الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي وَكَانَ مِمَّن قَرَأَ عَلَيْهِ قَالَ قَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين مَا يزَال عِنْدِي كتب بآلف دِينَار واحضر سوق الْكتب دايما ولابد أَن يَتَجَدَّد لي علم بأتم كتاب مَا سَمِعت بِهِ انْتهى وَلم يتَزَوَّج قطّ وَكَانَت لَهُ أوراد من الْعِبَادَة وَكَانَ يسْعَى فِي حوايج النَّاس ويقضيهم واخبرني القَاضِي الرئيس عماد الدّين ابْن)
القيسراني أَنه لم يكن يَأْكُل الْعِنَب قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبهُ فآثر أَن يكون نصِيبه فِي الْجنَّة واخبرني الْحَافِظ ابْن سيد النَّاس فِي زكي بعض الْفُقَهَاء تَزْكِيَة عِنْد بعض الْقُضَاة مَا زكاها أحد قطّ لِأَنَّهُ أمسك بيد الَّذِي زَكَّاهُ وَقَالَ للْقَاضِي يَا مَوْلَانَا النَّاس مَا يَقُولُونَ مَا يُؤمن على الذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا حمَار قَالَ نعم قَالَ(2/11)
وَهَذَا حمَار وَانْصَرف فَحكم القَاضِي بعدالة ذَلِك الْفَقِيه واخبرني أَيْضا أَن الْأَمِير علم الدّين الشجاعي لما فرغت الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاون طلبه الْأَمِير الْمَذْكُور فَتوجه إِلَيْهِ وعمامته صَغِيرَة بكراتة على مصطلح أهل حلب فَلَمَّا جلس عِنْده وَلم يكن رَآهُ أَخذ الْأَمِير يتحدث بالتركي مَعَ بعض مماليكه قَالَ يَا أَمِير الْمَمْلُوك يعرف بالتركي فاعجب الْأَمِير هَذِه الْحَرَكَة مِنْهُ وَقَالَ لَهُ السُّلْطَان قد فوض إِلَيْك تدريس التَّفْسِير بالقبة ونهار غَد يحضر السُّلْطَان والأمراء والقضاة وَالنَّاس فغداً تحضر وتكبر عمامتك هَذِه قَلِيلا فَانْصَرف وَلما كَانَ من الْغَد رَآهُ الْأَمِير علم الدّين من بعيد وَهُوَ جايز إِلَى الْمدرسَة بِتِلْكَ الْعِمَامَة فَجهز إِلَيْهِ يَقُول مَا قلت لَك تكبر عمامتك قَلِيلا فَقَالَ يَا مَوْلَانَا تعلموني مسخرة واراد أَن يرجع فَقَالَ الْأَمِير علم الدّين دَعوه يدْخل فَلَمَّا جلس مَعَ النَّاس نظر الْملك الْمَنْصُور إِلَى الَّذين هُنَاكَ فَقَالَ هَذَا مَا هُوَ الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس قَالُوا نعم فَقَالَ هَذَا اعرفه لما كنت سَاكن فِي الْمَدِينَة وَالنَّاس يقرأون عَلَيْهِ وشكر الشجاعي على إِحْضَاره قَالَ الشَّيْخ فتح الدّين فَلم يعرف السُّلْطَان غَيره وَلَا اثْنَي الا عَلَيْهِ واخبرني عَنهُ غير وَاحِد أَنه لم يزل عِنْده فِي بَيته من أَصْحَابه وَمن الطّلبَة من يَأْكُل على مَا يدته لَا يدّخر شَيْئا وَلَا يخبأه عَنْهُم وَهنا أنَاس يَلْعَبُونَ الشطرنج وَهنا أنَاس يطالعون وكل وَاحِد فِي شَأْنه لَا يُنكر على أحد شَيْئا وَلم تزل أخلاقه مرتاضة حَتَّى يكون وَقت الِاشْتِغَال يتنكر وَكَانَ لَا يتَكَلَّم فِي حل النَّحْو للطلبة إِلَّا بلغَة الْعَوام لَا يُرَاعى الْأَعْرَاب واخبرني الْأَمَام أثير الدّين وَعَلِيهِ قَرَأَ بالديار المصرية قَالَ كَانَ الشَّيْخ بهاء الدّين وَالشَّيْخ محيي الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الْعَزِيز المازوني الْمُقِيم بالإسكندرية شيخى الديار المصرية وَلم الق أحدا أَكثر سَمَاعا مِنْهُ لكتب الْأَدَب وَانْفَرَدَ بِسَمَاع صِحَاح الْجَوْهَرِي وَكَانَ كثير الْعِبَادَة والمروءة والترحم على من يعرفهُ من أَصْحَابه لَا يكَاد يَأْكُل شَيْئا وَحده ينْهَى عَن الْخَوْض فِي العقايد وَله ترداد إِلَى من ينتمي إِلَى الْخَيْر ولي التَّفْسِير بِجَامِع ابْن طولون وبالقبة المنصورية وَله تصدير فِي الْجَامِع الْأَقْمَر وتصادير بِمصْر وَلم يصنف شَيْئا إِلَّا مَا وَجَدْنَاهُ من املايه على الْأَمِير سِنَان الدّين الرُّومِي شرحا لكتاب المقرب)
لِابْنِ عُصْفُور وَذَلِكَ من أول الْكتاب إِلَى بَاب الْوَقْف أَو نَحوه وَقَالَ وَكنت أَنا وإياه نمشي بَين القصرين فَعبر علينا صبي يدعى بِجَمَال وَكَانَ مصارعا فَقَالَ الشَّيْخ بهاء لينظم كل منا فِي هَذَا المصارع ونظم الشَّيْخ بهاء الدّين
(مصَارِع تصرع الآساد سمرته ... تيها فَكل مليح دونه همج)
(لما غَدا راجحاً فِي الْحسن قلت لَهُم ... عَن حسنه حدثوا عَنهُ وَلَا حرج)
قَالَ اثير الدّين ونظمت أَنا
(سباني جمال من مليح مصَارِع ... عَلَيْهِ دَلِيل للملاحة وَاضح)
(لَئِن عز مِنْهُ الْمثل فَالْكل دونه ... وَأَن خف مِنْهُ الخصر فالردف رَاجِح)
قَالَ وَسمع الشَّيْخ شهَاب الدّين العزازي نظمينا فِيهِ وانشدنيه
(هَل حكم ينصفني فِي هوى ... مصَارِع يصرع أَسد الشرى)(2/12)
(مذ فر مني الصَّبْر فِي حبه ... حُكيَ عَلَيْهِ مدمعي مَا جرى)
(أَبَاحَ قَتْلَى فِي الْهوى عَامِدًا ... وَقَالَ لي كم عاشق فِي الورى)
(رميته فِي اسر حبي وَمن ... اجفان عَيْنَيْهِ أخذت الْكرَى)
قلت أما قَول الشَّيْخ بهاء الدّين رَحمَه الله فَإِنَّهُ منحط وَمَا أَتَى فِيهِ مِنْهُ مصطلح الْقَوْم إِلَّا بِلَفْظِهِ الرَّاجِح لَا غير وَأما قَول شَيخنَا أثير الدّين فَإِنَّهُ غَايَة لِأَنَّهُ أَتَى فِيهِ بِلَفْظ الْمثل والدون وَالرَّاجِح وَأما قَول شهَاب الدّين العزازي فَبين بَين لم ينحط وَلم يرْتَفع لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظِهِ حكى عَلَيْهِ والأباحة وَالرَّمْي وَأخذ الكري فِي أَرْبَعَة أَبْيَات وفيهَا عيب وَهُوَ التَّضْمِين وَهُوَ تعلق الثَّالِث بالرابع وَقَوله الْكرَى اخطأ فِيهِ لَان الْكرَى بِمَعْنى النّوم بِفَتْح الْكَاف والكري بِمَعْنى الْأُجْرَة بِكَسْر الْكَاف فتنافيا وَقد أشبعت القَوْل فِي هَذَا فِي كتابي فض الختام عَن التورية والاستخدام أَنْشدني شَيخنَا الْعَلامَة اثير الدّين قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ بهاء الدّين لنَفسِهِ يُخَاطب الشَّيْخ رَضِي الدّين الشاطبي وَقد كلفه أَن يشترى لَهُ قطرا
(أَيهَا الأوحد الرضي الَّذِي طا ... ل عَلَاء وطاب فِي النَّاس نشرا)
(أَنْت بَحر لَا غرو أَن نَحن وافي ... ناك راجين من نداك القطرا)
وأنشدني قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ يرثى الشَّيْخ أَحْمد الْمصْرِيّ النَّحْوِيّ
(عزاءك زين الدّين فِي الْفَاضِل الَّذِي ... بكته بَنو الْآدَاب مثنى وموحدا)
)
(فهم فقدوا مِنْهُ الْخَلِيل بن أَحْمد ... وَأَنت ففارقت الْخَلِيل وأحمدا)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ مِمَّا يكْتب على منديل
(ضَاعَ مني خصر الحبيب نحولاً ... فَلهَذَا أضحى عَلَيْهِ آدور)
(لطفت خرقتي ودقت فَجلت ... عَن نَظِير لما حكتها الخصور)
(اكتم السِّرّ عَن رَقِيب لهَذَا ... بِي يخفى دُمُوعه المهجور)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(أَنِّي تركت لذا الورى دنياهم ... وظللت انْتظر الْمَمَات وارقب)
(وَقطعت فِي الدُّنْيَا العلايق لَيْسَ لي ... ولد يَمُوت وَلَا عقار يخرب)
أَنْشدني شَيخنَا نجم الدّين الصَّفَدِي من لَفظه قَالَ أنشدنا الشَّيْخ بهاء الدّين لنَفسِهِ
(قلت لما شرطوه وَجرى ... دَمه القاني على الخد اليقق)
(لَيْسَ بدعاً مَا آتوا فِي فعله ... هُوَ بدر ستروه بالشفق)
قلت ذكرت أَنا هُنَا مَا نظمته فِي هَذَا
(قلت إِذْ شرطُوا الحبيب وَقد ضا ... ق عَليّ الغرام فِي كل مَسْلَك)
(قد ملكت الْفُؤَاد من غير شَرط ... قَالَ لكنني مَعَ الشَّرْط املك)(2/13)
وَقلت أَنا فِيهِ أَيْضا
(تشرط من أحب فذبت خوفًا ... وَقَالَ وَقد رأى جزعي عَلَيْهِ)
(عقيق دم جرى فَأصَاب خدي ... وَشبه الشَّيْء منجذب إِلَيْهِ)
واخبرني شَيخنَا الذَّهَبِيّ قَالَ قَرَأت على الشَّيْخ بهاء الدّين رَحمَه الله جُزْء شَيْء قلت وغالب رِوَايَات الشَّيْخ أثير الدّين كتب الْأَدَب عَنهُ اعني الشَّيْخ بهاء الدّين رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن ابراهيم التجاني بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْجِيم وَالنُّون من بعد الْألف البَجلِيّ اللّغَوِيّ قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين مشافهة هُوَ أديب متفنن من أهل تونس مَشْهُور بِالْعلمِ وَالْأَدب لم يقْض لي بِهِ اجْتِمَاع عِنْد دُخُول تونس أنشدنا لَهُ أَبُو يحيى ابْن عريهة
(كم قلت إِذْ عذر من ... كَانَ الْفُؤَاد منزله)
(وعطلت من فتكها ... تِلْكَ الْعُيُون الغزله)
)
(يَا اشعري خَدّه ... أَنِّي من المعتزله)
وأنشدني بالسند الْمَذْكُور
(قطفت باللحظ من بُسْتَان وجنته ... تفاحة ضرجتها حمرَة الخفر)
(وَقلت هَذَا أَمَان من قطيعته ... فالشرع قد نَص أَن لَا قطع فِي ثَمَر)
قلت هُوَ شعر جيد
3 - (الوطواط الكتبي مُحَمَّد بن ابرهيم بن يحيى بن عَليّ الْأنْصَارِيّ)
الْمَرْوِيّ الأَصْل الْمصْرِيّ المولد جمال الدّين الكتبي الْمَعْرُوف بالوطواط مولده بِمصْر سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وست ماية اخبرني الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان من لَفظه قَالَ الْمَذْكُور لَهُ معرفَة بالكتب وقيمها وَله نثر حسن ومجاميع أدبية وَكَانَ بَينه وَبَين ابْن الخوتي قَاضِي الْقُضَاة مَوَدَّة لما كَانَ بالمحلة فَلَمَّا تولى قَضَاء الديار المصرية توهم جمال الدّين أَنه يحسن إِلَيْهِ ويبره فَسَأَلَهُ فَلم يجبهُ إِلَى شَيْء من مَقْصُوده فاستفتى عَلَيْهِ فضلاء الديار المصرية فَكَتَبُوا لَهُ على فتياه بأجوبة مُخْتَلفَة وصير ذَلِك كتابا وَقد راحت بِهِ نُسْخَة إِلَى بِلَاد الْمغرب وَكَانَ قد سَأَلَني أَن أُجِيب على ذَلِك فامتنعت لِأَن الأجابة أقتضت ذمّ المستفتى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أجَاب جَمِيع من كتب عَلَيْهَا انْتهى قلت هَذَا الْمَذْكُور كَانَ لَهُ فَضِيلَة وَعِنْده ذوق وَفهم يدل على ذَلِك مجاميعه وَلم يكن يقدر على النّظم وَأما النثر فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ مجيدا وَأما هَذِه الْفتيا الْمَذْكُورَة فقد رَأَيْتهَا ونقلتها بخطى وسماها فَتْوَى الفتوة ومرآة الْمَرْوَة وَكتب لَهُ فِيهَا الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس وناصر الدّين حسن ابْن النَّقِيب ومحيي الدّين ابْن عبد الظَّاهِر كتب لَهُ جوابين أَحدهمَا لَهُ وَالْآخر عَلَيْهِ وَشرف الدّين ابْن فضل الله والسراج الْوراق وناصر(2/14)
الدّين شَافِع وَشرف الدّين الْقُدسِي وشهاب الدّين ابْن قَاضِي اخميم ومكين الدّين الْجَزرِي كتب جوابين والنصير الحمامي وَكَمَال الدّين ابْن القليوبي وَعلم الدّين ابْن بنت الْعِرَاقِيّ وشمس الدّين الْخَطِيب الْجَزرِي وَعلم الدّين القمني وَبدر الدّين الْحلَبِي الْموقع وعماد الدّين ابْن الْعَفِيف الْكَاتِب وشمس الدّين ابْن مهنا وَبدر الدّين المنبجي وَأمين الدّين ابْن الفارغ وشمس الدّين ابْن دانيال والفقيه شُعَيْب وناصر الدّين ابْن الاسكاف وَنور الدّين الْمَكِّيّ وَآخر لم يذكر اسْمه لِأَنَّهُ عاهده على ذَلِك وَمن تصانيف جمال الدّين الوطواط كتاب مباهج الْفِكر ومناهج العبر أَربع مجلدات تَعب عَلَيْهِ وَمَا قصر فِيهِ وَكتاب الدُّرَر وَالْغرر والدرر والعرر وملكت بِخَطِّهِ تَارِيخ ابْن الْأَثِير الْمُسَمّى بالكامل وَقد)
ناقش المُصَنّف فِي حَوَاشِيه وغلطه وواخذه وَكَانَ جمال الدّين الْمَذْكُور لَا يزَال القَاضِي محيي الدّين ابْن عبد الظَّاهِر يكرههُ ويغض مِنْهُ والتقليد السُّلَيْمَانِي الَّذِي أنشأه بِالْولَايَةِ لِابْنِ غراب على أَجنَاس الطير عرض فِيهِ بالوطواط قَالَ فِي أَوله بعد أَن عمل خَاتمًا على هَذِه الصُّورَة أَنه من سليمن وَأَنه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَفِيه يَقُول الْحَكِيم شمس الدّين ابْن دانيال وَهُوَ ارمد
(وَلم اقْطَعْ الوطواط بخلا بكحله ... وَلَا أَنا من يعييه يَوْمًا تردد)
(وَلكنه ينبو عَن الشَّمْس طرفه ... وَكَيف بِهِ لي قدرَة وَهُوَ آرمد)
وأنشدني فِيهِ لنَفسِهِ أجازة نَاصِر الدّين شَافِع
(كم على دِرْهَم يلوح حَرَامًا ... يَا لئيم الطباع سرا تواطى)
(دايماً فِي الظلام تمشي مَعَ النا ... س وهذي عوايد الوطواط)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(قَالُوا نرى الوطواط فِي شدَّة ... من تَعب الكد وَفِي ويل)
(فَقلت هَذَا دأبه دايماً ... يسْعَى من اللَّيْل إِلَى اللَّيْل)
3 - (قَاضِي الْقُضَاة ابْن جمَاعَة مُحَمَّد بن ابرهيم بن سعد الله ابْن جمَاعَة بن عَليّ بن جمَاعَة بن)
حَازِم بن صَخْر قَاضِي الْقُضَاة الْأَمَام الْعَالم بدر الدّين أَبُو عبد الله الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي ولد بحماة سنة تسع وثلثين وَسمع سنة خمسين من شيخ الشُّيُوخ الانصاري وبمصر من الرضى ابْن الْبُرْهَان والرشيد الْعَطَّار واسمعيل بن عزون وعدة وبدمشق من ابْن أبي الْيُسْر وَابْن عبد وطايفة واجاز لَهُ عمر بن البراذعي والرشيد بن مسلمة وطايفة وَحدث بالشاطبية عَن ابْن عبد(2/15)
الْوَارِث صَاحب الشاطبي وَسمعتهَا عَلَيْهِ مَعَ جمَاعَة بمنزله بِمصْر مجاور الْجَامِع الناصري واجاز لي فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية وَحدث بالكثير وَتفرد فِي وقته وَكَانَ قوي الْمُشَاركَة فِي عُلُوم الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير خَطِيبًا تَامّ الشكل ذَا تعبد واوراد وَحج وَله تصانيف درس وافتى واشغل نقل إِلَى خطابة الْقُدس ثمَّ طلبه الْوَزير ابْن السلعوس فولاه قَضَاء مصر وَرفع شَأْنه ثمَّ حضر إِلَى الشَّام قَاضِيا وَولي خطابة دمشق أَيْضا مَعَ الْقَضَاء ثمَّ طلب لقَضَاء مصر بعد ابْن دَقِيق الْعِيد وامتدت أَيَّامه إِلَى أَن شاخ واضر وَثقل سَمعه فعزل بقاضي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي سنة سبع وَعشْرين وَسبع ماية وَكَثُرت أَمْوَاله وباشر آخرا بِلَا مَعْلُوم على)
الْقَضَاء وَلما رَجَعَ السُّلْطَان من الكرك صرفه وَولي جمال الدّين الزرعي فاستمر نَحْو السّنة ثمَّ أُعِيد قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين وَولي مناصب كبارًا وَكَانَ يخْطب من انشايه وصنف فِي عُلُوم الحَدِيث وَفِي الْأَحْكَام وَله رِسَالَة فِي الإسطرلاب أَخْبرنِي القَاضِي شمس الدّين ابْن الْحَافِظ نَاظر الْجَيْش بصفد وطرابلس قَالَ كنت اقْرَأ عَلَيْهِ بِدِمَشْق وَهُوَ فِي بَيت الخطابة رسَالَته فِي الإسطرلاب فَقَالَ لي يَوْمًا إِذا جِئْت تقْرَأ فِي هَذِه فاكتمه فَإِن الْيَوْم جَاءَ إِلَى مغربي وَقَالَ يَا مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة رَأَيْت الْيَوْم وَاحِدًا يمشي فِي الْجَامِع وَفِي كمه آلَة الزندقة فَقلت وَمَا هِيَ فَقَالَ الإسطرلاب أَو كَمَا قَالَ وَتُوفِّي سنة ثلث وثلثين وَسبع ماية فِي جمدي الأولى بِمصْر وَتُوفِّي أَبوهُ بالقدس سنة خمس وَسبعين وللقاضي بدر الدّين نظم وَمِنْه مَا انشدنيه إجَازَة
(يَا لهف نَفسِي لَو تدوم خطابتي ... بالجامع الْأَقْصَى وجامع جلق)
(مَا كَانَ اهنى عيشنا والذه ... فِيهَا وَذَاكَ طراز عمري لَو بَقِي)
(الدّين فِيهِ سَالم من هفوة ... والرزق فَوق كِفَايَة المسترزق)
(وَالنَّاس كلهم صديق صَاحب ... دَاع وطالب دَعْوَة بترقق)
وأنشدني لنَفسِهِ أجازة
(لما تمكن من فُؤَادِي حبه ... عاتبت قلبِي فِي هَوَاهُ ولمته)
(فرثى لَهُ طرفِي وَقَالَ أَنا الَّذِي ... قد كنت فِي شرك الْهوى أوقعته)
(عَايَنت حسنا باهراً فاقتادني ... سرا إِلَيْهِ عِنْد مَا أبصرته)
وأنشدني لنَفسِهِ أجازة
(أحن إِلَى زِيَارَة حَيّ ليلى ... وعهدي من زيارتها قريب)
(وَكنت أَظن قرب الْعَهْد يطفى ... لهيب الشوق فأزداد اللهيب)
وأنشدني لنَفسِهِ أجازة
(إِذا مَا قصدت طيبَة شوقاً ... صَار سهلاً لدي كل عسير)
(وَإِذا مَا ثنيت عزمي عَنْهَا ... فعسير عَليّ كل يسير)
قلت هُوَ من قَول القايل(2/16)
(يَا ليل مَا جِئتُكُمْ زايراً ... إِلَّا وجدت الأَرْض تطوى لي)
(وَلَا آنثنى عزمي عَن بَابَكُمْ ... إِلَّا تعثرت باذيالي)
)
3 - (ابْن معضاد مُحَمَّد بن ابرهيم بن معضاد الشَّيْخ)
من بَيت توفّي سنة سبع وثلثين وَسبع ماية بِمصْر وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَكَانَهُ وَلما توفّي رَحمَه الله تَعَالَى قَامَ أَخُوهُ عمر قَالَ الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن عَليّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي هم أهل بَيت لَا يتَكَلَّم فيهم أحد حَتَّى يَمُوت قبله وَاحِد مِنْهُم
3 - (ابْن ابراهيم العامري الْخَطِيب مُحَمَّد بن ابرهيم الْقرشِي العامري الْخَطِيب النَّحْوِيّ)
من أهل شلب واصله من مَدِينَة باجة أورد لَهُ ابْن الْآبَار مَا أَمر أَن يكْتب على قَبره
(لَئِن نفذ الْقدر السَّابِق ... بموتي كَمَا حكم الْخَالِق)
(فقد مَاتَ والدنا آدم ... وَمَات مُحَمَّد الصَّادِق)
(وَمَات الْمُلُوك واشياعهم ... وَلم يبْق من جمعهم نَاطِق)
(فَقل للَّذي سره مهلكي ... تأهب فَإنَّك بِي لَاحق)
قلت فِي معنى هَذَا الْبَيْت الرَّابِع قَول الآخر
(تشفى بِشَيْء لَا يصيبك مثله ... وَإِلَّا فشيء أَنْت وارده فَلَا)
واورد ابْن الْأَبَّار قَول ابْن خفاجة فِيمَا كتبه على قَبره
(خليلي هَل من وَقْفَة بتألم ... على جدثي أَو نظرة بترجم)
(خليلي هَل بعد الردى من ثنية ... وَهل بعد بطن الأَرْض دَار مخيم)
(وَأَنا حيينا أوردينا لاخوة ... فَمن مر بِي من مسلمك فليسلم)
(وماذا عَلَيْهِ أَن يَقُول محييا ... إِلَّا عمم صباحاً أَو يَقُول إِلَّا أسلم)
(وَفَاء لَا شلاء كرمن على البلى ... فعاج عَلَيْهَا من رفات وآعظم)
(يردد طوراً آهة الْحزن عِنْدهَا ... ويذرف طوراً دمعة المترحم)
وَقَول عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مغاور الْكَاتِب بالغين وَالْوَاو الْمَكْسُورَة وَالرَّاء
(أَيهَا الْوَاقِف أعتباراً بقبري ... اسْتمع فِيهِ قَول عظمي الرميم)
(أودعوني بطن الضريح وخافوا ... من ذنُوب كلومها باديمي)(2/17)
(قلت لَا تجزعوا عَليّ فَانِي ... حسن الظَّن بالرؤوف الرَّحِيم)
(وأتركوني بِمَا أكتسبت رهيناً ... غلق الرَّهْن عِنْد مولى كريم)
3 - (ابْن المهندس مُحَمَّد بن ابرهيم بن غنايم الصَّالِحِي)
)
الْحَنَفِيّ الْمُحدث الْعدْل شمس الدّين الشُّرُوطِي ابْن المهندس سمع من ابْن أبي عمر وَابْن شَيبَان وَالْفَخْر وطبقتهم وَكتب العالي والنازل ورحل إِلَى مصر بِابْنِهِ وَنسخ الْكثير وَحصل الْأُصُول وَخرج وَأفَاد مَعَ التصون والتواضع وَطيب الْخلق وَصِحَّة النَّقْل وَخلف أَوْلَادًا وملكا وَكَانَ رَأسه يضطرب دايما لَا يفتر أوصى بوقفية أجزايه وَكتب الشَّيْخ شمس الدّين عَنهُ توفّي سنة ثلث وثلثين وَسبع ماية قلت وَأَجَازَ لي أَيْضا رَحمَه الله
3 - (أَمِين الدّين الْمُؤَذّن الواني مُحَمَّد بن ابرهيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد)
الْفَقِيه الْمُفِيد الرّحال آمين الدّين الواني الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ رَئِيس المؤذنين وَابْن السيخ برهَان الدّين رَئِيس المؤذنين كتب وتعب وَحصل الْأُصُول حدث بِمصْر وبمكة ودمشق عَن أبي الْفضل ابْن عَسَاكِر والتقى ابْن مُؤمن وَجَمَاعَة وَتُوفِّي بعد وَالِده بِشَهْر وَدفن إِلَى جَانِبه سنة خمس وثلثين وَسبع ماية عَاشَ أحدى وَخمسين سنة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ من خير الطّلبَة وأجودهم نقلا وَهُوَ وَالِد شرف الدّين
3 - (شمس الدّين الْجَزرِي المورخ مُحَمَّد بن ابرهيم بن أبي بكر المورخ)
شمس الدّين الْجَزرِي ولد سنة ثَمَان وَخمسين وست ماية ولهج بالتاريخ وَجمعه وَسمع من ابرهيم بن حمد بن كَامِل وَالْفَخْر على وَابْن الوَاسِطِيّ والأبرقوهي وَابْن الشقاري وَغَيرهم من الشُّعَرَاء وَكَانَ حسن المذاكرة سليم الْبَاطِن صَدُوقًا وَفِي تَارِيخه عجايب وغرايب وعامية توفّي سنة تسع وثلثين وَسبع ماية وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب الصَّغِير وَله نظم سَاقِط أجَاز لي بِخَطِّهِ سنة ثلثين وَسبع ماية بِدِمَشْق روى الشَّيْخ علم الدّين البرزالي رَحمَه الله عَن شمس الدّين الْجَزرِي هَذِه الأبيات وَهِي
(الهي قد أَعْطَيْتنِي مَا أحبه ... واطلبه من أَمر دنياي وَالدّين)
(وأغنيتني بالقنع عَن كل مطمع ... وألبستني عزا يجل عَن الْهون)
(وَقطعت عَن كل الْأَنَام مطامعي ... فنعماك تكفيني إِلَى حِين تكفيني)
(وَمن دق بَابا غير بابك خاضعا ... غَدا رَاجعا عَنهُ بصفقة مغبون)(2/18)
قلت وَأَنا أسْتَكْثر هَذِه الأبيات عَلَيْهِ رَحمَه الله وسامحه وَأَن لم تكن فِي ذرْوَة النّظم
3 - (ابْن الْبُرْهَان الطَّبِيب مُحَمَّد بن ابرهيم الْعدْل الرئيس الْفَاضِل صَلَاح الدّين أَبُو عبد الله)
المتطبب)
الْمَعْرُوف بِابْن الجرايحي وَيعرف بِابْن الْبُرْهَان وَهُوَ الْأَشْهر وَفِي أَبِيه برهَان الدّين يَقُول من قَالَ
(كل من عالج الْجراحَة فدم ... وأقيم الدَّلِيل بالبرهان)
أَخْبرنِي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ كَانَ أَبوهُ جرايحيا فَلَمَّا نَشأ صَلَاح الدّين اقرأه الْقُرْآن الْكَرِيم فحفظ مِنْهُ نَحْو النّصْف وَقَرَأَ طرفا من الْعَرَبيَّة عَليّ ابْن النّحاس وَقَرَأَ الطِّبّ على الْعِمَاد النابلسي ثمَّ على الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابْن النفيس وأجيز أَولا فِي الْكحل ثمَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الطِّبّ وَكَانَ فَاضلا فِي فروع الطِّبّ مشاركا فِي الْحِكْمَة مايلا إِلَى علم النُّجُوم وَالْكَلَام على طبايع الْكَوَاكِب وأسرارها وَقَرَأَ فِي آخر عمره على شَيخنَا شمس الدّين الاصبهاني كثيرا من الْحِكْمَة وَسمع بِقِرَاءَة الْفَخر عبد الْوَهَّاب ابْن الْحَكِيم كتاب الشِّفَاء لِابْنِ سينا على الشَّيْخ شمس الدّين وَهُوَ يشرحه لصلاح الدّين ميعادا فميعادا إِلَى أَن أكمله قَالَ وَسَأَلت الْأَصْبَهَانِيّ عَنهُ فَقَالَ اشْتِغَاله أَكثر من ذهنه وَكَانَ علمه بالطب اكثر من معالجته قَالَ حُكيَ لي شَيخنَا الاصبهاني أَنه طلعت فِي إصبعه سلْعَة فاستطب لَهَا صَلَاح الدّين فبهت ثمَّ وصف أَشْيَاء لم تفده فَقَالَ لَهُ الْفَخر عبد الْوَهَّاب لَو عملت كَذَا كَانَ انفع لَهُ فعمله فنفعه وبرأ بِهِ قَالَ وَكَانَ صَلَاح الدّين ذَا مَال وَاسع ومتجر بالصعيد وَأَكْثَره فِي اخميم وَكَانَ من أَعْيَان أطباء السُّلْطَان الَّذين يدْخلُونَ عَلَيْهِ وَيعرف لَهُ السُّلْطَان مكانته وفضله وَكَانَ خصيصا بالنايب آرغون ثمَّ بطقزتمر يطلع فِي كل سنة طقزتمر إِلَى الصَّعِيد فَيكون مَعَه فِي خدمته ويستعين بِصُحْبَتِهِ على اسْتِخْرَاج مَاله ونفاق متاجره وَلما ولي القَاضِي جلال الدّين الديار المصرية صَحبه صَلَاح الدّين الْمَذْكُور وَكَانَ يسفر عِنْده لقضاة الصَّعِيد يقدم إِلَيْهِ كتبهمْ ويجهز إِلَيْهِم أجوبته وَكَانَ لَا يزَال ذرعه ضيقا يتَقَدَّم ابْن النغربي عَلَيْهِ وَكتب إِلَى السُّلْطَان يسْأَله الإعفاء من الطِّبّ وَأَن يكون من تجار الْخَاص فَقَالَ السُّلْطَان نَحن نَعْرِف أَنه إِنَّمَا قَالَ هَذَا لكَون ابْن المغربي هُوَ الرئيس مَعَ كَونه هُوَ أكبر وَأفضل فَلَا يَأْخُذ فِي خاطره من هَذَا فَهُوَ عندنَا عَزِيز كريم وَإِنَّمَا إِبْرَاهِيم ابْن المغربي صاحبنا ولاجل هَذَا عَمِلْنَاهُ الرئيس وَنحن نَعْرِف أَنه مَا يسْتَحق التَّقْدِيم عَلَيْهِ فطاب خاطر صَلَاح الدّين بذلك وخطب آخت ابْن المغربي وَتزَوج بهَا واتحدا بعد مباينة البواطن قَالَ وَكَانَ صَلَاح الدّين يثبت علم الكيمياء وَيَقُول أَنه صحب ابْن أَمِير كَانَ اسْمه ابْن سنقر الرُّومِي وَأَنه كَانَ عَملهَا بحضوري غير مرّة إِلَى غير هَذَا مِمَّا كَانَ مُغْرِي بِهِ من الروحانيات واعتقاد مَا)
يُقَال من المخاطبات النجومية قَالَ وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ قَلِيل الْمثل فِي وقته انْتهى قلت كَانَ صَلَاح الدّين رَحمَه الله يتَرَدَّد كثيرا إِلَى القَاضِي شهَاب الدّين ويجتمع بِهِ وَهُوَ من أعرف النَّاس بِحَالهِ وَقد اجْتمعت بِهِ غير مرّة وَسمعت كَلَامه وَكَانَ يستحضر كليات القانون وَكَانَ يلثغ بالراء لثغة مصرية وعَلى ذهنه شَيْء من الحماسة والمقامات وَشعر أبي الطّيب وَكَانَ فِي ذهنه جمود وَكَانَ يجْتَمع هُوَ وَالشَّيْخ(2/19)
ركن الدّين ابْن القوبع رَحمَه الله تَعَالَى فِي دكان الشُّهُود الَّذِي فِي بَاب الصالحية وَيذكر صَلَاح الدّين شَيْئا من كَلَام الرئيس إِمَّا من الأشارات أَو غَيرهَا ويشرح ذَلِك شرحا غير مُطَابق لكَلَام الرئيس فَمَا يصبر لَهُ الشَّيْخ ركن الدّين وَيَقُول سُبْحَانَ الله من يكون ذهنه هَذَا الذِّهْن يشْتَغل فلسفة هَذَا الْكَلَام مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ فِي وَاد وَأَنت فِي وَاد وَهَذَا الَّذِي يفهم من كَلَام الشَّيْخ وَهُوَ المطابق للقواعد عِنْد الْقَوْم فَيَعُود صَلَاح الدّين فِي خجل كثير بَين الْجُلُوس وَأَظنهُ فَارق الزَّوْجَة الَّتِي تزَوجهَا من بَيت ابْن المغربي قبل وَفَاته وَلما مرض النايب ارغون بحلب أول مرّة طلبه من السُّلْطَان فَحَضَرَ إِلَيْهِ وعالجه بحلب ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ أَنه لما مرض الثَّانِيَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا طلبه فوصل إِلَى أَرْبَد وبلغته وَفَاته فَعَاد وَتُوفِّي صَلَاح الدّين بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثلث وَأَرْبَعين وَسبع ماية
3 - (ابْن الْأَكْفَانِيِّ الْحَكِيم شمس الدّين مُحَمَّد بن ابرهيم بن ساعد شمس الدّين أَبُو عبد الله)
الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الاكفاني السنجاري المولد وَالْأَصْل الْمصْرِيّ الدَّار فَاضل جمع اشتات الْعُلُوم وبرع فِي عُلُوم الْحِكْمَة خُصُوصا الرياضي فَإِنَّهُ أَمَام فِي الْهَيْئَة والهندسة والحساب لَهُ فِي ذَلِك تصانيف وأوضاع مفيدة قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة جَيِّدَة من كتاب اقليدس فَكَانَ يحل لي فِيهِ مَا اقرأه عَلَيْهِ بِلَا كلفة كَأَنَّمَا هُوَ ممثل بَين عَيْنَيْهِ فَإِذا ابتدأت فِي الشكل شرع هُوَ فيسرد بَاقِي الْكَلَام سردا وَأخذ الْميل وَوضع الشكل وحروفه فِي الرمل على التخت وَعبر عَنهُ بِعِبَارَة جزلة فصيحة بَيِّنَة وَاضِحَة كَأَنَّهُ مَا يعرف شَيْئا غير ذَلِك الشكل وقرأت عَلَيْهِ مُقَدّمَة فِي وضع الْآفَاق فشرحها لي أحسن شرح وقرأت عَلَيْهِ أول الأشارات فَكَانَ يحل شرح نصير الدّين الطوسي بِأَجل عبارَة وَأجلى أشارة وَمَا سَأَلته عَن شَيْء فِي وَقت من الْأَوْقَات عَمَّا يتَعَلَّق بالحكمة من الْمنطق والطبيعي والرياضي والألهي إِلَّا وَأجَاب بِأَحْسَن جَوَاب كَأَنَّمَا كَانَ البارحة يطالع تِلْكَ الْمَسْأَلَة طول اللَّيْل وَأما الطِّبّ فَإِنَّهُ كَانَ أَمَام عصره وغالب طبه بخواص)
ومفرادت يَأْتِي بهَا إِلَى الْمَرِيض وَمَا يعرفهَا أحد لِأَنَّهُ يُغير كيفيها وَصورتهَا حَتَّى لَا تعلم وَله أصابات غَرِيبَة فِي علاجه وَأما الْأَدَب فَإِنَّهُ فريد فِيهِ يفهم نكته وَيَذُوق غوامضه ويستحضر من الْأَخْبَار والوقايع والوفيات للنَّاس قاطبة جملَة كَبِيرَة ويحفظ من الشّعْر شَيْئا كثيرا إِلَى الْغَايَة من شعر الْعَرَب والمولدين والمحدثين والمتأخرين وَله فِي الْأَدَب تصاني وَيعرف الْعرُوض والبديع جيدا وَمَا رَأَيْت مثل ذهنه يتوقد ذكاء بِسُرْعَة مَا لَهَا روية وَمَا رَأَيْت فِيمَن رَأَيْت أصح ذهنا مِنْهُ وَلَا أذكى وَأما عِبَارَته الفصيحة الموجزة الخالية من الفضول فَمَا رَأَيْت مثلهَا كَانَ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس يَقُول مَا رَأَيْت من يعبر عَمَّا فِي ضَمِيره بِعِبَارَة موجزة مثله انْتهى وَلم أر امتع مِنْهُ وَلَا أفكه من محاضرته وَلَا أَكثر أطلاعاً مِنْهُ على أَحْوَال النَّاس وتراجمهم ووقايعهم مِمَّن تقدم وَمِمَّنْ عاصره وَأما أَحْوَال الشرق ومتجددات التتار فِي بِلَادهمْ فِي أَوْقَاتهَا فَكَأَنَّمَا كَانَت القصاد تجىء إِلَيْهِ والملطفات تتلى عَلَيْهِ بِحَيْثُ أنني كنت(2/20)
أسمع مِنْهُ مَا لم أطلع عَلَيْهِ من الدِّيوَان وَأما الرقي والعزايم فيحفظ مِنْهَا جملا كَثِيرَة وَله الْيَد الطُّولى فِي الروحانيات والطلاسم وَمَا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب وقرأت عَلَيْهِ من تصانيفه أرشاد القاصد إِلَى آسنى الْمَقَاصِد واللباب فِي الْحساب ونخب الذخاير فِي معرفَة الْجَوَاهِر وغنية اللبيب عِنْد غيبَة الطَّبِيب وَمِمَّا لم اقرأه عَلَيْهِ من تصانيفه كتاب كشف الرين فِي أمراض الْعين وَله نظم أَنْشدني مِنْهُ من لَفظه لنَفسِهِ
(وَلَقَد عجبت لعاكس للكيميا ... فِي طبه قد جَاءَ بالشنعاء)
(يلقى على الْعين النّحاس يحيلها ... فِي لمحة كالفضة الْبَيْضَاء)
وَله تجمل فِي بَيته وملبسه ومركوبه من الْخَيل المسومة والبرة الفاخرة ثمَّ أَنه اقْتصر وَترك الْخَيل وآلى على نَفسه أَنه لَا يطب أحدا إِلَّا فِي بَيته أَو فِي البيمارستان أَو فِي الطَّرِيق وَله الْيَد الطُّولى فِي معرفَة الْأَصْنَاف من الْجَوَاهِر والقماش والآلات وأنواع العقاقير والحيوانات وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ البيمارستان المنصوري بِالْقَاهِرَةِ لَا يشترى وَلَا يدْخل إِلَى البيمارستان إِلَّا بعد عرضه عَلَيْهِ فَإِن أجَازه اشْتَرَاهُ النَّاظر وَأَن لم يجزه لم يشتر الْبَتَّةَ وَهَذَا أطلاع كثير وخبرة تَامَّة فَإِن المارستان يُرِيد كل مَا فِي الْوُجُود مِمَّا يدْخل فِي الطِّبّ والكحل والجراح وَغير ذَلِك وَأما معرفَة الرَّقِيق من المماليك والجواري فإليه الْمَآل فِي ذَلِك وَرَأَيْت المولعين بالصنعة يحْضرُون إِلَيْهِ ويذكرون لَهُ وَمَا وَقع لَهُم من الْخلَل فِي أثْنَاء أَعْمَالهم فيرشدهم إِلَى الصَّوَاب)
ويدلهم على اصلاح ذَلِك الْفساد وَلم أره يعوز شَيْئا من كَمَال الأدوات غير أَن عربيته ضَعِيفَة وخطه أَضْعَف من مرضى مارستانه وَمَعَ ذَلِك فَلهُ كَلَام حسن وَمَعْرِفَة جَيِّدَة بأصول الْخط الْمَنْسُوب وَالْكَلَام على ذَلِك وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي طاعون مصر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية وتألمت لفقده رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (كَمَال الدّين ابْن رِفَاعَة القوصي مُحَمَّد بن ابرهيم بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن رِفَاعَة كَمَال الدّين)
أَبُو الْفتُوح القوصي عَالم مفنن يعرف الْفِقْه والأصلين والنحو واللغة وَالتَّفْسِير تولى الحكم بِالْأَعْمَالِ القوصية سِنِين كَثِيرَة ومدحه الأديب الْفَاضِل على بن صَادِق بن عَليّ بن مُحَمَّد الخزرجي بمدايح جمعهَا فِي كتاب وقفاها وَعمل فِيهَا مُقَدّمَة وَصفه فِيهَا بنظم ونثر وَهُوَ كتاب كَبِير قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي مولده بقوص سنة أَرْبَعِينَ وَخمْس ماية وَتُوفِّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس ماية
3 - (ابْن الجاموس الشَّافِعِي مُحَمَّد بن ابرهيم بن رَافع بن هبة الله شهَاب الدّين أَبُو عبد الله)
الغساني الْحَمَوِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمدرس الْوَاعِظ الْمَعْرُوف بِابْن الجاموس درس بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ وخطب بجامعها وبالقدس بعد القَاضِي محيي الدّين ابْن الزكي ودرس بهَا وتفقه ببغداذ وَتُوفِّي رَحمَه الله بحماة فِي الْعشْر الْأَوْسَط من شهر ربيع الأول سنة خمس عشرَة وست ماية وَفِيه يَقُول ابْن عنين وَقد تجَادل مَعَ ابْن الْبَغْل الْفَقِيه(2/21)
(الْبَغْل والجاموس فِي جدليهما ... قد أصبحا عجبا لكل مناظر)
(برزا عَشِيَّة يَوْمنَا لتجادل ... هَذَا بقرنيه وَذَا بالحافر)
(مَا أتقنا غير الصياح كَأَنَّمَا ... لقنا جِدَال المرتضى ابْن عَسَاكِر)
(لفظ طَوِيل تَحت معنى قَاصِر ... كالعقل فِي عبد اللَّطِيف النَّاظر)
(أثنان مَا لَهما وحقك ثَالِث ... إِلَّا رقاعة مدلويه الشَّاعِر)
وَقَالَ الْوَزير نجم الدّين أَبُو المظفر يُوسُف بن المحاور وَقد خطب الجاموس يَوْم الْأَضْحَى
(خَطِيبنَا الجاموس من حذقه ... علا على الْمِنْبَر والصرح)
(لِأَنَّهُ فِي يَوْمه خايف ... يَا ملك الأَرْض من الذّبْح)
)
وَقَالَ فِيهِ
(قل لمليك الأَرْض أَن لم تَجِد ... أضْحِية الضَّأْن مَعَ الْمعز)
(فَخذ خطيب الْعِيد أضْحِية ... فَإِنَّهُ عَن سَبْعَة يجزى)
وَقَالَ فِيهِ
(قلت والجاموس يلقى ... درسه من غير لبس)
(ويك ذَا جاموس درس ... لَيْسَ ذَا جاموس درس)
3 - (شمس الدّين الْمَقْدِسِي مُحَمَّد بن ابرهيم بن أَحْمد)
القَاضِي شمس الدّين الْمَقْدِسِي حضر على الْبَدْر عمر بن مُحَمَّد الْكرْمَانِي وَسمع من الْفَخر ابْن البُخَارِيّ أجَاز لي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
3 - (شمس الدّين البهلوان مُحَمَّد بن أتابك الدكز)
شمس الدّين البهلوان كَانَ حَاكما على الْعرَاق وآذربيجان والري وأصفهان وَكَانَ أسم الْملك وَاقعا على طغريل بن أرسلان بن طغريل بن ملكشاه وَكَانَ تَحت حجر البهلوان يَأْكُل الْبِلَاد باسمه وَكَانَ ظَالِما فاتكا وَلما احْتضرَ أوصى إِلَى أَخِيه لأمه قزل وَمَات بهمذان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية وَخلف مَا لم يخلفه مثله قَالَ صَاحب الْمرْآة أما الْأَمْوَال فَمَا تحصى وَأما المماليك فَترك خَمْسَة آلَاف مَمْلُوك وثلثين ألف فرس وبغل وجمل وَقَامَ أَخُوهُ مقَامه فَلَمَّا شب طغريل انف من الاحتجار فَركب من همذان وَمَعَهُ مماليك أَبِيه وَجَاء إِلَى أَصْبَهَان وَتَبعهُ قزل وَوَقعت الْحَرْب فَأحرق قزل أَصْبَهَان حَتَّى الْمدَارِس والربط وَالْمَسْجِد وَمَات النَّاس جوعا(2/22)
مُحَمَّد بن أَحْمد من ولد عبيد الله بن قيس الرقيات قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان مَاتَ بعد الثَّمَانِينَ والماتين أَو فِيهَا قطعت الْأَعْرَاب عَلَيْهِ الطَّرِيق فَقَالَ لما دخل على أبي الْأَعَز بالرها ارتجالا
(أَنا شَاكر أَنا ذَاكر أَنا ناشر ... أَنا جايع أَنا راجل أَنا عَار)
(هِيَ سِتَّة وَأَنا الضمين لنصفها ... فَكُن الضمين لنصفها بعيار)
(أحمل وَأطْعم وأكس ثمَّ لَك الوفا ... عِنْد أختيار محَاسِن الْأَخْبَار)
(فالعار فِي مدحي لغيرك فأكفني ... بالجود مِنْك تعرضي للعار)
مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشيد مولى الْمهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ من شعره
(مَرِيضَة كرّ الطّرف مجدولة الحشا ... بعيده مهوى القرط يشبهها الْبَدْر)
)
(لَهَا نظر يسبى الْقُلُوب بحسنه ... هُوَ السحر فِي الأوهام أَو دونه السحر)
(أَقُول إِذا مَا أَشْتَدّ شوقي والتظى ... بقلبي من هجران قاتلتي جمر)
(عَسى فرج يَأْتِي بِهِ الله أَنه ... لَهُ كل يَوْم فِي خليقته أَمر)
مُحَمَّد بن أَحْمد بن وَاصل المرودي يَقُول فِي المعلي بن أَيُّوب
(أَنْت لِليْل إِذا جلّ ... لني ليلى ضِيَاء)
(قمر بدر وَنور ... وَتَمام وأمتلاء)
(وَإِذا لَاحَ نَهَار ... أَنْت شمسي والبهاء)
(يَا معلي يَا ابْن أيو ... ب فَمَا هَذَا الْجفَاء)
(أبسوء العتب يرْعَى ... الأصدقاء الأصدقاء)(2/23)
(كل مَا بلغته عَن ... ي فإفك وأفتراء)
مُحَمَّد الْعُتْبِي الْمَالِكِي الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْعُتْبِي الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الْفَقِيه الْمَالِكِي صَاحب المسايل الْعُتْبِيَّة توفّي فِي عشر السِّتين بعد الماتين الْحَرَشِي النَّيْسَابُورِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَفْص الْحَرَشِي بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة النَّيْسَابُورِي توفّي فِي عشر السّبْعين بعد الماتين
3 - (الريَاحي مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْعَوام الريَاحي)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره صَدُوق توفّي سنة سِتّ وَسبعين وماتين أَبُو عَمْرو الصَّغِير مُحَمَّد بن أَحْمد بن اسحق بن ابرهيم النَّيْسَابُورِي أَبُو عَمْرو الصَّغِير النَّحْوِيّ كَانَ كَبِيرا فِي الْعُلُوم توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثلث ماية
3 - (مُحَمَّد بن أَحْمد بن سيد حمدونه أَبُو بكر التَّمِيمِي الدِّمَشْقِي الزَّاهِد)
لَهُ الكرامات وَالْأَحْوَال صحب أَبَا الْقسم الجوعي أَقَامَ خمسين سنة مَا اسْتندَ وَلَا مد رجله بَين يَدي الله هَيْبَة لَهُ نبح عَلَيْهِ كلب فِي اللَّيْل فاخسأه فَمَاتَ وَتُوفِّي سنة أحدى وَثلث ماية ابْن الْمَرْزُبَان قَاضِي دمشق مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمَرْزُبَان قَاضِي دمشق بعد أبي زرْعَة من قبل المقتدر توفّي سنة أَربع وَثلث ماية
3 - (ابْن كيسَان النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن كيسَان أَبُو الْحسن النَّحْوِيّ)
)
اللّغَوِيّ الْأَمَام الْفَاضِل أحد الْمَذْكُورين بِالْعلمِ والموصوفين بالفهم كَانَ يحفظ الْبَصرِيين والكوفيين فِي النَّحْو لِأَنَّهُ أَخذ عَن الْمبرد وثعلب وَكَانَ أَبُو بكر ابْن مُجَاهِد المقرىء يَقُول هُوَ أنحى مِنْهُمَا وَله التصانيف والأقوال الْمَشْهُورَة فِي التفاسير ومعاني الْآيَات وَكَانَ فَوق الثِّقَة توفّي سنة تسع وَتِسْعين وماتين فِي خلَافَة المقتدر قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء وجدت فِي تَارِيخ أبي غَالب(2/24)
همام بن الْفضل بن الْمُهَذّب المغربي أَن ابْن كيسَان توفّي سنة عشْرين وَثلث ماية وَكَانَ أَبُو بكر بن مُجَاهِد يَقُول أَبُو الْحسن ابْن كيسَان انحى من الشَّيْخَيْنِ يَعْنِي الْمبرد وثعلبا وَله من التصانيف كتاب الْمُهَذّب فِي النَّحْو كتاب غلط أدب الْكَاتِب كتاب اللامات كتاب الحقايق كتاب الْبُرْهَان كتاب مصابيح الْكتاب كتاب الهجاء والخط كتاب غَرِيب الحَدِيث نَحْو أَربع ماية ورقة كتاب الْوَقْف والأبتداء كتاب القراآت كتاب التصاريف كتاب الشاذاني فِي النَّحْو كتاب الْمُذكر والمؤنث كتاب الْمَقْصُور والممدود كتاب مَعَاني الْقُرْآن كتاب مُخْتَصر فِي النَّحْو كتاب المسايل على مَذْهَب النَّحْوِيين مَا اخْتلف فِيهِ الْكُوفِيُّونَ والبصريون كتاب الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ كتاب الْمُخْتَار فِي علل النَّحْو ثلث مجلدات أَو أَكثر قَالَ أَبُو حَيَّان التوحيدي وَمَا رَأَيْت مَجْلِسا أَكثر فايدة وَأجْمع لأصناف الْعُلُوم وخاصة مَا يتَعَلَّق بأنحف والطرف والنتف من مجْلِس ابْن كيسَان حَتَّى قَالَ الصابي هَذَا الرجل من الْجِنّ إِلَّا أَنه فِي شكل أنسان
3 - (الوشاء النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن اسحق بن يحيى الوشاء أَبُو الطّيب النَّحْوِيّ)
من أهل الْأَدَب حسن التصنيف مليح التَّأْلِيف أخباري توفّي سنة خمس وَعشْرين وَثلث ماية وَله ابْن يعرف بِابْن الوشاء كَذَا قَالَ ياقوت مُحَمَّد بن أَحْمد الوشاء وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن اسحق بن يحيى الْعَلامَة أَبُو الطّيب الوشاء الأخباري أَخذ عَن ثَعْلَب والمبرد وبرع فِي فنون الْأَدَب وَألف كتبا كَثِيرَة وَقَالَ ياقوت أَخذ الوشاء عَن أَحْمد بن عبيد بن نَاصح والحرث بن أبي أُسَامَة وثعلب والمبرد وَقَالَ الْخَطِيب رَوَت عَنهُ منية جَارِيَة خلَافَة أم ولد الْمُعْتَمد قَالَ مُحَمَّد بن اسحق النديم كَانَ نحويا معلما لمكتب الْعَامَّة وَكَانَ يعرف بالأعرابي وَله من الْكتب الْجَامِع فِي النَّحْو كتاب مُخْتَصر فِي النَّحْو الْمَقْصُور والممدود الْمُذكر والمؤنث كتاب الْفرق خلق الأنسان خلق الْفرس المثلث أَخْبَار صَاحب الزنج الزَّاهِر فِي الْأَنْوَار والزهر كتاب السلوان الْمذَاهب الموشح سلسة الذَّهَب أَخْبَار)
المتظرفات الحنين إِلَى الأوطان حُدُود الطّرف الْكَبِير الموشي وَمن شعره
(لَا صَبر لي عَنْك سوى أنني ... أرضي من الدَّهْر بِمَا يقدر)
(من كَانَ ذَا صَبر فَلَا صَبر لي ... مثلي عَن مثلك لَا يصبر)
3 - (القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي دؤاد مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي دؤاد أَبُو الْوَلِيد الأيادي القَاضِي)
وَهُوَ أَخُو حريز بن أَحْمد قيل أَن أسم أبي دؤاد الْفرج وَقيل دعمي وَقيل اسْمه(2/25)
كنيته وَسَيَأْتِي تَرْجَمَة أَبِيه فِي الأحمدين أَن شَاءَ الله تَعَالَى ولي مُحَمَّدًا أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل الْقَضَاء بعد أَن فلج أَبوهُ وَمَات فِي حَيْوَة أَبِيه وَكَانَت وَفَاته ببغداذ فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وثلثين وماتين وَمَات أَبوهُ بعده بِعشْرين يَوْمًا وَكَانَ المتَوَكل قد عَزله عَن الْقَضَاء ومظالم الْعَسْكَر سنة سبع وثلثين ووكل بضياعه وضياع أَبِيه ثمَّ صولح على الفي ألف دِينَار وَأشْهد على ابْن أبي دؤاد وَابْنه بشرَاء ضياعهما وأحدرا إِلَى بغداذ وَقيل حمل ماية ألف وَعشْرين ألف دِينَار وجوهرا قِيمَته عشرُون ألف دِينَار ثمَّ صولح بعد ذَلِك على سِتَّة عشر ألف دِرْهَم وَكَانَ أَبوهُ أَحْمد مِمَّن اشْتهر بالسخاء وَابْنه أَبُو الْوَلِيد كَانَ بَخِيلًا وَله فِي الْبُخْل أَخْبَار ظريفة هِيَ مَحْفُوظَة عَنهُ ولبعضهم فِيهِ هجو وَهُوَ
(إِلَى كم تجْعَل الْأَعْرَاب طراً ... ذَوي الْأَرْحَام مِنْك بِكُل وَاد)
(تضم على لصوصهم جنَاحا ... لتثبت دَعْوَة لَك فِي أياد)
(فاقسم أَن رَحِمك فِي اياد ... كرحم بني أُميَّة من زِيَاد)
وَقَالَ آخر
(عفت مسَاوٍ تبدت مِنْك وَاضِحَة ... عل محَاسِن بقاها ابوك لكا)
(لَئِن تقدّمت ابناء الْكِرَام بِهِ ... لقد تقدم آبَاء اللئام بكا)
وَقَالَ أَبُو تَمام يعاتبه
(أترجو أَن تعد كريم قوم ... وبابك لَا يطِيف بِهِ كريم)
(كمن جعل الحضيض لَهُ مهاداً ... وَيَزْعُم أَن أخوته النُّجُوم)
3 - (العمراوي الراوية مُحَمَّد بن أَحْمد بن سلمَان أَبُو عَمْرو العمراوي الراوية)
هُوَ القايل لِعبيد الله بن يحيى بن خاقَان فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح وَغَيره يرويهِ للزبير بن بكار)
(مَا أَنْت بِالسَّبَبِ الضَّعِيف وَإِنَّمَا ... نجح الْأُمُور بِقُوَّة الْأَسْبَاب)
(فاليوم حاجتنا إِلَيْك وَإِنَّمَا ... يدعى الطَّبِيب لساعة الأوصاب)
3 - (القاهر بِاللَّه مُحَمَّد بن أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ القاهر بِاللَّه العباسي)
أَبُو مَنْصُور ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أبي الْعَبَّاس بُويِعَ بالخلافة سنة عشْرين عِنْد قتل المقتدر وخلعوه فِي جمدى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسملت عَيناهُ فسالتا وحبسوه مُدَّة ثمَّ اهملوه وأطلقوه فَمَاتَ فِي جمدى الأولى سنة تسع وثلثين وَثلث ماية وَكَانَ ربعَة أسمر أصهب الشّعْر طَوِيل الْأنف وَأمه أم ولد تسمى قتول لم تدْرك خِلَافَته ووزر لَهُ أَبُو عَليّ ابْن مقلة وَهُوَ بشيراز وَخَلفه عبيد الله ابْن(2/26)
مُحَمَّد الكلوذاني ثمَّ أَحْمد بن الخصيب وَكَانَ حَاجِبه بليق ثمَّ سَلامَة الطولوني وَنقش خَاتمه القاهر بِاللَّه المنتقم من أَعدَاء الله لدين الله وَلما بُويِعَ لَهُ يَوْم الْخَمِيس لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال سنة عشْرين وَثلث ماية كَانَ ذَلِك بمشورة مونس المظفر قَالَ هَذَا رجل قد سمى مرّة للخلافة فَهُوَ أولى بهَا مِمَّن لم يسم وكأنما سعى مونس فِي حتف نَفسه لِأَنَّهُ أول من قَتله القاهر وَكَانَ سنّ القاهر يَوْم بُويِعَ ثلثا وثلثين سنة وَكَانَت خِلَافَته سنة وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَلما توفّي ببغداذ دفن فِي دَار مُحَمَّد بن طَاهِر وَكَانَ يسْعَى بَين الصُّفُوف فِي الْجمع وَيَقُول إيها النَّاس تصدقوا على من كَانَ يتَصَدَّق عَلَيْكُم تصدقوا على من كَانَ خليفتكم وَلما ولي الراضي أوقع القاهر فِي وهمه بِمَا يلقيه من فلتات لِسَانه أَن لَهُ بِالْقصرِ دفاين عَظِيمَة من الْأَمْوَال والجواهر فاحضره وَقَالَ أَلا تدلني على دفاينك قَالَ نعم بعد تمنع يسير وَقَالَ أحفروا الْمَكَان الْفُلَانِيّ وَالْمَكَان الْفُلَانِيّ وَجعل يتبع الْأَمَاكِن الَّتِي كَانَ بناها أحسن بِنَاء واصطفاها لنَفسِهِ حَتَّى خربها كلهَا وَلم يَجدوا شَيْئا فَقَالَ وَالله مَا لي مَال وَلَا كنت مِمَّن يدّخر الْأَمْوَال فَقَالُوا لَهُ فَلم تركتنا نحرب هَذِه الْأَمَاكِن فَقَالَ لِأَنِّي كنت عملتها لَا تمتّع بهَا فحرمتموني إِيَّاهَا وأذهبتم نور عَيْني فَلَا أقل من أَن أحرمكم التَّمَتُّع بِمَا عملته لي
3 - (الْجِرْجَانِيّ الْوراق مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْحسن الْجِرْجَانِيّ الْوراق)
قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان كَانَ يتشيع وَله أشعار يمدح فِيهَا الطالبيين ورأيته سنة تسع وَثلث ماية أورد لَهُ قصيدة أَولهَا
(أَلا خل عَيْنَيْك اللجوجين تدمعا ... لمؤلم خطب قد ألم فاوجعا)
(وَلَيْسَ عجيباً أَن يَدُوم بكاهما ... وَأَن يمتري دمعيهما الوجد أجمعا)
)
مِنْهَا
(بكته سيوف الْهِنْد لما فقدنه ... وآضت جِيَاد الْخَيل حسرى وظلعا)
(وَكَانَ قَدِيما يرتع الْبيض فِي الطلى ... فَأصْبح للبيض المباتير مرتعا)
(لقد عَاشَ مَحْمُودًا كَرِيمًا فعاله ... وَمَات شَهِيدا يَوْم ولي فودعا)
هَذِه القصيدة رثى بهَا ليلى بن النُّعْمَان الديلمي الْخَارِج بنيسابور توفّي سنة ثَمَان وَثلث ماية أَبُو نصر الْعَسْقَلَانِي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو نصر الْعَسْقَلَانِي الْكِنَانِي أورد لَهُ ابْن المرزباني
(تَرَكتنِي رَحْمَة أبْكِي ويبكي لي ... تراك أفكرت يَوْم الْبَين فِي حَالي)
(أذال فقدك أوصالي فَلَو خرجت ... نَفسِي لما علمت بالبين أوصالي)(2/27)
(قد جَاءَ بعْدك عذالي فَمَا برحوا ... حَتَّى بكي لي مَعَ الباكين غذالي)
وَقَالَ
(كل شَيْء يبْلى وحبك بَاقٍ ... علم الله علم مَا أَنا لَاق)
(لَيْسَ موت العشاق أمرا بديعاً ... كم مضى هَكَذَا من العشاق)
3 - (الْحَافِظ أَبُو بشر الدولابي مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمَّاد بن سعيد ابْن مُسلم أَبُو بشر الدولابي)
الْأنْصَارِيّ الْحَافِظ الْوراق من أهل الرّيّ سمع الْكثير بِبَلَدِهِ وبالكوفة وَالْبَصْرَة وبغداذ ودمشق والحرمين وصنف التصانيف قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تكلمُوا فِيهِ وَمَا تبين من امْرَهْ الْأَخير وَقَالَ ابْن عدي مِنْهُم فِيمَا يَقُوله فِي نعيم بن حَمَّاد لصلابته فِي أهل الرَّأْي توفّي سنة عشر وَثلث ماية مُحَمَّد بن أَحْمد بن زُهَيْر بن طهْمَان الْقَيْسِي
3 - (أَبُو الْحسن الطوسي)
مُحدث مُصَنف توفّي سنة سبع عشرَة وَثلث ماية
3 - (أَبُو الْفضل الْحَافِظ الْهَرَوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمار الْحَافِظ الشَّهِيد ابْن أبي الْحسن)
وكنية الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْهَرَوِيّ أَمَام كَبِير عَارِف بعلل الحَدِيث لَهُ جُزْء فِيهِ بضعَة وثلثون حَدِيثا من الْأَحَادِيث الَّتِي بَين عللها فِي حَدِيث مُسلم فِي صِحَّته قَتله القرامطة بِمَكَّة وَهُوَ مُتَعَلق بحلقتي الْبَاب وَقد خرج صَحِيحا على رسم مُسلم وَلم يتكهل توفّي سنة سبع عشرَة وَثلث ماية
3 - (ابْن شنبوذ المقرىء مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَيُّوب بن الصَّلْت ابْن شنبوذ أَبُو الْحسن المقرىء)
)
الْمَشْهُور قَرَأَ على أبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد الْعَنزي تخير لنَفسِهِ قراآت شَاذَّة يقْرَأ بهَا فِي الْمِحْرَاب مِمَّا يرْوى عَن ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب فَحسن امْرَهْ فَقبض عَلَيْهِ الْوَزير أَبُو عَليّ بن مقلة وأحضر لَهُ الْقُضَاة والقراء وَجَمَاعَة من الْعلمَاء فاغلظ فِي خطاب الْوَزير(2/28)
وَالْقَاضِي وَأبي بكر ابْن مُجَاهِد المقرىء ونسبهم إِلَى قلَّة الْمعرفَة وَأَنَّهُمْ مَا سافروا فِي طلب الْعلم فامر الْوَزير بضربه فاقيم وَضرب سبع دُرَر فَدَعَا وَهُوَ يضْرب على الْوَزير بِقطع يَده فَكَانَ كَمَا دَعَا ثمَّ أوقفوه على الْحُرُوف الَّتِي كَانَ يقْرَأ بهَا فَأنْكر مَا كَانَ شنيعا وَقَالَ فِيمَا سواهُ أَنه قَرَأَهُ قوم فاستتابوه فَتَابَ وَأَنه لَا يقْرَأ إِلَّا بمصحف عُثْمَان وَكتب عَلَيْهِ بذلك محْضر وَكَانَ مِمَّا أنكر عَلَيْهِ إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فأمضوا إِلَى ذكر الله وتجعلون شكركم أَنكُمْ تكذبون وتبت يدا أبي لَهب وَقد تب وكالصوف المنفوش وننجيك بنداءيك وَلَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا حولا فِي الْعَذَاب المهين وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى وَالذكر وَالْأُنْثَى وفقد كذب الْكَافِرُونَ فَسَوف يكون لزاما ولتكن مِنْكُم فِئَة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويستعينون الله على مَا أَصَابَهُم أوليك هم المفلحون وَإِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض وَكتب الشُّهُود فِي الْمحْضر وَكتب ابْن شنبوذ خطه بِالتَّوْبَةِ من ذَلِك وَأَنه مَتى خَالف ذَلِك أَو بَان مِنْهُ غَيره فدمه حَلَال لأمير الْمُؤمنِينَ ثمَّ أَن أَبَا أَيُّوب السمسار كلم الْوَزير فِيهِ فِي أخراجه إِلَى المداين خُفْيَة وَإِلَّا مَتى توجه إِلَى بَيته قتلته الْعَوام فَفعل ذَلِك وَتُوفِّي فِيمَا قيل بدار السُّلْطَان فِي محبسه سنة ثَمَان وَعشْرين وَثلث ماية ببغداذ وشنبوذ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْوَاو ذال مُعْجمَة
3 - (أَبُو الطّيب المقرىء غُلَام ابْن شنبوذ مُحَمَّد بن أَحْمد بن يُوسُف)
أَبُو الطّيب المقرىء يعرف ابْن شنبوذ الْمُتَقَدّم ذكره آنِفا قَالَ قَرَأت على أدريس بن عبد الْكَرِيم لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا الْآيَة فَقَالَ لي ضع يدك على رَأسك فَإِن شَيْخي أمراني بِهَذَا وسلسل الحَدِيث إِلَى ابْن مَسْعُود وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَرَأَهَا ابْن مَسْعُود قَالَ لَهُ ضع يدك على رَأسك فَإِن جِبْرِيل امرني بِهَذَا قَالَ وفيهَا شِفَاء من كل دَاء إِلَّا السام والسام الْمَوْت توفّي سنة تسع وثلثين وَثلث ماية
3 - (أَبُو الْفرج الشنبوذي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم أَبُو الْفرج الشنبوذي المقرىء)
)
حفظ خمسين ألف بَيت شعر شَوَاهِد على الْقُرْآن وَتكلم النَّاس فِي رواياته توفّي سنة ثَمَان(2/29)
وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فأساء القَوْل فِيهِ وَله كتاب الأشارة فِي تلطيف الْعبارَة فِي علم الْقُرْآن وَله تَفْسِير وَلم يتم
3 - (أَبُو بكر السدُوسِي ابْن عُصْفُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب ابْن شيبَة السدُوسِي)
أَبُو بكر البغداذي وَثَّقَهُ الْخَطِيب وَتُوفِّي سنة أحدى وثلثين وَثلث ماية وَكَانَ يعرف بِابْن عُصْفُور أعد لَهُ أَبوهُ لما أخبرهُ المنجمون عَن مُدَّة عمره فَحسب لَهُ كل يَوْم دِينَارا وَجعل ذَلِك جبا ثمَّ أضَاف إِلَيْهِ جبا آخر استظهارا فنفد الْجَمِيع وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِم ليسمعهم بِغَيْر أزار فيهبونه شَيْئا يبروه بِهِ
3 - (أَبُو الْعَرَب الأفريقي الْمَالِكِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن تَمِيم بن تَمام أَبُو الْعَرَب الأفريقي)
كَانَ جده من أُمَرَاء أفريقية وَسمع من أَصْحَاب سَحْنُون وَكَانَ حَافِظًا لمَذْهَب مَالك مفتيا غلب عَلَيْهِ الحَدِيث وَالرِّجَال وَله تصانيف مِنْهَا كتاب المحن وطبقات أهل أفريقية وفضايل مَكَّة وفضايل سَحْنُون وَعباد أفريقية توفّي سنة ثلث وثلثين وَثلث ماية
3 - (اللؤْلُؤِي الْبَصْرِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَمْرو أَبُو عَليّ اللؤْلُؤِي)
بَصرِي مَشْهُور ثِقَة توفّي سنة ثلث وثلثين وَثلث ماية
3 - (أَبُو رَجَاء الأسواني الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الرّبيع بن سُلَيْمَان بن أبي مَرْيَم)
أَبُو رَجَاء الأسواني الْمصْرِيّ الشَّاعِر صَاحب القصيدة الَّتِي لَا يعلم فِي الْوُجُود أطول مِنْهَا سُئِلَ قبل مَوته بِسنتَيْنِ كم بلغت قصيدتك إِلَى الْآن فَقَالَ ثلثين وماية ألف بَيت وَقد بَقِي الطِّبّ والفلسفة لِأَنَّهُ نظم فِيهَا أَخْبَار الْعَالم وقصص الْأَنْبِيَاء وَكَانَ أديبا شَافِعِيّ الْمَذْهَب توفّي سنة خمس وثلثين وَثلث ماية
3 - (المقرىء الْأَثْرَم مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن حَمَّاد البغداذي)
المقرىء الْأَثْرَم توفّي سنة سِتّ وثلثين وَثلث ماية
3 - (ابْن قُرَيْش الحكيمي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن قُرَيْش الحكيمي)
البغداذي الْكَاتِب وَثَّقَهُ البرقاني توفّي سنة سِتّ وثلثين وَثلث ماية روى عَن يَمُوت بن المزرع وَأحمد بن(2/30)
عبيد بن نَاصح وَمُحَمّد بن أسحق الصَّاغَانِي وروى عَنهُ أَبُو عبد الله المرزباني وَغَيره لَهُ من المصنفات كتاب حلية الأدباء وَهُوَ يشْتَمل على أَخْبَار وأشعار)
ومحاسن وَكتاب سفط الْجَوْهَر وَكتاب الشَّبَاب كتاب الْفَاكِهَة والدعابة
3 - (ابْن بَالَوَيْهِ الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَالَوَيْهِ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي الْجلاب)
من أَعْيَان الْمُحدثين والرؤساء توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَثلث ماية
3 - (الأسواري الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن سَابُور الأسواري بِفَتْح الْهمزَة)
وَسُكُون السِّين ثِقَة مُسْند من كبار شُيُوخ أَصْبَهَان وَحَدِيثه بعلو فِي الثقفيات توفّي سنة وَأَرْبَعين وَثلث ماية المحبوبي الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْبُوب بن فُضَيْل أَبُو الْعَبَّاس الْمروزِي المحبوبي مُحدث سماعاته مضبوطة وَكَانَ ذَا ثروة وَمَال توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثلث ماية الْعَسَّال الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن سليمن أَبُو أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ القَاضِي الْمَعْرُوف بالعسال بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالسِّين الْمُهْملَة كَانَ قَاضِي أَصْبَهَان سمع وروى عَنهُ الْكِبَار توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَثلث ماية
3 - (اللؤْلُؤِي الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو بكر الْقُرْطُبِيّ اللؤْلُؤِي)
الْفَقِيه الْمَالِكِي أفقه أهل الأندلس بعد موت ابْن أَيمن وَله بصر بالشعر والوثايق واللغة وَعَلِيهِ تفقه ابْن زرب وَكَانَ أخفش الْعَينَيْنِ توفّي سنة خمسين وَثلث ماية
3 - (الْوَزير القراريطي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن عبد الْمُؤمن أَبُو اسحق الأسكافي)
الْكَاتِب الْمَعْرُوف بالقراريطي الْوَزير كَانَ كَاتبا لمُحَمد بن رايق ثمَّ وزر للمتقي لله بعد أبي عبد الله البريدي ثمَّ عزل بعد تِسْعَة وثلثين يَوْمًا وَأخذ مِنْهُ مأتان وَأَرْبَعُونَ ألف دِينَار ثمَّ وزر ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد ثَمَانِيَة أشهر ثمَّ صَار إِلَى الشَّام وَكتب لسيف الدولة ابْن حمدَان ثمَّ قدم بغداذ وَكَانَ ظَالِما غشوما وَفَاته بِبَغْدَاد فِي الْمحرم سنة سبع وَخمسين وَثلث ماية
3 - (أَبُو العبر الْهَاشِمِي مُحَمَّد بن أَحْمد الْهَاشِمِي)
وَقَالَ صَاحب الأغاني أُسَمِّهِ(2/31)
أَحْمد بن عبد الله وَالظَّاهِر أَنه الصَّحِيح لِأَنَّهُ كَانَت كنيته أَبَا الْعَبَّاس فصيرها أَبَا العبر ثمَّ كَانَ يزِيد فِيهَا فِي كل سنة حرفا فَمَاتَ وَهُوَ أَبُو العبر طزد طبك طبري بك بك بك وَكَانَ شَاعِرًا ترك الْجد وَعدل إِلَى الْهزْل وَيعرف وَالِده بحمدون الحامض حَبسه الْأَمِير اسحق بن ابرهيم الطاهري أَمِير بغداذ وَقَالَ هَذَا عَار على بني هَاشم فصاح فِي الْمحبس نصيحة لأمير الْمُؤمنِينَ فَأخْرج فَقَالَ لَهُ اسحق هَات نصيحتك فَقَالَ الكشكية أصلحك)
الله لَا تطيب إِلَّا بكشك فَضَحِك وَقَالَ هُوَ فِيمَا أرى مَجْنُون فَقَالَ أَبُو العبر إِنَّمَا أمتخط حوت فَقَالَ وَيلك مَا معنى قَوْلك فَقَالَ اصلحك الله زعمت أنني مججت نون وَأَنا أمتخط حوت فاطلقه وَقَالَ أَظُنك فِي حَبسك مأثوم فَقَالَ لَا وَلَكِنَّك فِي مَاء بصل فَقَالَ أَخْرجُوهُ عني وَلَا يُقيم ببغداذ فَهَذَا عَار على أهل الْبَيْت وَكَانَ فِي مبدأ أمره صَالح الشّعْر فَرَأى أَن شعره مَعَ توسطه لَا ينْفق مَعَ أبي تَمام والبحتري وأضرابهما فَعدل إِلَى الْحمق وَكسب بذلك أَضْعَاف مَا كَسبه كل شَاعِر بالجد وَمن قَوْله الصَّالح
(لَا أَقُول الله يظلمني ... كَيفَ أَشْكُو غير مُتَّهم)
(وَإِذا مَا الدَّهْر ضعضعني ... لم تجدني كَافِر النعم)
(قنعت نَفسِي بِمَا رزقت ... وَتَنَاهَتْ فِي العلى هممي)
(لَيْسَ لي مَال سوى كرمي ... وَبِه أمنى من الْعَدَم)
قَالَ عبد الْعَزِيز بن أَحْمد كَانَ أَبُو العبر يجلس بسر من رأى فِي مجْلِس يجْتَمع إِلَيْهِ فِيهِ المجان يَكْتُبُونَ عَنهُ وَكَانَ يجلس على سلم وَبَين يَدَيْهِ بلوعة فِيهَا مَاء وحمأة قد سد مجْراهَا وَبِيَدِهِ قَصَبَة طَوِيلَة وعَلى رَأسه خف وَفِي رجلَيْهِ قلنسيتان ومستمليه فِي جَوف بِئْر وَحَوله ثلثة يدقون بالهواوين حَتَّى تكْثر الجلبة ويقل السماع ويصيح مستمليه فِي الْبِئْر ثمَّ يملى عَلَيْهِم فَإِن ضحك أحد مِمَّن حضر قَامُوا فصبوا على رَأسه من البلوعة أَن كَانَ وضيعا وَأَن كَانَ ذَا مُرُوءَة رشوا عَلَيْهِ بالقصبة من مَائِهَا ثمَّ يجلس فِي الكنيف إِلَى أَن ينقضى الْمجْلس فَلَا يخرج مِنْهُ حَتَّى يغرم دِرْهَمَيْنِ وَمن شعره الصَّالح
(أَيهَا الْأَمْرَد المولع بالهج ... ر أفق مَا كَذَا سَبِيل الرشاد)
(فَكَأَنِّي بِحسن وَجهك قد أل ... بس فِي عَارِضَيْك ثوب حداد)
(وَكَأَنِّي بعاشقيك وَقد أَب ... دلّت فيهم من خلْطَة ببعاد)
(حِين تنبو الْعُيُون عَنْك كَمَا ين ... قبض السّمع عَن حَدِيث معاد)
(فأغتنم قبل أَن تصير إِلَى كَا ... ن وتضحى فِي جملَة الأضداد)(2/32)
وَمِنْه
(رَأَيْت من العجايب قاضيين ... هما أحدوثة فِي الْخَافِقين)
(هما أقتسما الْعَمى نِصْفَيْنِ قداً ... كَمَا اقْتَسمَا قَضَاء الْجَانِبَيْنِ)
)
(هما فأل الزَّمَان بهلك يحيى ... إِذْ أفْتَتح الْقَضَاء باغورين)
(وتحسب مِنْهُمَا من هز رَأْسا ... لينْظر فِي مَوَارِيث وَدين)
(كَأَنَّك قد جعلت عَلَيْهِ دنا ... فتحت بزاله من فَرد عين)
وَقَالَ جحظة لم أر أحفظ مِنْهُ لكل عين وَلَا أَجود شعرًا وَلم يكن فِي الدُّنْيَا صناعَة إِلَّا وَهُوَ يحفظها ويعملها بِيَدِهِ حَتَّى لقد رَأَيْته يعجن ويخبز وَقَالَ مُحَمَّد ابْن اسحق لَهُ من الْكتب جَامع الحماقات وحاوي الرقاعات كتاب المنادمة أَخْلَاق الرؤساء وَكَانَ المتَوَكل يرْمى بِهِ فِي المنجنيق إِلَى الْبركَة فَإِذا علا فِي الْهوى يَقُول الطَّرِيق الطَّرِيق جَاءَك المنجنيق حَتَّى يَقع فِي الْبركَة فتطرح عَلَيْهِ الشباك فيصاد وَيخرج وَهُوَ يَقُول
(وَيَأْمُر بِي ذَا الْملك ... فيطرحني فِي البرك)
(ويصطادني بالشبك ... كَأَنِّي بعض السّمك)
ويضحك لي هك هك وَقَالَ بَعضهم رَأَيْته بِبَعْض آجام سر من رأى وَهُوَ عُرْيَان لَا يواريه شَيْء وَبِيَدِهِ الْيُمْنَى باشق وباليسرى قَوس وعَلى رَأسه قِطْعَة رئة فِي حَبل مشدود بانشوطة وَفِي ذكره شعر مفتول فِيهِ شص قد القاها فِي المَاء ليصيد السّمك وعَلى شَفَتَيْه دوشاب ملطخ فَقيل لَهُ خرب بَيْتك مَاذَا تفعل فَقَالَ اصطاد بِجَمِيعِ جوارحي وَقد عقد لَهُ الآبى فِي الْكتاب السَّابِع من نثر الدّرّ بَابا فِي نوادره لَيْسَ فِيهَا مَا سقته لَهُ هَا هُنَا
3 - (ابْن الصَّواف البغداذي مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن اسحق أَبُو عَليّ)
ابْن الصَّواف مُحدث بغداذ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثل الصَّواف توفّي فِي شعْبَان سنة تسع وَخمسين وَثلث ماية
3 - (ابْن شاهويه الشَّافِعِي أَبُو بكر الْفَارِسِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ ابْن شاهويه)
أَبُو بكر الْفَارِسِي الْفَقِيه الشَّافِعِي قَاضِي بِلَاد فَارس أَقَامَ بهَا مُدَّة وَبهَا مَاتَ وَله وَجه فِي الْمَذْهَب ووجوهه فِي الْمَذْهَب بعيدَة تفرد بهَا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثلث ماية ابْن النابلسي الشَّهِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن سهل بن نصر أَبُو بكر الرَّمْلِيّ الشَّهِيد الْمَعْرُوف بِابْن النابلسي قَالَ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ سجنه بَنو عبيد وصلبوه على السّنة وَكَانَ يرى قتال(2/33)
المغاربة بني عبيد وَكَانَ قد هرب من الرملة إِلَى دمشق فَقبض عَلَيْهِ متوليها أَبُو مُحَمَّد الكتاني وجهزه)
فِي قفص خشب إِلَى مصر فَلَمَّا وصل قَالُوا لَهُ أَنْت الَّذِي قلت لَو أَن معي عشرَة اسهم لرميت تِسْعَة فِي المغاربة وواحدا فِي الرّوم فاعترف بذلك فَأمر أَبُو تَمِيم فسلخ وحشى جلده تبنا وصلب وَذكر ابْن الشعشاع الْمصْرِيّ أَنه رَآهُ فِي النّوم فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ
(حباني مالكي بدوام عز ... وواعدني بِقرب الأنتصار)
(وقربني وأدناني إِلَيْهِ ... وَقَالَ أنعم بعيش فِي جواري)
وَكَانَ صلبه سنة ثلث وَسِتِّينَ وَثلث ماية روى عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ
3 - (القَاضِي أَبُو الطَّاهِر الذهلي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن نصر بن بجير)
بِالْبَاء الْمُوَحدَة المضمومة وَالْجِيم الْمَفْتُوحَة وَالْيَاء الساكنة وَالرَّاء القَاضِي أَبُو الطَّاهِر الذهلي البغداذي نزيل مصر وقاضيها ولي قَضَاء وَاسِط وجانب بغداذ وَقَضَاء دمشق ثمَّ قَضَاء مصر مَعهَا واستناب على دمشق وَسمع وروى وَثَّقَهُ الْخَطِيب وَكَانَ مفوها حسن البديهة شَاعِرًا حَاضر الْحجَّة عَلامَة عَارِفًا بأيام النَّاس وَكَانَ غزير الْحِفْظ لَا يمله جليسه قَالَ عبد الْغَنِيّ لما تلقي القَاضِي أَبُو الطَّاهِر الْمعز بالأسكندرية سَأَلَهُ الْمعز فَقَالَ يَا قَاضِي كم رَأَيْت خَليفَة قَالَ وَاحِدًا قَالَ من هُوَ قَالَ أَنْت وَالْبَاقُونَ مُلُوك فأعجبه ذَلِك ثمَّ قَالَ لَهُ أحججت قَالَ نعم قَالَ وسلمت على الشَّيْخَيْنِ قَالَ شغلني عَنْهُمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا شغلني أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن ولي عَهده فأزداد بِهِ الْمعز أعجابا وتخلص من ولي الْعَهْد إِذْ لم يسلم عَلَيْهِ بِحَضْرَة الْمعز فَأَجَازَهُ الْمعز يَوْمئِذٍ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَثلث ماية
3 - (الْأَزْهَرِي اللّغَوِيّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأَزْهَر بن طَلْحَة أَبُو مَنْصُور الْهَرَوِيّ)
والأزهري النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الشَّافِعِي سمع الحَدِيث بهراة ورحل إِلَى بغداذ وَسمع أَبَا الْقسم الْبَغَوِيّ وَأَبا بكر ابْن أبي دَاوُد ونفطويه وَابْن السراج وَلم يَأْخُذ عَن ابْن دُرَيْد تدينا أَخذ عَنهُ أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ صَاحب الغريبين وَحدث عَنهُ أَبُو يَعْقُوب القراب بِالْقَافِ وَالرَّاء الْمُشَدّدَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَغَيره وصنف تَهْذِيب اللُّغَة فِي عشر مجلدات والتقريب فِي التَّفْسِير وَتَفْسِير الفاظ كتاب الْمُزنِيّ وَعلل القراآت وَالروح وَمَا ورد فِيهِ من الْكتاب وَالسّنة وَتَفْسِير الْأَسْمَاء الحسني(2/34)
وَالرَّدّ على اللَّيْث وَتَفْسِير أصلاح الْمنطق وَتَفْسِير السَّبع الطوَال وَتَفْسِير ديوَان أبي تَمام وَكتاب الأدوات وَله سوى ذَلِك من المصنفات وَكَانَ قد وَقع فِي أسر عرب غرباء نشأوا بالبادية يتبعُون مساقط الأنواء أَيَّام النجع ويرجعون إِلَى أعداد الْمِيَاه فِي محاضرهم ويتكلمون)
بطباعهم فَبَقيَ عِنْدهم دهرا طَويلا فأستفاد مِنْهُم ألفاظا فِي اللُّغَة ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وماتين وَتُوفِّي سنة سبعين وَثلث ماية
3 - (أَبُو عبد الله الطَّائِي الْأَشْعَرِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب بن مُجَاهِد الطَّائِي أَبُو عبد الله)
الْمُتَكَلّم صَاحب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قدم بغداذ ودرس بهَا علم الْكَلَام وصف التصانيف وَعَلِيهِ درس القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني هَذَا الْفَنّ قَالَ الْخَطِيب ذكر لنا عَنهُ غير وَاحِد أَنه كَانَ ثخين السّتْر حسن التدين توفّي فِي عشر السّبْعين وَثلث ماية تَقْرِيبًا
3 - (الْحِيرِي المقرىء النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان بن عَليّ ابْن عبد الله بن سِنَان أَبُو عَمْرو)
ابْن الزَّاهِد أبي جَعْفَر الْحِيرِي النَّيْسَابُورِي الزَّاهِد المقرىء الْمُحدث النَّحْوِيّ كَانَ فرَاش الْمَسْجِد نيفا وثلثين سنة سمع وروى توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَثَلَاث ماية
3 - (النقاش الْأَشْعَرِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْعَبَّاس أَبُو جَعْفَر السّلمِيّ البغداذي الْجَوْهَرِي)
نقاش الْفضة وَثَّقَهُ الْأَزْهَرِي وَقَالَ كَانَ أحد الْمُتَكَلِّمين على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَمِنْه تعلم أَبُو عَليّ ابْن شَاذان علم الْكَلَام توفّي سنة تسع وَسبعين وَثلث ماية
3 - (أَبُو الْحسن الأخباري مُحَمَّد بن أَحْمد بن طَالب أَبُو الْحسن الأخباري)
رَحل وَسمع الْكثير وَكَانَ فَاضلا وَسمع ابْن الْأَعرَابِي وَتُوفِّي سنة أحدى وَسبعين وَثلث ماية
3 - (أَبُو عبد الله اليشكرى مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله اليشكرى)
قَالَ يمدح عبد الله بن مُحَمَّد بن نوح لما أوقع بالديلم
(قرت بفتحك أعين الْأَمْصَار ... فنسيمه كالمسك فِي الأقطار)
(وتأزر الأسلام مِنْهُ شقة ... شقَّتْ شقَاق الْكفْر فِي الْكفَّار)
(لما نزلت على الديالم أيقنت ... أعمارها يتقاصر الْأَعْمَار)
(وتجرعوا بك اكؤسا من وقْعَة ... ممزوجة من لذعها ببوار)
(لما آلاح بِسَيْفِهِ نَادِي الْهدى ... عَنهُ بِصَوْت النافع الضرار)(2/35)
هَذَا الشّعْر جسم بِلَا روح كَمَا ترَاهُ
3 - (ابْن الْحَاجِب مُحَمَّد بن أَحْمد)
الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب كَانَ صديقا لِابْنِ الرُّومِي فَسَأَلَهُ ابْن الْحَاجِب زيارته مَعَ أخوانه فِي يَوْم ذكره لَهُم فصاروا إِلَيْهِ فَلم يجدوه فَقَالَ ابْن الرُّومِي يعاتبه بقصيدته الَّتِي أَولهَا)
(نجاك يَا ابْن الْحَاجِب الْحَاجِب ... وَلَيْسَ ينجو مني الهارب)
فَلَمَّا مَاتَ ابْن الرُّومِي أظهر ابْن الْحَاجِب قصيدته وَذكر أَنه أَجَابَهُ بهَا وأولها
(يَا صاحباً أعضلني كَيده ... لقِيت خيرا أَيهَا الصاحب)
(فهمت أبياتك تِلْكَ الَّتِي ... أثقب فِيهَا كيدك الثاقب)
(بَيت وَبَيت عقرب يتقى ... دَاري مَحل فِي اللها ذايب)
(جرحتني فِيهَا وداويتني ... فَأَنت أَنْت الصادع الشاعب)
3 - (الْحَاجِب مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر أَبُو شُجَاع الْحَاجِب)
قَالَ ابْن النجار كَانَ متأدبا وَيَقُول الشّعْر حدث عَن أبي الْخطاب عَليّ بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْجراح سمع مِنْهُ الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن مَحْبُوب الْغَزِّي فِي رَجَب سنة سبع عشرَة وَخمْس ماية وَمن شعره
(فَمَا أعزّك أَن كن ... ت قانعاً بِالْقَلِيلِ)
(فالموت للْحرّ خي ... ر من الْمقَام الذَّلِيل)
3 - (ابْن فاذشاه مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن فاذشاه أَبُو عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ)
من بَيت الوزارة والْحَدِيث وَالرِّوَايَة قدم بغداذ وَحدث بهَا بِأَحَادِيث لوين عَن أبي بكر ابْن ماجة سمع مِنْهُ وَمن أَخِيه فاذشاه أَبُو بكر ابْن كَامِل
3 - (ابْن أبي الْبَغْل مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن أبي الْبَغْل أَبُو الْحُسَيْن الْكَاتِب)
كَانَ من أَعْيَان كتاب الدَّوَاوِين وَولي الْجَبَل وأصبهان مُدَّة وَله نظم ونثر روى عَنهُ أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن الْقسم الكوكبي وَأَبُو اسحق ابرهيم بن عَليّ الهُجَيْمِي وَغَيرهمَا توفّي سنة ثلث عشرَة وَثلث ماية وَمن شعره
(ولي همة تعلو السماكين رفْعَة ... وتسمو إِلَى الْأَمر الَّذِي هُوَ أشرف)
(وجدي عثور كلما رمت نهضة ... تقاعد بِي يغتالني لَيْسَ ينصف)
3 - (الطوَال النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بالطوال)
من أهل الْكُوفَة أحد أَصْحَاب الْكسَائي حدث عَن الْأَصْمَعِي وَقدم بغداذ وَحدث بهَا سمع مِنْهُ أَبُو عَمْرو(2/36)
حَفْص بن عمر الدوري المقرىء قَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب كَانَ الطوَال حاذقا بالقاء الْعَرَبيَّة توفّي سنة ثلث وَأَرْبَعين وماتين)
3 - (ابْن أبي اللَّيْث الْكَاتِب مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْحسن ابْن أبي اللَّيْث الْكَاتِب)
روى عَنهُ القَاضِي أَبُو عَليّ التنوخي فِي كتاب الْفرج بعد الشدَّة حكايات وشيئاً من شعره من شعره
(رفقا أقيك بمقلة ... كلفتها طول السهاد)
(أَصبَحت مِنْهَا فِي السوا ... د وَفِي السوَاد من الْفُؤَاد)
وَمِنْه
(عصيت الْهوى واطعت الْعُدُول ... وَكنت كَمَا قَالَ فِي الحسود)
(وملكت رقك وَهُوَ المنى ... وبعتك للدّين فِيمَن يزِيد)
(لَئِن لم أكن أَتَمَنَّى السقام ... لعلى القاك فِيمَن يعود)
3 - (ابْن رامين مُحَمَّد بن أَحْمد بن رامين أَبُو الْحسن)
جمعه بعض مجَالِس الْأنس بِنَفر من الْفُضَلَاء فَسَأَلُوهُ أَن يُجِيز قَول مَجْنُون بني عَامر
(أَقُول لظبي مر بِي وَهُوَ راتع ... أَأَنْت أَخُو ليلى فَقَالَ يُقَال)
فأرتجل على النَّفس
(فَقلت يُقَال المستقيل من الْهوى ... إِذا مَسّه ضرّ فَقَالَ يُقَال)
فتعجب الْقَوْم من حِدة ذهنه وإسراعه فِي تجنيس القافية ووقف على ذَلِك بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ
(فَقلت أَفِي ظلّ الأراكة بالحمى ... يُقَال ويستسقى فَقَالَ يُقَال)
مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْفَتْح الدباوندي قَالَ الثعالبي فِي التَّتِمَّة رَيْحَانَة الرؤساء وشمامة الوزراء يستوطن الرّيّ وَيرجع إِلَى فضل كثير وَأورد لَهُ من أَبْيَات يهجو فِيهَا قوالا
(وداخل ثَوْبه جرب عَتيق ... توارثه على قدم الزَّمَان)
(وآباط يفوح لَهَا صنان ... وأبزار الْعَمى شتم الصنان)
(فَذا يغمى وَذَا يعدى فَإِنِّي ... تنادم من يكون بذا الْمَكَان)
(وَفِيه ابْنة قدمت وشاعت ... مَعَ الشؤم المزنر فِي قرَان)(2/37)
(وَمَا دَار آلم بهَا فأبقى ... سوى الأطلال فِيهَا مَعَ معَان)
(فاشأم حِين يضحى من قذار ... وأطفل حِين يمسى من بنان)
)
(واثقل من قَضَاء السوء وَجها ... واوسخ من قدور الباقلاني)
(وَأَن أبصرته يَوْمًا يغنى ... فَإِن الْفقر فِي تِلْكَ الأغاني)
(وَأَن أَخذ الْقَضِيب يروم صَوتا ... بَكَى مِنْهُ قضيب الخيزران)
(إِذا غنى وَوَقع مستطيلاً ... علاهُ قبل أصوات الأغاني)
(دوار الرَّأْس حشرجة التراقي ... سعال الْحلق تفقيع البنان)
3 - (أَبُو بكر الأندلسي الْأمَوِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى بن مفرج أَبُو عبد الله)
وَقيل أَبُو بكر الأندلسي الْقُرْطُبِيّ مولى بني أُميَّة اتَّصل بِصَاحِب الأندلس وَكَانَ ذَا مكانة عِنْده وصنف لَهُ عدَّة كتب فولاه الْقَضَاء وَكَانَ حَافِظًا بَصيرًا بِالرِّجَالِ أَكثر النَّاس عَنهُ من السماع صنف فِي فقه التَّابِعين وَتُوفِّي فِي شهر رَجَب سنة ثَمَانِينَ وَثلث ماية
3 - (أَبُو الطّيب الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن أبي بردة البغداذي)
الْفَقِيه أَبُو الطّيب الشَّافِعِي سمع أَبَا الْقسم الْبَغَوِيّ وَقدم قرطبة فَأكْرمه الْمُسْتَنْصر ورزقه وَكَانَ من أعلم النَّاس بِمذهب الشَّافِعِي وينسب إِلَى الاعتزال قَالَ ابْن الفرضي بلغ ذَلِك السُّلْطَان عَنهُ فَأخْرجهُ من الْبَلَد وَتُوفِّي بتاهرت فِي عشر الثَّمَانِينَ وَالثلث ماية تَقْرِيبًا مُحَمَّد بن حَمَّاد مُحدث الْكُوفَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمَّاد بن سُفْيَان أَبُو الْحسن الْكُوفِي مُحدث الْكُوفَة توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثلث ماية
3 - (ابْن سمعون الْوَاعِظ مُحَمَّد بن أَحْمد بن أسمعيل بن عُبَيْس)
بِالْعينِ الْمُهْملَة المضمومة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَالسِّين الْمُهْملَة على وزن فَلَيْسَ هَكَذَا قَيده الشَّيْخ شمس الدّين وَقَيده ابْن خلكان بالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وعنبس اسْم الْأسد الْأَمَام أَبُو الْحُسَيْن البغداذي الْوَاعِظ الْخَطِيب كَانَ أوحد دهره وفرد عصره فِي الْكَلَام على علم الخواطر والأشارات ولسان الْوَعْظ دون النَّاس حكمه وجمعوا كَلَامه من كَلَامه رَأَيْت الْمعاصِي نذالة فتركتها مُرُوءَة فاستحالت ديانَة واياه عني الحريري فِي المقامة الْحَادِيَة وَالْعِشْرين بقوله متواصفون فَتى يقصدونه وَيحلونَ ابْن سمعون دونه وَلم يَأْتِ فِي الْوَعْظ مثله توفّي فِي ذِي(2/38)
الْحجَّة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثلث ماية قَالَ سبط الْجَوْزِيّ كَانَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني وَأَبُو حَامِد إِذا رأياه قتلا يَده وَكَانَ أَبُو بكر يَقُول رُبمَا خَفِي عَليّ كَلَامه لدقته ابْن خويز منداذ الْمَالِكِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن خويز منداذ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْيَاء)
للتصغير وَالزَّاي على وزن فَلَيْسَ الْمَالِكِي صَاحب أبي بكر الْأَبْهَرِيّ من كبار الْمَالِكِيَّة الْعِرَاقِيّين صنف كتابا كَبِيرا فِي الْخلاف وَآخر فِي أصُول الْفِقْه وَله اختيارات فِي الْفِقْه خَالف فِيهَا الْمذَاهب كَقَوْلِه أَن العبيد لَا يدْخلُونَ فِي خطاب الْأَحْرَار وَأَن خبر الْوَاحِد يُوجب الْعلم قَالَ القَاضِي عِيَاض وَقد تكلم فِيهِ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَقَالَ لم أسمع لَهُ فِي عُلَمَاء الْعِرَاقِيّين ذكرا وَكَانَ يجانب الْكَلَام وينافر أَهله توفّي سنة تسعين وَثلث ماية تَقْرِيبًا
3 - (الْحَافِظ الْبُحَيْرِي محمّد بن أَحْمد بن محمّد بن جَعْفَر بن بحير)
بِالْبَاء الْمُوَحدَة والحاء الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَالرَّاء على وزن جرير ابْن نوح أَبُو عَمْرو الْبُحَيْرِي النَّيْسَابُورِي الْمُزَكي قَالَ الْحَاكِم كَانَ من حفاظ الحَدِيث توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَثلث ماية
3 - (أَبُو مُسلم البغداذي الْكَاتِب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن حُسَيْن)
أَبُو مُسلم البغداذي الْكَاتِب نزيل مصر سمع وروى وَتفرد فِي الدُّنْيَا بالرواية عَن الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَة وروى عَنهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَأَبُو عَمْرو الداني وَغَيرهمَا توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَثلث ماية
3 - (الْعَطَّار الْمَالِكِي الأديب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبيد الله بن سعيد أَبُو عبد الله الْأمَوِي الْقُرْطُبِيّ)
الْعَطَّار الْمَالِكِي المتبحر فِي الْفِقْه سمع وروى وَكَانَ حَافِظًا متيقظاً أديباً شَاعِرًا ذكياً نحوياً بَصيرًا بالفتوى والفرايض والحساب واللغة رَأْسا فِي الشُّرُوط وعللها مدققا فِي مَعَانِيهَا لَا يجاريه فِيهَا أحد صنف فِيهَا كتابا حسنا وَجرى لَهُ مَعَ فُقَهَاء قرطبة خطوب طَوِيلَة انتاب طلاب الْعلم قَبره وقرأوا عَلَيْهِ ختمات توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَثلث ماية
3 - (الوأواء الدِّمَشْقِي مُحَمَّد بن أَحْمد وَقيل مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو الْفرج الوأواء الغساني الدِّمَشْقِي)
شَاعِر مطبوع منسجم الْأَلْفَاظ عذب الْعبارَة حسن الأستعارة جيد التَّشْبِيه بني الحريري مقامة على قَوْله
(وأمطرت لؤلؤاً من نرجس فسقت ... وردا وعضت على الْعنَّاب بالبرد)(2/39)
وَأرى أَن قَوْله وعضت أحسن من قَول الحريري وضرست البلور بالدرر لِأَنَّهُ أتم وتتمة هَذَا الْبَيْت مَشْهُورَة وَمن شعره
(وليل كفكري فِي صدود معذبي ... وَإِلَّا كأنفاسي عَلَيْهِ من الوجد)
)
(وَإِلَّا كعمر الهجر فِيهِ فَإِنَّهُ ... إِذا قسته بالوصل كَانَ بلاحد)
وَمِنْه
(سقياني ذَبِيحَة المَاء فِي الكا ... س وكفا عَن شرب مَا تسقياني)
(أنني قد آمَنت بالْأَمْس إِذْ م ... ت بهَا أَن أَمُوت موتا ثَانِي)
(قهوة تطرد الهموم إِذا مَا ... سكنت فِي مَوَاطِن الأحزان)
(نثرت رَاحَة المزاج عَلَيْهَا ... حدقاً مَا تَدور فِي أجفان)
(فَهِيَ تجْرِي من اللطافة فِي الأر ... واح مجْرى الْأَرْوَاح فِي الْأَبدَان)
(يتهادى بكأسها من هَدَايَا ... هـ إِلَيْنَا طرايف الأشجان)
(مَا رَأينَا وردا كورد بخدي ... هـ بدا طالعاً على غُصْن بَان)
(زارني والصباح فِي ساعد الأف ... ق كنحر فِي نصفه نصف جَان)
(وَغدا والهلال فِي شرك الْفَج ... ر شَرِيكي فِي قَبْضَة الأرتهان)
(وَيَمِين الجوزاء تبسط باعاً ... لعناق الدجى بِغَيْر بنان)
(وَكَأن الأكليل فِي كلة اللي ... ل ثلث من فَوق عقد ثَمَان)
(وَكَأن الذِّرَاع فَوق الثريا ... راية ركبت بِغَيْر سِنَان)
(وَكَأن المريخ إِذْ رمى الغر ... ب بِهِ حَرْبَة من النيرَان)
(وَكَأن النُّجُوم أحداق روم ... ركبت فِي محاجر السودَان)
(رشأ تشره النُّفُوس إِلَى مَا ... فِي ثناياه من رحيق اللِّسَان)
(لَا وَمَا أَحْمَر من تورد خدي ... هـ وَمَا أصفر من شموس الدنان)
(لأطلت السُّجُود فِي قبْلَة الكأ ... س بتسبيح ألسن العيدان)
(كم صلوة على فَتى مَاتَ سكرا ... قد أُقِيمَت فِينَا بِغَيْر أَذَان)
(أَيهَا الرايح الَّذِي راحتاه ... بخضاب الكؤس مخضوبتان)
(عج بضحك الأقداح فِي رهج القص ... ف إِذا مَا بَكت عَلَيْهَا القناني)
(وأسقني القهوة الَّتِي تنْبت الور ... د إِذا شِئْت فِي خدود الغواني)
(لَا تدغدغ صدر المدام بأيدي ال ... مزج مَا دغدغت صُدُور المثاني)
(فِي رياض تريك بِاللَّيْلِ مِنْهَا ... سرجاً من شقايق النُّعْمَان)(2/40)
)
(كتبتها أَيدي السَّحَاب باقلا ... م دموع على طروس المغاني)
(الفات مؤلفات ولاما ... ت تكون من ضمير الْمعَانِي)
أنظر إِلَى مَا فِي هَذِه القصيدة من جودة التَّشْبِيه وَصِحَّته ولطف الاستعارات ورشاقة ألفاظها وَمن شعره
(وجلا الثريا فِي ملا ... ءة نوره الْبَدْر التَّمام)
(فَكَأَنَّهَا كأس ليش ... رَبهَا الدجى والبدر جَام)
(وَكَأن زرق نجومها ... حدق مفتحة نيام)
وَمن شعره وَهُوَ مَشْهُور
(سقيا ليَوْم غَدا قَوس الْغَمَام بِهِ ... وَالشَّمْس مشرقة والبرق خلاس)
(كَأَنَّهُ قَوس رام والبروق لَهُ ... رشق السِّهَام وَعين الشَّمْس برجاس)
وَمِنْه أَيْضا
(والبدر أول مَا بدا متلثماً ... يُبْدِي الضياء لنا بخد مُسْفِر)
(وكأنما هُوَ خوذة من فضَّة ... قد ركبت فِي هَامة من عنبر)
وَمِنْه أَيْضا
(لست أنسى قلبِي وَقد رَاح نهباً ... بَين بَين مبرح وصدود)
(وسماء الْعُيُون إِذا ذَاك تسقى ... بسحاب الدُّمُوع روض الخدود)
وَمِنْه وَهُوَ لطيف عذب
(بِاللَّه رَبكُمَا عوجا على سكني ... وعاتباه لَعَلَّ العتب يعطفه)
(وعرضا بِي وقولا فِي حديثكما ... مَا بَال عَبدك بالهجران تتلفه)
(فَإِن تَبَسم قولا فِي ملاطفة ... مَا ضرّ لَو بوصال مِنْك تسعفه)
(وَأَن بدا لَكمَا فِي وَجهه غضب ... فغالطاه وقولا لَيْسَ نعرفه)
أَخذه القايل فنظمه دوبيت
(باللطف إِذا لقِيت من اهواه ... عاتبه وَقل لَهُ الَّذِي القاه)
(أَن أغضبهُ الْوِصَال غالطه بِهِ ... أَو رق فَقل عَبدك لَا تنساه)
وَقَالَ الآخر)
(أَلا يَا نسيم الرّيح بلغ رسالتي ... سليمي وَعرض بِي كَأَنَّك مازح)
(فَإِن اعرضت عني فموه مغالطاً ... بغيري وَقل ناحت بِذَاكَ النوايح)
وَقَالَ الآخر حلاوى(2/41)
(بِحرْمَة الْعَهْد أَن جزت النقايا سعد ... وابصرت ذَات الْمحيا والأثيث الْجَعْد)
(عرض بذكرى وغالطها وَقل يَا دعد ... إِذْ لم تجودي بوصلك فأسمحي بالوعد)
وَقلت أَنا من أَبْيَات
(وَيَا رَسُولي إِلَيْهِم صف لَهُم أرقي ... وَأَن طرفِي لضيف الطيف مرتقب)
(وأسأل مواهبهم للعين بعض كرى ... عساي أَن يهبوا لي بعض مَا نهبوا)
(ولطف القَوْل لَا تسأم مُرَاجعَة ... وأشك الْهوى والنوى قد ينجح الطّلب)
(عرض بذكرى فَإِن قَالُوا أتعرفه ... فأسأل لي الْوَصْل وأنكرني إِذا غضبوا)
وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله قَول عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي
(فأتتها طبة عَالِمَة ... تمزج الْجد مرَارًا باللعب)
(تغلظ القَوْل إِذا لانت لَهَا ... وتراخي عِنْد سورات الْغَضَب)
والوأواء الدِّمَشْقِي من شعراء سيف الدولة ابْن حمدَان وَمن مديحه فِيهِ من جملَة قصيدة
(من قَاس جدواك بالغمام فَمَا ... أنصف فِي الحكم بَين إثنين)
(أَنْت إِذا جدت ضاحكٌ أبدا ... وَهُوَ إِذا جاد دامع الْعين)
وَمن شعره أَيْضا
(أيا ملزمي ذَنْب الدُّمُوع وَقد جرت ... فأبدت من الْأَسْرَار كل مصون)
(أَعنِي على تَأْدِيب دمعي فَإِنَّهُ ... يَتُوب إِذا مَا كنت أَنْت معيني)
وَمِنْه أَيْضا وَهُوَ لطيف جدا
(إِذا أَشْتَدّ مَا ألقِي جَلَست حذاءه ... ونار الْهوى قد أضرمت بَين أوصالي)
(أقبل من فِيهِ نسيم كَلَامه ... إِذا مر بِي صفحاً بأفواه آمالي)
وَمِنْه أَيْضا
(يَا من بزرقة سيف اللحظ طل دمي ... وَالسيف مَا فخره إِلَّا بزرقته)
(علمت أنسان عَيْني أَن يجود فقد ... جَادَتْ سباحته فِي مَاء عبرته)
)
وَمِنْه أَيْضا
(وَلما وقفنا ساحة الْحَيّ لم نطق ... كلَاما تناجينا بِكَسْر الحواجب)
(نناجي بأضمار الْهوى ظَاهر الْهوى ... بأطيب من نجوى الْأَمَانِي الكواذب)
توفّي الوأواء الدِّمَشْقِي فِي عشر التسعين وَالثَّلَاث ماية تَقْرِيبًا(2/42)
الخباز الْبَلَدِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان الْمَعْرُوف بالخباز الْبَلَدِي نِسْبَة إِلَى بلد وَهِي مَدِينَة بالجزيرة الَّتِي مِنْهَا الْموصل قَالَ صَاحب الْيَتِيمَة كَانَ أُمِّيا وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ يقتبس مِنْهُ وَكَانَ يتشيع قَالَ
(كَأَن يَمِيني حِين حاولت بسطها ... لتوديع الفي والهوى يذرف الدمعا)
(يَمِين ابْن عمرَان وَقد حاول الْعَصَا ... وَقد جعلت تِلْكَ الْعَصَا حَيَّة تسْعَى)
وَقَالَ
(أَتَرَى الجيرة الَّذين تداعوا ... بكرَة للزيال قبل الزَّوَال)
(علمُوا أنني مُقيم وقلبي ... راحل فيهم أَمَام الْجمال)
(مثل صَاع الْعَزِيز فِي أرحل القو ... م وَلَا تعلمُونَ مَا فِي الرّحال)
وَقَالَ
(سَار الحبيب وَخلف القلبا ... يُبْدِي العزاء ويضمر الكربا)
(قد قلت إِذْ سَار السفين بهم ... والبين ينهب مهجتي نهبا)
(لَو أَن لي عزا أصُول بِهِ ... لأخذت كل سفينة غصبا)
وَقَالَ
(أَلا آن أخواني الَّذين عهدتهم ... أفاعي رمل لَا تقصر عَن لسعي)
(ظَنَنْت بهم خيرا فَلَمَّا بلوتهم ... نزلت بواد مِنْهُم غير ذِي زرع)
وَقَالَ
(أَنا فِي قَبْضَة الغرام رهين ... بَين سيف مجاذب ورديني)
(وَكَأن الْهوى أمره علوي ... ظن أَنِّي وليت قتل الْحُسَيْن)
(وَكَأَنِّي يزِيد بَين يَدَيْهِ ... فَهُوَ يخْتَار أوجع القتلتين)
وَقَالَ)
(وحمايم نبهنني ... وَاللَّيْل داجي المشرقين)
(شبهتهن وَقد بكي ... ن وَمَا ذرفن دِمَاء عَيْني)
(بنساء آل مُحَمَّد ... لما بكين على الْحُسَيْن)
وَقَالَ
(ليل المحبين مطوي جوانبه ... مشمر الذيل مَنْسُوب إِلَى الْقصر)(2/43)
(مَا ذَاك إِلَّا لِأَن الصُّبْح نم بِنَا ... فَأطلع الشَّمْس من غيظ على الْقَمَر)
3 - (ابْن السكرِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عمر السكرِي أَبُو الْحسن الخازن)
الشَّاعِر من أَوْلَاد الْمُحدثين كَانَ جد أَبِيه على بن عمر مُحدثا مَشْهُورا روى عَنهُ الْكِبَار ووالده أَبُو مَنْصُور روى عَنهُ الْخَطِيب وَأَبُو الْحسن هَذَا روى عَنهُ أَبُو الْفضل أَحْمد بن خيرون وشجاع بن فَارس الذهلي وَأَبُو طَاهِر أَحْمد بن عَليّ بن الْأُخوة توفّي سنة خمسين وَأَرْبع ماية وَمن شعره
(يَا دهر مَا آن أَن نلقى أحبتنا ... يدنو الغرام وتنأى مِنْهُم الدَّار)
(مَا غيب الْبَين من أقمارهم قمراً ... إِلَّا وأطلعه شوق وتذكار)
(تسرى اللَّيَالِي وأشواقي مخيمة ... وَمَا أنقضت لي من الأحباب أوطار)
(أستودع الله من فَازَ الْفِرَاق بهم ... وخلفوني ودمع الْعين مدرار)
قلت شعر جيد فِي التَّوَسُّط
3 - (الْهَادِي الدقوقي مُحَمَّد بن أَحْمد بن صنعون بن يحيى بن عبد السَّيِّد ابْن الْفضل بن عَليّ)
الْمَعْرُوف بالهادي أَبُو عبد الله الدقوقي كَانَ جوالا حدث فِي الغربة بهمذان وتبريز وخوى وبر وجرد وآمل طبرستان عَن أبي طَالب مُحَمَّد بن عليّ بن يُوسُف الْقرشِي الهكاري وَعَن القَاضِي أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْمُهْتَدي وَأبي نصر ابْن ودعان الْموصِلِي وَأبي مُحَمَّد الصريفيني روى عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن بديل بن الْمجمع الصُّوفِي وَأَبُو بكر يحيى بن ابرهيم السلماسي وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن البروجردي وَعبد الْملك بن عَليّ الهمذاني قَالَ ابْن النجار وَذكر أَنه سمع فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبع ماية وَتُوفِّي سنة ثلث وثلثين وَأَرْبع ماية)
3 - (أَبُو بكر التَّمِيمِي الْمَالِكِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن بكير أَبُو بكر التَّمِيمِي)
الْفَقِيه الْمَالِكِي كَانَ أحذق النَّاس بِمذهب مَالك توفّي فجاءة سنة خمس وَثلث ماية
3 - (ابْن جَمِيع الصَّيْدَاوِيُّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى ابْن جَمِيع أَبُو الْحسن)
الصَّيْدَاوِيُّ الغساني رَحل وطوف وَسمع وروى وَثَّقَهُ الْخَطِيب وَغَيره توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن أبي الْحَدِيد الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن الْوَلِيد ابْن الحكم أَبُو بكر بن أبي الْحَدِيد)
السّلمِيّ الدِّمَشْقِي الْعدْل سمع وروى قَالَ أَبُو الْفرج ابْن عَمْرو رأيتُ النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم فِي النّوم فَقَالَ لي أَبُو بكر ابْن أبي الْحَدِيد قَوَّال بِالْحَقِّ وَقَالَ الكتاني كَانَ ثِقَة مَأْمُونا توفّي فِي شَوَّال سنة خمس وَأَرْبع ماية(2/44)
3 - (ابْن الجبني المقرىء مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الدِّمَشْقِي)
الْمَعْرُوف بِابْن الجبني الأطروش المقرىء توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبع ماية
3 - (الْحَافِظ غُنْجَار مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سليمن البُخَارِيّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله)
غُنْجَار بالغين الْمُعْجَمَة وَالنُّون الساكنة وَالْجِيم وَبعد الْألف رَاء مُصَنف تَارِيخ بخارا كَانَ من بقايا الْحفاظ بِتِلْكَ الديار توفّي سنة أثنتي عشرَة وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن رزقويه الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن رزقويه)
بالزاي بعد الرَّاء البغداذي الْبَزَّاز الْمُحدث قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة صَدُوقًا كثير السماع توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع ماية
3 - (الْحَافِظ ابْن أبي الفوارس مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن فَارس ابْن سهل الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح)
ابْن أبي الفوارس وَهِي كنية سهل كَانَ ذَا حفظ وَمَعْرِفَة وَأَمَانَة مَشْهُورا بالصلاح انتخب على الْمَشَايِخ وَأول سَمَاعه من أبي بكر النجاد توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع ماية الْحَافِظ الْهَرَوِيّ الجارودي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل الجارودي الْهَرَوِيّ الْحَافِظ قَالَ بَعضهم هُوَ أول من سنّ بهراة تَخْرِيج الفوايد وَشرح الرِّجَال والتصحيح توفّي سنة ثلث عشرَة وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو نصر الجندي مُحَمَّد بن أَحْمد بن هرون بن مُوسَى بن عَبْدَانِ أَبُو نصر الجندي الغساني)
)
الدِّمَشْقِي أَمَام الْجَامِع ونايب القَاضِي بِدِمَشْق ومحدث الْبَلَد كَانَ ثِقَة مَأْمُونا توفّي سنة سبع عشرَة وَأَرْبع ماية
3 - (الصرايري الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَليفَة أَبُو الْحسن التّونسِيّ)
الشَّاعِر الشهير الملقب بالصرايري بالصَّاد الْمُهْملَة لَهُ شعر كثير على طَرِيق ابْن حجاج فِي هجو وقبايح دخل مصر وَمَات بالريف فِي سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبع ماية قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج كَانَ يصحب القَاضِي حُسَيْن بن مهنا الفاسي وَأخذ بزيه فِي ترك شَاربه لَا يحفيه تَشْبِيها بِرِجَال الدولة من صنهاجة فَشَكَاهُ إِلَيْهِ بعض أَصْحَابه فأسمعه وَقَالَ لَهُ فِي بعض كَلَامه أَنا ظلمتك لِأَنِّي جعلتك تنفح شاربك على النَّاس كبرا وطغيانا وَسكت الصرايري فأنصرف وقص شَاربه وأودعه رقْعَة كتب فِيهَا(2/45)
(الله يَا قَاضِي على مَا أرى ... أراحني مِنْك وَمن كاتبك)
(كسبت فِي أيامكم شاربا ... فَخذه والسلح على شاربك)
وسافر من الْبَلَد وَقَالَ حدثت عَمَّن رَآهُ فِي سوق ابْن هِشَام مَاشِيا فِي فرو أَحْمَر قديم مَا يواري رُكْبَتَيْهِ وقلنسوة مثله وَهُوَ يشترى لَحْمًا فتواريت عَنهُ أكباراً لَهُ وحياء لَهُ من رُؤْيَته على تِلْكَ الْحَال وأتبعته إِلَى بَيته فَلَمَّا عَرفته ذهبت فَأَتَيْته بعيبة كَانَت لي فِيهَا ثِيَاب لأجعلها عَلَيْهِ وَنَفَقَة ليغير بهَا حَاله فَإِذا هُوَ يصلح الْقدر وَعَلِيهِ ثِيَاب نفيسة وعمة شريفة وَفِي وَسطه أحرام دبيقي مُرْتَفع فَسلمت عَلَيْهِ مُتَعَجِّبا مِنْهُ فانكر حَالي فَقَالَ مَا لَك فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة من أَولهَا إِلَى آخرهَا فَأثْنى بِخَير وَقَالَ قابلت الْعَامَّة العمياء بِمَا يشبهها وَأنْشد بعد أطراق سَاعَة
(هَانَتْ على النَّفس وَهِي كَرِيمَة ... من أجل قوم بَينهم أتصرف)
(فلقيتهم فِيمَا يَلِيق بمثلهم ... ورجوت أَنِّي بَينهم لَا أعرف)
(وَإِذا خلوت بهمتي لم يرضني ... إِلَّا الْأَجَل من الْأُمُور وأشرف)
وَمن أعابيثه قَوْله فِي بعض أَحْدَاث بني زرت
(يَا سيد النَّاس من بني زرت ... أحب لَو نمت سَاعَة تحتي)
(وَلَا تحفني فَإِن عَيْني مَا ... تراك إِلَّا كَمَا ترى أُخْتِي)
)
(أَولا فجرب فَإِن كذبت فَلَا ... ترحم خضوعي وَلَا أباتي)
(وَأَجْعَل سبالي على شفا جرف ... فَإِن ثَنَا قلت دسها فِي أسى)
وَقَوله من أَبْيَات
(أحبب بِهِ لَيْلَة عانقته ... مرتشفاً مِنْهُ ثنايا عَذَاب)
(لله مَا أحْسنهَا لَيْلَة ... ألزمني تذكارها الأكتياب)
(وسدت من اهوى يَمِيني بهَا ... من غير أَمر بَيْننَا يستراب)
(ثمَّ أعتنقنا فترانا مَعًا ... فِي ظلمَة العتب وَنور العتاب)
(روحين فِي جسم لَهُ مشْهد ... لَا تنثني عدته فِي الْحساب)
(جسمان صَارا فِي الْهوى وَاحِدًا ... كشكلتين أختلطا فِي كتاب)
قلت أَنا أَخذ هَذَا معنى من أبي الطّيب حَيْثُ يَقُول
(دون التعانق ناحلين كشكلتي ... نصب أدقهما وَضم الشاكل)
لَكِن فِي قَول أبي الطّيب زيادات فَاتَت الصرايري لِأَنَّهُ قَالَ شكلتا نصب فَهُوَ أخص من قَول كشكلتين اختلطا لِأَن الشكلتين قد يَكُونَا ضمتين أَو غير ذَلِك وَالْأَشْبَه بالمتعانقين إِنَّمَا هُوَ النصبتان لِأَنَّهُمَا شكلان ممتدان على الأستواء وَقَالَ نصب وَلم يقل جر طلبا للمحل الأرفع وَقَالَ(2/46)
أدقهما وَضم الشاكل مُبَالغَة فِي مقاربة الأتحاد وَهُوَ أحسن من قَول الصرايري أختلطا لِأَن قَول أبي الطّيب أقرب إِلَى الْحق وَفِي معنى قَول الصرايري مَا قَالَه ابْن سناء الْملك
(وَلَيْلَة بتنا بعد سكري وسكره ... نبذت وِسَادِي ثمَّ وسَّدته يَدي)
(وبتنا كجسم وَاحِد من عناقنا ... وَإِلَّا كحرف فِي الْكَلَام مشدد)
وَمَا أظرف قَول سيف الدّين المشد
(وَلما زار من أهواه لَيْلًا ... وخفنا أَن يلم بِنَا مراقب)
(تعانقنا لأخفيه فصرنا ... كأنا وَاحِد فِي عقد حاسب)
سمع هَذَا بعض الظرفاء فَقَالَ لَعَلَّه كَانَ قواقياً فَإِن الصَّغِير كَانَ فَوق يُرِيد أَن الْخِنْصر فَوق البنصر فِي عدد الْحساب
3 - (أَبُو عَليّ الْهَاشِمِي الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي مُوسَى الشريف أَبُو عَليّ الْهَاشِمِي البغداذي)
شيخ الْحَنَابِلَة وعالمهم صَاحب التصانيف الْمَذْكُورَة قَالَ الْخَطِيب توفّي فِي ربيع الآخر سنة)
ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبع ماية وَكَانَ ثِقَة وَله التصانيف فِي مَذْهَب أَحْمد
3 - (أَبُو الريحان البيروني مُحَمَّد بن أَحْمد)
وَقيل أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الريحان البيروني يَأْتِي ذكره فِي حرف الْهمزَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أَحْمد ابْن مُحَمَّد
3 - (عَبْدَانِ الجواليقي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله أَبُو الْحسن الجواليقي التَّيْمِيّ)
مَوْلَاهُم الْكُوفِي الملقب بعبدان قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة وَتُوفِّي سنة أحدى وثلثين وَأَرْبع ماية النذير الشِّيرَازِيّ الْوَاعِظ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى أَبُو عبد الله الشِّيرَازِيّ الْوَاعِظ يُقَال لَهُ النذير سَافر إِلَى الشَّام وَغَيره قَالَ الْخَطِيب حَدثنِي النذير أَنه دخل على أَحْمد بن فَارس اللّغَوِيّ وَكَانَ قد وصف لَهُ فَقَالَ لَهُ هَات يابا عبد الله قَالَ النذير فَسكت فَقَالَ ابْن فَارس مَا لَك فَقَالَ استولت عَليّ صفاتك فأنسيتني كل شَيْء فَقَالَ أشهد أَنَّك من فَارس أَرَادَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ الْعلم بِالثُّرَيَّا لنا لَهُ رجال من فَارس توفّي سنة تسع وثلثين وَأَرْبع ماية(2/47)
3 - (أَبُو حسان الْمُزَكي مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر أَبُو حسان الْمُزَكي المولقاباذي)
الْفَقِيه الشَّيْخ الثِّقَة كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح وَالْعلم وَإِلَيْهِ كَانَت التَّزْكِيَة بنيسابور توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو عبد الله اللَّخْمِيّ الأشبيلي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن شَرِيعَة اللَّخْمِيّ)
الْبَاجِيّ أَبُو عبد الله الأشبيلي كَانَ بَصيرًا بِالْعُقُودِ وعللها صنف فِيهَا كتابا حسنا وكتابا مستوعبا فِي سجلات الْقُضَاة إِلَى مَا جمع من أَقْوَال الشُّيُوخ الْمُتَأَخِّرين مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الطَّرِيقَة المثلى توفّي سنة ثلث وثلثين وَأَرْبع ماية
3 - (رَاوِي مُعْجم الصَّحَابَة لِلْبَغوِيِّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن عبد الله القَاضِي أَبُو عبد الله)
السَّعْدِيّ البغداذي الْفَقِيه الشَّافِعِي رَاوِي مُعْجم الصَّحَابَة لِلْبَغوِيِّ كَانَ من تلامذة أبي حَامِد الأسفراييني توفّي سنة أحدى وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية
3 - (القَاضِي السمناني مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو جَعْفَر السمناني)
)
قَاضِي الْموصل وَشَيخ الْحَنَفِيَّة سكن بغداذ وَحدث عَن المرجي وَالدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا حنفيا فَاضلا يعْتَقد مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَله تصانيف ذكره ابْن حزم فَقَالَ السمناني المكفوف قَاضِي الْموصل أكبر أَصْحَاب الباقلاني مقدم الأشعرية فِي وقتنا ثمَّ أَخذ فِي الشناع عَلَيْهِ توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو الْمَنْصُور ابْن النقور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن النقور)
أَبُو الْمَنْصُور بن أبي الْحُسَيْن الْبَزَّاز من أَوْلَاد الْمُحدثين سمع ابرهيم بن عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي وَأَبا الْقسم على بن المحسن التنوخي وَأَبا مُحَمَّد الْحسن ابْن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأَبا الْحسن عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي الزَّاهِد وَأَبا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن حبيب الْمَاوَرْدِيّ وَأَبا الْفَتْح عبد الْملك بن عمر بن خلف الرزاز وأباه أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد وَأَبا الْقسم عبيد الله بن مُحَمَّد بن لُؤْلُؤ وَغَيرهم وروى عَنهُ وَلَده أَبُو بكر عبد الله والشريف أَبُو المعمر الْمُبَارك بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن قيداس الْحطاب مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن قيداس الْحطاب أَبُو طَاهِر البغداذي)
من أهل التوثة سمع أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عَليّ بن أبي زيد الْأنمَاطِي وَأَبا الْحسن أَحْمد بن شَاذان وَعبد الله بن عبيد الله الْحرفِي وَهبة الله بن الْحسن اللالكائي وَمُحَمّد بن الْحسن الْخلال وَكَانَت لَهُ أجازة من عَليّ بن مُحَمَّد بن بَشرَان وَغَيره روى عَنهُ الشريف أَبُو(2/48)
المعمر الْأنْصَارِيّ وَأحمد ابْن المقرب الصُّوفِي توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن ابرهيم ابْن سلفة)
أَبُو أَحْمد الصُّوفِي من أهل أَصْبَهَان هُوَ وَالِد الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي كَانَ شَيخا صَالحا متصونا خدم الشَّيْخ معمر بن أَحْمد اللنباني وَصَحبه وَسمع مِنْهُ وَمن أبي الْفَتْح الْحداد وَحج وَدخل بغداذ وَسمع ابْن البطر أَبَا الْخطاب وَغَيره وَخرج لَهُ وَلَده أَبُو طَاهِر عَن شُيُوخه سمع مِنْهُ عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَالْحُسَيْن ابْن مُحَمَّد بن خسرو الْبَلْخِي وَعمر بن ظفر المغازلي وَغَيرهم توفّي سنة أحدى وَخمْس ماية
3 - (ابْن أبي نصر الصاعدي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن صاعد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله)
أَبُو سعيد ابْن أبي نصر الصاعدي قَاضِي نيسابور سمع أَبَاهُ أَبَا نصر وَعَمه أَبَا سعد يحيى وَأَبا حَفْص عمر بن أَحْمد بن مسرور)
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن الجنزروذي وَجَمَاعَة وَقدم بغداذ وَحدث بهَا وروى عَنهُ عبد الْوَهَّاب ابْن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَأَبُو الْفضل عبد الْملك بن عَليّ بن يُوسُف وَأَبُو الْعِزّ ثَابت بن مَنْصُور الكيلي والحافظ مُحَمَّد بن نَاصِر توفّي سنة سبع وَعشْرين وَخمْس ماية
3 - (ابْن صرما مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الصايغ الْمَعْرُوف بِابْن صرما البغداذي)
من أهل بَاب الأزج سمع بأفادة خَاله نَاصِر بن مُحَمَّد بن عَليّ الْكثير من أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النقور وَأبي مُحَمَّد عبد الله ابْن الصريفيني وَأبي الْقسم عبد الله بن الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال وَأبي مَنْصُور مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز العكبري وَغَيرهم وَعمر حَتَّى حدث بالكثير وَكَانَ صَحِيح السماع روى عَنهُ عبد الْوَهَّاب بن عَليّ الْأمين وَعبد الرَّزَّاق بن عبد الْقَادِر الجيلي ويوسف بن الْمُبَارك بن كَامِل وَيحيى بن محَاسِن الْفَقِيه والأنجب بن الدجاجي توفّي سنة ثَمَان وثلثين وَخمْس ماية
3 - (الْوَاعِظ كلي الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْقسم أَبُو بكر الْوَاعِظ الْمَعْرُوف)
بكلي الْأَصْبَهَانِيّ سمع الْكثير من مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمصْرِيّ وَأبي الْفَتْح أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد الْحداد وَأبي الْقسم غَانِم بن مُحَمَّد الْبُرْجِي وَغَيرهم وَقدم بغداذ حَاجا سنّ سِتّ وَخمْس ماية وَسمع بهَا أَبَا الْقسم عليّ بن أَحْمد بن بَيَان وعليّ بن مُحَمَّد نَبهَان وَأَبا الغنايم مُحَمَّد بن عَليّ النَّرْسِي وَأَبا غَالب شُجَاع الذهلي وَسمع بِالْكُوفَةِ عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى الشغلي الْهَمدَانِي وبمكة مُوسَى بن الْعَبَّاس الْجَزرِي وَغَيره وبالمدينة مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْمَقْدِسِي ثمَّ قدم بغداذ سنة سِتّ وثلثين وَخمْس ماية وَحدث باليسير وَكَانَ فَاضلا متورعا توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس ماية لَيْلَة عيد الْفطر
3 - (أَبُو المظفر الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَعْدَان أَبُو المظفر الْحَنْبَلِيّ)
قَرَأَ على القَاضِي أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْفراء وَغَيره وَسمع الحَدِيث وروى توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس ماية(2/49)
راوية المتنبي أحد الأيمة الأدباء والأعيان الشُّعَرَاء خدم سيف الدولة وصنف أَشْيَاء حَسَنَة وَله ذكر فِي مصر وَالْعراق وَمَا وَرَاء النَّهر والشاش وجالس الصاحب بن عباد وَلَقي أَبَا الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ وَرُوِيَ عَنهُ وَله مَعَه أَخْبَار وَمن تصانيفه الأنتصار الْمَنِيّ عَن فضل المتنبي كتاب)
التَّنْبِيه عَن رذايل المتنبي تحفة الْكتاب فِي الرسايل مبوبا كتاب تذكرة النديم وَهُوَ ممتع الرسَالَة الممتعة كتاب بَقِيَّة الأنتصار المكثر للأختصار قَالَ أخذت قَول المتنبي
(كفي بجسمي نحولاً أنني رجل ... لَوْلَا مخاطبتي أياك لم ترني)
فَلم أدع لغيري فِيهِ زِيَادَة وَقلت من قصيدة
(عدمت من النحول فَلَا بلمس ... يكيفني الْوُجُود وَلَا العيان)
(وَلَوْلَا أنني أذكي البرايا ... لَكُنْت خفيت عني لَا أَرَانِي)
قَالَ واختفائي عني أبدع من أختفائي عَن غَيْرِي وأبلغ فِي الْمَعْنى واقترح عَلَيْهِ الصاحب ابْن عباد وصف رغيف فَقَالَ ارتجالا
(ورغيف كَأَنَّهُ الترس يحْكى ... حمرَة الشَّمْس بِالْغُدُوِّ أحمراره)
(جمعته أناملي ثمَّ حلت ... هـ فسيان طيه وانتشاره)
(ناعم لين كمبسم من قا ... م بعذري عِنْد البرايا عذاره)
وَهِي أَكثر من هَذَا فأعجب الصاحب وَقَالَ خُذْهُ صلَة فَوَضعه على رَأسه وَخرج بِهِ ماراً فِي الطَّرِيق فَعرف الصاحب الْخَبَر فَقَالَ ردُّوهُ اتتمر بِهِ فِي الْأَسْوَاق هَكَذَا فَقَالَ نعم ليقال مَا هَذَا فَأَقُول صلَة مَوْلَانَا الصاحب فَقَالَ بعنا أَيَّاهُ فَقَالَ بِخمْس ماية دِينَار قَالَ لَهُ آنقصنا وأجعلها دَرَاهِم فَقَالَ نعم فَأمر لَهُ بِخمْس ماية دِرْهَم وخلعه المادرائي الأطروش مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبيد الله المادرائي الأطروش سكن مصر وَحدث بهَا عَن الزبير بن بكار وَعبيد الله بن سعد الزُّهْرِيّ وَعمر بن شبة وَأبي الْعَبَّاس الْمبرد وروى عَنهُ وَلَده عُثْمَان وَأَبُو أَحْمد ابْن أبي الطّيب المادرائي وَأَبُو الطّيب أَحْمد بن سليمن الحريري توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثلث ماية
3 - (ابْن الْحداد الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر)
الْفَقِيه أَبُو بكر الْمصْرِيّ(2/50)
الْكِنَانِي الشَّافِعِي شيخ المصريين الْمَعْرُوف بِابْن الْحداد ولد يَوْم وَفَاة الْمُزنِيّ قَالَ ابْن خلكان قَالَ صاحبنا عماد الدّين ابْن باطيش فِي كِتَابه الَّذِي وَضعه على الْمُهَذّب فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء أَنه كَانَ من أَعْيَان أَصْحَاب الْمُزنِيّ وَقَالَ الْقُضَاعِي فِي كتاب خطط مصر أَنه ولد فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُزنِيّ فَكيف يُمكن أَن يكون من أَصْحَابه انْتهى سمع من النَّسَائِيّ وَغَيره وجالس الْأَمَام أَبَا أسحق الْمروزِي لما قدم عَلَيْهِم وصنف كتاب الْفُرُوع فِي الْمَذْهَب وَهُوَ صَغِير دَقِيق الْمسَائِل شَرحه الْقفال الْمروزِي وَأَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَأَبُو عَليّ)
السنجي وَكَانَ ابْن الْحداد غواصا على الْمعَانِي محققاً كَبِير الْقدر لَهُ وَجه فِي الْمَذْهَب ولي الْقَضَاء والتدريس بِمصْر والملوك تعظمه وتحترمه وَكَانَ يتَصَرَّف فِي عُلُوم كَثِيرَة حج وَمرض فِي الرُّجُوع وَتُوفِّي يَوْم الثلثاء لأَرْبَع بَقينَ من الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثلث ماية عَاشَ تسعا وَسبعين سنة وَكَانَ كثير الصَّلَاة يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَصلى عَلَيْهِ يَوْم الْأَرْبَعَاء أَبُو الْقسم ابْن الأخشيذ وكافور حضرا جنَازَته وَدفن بسفح المقطم وَكتابه الْمَعْرُوف بِفُرُوع ابْن الْحداد من أجل الْكتب وَلم يتَّفق للرافعي أَن ينْقل من كِتَابه شَيْئا كَأَنَّهُ لم يظفر بِهِ التِّرْمِذِيّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر الشَّافِعِي التِّرْمِذِيّ لم يكن فِي وقته للشَّافِعِيَّة مثله ورعاً وتقللا ورياسة سكن بغداذ وَحدث بهَا عَن يحيى الْمصْرِيّ ويوسف بن عدي وَكثير بن يحيى وَغَيرهم وروى عَنهُ أَحْمد بن كَامِل الشَّافِعِي وَعبد الْبَاقِي ابْن قَانِع وَغَيرهمَا وَكَانَ ثِقَة من أهل الْعلم وَالْفضل سُئِلَ عِنْد مَوته عَن حَدِيث النُّزُول فَأجَاب بِجَوَاب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ مُحَمَّد بن مُوسَى بن حَمَّاد أَنه تقوت فِي سَبْعَة عشر يَوْمًا بِخمْس حبات أَو ثلث حبات فَقيل لَهُ كَيفَ عملت قَالَ لم يكن عِنْدِي غَيرهَا فأشتريت بهَا لفتا فَكنت آكل كل يَوْم وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو أسحق الزّجاج النَّحْوِيّ أَنه كَانَ مجْرى عَلَيْهِ فِي كل شهر أَرْبَعَة دَرَاهِم وَكَانَ يَقُول تفقهت على مَذْهَب الْأَمَام أبي حنيفَة فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد الْمَدِينَة عَام حججْت فَقلت يرسول الله قد تفقهت بقول أبي حنيفَة افآخذ بِهِ قَالَ لَا قلت بقول مَالك بن أنس فَقَالَ خُذ مِنْهُ مَا وَافق سنتي قلت فآخذ بقول الشَّافِعِي فَقَالَ مَا بقوله إِلَّا أَنه أَخذ بِسنتي ورد عَليّ من خالفها قَالَ فَخرجت فِي أثر هَذِه الرُّؤْيَا إِلَى مصر وكتبت كتب الشَّافِعِي وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة مَأْمُون ناسك وَكَانَ يَقُول كتبت الحَدِيث تسعا وَعشْرين سنة ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة ماتين وَقيل سنة عشر وماتين وَتُوفِّي فِي الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وماتين وَاخْتَلَطَ آخر عمره اختلاطا عَظِيما وَمَات وام يُغير شَيْبه وَهُوَ صَاحب وَجه فِي الْمَذْهَب قَالَ محيي الدّين النَّوَوِيّ أَن أَبَا جَعْفَر جزم بِطَهَارَة شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد خَالف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة جُمْهُور الْأَصْحَاب(2/51)
3 - (ابْن الحرون مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن الْأَصْبَغ بن الحرون بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَبعد)
الْوَاو نون قَالَ ابْن النجار أَبُو عبد الله أديب فَاضل من أَوْلَاد الْكتاب لَهُ مصنفات حَسَنَة فِي الْأَدَب وَشعر)
جيد روى عَنهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر بن درسْتوَيْه لَهُ كتاب المطابق والجناس والحقايق وَالشعر وَالشعرَاء والآداب والرياض وَالْكتاب والمحاسن عمي لَهُ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد بَيْتا فأستخرجه وَقَالَ
(قل لمن زانه عفاف وَدين ... وسماح ونجدة وحياء)
(وَالَّذِي سما فِي الْعُلُوم فَمَا يب ... لغه ذُو الكساء وَالْفراء)
(قد أَتَانَا الْبَيْت المترجم بالطي ... ر وَفِيه النسور والعنقاء)
(فخلونا بِهِ وَقد دارت الأص ... وات فِي مجْلِس وطاب الطلاء)
(فظفرنا بِهِ ووفقنا الل ... هـ الَّذِي باسمه تقوم السَّمَاء)
(وَهُوَ بَيت لشاعر من بني مخ ... زوم أضنت فُؤَاده أَسمَاء)
(حبذا أَنْت يَا بغوم وأسما ... ء وعيش يكفنا وخلاء)
3 - (أَبُو زيد الفاشاني الشافعيّ محمّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد)
أَبُو زيد الْفَقِيه الفاشاني الشَّافِعِي كَانَ من الأيمة الأجلاء حسن النّظر مَشْهُورا بِالْعلمِ حَافِظًا للْمَذْهَب وَله فِيهِ وُجُوه غَرِيبَة أَخذ الْفِقْه عَن أبي اسحق الْمروزِي وَأخذ عَنهُ أَبُو بكر الْقفال الْمروزِي وَدخل بغداذ وَحدث بهَا وَسمع مِنْهُ الْحَافِظ الدَّارَقُطْنِيّ وَمُحَمّد بن أَحْمد بن الْقسم الْمحَامِلِي ثمَّ خرج إِلَى مَكَّة وجاور بهَا سبع سِنِين وَحدث هُنَاكَ بِصَحِيح البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي وَأَبُو زيد أجل من روى هَذَا الْكتاب وَقَالَ أَبُو بكر الخباز عادلت الْفَقِيه أَبَا زيد من نيسابور إِلَى مَكَّة فَمَا أعلم أَن الملايكة كتبت عَلَيْهِ خَطِيئَة وَقَالَ أَبُو الْحسن أَحْمد ابْن مُحَمَّد الْحَاتِمِي الْفَقِيه سَمِعت أَبَا زيد يَقُول رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأَنا بِمَكَّة كَأَنَّهُ يَقُول لجبريل يَا روح الله أَصْحَبهُ إِلَى وَطنه وَكَانَ فِي أول أمره فَقِيرا لَا يقدر على شَيْء ويكتم بَاطِن حَاله ثمَّ أَقبلت الدُّنْيَا عَلَيْهِ فِي آخر عمره وَقد اسن وتساقطت أَسْنَانه وَبَطلَت آلَته وَكَانَ يَقُول للنعمة لَا بَارك الله فِيك أَقبلت حَيْثُ لَا نَاب وَلَا نِصَاب قَالَ الْحَاكِم كَانَ من أيمة الْمُسلمين وَمن أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشَّافِعِي توفّي بمرو سنة أحدى وَسبعين وَثلث ماية ومولده سنة أحدى وَثلث ماية(2/52)
3 - (الخضري الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله الْمروزِي)
الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالخضري كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي قُوَّة الْحِفْظ وَقلة النسْيَان كَانَ من)
كبار أَصْحَاب الْقفال وَله فِي الْمَذْهَب وُجُوه غَرِيبَة نقلهَا الخراسانيون وَقد روى أَن الشَّافِعِي صحّح دلَالَة الصَّبِي على الْقبْلَة وَكَانَ ثِقَة فِي نَقله وَله معرفَة بِالْحَدِيثِ ونسبته إِلَى الْخضر بعض أجداده توفّي فِي عشر السِّتين والأربع ماية وَقَالَ الخضري معنى قَول الشَّافِعِي أَن يدل الصَّبِي على قبْلَة تشاهد فِي الْجَامِع فَأَما فِي مَوضِع الأجتهاد فَلَا تقبل وَسُئِلَ عَن قلامة ظفر الْمَرْأَة هَل يجوز للْأَجْنَبِيّ النّظر إِلَيْهَا فَأَطْرَقَ الشَّيْخ طَويلا ساكتا وَكَانَت ابْنة الشَّيْخ أبي عَليّ التسترِي تَحْتَهُ فَقَالَت لَهُ لم تتفكر وَقد سَمِعت أبي يَقُول فِي جَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة أَن كَانَت من قلامة أظفار الْيَدَيْنِ جَازَ وَأَن كَانَت من الرجلَيْن لم يجز وأنما كَانَ كَذَلِك لِأَن يَدهَا لَيست بِعَوْرَة ففرح الخضري وَقَالَ لَو لم آستفد من اتصالي بِأَهْل الْعلم إِلَّا هَذِه الْمَسْأَلَة لكَانَتْ كَافِيَة قَالَ ابْن خلكان هَذَا التَّفْصِيل بَين الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ فِيهِ نظر فَإِن أَصْحَابنَا قَالُوا اليدان فِي الصَّلَاة ليستا بِعَوْرَة فَأَما بِالنِّسْبَةِ إِلَى نظر الْأَجْنَبِيّ فَمَا نَعْرِف فرقا بَينهمَا فَلْينْظر الشَّاشِي المستظهري الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عمر الْأَمَام أَبُو بكر الشَّاشِي الْفَقِيه الشَّافِعِي المستظهري لقبه فَخر الأسلام ولد بميافارقين سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبع ماية وتفقه على الْأَمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن بيانٍ الكازروني وتفقه على قَاضِي ميافارقين أبي مَنْصُور الطوسي تلميذ الْأُسْتَاذ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ ثمَّ رَحل إِلَى الْعرَاق ولازم الشَّيْخ أَبَا أسحق وَكَانَ معيد دروسه وَتردد إِلَى ابْن الصّباغ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّامِل وَسمع الحَدِيث من الكازروني شَيْخه وَمن ثَابت بن أبي الْقسم الْخياط وبمكة من أبي مُحَمَّد هياج الحطيني وَسمع ببغداذ الْخَطِيب أَبَا بكر وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأَزجيّ وَأَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد اليزدي وَأَبُو بكر بن النقور وشهدة والسلفي وَغَيرهم وَله كتاب حلية الْعلمَاء ذكر فِيهِ اخْتِلَاف الأيمة صنفه للأمام المستظهر بِاللَّه وَكتاب التَّرْغِيب فِي الْمَذْهَب وَكتاب الشافي شرح فِيهِ مُخْتَصر الْمُزنِيّ استوفي فِيهِ أَقْوَال الشَّافِعِي ووجوه أَصْحَابه وأقاويل الْفُقَهَاء ذكر لكل مقَالَة حجَّة وَكَانَ أشعري الأعتقاد وَإِلَيْهِ انْتَهَت رياسة الشَّافِعِيَّة ببغداذ وَلما القي الدَّرْس وضع منديله على عَيْنَيْهِ وَبكى كثيرا وَهُوَ جَالس على السدة وَأنْشد
(خلت الديار فَسدتْ غير مسود ... وَمن العناء تفردي بالسودد)
وَقد قيل أَن الَّذِي فعل ذَلِك إِنَّمَا هُوَ الْغَزالِيّ ومدحه تِلْمِيذه أَبُو الْمجد معدان بن كثير البالسي بقصيدة قَالَ فِيهَا)(2/53)
(يَا كعبة الْفضل أَفْتِنَا لم لم يجب ... شرعا على قصادك الأحرام)
(وَلما تضمخ زايريك بِطيب مَا ... نلقيه وَهُوَ على الحجيج حرَام)
وَتُوفِّي سنة سبع وَخمْس ماية وَدفن فِي تربة الشَّيْخ أبي أسحق الشِّيرَازِيّ أنْشد محب الدّين ابْن النجار فِي ذيل تَارِيخ بغداذ بِسَنَد أتصل بفخر الأسلام مُحَمَّد بن أَحْمد المستظهري الشَّاشِي قَوْله
(مدحتكم أَرْجُو فواضل بركم ... فَمَا نالني مِنْكُم نوال وَلَا بر)
(وَكنت أرجي كشف ضري عنْدكُمْ ... فقد زَاد عِنْدِي مذ عرفتكم الضّر)
(سأرحل لم أظفر لديكم بطايل ... وكفاي مِمَّا كنت آمله صفر)
(لحا الله دهراً سدتم فِيهِ أَهله ... وأفضي إِلَيْكُم فيهم النَّهْي وَالْأَمر)
(فَلم تسعدوا إِلَّا وَقد نحس الورى ... وَلم ترأسوا إِلَّا وَقد خرف الدَّهْر)
(إِذا لم يكن نفع وضر لديكم ... فَأنْتم سَوَاء وَالَّذِي ضمه الْقَبْر)
3 - (أَبُو جَعْفَر النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود)
أَبُو جَعْفَر النَّسَفِيّ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ من سَاكِني نهر البزازين بالجانب الغربي من بغداذ كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء وَله تعليقة فِي الْخلاف مَشْهُورَة حَسَنَة وَكَانَ زاهدا ورعا متعففا فَقِيرا قنوعا يَحْكِي أَنه بَات لَيْلَة مهموما من الأضافة وَسُوء الْحَال فَوَقع فِي خاطره فرع من فروع مذْهبه فأعجب بِهِ فَقَامَ يرقص فِي دَاره وَيَقُول أَيْن الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك فَسَأَلته زَوجته عَن ذَلِك فَأَخْبرهَا فتعجبت حدث بِيَسِير عَن أبي بكر أَحْمد بن عَليّ الحصاص الرَّازِيّ وَأبي الْقسم عبيد الله الْبَزَّاز البغداذي وروى عَنهُ أَبُو حَاجِب الأستراباذي وَأَبُو نصر الشِّيرَازِيّ توفّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو نصر المضري مُحَمَّد بن أَحْمد)
أَبُو نصر المضري بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة الْموصِلِي رُوِيَ عَنهُ ابْن وشاح قَوْله
(آنست بوحدتي حَتَّى لَو أنيّ ... رَأَيْت الْإِنْس لاستوحشت مِنْهُ)
(وَلم تدع التجارب لي صديقا ... أميل إِلَيْهِ إِلَّا ملت عَنهُ)
3 - (ابْن البواب مُحَمَّد بن أَحْمد بن البواب أَبُو نصر)
قَالَ ابْن النجار كَانَ متأدبا يَقُول الشّعْر وَأورد لَهُ قَوْله)
(بنهر معلي والْحَدِيث شجون ... غزال رماني والسهام عُيُون)
(تعرض لي وَالدَّال يجذب عطفه ... كَمَا أهتز فِي مر النسيم غصون)
المعموري الْبَيْهَقِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد المعموري الْبَيْهَقِيّ الأديب الفيلسوف كَانَ(2/54)
من علية الْحُكَمَاء وَالْأَيمَة أتفق أَنه أنتقل إِلَى أَصْبَهَان فِي خدمَة تَاج الْملك الَّذِي وزر بعد نظام الْملك وَكَانَ قد نظر فِي زايجة طالعه فَرَأى من التسييرات إِلَى القواطع وشعاع النحوس مَا يدل على الْخَوْف والوجل فأغلق بَاب دَاره عَلَيْهِ فَأخْرج وَقتل وأحرق على سَبِيل الْغَلَط سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية وَله كتاب فِي التصريف مجدول كتاب فِي النَّحْو كتاب فِي المخروطات والهندسة وَغير ذَلِك وَمن شعره
(دعَاك الرّبيع وأيامه ... أَلا فأستمع قَول دَاع نصوخ)
(يَقُول أشْرب الراخ ودرديه ... فَفِي الراح يَا صَاح روح وروح)
(وغني البلابل عِنْد الصَّباح ... لأهل الشَّرَاب الصبوح الصبوح)
3 - (أَبُو سعد العميدي الْكَاتِب مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد)
أَبُو سعد العميدي أديب لغَوِيّ نحوي مُصَنف سكن مصر وَتُوفِّي سنة ثلث وثلثين وَأَرْبع ماية وَكَانَ يتَوَلَّى ديوَان التَّرْتِيب وعزل عَنهُ ثمَّ تولى ديوَان الأنشاء أَيَّام الْمُسْتَنْصر عوضا من ولي الدولة ابْن خيران وَتَوَلَّى الدِّيوَان بعده أَبُو الْفرج الذهلي وَله تَنْقِيح الْعبارَة فِي عشر مجلدات الأرشاد إِلَى حل المنظوم وَالْهِدَايَة إِلَى نظم المنثور انتزاعات الْقُرْآن كتاب الْعرُوض القوافي كَبِير وَمن نظمه
(إِذا مَا ضَاقَ صَدْرِي لم أجد لي ... مقرّ عبَادَة إِلَّا القرافه)
(لَئِن لم يرحم الْمولي أجتهادي ... وَقلة ناصري لم ألق رأفه)
3 - (المتوثي الْقطَّان مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن زِيَاد)
الْقطَّان المتوثي بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد التَّاء ثَالِثَة الْحُرُوف مَضْمُومَة وَبعد الْوَاو ثاء مُثَلّثَة سمع الحَدِيث وَرَوَاهُ قَالَ ياقوت وَكَانَ ثِقَة جيد الْمعرفَة وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَثلث ماية سمع كثيرا من كتب الْأَدَب عَن بشر بن مُوسَى الْأَسدي وَمُحَمّد بن يُونُس الْكُدَيْمِي وَأبي العيناء وثعلب والمبرد وَغَيرهم وَلَقي السكرِي وَسمع عَلَيْهِ أشعار اللُّصُوص وَسمع مِنْهُ الخالع أَبُو عبد الله الشَّاعِر وفلج آخر عمره وَكَانَ يتشيع ويتظاهر بِهِ إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْأُصُول على رأى)
الْمُجبرَة وَله شعر مِنْهُ
(غضب الصولي لما ... كسر الضَّيْف وسمى)
(ثمَّ عِنْد المضغ مِنْهُ ... كَاد أَن يتْلف غما)
(قَالَ للضيف ترفق ... شم ريح الْخبز شما)
(وأغتنم شكري فَقَالَ ... الضَّيْف بل اكلاً وذما)(2/55)
قلت شعر نَازل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بدر الدّين الْحلَبِي أَخْبرنِي من لَفظه الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ رفيقنا عِنْد الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس كَاتب مترسل شَاعِر مجيد حسن الْخط كَانَ خاملا فَتعلق ببني الْأَثِير فأعلقوه بالتوقيع السلطاني وَكَانَ عَاقِلا فَاضلا أنشدنا لنَفسِهِ من لَفظه فِي الْقبَّة المنصورية الَّتِي عمرها الشجاعي
(ومذ دَعَوْت لَهَا شم الْجبَال أَتَت ... طَوْعًا على عجل تسْعَى بهَا قدم)
(مثل الكتايب أشطاراً إِذا أعتدلت ... أَو السطور على القرطاس ترتسم)
(فَهِيَ العوامل جرت لأرتفاع بِنَا ... مَا دون مجرورة الأطماع تنجزم)
وأنشدني أَيْضا لبدر الدّين
(وَلَقَد ذكرتك والصوارم تلمع ... وَالْمَوْت دَان والردى متوقع)
(وَقد أستثار من الْغُبَار غمامة ... مِنْهَا المنايا تسهل وتهمع)
(وَالْخَيْل من تَحت الكماة صهيلها ... يَعْلُو وأطراف الأسنة شرع)
(وَالنَّاس بَين مقنع ومدرع ... مُسْتَقْبلين منية لَا تدفع)
(وَأَنا وذكرك فِي أجتناء لطايف ... لَا من يروعنا وَلَا من يمْنَع)
قلت أحسن شبكاً من هَذَا مَا أنشدنيه لنَفسِهِ شهَاب الدّين مَحْمُود رَحمَه الله تَعَالَى
(وَلَقَد ذكرتك وَالسُّيُوف لوامع ... وَالْمَوْت يرقب تَحت حصن المرقب)
(والحصن من شفق الدروع تخاله ... حسناء ترفل فِي رِدَاء مَذْهَب)
(سامي السَّمَاء فَمن تطاول نَحوه ... للسمع مسترقاً رَمَاه بكوكب)
(وَالْمَوْت يلْعَب بالنفوس وخاطري ... يلهو بِطيب ذكرك المستعذب)
وَقد أوردت فِي هَذِه الْمَادَّة ولغيري من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين عدَّة مقاطيع فِي شرح لامية)
الْعَجم وسوف أوردهَا أَن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْحسن بن رَشِيق القيرواني أَو فِي تَرْجَمَة الصاحب جمال الدّين يحيى بن عِيسَى بن مطروح وأنشدني الشَّيْخ أثير الدّين لبدر الدّين الْمَذْكُور مَا كتبه رِسَالَة فِي ورق أصفر بمداد أَحْمَر
(هذي رِسَالَة صب نحوكم صدرت ... فِيهَا أشارات مَا يخفي من الحرق)
(فدمعه قد حَكَاهُ الْخط بعدكم ... ولونه قد حكته صفرَة الْوَرق)(2/56)
3 - (الْقرشِي المغربي الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم أَبُو عبد الله الْقرشِي الْهَاشِمِي)
العَبْد الصَّالح الزَّاهِد من أهل جَزِيرَة الخضراء قَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان كَانَت لَهُ كرامات ظَاهِرَة وَرَأَيْت أهل مصر يحكون عَنهُ أَشْيَاء خارقة وَلَقِيت جمَاعَة مِمَّن صَحبه وَقد نمى عَلَيْهِم من بركته وَذكروا أَنه وعد الْجَمَاعَة الَّذين صحبوه مواعيد من الولايات والمناصب الْعلية وَأَنَّهَا صحت كلهَا قدم مصر ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام لزيارة الْقُدس فَأَقَامَ بِهِ إِلَى أَن مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس ماية وَمن وَصَايَاهُ لأَصْحَابه سِيرُوا إِلَى الله عرجاً ومكاسير فَإِن أنتظار الصِّحَّة بطالة
3 - (أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ المقرىء مُحَمَّد بن أَحْمد بن هبة الله ابْن تغلب الْفَزارِيّ أَبُو عبد الله)
الضَّرِير النَّحْوِيّ كَانَ يعرف بالبهجة من أَعمال نهر الْملك قدم بغداذ فِي صباه وَقَرَأَ الْقُرْآن والنحو وَسمع الْكثير وَقَرَأَ الْأَدَب عَليّ أبي عبد الله أَحْمد بن الخشاب وَصَحبه مُدَّة وَسمع من ابْن الشَّهْر زورى وَابْن الْحصين وَأبي الْفضل ابْن نَاصِر وَجَمَاعَة وَكَانَ عَالما بالنحو والقراآت انْقَطع فِي بَيته وقصده النَّاس للْقِرَاءَة وَكَانَ كيسا نظيف الْهَيْئَة وقورا توفّي سنة ثلث وست ماية ابْن أَرقم الْوَادي آشي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أراقم الْوَادي آشي أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ قَرَأَ الْمَذْكُور كتاب سِيبَوَيْهٍ على ابْن أبي الرّبيع وَحضر فِي كثير مِنْهُ عِنْد شَيخنَا أبي جَعْفَر ابْن الزبير
3 - (أَبُو الْحسن ابْن طَبَاطَبَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم طَبَاطَبَا بن اسمعيل بن)
ابرهيم بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ شَاعِر مفلق وعالم مُحَقّق مولده بأصبهان وَبهَا مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثلث ماية وَله عقب كثير بإصبهان فيهم عُلَمَاء وأدباء ومشاهير كَانَ مَذْكُورا بالفطنة والذكاء وصفاء القريحة)
وَصِحَّة الذِّهْن وجودة الْمَقَاصِد وَله من المصنفات كتاب عيار الشّعْر كتاب تَهْذِيب الطَّبْع كتاب الْعرُوض لم يسْبق إِلَى مثله كتاب فِي الْمدْخل إِلَى معرفَة المعمى كتاب تقريظ الدفاتر وَمن شعره قصيدة تِسْعَة وثلثون بَيْتا لَيْسَ فِيهَا رَاء وَلَا كَاف وأولها
(يَا سيداً دَانَتْ لَهُ السادات ... وَتَتَابَعَتْ فِي فعله الْحَسَنَات)
مِنْهَا يصف القصيدة
(ميزانها عِنْد الْخَلِيل معدل ... متفاعلن متفاعلن فعلات)
(لَو وَاصل بن عَطاء الْبَانِي لَهَا ... تليت توهم أَنَّهَا آيَات)(2/57)
وَمِنْه
(لَا تنكراً أهداءنا لَك منطقاً ... مِنْك أستفدنا حسنه ونظامه)
(فَالله عز وَجل يشْكر فعل من ... يَتْلُو عَلَيْهِ وحيه وَكَلَامه)
وَقَالَ فِي أبي عَليّ الرستمي يهجوه بالدعوة والبرص
(أَنْت أَعْطَيْت من دلايل رسل ال ... لَهُ آيا بهَا عَلَوْت الرءوسا)
(جِئْت فَردا بِلَا أَب وبيمنا ... ك بَيَاض فَأَنت عِيسَى ومُوسَى)
وَمِنْه قَوْله وأجاد فِي ضروب التَّشْبِيه
(لنا صديق نفسنا ... فِي مقته منهمكه)
(أبرد من سكونه ... وسط الندى الحركه)
(وجدري وَجهه ... يحكيه جلد السمكه)
(أَو جلد أَفْعَى سلخت ... أَو قِطْعَة من شبكه)
(أَو حلق الدرْع إِذا ... أبصرتها مشبكه)
(أَو كدر المَاء إِذا ... مَا الرّيح أبدت حبكه)
(أَو سفن محبب ... أَو كرش منفركه)
(أَو منخل أَو عرض ... رقيقَة منهتكه)
(أَو حجر الْحمام كم ... من وسخ قد دلكه)
(أَو كور زنبور إِذا ... أفرخ فِيهِ تَركه)
(أَو سلحة يابسة ... قد نقرتها الديكه)
)
وَمِنْه
(مَا آنس لَا أنس حَتَّى الْحَشْر مايدة ... ظلنا لديك بهَا فِي اشغل الشّغل)
(إِذا أقبل الجدي مكشوفاً ترايبه ... كَأَنَّهُ متمط دايم الكسل)
(قد مد كلتي يَدَيْهِ لي فذكرني ... بَيْتا تمثلته من أحسن الْمثل)
(كَأَنَّهُ عاشق قد مد صفحته ... يَوْم الْفِرَاق إِلَى توديع مرتحل)
(وَقد تردى باطمار الرقَاق لنا ... مثل الْفَقِير إِذا مَا رَاح فِي سمل)
3 - (الجيهاني مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر الجيهاني أَبُو عبد الله)
لما ولي أَبُو الْحسن نصر بن أَحْمد بن اسمعيل سنة أحدى وَثلث ماية وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين تولى التَّدْبِير الجيهاني فاجري(2/58)
الْأَسْبَاب على وجوهها وَكَانَ حسن النّظر لمن أمله وقصده معينا لمن أمه وَاعْتَمدهُ وَكَانَ مبتلى بِالْمذهبِ وَلم يكن يُصَافح أحدا دون كاغذ أَو ثوب وَمر يَوْمًا بنخاس يعالج دَابَّة فتأفف وأبرز يَده من كمه وعلقها إِلَى أَن نزل وصب عَلَيْهَا قماقم من المَاء تقذراً مِمَّا فعله النخاس كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تولى ذَلِك وَلم يكن يَأْذَن فِي أمساك السنانير فِي دوره فَكَانَ الفأر يتعابث فِيهَا وَفِيه يَقُول أَبُو الطّيب الطاهري
(رَأَيْت الْوَزير على بَابه ... من الْمَذْهَب الشايع الْمُنْتَشِر)
(يرى الفأر أنظف شَيْء يدب ... على ثَوْبه ويعاف الْبشر)
(يبيت حفياً بهَا معجباً ... ويضحي عَلَيْهَا شَدِيد الحذر)
(فَإِن سعبت فَهُوَ فِي حجرها ... يفت لَهَا يابسات الْكسر)
(فَلم صَار يستقذر الْمُسلمين ... ويألف مَا هُوَ عين القذر)
قلت هَكَذَا أثْبته ياقوت وَجَاء فِي الأحمدين فَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن نصر الجيهاني وَأَظنهُ هَذَا وَالله أعلم وَلَكِن هَكَذَا أثْبته فِي المحمدين وَفِي الأحمدين
3 - (التَّمِيمِي الطَّبِيب مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الطَّبِيب)
كَانَ بالقدس أَولا ونواحيه وَله معرفَة جَيِّدَة بالنبات وماهيته وَكَانَ متميزاً فِي الطِّبّ والإطلاع على دقايقها وَله خبْرَة فاضلة فِي تركيب المعاجين والأدوية المفردة واستقصى معرفَة الدرياق الْكَبِير الْفَارُوق وَركب مِنْهُ شَيْئا كثيرا على أتم مَا يكون وانتقل إِلَى مصر وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَ قد أجتمع بالقدس براهب يُقَال لَهُ أنباز خرما بن ثوابة كَانَ يتَكَلَّم فِي أَجزَاء الْعُلُوم)
الْحكمِيَّة والطب وَكَانَ فِي الماية الرَّابِعَة فلازمه وَأخذ عَنهُ فوايد واختص التَّمِيمِي بالْحسنِ بن عبد الله بن طعج المستولي على الرملة ثمَّ أدْرك الدولة العلوية بِمصْر وَصَحب الْوَزير يَعْقُوب بن كلس وصنف لَهُ كتابا كَبِيرا عدَّة مجلدات سَمَّاهُ مَادَّة الْبَقَاء بإصلاح فَسَاد الْهَوَاء والتحرز من ضَرَر الوباء وصنف كتابا فِي مَاهِيَّة الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه وَكتاب الفحص وَالْأَخْبَار وَكَانَ التَّمِيمِي مَوْجُودا بِمصْر سنة سبعين وَثلث ماية مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن
3 - (ابْن الْمسند الْمَشْهُور)
توفّي سنة خمسين وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ الْهَرَوِيّ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن(2/59)
عبد الله بن عباد)
أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ الْهَرَوِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي كَانَ أَمَام دَقِيق النّظر صنف كتاب الْمَبْسُوط وَكتاب الْهَادِي وأدب القَاضِي وطبقات الْفُقَهَاء توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن بَشرَان اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن سهل أَبُو غَالب الوَاسِطِيّ)
الْمَعْرُوف بِابْن بَشرَان وبابن الْخَالَة الْمعدل الْحَنَفِيّ اللّغَوِيّ شيخ الْعرَاق فِي اللُّغَة أَكثر من رِوَايَة كتب الْأَدَب توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية بواسط يَوْم الْخَمِيس نصف شهر رَجَب وَمن شعره
(يَا شايداً للقصور مهلا ... أقصر فقصر الْفَتى الْمَمَات)
(لم يجْتَمع شَمل أهل قصر ... إِلَّا وقصراهم الشتات)
(وَإِنَّمَا الْعَيْش مثل ظلّ ... منتقل مَا لَهُ ثبات)
وَمِنْه
(وَلما رأى عشاقه ووشاته ... وَقد حاولوه من جَمِيع جهاته)
(رمى كل قلب من هَوَاهُ بلوعة ... فغودر مطوياً على زفراته)
وَمِنْه
(لما رَأَيْت سلوى غير مُتَّجه ... وَأَن عزم أصطباري عَاد مفلولا)
(دخلت بالرغم مني تَحت طاعتكم ... ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا)
)
وَمِنْه
(لَا تغترر بهوى الملاح فَرُبمَا ... ظَهرت خلايق للملاح قباح)
(وَكَذَا السيوف يروق حسن صقالها ... وبحدها يتخطف الْأَرْوَاح)
وَمِنْه
(أَن قدم الْحَظ قوما مَا لَهُم قدم ... فِي فضل علم وَلَا حزم وَلَا جلد)
(فَهَكَذَا الْفلك الْعلوِي أنجمه ... تقدم الثور فِيهَا أنجم الْأسد)
قلت شعر جيد وشعره كثير جيد
3 - (ابْن الْمسلمَة البغداذي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر أَبُو جَعْفَر بن الْمسلمَة(2/60)
المسلمى)
البغداذي أسلم الرفيل بعض أجداده على يَد عمر بن الْخطاب رَضِيَ الله عَنهُ كَانَ أَبُو جَعْفَر ثِقَة نبيلا كثير السماع حسن الطَّرِيقَة توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية
3 - (لُؤْلُؤ الْوراق مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصير بن عَرَفَة الثَّقَفِيّ البغداذي أَبُو الْحسن)
لُؤْلُؤ الْوراق سمع وروى وَهُوَ صَدُوق غير أَنه ردىء الْكتاب توفّي سنة سبع وَسبعين وَثلث ماية
3 - (ابْن الغطريف مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْجِرْجَانِيّ الرياطي الغطريفي)
كَانَت الرحلة إِلَيْهِ فِي آخر زَمَانه وجزؤه الَّذِي رَوَاهُ ابْن طبرزذ من أَعلَى الْأَجْزَاء توفّي سنة سبع وَسبعين وَثلث ماية
3 - (ابْن الْوَلِيد المعتزلي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن الْوَلِيد أَبُو عَليّ المعتزلي)
شيخ الْمُعْتَزلَة الداعية إِلَى مَذْهَبهم كَانَ يدرس الأعتزال وَالْحكمَة فأضطره أهل السّنة إِلَى أَن لزم بَيته قَالَ صَاحب الْمرْآة خمسين سنة لَا يتجاسر على الظُّهُور وَلم يكن عِنْده من الحَدِيث سوى حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ عَن شَيْخه أبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ المعتزلي وَلم يرو غَيره وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم تَسْتَحي فأصنع مَا شِئْت فكأنهما خوطبا بِهَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُمَا مَا استحيا من بدعتهما كَانَ القعْنبِي لم يسمع من شُعْبَة غير هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ قدم الْبَصْرَة فصادف مجْلِس شُعْبَة قد أنقضى وَمضى إِلَى منزله فَوجدَ الْبَاب مَفْتُوحًا وَشعْبَة على البالوعة فهجم عَلَيْهِ من غير أذن وَقَالَ أَنا غَرِيب وَقد قصدتك من بلد بعيد لتحدثني فأستعظم ذَلِك شُعْبَة وَقَالَ)
دخلت منزلي بِغَيْر أُذُنِي وتكلمني وَأَنا على مثل هَذِه الْحَال حَدثنَا مَنْصُور عَن ربعي بن حِرَاش عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا لم تَسْتَحي فأصنع مَا شِئْت وَالله لَا حدثتك غَيره وَلَا حدثت قوما أَنْت مِنْهُم وَحكي فِي هَذِه الْوَاقِعَة غير هَذَا والْحَدِيث صَحِيح اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على أخراجه وَلَفظ الصَّحِيح أَن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى الحَدِيث قَالَ ابْن عقيل جرت مَسْأَلَة بَين أبي عَليّ ابْن الْوَلِيد وَبَين أبي يُوسُف الْقزْوِينِي فِي أباحة جماع الْولدَان فِي الْجنَّة فَقَالَ ابْن الْوَلِيد لَا يمْتَنع أَن يَجْعَل ذَلِك من جملَة اللَّذَّات فِي الْجنَّة لزوَال الْمفْسدَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا منع مِنْهُ فِي الدُّنْيَا لما فِيهِ من قطع النَّسْل وَكَونه محلا للأذى وَلَيْسَ فِي الْجنَّة ذَلِك وَلِهَذَا أُبِيح شرب الْخمر لما أَمن فِيهِ السكر وغايلة العربدة وَزَوَال الْعقل فَلذَلِك لم يمْنَع من الألتذاذ بهَا فَقَالَ أَبُو يُوسُف الْميل إِلَى الذُّكُور عاهة وَهُوَ قَبِيح فِي نَفسه لِأَنَّهُ مَحل لم يخلق للوطىء وَلِهَذَا لم يبح فِي شَرِيعَة بِخِلَاف الْخمر وَهُوَ مخرج الْحَدث وَالْجنَّة منزهة عَن العاهات فَقَالَ ابْن الْوَلِيد العاهة هِيَ التلويث بالأذى وَإِذا لم يكن أَذَى لم يبْق إِلَّا مُجَرّد الألتذاذ وَسُئِلَ أَبُو الْفضل بن نَاصِر(2/61)
عَن الرِّوَايَة فَقَالَ لَا تحل كَانَ دَاعِيَة إِلَى الأعتزال وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبع ماية وَمن شعره
(أيا رَئِيسا بالمعالي أرتدي ... وأستخدم العيوق والفرقدا)
(مَالِي لَا أجري على مقتضي ... مَوَدَّة طَال عَلَيْهَا المدى)
(أَن غبت لم أطلب وَهَذَا سَلِي ... من بن دَاوُد نَبِي الْهدى)
(تفقد الطير على ملكه ... فَقَالَ مَالِي لَا أرى الهدهدا)
قَالَ ابْن النجار قَرَأت فِي كتاب التَّارِيخ لأبي الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني وَذكر وَفَاة أبي عَليّ قَالَ وَلم نَعْرِف فِي أعمارنا مثل ورعه وقناعته وَلما توفّي أَبوهُ خلف مَالا جما فتورع من أَخذ سَهْمه وَقَالَ لم أتحقق أَنه أَخذ سَهْمه وَقَالَ لم أتحقق أَنه أَخذ حَرَامًا قطّ وَلَكِنِّي أعافه وَلما كبر وافتقر جعل ينْقض دَاره وَيبِيع مِنْهَا خَشَبَة يتقوت بِثمنِهَا وداره هَذِه كَانَت من حسان الدّور حَتَّى أَن الْملك أَبَا طَاهِر صعد فِي بعض الْأَيَّام على السَّطْح لدار المملكة فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ ألْحقُوا نهر الدَّجَاج فقد وَقع بهَا الْحَرِيق فَمَضَوْا وعادوا فأخبروه أَن الَّذِي لَاحَ لَهُ رَأَوْهُ دَار ابْن الْوَلِيد وَبهَا سدلي مَذْهَب وَالشَّمْس تلمع على ذهبه فيظن من شَاهده أَنه نَار وَكَانَ لِبَاسه الخشن من الْقطن صيفا وشتاء)
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن اسمعيل أَبُو طَاهِر ابْن أبي الصَّقْر اللحمي الْأَنْبَارِي الْخَطِيب لَهُ مشيخة توفّي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبع ماية
3 - (الْمحَامِلِي أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقسم)
أَبُو الْفضل ابْن الْعَلامَة أبي الْحسن الْمحَامِلِي الْفَقِيه الشَّافِعِي توفّي سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع ماية وسوف يَأْتِي ذكر وَلَده أبي طَاهِر يحيى فِي مَكَانَهُ مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن سلة أَبُو الطّيب الْأَصْبَهَانِيّ توفّي سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن الْحداد الأندلسي الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان أَبُو عبد الله الْقَيْسِي الأندلسي)
ابْن الْحداد الشَّاعِر الْمَشْهُور ولقبه مَازِن لَهُ ديوَان كَبِير ومؤلف فِي الْعرُوض اخْتصَّ بالمعتصم ابْن صمادح توفّي فِي عشر الثَّمَانِينَ والأربع ماية تَقْرِيبًا وَمن شعره قَوْله
(بعيشكما ذَات الْيَمين فأنني ... أراح لشم الرّوح من عقداتها)
(فقد عبقت رمح النعامي كَأَنَّمَا ... سَلام سليمى رَاح من نفحاتها)(2/62)
(وتيماء للقلب المتيم منزل ... فعوجا بِتَسْلِيم على سلماتها)
(مشاعر تهيام وكعبة فتْنَة ... فُؤَادِي من حجاجها ودعاتها)
(فكم صافحتني فِي مناها يَد المنى ... وَكم هَب عرف اللَّهْو فِي عرفاتها)
(عهِدت بهَا أصنام حسن عهدنني ... هوى عبد عزاها وَعبد مناتها)
(أحل بأشواقي إِلَيْهَا وأتقي ... شرايعها فِي الْحبّ حق تقاتها)
وَمِنْه أَيْضا
(هم فِي ضميرك خيموا أم قوضوا ... ومني جفونك أَقبلُوا أم أَعرضُوا)
(وهم رضاك من الزَّمَان وَأَهله ... سخطوا كَمَا زعمت وشاتك أم رَضوا)
(أهواهم وَأَن أستمر قلاهم ... وَمن العجايب أَن يحب الْمُبْغض)
وَمِنْه أَيْضا
(مَا بَال ريقته فِي سلم مبسمه ... وواجب أَن تذيب القهوة البردا)
(أعدي جناني فحاكي طرفه مَرضا ... وغره أَن يحاكي خصره جلدا)
(كَأَن كفي فِي صَدْرِي يصافحه ... فَمَا رفعت يدا إِلَّا وضعت يدا)
وَمِنْه أَيْضا)
(وَقد هوت بهوى نَفسِي مها سباء ... فَهَل درت مُضر من تيمت سبأ)
(كَأَن قلبِي سليمن وهدهده ... طرفِي وبلقيس ليلى والهوى النبأ)
وَمِنْه قَوْله فِي المديح
(يدين نداه دين كَعْب وحاتم ... فحتم عَلَيْهِ الدَّهْر وصل صلَاتهَا)
(يُجَاهد فِي ذَات الندى بَيت مَاله ... وَلَا جَيش إِلَّا من أكف عفاتها)
(إِذا الْبَدْر أنثالت عَلَيْهِم حسبتها ... بأيدي مواليها رُؤْس عداتها)
وَمِنْه فِي ذكر المصلوبين
(وهامهم فِي الْجُذُوع الشم ضاحية ... كَأَنَّهَا بقع الْغرْبَان والرخم)
(مواثلاً فِي سَبِيل الركب تحسبها ... تسايل الركب عَن أجسادها القمم)
(وَقد تلم بهَا الْغرْبَان وَاقعَة ... كَأَنَّهَا فَوق محلوقاتها لمَم)
(صوامت نطق الهيئات قايلة ... عَقبي عصاة ابْن معن هَذِه النقم)
قلت شعر جيد فِي الذرْوَة كثير الغوص
3 - (الْخياط مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْصُور أَبُو بكر الْخياط النَّحْوِيّ السَّمرقَنْدِي)
قدم(2/63)
بغداذ وَمَات فِي مَا ذكره أَبُو عبيد الله مُحَمَّد بن عمرَان المرزباني سنة عشْرين وَثلث ماية قَالَ كَانَ قد أنحدر مَعَ البريديين لما غلبوا على الْبَصْرَة وَبهَا مَاتَ وَجَرت بَينه وَبَين الزّجاج ببغداذ مناظرة وَكَانَ يخلط المذهبين وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَكَانَ جميل الْأَخْلَاق طيب الْعشْرَة مَحْبُوب الْخلقَة وَله من الْكتب مَعَاني الْقُرْآن النَّحْو الْكَبِير الموجز فِي النَّحْو الْمقنع فِي النَّحْو
3 - (الْحَافِظ ابْن سمكويه مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله أَبُو الْفَتْح ابْن سمكويه الْأَصْبَهَانِيّ)
نزيل هراة أحد الْحفاظ سمع الْكثير وَحصل الْأُصُول توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن شكرويه مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن شكرويه القَاضِي أَبُو مَنْصُور الْأَصْبَهَانِيّ)
خلط فِي كِتَابه سنَن أبي دَاوُد توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية
3 - (صَاحب بُسْتَان العارفين مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر الطبسي النَّيْسَابُورِي أَبُو الْفضل)
زاهد عَالم صنف بُسْتَان العارفين وَسمع من أبي عبد الله الْحَاكِم وَغَيره توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية)
3 - (المقرىء الكركانجي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن حَامِد أَبُو نصر)
الْمروزِي الْأُسْتَاذ المقرىء صَاحب أبي الْحُسَيْن الدهان كَانَ أماما فِي عُلُوم الْقُرْآن لَهُ فِي ذَلِك مصنفات مِنْهَا كتاب الْمعول والتذكرة طوف الْكثير ورحل إِلَى الْعرَاق وَالشَّام والحجاز والسواحل توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية قَالَ الكركانجي أردْت أَن اقْرَأ الْقُرْآن بِالشَّام على بعض الْقُرَّاء بِرِوَايَة وَقعت لَهُ عالية فَامْتنعَ عَليّ ثمَّ قَالَ لي تقْرَأ عَليّ كل يَوْم عشرا وتدفع لي مِثْقَالا من الْفضة فَقبلت ذَلِك مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا وصلت إِلَى الْمفصل أذن لي كل يَوْم فِي قِرَاءَة سُورَة كَامِلَة وَكنت أرسل غلماني فِي التِّجَارَة إِلَى الْبِلَاد واقمت عِنْده سنة وَخَمْسَة أشهر حَتَّى ختمت وَاتفقَ أَن لم يرد عَليّ فِي هَذِه الرِّوَايَة خلافًا من جودة قراءتي فَلَمَّا قرب أَن أختم الْكتاب جمع أَصْحَابه الَّذين قرأوا عَلَيْهِ فِي الْبِلَاد الْقَرِيبَة مِنْهُ وامرهم أَن يحمل إِلَيّ كل وَاحِد مِنْهُم شستكة قيمتهَا دِينَار أَحْمَر وفيهَا من دينارين إِلَى خَمْسَة وَقَالَ لَهُم أعلمُوا أَن هَذَا الشَّاب قَرَأَ عَليّ الرِّوَايَة الْفُلَانِيَّة(2/64)
وَلم يحْتَج أَن أرد عَلَيْهِ وَوزن لي فِي كل يَوْم مِثْقَالا من الْفضة وَأَرَدْت أَن أعرف حرصه فِي الْقِرَاءَة مَعَ الْجَوْدَة ورد عَليّ مَا كَانَ أَخذ مني وَدفع إِلَيّ كلما حمله أَصْحَابه من الشاتك وَالذَّهَب فامتنعت فأظهر الْكَرَاهَة حَتَّى أخذت مَا أَشَارَ إِلَيْهِ وَخرجت من تِلْكَ الْبَلدة وَسَأَلَ يَوْمًا أَصْحَابه أَيْن فِي الْقُرْآن كلمة مُتَّصِلَة عشرَة أحرف فأفحمهم فَقَالَ ليستخلفنكم فِي الأَرْض ثمَّ قَالَ فاين جَاءَ فِي الْقُرْآن بَين أَربع كَلِمَات ثَمَان نونات فأفحمهم فَقَالَ أَنا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون نَحن نقص عَلَيْك وَذكر السَّمْعَانِيّ بأسناد أَن الكركانجي قَالَ نصف الْقُرْآن لقد جِئْت شَيْئا نكراً النُّون وَالْكَاف من النّصْف الأول
3 - (أَبُو بكر بن الخاضبة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي ابْن مَنْصُور الْحَافِظ أَبُو بكر)
ابْن الخاضبة البغداذي الدقاق مُفِيد بغداذ والمشار إِلَيْهِ فِي الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة مَعَ الصّلاح حدث عَن الْخَطِيب وَغَيره كَانَ عَلامَة فِي الْأَدَب قدوة فِي الحَدِيث جيد اللِّسَان جَامعا لخلال الْخَيْر كتب صَحِيح مُسلم فِي سنة سبع مَرَّات بعد الْغَرق قَالَ فَنمت فَرَأَيْت كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت قد ومناديا يُنَادي أَيْن ابْن الخاضبة فأحضرت فأدخلت الْجنَّة فَلَمَّا دخلت الْبَاب وصرت من دَاخل استلقيت على قفاي وَقلت استرحت وَالله من النّسخ فَرفعت رَأْسِي فَإِذا بغلة مسرجة ملجمة فِي يَد غُلَام فَقلت لمن هَذِه فَقَالَ للشريف أبي الْحسن ابْن الغريق فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة نعي إِلَيْنَا أَنه مَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَة توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية)
3 - (النوقاتي مُحَمَّد بن أَحْمد بن سليمن بن أَيُّوب بن غيثة النوقاتي)
بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق قبل يَاء النِّسْبَة ونوقات محلّة بسجستان يُقَال لَهَا توهات فعربت يكنى أَبَا عمر السجسْتانِي رَحل إِلَى خُرَاسَان وَكتب بهراة ومرو وبلخ وَمَا وَرَاء النَّهر وَسمع الْكثير من الشُّيُوخ وَأكْثر واشتغل بالتصنيف وَبلغ فِيهَا الْغَايَة وَكَانَ مرزوقا فِيهَا محسناً وَأحسن فِي كل التصنيف وروى عَنهُ أبناه عمر وَعُثْمَان وَمن شُيُوخه الْحَاكِم ابْن البيع والحافظ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ ثلث ماية وَله كتاب آدَاب الْمُسَافِرين كتاب العتاب والأعتاب كتاب فضل الرياحين كتاب الْعلم كتاب الشيب محنة الطّرف فِي أَخْبَار العشاق كتاب معاشرة الأهلين وَمن شعره
(نمت دموعي على سرى وكتماني ... وشرد النّوم عَن عَيْني أحزاني)
(واقلقتني عَمَّا أستعين بِهِ ... على الْهوى حسرات مِنْك تغشاني)
(يَا من جفاني وأقصاني وغادرني ... صبا واشمت بِي من كَانَ يلحاني)
(لَا تنس أَيَّام أنس قد مننت بهَا ... وداو غلَّة قلب فِيك أعياني)
قلت شعر رَقِيق متوسط الرُّتْبَة(2/65)
3 - (الأبيوردي الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن اسحق الرئيس أَبُو المظفر الْأمَوِي)
المعاوي الأبيوردي اللّغَوِيّ الشَّاعِر الْمَشْهُور من أَوْلَاد عَنْبَسَة بن أبي سفين بن حَرْب بن أُميَّة كَانَ وَاحِد عصره فِي معرفَة اللُّغَة والأنساب وَله تَارِيخ ابيورد ونسا قبسة العجلان فِي نسب آل أبي سفين نهزة الْحَافِظ المجتبي من المجتني تعلة المشتاق إِلَى سَاكِني الْعرَاق كَوْكَب المتأمل يصف فِيهِ الْخَيل تعلة المقرور يصف فِيهِ الْبرد والنيران الدرة الثمينة صهلة القارح يرد فِيهِ على المعري فِي سقط الزند وَله فِي اللُّغَة مصنفات مَا سبق إِلَيْهَا وَكَانَ فِيهِ تيه وَكبر ويفتخر بنسبه وَيكْتب العبشمي المعاوي لَا أَنه من ولد معوية بن أبي سفين بل من ولد معوية بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عتبَة ابْن عَنْبَسَة بن أبي سفين اثنى عَلَيْهِ أَبُو زَكَرِيَّاء ابْن مندة فِي تَارِيخه بِحسن العقيدة وَجَمِيل الطَّرِيقَة وَقَالَ السَّمْعَانِيّ صنف كتاب الْمُخْتَلف وَكتاب طَبَقَات الْعلم وَمَا اخْتلف وائتلف من أَنْسَاب الْعَرَب وَله فِي اللُّغَة مصنفات مَا سبق إِلَيْهَا كتب رقْعَة إِلَى المستظهر بِاللَّه الْمَمْلُوك المعاوي فحك الْخَلِيفَة الْمِيم ورد الرقعة إِلَيْهِ وَسمع الحَدِيث)
وَرَوَاهُ وَكَانَ من تيهه إِذا صلى يَقُول اللَّهُمَّ ملكني مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَخمْس ماية وَمن شعره
(ملكنا أقاليم الْبِلَاد فأذعنت ... لنا رَغْبَة أَو رهبة عظماؤها)
(فَلَمَّا أنتهت أيامنا علقت بِنَا ... شدايد أَيَّام قَلِيل رخؤها)
(وَكَانَ الينا فِي السرُور أبتسامها ... فَصَارَ علينا فِي الهموم بكاؤها)
(وصرنا نلاقي النايبات باوجه ... رقاق الْحَوَاشِي كَاد يقطر مَاؤُهَا)
(إِذا مَا هممنا أَن نبوح بِمَا جنت ... علينا اللَّيَالِي لم يدعنا حياؤها)
وَمِنْه
(تنكر لي دهري وَلم يدر أنني ... أعز وأحداث الزَّمَان تهون)
(فَبَاتَ يريني الْخطب كَيفَ أعتداؤه ... وَبت أريه الصَّبْر كَيفَ يكون)
وَمِنْه وَهُوَ بديع فِي الْخمر
(وَلها من نَفسهَا طرب ... فَلهَذَا يرقص الحبب)(2/66)
وَمِنْه
(صلى يَا أبنة الْأَشْرَاف أروع ماجداً ... بعيد منَاط الْهم جم المسالك)
(وَلَا تتركيه بَين شَاك وشاكر ... ومطر ومغتاب وَبَاكٍ وضاحك)
(فقد ذل حَتَّى كَاد ترحمه العدى ... وَمَا الْحبّ يَا ظمياء إِلَّا كَذَلِك)
وَكَانَ الأبيوردي ملقى من النَّاس فِي شعره فَفِيهِ يَقُول القايل
(قعاقع مَا تحتهَا طايل ... كَأَنَّهَا شعر الأبيوردي)
وَيَقُول البارع الْخُرَاسَانِي
(وَلَيْلَة بت بهَا نافضاً ... أضالعي من شدَّة الْبرد)
(كإنما تنفض آفاقها ... على الرِّبَا شعر الأبيوردي)
فَقَالَ الأبيوردي
(هاتيك نيسابور أشرف خطة ... بنيت بمعتلج الفضاء الْوَاسِع)
(لَكِن بهَا بردَان برد شتايها ... أما شتوت وَبرد شعر البارع)
وَمَا أحسن قَول سيف الدّين المشد)
(كَيفَ خلاص الْقلب من شَاعِر ... دقَّتْ مَعَانِيه عَن النَّقْد)
(يصغر نثر الدّرّ عَن نثره ... ونظمه جلّ عَن العقد)
(قد أفحم الوأواه صدغ لَهُ ... والخد أودى بالأبيوردي)
(وشعره الطايل فِي حسنه ... طَال على النَّابِغَة الْجَعْدِي)
توفّي بأصبهان سنة سبع وَخمْس ماية مُحَمَّد بن عمار الْخَطِيب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمار أَبُو عبد الله التجِيبِي الأندلسي من أهل الأردة رَحل إِلَى بلنسية وَولي خطابة أوريولة أَخذ عَنهُ زِيَاد بن الصفار وَأَبُو الْقسم ابْن فتحون وَأَبُو عبد الله بن مطع قَالَ ابْن عباد كَانَ مشاركا فِي عدَّة عُلُوم وَله تصنيف فِي الْقُرْآن توفّي سنة تسع عشرَة وَخمْس ماية
3 - (الْمسند ابْن الْحطاب مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن أَحْمد أَبُو عبد الله الرَّازِيّ)
ثمَّ الْمصْرِيّ الْمعدل الشَّاهِد وَيعرف بِابْن الْحطاب بِالْحَاء الْمُهْملَة مُسْند مصر والأسكندرية تفرد بالرواية عَن كثير من أشياخه وَانْقطع بِمَوْتِهِ سَنَد عَال وروى عَنهُ السلَفِي وَغَيره توفّي سنة خمس وَعشْرين وَخمْس ماية
3 - (الْخَطِيب شيخ الأسرة مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد المهتدى أَبُو الغنايم الْخَطِيب(2/67)
الْمعدل)
كَانَ مُحْتَرما عِنْد الْخُلَفَاء لقبه المستظهر شيخ الأسرة توفّي عَن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَهُوَ ممتع بجوارحه وَكَانَ ذَا هَيْئَة جميلَة وَصَلَاح وَصدق وعفاف وَفَاته سنة سبع عشرَة وَخمْس ماية وَدفن قَرِيبا من بشر الحافي بِبَاب حَرْب
3 - (قَاضِي الْجَمَاعَة ابْن الْحَاج الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف بن ابرهيم أَبُو عبد الله بن الْحَاج)
التجِيبِي الْقُرْطُبِيّ قَاضِي الْجَمَاعَة بقرطبة قَالَ ابْن بشكوال كَانَ من جلة الْعلمَاء وكبارهم معدودا فِي الأدباء والمحدثين بَصيرًا بالفتوى كَانَ معتنيا بِالْحَدِيثِ والْآثَار جَامعا لَهَا مُقَيّدا لما أشكل ضابطا لأسماء الرِّجَال ذَاكِرًا للغريب والأنساب واللغة والأعراب عَالما بمعاني الشّعْر وَالْأَخْبَار روى عَنهُ خلق كثير توفّي سنة تسع وَعشْرين وَخمْس ماية وَقد يَأْتِي فِي الأبارة ذكر اثْنَيْنِ من بَيته فاضلين)
3 - (البرتاني الشَّاعِر البلنسي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان أَبُو عَامر البلنسي)
البرتاني بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء وَالتَّاء ثَالِثَة الْحُرُوف وَالنُّون بعد الْألف الأديب كَانَ من جلة الشُّعَرَاء عَاشَ سِتا وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ من طبقَة ابْن خفاجة فِي الأندلس توفّي سنة ثلث وثلثين وَخمْس ماية
3 - (المقتفي لأمر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد بن أَحْمد)
المقتفي لأمر الله أَبُو عبد الله ابْن المستظهر بِاللَّه ابْن الْمُقْتَدِي عبد الله ابْن الْأَمِير مُحَمَّد بن القايم بِأَمْر الله كَانَ من سروات الْخُلَفَاء عَالما دينا شجاعا حَلِيمًا دمث الْأَخْلَاق كَامِل السودد قَلِيل الْمثل فِي الْخُلَفَاء لَا يجْرِي فِي دولته أَمر وَأَن صغر إِلَّا بتوقيعه وَكتب فِي خِلَافَته بِخَطِّهِ ثلث ربعات بُويِعَ فِي الْخلَافَة سادس عشر ذِي الْقعدَة سنة ثلثين وَخمْس ماية وَقد جَاوز الْأَرْبَعين وَمرض بالمراقيا وَقيل بدمل كَانَ فِي عُنُقه وَمن الْعجب أَنه وَافق أَبَاهُ فِي مرض المراقيا وَمَات مثل أَبِيه فِي شهر ربيع الأول وَتقدم موت شاه مُحَمَّد على موت المقتفي بثلثة أشهر كَمَا مَاتَ السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملكشاه قبل المستظهر بثلثة أشهر وَمَات المقتفي بعد الْغَرق بِسنة وَكَذَلِكَ القايم مَاتَ بعد الْغَرق بِسنة وَكَانَ من سلاطين دولته سنجر شاه صَاحب خُرَاسَان وَنور الدّين صَاحب الشَّام واستوزر عون الدّين ابْن هُبَيْرَة وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ حشمة الدولة العباسية وَقطع عَنْهَا أطماع السلجوقية وَغَيرهم من المتغلبين وَفِي أَيَّامه عَادَتْ بغداذ وَالْعراق بإيدي الْخُلَفَاء وَكَانَ محباً للْحَدِيث سمع من مؤدبه أبي البركات ابْن أبي الْفرج ابْن السّني قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أَظُنهُ سمع من ابْن عَرَفَة وَسبب وَفَاته أَنه خرج فِي بعض منتزهاته فِي حر شَدِيد فَأكل رطبا كثيرا أَيَّامًا متواترة فَحم حمي حادة وَعَاد مَرِيضا واتصل مَرضه إِلَى أَن توفّي ثَانِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وخمسماية ومولده سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية وَكَانَت خِلَافَته أَرْبعا وَعشْرين سنة وثلثة أشهر وَاحِدًا وَعشْرين يَوْمًا وَأمه أم ولد تَدعِي بغية النُّفُوس وَقيل نسيم وَدفن فِي دَاره بعد أَن صلى عَلَيْهِ المستنجد وَكبر أَرْبعا ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى الرصافة قَالَ عفيف النَّاسِخ وَكَانَ صَالحا رَأَيْت فِي الْمَنَام قايلا يَقُول إِذا اجْتمعت ثلث خاآت(2/68)
كَانَ آخر خلَافَة فَقلت خلَافَة من قَالَ المقتفي نزل المقتفي يَوْمًا بنهر عِيسَى وَالدُّنْيَا صايفة فَدخل إِلَيْهِ المستنجد وَهُوَ إِذا ذَاك أَمِير وَقد أثر الْحر فِي وَجهه والعطش فَقَالَ لَهُ أيش بك قَالَ أَنا عطشان قَالَ وَلم تركت نَفسك إِلَى أَن بلغ بك الْعَطش هَذَا قَالَ يَا مَوْلَانَا كَانَ المَاء فِي)
الموكبيات قد حمى فَقَالَ لَهُ أيش فِي فمك قَالَ خَاتم يزدن عَلَيْهِ مَكْتُوب الأثنا عشر أماما وَهُوَ يسكن الْعَطش فَقَالَ لَهُ والك يُرِيد يزدن يجعلك رَافِضِيًّا سيد هَؤُلَاءِ الأيمة الْحُسَيْن وَقد مَاتَ عطشان أرمه من فمك
3 - (أَمِير الْمُؤمنِينَ الظَّاهِر بِاللَّه مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُؤمنِينَ أَبُو نصر الظَّاهِر بِاللَّه ابْن الْأَمَام النَّاصِر)
ابْن الْأَمَام المستضىء ايع لَهُ أَبوهُ ثمَّ خلعه فَلَمَّا توفّي أَخُوهُ بَايع لَهُ ثَانِيًا وأستخلف عِنْد موت وَالِده وَكَانَت وَفَاته سنة ثلث وَعشْرين وست ماية فَكَانَت خِلَافَته تِسْعَة أشهر وَنصفا وروى عَن وَالِده بالأجازة قَالَ ابْن الْأَثِير وَلما ولي الظَّاهِر بِاللَّه أظهر من الأحسان وَالْعدْل مَا أعَاد بِهِ سيرة العمرين فَإِنَّهُ لَو قيل مَا ولي الْخلَافَة بعد عمر بن عبد الْعَزِيز مثله لَكَانَ القايل صَادِقا فَإِنَّهُ أعَاد من الْأَمْوَال الْمَغْصُوبَة والأملاك الْمَأْخُوذَة فِي أَيَّام أَبِيه وَقبلهَا شَيْئا كثيرا وَأطلق المكوس فِي الْبِلَاد جَمِيعهَا وَأمر بأعادة الْخراج الْقَدِيم فِي جَمِيع الْعرَاق وأسقاط جَمِيع مَا جدده أَبوهُ وَأخرج المحبسين وَأرْسل إِلَى القَاضِي عشرَة آلَاف دِينَار ليوفيها عَمَّن أعْسر وَقيل لَهُ هَذَا الَّذِي تخرجه من الْأَمْوَال مَا تسمح نفس بِبَعْضِه فَقَالَ أَنا فتحت الدّكان بعد الْعَصْر فأتركوني أفعل الْخَيْر وَفرق فِي الْعلمَاء والصلحاء ماية ألف دِينَار انْتهى وَعمر رِبَاط الأخلاطية والتربة ورباط الْحَرِيم ومشهد عبد الله وتربة عون ومعين وتربة والدته والمدرسة إِلَى جَانبهَا والرباط الَّذِي يقابلها كَانَ دَار والدته وَمَسْجِد سوق السُّلْطَان ورباط المرزبانية ودور المضيف فِي جَمِيع الْمحَال وَدَار ضِيَافَة الْحَاج وَغرم على هَذِه الْأَمَاكِن أَمْوَالًا جليلة وَنقل إِلَيْهَا الْكتب النفيسة بالخطوط المنسوبة والمصاحف الشَّرِيفَة وزر لَهُ عبد الله بن يُونُس وَابْن حَدِيدَة وَابْن القصاب وَابْن مهْدي وَكتب لَهُ مُحَمَّد ابْن الْأَنْبَارِي وَولده على ثمَّ اسفنديار ثمَّ ابْن القصاب ثمَّ يحيى بن زبادة ثمَّ القمي وَفتح خوزستان وششتر وتشتمل على أَرْبَعِينَ قلعة وهمذان وأصبهان وَحمل إِلَيْهِ خراجها وتكريت ودقوقا والحديثة وَكَانَ جميل الصُّورَة أَبيض مشرباً حمرَة حُلْو الشمايل شَدِيد القوى وَحَدِيثه مَعَ الجاموس بِحَضْرَة وَالِده مَشْهُور ولد فِي الْمحرم سنة سبعين وَخمْس ماية وخطب لَهُ وَالِده بِولَايَة الْعَهْد على المنابر سنة خمس وَثَمَانِينَ وعزله فِي سنة أحدى وست ماية وألزمه إِلَى أَن أشهد على نَفسه بخلعه ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ ولَايَة الْعَهْد سنة ثَمَان عشرَة وست ماية وَلما توفّي وَالِده النَّاصِر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست ماية بُويِعَ بالخلافة وَله من الْعُمر اثْنَتَانِ)
وَخَمْسُونَ سنة إِلَّا شهوراً وَصلى على أَبِيه بالتاج وَعمل العزاء ثلثة أَيَّام وَلما خلعه أَبوهُ النَّاصِر أسقط ذكره من الْخطْبَة على الْمِنْبَر فِي ساير الْآفَاق فَسَقَطت إِلَّا خوارزم شاه قَالَ قد صَحَّ عِنْدِي تَوليته وَلم يثبت عِنْدِي مُوجب عَزله وَجعل ذَلِك حجَّة لطروق الْعرَاق بالعساكر ليرد خطبَته وَحبس النَّاصِر وَلَده الظَّاهِر فِي دَار مبيضة الأرجاء لَيْسَ فِيهَا لون غير الْبيَاض وَكَانَ حراسه يفتشون اللَّحْم خوفًا أَن يكون فِيهِ شَيْء أَخْضَر ينعش بِهِ نور بَصَره فضعف بَصَره حَتَّى كَاد يعمى إِلَى أَن تحيل ابْن النَّاقِد الَّذِي صَار وزيراً بعد ذَلِك فَدخل(2/69)
عَلَيْهِ وَمَعَهُ سروال أَخْضَر وَأرى أَنه يحْتَاج إِلَى المستراح فَدخل وَترك السروال فِي المستراح وفطن الظَّاهِر لذَلِك فَدخل على أَثَره فَوَجَدَهُ فلبسه وَلم يزل يتعلل بِهِ حَتَّى تراجع بَصَره وَيُقَال أَن الظَّاهِر أَشَارَ إِلَيْهِ أشارة لَطِيفَة وحك عينه ففهم ابْن النَّاقِد ذَلِك واحضر لَهُ ذَلِك السروال شمس الدّين الْكُوفِي الْوَاعِظ مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن أبي عَليّ عبيد الله بن دَاوُد الزَّاهِد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْأَبْزَارِيِّ شمس الدّين الْكُوفِي الْوَاعِظ الْهَاشِمِي خطيب جَامع السُّلْطَان ببغداذ توفّي فِي الكهولة سنة سِتّ وَسبعين وست ماية وشعره متوسط وَله موشحات نازلة وَمن شعره
(حنت النَّفس إِلَى أوطانها ... وَإِلَى من بَان من خلانها)
(بديار حيها من منزل ... سلم الله على سكانها)
(تِلْكَ دَار كَانَ فِيهَا منشإي ... من غرييها إِلَى كوفانها)
(وَبهَا نُوق الصَّبِي أرسلتها ... هملاً تمرح فِي أرسانها)
(فلكم حاورت فِيهَا أحوراً ... وَلكم غازلت من غزلانها)
(لَا يلام الصب فِي ذكر رَبًّا ... بَان من غير رَضِي عَن بانها)
(وَلكم قضيت فِيهَا أرباً ... آه وأشوقا إِلَى كثبانها)
(اكتست أفناؤها سندسية ... تدهش الْأَلْبَاب من افنانها)
(فغدت مثل عروس تجتلى ... وسحيق الْمسك فِي أردانها)
(لَيْسَ بِي شوق إِلَى أطلالها ... إِنَّمَا شوقي إِلَى جِيرَانهَا)
(كلما رمت سلوا عَنْهُم ... لَا تريم النَّفس عَن أشجانها)
(شقيت نَفسِي بالحزن فَمن ... يسْعد النَّفس على أحزانها)
وَمن شعره موشح)
ادهش لبيهذا الجوذرحاوي الْملح شوش قلبيحالي غيرلما سنح نقش ربيورداً أحمربمثل الشبح
(من نملحير عَقْلِي ... فِي خدود ذَا الْبَدْر)
قُم استجليذا واستمليمن عذاره عُذْري بِلَا مينمشروحيوما أُجِيب بِلَا مينسبا روحيهذا الحبيب من الحينبما يُوحى هُوَ الطَّبِيب(2/70)
(دع عذليما يسلي ... بل رُبمَا يغري)
(كم مثليمن قبلي ... من كَانَ أمره امري)
تفدي نفسيوقلت فدالذا الْقد فيا شمسيقل لي غداوما وعدي كمل أنسى برغم العدى آجب قصدي
(دع قتليصل حبلي ... وأغتنم بِهِ اجري)
(وأسمح ليبالوصل ... حَبِيبِي فني صبري)
3 - (ابْن الصَّابُونِي الأشبيلي الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن الصَّابُونِي الصَّدَفِي)
من أهل اشبيلية الشَّاعِر قَالَ ابْن الْأَبَّار شَاعِر عصره الْمجِيد والمبدىء فِي محَاسِن القريض المعيد الَّذِي ذهبت البدايع بذهابه وختمت الأندلس شعراءها بِهِ توجه إِلَى الْمشرق فَتوفي فِي طَرِيقه من الأسكندرية إِلَى مصر سنة أَربع وست ماية من شعره من جملَة قصيدة
(وَالْبيض تسكن أوصال الكماة وَقد ... شحا لَهَا الضَّرْب كالأفواه للجدل)
(إِذا الْمقَاتل عَن قصد الردى كمهت ... سوى لَهَا الطعْن مثل الْأَعْين النجل)
(وللشفار شُرُوع فِي الدروع كَمَا ... تَوَاتر الطير فِي الغدران للنهل)
وَمِنْه من قصيدة
(أقسم فرق اللَّيْل عَن سنة الضُّحَى ... وأهبط خصر القاع من كفل الدعص)
(إِلَى أَن أرى وَجها إِذا شمت برقه ... رَأَيْت جبين الْبَدْر مكتمل القرص)
)
قَالَ ابْن الْأَبَّار وَقد عورضت هَذِه القصيدة بقصايد يَأْتِي ذكرهَا مُسْتَوْفِي فِي كتاب إيماض الْبَرْق من جمعي وَأنْشد ابْن الْأَبَّار هُنَا لنَفسِهِ
(أتجحد قَتْلِي ربة الشنف والخرص ... وَذَاكَ نجيعي فِي مخضبها الرُّخص)
(وفيت لحرصي فِي هَواهَا فخانني ... وقدماً أُصِيب النَّاس من قبل فِي الْحِرْص)
(تلوث على بدر التَّمام لثامها ... إِذا الوشى زرته على الْغُصْن والدعص)
وَمن شعر ابْن الصَّابُونِي
(القت إِلَى الْهَرَب الْأَعْدَاء أَنْفسهَا ... وَمَا عبيت لَهَا جَيْشًا سوى الرهب)
(خير الكتايب مَا لم يغن غايبه ... وَأفضل الْفَتْح مَا وافي بِلَا تَعب)
وَمن شعره
(لقد حجبت زج الحواجب سلوتي ... فَهَل لحظ وصف سميت بالحواجب)
(وواوت أصداغ أقَارِب نِسْبَة ... لنوناتها تدعى بِوَصْف عقارب)
(وَمِيم فَم من تَحت صَاد لشارب ... سلافاً حواها حتم صَاد لشارب)(2/71)
وَمن شعره يرثى
(قد كنت آمل أَن يقدر قبله ... يومي فيختم بالجهاز حباءي)
(أعزز بِأَن عكس الردى أمنيتي ... فختمت فِيهِ مدايحي برثاءي)
وَمن شعره
(أما وعذار فَوق خدك أَنه ... لانكا فعلى مقلتيك لفاعل)
(وَمَا خليت نَفسِي إِلَيّ بِأَنَّهُ ... ستفعل أَفعَال السيوف الحمايل)
وَمن شعره
(رَأَيْت فِي خَدّه عذرا ... خلعت فِي حبه عِذَارَيْ)
(قد كتب الْحسن فِيهِ سطراً ... ويولج اللَّيْل فِي النَّهَار)
وَمِنْه
(يسقى الرَّحِيق الْمَخْتُوم من فَمه ... ختامه من عذاره مسك)
(أسبل دمعي لصدره درراً ... جسمي لفرط الضني لَهَا سلك)
3 - (ابْن حَاضر المقرىء الضَّرِير مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاضر أَبُو عبد الله الضَّرِير)
)
المقرىء الشَّاعِر الْأَنْبَارِي قدم بغداذ وَسكن بَاب الْبَصْرَة وَكَانَ مَوْصُوفا بالصلاح والديانة قَالَ ابْن النجار وَله قصيدة فِي السّنة سَمَّاهَا الْمُوَضّحَة سَمعهَا مِنْهُ مُحَمَّد بن عَليّ بن اللتي المقرىء وَرَوَاهَا عَنهُ أَبُو عَليّ الْحسن بن اسحق ابْن موهوب الجواليقي ومدح الْوَزير ابْن هُبَيْرَة بقصيدة أَولهَا
(لَك الْجُود وَالْعدْل الَّذِي طبق الأرضا ... وبلج أياد بَعْضهَا يشبه البعضا)
(وَرَأى لَهُ الحاظ بَأْس كَأَنَّهَا ... سيوف على الْأَعْدَاء لَكِنَّهَا أقضا)
(فَمن مَاتَ مِنْهُم مَاتَ بالذل خاملاً ... وأحياؤهم مِنْهَا قُلُوبهم مرضى)
(لَك الْحسب الزاكي الخطير الَّذِي لَهُ ... عوارف أضحى الْعرض مِنْك بهَا رحضا)
(فَكل لِسَان شَاكر لَك ناشر ... ثَنَاء على طول المدى نضراً غضا)
قلت شعر يُقَارب التَّوَسُّط توفّي سنة أَربع وَسبعين وَخمْس ماية
3 - (أَبُو الْفرج ابْن نَبهَان مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن ابرهيم بن نَبهَان الْكَاتِب أَبُو)
الْفرج ابْن أبي المظفر ابْن أبي عَليّ الشَّاعِر من أهل الكرخ من أَوْلَاد الرؤساء الْمُحدثين قَالَ ابْن النجار كَانَ أحد الشُّعَرَاء بديوان الْخلَافَة ينشد فِي التهاني والتعازي وَسمع من جده أبي عَليّ وَمن أبي الْقسم ابْن بَيَان وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وَخمْس ماية وَمن شعره
(تركت القريض لمن قَالَه ... وجود فلَان وأفضاله)(2/72)
(وتبت من الشّعْر لما رَأَيْت ... كساد القريض وأهماله)
(وعدت إِلَى منزلي واثقاً ... بِرَبّ يرى الْخلق سُؤَاله)
(فنجل ابْن نَبهَان يَرْجُو الأله ... يمحص عَنهُ الَّذِي قَالَه)
(من الْكَذِب فِي نظمه للقريض ... فربي كريم لمن ساله)
قلت شعر متوسط
3 - (المقرىء الْوَكِيل مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد المقرىء الْوَكِيل)
كَانَ وَكيلا بَين يَدي الْقُضَاة ووالده أعمى يقْرَأ بَين يَدي الوعاظ توفّي سنة أحدى وَتِسْعين وَخمْس ماية وَمن شعره
(يَا زَمنا قد مضى لنا بمنى ... هَل لَك من عودة فتجمعنا)
)
(وياليالي بطن العقيق أَلا ... عودي على مدنف حَلِيف ضني)
(يحن شوقاً إِلَى الْحجاز وَقد ... كَانَت مغاني اللوى لَهُ وطنا)
(يَا سايق العيس نَحْو كاظمة ... رفقا بصب فُؤَاده ظعنا)
(يبكي على طيب عيشة سلفت ... برامة والرقيب مَا فطنا)
قلت شعر عذب منسجم لكنه بِلَا غوص
3 - (علم الدّين المغربي شَارِح الشاطبية والمفصل مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمُوفق بن جَعْفَر أَبُو الْقسم)
علم الدّين الأندلسي المرسي اللورقي مولده سنة خمس وَسبعين وَخمْس ماية سمع من عبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَأبي الْيمن الْكِنْدِيّ وَغَيرهمَا وأشتغل بِالْقُرْآنِ والعربية وبرع فِي ذَلِك وَشرح الْمفصل ومقدمة الْجُزُولِيّ والشاطبية وَكَانَ أماما عَالما أحد الْمَشَايِخ الْفُضَلَاء الصلحاء يجمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ يُسمى الْقسم أَيْضا توفّي فِي شهر رَجَب سنة أحدى وَسِتِّينَ وست ماية وَدفن بمقابر بَاب توما بِدِمَشْق قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَقَرَأَ بِمصْر على أبي الْجُود وبالغرب على الْحصار والمرادي المرسي وأجتمع بالجزولي وَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة فِي مقدمته وَسمع بحلب من الأفتخار الْهَاشِمِي وَقَرَأَ سِيبَوَيْهٍ على الْكِنْدِيّ وكمله وَقَرَأَ ببغداذ على أبي الْبَقَاء وَقَرَأَ الْأَصْلَيْنِ وَالْحكمَة وَكَانَ خَبِيرا بِهَذِهِ الْعُلُوم مَقْصُودا بهَا ولي مشيخة التربة العادلية وَكَانَ مليح الشكل حسن البزة عزم على الرحلة إِلَى الْأَمَام فَخر الدّين فَبَلغهُ مَوته وَكَأن لَهُ خلقَة اشغال وَهُوَ كَانَ الحكم بَين أبي شامة وَالشَّمْس أبي الْفَتْح فِي أَيهمَا أولى بمشيخة التربة الصالحية والقصة مَعْرُوفَة فرجح أَبَا الْفَتْح وَقَالَ عَن أبي الْفَتْح هَذَا يدْرِي القراآت وَعَن أبي شامة هَذَا أَمَام فَوَقَعت الْعِنَايَة بِأبي الْفَتْح(2/73)
3 - (عز الدّين ابْن العجمي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم عز الدّين)
أَبُو عبد الله الْحلَبِي الأَصْل الْمَعْرُوف بِابْن العجمي ابْن كَمَال الدّين لما توفّي وَالِده رتب وَلَده عز الدّين الْمَذْكُور مَكَانَهُ فِي كِتَابَة الأنشاء وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَة ومثابرة على قَضَاء حوايج النَّاس وَكَانَ عَارِفًا بالفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي مشاركا فِي الْعُلُوم درس بعدة مدارس بِالْقَاهِرَةِ وَغَيرهَا وصنف وَله نظم كثير فَمِنْهُ
(حكم الغرام وَحكمه مَقْبُول ... أَنِّي بِسيف لحاظه مقتول)
)
(فعلام يُنكر مَا جنت الحاظه ... وَدمِي على وجناته مطلول)
(غُصْن وَبدر قده ورضا بِهِ ... ذَا عاسل يثنى وَذَا معسول)
(لَا غرو أَن أضحى القوام مثقفاً ... فسنانه من جفْنه مسلول)
(حل أصطباري عقد مبسمه وَمَا ... عقد الوداد لوده محلول)
وَمِنْه لغز فِي عقرب
(وَمَا أسم رباعي إِذا مَا عددته ... ترَاهُ بِلَا شكّ يزِيد على عشر)
(لَهُ منزل أَن شِئْت فِي أبرج السما ... ومنزله فِي الأَرْض باد لذِي حجر)
(ومعكوسه ستر إِذا مَا رفعته ... رَأَيْت جمالاً جلّ باريه كالبدر)
(وَتَصْحِيفه أرجوه من خَالق الورى ... يمن بِهِ قولا إِذا خفت من وزري)
وَمِنْه
(اتراه يدْرِي فِي الْهوى ولهي بِهِ ... أم عِنْده خبر الجوى ولهيبه)
(أم هَل ترى النَّوَى لمقاطع ... مَا زَالَ يُوصل دمعه نجيبه)
(عجبا لَهُ عذبت بِفِيهِ مشارب ... وَغدا بهَا سَببا إِلَى تعذيبه)
(فنحيبه لحبيبه وسراره ... لرقيبه وسقامه لطبيبه)
قلت هُوَ نظم منحط توفّي سنة ثلث وَسبعين وست ماية
3 - (أَبُو زيد الْكشِّي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو زيد الْكشِّي)
من بِلَاد التّرْك قدم بغداذ طَالب الْحَج بعد الْخمسين وَخمْس ماية وروى بهَا شَيْئا من شعره وَذكره الخطيري فِي زِينَة الدَّهْر وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(دنياك يَا صَاح دَار دَاره ... توقها فَهِيَ عَار عاره)
(لعادميها عناء عدم ... وللمصيبين غَار غاره)
وَقَالَ أَنْشدني لَهُ
(لَا يخدعنك يَوْمًا مادح بعلي ... وَحسن سمت وَأَنت النَّازِل النازي)(2/74)
(فقابل الْمَدْح زوراً عرضه عرض ... لنا فذات سِهَام الهازل الهاري)
وَقَالَ أَنْشدني لَهُ
(تلاقي إِذا مَا تلاقي عيَانًا ... مَعَاني الْمعَانِي وظرف الظرافه)
)
(فمرآه فِي الْجد والهزل غنم ... وملقاه أَن لِأَن أَو فظ رافه)
3 - (ابْن مَنْظُور الزَّاهِد الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْظُور الْأَمَام الزَّاهِد أَبُو عبد الله الْكِنَانِي)
الْمصْرِيّ الْعَسْقَلَانِي شيخ صَالح عَارِف لَهُ مريدون وَأَتْبَاع وزاوية بالمقس حدث عَن أبي الْفتُوح الجلاجلي وروى عَنهُ الدمياطي والدواداري وَكَانَ فَقِيها فَاضلا وَله جدة وَصدقَة توفّي سنة سِتّ وَسبعين وست ماية
3 - (أَبُو عبد الله الزُّهْرِيّ شَارِح المقامات مُحَمَّد بن أَحْمد بن سليمن ابْن أَحْمد بن ابرهيم أَبُو عبد)
الله الزُّهْرِيّ ولد بمالقة من الأندلس وَطَاف الأندلس وَحصل طرفا صَالحا من الْأَدَب ثمَّ أَتَى مصر وَسمع بهَا الحَدِيث من جمَاعَة وَدخل الشَّام وبلاد الجزيرة وَسمع بهَا وَلَقي الْفُضَلَاء ثمَّ أَتَى بغداذ وَسمع من أبي الْفرج ابْن كُلَيْب وذاكر الْخفاف وَابْن بوش وَقَرَأَ الْكتب الْكِبَار وَنسخ بِخَطِّهِ وَتوجه إِلَى أَصْبَهَان وَسمع بهَا من أبي جَعْفَر الصيدلاني وَغَيره ثمَّ خرج إِلَى بِلَاد الْجَبَل وَسكن الكرج ثمَّ أنتقل إِلَى بروجرد وَأقَام بهَا يقرىء الْأَدَب إِلَى حِين وَفَاته قَتِيلا بيد التتار سنة سبع عشرَة وست ماية أجتمع بِهِ ابْن النجار فِي أَصْبَهَان وصادقه وَكتب عَنهُ أَحَادِيث وأناشيد صنف كتاب الْبَيَان والتبيين فِي أَنْسَاب الْمُحدثين سِتَّة أَجزَاء وَالْبَيَان فِيمَا أبهم من الْأَسْمَاء فِي الْقُرْآن مجلدة وأقسام البلاغة وَأَحْكَام الفصاحة جزآن وَشرح الأيضاح فِي النَّحْو فِي خَمْسَة عشر جُزْءا وَشرح المقامات الحريرية وَشرح اليميني للغتبي فِي مجلدة وَله لغز فِي اسْم صارم
(اسْم من رِيقه مذوف براح ... وصف ألحاظه المراض الصِّحَاح)
(بعد قلب لَهُ وتصحيف حرف ... مِنْهُ فأكشفه يَا أَخا الألتماح)
(وأطلب الشّعْر فَهُوَ فِيهِ مُسَمّى ... غير أَن البليد لَيْسَ بصاح)
ابْن رَافع الشافعيّ محمّد بن أَحْمد بن عبد الله بن رَافع أَبُو عبد الله الْفَقِيه الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي قَالَ ابْن النجار قدم بغداذ وَأقَام بهَا ودرس الْفِقْه وَكَانَ أديباً شَاعِرًا مدح ببغداذ أَبَا الْمَعَالِي ابْن الدوامي وَكَانَ حِينَئِذٍ حَاجِب الْحجاب بعدة قصايد وَكَانَ شَابًّا حسن الطَّرِيقَة متدينا وَمن شعره
(ألف الصدود فَمَا يرق لما بِي ... رشأ نعيمي فِي هَوَاهُ عَذَابي)(2/75)
)
(ساجي اللحاظ كَأَنَّمَا وجناته ... ورد إِذا أستخجلته بعتاب)
(متأود الأعطاف يسفر عَن سنا ... صبح ويبسم عَن نظيم حباب)
(يرنو فيختطف النُّفُوس كَأَنَّمَا ... فِي جفن مقلته لُيُوث الغاب)
قلت شعر متوسط
3 - (أَبُو الفضايل ابْن طوق الْموصِلِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي ابْن الْحسن بن مُحَمَّد بن)
عبيد الله بن طوق بن سَلام بن مُخْتَار بن سليمن الخيراني أَبُو الفضايل الربعِي من أهل الْموصل من أَوْلَاد الْمُحدثين قَالَ ابْن النجار قدم بغداذ واستوطنها إِلَى أَن توفّي تفقه على أبي اسحق الشِّيرَازِيّ وَسمع أَبَا طَالب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غيلَان وَأَبا مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأَبا اسحق ابرهيم الْبَرْمَكِي والقاضيين أَبَا الطّيب طَاهِر الطَّبَرِيّ وَأَبا الْقسم عَليّ بن المحسن التنوخي وَغَيرهم وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير وَكَانَ يكْتب خطا عجيباً روى عَنهُ أَبُو المظفر ابْن الصّباغ وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن الزَّاغُونِيّ وَأَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي وَأَبُو عبد الله كثير بن الْحُسَيْن شماليق الْوَكِيل وَأَبُو نصر أَحْمد بت مُحَمَّد الحديثي وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو مَنْصُور النَّرْسِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي بن أَحْمد بن ابرهيم بن عَليّ بن أبي سعد)
النَّرْسِي أَبُو مَنْصُور من بَيت الْقَضَاء وَالْعَدَالَة وَالرِّوَايَة سمع جده أَبَا البركات عبد الْبَاقِي وأبوى الْقسم هبة الله بن أَحْمد الحريري واسمعيل ابْن أَحْمد الفارقي وَأَبا البركات يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حُبَيْش الفارقي وَغَيرهم قَالَ ابْن النجار سمع مِنْهُ رفقاؤنا توفّي سنة ثلث وَتِسْعين وَخمْس ماية المشطب الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْجَبَّار أَبُو المظفر الْحَنَفِيّ من أهل سمنان وَيعرف بالمشطب رَحل إِلَى مرو وتفقه على أبي الْفضل الْكرْمَانِي وجال فِي بِلَاد خُرَاسَان وَدخل بغداذ وأستوطنها وَولي تدريس مدرسة زيرك بسوق العميد وَحدث عَن أبي عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الفرخان السمناني وَأبي الْمَعَالِي جَعْفَر بن حيدر الْعلوِي وَأبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن حَفْص الْحلْوانِي وَأبي طَاهِر مُحَمَّد بن أبي بكر السبخي وَأبي نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن رَجَب السَّمرقَنْدِي وَأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشجاعي وَغَيرهم وَسمع مِنْهُ عمر بن عَليّ الْقرشِي وَأَبُو الْقسم ابْن الْحداد بإصبهان ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع ماية وَتُوفِّي سنة)
ثلث وَسبعين وَخمْس ماية
3 - (ابْن طومار مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الصَّمد بن صَالح بن عَليّ ابْن الْمهْدي بِاللَّه أَبُو(2/76)
عبد الله)
الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بِابْن طومار ولي نقابة العباسيين والطالبيين جَمِيعًا أَيَّام المقتدر وَكَانَ يعرف الْأَنْسَاب معرفَة حَسَنَة ذكر ذَلِك أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني توفّي سنة عشْرين وَثلث ماية وَله سَبْعُونَ سنة
3 - (ابْن صداع المقرىء مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك بن الْحسن ابْن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ)
بن يزِيد بن هرون الأشكري أَبُو بكر البواري المقرىء الْمَعْرُوف بِابْن صداع سمع أَبَا الْحُسَيْن بن بَشرَان وَأَبا الْحسن على الحمامي المقرىء وَقَرَأَ عَلَيْهِ بالروايات ودرس الْفِقْه على مَذْهَب ابْن حَنْبَل وَحدث باليسير وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية
3 - (ابْن عَطِيَّة الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَطِيَّة الشَّاعِر)
قَالَ ابْن النجار قَرَأت بِخَطِّهِ قصيدة مدح بهَا الْأَمَام المقتفي لأمر الله أَولهَا
(طرف الْكَرِيم عَن الغلياء لم ينم ... حَتَّى ينَال مراما قطّ لم يرم)
(ويقتفي بالندى أثر الْعلي طلبا ... وعزمه مثل غرب الصارم الخدم)
(علما بِأَن الْمَعَالِي من يفوز بهَا ... فِي الْخلق لَا تعتليه سُورَة النَّدَم)
(نيل السِّيَادَة أَقسَام فَمن ظَفرت ... يَدَاهُ مِنْهَا بِحَبل غير منفصم)
(فَهُوَ الَّذِي قدحه الْأَعْلَى وهمته ... تسمو إِذا صدرت عَن جد معتصم)
(عَليّ أَدْرَاك مَا حاولته فَإِذا ... حرمت مَا رمت بعد السَّعْي لم ألم)
(مَا ذَنْب من تعكس الأقدار مقْصده ... وَعكس مقْصده من أعظم النقم)
قلت شعر متوسط وفوله عَليّ أَدْرَاك مَا حاولته غير مُسْتَقِيم فَإِن الأنسان مَا عَلَيْهِ إِلَّا الطّلب وَالسَّعْي لَا غير والأدراك على مَقْدُور الله تَعَالَى لَهُ كَمَا قَالَ القايل
(وَعلي أَن أسعى ولي ... س عَليّ أَدْرَاك النجاح)
وَقَول الآخر
(وَمَا عَليّ إِذا مَا لم أنل غرضي ... إِذا رميت وسهمي فِيهِ تسديد)
وَقَول الآخر
(وَعلي أَن أَشْكُو الْهوى ... وَعَلَيْك أَن لَا تسمعي)
)
3 - (وَهَذَا مَشْهُور متداول وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي الْبَحْث والشاعر نَفسه نَاقض كَلَامه بِآخِرهِ فِي الْبَيْت)
ابْن الْأُخوة مُحَمَّد بن احْمَد بن عَليّ بن عبد الْغفار أَبُو الغنايم البيع الْمَعْرُوف بِابْن الْأُخوة سبط أبي عَليّ بن الشبل الشَّاعِر من أهل الْحَرِيم الطاهري كَانَ أديبا حدث عَن أبي الْقسم ابْن البسري بِيَسِير وروى عَن جده شَيْئا من شعره
3 - (الحمامي الجورتاني مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبد الْملك(2/77)
الحمامي)
الجورتاني أَبُو عبد الله الْحَنْبَلِيّ الأديب من أهل أَصْبَهَان وجورتان قَرْيَة من قراها يعرف بالمصلح كَانَ فَاضلا كَامِل الْمعرفَة بالأدب وَأكْثر أدباء أَصْبَهَان تلامذته قدم بغداذ وَكَانَ متدينا حسن الطَّرِيقَة قَالَ ابْن النجار حدث باليسير عَن أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحداد وروى لنا عَنهُ أَحْمد بن الْبَنْدَنِيجِيّ وَأَبُو الْبَدْر سعيد بن الْمُبَارك بن الْحمال ويوسف بن سعيد المقريء توفّي سنة تسعين وَخمْس ماية
3 - (ابْن أمسينا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ أَبُو الْبَدْر ابْن أبي الْعَبَّاس)
الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن أمسينا من وَاسِط خدم مَعَ الْأُمَرَاء وأختص بِخِدْمَة الْأَمِير طغرل صَاحب الْبَصْرَة وترقت بِهِ الْحَال إِلَى أَن ولي النّظر فِي ديوَان الزِّمَام وَبَقِي مُدَّة طَوِيلَة إِلَى أَن عزل الْوَزير نَاصِر ابْن مهْدي الْعلوِي عَن الوزارة سنة أَربع وست ماية فَركب إِلَى الدِّيوَان وناب فِي الوزارة وَجلسَ مجْلِس الوزارة وأسكن دَار الوزارة مُقَابل بَاب الشريف النوبي وَكَانَ كَاتبا سديدا مليح الْخط حسن السِّيرَة مَحْمُود الطَّرِيقَة الْغَالِب عَلَيْهِ السّكُون وَكَانَ يتشيع وعزل عَن ولَايَته سنة سِتّ وست ماية وأعتقل بدار الْخلَافَة ومولده سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس ماية
3 - (أَبُو عبد الله النابلسي مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي من ولد مُحَمَّد الديباج)
وَهُوَ من أهل نابلس وَأَصله من مَكَّة ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية ببيروت وَسمع الحَدِيث وجاور بِمَكَّة وَتَوَلَّى عمَارَة الْحرم وَقدم بغداذ وَجلسَ للوعظ بِجَامِع الْخَلِيفَة ودرس بالنظامية وَكَانَ لَهُ عِنْد الْخَلِيفَة وَالنَّاس حُرْمَة وجاه لصيانته وعفته ولزومه مَسْجده توفّي بِبَغْدَاد فِي صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَخمْس ماية وَقيل تسع وَعشْرين
3 - (القَاضِي أَبُو طَاهِر الْكَرْخِي مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو طَاهِر الْكَرْخِي)
ولي قَضَاء وَاسِط وَبَاب الأزج وحريم دَار الْخلَافَة وَولي لخمسة من الْخُلَفَاء المستظهر)
والمسترشد والراشد والمقتفي والمستنجد وَهُوَ الَّذِي حكم بِفَسْخ ولَايَة الراشد توفّي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس ماية
3 - (أَبُو نصر الْأَوَانِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مَحْمُود بن أبي عبد الله بن عَليّ بن مَحْمُود)
الفروخي أَبُو نصر الْكَاتِب الْأَوَانِي كَانَ كَاتبا على أَعمال السوَاد من قبل الْوَزير ابْن هُبَيْرَة وَكَانَ شَيخا فَاضلا نبيلاً أديباً نبيها حاذقاً صنف عدَّة رسايل مِنْهَا رِسَالَة فِي الرّبيع وَتُوفِّي سنة سبع وَخمسين وَخمْس ماية من شعره
(مَا لعين جنت على الْقلب ذَنْب ... إِنَّمَا يُرْسل اللحاظ الْقلب)
(والهوى قايد الْقُلُوب فَإِن س ... لط جَيش الغرام فالقلب نهب)(2/78)
(أحيوة بعد التَّفَرُّق يَا قل ... ب فَأَيْنَ الْهوى وَأَيْنَ الْحبّ)
(كَانَ دَعْوَى ذَاك التأوه للبي ... ن وَلم ينصدع لشملك شعب)
(أَن موت العشاق من ألم الفر ... قة فِي الْحبّ سنة تسْتَحب)
(وعلاج الْهوى عَذَاب المحبي ... ن وَلكنه عَذَاب عذب)
وَمِنْه
(يَا رب عفوك أنني فِي معشر ... لَا أَبْتَغِي مِنْهُم سواك ملاذا)
(هَذَا ينافق ذَا وَذَا يغتاب ذَا ... ويسب ذَا هَذَا ويشتم ذَا ذَا)
وَمِنْه قَوْله
(قَالَت وَقد عَايَنت حمرَة كفها ... لَا تعتباً فالعهد غير مضيع)
(مَا أَن تَعَمّدت الخضاب وَإِنَّمَا ... زفرات حبك أوقدت فِي أضلعي)
(فَبَكَيْت من شوقي دَمًا فمسحته ... بأناملي فتخضبت من أدمعي)
قلت شعر جيد
3 - (ابْن الْفضل البغداذي مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد بن الْفضل أَبُو بكر الْكَاتِب)
أديب شَاعِر بغداذي قدم دمشق ومدح بهَا الْأَفْضَل ابْن أَمِير الجيوش بقصيدة أَولهَا
(أَعلَى الْكَثِيب عرفت رسم الْمنزل ... وملاعب الظبي الغرير الأكحل)
(يَا حبذا طلل الْجَمِيع وحبذا ... دَار لعمرة باللوى لم تشكل)
)
(أَن الأولى رحلوا شموس محَاسِن ... وخدت بهم خوض الركاب الذلل)
(فسقي دِيَارهمْ سَحَاب صيب ... تهتز فِي ريح الصِّبَا والشمأل)
(يَا صَاحِبي تبصرا من وايل ... هَل بعد رامة واللوى من منزل)
(فَلَقَد عهِدت بجوة من عَامر ... هيفاء تهزأ بالغصون الْميل)
قلت شعر جيد
3 - (المفجع النَّحْوِيّ الْبَصْرِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الْكَاتِب المفجع الْبَصْرِيّ النَّحْوِيّ)
تقدم فِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله فليطلب هُنَاكَ
3 - (الْوَزير ابْن صَدَقَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَدَقَة الْوَزير جلال الدّين أَبُو الرِّضَا)
وزر للراشد بِاللَّه وَكَانَ هُوَ الْمُدبر لأموره وَلما بُويِعَ المقتفي استخدمه فِي غير الوزارة وَكَانَ يرجع إِلَى خير وَدين سمع وروى وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس ماية(2/79)
الْمسند أَبُو الْخَيْر الباغبان مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الْأَصْبَهَانِيّ الْمُقدر أَبُو الْخَيْر الباغبان شيخ مُسْند عالي الأسناد مَشْهُور قَالَ ابْن نقطة كَانَ ثِقَة صَحِيح السماع حدث بِحَضْرَة أبي الْعَلَاء الْحَافِظ وَسمع مِنْهُ مُسْند الشَّافِعِي أشياخنا توفّي سنة تسع وَخمسين وَخمْس ماية
3 - (أَبُو عَامر البلوي السالمي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَامر أَبُو عَامر الْبلوى الطرطوشي السالمي)
من مَدِينَة سَالم سكن مرسية وَكَانَ عَالما أديبا مؤرخاً لغوياً صنف فِي اللُّغَة كتابا مُفِيدا وَله كتاب فِي الطِّبّ سَمَّاهُ الشِّفَاء وَكتاب فِي التشبيهات توفّي سنة تسع وَخمسين وَخمْس ماية ابْن جياء الْكَاتِب مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة بن حَيَاء بِكَسْر الْجِيم أَبُو الْفرج الْكَاتِب الْحلِيّ لم يكن مثله فِي الْعرَاق فِي الترسل وَالْأَدب وَالنّظم الْحسن وَلكنه نَاقص الْحَظ لَهُ ملك يتبلغ مِنْهُ إِلَى أَن مَاتَ فِي الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَخمْس ماية من شعره
(حتام أجري فِي ميادين الْهوى ... لَا سَابِقًا أبدا وَلَا مَسْبُوق)
(مَا هزني طرب إِلَى رمل الْحمى ... إِلَّا تعرض أجرع وعقيق)
(شوق بأطراف الْبِلَاد مفرق ... يحوى شتيت الشمل مِنْهُ فريق)
(ومدامع كفلت بِعَارِض مزنة ... لمعت لَهَا بَين الضلوع بروق)
(وَكَأن جفني بالدموع مُوكل ... وَكَأن قلبِي للجوى مَخْلُوق)
)
(أَن عَادَتْ الْأَيَّام لي بطويلع ... أَو ضمنا والظاعنين طَرِيق)
(لأنبهن على الغرام بزفرتي ... ولتطربن إِمَّا أبث النوق)
وَمن شعر ابْن جياء الْكَاتِب قَوْله
(أما والعيون النجل تصمي نبالها ... ولمع الثنايا كالبروق تخالها)
(ومنعطف الْوَادي تأرج نشره ... وَقد زار فِي جنح الظلام خيالها)
(وَقد كَانَ فِي الهجران مَا يربح الْهوى ... وَلَكِن شَدِيد فِي الطباع أنتقالها)
مِنْهَا فِي الْمَدْح
(أيا ابْن الألى جادوا وَقد بخل الحيا ... وقادوا المذاكي والدماء نعالها)
(ذد الدَّهْر عني من رضاك بعزمة ... معودة أَن لَا يفك رعالها)
وَمِنْه قَوْله
(قل لحادي عشر البروج أبي العا ... شَرّ مِنْهَا رب الْقرَان الثَّانِي)(2/80)
(يَا ابْن شكر أَن ضلة لزمان ... صرت فِيهِ تَدعِي من الْأَعْيَان)
(لَيْسَ طبعي ذمّ الزَّمَان وَلَكِن ... أَنْت أغريتني بذم الزَّمَان)
قلت شعر جيد وَبَينه وَبَين الحريري مراسلات
3 - (ابْن صابر السّلمِيّ الْكَاتِب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن صابر السّلمِيّ الْكَاتِب)
كتب الْمَنْسُوب وتصويره أحسن وَأَعْلَى طبقَة من خطه كَانَ مُغْرِي بِأَن ينْسَخ الْكتاب ويصوره مثل ديوَان أبي نواس رِوَايَة حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ وَمثل فلك الْمعَانِي لِابْنِ الهبارية وَغير ذَلِك ملكت بِخَطِّهِ وتصويره كتاب فلك الْمعَانِي وَذكر فِي آخِره أَنه كتبه وصوره فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَعشْرين وست ماية
3 - (مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي عَليّ مُحَمَّد بن سعيد بن نَبهَان أَبُو الْفرج البغداذي الْكَرْخِي)
توفّي وَله أَربع وَتسْعُونَ سنة وَله شعر مدح بِهِ الرؤساء وَله سَماع
3 - (الخدب النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن طَاهِر أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ الأشبيلي النَّحْوِيّ)
يعرف بالخدب بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة أَخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي الْقسم ابْن الرماك وَغَيره وساد أهل زَمَانه فِي الْعَرَبيَّة ودرس فِي بِلَاد مُخْتَلفَة وَكَانَ قايما على كتاب سِيبَوَيْهٍ وَله عَلَيْهِ تعليقة سَمَّاهَا الطرر لم يسْبق إِلَى مثلهَا وَكَانَ يعاني)
التِّجَارَة أَخذ عَنهُ أَبُو ذَر الخشنى وَأَبُو الْحسن ابْن خروف واقرأ بِمصْر وَحج وَورد حلب وَالْبَصْرَة ثمَّ رَجَعَ وَاخْتَلَطَ عقله فَأَقَامَ ببجاية وَرُبمَا ثاب إِلَيْهِ عقله فَتكلم فِي مسايل أحسن مَا يكون وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وَخمْس ماية
3 - (الْمُفِيد الحيسوب البغداذي مُحَمَّد بن أَحْمد بن دَاوُد الشَّيْخ أَبُو الرِّضَا الْمُؤَدب الحيسوب)
الْمَعْرُوف بالمفيد بغداذي بارع فِي الْحساب لَهُ تصانيف تخرج بِهِ خلق وَسمع من ابْن البطي قَلِيلا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية
3 - (أَبُو الْوَلِيد ابْن رشد الْقُرْطُبِيّ صَاحب الْمَعْقُول مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشد)
أَبُو الْوَلِيد الْقُرْطُبِيّ حفيد الْعَلامَة ابْن رشد الْفَقِيه عرض الْمُوَطَّأ على وَالِده وَأخذ الطِّبّ(2/81)
عَن أبي مرون بن حزبول ودرس الْفِقْه حَتَّى برع وَأَقْبل على علم الْكَلَام والفلسفة وعلوم الأوايل حَتَّى صَار يضْرب بِهِ الْمثل وَمن تصانيفه كتاب التَّحْصِيل جمع فِيهِ أختلاف الْعلمَاء شرح كتاب الْمُقدمَات فِي الْفِقْه لجده نِهَايَة الْمُجْتَهد كتاب الْحَيَوَان الكليات فِي الطِّبّ شرح أرجوزة ابْن سينا فِي الطِّبّ جَوَامِع كتب أرسطو فِي الطبيعيات والألهيات كتاب فِي الْمنطق تَلْخِيص الألهيات لنيقولاوس تَلْخِيص مَا بعد الطبيعة لأرسطو شرح السَّمَاء والعالم لأرسطو تَلْخِيص كتاب الأسطقسات لِجَالِينُوسَ تَلْخِيص كتاب المزاج وَكتاب القوى وَكتاب الْعِلَل وَكتاب التعرف وَكتاب الحميات وَكتاب حِيلَة الْبُرْء وتلخيص كتاب السماع الطبيعي لأرسطو وَله تهافت التهافت رد فِيهِ على الْغَزالِيّ وَكتاب منهاج الْأَدِلَّة فِي الْأُصُول كتاب فصل الْمقَال فِيمَا بَين الشَّرِيعَة وَالْحكمَة من الأتصال شرح كتاب الْقيَاس لأرسطو مقَالَة فِي الْعقل مقَالَة فِي الْقيَاس كتاب الفحص فِي أَمر الْعقل كتاب الفحص عَن مسايل وَقعت فِي الألهيات من الشِّفَاء لِابْنِ سينا مَسْأَلَة فِي الزَّمَان مقَالَة فِيمَا يَعْتَقِدهُ المشاؤون والمتكلمون من أهل ملتنا كتاب فِي كَيْفيَّة وجود الْعَالم مُتَقَارب الْمَعْنى مقَالَة فِي نظر أبي نصر الفارابي فِي الْمنطق وَنظر أرسطو مقَالَة فِي أتصال الْعقل المفارق للأنسان مقَالَة فِي ذَلِك أَيْضا مباحثات بَينه وَبَين أبي بكر ابْن الطُّفَيْل فِي رسمه للدواء مقَالَة فِي وجود الْمَادَّة الأولى مقَالَة فِي الرَّد عَليّ ابْن سينا فِي تقسيمه الموجودات إِلَى مُمكن على الأطلاق وممكن بِذَاتِهِ مقَالَة فِي المزاج مَسْأَلَة فِي نوايب الحمي مسايل فِي الْحِكْمَة مقَالَة فِي حَرَكَة الْفلك مقَالَة فِيمَا خَالف فِيهِ أَبُو نصر لأرسطو فِي كتاب)
الْبُرْهَان مقَالَة فِي الدرياق تَلْخِيص كتاب الْأَخْلَاق لأرسطو تَلْخِيص كتاب الْبُرْهَان ومختصر المستصفي وَكتاب فِي الْعَرَبيَّة وبداية الْمُجْتَهد وَنِهَايَة المقتصد فِي الْفِقْه علل فِيهِ وَوجه لَا يعلم فِي فنه أَنْفَع مِنْهُ وَلَا أحسن مساقا وَقيل أَنه حفظ ديوَان أبي تَمام والمتنبي وَكَانَ يفزع إِلَى فتياه فِي الطِّبّ كَمَا يفزع إِلَى فتياه فِي الْفِقْه مَعَ الْحَظ الوافر من الْعَرَبيَّة وعَلى الْجُمْلَة فَمَا أعلم فِي تَلْخِيص كتب الأقدمين مثله وَولي قَضَاء قرطبة بعد أبي مُحَمَّد ابْن مغيث وحمدت سيرته وَعظم قدره وأمتحن آخر عمره أمتحنه السُّلْطَان يَعْقُوب وأهانه ثمَّ أكْرمه ثمَّ أَنه مَاتَ فِي حبس دَاره لما شنع عَلَيْهِ من سوء الْمقَالة والميل إِلَى عُلُوم الأوايل توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس ماية
3 - (مؤيد الدّين التكريتي مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الأديب مؤيد الدّين التكريتي أَبُو البركات)
الشَّاعِر توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخمْس ماية لما انْتقل وجيه الدّين الْأَعْمَى ابْن الدهان من مَذْهَب الْحَنَفِيّ إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ قبل أَن يتحنف حنبليا نظم فِيهِ مؤيد الدّين الْمَذْكُور
(تمذهبت للنعمان بعد ابْن حَنْبَل ... وَذَلِكَ لما أعوزتك المآكل)(2/82)
(وَمَا أخترت رأى الشَّافِعِي تديناً ... ولكنما تهوى الَّذِي هُوَ حَاصِل)
(وَعَما قَلِيل أَنْت لَا شكّ صاير ... إِلَى مَالك فأفطن لما أَنْت قايل)
3 - (الْمسند المنداءي مُحَمَّد بن أَحْمد بن بختيار بن عَليّ بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْفَتْح ابْن القَاضِي)
أبي الْعَبَّاس المنداءي الوَاسِطِيّ مُسْند الْعرَاق سمع الْكثير وروى وَكَانَ جيد السماع صَحِيح الْأُصُول وَهُوَ آخر من حدث بِمُسْنَد أَحْمد كَامِلا توفّي سنة خمس وست ماية
3 - (أَبُو عمر الْمَقْدِسِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة بن مِقْدَام ابْن نصر الْأَمَام الزَّاهِد أَبُو)
عمر الْمَقْدِسِي الجماعيلي سمع الْكثير وروى وَكَانَ يحفظ الْخرقِيّ ويكتبه من حفظه وَيعرف الفرايض والنحو مَعَ الزّهْد الْعَظِيم وَالْعِبَادَة وَالصِّيَام وَالصَّدَََقَة بِبَعْض ثِيَابه كتب الْكثير بِخَطِّهِ الْمليح من الْمَصَاحِف والحلية لأبي نعيم والأبانة لِابْنِ بطة وَتَفْسِير الْبَغَوِيّ وَالْمُغني لِأَخِيهِ كتب رقْعَة إِلَى الْمُعظم عِيسَى فَقيل لَهُ تكْتب هَذَا والمعظم على الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الله تَعَالَى فَرمى الورقة من يَده وَقَالَ)
تأملوها فَإِذا هِيَ بِكَسْر الظَّاء وَهُوَ جد شيخ الْجَبَل وَله شعر توفّي سنة سبع وست ماية ابْن الْيَتِيم المغربي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ الأندلسي الْمَعْرُوف بِابْن الْيَتِيم وبابن البلنسي وبالأندرشي من أهل المرية رَحل وَسمع بالأسكندرية والقاهرة وبغداذ والموصل ودمشق قَالَ ابْن مسدي لم يكن سليما من التَّرْكِيب حَتَّى كثرت سقطاته وتتبع عثراته أَبُو الرّبيع ابْن سَالم توفّي سنة أحدى وَعشْرين وست ماية
3 - (ابْن صَاحب الصَّلَاة المقرىء مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَسْعُود بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الله)
الْأَزْدِيّ الشاطبي المقرىء الْمَعْرُوف بِابْن صَاحب الصَّلَاة كتب بِخَطِّهِ علما كثيرا قَرَأَ بِرِوَايَة نَافِع عَليّ أبي الْحسن بن هُذَيْل وَسمع مِنْهُ كثيرا من تصانيف أبي عَمْرو الداني توفّي سنة خمس وَعشْرين وست ماية
3 - (ابْن حبون الشَّاعِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن حبون بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة أَبُو بكر)
الْمعَافِرِي المرسي الشَّاعِر اقْرَأ الْعَرَبيَّة وَكَانَ لَهُ حَظّ من الشّعْر توفّي سنة سبع وَعشْرين وست ماية
3 - (القادسي الكتبي المورخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو عبد الله القادسي الكتبي)
صَاحب التَّارِيخ كَانَ فَاضلا لَهُ اعتناء بالتواريخ والحوادث توفّي ببغداذ سنة أثنتين وثلثين وست ماية(2/83)
3 - (أَبُو الْفَتْح ابْن أَشْرَس النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَشْرَس)
أَبُو الْفَتْح النَّحْوِيّ من أهل نيسابور كَانَ من تلاميذ أبي بكر مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْخَوَارِزْمِيّ قدم بغداذ وَقَرَأَ بهَا الْأَدَب على جمَاعَة من أَصْحَاب أبي عَليّ الْفَارِسِي كعلي بن عِيسَى الربعِي وَأبي الْحسن السمسمي وسكنها إِلَى حِين وَفَاته سنة أحدى وَعشْرين وَأَرْبع ماية وَقَرَأَ النَّاس عَلَيْهِ الْأَدَب وَأخذُوا عَنهُ وروى شيءا من شعره الصاحب ابْن عباد عَنهُ وَكتب عَنهُ عَليّ بن الْحسن بن الصَّقْر الذهلي وَذكره فِي مُعْجم شُيُوخه وَأورد لَهُ ابْن النجار قَوْله
(كَأَنَّمَا الأغصان لما علا ... فروعها قطر الندى ثرا)
(ولاحت الشَّمْس عَلَيْهَا ضحى ... زبرجد قد أثمر الدرا)
قَالَ الباخرزي نقد الْحَاكِم أَبُو سعد على بَيته قَوْله قد أثمر الدرا لَا يَسْتَقِيم فِي النَّحْو لِأَنَّهُ لَا)
يُقَال قد أثمرت النَّخْلَة الثَّمر إِنَّمَا يُقَال قد أثمرت ثمرا بِغَيْر الْألف وَاللَّام بِمَعْنى أثمرت بالثمر وَمن شعره أَيْضا مَا ذكره ياقوت فِي مُعْجم الأدباء
(رب غُلَام صَار فِي ... بَغْدَاد أحدى الْفِتَن)
(رقعت خرق ظَهره ... برقعة من بدني)
قَالَ الْحَاكِم فِي هذبن الْبَيْتَيْنِ خلل لِأَنَّهُ يُمكن أَن يُفَسر على وَجه قَبِيح لِأَن لحيته أَيْضا من بدنه قَالَ القَاضِي البحاثي فَقلت لَهُ وَهَذَا التَّفْسِير أشبه لِأَن اللِّحْيَة أشبه بالرقعة من الْفِعْل قَالَ نعم لِأَن اللِّحْيَة ترفع وَذَاكَ يمزق قلت أحسن من هَذَا قَول ابْن رَشِيق
(وَلَو تراني فَوْقه ألوطه ... أفتقه كأنني أخيطه)
3 - (أَبُو مَرْوَان قَاضِي الْجَمَاعَة بأشبيلية مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك ابْن أَحْمد بن عبد الله)
الْبَاجِيّ القَاضِي أَبُو مرون اللَّخْمِيّ الأشبيلي الأندلسي قَاضِي الْجَمَاعَة بإشبيلية رَحل لِلْحَجِّ وَدخل دمشق من مرسى عكاً وَسمع وَحج وَعَاد إِلَى مصر وَتُوفِّي بهَا سنة خمس وثلثين وست ماية تَاج الدّين أَمَام الكلاسة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْأَمَام الْمُحدث تَاج الدّين أَبُو الْحسن ابْن أبي جَعْفَر الْقُرْطُبِيّ أَمَام الكلاسة وَابْن أمامها روى الْكثير وسافر فِي شبيبته إِلَى الْهِنْد واليمن توفّي سنة ثلث وَأَرْبَعين وست ماية
3 - (شمس الدّين أَمَام الكلاسة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن سياوش)
الشَّيْخ الْأَمَام المقرىء الْفَقِيه الصَّالح بَقِيَّة السّلف شمس الدّين أَبُو عبد الله الخلاطي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الصُّوفِي(2/84)
أَمَام الكلاسة وَابْن أمامها كَانَ دينا خيرا وقوراً حسن الشكل طيب الصَّوْت إِلَى الْغَايَة جيد الْمُشَاركَة فِي القراآت وَالْفِقْه مليح الْكِتَابَة خطب بِجَامِع دمشق ولي بعد الشَّيْخ شرف الدّين وَتُوفِّي رَحمَه الله فَجْأَة بعد سنة سنة سِتّ وَسبع ماية عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة وَولي بعده الخطابة جلال الدّين الْقزْوِينِي
3 - (أَبُو شُجَاع الوَاسِطِيّ ابْن دواس القنا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن عَليّ الْعَنْبَري)
الْمَعْرُوف بِابْن دواس القنا أَبُو شُجَاع ابْن أبي الْعَبَّاس الشَّاعِر من وَاسِط كَانَ أُسَمِّهِ مُقَاتِلًا فَعَيَّرَهُ بِمُحَمد قدم بَغْدَاد وَقَرَأَ بهَا الْأَدَب على كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن الْأَنْبَارِي وَعلي أبي الْفرج ابْن الدّباغ وَقَرَأَ اللُّغَة على أبي الْحسن ابْن العصار ولازم مُصدق بن شبيب النَّحْوِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ)
كثيرا من دواوين الشُّعَرَاء ومدح الْأَمَام النَّاصِر وأرباب دولته وَأثبت أُسَمِّهِ فِي جملَة الشُّعَرَاء الَّذين ينشدون فِي التهاني والتعازي قَالَ ابْن النجار كنت أجتمع بِهِ كثيرا فِي سوق الْكتب بِبَاب بدر وعلقت عَنهُ من شعره وَشعر غَيره وَكَانَ أديبا فَاضلا حسن الْمعرفَة بالأدب يَقُول الشّعْر الْجيد مليح المحاضرة طيب النشوار حفظَة للحكايات والأشعار جميل الْأَخْلَاق أورد لَهُ من شعره
(لاموا على ترك مديحي لَهُ ... فَلم أكن مُسْتَدْرك الفارط)
(وَقلت خلوني على مَا أرى ... فَمَا يَلِيق الْمَدْح بالحايط)
ولد سنة أَربع وَخمسين وَخمْس ماية وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وست ماية
3 - (أَبُو الطّيب الْأَسدي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن بَحر)
أَبُو الطّيب الْأَسدي أورد لَهُ ابْن النجار قَوْله
(لَا وشوقي إِلَيْكُم وأنعطافي ... وأحتشامي من غَيْركُمْ وأنصرافي)
(مَا تبينت للحياة وجودا ... ونعيماً مذ غَابَ وَجه التصافي)
(ولعمري أَن الْمَمَات ملح ... بِي فِي هِجْرَة الملاح الظراف)
(أَن قلباً يبْقى ثلثة أيا ... م على هجر من يحب لجاف)
3 - (اللبلى الْفَقِيه مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَلِيل بن أسمعيل أَبُو عَمْرو السكونِي)
اللبلي بلام بعد أَدَاة التَّعْرِيف مَفْتُوحَة وباء مُوَحدَة سَاكِنة وَلَام قبل يَاء النّسَب من بَيت علم وجلالة روى عَن أَبِيه وأعمامه وَأبي بكر ابْن الْجد وَكَانَ من جلة الْعلمَاء لَهُ تصانيف فِي الْفِقْه ولي الْقَضَاء بمواضع توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وست ماية
3 - (معِين الدّين ابْن القيسراني مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر ابْن صَغِير)(2/85)
معِين الدّين أَبُو بكر ابْن القيسراني قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَالِد شَيخنَا الصاحب فتح الدّين عبد الله روى عَن أبي مُحَمَّد ابْن علوان الْأَسدي وَغَيره توفّي هُوَ وَابْن عَمه عز الدّين بِدِمَشْق فِي سنة سِتّ وَخمسين وست ماية روى عَنهُ الدمياطي
3 - (ابْن القَاضِي الْأَشْرَف ابْن الْفَاضِل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الرئيس عز الدّين أَبُو عبد)
الله ابْن القَاضِي الْأَشْرَاف ابْن القَاضِي الْفَاضِل سمع بإفادة أَبِيه وبنفسه الْكثير وَخرج على الشُّيُوخ وَكتب الْكثير توفّي بِدِمَشْق سنّ سبع)
وَخمسين وست ماية
3 - (وَالِد قطب الدّين اليونيني مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن عِيسَى بن أبي الرِّجَال أَحْمد بن)
عَليّ الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو عبد الله اليونيني الْحَافِظ الْحَنْبَلِيّ ذكره وَلَده الشَّيْخ قطب الدّين فِي تَارِيخه وَرفع نسبه إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ولد فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين بيونين وَلبس الْخِرْقَة من الشَّيْخ عبد الله البطايحي صَاحب الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَلزِمَ الشَّيْخ الْمُوفق وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمَذْهَب وعَلى الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الحَدِيث وَسمع مِنْهُمَا وَمن أبي طَاهِر الخشوعي وحنبل الْكِنْدِيّ وَأبي التَّمام القلانسي وَجَمَاعَة وروى الْكثير بِدِمَشْق وبعلبك وَكَانَ وَالِده مرخما ببعلبك وروى عَنهُ أَوْلَاده أَبُو الْحُسَيْن وَأَبُو الْخَيْر وَفَاطِمَة وآمنة وَأمة الرَّحِيم وَأَبُو عبد الله ابْن أبي الْفَتْح ومُوسَى بن عبد الْعَزِيز وَجَمَاعَة وَكَانَ يُكَرر على الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين تَرْجَمته فِي ثلث قوايم وَأما وَلَده قطب الدّين فَإِنَّهُ ذكرهَا مُطَوَّلَة فِي كراسين قطع الْبَلَدِي كَامِلا توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وست ماية وَسَيَأْتِي ذكر وَلَده شرف الدّين عَليّ ابْن سيد النَّاس جد فتح الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن يحيى بن سيد النَّاس الْحَافِظ الْخَطِيب أَبُو بكر الْيَعْمرِي الأندلسي الأشبيلي جد الشَّيْخ فتح الدّين الْمُقدم ذكره ولد فِي صفر سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس ماية وَسمع الحَدِيث وعني بِهَذَا الشَّأْن وَأكْثر مِنْهُ وَحصل الْأُصُول والكتب النفيسة وَحدث وصنف وَجمع ذكره عز الدّين الشريف فِي الوفيات قَالَ وَبِه ختم هَذَا الشَّأْن بالمغرب ولي مِنْهُ أجازة كتبهَا إِلَى من تونس وَبهَا توفّي فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة تسع وَخمسين وست ماية انْتهى وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين توفّي أَبوهُ سنة ثَمَان عشرَة رَأَيْت لَهُ كتاب جَوَاز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد دلَّنِي على سَعَة علمه وسيلان ذهنه وَأَعْلَى مَا عِنْده سَماع البُخَارِيّ من أبي مُحَمَّد الزُّهْرِيّ صَاحب شُرَيْح وَكَانَ خطيب تونس شعلة المقرىء الْموصِلِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن الْحُسَيْن الْأَمَام(2/86)
أَبُو عبد الله الْموصِلِي المقرىء الْحَنْبَلِيّ الملقب بشعلة ناظم الشمعة فِي القراآت السَّبْعَة كَانَ شَابًّا فَاضلا مقرئاً مجوداً محققاً يتوقد ذكاء صنف فِي القراآت وَالْفِقْه والتاريخ عَاشَ ثلثا وثلثين سنة وَمَات بالموصل سنة سِتّ وَخمسين وست ماية)
3 - (الْقُرْطُبِيّ صَاحب التَّفْسِير محمّد بن أَحْمد بن أبي بكر بن فَرح الْأَمَام الْعَلامَة أَبُو عبد الله)
الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْقُرْطُبِيّ أَمَام متفنن متبحر فِي الْعلم لَهُ تصانيف مفيدة تدل على كَثْرَة أطلاعه ووفور فَضله توفّي أوايل سنة أحدى وَسبعين وست ماية بمنية بني خصيب من الصَّعِيد الْأَدْنَى بِمصْر وَقد سَارَتْ بتفسيره الركْبَان وَهُوَ تَفْسِير عَظِيم فِي بَابه وَله كتاب الْأَسْنَى فِي أَسمَاء الله الْحسنى وَكتاب التَّذْكِرَة وَأَشْيَاء تدل على أمامته وَكَثْرَة أطلاعه أَخْبرنِي من لَفظه الشَّيْخ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي قَالَ ترافق الْقُرْطُبِيّ الْمُفَسّر وَالشَّيْخ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ فِي السّفر إِلَى الفيوم وكل مِنْهُمَا شيخ فنه فِي عصره الْقُرْطُبِيّ فِي التَّفْسِير والْحَدِيث والقرافي فِي المعقولات فَلَمَّا دخلاها أرتادا مَكَانا ينزلان فِيهِ فدلا على مَكَان فَلَمَّا أَتَيَاهُ قَالَ لَهما أنسان يَا مَوْلَانَا بِاللَّه لَا تدخلاه فَإِنَّهُ معمور بالجان فَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين للغلمان أدخلُوا ودعونا من هَذَا الهذيان ثمَّ أَنَّهُمَا توجها إِلَى جَامع الْبَلَد إِلَى أَن يفرش الغلمان الْمَكَان ثمَّ عادا فَلَمَّا استقرا بِالْمَكَانِ سمعا صَوت تَيْس من الْمعز يَصِيح من دَاخل الخرستان وَكرر ذَلِك الصياح فأمتقع لون الْقَرَافِيّ وخارت قواه وبهت ثمَّ أَن الْبَاب فتح وَخرج مِنْهُ رَأس تَيْس وَجعل يَصِيح فذاب الْقَرَافِيّ خوفًا وَأما الْقُرْطُبِيّ فَإِنَّهُ قَامَ إِلَى الرَّأْس وَأمْسك بقرنيه وَجعل يتَعَوَّذ ويبسمل وَيقْرَأ آالله أذن لكم أم على الله تفترون وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى دخل الْغُلَام وَمَعَهُ حَبل وسكين وَقَالَ يَا سَيِّدي تَنَح عَنهُ وَجَاء إِلَيْهِ أخرجه وانكاه وذبحه فَقَالَا لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ لما توجهتما رَأَيْته مَعَ وَاحِد فاسترخصته واشتريته لنذبحه ونأكله وأودعته فِي هَذَا الخرستان فأفاق الْقَرَافِيّ من حَاله وَقَالَ يَا أخي لَا جَزَاك الله خيرا مَا كنت قلت لنا وَإِلَّا طارت عقولنا أَو كَمَا قَالَ
3 - (الشَّيْخ مجد الدّين ابْن الظهير الْحَنَفِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر ابْن أَحْمد بن أبي شَاكر الشَّيْخ)
مجد الدّين أَبُو عبد الله ابْن الظهير الأربلي الْحَنَفِيّ الأديب ولد باربل فِي ثَانِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وست ماية وَسمع ببغداذ فِي الكهولة من أبي بكر ابْن الخازن والكاشغري وبدمشق من السخاوي وكريمة وتاج الدّين ابْن حمويه وتاج الدّين ابْن أبي جَعْفَر وَقيل أَنه سمع من ابْن اللتي روى عَنهُ أَبُو شامة والقوصي والدمياطي وَأَبُو الْحُسَيْن اليونيني وَشَيخنَا شهَاب الدّين مَحْمُود وَعَلِيهِ تدرب وَبِه تخرج وَابْن الْعَطَّار وَابْن الخباز وَالشَّيْخ جمال الدّين الْمزي وَجَمَاعَة وَكَانَ من كبار(2/87)
الْحَنَفِيَّة وفضلايهم درس بالقايمازية بِدِمَشْق مُدَّة)
وَكَانَ ذَا دين وَهُوَ من أَعْيَان شُيُوخ الْأَدَب وفحول الْمُتَأَخِّرين فِي الشّعْر لَهُ ديوَان مَوْجُود وَلما توفّي سنة سبع وَسبعين وست ماية دفن بمقابر الصُّوفِيَّة ورثاه شَيخنَا الْأَمَام شهَاب الدّين مَحْمُود رَحمَه الله بقصيدة أَولهَا
(تمكن ليلى وأطمأنت كواكبه ... وسدت على صبحي الْغَدَاة مذاهبه)
مِنْهَا
(بكته معاليه وَلم ير قبله ... كريم مضى والمكرمات نواد بِهِ)
(وَلَا غرو أَن تبْكي الْمَعَالِي بشجوها ... على الْمجد إِذا أودى وَهن صواحبه)
(فإي أَمَام فِي الْهدى والندى غَدَتْ ... لآمله آدابه ومآدبه)
(أَظن الردى نسر السَّمَاء وَأَنه ... علا فَوْقه فأستنزلته مخالبه)
وَهِي قصيدة طَوِيلَة مليحة وأنشدني شهَاب الدّين مَحْمُود قِرَاءَة منى عَلَيْهِ قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ مجد الدّين ابْن الظهير لنَفسِهِ مَا كتبه فِي أجازة
(أجَاز مَا قد سَأَلُوا ... بِشَرْط أهل السَّنَد)
(مُحَمَّد بن أَحْمد ... بن عمر بن أَحْمد)
قلت وَهَذَا النَّوْع الَّذِي يُسَمِّيه أَصْحَاب البديع الأطراد وَهُوَ أَن يذكر الأسم وأباه وأجداده من غير حَشْو وَهُوَ كثير وأنشدني أجازة قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(حَيْثُ الأراكة والكثيب الأوعس ... وَاد يهيم بِهِ الْفُؤَاد مقدس)
(يحمى بأطراف الرماح طرافه ... عزا وبالبيض المواضي يحرس)
(وتكاد أنفاس النسيم إِذا سرت ... من خيفة الغيران لَا تتنفس)
(وبجو ذَاك الشّعب أنفس مطلب ... أمست تذوب اسى عَلَيْهِ الْأَنْفس)
(وَبِكُل خدر مِنْهُ لَيْث محدر ... أفغابة ذَاك الحمي أم مكنس)
(يَا جيرة الْحَيّ المظلل بالقنا ... هَل نَاركُمْ بسوى الأضالع تقبس)
(أضرمتموها للنزيل ودونها ... غير أَن فتاك الحفيظة أشوس)
وأنشدني الْمَذْكُور بالسند لَهُ
(غش المفند كامن فِي نصحه ... فأطل وقوفك بالغوير وسفحه)
(وأخلع عذارك فِي مَحل ريه ... برذاذ دمع العاشقين وسفحه)
)
(وَإِذا سرى سحرًا طليح نسيمه ... مَالَتْ بِهِ سكرا ذوايب طلحه)
(جهل الْهوى قوم فراموا شَرحه ... جلّ الْهوى وجنابه عَن شَرحه)
(وَبِي الَّذِي يُغْنِيه فاتر طرفه ... عَن سَيْفه وقوامه عَن رمحه)(2/88)
(ذُو وجنة شَرقَتْ بِمَاء نعيمها ... كالورد أشرقه نداه برشحه)
(وَكَأن طرته وَنور جَبينه ... ليل تألق فِيهِ بارق صبحه)
مِنْهَا وأنشدنيها الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ أَنْشدني بدر الدّين المنيحي
(قلبِي وطرفي ذَا يسيل دَمًا وَذَا ... دون الورى أَنْت الْعَلِيم بقرحه)
(وهما بحبك شَاهِدَانِ وَإِنَّمَا ... تَعْدِيل كل مِنْهُمَا فِي جرحه)
(وَالْقلب مَنْزِلك الْقَدِيم فَإِن تَجِد ... فِيهِ سواك من الْأَنَام فنحه)
قلت البيتان من هَذِه الثلثة قد أَكثر الشُّعَرَاء من النّظم فِي مَعْنَاهُمَا وَمن أحسن مَا حضرني الْآن قَول شرف الدّين شيخ الشُّيُوخ الْحَمَوِيّ
(بقيت مَسْرُورا فَلم يبْق لي ... بعْدك لَا جسم وَلَا روح)
(دلّ على صدقي من مقلتي ... شَاهد عدل وَهُوَ مَجْرُوح)
وَقد عقدت لهَذَا الْمَعْنى بَابا فِي كتابي الَّذِي سميته لَذَّة السّمع فِي صفة الدمع وأنشدني الْأَمَام شهَاب الدّين مَحْمُود بالسند الْمَذْكُور للشَّيْخ مجد الدّين أَيْضا
(أواصل فِيهِ لوعتي وَهُوَ هَاجر ... ويؤنسني تذكاره وَهُوَ نافر)
(ويغرى هَوَاهُ ناظري بادمع ... يوردها ورد بخديه ناضر)
(ويفتن فِي تيه الملاحة خاطراً ... فَكل خلي فِي هَوَاهُ مخاطر)
(ويزور سخطاً ثَانِي الْعَطف معرضًا ... فَلَا عطفه يُرْجَى وَلَا الطيف زاير)
(محياه زاه بالملاحة زَاهِر ... فقلبي وطرفي فِيهِ ساه وساهر)
(يجيل على الْقد المهفهف معجباً ... حبالة شعر كم بهَا صيد شَاعِر)
(جلا طلعة كالروض دبجه الحيا ... ترف بِمَاء الْحسن فِيهِ أزاهر)
(وَشهر خداً بالعذار مطرزاً ... فَمَا لفؤاد لم يهم فِيهِ عاذر)
(فَإِن صَاد قلبِي طرفه فَهُوَ جارح ... وَأَن فتنت آيَاته فَهُوَ سَاحر)
(إِذا كَانَ صبري فِي الصبابة خاذلاً ... فَمَا لي سوى دمعي على الشوق نَاصِر)
)
(على ان فيض الدمع لم يرو غلَّة ... من الوجد إِذْ كتها الْعُيُون الفواتر)
وأنشدني بالسند الْمَذْكُور لَهُ أَيْضا
(أذابل أم قدك الناضر ... وباتر أم جفنك الفاتر)(2/89)
(ووردة هاتيك أم وجنة ... وروضة أم وَجهك الباهر)
(يَا رَاقِد الجفن أما رَحْمَة ... مِنْك لصب جفْنه ساهر)
(يَا كَامِلا فِي حسنه صل أَخا ... شوق مديد حزنه وافر)
(تخذت من شعرك أحبولة ... لَا غرو أَن صيد بهَا شَاعِر)
(حاجبك المفرط فِي ظلمه ... أَعَانَهُ ناظرك الجاير)
(وعامل الْقد على قتلتي ... من مرشف الصدغ لَهُ نَاظر)
(يَا رشأ آنسني بالآسى ... لم أَنْت عني أبدا نافر)
(لَا حكم للنادر لكنما ... حسنك وَالْحكم لَهُ النَّادِر)
أَخْبرنِي الْعَلامَة نجم الدّين القحفازي النَّحْوِيّ الْحَنَفِيّ قَالَ أَخْبرنِي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين على الْحَنَفِيّ قَالَ أنشدت الشَّيْخ مجد الدّين ابْن الظهير قَول الشَّاعِر
(وَمَا فزت إِلَّا من بعيد بنظرة ... وَهل تنظر الأقمار إِلَّا على بعد)
فَأَطْرَقَ قَلِيلا وَرفع رَأسه وَأنْشد لنَفسِهِ موطياً لذَلِك
(قضيت وَمَا قضيت مِنْكُم لبانتي ... وَلَا ظَفرت نَفسِي بوصل وَلَا وعد)
وَمن شعر الشَّيْخ مجد الدّين قَوْله ملغزاً فِي بلبل
(وَمَا اسْم ثنائي ... رباعي بلامين)
(كلا شطريه أَن ضوع ... ف فعلان بلامين)
(وان خاطبت مَأْمُورا ... بِهِ عَاد كلامين)
(وَأَن حرفت حرفين ... غَدا فعلا وحرفين)
وَمن شعره أَيْضا
(أَكثر اللوم فِي الحبيب أنَاس ... عيروني ببذله بعد منع)
(قلت شمس الضُّحَى أَشد أبتذالاً ... وَهِي محبوية إِلَى كل طبع)
أنْشد الْعَلامَة شهَاب الدّين مَحْمُود وَقَالَ أَنْشدني الشَّيْخ مجد الدّين لنَفسِهِ فِي قراقوش ملغزاً)
(أسم من قد هويته ... ظَاهر غير ظَاهر)
(قسم الْبعد قلبه ... بَين قلبِي وناظري)
وأنشدني لنَفسِهِ الشَّيْخ فتح الدّين مُحَمَّد بن سيد النَّاس فِي ذَلِك
(ظَبْي من التّرْك هضيم الحشا ... مهفهف الْقد رَشِيق القوام)(2/90)
(للطرف من تذكاره عِبْرَة ... وَالْقلب شوق أرق المستهام)
وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة طَاهِر بن مُحَمَّد بن قُرَيْش لغز فِيهِ أَيْضا وَقَول مجد الدّين أحسن الثَّلَاثَة وأرشقها وأمكنها
3 - (قَاضِي الْقُضَاة ابْن سنى الدولة مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن هبة الله ابْن الْحسن بن سنى)
الدولة قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو بكر ابْن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أبي الْعَبَّاس ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أبي البركات الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي نَاب عَن وَالِده فِي قَضَاء دمشق وَولي قَضَاء الْقُضَاة عِنْد كسرة التتار على عين جالوت فَبَقيَ سنة وعزل بِابْن خلكان وصودر وأسكن مصر وتعب وَولي الْقَضَاء بحلب ودرس بالأمينية وعدة مدارس وَكَانَ مَوْصُوفا بجودة النَّقْل وَصِحَّته وكثرته وَحدث عَن أبي الْقسم ابْن صصري وَابْن باسويه وَغَيرهمَا وَكَانَ مَشْهُورا بالصرامة والهمة الْعَالِيَة والتحري فِي الْأَحْكَام ومولده سنة سِتّ عشرَة وَتُوفِّي سنة ثَمَانِينَ وست ماية وَدفن بسفح قاسيون فِي تربة جده جوَار الْمدرسَة الصاحبية وَقد أَسَاءَ الثَّنَاء عَلَيْهِ شهَاب الدّين أَبُو شامة فِي ذيل الروضتين قَالَ وأنشدني الْعِمَاد دَاوُد لنَفسِهِ
(نجم أَتَاهُ ضِيَاء الشَّمْس فأحترقا ... وَرَاح فِي لجج الأدبار قد غرقا)
(ناحت عَلَيْهِ اللَّيَالِي وَهِي شامتة ... وعرفته صروف الدَّهْر مَا أختلقا)
(وحدثته الْأَمَانِي وَهِي كَاذِبَة ... بِأَنَّهُ لَا يرى بعد النَّعيم شقا)
(وجاد بِالْمَالِ كي تبقي رياسته ... وفتق الشَّرْع وَالتَّقوى وَمَا رتقا)
(فَجَاءَهُ سهم غرب حل مرسله ... فَمَاتَ معنى وَمَا أخطاه من رشقا)
(وألقيت فِي قُلُوب النَّاس بغضته ... لكِنهمْ قد غدوا فِي ذمه فرقا)
(ففرقة بقبيح الظُّلم تذكره ... وَفرْقَة حَلَفت بِاللَّه قد فسقا)
)
(وَفرْقَة سلبته ثوب عصمته ... بِأَنَّهُ من رِبَاط الدّين قد مرقا)
(وَرَاح قسراً إِلَى مصر على عجل ... مُوَافقا للَّذي من قبله سبقا)
(مفارقاً لنعيم كَانَ منغمساً ... فِيهِ وَلَذَّة نوم بدلت أرقا)
قَالَ وزدت أَنا
(وَفرْقَة وَصفته بالخلاعة مَعَ ... خبث وَكبر وكل مِنْهُم صدقا)
3 - (شمس الدّين ابْن أبي الْحُسَيْن البعلبكي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَكْتُوم أَبُو عبد الله شمس الدّين)
البعلبكي الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْحُسَيْن كَانَ فَاضلا مشاركاً مُسْتقِلّا بِعلم الْأَدَب وَله(2/91)
النّظم الْحسن حفظ الْقُرْآن الْعَزِيز واتقنه وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ أَولا حنبلياً وَحفظ التَّنْبِيه وَكَانَ معيدا بمدرسة أَمِين الدولة عَليّ بن العقيب بِجَامِع بعلبك وَحفظ المقامات الحريرية واتقنها وَكَانَ على ذهنه شعر كثير وَقطعَة من التَّارِيخ حسن المحاضرة دمث الْأَخْلَاق شرِيف النَّفس عِنْده قناعة قَالَ قطب الدّين اليونيني وَكَانَ يلازمني كثيرا وَإِذا سَافَرت صحبني فَلَمَّا كَانَت وقْعَة حمص توجه معي وَاسْتشْهدَ يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْعشْر شهر رَجَب سنة ثَمَانِينَ وست ماية وَلم يستكمل الْأَرْبَعين وَكتب إِلَيّ وَأَنا بِدِمَشْق فِي صدر كتاب
(رام أَن يتْرك الْهوى فَبَدَا لَهُ ... فَرَأى حسن وَجهه فَبَدَا لَهُ)
(كلما لمته على الْجَهْل يزدا ... د ضلالا فخله والجهاله)
(كَيفَ يَرْجُو الشِّفَاء مِنْهُ لصب ... لم نخل السقام إِلَّا خياله)
(نَاقص صبره كثير بكاه ... لَو رَآهُ عدوه لرثى لَهُ)
(دنف ظلّ مستهاماً ببدر ... عَمه الوجد حِين عاين خَاله)
(فاتر الطّرف فاتن الْوَصْف ألمى ... يفضح الْبَدْر حسنه والغزاله)
(يخجل الأسمر المثقف لينًا ... أَن رأى حسن قده وأعتداله)
(ويغير الْغُصْن المهفهف لينًا ... كلما رَاح ينثني فِي الغلاله)
(قلت لما عاينته يَا منى النف ... س إِلَى كم هَذَا الجفا والملاله)
(أَي يَوْم أنال مِنْهُ بك الوص ... ل فولي وَقَالَ لي لن تناله)
وَمن شعره)
(فديتك لَا تعجب لطرفك أَن كبا ... وخامره ضعف فَلَيْسَ لَهُ ذَنْب)
(وَمن فَوْقه طود وبحر سماحة ... عَن شامخ كَيفَ لَا يكبو)
3 - (أَبُو الْحسن الْقطيعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن الْحُسَيْن ابْن خلف الْقطيعِي أَبُو الْحسن ابْن)
أبي الْعَبَّاس من أهل القطيعة بِبَاب الأزج بكر بِهِ وَالِده وأسمعه من صغر من أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْخلّ الْفَقِيه وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد العباسي الْمَكِّيّ وَأبي بكر مُحَمَّد بن الزَّاغُونِيّ وَأبي الْقسم نصر بن نصر العكبري وَأبي الْوَقْت عبد الأول السجْزِي وسلمان الشحام وَطلب هُوَ بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ وسافر إِلَى الشَّام وَسمع من أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن أبي الصَّقْر وَغَيره وَأقَام بالموصل وَسمع بهَا من أبي الْفضل عبد الله ابْن أَحْمد الطوسي وَصَحب أَبَا الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ الْوَاعِظ وَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من مصنفاته ومروياته وَكَانَ قد ذيل على كتاب التَّارِيخ الَّذِي عمله أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وأذهب عمره فِيهِ قَالَ ابْن النجار وطالعته فَرَأَيْت فِيهِ من الْغَلَط وَالوهم(2/92)
والتصحيف والتحريف كثيرا أوقفته على وَجه الصَّوَاب فِيهِ فَلم يفهمهُ وَقد نقلت عَنهُ أَشْيَاء ونسبتها إِلَيْهِ وَلَا يطمئن قلبِي إِلَيْهَا والعهدة عَلَيْهِ فِيمَا قَالَه فَإِنَّهُ لم يكن محققاً فِيمَا يَنْقُلهُ ويقوله عَفا الله عَنَّا وَعنهُ وَهُوَ آخر من حدث ببغداذ بِصَحِيح البُخَارِيّ كَامِلا عَن أبي الْوَقْت وَانْفَرَدَ فِي وقته بالرواية عَن ابْن الزَّاغُونِيّ والعباسي وَابْن الْخلّ والعكبري والشحام توفّي سنة أَربع وثلثين وست ماية وَدفن بِبَاب حَرْب
3 - (مؤدب سيف الدولة مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْغَرِيب الصيني مؤدب سيف الدولة ابْن حمدَان)
قَالَ ابْن النجار ذكر أَبُو مُحَمَّد هرون بن مُوسَى العكبوي أَنه سمع مِنْهُ ببغداذ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث ماية وروى عَنهُ حَدِيثا فِي مشيخته
3 - (الشريف النَّاسِخ الكتبي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن عِيسَى الْمُحدث شرف الدّين أَبُو عبد)
الله الْقرشِي الدِّمَشْقِي الكتبي النَّاسِخ ولد سنة عشر وست ماية وَسمع من أبي الْقسم ابْن صصري وَابْن الزبيدِيّ وَجَمَاعَة ببغداذ وبمصر وَكتب الْأَجْزَاء والطباق وَقَرَأَ الْكثير وَكَانَ ضَعِيفا بَين الْمُحدثين يَتَّهِمُونَهُ سمع مِنْهُ ابْن الخباز وَعلم الدّين البرزالي وَجَمَاعَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لم يكن عَلَيْهِ أنس الْمُحدثين وخطه كثير السقم مَعَ حسنه قَالَ الْحَافِظ سعد الدّين الْحَارِثِيّ كَانَ مزوراً كذابا سمع لنَفسِهِ)
وزور توفّي سنة ثَمَانِينَ وست ماية
3 - (اللَّخْمِيّ شَارِح الدريدية مُحَمَّد بن أَحْمد بن هِشَام بن ابرهيم أَبُو عَليّ)
اللَّخْمِيّ السبتي شَارِح الدريدية وَهُوَ من أحسن الشُّرُوح كتبته بخطي فِي زمن الصَّبِي توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي حُدُود السّبْعين وَخمْس ماية
3 - (شمس الدّين الْمَقْدِسِي أَخُو شرف الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن نعْمَة بن أَحْمد الْمَقْدِسِي)
شمس الدّين الْمُفْتِي أَخُو الْمُفْتِي شرف الدّين تفقه وبرع فِي الْمَذْهَب وناب فِي تدريس الشامية البرانية بِدِمَشْق عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن رزين ثمَّ اشْترك هُوَ وَالْقَاضِي عز الدّين فِي تدريسها ثمَّ اسْتَقل بهَا إِلَى أَن مَاتَ وناب فِي الحكم عَن القَاضِي عز الدّين وَكَانَ فَقِيها صَالحا ورعاً مشكور السِّيرَة جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَحدث عَن السخاوي وَغَيره وروى عَنهُ ابْن الْعَطَّار والبرز إِلَى وَغَيرهمَا وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وست ماية
3 - (جمال الدّين ابْن الشريشي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سجمان)
جمال الدّين أَبُو بكر الْبكْرِيّ الأندلسي الشريشي الْمَالِكِي ولد بشريش سنة أحدى وست ماية وَسمع بالأسكندرية من مُحَمَّد بن عمار وببغداذ من أبي الْحسن الْقطيعِي وَابْن روزبه وَأبي بكر بن بهروز(2/93)
وَابْن اللتي وياسمين بنت البيطار وَأبي صَالح الجيلي والأنجب بن أبي السعادات وَمُحَمّد بن السباك وَعبد اللَّطِيف بن القبيطي وطايفة وبدمشق من مكرم وَابْن الشِّيرَازِيّ وَجَمَاعَة وباربل من الْفَخر الأربلي وبحلب من الْمُوفق بن يعِيش وَجَمَاعَة وتفقه حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب واتقن الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير وتفنن ودرس وافتى واقرأ الحَدِيث وعني بِهِ وَقَالَ الشّعْر ودرس بالرباط الناصري بِحُضُور السُّلْطَان واقفه وَدخل الديار المصرية ودرس بالفاضلية وَتخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم وَلَده الشَّيْخ كَمَال الدّين ثمَّ قدم إِلَى الْقُدس وَأقَام بِهِ مُدَّة ثمَّ أَتَى دمشق وَأخذ النَّاس عَنهُ وَكَانَ من وَاعِيَة الْعلم صنف لالفية ابْن معطي شرحا مليحا وَقد مدحه علم الدّين السخاوي بقصيدة مَشْهُورَة وَطلب لقَضَاء دمشق فأمتنع وَبَقِي المنصب لأَجله شاغرا إِلَى أَن مَاتَ ودرس بالنورية وبالحلقة الَّتِي بالجامع مَعَ مشيخة الرِّبَاط ومشيخة أم الصَّالح روى عَنهُ ابْنه ابْن تَيْمِية والمزي وَابْن الْعَطَّار والبرزالي والصيرفي وَابْن الخباز وَخلق سواهُم وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ مروياته توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وست ماية الشَّيْخ قطب الدّين الْقُسْطَلَانِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله بن أَحْمد)
بن مَيْمُون الْأَمَام الزَّاهِد قطب الدّين أَبُو بكر أَخُو الْأَمَام تَاج الدّين على بن الْقُسْطَلَانِيّ التوزري الأَصْل الْمصْرِيّ ثمَّ الْمَكِّيّ ابْن الشَّيْخ الزَّاهِد أبي الْعَبَّاس ولد بِمصْر سنة أَربع عشرَة وَنَشَأ بِمَكَّة وَسمع بهَا جَامع التِّرْمِذِيّ من أبي الْحسن ابْن الْبناء وَسمع من أبي الْقسم ابْن السهروردي كتاب عوارف المعارف وَسمع من ابْن الزبيدِيّ وَجَمَاعَة وَقَرَأَ الْعلم ودرس وافتى ورحل فِي طلب الحَدِيث وَسمع من مُحَمَّد بن نصر بن الحصري وَيحيى بن القميرة وابرهيم بن أبي بكر الزعبي وَطَائِفَة كَثِيرَة ببغداذ وَالشَّام ومصر والموصل واستجاز لأولاده السَّبْعَة مُحَمَّد وَالْحسن وَأحمد وَمَرْيَم ورقية وَفَاطِمَة وعايشة وأسمع بَعضهم وَكَانَ شَيخا عَالما عَاملا زاهداً عابداً جَامعا للفضايل كريم النَّفس كثير الإيثار حسن الْأَخْلَاق قَلِيل الْمثل طلب من مَكَّة إِلَى الْقَاهِرَة وَولي مشيخة الكاملية إِلَى أَن مَاتَ وَله شعر مليح وَرُوِيَ عَنهُ الدمياطي والمزي والبرزالي وَخلق أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس أَن الشَّيْخ قطب الدّين كَانَ يتَوَجَّه إِلَى أبي الهول الَّذِي عِنْد أهرام مصر وَهُوَ رَأس الصَّنَم الَّذِي هُنَاكَ ويعلو رَأسه باللالكة وَيَقُول يَا أَبَا الهول أفعل كَذَا افْعَل كَذَا قلت رَأَيْت جمَاعَة من أهل مصر يَعْتَقِدُونَ أَن الشَّمْس إِذا كَانَت فِي الْحمل وَتوجه أحدهم إِلَى أبي الهول وبخر أَمَامه بشكاعا وباذ أورد ووقف أَمَامه وَقَالَ ثلثا وَسِتِّينَ مرّة كَلِمَات يحفظونها وَيَقُول مَعهَا يَا أَبَا الهول أفعل كَذَا فزعموا أَن ذَلِك يتَّفق وُقُوعه وَكَانَ الشَّيْخ قطب الدّين رَحمَه الله كَانَ يفعل ذَلِك أهانة لأبي الهول وعكساً لذَلِك الْمَقْصد الْفَاسِد لِأَن تِلْكَ لَعَلَّهَا تكون تَعْظِيمًا لَهُ ضَرُورَة توفّي الشَّيْخ قطب الدّين سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وست ماية وَمن نظمه
(إِذا كَانَ أنسى فِي ألتزامي لخلوتي ... وقلبي عَن كل الْبَريَّة خَال)(2/94)
(فَمَا ضرني من كَانَ لي الدَّهْر قالياً ... وَلَا سرني من كَانَ فِي موَالِي)
وَمِنْه
(أَلا هَل لهجر العامرية أقصار ... فَيَقْضِي من الوجد المبرح أوطار)
(عَسى مَا مضى من خفض عيشى على الْحمى ... يعود فلي فِيهِ نُجُوم وأقمار)
(عدمت فُؤَادِي أَن تعلّقت غَيرهَا ... وَأَن زين السلوان لي فَهُوَ غدار)
(ولي من دواعي الشوق فِي السخط والرضى ... على الْوَصْل والهجران ناه وأمار)
(آآسلو وَفِي الأحشاء من لاعج الجوى ... لهيب أسأَل الرّوح فالصبر منهار)
)
أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين شفاها قَالَ سَمِعت عَلَيْهِ الحَدِيث وَله تواليف لَطِيفَة وَكَانَ بَينه وَبَين ابْن سبعين عَدَاوَة إِذْ كَانَ يُنكر عَلَيْهِ بِمَكَّة كثيرا من أَحْوَاله وَقد صنف فِي الطايفة الَّتِي يسْلك طريقهم ابْن سبعين وَبَدَأَ بالحلاج وَختم بالعفيف التلمساني وَكَانَ مأماً للْمَسَاكِين والفقراء الواردين إِلَى الْقَاهِرَة يعْمل لَهُم سماطا يَأْكُلُون عِنْده ويبرهم ويعين كثيرا مِنْهُم على الْحَج وأنشدني الشَّيْخ قطب الدّين لنَفسِهِ
(لما رَأَيْتُك مشرقاً فِي ذاتي ... بدلت من حَالي ذميم صفاتي)
(وتوجهت أسرار فكري سجدا ... لجميل مَا واجهت من لحظاتي)
(وتلوت من آيَات حسنك سُورَة ... سَارَتْ محاسنها بِجَمِيعِ شتاتي)
(وبلوت أحوالي فخلت معبراً ... فِي الصحو عَن سكري بِصدق ثباتي)
(وتحولت أَحْوَال سرى فِي العلى ... فعلت على محو وَعَن أثبات)
(وتوحدت صِفَتي فرحت مروحاً ... نظرا لما أشهدت من آيَات)
(لَا آشتهي أَن اشتهي متنزهاً ... بل أنْتَهى عَن غَفلَة الشَّهَوَات)
(لَا أَدعِي عزا لذل قَامَ فِي ... الأشباح من تَأْثِير نعت سماتي)
(أَنا أَن ظَهرت فَعَن ظُهُور بواطن ... شهِدت بنطق كَانَ من سكناتي)
(من كَانَ يجهل مَا أَقُول عذرته ... فالشمس تخفي فِي دجا الظُّلُمَات)
(فدع المعنف والعدول وَقل لَهُ ... الْحق أَبْلَج فأستمع كلماتي)
(لَا تأنسن بذاهب من حَاضر ... أَو غايب يَدْعُو إِلَى الغفلات)
(لَا تنظرن لغير ذاتك وأسترح ... عَن كل مَا فِي الْكَوْن من طلبات)
(نزه مصَادر وردهَا عَن كل مَا ... يلقى بهَا فِي ظلمَة الشُّبُهَات)
قلت مَا قَالَ عفيف الدّين التلمساني فِي شعره إِلَّا هَذَا أَو مَا هَذَا يُقَارِبه وَهَذَا هُوَ طَرِيق الْقَوْم الَّذين أنكر عَلَيْهِم وَالله مطلع على النيات وعالم بالخفيات(2/95)
3 - (الصَّدَفِي الأشبيلي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم الصَّدَفِي الأشبيلي الأديب البارع أَبُو بكر)
أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين شفاها قَالَ الْمَذْكُور لَهُ أشعار كَثِيرَة حَسَنَة وتواشيح وَله قِرَاءَة على الْأُسْتَاذ أبي على الشلوبين بأشبيلية وعَلى غَيره وَله مَعَه حِكَايَة مضحكة مدح الْمُلُوك ورحل عَن الأندلس فَقدم الديار المصرية ومدح بهَا بعض من كَانَ يُوصف بِالْكَرمِ فوصله بنزر يسير)
فكر رَاجعا إِلَى الغرب فَتوفي ببرقة وَكَانَ مِمَّن بحث فِي النَّحْو على الْأُسْتَاذ أبي عَليّ أنشدنا لَهُ ابْن عَم أَبِيه الْمجد عِيسَى بن مُحَمَّد بثغر دمياط
(مَا بِي موارد حبي بل مصادره ... اللحظ أَوله واللحد آخِره)
(أرْسلت طرفِي مرتاداً فطل دمي ... روض من الْحسن مطلول أزاهره)
مِنْهَا
(يُبَاشر الوشي من أعطافه بشرا ... يكَاد يجرحه قولي يباشره)
(هُوَ الرياض وَلَكِن رُبمَا كمنت ... مَكَان حَيَاته مِنْهُ غدايره)
قلت هُوَ شعر جيد
3 - (عماد الدّين ابْن الشيرجي مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد عماد الدّين أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ)
عرف بِابْن الشيرجي كَانَ من أَعْيَان الدماشقة وأكابرهم وعدولهم من ذَوي الثروة والوجاهة والرياسة وَهُوَ نَاظر أوقاف سِتّ الشَّام بِدِمَشْق المدرستين والخانقاه سمع الْكثير وَحدث وبيته مَشْهُور بالرياسة والتقدم وَكَانَ عماد الدّين فِيهِ خير وديانة وكرم أَخْلَاق وتواضع وَحسن عشرَة ولي عدَّة ولايات جليلة آخرهَا نظر الخزانة بِدِمَشْق مولده سنة ثلث عشرَة وست ماية وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثلث وَثَمَانِينَ وست ماية
3 - (ابْن يمن العرضي مُحَمَّد بِمَ أَحْمد جمال الدّين أَبُو عبد الله)
الْمَعْرُوف بِابْن يمن العرضي كَانَ من أكَابِر دمشق من أهل الثروة الطايلة وَلم يكن فِي زَمَانه من يضاهيه فِي كَثْرَة المَال وَله مُرُوءَة وَفِيه تواضع وصدقات فِي السِّرّ أرصد عشْرين ألف دِرْهَم يقرضها درهما بدرهم من غير ربح لمن يقْصد ذَلِك ووقف على غلمانه وَغَيرهم أوقافا حَسَنَة وَجرى فِي تركته خبط كثير من وَلَده شمس الدّين خطيب المزة لِأَنَّهُ أثبت أَشْيَاء تخصه فصودر وأنعكس مقْصده وَذهب لوالده من الدفاين شَيْء كثير وَلم ينْتَفع بِشَيْء مِمَّا خَلفه أَبوهُ وَهلك بعده بِمدَّة يسيرَة وَتُوفِّي وَالِده الْمَذْكُور سلخ جمدى الْآخِرَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وست ماية
3 - (شرف الدّين القناوي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن عَرَفَات القَاضِي شرف الدّين ابْن)
أبي المنى القناوي كَانَ شافعياً أديباً كَرِيمًا حسن الصُّورَة والشكل قَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد)
الدشناوي وَأَجَازَهُ بالفتوى وَتَوَلَّى الحكم بقنا والخطابة بهَا وَله خطب ونظم وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست ماية قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي كَانَ سريع الْكِتَابَة ثَبت عِنْد القَاضِي بقنا أَنه كتب بِمدَّة وَاحِدَة ماية وَعشْرين سطراً فِي الْبَيْت الأول من قصيدة(2/96)
الحصري الَّتِي أَولهَا
(يَا ليل الصب مَتى غده ... أقيام السَّاعَة موعده)
قَالَ وَبَلغنِي من جمَاعَة أَنه أنْتَهى فِي الْكِتَابَة بِمدَّة وَاحِدَة إِلَى ثلث ماية سطر أَو مَا يقرب مِنْهَا قلت هَذَا مَا يجىء بِسُرْعَة الْكِتَابَة نعم سرعَة الْكِتَابَة فِي مثل هَذَا جُزْء عِلّة من علل كَثِيرَة وَأورد لَهُ كَمَال الدّين الأدفوي من شعره قَوْله
(إِذا عرض الْحَادِي بِطيبَة أَو غَنِي ... أحن إِلَى الْوَادي وأصبو إِلَى المغنى)
(أهيم فَمَا أَدْرِي أسجع حمايم ... أم الغيد بالألحان شنفن لي أذنا)
مِنْهَا
(على نايبات الدَّهْر أَرْجُو مُحَمَّدًا ... يساري فِي الْيُسْرَى يمناي فِي الْيُمْنَى)
(مناي من الدُّنْيَا زِيَارَة أَحْمد ... وقصدي فِي الْأُخْرَى شَفَاعَته الْحسنى)
3 - (النجيب الهمذاني الْمُحدث مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمُؤَيد ابْن عَليّ)
الْمُحدث نجيب الدّين أَبُو عبد الله الهمذاني الأَصْل الْمصْرِيّ شيخ عَالم فَاضل قَرَأَ بالسبع على ابْن الرماح والْحَدِيث على ابْن باقا وَسمع من أبي البركات ابْن الْجبَاب ومكرم وعَلى بن اسمعيل بن جبارَة وَله أجازة من عفيفة الفارفانية بفائين وَابْن طبرزذ وَصَارَ كَاتبا آخر عمره أَخذ عَنهُ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان وَالشَّيْخ جمال الدّين الْمزي والبرزالي وَأَبُو عَمْرو بن الظَّاهِرِيّ وَأَبُو مُحَمَّد الْحلَبِي توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وست ماية
3 - (بدر الدّين سبط أَمَام الكلاسة مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النجيب الْمُحدث الْمُفِيد بدر الدّين)
سبط إِمَام الكلاسة كَانَ شَابًّا فَاضلا ذكياً مليح الْكِتَابَة كثير الفوايد شَدِيد الطّلب سمع بِدِمَشْق وبعلبك وَخرج وَأفَاد وَنسخ الْكثير وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وست ماية
3 - (قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين الخويي مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَلِيل ابْن سَعَادَة بن جَعْفَر)
قَاضِي الْقُضَاة ذُو الْفُنُون شهَاب الدّين أَبُو عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الخويي)
الشَّافِعِي قَاضِي دمشق وَابْن قاضيها ولد فِي شَوَّال سنة سِتّ وَعشْرين وست ماية وَنَشَأ بهَا واشتغل فِي صغره وَمَات وَالِده وَله أحدى عشرَة سنة فَبَقيَ مُنْقَطِعًا بالعادلية ثمَّ أدمن الدَّرْس والسهر والتكرار مُدَّة بِالْمَدْرَسَةِ وَحفظ عدَّة كتب وعرضها وتنبه وتميز على أقرانه وَسمع فِي صغره من(2/97)
ابْن اللتي وَابْن المقير والسخاوي وَابْن الصّلاح وَأَجَازَ لَهُ خلق من أَصْبَهَان وبغداذ ومصر الشَّام وَخرج لَهُ تَقِيّ الدّين عبيد الْحَافِظ معجما حافلا وَخرج لَهُ أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ أَرْبَعِينَ متباينة الأسناد وَحدث بِمصْر ودمشق وَأَجَازَ لَهُ عمر بن كرم وَأَبُو حَفْص السهروردي ومحمود بن هندة وَهَذِه الطَّبَقَة ولازم الأشتغال فِي كبره وصنف كتابا كَبِيرا فِي مُجَلد يحتوي على عشْرين علما وَشرح الْفُصُول لِابْنِ معط ونظم عُلُوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح والفصيح لثعلب وكفاية المتحفظ وَشرح من أول الملخص للقابسي خَمْسَة عشر حَدِيثا فِي مُجَلد قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين فَلَو تمّ هَذَا الْكتاب لَكَانَ أكبر من التَّمْهِيد وَأحسن انْتهى وَله مدايح فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وشعره جيد فصيح وَكَانَ على كَثْرَة علومه من الأذكياء الموصوفين وَمن النظار المنصفين يبْحَث بتؤدة وسكينة وَيُحب الذكي وينوه باسمه أَخْبرنِي تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الزملكاني رحمهمَا الله تَعَالَى قَالَ قَالَ لي وَالِدي لَو لم يقدر الله تَعَالَى لقَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين ابْن الخويي أَن يجىء إِلَى دمشق قَاضِيا مَا طلع منا فَاضل انْتهى وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق حُلْو المجالسة دينا متصونا صَحِيح الأعتقاد يحب الحَدِيث وَأَهله وَيَقُول أَنا من الطّلبَة درس وَهُوَ شَاب بالدماغية ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس قبل هولاكو قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ثمَّ أنجفل إِلَى الْقَاهِرَة فولى قَضَاء الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري خَاصَّة أقتطع لَهُ من ولَايَة الْوَجِيه البهنسي وَأقَام البهنسي على قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي إِلَى أَن توفّي وَأَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ تولى الْقَضَاء بالمحلة من الغربية ثمَّ تولى قَضَاء الْقَاهِرَة وَمَا ينْسب إِلَيْهَا انْتهى وَتَوَلَّى مَوْضِعه تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز ثمَّ نقل الخوتي إِلَى الشَّام وَمَات الْخضر السنحاري فَجمع قَضَاء الديار المصرية لِابْنِ بنت الْأَعَز وَلما مَاتَ القَاضِي بهاء الدّين ابْن الزكي بِدِمَشْق نقل ابْن الخوتي إِلَيْهَا سمع مِنْهُ ابْن الفرضي وَالشَّيْخ جمال الدّين الْمزي والبرزالي والختي وعلاء الدّين الْمَقْدِسِي والشهاب ابْن النابلسي وروى صَحِيح البُخَارِيّ بالأجازة نوبَة عكا وَسمع مِنْهُ خلق قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين وَسَمعنَا عَلَيْهِ مُسْند الدَّارمِيّ انْتهى وَتُوفِّي فِي بُسْتَان صيف فِيهِ بِالسَّهْمِ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشْرين شهر رَمَضَان سنة ثلث)
وَتِسْعين وست ماية وَصلى عَلَيْهِ بالجامع المظفري بَين الصَّلَاتَيْنِ وَدفن عِنْد وَالِده بتربته بِالْجَبَلِ وَكَانَ يعرف من الْعُلُوم التَّفْسِير والأصولين وَالْفِقْه والنحو وَالْخلاف والمعاني وَالْبَيَان والحساب والفرايض والهندسة وَمن شعره
(بخفي لطفك كل سوء أتقي ... فأمنن بأرشادي إِلَيْهِ ووفق)
(أَحْسَنت فِي الْمَاضِي وَأَنِّي واثق ... بك أَن تجود عَليّ فِيمَا قد بَقِي)
(أَنْت الَّذِي أَرْجُو فَمَا لي والورى ... أَن الَّذِي يَرْجُو سواك هُوَ الشقي)
وَمِنْه
(أما سواك فبابه لَا أطرق ... حسبي كريم جوده متدفق)(2/98)
(مَا أَن يخَاف بَطل بابك وَاقِف ... ظمأ وبحر نداك طام مغدق)
(بحبال جودك لَا يزَال تعلقي ... مَا خَابَ يَوْمًا من بهَا يتَعَلَّق)
(بشرى لمن أضحى رجاؤك كنزه ... وَله الوثوق بِأَنَّهُ لَا يملق)
3 - (كَمَال الدّين ابْن ضِيَاء الدّين الْقُرْطُبِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد كَمَال الدّين بن ضِيَاء الدّين الْقُرْطُبِيّ)
نَشأ بقنا وَتُوفِّي بهَا سنة ثلث وَتِسْعين وست ماية وَقد تقدم ذكر وَالِده وَابْنه قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي كَانَ فَاضلا سمع الحَدِيث من الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي الْفضل المرسي وَحدث سمع مِنْهُ شَيخنَا الْعَلامَة أثير الدّين وَغَيره وَألف تَارِيخا فِي مجلدات وَكَانَت لَهُ رياسة ووجاهة وَكَانَ مبخلا حُكيَ لنا شَيخنَا أثير الدّين قَالَ وَردت قِنَا وَسمعت عَلَيْهِ من أول مُسلم وأمتدحته بقصيدة مِنْهَا
(وبيننا نِسْبَة ترعى وَأَن بَعدت ... لكوننا ننتمى فِيهَا لأندلس)
3 - (سعد الدّين الكاساني مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّيْخ سعد الدّين)
الكاساني شيخ خانقاه الطاحون كَانَ فَاضلا فِي فنه على رأى الصُّوفِيَّة بَصيرًا بأقوالهم قَرَأَ هُوَ وَالشَّيْخ شمس الدّين الأيكي على الشَّيْخ صدر الدّين القونوي وَهُوَ قَرَأَ على الشَّيْخ محيي الدّين ابْن عَرَبِيّ وَقد شرح قصيدة ابْن الفارض فِي مجلدتين وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية
3 - (التجِيبِي البلشي مُحَمَّد بن أَحْمد بن حسن بن عَامر بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن حسن)
التجِيبِي من أهل بلش حصن بالأندلس مولده سنة ثلث وَعشْرين وست ماية أَخْبرنِي الشَّيْخ)
أثير الدّين من لَفظه قَالَ قَرَأَ الْمَذْكُور على عبد الله ابْن مفرج وَالْقَاضِي على بن أبي الْأَحْوَص رَحل من الأندلس واستوطن الْقَاهِرَة وَكَانَ يحضر دروس الْمَالِكِيَّة وينسخ وَهُوَ شيخ ظَاهر الصّلاح وَله أدب وَشعر أنشدنا الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(أَتَانَا الْعِيد فِي مقلوب شلب ... فأفطرنا التأسي والدموعا)
(كَذَا شَأْن الْغَرِيب بِكُل أَرض ... إِذا فقد الْأَحِبَّة والربوعا)
وأنشدنا لَهُ فِي مليح لَهُ رَقِيب أَحول
(بِأبي رشا يحوى مَعَ الأحسان ... ملكية موضوعها أنساني)
(أحوى الجفون لَهُ رَقِيب أَحول ... الشَّيْء فِي أدراكه شَيْئَانِ)
(يَا ليته ترك الَّذِي أَنا مبصر ... وَهُوَ الْمُخَير فِي الغزال الثَّانِي)(2/99)
3 - (ابْن الدراج قَاضِي سلا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر الْأَمَام أَبُو عبد الله ابْن الدراج التلمساني)
الْأنْصَارِيّ نَشأ بسبتة فَكَفَلَهُ العزفي صَاحبهَا وَكَانَ أحسن أقرانه فِي زَمَانه ولاه أَبُو يَعْقُوب المريني قَضَاء سلا توفّي سنة ثلث وَتِسْعين وست ماية
3 - (القَاضِي جمال الدّين الطَّبَرِيّ قَاضِي مَكَّة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الْمُفْتِي)
جمال الدّين ابْن الشَّيْخ الْأَمَام محب الدّين الطَّبَرِيّ قَاضِي مَكَّة روى عَن ابْن الجميزي وَكَانَ متقنا للعربية أَصَابَهُ فالج وَمَات فِي سنة خمس وَتِسْعين وست ماية روى عَنهُ ابْن الْعَطَّار وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مروياته وَله شعر وَهُوَ وَالِد القَاضِي نجم الدّين الطَّبَرِيّ وَقد تقدم وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده فِي الأحمدين
3 - (شمس الدّين الكيشي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد اللَّطِيف المُصَنّف ذُو الْفُنُون)
شمس الدّين الْقرشِي الكيشي مدرس النظامية ببغداذ ولد بكيش سنة خمس عشرَة وَتُوفِّي بشيراز سنة خمس وَتِسْعين وست ماية
3 - (معِين الدّين ابْن الصَّواف الأسكندراني مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن عَليّ)
بن عبد الْبَاقِي الْعدْل الْخَطِيب معِين الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن الصَّواف الأسكندراني الْمَالِكِي الشُّرُوطِي ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسمع أَرْبَعِينَ السلَفِي من جده قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قرأتها عَلَيْهِ وَهُوَ أَخُو شَيخنَا شرف)
الدّين يحيى وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا يَنُوب فِي خطابة الثغر ويعقد الوثائق توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وست ماية
3 - (زين الدّين ابْن القلانسي أَبُو جلال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد)
الرئيس الْفَاضِل زين الدّين أَبُو عبد الله الْعقيلِيّ القلانسي الدِّمَشْقِي الْكَاتِب قَرَأَ الْقُرْآن على السخاوي وَعرض عَلَيْهِ القصيد وَسمع مِنْهُ وَمن عَتيق السَّلمَانِي ومكي بن عَلان وَكَانَ كَاتبا متصرفا فِيهِ دين وَخير وَهُوَ وَالِد الشَّيْخ جلال الدّين نزيل الْقَاهِرَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قَرَأَ لنا ابْن أُخْت ابْن عُصْفُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن نوح بن أَحْمد بن زيد بن مُحَمَّد بن عُصْفُور الأديب الْفَاضِل أَبُو عبد الله الأشبيلي شيخ مطبوع حُلْو المجالسة دمث الْأَخْلَاق متفنن فِي الْآدَاب واللغة وَله نصيب من علم الْقُرْآن والأثر والبلاغة والحساب وَله الْيَد الْبَيْضَاء فِي الشّعْر وَفِيه ديانَة وعفاف أَخذ عَن عُلَمَاء الْمغرب قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين جالسته مَرَّات ولد(2/100)
بأشبيلية سنة أحدى وثلثين وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وست ماية وَهُوَ ابْن أُخْت الْأَمَام ابْن عُصْفُور صَاحب المقرب
3 - (شمس الدّين الشرواني الصُّوفِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَلَاح شمس الدّين الشرواني الصُّوفِي)
شيخ الخانقاه الشهابية كَانَ عَارِفًا بالنجوم والأرصاد وَالْأَحْكَام ويقرىء الفلسفة ويشارك فِي بَقِيَّة العقليات أَخْبرنِي الشَّيْخ الْأَمَام شمس الدّين مُحَمَّد بن ابرهيم الْمَعْرُوف بِابْن الْأَكْفَانِيِّ وَقد تقدم قَالَ قَرَأت أشارات الرئيس أبي عَليّ بن سيدنَا على الشَّيْخ شمس الدّين الشرواني الصُّوفِي بخانقاه سعيد السُّعَدَاء دَاخل الْقَاهِرَة أَوَاخِر سنة ثَمَان وَتِسْعين واوايل سنة تسع وَقَالَ لي قرأتها بشرحها على شارحها خواجا نصير الدّين مُحَمَّد الطوسي قَالَ قرأتها على الْأَمَام أثير الدّين الْمفضل الْأَبْهَرِيّ قَالَ قرأتها على الشَّيْخ قطب الدّين ابرهيم الْمصْرِيّ قَالَ قرأتها على الْأَمَام الْمُعظم فَخر الدّين مُحَمَّد الرَّازِيّ قَالَ قرأتها على الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد المَسْعُودِيّ قَالَ قرأتها على الشَّيْخ أبي الْفَتْح مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْخيام قَالَ قرأتها على بهمنيار تلميذ الرئيس قَالَ قرأتها على مصنفها الرئيس أبي عَليّ ابْن سينا وَتُوفِّي الشرواني بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء سنة تسع وَتِسْعين وست ماية)
3 - (الْمسند ابْن الْقَزاز مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الشَّيْخ المقرىء العابد)
الْمسند أَبُو عبد الله الْحَرَّانِي الْقَزاز أَبوهُ الْحَنْبَلِيّ ابْن أُخْت الْمُحدث سراج الدّين ابْن شحانة ولد سنة ثَمَان عشرَة بحران فِيمَا زعم سمع صَحِيح البُخَارِيّ من ابْن روزبه أَو بعضه وَسمع من ابرهيم بن الْخَيْر والمؤتمن بن قميرة وَأبي الْوَقْت الركبدار وَمُحَمّد بن أبي الْبَدْر بن المنى وَعلي بن بكروس وَمُحَمّد ابْن اسمعيل بن الطبال وَتفرد بإشياء وَسمع بِمصْر من ابْن الجميزي وَسمع الصَّحِيح من صَالح المدلجى صَاحب الماموني وَسمع من الضياء ابْن النِّعَال والشرف المرسي وَابْن بَنِينَ وَمُحَمّد بن عبد الله بن ابرهيم المَخْزُومِي وبحلب من ابْن خَلِيل وَكَانَ زاهدا تاليا لكتاب الله صَاحب نَوَادِر ودعابة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين حَدثنِي أَنه تَلا بِمَكَّة أَزِيد من ألف ختمة وَأَنه اتكأ فِي ميزاب الرَّحْمَة فَتلا فِيهِ ختمة فَلَعَلَّهُ قَرَأَ سُورَة الأخلاص ثلثا وَحدث بِدِمَشْق والحجاز توفّي سنة خمس وَسبع ماية
3 - (ابْن الدباهي مُحَمَّد بن أَحْمد الْقدْوَة الزَّاهِد شمس الدّين مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن أبي نصر الدباهي)
البغداذي الْحَنْبَلِيّ كَانَ من أكَابِر التُّجَّار كأبيه ثمَّ تزهد وَلبس عباءة وجاور مُدَّة وتصوف وَلَقي الْمَشَايِخ وَكَانَ ذَا صدق وتأله وأنابة وَله مواعظ نافعة قدم دمشق وَصَحب الشَّيْخ(2/101)
تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَكَانَ قوالا بِالْحَقِّ وَفِيه صِفَات حميدة يغبط عَلَيْهَا توفّي سنة أحدى عشرَة وَسبع ماية
3 - (أَبُو الْوَلِيد أَمَام محراب الْمَالِكِيَّة مُحَمَّد بن أَحْمد بن قَاضِي الْجَمَاعَة أَبُو الْوَلِيد ابْن أبي عمر)
بن مُحَمَّد بن عبد الله بن القَاضِي أبي جَعْفَر بن الْحَاج التجِيبِي الأندلسي الْقُرْطُبِيّ الأشبيلي الْمَالِكِي نزيل دمشق أَمَام محراب الْمَالِكِيَّة بِجَامِع بني أُميَّة ولد سنة ثَمَان وثلثين وَمَات أَبوهُ وجده كِلَاهُمَا عَام أحد وَأَرْبَعين وَورث مَالا جزيلا فتمحق بمصادرة السُّلْطَان ابْن الْأَحْمَر لَهُ أَخذ لَهُ فِي وَقت عشْرين ألف دِينَار وعدمت لَهُ كتب جليلة وَنَشَأ يَتِيما فِي حجر أمه وتحولوا إِلَى شريش ثمَّ غرناطة ثمَّ شب وَقدم تونس وسكنها خمس سِنِين ثمَّ رَحل بولديه أَمَامِي الْمَالِكِيَّة إِلَى دمشق فسكنوها وسمعوا من الْفَخر ابْن البُخَارِيّ وَذكر لنيابة الْقَضَاء فأمتنع نسخ عدَّة كتب وَكَانَ وقوراً منور الشيبة حسن الْفَضِيلَة متين الدّيانَة منقبضا عَن النَّاس قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين سَمِعت عَلَيْهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَسبع ماية وَكَانَت لَهُ جَنَازَة مَشْهُودَة)
عز الدّين قَاضِي الكرك مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم القَاضِي عز الدّين الأميوطي الشَّافِعِي حكم بالكرك ثلثين سنة تفقه على ضِيَاء الدّين ابْن عبد الرَّحِيم والنصر ابْن الطباخ وَأخذ أَيْضا مَذْهَب مَالك عَن ابْن الأبياري قَاضِي الثغر وَبحث عَلَيْهِ مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَقَرَأَ بالسبع على النُّور الكفتي والمكين الأسمر وَجَمَاعَة وتصدر للأقراء وَتخرج بِهِ فُقَهَاء وَكَانَ من جلة الْعلمَاء وَفِيه ورع كمل خَمْسَة وَسبعين عَاما وَتُوفِّي سنة خمس وَعشْرين وَسبع ماية
3 - (بدر الدّين ابْن الْعَطَّار مُحَمَّد بن أَحْمد)
القَاضِي بدر الدّين ابْن الْعَطَّار توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع ماية وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده كَمَال الدّين أَن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الأحمدين
3 - (مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان الْعَسْقَلَانِي القَاضِي فتح الدّين)
ولي الْقَضَاء بصفد ورأيته مَرَّات وَلم أجتمع بِهِ غزل بِهِ القَاضِي شرف الدّين النهاوندي وَعَاد فتح الدّين إِلَى الْقَاهِرَة فِيمَا بعد وَهُوَ من بَيت علم أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ ثمَّ ولي الْقَضَاء باشموم وَله نظم ونثر ومولده فِي الْعشْر الْأَوْسَط من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست ماية أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(تظافر الْمَوْت والغلاء ... هَذَا لعمري هُوَ الْبلَاء)
(وَالنَّاس فِي غَفلَة وَجَهل ... لَو فطن النَّاس مَا أساءوا)(2/102)
وأنشدني لنَفسِهِ وَقد أهدي إِلَيْهِ بسر غليظ النَّوَى رَقِيق الْجلد
(أرْسلت لي بسراً حَقِيقَته نوى ... عَار فَلَيْسَ لجسمه جِلْبَاب)
(وَإِذا تَبَاعَدت الجسوم فودنا ... بَاقٍ وَنحن على النَّوَى أحباب)
وأنشدني لنَفسِهِ
(أَنِّي لأوثر أَن أرا ... ك وَلست أوثر أَن تراني)
(علما بِأَنِّي فِي السما ... ع أجل مني فِي العيان)
وأنشدني لنَفسِهِ فِي مليح مُحدث
(علقته مُحدثا ... شرد عَن عَيْني الوسن)
(حَدِيثه وَوَجهه ... كِلَاهُمَا عِنْدِي حسن)
وأنشدني لنَفسِهِ)
(يَا أَيهَا الْمولى الْوَزير الذ ... ي أفضاله أوجب تفضيله)
(أَحْسَنت إِجْمَالا وَلم ترض ... بالإجمال إِذْ أرْسلت تَفْصِيله)
قلت شعر جيد فِيهِ قُوَّة ولطف
3 - (البجدي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الشَّيْخ الصَّالح الْخَيْر المقرىء)
أَبُو عبد الله البجدي بتَشْديد الْجِيم الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ سمعُوا مِنْهُ قَدِيما فِي حَيَاة ابْن عبد الدايم ثلاثيات البُخَارِيّ مَرَّات عَن ابْن الزبيدِيّ ثمَّ ترددوا فِيهِ فَسَأَلَهُ شمس الدّين سنة ثلث وَسبع ماية بِكفْر بَطنا عَن جلية الْأَمر قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين فَذكر مَا يَقْتَضِي أَن مولده سنة سِتّ وثلثين وَأَنه من أَقْرَان عبد الله بن الشَّيْخ وَقَالَ كَانَ لي أَخ أُسَمِّهِ اسمى ذَاك من أَقْرَان القَاضِي تَقِيّ الدّين سليمن مَاتَ صَبيا وَسمع من المرسي وخطيب مردا وابرهيم ابْن خَلِيل وَأَجَازَ لَهُ الْكثير مِنْهُم عبد اللَّطِيف بن القبيطي وَعلي بن أبي الفخار وكريمة القرشية وَطَالَ عمره وروى الْكثير وَكَانَ ذَا نصيب من صَلَاة وتأله وتواضع وقناعة وبجد قَرْيَة من الزبداني وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع ماية
3 - (الْمسند الصايغ المقرىء مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْخَالِق بن عَليّ ابْن سَالم بن مكي الْخَطِيب)
شيخ الْقُرَّاء ومسندهم تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْمَشْهُور بالصايغ ولد سنة سِتّ وثلثين وتلا بعدة كتب على الْكَمَال الضَّرِير والكمال ابْن فَارس والتقي النَّاشِرِيّ وَسمع من الرشيد الْعَطَّار وَجَمَاعَة وَأعَاد بالطيبرسية وَغَيرهَا وَكَانَ شَاهدا عاقداً خيرا صَالحا(2/103)
متواضعاً صَاحب فنون صحب الرضى الشاطبي مُدَّة وتضلع من اللُّغَة وَسمع صَحِيح مُسلم من ابْن الْبُرْهَان وَكَانَ يدْرِي القراآت ويعلل ويناظر صنف خطبا للْجمع وابتدأ كل خطْبَة بعلامة قَاض وجودهَا وَكتب الختمة فِي سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا وتلا عَلَيْهِ أيمة مثل الْبُرْهَان الحكري وأسمعيل العجمي وَابْن غَدِير وَأبي اسحق الرَّشِيدِيّ وَالْجمال ابْن عَوْسَجَة وتاج الدّين ابْن مَكْتُوم وعَلى الْحلَبِي الضَّرِير وَعوض السَّعْدِيّ وَمُحَمّد ابْن الزمرذي وَأبي الْعَبَّاس العكبري النَّحْوِيّ وَالْقَاضِي بهاء الدّين ابْن عقيل وَالشَّمْس العزب وَخلق سواهُم توفّي سنة خمس وَعشْرين وَسبع ماية
3 - (الْمسند شمس الدّين ابْن الزراد مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الهيجاء الشَّيْخ الْمسند الرحلة الصدوق)
شمس الدّين أَبُو عبد الله الصَّالِحِي ابْن الزراد الحريري)
ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسمع بعد الْخَمِيس من الْبَلْخِي وَمُحَمّد بن عبد الْهَادِي وأخيه والعماد بن النّحاس واليلداني والصدر الْبكْرِيّ وخطيب مردا وابرهيم بن خَلِيل والفقيه اليونيني وعدة وَسمع الْكتب الْكِبَار وَتفرد وَرُوِيَ الْكثير خرج لَهُ الشَّيْخ الدّين مشيخة وَكَانَ دينا متواضعا يتجبر ويرتفق ثمَّ ضعف حَاله وافتقر وساء ذهنه قبل مَوته وتبلغم وَكَانَ لَهُ نظم
3 - (تَاج الدّين ابْن قدس مُحَمَّد بن أَحْمد بن هبة الله بن قدس تَاج الدّين الأرمنتي)
كَانَ مقرئاً فَاضلا وَكَانَ أَمَام الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بِالْقَاهِرَةِ توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي حُدُود السَّبع ماية من شعره
(قد قلت أذ لج فِي معاتبتي ... وَظن أَن الملال من قبلي)
(خدك ذَا الْأَشْعَرِيّ حنفني ... وَكَانَ من أَحْمد الْمذَاهب لي)
(حسنك مَا زَالَ شَافِعِيّ أبدا ... يَا مالكي كَيفَ صرت معتزلي)
وَمِنْه
(احفظ لسَانك لَا أَقُول فَإِن أقل ... فنصيحة تخفي على الْجلاس)
(وأعيذ نَفسِي من هجايك فَالَّذِي ... يهجي يكون مُعظما فِي النَّاس)
3 - (المصغوني مُحَمَّد بن أَحْمد بن فتوح الْمُحدث الْعَالم أَبُو الْفضل)
المصغوني بِالْمِيم وَالصَّاد الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وواو بعْدهَا نون وياء النِّسْبَة الأسكندراني قدم دمشق وَطلب الحَدِيث سنة ثلث عشرَة وَسبع ماية وَقَرَأَ الصَّحِيح على بنت المنجا وَسمع من القَاضِي تَقِيّ الدّين وطايفة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ذاكرته وعلقت عَنهُ شَيْئا وَكَانَ دينا عَاقِلا فَاضلا ولد قبل الثَّمَانِينَ وست ماية وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ذِي الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ وَسبع ماية وَحدث عَن التَّاج الغرافي(2/104)
3 - (كَمَال الدّين الْجَعْفَرِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب الْأَمَام الْفَقِيه)
كَمَال الدّين أَبُو عبد الله الْهَاشِمِي الْجَعْفَرِي الدِّمَشْقِي الْكَاتِب ولد سنة نَيف وَسبع ماية وَطلب الحَدِيث فِي وَقت وَدَار على الشُّيُوخ وَكتب الطباق سمع من الحجار والعفيف الْآمِدِيّ وَله محفوظات وَكَانَ توجه لكتابة الدرج بالرحبة ووكالة بَيت المَال بهَا بعدِي فِي سنة أحدى وثلثين وَسبع ماية وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ حضر إِلَى دمشق وَتوجه إِلَى ثغر جعبر كَاتب درج أَيْضا وَأقَام مديدة ثمَّ حضر إِلَى دمشق وباشر فِي ديوَان الْأَمِير سيف الدّين تنكز رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ)
توجه إِلَى مصر وباشر فِي ديوَان الأسرى بِدِمَشْق وَبِيَدِهِ فقاهات فِي الْمدَارِس وَلما كَانَ فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي أواخرها دخل ديوَان الأنشاء بِدِمَشْق فِي آخر أَيَّام الْأَمِير سيف الدّين يلبغا رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (المعمر ابْن مَنْعَة مُحَمَّد بن مَنْعَة بالنُّون الساكنة وَالْعين الْمُهْملَة ابْن مطرف بن طريف)
القنوى ثمَّ الصَّالِحِي الشَّيْخ الصَّالح المعمر شمس الدّين أَبُو يُوسُف مولده سنة خمس وثلثين وَسمع من عبد الْحق بن خلف جُزْء ابْن عَرَفَة حضورا وَسمع من ابْن قميرة أَن شَاءَ الله والمرسي واليلداني وَأَجَازَ لَهُ ابْن يعِيش النَّحْوِيّ والحافظ الضياء وابرهيم ابْن الخشوعي وَحدث بالكثير قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ خيرا أَمينا مَاتَ فِي الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وَسبع ماية وَله اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ سنة وَكَانَ يعرف مضيه للسماع من ابْن قميرة بدرب السوسى وَإِنَّمَا لم يجْزم لِأَن لَهُ أَخَوَيْنِ بإسمه
3 - (عز الدّين ابْن القلانسي الْمُحْتَسب مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن مَحْمُود)
القَاضِي عز الدّين ابْن القلانسي الْعقيلِيّ نَاظر الخزانة ومحتسب دمشق توفّي سنة سِتّ وثلثين وَسبع ماية وَكَانَ يرجع إِلَى سُكُون وَدين وخمد فِي مباشراته وَلما شهد الْجَمَاعَة بِأَن الصاحب شمس الدّين غبريال إِنَّمَا عمر أملاكه من بَيت المَال لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرا طلب ليشهد بذلك فأمتنع وَقَالَ كَيفَ أشهد بذلك وَهُوَ فِي كل شهر يصرف لَهُ جامكية وَغَيرهَا من بَيت المَال بمبلغ عشرَة آلَاف دِرْهَم وَله هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة الزمانية يتَنَاوَل ذَلِك وَمن كَانَ كَذَلِك مَا يكون فَقِيرا وَلم يشْهد فَقيل لَهُ أَنَّك تعزل من وظايفك فَلم يُوَافق وعزل وَلم يشْهد وَلما بلغ السُّلْطَان ذَلِك أعجبه دينه وَلم يحل وقف أَمْلَاك الصاحب
3 - (القَاضِي شمس الدّين ابْن القماح مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم ابْن حيدرة بن عَليّ الْقرشِي)
الْمصْرِيّ هُوَ القَاضِي الْأَمَام شمس الدّين أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن القماح الشَّافِعِي سمع من أبي أسحق ابرهيم بن عمر بن مُضر صَحِيح مُسلم إِلَّا قَلِيلا وَمن النجيب عبد اللَّطِيف والعز عبد الْعَزِيز ابْني عبد الْمُنعم بن عَليّ بن الصيقل الْحَرَّانِي وَعبد الرَّحِيم بن يُوسُف ابْن خطيب(2/105)
المزة وقاضي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين الشَّافِعِي فِي آخَرين وَحدث وتفقه وبرع)
وَأعَاد وَأفْتى وناب فِي الحكم على بَاب الْجَامِع الصَّالِحِي بِظَاهِر الْقَاهِرَة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الْمُجَاورَة لقبر الْأَمَام الشَّافِعِي بالقرافة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين كَانَ آيَة فِي حفظ الْقُرْآن الْكَرِيم وَفِي الذكاء مشطوراً فِي الْفَتَاوَى وناب عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة فِي تدريس الكاملية مُدَّة غيبته فِي الْحجاز وَجمع مجاميع مفيدة وعَلى ذهنه وفيات وتواريخ وحكايات ونوادر مولده سنة سِتّ وَخمسين وست ماية قلت أجَاز لي بِالْقَاهِرَةِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
3 - (تَاج الدّين الدشناوي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد)
تَاج الدّين ابْن الشَّيْخ جلال الدّين الدشناوي محتداً القوصي مولداً وداراً ووفاة عَالم فَاضل مُحدث أديب شَاعِر كريم الْأَخْلَاق طيب الْعشْرَة قوي الْجنان فصيح اللِّسَان قَرَأَ القراآت على الشَّيْخ نجم الدّين عبد السَّلَام بن حفاظ وَسمع على الْمُنْذِرِيّ وعَلى الرشيد الْعَطَّار وتقي الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد والحافظ الدمياطي وَغَيرهم وَحدث بقوص ومصر والقاهرة والأسكندرية وَسمع مِنْهُ ابْن سيد النَّاس فتح الدّين وَالشَّيْخ عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور وفخر الدّين عُثْمَان النويري الْمَالِكِي وسراج الدّين عبد اللَّطِيف بن الكويك وَغَيرهم وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ مجد الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَعَن وَالِده جلال الدّين الدشناوي وَالشَّيْخ بهاء الدّين هبة الله القفطي ودرس بالفاضلية بِالْقَاهِرَةِ نِيَابَة عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد ودرس بالعزية بِظَاهِر قوص والمدرسة النجمية والمدرسة السِّرَاجِيَّة وَأفْتى وَحدث مولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وست ماية وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع ماية قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي أَنْشدني شَيخنَا تَاج الدّين قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ شمس الدّين التّونسِيّ
(أَصْبِر على حَادِثَة أَقبلت ... فَهِيَ سَوَاء وَالَّتِي ولت)
(وأرهف الْعَزْم فَلَيْسَ الظبي ... تفري وتبري كَالَّتِي كلت)
قَالَ فنظمت هَذِه الأبيات وأنشدتها للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فاستحسنها وَهِي
(لَيْت يدا صدت حبيباً أَتَى ... للوصل يشفي غلتي غلت)
(قضيت قدماً مَعَه عيشة ... يَا لَيْت فِيهَا مدتي مدت)
(لَو لم أَرض نَفسِي بصبر غَدا ... سَاعَة صد جنتي جنت)
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ)
(الشين فِي الشَّيْخ من شرب غَدا كدرا ... فَلم تعفه نفوس الغانيات سدى)
(وَالْيَاء من يأس أَن تصبوا إِلَيْهِ وَقد ... بَدَت لَهَا لحْمَة من شَيْبه وسدى)
(وَالْخَاء من خوف أَن تقضي لَهُ فترى ... مَا أَبيض من شعره فِي جيدها مسدا)(2/106)
قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين وَمِمَّا نظمته أَنا فِي ذَلِك قولي
(الشين فِي الشَّيْخ من شين الم بِهِ ... وَالْيَاء يأس من اللَّذَّات والهمم)
(وَالْخَاء من خامر الْجِسْم الصَّحِيح أَذَى ... يقصي قواه ويدنيه من الْعَدَم)
وَمن شعر الشَّيْخ تَاج الدّين
(وَلَوْلَا رجاي أَن شملي بعد مَا ... تشَتت بالبين المشت سيجمع)
(لما بقيت مني بقايا حشاشة ... تحال على طيف الخيال فتقنع)
وَمِنْه
(عجزت عَن قصَّة الطَّبِيب وَعَن ... قصَّة أَخذ الشَّرَاب أَن وَصفه)
(وَالْحَال أبدت لمن تميزها ... تَعَجبا سَاءَ مصدرا وَصفه)
3 - (الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن تَمام مُحَمَّد بن أَحْمد بن تَمام بن كيسَان أَبُو عبد الله الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ)
الْخياط هُوَ الشَّيْخ الْبركَة أَخُو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَمام ولد بطرِيق الْحَج سنة أحدى وَخمسين وست ماية وَسمع سنة سِتّ وَخمسين من عمر بن عوة التَّاجِر وَتَمام السروري وَمن ابْن عبد الدايم وَعبد الْوَهَّاب ابْن مُحَمَّد وَمن وَالِده عَن الْقزْوِينِي خرج لَهُ الشَّيْخ شمس الدّين مشيخة فِي جُزْء ضخم وَسمع مِنْهُ خلق كثير واشتهر بالصلاح والتواضع وَطَالَ عمره وَحدث أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ يرتزق من خياطَة الخام وَمِمَّا يفتح عَلَيْهِ وَيطْعم ويؤثر وَكَانَ مليح الْوَجْه بساما لين الْكَلِمَة أمارا بِالْمَعْرُوفِ لَهُ وَقع فِي لقلوب ومحبة فِي الصُّدُور نَشأ فِي تصون وعفاف وتفقه قَلِيلا وَصَحب الأخيار كالشيخ شمس الدّين ابْن الْكَمَال ورافق الْأَمَام شمس الدّين ابْن مُسلم وَالشَّيْخ عَليّ بن نَفِيس وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين تنكز يُكرمهُ ويزوره وَيذْهب هُوَ إِلَيْهِ ويشفع عِنْده ومتع بحواسه وابطأ شَيْبه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين روى لنا عَن المؤتمن بن قميرة وَتُوفِّي فِي ثَالِث عشر ربيع الأول سنة أحدى وَأَرْبَعين وَسبع ماية بِمَنْزِلَة وشيعه خلق عَظِيم وَهُوَ أَخُو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عبد الله بن تَمام الأديب الْفَاضِل وَسَيَأْتِي ذكره أَن شَاءَ الله تَعَالَى قلت وَقد أجَاز لي أَيْضا بِخَطِّهِ فِي سنة تسع)
وَعشْرين وَسبع ماية بِدِمَشْق
3 - (مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَالِد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الفارقي الشَّيْخ بدر الدّين ابْن الصَّدْر شمس)
الدّين أجَاز لي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم بن حيدرة(2/107)
ابْن المنجا نَاظر الْجَامِع مُحَمَّد بن أَحْمد بن المنجا الشَّيْخ عز الدّين ابْن الشَّيْخ شمس الدّين التنوخي الْحَنْبَلِيّ نَاظر الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَابْن عَم قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين الْحَنْبَلِيّ حسن الشكل والعمة تَامّ الْقَامَة ريض الْأَخْلَاق بسام الثغر فِيهِ رياسة وَسُكُون وَكَانَ جمَاعَة للكتب اقتني مِنْهَا شَيْئا كثيرا وَكَانَ يمِيل إِلَى الشَّافِعِيَّة ويؤثرهم ويحبهم عزل من الْجَامِع بعد مَا كمل عِمَارَته وَعمارَة المأذنة الشرقية وَغَيرهَا من أوقاف الْجَامِع من أحسن مَا يكون وَبَقِي بطالا مُدَّة ثمَّ أَنه تولى الْحِسْبَة بِدِمَشْق فباشرها قَلِيلا قَرِيبا من خَمْسَة أشهر وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي عشْرين جمدى الأولى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَخلف عَلَيْهِ ديوناً كَثِيرَة لم تف بهَا التَّرِكَة ابْن الفوية مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الأسكندراني الصُّوفِي شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الفوية أجتمعت بِهِ غير مرّة بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي طاعون مصر وَكَانَ قد نسك آخر عمره وأنشدني كثيرا من شعره فَمن ذَلِك قَوْله
(لي أم من أصلح النَّاس تَدْعُو ... لي رب السَّمَاء سرا وجهرا)
(جعل الله كل يابسة يَا ... نور عَيْني بَين كفيك خضرًا)
(فأستجيب الدُّعَاء فِي وَمَا ر ... دت يداها من الْمَوَاهِب صفرا)
(فَلِذَا لَا أفِيق ظهرا وعصراً ... سكرة لَا وَلَا عشَاء وفجرا)
وأنشدني أَيْضا لَهُ
(أعجامنا قد أَصبَحت قُلُوبهم ... وجدا يحب الخانقات خافقه)
(لَا تعجبوا فَكل كلب نابح ... وَلَا يحب الْكَلْب إِلَّا خائفه)
وأنشدني لَهُ أَيْضا وَقَالُوا الشَّيْخ مجد الدّين شيخ الْجَهَالَة والبلاده فَقلت واوحد فِي اللياط وَفِي القياده وزيدوا أَن أردتم وَشَيخ النحس زَاده)
كتب الْمولى جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة إِلَى شمس الدّين ابْن الفوية
(واحربا من سوالف الخشف ... والنواعس الوطف)
كم لَك يَا خشف من فَتى وامق لنون صدغيك يعبد الْخَالِق(2/108)
يَا لَكمَا من رشا وَمن عاشق
(من ذَا وَمن نون صدغ ذَا قل فِي ... عَابِد على حرف)
سكنت عِنْدِي بَيْتا هُوَ الْقلب وغبت عَن ناظري فَلَا عتب يفديك يَا بدر هايم صب
(بمنزل الْقلب مِنْهُ تستكفي ... لَا بمنزل الطّرف)
جَادَتْ جفوني بالأدمع الْحمر جود ابْن فضل الأله بالتبر لله مِنْهُ جواد ذَا الدَّهْر
(يمسك جود الحيا عَن الوكف ... وَهُوَ جايد الْكَفّ)
أنظر لآثار مجده العالي وصنعه بالعدى وبالمال صَنْعَة نَحْو بديعة الْحَال
(فَالْمَال نَحْو العفاة للصرف ... والعداة للحذف)
ختام ذكر الْعلي بِهِ مسك وان لَفْظِي لفضله سلك وصفي وجدواه لَيْسَ يَنْفَكّ فَلَيْسَ يخلى يدايمن عرفأو علاهُ من وصف وأغيد زَارَهُ مخالفه وَعَاد بعد الجفا يساعفه وَقَالَ لما مَشى يكاثفه)
(أصبح بعد الْجفَاء وَالْخلف ... كالطراز على كَتِفي)
فَكتب الْجَواب إِلَيْهِ عَن ذَلِك
(زهر أم الزهر يَانِع القطف ... من كمايم السجف)
رياض حسن قد راضها الدل من ورد خد فِيهِ الحيا طل وآس صدغ فِيهِ الحيا ظلّ
(كَفَفْت عَن هصر زهرها كفي ... إِذْ رعيت بالطرف)(2/109)
من لي ببدر حشاشتي أفقه يزِيدهُ حسن وَجهه طلقه لَو جال فِي سمع عاذلي نطقه
(لقَالَ فِيهِ بالصوت والحرف ... عاذلي بِلَا خلف)
قلت وصدغ فِي الخد قد عقرب ونمل ذَاك العذار فِيهِ دب وَحسنه فِي طرازه الْمَذْهَب
(يَا وَاو صدغ من لين الْعَطف ... هَل أتيت للْعَطْف)
قَالَ وأبدي ابتسامه درا أَعْطَيْت نظم الْجمال والنثرا ونطقه فأتخذتهم ثغرا
(وصنتهم فِي مَوَاضِع الرشف ... لَا مَوَاضِع الشنف)
أشرف يَا بني نباتة الْأَدَب وَقد نشا فِي القريض والخطب فهم وَلَو لم يضمهم نسب
(بَينهم نِسْبَة من الظّرْف ... وَالْبَيَان واللطف)
وغادة دون حسنها الْوَصْف يثقلها عِنْد خطوها الردف)
قَالَت وأمواج ردفها تطفو
(هَذَا الثقيل ردفي يعْتَمد خَلْفي ... أَمْشِي يَنْقَطِع خَلْفي)
3 - (ابْن جَابر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن جَابر الأندلسي الضَّرِير أَبُو عبد الله الهواري المريي)
عرف بِابْن جَابر قدم إِلَى دمشق وَسمع بهَا على أَشْيَاخ عصره وَتوجه من دمشق إِلَى حلب فِي أخريات سنة ثلث وَأَرْبَعين وَسبع ماية أجتمعت بِهِ وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة ثمانٍ وَتِسْعين وست ماية بالمرية وَقَرَأَ الْقُرْآن والنحو على أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْعَيْش وَالْفِقْه لمَالِك رَضِي الله عَنهُ عَليّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن سعيد الرندي وَسمع عَليّ أبي عبد الله مُحَمَّد الزواوي صَحِيح البُخَارِيّ غير كَامِل وينظم الشّعْر جيدا وأنشدني شَيْئا من شعره وَكتب إِلَيّ يستجيزني(2/110)
(أَن البراعة لفظ أَنْت مَعْنَاهُ ... وكل شَيْء بديع أَنْت مَعْنَاهُ)
(أنشاد نظمك أشهى عِنْد سامعه ... من نظم غَيْرك لَو أسحق غناهُ)
(تحجب الشّعْر عَن قوم وَقد جهدوا ... وَعِنْدنَا جِئْته أبدي محياه)
(أتيت مِنْهُ بِمثل الرَّوْض مُبْتَسِمًا ... فَلَو تكلم زهر الرَّوْض حَيَّاهُ)
(حجرت بعد ابْن حجر أَن يحوز فَتى ... محَاسِن الشّعْر إِلَّا كنت أَيَّاهُ)
(وَهل خَلِيل إِذا عدت محاسنه ... إِلَّا حبيب إِذا عدت مزاياه)
(إِذا المعري رامت ذكره بلد ... قُلْنَا لَهَا الصَّفَدِي الْيَوْم أنساه)
(أَعْلَام كل بديع راق سامعه ... أَعْلَام فجر تلقهن كَفاهُ)
(مَا لَذَّة السّمع إِلَّا من فوايده ... وَلَا لفض ختام الْعلم إِلَّا هُوَ)
(يَا مشبه الْبَحْر فِيمَا حَاز من دُرَر ... لَكِن وردك عذب أَن وردناه)
(حليت أسماعنا بالدر مِنْك وَمَا ... كَمَال ذَلِك إِلَّا أَن روينَاهُ)
(تِلْكَ الذخاير أولى مَا نسير بهَا ... للغرب مغربة فِيمَا سمعناه)
(كَذَا الْكَوَاكِب شَرق الأَرْض مطْلعهَا ... وَكلهَا أبدا للغرب مسراه)
(أَن ابْن جَابر أَن تسأله معرفَة ... مُحَمَّد عِنْد من نَادَى فَسَماهُ)
(لما عمرت مجَال السّمع مِنْهُ بِمَا ... لَو جال فِي سمع ملحود لأحياه)
(وأفاكم مستجيزاً والأجازة من ... أمثالك الْيَوْم أحدى مَا سألناه)
)
(فألفظ مجيزاً لنا مَا صغت من كلم ... يُنَازع الرَّوْض مرآه ورياه)
(نظم ونثر يهز السامعين لَهُ ... لَو صِيغ للدر حلى كَانَ أَيَّاهُ)
(أجازة شملت مَا قد رويت وَمَا ... الفت يَا نخبة فِيمَن رَأَيْنَاهُ)
(فعش لنظم الْمعَانِي فِي مواقعها ... وَدم لوارف عز طَابَ مجناه)
فَكتبت لَهُ أجازة صدرتها بِقَوْلِي
(يَا فَاضلا كرمت فِينَا سجاياه ... وخصنا باللآلى من هداياه)
(خصصتني بقريض شف جوهره ... لما تألق مِنْهُ نور مَعْنَاهُ)
(من كل بَيت مبانيه مشيدة ... كم من خبايا معَان فِي زواياه)
(إِذا أديرت قوافيه وَقد ثمل ال ... نديم أغنته عَن رَاح تعاطاه)
(وَغير مستنكر من أهل أندلس ... لطف إِذا هَب من روض عَرفْنَاهُ)
(هم فوارس ميدان البلاغة فِي ... يَوْم الفصاحة أَن خطوا وَأَن فاهو)
(إيه تفضلت بالنظم البديع فَمَا ... أَعْلَاهُ عِنْدِي من عقد وأغلاه)(2/111)
(أَقْسَمت لَو سمعته أذن ذِي حزن ... فِي الدَّهْر الهمه البشري والهاه)
(أَشرت فِيهِ بِأَمْر مَا أقابله ... إِلَّا بِطَاعَة عبد خَافَ مَوْلَاهُ)
(وَلست أَهلا لِأَن تروى فضايح مَا ... عِنْدِي لِأَنِّي من التَّقْصِير أخشاه)
(وَلَيْسَ إِلَّا الَّذِي ترضاه فأرو عَن ال ... مَمْلُوك مَا رحت تهواه وترضاه)
3 - (بدر الدّين ابْن بصخان مُحَمَّد بن أَحْمد بن بصخان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة)
وَبعد الْخَاء الْمُعْجَمَة ألف وَنون ابْن عيد الدولة الْأَمَام شيخ الْقُرَّاء بدر الدّين أَبُو عبد الله ابْن السراج الدِّمَشْقِي المقرىء النَّحْوِيّ ولد سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وست ماية وَسمع الْكثير بعد الثَّمَانِينَ من أبي أسحق اللمتوني والعز ابْن الْفراء والأمام عز الدّين الفاروثي وطايفة وعني بالقراآت سنة تسعين وَبعدهَا فَقَرَأَ للحرميين وَأبي عمر عَليّ رَضِي الدّين ابْن دبوقا وَلابْن عَامر على جمال الدّين الفاضلي وَلم يكمل عَلَيْهِ ختمة الْجمع ثمَّ كمل على الدمياطي وبرهان الدّين الأسكندراني وتلا لعاصم ختمة على الْخَطِيب شرف الدّين الْفَزارِيّ ولازمه مُدَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح القصيد لأبي شامة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وترددنا جَمِيعًا إِلَى الشَّيْخ الْمجد عَلَيْهِ فِي القصيد ثمَّ حج غير مرّة وانجفل عَام سبع ماية إِلَى مصر)
وَجلسَ فِي حَانُوت تَاجِرًا قبل على الْعَرَبيَّة فأحكم كثيرا مِنْهَا وَقدم دمشق بعد سنة أَعْوَام وتصدي لأقراء القراآت والنحو وقصده الطّلبَة وَظَهَرت فضايله وبهرت معارفه وَبعد صيته ثمَّ أَنه اقْرَأ لأبي عَمْرو بأدغام الْحمير لتركبوها وبابه وَرَآهُ سايغاً فِي الْعَرَبيَّة وَالْتزم أخراجه من القصيد وصمم على ذَلِك مَعَ اعترافه بِأَنَّهُ لم يقل بِهِ أحد وَقَالَ أَنا قد أذن لي فِي الْأَقْرَاء بِمَا فِي القصيدة وَهَذَا يخرج مِنْهَا فَقَامَ عَلَيْهِ شَيخنَا الْمجد وَابْن الزملكاني وَغَيرهمَا فَطَلَبه قَاضِي الْقُضَاة ابْن صصري بحضورهم وراجعوه وباحثوه فَلم ينْتَه فَمَنعه الْحَاكِم من الْأَقْرَاء بذلك وَأمره بموافقة الْجُمْهُور فتألم وأمتنع من الْأَقْرَاء جملَة ثمَّ أَنه أستخار الله تَعَالَى فِي الْأَقْرَاء بالجامع وَجلسَ للأفادة فأزدحم عَلَيْهِ المقرئون وَأخذُوا عَنهُ واقرأ الْعَرَبيَّة وَله ملك يقوم بمصالحه وَلم يتَنَاوَل من الْجِهَات درهما وَلَا طلب جِهَة مَعَ كَمَال أَهْلِيَّته قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وذهنه متوسط لَا بَأْس بِهِ ثمَّ ولي بِلَا طلب مشيخة التربة الصالحية بعد مجد الدّين التّونسِيّ بِحكم أَنه اقْرَأ من بِدِمَشْق فِي زَمَانه قلت وَأشهر عَنهُ أَنه لَا يَأْكُل إِلَّا اللَّحْم مصلوقة والحلاوة السكرية لَا غير وَلم يَأْكُل المشمش عمره وَمن شعره فِي المشمش
(قد كسر المشمش قلبِي وَلم ... أكسر لَهُ مُنْذُ أَتَى قلبا)
(لسعره الغالي وعسري مَعًا ... وأستحي أَن القط الحبا)(2/112)
وَكَانَ يدْخل الْحمام وعَلى رَأسه قبع لباد غليظ فَإِذا تغسل رَفعه وَإِذا بَطل قلب المَاء أَعَادَهُ فأورثه ذَلِك ضعفا فِي الْبَصَر وَكَانَ لَهُ قعدد فِي جُلُوسه ومشيته لَا يتنخم وَلَا يبصق إِذا كَانَ جَالِسا للأقراء وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى خَامِس ذِي الْحجَّة سنة ثلث وَأَرْبَعين وَسبع ماية بِدِمَشْق وَكَانَ حسن البزة والعمة منور الشيبة طيب النغمة جيد الْأَدَاء أَنْشدني شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الْخياط قَالَ أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(كلما أخترت أَن ترى يُوسُف الْحس ... ن فَخذ فِي يَمِينك الْمرْآة)
(وأنظرا فِي صفايها تبصرته ... وأعذراً من لأجل ذَا الْحسن باتا)
(لَا يَذُوق الرقاد شوقاً إِلَيْهِ ... قلق الْقلب لَا يُطيق ثباتا)
وأنشدني بالسند الْمَذْكُور لَهُ فِي مليح دخل الْحمام مَعَ عَمه فَلَمَّا جعل السدر على وَجهه قلب المَاء عَلَيْهِ أسود كَانَ هُنَاكَ)
(وبروحي ظَبْي على وَجهه السد ... ر وَقد أغمض الجفون لذَلِك)
(قايلاً عِنْد ذَاك حِين أَتَاهُ ... يسْكب المَاء عَلَيْهِ أسود حالك)
(من ترى الَّذِي يصب أعمى ... قلت بل ذَا الَّذِي يصب كخالك)
قلت قد حقق الشَّيْخ بدر الدّين رَحمَه الله مَا قيل عَن شعر النُّحَاة من الثقالة على أنني مَا أعتقد أَن أحدا رَضِي لنَفسِهِ أَن ينظم هَكَذَا وَالَّذِي أَظُنهُ أَنه تعمد هَذَا التراكيب القلقة وَإِلَّا فَمَا فِي طباع أحد يعاني النّظم هَذَا التعسف وَلَا هَذِه الركاكة وَلَكِن الْمعَانِي جَيِّدَة وَدخل يَوْمًا هُوَ وَالشَّيْخ نجم الدّين القحفازي فِي درب الْعَجم وَبِه ظروف زَيْت فعثر فِي أَحدهَا فَقَالَ الشَّيْخ نجم الدّين تعسنا فِي ظرف الْمَكَان فَقَالَ الشَّيْخ بدر الدّين لِأَنَّك تمشي بِلَا تَمْيِيز فَقَالَ أَن ذَا حَال نحس أجَاز لي رَحمَه الله جَمِيع مَا صنفه ونظمه وسَمعه وَكتب لي بِخَطِّهِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
3 - (ابْن عبد الْهَادِي الْحَنْبَلِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي ابْن عبد الحميد بن عبد الْهَادِي بن)
يُوسُف بن مُحَمَّد بن قدامَة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ مولده سنة خمس وَسبع ماية وَتُوفِّي فِي الْعشْر الأول من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع ماية سمع القَاضِي تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة وَأَبا بكر بن عبد الدايم وَعِيسَى الْمطعم وَأحمد بن أبي طَالب الحجار وَأكْثر عَن مُحَمَّد الزراد وَسعد الدّين ابْن سعد وعدة وتفقه بِالْقَاضِي شمس الدّين ابْن مُسلم وَتردد كثيرا إِلَى الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تميية وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي الْعَبَّاس الأندرشي وعلق على التسهيل مجلدتين وتأذى بذلك أَبُو الْعَبَّاس الأندرشي وَأخذ بعض القراآت تفقها عَن ابْن بصخان وَحفظ كتبا مِنْهَا أرجوزة الحويي فِي علم الحَدِيث والشاطبية والرائية وَالْمقنع ومختصر ابْن الْحَاجِب وعلق على أَحَادِيثه وَعمل تراجم الْحفاظ وَعمل كتاب الْأَحْكَام وَلم يكمل قيل لي أَنه فِي ثَمَان مجلدات وَله غير(2/113)
ذَلِك وَكَانَ أخيراً قد نزل عَن وظايفه بالمدارس ليلازم الأشتغال وَالْعَمَل وَلَو عمر لَكَانَ يكون من أَفْرَاد الزَّمَان رَأَيْته يواقف الشَّيْخ جمال الدّين الْمزي وَيرد عَلَيْهِ فِي أَسمَاء الرِّجَال وأجتمعت بِهِ غير مرّة وَكنت اسأله اسولة أدبية واسولة نحوية فأجده كَأَنَّهُ كَانَ البارحة يُرَاجِعهَا لأستحضاره مَا يتَعَلَّق بذلك وَكَانَ صافي الذِّهْن جيد الْبَحْث صَحِيح النّظر موقع الجزيرة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد السَّيِّد هُوَ شرف الدّين ابْن عماد الدّين ابْن شرف الدّين الْعَوْفِيّ الجزيري موقع الجزيرة شيخ حسن حُلْو الْعبارَة فصيحها لَهُ نظم ونثر وَكِتَابَة حَسَنَة)
وَله على الدولة خدم ومناصحات رتب لَهُ السُّلْطَان على ذَلِك راتباً أنحنى كبرا وَمَشى على عكازة سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي تَاسِع شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وست ماية أَنْشدني لنَفسِهِ كثيرا فَمِنْهُ قَوْله
(بَكت درراً بَكَيْت لَهَا عقيقاً ... فَصَارَ قلايداً فَوق الصُّدُور)
(فَلم أر مثل أدمعنا عقوداً ... نقلن من البحور إِلَى النحور)
وَمِنْه وَقد سكن بَين السورين بِدِمَشْق
(تَبًّا لساكن جَانب النَّهر الَّذِي ... فِي جلق فمقام ساكنه عَنَّا)
(أَن بلت يغْتَسل الَّذِي تحتي بِهِ ... أَو بَال من فَوقِي أغتسلت بِهِ أَنا)
قلت من قَول القايل فِي شيزر
(النَّهر أضحى كالطبيعة لَونه ... من غير مَا سقم عراه وَلَا ضنى)
(أُخْرَى فيشربه الَّذِي تحتي كَمَا ... يخرى الَّذِي فَوقِي فأشربه أَنا)
وَمِنْه فِي غلاية
(مَا قبَّة حَمْرَاء أَن شِئْت أَن ... تحملهَا يَا سَيِّدي تحمل)
(المَاء فِي ظَاهرهَا سَاكن ... وَالنَّار فِي بَاطِنهَا تشعل)
3 - (الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن قايماز الشَّيْخ الْأَمَام الْعَلامَة الْحَافِظ)
شمس الدّين أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ حَافظ لَا يجاري وَلَا فظ لَا يباري اتقن الحَدِيث وَرِجَاله وَنظر علله وأحواله وَعرف تراجم النَّاس وأزال الأبهام فِي تواريخهم(2/114)
والألباس من ذهن يتوقد ذكاؤه وَيصِح إِلَى الذَّهَب نسبته وانتماؤه جمع الْكثير ونفع الجم الْغَفِير وَأكْثر من التصنيف ووفر بالأختصار مُؤنَة التَّطْوِيل فِي التَّأْلِيف وقف الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني رَحمَه الله على تَارِيخه الْكَبِير الْمُسَمّى بتاريخ الأسلام جُزْءا بعد جُزْء إِلَى ان أنهاه مطالعة وَقَالَ هَذَا كتاب علم أجتمعت بِهِ واخذت عَنهُ وقرأت عَلَيْهِ كثيرا من تصانيفه وَلم أجد عِنْده جمود الْمُحدثين وَلَا كودنة النقلَة بل هُوَ فَقِيه النّظر لَهُ دربة بأقوال النَّاس ومذاهب الأيمة من السّلف وأرباب المقالات وأعجبني مِنْهُ مَا يعانيه فِي تصانيفه من أَنه لَا يتَعَدَّى حَدِيثا يُورِدهُ حَتَّى يبين مَا فِيهِ من ضعف متن أَو ظلام أسناد أَو طعن فِي رُوَاته وَهَذَا لم أر غَيره يُرَاعى هَذِه الفايدة فِيمَا يُورِدهُ وَمن تصانيفه تَارِيخ)
الأسلام وَقد قَرَأت عَلَيْهِ مِنْهُ الْمَغَازِي والسيرة النَّبَوِيَّة إِلَى آخر أَيَّام الْحسن وَجَمِيع الْحَوَادِث إِلَى آخر سنة سبع ماية وتاريخ النبلاء والدول الأسلامية وطبقات الْقُرَّاء وَسَماهُ معرفَة الْقُرَّاء الْكِبَار على الطَّبَقَات والأعصار تناولته مِنْهُ وأجازني رِوَايَته وكتبت عَلَيْهِ
(عَلَيْك بِهَذِهِ الطَّبَقَات فأصعد ... إِلَيْهَا بالثنا أَن كنت راقي)
(تجدها سَبْعَة من بعد عشر ... كنظم الدّرّ فِي حسن أتساق)
(تجلى عَنْك ظلمَة كل جهل ... بِهِ أضحى مقالك فِي وثاق)
(فنور الشَّمْس أحسن مَا ترَاهُ ... إِذا مَا لَاحَ فِي السَّبع الطباق)
وطبقات الخفاظ مجلدين ميزَان الأعتدال ف الرِّجَال فِي ثلثة أسفار كتاب المشتبه فِي الْأَسْمَاء والأنساب مُجَلد نبأ الدَّجَّال مُجَلد تذهيب التَّهْذِيب أختصار تَهْذِيب الْكَمَال للشَّيْخ الْحَافِظ جمال الدّين الْمزي أختصار كتاب الْأَطْرَاف للمزي أَيْضا الكاشف أختصار التذهيب أختصار السّنَن الْكَبِير للبيهقي تَنْقِيح أَحَادِيث التَّعْلِيق لِابْنِ الْجَوْزِيّ المستحلي أختصار الْمحلي المقتني من الكني المغنى فِي الضُّعَفَاء العبر فِي خبر من غبر مجلدان أختصار الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم أختصار تَارِيخ ابْن عَسَاكِر فِي عشرَة أسفار أختصار تَارِيخ الْخَطِيب مجلدان أختصار تَارِيخ نيسابور مُجَلد الكباير جزآن تَحْرِيم الأدبار جزآن أَخْبَار السد أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب تَوْقِيف أهل التَّوْفِيق على مَنَاقِب الصّديق نعم السمر فِي سيرة عمر التِّبْيَان فِي مَنَاقِب عُثْمَان فتح المطالب فِي أَخْبَار عَليّ بن أبي طَالب وقرأته عَلَيْهِ مُعْجم أشياخه وهم ألف وَثلث ماية شيخ أختصار كتاب الْجِهَاد(2/115)
لبهاء الدّين ابْن عَسَاكِر مَا بعد الْمَوْت مُجَلد أختصار كتاب الْقدر للبيهقي ثلثة أَجزَاء هَالة الْبَدْر فِي عدد أهل بدر أختصار تَقْوِيم الْبلدَانِ لصَاحب حماة نغض الجعبة فِي أَخْبَار شُعْبَة قض نهارك بأخبار ابْن الْمُبَارك أَخْبَار أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي وَله فِي تراجم الْأَعْيَان لكل وَاحِد مُصَنف قايم الذَّات مثل الأيمة الْأَرْبَع وَمن جرى مجراهم لكنه أَدخل الْكل فِي تَارِيخ النبلاء أَخْبرنِي من لَفظه بمولده قَالَ فِي ربيع الآخر سنة ثلث وَسبعين وست ماية وأرتحل وَسمع بِدِمَشْق وبعلبك وحمص وحماة وحلب وطرابلس ونابلس والرملة وبلبيس والقاهرة والأسكندرية والحجاز والقدس وَغَيرهَا وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة الأثنين ثَالِث ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَدفن فِي مَقَابِر بَاب الصَّغِير أَخْبرنِي العلاَّمة قَاضِي الْقُضَاة تقيُّ الدّين السُّبْكِيّ الشَّافِعِي قَالَ عدته لَيْلَة مَاتَ فَقلت لَهُ كَيفَ)
تجدك قَالَ فِي السِّيَاق وَكَانَ قد أضرّ رَحمَه الله تَعَالَى قبل مَوته بِأَرْبَع سِنِين أَو أَكثر بِمَاء نزل فِي عَيْنَيْهِ فَكَانَ يتَأَذَّى ويغضب إِذا قيل لَهُ لَو قدحت هَذَا لرجع إِلَيْك بَصرك وَيَقُول لَيْسَ هَذَا بِمَاء وَإِنَّمَا أعرف بنفسي لأنني مَا زَالَ بَصرِي ينقص قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن تَكَامل عَدمه وَقلت أَنا أرثيه
(لما قضى شَيخنَا وعالمنا ... وَمَات فِي التَّارِيخ وَالنّسب)
(قلت عَجِيب وَحقّ ذَا عجبا ... كَيفَ تحظى البلى إِلَى الذَّهَب)
وَقلت أَيْضا
(أشمس الدّين غبت وكل شمس ... يغيب وَزَالَ عَنَّا ظلّ فضلك)
(وَكم ورخت أَنْت وَفَاة شخص ... وَمَا ورخت قطّ وَفَاة مثلك)
أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ مضمنا وَهُوَ تخيل جيد إِلَى الْغَايَة
(إِذا قَرَأَ الحَدِيث على شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلى)
(فَمَا جازي بأحسان لِأَنِّي ... أُرِيد حَيَاته وَيُرِيد قَتْلِي)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(لَو أَن سفين على حفظه ... فِي بعض همي نسى الْمَاضِي)
(نَفسِي وعرسي ثمَّ ضرسي سعوا ... فِي غربتي وَالشَّيْخ وَالْقَاضِي)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله ... أَن صَحَّ والأجماع فأجهد فِيهِ)
(وحذار من نصب الْخلاف جَهَالَة ... بَين الرَّسُول وَبَين رأى فَقِيه)
وأنشدني أَيْضا من لَفظه لنَفسِهِ(2/116)
(أفق مَا معنى بِجمع الحطام ... ودرس الْكَلَام ومين يصاغ)
(ولازم تِلَاوَة خير الْكَلَام ... وجانب أُنَاسًا عَن الْحق زاغوا)
(وَلَا تخدعاً عَن صَحِيح الحَدِيث ... فَمَا فِي محق لرأي مساغ)
(وَمَا للتقي وللبحث فِي ... عُلُوم الأوايل يَوْمًا فرَاغ)
(بلاغاً من الله فَأَسْمع وعش ... قنوعاً فَمَا الْعَيْش إِلَّا بَلَاغ)
وَلما توفّي الشَّيْخ علم الدّين البرزالي تولى الشَّيْخ شمس الدّين تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ)
النفيسية وأمامتها عوضا عَنهُ وكتبتُ لَهُ توقيعاً بذلك وَهُوَ رُسِمَ بِالْأَمر العالي لَا زَالَت أوامره المطاعة تطلع فِي آفَاق الْمدَارِس شمسا وتزيل بِمن توليه عَن المشكلات لبسا أَن يرتب الْمجْلس السَّامِي الشيخي الشمسي فِي كَذَا وَكَذَا علما بِأَنَّهُ عَلامَة وحافظ مَتى أطلق هَذَا الْوَصْف كَانَ علما عَلَيْهِ وعلامة ومتبحر أشبه الْبَحْر أطلاعه والدر كَلَامه ومترجم رفع لمن ذكره فِي تَارِيخ الأسلام أَعْلَامه فَالْبُخَارِي طَابَ أرج ثنايه عَلَيْهِ وَمُسلم أول مُؤمن بِأَن هَذَا الْفَنّ انْتهى إِلَيْهِ وَأَبُو دَاوُد يحمد آثاره فِي سلوك سنَن السّنَن وَالتِّرْمِذِيّ يخال أَنه فدَاه بِنور ناظره من آفَات دَار الْفِتَن وَالنَّسَائِيّ لَو نسأ الله فِي أَجله لرأي مِنْهُ عجبا وَابْن ماجة لَو عاين مَا جَاءَ بِهِ ماج لَهُ طَربا فليباشر مَا فوض إِلَيْهِ مُبَاشرَة تلِيق بمحاسنه وتدل طالبي الصَّوَاب على مظانه وأماكنه وَيبين لَهُم طرق الرِّوَايَة فالفقه حلَّة وَعلم الحَدِيث علمهَا وطرازها وَالرِّوَايَة حَقِيقَة وَمَعْرِفَة الرِّجَال مجازها وَيتَكَلَّم على الْأَسَانِيد فَفِي بعض الطّرق ظلم وظلام ويورد مَا عِنْده من الْجرْح وَالتَّعْدِيل أَن بعض الْكَلَام فِيهِ كَلَام ويوضح أَحْوَال الروَاة الَّذين سلفوا فَلَيْسَ ذَاك بِعَيْب وَمَا لجرح بميت أيلام ونيم بِمَا أطلع عَلَيْهِ من تدليسهم فَمَا أحسن رَوْضَة هُوَ فِيهَا نمام ويسرد تراجم من مضى من الْقُرُون الَّتِي أنقضت فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام ويحرض على أتصال السَّنَد بِالسَّمَاعِ ليَكُون لَهُ من الْوَرق والمداد رصدان ضوء الصُّبْح والأظلام وَلَا يدع لَفْظَة توهم أشكالاً فالشمس تمحو حندس الأوهام حَتَّى يَقُول النَّاس أَن شُعْبَة مِنْك شُعْبَة وَأَبا زرْعَة لم تتْرك عِنْده من الْفضل حَبَّة وَابْن حزم ترك الحزم وَمَا تنبه وَابْن عَسَاكِر توجس مِنْك رعبه وَابْن الْجَوْزِيّ عدم لبه وَأكل الْحَسَد قلبه وَلَا تغفل عَن الزام الطّلبَة بالتكرار على الْمُتُون الصَّحِيحَة دون السقيمة فَمَا يستوى الطّيب والخبيث وَذكرهمْ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا وَأَن كَانَ الْحِفْظ(2/117)
بِمَعْنى الْجمع فَالْعَمَل بِظَاهِر الحَدِيث فَأَنت ذُو الصِّفَات الَّتِي أشتهرت والفضايل الَّتِي بهرت والدربة الَّتِي أقتدرت على هَذَا الْفَنّ ومهرت والفوايد الَّتِي مَلَأت الْأَمْصَار وَظَهَرت والحجج الَّتِي غلبت الْخُصُوم وقهرت لم تضع وقتا من زَمَانك أما أَن تسمع أَو تلقي أَو تنتقي وَأما أَن تجتهد فِي نصْرَة مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حَتَّى كَأَنَّك الْبَيْهَقِيّ وَأما أَن تصنف مَا يتَمَنَّى بَقِي ابْن مخلد لَو عَاشَ لَهُ وَبَقِي وَأَنت أَدْرِي بِشُرُوط الْوَاقِف رَحمَه الله فأرعها وأتبع أَصْلهَا وفرعها وأهد الدُّعَاء لَهُ عقيب كل ميعاد وأشركه مَعَ الْمُسلمين فِي ذَلِك فأنوار الرَّحْمَة تلمع على هَذَا)
السوَاد وأذكر من تقدمك فِيهَا بِخَير ففضله كَانَ مَشْهُورا وأسأل لَهُ الْجنَّة من الله ليسرك يَوْم الْقِيَامَة إِذا أصبح علما منشوراً والوصايا كَثِيرَة وَمثلك لَا يُنَبه وَلَا يُقَاس بِغَيْرِهِ وَلَا يشبه وملاك الْأُمُور تقوى الله تَعَالَى وَقد سلكت مِنْهَا المحجة وملكت بهَا الْحجَّة فَلَا تعطل مِنْهَا جيدك الحالي وأرو مَا عنْدك فِيهَا فسندك فِيهَا عالي وَالله يمدك بالأعانة ويوفقك للأنابة والأبانة بمنه وَكَرمه
3 - (ابْن اللبان الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن الأسعردي الدِّمَشْقِي)
الشَّيْخ الْأَمَام أَبُو عبد الله الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن اللبان سمع بِدِمَشْق من أبي حَفْص عمر بن عبد الْمُنعم ابْن القواس وانجفل إِلَى مصر وَسمع بهَا من الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي وَمن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقوي بن عبد الْكَرِيم الْخَثْعَمِي بطهرمس من الجيزية وَحدث بالديار المصرية وَسمع مِنْهُ الطّلبَة وَخرج لَهُ شهَاب الدّين أَحْمد بن أيبك الدمياطي جُزْءا من حَدِيثه وتفقه وبرع ودرس بزاوية فِي جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ ثمَّ بالشافعي وَعقد مجَالِس الْوَعْظ فِي وَقت مولده تَقْرِيبًا فِي حُدُود خمس وَثَمَانِينَ وست ماية ووفاته رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي طاعون مصر
3 - (ابْن عَدْلَانِ الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن ابرهيم بن عَدْلَانِ بن مَحْمُود بن لَاحق بن)
دَاوُد الْكِنَانِي أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ سمع من الْعِزّ ابْن الصيقل الْحَرَّانِي وَمن النظام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الخليلي مشيخة عمر بن طبرزذ تَخْرِيج ابْن الدبيثي بإجازتهما مِنْهُ وَمن مُحَمَّد بن ابرهيم بن ترْجم وَسمع من الدمياطي أخيراً وَأَجَازَ لَهُ عبد الله بن عبد الْوَاحِد بن علاق وَعبد الرحين بن خطيب المزة وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقُسْطَلَانِيّ وَغَيرهم وَحدث وَقَرَأَ الْقُرْآن على الصفي خَلِيل ابْن أبي بكر المراغي وَقَرَأَ الْمفصل على الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس(2/118)
وَقَرَأَ الْأُصُول على الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَقَرَأَ الْفِقْه على الْوَجِيه البهنسي وبرع فِي الْفِقْه وَشرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَلم يتم وَتوجه رَسُولا إِلَى صَاحب الْيمن فِي أَيَّام سلار والجاشنكير وباشر الْوكَالَة لأمير مُوسَى ابْن الصَّالح على ابْن الْملك الْمَنْصُور ودرس بعدة مدارس وافتى وَولي نِيَابَة الْقَضَاء للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد ومولده بعد السِّتين وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى بَين الْعِيدَيْنِ سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي طاعون مصر وَكَانَ مِمَّن أفتى فِي أَمر السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد بن)
قلاون فِي نوبَة الجاشنكير فَلَمَّا عَاد النَّاصِر من الكرك نقم عَلَيْهِ هَذَا الْحَال وَبَقِي مُدَّة أَيَّام النَّاصِر وَهُوَ عِنْده ممقوت وَقَرَأَ لَهُ فِي وَقت القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله قصَّة عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ قل لَهُ الَّذين كَانُوا يعرفونك مَاتُوا ثمَّ أَنه ولي قَضَاء الْعَسْكَر أَيَّام النَّاصِر أَحْمد بن مُحَمَّد وَلم يزل عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ
3 - (شرف الدّين الْمزي محمّد بن أَحْمد بن أبي بكر بن يُوسُف الْفَقِيه المقرىء الْمُحدث شرف)
الدّين الْمزي الصُّوفِي حصل وَقَرَأَ وَنسخ وَعمل ثمَّ أَنه ترك وظايفه بِالشَّام وتحول إِلَى مصر وتنزل بخانقاه سري أقوس فِي سنة سبع وَعشْرين وَسبع ماية وَسمع على أَشْيَاخ الْعَصْر بِمصْر وَسمع بِقِرَاءَتِي كتاب بشرى اللبيب بذكرى الحبيب بِخَطِّهِ على مُصَنفه الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية وَيكْتب خطا جيدا وَيذْهب على الكاغذ وَأخذ عَن الشَّيْخ شمس الدّين طَبَقَات الْقُرَّاء ومولده سنة أحدى وَسبع ماية
3 - (الْخَطِيب الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن سياوش)
الْأَمَام الْعَالم شمس الدّين أَبُو عبد الله الخلاطي ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي المقرىء الصُّوفِي خطيب الشَّام ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وست ماية وَتُوفِّي فجاءة رَحمَه الله فِي ثامن شَوَّال سنة سِتّ وَسبع ماية قَرَأَ على وَالِده وَقَرَأَ الْفِقْه والنحو وَطلب الحَدِيث قَلِيلا وَكتب الطباق روى عَن ابْن الْبُرْهَان وَابْن عبد الدايم والكرماني وطايفة وَأم بالكلاسة بعد وَالِده زَمَانا ثمَّ ولي خطابة الْبَلَد أشهراً الرقي مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْأَمَام الْمُفْتِي شيخ الْقُرَّاء شمس الدّين الرقي سمع الحَدِيث ورافق الطّلبَة وَدَار على الْمَشَايِخ وتميز فِي الْفِقْه والقراآت وَغير ذَلِك وتلا بالسبع على الفاروثي وَابْن مزهر وَغَيرهمَا واقرأ ودرس وروى الْكثير عَن ابْن البُخَارِيّ وطبقته مولده تَقْرِيبًا سنة سبع وَسِتِّينَ وست ماية وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي غرَّة شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع ماية
3 - (مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّيْخ بدر الدّين ابْن الحبال الْحَنْبَلِيّ)
فَاضل الْحَنَابِلَة فِي عصره(2/119)
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بالديار المصرية فِي سلخ شهر ربيع الآخر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية سَأَلت الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبَا الْحسن عليا السُّبْكِيّ)
الشَّافِعِي فَقَالَ فَاضل فَقِيه كَانَ يَنُوب للْقَاضِي تَقِيّ الدّين الْحَنْبَلِيّ
3 - (مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الموقت هُوَ الْأَمَام شمس الدّين أَبُو عبد الله الْمزي)
موقت الْجَامِع الْأمَوِي قَرَأَ على الْأَمَام شمس الدّين ابْن الْأَكْفَانِيِّ وَكَانَ شمس الدّين ابْن الْأَكْفَانِيِّ يثني على ذهنه وَكَانَ يحفظ الشاطبية وينقل القراآت وعَلى ذهنه عَرَبِيَّة وبرع فِي وضع الأسطرلات والأرباع لم نر أحسن من أوضاعه وَلَا أظرف يُبَاع أسطرلابه فِي حَيَاته بمبلغ مايتي دِرْهَم وَأكْثر وأرباعه تبَاع بمبلغ خمسين وَأكْثر ولعلها بعد مَوته تبلغ ضعف ذَلِك وبرع فِي دهن القسي وَقَول النَّاس قَوس عمل الْمزي يُرِيدُونَ أَنه دهنه وَيُبَاع قَوس الْمزي زايدا عَن غَيره وَمن مُلَازمَة الشَّمْس للدهن نزل فِي عينه مَاء ثمَّ أَنه قدح عَيْنَيْهِ وَرَأى بالواحدة وَكَانَ أَولا يُوَقت بالربوة ثمَّ انْتقل إِلَى الْجَامِع وَكَانَ يعرف أَشْيَاء من حيل بني مُوسَى ويضعها وَله نظم وَله رسايل فِي الأسطرلاب ورسالة سَمَّاهَا كشف الريب فِي الْعَمَل بالحبيب وَكَانَ من أَبنَاء السِّتين فَمَا فَوْقهَا رَحمَه الله فِي أوايل سنة خمسين وَسبع ماية
3 - (ولي الدّين المنفلوطي مُحَمَّد بن أَحْمد بن ابرهيم)
هُوَ الْأَمَام الْعَالم الْعَلامَة الْوَرع الزَّاهِد العابد ولي الدّين ابْن جمال الدّين ابْن زين الدّين العثماني الديباجي المنفلوطي الشَّافِعِي(2/120)
3 - (الْأَمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مُحَمَّد بن أدريس بن الْعَبَّاس ابْن عُثْمَان بن شَافِع بن السايب)
بن عبيد بن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْأَمَام أَبُو عبد الله الشَّافِعِي الْمَكِّيّ الْفَقِيه المطلبي نسيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد سنة خمسين وماية بغزة وَقيل بِالْيمن وَقيل بعسقلان وغزة أصح وَحمل إِلَى مَكَّة وَهُوَ ابْن سنتَيْن فَنَشَأَ بهَا وَأَقْبل على الْأَدَب والعربية وَالشعر فبرع فِي ذَلِك وحبب إِلَيْهِ الرَّمْي حَتَّى فاق الأقران وَصَارَ يُصِيب من الْعشْرَة تِسْعَة ثمَّ كتب الْعلم لَقِي جده شَافِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مترعرع وَكَانَ أَبوهُ السايب صَاحب راية بني هَاشم يَوْم بدر فَأسر وفدى نَفسه ثمَّ أسلم فَقيل لَهُ لم لم تسلم قبل أَن تفدي نَفسك قَالَ مَا كنت لَا حرم الْمُؤمنِينَ طَمَعا لَهُم فِي وروى عَن مُسلم بن خَالِد الزنْجِي فَقِيه مَكَّة وَدَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون وَعَمه مُحَمَّد بن عَليّ بن شَافِع وَمَالك ابْن أنس وَعرض عَلَيْهِ الْمُوَطَّأ حفظا وعطاف بن خَالِد وسفين بن عُيَيْنَة وابرهيم ابْن سعد وابرهيم بن أبي يحيى)
الْأَسْلَمِيّ الْفَقِيه وأسمعيل بن جَعْفَر وَعبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر الْمليكِي وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي وَمُحَمّد بن عَليّ الجندي وَمُحَمّد بن الْحسن الْفَقِيه واسمعيل بن علية ومطرف بن مَازِن قَاضِي صنعاء وَخلق سواهُم وَكَانَت أمه أزدية قَالَ ابْن عبد الحكم لما حملت بِهِ أمه رَأَتْ كَانَ المُشْتَرِي خرج من فرجهَا حَتَّى انقض بِمصْر ثمَّ وَقع فِي كل بلد مِنْهُ شطية فتأول المعتبرون أَنه يخرج مِنْهَا عَالم يخص علمه أهل مصر ثمَّ يتفرق فِي ساير الْبلدَانِ وَقَالَ الشَّافِعِي حفظت الْقُرْآن وَأَنا ابْن سبع سِنِين وقرأت الْمُوَطَّأ وَأَنا ابْن عشر سِنِين وأقمت فِي بطُون الْعَرَب عشْرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها وحفظت الْقُرْآن فَمَا علمت أَنه مر بِي حرف إِلَّا وَقد علمت الْمَعْنى فِيهِ وَالْمرَاد مَا خلا حرفين أَحدهمَا دساها وَكَانَ يخْتم الْقُرْآن فِي رَمَضَان سِتِّينَ مرّة وَكَانَ من(2/121)
أحسن النَّاس قِرَاءَة روى الزبير بن عبد الْوَاحِد الأستراباذي قَالَ سَمِعت عَبَّاس بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت بَحر بن نصر يَقُول كُنَّا إِذا أردنَا أَن نبكي قَالَ بَعْضنَا لبَعض قومُوا بِنَا إِلَى هَذَا الْفَتى المطلبي يقْرَأ الْقُرْآن فَإِذا أتيناه أستفتح الْقُرْآن حَتَّى يتساقط النَّاس وَيكثر عجيبهم بالبكاء من حسن صَوته فَإِذا رأى ذَلِك أمسك عَن الْقِرَاءَة وَلما حج بشر المريسى رَجَعَ قَالَ لأَصْحَابه رَأَيْت شَابًّا من قُرَيْش بِمَكَّة مَا أَخَاف على مَذْهَبنَا إِلَّا مِنْهُ يعْنى الشَّافِعِي وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قلت لأبي يَا أبه أَي رجل كَانَ الشَّافِعِي فَإِنِّي سَمِعتك تكْثر الدُّعَاء لَهُ فَقَالَ يَا بني كَانَ الشَّافِعِي للدنيا كَالشَّمْسِ وكالعافية للنَّاس فَهَل رَأَيْت لهذين من خلف أَو مِنْهُمَا عوض وَقَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول سميت ببغداذ نَاصِر الحَدِيث حُكيَ الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن أَحْمد قَالَ قَالَ لي الشَّافِعِي أَنْتُم أعلم بالأخبار منا فَإِذا كَانَ خبر صَحِيح فَأَخْبرنِي بِهِ حَتَّى أذهب إِلَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيّ إِنَّمَا أَرَادَ أَحَادِيث الْعرَاق أما أَحَادِيث الْحجاز فالشافعي أعلم بهَا من غَيره وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَا أحد مس محبرة وَلَا قَلما إِلَّا وَللشَّافِعِيّ فِي عُنُقه مِنْهُ قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَالَ أَبُو زرْعَة مَا عِنْد الشَّافِعِي حَدِيث فِيهِ غلط وَقَالَ أَحْمد كَانَ الشَّافِعِي إِذا تكلم كَأَن صَوته صنج أَو جرس من حسن صَوته وَقَالَ الشَّافِعِي تعبد من قبل أَن ترأس فَإنَّك أَن رأست لم تقدر أَن تتعبد وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم مَا رَأَيْت الشَّافِعِي نَاظرا أحدا إِلَّا رَحمته وَلَو رَأَيْت الشَّافِعِي يناظرك لظَنَنْت أَنه سبع يَأْكُلك وَهُوَ الَّذِي علم النَّاس الْحجَج وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَقَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَأَضْرَبُوا بِقَوْلِي الحايط وَقَالَ الرّبيع سمعته يَقُول أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِذا رويت)
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا فَلم أقل بِهِ وَقَالَ أَبُو ثَوْر سمعته يَقُول كل حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ قولي وَقَالَ الرّبيع كَانَ الشَّافِعِي عِنْد مَالك وَعِنْده سفين بن عُيَيْنَة والزنجي فَأقبل رجلَانِ فَقَالَ أَحدهمَا أَنا رجل أبيع القماري وَقد أبعت هَذَا قمرياً وَحلفت لَهُ بِالطَّلَاق أَنه لَا يهدأ من الصياح فَلَمَّا كَانَ بعد سَاعَة أَتَانِي وَقَالَ قد سكت فَرد عَليّ وَقد حنثت فَقَالَ مَالك بَانَتْ مِنْك امْرَأَتك فمرا بالشافعي وقصا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ للبايع أردْت أَن لَا يهدأ أبدا أَو أَن كَلَامه أَكثر من سُكُوته فَقَالَ بل أردْت أَن كَلَامه أَكثر من سُكُوته لِأَنِّي أعلم أَنه يَأْكُل وَيشْرب وينام فَقَالَ الشَّافِعِي رد عَلَيْك امْرَأَتك فَإِنَّهَا حَلَال وَبلغ ذَلِك مَالِكًا فَقَالَ للشَّافِعِيّ من أَيْن لَك هَذَا قَالَ من حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس فَإِنَّهَا قَالَت يرسول الله أَن معوية وَأَبا جهم خطباني فَقَالَ لَهَا أَن معوية رجل صعلوك وَأَن أَبَا جهم لَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه وَقد كَانَ أَبُو جهم ينَام ويستريح وَإِنَّمَا خرج كَلَامه على الْغَالِب فَعجب مَالك وَقَالَ الزنْجِي أفت فقد آن لَك أَن تفتى وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقَالَ الشَّافِعِي الْعلم علمَان علم الْأَدْيَان وَعلم الْأَبدَان يَعْنِي الْفِقْه والطب وَكَانَ يتطير من الْأَعْوَر والأحول والأعرج والأحدب والأشقر جدا وَقَالَ أياكم وَأَصْحَاب العاهات(2/122)
وَقَالَ كلما طَالَتْ اللِّحْيَة تكوسج الْعقل وَقَالَ من تعلم الْقُرْآن عظمت قِيمَته وَمن نظر فِي الْفِقْه نبل قدره وَمن تعلم اللُّغَة والنحو رق طبعه وَمن كتب الحَدِيث قويت حجَّته وَمن تعلم الْحساب جزل رَأْيه وَمن لم يصن نَفسه لم يَنْفَعهُ علمه وَكَانَ يَقُول عَلَيْك بالزهد فَإِن الزّهْد على الزَّاهِد أحسن من الحلى على الناهد وَقَالَ مَا حَلَفت بِاللَّه لَا صَادِقا وَلَا كَاذِبًا وَقَالَ الْحميدِي قدم الشَّافِعِي صنعاء فَضربت لَهُ خيمة وَمَعَهُ عشرَة آلَاف دِينَار فجَاء قوم فَسَأَلُوهُ فَمَا قلعت الْخَيْمَة وَمَعَهُ مِنْهَا شَيْء وَقَالَ ابْن عبد الحكم كَانَ الشَّافِعِي أسخى النَّاس بِمَا يجد وَقَالَ الشَّافِعِي خرجت إِلَى الْيمن وَكَانَ بهَا وَال غشوم من قبل الرشيد فَكنت أمْنَعهُ من الظُّلم وآخذ على يَده وَكَانَ بِالْيمن سَبْعَة من العلوية وَلَا امْر لي مَعَه وَلَا نهى فَكتب إِلَيْهِ بحملنا جَمِيعًا فحملنا فَضربت رِقَاب العلوية وَنظر إِلَيّ فوعظته فَبكى وَقَالَ من أَنْت فَقلت المطلبي فأعجبه كَلَامي وَأَعْطَانِي خمسين ألفا ففرقتها فِي حجابه وَأَصْحَابه وَمن على بَابه وَقَالَ لي ألزم بَابي ومجلسي وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة جيد الْمنزلَة عِنْده فجالسته وَعرفت قَوْله وَوَقعت مِنْهُ موقعاً فَكَانَ إِذا قَامَ ناظرت أَصْحَابه فَقَالَ لي يَوْمًا ناظرني قلت أَجلك عَن المناظرة قَالَ لَا قل قلت مَا تَقول فِي رجل غصب ساحة فَبنى عَلَيْهَا دَارا قيمتهَا ألف دِينَار)
فجَاء صَاحبهَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَة أَنَّهَا ساحته قَالَ لَهُ قيمتهَا وَلَا تقلع قلت وَلم قَالَ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا ضَرَر وَلَا اضرار فِي الدّين قلت الْغَاصِب أَدخل الضَّرَر على نَفسه ثمَّ قَالَ مُحَمَّد مَا تَقول فِي من غصب خيط ابريسم فخاط بِهِ بطن نَفسه فجَاء أنسان أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن هَذَا الْخَيط لَهُ أينزع من بَطْنه قلت لَا قَالَ ناقضت قَوْلك قلت لَا تعجل هَذَا الضَّرَر أعظم وأوردت عَلَيْهِ لوح السَّفِينَة ومسايل من هَذَا الْجِنْس وَكَانَ وُرُوده إِلَى بغداذ سنة خمس وَتِسْعين وماية فَأَقَامَ بهَا شهرا وَخرج إِلَى مصر وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا سنة تسع وَتِسْعين وَلم يزل بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَقَالَ الرّبيع كنت أَنا والمزني والبويطي عِنْد الشَّافِعِي فَقَالَ لي أَنْت تَمُوت فِي الْحَدِيد وَقَالَ للمزني لَو نَاظر الشَّيْطَان قطعه وجدله وَقَالَ للبويطي أَنْت تَمُوت فِي الْحَدِيد فَدخلت على الْبُوَيْطِيّ أَيَّام المحنة فرأيته مُقَيّدا مغلولاً وَقَالَ الشَّافِعِي خرجت إِلَى الْيمن فِي طلب كتب الفراسة حَتَّى متبتها جَمِيعهَا وَقيل أَنه نظر فِي التنجيم فَجَلَسَ يَوْمًا وأمرأته فِي الطلق فَقَالَ تَلد جَارِيَة عوراء على فرجهَا خَال أسود تَمُوت إِلَى كَذَا وَكَذَا فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ فَجعل على نَفسه أَن لَا ينظر فِي التنجيم أبدا وَدفن تِلْكَ الْكتب وَقَالَ الْمُزنِيّ قدم علينا الشَّافِعِي فَأَتَاهُ ابْن هِشَام صَاحب الْمَغَازِي فذاكره أَنْسَاب الرِّجَال فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي بعد أَن تذاكرا دع عَنْك أَنْسَاب الرِّجَال فَإِنَّهَا لَا(2/123)
تذْهب عَنَّا وعنا وَخذ بِنَا فِي أَنْسَاب النِّسَاء فَلَمَّا أخذا فِيهَا بَقِي ابْن هِشَام ساكتاً وَقَالَ مَا ناظرت أحدا على الْغَلَبَة وبودي أَن جَمِيع الْخلق تعلمُوا هَذَا الْكتاب يعْنى كتبه على أَن لَا ينْسب إِلَى مِنْهَا شَيْء قَالَ هَذَا يَوْم الْأَحَد وَمَات يَوْم الْخَمِيس وَقيل يَوْم الْجُمُعَة وأنصرف النَّاس من جنَازَته لَيْلَة الْجُمُعَة فَرَأَوْا هِلَال شعْبَان سنة أَربع وماتين رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ وَله ثَمَان وَخَمْسُونَ سنة وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم ثَنَا الرّبيع حَدثنِي أَبُو اللَّيْث الْخفاف وَكَانَ معدلا حَدثنِي العزيزي وَكَانَ متعبداً قَالَ رَأَيْت لَيْلَة مَاتَ الشَّافِعِي كَأَنَّهُ يُقَال لي مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه اللَّيْلَة فَأَصْبَحت فَقيل مَاتَ الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ سفين بن وَكِيع رَأَيْت فِيمَا يرى النايم كَانَ الْقِيَامَة قد قَامَت وَالنَّاس فِي أَمر عَظِيم إِذا بدر لي أخي فَقلت مَا حالكم قَالَ عرضنَا على رَبنَا قلت فَمَا حَال أبي قَالَ غفر لَهُ وَأمر بِهِ إِلَى الْجنَّة قلت فمحمد بن أدريس قَالَ حشر إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا وألبس حلل الْكَرَامَة وتوج بتاج الْبَهَاء وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر التِّرْمِذِيّ رَأَيْت فِي الْمَنَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجده بِالْمَدِينَةِ كَأَنِّي جِئْت إِلَيْهِ وَقلت يرسول الله أكتب رأى أبي حنيفَة قَالَ لَا قلت أكتب رأى مَالك قَالَ لَا تكْتب مِنْهُ إِلَّا مَا وَافق حَدِيثي قلت)
أكتب رأى الشَّافِعِي فَقَالَ بِيَدِهِ هكذى كَأَنَّهُ أنتهرني وَقَالَ تَقول رأى الشَّافِعِي أَنه لَيْسَ برأى وَلكنه رد على من خَالف سنتي وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَقد روى عَن جمَاعَة عديدة نَحْو هَذِه الْقِصَّة وَالَّتِي قبلهَا فِي أَنه غفر لَهُ وسَاق مِنْهَا الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر جملَة وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان رَأَيْته فِي الْمَنَام فَقلت يابا عبد الله مَا فعل الله بك قَالَ أجلسني على كرْسِي من ذهب ونثر عَليّ اللُّؤْلُؤ الرطب وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نحيفا خَفِيف العارضين يخضب بِالْحِنَّاءِ قَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان كَانَ الشَّافِعِي بِهِ عِلّة البواسير وَلَا يبرح الطست تَحْتَهُ وَفِيه لبدة محشوة وَمَا لَقِي أحد من السقم مَا لَقِي وَقَالَ ابْن عبد الحكم كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يقرب النِّسَاء للبواسير الَّتِي بِهِ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أَصَابَهُ هَذَا بآخرة وَإِلَّا فقد تزوج وجاءته الْأَوْلَاد ومصنفاته كَثِيرَة مِنْهَا الْأُم وَكتابه فِي الْفُرُوع رَوَاهُ عَنهُ الزَّعْفَرَانِي فِي نَيف وَعشْرين جُزْءا قَالَ ابْن زولاق صنف بِمصْر نَحْو مايتي جُزْء مِنْهَا الأمالي الْكَبِير ثلثون جُزْءا والأمالي الصَّغِير اثْنَا عشر جُزْءا وَكتاب السّنَن ثلثون جُزْءا قَالَ ابْن خلكان وَغَيره الشَّافِعِي أول من تكلم فِي أصُول الْفِقْه وَقَالَ أَبُو ثَوْر من قَالَ أَنه رأى مثل الشَّافِعِي فِي علمه وفصاحته ومعرفته وَبَيَانه وتمكنه فقد كذب وَقَالَ الرّبيع كُنَّا جُلُوسًا فِي حَلقَة الشَّافِعِي بعد مَوته بِيَسِير فَوقف علينا أَعْرَابِي وَقَالَ أَيْن قمر هَذِه الْحلقَة وشمسها قُلْنَا توفّي فَبكى بكاء شَدِيدا وَقَالَ رَحمَه الله وَغفر لَهُ فَلَقَد كَانَ يفتح ببيانه مغلق الْحجَّة ويسد على خَصمه وَاضح المحجة وَيغسل من الْعَار وُجُوهًا مسودة ويوسع بالرأى أبواباً منسدة ثمَّ أنصرف وَالشَّافِعِيّ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْمطلب عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الشِّفَاء بنت هَاشم بن عبد منَاف(2/124)
وَهِي أم عبد يزِيد وَقَالَ الْأَمَام أَحْمد قد روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل ماية سنة من يجدد لَهَا دينهَا قَالَ أَحْمد فَنَظَرْنَا فِي رَأس الماية الأولى فَإِذا هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز ونظرنا فِي الثَّانِيَة فَإِذا هُوَ الشَّافِعِي وأقوال الشَّافِعِي الْقَدِيمَة كلهَا مَذْهَب مَالك رَضِي الله عَنهُ وَقيل أَنه قَالَ إِنَّمَا رجعت إِلَى أقوالي الجديدة لِأَنِّي لما دخلت مصر بَلغنِي أَن بالمغرب قلنسوة من قلانس مَالك يَسْتَسْقِي بهَا الْغَيْث فَخفت أَن يتمادى الزَّمَان ويعتقد فِيهِ مَا أعتقد فِي الْمَسِيح فأظهرت خِلَافه ليعلم النَّاس أَنه أَمَام مُجْتَهد يخطىء ويصيب وَهَذَا مقصد صَالح رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الشَّافِعِي مَا رَأَيْت مثل أهل مصر أتخذوا الْجَهْل علما يَقُولُونَ فِي مسايل)
هَذِه مَا قَالَ مَالك فِيهَا شَيْئا أَو كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا لم يخرج البُخَارِيّ وَلَا مُسلم وَلَا أَبُو دَاوُد وَلَا التِّرْمِذِيّ وَلَا أَرْبَاب السّنَن الْمَشْهُورَة لأَنهم وَقع لَهُم أرفع رِوَايَة مِنْهُ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين فِي كتاب من تكلم فِيهِ وَهُوَ موثق الْأَمَام الشَّافِعِي ثِقَة لَا عِبْرَة بقول من لينه فَإِنَّهُ تكلم فِيهِ بهوى وَقَالَ الْخَطِيب الْأَمَام الشَّافِعِي رب الْفُقَهَاء وتاج الْعلمَاء قدم بغداذ مرَّتَيْنِ وَحدث بهَا وسموه نَاصِر الحَدِيث وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَا عرفت نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه حَتَّى جالست الشَّافِعِي وَقَرَأَ الْأَصْمَعِي على الشَّافِعِي شعر الهذيليين وحسبك بِمن يقْرَأ الْأَصْمَعِي عَلَيْهِ وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان خرجنَا مَعَ الشَّافِعِي من مَكَّة نُرِيد منى فَلم ننزل وَاديا وَلم نصعد شعبًا إِلَّا وسمعته يَقُول
(يَا رَاكِبًا قف بالمحصب من منى ... وأهتف بقاعد خيفها والناهض)
(سحرًا إِذا سَار الحجيج إِلَى منى ... فيضاً كملتطم الْفُرَات الفايض)
(إِن كَانَ رفضاً حب آل مُحَمَّد ... فليشهد الثَّقَلَان أَنِّي رافضى)
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان نقلت من خطّ الْحَافِظ السلَفِي للشَّافِعِيّ
(أَن الَّذِي رزق الْيَسَار وَلم يصب ... حمداً وَلَا خيرا لغير موفق)
(الْجد يدني كل أَمر شاسع ... وَالْجد يفتح كل بَاب مغلق)
(فَإِذا سَمِعت بِأَن محروماً أَتَى ... مَاء ليشربه فغاض فَصدق)
(وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدوداً حوى ... عوداً فأثمر فِي يَدَيْهِ فحقق)
(لَو كَانَ بالحيل الْغَنِيّ لَوَجَدْتنِي ... بنجوم أقطار السَّمَاء تعلقي)
(لَكِن من رزق الحجي حرم الْغَنِيّ ... ضدان مفترقان أَي تفرق)
(وَمن الدَّلِيل على الْقَضَاء وَكَونه ... بؤس اللبيب وَطيب عَيْش الأحمق)(2/125)
وَقَالَ الشَّافِعِي تزوجت امْرَأَة بِمَكَّة من قُرَيْش وَكنت أمازحها فَأَقُول وَمن البلية أَن تحب وَلَا يحبك من تحبه فَتَقول هِيَ
(ويصد عَنْك بِوَجْهِهِ ... وتلح أَنْت فَلَا تَعبه)
وَمن الْمَنْسُوب إِلَيْهِ
(رام نفعا فضر من غير قصد ... وَمن الْبر مَا يكون عقوقا)
)
وَمن الْمَنْسُوب إِلَيْهِ أَيْضا
(كلما أدبني الده ... ر أَرَانِي نقص عَقْلِي)
(وَإِذا مَا أزددت علما ... زادني علما بجهلي)
وَقَالَ الْمُزنِيّ دخلت على الشَّافِعِي فِي علته الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَقلت لَهُ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ أَصبَحت من الدُّنْيَا راحلاً ولأخواني مفارقاً ولكأس الْمنية شارباً ولسوء أعمالي ملاقياً وعَلى الله وارداً فَلَا أَدْرِي روحي تصير إِلَى الْجنَّة فأهنيها أم إِلَى النَّار فأعزيها ثمَّ أنْشد
(وَلما قسى قلبِي وَضَاقَتْ مذاهبي ... جعلت رجائي نَحْو عفوك سلما)
(تعاظمني ذَنبي فَلَمَّا قرنته ... بعفوك رَبِّي كَانَ عفوك أعظما)
(وَمَا زلت ذَا عَفْو عَن الذَّنب لم تزل ... تجود وَتَعْفُو منَّة وتكرما)
وَقَالَ الْمُزنِيّ أَيْضا سمعته ينشد
(وَمَا شِئْت كَانَ وَإِن لم أشا ... وَمَا شِئْت أَن لم تشا لم يكن)
(خلقت الْعباد على مَا أردْت ... فَفِي الْعلم يجْرِي الْفَتى والمسن)
(على ذَا مننت وَهَذَا خذلت ... وَهَذَا أعنت وَذَا لم تعن)
(فَمنهمْ شقي وَمِنْهُم سعيد ... وَمِنْهُم قَبِيح وَمِنْهُم حسن)
يُقَال أَن الْأَمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ شرح هَذِه الأبيات فِي مجلدة وَلما مَاتَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى رثاه خلق كثير وَأورد الْخَطِيب قَول ابْن دُرَيْد اللّغَوِيّ قصيدة يرثيه بهَا مِنْهَا
(ألم تَرَ آثَار ابْن أدريس بعده ... دلايله فِي المشكلات لوامع)
(معالم يفنى الدَّهْر وَهِي خوالد ... وتنخفض الْأَعْلَام وَهِي روافع)
(مناهج فِيهَا للورى متصرف ... موارد فِيهَا للرشاد مشارع)
مِنْهَا
(أبي الله إِلَّا رَفعه وعلوه ... وَلَيْسَ لما يعليه ذُو الْعَرْش وَاضع)
(توخي النَّهْدِيّ وأستنفذته يَد التقي ... من الزيغ أَن الزيغ للمرء صارع)(2/126)
(ولاذ بآثار الرَّسُول فَحكمه ... لحكم رَسُول الله فِي النَّاس تَابع)
(وعول فِي أَحْكَامه وقضايه ... على مَا قضى فِي الوحى وَالْحق ناصع)
(فَمن يَك علم الشَّافِعِي أَمَامه ... فمرابعه فِي ساحة الْعلم وَاسع)
)
قَالَ أَبُو المظفر ابْن الْجَوْزِيّ سَمِعت جدي ينشد فِي مجَالِس وعظه
(من أَرَادَ الْهدى بقول ابْن أَدْرِي ... س هداه وَأَيْنَ كالشافعي)
(وشفاء العي السُّؤَال وَأَنِّي ... بِإِمَام سواهُ كشاف عي)
وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان أَخْبرنِي أحد الْمَشَايِخ الْفُضَلَاء أَنه عمل فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ثلثة عشر تصنيفاً انْتهى قلت وللأمام فَخر الدّين الرَّازِيّ مُجَلد فِي تَرْجِيح مَذْهَب الشَّافِعِي على غَيره فِيهِ لَهُ مَنَاقِب كَثِيرَة وَلِصَاحِب الْكَشَّاف مُصَنف سَمَّاهُ شافي العي من كَلَام الشَّافِعِي
3 - (مُحَمَّد بن أدريس السامري مُحَمَّد بن أدريس بن أياس أَبُو الْوَلِيد السامري السَّرخسِيّ)
رَحل وَسمع وَتُوفِّي سنة عشرَة وَثلث ماية
3 - (الْحَافِظ الجرجرائي مُحَمَّد بن أدريس بن مُحَمَّد بن أدريس بن سُلَيْمَان الْحَافِظ أَبُو بكر)
الشَّافِعِي الجرجرائي بجيمين ورائين تلميذ مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد رحال جوال كَانَ مَوْصُوفا بالمعرفة وَالْحِفْظ توفّي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع ماية
3 - (مرج الْكحل مُحَمَّد بن أدريس بن عَليّ أَبُو عبد الله الأندلسي)
الشَّاعِر الْمَعْرُوف بمرح الْكحل قَالَ ابْن الْأَبَّار شَاعِر مفلق بديع التوليد توفّي سنة أَربع وثلثين وست ماية من نظمه
(مثل الرزق الَّذِي تطلبه ... مثل الظل الَّذِي يمشى مَعَك)
(أَنْت لَا تُدْرِكهُ مُتبعا ... وَإِذا وليت عَنهُ تبعك)
وَمن نظمه
(لَك الْخَيْر يَا مولَايَ مَا العَبْد بأَمْره ... لَدَيْهِ حسام بل لَدَيْهِ يراع)
(وَهل أَنا أَلا مثل حسان شِيمَة ... جبان وَفِي النّظم النفيس شُجَاع)(2/127)
ابْن أدريس الطَّائِي مُحَمَّد بن أدريس الطَّائِي شَاعِر مجيد من شعره
(لَيْث إِذا أبْكِي شبا أسيافه ... أضحكن مفرق رَأس كل عنيد)
(وكأنما آراؤه تَحت الوغى ... وشبا القنا أشتقت من التأييد)
(وَإِذا دجت حَرْب أَضَاء بِوَجْهِهِ ... صبحاً من التَّوْفِيق والتسديد)
)
وَقَالَ فِي الْحُسَيْن بن طَاهِر بن الْحُسَيْن وَقد بلغه أَنه أعتل
(مَا برد جسمك إِلَّا عِلّة الْعَدَم ... وَلَا أعتلالك إِلَّا عِلّة الْكَرم)
(بِنَا وَلَا بك خطب الدَّهْر أَن ندى ... بنان كفك فِينَا عصمَة الهمم)
أحسن من هَذَا قَول أبي تَمام الطَّائِي
(أَنا جهلنا فخلناك أعتللت وَلَا ... وَالله مَا أعتل إِلَّا الْملك وَالْأَدب)
توفّي الْمَذْكُور
3 - (ابْن أبي حَفْصَة مُحَمَّد بن أدريس بن سُلَيْمَان بن يحيى بن أبي حَفْصَة)
يكنى أَبَا جَعْفَر قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان بَارِد الشّعْر ضَعِيف القَوْل أَنْشدني لَهُ على بن هرون عَن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ قصيدة طَوِيلَة مدح بهَا المتَوَكل لم أجد فِيهَا بَيْتا وَاحِدًا مِمَّا سَبيله أَن يدون
3 - (ابْن الْمَسِيح مُحَمَّد بن أدريس بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الطّيب ابْن طَاهِر بن مسبح الجازري)
أَبُو الْحسن ابْن أبي الْبَقَاء من أهل الْبَصْرَة قدم بغداذ سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبع ماية وَحدث بهَا عَن أبي عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن مُوسَى الشاموخي الْبَصْرِيّ وَأبي الْحسن ابرهيم بن طَلْحَة بن غَسَّان وروى عَنهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الزَّاغُونِيّ مولده سنة تسع وَأَرْبع ماية
3 - (أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْمُنْذر بن دَاوُد ابْن مهْرَان الْحَافِظ)
أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أحد الأيمة الْأَعْلَام ولد سنة خمس وَتِسْعين وماية سمع الْكثير أول سَمَاعه سنة تسع وماتين سمع عبيد الله ابْن مُوسَى وَأَبا نعيم وطبقتهما بِالْكُوفَةِ وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ والأصمعي وطبقتهما بِالْبَصْرَةِ وَعَفَّان وهوذة بن خَليفَة وطبقتهما ببغداذ وَأَبا مسْهر وَأَبا الْجمَاهِر مُحَمَّد بن عُثْمَان وطبقتهما بِدِمَشْق وَأَبا الْيَمَان وَيحيى الوحاظي وطبقتهما بحمص وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم وطبقته بِمصْر وخلقاً بالنواحي والثغور وَتردد فِي الرحلة زَمَانا وَحدث عَنهُ من شُيُوخه الصغار جمَاعَة وَمن أقرانه أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَمن أَصْحَاب السّنَن أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقيل البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يَصح وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن صاعد وَأَبُو عوَانَة وَغَيرهم قَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة وَتُوفِّي فِي شعْبَان وَله اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سنة وَكَانَت وَفَاته(2/128)
سنّ سبع وَسبعين وماتين)
3 - (فَقِيه الشِّيعَة مُحَمَّد بن أدريس بن أَحْمد بن أدريس الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْعجلِيّ الْحلِيّ)
فَقِيه الشِّيعَة وعالم الرافضة فِي عصره كَانَ عديم النظير فِي الْفِقْه صنف كتاب الْحَاوِي لتحرير الْفَتَاوَى ولقبه كتاب السراير وَهُوَ كتاب مشكور بَين الشِّيعَة وَله كتاب خُلَاصَة الأستدلال وَمُنْتَخب كتاب الْبَيَان فقه والمناسك وَغير ذَلِك فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَله تلامذة وَأَصْحَاب وَلم يكن فِي وقته مثله ومدحه بعض الشُّعَرَاء بقصيدة فَضله فِيهَا على الشَّافِعِي توفّي سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس ماية
3 - (القللوسي مُحَمَّد بن أدريس أَبُو بكر)
القللوسي بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَة وَبعدهَا لامان مفتوحتان وواو سَاكِنة وَبعدهَا سين مُهْملَة أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ كَانَ الْمَذْكُور أديباً من أهل الْمغرب بسبتة جَازَ إِلَى الأندلس أنشدنا لَهُ الْخَطِيب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن رشيد السبتي بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أنشدنا لنَفسِهِ فِي مَشْرُوط
(لَا تنكرن تشاريطاً بوجنته ... فَإِنَّهَا أثر الألحاظ والفكر)
(فطالما جرحت باللحظ وجنته ... وَالْجرْح لَيْسَ لَهُ بُد من الْأَثر)
3 - (نجم الدّين الْقَمُولِيّ مُحَمَّد بن أدريس بن مُحَمَّد)
نجم الدّين الْقَمُولِيّ بِالْقَافِ وَالْمِيم وَالْوَاو وَاللَّام كَانَ من الْفُقَهَاء الصلحاء توفّي بقوص فِي جمدى الأولى سنة تسع وَسبع ماية قَالَ الْفَاضِل كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي نبل فِي الْفِقْه حَتَّى كَاد يستحضر الرَّوْضَة وينقل من شرح مُسلم للنووي كثيرا ويكاد يستحضر الْوَجِيز لِلْوَاحِدِيِّ فِي التَّفْسِير وتنبه فِي الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول والفرايض والجبر والمقابلة وَكَانَ لَا يستغيب أصلا وَلَا يستغاب بِحَضْرَتِهِ قايماً بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ملازماً لِلْعِبَادَةِ والأشتغال بالعلوم متقللاً من الدُّنْيَا قَلِيل النظير وَأَظنهُ لَو عَاشَ مَلأ الأَرْض علما حج وزار وَعَاد فتوفى فِي قوص
3 - (الغزنوي الْفَقِيه مُحَمَّد بن آدم بن عبد الْكَرِيم)
الغزنوي أَبُو عبد الله الْفَقِيه من أهل دمشق قدم بغداذ وروى بهَا أناشيد عَن أبي أسحق ابرهيم بن مُحَمَّد بن عقيل الشهرزوري الْوَاعِظ نزيل دمشق وَعَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْقسم بن الشهرزوري الْموصِلِي وَغَيرهمَا
3 - (السُّلْطَان خربندا مُحَمَّد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو ابْن جنكز خَان المغلي القان غياث)
)
الدّين خدابندا مَعْنَاهُ عبد الله وَإِنَّمَا النَّاس غيروه وَقَالُوا خربندا صَاحب الْعرَاق وأذربيجان وخراسان ملك بعد أَخِيه غازان وَكَانَت دولته ثلث عشرَة سنة وَكَانَ شَابًّا مليحاً لكنه كَانَ أَعور جواداً لعاباً محباً للعمارة أنشأ مَدِينَة جَدِيدَة بِأَذربِيجَان وَهِي مَدِينَة سلطانية وحاصر الرحبة سنة اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَأَخذهَا بالأمان فِي رَمَضَان وَعَفا عَن أَهلهَا وَلم يسفك فِيهَا دَمًا وَبَات بهَا لَيْلَة الْأَرْبَعَاء(2/129)
الْخَامِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة أثنتي عشرَة وَسبع مائَة فَمَا أصبح وَترك لأهل الرحبة أَشْيَاء كَثِيرَة من أثقال مناجيق وَغَيرهَا وَكَانَ مَعَه يَوْمئِذٍ قراً سنقر والأفرم وَسليمَان بن مهنا وَكَانَ أَهلهَا قد حلفوا لخربندا فَلَمَّا أرتحل عَنْهَا وأستقر الْأَمر التمس قاضيها ونايبتها وطايفة حَلَفت لَهُ عزلهم من السُّلْطَان لمَكَان الْيَمين لخربندا فعزلهم وَكَانَ مُسلما فَمَا زَالَ بِهِ الأمامية إِلَى أَن رفضوه وَغير شعار الْخطْبَة وَأسْقط ذكر الْخُلَفَاء من الْخطْبَة سوى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وصمم أهل بَاب الأزج على مُخَالفَته فَمَا أعجبه ذَلِك وتنمر ورسم بأباحة مَالهم ودمهم فعوجل بعد يَوْمَيْنِ بهيضة مزعجة داواه الرشيد فِيهَا بمسهل منظف فخارت قواه وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة وَسبع ماية وَدفن بسلطانية فِي تربته وَهُوَ فِي عشر الْأَرْبَعين وَفِي رحيله عَن الرحبة قَالَ عَلَاء الدّين الوداعي
(مَا فر خربندا عَن الرحبة ال ... عظمى إِلَى أوطانه شوقاً)
(بل خَافَ من مَالِكهَا أَنه ... يلْبسهُ من سَيْفه طوقا)
وَلما تشيع السُّلْطَان خدابندا الْمَذْكُور قَالَ جمال الدّين ابرهيم ابْن الحسام الْمُقِيم بقرية مجدل سلم من بِلَاد صفد يمدحه وَسَيَأْتِي ذكره فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(أهْدى إِلَى ملك الْمُلُوك دعائي ... وأخصه بمدايحي وثنائي)
(وَإِذا الورى والوا ملوكاً غَيره ... جهلا فَفِيهِ عقيدتي وولائي)
(هَذَا خدابندا مُحَمَّد الَّذِي ... سَاد الْمُلُوك بدولة غراء)
(ملك الْبَسِيط وَالَّذِي دَانَتْ لَهُ ... أكنافها طَوْعًا بِغَيْر عناء)
(أغنتك هيبتك الَّتِي أعطيتهَا ... عَن صارم أَو صعدة سمراء)
(وَلَقَد لبست من الشجَاعَة حلَّة ... تغنيك عَن جَيش وَرفع لِوَاء)
(مَلأ البسيطة رَغْبَة ومهابة ... فَالنَّاس بَين مَخَافَة ورجاء)
)
(من حوله عصب كآساد الشرى ... لَا يرهبون الْمَوْت يَوْم لِقَاء)
(وَإِذا ركبت سرى أمامك للعدى ... رعب يقلقل أنفس الْأَعْدَاء)
(وَلَقَد نشرت الْعدْل حَتَّى أَنه ... قد عَم فِي الْأَمْوَات والأحياء)
(فليهن دينا أَنْت تنصر ملكه ... وطبيبه الدَّارِيّ بجسم الدَّاء)
(نبهته بعد الخمول فَأَصْبَحت ... تعلو بهمته على الجوزاء)
(وَبسطت فِيهِ بِذكر آل مُحَمَّد ... فَوق المنابر السن الخطباء)
(وغدت دراهمك الشَّرِيفَة نقشها ... بأسم النَّبِي وَسيد الْخُلَفَاء)
(ونقشت أَسمَاء الأيمة بعده ... أحسن بِذَاكَ النقش والأشماء)
(وَلَقَد حفظت عَن النَّبِي وَصِيَّة ... وَرفعت قرباه على الْقُرَبَاء)(2/130)
(فأبشر بهَا يَوْم الْمعَاد ذخيرة ... يجزيكها الرَّحْمَن خير جَزَاء)
(يَا ابْن الأكاسرة الْمُلُوك تقدمُوا ... وورثت ملكهم وكل عَلَاء)
3 - (الأخباري مُحَمَّد بن أَزْهَر بن عِيسَى)
أحد الأخباريين الْمَشْهُورين قَالَ مُحَمَّد بن اسحق النديم مَاتَ سنة تسع وَسبعين وماتين وَكَانَ قد سمع من ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره وَله من الْكتب كتاب التَّارِيخ من خِيَار الْكتب
3 - (مُحَمَّد بن أُسَامَة بن زيد مُحَمَّد بن أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة ابْن حِبّ رَسُول الله صلى الله)
عَلَيْهِ وَسلم مدنِي قَلِيل الرِّوَايَة روى عَن أَبِيه وروى لَهُ التِّرْمِذِيّ توفّي فِي عشر التسعين لِلْهِجْرَةِ(2/131)
ابْن اسحق
3 - (القَاضِي أَبُو الْحسن الملحي مُحَمَّد بن اسحق بن ابرهيم بن مُحَمَّد بن سلم الْخُزَاعِيّ أَبُو)
الْحسن القَاضِي الْمَعْرُوف بالملحي أَخُو أبي بكر أَحْمد حدث عَن عبد الْكَبِير بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَفْص بن هِشَام بن زيد بن أنس ابْن مَالك الْأنْصَارِيّ وَالْحُسَيْن بن عبد الله بن يزِيد الرقي وَسَهل بن عَليّ بن سهل الذوري وَأحمد بن يحيى بن خَالِد الْكِنْدِيّ وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَأحمد ابْن مَسْرُوق الطوسي وَجَمَاعَة وروى عَنهُ أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ وَأَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عَليّ الأسفراييني وَغَيرهمَا)
3 - (السراج النَّيْسَابُورِي مُحَمَّد بن اسحق بن ابرهيم بن عبد الله أَبُو الْعَبَّاس)
السراج النَّيْسَابُورِي مولى ثَقِيف ولد سنة ثَمَان عشرَة وماتين ورحل فِي طلب الْعلم إِلَى الْأَمْصَار بغداذ والكوفة وَالْبَصْرَة والحجاز وعني بِالْحَدِيثِ وَكَانَ من المكثرين صنف كتبا كَثِيرَة وَكَانَ مجاب الدعْوَة قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي أرقا فِي سلم طَوِيل إِلَى السَّمَاء فَصَعدت تسعا وَتِسْعين دَرَجَة فَعَاشَ تسعا وَتِسْعين سنّ وَمَات سنة ثلث عشرَة وَثلث ماية سمع اسحق بن رَاهَوَيْه وخلقا كثيرا وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا وَاتَّفَقُوا على صدقه وفضله وثقته وورعه قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين هُوَ مُحدث خُرَاسَان وأسم أبي جده مهْرَان قَالَ ختمت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَتَيْ عشرَة ألف ختمة وضحيت عَنهُ اثْنَتَيْ عشرَة ألف أضْحِية قَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد الدقاق رَأَيْت السراج يُضحي فِي كل أُسْبُوع أَو أسبوعين أضْحِية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو سهل الصعلوكي كُنَّا نقُول السراج كالسراج الْهَاشِمِي مُحَمَّد بن إِسْحَق بن الْفضل بن عبد الرَّحْمَن بن الْعَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب بن هَاشم هُوَ شَاعِر وَأَبوهُ شَاعِر وجده شَاعِر وجد أَبِيه شَاعِر وَأَخُوهُ عبد الله بن اسحق شَاعِر وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ فِي زمن الْمهْدي وَبعده وَمُحَمّد القايل
(أعاذل مَا على مثلي عتاب ... وَبِي عَن نصح عاذلتي أجنتاب)
(فكفي بعض لومك لي فعندي ... وَإِن أَمْسَكت عَن رد جَوَاب)
3 - (صَاحب الْمَغَازِي مُحَمَّد بن اسحق بن يسَار المطلبي المَخْزُومِي)
مَوْلَاهُم الْمدنِي(2/132)
يُقَال أَبُو بكر وَيُقَال أَبُو عبد الله الْأَحْوَال أحد الْأَعْلَام وَصَاحب الْمَغَازِي رأى أنس بن مَالك وَسَعِيد بن الْمسيب وَحدث عَن أَبِيه وَعَمه مُوسَى ابْن يسَار وَعَطَاء والأعرج وَسَعِيد بن أبي الْهِنْد وَالْقسم بن مُحَمَّد وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر والمقبري وَمُحَمّد بن ابرهيم التَّيْمِيّ وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَابْن شهَاب وَعبيد الله بن عبد الله بن عمر وَمَكْحُول وَيزِيد بن أبي حبيب وسليمن بن سحيم وَعَمْرو بن شُعَيْب وَنَافِع وَأبي جَعْفَر الباقر وَخلق سواهُم قَالَ الْعجلِيّ ابْن اسحق ثِقَة وَقَالَ ابْن معِين ثِقَة لَكِن لَيْسَ بِحجَّة رَوَاهُ عَبَّاس عَن ابْن معِين وَمرَّة قَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَمرَّة قَالَ ذَاك ضَعِيف وروى عَنهُ أَنه قَالَ هُوَ صَدُوق وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل حسن الحَدِيث وَقَالَ شُعْبَة هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر أَنه صَالح الحَدِيث وَأَنه فِي الْمَغَازِي أقوى مِنْهُ فِي الْأَحْكَام توفّي سنة اثْنَتَيْنِ)
وَخمسين وماية روى عَنهُ الْأَرْبَعَة وَمُسلم مُتَابعَة قَالَ ابْن خلكان لم يخرج مُسلم عَنهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا فِي الرَّجْم لِأَن مَالك بن أنس قَالَ لما بلغه عَنهُ أَنه قَالَ هاتوا حَدِيث مَالك فَأَنا طَبِيب بعلله فَقَالَ مَالك وَمَا ابْن اسحق إِنَّمَا هُوَ دجال من الدجاجلة نَحن أخرجناه من الْمَدِينَة يُشِير وَالله أعلم أَن الدَّجَّال لَا يدْخل الْمَدِينَة حدث هرون ابْن عبد الله الزُّهْرِيّ قَالَ سَمِعت ابْن أبي خازم قَالَ كَانَ ابْن اسحق فِي حلقته فأغفى ثمَّ انتبه فَقَالَ رَأَيْت حمارا أقتيد بِحَبل حَتَّى أخرج من الْمَسْجِد فَلم يبرح حَتَّى أَتَتْهُ رسل الْوَالِي فأقتادوه بِحَبل فأخرجوه من الْمَسْجِد وَكَانَ يرْوى عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير وَهِي امْرَأَة هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير فَبلغ ذَلِك هشاماً فَأنكرهُ وَقَالَ أهوَ كَانَ يدْخل على أمرأتي وَمن كتب مُحَمَّد بن اسحق أَخذ عبد الْملك بن هِشَام سيرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب المبدأ كتاب الْخُلَفَاء
3 - (الْمسَيبِي مُحَمَّد بن اسحق الْمسَيبِي)
روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو زرْعَة وَغَيرهم توفّي سنة وثلثين وماتين
3 - (ابْن أبي يَعْقُوب اللؤْلُؤِي مُحَمَّد بن اسحق بن حَرْب أَبُو عبد الله اللؤْلُؤِي السَّهْمِي)
مَوْلَاهُم من أهل بَلخ يعرف بِابْن أبي يَعْقُوب كَانَ حَافِظًا لعلوم الحَدِيث وَالْأَدب عَارِفًا بأيام(2/133)
النَّاس قدم بغداذ وجالس الْحفاظ من أَهلهَا وذاكرهم وَحدث عَن مَالك بن أنس وخارجة بن مُصعب وَبشر بن السّري وَيحيى بن الْيَمَان وخَالِد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي وَغَيرهم وروى عَنهُ أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا وَالْفضل بن مُحَمَّد اليزيدي وَأَبُو عبد الله بن أبي الْأَحْوَص الثففي وَعبيد الله ابْن أَحْمد بن مَنْصُور الْكسَائي الرَّازِيّ قَالَ الْخَطِيب وَلم يكن يوثق فِي علمه ابْن رِفَاعَة نقيب الْأَنْصَار مُحَمَّد بن اسحق بن ابرهيم ابْن أَفْلح بن رَافع ينتهى إِلَى رِفَاعَة الَّذِي شهد الْعقبَة وأحدا أَبُو الْحسن الْأنْصَارِيّ الزرقي كَانَ نقيب الْأَنْصَار ببغداذ عَارِفًا بأمورهم ومناقبهم وَكَانَ ثِقَة حسن السِّيرَة توفّي فِي بغداذ فِي جمدى الْآخِرَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثلث ماية أَبُو عبد الله ابْن مندة مُحَمَّد بن اسحق بن مُحَمَّد بن مندة أَبُو عبد الله الْأَصْفَهَانِي أحد الْحفاظ المكثرين والمحدثين الجوالين من بَيت الحَدِيث وَالْفضل صنف التَّارِيخ والشيوخ قَالَ كتبت عَن ألف شيخ قَالَ الْحَافِظ جَعْفَر بن مُحَمَّد مَا رَأَيْت أحفظ من أبي عبد الله بن مندة سَأَلته كم يكون سَماع الشَّيْخ فَقَالَ يكون خَمْسَة آلَاف صن والصن بِكَسْر الصَّاد السلَّة المطبقة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين بَقِي ابْن مندة فِي الرحلة نيفا وثلثين سنة وَأقَام بِمَا وَرَاء النَّهر زَمَانا وَسمع)
بإصبهان وخراسان وَالْعراق والحجاز ومصر وَالشَّام وبخارا قَالَ أَبُو عبد الله ابْن أبي ذهل سمعته يَقُول لَا يخرج الصَّحِيح إِلَّا من يتْرك أَو يكذب وَكتب عَن ابْن الْأَعرَابِي بِمَكَّة ألف جُزْء وَعَن خَيْثَمَة بطرابلس ألف جُزْء وَعَن الْعَبَّاس بن الْأَصَم بنيسابور ألف جُزْء وَعَن الْهَيْثَم بن كُلَيْب ببخارا ألف جُزْء قَالَه عبد الرَّحْمَن وَلَده وَقَالَ سَمِعت أبي يَقُول كتبت عَن ألف وَسبع ماية شيخ وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو نعيم كثير الْحَط على ابْن مندة لمكا المعتقد وأختلافهما فِي الْمَذْهَب قَالَ فِي تَارِيخه أَنه أختلط فِي آخر عمره فَحدث عَن أبي أسيد وَعبد الله ابْن أخي أبي زرْعَة وَابْن الْجَارُود بعد أَن سمع مِنْهُ أَن لَهُ عَنْهُم أجازة وتخبط فِي اماليه وَنسب إِلَى جمَاعَة أقوالاً فِي المعتقدات لم يعرفوا بهَا نسْأَل الله السّتْر والسلامة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين لَو سمعنَا كَلَام الأقران بَعضهم فِي بعض لأتسع الْخرق قلت هَذَا هُوَ الأنصاف فقد سَمِعت أَنا وَغير وَاحِد غير مرّة من الشَّيْخ أثير الدّين الطعْن الْبَالِغ والأزراء التَّام على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَهُوَ شَيْء خلاف الأجماع لصورة كَانَت بَينهمَا توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَثلث ماية وَسَيَأْتِي ذكر
3 - (ابْن غرس النِّعْمَة مُحَمَّد ابْن اسحق بن مُحَمَّد بن هِلَال الصائي)
من ولد غرس(2/134)
النِّعْمَة صَاحب التَّارِيخ ولد سنة أحدى وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية وَولي ديوَان الزِّمَام للمقتدى وَله ترسل وَكَلَام فصيح وَهُوَ من بَيت الرياسة وَالْفضل وَالْكِتَابَة كَانَ ثِقَة وَتُوفِّي ببغداذ فِي شَوَّال سنة ثلث وَسِتِّينَ وَخمْس ماية وَسَيَأْتِي ذكر حفيده مُحَمَّد بن اسحق أَيْضا
3 - (أَبُو العنبس مُحَمَّد بن اسحق بن ابرهيم ابْن أبي العنبس أَبُو العنبس الصَّيْمَرِيّ)
أحد الأدباء الظرفاء كَانَ خَبِيث اللِّسَان هاجي أَكثر شعراء زَمَانه وَله كتب ملاح نادم المتَوَكل وَله مَعَ البحتري خبر مَشْهُور وَقَالَ يهجو ابرهيم بن الْمُدبر
(أسل الَّذِي عطف الموا ... كب بالأعنة نَحْو بابك)
(وأذل موقفي الْعزي ... ز على وقُوف فِي رحابك)
(وأراك نَفسك مَالِكًا ... مَا لم يكن لَك فِي حِسَابك)
(أَن لَا يُطِيل تجرعي ... غصص الْمنية من حجابك)
وَقَالَ
(كم مَرِيض قد عَاشَ من بعد يأس ... بعد موت الطَّبِيب والعواد)
)
(قد يصاد القطا فينجو سليما ... وَيحل الْبلَاء بالصياد)
قَالَ الْخَطِيب مَاتَ سنة خمس وَسبعين وماتين وَحمل إِلَى الْكُوفَة فَدفن بهَا قَالَ مُحَمَّد بن اسحق النديم فِي الفهرست كَانَ الصَّيْمَرِيّ من أهل الفكاهات أَصله من الْكُوفَة وَكَانَ قَاضِي الصيمرة وَكَانَ مَعَ اسْتِعْمَاله للهزل شريفاً عَارِفًا بالنجوم وَله فِيهِ كتاب يمدحه المنجمون وَأدْخلهُ المتَوَكل فِي ندمايه وَخص بِهِ وَكَانَ يَقُول قوام الأنسان بتسع دالات دَار ودينار وَدِرْهَم ودقيق ودابة ودبس وَدَن ودسم ودعوة وَله من الْكتب تَأْخِير الْمعرفَة العاشق والمعشوق الرَّد على المنجمين الطبلبنب كرزابلا طوال اللحى الرَّد على المتطببين عنقاء مغرب الرَّاحَة وَمَنَافع القيادة فضايل حلق الرَّأْس هندسة الْعقل الْأَحَادِيث الشاذة فضايل الرّقّ الرَّد على ميخائيل الصيدناني فِي الكيمياء عجايب الْبَحْر مساوى الْعَوام وأخبار السفلة الأغتام فضل السّلم على الدرجَة الفاس بن الحايك الدولتين فِي تَفْضِيل الخلافتين تذكية الْعقل السحاقات والبغائين الخضخضة فِي جلد عميرَة أَخْبَار أبي(2/135)
فِرْعَوْن كندر بن جحدر تَفْسِير الرُّؤْيَا الثُّقَلَاء نَوَادِر القواد دَعْوَة الْعَامَّة الأخوان والأصدقاء كني الدَّوَابّ أَحْكَام النُّجُوم الْمدْخل إِلَى صناعَة التنجيم صَاحب الزَّمَان الحلقتين استغاثة الْجمل على ربه فضل السرم على الْفَهم وَلما أنْشد البحتري قصيدته للمتوكل وَهِي
(عَن أيِّ ثَغرٍ تبتسِم ... وبأيّ طَرفٍ تحتكِم)
وَكَانَ من أبْغض النَّاس إنشاداً يتشدّق ويتزاور فِي مَشْيه مرّة جائياً وَمرَّة الْقَهْقَرِي ويهز رَأسه ومنكبيه وَيَقُول أَحْسَنت وَالله وَيقبل على السامعين وَيَقُول مَا لكم لَا تَقولُونَ أَحْسَنت هَذَا وَالله لَا يحسن أحد يَقُوله فضجر المتَوَكل وَأَقْبل على الصَّيْمَرِيّ وَقَالَ أما تسمع مَا يَقُول قَالَ مرني فِيهِ بِمَا تحب فَقَالَ أهجه على هَذِه القصيدة فَقَالَ
(فِي أَي سلح ترتطم ... ولأي كف تلتقم)
(أدخلت رَأسك فِي الْحرم ... وَعلمت أَنَّك تنهزم)
(فَلَقَد أسلت لوالدي ... ك من الهجا سيل العرم)
وَهِي طَوِيلَة فَلم يزل المتَوَكل يضْحك ويصفق فَغَضب البحتري وَخرج فَأمر المتَوَكل للصيمري بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم
3 - (القمع مُحَمَّد بن اسحق بن ابرهيم ابو بكر الْوراق)
)
يعرف بالقمع بغداذي روى عَنهُ أَبُو الْحسن أَحْمد بن محمّد بن مقسم الْعَطَّار
3 - (ابْن المنجم العواد مُحَمَّد بن اسحق ابْن المنجم أَبُو عبد الله)
الْمُغنِي العواد من بَيت مَشْهُور بِالْفَضْلِ والآداب ومنادمة الْخُلَفَاء كَانَ من ندماء عضد الدولة ببغداذ وَغَيرهَا توفّي بشيراز سنة أحدى وَأَرْبَعين وَثلث ماية وَلم يخلف بعد مَوته من يُقَارِبه فضلا عَمَّن يشاكله
3 - (ابْن الْهَيْثَم الأسكافي مُحَمَّد بن اسحق بن الْهَيْثَم الأسكافي أَبُو بكر الأديب)
روى عَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْقسم الْأَنْبَارِي كتاب الألفات من جمعه
3 - (الطرسوسي مُحَمَّد بن اسحق الطرسوسي)
قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان متوكلي ماجن خَبِيث يكثر القَوْل فِي مدح شَوَّال وذم شهر رَمَضَان من قَوْله فِي ذَلِك
(نَهَار الصّيام حُلُول الشقا ... وليل التَّرَاوِيح ليل البلى)
(تمارض تحل لَك الطَّيِّبَات ... وَبَعض التمارض كل الشفا)
(وَأَن كَانَ لَا بُد من صَوْمه ... فَأكْثر من الصَّوْم بعد العشا)(2/136)
(وَأَن كنت لَا تستحل المدام ... فَعَاد الصّيام بِخبْز وَمَا)
(وَلَا بَأْس بالشرب نصف النَّهَار ... إِذا كنت فِي ثِقَة بالخفا)
(يظنّ بِي الصَّوْم أهل الشقا ... وَمن دون صومي بُلُوغ السهى)
3 - (الشابشتي مُحَمَّد بن اسحق أَبُو عبد الله الشابشتي)
صَاحب خزانَة كتب الْعَزِيز بِمصْر كَانَ من أهل الْفضل وَالْأَدب توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَثلث ماية أَيَّام الْحَاكِم وَقيل أَن أُسَمِّهِ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد وَقيل ابْن مُحَمَّد وَسَيَأْتِي ذكره فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله أعلم وَمن تصانيفه كتاب الديارات الْيُسْر بعد الْعسر مَرَاتِب الْفُقَهَاء التَّوْقِيف والتخويف مراسلات ديوَان شعره كتاب فِي الزّهْد والوعز وَمن شعره
3 - (أَبُو النَّضر مُحَمَّد بن اسحق بن أَسْبَاط الْكِنْدِيّ أَبُو النَّضر الْمصْرِيّ)
أَخذ النَّحْو عَن الزّجاج وَله كتاب الْعُيُون والنكت فِي النَّحْو وَكتاب التَّلْقِين وَكتاب الموقظ وَالْمُغني وَقَالَ التنوخي فِي كتاب النشوار أَنه كَانَ قيمًا بالهندسة وعلوم الأوايل وَمن شعره)
(وكأس من الشَّمْس مخلوقة ... تضمنها قدح من نَهَار)
(هَوَاء وَلكنه سَاكن ... وَمَاء وَلكنه غير جَار)
(فَهَذَا النِّهَايَة فِي الابيضاض ... وَهَذَا النِّهَايَة فِي الاحمرار)
(وَمَا كَانَ فِي الحكم أَن يوجدا ... لفرط التَّنَافِي وفرط النفار)
(وَلَكِن تجاور سطحا هما ال ... بسيطان فأجتمعا بالحوار)
(كَأَن المدير لَهَا بِالْيَمِينِ ... إِذا طَاف للسقْيِ أَو باليَسارِ)
(تدرع ثوبا من الياسمين ... لَهُ فَرد كم من الجلنار)
وَمِنْه
(هَات اسْقِنِي بالكبير وأنتخب ... نَافِيَة للهموم وَالْكرب)
(فَلَو تراني إِذا أنتشيت وَقد ... حركت كفي بهَا من الطَّرب)
(لخلتني لابساً مشهرة ... من لازورد يشف من ذهب)(2/137)
قلت شعر جيد
3 - (مُحَمَّد بن اسحق الصَّاغَانِي مُحَمَّد بن اسحق بن جَعْفَر)
وَقيل ابْن اسحق بن مُحَمَّد أَبُو بكر الصَّاغَانِي الْحَافِظ نزيل بغداذ طوف وجال وَأكْثر الترحال وبرع فِي الْعِلَل وَالرِّجَال روى عَنهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة قَالَ ابْن خرَاش ثِقَة مَأْمُون توفّي سنة سبعين وماتين
3 - (الْفَقِيه ابْن رَاهَوَيْه مُحَمَّد بن اسحق بن رَاهَوَيْه)
الْفَقِيه أَبُو الْحسن سمع أَبَاهُ وعَلى بن حجر وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن الْمَدِينِيّ وروى عَنهُ جمَاعَة قَتله القرامطة بطرِيق مَكَّة سنة أَربع وَتِسْعين وماتين
3 - (إِمَام الأيمة ابْن خُزَيْمَة مُحَمَّد بن اسحق بن خُزَيْمَة بن الْمُغيرَة بن صَالح بن بكر إِمَام الأيمة)
الْحَافِظ أَبُو بكر النيسابور سمع اسحق ابْن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن حميد الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن أبان المستملى وخلقا كثيرا روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي غير الصَّحِيح وَجَمَاعَة سُئِلَ من ايْنَ أُوتيت الْعلم فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ وَأَنِّي لما شربت مَاء زَمْزَم سَأَلت الله علما نَافِعًا وَقيل لَهُ لَو حلقت شعرك فَقَالَ لم يثبت عِنْدِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَماما)
وَلَا حلق شعره وَإِنَّمَا يَأْخُذ شعرى جَارِيَة لي بالمقراض قَالَ ابْن سُرَيج وَذكر ابْن خُزَيْمَة يسْتَخْرج النكت من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمنقاش ومصنافه تزيد على ماية وَأَرْبَعين كتابا سوى المسايل المصنفة أَكثر من ماية جُزْء وَله فقه حَدِيث بَرِيرَة فِي ثلثة أَجزَاء استوعب الْحَاكِم أخباره فِي تَارِيخ نيسابور توفى سنة إِحْدَى عشرَة وَثلث ماية
3 - (حامض رَأسه مُحَمَّد بن اسحق بن يزِيد أَبُو الْقسم الْمروزِي الأَصْل الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف)
بحامض رَأسه كَانَ ثِقَة وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَثلث ماية
3 - (الأستجى الشَّاعِر مُحَمَّد بن اسحق بن مطرف أَبُو عبد الله الاستحى)
سمع الحَدِيث وَكَانَ شَاعِرًا عَالما باللغة والنحو توفّي سنة ثلث وَسِتِّينَ وَثلث ماية(2/138)
3 - (مُحَمَّد بن اسحق النديم مُحَمَّد بن اسحق بن مُحَمَّد بن اسحق النديم الأخباري الْبَغْدَادِيّ أَبُو)
الْفرج كَانَ شِيعِيًّا معتزليا وَله تصانيف مِنْهَا الفهرست فِي أَخْبَار الأدباء والتشبيهات توفّي سنة ثَمَانِينَ وَثلث ماية
3 - (الزوزني البحاثي مُحَمَّد بن اسحق بن عَليّ بن دَاوُد)
القَاضِي أَبُو جَعْفَر الزوزني بزائين وواو سَاكِنة البحاثي شَاعِر مفلق لَهُ تصانيف عَجِيبَة مفيدة جدا وهزلا رزق من الهجاء نظما ونثرا طَريقَة لم يسْبق إِلَيْهَا مَا ترك أحدا من الْكِبَار إِلَّا هجاه قَالَ مَا وَقع بصرى على شخص قطّ إِلَّا تصور فِي قلبِي هجاؤه وَله ديوَان مَوْجُود وَتُوفِّي سنة ثلث وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية وَمن تصانيفه شرح ديوَان البحتري وَهُوَ جيد قَالَ يهجو
(أَبُو طَاهِر فِي اللؤم والشؤم غَايَة ... بعيد عَن الْإِسْلَام وَالْعقل وَالدّين)
(على وَجهه خأل قريب من آنفه ... كَمثل ذُبَاب وَاقع فَوق سرقين)
وَقَالَ
(ينيكون غزلان الحسان وَلَا أرى ... غزالاً من الغزلان حل بساحتي)
(فَمن يَك قد لَاقَى من إِلَيْك رَاحَة ... فَفِي راحتي والريق انسى وراحتي)
وَقَالَ فِي الْبِطِّيخ
(وزايرة تاهت على بسبردها ... ويعجبني مِنْهَا خشونة جلدهَا)
(ثَقيلَة مَا بَين الإهاب قَصِيرَة ... وصفرتها تبدو بِظَاهِر خدها)
)
(وفاح لَهَا طيب يسير أمامها ... فيحي لنَفس الصب مست وجدهَا)
(فَقُمْت إِلَيْهَا مسرعاً فافترعتها ... وذقت لذيذاً من غسيلة شَهِدَهَا)
وَمن شعر الزوزني
(يَا لحية قد علقت من عارضي ... لَا استطيع لقبحها تَشْبِيها)
(طَالَتْ فَلم تفلح وَلم تَكُ لحية ... لتطول إِلَّا والحماقة فِيهَا)
وَقَالَ
(سألونا عَن قراه ... فاختصرنا فِي الْجَواب)(2/139)
(كَانَ فِيهِ كل شىء ... بادراً غير الشَّرَاب)
وَقَالَ
(الْحَمد لله وشكراً على ... إنعامه الشَّامِل فِي كل شىء)
(أَن الَّذِي لاعبني فِي الصَّبِي ... مَاتَ وَمن قد نكته بعد حَيّ)
وَقَالَ
(لَيْت شعري إِذا خرجت من الدن ... يَا واصبحت سَاكن الأجداث)
(هَل يَقُولَن اخوتي بعد موتِي ... رَحمَه الله ذَلِك البحاثي)
فَلَمَّا مَاتَ قَالَ فِيهِ أَبُو سعد ابْن دوست
(يَا أَبَا جَعْفَر ابْن اسحق أَنِّي ... خانني فِيك نَازل الْأَحْدَاث)
(من هوى من منَازِل الْعِزّ قسراً ... يَك تَحت الرجام فِي الْأَحْدَاث)
(فلك الْيَوْم من قوافٍ حسانٍ ... سرن فِي الْمَدْح سَيرهَا فِي المراثي)
(مَعَ كتبٍ جمعت فِي كل فن ... حِين يروين كل باك وراث)
(قايل كلهَا بِغَيْر لِسَان ... رَحمَه الله ذَلِك البحائي)
وسوف يَأْتِي فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن عُثْمَان الخشنائي أَبْيَات على هَذَا الروى مرثية فِي البحاثي وَهِي ليعقوب بن أَحْمد وَقَالَ مُحَمَّد بن مَحْمُود النَّيْسَابُورِي فِي سر السرُور أَن شعر البحاثي نَيف على عشْرين ألف بَيت وَمن شعره
(بليت بطفل قل طايل نَفعه ... سوى قبل يزرى بهَا طول مَنعه)
(ويمسحها من عارضيه بكمه ... ويغسلها عَن وجنته بدمعه)
)
(يكا شفتى أَن لَاحَ شخصى بِعَيْنِه ... ويغتابني أَن مر ذكرى بسمعه)
وَمِنْه
(من كَانَ يرغب فِي البدا ... ل من الورى فَأَنا شَرِيكه)
(مَا الْعَيْش إِلَّا أَن تني ... ك وَأَن ينيك من تنيكه)
وَمِنْه
(يَتُوب عَن الذُّنُوب أَخُو الْخَطَايَا ... وَأَن لذت لَهُ تِلْكَ الذُّنُوب)
(وذايق ففحة التركي نيكا ... يصر على الذُّنُوب فَلَا يَتُوب)
3 - (ابْن الصابي مُحَمَّد بن اسحق بن أبي الْحسن مُحَمَّد بن أبي نصر اسحق بن(2/140)
غرس النِّعْمَة)
أبي الْحِين مُحَمَّد بن هِلَال بن المحسن الصابي الشَّيْخ الصَّالح سمع من عبد الله بن مَنْصُور الْموصِلِي ولغرس النِّعْمَة تَارِيخ تمم بِهِ تَارِيخ وَالِده أبي الْحُسَيْن وَكَانَ صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء فِي أَيَّام القايم بِأَمْر الله وَأَبوهُ أَبُو الْحُسَيْن كَانَ أخبارياً أديباً عَلامَة صابئاً فَاسْلَمْ وَحسن أسلامه وَهُوَ حفيدج إِبْرَاهِيم بن هِلَال الصابي صَاحب الترسل توفّي صَاحب التَّرْجَمَة سنة تسع عشرَة وست ماية
3 - (الابرقوهي مُحَمَّد بن اسحق بن مُحَمَّد بن الْمُؤَيد الْمُحدث قطب الدّين أَبُو الْفضل)
واسْمه ذَاكر أَيْضا الهمذاني الابراقوهي ثمَّ الْمصْرِيّ سمع الْكثير وَكتب وَخرج لنَفسِهِ ثمانيات وروى عَنهُ الدمياطي وَغَيره توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وست ماية
3 - (الشَّيْخ صدر الدّين القونوي مُحَمَّد بن اسحق بن مُحَمَّد بن يُوسُف)
الشَّيْخ الْكَبِير الشهير صدر الدّين أَبُو عبد الله القونوى شيخ الأعارية بقونية صحب الشَّيْخ مُحي الدّين ابْن عَرَبِيّ وَقَرَأَ كتاب جَامع الْأُصُول على الْأَمِير الْعَالم شرف الدّين يَعْقُوب الهذباني وَرَوَاهُ عَنهُ قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ قطب الدّين الشيزاري وَله تصانيف فِي السلوك فَمن ذَلِك النفحات وتحفة الشكُور وتجليات وَتَفْسِير الْفَاتِحَة فِي مجلدة توفّي بقونية سنة اثتين وَسبعين وست ماية واوصى أَن يحمب تابوته إِلَى دمشق ويدفن مَعَ شَيْخه ابْن عَرَبِيّ فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك وَمَات وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وثلثين سنة تَقْرِيبًا
3 - (اليغموري مُحَمَّد بن اسحق اليغموري)
صَاحب كتاب الإطلاع على منادمة الصناع ملكته بِخَطِّهِ وَقد قَالَ فِي آخِره كتبه مُصَنفه فِي)
الْعشْر الآخر من ربيع الأول سنة تسع وَسبعين وست ماية وَهُوَ كتاب حسن كثير التورية يشبه كتاب ابْن مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ فِي الصنايع ووقفت عَلَيْهِ وَرَأَيْت فِيهِ لحينات ظَاهِرَة لكنه ظرف فِيهِ
3 - (ابْن صقر مُحَمَّد بن اسحق بن صقر الْحلَبِي شمس الدّين)
نَاظر أوقاف حلب توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَسبع ماية كَانَ ممدحاً رَئِيسا أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة من جملَة امداحه فِيهِ
(يَا سايلي عَن حلب لَا تطل ... وَالله لَوْلَا شمسها المجتبي)(2/141)
(لم يلق راجى حلب زبدة ... وَلم يُصَادف لَبَنًا طيبا)
وأنشدني لَهُ فِيهِ وَقد اسن
(حمى الله شمس المكرمات من الْأَذَى ... وَلَا نظرت عَيْنَايَ يَوْم مغيبه)
(لقد أبقت الْأَيَّام مَه لأَهْلهَا ... بَقِيَّة صافي المزن غير مشوبه)
(كَأَن شجاياه اللطيفة قهوة ... حباب حمياها بَيَاض مشيبه)(2/142)
3 - (الْمَدِينِيّ الزَّاهِد مُحَمَّد بن أَسد الْمَدِينِيّ)
الزَّاهِد المعمر كَانَ مجاب الدعْوَة وَهُوَ مِمَّن عَاشَ بعد سَمَّاعَة تسعين سنة توفّي ثلث وَتِسْعين وماتين
3 - (الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن أَسد بن عَليّ أَبُو الْحسن)
الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ الْمُقْرِئ قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا وَهُوَ صَاحب الْخط توفّي سنة تسع وأربعماية وَهُوَ شيخ ابْن لبواب الْكَاتِب الْمَشْهُور وَقد سمع ابْن أَسد أَبَا بكر أَحْمد بن سلمَان النجاد وعَلى بن مُحَمَّد بن الزبير الْكُوفِي وجعفر الخالدي وَعبد الْملك بن الْحسن السَّقطِي وَجَمَاعَة من هَذِه الطَّبَقَة(2/143)
3 - (الهمذاني الصَّالح مُحَمَّد بن أسعد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الله)
الهمذاني الشَّيْخ الصَّالح الزَّاهِد كَانَ من الْأَوْلِيَاء الْأَفْرَاد أَقَامَ بمشهد عُرْوَة فِي جَامع دمشق منعكفا على الْعِبَادَة سِنِين إِلَى أَن توفى سادس صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وست ماية وَدفن بسفح قاسيون
3 - (كَمَال الدّين القاياتي مُحَمَّد بن أسعد بن عبد الْكَرِيم ابْن سُلَيْمَان القاياتي)
)
الشَّيْخ الإِمَام كَمَال الدّين الْمصْرِيّ مَعَ من النجيب عبد اللَّطِيف الْحَرَّانِي وأخيه الْعِزّ عبد الْعَزِيز وَابْن الحامض وَغَيرهم توفّي ثامن عشر جُمَادَى الآهرة سنة ثلثين وَسبع ماية وَدفن بالقرافة أجَاز لي رَحمَه الله تَعَالَى
3 - (الشريف الجواني مُحَمَّد بن أسعد بن عَليّ بن معمر بن عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَحْمد)
بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد الجواني الشريف النسابة أَبُو عَليّ الشريف ابْن أبي البركات الْعلوِي الْحُسَيْنِي العبيدلي الْمصْرِيّ ولي نقابة الشراف مُدَّة بمصروله كتاب طَبَقَات الطالبين وتاج الْأَنْسَاب ومنهاج الصَّوَاب وَكَانَ شِيعِيًّا توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية لقبه رشيد الدّين والجواني بِالْجِيم وَالْوَاو الْمُشَدّدَة وَالنُّون بعد الْألف وَيعرف بالمازندراني
3 - (مجد الدّين حفدة الْوَاعِظ مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن الْقسم)
الْفَقِيه مجد الدّين الْعَطَّار الطوسي الشَّافِعِي أَبُو مَنْصُور الْمَعْرُوف بحفدة بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالدَّال الْمَفْتُوحَة كَانَ فَقِيها فَاضلا أصوليا فصيحا واعظا تفقه بمرو على أبي بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ الْمَشْهُور ثمَّ انْتقل إِلَى مرو الروذ واشتغل على القَاضِي حُسَيْن البغوى وانتقل إِلَى بخارا واشتغل على الْبُرْهَان عبد الْعَزِيز ابْن مازة الْحَنَفِيّ ثمَّ عَاد إِلَى مرو وَعقد لَهُ مجْلِس التَّذْكِير ثمَّ خرج إِلَى الْعرَاق والجزيرة وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ للوعظ وسمعوا مِنْهُ الحَدِيث وَكَانَت مجَالِس وعظه من أحسن الْمجَالِس وَتُوفِّي سنة(2/144)
أحدى وَسبعين بتبريز
3 - (شَارِح المقامات مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن نصر)
الْفَقِيه أَبُو النظفر ابْن الْحَكِيم الْبَغْدَادِيّ الْعِرَاقِيّ الْحَنَفِيّ الْوَاعِظ نزيل دمشق كَانَ يعظ بهَا ودرس بالطرخانية وبالصادرية بني لَهُ الْأَمِير معِين الدّين انزر مدرسته وَشرح المقامات وَذكر انه سَمعهَا من الحريري توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس ماية وَدفن بِبَاب الصَّغِير بِدِمَشْق وَمن شعره
(أَلا هَل اصب بالديار متيم ... بحبكم بَين الْأَنَام بَلَاغ)
(لَهُ شغل بالحب عَن كل شاغل ... وَلَيْسَ لَهُ عَمَّا عراه فرَاغ)
(تجرع يَوْم الْبَين كأس فراقكم ... فَلَيْسَ لكأس الصَّبْر فِيهِ مساغ)
)
وَمِنْه أَيْضا
(الدَّهْر يوضع عَامِدًا ... فيلاً وَيرْفَع قدر نمله)
(فَإِذا تنبه لليا ... م وَقَامَ للنوام نم لَهُ)
3 - (مُحَمَّد بن اسفهسلار بن مُحَمَّد أَبُو على الجرباذقاني)
قَالَ ابْن النجار ذكر أَبُو سعد ابْن سعد ابْن السَّمْعَانِيّ أَنه كَانَ شَابًّا فَاضلا لطيف الطَّبْع حسن الشّعْر لَهُ معرفَة تَامَّة بالأدب قَالَ قدم علينا بَغْدَاد مَعَ الْعَسْكَر ورأيته فِي الْمدرسَة النظامية وعلقت عَنهُ من شعره وَكَانَ ينظم على طَريقَة الابيوردى وَكَانَ تِلْمِيذه وَمن شعره
(الا يَا صبا نجد على تنسمي ... وَيَا عبرتي لَا يحبسنك مَانع)
(فَإِن الصِّبَا تنفى هموم أخي الأسى ... وتشفى صبابات الْفُؤَاد المدامغ)(2/145)
3 - (ابْن أسلم الطوسى مُحَمَّد بن اسْلَمْ الْأَمَام أَبُو الْحسن الطوسى الْكِنْدِيّ)
أحد الأبدال الْحفاظ صنف الْمسند وَالْأَرْبَعِينَ وَغير ذَلِك قَالَ أَبُو النَّضر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفَقِيه سَمِعت إِبْرَاهِيم بن اسمعيل الْعَنْبَري يَقُول كنت بِمصْر وَأَنا أكتب بِاللَّيْلِ كتب ابْن وهب وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وماتين فَهَتَفَ بِي هَاتِف يَا إِبْرَاهِيم مَاتَ العَبْد الصَّالح مُحَمَّد ابْن اسْلَمْ قَالَ فتعجبت من ذَلِك وكتبته على ظهر كتابي فَإِذا بِهِ قد مَاتَ فِي تِلْكَ السَّاعَة وَدفن بِجَانِب اسحق بن رَاهَوَيْه كَانَ يكتم تبعداته فِي التَّطَوُّع وَيَقُول لَو امكنني أَن اتطوع حَيْثُ لَا يراني ملكاي لفَعَلت ومناقبه كَثِيرَة
الْأنْصَارِيّ مُحَمَّد ابْن اسْلَمْ الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ قَالَ يَوْم الْحرَّة
(وَأَن تقتلونا يَوْم حرَّة واقم ... فَنحْن على الْإِسْلَام أول من قتلن)
(وَنحن تركناكم ببدر اذلة ... وابنا بأسلاب لنا مِنْكُم نفل)
(فَإِن ينج مِنْهَا عايذ الْبَيْت سالما ... فَمَا نالنا مِنْكُم وَأَن شفنا جلل)(2/146)
الْكُوفِي السلمى مُحَمَّد بن اسمعيل الْكُوفِي السلمى وَثَّقَهُ ابْن معِين روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد توفّي
3 - (ابْن أبي فديك مُحَمَّد بن اسمعيل بن مُسلم بن أبي فديك الديلِي)
مَوْلَاهُم الْمدنِي الْحَافِظ قَالَ ابْن سعد وَحده لَيْسَ بِحجَّة روى لَهُ الْجَمَاعَة أَصْحَاب الحَدِيث الصَّحِيح توفّي سنة ماتين)
3 - (الْمدنِي مُحَمَّد بن اسمعيل الْمدنِي)
قَالَ ابْن المرزباني معتصمي كَانَ يصحب غُلَاما يُقَال لَهُ باذنجانه فَقَالَ نصيب بن وهيب الْمدنِي يمازحه
(كلف مغرم بباذنجانه ... قد ثنى صبوة إِلَيْهِ عنانه)
(كل يَوْم لَهُ هوى مُسْتَفَاد ... هُوَ مِنْهُ فِي ذلة واستكانه)
(أَو مَا فِي المشيب والصلع الْفَا ... حش شغل عَن الصَّبِي لمجانه)
فَأَجَابَهُ مُحَمَّد بن اسمعيل
(لَا تلمني فَإِن باذنجانه ... بُد بالْحسنِ عندنَا اقرانه)
(حسن الشكل ناعم الْقد حُلْو ... يتثنى تثني الخيزرانه)
(أَن يكن اصلع علاهُ مشيب ... فاراه الرشاد حَتَّى استبانه)
(أَن تَحت الكسى لطرف فَتى ... ذُو اخْتِيَار وجمة فينانه)
(قد سقَاهُ الْهوى بكأس التصابي ... فَجرى جامحاً يجر عنانه)
3 - (التبوذكى مُحَمَّد بن اسمعيل التَّبُوذَكِي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ مولى بني منقر)
روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وروى مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن رجل عَنهُ وروى عَنهُ يحيى بن معِين والذهلي وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَخلق كثير وَتُوفِّي بِالْبَصْرَةِ سنة ثلث وَعشْرين وماتين(2/147)
3 - (ابْن أبي سَمِينَة مُحَمَّد بن اسمعيل بن أبي سَمِينَة أَبُو عبد الله الْهَاشِمِي)
مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ الْمُحدث الْغَازِي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيّ عَن رجل عَنهُ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم كَانَ من شجعان النَّاس توفّي سنة ثلثين وماتين
3 - (البُخَارِيّ مُحَمَّد بن اسمعيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة بن بردزبه)
بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَالرَّاء الساكنة وَالدَّال الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَالزَّاي الساكة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَالْهَاء الإِمَام الْعلم أَبُو عبد الله الْجعْفِيّ مَوْلَاهُم البُخَارِيّ صَاحب صَحِيح البُخَارِيّ والتصانيف ولد فِي شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وماية وَأول سَمَّاعَة سنة خمس وماتين وَحفظ تصانيف ابْن الْمُبَارك وحبب إِلَيْهِ الْعلم فِي الصغر وإعانه عَلَيْهِ الذكاء المفرط رَحل سنة عشر وماتين بعد أَن سمع الْكثير بِبَلَدِهِ من سادة وقته مُحَمَّد بن سَلام البيكندي وَمُحَمّد بن يُوسُف)
البيكندي وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندي وَمُحَمّد بن غرير وهرون بن الْأَشْعَث وطايفة وَسمع ببلخ مكي بن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن بشر الزَّاهِد وقتيبة وَجَمَاعَة وَكَانَ مكي أحد من حَدثهُ عَن ثِقَات التَّابِعين وَسمع بمرو من عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق وعبدان ومعاذ بن أَسد وَصدقَة بن الْفضل وَجَمَاعَة وَسمع بنيسابور من يحية ابْن يحيى وَبشر بن الحكم واسحق وعدة وبالري من إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْحَافِظ وَغَيره وببغداد من مُحَمَّد بن عِيسَى الطباع وسريج بن النُّعْمَان وَعَفَّان ومعوية بن عَمْرو الازدي وطايفة وبالبصرة من أبي عَاصِم النَّبِيل وَبدل بن المحبر وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن حَمَّاد الشعيثي وَعَمْرو ابْن عَاصِم الْكلابِي وَعبد الله بن رَجَاء الغداني وطبقتهم وبالكوفة من عبد الله بن مُوسَى وَأبي نعيم وطلق بن غَنَّام وَالْحسن بن عَطِيَّة وهما أقدم شُيُوخه موتا وخلاد بن يحيى وخَالِد بن مخلد وفروة بن أبي المغراء وَقبيصَة وطبقتهم وبمكة من أبي عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ والْحميدِي وَأحمد بن مُحَمَّد الْأَزْرَق وَجَمَاعَة بِالْمَدِينَةِ من عبد الْعَزِيز الأويسى ومطرف بن عبد الله وَأبي ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله وطايفة وبواسط من عرمو بن عون وَغَيره وبمصر من سعيد بن أبي مَرْيَم وَعبد الله ابْن صَالح الْكَاتِب وَسَعِيد بن تليد وَعَمْرو بن الرّبيع بن طَارق وطبقتهم وبدمشق(2/148)
من أبي مسْهر شَيْئا يَسِيرا وَمن أبي نضر الفراديسي وَجَمَاعَة وبقيسارية من مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ وبعسقلان من آدم بن أبي إِيَاس وبحمص من أبي الْمُغيرَة وَأبي الْيَمَان وعَلى بن عَيَّاش وَأحمد بن خَالِد الْوَهْبِي وَيحيى الوحاظي وَذكر أَنه سمع من ألف نفس وَقد خرج عَنْهُم مشيخة وَحدث بهَا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلم نرها وَحدث بالحجاز وَالْعراق وخراسان وَمن وَرَاء النَّهر وَكَتَبُوا عَنهُ وَمَا فِي وَجهه شَعْرَة وروى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم قَدِيما وروى عَنهُ م أَصْحَاب الْكتب التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ على نزاع فِي النَّسَائِيّ وَالأَصَح انه لم يرو عَنهُ شَيْئا وروى عَنهُ مُسلم فِي غير الصَّحِيح وَجَمَاعَة كبار وَآخر من روى عَنهُ الْجَامِع الصَّحِيح مَنْصُور بن مُحَمَّد البزدوى وجامعه أجل كتب الْإِسْلَام فِي الحَدِيث وأفضلها بعد كتاب الله تَعَالَى وَهُوَ أَعلَى شىء فِي وقتنا اسنادا للنَّاس قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَمن ثلثين سنة يفرحون النَّاس بعلو سَنَده فَكيف الْيَوْم وَلَو رَحل الْإِنْسَان لسماعه من ألف فَرسَخ لما ضَاعَت رحلته وَقَالَ أَحْمد ابْن الْفضل الْبَلْخِي ذهبت عينا مُحَمَّد فِي صغره فرأت أمه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهَا يَا هَذِه قد رد الله على ابْنك بَصَره بِكَثْرَة بكايك أَو دعايك فَأصْبح وَقد رد الله)
عَلَيْهِ بَصَره وَعَن جِبْرِيل بن مِيكَائِيل سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول لما بلغت خُرَاسَان أصبت ببصرى فعلمني رجل أَن احْلق رَأْسِي واغلفه بالخطمى فَفعلت فَرد الله بصرى وَقَالَ مَا وضعت فِي الصَّحِيح حَدِيثا إِلَّا اغْتَسَلت قبل ذَلِك وَصليت رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ أخرجت فِي هَذَا الْكتاب من نَحْو سِتّ ماية ألف حَدِيث وصنفته فِي سِتّ عشرَة سنة وَجَعَلته حجَّة فِيمَا بيني وَبَين الله تَعَالَى وَقَالَ الفربرى سمعته يَقُول مَا ساتصغرت نَفسِي عِنْد أحد إِلَّا عِنْد ابْن الْمَدِينِيّ وَرُبمَا كنت اغرب عَلَيْهِ وَقَالَ أَرْجُو أَنِّي القى الله تَعَالَى وَلَا يحاسبني أَنِّي اغتبت أحدا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين يشْهد لهَذَا كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى فِي التجريح والتضعيف فَإِنَّهُ ابلغ مَا يَقُول فِي الرجل الْمَتْرُوك أَو السَّاقِط فِيهِ نظر أَو سكتوا عَنهُ وَلَا يكَاد يَقُول فلَان كَذَّاب وَلَا فلَان يضع الحَدِيث وَهَذَا من شدَّة ورعه وَكَانَ يركب إِلَى الرمى فَكَانَ لَا يسْبق وَلَا يكَاد سَهْمه يُخطئ الهدف وَكَانَ كَرِيمًا جوادا وَحَدِيثه فِي امتحان أهل بَغْدَاد لَهُ فِي قلب الْمُتُون والأسانيد مَشْهُور وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي حَاتِم سَمِعت أَبَا ذَر يَقُول رَأَيْت فِي الْمَنَام مُحَمَّد بن حَاتِم الحلقاني فَسَأَلته وَأَنا أعرف أَنه ميت عَن شَيْخي هَل رَأَيْته قَالَ نعم رَأَيْته ثمَّ سَأَلته عَن مُحَمَّد بن اسمعيل البُخَارِيّ فَقَالَ رَأَيْته أَشَارَ إِلَى السَّمَاء إِشَارَة كَاد يسْقط مِنْهَا لعلو مَا يُشِير واستسقى النَّاس بقبره فِي سَمَرْقَنْد وَسقوا قَالَ لشيخ شمس الدّين وَقد افردت فِي مناقبه مصنفا وَمَات لَيْلَة عيد الْفطر سنة سِتّ وَخمسين وماتين فِي بَيت وَحده وفاح من تُرَاب قَبره مثل رايحة الْمسك ثمَّ علت سوارى بيض فِي السَّمَاء مستطيلة بحذاء قَبره فَجعل النَّاس يَخْتَلِفُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ(2/149)
وَأما تُرَاب قَبره فَإِنَّهُ كَانَ يرفعون عَنهُ حَتَّى ظهر الْقَبْر وَلم يقدر على حفظه بالحرس وَقَالَ الْفضل بن اسمعيل الْجِرْجَانِيّ
(صَحِيح البُخَارِيّ لَو انصفوه ... لما خطّ إِلَّا بِمَاء الذَّهَب)
(اسنايد مثل نُجُوم السَّمَاء ... أَمَام متون كَمثل الشهب)
(فيا عَالما اجْمَعْ الْعَالمُونَ ... على فضل رتبته فِي الرتب)
(نفيت السقيم من الناقلين ... وَمن كَانَ مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ)
(واثبت من عدلته الروَاة ... وَصحت رِوَايَته فِي الْكتب)
(وابرزت من حسن ترتيبه ... وتبويبه عجبا للعجب)
3 - (ابْن أبي الْعَتَاهِيَة مُحَمَّد بن اسمعيل أَبُو عبد الله)
)
ويلقب بعتاهية هُوَ ابْن أبي الْعَتَاهِيَة كَانَ زاهداً عفيفا طَاهِر اللِّسَان حذا حَذْو أَبِيه فِي القَوْل فِي الزّهْد من شعره
(لربما غوفض ذُو شرة ... اصح مَا كَانَ وَلم يسقم)
(يَا وَاضع الْمَيِّت فِي قَبره ... خاطبك اللَّحْد فَلم تفهم)
وَقَالَ
(قد أَفْلح السَّاكِت الصموت ... كَلَام رَاعى الْكَلَام قوت)
(مَا كل نطق لَهُ جَوَاب ... جَوَاب من يكره السُّكُوت)
(يَا عجبا لأمرء ضَعِيف ... مستيقن أَنه يَمُوت)
شعر منحط توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين بعد الماتين
3 - (ابْن يسَار مُحَمَّد بن اسمعيل بن يسَار)
قَالَ أَبُو هفان مُحَمَّد بن اسمعيل بن يسَار شَاعِر وَأَبوهُ اسمعيل شَاعِر وجده يسَار شَاعِر وَابْنه عبيد الله بن مُحَمَّد شَاعِر وَهُوَ القايل
(رَاح الشقي على ربع يسايله ... ورحت اسْأَل عَن خمارة الْبَلَد)
(يبكي على طلل الماضين من اسد ... فتكت أمك قل لي من بَنو أَسد)
(وَمن تَمِيم وَمن عقل وَمن يتمن ... لَيْسَ الأعاريب عِنْد الله من أحد)
3 - (الْحَكِيم الْقُرْطُبِيّ النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن اسمعيل أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ)
يعرف بالحكيم من أهل قرطبة سمع مُحَمَّد بن وضاح وَمُحَمّد بن وَمُحَمّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي ومطرف بن قيس وَعبد الله(2/150)
بن مَسَرَّة وَمُحَمّد بن عبد الله بن الْغَاز وَكَانَ عَالما بالنحو والحساب دَقِيق النّظر مثير اللمعاني الغامضة لَا يتقدمه أحد فِي ذَلِك وَعمر إِلَى أَن بلغ ثَمَانِينَ عَاما وأدب الحكم المتنصر وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وثلثين وَثلث ماية
3 - (ابْن زنجي الْكَاتِب مُحَمَّد بن اسمعيل بن زنجي أَبُو عبد الله الْكَاتِب)
لَهُ نباهة وَذكر فِي أَيَّام المعتضد وَإِلَى آخر أَيَّام الراضي وَكَانَ من جلة الْكتاب ومشايخهم مَعْرُوف بجودة الْخط وَله تصانيف مِنْهَا كتاب الْكتاب والصناعة وَكتاب رسايله وَله أَخْبَار حَسَنَة كَثِيرَة توفّي سنة أَربع وَعشْرين وَثلث ماية وَكَانَ من الانبار
أَبُو عبد الله المغربي الزَّاهِد مُحَمَّد بن اسمعيل أَبُو عبد الله المغربي الزَّاهِد أستاذ إِبْرَاهِيم)
الْخَواص وَإِبْرَاهِيم بن شَيبَان وَغَيرهمَا كَانَ كَبِير الشَّأْن فِي علم الْمُعَامَلَات والمكاشفات حج على قَدَمَيْهِ قَالَ ابْن الجوزى فِي الْمرْآة سبعا وَسبعين حجَّة وَمَا كَانَ يَأْكُل مِمَّا تصل إِلَيْهِ يَد ابْن آدم وَلم يتسخ لَهُ ثوب وَلَا طَال لَهُ ظفر وَلَا شعر وَمن كَلَامه من ادّعى الْعُبُودِيَّة وَله مُرَاد بَاقٍ فَهُوَ كَذَّاب وَلَا تصح الْعُبُودِيَّة إِلَّا لمن افنى مراداته بِالْكُلِّيَّةِ وَقَامَ بِمُرَاد سَيّده وَأنْشد
(لَا تدعني إلاّ بيا عَبدهَا ... لِأَنَّهُ أشرف اسمائي)
توفّي سنة تسع وَتِسْعين وماتين
3 - (ابْن طَبَاطَبَا مُحَمَّد بن اسمعيل بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن اسمعيل ابْن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن)
الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الْعلوِي قَالَ ابْن الجوزى فِي الْمرْآة إِنَّمَا سمى جده طَبَاطَبَا لِأَنَّهُ أمه كَانَت ترفضه وَتقول كباكبا يعْنى نَام قلت وَذكر ابْن خلكان وَغَيره مَا مَعْنَاهُ أَن الْمَذْكُور كَانَ يلثغ فِي الْقَاف فيجعلها طاء فَطلب يَوْمًا من غُلَامه قبَاء يلْبسهُ فاتاه بفرجية فَقَالَ لَا إِنَّمَا أردْت طَبَاطَبَا أَي قباقبا سكن الْمَذْكُور مصر وَكَانَ سيدا فَاضلا جوادا ممدحا لَهُ الْمنزلَة والجاه عِنْد السُّلْطَان والعامة وَبهَا توفّي سنة خمس عشرَة وَثلث ماية وقبره بالقرافة يزار حدث عَن أَبِيه وَغَيره وروى عَنهُ المصريون قدم الشَّام صُحْبَة خمارويه ابْن طولون
3 - (الصايغ مُحَمَّد بن اسمعيل الصايغ)
الْقرشِي بغدادي نزل مَكَّة روى عَنهُ أَبُو دَاوُد قَالَ ابْن أبي حَاتِم صَدُوق توفّي سنة سِتّ وَسبعين وماتين
3 - (الحساني الضَّرِير مُحَمَّد بن اسمعيل الحساني بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالسِّين الْمُشَدّدَة(2/151)
الْمُهْملَة)
الواسطى الضَّرِير روى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة توفّي سنة ثَمَان وَخمسين مايتن
3 - (ابْن ابْن علية الأسدى مُحَمَّد بن اسمعيل بن إِبْرَاهِيم بن مقسم الْأَسدي)
الإِمَام ولد الإِمَام ابْن علية روى عَنهُ النَّسَائِيّ توفّي سنة سبعين وماتين
3 - (أَبُو اسمعيل التِّرْمِذِيّ مُحَمَّد بن اسمعيل بن يُوسُف أَبُو اسمعيل السلمى التِّرْمِذِيّ الْبَغْدَادِيّ)
الْحَافِظ رَحل وَجمع وصنف روى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ قَالَ الْخَطِيب كَانَ فهما متقنا مَشْهُورا)
بذاهب السّنة توفّي فِي رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ وماتين
3 - (خير النساج مُحَمَّد بن اسمعيل)
هُوَ خير النساج يَأْتِي فِي حرف الْخَاء الْمُعْجَمَة أَن شَاءَ الله توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثلث ماية
3 - (المستملى على ابْن خُزَيْمَة مُحَمَّد بن اسمعيل بن عِيسَى أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ)
المستملى على ابْن خُزَيْمَة وعَلى ابْن الشَّرْقِي توفّي سنة أَربع وَعشْرين وَثلث ماية
ابْن عباد وَالِد المعتضد وجد الْمُعْتَمد المغربي مُحَمَّد بن اسمعيل ابْن عباد بن قُرَيْش اللَّخْمِيّ الإشبيلي من ذُرِّيَّة النُّعْمَان بن الْمُنْذر ملك الْحيرَة اصله من الْعَريش أول رمل مصر دخل اسمعيل الأندلس وَنَشَأ لَهُ وَلَده أَبُو الْقسم فاعتني بِالْعلمِ وبرع فِي الْفِقْه وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن وصل إِلَى قَضَاء اشبيلية فِي أَيَّام بني حمود الأدريسي فَأحْسن السياسة مَعَ الرّعية وَجَرت لَهُ أُمُور إِلَى أَن تملك فَبَلغهُ أَن هِشَام بن الحكم أَمِير الْمُؤمنِينَ بقلعة رَبَاح فِي مَسْجِد فاحضره وَبَايَعَهُ بالخلافة وفوض إِلَيْهِ وَجعل ابْن عباد نَفسه كالوزير بَين يَدَيْهِ قَالَ ابْن حزم فِي نقط الْعَرُوس اخلوقة لم يسمع بِمِثْلِهَا فَإِنَّهُ ظهر رجل يُقَال لَهُ خلف الخضري بعد اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة من موت الْمُؤَيد بِاللَّه هِشَام بن الحكم فَادّعى أَنه هِشَام فبويع وخطب لَهُ على المنابر بالأندلس وسكفت الدِّمَاء وتصادمت الجيوش وَأقَام نيفا وَعشْرين سنة وَقَالَ أَيْضا فضجيهة لم يَقع فِي الْعَالم مثلهَا أَرْبَعَة رجال فِي مَسَافَة ثلثة أَيَّام فِي مثلهَا كلهم تسمى بأمير الْمُؤمنِينَ وهم خلف الخضري بإشبيلية على أَنه هِشَام بن الحكم وَمُحَمّد بن الْقسم بن حمود بالجزيرة وَمُحَمّد بن إِدْرِيس بن حمود بمالقة وَإِدْرِيس بن عَليّ بن حمود ببشتر وَقَالَ أَيْضا فِي كِتَابه الْملَل والنحل(2/152)
أنذرنا الجفلى لحضور دفن الْمُؤَيد هِشَام ابْن الحكم الْمُسْتَنْصر فرأيتُ أَنا وغيري نعشا وَفِيه شخصٌ مكفّنٌ وَقد شَاهد غسلَه رجلَانِ شَيْخَانِ جليلان حكمان من حكّام الْمُسلمين من عدُول الْقُضَاة فِي بَيت وخارج الْبَيْت أبي رَحمَه الله وَجَمَاعَة عُظَمَاء الْبَلَد ثمَّ صلّينا عَلَيْهِ فِي الوف من النَّاس ثمَّ لم يلبث إِلَّا شهورا نَحْو التِّسْعَة حَتَّى ظهر حَيا وبويع بالخلافة ودخلتُ إِلَيْهِ أَنا وغيري وجلستُ بَين يَدَيْهِ وبقى كَذَلِك ثلثة أَعْوَام غير شَهْرَيْن وأيّام حَتَّى لقد أدّى ذَلِك إِلَى توسوس جمَاعَة لَهُم عقول فِي ظَاهر الْأَمر إِلَى أَن ادعوا حَيَاته حَتَّى الْآن وَزَاد الْأَمر حَتَّى اظهروا بعد ثلث وَعشْرين سنة من مَوته على الْحَقِيقَة إنْسَانا قَالُوا هُوَ هَذَا وسُفِكت بذلك الدِّمَاء)
وهُتِكت الأستار واخليت الديار واثيرت الْفِتَن انْتهى قلت وَقد جرى مثل ذَلِك فِي سنة ثَمَان وثلثين وتسع وثلثين وَسبع ماية وَمَا قبلهَا وَبعدهَا وَهُوَ ظُهُور الَّذِي ادّعى أَنه دمرتاش ابْن جوبان وَجَاء إِلَى أَوْلَاد دمتاش ونسايه وَأَهله ووافقوه على ذَلِك والتف عَلَيْهِ جمَاعَة وَصَارَت لَهُ شَوْكَة وحيف على الشَّام ومصر مِنْهُ إِلَى أَن كفى الله أمره وَقتل وَكَانَ ظُهُوره بعد موت دمرتاش بتسع سِنِين أَو مَا حولهَا والتبس الْحَال فِي أمره على السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حَتَّى نبش قَبره وأخرجت عِظَامه من مَكَانهَا برا بَاب القرافة بقلعة الْجَبَل وَكَانَ الْمَذْكُور قد قطع رَأسه وجهز إِلَى الْملك بو سعيد وَكَانَ يدعى أَنه حصل الِاتِّفَاق فِي أمره وهرب من الاعتقال فِي سجن القلعة وَوصل إِلَى الْبَحْر وَركب فِيهِ مركبا وتغيب إِلَى أَن ظهر وَأَن الَّذِي قتل كَانَ غَيره وَلَيْسَ لذَلِك صِحَة أصلا بل الَّذِي قتل وَقطع رَأسه بِحُضُور امناء السُّلْطَان ومماليكه الْخَواص الَّذين لَا يتجاسرون على وُقُوع شىء من ذَلِك ثمَّ أَن ابْن عباد بَقِي كالوزير واستبد بِالْأَمر وَلم يزل لمكاً مُسْتقِلّا إِلَى أَن توفى فِي آخر جُمَادَى الأولى سنة ثلث وثلثين وَأَرْبع ماية وَدفن بقصر اشبيلية وَقَامَ بِالْأَمر بعده وَلَده المعتضد بِاللَّه أَبُو عَمْرو عباد وَقيل إِنَّمَا كَانَ إِقَامَة الَّذِي زعم أَنه هِشَام فِي أَيَّام المعتضد وَمن شعره
(وَيَا سمين حسن المنظر ... يفوق فِي المرأى وَفِي الْمخبر)
(كَأَنَّهُ من فَوق اغصانه ... دَرَاهِم فِي مطرف اخضر)
وَمِنْه
(يَا حبذا الياسمين إِذْ يزهر ... فَوق غصون رطيبة نضر)
(قد امتطى للجلال ذروتها ... فَوق بِسَاط من سندس اخضر)
(كَأَنَّهُ والعيون ترمقه ... زبرجد فِي خلاله جَوْهَر)
3 - (أَبُو الْحُسَيْن الْكَاتِب المغربي مُحَمَّد بن اسمعيل بن اسحق أَبُو الْحُسَيْن الْكَاتِب)
قَالَ ابْن رَشِيق فِي الأنموذج من بَيت شعر وَكِتَابَة وَكَانَ أَبوهُ من جلة أهل زَمَانه فِي الرياسة وَالْكِتَابَة وَعلم الدَّوَاوِين وأسرار الشّعْر وَكَذَلِكَ وَلَده مُحَمَّد الْمَذْكُور كَانَ شَاعِرًا حَدِيد الخاطر ذلق اللِّسَان مبرزا حسن الْبَصَر بصناعة الشّعْر واورد لَهُ قِطْعَة مِنْهَا فِي فرس أشقر(2/153)
(اشقر كالتبر جلا لَونه ... عَن محضه بالسبك صقاله)
(كَسَاه بارى الْخلق ديباجة ... قصر فِيهَا عَنهُ أَمْثَاله)
)
(كَأَنَّمَا الْبَدْر إِذا مَا بدا ... غرته وَالشَّمْس سرباله)
(كَأَن فِي حلقومه جلجلاً ... حركه للسمع تصهاله)
(جَانِبه بَاء وَمن خَلفه ... جِيم وَمن قدامه داله)
قلت يُرِيد أَنه جيد وَذكرت بالثالث قَول ابْن خفاجة وَهُوَ أحسن تخيلا
(وأشقر تضرم مِنْهُ الوغى ... بشعلة من شعل الباس)
(وتطلع العرة من وَجهه ... حبابة تضحك فِي الكاس)
وَقَول ابْن سعيد المغربي
(وعسجديِّ اللَّوْن أعددتُهُ ... لساعةٍ تُظْلِمُ أنوارُها)
(كأَنَّهُ فِي رهج شمعة ... مصفرة غرته نارها)
واورد لَهُ ابْن رَشِيق قِطْعَة قَالَهَا فِي مُحَمَّد بن أبي الْعَرَب مِنْهَا
(واثنى بِمَا أوليتني من صَنِيعَة ... وَمن مِنْهُ تَغْدُو على وتطرق)
(فَكل أمره يَرْجُو نداك موفق ... وكل امرء يثنى عَلَيْك مُصدق)
وَأورد لَهُ أَيْضا
(ابرق سرى أم وَجه ليلى تبلجا ... فشق بايدي النُّور اقمصة الدجا)
(لَئِن بيّنت بالبين وجدا لِقَلْبِهِ ... أثار جوى هجرانها متأججا)
(فَمَا صدعت إِلَّا حَشا متصدعا ... وَلَا هيجت إِلَّا فؤاداً مهيجا)
مِنْهَا
(تريك الشَّقِيق الغض مِنْهَا محاجراً ... مكحلة مِنْهَا وخداً مضرجا)
(وتحسب نور الأقحوان إِذا بدا ... وكف الحيا يجلوه ثغرا مفلجا)
(كَأَن دنانيراً بِهِ ودرهما ... نثرن عَلَيْهَا مُفردا ومزوجا)
واورد لَهُ فِي الموج
(انْظُر إِلَى الْبَحْر وأمواجه ... فقد علاها زبد متسق)
(تخالها الْعين إِذا اقبلت ... خيلاً بَدَت فِي حلبة تستبق)
(خمر ودهماً فَإِذا مَا دنت ... من شاطئ الْبَحْر علاها بلق)(2/154)
قلت هَذَا الثَّالِث تخيل لطيف ولى فِي مثل هَذَا من جملَة أَبْيَات)
(وَلَقَد نزلنَا الْبَحْر من طبرية ... وقلوبنا من شوقها تتضرم)
(وكما علمت لكل بَحر سَاحل ... والموج ينزل فِي قَفاهُ ويلطم)
(واللج عبس وَجهه من موجه ... غيظا وَفِي حَافَّاته يتبسم)
توفّي أَبُو الْحُسَيْن الْكَاتِب سنة ثَمَان وَأَرْبع ماية وَقد بلغ السّبْعين
3 - (أَبُو جَعْفَر الميكالي مُحَمَّد بن اسمعيل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن ميكال أَبُو جَعْفَر الميكالي)
كَانَ أديباً شَاعِرًا لغوياً فَقِيها توفّي فِي صفر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثلث ماية وَكَانَ قد تفقه عل قَاضِي الْحَرَمَيْنِ أبي الْحُسَيْن وَعقد لَهُ مجْلِس املاء سمع مِنْهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله ابْن البيع الْحَافِظ وَمن شعره
3 - (الشريف الزيدي الوصى مُحَمَّد بن اسمعيل بن عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن الْحسن بن الْقسم بن)
مُحَمَّد الشريف الزيدي الهمذاني الْمَعْرُوف بالوصى سمع وروى قَالَ أَبُو سعيد الدريسي يحْكى عَنهُ أَنه كَانَ يجازف فِي الرِّوَايَة توفّي سنة ثلث وَتِسْعين وَثلث ماية
ابْن ودعة الْبَقَّال الشَّافِعِي مُحَمَّد بن اسمعيل بن عبيد الله ابْن ودعة الْبَقَّال أَبُو عبد الله الْفَقِيه الشَّافِعِي قَالَ ابْن النجار كَانَ خَازِنًا بالمظفرية وَكَانَ فَقِيها فَاضلا حسن الْمعرفَة بِالْمذهبِ وَالْخلاف مليح الْكَلَام فِي النّظر والجدل ورتب معيداً بالنظامية فِي أَيَّام شَيخنَا على بن على الفارقي ثمَّ خرج من بَغْدَاد وَتوجه إِلَى الشَّام وناظر الْفُقَهَاء فِي الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا وَظهر كَلَامه عَلَيْهِم واستحسنوا كَلَامه وَكَانَ ذكيا المعيا صنف كتابا مليحا فِي اللّعب بالبندذ وقسمه على تَقْسِيم كتب الْفِقْه على السّنة الَّتِي يعرفهَا الرُّمَاة فجَاء حسنا فِي فنه واظنه قصد بِهِ الإِمَام النَّاصِر توفّي بِدِمَشْق وَدفن بهَا سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس ماية وَمَات شَابًّا وبقى وَالِده بعده مُدَّة طَوِيلَة حَيا وَكَانَ شَيخا صَالحا حَافِظًا لكتاب الله
3 - (الحيزاني مُحَمَّد بن اسمعيل بن حمدَان أَبُو بكر)
الحيزاني بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة وَالزَّاي وَالنُّون بعد الْألف نزيل بلد الجزيرة كَانَ فَقِيها شافعيا أديباً شَاعِرًا مدح السُّلْطَان صَلَاح الدّين فَأَجَازَهُ بِثلث ماية دِينَار وَفرس وخلعة وَولى قَضَاء الْقُدس ثمَّ عَاد إِلَى الجزيرة وَصَارَ محتسبها توفّي سنة خمس عشرَة وست ماية)
3 - (ابْن أبي صَادِق الْمصْرِيّ مُحَمَّد بن اسمعيل القَاضِي أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ)
الْكَاتِب عرف بِابْن أبي صَادِق ولى ديوَان قوص وَتُوفِّي بالعسكر ظَاهر دمياط
3 - (المتيجي الْخَطِيب مُحَمَّد بن اسمعيل بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْحَضْرَمِيّ المغربي الممتيجي)
ومتيشة بِنَاحِيَة بجاية وَهِي بِفَتْح الْمِيم وتاء ثَالِث الْحُرُوف مُشَدّدَة وَسُكُون الْيَاء آخر(2/155)
الْحُرُوف وشين بَين الْجِيم والشين الْمُعْجَمَة دخل الأندلس وَسكن مرسية وَولى خاطبتها كَانَ مكثرا عَن ابْن بشكوال وَأبي بكر ابْن خيرة وَكَانَ مليح الْخط والضبط مشاركا فِي علم الحَدِيث فَاضلا زاهدا شَاعِرًا كتب علما كثيرا وَتُوفِّي سنة خمس وَعشْرين وست ماية
3 - (الْحَافِظ ابْن خلفون مُحَمَّد بن اسمعيل بن مُحَمَّد بن خلفون الْحَافِظ أَبُو بكر الْأَزْدِيّ الأندلسي)
نزيل اشبيلية كَانَ بَصيرًا بصناعة الحَدِيث حَافِظًا للرِّجَال متقنا وَله كتاب سَمَّاهُ الْمُنْتَقى فِي رجال لحَدِيث وَغَيره ذَلِك ولى قَضَاء بعض النواحي وَكَانَ مشكوراً توفّي سنة سِتّ وثلثين وست ماية
ضِيَاء الدّين الصويتي كَاتب الْجَيْش مُحَمَّد بن اسمعيل بن عبد الْجَبَّار ابْن أبي الْحجَّاج شبْل بن عَليّ القَاضِي الرئيس ضِيَاء الدّين أَبُو الْحُسَيْن ابْن القَاضِي أبي الطَّاهِر الجذامي الصويتي بالصَّاد الْمُهْملَة تَصْغِير صَوت الْمَقْدِسِي الْمصْرِيّ كَانَ أديباً كَاتبا ولد سنة أَربع وَسبعين وعنى بِالْحَدِيثِ وَخرج لجَماعَة وَكتب وَهُوَ من بَيت رياسة حدث عَنهُ الدمياطي والعماد البالسي فِي جمَاعَة طعنه الفرنج بالمنصورة وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وَتُوفِّي بسمنود سنة سبع وَأَرْبَعين وست ماية وَكَانَ صَاحب ديوَان الْجَيْش للْملك الصَّالح
3 - (خطيب مردا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن اسمعيل بن أَحْمد بن أبي الْفَتْح الْفَقِيه أَبُو عبد الله)
الْمَقْدِسِي النابلسي خطيب مردا ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَكَانَ اسن من الشَّيْخ الضياء قدم دمشق فِي صباه وتفقه على مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل وَحفظ الْقُرْآن وَسمع من يحيى الثَّقَفِيّ وَرجل إِلَى مصر وَسمع من البوصيري وَحدث بكتب كبار كمسلم والسيرة لِابْنِ اسحق والمسند لأبي يعلى والأجزاء الَّتِي لم يحدث بهَا أحد بعده بِدِمَشْق روى عَنهُ ماعة قَالَ الدمياطي كَانَ صَالحا صَحِيح السماع
3 - (مجد الدّين ابْن عَسَاكِر مُحَمَّد بن اسمعيل بن عُثْمَان بن المظفر ابْن هبة الله بن عبد الله بن)
الْحُسَيْن الشَّيْخ مجد الدّين أَبُو عبد الله ابْن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي)
ولد فِي حُدُود سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسمع من الخشوعي وَالْقسم ابْن عَسَاكِر وَعبد اللَّطِيف بن أبي سعد وحنبل وَابْن طبرزد والكندي وَجَمَاعَة وروى عَنهُ ابْن الخباز وَالشَّيْخ عبد الرَّحِيم القرامزي وَابْن الْعَطَّار ونعمون الْحَرَّانِي وَهُوَ آخر من روى كتاب التَّجْرِيد لِابْنِ الفحام عَالِيا توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وست ماية
3 - (ابْن الْأنمَاطِي مُحَمَّد بن اسمعيل بن عبد الله بن عبد المحسن أَبُو بكر ابْن الْحَافِظ أبي الطَّاهِر)
ابْن الْأنمَاطِي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي نزيل الْقَاهِرَة سمع الْكِنْدِيّ وَابْن الْبناء وَابْن ملاعب وَابْن الحرستاني وَأَجَازَ لَهُ ابْن الْأَخْضَر والمؤيد الطوسى وَخلق يطول ذكرهم وَحدث بِكَثِير(2/156)
من مروياته وَكَانَ سهلا فِي الرِّوَايَة وَانْفَرَدَ بأَشْيَاء كَثِيرَة لم يحدث بهَا لكَون الْأُصُول بِدِمَشْق قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَسمعت عَلَيْهِ كثيرا بِالْقَاهِرَةِ التَّارِيخ مُحَمَّد بن اسمعيل الْمَعْرُوف بالتاريخ قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب قريب الْعَصْر من أهل مصر وَأورد لَهُ من شعره
(لاه بغانية وَرَاح ... ناه لعاذلة ولاح)
(مَا زَالَ يشرب كأسه ... صرفا على ضرب الملاح)
(مَا بَين زمزمة البنو ... د وَبَين وسواس الوشاح)
(حَتَّى مضا مسك الدجا ... وأثار كافور الصَّباح)
وَقَالَ يمدح ابْن التبَّان
(لما توجه نَحْو مصر قادما ... والدهر بَين يَدَيْهِ من أعوانه)
(نشر السفين جنَاحه فِي رَاحَة ... كجناح رَحمته وفيض بنانه)
(فَتَبَارَكَ الرَّحْمَن أَيَّة آيَة ... بحريكون الْبَحْر من ركبانه)
(يَا جنَّة للقاصدين تزخرفت ... لَهُم وطاب الْخلد فِي رضوانه)
3 - (الصفى الْأسود مُحَمَّد بن اسمعيل بن مَحْمُود بن أَحْمد بن حسن بن اسمعيل الْحِمْيَرِي الْيُمْنَى)
أَبُو عبد الله الصفى الْأسود الْكَاتِب الأشرقي ولد بالمحلة وَتُوفِّي بالرقة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وست ماية من شعره
(فديته لَيْسَ عَلَيْهِ جنَاح ... وَأَن تعدى طور كل الملاخ)
(دمى لَهُ حل وعرضي لمن ... يلوم أَو يعذل فِيهِ مباخ)
)
(مفقه الالحاظ لَكِنَّهَا ... لم تقر إِلَّا فِي كتاب الجراخ)
أورد لَهُ القَاضِي محيي الدّين ابْن عبد الظَّاهِر قَوْله
(كرم شمولي تضوع نشره ... وندى طفيلي أجَاب وَمَا دعى)
قلت أورد الشَّيْخ قطب الدّين اليونيني فِي ذيله على الْمرْآة فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ شرف الدّين عبد الْعَزِيز الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بشيخ الشُّيُوخ عَن وَالِده زين الدّين ملخصه كنت جَالِسا بسوق الخواصين فَوقف على شَاب رث الثِّيَاب ظَاهر الاكتياب عَلَيْهِ أثر الْفَاقَة وَالْمَرَض مَا يل السمرَة إِلَى السوَاد فناولني ورقة فِيهَا أَبْيَات شعر يشكو فِيهَا رقة حَاله فَقلت لَهُ هَذَا شعرك فَقَالَ نعم فرحمته وَقلت لَهُ انظم أبياتاً فِي ضِيَاء الدّين الشهرزوري لأحملها إِلَيْهِ وَخذ هَذَا الدِّينَار فَمضى وأتاني فِي الْيَوْم الثَّانِي بالأبيات فأوصلتها إِلَيْهِ فَسلم عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ خَمْسَة دَنَانِير ثمَّ لم أره ثمَّ انْتَقَلت إِلَى حماة وَوليت بهَا نظر الْأَوْقَاف بعد مجدة وَقدم الرشيد الْمَعْرُوف بالصفوى بعد انْصِرَافه عَن خدمَة الْملك(2/157)
الْأَشْرَف فتعصب لَهُ جمَاعَة من الدولة المنصورية فولى وزارة الْملك الْمَنْصُور ورام مي الْحُضُور فامتنعت فَشَكَانِي للسُّلْطَان فَقَالَ هَذَا لَيْسَ لَك عَلَيْهِ اعْتِرَاض فتركني الرشيد وَأخذ يستميل مودتي فَلم انبسط لَهُ وَفَاء للزين ابْن فريح لِأَن أُمُور الدِّيوَان كانتإليه قبل ذَلِك فَمَا كَانَ إِلَّا أَن تغير الْمَنْصُور على الرشيد فَعَزله واعتقله بِجَامِع القلعة فجهزت إِلَيْهِ ولدى عبد الْعَزِيز وَعرض عَلَيْهِ المعونة والمساعدة بِكُل مَا يَلِيق فَشكر واثنى وَالْتمس التلطف فِي خلاصه فسعيت فِي امْرَهْ ورد مَا كَانَ أَخذه من الْمَعْلُوم على الْمُبَاشرَة ثمَّ حبس نوابه وَطلب مِنْهُم ارتجاع معاليمهم فَقَالَ الرشيد أَن هولاء حبسوا بسببي وَأَنا الَّذِي عوقتهم من مكاسبهم وَأَنا أقوم بِمَا يطْلب مِنْهُم فوزن مَا طلب مِنْهُم وزرته وخاديته وصادقته وباسطته فَقَالَ لي يَوْمًا خلْوَة وَالله يَا مَوْلَانَا مَا كَانَ طلبي لَك للْحكم عَلَيْك فِي عَمَلك بل لَا تعرف إِلَيْك أما ترعف ذَلِك الْفَقِير الْأسود الأصفير الرث الْحَال والهيئة الَّذِي وقف عَلَيْك بسوق الخواصين وأعطاك ورقة فِيهَا
(يَا أجمل النَّاس فِي خلق وأخلاق ... عَلَيْك معتمدي من بعد خلاقي)
(اِسْعَدْ مَرِيضا غَرِيب الدَّار مُنْفَردا ... ابكى أعاديه من ضرّ واملاق)
فأحسنت إِلَيْهِ وأمرته بمدح ابْن الشهرزوري فنظم لَك أبياتاً مِنْهَا
(غرَّة الظبي الغرير ... من هَواهَا من مجيرى)
)
(فلئن صد حَبِيبِي ... وَنفى عني سرورى)
(وأماتتني اللَّيَالِي ... موت ذى سقم فَقير)
(فحياتي بأخي الجو ... د ابْن يحيى الشهرزوري)
فأوصلته إِلَيْهِ وَأخذت لَهُ الجايزة أَنا وَالله ذَلِك الشَّخْص فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ وأطرقت فَقَالَ يَا مَوْلَانَا من كَانَت حَاجته إِلَيْك وَإِلَى مثلك مَا عَلَيْهِ عَار قلت أَظن هَذَا الرشيد وَصَاحب هَذِه التَّرْجَمَة وَالله اعْلَم وَإِلَّا فَهُوَ الرشيد عبد الله بن المظفر الصفوى وَهُوَ الصَّحِيح وَسَيَأْتِي ذكره فِي حرف الْعين مَكَانَهُ وَمن شعر صفى الدّين مُحَمَّد بن اسمعيل الْمَذْكُور يمدح الْأَشْرَف مُوسَى
(مَا طبعوا سيوفهم من الحدق ... إِلَّا لِأَنَّهَا أحد وادق)
(فواتر بواتر مَا رمقت ... قطّ فابقت للمحبين رَمق)
(كم أودعت يَوْم الغرام لوعة ... لهيبها لَو لمس النَّار احْتَرَقَ)
(تراهم رقوا لما لَقيته ... بعدهمْ من الْفِرَاق وَالْفرق)
(يكذبُون مَا ادعيت من هوى ... وَشَاهد الْحَال لدعواى صدق)
(انفقت عمرى فِي تقضى وصلهم ... فَضَاعَ مَا انفقته وَمَا اتّفق)
(واببأبي من جمعت وجنته ... مَاء وَنَارًا أَو صباحاً وغسق)(2/158)
(كَأَنَّمَا فِي قسمات وَجهه ... بَين مسائين ابتسامات فلق)
(ريم لَهُ قُلُوبنَا مراتع ... غُصْن لَهُ ملابس الْحسن ورق)
(ذُو هيف كَيفَ اطاق خصره ... حمل الَّذِي رصع فِيهِ من حدق)
(اسهرني ونام ملْء جفْنه ... موسداً من الْفُؤَاد مَا خَفق)
(قد فتحت لي فِيهِ أَبْوَاب عَنَّا ... لأيها شَاءَ الغرام بِي طرق)
(ألف مَا بَين الجفون والحشا ... فليته بَين الجفون مَا فرق)
(صَاحب ديوَان الغرام خَاله ... لَهُ على النَّاس دُيُون وعلق)
(مذ سلمت خزاين الْحسن لَهُ ... فك جَمِيع مَا عَلَيْهَا من غلق)
وحازها فَلم يجد أحسن من صِفَات مَوْلَانَا فخان وسرق
(مظفر الدّين المليك الْأَشْرَف ال ... كريم حَقًا وسواه مختلق)
(اللابس الْمجد جَدِيدا والورى ... عَلَيْهِم مِنْهُ الفتيق والخلق)
)
(حم السَّحَاب خجلاً من جوده ... فرعده الرعدة والغيث الْعرق)
قلت قَوْله ذُو هيف الْبَيْت أَخذ مَعْنَاهُ من المتنبي حَيْثُ قَالَ
(وخصر تثبت الْأَبْصَار فِيهِ ... كَأَن عَلَيْهِ من حدق نطاقا)
وَقَوله أَيْضا حم السَّحَاب خجلاً الْبَيْت أَخذه من أبي الطّيب المتنبي أَيْضا قَالَ
(لم تحك نايلك السَّحَاب وَإِنَّمَا ... جمت بِهِ فصبيبها الرخصاء)
لَكِن صفى الدّين أبرزه فِي قالب أحسن وأوضح وَزَاد فِيهِ رعدة الرَّعْد والجناس فضلَة وَمن شعر صفى الدّين أَيْضا
(عَنَّا بعد لَك فالزمان مواتي ... والخد نقلي والعيون سقاني)
(وَالرَّوْض قد حمل النسيم تَحِيَّة ... عَن زهره مسكية النفحات)
(ركعت أَبَارِيق المدام وَصَاح ح ... تى على الصبوح مُؤذن الصَّلَوَات)
(وتجاوبت أوتارنا بلغاتها ... فَالْتَفت النغمات بالنغمات)
(فاستجل بكرا توجب بحبابها ... لما عقدت لَهَا على ابْن فرات)
وَكتب إِلَيْهِ ابْن الكعكي صَاحب ديوَان الْجَيْش يطْلب مِنْهُ وَرقا
(يَا من نداه قد فهق ... وجوده مثل الوهق)
(اُمْنُنْ على بالورق ... كَمَا مننت بالورق)
فَأَنت بِالْفَضْلِ احق فَأجَاب ارتجالا(2/159)
(يَا من إِلَى الْفضل سبق ... بشكرك الدَّهْر نطق)
(من درة خلقت والن ... اس جَمِيعًا من علق)
(أَنْت بِمَا وَصفته ... من ساير النَّاس أَحَق)
(قد سير الْخَادِم مَا ... امكنه من الْوَرق)
(وَلَو أطَاق كسر ال ... رَاء وَلَكِن مَا اتّفق)
3 - (الْأَفْضَل صَاحب حماة)
مُحَمَّد بن اسمعيل السُّلْطَان الْملك الْأَفْضَل نَاصِر الدّين ابْن السُّلْطَان الْعَالم الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين بن الْأَفْضَل على ابْن الْملك المظفر بن الْمَنْصُور ابْن صَاحب حماة تَقِيّ الدّين عمر بن)
شاهنشاه ابْن أَيُّوب بن شادي حضر إِلَى دمشق فِي أوايل شهر ربيع الآخر من سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَقد رسم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف عَلَاء الدّين كجك ابْن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بِحُضُورِهِ إِلَى دمشق ليَكُون بهَا مُقيما أَمِير ماية رَأس الميسرة وَيُطلق لَهُ من دخل حماة ألف ألف دِرْهَم ومايتا ألف دِرْهَم فِي كل سنة فَركب بهَا موكبين وَحصل لَهُ قولنج اعقب بصرع فتوفى لَيْلَة الثلثاء حادى عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَمن الْغَرِيب أَن زَوجته كَانَت قد مَرضت وأشرفت على الْمَوْت فجزع عَلَيْهَا وصنع لَهَا تابوتاً ليضعها فِيهِ إِذا توفيت ويحملها إِلَى حماة فَلَمَّا توفّي هُوَ وَضعته والدته فِي ذَلِك التاوت وَحَمَلته إِلَى حماة من ليلته ثمَّ أَن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة توفيت عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم ثمَّ أَن أبنيه توجها إِلَى مصر صُحْبَة جدتهم فأكرموا نزلها اكراماً لابنها الْملك الْأَفْضَل أعْطوا لِابْنِهِ الْكَبِير إمرة سبعين فَارِسًا فَمَاتَ فِي مصر قبل خُرُوجهمْ مِنْهَا فسبحان من يقرب الآدال وَيقطع الآمال وَكَانَ وَالِده الْملك الْمُؤَيد قد سَمَّاهُ فِي حَيَاته بِالْملكِ الْمَنْصُور فَلَمَّا توفّي وَالِده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وَسبع ماية ورسم لَهُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بمَكَان أَبِيه سَمَّاهُ الْملك الْأَفْضَل باسم جده وَكَانَ إنْسَانا حسنا يعْطى الْعَطاء الوافي الوافر وَهُوَ مَذْمُوم غير مَحْمُود وَكَانَ أَبوهُ أسعد مِنْهُ وَمَا زَالَ مروعا مُدَّة حَيَاته تَارَة من جِهَة السُّلْطَان وَتارَة من جِهَة الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَتارَة من جِهَة أَقَاربه وشكواهم عَلَيْهِ وَتارَة من جِهَة العربان وَكَانَ قد نسك فِي وَقت وَجلسَ على الصُّوف وَالْتزم بِأَن لَا يسمع الشّعْر ثمَّ ترك ذَلِك وَجلسَ على الْحَرِير وَسمع الشّعْر وولاني نظر الْمدرس التقوية بِدِمَشْق نِيَابَة عَنهُ وَسمعت كَلَامه غير مرّة فَمَا كَانَ يَخْلُو من استشهاد بِشعر مطبوع أَو مثل مَشْهُور وَأما وَالِده فَكَانَ فَاضلا صَاحب مصنفات وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده فِي حرف اسمعيل أَن شَاءَ الله وَترك الْملك الْأَفْضَل عَلَيْهِ من الدّين فِيمَا بَلغنِي مِمَّن لَهُ اطلَاع على حَاله جملَة فَوق الألفي ألف دِرْهَم وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين تنكز قد حنا عَلَيْهِ آخر وشذ مِنْهُ وَلما أمسك تَعب بعده وَلَزِمتهُ مغارم وَكَثُرت الشكاوى عَلَيْهِ وَقل ناصره فتضعضعت أَحْوَاله واختلت(2/160)
أُمُوره وَكَانَ الْمَوْت فجاءة آخر خموله نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَقَالَ شاعره وشاعر أَبِيه من قبل جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة يرثيه
(تغرب عَن مُغنِي حماة مليكها ... ماودى بهَا من بعد ذَلِك مماته)
(وَمَا مَاتَ حَتَّى مَاتَ بعض نسايه ... بهم وكادت أَن توت حماته)
)
وَقَالَ أَيْضا قصيدة أَولهَا
(بَكَى الشّعْر أَيَّام المنى والمنايح ... فَفِي كل بت للثنا صَوت نايح)
(وَلما ادلهمت صفحة الألفق بالاسى ... علمنَا بِأَن الشهب تَحت الصفايح)
(حَيا المزن اسعدني على فقد سادتي ... بدمع كجدواهم على الْخلق سافح)
(ابعد بني شاد وَقد سكنوا الثرى ... قريض لشاد أَو سرُور لفارح)
(أبعد مُلُوك الْعلم والبأس والندى ... تشب الْعلَا نَار الْقرى والقرايح)
(لَئِن أوحشوا مِنْهُم بيُوت مقامهم ... لقد اوحشوا منا بيُوت المدايح)
مِنْهَا
(تَلا فقد اسمعيل فقد مُحَمَّد ... فيا للأسى من فادح بعد فادح)
(وزالا فَمَا إِنْسَان عَيْني بممسك ... بكاه وَلَا إِنْسَان قولى بكادح)
(كَأَن لم يجد بعد الْمُؤَيد افضل ... فَمن جذع بذ الْجِيَاد وقارح)
(كَأَن زناد الْفضل لم يور مِنْهَا ... سنا شيم مَا فِيهِ قَول لقادح)
مِنْهَا
(وَوَاللَّه مَا نوفى صِفَات مُحَمَّد ... إِذا نَحن اثنينا عَلَيْهِ بِصَالح)
(صلام على جنَّات اجداثهم وَلَا ... سَلام لنار الْحزن بَين الجوانح)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الأديب على بن مقَاتل الحوي بحماة يرثى الْملك الْأَفْضَل
(صَاحب حماة مَا عطى فِي الدست الهامات ... يبذق تفرزن عقد بندو على الهامات)
(دارات عَلَيْهِ رخاخ فيال وَهَا مَا مَاتَ ... لعب بِنَفس على خيل ركب هامات)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(يَا أَوْلَاد الْأَفْضَل كسرتم كسر مَا لَو حيّز ... فقدتم ابْن الْمُؤَيد نجل ذَاك الحبر)
(تصبر واندبوا من قد حواه الْقَبْر ... فآل أَيُّوب هم أهل البلا وَالصَّبْر)
وأنشدني لَهُ أَيْضا
(بالْأَمْس يَا أَوْلَاد الْأَفْضَل صَاح صايحكم ... على الملا بَين غاديكم ووايحكم)(2/161)
(وَالْيَوْم صَارَت مغانيكم نوايحكم ... واتبدلت بمراثيكم مدايحكم)
وأنشدني لَهُ أَيْضا)
(مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْمُخْتَار من منشاه ... من شرف الْكَوْن فِي سَابِع سما ممشاه)
(أذاقه الْمَوْت من كل الورى تخشاه ... من هُوَ ملك مصر أَو من ابْن شاهنشاه)
3 - (ابْن التيتي مُحَمَّد بن اسمعيل بن أسعد الْأَمِير شمس الدّين ابْن الصاحب شرف الدّين الْآمِدِيّ)
الْمَعْرُوف بِابْن التيتي بتائين ثَالِثَة الْحُرُوف بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف كَانَ وزيرا بماردين وحضرا أخيراً فِي الرسلية من الْملك أَحْمد صُحْبَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الكواشي لآتي ذكره فِي مَكَانَهُ فَمَاتَ مرسلهم على مَا يَأْتِي فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن وحبسوا وَمَات الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن وَطلب شمس الدّين إِلَى مصر وَأعْطى خبْزًا فِي الْحلقَة وترقا إِلَى أَن صَار نايب دَار الْعدْل وجفل بِهِ فرس فَمَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى سنة أَربع وَسبع ماية بِمصْر
3 - (أَبُو دهمان مُحَمَّد بن أبي الْأسود)
أَبُو دهمان بصرى عَرَبِيّ تقلد سَابُور من من كور فَارس وَلما ضرب الْمهْدي أَبَا الْعَتَاهِيَة بِسَبَب تشبيبه بعتية قَالَ أَبُو دهمان
(لَوْلَا الَّذِي أحدث الْخَلِيفَة فِي ال ... عشاق من ضَربهمْ إِذا عشقوا)
(لبخت باسم الَّتِي أحب ول ... كني امْرُؤ قد نبابي الْفرق)
(أَخَاف أَن بحت أَن أعاقب فال ... قلب بطول الكتمان يَحْتَرِق)
(من أجل حبيك قد أَحْبَبْت حماكا ... أظنها دون خلق الله تهواكا)
(حماك حماشة حماك عاشقه ... لَو لم تكن هَكَذَا مَا قبلت فاكا)
أَخذ بعض الْمُتَأَخِّرين فزاده وَقَالَ
(لَو لم تكن حماه مشغوفة ... تعشقه مثلي وتهواه)
(مَا عانقت إِذا أَقبلت صَدره ... وَقبلت إِذا فَارَقت فَاه)
3 - (الْحَرْبِيّ مُحَمَّد بن اشرس الْحَرْبِيّ)
حدث عَن أبي زيد العكلي وَأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل وروى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد ابْن عقدَة الْحَافِظ الْكُوفِي وَأَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن هرون الْخلال وعباس بن مُحَمَّد الدورى(2/162)
3 - (مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ الْكُوفِي ابْن أم فَرْوَة وَأُخْت أبي بكر الصّديق رضى الله)
عَنهُ)
حدث عَن عمر وَعُثْمَان وعايشة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَتُوفِّي فِي عشر السّبْعين من الْهِجْرَة وَولد أَكثر من ثلثين ولدا ذكرا وَابْنه عبد الرَّحْمَن الَّذِي خرج على الْحجَّاج
الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَشْعَث مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن يحيى الْخُزَاعِيّ الْخُرَاسَانِي الْأَمِير أحد قواد بني الْعَبَّاس ولى دمشق للمنصور ثمَّ ولى مصر وَدخل القيروان لِحَرْب الإباضية كَانَ شجاعا مهيبا توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وماية
3 - (الْمروزِي مُحَمَّد بن الْأَشْعَث أَبُو الْأَشْعَث الْمروزِي)
كَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى آل طَاهِر قَالَ يمدح مُحَمَّد بن اسحق بن إِبْرَاهِيم المصعبي بقصيدة أَولهَا
(نوم العذال عَن سهره ... وغنوا بالنفع عَن ضَرَره)
(وَرمى الهجران مقلته ... بسهام الْحبّ عَن وتره)
(فحشاه يلتظى لهباً ... لَيْسَ يطفى لهف مستعره)
(تيمته مقلتا رشإ ... حل عقد السحر فِي نظره)
(لَو رَآهُ عاذلي سفها ... فر من عذل إِلَى عذره)
3 - (الزُّهْرِيّ الْكَاتِب الْكُوفِي مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن فحرة)
الْكَاتِب الْكُوفِي أحد بني زهرَة من قُرَيْش كَانَ شَاعِرًا مغنيا وَكَانَ يلقى الْغناء على جوارى ابْن رامين وَغَيره
3 - (الْحَافِظ ابْن اشكاب مُحَمَّد بن اشكاب)
الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ أَخُو على بن اشكاب روى عَنهُ البخارى وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وماتين
3 - (ابْن أُميَّة الشَّاعِر مُحَمَّد بن أُميَّة)
قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان هُوَ ابْن أبي أُميَّة وَاسم أبي أُميَّة عَمْرو قَالَ صَاحب الإغاني كَانَ مُحَمَّد كَاتبا شَاعِرًا ظريفا وَكَانَ حسن الْخط وَالْبَيَان كَانَ يهوى(2/163)
جَارِيَة اسْمهَا خداع لبَعض جوارى خل المعتصم وَكَانَ يدعوها ويعاشره أخوانه إِذا دَعوه بهَا اتبَاعا لمسرته وَأَرَادَ المعتصم الْغَزْو وَأمر النَّاس بِالْخرُوجِ جَمِيعًا فَدَعَاهُ بعض أخوانه قبل خُرُوجهمْ فَلَمَّا اصبحوا جَاءَهُم من الْمَطَر أَمر عَظِيم لم يقدر أحد أَن يطلع رَأسه من الْمَطَر وَكَاد مُحَمَّد يَمُوت غماً فَكتب إِلَى الَّذِي دَعَاهُ
(تَمَادى الْقطر وَانْقطع السَّبِيل ... من الْأَلفَيْنِ إِذْ جرت السُّيُول)
)
(على أَنِّي ركبت إِلَيْك شوقاً ... وَوجه الأَرْض واديه يجول)
(وَكَانَ الشوق يقتلني دَلِيلا ... وللمشتاق معترما دَلِيل)
(فَلم أجد السَّبِيل إِلَى حبيب ... اودعه وَقد أفد الرحيل)
(فارسلت الرَّسُول فَغَاب عني ... فيا لله مَا فعل الرَّسُول)
وَمن شعره
(رب وعد مِنْك لَا أنساه لي ... وَاجِب الشُّكْر وَإِن لم تفعل)
(اقْطَعْ الدَّهْر بوعد حسن ... واجلى كربَة مَا تنجلى)
(كلما املت يَوْمًا صَالحا ... عرض الْمَكْرُوه دون الأمل)
(وارى الْأَيَّام لَا تدنى الَّذِي ... ارتجى مِنْك وتدنى اجلى)
قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان كَانَ عَمْرو ينشد هِشَام بن عبد الْملك الشعار بالتطريب يتشاغل بهَا عَن الْغنى وَهُوَ مَوْلَاهُ وَمُحَمّد من أهل بَيت شعر وطرفة وَكتبه وأدب وَهُوَ أشعرهم وَكَانَ يكْتب للْعَبَّاس بن الْفضل بن الرّبيع توفّي قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان شَاعِر غزل مأموني من شعره
(هويت فَلم يبل الْهوى وبليت ... وقاسيت كل الذل حِين هويت)
(كتمت الْهوى حَتَّى تشكت نحولها ... عِظَامِي بإفصاح وَهن سكُوت)
(يذب المنى عني المنايا وَلَو خلا ... مقيل المنى من مهجتي لطفيت)
(واضمر فِي قلبِي العتاب فَإِن بَدَت ... وساعفني قرب المزار نسيت)
وَمِنْه
(لله ذُو كبد يكابد فِي الْهوى ... طمع الْحَرِيص وعفة المتحرج)
(يَأْبَى الْحيَاء إِذا التقيتك خَالِيا ... من أَن ابْنك مَا أَخَاف وارتجي)
وَمِنْه
(وَإِنِّي لأرجو مِنْك يَوْمًا يسرني ... كماساءني يَوْم وَأَنِّي لآمن)
(أُؤَمِّل عطف الدنر بعد انْصِرَافه ... فيا أملي فِي الدَّهْر هَل أَنْت كاين)(2/164)
توفّي الْمَذْكُور
3 - (النِّعَال الصُّوفِي مُحَمَّد بن الأنجب بن أبي عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْخ صاين الدّين أَبُو)
الْحسن الْبَغْدَادِيّ الصُّوفِي الْمَعْرُوف بالنعال)
كَانَ مَشْهُورا بالصلاح والهير روى عَنهُ الدمياطي وَغَيره وَكَانَ أَعلَى اسناداً مِمَّن بقى بِالْقَاهِرَةِ توفّي سنة تسع وَخمسين وست ماية
3 - (المرواني الْكُوفِي مُحَمَّد بن أنس وَقيل ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله الْكُوفِي المرواني يكنى)
أَبَا جَعْفَر وَقيل أَبَا اسحق شَاعِر مطبوع لَهُ مَعَ أبي نواس خبر قَالَ فِي غُلَام مجدور
(ومجدور سأسرف فِي ... هَوَاهُ أَيّمَا سرف)
(حكى الجدرى فِي خدي ... هـ نقط الحبر فِي الصُّحُف)
(كَأَن نعطف الزِّنَا ... ر فِي لين وَفِي لطف)
(على حقْوَيْهِ فَوق لخص ... ر مَعْقُود على ألف)
وَقَالَ وَقد روى لغيره
(كلّ عروسٍ حسنٍ وَجههَا ... زهت فبالخمر أباهيها)
(الحلى مها مستعار لَهَا ... وخمر كأسى حليها فِيهَا)(2/165)
3 - (البكيري مُحَمَّد بن إِيَاس بن البكيري عبد يَا ليل بيائين آخر الْحُرُوف ولامين اللَّيْثِيّ الْمدنِي)
من أَوْلَاد الْبَدْرِيِّينَ روى عَن عايشة وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وروى لَهُ أَبُو دَاوُد توفّي فِي عشر التسعين لِلْهِجْرَةِ
3 - (مُحَمَّد بن إِيَاس بن أبي البكير اللَّيْثِيّ)
حَلِيف بني عذرة بن كَعْب قَالَ فِي حَرْب بني عدي بن كَعْب بِالْمَدِينَةِ ويرثى بن الْخَيْر
(أَلا لَيْت أُمِّي لم تلدني ... وَلم أك فِي الغواة لَدَى البقيع)
(وَلم أر مصرع ابْن الْخَيْر زيد ... هُنَالك من صريع)
(هُوَ الرزء الَّذِي عظمت وجلت ... مصيبته على الْحَيّ الْجَمِيع)
3 - (ابْن الْحَرَّانِي وَالِي دمشق مُحَمَّد بن أياز الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْأَمِير افتخار الدّين)
الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ ولى ولَايَة دمشق بعد موت وَالِده وأضيف إِلَيْهِ شدّ الْأَوْقَاف وَالنَّظَر فِيهَا اسْتِقْلَالا وَكَانَ نايب دمشق حسام الدّين لاجين لَا يُخَالِفهُ وَلَا يخرج عَن رَأْيه رَأَيْت بِخَط القَاضِي مُحي الدّين ابْن فضل الله كتبا ومراسيم مَكْتُوبًا فِيهَا برسالة الْأَمِير نَاصِر الدّين وَكَانَ ذَا عقل وَرَأى وَله المكانة)
الْعَالِيَة عِنْد الْملك الظَّاهِر وَكَانَ مليج الْخط جيد الْفَضِيلَة كثير المكارم قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين عبد الْكَرِيم رَأَيْته يكْتب وَهُوَ ينظر إِلَى حهة اخر قَالَ بعض الْأُمَرَاء وَالله يصلح لوزارة بَغْدَاد زمن الْخُلَفَاء وَلَا يقوم غَيره مقَامه واستعفى من ولَايَة الْبَلَد وَأجِيب ثمَّ ولاه الْمَنْصُور نِيَابَة حمص فَتوجه إِلَيْهَا على كره وَلم تطل مدَّته بهَا وَتُوفِّي بحمص سنة أَربع وَثَمَانِينَ وست ماية وَنقل إِلَى دمشق وَدفن بتربة الشَّيْخ أبي عمر وَلم يبلغ السِّتين(2/166)
3 - (ابْن الاسكندراني مُحَمَّد بن أيبك بن عبد الله نَاصِر الدّين ابْن عز الدّين)
الاسكندراني كَانَ وَالِده نايب لرحبة أَيَّام الظَّاهِر وَلما كنت بالرحبة رَأَيْت كتب السُّلْطَان إِلَى وَالِده كَانَ نَاصِر الدّين هَذَا مِمَّن جمع بَين حسن الصُّورَة وَحسن الْأَوْصَاف ووفور الْعقل والرياسة والحشمة تأبى لما مَاتَ وَالِده تأبيا كَبِيرا وَمنع مماليكه وغلمانه من جر شُعُورهمْ وهلب أَذْنَاب خيله وَتقدم إِلَى الطباخ وَعمل الطَّعَام وَمد السماط للنَّاس وسقاهم السكر والليمون وَكَانَ فِي شهر رَمَضَان وأباع التَّرِكَة وَجَمعهَا وأوفى دين وَالِده وَحلف من لم يكن لَهُ بَينه وَأَعْطَاهُ وَوصل إِلَى دمشق وَخرج عَن أُمُور كَانَ يعانيها وَتَابَ ولازم الصَّلَاة وَالصِّيَام وَركب وَخرج إِلَى أَرض الخرجلة وَهُوَ صايم فَمر بِهِ الحصان على نهر فَرَمَاهُ وطلبوه فِي النَّهر فَلم يجدوه إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ قد تعلق فِي سياج بمهمازه وَحصل الأسف عَلَيْهِ وحزن النَّاس عَلَيْهِ حزنا عَظِيما لمحاسن حواها وَكَانَ غرقه سنة خمس وَسبعين وست ماية وَله دون الْعشْر سنة وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده
3 - (ابْن أَبِيك الطَّوِيل مُحَمَّد بن أَبِيك الْأَمِير صَلَاح الدّين)
الْمَعْرُوف بِابْن أيبك الطَّوِيل تنقل فِي المباشرات فباشر شدّ السَّاحِل وَولَايَة الْولَايَة بالصفقة الْقبلية ثمَّ تنقل فِي نِيَابَة الرحبة وجعبر مَرَّات وَكَاد فِي وَاقعَة الْأَمِير سيف الدّين تنكز أَن ينعطب لِأَنَّهُ كَانَ فِي جعبر نايبا وَكَانَ قد أودع عِنْده زرد خاناه وَطلب إِلَى مصر عقيب إمْسَاك تنكز فَأصْلح أمره وَعَاد وَلما كَانَ فِي آخر الْأَمر جهز إِلَى صفد صُحْبَة الامراء الَّذين رسم بتجهيزهم إِلَى مَحل اقطاعهم فَأَقَامَ قَرِيبا من نصف سنة وَتُوفِّي بهَا رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر ربيع الآخر تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية فِي طاعون صفد
الرهاوى مُحَمَّد بن أَيمن الرهاوى قَالَ فِي تَتِمَّة الْيَتِيمَة كَانَ يُعَارض أَبَا الْعَتَاهِيَة ويجرى فِي طَرِيقه من شعره)
(أَن المكارم كلهَا لَو حصلت ... رجعت بجملتها إِلَى شَيْئَيْنِ)
(تَعْظِيم أَمر الله جلّ جَلَاله ... والسعى فِي إصْلَاح ذَات الْبَين)
وَقَالَ
(أَنا ننافس فِي دنيا مُفَارقَة ... وَنحن قد نكتفي مِنْهَا بادناها)
(حذرتك الْكبر لَا يعلقك ميسمه ... فَإِنَّهُ ملبس نازعته الله)(2/167)
3 - (الْمسند ابْن ضريس مُحَمَّد بن أَيُّوب)
بن ضريس تَصْغِير ضرس أَبُو عبد الله البَجلِيّ الرَّازِيّ شيخ الرّيّ ومسندها روى عَنهُ ابْن أبي حَاتِم وَثَّقَهُ وَكَانَ ذَا معرفَة وَحفظ وعلو رِوَايَة توفّي يَوْم عَاشُورَاء سنة أَربع وَتِسْعين وماتين
3 - (عميد الرؤساء الْكَاتِب مُحَمَّد بن أَيُّوب أَبُو طَالب)
عميد الرؤساء ولد سنة سبعين وَثلث ماية وَكتب للقايم سِتَّة عشر سنة وَتُوفِّي عَن ثَمَان وَسبعين سنة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع ماية وَكَانَ فَاضلا شجاعاً وصنف كتابا فِي الْخراج وروى شعر البحتري عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الخالع عَن أبي سهل بن زِيَاد الْقطَّان عَن أبي الْغَوْث ابْن البحتري عَن أَبِيه وديوان أبي نصر ابْن نباتة الشَّاعِر وَهُوَ القايل الْكتاب سَبْعَة فأولهم الْكَامِل وَهُوَ الَّذِي ينشئ وينملي وَيكْتب وَالثَّانِي الأعزل وَهُوَ الَّذِي ينشئ ويملى وَلَا يكْتب خطا رايقا وَالثَّالِث الْمُبْهم وَهُوَ الَّذِي يكْتب خطا مليحا وَلَا يَد لَهُ فِي إنْشَاء وَلَا إملاء وَالرَّابِع الرقاعي وَهُوَ الَّذِي يبلغ حَاجته فِي رقْعَة يَكْتُبهَا ولاحظ لَهُ فِي طول نفس وتنوع فِي معَان ولخامس المخبل وَهُوَ الَّذِي لَهُ حفظ وَرِوَايَة ولاحظ لَهُ فِي إنْشَاء كتاب فَإِذا كَانَ عَاقِلا صلح أَن يكون نديما للملوك وَالسَّادِس المخلط وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي فِيمَا ينشئه بدرة وبعرة يقرن بَينهمَا فَيذْهب رونق مَا ينشئه وَالسَّابِع السّكيت يشبه بالمتأخر فِي الحلبة وَرُبمَا جهد نَفسه فَأتى بعد اللتيا وَالَّتِي بِمَعْنى يفهم
3 - (الْعَادِل الْكَبِير مُحَمَّد بن أَيُّوب بن شادى بن مرون السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر)
ابْن أبي الشُّكْر الدويني ثمَّ التكريتي ثمَّ الدِّمَشْقِي ولد ببعلبك سنة أَربع وثلثين غذ أَبوهُ ناي بعليها لزنكي وَالِد نور الدّين وَهُوَ اصغر من صَلَاح الدّين بِسنتَيْنِ وَقيل ولد سنة ثَمَان وثلثين وَقيل ولد سنة أَرْبَعِينَ اشْتهر بكنيته نَشأ فِي خدمَة)
نور الدّين مَعَ أَبِيه وَحضر مَعَ أَخِيه جَمِيع فتوحاته وَملك من الكرج إِلَى قريب همذان وَالشَّام ومصر والجزيرة واليمن وَكَانَ خليقا بِالْملكِ حسن التَّدْبِير حَلِيمًا صفوحا مُجَاهدًا عفيفا متصدقاً آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر طهر جَمِيع ولَايَته من الْخمر والخواطئ والمكوس والمظالم كَذَا قَالَ أَبُو المظفر سبط الجوزى والعهدة عَلَيْهِ فِي هَذِه المجازفة قَالَ وَكَانَ الْحَاصِل من ذَلِك بِجِهَة دمشق خَاصَّة ماية ألف دِينَار وكفن فِي غلاء مصر من الغرباء ثلث ماية ألف نفر قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَهَذَا من مجازفات الْمَذْكُور وَكَانَ يمِيل إِلَى الْعلمَاء وصنف لَهُ الْأَمَام فَخر الدّين كتاب تأسيس التَّقْدِيس وجهزه إِلَيْهِ(2/168)
من خُرَاسَان قيل أَنه ستر إِلَيْهِ ألف دِينَار وَلما قسم ملكه بَين أَوْلَاده كَانَ يصيف بِالشَّام وشتى بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ فِيهِ أَنَاة وصبر على الشدايد وَيَأْكُل عِنْد مَا ينَام رضيعا ورطل خبيص سكر بالدمشقى وَكَانَ قَلِيل الْأَمْرَاض قَالَ طبيبه خَبره على حرَام فَإِنِّي لم أداوه إِلَّا مرّة وَاحِدَة فِي يَوْم وَكَانَ نِكَاحا غيورا لَا يدْخل إِلَى دوره طواش إِلَّا قبل الْبلُوغ وَكَانَ عفيف الْفرج لَا يعرف غير حلايله انجب لَهُ أَوْلَاده وسلطان الذُّكُور وَزوج الْبَنَات بملوك الْأَطْرَاف وَسعد فِي أَوْلَاده وَسمع من السلفى وَحدث وَكَانَ لَهُ سَبْعَة عشر واداً وهم شمس الدّين مودود وَالِد الْملك الْجواد وَالْملك الْكَامِل مُحَمَّد والمعظم عِيسَى والأشرف مُوسَى والأوحد أَيُّوب والفايز إِبْرَاهِيم وشهاب الدّين غازى والعزيز عُثْمَان والأمجد حسن والحافظ رسْلَان والصالح اسمعيل والمغيث عمر والقاهر اسحق ومجير الدّين يَعْقُوب وتقى الدّين عَبَّاس وقطب الدّين أَحْمد وخليل وَكَانَ لَهُ عدَّة بَنَات وَمَات فِي أَيَّامه شمس الدّين مودود والمغيث عمر وَالْملك الأمجد وَآخر أَوْلَاده وَفَاة عَبَّاس وَهُوَ أَصْغَر الْأَوْلَاد بَقِي إِلَى سنة تسع وَسِتِّينَ وست ماية وَكَانَ الْعَادِل من أَفْرَاد الْعَالم توفّي فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وست ماية بعالقين بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْقَاف قَرِيبا من دمشق فَكَتَبُوا إِلَى الْمُعظم وَلَده وَكَانَ بنابلس فساق فِي لَيْلَة واتى فصبره وَجعله فِي محفة وَنَقله إِلَى قلعة دمشق فَلَمَّا صَار بهَا اظهروا مَوته ثمَّ نقل إِلَى تربته ومدرسته الْمَعْرُوفَة بِهِ بِدِمَشْق وَلما تولى الْمُعظم رد المكوس وَالْخمر وَاعْتذر بالفرنج وَقلة المَال ومدحه ابْن عنين الآتى ذكره بقصيدة طنانة رائية وَكَانَ أَخُوهُ صَلَاح الدّين قد نَفَاهُ إِلَى الْيمن يسْأَله الْعود إِلَى دمشق وَأذن لَهُ فِي ذَلِك وأولها
(مَاذَا على طيف الْأَحِبَّة لَو سرى ... وَعَلَيْهِم لَو سامحوني بالكرى)
(جنحوا إِلَى قلو الوشاة اعرضوا ... وَالله يعلم أَن ذَلِك مفترى)
)
مِنْهَا فِي المديح
(وَله البنون بِكُل أَرض مِنْهُم ... ملك يَقُود إِلَى الأعادي عسكرا)
(من كل وضاح الجبين تخاله ... بَدْرًا وَأَن شهد الوغى فغضنفرا)
(مُتَقَدم حَتَّى إِذا النَّقْع انجلى ... بالبيض عَن سبى الْحَرِيم تأخرا)
(قوم زكوا اصلاً وطابوا محتداً ... وتدفقوا جوداً وراقوا منْظرًا)
(وتعاف خيلهم الْوُرُود بمنهل ... مَا لم يكن بِدَم الوقايع احمرا)
(يعشوا إِلَى نَار الوغى شغفاً بهَا ... ويجل أَن يعشوا إِلَى نَار الْقرى)
مِنْهَا
(الْعَادِل الْملك الَّذِي اسماؤه ... فِي كل نَاحيَة تشرف منبرا)
(وَبِكُل أَرض جنَّة من عدله ... الصافي نداه أسَال فِيهَا كوثرا)(2/169)
(مَا فِي أبي بكر لمعتقد الْهدى ... شكّ يريب بِأَنَّهُ خير الورى)
(سيف صقال الْمجد اخلص مَتنه ... ابان طيب الأَصْل مِنْهُ الجوهرا)
(بَين الْمُلُوك الغابرين وَبَينه ... فِي الْفضل مَا بَين الثريا وَالثَّرَى)
(نسخت خلايقه الحميدة مَا أَتَى ... فِي الْكتب عَن كسْرَى الْمُلُوك وقيصرا)
(ملك إِذا خفت حلوم ذوى النهى ... فِي الروع زَاد صِيَانة وتوقرا)
(ثَبت الْجنان تراع من وثباته ... وثباته يَوْم الوغى أَسد الشرى)
(يقظ يكَاد يَقُول عَمَّا فِي غَد ... ببديهة اغنته أَن يتكفرا)
(حلم تخف لَهُ الحلوم وَرَاءه ... عزم وَرَأى يحقر الاسكندرا)
(يعْفُو عَن الذَّنب الْعَظِيم تكرماً ... ويصد عَن قَول الْخَنَا متكبرا)
(لَا تسمعن حَدِيث ملك غَيره ... يرْوى فَكل الصَّيْد فِي جَوف الفرا)
وَهِي قصيدة هايلة طايلة جَارِيَة فِي البلاغة جايلة قَوْله وتعاف خيلهم الْوُرُود الْبَيْت أَخذه وَقصر فِيهِ عَن قَول أبي الطّيب
(تعود أَن لَا تقضم الْحبّ خيله ... إِذا الْهَام لم ترفع جنوب العلايق)
(وَلَا ترد الغدران إِلَّا وماؤها ... من الدَّم كالريحان تَحت الشقايق)
وَجمع فِي قَوْله يعشوا إِلَى نَار الوغى بَين نَار الوغى ونار الْقرى تشبها بقول ابْن عمار فقصر)
عَنهُ حَيْثُ قَالَ
(قداح زند الْمجد لَا يَنْفَكّ من ... نَار الوغى إِلَّا إِلَى نَار الْقرى)
وَمِمَّنْ مدح الْعَادِل ابْن سناء الْملك بقصيدة أَولهَا
(رَجَعَ الغرام إِلَى الحبيب الأول ... فَرَجَعت بعد تعزلي لتعزلي)
(ولبست أَثوَاب الصَّبِي مصقولة ... وصقال ثوب هواي شيب تكهلي)
مِنْهَا
(وتناولت كفا أبي بكر بهَا ... لما علا زهر الْكَوَاكِب من على)
(وَلَقَد تطأطأ للنجوم لِأَنَّهُ ... من فَوْقهَا ولانها من أَسْفَل)
مِنْهَا يذكر قدوم أَوْلَاده من الشَّام
(وتمل يَا ملك الورى بالسادة ... إِلَّا ملاك يَا لَيْث الشرى بالاشبل)
(غَابُوا الَّذِي غَابُوا وهم كاهلة ... واتوك لَكِن كالبدر الكمل)
(فجنيت مِنْهُم واجتليت وُجُوههم ... زهراً فَأَنت المجتنى والمجتلى)(2/170)
3 - (مُحَمَّد بن أَيُّوب بن مُحَمَّد بن وهب بن نوح)
الإِمَام الْعَلامَة أَبُو عبد الله ابْن الشَّيْخ الْجَلِيل أبي مُحَمَّد الغافقي الأندلسي السَّرقسْطِي الأَصْل ولد ببلنسية سمع وروى كَانَ من الراسخين فِي الْعلم بارعا فِي الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه والأفتاء اطنب ابْن الْأَبَّار فِي وَصفه كثيرا
3 - (نقيب السَّبع ابْن الطَّحَّان مُحَمَّد بن أَيُّوب بن عَليّ بن حَازِم الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي)
ابْن الطَّحَّان نقيب السَّبع والشامية ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وست ماية فِي شهر ربيع الأول وتفقه وَقَرَأَ بروايات وَأذن مُدَّة بتربة أم الصَّالح وَكَانَ فَاضلا مناظراص حسن الْخلق فِيهِ وَسْوَسَة فِي أَمر الْمِيَاه سمع مَعَ زوج خَالَته النَّجْم ابْن الشاطبي من عُثْمَان خطيب القرافة جُزْءا وَمن الزين خَالِد والكرماني ويوسف بن يَعْقُوب الأربلي شاخ وَعجز وَانْقطع بالشامية سمع مِنْهُ جمَاعَة الطّلبَة قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَرويت عَنهُ فِي المعجم قلت ومعت أَنا عَلَيْهِ بِقِرَاءَة ابْن طغريل الْجُزْء الثَّانِي من الأول من فوايد القَاضِي أبي الْحُسَيْن عبد الْبَاقِي بن قَانِع بن مَرْزُوق الْحَافِظ بِالْمَدْرَسَةِ الرواحية بِدِمَشْق وَتُوفِّي فِيمَا أَظن فِي سنة خمس وثلثين وَسبع ماية)
3 - (الْأَشْقَر الزرعي مُحَمَّد بن أَيُّوب الْفَقِيه الْعَالم شمس الدّين)
الْأَشْقَر الزرعي سمع الْكثير وَدَار على الشُّيُوخ فِي أَيَّام البُخَارِيّ ونظم الشّعْر مولده قبل السِّتين وست ماية وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة إِحْدَى عشرَة وَسبع ماية وَحدث
3 - (التاذفي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن أَيُّوب بن عبد القاهر الإِمَام بدر الدّين شيخ الْقُرَّاء بحماة الْحَنَفِيّ)
الْحلَبِي ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وست ماية وتلا على الفاسي وَسمع ابْن علاق وَابْن العديم وَجَمَاعَة وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وتميز وصنف قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أخذت عَنهُ مبَاحث وَسَمعنَا مِنْهُ وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة خمس وَسبع ماية(2/171)
3 - (ابْن الصايغ الأندلسي مُحَمَّد بن باجة)
وَقيل ابْن يحيى بن باجة أَبُو بكر التجِيبِي الأندلسي السَّرقسْطِي الْمَعْرُوف بِابْن الصايغ الفيلسوف الشَّاعِر الْمَشْهُور ذكره صَاحب القلايد فِي كِتَابه وَقَالَ فِي حَقه رمد جفن الدّين وكمد قلب الْيَقِين نظر فِي تِلْكَ التعاليم وفكر فِي إجرام الأفلاك وحدود الأقاليم ورفض كتاب الله الْحَكِيم ونبذه وَرَاء ظَهره ثايناً من عطفه وَأَرَادَ أبطال مَا لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه وَاقْتصر على الْهَيْئَة وانكر أَن يكون لنا إِلَى الله معاد وفية ولعمري مَا خلا كَلَامه فِي حَقه من حَظّ نفس فقد بَالغ وَقد ذكرت سَبَب هَذَا فِي تَرْجَمَة الْفَتْح بن خاقَان فليوخذ من هُنَاكَ وَأورد لَهُ من شعره
(اسكان نعْمَان الْأَرَاك تيقنوا ... بأنكم فِي ربع قلبِي سكان)
(ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا بِأَقْوَام إِذا استؤمنوا خانوا)
(سلوا اللَّيْل عني مذ تناءت دِيَاركُمْ ... هَل اكتحلت بالغمض لي فِيهِ أجفان)
وَهَذِه الأبيات مَوْجُودَة فِي ديوَان ابْن حيوس وَمن شعره
(ضربوا القباب على إقاحة رَوْضَة ... خطر النسيم بهَا ففاح عبيرا)
(لَا وَالَّذِي صاغ الغصون معاطفاً ... لَهُم وصاغ الأقحوان ثغورا)
(مَا مر بِي ريح الصِّبَا من بعدهمْ ... إِلَّا شهقت لَهُ فَعَاد سعيرا)
وَلما حَضرته الْوَفَاة فِي شهر رَمَضَان سنة ثلث وثلثين وَقيل خمس وَعشْرين وَخمْس ماية وَكَانَ قد ستم فِي باذنجان بفاس كَانَ ينشد)
(أَقُول لنَفْسي حِين قابلها الردى ... فراغت فِرَارًا مِنْهُ يسرى إِلَى يمنى)
(قفي تحملي بعض الَّذِي تكرهينه ... فقد طالما اعْتدت الْفِرَار إِلَى هُنَا)
وَقد نَاقض ابْن خافان فِي ترجمى ابْن باجة مَا قَالَه الْكَاتِب أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ ابْن عُثْمَان الْأنْصَارِيّ فِي كتاب سمط الجمان وَسقط الأذهان حَيْثُ ذكر ابْن باجة فَقَالَ فِي حَقه الْوَزير الأديب الْكَاتِب الماهر الطَّبِيب الفيلسوف الجهبذ الأريب أَبُو بكر ابْن الصايغ سر(2/172)
الجزيرة إِذا تهندست وجهبذها إِذا تنطست ومنير محاسنها إِذا ادلهمت وعسعست لولاه مَا سفرت عَن شريق وَلَا اهتدت إِلَى الرياضيات سمت طَرِيق وَلَا ضربت بعرق فِي البرهانيات عريق بِهِ شاركت فِي الدقايق الرقَاق وَعَلِيهِ فِيهَا وَقع الآصفاق وَعنهُ عرف ثقيل الْحجاز وخفيف الْعرَاق وَأما آدابه فالرياض العرايس والاعلاق النفايس وَأما أقلامه فالرماح الخطية والغصون الموايس اطَّلَعت لهاذمها كل عريب واسمعت اغصانها شجو الورقاء وطرب العندليب وَمَا عَسى أَن يُقَال فِي الْفَتْح وسيره تصغر عَن الثلب والقدح غير أَنه لما ارهف شباته واحضر أقلامه ودواته جعل نَفسه الخبيثة مرآته فأردته معايبه ونثلت بَين يَدَيْهِ مثالبة فسطرها فِي كتاب ونسقها نسق حِسَاب وَمَا شعر أَنه أخر وَقدم وَكم غادر من متردم ولمز بِمَا لم يتستر عَن اتيان نكره وَعرض بِمَا صرح هُوَ فِي صحو الْقَبِيح وسكره وَاعْتمد الْقَمَر بنباحه ورجم الْمَعَالِي بسلاحه ولكنهما قد صَارا أثرا بعد عين وللحاكم بَين الرجلَيْن بَيت أبي الطّيب أَحْمد بن الْحُسَيْن وسأثبت من كَلَامه الرَّقِيق ونظامه الرايع الأنيق مَا ترتدي بِهِ ذكاء وَيَوَد لَو يجتذبه فِي روضته المكاء وَيُقِيم بِهِ سوقه الطَّرب المستقر والبكاء فَمن ذَلِك
(خليلي لَا وَالله مَا الْقلب سَالم ... وَأَن ظَهرت مني شمايل صَاح)
(وَإِلَّا فَمَا بالي وَلم أشهد الوغى ... أَبيت كَأَنِّي مثخن بجراح)
وَله
(ترَاءى أَمَام الركب ركب محصب ... وَمن دونه أعداؤه ووشاته)
(فَأرْسلت فِيهَا نظرة مَا تخلصت ... من الجفن حَتَّى بلها عبراته)
(ونازعني فضل التفاتي مشمر ... يسايب أَيْن الْخيف أَو عرفاته)
وَلما مَاتَ ابْن باجة رَحمَه الله تَعَالَى وقف على قَبره أَبُو بكر ابْن الحمارة وَأنْشد)
(يَا صَاحب الْقَبْر الْقَرِيب ودونه ... هم تبيت لَهُ الْكَوَاكِب تسهر)
(قُم أَن أطقت وهات عَن صور الردى ... خَبرا فقد عَايَنت كَيفَ تصور)
(وَأخْبر عَن الملكوت كَيفَ رَأَيْته ... أَن الْغَرِيب عَن الغرايب يخبر)
3 - (ابْن باخل مُحَمَّد بن باخل الْأَمِير شمس الدّين الهكارى)
متولى اسكندرية توفّي بهَا سنة ثلث وَثَمَانِينَ وست ماية كَانَ صَارِمًا عادلا وَله ميل إِلَى الْأَدَب سمع جَمِيع سنَن ابْن ماجة من الْمُوفق عبد اللَّطِيف بن يُوسُف ومقامات الحريري بحران وَخرج لَهُ الْحَافِظ مَنْصُور بن سليم وَأَجَازَ لقطب الدّين عبد الْكَرِيم وَسمع عَلَيْهِ الشَّيْخ اثير الدّين أَبُو حَيَّان وَعنهُ روى كتاب(2/173)
المقامات للحريري وَله نظم أَنْشدني الشَّيْخ أثير الدّين من لظفه قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(انْظُر إِلَى الدُّنْيَا بِعَين بَصِيرَة ... ودع التشاغل بِالَّذِي لَا ينفع)
(كم رامها فِيمَا مضى من جَاهِل ... ليفوز مِنْهَا بِالَّذِي هُوَ يطْمع)
(وَيكون فِيهَا آمنا فِي سربه ... لَا يختشى ريباً وَلَا يتَوَقَّع)
(قلبت لَهُ ظهر الْمِجَن فَمَا درى ... إِلَّا وأسياف الْمنية تلمع)
قلت هُوَ شعر متوسط رثاه السراج الْوراق بقصيدة أَولهَا
(أخفاك يَا شمس النَّهَار كسوف ... للشمس مِنْهُ نَاظر مكفوف)
(تبكى لفقد سميها والدمع من ... وسميها لوَلِيّهَا مذروف)
(والبدر يعول فِي احتراق وَهُوَ فِي ... عمر التَّمام وطرفه مطروف)
(والشهب فِي ثوب الْحداد من الدجا ... وَالصُّبْح عَن طرق الْهدى مَصْرُوف)
(والثغر بعد الانتظام مبدد ... وشذاه ذَاك الْعَنْبَري خلوف)
(وَسوَاك لم يحسن سواك نظامه ... وَمن الْأَرَاك أسنة وسيوف)
(فَهُوَ الملوكي الَّذِي أَفعاله ... أبدا إِلَيْهَا ينْسب التصريف)
(ومقدم عِنْد الْمُلُوك كرتبة ... الْأَسْمَاء وَالنَّاس الْجَمِيع حُرُوف)(2/174)
3 - (أَبُو الْحُسَيْن الرهني مُحَمَّد بن بَحر)
أَبُو الْحُسَيْن الرهني بالراء وَالنُّون نِسْبَة إِلَى رهنة قَرْيَة من قرى الزَّمَان وَهُوَ شيباني مَعْرُوف بِالْفَضْلِ وَالْفِقْه قَالَ ابْن النّحاس فِي كِتَابه قَالَ بعض أَصْحَابنَا أَنه كَانَ فِي مذْهبه ارْتِفَاع)
وَحَدِيثه قريب من السَّلامَة وَقَالَ غَيره كَانَ يذاكر بِثمَانِيَة آلَاف حَدِيث غير أَنه كثر حفظه وتتبع الغرايب وَمن طلب الغرايب كذب وَله كتاب الْبدع وَكتاب نحل الْعَرَب ذكر فِيهِ فرق الْعَرَب وَله كتاب الدلايل على نحل القبايل
3 - (أَبُو مُسلم الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن بَحر الْأَصْبَهَانِيّ)
أَبُو مُسلم الْكَاتِب المترسل البليغ الْمُتَكَلّم الجدلي مولده سنة أَربع وَخمسين وماتين ووفاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثلث ماية كَانَ الْوَزير أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن دَاوُد بن الْجراح يشتاقه ويصفه قَالَ مُحَمَّد بن اسحق لَهُ من الْكتب جَامع التَّأْوِيل لمحكم التَّنْزِيل على مَذْهَب الاعتزال أَربع عشرَة مجلدة كتاب جَامع رسايله النَّاسِخ والمنسوخ وَكَانَ معتزليا وَمن شعره
(وَقد كنت أَرْجُو أَنه حِين يلتحى ... يفرج عني أَو يجدد لي صبرا)
(فَلَمَّا التحى واسود عَارض وَجهه ... تحول إِلَى الْبلوى بِوَاحِدَة عشرا)
وَمِنْه
(هَل أَنْت مبلغ هَذَا القايد البطل ... عني مقَالَة طب غير ذِي خطل)
(أَن كنت أَخْطَأت قرطاساً عَمَدت لَهُ ... فَأَنت فِي رمي قلبِي من بني ثعل)(2/175)
3 - (الأبله الْعِرَاقِيّ مُحَمَّد بن بختيار بن عبد الله المولد)
الْمَعْرُوف بالأبله الْبَغْدَادِيّ الشَّاعِر الْمَشْهُور ديوانه مَوْجُود بأيدي النَّاس ذكره الْعِمَاد فِي الخريدة فَقَالَ هُوَ شَاب ظريف يتزيا بزِي الْجند رَقِيق أسلوب الشّعْر حُلْو الصِّنَاعَة رايق البراعة قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ سنة خمس وَخمسين وَخمْس ماية بِبَغْدَاد
(زار من أَحَي بزورته ... والدجا فِي لون طرته)
(قمر يثنى معاطفه ... بانة فِي ثنى بردته)
(بت استجلى المدام على ... غرَّة الواشي وغرته)
وَمن شعره
(مَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده ... وَلَا الصبابة إِلَّا من يعاينها)
وَمن شعره وَهُوَ فِي غَايَة الرقة
(دَعْنِي أكابد لوعتي وأعاني ... أَيْن الطليق من السّير العاني)
(آلَيْت لَا ادْع السلو يغرني ... من بعد مَا أَخذ الغرام عناني)
)
(أولى تروض العاذلات وَقد أرى ... روضات حسن فِي خدود حسان)
(يَا برق أَن تجر العقيق فطالما ... أغنته عَنْك سحايب الأجفان)
(هَيْهَات أَن أنسى رباك ووقفة ... فِيهَا اغير بهَا على الغيران)
(هَيْهَات أَن أنسى رباك ووقفة ... فِيهَا أغير بهَا على الغيران)
(ومهفهف ساجي اللحاظ حفظته ... فأضاعني وأطعته فعصاني)
يصمى قُلُوب العاشقين بمقلة طرف السنان وطرفها سيان
(خنث الدَّلال بِشعرِهِ وبثغره ... يَوْم الْوَدَاع أضلني وهداني)
(مَا قَامَ معتدلاً يهز قوامه ... أَلا وَبَانَتْ خجلة فِي البان)
(يَا أهل نعْمَان إِلَى وجناتكم ... تغزى الشقايق لَا إِلَى النُّعْمَان)
(مَا يفعل المران من يَد قلب ... فِي الْقلب فعل مرَارَة الهجران)
وَإِنَّمَا قيل لَهُ الأبله لِأَنَّهُ كَانَ فِي غَايَة الذكاء فَسمى الأبله من بَاب تَسْمِيَة الشىء بضه كَمَا(2/176)
قيل للأسود كافور وَكَانَ لَهُ ميل إِلَى بعض أَبنَاء البغاددة فَعبر على بَاب دَاره فَوَجَدَهُ خلْوَة فَكتب على الْبَاب
(دَارك يَا بدر الدجى جنَّة ... بغَيْرهَا نَفسِي مَا تلهو)
(وَقد روى فِي خبر أَنه ... أَكثر أهل الْجنَّة البله)
وَلابْن التعاويذى فِيهِ هجو افحش فِيهِ قَالَ ابْن الجوزى توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَسبعين وَقَالَ غَيره ثَمَانِينَ وَخمْس ماية بِبَغْدَاد وَدفن بِبَاب ابرز قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين خلف ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار وشاع عَنهُ أَنه كَانَ يُعَامل بالربا وَمن شعره
(يَا ذَا الَّذِي كفل اليتي ... م وقصده كفل الْيَتِيم)
(أَن كنت ترغب فِي النعي ... م فقد حصلت على الْجَحِيم)
وَحكى عَنهُ أَنه كَانَ لَهُ قرين ينظم لَهُ الشّعْر وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة حِكَايَة تؤيد هَذِه الدَّعْوَى وَقَالَ ياقوت الرَّمْي الشَّاعِر دخلت عَلَيْهِ أعوده وَقد مرض فَقَالَ مَا بقيت اقدر انظم شَيْئا قلت فَمَا سَببه قَالَ أَن تَابِعِيّ قد مَاتَ وَتُوفِّي بعد ذَلِك
أَخُو الْأُسْتَاذ دَار مُحَمَّد بن بختيار بن عبد الله أَخُو استاذ دَار الْخَلِيفَة كَانَ فَاضلا أنْشد يَوْمًا وَهُوَ حَاضر)
(قسما بِمن سكن الْفُؤَاد وَأَنه ... قسم بِهِ لَو تعلمُونَ عَظِيم)
فَأجَاب بديها
(أَنِّي بِهِ صب كئيب مدنف ... قلق الْفُؤَاد موله مهموم)
(لَا استطيع مَعَ التناوئ سلوة ... حَتَّى الْمَمَات وأنني لسليم)
(فتعطفوا بالوصل بعد تهَاجر ... فالصبر ينْفد والرجاء مُقيم)
قلت لَا تصلح هَذِه الأبيات أَن تنخرط فِي سلك الْبَيْت الأول لتَفَاوت بَينهمَا توفّي سنة خمس وست ماية
3 - (ابْن بدر الطولوني مُحَمَّد بن بدر الْأَمِير أَبُو بكر الحمامي بِالتَّخْفِيفِ)
الطولوني أَمِير بِلَاد فَارس وَابْن أميرها حدث بِبَغْدَاد عَن بكر بن سهل الدمياطي وَالنَّسَائِيّ وروى عَنهُ(2/177)
الدَّار قطنى وَجَمَاعَة وَكَانَ ثِقَة قَالَه أَبُو نعيم وَقَالَ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن الْفُرَات كَانَ لَهُ مَذْهَب فِي الرَّفْض توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَثلث ماية
3 - (النَّحْوِيّ مُحَمَّد بن بَرَكَات بن هِلَال أَبُو عبد الله النَّحْوِيّ)
نقلت من خطّ الأديب نور الدّين على بن سعيد المغربي قَالَ عالى الْمحل فِي النَّحْو وَالْأَدب وساير فنون الْأَدَب منحط الشّعْر توفّي سنة عشْرين وَخمْس ماية ومولده سنة عشْرين وَأَرْبع ماية وَمن شعره
(يَا عنق الإبريق من فضَّة ... وَيَا قوام الْغُصْن الرطب)
(هبك تجافيت فابعدتني ... تقدر أَن تخرج من قلبِي)
وَقَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء وَله من الْكتب كتاب خطط مصر أَجَاد فِيهِ وَله عدَّة تصانيف فِي النَّحْو وَله النَّاسِخ والمنسوخ(2/178)
3 - (ابْن بركَة)
الْحَافِظ برداعس مُحَمَّد بن بركَة بن الحكم بن إِبْرَاهِيم اليخصبي القنسريني الْمَعْرُوف ببرداعس قَالَ ابْن مَأْكُولا كَانَ حَافِظًا وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه ضَعِيف توفّي سنة سبع وَعشْرين وَثلث ماية
ابْن كرما مُحَمَّد بن بركَة بن خلف بن الْحسن بن كرما أَبُو بكر الصُّوفِي ولد بِفَم الصُّلْح وَقدم بَغْدَاد وَصَحب الشَّيْخ حَمَّاد الدباس وتأدب وَسمع الحَدِيث الْكثير من الشريفين أبي على مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمهْدي وَأبي الغنايم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُهْتَدي وَجَمَاعَة وروى عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل ثمَّ إِلَى دمشق وَتُوفِّي بهَا سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس ماية وَدفن بجبل قاسيون
السراخلي مُحَمَّد بن بركَة بن عبد الله السراخلي أَبُو بكر من أهل الْموصل شيخ كيس فطن متأدب قدم بَغْدَاد صُحْبَة ابْن الشهرزورى قَاضِي الْموصل قَالَ ابْن النجار كتبنَا عَنهُ وَكتب عني
ابْن الكسا مُحَمَّد بن بركَة بن عبد الْبَاقِي بن بسينة السقلاطوني أَبُو بكر الْمَعْرُوف بِابْن الكسا قَالَ ابْن النجار كَانَ شَيخا صَالحا فِي السّنة شَدِيدا سمع أَبَا مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُقْرِئ الْخياط وَأَبا سعد مُحَمَّد بن عبد الْملك الْأَسدي وَأَبا غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الباقلاني وَغَيرهم وروى عَنهُ عبد الْعَزِيز ابْن الْأَخْضَر واثنى عَلَيْهِ توفّي سنة خمس وَخمسين وَخمْس ماية
ابْن بركَة خَان مُحَمَّد بن بركَة خَان بن دولة خَان الْأَمِير بدر الدّين هُوَ خَال الْملك السعيد ابْن الْملك الظَّاهِر أحد أَعْيَان الْأُمَرَاء بالديار المصرية وَحصل لَهُ عِنْدَمَا صَار الْملك السعيد ابْن أُخْته سُلْطَانا تقدم كثير فِي الدولة ومكانة عَظِيمَة وَقدم مَعَه إِلَى دمشق وَنزل بدار صَاحب حماة دَاخل بَاب الفراديس فتمرض بهَا وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وست ماية عمره تَقْدِير خمسين سنة وَدفن بسفح قاسيون بالتربة الْمُجَاورَة لرباط الْملك النَّاصِر وَعمل لَهُ عدَّة حتم واعزية وَحضر الْملك السعيد بَعْضهَا وَمد سماط عَظِيم من فاخر الْأَطْعِمَة والحلوى وخلع السُّلْطَان على والدته ومماليكه وَهُوَ فِي العزاء فلبسوا ثمَّ أَنه نقل تابوته إِلَى الْقُدس سنة تسع وَسبعين وَدفن عِنْد قبر وَالِده
الْحَافِظ بنْدَار مُحَمَّد بن بشار بن عُثْمَان بن دَاوُد بن كيسَان الحايك الْحَافِظ أَبُو بكر(2/179)
الْعَبْدي)
الْبَصْرِيّ بنْدَار والبندار فِي الِاصْطِلَاح هُوَ الْحَافِظ كَانَ عَارِفًا متقنا بَصيرًا بِحَدِيث الْبَصْرَة روى عَنهُ الْجَمَاعَة وَجَمَاعَة قَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق وَقَالَ الْعجلِيّ ثِقَة كثير الحَدِيث حايك قَالَ ولدت فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا حَمَّاد بن سَلمَة وَمَات هُوَ فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وماتين وَقَالَ القواريري كَانَ صَاحب حمام يلْعَب بالطيور
ابْن بشاير القوصي مُحَمَّد بن بشاير القوصي الأخميمي اشْتغل بِالْحَدِيثِ وصنف فِيهِ وَبنى مَكَانا للْحَدِيث ووقف عَلَيْهِ وَقفا وَكَانَ فَاضلا أديباً شَارِعا وباشر شَاهدا عِنْد بعض الْأُمَرَاء وَلما تغلب الشريف ابْن تغلب على الصَّعِيد الْأَعْلَى ولاه الوزارة عَنهُ وَلما طلع الْفَارِس اقطاى وهرب الشريف أمسك ابْن بشاير ورسم بشنقه فَدخلت أمه على الْوَزير فَقَالَ لَهُم نَحن نطلب أَمْوَالًا وَمَتى شنق ضَاعَت فاخر وتناساه وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وست ماية وَمن شعره
(حدث فقد طَابَ مَا تملى من السّير ... عَنْهُم وَقد صَحَّ مَا تروى من الْخَبَر)
(وانظم يلخ كل عقد مثمن بهج ... وانثر بفح كل زهر طيب عطر)
(عَن جيرة نزلُوا بطحاء كاظمة ... حسا وَمعنى سَواد الْقلب وَالنَّظَر)
(بوأنهم مهجتي دَارا لحبهم ... فَغير ذكرهم فِي النَّفس لم يدر)(2/180)
3 - (ابْن بشر)
الْعَبْدي مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي وَبشر ابْن الفرافصة ابْن الْمُخْتَار بن رديح روى لَهُ الْجَمَاعَة ووثفة ابْن معِين وَغَيره وَتُوفِّي سنة ثلث وماتين
ابْن بشر بن معوية مُحَمَّد بن بشر بن معوبة بن عبد الله بن ثَوْر بن معوية بن عبَادَة بن الْبكاء بن عَامر العامري وَفد جده معوية على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا لَهُ وَمسح رَأسه وَأَعْطَاهُ اعنزا فَقَالَ مُحَمَّد
(وَأَنا الَّذِي مسح النَّبِي بِرَأْسِهِ ... ودعا لَهُ بِالْخَيرِ والبركات)
توفّي مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي مُحَمَّد بن بشر الَّذِي انتدبه عَمْرو بن اللَّيْث الصفار لمحاربة اسمعيل ابْن أَحْمد أَمِير مَا وَرَاء النَّهر على مَا يَأْتِي ذَلِك مفصلان أَن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن اللَّيْث فَلَمَّا عبر اسمعيل نهر جيحون دخل مُوسَى السجزى على مُحَمَّد بن بشر وَهُوَ يحلق رَأسه فَقَالَ لَهُ هَل اسْتَأْذَنت اسمعيل فِي حلق رَأسك يَعْنِي أَن رَأسه يكون بَين يَدي اسمعيل لِأَنَّهُ انتصب لمحاربته فَقَالَ مُحَمَّد بن بشر اغرب عني لعنك الله ثمَّ تَحَارَبُوا من الْغَد فانكسر أَصْحَاب مُحَمَّد بن بشر وقبضوا عَلَيْهِ وحزوا رَأسه وَحَمَلُوهُ إِلَى اسمعيل فِي جملَة الرؤس وَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ السجزى وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وماتين
ابْن بشير الْخَارِجِي مُحَمَّد بن أبي بشر الْخَارِجِي أحد بني يشْكر قَالَه ابْن الْمَرْزُبَان وَقَالَ صَاحب الأغاني ابْن بشير من شعره
(بَيْضَاء خَالِصَة الْجمال كَأَنَّهَا ... قمر توَسط ليل صيف مبرد)
(موسومة بالْحسنِ ذَات محاسد ... أَن الْجمال مَظَنَّة للحسد)
(خودا ذَا كثر الْكَلَام تعوذت ... بحمى الْحيَاء وَأَن تكلم تقصد)
توفّي الْمَذْكُور(2/181)
ابْن بشير الْحِمْيَرِي بن بشير الْحِمْيَرِي الْبَصْرِيّ أَبُو جَعْفَر مولى بني سدوس وَقيل مولى بني هَاشم وَقيل هُوَ من جذام قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان وَهُوَ حَكِيم الشّعْر فصيح الْمعَانِي قد سير أَمْثَالًا فِي شعره وَكَانَ أَزْرَق ابرش وَله مَعَ أبي نواس أَخْبَار من شعره
(لَا تيأسن وَإِن طَالَتْ مُطَالبَة ... إِذا استعنت بصبر أَن ترى فرجا)
)
(أخلق بِذِي الصَّبْر أَن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أَن يلجا)
(أبْصر لرجلك قبل الخطو موقعها ... فَمن علا زلقا عَن غرَّة زلجا)
(وَلَا يغرنك صفو أَنْت شَاربه ... فَرُبمَا صَار بالتكدير ممتزجا)
وَمن شعره
(ويل لمن لم يرحم الله ... وَمن تكون النَّار مثواه)
(كَأَنَّهُ قد قيل فِي مجْلِس ... قد كنت آتيه واغشاه)
(من طَال فِي الدُّنْيَا بِهِ عمره ... وعاش فالموت قصاراه)
(صَار البشيري إِلَى ربه ... يَرْحَمنَا الله وإياه)
توفّي الْمَذْكُور
مُحَمَّد بن بشير قَالَ صَاحب الأغاني هُوَ من بني رياش من خثعم شَاعِر ظريف متقلل لم يُفَارق الْبَصْرَة وَلَا وَفد إِلَى خَليفَة وَلَا شرِيف منتجعا بِشعرِهِ وَكَانَ مَاجِنًا خبيثا هجاء كَانَ من بخلاء النَّاس لَهُ فِي دَاره بُسْتَان قدره أَربع طوابيق فغرس فِيهِ أصل رمان وفسيلة لَطِيفَة وَزرع حواليه بقلا فَأَقْبَلت شَاة لجاره منيع فَأكلت البقل ومضغت الخوص وَدخلت إِلَى بَيته فَأكلت قَرَاطِيس فِيهَا شعره وَأَشْيَاء من سماعاته فَقَالَ
(لي بُسْتَان أنيق زَاهِر ... ناضر الحضرة رَيَّان يرف)
(راسخ الأعراق رَيَّان الثرى ... غدق تربته لَيست تَجف)
(لمجاري المَاء فِيهِ سنَن ... كَيفَ مَا صرفته فِيهِ انْصَرف)
(صابر لَيْسَ يُبَالِي كَثْرَة ... جز بالمنجل أَو مِنْهُ نتف)
(لَا ترى للكف فِيهِ أثرا ... فِيهِ بل ينمى على لمس الأكف)
(فترى الأطباق لَا تمهله ... صادرات واردات تخْتَلف)
(أقحوان وبهار مؤنق ... وسو ذَلِك من لَك الطّرف)
(اعفه يَا رب من وَاحِدَة ... ثمَّ لَا احفل أَنْوَاع التّلف)(2/182)
(اكفه شَاة منيع وَحدهَا ... يَوْم لَا يصبح فِي الْبَيْت علف)
(ترهج الطّرق على مجتازها ... بتدانى الْمَشْي والخطو القطف)
(فِي يَديهَا طرف من مشيها ... خلقَة الْقوس وَفِي الرجل حنف)
)
(فَإِذا مَا سعلت وَاحِدَة ... جاوب المبعر مِنْهَا فعصف)
(ذَات قرن وَهِي حماء الا ... ان ذَا الْوَصْف لوصف مُخْتَلف)
(لَا ترى تَيْسًا عَلَيْهَا مقدما ... رميت من كل تَيْس بالصلف)
(ليتها قد اقلبت فِي جَفْنَة ... من دَقِيق وعجين مخترف)
(وتلقت شفرة من أَهله ... قدر الْأصْبع شَيْئا أَو اشف)
(فتناهت بَين أَضْعَاف المعا ... وتبوت بَين أثْنَاء الشغف)
(اورمتها قرحَة زَادَت لَهَا ... ذوباناً كل يَوْم ونحف)
(كل يَوْم فِيهِ يدنو يَوْمهَا ... أَو ترى وَارِدَة حَوْض الدنف)
(فغدت ميتَة قد اعقبت ... بطنة من بعد ادمان الهتف)
(فتراها بَينهم مسحوبة ... تخرق الترب بِجنب منحرف)
(فَإِذا صَارُوا إِلَى المأوى بهَا ... اعْمَلُوا الْآجر فِيهَا والخزف)
(ثمَّ قَالُوا ذَا جَزَاء للَّتِي ... تَأْكُل الْبُسْتَان منا والصحف)
(لَا تلوموني فَلَو أَبْصرت ذَا ... كُله فِيهَا إِذا لم انتصف)
وَهَذِه القصيدة طَوِيلَة اختصرتها وَجرى يَوْمًا بَينه وَبَين يُوسُف بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان على النَّبِيذ كَلَام فعربد يُوسُف عَلَيْهِ وَشَجه فَقَالَ ابْن بشير
(لَا تجلساً مَعَ يُوسُف فِي مجْلِس ... ابداً وَلم تحمل دم الْأَخَوَيْنِ)
(ريحانه بِدَم الشجاج ملطخ ... وتحية الندمان لطم الْعين)
وَمن شعره
(تخطى النُّفُوس مَعَ العيا ... ن وَقد تصيب مَعَ المظنة)
(كم من مضيق فِي الفضا ... ء ومخرج بَين الأسنة)
وَكَانَ يصف نَفسه بِالْحِفْظِ والذكاء والاستغناء عَن تدوين شىء يسمعهُ حَتَّى قَالَ
(إِذا مَا غَدا الطلاب للْعلم مَا لَهُم ... من الْحَظ إِلَّا مَا يدون فِي الْكتب)
(غَدَوْت بتشميرٍ وجد عَلَيْهِم ... ومحبرتي أُذُنِي ودفترها قلبِي)(2/183)
بدر الدّين ابْن بصخان مُحَمَّد بن بصخان الشَّيْخ الإِمَام الْمُقْرِئ المجود النَّحْوِيّ بدر الدّين اسْمه مُحَمَّد بن أَحْمد تقدم فِي مَكَانَهُ فليطلب هُنَاكَ)
ابْن البعيث مُحَمَّد بن البعيث بن حَلبس الربعِي خرج على المتَوَكل فِي أول أَيَّامه بنواحي أذربيجان فَأَخذه وحبسه فهرب من الْحَبْس وَعَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَجمع جمعا وَقَالَ
(كم قد قضيت أموراً كَانَ أهملها ... غيرى وَقد أَخذ الأفلاس بالكظم)
(لَا تعذليني فِيمَا لَيْسَ يَنْفَعنِي ... إِلَيْك عني جرى الْمِقْدَار بالقلم)
(سأتلف المَال فِي عسر وَفِي يسر ... أَن الْجواد الَّذِي يعْطى على الْعَدَم)
فانفذ إِلَيْهِ بغا الشرابي فَقبض جمعه وَأَخذه واتى بِهِ ففرش لَهُ نطعاً وَجَاء السياف ولوح لَهُ فَقَالَ المتَوَكل مَا دعَاك إِلَى مَا صنعت قَالَ الشقوة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنت الْحَبل الْمَمْدُود بَين الله وَبَين النَّاس وَأَن لي بك لظنين اسبقهما إِلَى قلبِي أولاهما بك وَهُوَ الْعَفو ثمَّ قَالَ
(أَبى النَّاس إِلَّا أَنَّك الْيَوْم قاتلي ... أَمَام الْهدى والصفح أولى واجمل)
(تساءل ذَنبي عِنْد عفوك قلَّة ... فَمن بِعَفْو مِنْك فالعفو أفضل)
(فأنك خير السَّابِقين إِلَى الغلى ... وَأَنَّك بِي خير الفعالين تفعل)
فَعَفَا عَنهُ وحبسه فَمَاتَ فِي محبسه وَقيل أَنه جعل فِي عُنُقه ماية رَطْل من الْحَدِيد فَلم يزل مكبوباً على وَجهه حَتَّى مَاتَ(2/184)
3 - (ابْن بكار)
ابْن بكار قَاضِي دمشق مُحَمَّد بن بكار بن بِلَال العاملي الدِّمَشْقِي قَاضِي دمشق ذكره أَبُو زرْعَة فِي أهل الْفَتْوَى وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم كتب عَنهُ أبي بِمَكَّة روى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَتُوفِّي سنة سِتّ عشرَة وماتين
ابْن بكار الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن بكار بن الريان الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الرصافي الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ الدَّار قطنى ثِقَة توفّي سنة ثَمَان وثلثين وماتين
ابْن داسة مُحَمَّد بن بكير بن مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق أَبُو بكر ابْن داسة الْبَصْرِيّ التمار راوى السّنَن سمع أَبَا دَاوُد السجسْتانِي توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثلث ماية
والى دمشق مُحَمَّد بن بكتاش الْأَمِير نَاصِر الدّين متولى مَدِينَة دمشق كَانَ أَولا مشد غَزَّة والساحل فِي أَوَاخِر أَيَّام الْأَمِير سيف الدّين تنكز رَحمَه الله تَعَالَى وسرقت لَهُ عملة من بَيته بِدِمَشْق وَلم يَقع لَهَا على خبر إِلَى آخر وَقت قيل أَنَّهَا كَانَت بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ أَنه تولى مَدِينَة دمشق بعد ذَلِك فَعمل الْولَايَة على أتم مَا يكون من الْعِفَّة وَالْأَمَانَة والصلف الزايد ثمَّ أَن حريق دمشق وَقع فِي أَيَّامه وامسك النَّصَارَى وَجرى لَهُم مَا جرى وَورد كتاب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد إِلَى تنكز يَقُول فِيهِ أَن هَذَا فعل أهل دمشق كَرَاهِيَة فِي ابْن بكتاش وَلما امسك تنكز رسم بعزله وَقطع خبزه فبقى بطالا مُدَّة فاحتيج إِلَيْهِ من أجل الْولَايَة فأعيد إِلَيْهَا بِلَا إقطاع ثمَّ عزل عَنْهَا ثمَّ أُعِيد إِلَيْهَا ثمَّ عزل عَنْهَا وَبَقِي بطالا ثمَّ جهز إِلَى حماة مشد الدَّوَاوِين بهَا فَأَقَامَ بهَا سنة وَنصفا تَقْرِيبًا ثمَّ طلب هُوَ وناظرها القَاضِي شرف الدّين حُسَيْن ابْن رَيَّان إِلَى مصر فتوجها وَعَاد القَاضِي شرف الدّين الْمَذْكُور إِلَى حماة وَحضر الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن بكتاش إِلَى نِيَابَة المرقب وَأعْطِي طبلخاناة ثمَّ خرجت الطبلخاناة عَنهُ وَبَقِي فِي طرابلس أَمِيرا فَلَمَّا كَانَ طاعون طرابلس توفّي ابْنه الْأَصْغَر وَجَمَاعَة من أهل بَيته فنزح عَن طرابلس فَاتَت ابْنَته فِي الطَّرِيق فجَاء إِلَى بعلبك ليدفها وَنزل على رَأس الْعين فَحَضَرَ إِلَيْهِ نايب بعلبك بِطَعَام واقسم عَلَيْهِ أَن يَأْكُل فَأكل بعض شىء وَتُوفِّي عقيب ذَلِك رَحمَه الله فِي أَوَاخِر شهر ربيع الأول سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع ماية فَدفن إِلَى جَانب ابْنَته وَكَانَ قد ولى شدّ الْخَاص دومة وداريا فِي أَيَّام الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَكَانَ يهز رَأسه دايما وَإِذا انشد الشّعْر لَا يُقيم وَزنه
نَاصِر الدّين القرندلي الْكَاتِب مُحَمَّد بن بكتوت الظَّاهِرِيّ الْكَاتِب المجود الْمَعْرُوف(2/185)
بالقرندلي)
لِأَنَّهُ لبس زيهم فِي حلب حكى لي أَنه لبس زيتهم وَأقَام بَينهم ينْسَخ فَقَالُوا لَهُ هَذَا مَا هُوَ طريقنا أَن تتكسب قَالَ فَقلت لَهُم فَأنْتم تعلمُونَ هَذِه القلايد الصُّوف فَقَالَ لَهُ من بَينهم وَاحِد أُرِيد أَن أنزل أَنا وَأَنت فِي هَذَا الْبركَة بالبلاس قَالَ فَنزلت مَعَه فِي يَوْم بَارِد فِي مثل حلب فبقينا نغطس إِلَى أَن عجز هُوَ وطلع فَلَمَّا أعياهم قَالُوا لَهُ فِينَا وَاحِد يكاثرك فِي أكل الْحَشِيش فَقلت احضروه وَجعلُوا يلقموننا وَأَنا وإياه نَأْكُل إِلَى أَن نزل الدَّم م مَنْخرَيْهِ وَأَظنهُ قَالَ مَاتَ فَعِنْدَ ذَلِك أَخْرجُوهُ من بَينهم وَكَانَ الَّذِي أغواه بِالْكِتَابَةِ القَاضِي جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن رَيَّان فَإِنَّهُ رأى خطه وَيَده الْقَابِلَة فلازمه وَجعل ينْسَخ لَهُ المجلدات فنسخ لَهُ الْكَشَّاف وَغَيره ورتب لَهُ الدَّرَاهِم وَالطَّعَام والزمه بِالْكِتَابَةِ فأجاد وَكتب الْمَنْسُوب فِي الأقلام السَّبع وَكتب أَوْلَاده وأقاربه وَحكى لي الْجَمَاعَة عَنهُ أَنه كَانَ يضع المبحرة فِي يَده الشمَال والمجلد من الْكَشَّاف على زنده وَيكْتب مِنْهُ وَهُوَ يغنى وَيكْتب مَا شَاءَ الله وَلَا يغلط وَكَانَ قد أَقَامَ بحماة مُدَّة عِنْد الْملك الْمُؤَيد ينْسَخ لَهُ فَأحب امْرَأَة تعرف ببنت النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ كل مَا يحصله يُنْفِقهُ عَلَيْهَا ويشتغل بهَا عَن الْكِتَابَة فشق هَذَا الْحَال على الْملك الْمُؤَيد فنفاها إِلَى شيزر فَحكى لي أَنه كَانَ يكْتب فِي حماة إِلَى الْمغرب ويجرى من حماة إِلَى شيزر فَحكى لي أَنه كَانَ يكْتب فِي حماة إِلَى الْمغرب ويجرى من حماة إِلَى شيزر ويبيت عِنْدهَا وَيقوم من الْأذن فِي الصُّبْح ويجرى إِلَى حماة وَيقْعد يكْتب فَأَقَامَ على ذَلِك سنة وَكَانَت قد تعنتت يَوْمًا عَلَيْهِ وَقَالَت لَهُ أَن كنت تحبني فاكوفي رَأسك صليبا وَرَأَيْت كي الصَّلِيب فِي يَا فوخة وَكَانَ كَاتبا مطيقا كتب الْكثير من المجدات والربعات الفصاح والختم بالمحقق الْكَبِير فِي قطع الْبَغْدَادِيّ كلَاما وكتبت عَلَيْهِ أَرْبَعَة عشر سطرا قلم الرّقاع وَتُوفِّي بطرابلس وَهُوَ فِي خدمَة القَاضِي جمال الدّين ابْن رَيَّان فِي يَوْم الأثنين خَامِس عشر شهر ربيع الأول سنة خمس وثلثين وَسبع ماية عَفا الله عَنهُ وسامحه وَكَانَ يدعى أَنه كتب على شرف الدّين ابْن الوحيد وَلم يكن لذَلِك صِحَة لكنه كتب صَغِيرا على خطيب بعلبك أبي بهاء الدّين مَحْمُود الْكَاتِب ثمَّ قويت يَده على مَا ذكرت أَولا فقارب النِّهَايَة فِي الْحسن(2/186)
3 - (ابْن أبي بكر)
ابْن أبي بكر الصّديق مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا جرت الْعَادة عِنْد جمَاعَة من الْمُحَقِّقين أَن يُورد مثل هَذَا الأسم هُنَا والغوا ذكر الْأَب من الْكِنَايَة ونظروا مَا هُوَ مُضَاف إِلَيْهِ وَلدته أَسمَاء بنت عُمَيْس فِي حجَّة الْوَدَاع روى عَنهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَتُوفِّي سنة سبع وثلثين مقتولا وَكَانَ فِي حجر عَليّ بن أبي طَالب لما تزوج أمه وَتَوَلَّى تَرْبِيَته وَلما سَار عل بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْجمل سَار مَعَه مُحَمَّد وَكَانَ على الرجالة وَشهد مَعَه صفّين وولاه مصر بعد عزل قيس بن سعد بن عبَادَة عَنْهَا لآن عليا اتهمَ قيسا بمعوية ثمَّ بَان لَهُ أَنه نَاصح لَهُ فَلَمَّا قدم مُحَمَّد على قيس خلابه وَقَالَ لَهُ يابا الْقسم أَنَّك قد جِئْت من عِنْد امرء لَا رَأْي لَهُ وَلَيْسَ عَزله إيَّايَ بمانعي أَن انصح لَهُ وَلَك وَأَنا من أَمركُم هَذَا على بَصِيرَة وَأَنِّي ادلك على الَّذِي كنت أكيد بِهِ معوية وعمرا وَأهل خربتا فكايدهم بِهِ فأنك أَن كايدتهم بِغَيْرِهِ تهْلك وَوصف لَهُ قيس بن سعد المكايدة فاستغشه مُحَمَّد وَخَالفهُ فِي كل شىء امْرَهْ بِهِ فَجهز معوية إِلَيْهِ عمرا ابْن الْعَاصِ فِي سِتَّة آلَاف فَلَمَّا دانى مصر خرجت العثمانية إِلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ أما بعد فتنح عني بدمك فَإِنِّي أحب أَن لَا يصيبك مني قلامة ظفر وَالنَّاس بِهَذِهِ الْبِلَاد قد اجْتَمعُوا على خِلافك فَاخْرُج أَنِّي لَك من الناصحين وجاءه كتاب معوية يَقُول يَا مُحَمَّد أَن الْبَغي وَالظُّلم عَظِيم الوبال وَسَفك الدَّم الْحَرَام من النقمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَنا لَا نعلم أَن أحدا كَانَ على عُثْمَان أَشد مِنْك سعيت عَلَيْهِ مَعَ الساعين وسفكت دَمه مَعَ السافكين ثمَّ أَنْت تظن أَنِّي نايم عَنْك أَو نَاس لَك فعلك حَتَّى تَأتي فتتأمر على بِلَاد أَنْت فِيهَا جارى وَجل أَهلهَا انصارى يرَوْنَ رَأْيِي ويرقبون قولى ويستصرخون عَلَيْك وَقد بعثت إِلَيْك قوما حناقا يستشفون بدمك ويتقربون إِلَى الله بجهادك وَقد اعطوا الله عهدا ليقاتلونك وَذكر فعله بعثمان وضربه بالمشاقص ثمَّ قَالَ وَلنْ يسلمك الْقصاص أَيْنَمَا كنت وَالسَّلَام وَلما ظفر بِهِ معوية امسكه معوية بن حديج وَقَتله ثمَّ جعله فِي جَوف حمَار وَحَرقه بالنَّار وَبلغ عايشة ذَلِك فساءها وقنتت دبر كل صَلَاة تَدْعُو على معوية بن حديج وَعَمْرو وَهَذَا مَا روى أَبُو مخنف وَأما الْوَاقِدِيّ فَقَالَ قَاتل حَتَّى قتل وَقَالَ ابْن عبد ربه أَن معوية بن حديج بعث بِرَأْس مُحَمَّد إِلَى معوية وَكَانَ أول رَأس طيف بِهِ فِي الْإِسْلَام
قَاضِي الْمَدِينَة مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة كَانَ)
أكبر من أَخِيه عبد الله بن أبي بكر روى عَن أَبِيه وَعمرَة وَعباد بن تَمِيم وَعبد الْملك(2/187)
بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن رأى بعض الصَّحَابَة وَكَانَ من الثِّقَات وروى لَهُ الْجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وماية
المقدمى مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم الْمُحدث أَبُو عبد الله الثَّقَفِيّ مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ المقدمى وَالِد أَحْمد بن مُحَمَّد روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وروى النَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة توفّي سنة أَربع وثلثين وماتين
البرْسَانِي مُحَمَّد بن بكر بن عُثْمَان البرْسَانِي بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا سين مُهْملَة وَبعد الْألف نون الْبَصْرِيّ وبرسان من الأزد روى لَهُ الْجَمَاعَة وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن سعد وَتُوفِّي سنة ثلث وماتين
أَبُو جَعْفَر الْخَوَارِزْمِيّ الْحَافِظ مُحَمَّد بن بكر بن الياس بن بَيَان أَبُو جَعْفَر الْخَوَارِزْمِيّ الْحَافِظ يعرف بِابْن أبي على ختن أبي الآذان عمر بن إِبْرَاهِيم النصيبي قَالَ ابْن النجار هَكَذَا سَمَّاهُ وَنسبه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْحَافِظ الْأَصْبَهَانِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه وَكَذَا نسبه أَبُو نعيم الْحَافِظ فِي تَارِيخ اصبهان وَخَالَفَهُمَا فِي نسبه أَبُو عبد الله بن مندة وَأَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ فسمياه مُحَمَّد بن الياس بن بكر وَخَالفهُم كلهم أَبُو أَحْمد بن عدي الْجِرْجَانِيّ فَسَماهُ مُحَمَّد بن بكيل بن أَحْمد بن الياس بن بَيَان وَذكره الْخَطِيب فِي تَارِيخه فَسَماهُ مُحَمَّد بن عبيد الله وَالصَّحِيح مَا تقدم
النوقاني الشَّافِعِي مُحَمَّد بن بكر النوقاني الطوسى الْفَقِيه شيخ الشَّافِعِيَّة ومدرسهم بنيسابور توفّي سنة عشْرين وَأَرْبع ماية
الجلالي الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الجلالي بِالْجِيم الْبَغْدَادِيّ ذكر أَنه سمع المقامات من المُصَنّف وَكَانَ جَلِيلًا نبيلا سمع وروى وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخمْس ماية
ابْن ننة مُحَمَّد بن أبي بكر بن فَرح بن سُلَيْمَان من أهل جيان يعرف بِابْن ننة بنونين الأولى مَكْسُورَة وَالثَّانيَِة مَفْتُوحَة مُشَدّدَة من شعره فِي ديك
(وَله إِذا ولى الظلام تطرب ... تلتذه اسماع كل طروب)
(ليبثه فِي يَوْمه مستعليا ... حَتَّى تميل ذكاؤه لغروب)
)
(وَلَقَد يُرِيك بصفحتيه سوسنا ... مَا بَين ورد بِالْحَيَاءِ مشوب)(2/188)
(ويريك من مثل الدمشق ملاءة ... لم ترمها عين رنت بعيوب)
(ترنو إِلَى عَيْنَيْهِ إِذْ يذكيهما ... فَتَقول مَاء جال فِي الهوب)
قَالَ ابْن الْأَبَّار مَعَاني هَذِه الأبيات من قَول أبي الْعَلَاء المعري
(أيا ديك عدت من اياديك صَيْحَة ... بعثت بهَا ميت الْكرَى وَهُوَ نايم)
(عَلَيْك ثِيَاب خاطها الله قَادِرًا ... بهَا ريمتك العاطفات الروايم)
(وتاجك مَعْقُود كَأَنَّك هُرْمُز ... تباهي بِهِ أملاكه وتوايم)
(وعيناك سقط مَا خبا عِنْد قُرَّة ... كلمعة برق مَا لَهَا الدَّهْر شايم)
(ورثت هدى التذْكَار من قبل جرهم ... أَوَان ترقت فِي السَّمَاء النعايم)
(وَمَا زلت للدّين القويم دعامة ... إِذا قلقت من حامليه الدعايم)
واورد ابْن الْأَبَّار لِابْنِ معمعة قصيدة فِي ديك مِنْهَا
(لي ديك حضنته وَهُوَ فِي البي ... ضة من منصب كريم الحيم)
(يَأْكُل الْعَفو كَيفَ مَا شَاءَ من مَا ... لي كَأَكْل الْوَصِيّ مَال الْيَتِيم)
(أَبيض اللَّوْن افرق الْعرف نظا ... ئر بِعَين كَأَنَّهَا عين ريم)
(وعَلى نَحره وشاحان من شَذَّ ... ر نثير ولؤلؤ منظوم)
(رَافع راية من الذَّنب المش ... رف يسْعَى بهَا كسعى الظليم)
(وَإِذا مَا مَشى التبهنس مَشى ... الطَّرب المنتشى فِي الخرطوم)
(وسم الأَرْض وسم طين كتاب ... بحواتيم كَاتب مختوم)
(وَله خنجران فِي قصب السا ... قين قد ركبا لحفظ الْحَرِيم)
(وَعَلِيهِ من ريشه طيلسان ... صِيغ من صَنْعَة اللَّطِيف الْحَكِيم)
(وَإِذا مَا رَأَيْته بَين خمس ... من دجاجاته كبار الجسوم)
(قلت ملك يخدمنه فتيات ... يتهادين بِي زنج وروم)
(وَترى عرفه فتحسبه التا ... ج على رَأس كسروى كريم)
(ثاقب الْعلم بالمواقيت لَيْلًا ... وَنَهَارًا وحاذق بالنجوم)
(ويحث الْجِيرَان حَولي على الب ... ر كحث المدير كأس النديم)
)
قلت وقصيدة ابْن زُرَيْق الْكَاتِب الَّتِي يرثى بهَا ديكه من أجل القصايد فِي هَذَا الْمَعْنى وستأتى فِي تَرْجَمته وَمَا أحسن قَول القايل
(يَا رَافعا قَوس السَّمَاء وَلَا بساً ... لِلْحسنِ روض الْحزن غب سَمَاء)(2/189)
(ايقنت أَنَّك فِي الطُّيُور مملك ... لما رَأَيْتُك سرت تَحت لِوَاء)
البسطامي اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن بكر البسطامي قَالَ ياقوت لَا أعرف من حَاله إِلَّا مَا ذكره حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ وَقد ذكر الْخَلِيل وَغَيره ثمَّ قَالَ وصنف بالْأَمْس مُحَمَّد بن بكر البسطامي كتابا على كتاب مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد الْمُسَمّى الجمهرة وَقَالَ كَانَ السَّبَب لوضعي هَذَا الْكتاب نَظَرِي فِي الْكتاب الْمُسَمّى كتاب الياقوتة أَن منصفه حَشا أَكثر الْكتاب بِمَا لم تنطق بِهِ الْعَرَب وَعَزاهُ إِلَى ثَعْلَب وَقد طلبنا مَا ادّعى من ذَلِك على الْعَرَب فِي المصنفات فَلم نجده ثمَّ سَأَلنَا عَنهُ أَصْحَاب ثَعْلَب فَلم يعرفوه وَالَّذِي صنف هَذِه الْكتب لم يقم على مَا اودعه شَاهدا وَلَا دَلِيلا من الْقُرْآن وَلَا من الحَدِيث وَلَا من الْمثل وَلَا نحا قيمًا رَوَاهُ إِلَّا إِلَى أخبرنَا ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي فتمت لَهُ رِوَايَة تِلْكَ الأباطيل بَين قوم لم يطالبوه بِدَلِيل ثمَّ ذكر كتاب الْعين وَأَنه من نصنيف تلاميذ الْخَلِيل
الوتّار مُحَمَّد بن أبي بكر بن سيفٍ شمس الدّين أَبُو عبد الله التنوحي الْموصِلِي الوتار ولد بالموصل سنة تسع وَسبعين وَخمْس ماية واشتغل بهَا فِي الْأَدَب وَسكن دمشق مُدَّة وَتَوَلَّى خطابة المزة وخطب بهَا إِلَى أَن توفى فِي ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وست ماية وَمن شعره
(وَكنت وَإِيَّاهَا مذ اختط عارضي ... كروحين فِي جسم وَمَا نقصت عهدا)
(فَلَمَّا أَتَانِي الشيب يقطع بَيْننَا ... توهمته سَيْفا فالبسته غمدا)
قلت جلا هَذَا الْمَعْنى عروسا فِي ثِيَاب حداد لِأَن الْمَعْنى جيد والألفاظ مرذولة التَّرْكِيب وَكَانَت لَهُ نَوَادِر مَعَ الْحُكَّام وَحصل بَينه وَبَين صفى الدّين ابْن مَرْزُوق كَلَام بِسَبَب جَارِيَة بعد عَزله من الوزارة فَكَانَ يعامله على عَادَة مُعَامَلَته لَهُ فِي الوزارة فَقَالَ الوتار
(مَا أبْصر النَّاس وَلم يبصروا ... فِي عصرهم مثل ابْن مَرْزُوق)
(من جَهله يحكم فِي عَزله ... كهارب يضْرب بالبوق)
وَمن شعره الوتار)
(من لي بصاح والمدامة رِيقه ... ثمل القوام لحاظه أبريقه)
(ثمَّ العواذل حِين نم عذاره ... والغصن أحسن مَا يكون وريقه)
(وقف العذار بحده فَكَأَنَّهُ ... لما تَكَامل آسه وشقيقه)
(صبح أحَاط بِهِ الظلام وَقد غَدا ... متحيرا لم يدر أَيْن طَرِيقه)
ابْن مدودا الجزرى مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَبَّاس الْأَمِير وَكَانَ أَولا محتسب الجزيرة(2/190)
العمرية وانتقل إِلَى ماردين فولى حسبتها زَمَانا ثمَّ انْتقل مِنْهَا وتعانى التِّجَارَة مُسَافِرًا فَلَمَّا وصل العباسة وجد علم الدّين تعاسيف المشد بهَا فَسخرَ جماله بِسَبَب أثقال الْملك الصَّالح فَتوجه إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ تطلق جمالى فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مرّة ثَانِيَة القها والجيد لَك فَقَالَ لَهُ علم الدّين ايش يتعانى الْمولى فَقَالَ لَهُ الْأَدَب فَقَالَ ايش عملت فِي تسخير جمالك وأنشده بديها
(اسكان مصر لَا اسْتَقَرَّتْ نفوسكم ... بأمن وطالت فِي الزَّمَان الأراجيف)
(وَلَا بَرحت عمالكم تعسف الورى ... بظُلْم تولاه المشد تعاسيف)
وَشرع يتمم فَقَالَ إِلَيْهِ وَقبل يَده وعانقه وَقَالَ لَهُ بس واطلق جماله وجمال القفل لأَجله وَكتب إِلَى نواب بلبيس ونواب الزَّكَاة بِالْقَاهِرَةِ بَان يعتدوا بِمَا وَجب عَلَيْهِ من جامكية المشد وَتُوفِّي فَخر الدّين سنة تسع وَسِتِّينَ وست ماية
شرف الدّين الاردويلي الصُّوفِي مُحَمَّد بن أبي بكر شرف الدّين أَبُو عبد الله الاردويلي الصُّوفِي الشَّيْخ الصَّالح كَانَ من الْعلمَاء كثير الزّهْد وَالْعِبَادَة وَالذكر لَازمه جمَاعَة من النَّاس وانتفعوا بِهِ وَكَانَ مُقيما بالسميساطية وَله خلوات ومجاهدات ورياضات توفّي سنة خمس وَسبعين وست ماية بكرَة نَهَار الْخَمِيس رَابِع الْمحرم وأخرجت جنَازَته إِلَى ميدان الْحَصَا وَدفن إِلَى جَانب شَيْخه برهَان الدّين الْموصِلِي الْمَعْرُوف بِابْن الحلوانية مجاورا لقبر صُهَيْب الرُّومِي رضى الله عَنهُ على مَا يُقَال وَقد نَيف على السّبْعين
ابْن خَلِيل الْمَكِّيّ مُحَمَّد بن أبي بكر بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم بن يحيى ابْن فَارس الإِمَام رضى الدّين الْمَعْرُوف بِابْن خَلِيل الْمَكِّيّ الشَّافِعِي شيخ الْحرم ولد سنة ثلث وثلثين وروى عَن ابْن الجميزى وَغَيره وَكَانَ فَقِيها عَالما متفننا ذَا فضايل ومعارف وَعبادَة وَصَلَاح وَحسن أَخْلَاق سمع مِنْهُ ابْن الْعَطَّار البرزالي وَأَجَازَ للشَّيْخ شمس الدّين مروياته توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وست ماية)
الحفَّار مُحَمَّد بن أبي بكر بن عبد السَّلَام بن إِبْرَاهِيم الصَّالِحِي الْمُقْرِئ الحفار يعرف بِابْن الطبيل شيخ معمر ذُو جلادة وهمة وملازمة للْجَمَاعَة سمع الصَّحِيح من ابْن الزبيدِيّ وَحدث عَنهُ ابْن الخباز فِي مُعْجَمه فِي حَيَاة ابْن عبد الدايم وَسمع مِنْهُ ابْن البرزالي وَأخذ الشَّيْخ شمس الدّين عَنهُ الثلاثيات وَغير ذَلِك وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبع ماية
ابْن النُّور الْبَلْخِي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَحْمد بن خلف أَبُو عبد الله ابْن النُّور الْبَلْخِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمُقْرِئ بالألحان ولد بِدِمَشْق سنة تسع وَخمسين وَسمع فِي الْقَاهِرَة والاسكندرية روى عَنهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ وَتُوفِّي سنة ثلث وَخمسين وست ماية(2/191)
أَمِين الدّين ابْن النّحاس مُحَمَّد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن طَارق الْأَسدي الْحلَبِي الصفار الشَّيْخ الصَّالح المعمر الْمسند أَمِين الدّين نزيل دمشق ولد سنة خمس وَعشْرين وَسمع لما حج مَعَ أخوته من صَفِيَّة القرشية وَمن شُعَيْب الزَّعْفَرَانِي بِمَكَّة وَمن يُوسُف الساوى وَابْن الجمزيى بِمصْر وَمن ابْن خَلِيل بحلب وَأَجَازَ لَهُ أَبُو اسحق الكاشغري وطايفة وَتفرد وضر وَعجز وانحطم وابطل الْحَانُوت وَكَانَ سَاكِنا خيرا عاميا وَله دنيا وَفِيه بر وَمَا تزوج قطّ وَلَا احْتَلَمَ ثمَّ أَنه قدح بعد مَا أضرّ فأبصر وَتُوفِّي سنة عشْرين وَسبع ماية
شمس الدّين السكاكيني الشَّافِعِي مُحَمَّد بن أبي بكر بن أبي الْقسم شيخ الأمامية وعالمهم شمس الدّين الهمذاني الدِّمَشْقِي السكاكيني الشيعي مولده بسفح قاسيون سنة خمس وثلثين حفظ الْقُرْآن بالسبع وتفقه وتأدب وَسمع فِي حداثته من الرشيد بن مسلمة والرشيد الْعِرَاقِيّ ومكي بن عَلان وَجَمَاعَة وَخرج لَهُ ابْن الْفَخر عَنْهُم ربى يَتِيما فَاقْعُدْ فِي صناعَة السكاكين عِنْد شيخين رافضيين فافسداه وَأخذ عَن أبي صَالح الْحلَبِي وَصَاحب الشريف محيي الدّين ابْن عدنان وَله نظم وفضايل ورد على التلمساني فِي الِاتِّحَاد أم بقرية جسرين مُدَّة ثمَّ أخرج مِنْهَا وام بالسامرية ثمَّ أَخذه مَنْصُور بن جماز الْحُسَيْنِي مَعَه إِلَى الْمَدِينَة لِأَنَّهُ صَاحبهَا واحترمه وَأقَام بالحجاز سَبْعَة أَعْوَام ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ شيعي عَاقل لم يحفظ عَنهُ سبّ بل نظم فِي فضل الصَّحَابَة وَكَانَ حُلْو المجالسة ذكيا عَالما فِيهِ اعتزال وينطوى على دين وَإِسْلَام وَتعبد على بدعته وترفض بِهِ إناس من أهل الْقرى قَالَ الشَّيْخ تقى الدّين ابْن تَيْمِية هُوَ مِمَّن يتشيع بِهِ السنى ويتسنن بِهِ الرافضي وَكَانَ يجْتَمع بِهِ كثيرا وَقيل أَنه رَجَعَ آخر عمره عَن أَشْيَاء نسخ صَحِيح البُخَارِيّ وَكَانَ يُنكر الْجَبْر ويناظر على الْقدر وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع ماية احضر)
صَلَاح الدّين ابْن شَاكر الكتبي بِدِمَشْق إِلَى الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ كتابا فِي عشْرين كراسا قطع الْبَلَدِي فِي ورق جيد وَخط مليح سَمَّاهُ مُصَنفه الطرايف فِي معرفَة الطوايف افتتحه بِالْحَمْد لله وَشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَط وَقَالَ بعد ذَلِك أما بعد فَإِنِّي رجل من أهل الذِّمَّة ولي على الْإِسْلَام حُرْمَة فَلَا تعجلوا بسفك دمي قبل سَماع مَا عِنْدِي ثمَّ أَخذ فِي نقض عري الدّين عُرْوَة عُرْوَة أورد أَحَادِيث وَتكلم على متونها وإسنادها وَتكلم فِي جرح الرِّجَال وَطعن عَلَيْهِم كَلَام مُحدث عَارِف بِمَا يَقُول وَذكر أموراً دلّت على زندقته وتشيعه وَختم ذَلِك بَان قَالَ وَللَّه القايل
(وَإِن كنت ارضى مِلَّة غير ملتي ... فَمَا أَنا إِلَّا مُسلم اتشيع)
وَشهد صَلَاح الدّين الْمَذْكُور وَآخر أهل الحَدِيث المعروفين بَان هَذَا خطّ شمس الين السكاكيني فَظهر من ذَلِك أَنه تصنيفه لِأَنَّهُ قَالَ فِي فهرسة الْكتاب الْمَذْكُور تصنيف عبد الْمَحْمُود(2/192)
بن دَاوُد الْمصْرِيّ لم يعرف هَذَا الرجل وَقَالَ لشيخ عماد الدّين بن كثير أَن الأبيات الَّتِي كتبت للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وأولها أيا معشر الْإِسْلَام ذمِّي دينكُمْ وَقد ذكرتها فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوى هِيَ لهَذَا السكاكيني فَقطع قَاضِي الْقُضَاة هَذَا الْكتاب الملعون وغسله وخرقه وَالله اعْلَم بِحَقِيقَة الْحَال فِي ذلكن وَقَالُوا أَن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن مُسلم رَجَعَ من جنَازَته وعَلى الْجُمْلَة فَالظَّاهِر من امْرَهْ أَنه كَانَ مَرِيض العقيدة غير صحيحها ونقلت من خطّ الشَّيْخ علم الدّين البرزالي قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(أجزت لَهُم مَا يسْأَلُون بِشَرْطِهِ ... أثابهم رَبِّي ثَوَاب أولى الْعلم)
(ووفقهم أَن يعلمُوا بِالَّذِي رووا ... فعال أولى الأخلاص وَالْجد والعزم)
(وكاتبها العَبْد الْفَقِير مُحَمَّد ... هُوَ ابْن أبي بكر بن قَاسم الْعَجم)
(ومولده فِي عَام خمس وَبعدهَا ... ثلثون والست المئين لَدَى النَّجْم)
ونقلت مِنْهُ أَيْضا مِمَّا خَاطب بِهِ صَاحب الْمَدِينَة منصوراً وَصَاحب مَكَّة رميثة
(أَلا يَا ذوى الْأَلْبَاب اصغوا لناطق ... بِحَق وباغى الْحق من ذَا يدافعه)
(إِذا لم يكن نسل النَّبِي مُحَمَّد ... يُتَابِعه فِي الدّين من ذَا يُتَابِعه)
(فَإِن كَانَ مَسْبُوقا وَذُو الْبعد سَابق ... إِلَى الْمُصْطَفى وَالدّين من ذَا يمانعه)
)
(فكم من بعيد للشريف معلم ... طرايق آبَاء لَهُ وَهُوَ سامعه)
(وَهَذَا بديع فِي الزَّمَان وَأَهله ... وَمَا زَالَ هَذَا الدَّهْر جم بدايعه)
نقلت من خطّ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن غَانِم قَالَ أَنْشدني الشَّيْخ شمس الدّين السكاكيني لنَفسِهِ
(هِيَ النَّفس بَين الْعقل الطَّبْع والهوى ... وماالعقل إِلَّا كالعقال يصونها)
(فداعى الْهوى يَدْعُو إِلَى مَا يشينها ... وداعي النهى يَدْعُو إِلَى مَا يزينها)
(فَإِن اطلقت من غير قيد توثبت ... على حظها الْأَدْنَى وَزَاد جنونها)
(وَأَن نظرت بِالْعقلِ ينبوع نوره ... اضاءت لَهَا الظُّلُمَات طَابَ معينها)
(وحنت إِلَى الذّكر الْحَكِيم تدبراً ... رياص مَعَانِيه وَذَاكَ يعينها)
(وفزت بِهِ مِنْهُ إِلَيْهِ تحققا ... وعادت إِلَى الأكوان تزكو فنونها)
(فاكرم بهَا نفسا زكتْ مطمئنة ... بمحبوبها قرت لَدَيْهِ عيونها)
(فيا ذَا الَّذِي ضيعت نَفسك فِي الْهوى ... تروم لَهَا عزا وَأَنت تهينها)
(اجب إِذْ دعَاك الْحق طَوْعًا لأَمره ... بِطيب رضى نفس قوى يقينها)(2/193)
(وَلَا تبخلن وبالنفس إِذْ هِيَ ملكة ... إِلَيْهِ بهَا فَارْجِع فَأَنت أمينها)
قلت شعر غير وَاضح التَّرْكِيب وَلَا مُحكم الصوغ قَاضِي الْمغل برهَان الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر بن مُحَمَّد قَاضِي الممالك القانية برهَان الدّين أَبُو عبد الله السَّمرقَنْدِي النوجاباذي الْحَنَفِيّ البُخَارِيّ قَاضِي الْمغل صدر مُعظم وعالم مفخم فِيهِ كيس ولطف وَحسن مذاكرة كَانَ يلازم السُّلْطَان والوزارء قدم بَغْدَاد مرَارًا وروى بالاجازة عَن سيف الدّين الباخرزى يُقَال سمع مِنْهُ قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلم يَصح مولده سنة ثلث وَأَرْبَعين وَيَوْم كمل من عمره ثَمَانِينَ سنة عمل وَلِيمَة عَظِيمَة وَاتفقَ مَوته بعْدهَا بجمعة سنة ثلث وَعشْرين وَسبع ماية بقريب تبريز أَخذ عَنهُ السراج الْقزْوِينِي وَمُحَمّد بن يُوسُف الزرندي وَأَجَازَ لأَوْلَاد الشَّيْخ شمس الدّين
قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين الأخنائي مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين الأخنائي السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي ولد فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَحدث عَن أبي بكر ابْن الْأنمَاطِي والإبرقوهي وَابْن دَقِيق الْعِيد وتفقه وشارك وَكَانَ من عدُول الخزانة بالديار)
المصرية ثمَّ ندب لقَضَاء الاسكندرية ثمَّ نقل إِلَى قَضَاء الشَّام بعد الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي وَحضر صُحْبَة تنكز نايب الشَّام من بَاب السُّلْطَان وَكَانَ عَالما دينا نزها وافر الْجَلالَة حميد السِّيرَة متوسطا فِي الْعلم لَازم الدمياطي مُدَّة وَكَانَ محبا للرواية سلفى الطَّرِيقَة وَلما قدم القَاضِي علم الدّين إِلَى دمشق امتدحه جمال الدّين مُحَمَّد بن نباتة بقصيدةٍ أَولهَا
(قاضى الْقُضَاة بيمنى كَفه الْقَلَم ... يَا سارى الْقَصْد هَذَا البان وَالْعلم)
(هَذَا اليراع الَّذِي تجنى الفخار بِهِ ... يَد الإِمَام الَّذِي معروفه أُمَم)
(معيي الأماثل فِي علم وفيض ندى ... فالسحب باكية وَالْبَحْر يلتطم)
(وافى الشآم وَمَا خلنا الْغَمَام إِذا ... بِالشَّام ينشأ من مصر وينسجم)
(آها لمصر وَقد شابت لفرقته ... فَلَيْسَ يُنكر إِذْ يعزى لَهَا هرم)
(واوحش الثغر من رُؤْيا محاسنه ... فَمَا يكَاد بِوَجْه الدَّهْر يبتسم)
(ينشى وينشد فِيهِ الثغر من آسَف ... بَيْتا تكَاد بِهِ الأحشاء تضطرم)
(يَا من يعز علينا أَن نفارقهم ... وجداننا كل شىء بعدكم عدم)
(يزهى الشآم بِمن فَارَقت طلعته ... واحر قلباه مِمَّن قلبه شبم)(2/194)
قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي مُحَمَّد بن أبي بكر بن ظافر بن عبد الْوَهَّاب قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام وَشَيخ الشُّيُوخ شرف الدّين الْهَمدَانِي بِسُكُون الْمِيم وَالدَّال الْمُهْملَة ابْن قَاضِي الْقُضَاة معِين الدّين أبي بكر ابْن الشَّيْخ زكي الدّين أبي الْمَنْصُور حضر من الديار المصرية فِي سنة تسع عشرَة وَسبع ماية فِيمَا أَظن وَتُوفِّي بكرَة الْأَحَد ثَالِث الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسبع ماية كَانَ سَاكِنا وقورا محتشما يتجمل فِي ملبسه ومأكله لَا يرى أحسن من قماشه وَلَا انضف وَكَانَ فِيهِ كرم وَحسن بشر فِي ملتقاه رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ النواب يعظمونه ويحترمونه وَصلى عَلَيْهِ نايب دمشق يلبغا اليحيوى والقضاة والحجاب ولأعيان فِي سوق الْخَيل وَدفن فِي تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بميدان الْحَصَا وَفِي يَوْم مَوته حررت قبْلَة الْجَامِع الَّذِي عمره نايب دمشق الْمَذْكُور
مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن طرخان بن أبي الْحسن الْعَالم الْفَاضِل الأديب شمس الدّين كتب الْمَنْسُوب وَله نظم ونثر ومولده سنة وَخمْس وَخمسين وست ماية وَسمع حضورا من إِبْرَاهِيم بن خَلِيل والنجيب عبد اللَّطِيف وَسمع الْكثير من ابْن عبد الدايم وَأَجَازَ لي بِخَطِّهِ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية بِدِمَشْق وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة خمس وثلثين وَسبع ماية وَدفن)
بقاسيون وَله نظم
الشَّيْخ شمس الدّين ابْن قيم الجوزية مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن قيم الجورية مولده سَابِع صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وست ماية سمع على الشهَاب العابر وَجَمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْحَاكِم وَأبي بكر بن عبد الدايم وَعِيسَى الْمطعم وَأبي نصر مُحَمَّد ابْن عماد الدّين الشِّيرَازِيّ وَابْن مَكْتُوم والبهاء ابْن عَسَاكِر وعلاء الدّين الْكِنْدِيّ الوداعي وَمُحَمّد بن أبي الْفَتْح البعلبكي أَيُّوب ابْن نعْمَة الكحال وَالْقَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة وَجَمَاعَة سواهُم وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على أبي الْفَتْح البعلي قَرَأَ عَلَيْهِ الملخص لأبي الْبَقَاء ثمَّ قَرَأَ الجرجانية ثمَّ قَرَأَ ألفية ابْن مَالك وَأكْثر الكافية الشافية وَبَعض التسهيل ثمَّ قَرَأَ على الشَّيْخ مجد الدّين التونس قِطْعَة من المقرب وَأما الْفِقْه فَأَخذه عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي قَرَأَ عَلَيْهِ مُخْتَصر أبي الْقسم الْخرقِيّ وَالْمقنع لِابْنِ قدامَة وَمِنْهُم ابْن أبي الْفَتْح البعلي وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الْمُحَرر تأليف جده وَأَخُوهُ الشَّيْخ شرف الدّين وَأخذ الفرايض أَولا عَن وَالِده وَكَانَ لَهُ فِيهَا يَد ثمَّ(2/195)
على اسمعيل بن مُحَمَّد ثمَّ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَأما الْأُصُول فَأَخذهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ صفى الدّين الْهِنْدِيّ واسعميل بن مُحَمَّد قَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر الرَّوْضَة لِابْنِ قدامَة وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الْمَحْصُول وَمن كتاب الْأَحْكَام للسيف الْآمِدِيّ وَقَرَأَ فِي أصُول الدّين على الشَّيْخ صفى الدّين الْهِنْدِيّ أَكثر الْأَرْبَعين والمحصل وَقَرَأَ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية قِطْعَة من الْكِتَابَيْنِ وَكَثِيرًا من تصانيفه واشتغل كثيرا نَاظر واجتهدوا واكب على الطّلب وصنف وَصَارَ من الأيمة الْكِبَار فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول فقها وكلاما وَالْفُرُوع والعربية وَلم يخلف الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية مثله وَمن تصانيفه زَاد الْمعَاد فِي هدى دين الْعباد أَرْبَعَة أسفار مِفْتَاح دَار السَّعَادَة مُجَلد كَبِير تَهْذِيب سنَن أبي دَاوُد وإيضاح علله ومشكلاته نَحْو ثلثة أسفار سفر الهجرتين وَطَرِيق السعادتين سفر كَبِير كتاب رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة سفر متوسط معالم الموقعين عَن رب الْعَالمين سفر كَبِير كتاب الكافية الشافية لانتصار الْفرْقَة النَّاجِية وَهُوَ نظم نَحْو ثلثة آلَاف بَيت الرسَالَة الحلبية فِي الطَّرِيقَة المحمدية بَيَان الِاسْتِدْلَال على بطلَان مُحَلل السباق والنضال التحبير بِمَا يحل وَيحرم لبسه من الْحَرِير الفروسية المحمدية حلى الإفهام)
فِي أَحْكَام الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الْأَنَام تَفْسِير أَسمَاء الْقُرْآن تَفْسِير الْفَاتِحَة مُجَلد كَبِير اقْتِضَاء الذّكر بِحُصُول الْخَيْر وَدفع الشَّرّ كشف الغطاء عَن حكم سَماع الْغناء الرسَالَة الشافية فِي أسرار المعوذتين مَعَاني الأدوات والحروف بدايع الفوايد مُجَلد كَبِير أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(بني أبي بكر كثير ذنُوبه ... فَلَيْسَ على من نَالَ من عرضه أَثم)
(بني أبي بكر جهول بِنَفسِهِ ... جهول بِأَمْر الله أَنِّي لَهُ الْعلم)
(بني أبي بكر غَدا متصدراً ... يعلم علما وَهُوَ لَيْسَ لَهُ علم)
(بني أبي بكر غَدا متمنياً ... وصال الْمَعَالِي والذنُوب لَهُ همم)
(بني أبي بكر يروم ترقيا ... إِلَى جنَّة المأوى وَلَيْسَ لَهُ عزم)
(بني أبي بكر يرى الْغرم فِي الَّذِي ... يَزُول ويفنى وَالَّذِي تَركه الْغنم)
(بني أبي بكر لقد خَابَ سَعْيه ... إِذا لم يكن فِي الصَّالِحَات لَهُ سهم)
(بني أبي بكر كَمَا قَالَ ربه ... هلوع كنُود وَصفه الْجَهْل وَالظُّلم)
(بني أبي بكر وَأَمْثَاله غدوا ... بفتواهم هذي الخليقة تأتم)
(وَلَيْسَ لَهُم فِي الْعلم بَاعَ وَلَا التقى ... وَلَا الزّهْد وَالدُّنْيَا لديهم هِيَ الْهم)
(فو الله لَو أَن الصَّحَابَة شاهدوا ... أفاضلهم قَالُوا هم الصم والبكم)(2/196)
وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي ثَالِث عشر شهر رَجَب الْفَرد سنة إِحْدَى وَخمسين وَسبع ماية
قاضى الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِمصْر مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين الأخنائي الْحَاكِم بالديار المصرية الْمَالِكِي أجَاز لي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية
مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَحْمد بن عبد الدايم الْمَقْدِسِي سمع الْكثير من جده وَمن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل خطيب مردا وَأَجَازَ لي بِخَطِّهِ سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية بِدِمَشْق وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي رَابِع شهر ربيع الأول سنة سِتّ وثلثين وَسبع ماية وَسَيَأْتِي ذكر جده فِي الأحمدين مَكَانَهُ
بدر الدّين القلانسي الطَّبِيب مُحَمَّد بن بهْرَام بن مُحَمَّد القلانسي هُوَ بدر الدّين مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي قَالَ ابْن أبي أصيبعة مجيد فِي صناعَة الطِّبّ وَله عناية بِالنّظرِ فِي معالجات الْأَمْرَاض ومداواتها وَله من الْكتب كتاب الانقرا باذين وَهُوَ تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ بَابا قد استوعب)
فِيهِ ذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَدْوِيَة المركبة وَجمع أَكثر ذَلِك من الْكتب الْمُعْتَمد عَلَيْهَا مثل القانون والحاوى والكامل والمنصورى والذخيرة والكافية انْتهى كَلَامه وَلم يذكر وَفَاته
الْملك جمال الدّين ابْن تَاج الْمُلُوك مُحَمَّد بن بورى بن طغتكين الْملك جمال الدّين أَبُو المظفر تَاج الْمُلُوك صَاحب دمشق ولاه أَبوهُ بعلبك وتسلم دمشق لما قتل أَخُوهُ وَكَانَ سيئ السِّيرَة مَاتَ سنة أَربع وثلثين وَخمْس ماية فِي شعْبَان وَلم تطل مدَّته
السعيد بن الظَّاهِر مُحَمَّد بن بيبرس السُّلْطَان الْملك السعيد نَاصِر الدّين أَبُو الْمَعَالِي بركَة خَان ابْن السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ولد سنة ثَمَان وَخمسين فِي صفر بالعش من ضواحي الْقَاهِرَة سلطنه أَبوهُ وَهُوَ ابْن خمس سِنِين أَو نَحْوهَا وبويع بِالْملكِ بعد وَالِده وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة وَكَانَ شَابًّا مليحا كَرِيمًا فِيهِ عدل ولين وإحسان إِلَى الرّعية لَيْسَ فِي طبعه ظلم وَلَا عسف يحب الْخَيْر ويفعله قدم بالجيوش دمشق فِي ذِي الْحجَّة سنة سبع وعملت لمجيئه القباب ولكونه شَابًّا عجز عَن ضبط الْأُمُور فَخلع من السلطنة وَعمل بذلك محْضر واطلقوا لَهُ سلطنة الكرك فَسَار إِلَيْهَا بأَهْله ومماليكه فَلَمَّا اسْتَقر بهَا قَصده جمَاعَة من النَّاس فَكَانَ ينعم عَلَيْهِم ويصلهم وكثروا عَلَيْهِ فانفد كثيرا من حواصله فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور فتأثر مِنْهُ وَلعب بالكرة فتقطر وَحصل لَهُ بذلك حمى شَدِيدَة توفّي مِنْهَا بعد أَيَّام سنة ثَمَان وَسبعين وست ماية وَله عشرُون سنة وَأشهر وَيُقَال أَنه سم وَدفن عِنْد جَعْفَر الطيار ثمَّ نقل إِلَى تربته بِدِمَشْق وَدفن عِنْد وَالِده بعد سنة وَخَمْسَة أشهر وَوجدت عَلَيْهِ امْرَأَته بنت السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون وجدا شَدِيدا وَلم تزل باكية عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَت بعده بِمدَّة قريبَة وترتب بعده فِي مملكة الكرك أَخُوهُ الْملك المسعود خضر مديدة وَحبس(2/197)
3 - (ابْن التابلان)
الزَّاهِد المنبجي مُحَمَّد بن التابلان المنبجي الزَّاهِد قَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر كَانَ رَفِيق الشَّيْخ عدى وَالشَّيْخ سَلامَة من تلاميذ الشَّيْخ عقيل توفّي سنة ثَمَانِينَ تَقْرِيبًا(2/198)
الْحَاجِب مُحَمَّد بن تركانشاه بن مُحَمَّد بن الْفَرح أَبُو الْوَفَاء الْأَبْهَرِيّ اللوجردى سمع بأصبهان عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد وَأَبا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد السمسار والرئيس أَبَا عبد الله الْقسم وَقدم بَغْدَاد وَأقَام بهَا وَسمع أَبَا نصر الزَّيْنَبِي وَكَانَ حاجبا للوزير أبي شُجَاع الروذراورى وَحدث فَسمع مِنْهُ أَبُو الْفضل ابْن نَاصِر والحافظ السلَفِي وَتُوفِّي سنة ثلث عشرَة وَخمْس ماية ومولده سنة سبع وثلثين وَأَرْبع ماية مُحَمَّد بن تركاتشاه بن مُحَمَّد بن تركانشاه أَبُو عبد الله حفيد الْمَذْكُور آنِفا قَالَ ابْن النجار كَانَ أديباً يَقُول الشّعْر واورد قَوْله يمدح الْوَزير ابْن شرْوَان
(لقد كنت أَرْجُو فِي ضميري بِأَن أرى ... أُمُور البرايا فِي يَديك زمامها)
(فَلَمَّا أَتَانِي مَا أردْت تحققت ... عداتي وَقلت الْعَام لَا شكّ عامها)
(وَقد كنت أعْطى النَّاس مِنْك ابْن خَالِد ... أماني أَرْجُو أَن يتم تَمامهَا)(2/199)
عَلَاء الدّين خوارزم شَاءَ مُحَمَّد بن تكش بن أيل أرسلان بن التسر بن مُحَمَّد بن انوشتكين السُّلْطَان عَلَاء الدّين خوارزم شاه أباد مُلُوك الْعَالم ودانت لَهُ الممالك وَاسْتولى على الأقاليم وَكَانَ صبورا على التَّعَب وادمان السّير غير متنعم وَلَا مقبل على لَذَّة إِنَّمَا نهمته فِي الْملك وتدبيره وَحفظه وَحفظ رَعيته وَكَانَ فَاضلا عَالما بالفقه وَالْأُصُول وَغَيرهمَا وَكَانَ يكرم الْعلمَاء وَيُحب مناظرتهم بَين يَدَيْهِ ويعظم أهل الدّين أفنى مُلُوك خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَقتل صَاحب سَمَرْقَنْد كَانَ فِي خزانته عشرَة آلَاف ألف دِينَار وألفا حمل قماش اطلس وَغَيره وخيله عشرُون ألف فرس وبغل وَله عشرَة آلَاف مَمْلُوك هرب من الخطا وَركب فِي مركب صَغِير إِلَى جَزِيرَة فِيهَا قلعة ليتحصن بهَا فادرك الْأَجَل وَدفن على سَاحل الْبَحْر سنة سبع عشرَة وست ماية وهرب ولداه وَتَفَرَّقَتْ المماليك بعده وَأخذت التتار الْبِلَاد لِأَن مؤيد الدن ابْن القمي وَزِير النَّاصِر اتّفق مَعَ الخطا على قَتله وَبعث لَهُم الْأَمْوَال سرا والخيول وصادف رسله إِلَى الخطا وَمَعَهُ من الخطا فِي عسكره سَبْعُونَ ألفا فَلم يُمكنهُ الرُّجُوع وَكَانَ خَاله من امراء جلال فحلفوه أَن لَا يطلع خوارزم شاه على مَا دبروا فجَاء إِلَيْهِ فِي اللَّيْل وَكتب فِي يَده صُورَة الْحَال فَنظر)
إِلَى السطور وَخرج من تَحت الْخَيْمَة وَمَعَهُ ولداه جلال الدّين وَالْآخر وَجرى مَا جرى وَكَانَ السُّلْطَان عَلَاء الدّين قد خطب لَهُ عل مَنَابِر فَارس واران وأذربيجان إِلَى مَا يَلِي دربند اشروسنة وَملك مَا يُقَارب أَربع ماية مَدِينَة وَكَانَ عسكره أَربع ماية ألف وَلما دَانَتْ لَهُ الممالك سمت همته إِلَى طلب مَا كَانَ لنَبِيّ سلجوق من الحكم وَالْملك بِبَغْدَاد فَجهز رِسَالَة فِيهَا خشونة فجَاء الْجَواب من الدِّيوَان أَن ذَلِك الحكم إِنَّمَا كَانَ لتغلب الْخَارِجِي ابْن مِيكَائِيل والقضية مَشْهُورَة فَاقْتضى ذَلِك حكم بني سلجوق فِي الْبِلَاد وَمَا يلْزم أَن يكون لَك تحكم مثل أوليك وَمَتى احتجنا إِلَيْك فِي مثل ذَلِك وَالْعِيَاذ بِاللَّه اجبنا سؤالك وَأَنت فممالكك متسعة فَلم تضايق فِي دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ وأعيد رَسُوله وَمَعَهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين عمر السهروردي فَتَلقاهُ السُّلْطَان وعظمه لشهرة اسْمه ووقف قايما حَتَّى دخل فَلَمَّا اسْتَقر جَالِسا فَقَالَ من سنة الدَّاعِي للدولة الْقَاهِرَة أَن يقدم على أَدَاء رسَالَته حَدِيثا من أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تيمناً وتبركاً فَإِذن لَهُ السُّلْطَان وبرك على رُكْبَتَيْهِ تأدبا فِي الْجُلُوس عِنْد سَماع حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الشَّيْخ حَدِيثا مَعْنَاهُ التحذير من اذية آل عَبَّاس فَلَمَّا فرغ من رِوَايَة الحَدِيث قَالَ السُّلْطَان أَنا وَأَن كنت تركيا قَلِيل الْمعرفَة باللغة الْعَرَبيَّة فهمت مَا ذكرته من الحَدِيث غير أنني مَا آذيت أحدا من أَوْلَاد الْعَبَّاس وَلَا قصدتهم بِسوء وَبَلغنِي أَن فِي محابس أَمِير الْمُؤمنِينَ مِنْهُم خلقا كثيرا مخلدون يتوالدون ويتناسلون(2/200)
فَلَو أعَاد الشَّيْخ هَذَا الحَدِيث عل مسامع أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ أولى واجدى فَقَالَ الشَّيْخ أَن الْخَلِيفَة إِذا بُويِعَ على كتاب الله وَسنة رَسُوله واجتهاد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن اقْتضى اجْتِهَاده حبس شرذمة لأصلاح الْأمة لَا يقْدَح ذَلِك فِي طَرِيقَته المثلى وَطَالَ الْكَلَام فِي ذَلِك وَعَاد الشَّيْخ والوحشة قايمة ثمَّ أَن السُّلْطَان عزم على قصد بَغْدَاد وسير أَمَامه العساكر وَسَار وَرَاءَهُمْ إِلَى أَن وصل عقبَة استراباذ وَكَانَ قد قسم نواحي بَغْدَاد بهمذان اقطاعا واعمالا وَكتب بهَا تواقيع ثمَّ اتّفق أَنه رَجَعَ عَن بَغْدَاد بخيبة وبأس وَلم يبلغ غَرضا وَنَدم على مَا توعد بِهِ على لِسَان الشَّيْخ شهَاب الدّين فنفذ الْوَزير مؤيد الدّين ابْن القمى على مَا قيل فِي السِّرّ من حسن لجنكزخان التَّعَرُّض للسُّلْطَان عَلَاء الدّين فتم مَا كَانَ وَآل الْأَمر إِلَى مَا آل(2/201)
وَالِد طراد الزَّيْنَبِي مُحَمَّد بن أبي تَمام على بن الْحسن نقيب النُّقَبَاء نور الْهدى الْعَبَّاس الزَّيْنَبِي وَالِد طراد الزَّيْنَبِي وأخواته توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبع ماية
فَخر الدّين مُحَمَّد بن تَمام بن يحيى بن عَبَّاس بن يحيى بن أبي الْفتُوح بن تَمِيم فَخر الدّين أَبُو)
بكر الْحِمْيَرِي الدِّمَشْقِي كَانَ من صُدُور دمشق وأعيانها وعدولها سمع من موفق الدّين ابْن قدامَة الْمَقْدِسِي وَغَيره وَحدث بِدِمَشْق والقاهرة وَتُوفِّي بِدِمَشْق فِي شهر رَجَب وَدفن من يَوْمه بمقابر بَاب الصَّغِير سنة تسع وَسِتِّينَ وست ماية ومولده سنة ثلث وست ماية(2/202)
الطَّبِيب المغربي مُحَمَّد بنت تمليج كَانَ رجلا ذَا وقار وسكينة وَمَعْرِفَة بالطب والنحو واللغة وَالشعر وَالرِّوَايَة وخدم النَّاصِر بصناعة الطِّبّ وَكَانَ الْمُقِيم برياسته أَحْمد بن الياس وولاه النَّاصِر خطْبَة الرَّد وَقَضَاء شرونة وَله فِي الطِّبّ تأليف حسن الأشكال وادرك صَدرا من دولة الحكم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَكَانَ حظيا عِنْده وخدمه بصناعة الطِّبّ وولاه النّظر فِي بُنيان الزِّيَادَة من قبلي الْجَامِع بقرطبة فكملت بحث أشرافه وأمانته قَالَ القَاضِي صاعد وَرَأَيْت اسْمه مَكْتُوبًا بِالذَّهَب وَقطع الفسيفساء على حايط الْمِحْرَاب بهَا وَأَن ذَلِك كمل على يَدَيْهِ عَن أَمر الْخَلِيفَة الحكم سنة ثَمَان وَخمسين وَثلث ماية(2/203)
3 - (ابْن تَمِيم)
مُحَمَّد بن تَمِيم المغربي مُحَمَّد بن تَمِيم أَخْبرنِي الشَّيْخ أثير الدّين من لَفظه قَالَ كَانَ الْمَذْكُور بتونس لما دَخَلتهَا أنشدنا لَهُ أَبُو الزهر قَالَ أنشدنا لَهُ أَبُو الزهر قَالَ أنشدنا يرثي الأديب أَبَا الطّيب مُحَمَّد بن أبي الطّيب الأريولي
(مَاتَ أَبُو الطّيب وَا ويلتاه ... مَاتَ الندى والجود والمكرمات)
(وَلَو نعوا قايله قيل قد ... مَاتَ الْخَنَا وَالْفِسْق والمكرمات)
وأنشدنا لَهُ وَذكر أَنه لَا يُزَاد عَلَيْهَا
(يَا رب ارْض أَصبَحت رَوْضَة ... فجَاء ذِئْب فخرا فِيهَا)
(وأصبحت ميتَة بعده ... سَبْعُونَ شَاة وخرافيها)
قَالَ الشَّيْخ أثير الدّين فَزَاد ابْن زنون
(وَصَاحب قطع لي جُبَّة ... فَلم أجد فِي بَلخ رافيها)
قَالَ أثير الدّين قَوْله وخرافيها لَا يَصح أَن يكون الخراف بِفَتْح الْخَاء جمعا لخروف فَإِنَّهُ بِكَسْر الْخَاء كقلوص وقلاص وأنشدني قَالَ أنشدنا أَبُو يحيى ابْن هريمة لمُحَمد بن تَمِيم وَقد قرب رَمَضَان وَالنَّاس يشْتَرونَ الصبحيات بسوق الزّجاج
(بسوق الزّجاج جرت عبرتي ... فوليت عَنهُ بقلب قريح)
)
(لتبديل كأس بصبحية ... وابريق رَاح بقنديل ريح)
كَاتب الدرج بِالْيمن مُحَمَّد بن تَمِيم شرف الدّين أَبُو عبد الله الاسكندري نزيل الْيمن أحد كتاب درج الْملك الْمُؤَيد نقلت من خطّ الشَّيْخ تَاج الدّين اليمني نَشأ الْمَذْكُور فِي بِلَاد الْمعبر من بِلَاد الْهِنْد وَكَانَ كَاتب درج الْملك الرَّحِيم تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد السواملي الطَّيِّبِيّ ثمَّ لما مَاتَ مخدومه وَفد إِلَى الْملك الْمُؤَيد واستكتبه وَكَانَ ذَا نظم بديع وَلَفظ صَنِيع وَله أنشاء حسن وَعمل مقامات وَكَانَ يعرف بالمقاماتي وحاولته عَن أَن أرى تِلْكَ المقامات وَكَانَ يُجيب مَا هِيَ مقامات بل قمامات اجْتمعت بِهِ فِي عدن سنة ثلث وَسبع ماية وأنشدني قصيدة يمدح بهَا عز الدّين عبد الْعَزِيز بن مَنْصُور الْحلَبِي عرف بالكويكي وَقد جَاءَ إِلَى عدن بِمَال عَظِيم لم ير مثله وَأول القصيدة(2/204)
(اتذكر ليلى عهدنا المتقدما ... أم الْبَين انساها عهوداً على الْحمى)
(وأيامنا اللَّاتِي على الْخيف قد مَضَت ... بِمَجْلِس أنس بالمسرة تمما)
وَكنت وإياه يَوْمًا على بَاب الْبَحْر بثغر عدن فَمر خَادِم هندي بديع الصُّورَة فَقَالَ لي انظم فِي هَذَا بَيْتَيْنِ فنظمت بديها
(بِأبي ظَبْي من الْهِنْد حكى ... لحظه الْهِنْدِيّ فِي أَفعاله)
(جوهري الثغر يدعى جوهرا ... واراه الْفَرد فِي أَمْثَاله)
فَعجب من سرعَة البديهة فَقَالَ لكنني احكي لَك حِكَايَة اتّفقت لي فِي بِلَاد الْهِنْد اقترح على بعض التُّجَّار الرعنى اقتراحاً فِيهِ قبح وَذَلِكَ أَنه كَانَ لَهُ خَادِم هندي يُسمى جوهرا وَكَانَ مغرما بِهِ فَقَالَ لي تَسْتَطِيع أَن تنظم أبياتا مضمونها أَن فعلى لذَلِك الْحَال مُوجب لنفاسة هَذَا العلق وَمَتى فعلت اعطيتك عشْرين عينا فأنشدت أبياتاً من غير روية وَهِي
(أَقُول للخل عداك الردى ... أَنِّي أَنا الماس فَلَا تعتجب)
(فِي أصلى الحدة اسطو بهَا ... على أَصمّ الْجَوْهَر المنتسب)
(والجوهر الشفاف مَا لم يكن ... يثقبه الثاقب لم ينتسب)
(فلى على الْجَوْهَر فضل إِذا ... صيرته بَين الورى منثقب)
وَكَانَ مُولَعا بِأَكْل البرشعثا أَكثر أوقاته غايب الذِّهْن مِنْهَا وَكَرِهَهُ السُّلْطَان لذَلِك مَاتَ سنة خمس عشرَة وَسبع ماية وَله موشحات بديعة)
أَبُو الْمَعَالِي الْبَرْمَكِي اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن تَمِيم أَبُو الْمَعَالِي الْبَرْمَكِي اللّغَوِيّ لَهُ كتاب الْمُنْتَهى فِي اللُّغَة مَنْقُول من كتاب صِحَاح الْجَوْهَرِي وَزَاد فِيهِ أَشْيَاء قَليلَة واغرب فِي ترتيبه وَكَانَ هُوَ والجوهري متعاصرين لِأَن صَاحب الصِّحَاح فرغ مِنْهُ سنة سِتّ وَتِسْعين وَثلث ماية وَذكر الْبَرْمَكِي أَنه صنفه سنة سبع وَتِسْعين وَثلث ماية(2/205)
3 - (ابْن ثَابت)
مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس توفّي سنة ثلث وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ حنكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بريقه لِأَنَّهُ ولد فِي حَيَاته روى لَهُ النَّسَائِيّ
الْبنانِيّ مُحَمَّد بن ثَابت بن أسلم الْبنانِيّ روى عَن أَبِيه وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وجعفر بن مُحَمَّد وروى عَنهُ جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَبكر بن بكار وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث وَجَمَاعَة قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ نظر وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف توفّي فِي عشر السِّتين لِلْهِجْرَةِ تَقْرِيبًا
الخجندي الْمُتَكَلّم الشَّافِعِي مُحَمَّد بن ثَابت بن حسن بن إِبْرَاهِيم ابْن الزبير بن مخلد بن معوية بن يزِيد بن الْمُهلب بن أبي صفرَة جمال الْإِسْلَام أَبُو بكر الجندي أحد فحول الْمُتَكَلِّمين كَانَ يعظ وَيتَكَلَّم فِي كل فن وَيَقَع كَلَامه فِي الْقُلُوب تفقه بِهِ جمَاعَة فِي مَذْهَب الشَّافِعِي توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع ماية وَأَوْلَاده ملكوا رياسة الْعلمَاء شرقا وغربا وَيَأْتِي ذكر كل وَاحِد مِنْهُم مَكَانَهُ
أَبُو بكر النميري الْأَصْبَهَانِيّ مُحَمَّد بن ثَابت بن مُحَمَّد بن سوار ابْن علوان النميري الْأَصْبَهَانِيّ أَبُو بكر أَمَام جَامع اصبهان قَالَ يحيى بن مندة كَانَ سنياً فَاضلا بارعا فِي الْأَدَب شَاعِرًا فصيحا كثير السماع قَلِيل الرِّوَايَة روى عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن فورك وَأبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُقْرِئ وَأحمد بن عبد الله النهرديرى كتب عَنهُ عمى الْأَمَام وَغَيره
مُحَمَّد بن ثَابت بن ثَابت الْفَقِيه شمس الدّين الخبي الْحَنْبَلِيّ الصَّالِحِي رَفِيق ابْن سعد قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين عَاقل سمع وَدَار على الشُّيُوخ وتنبه قَلِيلا ثمَّ أم بقرية بالمرج سمع مني وَتُوفِّي رَحمَه الله شَابًّا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَعشْرين وَسبع ماية(2/206)
الْكَاتِب الغرناطي مُحَمَّد بن ثَعْلَبَة أَبُو بكر الْكَاتِب من أهل غرناطة أورد لَهُ ابْن الْأَبَّار من أَبْيَات)
(وَفِي حماهم شادن ... لم يكتنفه الربب)
(تترع لي الحاظه ... كأس الْهوى فأشرب)
(اهيف إِلَّا فضلَة ... لَا تدعيها الْكتب)
(عذبني حاملها ... وَهُوَ بهَا معذب)
قلت فِي الْبَيْت الثَّالِث كِنَايَة مليحة عَن الردف خرج يَوْمًا صُحْبَة أبي بَحر صَفْوَان بن إِدْرِيس وَجَمَاعَة فِي مرسية فقعدوا على صهريج مَاء يحف بِهِ ادواح مزهرة وسقيط نورها على المَاء وَاقع فَقَالَ ابْن ثَعْلَبَة
(خليلي أَبَا بَحر وَمَا قرقف اللمى ... بأعذب من قولي خليلي أَبَا بَحر)
(اجز غير مَأْمُور قسيماً نظمته ... تَأمل على مجْرى الْمِيَاه حلى الزهر)
فَقَالَ أَبُو بَحر
(تَأمل على مجْرى الْمِيَاه حلى الزهر ... كعهدك بالخضراء والأنجم الزهر)
(وَقد ضحِكت للياسمين مباسم ... سُرُورًا بآداب الْفَقِيه أبي بكر)
(واصغت من الآس النَّضِير مسامع ... لتسمع مَا تتلوه من سور الشّعْر)(2/207)
مُحَمَّد بن أبي الثَّلج الرَّازِيّ الْبَغْدَادِيّ حدث عَنهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ توفّي سنة سِتِّينَ وماتين تَقْرِيبًا(2/208)
3 - (ابْن جَابر)
السحيمي مُحَمَّد بن جَابر اليمامي الضَّرِير الْحَنَفِيّ السحيمي روى لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَضَعفه ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا توفّي سنة سبع وَسبعين وماية
ابْن جَابر الْحَرَّانِي المنجم مُحَمَّد بن جَابر بن سِنَان الْحَرَّانِي البتاني بِالْيَاءِ الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَالتَّاء ثَالِث الْحُرُوف وَبعد الْألف نون الحاسب الْمَشْهُور الصَّابِئ لَهُ الْأَعْمَال العجيبة والأرصاد المتقنة وَأول مَا ابْتَدَأَ بالارصاد فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وماتين إِلَى سنة سِتّ وَثلث ماية واثبت الْكَوَاكِب الثَّابِتَة فِي زيجه لسنة تسع وَتِسْعين وماتين وَكَانَ أوحد عصره فِي فنه وأعماله تدل على غزارة علمه لَهُ من التصانيف الزيج وَهِي نسختان أولى وثانية وَهِي أَجود وَكتاب معرفَة مطالع البروج فِيمَا بَين أَربَاع الْفلك ورسالة فِي مِقْدَار الاتصالات وَكتاب شرح فِيهِ أَرْبَعَة أَربَاع الْفلك ورسالة فِي تَحْقِيق أقدار الاتصالات وَشرح أَربع مقالات لبطلميوس وَغير ذَلِك توفّي سنة سبع عشرَة وَثلث ماية عِنْد رُجُوعه من بَغْدَاد بقصر الْحَضَر
الْوَادي آشى مُحَمَّد بن جَابر الْعَالم الْمُقْرِئ الْمُحدث الْجَلِيل أَبُو عبد الله الأندلسي الْوَادي آشي ثمَّ التّونسِيّ الْمَالِكِي ولد سنة ثلث سبعين وست ماية وَقَرَأَ على وَالِده وبالسبع على طايفة وَسمع من ابْن هرون الطَّائِي وَأبي الْعَبَّاس ابْن الغماز وطايفة بتونس قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَقَرَأَ عندنَا صَحِيح البُخَارِيّ وَسمع من الْبَهَاء ابْن عَسَاكِر وبمكة من الرضى الإِمَام انتقى عَلَيْهِ العلائي جُزْءا وَكَانَ حسن الْمُشَاركَة فِي الفضايل خرج الْأَرْبَعين البلدانية كتبهَا عَنهُ الْحَافِظ البرزالي(2/209)
ابْن مطعم مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم الْمدنِي أَخُو نَافِع روى عَن أَبِيه وَعمر بن الْخطاب ومعوية رضى الله عَنْهُم وروى لَهُ الْجَمَاعَة توفّي فِي عشر الماية لِلْهِجْرَةِ(2/210)
الْكُوفِي مُحَمَّد بن جحادة الْكُوفِي أحد الأيمة روى عَن أنس وَأبي حَازِم الْأَشْجَعِيّ وَأبي صَالح السمان وَأبي صَالح باذام ورجاء بن حَيْوَة وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَأَبُو حَاتِم وَكَانَ من فضلاء الْكُوفَة وروى لَهُ الْجَمَاعَة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وثلثين وماية(2/211)
ابْن جرير الطَّبَرِيّ مُحَمَّد بن جرير بن يزِيد بن خَالِد الطَّبَرِيّ وَقيل يزِيد بن كثير بن غَالب صَاحب التَّفْسِير الْكَبِير والتاريخ والشهير كَانَ أماما فِي فنون كَثِيرَة مِنْهَا التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والتاريخ وَغير ذَلِك وَله مصنفات مليحة فِي فنون عديدة وَكَانَ من الأيمة الْمُجْتَهدين لم)
يُقَلّد أحدا وَكَانَ أَبُو الْفرج الْمعَافي بن زَكَرِيَّاء النهرواني الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى على مذْهبه وَكَانَ ابْن جرير ثِقَة فِي نَقله وتاريخ اصح التواريخ وَمن الْمَنْسُوب إِلَيْهِ
(إِذا عسرت لم يعلم صديقي ... وأستغنى فيستغنى صديقي)
(حيائي حَافظ لي مَاء وَجْهي ... ورفقي فِي مطالبتي رفيقي)
(وَلَو أَنِّي سمحت ببذل وَجْهي ... لَكُنْت إِلَى الْغنى سهل الطَّرِيق)
وَأَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الشَّاعِر ابْن أُخْته وَكَانَت ولادَة ابْن جرير سنة أَربع وَعشْرين وماتين بآمل طبرستان ووفاته يَوْم السبت سادس عشْرين شَوَّال سنة عشر وَثلث ماية وَدفن يَوْم الْأَحَد فِي دَاره بِبَغْدَاد وَزعم قوم أَنه بالقرافة مدفون وَالصَّحِيح الأول وَقد طوف الأقاليم وَسمع مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي الشَّوَارِب واسحق بن أبي اسرايل واسماعيل بن مُوسَى الْفَزارِيّ وَأَبا كري وهناد بن السرى والوليد بن شُجَاع وَأحمد بن منيع وَمُحَمّد بن حميد الرَّازِيّ وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وخلقا سواهُم وَقَرَأَ الْقُرْآن على سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الطلحي صَاحب خَلاد وصنف كتابا حسنا فِي القراآت وروى عَنهُ جمَاعَة قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الأيمة يحكم بقوله وَيرجع إِلَى رَأْيه لمعرفته وفضله جمع من الْعُلُوم مَا لم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد من أهل عصره فَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله بَصيرًا بالمعاني فَقِيها فِي أَحْكَام الْقُرْآن عَالما بالسنن وطريقها صحيحها وسقيمها ناسخها(2/212)
ومنسوخها عَارِفًا بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بَصيرًا بأيام النَّاس وأخبارهم لَهُ الْكتاب الْمَشْهُور فِي تَارِيخ الْأُمَم وَكتاب التَّفْسِير الَّذِي لم ير مثله وتهذيب الْآثَار لم أر مثله فِي مَعْنَاهُ وَلم يتم وَله فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع كتب كَثِيرَة وَاخْتَارَ من أقاويل الْفُقَهَاء وَتفرد بمسايل حفظت عَنهُ وَمكث أَرْبَعِينَ سنة يكْتب كل يَوْم أَرْبَعِينَ ورقة وَقَالَ الفرغاني حسب تلامذته آنه مذ بلغ الْحلم إِلَى أَن مَاتَ فَصَارَ لَهُ لكل يَوْم سَبْعَة عشر ورقة وَقَالَ وَأَبُو حَامِد الاسفراييني لَو سَافر رجل إِلَى الصين حَتَّى يحصل تَفْسِير ابْن جرير لم يكن كثيرا وَقَالَ الإِمَام ابْن خُزَيْمَة مَا اعْلَم على أَدِيم الأَرْض اعْلَم من ابْن جرير قَالُوا كم قدره فَذكر نَحْو ثلثين ألف ورقة فَقَالُوا هَذَا شىء مِمَّا تفنى الْأَعْمَار دونه فَقَالَ أَنا لله مَاتَت الهمم فأملاه فِي نَحْو ثلثة آلَاف ورقة وَمن كتبه القراآت وَالْعدَد والتنزيل وَاخْتِلَاف الْعلمَاء تَارِيخ الرِّجَال من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَى شُيُوخه لطف القَوْل فِي أَحْكَام شرايع الْإِسْلَام وَهُوَ مذْهبه الَّذِي اخْتَارَهُ وجوده وَاحْتج وَهُوَ ثلثة وَثَمَانُونَ كتابا ولطايف القَوْل وخفيفه فِي شرايع الْإِسْلَام ومسند ابْن عَبَّاس)
وَاخْتِلَاف عُلَمَاء الْأَمْصَار كتاب اللبَاس كتاب الشّرْب كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد أَمْثِلَة الْعُدُول فِي الشُّرُوط تَهْذِيب الْآثَار بسيط القَوْل آدَاب النفوسن الرَّد على ذِي الْأَسْفَار يرد فِيهِ على دَاوُد رِسَالَة النصير فِي معالم الدّين صَرِيح السّنة فضايل أبي بكر مُخْتَصر الفرايض الموجز فِي الْأُصُول مَنَاسِك الْحَج والتبصير فِي أصُول الدّين وابتدأ بِكِتَاب الْبَسِيط فَخرج كتاب الطَّهَارَة نَحْو ألف وَخمْس ماية ورقة وَقَالَ الْخَطِيب عَاشَ خمْسا وَثَمَانِينَ سنة ورثاه أَبُو بكر بن دُرَيْد بقصيدة أَولهَا
(لن تَسْتَطِيع لأمر الله تعقيبا ... فاستنجد الصَّبْر أَو فَاتبع الخوبا)
ورثاه أَبُو سعيد ابْن الْأَعرَابِي بِأَبْيَات مِنْهَا
(قَامَ ناعي الْعُلُوم اجْمَعْ لما ... قَامَ ناعي مُحَمَّد بن جرير)
وَلما قدم من طبرستان إِلَى بَغْدَاد تعصب عَلَيْهِ أَبُو عبد الله ابْن الْجَصَّاص وجعفر ابْن عَرَفَة والبياضى وقصده الْحَنَابِلَة فَسَأَلُوهُ عَن أَحْمد بن حَنْبَل يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع وَعَن حَدِيث الْجُلُوس على الْعَرْش فَقَالَ أَبُو جَعْفَر أما أَحْمد بن حَنْبَل فَلَا يعد خلَافَة فَقَالُوا لَهُ فقد ذكره الْعلمَاء فِي الِاخْتِلَاف فَقَالَ مَا رَأَيْته روى عَنهُ وَلَا رَأَيْت لَهُ أصحابا يعول عَلَيْهِم وَأما حَدِيث الْجُلُوس على الْعَرْش فمحال ثمَّ أنْشد
(سُبْحَانَ من لَيْسَ لَهُ أنيس ... وَلَا لَهُ فِي عَرْشه جليس)(2/213)
فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك وَثبُوا ورموه بمحابرم وَقد كَانَت الوفا فَقَامَ بِنَفسِهِ وَدخل دَاره فردموا دَاره بِالْحِجَارَةِ حَتَّى صَار على بَابه كَالتَّلِّ الْعَظِيم وَركب نازوك صَاحب الشرطة فِي عشرات أُلُوف من الْجند يمْنَع عَنهُ الْعَامَّة ووقف على بَابه إِلَى اللَّيْل وَأمر بِرَفْع الْحِجَارَة عَنهُ وَكَانَ قد كتب على بَابه الْبَيْت الْمُتَقَدّم فَأمر نازوك بمحو ذَلِك وَكتب مَكَانَهُ بعض أَصْحَاب الحَدِيث
(لِأَحْمَد منزل لَا شكّ عَال ... إِذا وافى إِلَى الرَّحْمَن وَافد)
(فيدنيه ويقعده كَرِيمًا ... على رغم لَهُم فِي أنف حَاسِد)
(على عرش يغلفه بِطيب ... على الأكبار يَا بَاغ وعاند)
(إِلَّا هَذَا الْمقَام يكون حَقًا ... كَذَاك رَوَاهُ لَيْث عَن مُجَاهِد)
فَخَلا فِي دَاره وَعمل كتاب الْمَشْهُور فِي الِاعْتِذَار إِلَيْهِم وَذكر مذْهبه واعتقاده وجرح من ظن فِيهِ غير ذَلِك وَقَرَأَ الْكتاب عَلَيْهِم وَفضل أَحْمد بن حَنْبَل وَذكر مذْهبه وتصويب اعْتِقَاده وَلم)
يخرج كِتَابه فِي الِاخْتِلَاف حَتَّى مَاتَ فوجدوه مَدْفُونا فِي التُّرَاب فأخرجوه ونسخوه(2/214)
3 - (ابْن جَعْفَر)
مُحَمَّد بن جَعْفَر بن آبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم كَانَ مَعَ أَخِيه مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق فَلَمَّا هزم ابْن أبي بكر اختفى فَدلَّ عَلَيْهِ رجل من عك ثمَّ من غافق فلحق بفلسطين فلجأ إِلَى رجل من أَخْوَاله خثعم فَأرْسل معوية إِلَيْهِ أَن يُوَجه بِهِ إِلَيْهِ فَمَنعه فَقَالَ مُحَمَّد
(لَو لم تلدني الخثعمية لم يكن ... لصهري جد فِي قُرَيْش وَلَا ذكر)
(لعمري للحيان عك وغافق ... أذلّ لوطئ النَّاس من خشب الجسر)
(أجرتم فَلَمَّا أَن أجرتم غدرتم ... وَلنْ تَجِد العكى إِلَّا على غدر)
مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبيد الله بن الْعَبَّاس كَانَ صَاحب مُرُوءَة وَفضل متصديا لقَضَاء حوايج النَّاس جوادا عَاقِلا سَمحا وَكَانَت لَهُ من الْمَنْصُور منزلَة ويعجب بِهِ ويلتذ بمحادثته وَكَانَ مكانته من الْمَنْصُور يفزع النَّاس إِلَيْهِ بحوايجهم فَلَمَّا افرط فِي ذَلِك حجبه الْمَنْصُور عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ اشتاق إِلَى محادثته فَقَالَ يَا ربيع أَن جَمِيع اللَّذَّات عِنْدِي قد اخلقن إِلَّا محادثة مُحَمَّد ومؤانسته وَقد كدرها عَليّ بِمَا يحملني من حوايج النَّاس فاحتل عَلَيْهِ لَعَلَّه يقصر من ذَلِك فجَاء الرّبيع إِلَى مُحَمَّد وعاتبه واتفقا على أَنه لَا يحمل لأحد قصَّته فَلَمَّا غَدا إِلَى الْمَنْصُور بلغ النَّاس خَبره فَوقف لَهُ أَرْبَاب الحوايج على الطّرق وبايديهم الرّقاع فَاعْتَذر إِلَيْهِم فالحوا عَلَيْهِ فَقَالَ لست اكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي حَاجَة فَإِن أَحْبَبْتُم أَن تودعوا رقاعكم كمى فافعلوا فقذفوا بالرقاع فِي كمه وَدخل على الْمَنْصُور وَهُوَ فِي الْقبَّة فَعَاتَبَهُ وتحادثا سَاعَة وَكَانَ الْمَنْصُور يشرف على دجلة والفرات والبساتين والمزارع فَقَالَ لَهُ مَا ترى مَا أحسن مشترفنا فَقَالَ مُحَمَّد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا بنت الْعَرَب والعجم فِي الْإِسْلَام وَالْكفْر مَدِينَة احسن مِنْهَا وَلَا أحصن وَلَا اجْمَعْ لخصال الْخَيْر لَكِن لَيْسَ لي فِيهَا ضَيْعَة فَقَالَ اقطعتك ثلث ضيَاع فِي اكنافها فاغد على أَمِير الْمُؤمنِينَ ليسجل لَك بهَا فَبينا هُوَ يحادثه إِذْ بَدَت الرّقاع من كمه فَضَحِك الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ مَا هَذِه فاخبره الْخَبَر فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور أَبيت يَا ابْن معلم الْخَيْر إِلَّا كرماً ثمَّ أمره فنثرها بَين يَدَيْهِ فَوَقع عَلَيْهَا وَقضى حوايج أَرْبَابهَا وتمثل بقول الشَّاعِر(2/215)
(لسنا وَإِن احسابنا كرمت ... يَوْمًا على الإحساب نَتَّكِل)
(نبنى كَمَا كَانَت أوايلنا ... تبنى وَتفعل مثل مَا فعلوا)
)
توفّي مُحَمَّد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وماية
الْمُنْتَصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد بن جَعْفَر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُنْتَصر بِاللَّه أَبُو جَعْفَر وَقيل أَبُو الْعَبَّاس وَغير ذَلِك ابْن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور أمه أم ولد رُومِية اسْمهَا حبشية كَانَ أعين أقنى اسمر مليح الْوَجْه مضبرا جسيما كَبِير الْبَطن مليحا مهيبا لما قتل أَبوهُ المتَوَكل دخل عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي فَقيل لَهُ بَايع أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ وَأَيْنَ المتَوَكل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ قَتله الْفَتْح بن خاقَان فَقَالَ وَمَا فعل بِالْفَتْح قَالَ قَتله بغا قَالَ فَأَنت ولى الدَّم وَصَاحب الثار بَايعه فَبَايعهُ وَبَايَعَهُ الْوَزير والكبار ثمَّ أَنه نفى عَمه عليا من سر من رأى إِلَى بَغْدَاد ووكل بِهِ وَكَانَ الْمُنْتَصر قد عمل على قتل أَبِيه مَعَ مماليكه بغا وباغر وَكَانَ الْمُنْتَصر وافر الْعقل رَاغِبًا فِي الْخَيْر قَلِيل الظُّلم محسنا إِلَى العلوينن وَكَانَ يَقُول يابغا أَيْن أبي من قتل أبي ويسب الأتراك وَيَقُول هَؤُلَاءِ قتلة الْخُلَفَاء فتحيلوا إِلَى أَن دسوا لطبيبه ابْن طيفور ثلثين ألف دِينَار عِنْد مَرضه فَأَشَارَ بفصده وصده بريشه مَسْمُومَة فَمَاتَ وَقيل أَن ابْن طيفور نسى وَقَالَ لغلامه ففصده بِتِلْكَ الريشة فَمَاتَ أَيْضا وَقيل مَاتَ بالخوانيق وَقيل سم فِي كمثراة بابرة وَقَالَ عِنْد فِرَاقه يَا أُمَّاهُ ذهبت مني الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عاجلت أبي فعوجلت فَلم يمتع بالخلافة لِأَنَّهُ ولى بعد عيد الْفطر وَمَات فِي خَامِس شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وماتين وعاش سِتا وَعشْرين سنة أَوْلَاده عبد الْوَهَّاب وَعبد الله وَأحمد لأمهات أَوْلَاد وزيره أَحْمد بن الخصيب من أهل جرجرايا وَكَانَ كَاتبه أَيَّام إمارته وَكَانَ جَاهِلا أَحمَق قاضيه جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد اجبه وصيف وبغا دفع إِلَى أَحْمد بن الخصيب مَالا جزيلا وَقَالَ فرقه فِي العلويين فقد نالهم جفوة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سَوف افْعَل فَقَالَ إِذا تسعد عِنْد الله وَعِنْدِي فَإِنِّي مَا وليتك الوزارة إِلَّا لتخلفني فيهم وتتفقد أَحْوَالهم وتقضى حوايجهم فَقَالَ يزِيد بن المهلبي
(وَلَقَد بررت الطالبية بَعْدَمَا ... ذموا زَمَانا بعدهمْ وزمانا)
(ووردت الفة هَاشم فرأيتهم ... بعد الْعَدَاوَة بَينهم أخوانا)
(لويعلم الإسلاف كَيفَ بررتهم ... لرأوك اثقل مُهِمّ ميزانا)
وَلما قَالَ لامه عِنْد فِرَاق الدُّنْيَا يَا أُمَّاهُ عاجلت أبي فعوجلت أنْشد
(فَمَا متعت نَفسِي بدنيا اصبتها ... وَلَكِن إِلَى الرب الْكَرِيم اصير)
)
(وَمَا كَانَ مَا قَدمته أى فلتة ... وَلَكِن بفتياها أَشَارَ مشير)
وَمن شعر الْمُنْتَصر أوردهُ المرزباني(2/216)
(من ترفع الْأَيَّام من قد وَضعته ... وينقاد لي دهر على جموح)
(اعلل نَفسِي بالرجاء وانثى ... لاغدو على مَا سَاءَنِي واروح)
وَله أَظُنهُ فِيمَا نسب إِلَيْهِ من قتل أَبِيه
(لم يعلم النَّاس الَّذِي نالني ... فَلَيْسَ لي عِنْدهم عذر)
(كَانَ إِلَى الْأَمر فِي ظَاهر ... وَلَيْسَ لي فِي بَاطِن أَمر)
قَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمرْآة أَرَادَ المتَوَكل أَن ينْقل الْعَهْد من ابْنه الْمُنْتَصر لِابْنِهِ المعتز لمحبته لامه وسام الْمُنْتَصر أَن ينزل عَن ولَايَة الْعَهْد فَأبى وَكَانَ يحضرهُ مجالسه الْعَامَّة ويتهدده بِالْقَتْلِ فاحضره لَيْلَة وَشَتمه شتما قبيحا وَقَالَ أَنْت المنتظر لموتس وَشتم أمه فَقَامَ الْمُنْتَصر وَقَالَ وَالله لَو أَنَّهَا أمة لبَعض سواسك لمنعت من ذكرهَا ولوجب عَلَيْك صيانتها فَغَضب المتَوَكل وَقَالَ لِلْفَتْحِ بن خاقَان بَرِئت من قَرَابَتي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن لم تلطمه لاقتلنك فَقَامَ الْفَتْح ولطمه وَقَالَ المتَوَكل اشْهَدُوا على أَنِّي قد خلعته من الْخلَافَة فَبَقيت هَذِه الْأَشْيَاء فِي قلبه وَمن كَلَام الْمُنْتَصر بِاللَّه وَالله مَا عز ذُو بَاطِل وَلَو طلع من جَبينه الْقَمَر ولاذل ذُو حق وَلَو اصفق الْعَالم عَلَيْهِ والمنتصر هَذَا اعرق النَّاس فِي الْخلَافَة لِأَنَّهُ ابْن المتَوَكل ابْن المعتصم ابْن الرشيد ابْن الْمهْدي ابْن الْمَنْصُور وَمن العجايب شيرويه وَهُوَ اعرق الْمُلُوك قتل أَبَاهُ فَلم يَعش بعده إِلَّا سِتَّة أشهر والمنتصر كَذَلِك
ابْن جَعْفَر الصَّادِق مُحَمَّد بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر لقب الديباج لقب بذلك لحسن وَجهه خرج بِمَكَّة أوايل دولة الْمَأْمُون ودعا لنَفسِهِ فبايلعوه فندب عسكرا لقتاله فَأَخَذُوهُ وَقدم صُحْبَة المعتصم إِلَى بَغْدَاد وَكَانَ بطلا شجاعا عَاقِلا يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا قيل أَنه دخل الْحمام بعد مَا جَامع وافصد فِي يَوْم وَاحِد فَمَاتَ فجاءة بجرجان فصلى عَلَيْهِ الْمَأْمُون وَنزل فِي لحده وَكَانَت الْوَفَاة سنة أَربع وماتين وَقيل سنة ثلث وَهُوَ الصَّحِيح وَلما رأى الْمَأْمُون جنَازَته ترجل وَحمل نعشه
الْقَارئ الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن فضَالة الْبَغْدَادِيّ أَبُو بكر الأدمِيّ الْقَارئ الشَّاهِد صَاحب الألحان وَالصَّوْت الطّيب خلط قبل مَوته فِيمَا قيل توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَثلث)
ماية
المعتز بِاللَّه مُحَمَّد بن جَعْفَر وَيُقَال الزبير وَيُقَال أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتز بِاللَّه ابْن(2/217)
أَمِير الْمُؤمنِينَ جَعْفَر المتَوَكل ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتصم ولد سنة اثْنَتَيْنِ وثلثين وماتين وَلم يل الْخلَافَة قبله أحد أَصْغَر مِنْهُ بُويِعَ عِنْد عزل المستعين بِاللَّه سنة اثْنَتَيْنِ وَهُوَ ابْن تسع عشرَة سنة فِي أول السّنة وَكتب بذلك إِلَى الْآفَاق فَلم يلبث الْمُؤَيد أَن مَاتَ وخشى المعتز أَن يتحدث أَنه الَّذِي اختال عَلَيْهِ وَقَتله فَاحْضُرْ الْقُضَاة حَتَّى شاهدوه وَلَيْسَ بِهِ أثر وَكَانَت خِلَافَته ثلث سِنِين وَسِتَّة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَمَات عَن أَربع وَعشْرين سنة وَكَانَ مستضعفاً مَعَ الاتراك اجْتمع إِلَيْهِ الأتراك وَقَالُوا لَهُ اعطنا أرزاقنا لنقتل صَالح بن وصيف وَكَانَ يخافه فَطلب من أمه مَالا لنفقة الأتراك فابت وَلم يكن فِي بيُوت الْأَمْوَال شىء فَاجْتمعُوا هم وَصَالح وَاتَّفَقُوا على خلعه وجروه بِرجلِهِ وضربوه بالدبابيس وأقاموه فِي الشَّمْس فِي يَوْم صايف فبقى يرفع قدماً وَيَضَع أُخْرَى وهم يلطمون وَجهه وَيَقُولُونَ اخلع نَفسك ثمَّ احضروا القَاضِي ابْن أبي الشَّوَارِب وَالشُّهُود وخلعوه ثمَّ احضروا مُحَمَّد بن الواثق من سر من رأى فَسلم عَلَيْهِ المعتز بالخلافة وَبَايَعَهُ ولقبوه الْمُهْتَدي ثمَّ أَنهم اخذوا المعتز بعد خَمْسَة أَيَّام وادخلوه الْحمام فَلَمَّا تغسل عَطش وَطلب مَاء فمنعوه من ذَلِك حَتَّى هلك عطشا فَلَمَّا اغمى عَلَيْهِ أَخْرجُوهُ وسقوه مَاء بثلج فشربه وَسقط مَيتا وَقَالَ ابْن الجوزى فِي الْمرْآة لما واقفه الأتراك فِي الشَّمْس طلب نعلا فَلم يعطوه فاسبل سراويله على رجلَيْهِ وَقيل أَنهم نزعوا أَصَابِع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ ثمَّ خنقوه قيل ادخُلُوا سردابا مُخَصّصا بجص جَدِيد فاختنق وَلم يعذب خَليفَة مَا عذب على صغر سنه وَتُوفِّي يَوْم السبت لست خلون من شعْبَان وَقيل لليلتين وَقيل فِي الْيَوْم الثَّانِي من رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وماتين وَدفن إِلَى جَانب أَخِيه فِي نَاحيَة قصر الصوامع وَكَانَ أَبيض جميل الْوَجْه على خَدّه الْأَيْسَر خَال أسود وَصلى عَلَيْهِ الْمُهْتَدي وَأمه رُومِية أم ولد وَنقش خَاتمه المعتز بِاللَّه وَهُوَ ثَالِث خَليفَة خلع من بني الْعَبَّاس ورابع خَليفَة قتل مِنْهُم وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد جمَاعَة لم يشْتَهر مِنْهُم إِلَّا عبد الله ووزر لَهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد الإسكافي ثمَّ عَزله وَولى عِيسَى بن فرخان شاه ثمَّ أَحْمد بن إِسْرَائِيل وقاضيه الْحسن بن أبي الشَّوَارِب وَقَالَ البحتري كنت صاحبا لأبي معشر المنجم فاضقنا أضاقة شَدِيدَة فَدَخَلْنَا على المعتز وَهُوَ مَحْبُوس قبل أَن يَلِي الْخلَافَة فَأَنْشَدته أبياتا كنت قلتهَا)
(جعلت فدَاك الدَّهْر لَيْسَ بمنفك ... من الْحَادِث المشكو أَو النَّازِل المشكي)
(وَمَا هَذِه الْأَيَّام إِلَّا منَازِل ... فَمن منزل رحب إِلَى منزل ضنك)
(وَقد هذبتك الحادثات وَإِنَّمَا ... صفا الذَّهَب إِلَّا بريز قبلك بالسبك)
(أما فِي رَسُول الله يُوسُف أُسْوَة ... لمثلك مَحْبُوسًا على الظُّلم والإفك)
(أَقَامَ جميل الصَّبْر فِي الْحَبْس بُرْهَة ... فآل بِهِ الصَّبْر الْجَمِيل إِلَى الْملك)(2/218)
فَدفع الورقة إِلَى خَادِم على رَأسه وَقَالَ احتفظ بهَا فَإِن فرج الله ذَكرنِي لاقضى حق هَذَا الرجل وَكَانَ أَبُو معشر قد أَخذ مولده فَحكم لَهُ بالخلافة بِمُقْتَضى طالع الْوَقْت فَنَاوَلَهُ رقْعَة فِيهَا ذَلِك فَلَمَّا ولى الْخلَافَة اعطى كل وَاحِد منا ألف دِينَار أجْرى لَهُ فِي كل شهر ماية دِينَار وَقَالَ الزبير بن بكار دخلت على المعتز فَقَالَ لي يأبا عبد الله قد قلت أبياتا فِي مرضى هَذَا وَقد اعي على إجَازَة بَعْضهَا وأنشدني
(أَنِّي عرفت علاج الْقلب من وجعي ... وَمَا عرفت علاج الْحبّ والهلع)
(جزعت للحب والخمى صبرت لَهَا ... فَلَيْسَ يشغلني عَن حبكم وجعي)
قَالَ الزبير فَقلت
(وَمَا أمل مبيتي لَيْلَتي أبدا ... مَعَ الحبيب وَيَا لَيْت الحبيب معي)
وَمن شعره فِي يُونُس بن بغا
(شَوَّال شهر السرُور وَالسكر ... وَالصَّوْم شهر العناق وَالنَّظَر)
(قد كنت للشُّرْب عَاشِقًا سحرًا ... فاليوم يَا ويلنا من السحر)
(من كَانَ فِيمَا يحب معتذرا ... فلست فِي يُونُس بمعتذر)
وَمن شعره فِيهِ أَيْضا
(تعيب فَلَا افرح ... فليتك لَا تَبْرَح)
(وَأَن جِئْت عذبتني ... لِأَنَّك لَا تسمح)
(على ذَاك يَا سَيِّدي ... دنوك لي اصلح)
وَكَانَ المعتز من أجمل النَّاس صُورَة وَكَذَلِكَ نديمه يُونُس بن بغا وللمعتز ذكر فِي تَرْجَمَة يَعْقُوب بن اسحق ابْن السّكيت وَقَالَ لما بُويِعَ لَهُ بالخلافة
(تفرد لي الرَّحْمَن بالعز والتقى ... فَأَصْبَحت فَوق الْعَالمين أَمِيرا)
)
وَمن شعره أَيْضا
(الله يعلم يَا حَبِيبِي أنني ... مذ غبت عَنْك مدله مكروب)
(يدنو السرُور إِذا دنا بك منزل ... ويغيب صفو الْعَيْش حِين تغيب)
الْأَمِير الْمُوفق مُحَمَّد بن جَعْفَر قيل طَلْحَة الْأَمِير الْمُوفق أَبُو أَحْمد ابْن المتَوَكل قيل اسْمه طَلْحَة كَانَ ولي عهد الْمُؤمنِينَ وَهُوَ الد المعتضد بِاللَّه وَأمه أم ولد ولد سنة تسع وَعشْرين وماتين وَكَانَ من أجل الْمُلُوك رَأيا أشجعهم قلباً واسمحهم نفسا واغزرهم عقلا وأجودهم رَأيا وَكَانَ محببا إِلَى النَّاس قد استولى على الْأُمُور وانقادت لَهُ الجيوش وَحَارب صَاحب(2/219)
الزنج وظفر بِهِ وَقَتله وَكَانَ يلقب النَّاصِر لدين الله وَلما غلب على الْأَمر حظر على الْمُعْتَمد أَخِيه واحتاط عَلَيْهِ وعَلى وَلَده وجمعهم فِي مَوضِع وَاحِد ووكل بهم أجْرى عَلَيْهِم وعَلى النَّاس الْأُمُور على مجاريها إِلَى أَن توفّي لثمان بَقينَ من صفر سنة ثَمَان وَسبعين وماتين وَله تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَكَانُوا ينظرونه بالمنصور فِي حزمه ودهايه ورأيه وَكَانَ قد غضب على وَلَده المعتضد وحبسه ووكل بِهِ اسمعيل ابْن بلبل فضيق عَلَيْهِ وَلما احْتضرَ رضى عَنهُ وولاه الْمُعْتَمد ولَايَة الْعَهْد وَلما ضيق الْمُوفق على أَخِيه الْمُعْتَمد وَلم يكن لَهُ مَعَه كَلَام قَالَ الْمُعْتَمد
(أَلَيْسَ من العجايب أَن مثلي ... يرى ماهان مُمْتَنعا عَلَيْهِ)
(وتؤكل باسمه الدُّنْيَا جَمِيعًا ... وَمَا من ذَاك شىء فِي يَدَيْهِ)
ابْن المتَوَكل مُحَمَّد بن جَعْفَر كَانَ فَاضلا شَاعِرًا وَهُوَ القايل لما أَرَادَ أَخُوهُ الْمُعْتَمد الْخُرُوج إِلَى الشَّام وَالدُّنْيَا مضطربة
(أَقُول لَهُ عِنْد توديعه ... وكل بعبرته مبلس)
(لَئِن قعدت عَنْك أجسامنا ... لقد سَافَرت مَعَك الْأَنْفس)
بلغ المعتضد أَنه كَاتب خمارويه فاهلكه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وماتين وَقيل إِنَّمَا أهلكه لما ولى الْخلَافَة سنة تسع وَسبعين وماتين
الْعلوِي الشَّاعِر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا يكنى أَبَا اسمعيل اشعر يكثر الافتخار بآياته كَانَ فِي أَيَّام المتَوَكل وبقى بعد دهرا طَويلا وَهُوَ القايل
(أَنِّي كريم من أكارم سادة ... اكفهم تندى بجزل الْمَوَاهِب)
)
(هم خير من يخفى وافضل ناعل ... وذروة هضب الغر من آل غَالب)
(هم الْمَنّ والسلوى لدان يودهم ... وكالسهم فِي حلق الْعَدو المجانب)
(بعثت إِلَيْهَا ناظري بِتَحِيَّة ... فابدت لي الْأَعْرَاض بِالنّظرِ الشرر)
(فَلَمَّا رَأَيْت النَّفس أوفت على الردى ... فزعت إِلَى صبري فاسلمني صبري)
أَبُو جَعْفَر الخازمي الشَّافِعِي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن خازم أَبُو جَعْفَر(2/220)
الخازمي الاستراباذي كَانَ أحد أيمة الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة قَالَ ابْن النجار ذكره أَبُو سعد الأدريسي حكى أَنه أملي شرح كتاب الْمُزنِيّ باستراباذ عَن ظهر قلب يرْوى عَن أبي عبد الله بن أبي بكر بن أبي خَيْثَمَة وَأبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأبي عمرَان بن هَانِئ الْجِرْجَانِيّ وَغَيرهم وَحدث عَنهُ على بن مُحَمَّد بن مُوسَى الاستراباذي وَعقد لَهُ بِبَغْدَاد الْمجْلس قبل أَن يعْقد لأبي اسحق المروزى توفّي سنة أَربع وَعشْرين وَثلث ماية
الخرايطي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن أبي سهل أَبُو بكر الخرايطي السامري كَانَ حسن الِاخْتِيَار مليح التصانيف كَانَ من الْأَعْيَان اجْمَعُوا على ثقته وفضله صنف مَكَارِم الْأَخْلَاق وَغَيره قدم دمشق سنة خمس وَعشْرين وَثلث ماية دخل يَوْمًا دَاره فَسمع بكاء ولد لَهُ رَضِيع فَقَالَ مَا لَهُ فَقَالُوا فطمناه فَكتب على مهده
(منعُوهُ أحب شىء إِلَيْهِ ... من جَمِيع الورى وَمن وَالِديهِ)
(منعُوهُ غذاءه وَلَقَد كَا ... ن مُبَاحا لَهُ وَبَين يَدَيْهِ)
(عجبا مِنْهُ ذَا على صغر الس ... ن هوى فاهتدى الْفِرَاق إِلَيْهِ)
وَكتب على قبر أَبِيه
(آنس الله وحشتك ... رحم الله وحدتك)
(أَنْت فِي صُحْبَة البلى ... أحسن الله صحبتك)
وَمن تصانيفه اعتلال الْقُلُوب فِي أَخْبَار العشاق وَمَكَارِم الْأَخْلَاق ومساوى الْأَخْلَاق وقمع الْحِرْص بالقناعة هواتف الْجنان وَعَجِيب مَا يحْكى عَن الْكُهَّان كتاب الْقُبُور
الهروى اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الْأُسْتَاذ أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ الهروى اللّغَوِيّ الأديب أَخذ الْعَرَبيَّة عَن ثَعْلَب والمبرد وَله عدَّة مصنفات مِنْهَا كتاب نظم الجمان والملتقط والفاخر والشامل روى عَنهُ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي فَأكْثر مَلأ التَّهْذِيب بالرواية عَنهُ وَتُوفِّي سنة تسع)
وَعشْرين وَثلث ماية
الراضي بِاللَّه مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد الراضي بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن المقتدر بن المعتضد كَذَا قَالَه صَاحب الْمرْآة وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أَحْمد بن جَعْفَر وَالظَّاهِر أَن الأول(2/221)
أصح كَانَ سَمحا وَاسع النَّفس أديبا شَاعِرًا حسن الْبَيَان كريم الْأَخْلَاق محبا للْعُلَمَاء مجالسا لَهُم سمع من الْبَغَوِيّ قبل الْخلَافَة وَوَصله بِمَال قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره ختم الْخُلَفَاء فِي أُمُور عدَّة مِنْهَا أَنه آخر خَليفَة لَهُ شعر مدون وَآخر خَليفَة انْفَرد بتدبير الجيوش وَالْأَمْوَال وَآخر خَليفَة جَالس الندماء وأوصلهم إِلَيْهِ وَآخر خَليفَة كَانَت عطاياه ونفقاته وجوايزه وخزاينه ومجالسه تجْرِي على تَرْتِيب الْخُلَفَاء الأول وَقع حريق بالكرخ فاطلق خمسين ألف دِينَار لعمارة مَا احْتَرَقَ قَالَ الصولي دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يبْنى شَيْئا وَقد جَالس عل آجرة حِيَال الصناع وَكنت أَنا وَجَمَاعَة من الجلساء فَنَامَ فَأمرنَا بِالْجُلُوسِ فَأخذ كل وَاحِد منا آجرة فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَاتفقَ أَن أخذت أَنا آجرتين ملتصقتين فَلَمَّا قمنا أَمر أَن توزن كل آجرة وَيدْفَع إِلَى صَاحبهَا دَرَاهِم أَو دَنَانِير الشَّك من الراوى قَالَ الصولي فتضاعفت جايزتي عَلَيْهِم وَقد حكى لَهُ أَنْوَاع من الْكَرم وَكَانَ مغرى بِنَقْض قُصُور دور الْخلَافَة وَجعلهَا بساتين وَقَالَ وَقد تكلم النَّاس فِي أنفاقه الْأَمْوَال
(لَا تعذلي كرمي على الأسراف ... ربح المحامد متجر الْأَشْرَاف)
(أجْرى كآبائي الخلايف سَابِقًا ... واشيد مَا قد اسست أسلافي)
(أَنِّي من الْقَوْم الَّذين اكفهم ... مُعْتَادَة الاتلاف والأخلاف)
وَقَالَ
(يصفر وَجْهي إِذا تَأمله ... طرفى ويحمر خَدّه خجلا)
(حَتَّى كَأَن الَّذِي بوجنته ... من دم جسمي إِلَيْهِ قد نقلا)
وَقَالَ يُخَاطب ابْن رايق
(ايطلب كيدي من يهون كياده ... ويوقد نَارا مثل نَار الحباحب)
(لقد رام صبغا لم يرمه شبيهه ... وراض شموساً لَا يذل لراكب)
(واظهر لي حبا يطِيف بِهِ قلى ... كخلب برق فِي عراص سحايب)
(أيقعد لي كيد النِّسَاء بِمَرْصَد ... وَأَنِّي فَتى السن شيخ التجارب)
)
(أَلا رُبمَا عزت على الحازم الَّذِي ... يَرَاهَا بكفيه فريسة طَالب)
وَقَالَ أَيْضا
(قد افصحت بالوتر الْأَعْجَم ... وافهمت من كَانَ لم يفهم)
(جَارِيَة تحصن من لطفها ... مُخَاطبا ينْطق لَا من فَم)
(جست من الْعود مجارى الْهوى ... جس الْأَطِبَّاء مجارى الدَّم)
وَقَالَ عِنْد مَوته
(كل صفو إِلَى كدر ... كل أَمر إِلَى حذر)(2/222)
(ومصير الشَّبَاب لل ... موت فِيهِ أَو الْكبر)
(أَيهَا الآمل الَّذِي ... تاه فِي لجة الْغرَر)
(أَيْن من كل قبلنَا ... درس الشَّخْص والأثر)
(رب أَنِّي ذخرت عَن ... دك أرجوه مدخر)
(أنني مُؤمن بِمَا ... بَين الوحى فِي السّير)
مرض وقاء فِي يَوْمَيْنِ أَرْبَعَة عشر رَطْل دم وَقيل أَنه استسقى وأصابه ذرب عَظِيم وَكَانَ اعظم آفاته كَثْرَة الْجِمَاع توفّي بِبَغْدَاد منتصف شهر ربيع الآخر سنة تسع وَعشْرين وَثلث ماية وَهُوَ ابْن أحدى وثلثين سنة وَسِتَّة أشهر وَكَانَت خِلَافَته سِتّ سِنِين وَعشرَة أَيَّام وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي يُوسُف بن عَمْرو وغسله أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الله الْهَاشِمِي القَاضِي وَلم يُوجد لَهُ حنوط لِأَن الخزاين اغلقت عِنْد مَوته فاشتروا لَهُ حنوطا من بعض الدكاكين وَحمل إِلَى الرصافة فِي طيار وَدفن فِي تربة عَظِيمَة لَهُ أنْفق عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ درست الْآن وَلم يبْق لَهَا عين وَلَا أثر ولد سنة سبع وَتِسْعين وماتين وَأمه أمة رُومِية وَكَانَ قَصِيرا اسمر نحيفا فِي وَجهه طول بُويِعَ بِالْأَمر بعد عَمه القاهر لما سملوا القاهر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثلث ماية وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد أَحْمد وَعبد الله ووزر لَهُ أَبُو على ابْن مقلة وعَلى بن عِيسَى وَأَخُوهُ عبد الرَّحْمَن وَأَبُو جَعْفَر الكرخى وَسليمَان بن مخلد وَالْفضل بن الْفُرَات وَأَبُو عبد الله البريدي
الْوَركَانِي مُحَمَّد بن جَعْفَر الْوَركَانِي روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وعباس الدورى وَكتب عَنهُ أَحْمد وَابْن معِين ووثقاه توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وماتين)
ابْن ثوابة الْكَاتِب مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن ثوابة بن خَالِد أَبُو الْحسن ابْن أبي الْحُسَيْن الْكَاتِب صَاحب ديوَان الرسايل كَانَ من البلغاء الْفُضَلَاء وَالْكتاب الأجلاء توفّي سنة سِتّ عشرَة وَثلث ماية وَمن شعره
(نور تجسم من شمس وَمن قمر ... يكَاد من هيف ينْقد كالغصن)
(زهى على النَّاس لما لم يجد شبها ... لنَفسِهِ فِي كَمَال الظّرْف وَالْحسن)
(مددت طرفِي إِلَيْهِ كي ينزهني ... فَعَاد طرفِي بداء متْلف بدني)(2/223)
وَمِنْه أَيْضا
(أفر من الْأَهْوَاء جهدي وطاقتي ... فانجو وَمَا لي عَن هَوَاك محيص)
(واهجر أبياتاً تحب زيارتي ... وَأَنِّي على أبياتكم لحريص)
أَبُو الْخطاب الربعِي النيلي مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو الْخطاب الربعِي النيلي أحد الشُّعَرَاء قَالَ ابْن النجار قدم علينا بَغْدَاد شَابًّا ومدح الْأَمَام النَّاصِر وأكابر دولته وَاجْتمعت بِهِ مرَارًا وَسمعت مِنْهُ وَكَانَ أديباً فَاضلا حسن الْأَخْلَاق متودداً وسافر إِلَى بِلَاد الجزيرة وَأقَام بآمد ومدح السلاطين وأثرت حَاله وشعره جيد وغزله رَقِيق وأسلوبه حسن وَمن شعره
(تعلم رمى النبل من سحر طرفه ... فَصَاحب يَوْم الرمى قوساً واسهما)
(وصير قلبِي فِي الْهوى غَرضا لَهُ ... واجرى على سهميه من كَبِدِي دَمًا)
(أصَاب بِسَهْم اللحظ والكف مقتلي ... وجرحني هجرانه بعد مَا رمى)
(إِذا الشّفة الْحَمْرَاء عض لرميه ... يرصع فِي الْيَاقُوت درا منظما)
قَالَ وأنشدني أَبُو الْخطاب لنَفسِهِ
(شَكَوْت الَّذِي بِي من حبه ... وقلبي من هَيْبَة قد خَفق)
(فَقلت أمولاي عطفا فقد ... ارقت دموعي بطول الارق)
(فاعرض فِي اللاذ لَا مُشفق ... على كشمس علاها شفق)
(وحبة قلبِي تنادي الْحَرِيق ... وإنسان عَيْني يَصِيح الْغَرق)
قلت هُوَ شعر متوسط
الجربي الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو عبد الله الجربي بِالْجِيم وَبعدهَا رَاء وباء مُوَحدَة الْمُقْرِئ ذكره أَبُو بكر أَحْمد بن الْفضل الْبَاطِرْقَانِيُّ فِي طَبَقَات الْقُرَّاء قَالَ هُوَ بغدادي قَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو)
حَفْص الكتاني وَقَرَأَ على أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ الْبَزَّاز صَاحب ابْن عون الوَاسِطِيّ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر على أبي عون عَن شُعَيْب بن أَيُّوب عَن يحيى عَن أبي بكر وَمُحَمّد بن عَليّ مَجْهُول قَالَ ابْن النجار لَا أعرف لَهُ ذكرا
برمه الصيدلاني مُحَمَّد بن جَعْفَر الصيدلاني كَانَ صهر أبي الْعَبَّاس الْمبرد على ابْنَته ويلقبه برمه وَكَانَ أديباً شَاعِرًا روى عَن أبي هفان الشَّاعِر أَخْبَارًا وَحدث عَنهُ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ وَأنْشد الْخَطِيب لَهُ
(أما ترى الرَّوْض قد لاحت زخارفه ... ونشرت فِي رباه الريط وَالْحلَل)(2/224)
(واعتم بالارجوان النبت مِنْهُ فَمَا ... يَبْدُو لنا مِنْهُ إِلَّا مونق خصل)
(والنرجس الغض ترنو من محاجره ... إِلَى الورى مقل تحيى بهَا الْمقل)
(تبر جواه لجين فَوق أعمدة ... من الزمرد فِيهَا الزهر مكتهل)
(فعج بِنَا نصطبح يَا صَاح صَافِيَة ... صهباء فِي كأسها من لمعها شعل)
(فقد تجلت لنا عَن حسن بهجتها ... رياض قطربل وَاللَّهْو مُشْتَمل)
الْكَامِل الْآمِدِيّ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن بكرون الْآمِدِيّ الْمَعْرُوف بالكامل أورد لَهُ الْعِمَاد الْكَاتِب فِي الخريدة
(يستعذب الْقلب مِنْهُ مَا يعذبه ... ويستلذ هَوَاهُ وَهُوَ يعطبه)
(مثل الفراشة تدنى جسمها أبدا ... إِلَى ذبالة مِصْبَاح فتلهبه)
أَبُو عمر الزَّاهِد مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَبُو عمر الزَّاهِد الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ حفاظ نيسابور وَغَيرهم وَكَانَ صايما قايما قنوعا يضْرب اللَّبن لقبور الْفُقَرَاء وَيفْطر على رغيف وجزرة وَنَحْوهَا اجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وَثلث ماية بنيسابور عَن خمس وَتِسْعين سنة
الْحَافِظ غنْدر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الْحسن بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء أَبُو بكر الْوراق غنْدر كَانَ حَافِظًا متقنا سمع بنيسابور ومرو وبغداد والجزيرة وَالشَّام ومصر وَالْعراق وَمَا وَرَاء النَّهر وَكتب من الحَدِيث مَا لم يَكْتُبهُ أحد وَسمع مَا لم يسمعهُ استدعى إِلَى بُخَارى لينزل إِلَى الحضرة فَمَاتَ فِي الْمَفَازَة سنة سبعين وَثلث ماية قَالَ الْخَطِيب كَانَ حَافِظًا ثِقَة
زوج الْحرَّة مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد بن جَعْفَر أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ الحريري الْمعدل الْمَعْرُوف بِزَوْج الْحرَّة سمع مُحَمَّد بن جرير وَأَبا الْقسم الْبَغَوِيّ قَالَ البرقاني ثِقَة جليل كَانَ يحضر)
مَجْلِسه الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مظفر وَكَانَت زَوْجَة المقتدر بنت بدر المعتضدي لما قتل زَوجهَا افلتت هِيَ من النكبة وسلمت أموالها وَخرجت من الدَّار وَكَانَ يدْخل إِلَى مبطخها حَدثا وَكَانَ حركاً فَصَارَ وَكيل المطبخ فرأته فاستكاسته فَردَّتْ إِلَيْهِ وكالتها وترقى أمره وَصَارَ ينظر فِي ضياعها وَصَارَت تكَلمه من وَرَاء ستر وَزَاد اخْتِصَاصه حَتَّى علق بقلبها فجسرته على تَزْوِيجهَا وبذلت الْأَمْوَال حَتَّى تمّ ذَلِك واعطته نعْمَة ظَاهِرَة وأموالاً لِئَلَّا يمْنَعهَا أَهلهَا مِنْهُ فَاعْترضَ بعض الْأَوْلِيَاء فغالبتهم بِالْمَالِ وَتَزَوجهَا(2/225)
وَأقَام مَعهَا سِنِين وَحصل لَهُ مِنْهَا محو ثلث ماية ألف دِينَار وَلذَلِك قيل زوج الْحرَّة توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثلث ماية
صَاحب الْمصلى مُحَمَّد بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ أَبُو الْفرج صَاحب الْمصلى سمع من الْهَيْثَم بن خلف وَغَيره ضعفه حَمْزَة السهمى توفّي سنة سِتّ وَسبعين وَثلث ماية
مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ كَانَ يجيد الْغَزل ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَثلث ماية وَسكن دَار الْقطن توفّي سنة ثلث وثلثين وَأَرْبع ماية من شعره
(يَا وَيْح قلبِي من تقلبه ... أبدا يحن إِلَى معذبه)
(قَالُوا كتمت هَوَاهُ عَن جلد ... لَو كَانَ لي جلد لبحت بِهِ)
(بِأبي حبيب غير مكترث ... يجنى وَيكثر من تعتبه)
(حسبي رِضَاهُ من الْحَيَاة وَيَا ... قلقي وموتي من تغضبه)
الْوَزير ابْن فسانجس مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن فسانجس الْوَزير الْكَبِير أَبُو الْفرج ذُو السعادات وزر لأبي كاليجار وعزل سنة خمس وثلثين وَأَرْبع ماية وَحكم على الْعرَاق وَكَانَ ذَا أدب غزير وَمَعْرِفَة باللغات وَكَانَ يحسن إِلَى الْجند عَاشَ سِتِّينَ سنة وَمَات فِي شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبع ماية وَقَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن الهمذاني فِي كتاب الوزراء لَهُ نسب صَحِيح بِفَارِس مَعْرُوف بِأَنَّهُ من ولد بهْرَام جور من ولد سَابُور ذِي الاكتاف وَهُوَ من بَيت جليل كتب إِلَيْهِ أحد شُهُود الأهواز قد مَاتَ فلَان وَخلف خمسين ألف دِينَار عينا وَلم يخلف غير طفلة من جَارِيَة فَإِن رأى استقراض المَال إِلَى أَن تبلغ الطفلة فَفِي عقارها وأملاكها كِفَايَة فَوَقع عل ظهر كِتَابه الطفلة جبرها الله وَالْمَال ثتمره الله والساعي لَعنه الله لَا حَاجَة بالسلطان إِلَى المَال
الْقَزاز اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو عبد الله التَّمِيمِي القيرواني الْمَعْرُوف بالقزاز شيخ اللُّغَة)
بالمغرب كَانَ لغوياً نحوياً بارعاً مهيبا عِنْد الْمُلُوك صنف كتاب الْجَامِع فِي اللُّغَة وَهُوَ كتاب كَبِير يُقَال أَنه مَا صنف مثله وَفِي وقف الْفَاضِل بِالْقَاهِرَةِ نُسْخَة بِهِ والتعريض وَالتَّصْرِيح مُجَلد واعتاب الدريدية مُجَلد مَا أَخذ على المتنبي الضَّاد والظاء وَله أدب السُّلْطَان والتأدب لَهُ عشر مجلدات شرح رِسَالَة البلاغة عدَّة مجدلات أَبْيَات معَان من شعر المتنبي وصنف كتاب العشرات فِي اللُّغَة ذكر اللَّفْظَة ومعانيها المترادفة وَيزِيد فِي بَعْضهَا(2/226)
على الشعرة وَقَالَ فِي آخِره وعقبيها اجهز كتاب المئات كَانَ فِي خدمَة الْعَزِيز بن الْمعز العبيدي توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع ماية وَمن شعره
(أحين علمت أَنَّك نور عَيْني ... وَأَنِّي لَا أرى حَتَّى اراكا)
(جعلت مغيب شخصك عَن عياني ... يغيب كل مَخْلُوق سواكا)
وَمِنْه
(أما وَمحل حبك فِي فُؤَادِي ... وَقدر مَكَانَهُ فِيهِ المكين)
(لَو انبسطت لي الآمال حَتَّى ... يصير من عنانك فِي يمينى)
(لصنتك فِي مَكَان سَواد عَيْني ... وخطت عَلَيْك من حذر جفوني)
(فابلغ مِنْك غايات الْأَمَانِي ... وآمن فِيك آفَات الظنون)
ابْن النجار الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هرون ابْن فَرْوَة أَبُو الْحُسَيْن التَّمِيمِي النَّحْوِيّ الْمُقْرِئ ابْن النجار توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبع ماية
أَبُو الْفضل الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الْكَرِيم بن بديل أَبُو الْفضل الْخُزَاعِيّ الْجِرْجَانِيّ الْمُقْرِئ مُصَنف الْوَاضِح فِي القراآت وضع كتابا فِي الْحُرُوف نسبه إِلَى أبي حنيفَة كَانَ ضَعِيفا غير موثوق بِهِ توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبع ماية
الجهرمي الشَّاعِر مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو الْحسن الجهرمي الشَّاعِر وجهرم قَرْيَة توفّي سنة ثلث وثلثين وَأَرْبع ماية وَمن شعره لغز فِي الْعين
(أَن الَّتِي أردْت فُؤَادِي بَكت ... حزنا عَلَيْهِ وَهُوَ مكسوعها)
(جُمْلَتهَا وَاحِد اجزايها ... طبيعة يعجب مطبوعها)
(فَالْكل إِذْ يقْرَأ بعض لَهَا ... والبغض إِذْ يذكر مجموعها)
(عميتها فِي لحن قولي فَمن ... يُخرجهَا أَن كَانَ يسطيعها)
)
وَمِنْه لغز فِي الزر والعروة
(وناكحة بِلَا منهر حليلاً ... بِهِ يغدى إِلَيْهَا أَو يراح)
(أحل الْمُسلمُونَ لَهَا أخاها ... بِعقد حلّه طلق مُبَاح)(2/227)
(فَإِن سموهُ بَينهم نِكَاحا ... فَفِي أَعْنَاقهم ذَاك النِّكَاح)
قَالَ ابْن عَدْلَانِ وَقد أجَاب عَنهُ أَبُو المحاسن رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ
(تحاجيني ولفظك مثل در ... لَهُ من فكرك الوارى نصاح)
(وقدحك فِي الْعُلُوم هُوَ الْمُعَلَّى ... غَدَاة تجال فِي النادي القداح)
(بِفعل كُله ذكر صَحِيح ... وانثى كلهَا فرج مُبَاح)
(وتفضى هَذِه وَيجب هَذَا ... وَلَا يوذيهما ذَاك الْجراح)
وَمِنْه لغز فِي حجر القطايف
(ومجلو على الكرس ... ي جلل وَجهه نقطا)
(دَرَاهِم عَاد طابعها ... عَلَيْهِ لَهُنَّ ملتقطا)
(وَهن بِغَيْر أَجْنِحَة ... طواير بَعضهنَّ قطا)
الشريف تَقِيّ الدّين القنائي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم ابْن أَحْمد بن حجون الشَّيْخ الشريف تَقِيّ الدّين ابْن الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القنائي بِالْقَافِ وَالنُّون كَانَ فَقِيها شَاعِرًا صَالحا سمع من أبي مُحَمَّد عبد الْغنى بن سُلَيْمَان وَأبي اسحق إِبْرَاهِيم بن عمر بن نصر بن فَارس وَحدث بِالْقَاهِرَةِ وَسمع مِنْهُ الشَّيْخ عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور وَجَمَاعَة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المسرورية وَتَوَلَّى مشيخة خانقاه أرسلان الدوادار وَانْقطع بهَا وَتزَوج بعلما أُخْت الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد ورزق مِنْهَا ابْنَيْنِ فقيهين قَالَ كَمَال الدّين جَعْفَر الادفوى كَانَ خَفِيفا لطيفا وَله شعر أَنْشدني لَهُ بعض أَصْحَابنَا بقوص مِمَّا نظمه سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع ماية عِنْد مَا حصلت الزلزلة
(مجَاز حَقِيقَتهَا فاعبروا ... لَا تعمروا هُوَ نوها تهن)
(وَمَا حسن بَيت لَهُ زخرف ... ترَاهُ إِذا زلزلت لم يكن)
وَمن شعره
(من بعد فراقكم جرت لي أشيا ... لَا يُمكن شرحها ليَوْم اللقيا)
)
(كم قلت لقلبي بَدَلا قَالَ بِمن ... وَالله وَلَا بِكُل من فِي الدُّنْيَا)
مولده بقوص ظنا سنة خمس وَأَرْبَعين وست ماية ووفاته بِظَاهِر الْقَاهِرَة فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وَسبع ماية أَخْبرنِي من لَفظه القَاضِي تَاج الدّين مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن البارنبارى قَالَ قَالَ لي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْمَذْكُور لما نظمت مجَاز حَقِيقَتهَا فاعبروا الْبَيْتَيْنِ بَقِي نَفسِي شىء من كوني ذكرت فِي الشّعْر أَسمَاء سور من الْقُرْآن الْعَظِيم فَأتيت إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق العَبْد رَحمَه الله فأنشدتهما لَهُ فَقَالَ لي لَو قلت وَمَا حسن كَهْف لَهُ زخرف لَكُنْت قد زِدْت ذَلِك(2/228)
سُورَة رَابِعَة قَالَ فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي افدتني وأفتيتني أَو كَمَا قَالَ وأنشدني قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ لغزاً فِي الْعين الباصرة
(ومحبوبة عِنْد الْمَنَام ضممتها ... احس بهَا لكنني مَا نظرتها)
(لذيذة ضم لَا أُطِيق فراقها ... وَرب لَيَال فِي هَواهَا سهرتها)
قلت مَا أحسن قَوْله فِي هَواهَا سهرتها وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ
(حَيَاة الْمنَازل سكانها ... همم روحها وَهِي جثمانها)
(اضاءت بِمن حلهَا بهجة ... كَمَا حل بِالْعينِ أنسانها)
(وللظاعنين تحن الديار ... كَأَن الْأَحِبَّة أوطانها)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي الباذهنج
(كَأَنَّمَا الباذهنج قلع ... علا على الْفلك حِين تسرى)
(لَكِن ذَاك الرِّيَاح اجرت ... وَذَا غَدا للرياح يجرى)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني لنَفسِهِ فِي شيخ منحن مطيلس وَهُوَ تَشْبِيه غَرِيب
(كَالْعَيْنِ شيخ منحن ... مطيلس اعرفه)
(تقويسها كظهره ... ورأسها رفرفه)
وأنشدني قَالَ أَنْشدني من جهز إِلَيْهِ بورية فايتة
(دع الِاضْطِرَاب عَن الحيا ... ة وخل نَفسك ثابته)
(وازرع فحبات القلو ... ب بهَا الْمحبَّة نابته)
(وَذكرت فايتة وقم ... للفور واقض الفايته)
ألب رسْلَان السلجوقي مُحَمَّد بن جغريبك بن سلجوق بن دقاق السُّلْطَان عضد الدولة أَبُو شُجَاع)
الب رسْلَان الملقب بالعادل أول من ذكر بالسلطنة على مَنَابِر بَغْدَاد قدم حلب وحاصرها سنة ثلث وَسِتِّينَ فَخرج إِلَيْهِ مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداسٍ صَاحبهَا مَعَ أمه فانعم عَلَيْهِ بحلب وَسَار إِلَى الْملك ديوجانس وَقد خرج من الْقُسْطَنْطِينِيَّة فالتقاه وأسره ثمَّ من عَلَيْهِ بالأطلاق وَكَانَ ملكا عادلا مهيبا مُعظما ولى السلطنة بعد وَفَاة عَمه طغرلبك اتوه بوالي قلعة اسْمه يُوسُف الْخَوَارِزْمِيّ فَأمر بَان يضْرب لَهُ أَرْبَعَة أوتار وتشد أَطْرَافه إِلَيْهَا فَقَالَ يُوسُف يَا مخنث مثلي يقتل هَذِه القتلة فَقَالَ السُّلْطَان خلوه وَأخذ الْقوس ورماه ثلث فردات سَاب فاخطأه فِيهَا وَلم يكن يُخطئ لَهُ سهم فأسرع يُوسُف إِلَيْهِ فَقَامَ السُّلْطَان عَن السرير وَنزل فعثر على وَجهه وبرك عَلَيْهِ يُوسُف وضربه بسكين كَانَت مَعَه فِي خاصرته وَلحق بعض الخدم يُوسُف فَقتله ارمني فَقتله وَحمل السُّلْطَان(2/229)
وَهُوَ مثقل فَقضى محبه ووثب على يُوسُف فرَاش ارمني فَضَربهُ فِي رَأسه بمرزبة فَقتله وَمَات السُّلْطَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية وَنقل إِلَى مرو وَدفن بهَا فِي مدرسته وَجعل وَلَده ملكشاه ولى عَهده وَقَالَ المأموني فِي تَارِيخه أَنه لم يعبر الْفُرَات فِي قديم الزَّمَان وَلَا حَدِيثه فِي الْإِسْلَام ملك تركي قبل ألب رسْلَان فَإِنَّهُ أول من عبر الْفُرَات مُفِيد الدّين الأحواضي الشيعي مُحَمَّد بن الْجمال بن أبي صَالح عبد الله بن أبي أُسَامَة مُفِيد الدّين الأحواضي رَأس الشِّيعَة الغلاة وقدوتهم مَاتَ بقرية حراجل من جبل الجرد وَقد قَارب الْأَرْبَعين سنة أَربع وَسبعين وست ماية وَكَانَ كثير الْفُنُون لكنه احكم الْمنطق والفلسفة أَبُو قُرَيْش الْأَصَم مُحَمَّد بن جُمُعَة بن خلف الْقُهسْتَانِيّ الْأَصَم أَبُو قُرَيْش الْحَافِظ صنف المسندين على البواب وعَلى الرِّجَال وصنف حَدِيث مَالك وَشعْبَة وَالثَّوْري وَكَانَ متقنا يذاكر بِحَدِيث هولاء وروى عَنهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي وَغَيره وَاتَّفَقُوا على صدقه وفضله
الْكَاتِب التَّمِيمِي مُحَمَّد بن جميل الْكَاتِب التَّمِيمِي الْكُوفِي مولى بني تَمِيم يَقُول لحميد بن عبد الحميد الطوسي
(لَئِن أَنا لم أبلغ بجاهك حَاجَة ... وَلم يَك لي فِيمَا وليت نصيب)
(أَنْت أَمِير الأَرْض من حَيْثُ اطَّلَعت ... لَك الشَّمْس قرينها وَحين تغيب)
الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن البابا مُحَمَّد بن جنكلي بن البابا بن مُحَمَّد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين ابْن الْأَمِير بدر الدّين أحد أُمَرَاء الدولة الناصرية بِالْقَاهِرَةِ ووالده أكبر أَمِير فِي الدولة يجلس رَأس)
الميمنة بعد الْأَمِير جمال الدّين آقوش نايب الكرك وَلم يزل مُعظما عِنْد السُّلْطَان موقرا مكرما وَكَانَ نَاصِر الدّين صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة جمال مواكب الديار المصرية وَجها وصباحة وَقدرا وشكلاً محبباً تَامّ الْخلق حسن الْخلق لم يكن فِي زَمَانه أحسن وَجها مِنْهُ وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع ماية وَقد تجَاوز الْأَرْبَعين كتب طبقَة واشتغل فِي غَالب الْعُلُوم وَلم يزل مواظبا عل سَماع الحَدِيث وَاخْتَلَطَ بالشيخ فتح الدّين كثيرا وَعنهُ أَخذ معرفَة النَّاس وأيامهم وطبقاتهم وَأَسْمَاء الرِّجَال وَكَانَ آيَة فِي معرفَة فقه السّلف وَنقل مذاهبهم وأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَهَذَا أَجود مَا عرفه مَعَ مُشَاركَة جَيِّدَة فِي الْعَرَبيَّة والطب والموسيقى وَكَانَ جَهورِي الصَّوْت وَلم يكن فِي النّظم طبقَة بل هُوَ متوسط وَرُبمَا تعذر عَلَيْهِ حينا لَكِن لَهُ ذوق فِي الْأَدَب يفهم لطف الْمعَانِي ويدركها ويهتز للفظ السهل ويطرب لنكت الشُّعَرَاء الْمُتَأَخِّرين كالجزار والوراق وَابْن النَّقِيب وَابْن دانيال وَابْن الْعَفِيف وَمن أشبههم ويستحضر من مجون ابْن الْحجَّاج جملَة اجْتمعت بِهِ رَحمَه الله غير مرّة رَأَيْت مَه أنسا كثيرا ووداً أثيرا وَكَانَ يتمذهب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل(2/230)
رضى الله عَنهُ أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ غير مرّة
(بك استجار الْحَنْبَلِيّ ... مُحَمَّد بن جنكلي)
(فَاغْفِر لَهُ ذنُوبه ... فَأَنت ذُو التفضل)
وَفِي آخر الْأَمر مَال إِلَى الظَّاهِر وَرَأى رأى ابْن حزم لِأَنَّهُ كَانَ كثير المطالعة لكَلَامه وَكَانَ فِيهِ إِيثَار وبر لأهل الْعلم وَلَا يزَال يُجَالس الْفُضَلَاء والفقراء وَيُخَير محادثتهم على مجالسة الْأُمَرَاء والأتراك كثير الْميل إِلَى من يهواه لَا يزَال متيما هايما يذوب صبَابَة ووجداً يستحضر فِي هَذِه الْحَالة لما ناسبها من شعر الشريف الرضى ومهيار ومتيمي الْعَرَب جملَة يترنم بهَا ويراسل بهَا ويعاتب خرج لَهُ شهَاب الدّين أَحْمد بن أَبِيك الدمياطي أَرْبَعِينَ حَدِيثا وَحدث بهَا قبل مَوته وَقد شاركته فِي بعض سماعاته وَسمع بِقِرَاءَتِي بعض تصانيف الشَّيْخ فتح الدّين وَلما بلغتني وَفَاته قلت ارثيه رَحمَه الله وضمنت القصيدة أعجاز أَبْيَات قصيدة أبي الطّيب المتنبي وَهِي
(هِيَ الْأَيَّام لَيْسَ لَهَا ذمام ... وَلَيْسَ لَهَا على عهد دوَام)
(نصبنا للردى غَرضا فاصمت ... حشانا من رزاياه السِّهَام)
(وَمَا بعد الرَّضَاع وَذَاكَ حق ... تبين عندنَا إِلَّا الْفِطَام)
)
(نسير على مطايا للمنايا ... وَفِي كف الزَّمَان لَهَا زِمَام)
(إِذا متْنا تنبهنا لهول ... ترى أَن الْحَيَاة هِيَ الْمَنَام)
(ألم تَرَ كَيفَ عاث الدَّهْر فِينَا ... واودى نَاصِر الدّين الْهمام)
(فشق الرَّعْد جيب السحب لما ... تلهب برقها وَبكى الْغَمَام)
(فيا أسفا لوجه كَانَ يَبْدُو ... فيستحي لَهُ الْقَمَر التَّمام)
(وَيَا لشمايل كم هام فِيهَا ... فؤاد مَا يسليه المدام)
(وَيَا لخلايق كالروض لما ... تفتح عَن ازاهره الكمام)
(وَيَا لفضايل قُلْنَا لَدَيْهَا ... افدنا أَيهَا الحبر الْأَمَام)
(وَيَا لكتابة كالدر لما ... يؤلفها على النَّحْر انتظام)
(وَكَانَ يرام فِي بذل العطايا ... وَأما فِي الْجِدَال فَمَا يرام)
(وَلم نر فِي الزَّمَان لَهُ شَبِيها ... وَأَن كثر التجمل وَالْكَلَام)
(أيا من فِي الرّقاب لَهُ أياد ... هِيَ الأطواق وَالنَّاس الْحمام)
(لَئِن عَمت مصيبتك البرايا ... وَصَارَ بهَا على الدُّنْيَا ظلام)
(فكم حسنت بك الْأَوْقَات حَتَّى ... كَأَنَّك فِي فَم الدُّنْيَا ابتسام)
(ستندبك المواكب كل يَوْم ... ويبكيك المثقف والحسام)(2/231)
(لِأَنَّك مَا شهِدت الْحَرْب إِلَّا ... تَعَالَى الْجَيْش وانحط القتام)
(فَلَو تفدى بذلنا كل نفس ... لِأَن حَلَال بقايانا حرَام)
(وَلَو رد الرَّحَى حَرْب لشبت ... وَكَانَ وقودها جثث وهام)
(وكف الْخطب عَنْك كفاة أهل ... هم فِي الروع أمجاد كرام)
(أَب وَأَخ هما ليثا عرين ... إِذا مَا كَانَ للحرب اصطلام)
(يعز عَلَيْهِمَا أَن بت فَردا ... وجالت فِي محاسنك الْهَوَام)
(وَمَا تركاك رهن الترب عمدا ... وَلَكِن مَعْدن الذَّهَب الرغام)
(فنم فَلَو افْتَرَقت لفعل بر ... لاعطوك الَّذِي صلوا وصاموا)
(وَمَا تحْتَاج عِنْد الله قربى ... مواهبه لنا ابداً جسام)
(فللرحمن لطف واعتناء ... بِمن بِالْعلمِ كَانَ لَهُ اعتصام)
)
(فكم اذريت خوف الله دمعاً ... غمايمه إِذا انهلت سجام)
(قضيتك بالرثا حَقًا أكيداً ... لِأَن بِصُحْبَة يجب الذمام)
(ساجعل طيب ذكرك لي سميراً ... وَمن يعشق يلذ لَهُ الغرام)
(وَأَرْجُو الله أَن يوليك رحمى ... وَمن إِحْدَى عطاياه الدَّوَام)
(فَلَا تبعد فَنحْن عَلَيْك وَفد ... وغايتنا لهَذَا وَالسَّلَام)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ لما اخْرُج السُّلْطَان خَلِيل ابْن بلغدار إِلَى الشَّام بِسَبَبِهِ وَكَانَ لَهُ إِلَيْهِ ميل عَظِيم
(وَمن حَيْثُمَا غيبت عَنى ظَاهرا ... وسرت عل رغمى وفار قتنى قسرا)
(أَقمت وَلَكِنِّي وعيشك آيس ... من الرّوح بعد الْخلّ أَن تسكن الصدرا)
(فكم عِبْرَة للعين أجريتها دَمًا ... وَكم حرق فِي الصَّدْر أذكيتها جمرا)
(لَعَلَّ الَّذِي أضحى لَهُ الْأَمر كُله ... على طول مَا القاه يحدث لي أمرا)
أَبُو عبد الله السمري الْكَاتِب مُحَمَّد بن الجهم بن هرون السمري بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة وَبعدهَا رَاء أَبُو عبد الله الْكَاتِب مَاتَ سنة سبع وَسبعين وماتين عَن تسع وَثَمَانِينَ سنة سمع يعلى بن عبيد الطنافسي وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء وَيزِيد بن هرون وآدَم بن أبي أياس وروى عَن الْفراء تصانيفه وروى عَنهُ الْحَافِظ مُوسَى بن هرون وَالْقسم بن مُحَمَّد(2/232)
الْأَنْبَارِي وَأَبُو بكر بن مُجَاهِد الْمُقْرِئ ونفطويه واسمعيل بن مُحَمَّد الصفار وَغَيرهم قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ ثِقَة صَدُوق وَهُوَ القايل يمدح الْفراء قصيدة مِنْهَا
(نَحْو أحسن النَّحْو فَمَا فِي ... هـ معيب وَلَا بِهِ ازراء)
(لَيْسَ من صَنْعَة الضعايف لَكِن ... فِيهِ فقه وَحِكْمَة وضياء)
(حجَّة توضح الصَّوَاب وَمَا قا ... ل سواهُ فَبَاطِل وخطاء)
(لَيْسَ من قَالَ بِالصَّوَابِ كمن قا ... ل بِجَهْل وَالْجهل دَاء عياء)
(وَكَأَنِّي أرَاهُ يملى علينا ... وَله وَاجِبا علينا الدُّعَاء)
(كَيفَ نومي على الْفراش وَلما ... تَشْمَل الشَّام غَارة شعواء)
(تذهل الْمَرْء عَن بنيه وتبدي ... عَن خدام العقيلة الْعَذْرَاء)
قلت هَذَانِ البيتان الأخيران لعبد الله بن قيس الرقيات وإعرابهما مُشكل وَأما شعر هَذَا السمري)
فبئس الشّعْر مَعَ مَا فِيهِ من مد الْمَقْصُور وَهُوَ عيب
مُحَمَّد بن أبي الجهم بن حُذَيْفَة كَانَ هُوَ وَمُحَمّد بن أبي حُذَيْفَة فِي قصر الْعَرَصَة فأنزلهما مُسلم بالأمان وقتلهما سنة ثلث وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ
الْأَمِير ابْن جهور مُحَمَّد بن جهور بن مُحَمَّد بن جهور الْأَمِير أَبُو الْوَلِيد ابْن أبي الحزم رَئِيس قرطبة ومدبر أمرهَا كوالده قَرَأَ الْقُرْآن وَسمع الحَدِيث واعتني بالرواية توفّي معتقلا فِي سجن ابْن عباد فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبع ماية
التلعفرى الْمُقْرِئ مُحَمَّد بن جَوْهَر بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله التعفرى الْمُقْرِئ المجود الصُّوفِي ولد بتلعفر سنة خمس عشرَة وَقَرَأَ على أبي اسحق بن وثيق التَّيْسِير لأبي عَمْرو وَأخذ عَنهُ التجويد ومخارج الْحُرُوف وَسمع بحلب من ابْن رَوَاحَة وَابْن خَلِيل وَالصَّلَاح مُوسَى بن رَاجِح وَغَيرهم قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قدم علينا دمشق وقرأت عَلَيْهِ مقدمته فِي التجويد وجزءاً من الحَدِيث كَانَ شَيخا ظريفا فِيهِ دعابة وَحسن محاضرة توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وست ماية
أَبُو عبد الله السمين مُحَمَّد بن حَاتِم بن مَيْمُون أَبُو عبد الله السمين الْبَغْدَادِيّ كَانَ صَاحب غَزْو قَالَ الْتَقَيْنَا الرّوم فأخذني روع فَقلت لنَفْسي أَي كذابة أَيْن مَا كنت تدعين ثمَّ نزلت النَّهر وَاغْتَسَلت وَأخذت سلاحي وأتيت من وَرَاء الرّوم وَكَبرت تَكْبِيرَة عَظِيمَة وَكَانَ النَّصْر للروم فَلَمَّا سمعُوا التَّكْبِيرَة ظنُّوا أَن كميناً وَرَاءَهُمْ فَانْهَزَمُوا ومنح الله الْمُسلمين أكتافهم قتلا وأسراً روى(2/233)
عَن سفين بن عُيَيْنَة وَغَيره وَاخْتلفُوا فِيهِ توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وماتين روى عَنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان
مُحَمَّد بن حَاتِم بن خُزَيْمَة أَبُو جَعْفَر الْأَسَامِي بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَبعد الْألف مِيم من ولد أُسَامَة بن زيد الْحبّ الكشى المعمر توفّي سنة تسع وثلثين وَثلث ماية
مُحَمَّد بن الْحَرْث بن أَسد أَبُو عبد الله الحشنى القيرواني الْحَافِظ دخل الأندلس وَتمكن من صَاحبهَا الحكم بن النَّاصِر وصنف لَهُ كتبا مِنْهَا كتاب الإتفاق وَالِاخْتِلَاف فِي مَذْهَب مَالك وَكتاب الْفتيا وتاريخ الأفريقيين وَالنّسب قَالَ ابْن الفرضى بَلغنِي أَن صنف ماية ديوَان وَكَانَ شَاعِرًا بليغا لكنه يلحن وَكَانَ يعاني الكيمياء وَاحْتَاجَ بعد موت الحكم إِلَى أَن جلس فِي حَانُوت ييع الأدهان وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثلث ماية
مُحَمَّد بن الْحَرْث بن بسخنر أَبُو جَعْفَر يَزْعمُونَ أَنه مولى الْمَنْصُور قَالَ صَاحب الأغاني)
احسبه وَلَاء خدمَة لَا وَلَاء عتق أَصله من الرّيّ وَكَانَ يزْعم أَنه من ولد بهْرَام جُوَيْن وَولد بِالْحيرَةِ وَكَانَ يغنى مرتجلا لِأَن أصل مَا غنى عَلَيْهِ المعزفة وَكَانَت تحمل مَعَه إِلَى دَار الْخَلِيفَة فَمر بهَا غُلَامه يَوْمًا فَقَالَ قوم كَانُوا جُلُوسًا على الطَّرِيق مَعَ هَذَا الْغُلَام مصيدة الفار فَقَالَ بَعضهم لَا هَذِه معزفة مُحَمَّد بن الْحَرْث فَحلف مُحَمَّد بن الْحَرْث بِالطَّلَاق وَالْعتاق أَنه لَا يغنى بهَا أبدا وَكَانَ أحسن خلق الله أَدَاء وَسُرْعَة أَخذ للغناء وَكَانَ لِأَبِيهِ الْحَرْث جوَار محسنات وَكَانَ الْموصِلِي يرضاهن ويأمرهن أَن يطرحن على جواريه
أَبُو معوية الضَّرِير مُحَمَّد بن حَازِم أَبُو معوية الضَّرِير مولى بني عَمْرو بن سعد بن زيد مَنَاة التَّيْمِيّ من الطَّبَقَة السَّابِعَة من أهل الْكُوفَة ولد سنة ثلث عشرَة وماية ذهب بَصَره وَله أَربع سِنِين جرى لَهُ مَعَ هرون الرشيد حَدِيث مِنْهُ قَالَ هرون لَا يثيب أحد خلَافَة عَليّ بن أبي طَالب إِلَّا قتلته فَقَالَ وَلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَت تيم منا خَليفَة وَقَالَت عدى منا(2/234)
خَليفَة وَقَالَت بَنو أُميَّة منا خَليفَة فَأَيْنَ حظكم يَا بني هَاشم من الْخلَافَة لَوْلَا على فَقَالَ صدقت لَا ينفى أحد عليا من الْخلَافَة إِلَّا قتلته توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وماية بِخِلَاف فِي ذَلِك قدم بَغْدَاد وَحدث عَن الْأَعْمَش وَكَانَ اثْبتْ أَصْحَابه لِأَنَّهُ لَازمه عشْرين سنة وروى عَن هِشَام بن عُرْوَة وَلَيْث بن أبي سليم وروى عَنهُ أَحْمد وَابْن معِين وَالْحسن بن عَرَفَة وَآخَرُونَ وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ثِقَة قَالَ ابْن سعد كَانَ يُدَلس وَكَانَ مرجئاً وَلم يشْهد وَكِيع جنَازَته وَهَذَا أَبُو معوية غير أبي معوية الْأسود لِأَن ذَلِك اسْمه الْيَمَان نزل طرسوس وَصَحب سفين الثَّوْريّ وَابْن أدهم والفضيل وَكَانَ عَظِيم الزّهْد ولورع أسود اللَّوْن من موالى نَبِي أُميَّة كَانَ ابْن معِين يَقُول أَن كَانَ بقى أحد من البدال فَأَبُو معوية الْأسود ذهب بَصَره آخر عمره فَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يقْرَأ فِي الْمُصحف رد الله عَلَيْهِ بَصَره فَإِذا ترك الْقِرَاءَة ذهب بَصَره
الْبَاهِلِيّ مُحَمَّد بن حَازِم الْبَاهِلِيّ أَبُو جَعْفَر هُوَ مولى باهلة كَانَ يهجو مُحَمَّد بن حميد الطوسي عَتبه يحيى بن أَكْثَم على اختصاره الشّعْر فَقَالَ
(أبي لي أَن أطيل الشّعْر قصدي ... إِلَى الْمَعْنى وَعلمِي بِالصَّوَابِ)
(وإيجازي بمختصر قريب ... حذفت بِهِ الفضول من الْجَواب)
(فابعثهن بمختصر قريب ... حذفت بِهِ الفضول من الْجَواب)
(فابعثهن أَرْبَعَة وستاً ... مثقفة بِأَلْفَاظ عَذَاب)
)
(وَهن إِذا وسمت بِهن قوما ... كاطواق الحمايم فِي الرّقاب)
(وَهن وَإِن أَقمت مَا فرات ... تهاداها الروَاة مَعَ الركاب)
ابْن حَاطِب الجُمَحِي مُحَمَّد بن خَاطب الجُمَحِي أَخُو الْحَرْث بن حَاطِب لَهُ صُحْبَة وَحَدِيث وَاحِد فِي الضَّرْب بالدف فِي النِّكَاح روى عَنهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة توفّي سنة أَربع وَسبعين لِلْهِجْرَةِ
مُحَمَّد بن حَامِد بن الْحَرْث أَبُو رَجَاء الْبَغْدَادِيّ الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بالسراج نزيل مَكَّة توفّي سنة ثلث وَأَرْبَعين وَثلث ماية(2/235)
ابْن حبَان مُحَمَّد بن حبَان بن أَحْمد بن حبَان بن معَاذ ابْن معبد بن سهيد بن هدبة بن مرّة أَبُو حَاتِم التَّمِيمِي البستي الْحَافِظ الْعَلامَة صَاحب التصانيف مَعَ بالعراق وَالشَّام ومصر الجزيرة وخراسان والحجاز من الْكِبَار وروى عَنْهُم وروى عَنهُ الْحَاكِم وَغَيره ولى قَضَاء سَمَرْقَنْد زَمَانا وَكَانَ من فُقَهَاء الدّين وحفاظ الْآثَار عَالما بالطب والنجوم وفنون الْعلم ألف الْمسند الصَّحِيح والتاريخ والضعفاء وَفقه النَّاس بسمرقند وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة نبيلا ذكره ابْن الصّلاح فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة فَقَالَ غلط الْغَلَط الْفَاحِش فِي تصرفه قَالَ ابْن حبَان فِي كتاب الْأَنْوَاع والتقاسيم ولعلنا قد كتبنَا عَن أَكثر من ألف شيخ قَالَ أَبُو اسمعيل الْأنْصَارِيّ سَمِعت عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت أبي يَقُول انكروا عل ابْن حبَان قَوْله النُّبُوَّة الْعلم وَالْعَمَل فحكموا عَلَيْهِ بالزندقة وهجر وَكتب فِيهِ إِلَى الْخَلِيفَة فَكتب بقتْله قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين قَول ابْن حبَان كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج عَرَفَة وَفِي ذَلِك أَحَادِيث وَمَعْلُوم أَن الرجل لَو وقف بِعَرَفَة فَقَط مَا صَار بذلك حَاجا وَإِنَّمَا ذكر أشهر أَرْكَان الْحَج وَكَذَلِكَ ابْن حبَان ذكر اكمل نعوت النَّبِي فَلَا يكون العَبْد نَبيا إِلَّا أَن يكون عَالما عَاملا وَلَو كَانَ عَالما عَاملا فَقَط لما عد نَبيا إِذْ حِيلَة للبشر فِي اكْتِسَاب النُّبُوَّة توفّي ابْن حبَان سنة أَربع وَخمسين وَثلث ماية
السهر وردى الْمَقْتُول الشَّافِعِي مُحَمَّد بن حبش بن أميرك شهَاب الدّين أَبُو الْفتُوح السهروردى الْحَكِيم الْمَقْتُول بحلب اخْتلف فِي اسْمه فَقَالَ صَاحب الْمرْآة مُحَمَّد السهروردي وَلم يذكر أَبَاهُ وَقَالَ ابْن أبي اصبيعة فِي تَارِيخ الْأَطِبَّاء عمر وَلم يذكر أَبَاهُ وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين ابْن خلكان يحيى بن حبش بن أميرك بالجاء الْمُهْملَة وَالْبَاء ثَانِي الْحُرُوف والشين والمعجمة فِي)
أَبِيه وجده أميرك أَمِير فِي آخِره كَاف وَلَعَلَّ هَذِه التَّسْمِيَة هِيَ الصَّحِيح قَرَأَ الْحِكْمَة وأصول الْفِقْه على الشَّيْخ مجد الدّين الجيلي بمراغة وَهَذَا الجيلي على مَا ذكره ابْن خلكان شيخ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَكَانَ السهروردي مفرط الذكاء فصيح الْعبارَة حكى عَنهُ بعض فُقَهَاء الْعَجم قَالَ خرجنَا مَعَه من دمشق فَلَمَّا كُنَّا بالقابون على بَاب دمشق لَقينَا قطيع غنم مَعَ تركمان فَقُلْنَا يَا مَوْلَانَا نُرِيد من هَذَا القطيع رَأس غنم فَقَالَ معي عشرَة دَرَاهِم خذوها واشتروا بهَا رَأْسا(2/236)