دمشق عوضا عَن كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري وَاسْتقر المعري فِي قَضَاء حلب عوضا عَن فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن أَحْمد بن عُثْمَان الزرعي. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي تدريس الشَّافِعِي عوضا عَن أبي الْبَقَاء. وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَحَد سلخه وَحضر الدَّرْس بِهِ فَكَانَ يَوْمًا جَلِيلًا جمعه. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين على بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله الْعمريّ فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن شَيخنَا فتح الدّين أبي بكر بن الشَّهِيد وَاسْتقر الْأَمِير ككبغا البيبغاوي فِي نِيَابَة قلعة جعبر. وَفِيه قدم الْأَمِير آسَنقُر. وَأهل شهر رَمَضَان بِيَوْم الْإِثْنَيْنِ. وَفِيه استجد السُّلْطَان عِنْده بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل قِرَاءَة كتاب صَحِيح البُخَارِيّ فِي كل يَوْم من أَيَّام شهر رَمَضَان بِحَضْرَة جمَاعَة الْقُضَاة ومشايخ الْعلم تبركاً بقرَاءَته لما نزل بِالنَّاسِ من الغلاء فاستمر ذَلِك وتناوب قِرَاءَته شهَاب الدّين أَحْمد بن العرياني وزين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ لمعرفتهما علم الحَدِيث فَكَانَ كل وَاحِد يقْرَأ يَوْمًا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أَشَقتمُر وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير بَيدَمُر الْخَوَارِزْمِيّ وَاسْتقر بيدمر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير منجك وَركب الْأَمِير يلبغا الناصري الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير منجك ومملوكه جَرَكتمُر المنجكي وصهره أروس المحمودي وخلع على الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ النايب وَاسْتقر فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير يَعْقُوب شاه وَاسْتقر يَعْقُوب شاه حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وخلع على الْأَمِير طيدمر البالسي وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْأَمِير منكلى بغا الْبَلَدِي وَاسْتقر الْبَلَدِي فِي نِيَابَة صفد واستدعى الْأَمِير أَحْمد بن الْحَاج آل ملك من الْقُدس فَلَمَّا قدم أنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وأنعم على الْأَمِير جركتمر الأشرفي الخاصكي بتقدمة ألف وعَلى الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ بتقدمة ألف وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وارتجع عَن الْأَمِير آقبغا من مصطفى إقطاعه. وَفِي خَامِس شَوَّال: خلع على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وأعيد إِلَى نظر المارستان عوضا عَن ابْن الخلى. وَفِي خَامِس عشرَة: اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن آل ملك حاجباً ثَالِثا.(4/366)
وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير مَنجَك بأولاده ومملوكه الْأَمِير جَرَكتمر المنجكي وصهره الْأَمِير آروس المحمودي فَنزل بسرياقوس وَخرج إِلَيْهِ جَمِيع أَرْبَاب الدولة من الْوَزير وقضاة الْقُضَاة والأمراء بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر عَنهُ سوى السُّلْطَان وولديه فَقَط ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا بَين يَدَيْهِ حَتَّى طلع القلعة فَلم يعْهَد لأمير موكب مثل موكبه. فَمشى الْأُمَرَاء من بَاب السِّرّ بَين يَدَيْهِ وَهُوَ رَاكب بمفرده وَفِيهِمْ الْأَمِير أيدمر الدوادار - أتابك العساكر - والأمير أرغون شاه والأمير صَرْغَتمش فَلَمَّا دخل على السُّلْطَان ابتهج بقدومه وَبَالغ فِي إكرامه وخلع عَلَيْهِ خلعة نِيَابَة السلطنة وفوض إِلَيْهِ نظر الأحباس والأوقاف وَحسن إِلَيْهِ التحدث فِي الْخَاص والوزارة وَأَن يخرج من إقطاعات الْحلقَة مَا عبرته سِتّمائَة دِينَار فَمَا دونهَا ويعزل من أَرْبَاب الدولة وَأَصْحَاب المناصب من شَاءَ ويولي مِنْهُم شَاءَ وَأَن يُقرر فِي سَائِر أَعمال المملكة من أَرَادَ وَيخرج إمريات الطبلخاناه والعشرات من الْبِلَاد الشامية مِمَّن أحب وينعم بهَا على من يُرِيد وقرىء تَقْلِيده بالنيابة فِي الإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل من القلعة بِحَضْرَة السُّلْطَان والأمراء وَسَائِر أَرْبَاب الدولة. وَفِيه أَن السُّلْطَان قد أَقَامَهُ مقَام نَفسه فِي كل شَيْء بِيَدِهِ وفوض لَهُ مَا فوض إِلَيْهِ الْخَلِيفَة من سَائِر أُمُور المملكة ثمَّ خرج فَجَلَسَ بدركاه بَاب الْقلَّة من القلعة وَجلسَ الْوَزير بَين يَدَيْهِ وَقعد موقعو الدست لإمضاء مَا يرسم بِهِ وَرفعت إِلَيْهِ الْقَصَص من ديوَان الْجَيْش وَغَيره فَنظر فِي الْأَمر نظر مستبد بهَا. وَفِي سادسه: خلع على بَكتمُر العلمي حَاجِب الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر نقيب الْجَيْش وأنعم على وَفِي هَذَا الشَّهْر: فَشَتْ الأوبئة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَغَيرهَا من بِلَاد الْوَجْه البحري. وَمَات الْأَمِير أرغون اللالا نايب الْإسْكَنْدَريَّة فاستقر عوضه الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا - أحد العشرات - فِي ولَايَة أطفيح على إمرته. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر حاجباً ثَانِيًا أَمِير مائَة مقدم ألف وأنعم على الْأَمِير بلاط السيفي بإمرة طبلخاناه وعَلى كل من مغلطاي الجمالي وكبك الصرغتمشي بإمرة عشرَة.(4/367)
وَمَات صدر الدّين مُحَمَّد بن السكر قَاضِي الْحَنَفِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة فَلم يسْتَقرّ أحد عوضه. وَفِيه تزايد سعر الْغلَّة فَبيع الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم بعد مَا كَانَ خَمْسَة أَرْطَال. وَفِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة: قبض على رجل مغربي كَانَ يقف فِي اللَّيْل تَحت القلعة ويصيح اقْتُلُوا سلطانكم ترخص أسعاركم وَيجْرِي نيلكم. فَضَربهُ وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع وَتَركه لحاله. وَفِي رَابِع عشره: أنعم على الطواشي مُخْتَار شاذروان الدمنهوري بإمرة وَاسْتقر نقيب المماليك عوضا عَن مُحَمَّد بن قرطاي الْموصِلِي باستعفائه مِنْهَا وَقدم الْأَمِير خَلِيل ابْن قوصون باستدعاء. وَقد الْخَبَر بِأَن دجلة فاضت حَتَّى علا مَاؤُهَا على سور بَغْدَاد وأغرقها فتهدم بهَا نَحْو السِّتين ألف دَار وعبرت المراكب من دجلة إِلَى الْأَزِقَّة والأسواق وَأَن الرّيح هبت بسنجار فأحرقت أوراق الْأَشْجَار وَهلك بهَا كثير من النَّاس وأمطرت ثعابين. بِمَدِينَة شيزر وَأَن مَدِينَة حلب أَصَابَهَا سيل عَظِيم خرب بِهِ نَحْو الأربعماية دَار. وَفِيه اسْتَقر جلال الدّين جَار الله فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ الصرغتمشية بعد وَفَاة أرشد الدّين مَحْمُود. وفيهَا خلع على صَاحب فاس وبلاد الْمغرب السعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز أبي الْحسن فِي ذِي الْحجَّة وَملك بعده السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْحسن.(4/368)
وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر قَاضِي حلب وقاضي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَأحد خلفاء الحكم بِالْقَاهِرَةِ. بدر الدّين إِبْرَاهِيم ابْن صدر الدّين أبي البركات أَحْمد بن مجد الدّين عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن عبد المحسن ابْن الخشاب المَخْزُومِي الشَّافِعِي وَهُوَ عَائِد من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة قَرِيبا من عينونة وَدفن بِجَزِيرَة سقر فِي صفر. وَمَات الْأَمِير أسندمر الجوباني وَكَانَ خيرا يقبله الْقُضَاة. وَمَات آقبغا بن مصطفى أحد الطلبخاناه وَهُوَ مُجَرّد بالإسكندرية فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير آل ملك الصرغتمشي الكاشف بِالْوَجْهِ البحري ونقيب الْجَيْش فِي تَاسِع شَوَّال. وَمَات الْأَمِير تَلَكتمُر الجمالي أحد الطبلخاناه بِمَنْزِلَة قاقون من طَرِيق الشَّام فِي ذِي الْحجَّة وَمَات الْأَمِير تمرقيا الْعمريّ أحد الطبلخاناه. وَمَات الْحَاج صبيح الخازن النوبي الْجِنْس فِي حادي عشر الْمحرم وَقد انْتَشَر ذكره وَعظم قدره بِحَيْثُ كَانَ لَهُ من الْحُرْمَة مَا لأعيان الْأُمَرَاء وَترك دنيا عريضة وَنِعما جليلة وَكَانَ خَازِن الشَّرَاب خاناه السُّلْطَانِيَّة. وَمَات الْأَمِير طيبغا الْفَقِيه الْعمريّ أحد العشرات. وَمَات مُهتار الطشتخاناه السُّلْطَانِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن كسيرات فِي ثَانِي عشر الْمحرم كَانَ وافر الْحُرْمَة عريض الجاه لم يزل من عهد النَّاصِر مُحَمَّد فِي خدمَة الْمُلُوك فعز جَانِبه وَكَثُرت نعْمَته. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة تَاج الدّين مُحَمَّد بن الكركي الشَّافِعِي وَهُوَ يَنُوب عَن الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ فِي سادس عشْرين شعْبَان. وملت قَاضِي الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية صدر الدّين مُحَمَّد بن السكرِي، فِي أول ذِي الْحجَّة.(4/369)
وَتُوفِّي الشيِخ أرشد الدّين مَحْمُود بن قُطْلوشاه السيرامي أحد أَعْيَان الْحَنَفِيَّة مدرس الْمدرسَة الصَرغتُمِشيَّة فِي يَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الآخر. وَتُوفِّي سعد الدّين ماجد بن التَّاج أبي إِسْحَاق عبد الْوَهَّاب بن عبد الْكَرِيم عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة بِمصْر. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن الْحسن بن عَليّ الإسناي أَخُو الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم فِي ثامن عشر رَجَب. وَتُوفِّي شمس الدّين شَاكر الْمَعْرُوف بِابْن البقري نَاظر الذَّخِيرَة صَاحب الْمدرسَة النَّبَوِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَالِث عشر شَوَّال وَكَانَ مشكوراً فِي أقباط مصر. وَتُوفِّي سراج الدّين عمر بن مُحَمَّد السعودي شيخ خانكاه بَكتمُر الساقي فِي سَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين بن مَسْعُود المقرىء الْمَالِكِي أحد أَصْحَاب التقي الصَّانِع فِي ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير بيبغا حارس طير أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير تغرى برمش بن الْأَمِير ألجاي اليوسفي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير أرسلان خجا اليلبغاوي - أحد الطبلخاناه - قَتِيلا فِي وَاقعَة الْأَمِير ألجاي فِي الْمحرم. وَتُوفِّي الْأَمِير آروس المحمودي الأستادار أحد الألوف وَزوج ابْنة الْأَمِير مَنجك النَّائِب فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الْأَمِير ألطبغا المارديني فِي ثَانِي جُمَادَى الآخر. وَتُوفِّي الْأَمِير أقبغا الْعمريّ البالسي أَخُو طيبغا الطَّوِيل من أُمَرَاء الطبلخاناه وَهُوَ منفي بِالشَّام. وَتُوفِّي الْأَمِير أقبغا الناصري نايب الكرك ونايب قلعة بهسنا وَبهَا مَاتَ.(4/370)
وَتُوفِّي الْأَمِير الْكَبِير الأتابك ألجاي اليوسفي أحد ممالك الناصري حسن. ترقى حَتَّى صَار حَاجِب الْحجاب ثمَّ عزل فِي تَاسِع رَجَب سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَاسْتقر أَمِير جاندار إِلَى أَن كَانَت فتْنَة الْأَمِير أَسنَدُمر والأجلاب تولى حربه وقاتله قتالاً عَظِيما كَانَت بَينهمَا فِيهِ سِتّ عشرَة وقْعَة فَلَمَّا انتصر أَسنَدُمر قبض على ألجاي وسجنه بالإسكندرية إِلَى أَن زَالَت أَيَّام أسندمر أفرج عَنهُ وَعمل أَمِير سلَاح ثمَّ صَار الأتابك وَإِلَيْهِ أُمُور الدولة كلهَا حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم عَاشُورَاء كَمَا تقدم ذكره.(4/371)
فارغه(4/372)
سنة سِتّ وَسبعين سَبْعمِائة فِي أول الْمحرم: اتّفق أَمر غَرِيب قد وَقع مثله فِيمَا تقدم وَهُوَ أَن الْأَمِير شرف الدّين عِيسَى بن بَاب جك - وَالِي الأشمونين - كَانَ لَهُ ابْنة فَلَمَّا أَن تمّ لَهَا من الْعُمر خمس عشرَة سنة استد فرجهَا وتدلى لَهَا ذكر وأنثيان واحتملت كَمَا تحتلم الرِّجَال واشتهر ذَلِك بالحسينية - حَيْثُ سكنه - وبالقاهرة حَتَّى بلغ منجك فاستدعى بهَا ووقف على حَقِيقَة خَبَرهَا فَأمر بِنَزْع ثِيَاب النسوان عَنْهَا وألبسها ثِيَاب الرِّجَال من الأجناد وسماها مُحَمَّدًا وَجعله من حَملَة مشَاة خدمته وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع فشاهده كل أحد. وَفِي ثامنه: أَخذ قاع النّيل فجَاء أَرْبَعَة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِي أول شهر ربيع الأول: شرع السُّلْطَان فِي التَّجْهِيز إِلَى الْحَج وَتقدم إِلَى الْأُمَرَاء بتجهيز أُمُورهم أَيْضا. وَفِي تاسعه: كَانَ وَفَاء مَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَيُوَافِقهُ رَابِع عشْرين مسرى فَفتح الخليج على الْعَادة واستمرت الزِّيَادَة حَتَّى بلغت سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَخَمْسَة أَصَابِع وَثَبت أَوَان ثباته ثمَّ انحط وَقت الْحَاجة إِلَى هُبُوطه فَعم النَّفْع وَالْحَمْد لله بِهِ إِلَّا أَن الأسعار تزايدت فَبلغ الْقَمْح ماية دِرْهَم الأردب وَالشعِير سِتِّينَ درهما الأردب والفول خمسين درهما الأردب. وَفِي أول شهر ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى الميدان الْكَبِير الناصري بشاطىء النّيل للعب بالكرة على الْعَادة فِي كل سنة وَركب وَلَده أَمِير على قدامه بَين يَدَيْهِ وَجعل على رَأسه شطفة كَمَا يَجْعَل على رَأس السُّلْطَان وَعين جمَاعَة من الْأُمَرَاء للمشي فِي ركابه وخلع عَلَيْهِم أقبية حَرِير بطرز زركش وأركبهم الْخُيُول المسومة بالسروج الذَّهَب وكنابيش زركش وألبس أكَابِر مماليكه ومقدم مماليكه الطواشي شاذروان أَيْضا الأقبية الْحَرِير بالطرز. وَفِيه أنعم على الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن كَلَفْت بإمرة طبلخاناه وعَلى الْأَمِير نَاصِر(4/373)
الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَمِير تنكز نايب الشَّام بإمرة عشرَة وخلع على الشريفّ بكتمر بن عَليّ الْحُسَيْنِي وَاسْتقر فِي ولَايَة منفلوط وعَلى الْأَمِير مُحَمَّد بن بهادر وَاسْتقر فِي ولَايَة البهنسي وأنعم على الْأَمِير طشتمر الصَّالِحِي بإمرة طبلخاناه وخلع على الْأَمِير أَحْمد بن أرغون الأحمدي بإمرة عشرَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين جُمَادَى الأولى: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد ابْن الْمُفَسّر فأمطرت لَيْلَة الثُّلَاثَاء مَطَرا عَظِيما. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: وضع الْمُحْتَسب الْخبز على رُؤُوس عدَّة من الحمالين وشق بِهِ الْقَاهِرَة إِلَى القلعة وصنوج الخليلية تزفه والطبول تضرب وَنُودِيَ عَلَيْهِ كل ثَلَاثَة أَرْطَال إِلَّا ربع رَطْل بدرهم وَكَانَ كل رطلين وَثلث بدرهم فسر النَّاس بذلك إِلَّا أَن الْخبز عز وجوده وفقد من الْأَسْوَاق خَمْسَة أَيَّام وَالنَّاس تتزاحم على أَخذه من الأفران وَاشْتَدَّ شَره النُّفُوس وَكَانَ يخامرها الْيَأْس فَنُوديَ بتكثير الْخبز وَأَن يُبَاع بِغَيْر تسعير فتزايدت الأسعار فِي ساير الغلال بعد تناقصها حَتَّى بلغ فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة الأردب الْقَمْح بماية وَعشرَة دَرَاهِم والأردب الشّعير سِتِّينَ درهما والأردب الفول خَمْسَة وَخمسين درهما والقدح الْأرز بِدِرْهَمَيْنِ والقدح من العدس والحمص بدرهم وَربع وارتفع الزَّيْت والشيرج وأبيع الرطل من حب الرُّمَّان بِعشْرَة دَرَاهِم وَنصف والرطل من لحم الضَّأْن بِدِرْهَمَيْنِ وَمن لحم الْبَقر بدرهم وَثلث وَقلت البهايم من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْجمال وَالْحمير والأبقار والأغنام لفنائها جوعا وَبيع الزَّوْج الأوز بِعشْرين درهما وكل دجَاجَة بأَرْبعَة دَرَاهِم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَعبر الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب النَّصْر للسرحة على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي نصف جُمَادَى الآخر: هَذَا ابْتَدَأَ الوباء فِي النَّاس فِي الْقَاهِرَة ومصر وَكثر موت الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بِالْجُوعِ فَكنت أسمع الْفَقِير يصْرخ بِأَعْلَى صَوته: لله لبَابَة قدر شحمة أُذُنِي أشمها وخذوها فَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى يَمُوت هَذَا وَقد توقفت أَحْوَال النَّاس من قلَّة المكاسب لشدَّة الغلاء وَعدم وجود مَا يقتات بِهِ وشح الْأَغْنِيَاء وَقلت رحمتهم وَمَعَ ذَلِك فَلم يزْدَاد أجر الْعمَّال من البناة والفعلة والحمالين وَنَحْوهم من أَرْبَاب الصنايع شَيْئا بل اسْتَقر على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل الغلاء فَمن كَانَ يكْتَسب فِي الْيَوْم درهما يقوم بِحَالهِ ويفضل لَهُ مِنْهُ شَيْء صَار الدِّرْهَم لَا يجدي شَيْئا فَمَاتَ(4/374)
وَمَات أَمْثَاله من الأجراء والعمال والصناع والفلاحين وَالسُّؤَال من الْفُقَرَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر رَجَب: عدى السُّلْطَان النّيل من بر الجيزة عَائِدًا من السرحة فزار الْآثَار النَّبَوِيَّة وَصلى الْجُمُعَة بِجَامِع عَمْرو بِمَدِينَة مصر وَركب إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: قبض على الْوَزير الصاحب تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وخلع على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن الغنام وأعيد إِلَى الوزارة وتسلم الْمَالِكِي واستخلص مِنْهُ ثَمَانِينَ ألف مِثْقَال من الذَّهَب وَهدم دَاره بِمَدِينَة مصر إِلَى الأَرْض وَأخرجه على حمَار منفياً إِلَى الشَّام. وَفِيه خلع على الْأَمِير قرطاي الكركي وَاسْتقر شاد العماير بإمرة عشرَة وَاسْتقر الْأَمِير بَكتمر العلمي فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن قرطاي وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا الأناقي فِي نقابة الْجَيْش عوضا عَن بكتمر وَاسْتقر الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان الشرفي كاشفاً بِالْوَجْهِ القبلي من حُدُود الجيزة إِلَى أسوان. وَفِي شَهْري رَجَب وَشَعْبَان: اشْتَدَّ الغلاء فَبلغ الأردب الْقَمْح ماية وَخَمْسَة وَعشْرين درهما والإردب الشّعير تسعين درهما والأردب الفول ثَمَانِينَ درهما والبطة الدَّقِيق زنة خمسين رطلا بأَرْبعَة وَثَلَاثِينَ درهما وشفع الْمَوْت فِي الْفُقَرَاء من شدَّة الْبرد والجوع والعري وهم يستغيثون فَلَا يغاثون وَأكل أَكثر النَّاس خبز الفول والنخال عَجزا عَن خبز الْقَمْح وَبلغ الْخبز الْأسود كل رَطْل وَنصف بدرهم وَكثر خطف الْفُقَرَاء لَهُ مَا قدرُوا عَلَيْهِ من أَيدي النَّاس وَرمى طين بالسجن لعمارة حايط بِهِ فَأَكله المسجونون من شدَّة جوعهم وَعز وجود الدَّوَابّ لموتها جوعا. وَفِي رَابِع عشْرين شعْبَان: انتدب الْأَمِير منجك نايب السُّلْطَان لتفرقة الْفُقَرَاء على الْأُمَرَاء وَغَيرهم فَجمع أهل الْحَاجة والمسكنة وَبعث إِلَى كل أَمِير من أُمَرَاء الألوف ماية فَقير وَإِلَى من عدا أُمَرَاء الأولوف على قدر حَاله وَفرق على الدَّوَاوِين والتجار وأرباب الْأَمْوَال كل وَاحِد عددا من الْفُقَرَاء ثمَّ نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر بألا يتَصَدَّق أحد على حرفوش وَأي حرفوش شحذ صلب فآوى كل أحد فقراءه فِي مَكَان وَقَامَ لَهُم من الْغذَاء بِمَا يمد رمقهم على قدر همته وسماح نَفسه ومنعهم من التطواف لسؤال النَّاس فَخفت تِلْكَ الشناعات الَّتِي كَانَت بَين النَّاس إِلَّا أَن الْموَات عظم حَتَّى كَانَ يَمُوت فِي كل يَوْم من الطرحاء على الطرقات مَا يزِيد على خَمْسمِائَة نفر وَيُطلق من(4/375)
ديوَان الْمَوَارِيث مَا ينيف على مِائَتي نفس وتزايد فِي شهر رَمَضَان مرض النَّاس وموتهم ونفدت الأقوات وَاشْتَدَّ الْأَمر فبلغت عدَّة من يرد اسْمه للديوان فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة وَبَلغت عدَّة الطرحاء زِيَادَة على خَمْسمِائَة طريح فَقَامَ بمواراة الطرحاء الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير أقبغا آص والأمير سودن الشيخوني وَغَيرهمَا وَكَانَ من أَتَى بميت طريح أَعْطوهُ درهما فَأَتَاهُم النَّاس بالأموات فَقَامُوا بتغسيلهم وتكفينهم ودفنهم أحسن قيام بعد مَا شَاهد النَّاس الْكلاب تَأْكُل الْمَوْتَى من الطرحاء. فَلَمَّا فني مُعظم الْفُقَرَاء وخلت دور كَثِيرَة خَارج الْقَاهِرَة ومصر لمَوْت أَهلهَا فشمت الْأَمْرَاض من أخريات شهر رَمَضَان فِي الْأَغْنِيَاء وَوَقع الْمَوْت فيهم فازداد سعر الْأَدْوِيَة وَبلغ الْفروج خَمْسَة وَأَرْبَعين درهما ثمَّ فقدت الفراريج حَتَّى خرج الْبَرِيد فِي الْأَعْمَال بطلبها للسُّلْطَان وَبَلغت الْحبَّة الْوَاحِدَة من السفرجل خمسين درهما والحبة من الرُّمَّان الحامض عشرَة دَرَاهِم والرمانة الْوَاحِدَة من الحلو بِسِتَّة عشر درهما والبطيخة الْوَاحِدَة من الْبِطِّيخ الصيفي تسعين درهما وكل رَطْل مِنْهُ بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَاشْتَدَّ الْأَمر فِي شَوَّال إِلَى الْغَايَة. وَفِي خَامِس عشر شَوَّال: قدمت أم سَالم الدكري أَمِير التركمان بنواحي الأبلستين وَمَعَهَا أَحْمد بن همز التركماني أحد الْأَبْطَال وَكَانَ قد أَقَامَ دهراً يقطع الطَّرِيق على قوافل الْعرَاق يَأْخُذ أَمْوَالهم وَيقتل رِجَالهمْ وأعيا النواب بالممالمك أمره وهدروا دَمه فتشتت شَمله وَضَاقَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْبِلَاد حَتَّى اضطره الْحَال إِلَى الدُّخُول فِي الطَّاعَة وَقدم بِأم سَالم لتشفع فِيهِ فَقبل السُّلْطَان شَفَاعَتهَا وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع وَجعله من جملَة من مقدمي المماليك وأنعم على أم سَالم وردهَا إِلَى بلادها مكرمَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أَحْمد الطرخاني فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن الْأَمِير شرف الدّين يحيى بن قرمان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: اسْتَقر فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن تَقِيّ المرداوي عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الْعَسْقَلَانِي. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: وصلت تراويج الْقَمْح الْجَدِيد فانحل السّعر حَتَّى أبيع الأردب بستين درهما بعد مائَة وَثَلَاثِينَ وأبيع الأردب الشّعير بِعشْرين درهما والأردب الفول بِدُونِ الْعشْرين درهما وأبيع الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم ثمَّ تناقصت(4/376)
الأسعار وَاتفقَ أَنه أبيع فِي بعض الْأَيَّام الأردب الْقَمْح بماية وَعشْرين درهما ثمَّ أبيع فِي أثْنَاء النَّهَار بتسعين ثمَّ أبيع بستين ثمَّ أبيع من آخر النَّهَار بِثَلَاثِينَ درهما. وَفِي الْخَمِيس ثالثه: أنعم على الْأَمِير بيبغا السابقي الخاصكي بتقدمة ألف. وَفِي تَاسِع عشره: سقط الطَّائِر بالبشارة بِفَتْح سيس بعث بِهِ الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام ثمَّ قدم من الْغَد الْبَرِيد من النواب بذلك فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل ثَلَاثَة أَيَّام وَحمل إِلَى الْأَمِير أشَقتمُر نَائِب حلب تشريف جليل وَذَلِكَ أَنه توجه بعساكر حلب إِلَيْهَا فنازلها وَحصر التكفور متملكها مُدَّة شَهْرَيْن حَتَّى طلب الْأمان من فنَاء أزودتهم وعجزهم عَن الْعَسْكَر فتسلم الْأَمِير أشَقتمُر قلعتها وأعلن فِي مَدِينَة سيس بِكَلِمَة التَّوْحِيد ورتب بهَا عسكراً وَأخذ التكفور وأمراءه من أجناد وَعَاد إِلَى حلب وجهزهم إِلَى الْقَاهِرَة فَبعث السُّلْطَان الْأَمِير يَعْقُوب شاه لنيابة سيس وأزال الله مِنْهَا دولة الأرمن عباد الصَّلِيب وَقَالَ الأدباء فِي ذَلِك شعرًا كثيرا ذكرنَا بعضه فِي تَرْجَمَة الْأَمِير أشقتمر من تاريخنا الْكَبِير المقفا. وَاسْتقر الْأَمِير صرغتمش الخاصكي فِي نظر المارستان بعد وَفَاة الْأَمِير أيدمر الدوادار. وَفِيه عين قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة لقَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر بعد وَفَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني شرف الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أبي الْعِزّ الدِّمَشْقِي فَسَار الْبَرِيد لإحضاره. وَقدم الْبَرِيد بغلاء الأسعار بحلب حَتَّى أبيع المكوك الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما وَأَن الشَّيْخ أويس بن الشَّيْخ حسن متملك بَغْدَاد مَاتَ وَاسْتقر فِي السلطنة بعده ابْنه حُسَيْن بن أويس بن الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن بن أقبغا بن إيلكين. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بحلب فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد بن أَحْمد بن عُثْمَان الزرعي الشَّافِعِي عوضا عَن كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري وَاسْتقر سرى الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني الأندلسي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن على الصنهاجي الشاذلي وَاسْتقر الطواشي ياقوت الشيخي زِمَام الدّور فِي تقدمة المماليك بعد وَفَاة الْأَمِير سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي وَاسْتقر الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي الساقي شاد الحوش زِمَام الدّور(4/377)
وخلع عَلَيْهِمَا. وَاسْتقر الْأَمِير منكلى بغا الْبَلَدِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير أَقتمُر عبد الْغَنِيّ وَاسْتقر أقتمر عبد الْغَنِيّ فِي نِيَابَة صفد وَخرج الْبَرِيد بإحضار يَعْقُوب شاه نايب سيس وَاسْتقر عوضه الْأَمِير أقبغا عبد الله. وَفِي آخِره: فَشَتْ الْأَمْرَاض فِي النَّاس بالطاعون وَقل وجود الْأَمْوَات الطرحاء وأبيع الأردب الشّعير من عشْرين درهما إِلَى سِتَّة وَعشْرين درهما. وَفِي رَابِع ذِي الْحجَّة: قطع الدَّمِيرِيّ الْمُحْتَسب سعر الْخبز ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم وَقد كَانَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بدرهم فَامْتنعَ الطحانون أَن يشتروا الْقَمْح إِلَّا بِثمَانِيَة عشر درهما فأبي تجار الغلال الجلابة بيع الْقَمْح بِهَذَا وعادوا بمراكب الغلال من حَيْثُ أَتَوا فعز وجود الْقَمْح وَبلغ أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب وَتعذر وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق عدَّة أَيَّام وأبيع أقل من سِتَّة أَرْطَال وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه: قدم الْأَمِير يَعْقُوب شاه على الْبَرِيد من سيس فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن قطلوبغا الشَّعْبَانِي. وَفِي يَوْم النَّحْر: تناقص الوباء. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: قدم الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ من دمشق فَنزل بمدرسة السُّلْطَان حسن. ثمَّ استدعى فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره إِلَى القلعة فأجلس بِبَاب الْقصر ثمَّ أَمر أَن يجلس على بَاب خزانَة الْخَاص بجوار الْقصر فَجَلَسَ حَتَّى خرج الْأُمَرَاء من الْخدمَة بِالْقصرِ وَفِيهِمْ الْأَمِير طشتمر الدوادار فَسلم عَلَيْهِ وَسَار بِهِ إِلَى منزله وباسطه وأطعمه مَعَه من غذائه. وَكَانَ عِنْده الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ ضِيَاء الدّين القرم فتجابذوا أَطْرَاف الْبَحْث فِي فنون الْعلم. ثمَّ أمره الْأَمِير طشتمر أَن يسْتَمر حَيْثُ نزل إِلَى أَن يَطْلُبهُ السُّلْطَان فَمضى وَقد عَاق الْقَوْم أمره. وتحدث الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص فِي ولَايَة الْجلَال رَسُولا بن أَحْمد بن(4/378)
يُوسُف التباني الرُّومِي - مدرس الْحَنَفِيَّة بمدرسة الْأَمِير ألجاي - قَضَاء الْحَنَفِيَّة. فاستدعاه السُّلْطَان وَعرض عَلَيْهِ ولَايَة قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ من قبُوله وَاعْتذر بِأَن الْعَجم لَيْسَ لَهَا معرفَة بإصطلاح أهل مصر فَقبل السُّلْطَان عذره وَصَرفه مكرماً. فَتحدث بعض الْأُمَرَاء فِي ولَايَة مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَكَاد أمره يتم ثمَّ بَطل. فَتحدث بعض أهل الدولة لنجم الدّين أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ الْمَعْرُوف بِابْن الكشك فِي ولَايَته فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَخرج الْبَرِيد يَطْلُبهُ من دمشق. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره: قبض على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن الغنام وعَلى حَوَاشِيه وعَلى مقدم الدولة الْحَاج سيف وشريكه عبيد البازدار وعَلى الْأَمِير شرف الدّين حَمْزَة شاد الدَّوَاوِين وأبطل الوزارة وَأمر فأغلق شباك الوزارة بقاعة الصاحب من قلعة الْجَبَل فَخلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي أطلسين وَاسْتقر مشير الدولة بإمرة طبلخاناه ورسم لَهُ أَن يحمل الدواة والمرملة كَمَا هِيَ عَادَة الوزراء وخلع على سعد الدّين بن الريشة وعَلى أَمِين الدّين أَمِين واستقرا فِي نظر الدولة ورسم لَهما أَن يجلسا من وَرَاء شباك الوزارة وَهُوَ مغلق. وخلع على كريم الدّين صهر النشو وعَلى فَخر الدّين بن علم الطَّوِيل واستقرا فِي اسْتِيفَاء الدولة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: أفرج عَن الْمُقدم سيف ونوابه وخلع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ الْتزم أَن يسْتَخْرج للسُّلْطَان سِتّمائَة ألف من مَال السُّلْطَان وَأَفْرج أَيْضا عَن كريم الدّين شَاكر ابْن غَنَّام على مَال الْتزم بِهِ فَنزل على حمَار حَتَّى بَاعَ أثاثه وخيوله. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه: عزل قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة نَفسه من الْقَضَاء من أجل أَنه منع بعض موقعي الحكم من التوقيع فألح عَلَيْهِ بعض أهل الدولة فِي الْإِذْن لَهُ فَغَضب من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وأغلق بَابه وَاعْتَزل عَن الحكم هُوَ ونوابه فشق ذَلِك على السُّلْطَان وَبعث إِلَيْهِ بالأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد أقبغا آص يسْأَله فِي العودة إِلَى الحكم فَنزل إِلَيْهِ فِي يَوْم السبت وَسَأَلَهُ عَن السُّلْطَان وتضرع إِلَيْهِ وترفق فأبي من الْعود إِلَى الْولَايَة. وَرجع الْأَمِير إِلَى السُّلْطَان فَأرْسل إِلَيْهِ بالأمير بهادر الجمالي أَمِير آخور آخر النَّهَار فألح فِي مَسْأَلته وَأكْثر من الترقق لَهُ فَلم يقبل مِنْهُ وصمم على الِامْتِنَاع. فَلَمَّا أيس مِنْهُ قَالَ لَهُ: مَوْلَانَا السُّلْطَان يسلم عَلَيْك وَقد حلف إِن لم تقبل عَنهُ الْولَايَة وَلم تركب إِلَيْهِ ليركبن إِلَيْك حَتَّى يَأْتِيك فِي هَذِه اللَّيْلَة إِلَى مَنْزِلك حَتَّى تقبل عَنهُ ولَايَة الْقَضَاء وَحلف لَهُ الْأَمِير بهادر بِالطَّلَاق أَنه سمع السُّلْطَان وَهُوَ يحلف بِالطَّلَاق على هَذَا. فَلم يجد القَاضِي عِنْد ذَلِك بدا من أَن قَالَ:(4/379)
أَنا أجتمع بالسلطان ثمَّ ركب بِثِيَاب جُلُوسه وَصعد إِلَى القلعة فَعرض عَلَيْهِ السُّلْطَان الْعود إِلَى ولَايَة الْقَضَاء ولاطفه. فَأجَاب بعد جهد: إِنِّي أستخير الله تَعَالَى هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ يكون مَا يقدره الله. فَرضِي مِنْهُ السُّلْطَان بذلك وَقَامَ عَنهُ وَأجل الْأُمَرَاء من يسْعد بتقبيل يَده حَتَّى أَتَى منزله. وَركب من الْغَد يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرينه إِلَى القلعة وَاشْترط على السُّلْطَان شُرُوطًا كَثِيرَة الْتزم لَهُ بهَا حَتَّى قبل الْولَايَة. وَلبس التشريف الصُّوف وَنزل عَلَيْهِ من المهابة مَا يكان بشق الصُّدُور فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر جلال الدّين جَار الله فِي تدريس الْحَنَفِيَّة بالجامع الطولوني بعد وَفَاة ابْن التركماني. وَاسْتقر الْأَمِير قارا بن مهنا فِي إمرة الْعَرَب بعد موت أَخِيه حيار بن مهنا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى عِيَادَة الْأَمِير منجك فِي مَرضه فَقدم لَهُ عشرَة مماليك وَعشرَة بقج قماش وعدة من الْخَيل فَقبل ذَلِك ثمَّ أنعم بِهِ عَلَيْهِ وَلم يرزأه مِنْهُ شَيْئا وَقد فرش لَهُ عدَّة شقَاق من حَرِير مَشى عَلَيْهَا بفرسه فِي دَاره ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان خلائق لَا يحصيها إِلَّا خَالِقهَا فَمن الْأَعْيَان: الْأَمِير أسنبغا القوصوني اللالا أحد الطبلخاناه وَهُوَ مُجَرّد بالإسكندرية فِي ثَالِث عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير أسنبغا البهاوري شاد العماير ونقيب الْجَيْش فِي آخر شهر رَجَب. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد عرف بطبيق ابْن الْفَقِيه بدر الدّين حسن أحد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة فِي رَابِع ذِي الْقعدَة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن براغيث فِي خَامِس عشْرين شَوَّال. وَمَات قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شرف الدّين أَحْمد بن شهَاب الدّين حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري بعد أَن كف بَصَره عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة. وَمَات قَاضِي الشَّافِعِيَّة بحلب وطرابلس شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد اللَّطِيف بن أَيُّوب الْحَمَوِيّ عَن بضع وَسبعين سنة بحماة.(4/380)
وَمَات الإِمَام النَّحْوِيّ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ العنابي الدِّمَشْقِي عَن بضع وَسِتِّينَ سنة بِدِمَشْق. أَخذ النَّحْو بِالْقَاهِرَةِ عَن أبي حَيَّان وَشرح كتاب سِيبَوَيْهٍ. وَمَات الأديب البارع شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الْوَاحِد الْمَعْرُوف بِابْن أبي حجلة التلمساني الْحَنَفِيّ شيخ صهريج منجك فِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْحجَّة بِالْقَاهِرَةِ عَن إِحْدَى وَخمسين سنة. وَمَات الإِمَام الْمُحدث شهَاب الدّين أَحْمد بن الزَّيْلَعِيّ شيخ الإقراء بخانكاه شيخو فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا النظامي الجوكندار. وَمَات سُلْطَان بَغْدَاد وتوريز القان أويس ابْن الشَّيْخ حسن بن حُسَيْن بن أقبغا بن أيلكان عَن نَيف وَثَلَاثِينَ سنة مِنْهَا فِي السلطنة تسع عشرَة سنة وَكَانَ قد اعتزل قبل مَوته وَأقَام عوضه فِي المملكة ابْنه الشَّيْخ حُسَيْن لمنام رأه نعيت إِلَيْهِ نَفسه وَعين لَهُ يَوْم مَوته فتخلى عَن الْملك وَأَقْبل يتعبد فَمَاتَ كَمَا ذكر لَهُ فِي نَومه. وَمَات الْأَمِير أيدمر الدوادار الآنوكي الناصري أتابك العساكر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ مهاباً سيوساً حازماً يبْدَأ النَّاس بِالسَّلَامِ وَيتبع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. وَتُوفِّي شيخ خانكاه سعيد السُّعَدَاء بدر الدّين حُسَيْن بن قَاضِي دمشق عَلَاء الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف القونوي الشَّافِعِي فِي يَوْم السبت سادس عشر شعْبَان وَهُوَ يَنُوب فِي الحكم عَن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة ويدرس فِي الْمدرسَة الشريفية وَمَات الْأَمِير حيار بن مهنا بن عِيسَى. بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن(4/381)
فضل بن ربيعَة أَمِير آل فضل بنواحي سَلَمية عَن بضع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سُلْطَان شاه بن قرا الْحَاجِب من أَمراء الطبلخاناه. وَتُوفِّي الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحُسَيْنِي النَّيْسَابُورِي الشَّافِعِي وَهُوَ من أَبنَاء التسعين بحلب بعد مَا أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ زَمَانا وبرع فِي الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن أبي الْفَتْح الْعَسْقَلَانِي الْمصْرِيّ أحد أَعْلَام الْحَنَابِلَة فِي ثامن عشر شَوَّال بِدِمَشْق. وَمَات قَاضِي حلب عَلَاء الدّين عَليّ بن الْفَخر عُثْمَان بن أَحْمد بن عَمْرو بن مُحَمَّد الزرعي الشَّافِعِي عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة بِدِمَشْق وَقد بَاشر بهَا وكَالَة بَيت المَال وَكِتَابَة الْإِنْشَاء. وَمَات الْأَمِير قرقماس الصَرْغَتْمُشي أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير كَبَكَ الصَرْغَتْمُشي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَتُوفِّي قَاضِي الْعَسْكَر مفتي دَار الْعدْل أحد الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَشَيخ الْعَرَبيَّة وَالْأَدب شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الصايغ الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شعْبَان. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الله بن قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين على بن فَخر الدّين عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مصطفى المارديني الْمَعْرُوف بِابْن التركماني الْحَنَفِيّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع ذِي الْقعدَة عَن نَحْو أَرْبَعِينَ سنة بمنزله من نَاحيَة كوم الريش خَارج الْقَاهِرَة وَقد أَقَامَ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة ثَلَاث سِنِين وَأشهر وَأوصى أَن يكْتب على قَبره من شعره. إِن الْفَقِير الَّذِي أضحى بحفرته نزيل رب كثير الْعَفو ستار يوصيك بالأهل وَالْأَوْلَاد تحفظهم فهم عِيَال على مَعْرُوفك الساري(4/382)
وَتُوفِّي مفتي الشَّام جمال الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عمار الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الزبداني الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِي عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي أَمِين الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْحق الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن بضع وَسِتِّينَ سنة. وَتُوفِّي الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العلاف عَن نَحْو مائَة سنة. وَتُوفِّي رَئِيس التُّجَّار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُسلم فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شَوَّال وَإِلَيْهِ ينْسب الْمدرسَة المسلمية بِمصْر. وَمَات الْأَمِير منجك اليوسفي نَائِب السلطنة فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين ذِي الْحجَّة وَدفن من الْغَد بخانكاته تَحت القلعة. وَتُوفِّي الْوَزير الصاحب نَاظر الْخَاص فَخر الدّين ماجد ويدعى عبد الله بن تَاج الدّين مُوسَى بن علم الدّين أبي شَاكر بن سعيد الدولة فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر ذِي الْقعدَة وَأَبوهُ حَيّ. وَمَات الْأَمِير مُوسَى بن أيدمر الخطيري أحد أُمَرَاء العشرات. وَمَات الْأَمِير الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي مقدم المماليك وَأحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة السابقية بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي الْمسند زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن هَارُون بن مُحَمَّد بن هَارُون الْمَعْرُوف بِابْن الْقَارئ التغلبي فِي نصف ذِي الْقعدَة حدث بِصَحِيح عَن الشهَاب أَحْمد بن إِسْحَاق بن الْمُؤَيد الأبرقوهي وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ وَله مشيخة حدث بهَا أَيْضا. وَتُوفِّي أحد فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة نَاصِر الدّين مُحَمَّد الهاروني أَبُو جَابر بِمصْر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس شعْبَان.(4/383)
وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو البركات السُّبْكِيّ الشَّافِعِي مدرس الحَدِيث بالشيخونية ومفتي دَار الْعدْل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشْرين شَوَّال. وَتُوفِّي شيخ كتاب الْمَنْسُوب عز الدّين أيبك بن عبد الله التركي عَتيق طرغاي الجاشنكير الناصري فِي يَوْم الْأَحَد بِالْقَاهِرَةِ وَكتب على الْفَخر السنباطي وجاد وتصدر للكتابة بالجامع الْأَزْهَر دهراً فَكتب النَّاس عَلَيْهِ وانتفع بِهِ جمَاعَة وَكَانَ خيرا دينا. وَمَات الْأَمِير يلبغا الناصري أحد مقدمي الألوف فِي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات الشَّيْخ مجد الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ مجد الدّين أبي بكر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْعَزِيز الزنكلوني الشَّافِعِي فِي سَابِع شَوَّال. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الكتناني أحد فضلاء الميقاتية فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَمَات شرف الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ نَاصِر الدّين أبي جَابر الْمَالِكِي أحد نواب الْمَالِكِيَّة بِمصْر فِي سادس عشر شَوَّال. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن ثَعْلَب الْمَالِكِي مدرس الْمدرسَة القمحية بِمصْر فِي تَاسِع شَوَّال. وَمَات شرف الدّين حسن بن صدر الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَحْمد الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ أحد كتاب الْإِنْشَاء ومدرس الْحَنَابِلَة بالجامع الحاكمي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير بيبغا العلاى الدوادار وَهُوَ منفي بطرابلس. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد عرف بِابْن المغربي رَئِيس الْأَطِبَّاء فِي يَوْم(4/384)
الْأَرْبَعَاء ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة عَن سنّ عَال وَإِلَيْهِ ينْسب جَامع ابْن المغربي بشاطىء الخليج الناصري بِجَانِب بركَة قرموط.(4/385)
فارغه(4/386)
سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة فِي ثَالِث الْمحرم: خلع على نجم الدّين بن الشَّهِيد موقع الدَست وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بسيس. وَفِي يَوْم الْأَحَد تاسعه: ختن السُّلْطَان ولديه أَمِير عَليّ وأمير حاجي وعملت الأفراح مُدَّة سَبْعَة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره: قدم قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن قَاضِي دمشق عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح بن أبي الْعِزّ وهيب بن عطا بن جُبَير بن وهيب الْأَذْرَعِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْعِزّ وَدخل على الْأَمِير طشتمر الدوادار والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص ومحب الدّين مُحَمَّد نَاظر الْجَيْش وقاضي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَنزل بصهريج منجك تَحت القلعة وَأَقْبل الْأَعْيَان للسلام عَلَيْهِ. وَفِيه قدم قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأخناي الْمَالِكِي من الْحَج وَسلم على السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وأكرمه. وَفِي آخِره: استدعى نجم الدّين بن أبي الْعِزّ إِلَى القلعة وفوض إِلَيْهِ السُّلْطَان قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر وخلع عَلَيْهِ وَقرر عوضه فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق ابْن عَمه صدر الدّين عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ صَالح بن أبي الْعِزّ فَنزل قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين فِي موكب جليل إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين على الْعَادة. وَفِي رَابِع عشرينه: أنعم على الْأَمِير طيْبغُا الجمالي الصفوي بإمرة طبلخاناه وخلع على شرف الدّين بن مَنْصُور وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن ابْن الصايغ. وَفِيه قدم النشو الملكي الْوَزير من الشَّام باستدعاء وَلزِمَ بَيته وأنعم على الْأَمِير سراي تمر الخاصكي بتقدمة ألف.(4/387)
وَفِي نصف صفر: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بعمارة مدرسة بالصوة تجاه الطبلخاناه من قلعة الْجَبَل وَشرع فِي هدم بَيت الْأَمِير سُنقر الجمالي ليضيفه إِلَيْهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وجد فِي قصر الحجازية من الْقَاهِرَة - حَيْثُ كَانَ بَاب الزمرد أحد أَبْوَاب الْقصر الفاطمي - تجاه رحبة بَاب الْعِيد عمودان عظيمان إِلَى الْغَايَة تَحت ردم فرسم بسحبهما إِلَى عمَارَة السُّلْطَان فأعيا العتالون أَمرهمَا وعجزوا عَن شحطهما لكبرهما فَانْتدبَ ابْن عايد رايس الْخلَافَة وَإِلَيْهِ أَمر الحراقة السُّلْطَانِيَّة لذَلِك وَعمل حركات هندسية فانجرا مَعَ تِلْكَ الحركات بطول شَارِع الْقَاهِرَة إِلَى تَحت القلعة حَيْثُ الْعِمَارَة فِي عدَّة أَيَّام كَانَ للعامة فِيهَا اجتماعات بطبولهم وزمورهم وَقَالُوا من نزهاتهم فِي جر العامود غناء تداولته ألسنتهم عدَّة سِنِين واقترحوا بالإسكندرية قماشاً سموهُ جر العامود للبس النِّسَاء من الْحَرِير. فَلَمَّا وصل العمودان إِلَى الْعِمَارَة انْكَسَرَ أكبرهما نِصْفَيْنِ. وَفِي خَامِس شهر ربيع الأول: خلع على الْأَمِير تمرباي التُّمُرْتَاشِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن طَيدَمُر البالسي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرينه: خلع على الصاحب تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وأَعيد إِلَى الوزارة بعد إِبْطَالهَا وخلع على أَمِين الدّين أَمِين وَاسْتقر فِي نظر الدولة بمفرده وعزل الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكشي من الْإِشَارَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر وَبيع الاخر: خلع على الْأَمِير أقتمر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير سيف الدّين منجك بِحكم وَفَاته فَخرج وَجلسَ بدار النِّيَابَة من قلعة الْجَبَل على الْعَادة وأمضى الْأُمُور وَحكم بَين المتخاصمين. وَفِيه اسْتَقر ولي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق بعد موت أَبِيه وَحمل إِلَيْهِ التَّقْلِيد والخلعة على الْبَرِيد.(4/388)
وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر اللَّحْم فأبيع الرطل من لحم الضَّأْن بدرهم وَنصف والرطل من لحم الْبَقر بدرهم وَثمن. وَفِي سَابِع عشر شهر جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير قطلوبغا المنصوري من الشَّام باستدعاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: خرج قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَحْمد بن أبي الْعِزّ من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى دمشق من غير أَن يعلم بِهِ أحد شبه الفأر وَذَلِكَ أَنه لم تعجبه الْقَاهِرَة وَلَا أَهلهَا فَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ أحد وَجلسَ قَالَ نقيب الحكم بِسم الله يُشِير إِلَيْهِ أَن قُم فينفض من فِي مَجْلِسه وَأكْثر من التضجر والقلق ومازال يسْأَل فِي الإعفاء وَأَن يسْتَقرّ ابْن عَمه صدر الدّين عوضا عَنهُ حَتَّى أُجِيب فاغتنم ذَلِك وسافر. وَفِي نصفه: قبض على الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وَأدْخل قاعة الصاحب على مَال يحملهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام فاختفى وَلم يقدر عَلَيْهِ فأوقع الملكي الحوطة على دَاره وَقبض على أَتْبَاعه ومعارفه وصادرهم وَنُودِيَ عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وهدد من أخفاه وَجَاء الْمَالِكِي ليهْدم دَاره بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ وجد بهَا محراباً فَصَارَت مدرسة إِلَى الْيَوْم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع شهر رَجَب: قدم صدر الدّين عَليّ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أبي الْعِزّ الْحَنَفِيّ من دمشق باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الْخَمِيس خامسه وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: خلع على بدر الدّين عبد الْوَهَّاب بن كَمَال الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الأخناي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ بعد وَفَاة الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الأخناي وخلع على الْأَمِير قطلوبغا المنصوري وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وسافر ركب الْحجَّاج الرجبية على الْعَادة. وخلع على ابْن عرام وأعيد إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن جركتَمُر المنجكي بعد وَفَاته وعَلى الطواشي مُخْتَار شاذروان الدمنهوري وَاسْتقر مقدم المماليك بعد وَفَاة افتخار الدّين ياقوت الشيخي وعَلى الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الحسامي مقدم الْقصر وَاسْتقر مقدم الأسياد ولدى السُّلْطَان بإمرة عشرَة عوضا عَن مُخْتَار شاذروان.(4/389)
وقدمت رسل صَاحب إصطنبول بهدية فِيهَا صهرج محمل بحركات هندسية فَإِذا مَضَت سَاعَة من اللَّيْل وَالنَّهَار خرجت ثماثيل بنى آدم وَضربت بصنوج فِي أيديها وأنواع من آلَات الملاهي مَعهَا وَإِذا مَضَت دَرَجَة سَقَطت بندقة. وَفِي خَامِس عشره: سَافر الْأَمِير أشقتمر على نِيَابَة حلب بعد مَا خلع عَلَيْهِ وَقدم صَاحب سنجار بعد مَا سلمهَا لنواب السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَأكْرم وَخرج الْأَمِير أرغون العثماني لإحضار الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام. وَفِي خَامِس عشرينه خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الطواشي وَاسْتقر فِي توقيع الدست عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْقرشِي بعد وَفَاته وخلع على علم الدّين يحيى كَاتب الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الديناري بعد مَا أسلم وَاسْتقر فِي نظر الخزانة الْكُبْرَى عوضا عَن الْقرشِي وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ الْمُحْتَسب وَاسْتقر فِي نظر الأحباس وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير طيبغا الصفوي وأستقر لالا إخْوَة السُّلْطَان وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرطاي الكركي وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص عوضا عَن ركن الدّين عمر بن الْمعِين. وَفِي تَاسِع شهر رَمَضَان: خلع على شرف الدّين أَحْمد بن عَليّ ابْن مَنْصُور وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن صدر الدّين عَليّ بن أبي الْعِزّ وسافر ابْن أبي الْعِزّ إِلَى دمشق وخلع على مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم التركماني الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن شرف الدّين أَحْمد بن مَنْصُور. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَمَعَهُ هَدِيَّة للسُّلْطَان لم يعْهَد مثلهَا للنائب قبله مِنْهَا مِائَتَان وَخَمْسُونَ فرسا وَأهْدى لجَمِيع الْأُمَرَاء والأعيان عدَّة هَدَايَا وَنزل بالميدان الْكَبِير على النّيل حَتَّى سَافر فِي ثَالِث عشر شَوَّال بعد مَا خلع عَلَيْهِ. وَفِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشرينه: طلق السُّلْطَان نِسَاءَهُ الثَّلَاث وَهن خوند صَاحِبَة القاعة ابْنة عَمه السُّلْطَان حسن وَابْنَة الْأَمِير تنكزبغا وَابْنَة الْأَمِير طغاى تمر النظامي.(4/390)
وَقدم ابْن عرام نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء وَقدم طيدمر البالسي من الْقُدس باستدعاء وَظهر الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام من اختفائه فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْبيُوت. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين ذِي الْقعدَة: عزل الملكي من الوزارة وخلع من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه على أَمِين الدّين أَمِين وَاسْتقر فِي نظر الدولة بِغَيْر وَزِير فَانْفَرد الصاحب شمس الدّين أَبُو الْفرج المقسي نَاظر الْخَاص بِالتَّدْبِيرِ وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر مشير الدولة وخلع على أَمِين الدّين جعيص وَاسْتقر مُسْتَوْفِي الدولة. وَقدم الْبَرِيد بغلاء الأسعار بِدِمَشْق وَأَن الغرارة الْقَمْح بلغت نَحْو خَمْسمِائَة دِرْهَم وأبيع الْخبز بحلب كل رَطْل حَلَبِيّ بِسِتَّة دَرَاهِم والمكوك الْقَمْح بثلاثمائة دِرْهَم ونيف وأكلت الميتات وَالْكلاب والقطاط وَمَات خلق كثير من الْمَسَاكِين وانكشف عدَّة من الْأَغْنِيَاء وَعم الغلاء بِبِلَاد الشَّام كلهَا حَتَّى أكلت القطاط وبيعت الْأَوْلَاد بحلب وأعمالها. وَفِيه استناب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة صهره سرى الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْمَالِكِيَّة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ المسلاتي فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ بعد مَا انْتقل عَن مَذْهَب مَالك إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَاسْتقر الْبُرْهَان أَبُو سَالم إيراهيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاجي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن سرى الدّين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني الأندلسي وَاسْتقر بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله بعد وَكَانَ أَمِير الْحَاج فِي هَذِه السّنة الْأَمِير بوري الخاصكي فَخرج على الْحَاج بطرِيق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة قطاع الطَّرِيق وَقتلُوا مِنْهُم طَائِفَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران السَّعْدِيّ الهذباني الأخناي الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَجَب وَكَانَت مُدَّة ولَايَته قَضَاء خمس عشرَة سنة. وَتُوفِّي نَاظر بَيت المَال برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن بهاء الدّين الحلى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس الْمحرم.(4/391)
وَتُوفِّي الْفَقِير المجذوب الْمُعْتَمد أَحْمد بن عبد الله وَيُسمى مَسْعُود بِخَط المريس فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَمَضَان كَانَ أسود اللَّوْن ويؤثر عَنهُ كرامات وَرُبمَا غَابَ عقله مُدَّة ثمَّ حضر. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَلَاء الدّين على بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله الْعمريّ وَقد أناف على الثَّلَاثِينَ. وَمَات الْأَمِير أرغون المحمدي الآنوكي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أسنبغا بن بكتمر البوبكري أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس الْمحرم وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة البوبكرية بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير جركتمر المنجكي أَمِير مجْلِس وَقد ولي قلعة الْمُسلمين حَتَّى مَاتَ بهَا. وَمَات الْأَمِير طقبغا الْعمريّ أحد الطبلخاناه. وَتُوفِّي الشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أبي عبد الله يحيى بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن طَلْحَة بن مُوسَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبان بن أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث جُمَادَى الأولى بخلوته من سطح جَامع الْحَاكِم وَكَانَت لَهُ جَنَازَة عَظِيمَة جدا ومولده سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة. كَانَ فَقِيها شافعياً صَاحب فنون قدم من مَكَّة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ الْفِقْه عَن التقي السُّبْكِيّ والْعَلَاء القونوي والنحو عَن أبي حَيَّان والأصفهاني وَعَاد إِلَى مَكَّة بعد سبع سِنِين ثمَّ قدم مِنْهَا بعد سنتَيْن إِلَى الْبِلَاد الشامية سمع من جمَاعَة كالبرهان بن سِبَاع وَابْن عبد الدايم ثمَّ استوطن الْقَاهِرَة ودرس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية وباشر عدَّة وظائف تنزه عَنْهَا وَانْقطع لِلْعِبَادَةِ بسطح الْجَامِع الحاكمي حَتَّى مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ نَظِير فِي حفظه وَدينه. وَتُوفِّي كَمَال الدّين أَبُو حَفْص عمر بن التقي إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن العجمي الْحلَبِي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحدث بحلب وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة.(4/392)
وَتُوفِّي زين الدّين عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم بن أَمِين الدولة الْحَنْبَلِيّ الْحلَبِي عَن بضع وَسِتِّينَ سنة بحلب وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَمَات الشريف عجلَان بن رميثة بن أبي نمى مُحَمَّد بن أبي سعد عَليّ بن الْحسن بن قَتَادَة ابْن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن مُوسَى بن عِيسَى بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُوسَى الْجور بن عبد الله الْكَامِل بن الْحسن الْمثنى بن الإِمَام الْحسن بن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِم السَّلَام بعد مَا وَفِي إِمَارَة مَكَّة شَرِيكا لِأَخِيهِ ثقبة ثمَّ انْفَرد بالإمارة بعد موت أَخِيه حَتَّى رغب عَنْهَا لوَلَده أَحْمد بن عجلَان وَاعْتَزل حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشر جُمَادَى الأولى. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء مُحَمَّد بن سديد الدّين أبي مُحَمَّد عبد الْبر ابْن القَاضِي صدر الدّين أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام ابْن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان الْأنْصَارِيّ السُّبْكِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين شهر ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده سنة سبع وَسَبْعمائة. وَتُوفِّي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن خطيب بيروت الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي شَوَّال بِدِمَشْق ومولده سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة قدم الْقَاهِرَة وسكنها مُدَّة ودرس بالشافعي وَولي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَتُوفِّي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين أبي الْقَاسِم عمر بن الْحسن بن عمر بن حبيب الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة وَهُوَ أَخُو شَيخنَا زين الدّين طَاهِر. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين الشهَاب مَحْمُود أحد موقعي الدست بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الشَّيْخ مُحَمَّد بن شرف عادي - بِعَين مُهْملَة - الكلائي الشَّافِعِي الفرضي النَّحْوِيّ المقرىء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع شهر رَجَب بِالْمَدْرَسَةِ القطبية من الْقَاهِرَة ودرس الْفَرَائِض زَمَانا وصنف فِيهَا ومَهُر بِهِ جمَاعَة.(4/393)
وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير قيران الحسامي أحد الطبلخاناه. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن صوره مدرس المعزية بِمَدِينَة مصر وَأحد نواب الحكم الشَّافِعِيَّة فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشْرين ربيع الآخر. وَتُوفِّي قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة كَمَال الدّين التنسي الْمَالِكِي أحد فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْقرشِي موقع الدست وناظر الأحباس وناظر الخزانة الْكُبْرَى فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي التَّاجِر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سَلام الإسكندري بهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر رَجَب. وَتُوفِّي الشريف نجم الدّين حَمْزَة بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر أحد نواب الْمَالِكِيَّة وَهُوَ عَائِد من الْحَج بِمَنْزِلَة رَابِع فِي ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي موقع الحكم علم الدّين صَالح بن أَحْمد بن عبد الله الْإِسْنَوِيّ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة جليلة ورزق حظاً وافراً من الْأُمَرَاء وَغَيرهم بِغَيْر علم وَفِيه قيل وَقد ولى إِعَادَة. ومعيد لَو كتبت لَهُ حروفاً وَقلت أعد عَليّ تِلْكَ الْحُرُوف لقصر فِي إِعَادَته عَلَيْهَا فَكيف يُعِيد فِي الْعلم الشريف وَتُوفِّي تَاج الدّين أَبُو غَالب الكلبشاوي الْأَسْلَمِيّ نَاظر الذَّخِيرَة فِي نصف شَوَّال وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بمدرسة أبي غَالب تجاه بَاب الخوخة من ظَاهر الْقَاهِرَة وَكَانَ مشكوراً فِي مسالمة الْكتاب. وَتُوفِّي شيخ الْكتاب المجودين بِالْقَاهِرَةِ شهَاب الدّين غَازِي بن قطلوبغا التركي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع رَجَب وَقد تصدى لتعليم النَّاس كِتَابه الْمَنْسُوب دهراً طَويلا وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَكتب على محتسب مصر شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي رقيبة وَكتب ابْن أبي رقيبة على ابْن الْعَفِيف. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن عبد الرَّحْمَن الْجبلي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ الْأَعْمَى(4/394)
وَالِد شَيخنَا صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى فِي يَوْم السبت سادس عشْرين شعْبَان وَقد درس الْفِقْه بمدرسة حسن وَغَيرهَا. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن أَحْمد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الشهير بِابْن حجر. وَالِد أخينا فِي الله الْحَافِظ شهَاب الدّين أبي الْفضل قَاضِي الْقُضَاة أَحْمد بن حجر الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر شهر رَجَب وَكَانَ تَاجِرًا بِمَدِينَة مصر تفقه للشَّافِعِيّ وَحفظ كتاب الْحَاوِي وَأخذ الْفِقْه عَن الْبَهَاء مُحَمَّد بن عقيل وَقَالَ الشّعْر وَكثر فَضله وأفضاله وَمن شعره يُشِير إِلَى صناعَة أَبِيه فَإِنَّهُ كَانَ يَبِيع الْبَز بالإسكندرية. إسكندرية كم ذَا يسمو قماشك عزا فطمت نَفسِي عَنْهَا فلست أطلب بزا وَتُوفِّي الطواشي افتخار الدّين ياقوت الشيخي مقدم المماليك. وَتوفيت خوند ابْنة أَمِير منكلى بغا الشمسي، زَوْجَة السُّلْطَان.(4/395)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة فِي أول الْمحرم: وقف صوفية خانكاة سعيد السُّعَدَاء إِلَى السُّلْطَان وَشَكوا من شيخهم جلال الدّين جَار الله فرسم بعزله وَعين لمشيختها عَلَاء الدّين السراني وَكَانَ بالحجاز. وَفِيه طلب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة دوادار الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ نَائِب السُّلْطَان وَأنكر عَلَيْهِ ونهره فِي مجْلِس حكمه وَوضع من أستاذه بِسَبَب مَا يجْرِي من أَحْكَامه بَين النَّاس فَإِنَّهُ بلغه عَنهُ أَنه ضرب رب دين بِحَضْرَة مديونه فترقق لَهُ وتلطف بِهِ فِي المداراة حَتَّى خلص من مَجْلِسه وَقد ملىء قلبه مِنْهُ خوفًا. وَفِيه أخرج الْوَزير الْمَالِكِي إِلَى الكرك منفيا وَخرجت النجب فِي أول صفر إِلَى مَكَّة إِحْضَار الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وَكَانَ قد جاور بهَا. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الشريف بكتمر وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن الْأَمِير عَليّ خَان وخلع على الْأَمِير بكتمر السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن حُسَيْن بن الكوراني وأنعم على الْأَمِير أروس النظامي بإمرة فِي حلب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الأول: أُعِيد الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة بعد وَفِي أَوَائِل هَذَا الشَّهْر: انْقَطع مقطع من الخليج قَرِيبا من قناطر الأوز سَببه أَن شهَاب الدّين بن أَحْمد بن قايماز - أستادار ابْن آقبغا آص الأستادار - عمر بركَة بجوار الخليج من شرقيه ليجتمع فِيهَا السّمك وَفتح لَهَا من جَانب الخليج كوَّة يدْخل مِنْهَا المَاء فقوي المَاء واتسع الْخرق حَتَّى فاض المَاء وَأغْرقَ مَا فِي تِلْكَ الْجِهَة من الدّور فِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه فخربت عدَّة حارات كَانَ فِيهَا مَا ينيف على ألف دَار وَصَارَت ساحة وتعب الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني تعباً كَبِيرا حَتَّى سد المقطع خشيَة أَن تغرق الحسينية بأسرها وَأنْفق فِيهَا زِيَادَة على ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فِي ثمن أخشاب وَنَحْوهَا واستمرت تِلْكَ الديار خرابا إِلَى يَوْمنَا وَعمل مَوضِع بَعْضهَا بساتين وَمَوْضِع بعض برك مَاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: قدم الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام من الْحجاز.(5/3)
وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: استجد السُّلْطَان عدَّة خاصكية من مماليكه وأسكنهم فِي بَيت الْأَمِير أنوك بجوار بَاب الدَّار من القلعة وَقدم عَلَيْهِم الطواشي شرف الدّين مُخْتَصّ الأشرفي وَأمره أَن يوقفهم بَين يَدَيْهِ وَلَا يدع أحدا مِنْهُم يجلس فصاروا مضافيه مِنْهُم الْأَمِير بشتاك عبد الْكَرِيم الخاصكي. وَفِي مستهل شهر جُمَادَى الأولى: رسم بِإِبْطَال ضَمَان المغاني والأفراح بِجَمِيعِ أَعمال مصر من أسوان إِلَى الْعَريش وَكَانَ قد أَعَادَهُ وزراء السوء لِكَثْرَة مَا يتَحَصَّل مِنْهُ فَإِن الْعرس مَا كَانَ يتهيأ حَتَّى يغرم أَهله للضامنة خَمْسمِائَة دِرْهَم فَمَا فَوْقهَا بِحَسب حَال أهل الْعرس وَلَا تقدر امْرَأَة وَإِن جلت تنتقش إِلَّا بِإِطْلَاق من الضامنة وَلَا يضْرب بدف فِي عرس أَو ختان أَو نَحْو ذَلِك إِلَّا بِإِطْلَاق وعَلى كل إِطْلَاق فَرِيضَة مَال مقررة فِي الدِّيوَان وَكَانَ على كل مغنية قطيعة تحملهَا إِلَى الضامنة فَإِن باتت فِي غير بَيتهَا قَامَت. بِمَال للضامنة وتدور فِي كل لَيْلَة على بيُوت المغاني جمَاعَة من جِهَة الضامنة لمعْرِفَة من باتت مِنْهُنَّ خَارج بَيتهَا وَكَانَ على البغايا ضَرَائِب مقررة وَأما فِي بِلَاد الصَّعِيد وَالْوَجْه البحري فَإِنَّهُ يفرد حارات للمغاني والبغايا تقوم كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ. بِمَال مُقَرر فَيكون هُنَاكَ من التجاهر بِالزِّنَا وَشرب الْخمر مَا يشنع ذكره حَتَّى لَو مر غَرِيب بِتِلْكَ الْمَوَاضِع من غير أَن يقْصد الزِّنَا لألزم بِأَن يَأْتِي بغيا من تِلْكَ البغايا وَيكرهُ على ذَلِك أَو يفتدى. بِمَال يَدْفَعهُ إِلَيْهَا حَتَّى تقوم بِهِ مِمَّا عَلَيْهَا من الضريبة. وأبطل السُّلْطَان أَيْضا مَا أَعَادَهُ الوزراء من ضَمَان القراريط بأعمال مصر كلهَا فَكَأَن كل أحد من النَّاس - وَلَو جلّ - لَا يقدر أَن يشترى دَارا حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُ عَن كل ألف دِرْهَم من ثمنهَا عشرُون درهما فَمَاذَا أدّى مَا عَلَيْهِ من ذَلِك طبع لَهُ على رق طبع أَحْمَر شبه دَائِرَة وَعلم حولهَا مبَاشر هَذَا الدِّيوَان علاماتهم فَيشْهد بعد ذَلِك الْعُدُول فِي هَذَا الرّقّ بقضية التَّتَابُع وَمَتى لم يكن هَذَا فِي الرّقّ لَا يقدر الْعُدُول وَإِن جلوا عَن كِتَابَة الْمُبَايعَة خوفًا من أَن ينكل النكال بهم الْعَظِيم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ تَحْويل مغل سنة سبع وَتِسْعين لديوان السنين. وَفِيه كَانَ الْوَفَاء فِي خَامِس عشر مسرى وَبَلغت زِيَادَة النّيل ثَمَانِيَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت حَتَّى خيف فَوَات الزَّرْع ثمَّ هَبَط. وعزم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص على إِعَادَة ضَمَان المغاني فَغَضب من ذَلِك قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَامْتنع من الحكم وَحُضُور دَار(5/4)
الْعدْل فاستدعاه السُّلْطَان وَسَأَلَهُ عَن امْتِنَاعه من الحكم فَقَالَ: بَلغنِي أَن ضَمَان المغاني أُعِيد وَهَذَا يُوجب الْفسق. فَحلف لَهُ السُّلْطَان أَنه مَا أَمر بإعادته ولاعنده مِنْهُ علم وَبعث إِلَى ابْن آقبغا آص يُعلمهُ بذلك فَاعْتَذر بِعُذْر غير طائل فرسم بإبطاله وَكتب بذلك تواقيع قُرِئت على النَّاس وسيرت إِلَى النواحي فَبَطل ذَلِك وَلم يعد وَللَّه الْحَمد وتنكر السُّلْطَان على ابْن آقبغا آص وَكَانَ مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه خرج الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى نايب صفد فَلَمَّا قدم أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف وأنعم على الْأَمِير حاجي بن الْأَمِير أيدغمش بإمرة بحلب وَأخرج إِلَيْهَا. وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير ملكتمر من بركَة وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن تمرباي الدمرداشي وَنقل تمرباي إِلَى نِيَابَة صفد عوضا عَن آقتمر عبد الْغنى فَدخل صفد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص الاستادار وأحيط. بموجوده. بِمصْر وَالشَّام وَأمر بنفيه وَولده إِلَى طرسوس فَلم يزل الْأُمَرَاء بالسلطان حَتَّى رسم أَن يسْتَقرّ بالقدس بطالا فَسَار إِلَيْهَا من يَوْمه وَلحق بِهِ ابْنه من الْغَد هَذَا مَعَ شدَّة تمكنه من السُّلْطَان وَكَثْرَة اخْتِصَاصه بِهِ حَتَّى أَنه كَانَ يَقُول وَلَده فِي الْمَلأ إِذا دَعَاهُ سَيِّدي مُحَمَّد. وَفِيه خلع على الْوَزير الْمَالِكِي بَعْدَمَا أحضر وأعيد إِلَى الوزارة مرّة ثَالِثَة وَقبض على نَاظر الدولة أَمِين الدّين أَمِين وعوق بقاعة الصاحب من القلعة أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه أخرج الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أيبك ألفافا أَمِير آخور منفيا إِلَى الشَّام وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير قرابغا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بَدَت الْأَمْرَاض بالحميات فِي النَّاس واستمرت إِلَى أخر شعْبَان فَمَاتَ خلق كثير. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث شهر وَجب: خلع على السَّيِّد الشريف شرف الدّين عَليّ بن السَّيِّد فَخر الدّين وَاسْتقر فِي نقابة الْأَشْرَاف بعد وَفَاة أَبِيه بسؤال عدَّة من الْأَشْرَاف ولَايَته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَلم يعْهَد دورانه فِيمَا سلف قبل النّصْف من رَجَب وَكَانَ النَّاس فِي شغل عَنهُ بِكَثْرَة الْأَمْرَاض وَفِيه رسم السُّلْطَان بتجهيزه للسَّفر إِلَى الْحجاز فَبَيْنَمَا هم فِي عمل أهبة السّفر إِذْ مرض السُّلْطَان مَرضا شَدِيدا حَتَّى أرجف. بِمَوْتِهِ غير مرّة ونكس عدَّة نكسات اتهمَ فِيهَا أطباؤه(5/5)
بموافقتهم بعض الْأُمَرَاء على هَلَاكه فَقَامَ بعلاجه شَيخنَا زكى الدّين أَبُو البركات مُحَمَّد الْفَقِيه لمالكي وَشَيخنَا جلال الدّين جَار الله وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ قطب الدّين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن شرف الدّين أَبى الْبَقَاء مَحْمُود النَّيْسَابُورِي الْحَنَفِيّ حَتَّى تمّ بُرْؤُهُ. وَفِي أثْنَاء ذَلِك ألزم بعض أُمَرَاء الدولة قاضى الْقُضَاة شرف الدّين بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ أَن يحكم لَهُ باستبدال بعض الدّور الْمَوْقُوفَة. بِملك أحسن مِنْهُ على مُقْتَضى مَذْهَب أَبى حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ الِاسْتِبْدَال بالأوقاف حِينَئِذٍ غير مَعْمُول بِهِ فِي مصر وَالشَّام يتْركهُ قُضَاة الْحَنَفِيَّة تنزها وتحرجا لما فِيهِ من الْخلاف فَامْتنعَ ابْن مَنْصُور من الِاسْتِبْدَال للأمير فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ فِي ذَلِك عزل نَفسه فِي يَوْم الْأَحَد تاسعه فَتحدث لِجَار الله بعض من يعْنى بِهِ مَعَ السُّلْطَان فِي ولَايَة الْقَضَاء وَهُوَ إِذْ ذَاك مُقيم عِنْد السُّلْطَان ليعالج مَرضه فَأجَاب إِلَى ولَايَته وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه وَاسْتقر عوضا عَن شرف الدّين بن مَنْصُور. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه: عوفي السُّلْطَان من مَرضه وَعبر الْحمام وَصلى بِجَامِع القلعة على الْعَادة فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا زِينَة عَظِيمَة ونثر على السُّلْطَان لما خرج إِلَى الْجُمُعَة ذهب كثير فانتكس بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شعْبَان: أخرج السُّلْطَان إخْوَته وَبنى أَعْمَامه ذُرِّيَّة قلاوون بأجمعهم وَمَعَهُمْ حرمهم إِلَى مَدِينَة الكرك وَكَانَ الْوَقْت شتاء بَارِدًا فتألم النَّاس لذَلِك وَسَار بهم الْأَمِير سودن الشيخوني هَذَا وَالسُّلْطَان مَرِيض وحركة السّفر مستمرة. وَفِي سادس عشرينه: أنعم على كل من الْأَمِير يلبغا المنجكي والأمير مغلطاي البدري بإمرة طبلخاناة وعَلى كل من قطلوبغا البزلارى وطشتمر المحمدي اللفاف وألطنبغا العلائي بإمرة عشرَة. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الحسامي وَاسْتقر مِنْهُم المماليك عوضا عَن مُخْتَار شاذروان بعد مَوته وأنعم على الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشى بإمرة طبلخاناة وَاسْتقر أستادارا ثَانِيًا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر شهر رَمَضَان: عزل الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ من نِيَابَة السلطنة وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا يجلس بالإيوان وَقت الْخدمَة وخلع على الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وأبطلت النِّيَابَة وخلع على الْأَمِير بلوط الصرغتمشى(5/6)
أَمِير مشوى وَاسْتقر شاد الشربخاناة، وأنعم على الْأَمِير علم الدّين دَار بتقدمة ألف، وَقد قدم من دمشق باستدعاء. وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: سَقَطت نَار احْتَرَقَ بهَا حَاصِل مدرسة السُّلْطَان الَّتِي يعمرها تَحت القلعة فَتلف بهَا ماشاء الله من آلَات الْعِمَارَة وتفاءل النَّاس بذلك على السُّلْطَان وَكَانَ كَذَلِك وَقتل كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ تعطلت سِنِين إِلَى أَن خربها كلهَا النَّاصِر فرج بن برقوق كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع الوباء وعوفي السُّلْطَان وَركب إِلَى السرحة بالجيزة وَعَاد إِلَى قلعة الْجَبَل وَفِيه كثر الاهتمام بحركة السُّلْطَان إِلَى الْحَج وَخرجت الإقامات من الشّعير والدقيق والبشماط لتوضع فِي الْمنَازل بطرِيق مَكَّة. وَفِي رَابِع شَوَّال: خلع على الْأَمِير مغلطاي الجمالي وَاسْتقر فِي عوضا عَن جرحى البالسي بعد مَوته وخلع على الشريف عَاصِم وَاسْتقر فِي حسبَة مصر وَالْوَجْه القبلي بعد وَفَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَبى رقيبة. وَندب الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ أَن يخرج إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء والأجناد وَيُقِيم بِهِ لحفظه مُدَّة غيبَة السُّلْطَان بالحجاز وَندب إِلَى الثغور - مثل الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد والبرلس - جمَاعَة من الْأُمَرَاء والأجناد يَكُونُوا مركزين بهَا لدفع الْعَدو من الفرنج وَندب عدَّة أُمَرَاء للمبيت كل لَيْلَة فِي أَمَاكِن عينت لَهُم من خَارج الْقَاهِرَة ومصر ورتب الْأَمِير أيدمر الشمسي للإقامة بقلعة الْجَبَل لحفظها وَجعل نَائِب الْغَيْبَة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى ورسم لَهُ وَلِجَمِيعِ الْأُمَرَاء المقيمين أَن حَضَرُوا فِي أَيَّام المواكب الْخدمَة عِنْد بَاب الستارة من القلعة ويقبلوا أَيدي ولدى السُّلْطَان ويقفوا سَاعَة لَطِيفَة ثمَّ يقوم أَمِير على ابْن السُّلْطَان من مَجْلِسه وَيَقُول لِلْأُمَرَاءِ بِيَدِهِ بِسم الله فينصرفوا بعد أَن يسقوا مشروبا. وَلما قوى الْعَزْم على السّفر أَشَارَ على السُّلْطَان جمَاعَة من أهل الصّلاح بألا يُسَافر فَلم يقبل وصمم على السّفر ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَخرجت أطلاب الْأُمَرَاء فِي يَوْم السبت ثَانِي عشره بتجمل عظم إِلَى الْغَايَة وأناخوا ببركة الْحجَّاج وَخرج من الْغَد يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره طلب السُّلْطَان وَفِيه من الْحَرِير وَالذَّهَب مَا لَا يقدر على وَصفه(5/7)
وتفنن الغلمان فِي حسن ترتيبه وتأنقوا فِيهِ وأبدوا من صنائعهم الْعَجَائِب والغرائب فجروا أَولا عشْرين قطارا من الرَّوَاحِل بقماش من ذهب أكوارها وعرقياتها وحطمها ومياثرها حَرِير مزوكش غطس وَخَمْسَة عشر قطارا من الرَّوَاحِل بعبي حَرِير وقطار رواحل قماشها أسود خليفتي وقطار رواحل قماشها أَبيض برسم الْإِحْرَام وَمِائَة فرس عَلَيْهَا من السُّرُوج والكنافيش والعبي مَا يجل قِيمَته وكجاوتين وتسع محفات أغشية الكجاوتين مَعَ خمس محفات حَرِير كُله زركش غطس وَأَرْبع محفات دونهَا وَسِتَّة وَأَرْبَعين جملا محاير بغشية الْحَرِير وخزانة المَال على عشْرين جملا وقطارين تحمل البقل وَالثِّمَار والنعناع والسلق والكزبرة المزروع ذَلِك فِي محاير. وَمن أحمال المطابخ والمشارب وأنواع المآكل الملوكية مَا لَا يدْخل تَحت حصر مِنْهَا ثَلَاثُونَ ألف علبة حلوى زنة مَا فِي كل علبة خَمْسَة أَرْطَال فَيكون ذَلِك مائَة ألف وَخمسين ألف رَطْل وجميعها قد عملت من السكر النقي وطيبت. بِمِائَة مِثْقَال من الْمسك سوى الصندل وَالْعود وَعمل الْأُمَرَاء من الْحَلْوَى مثل ذَلِك وَأما الأجناد والأعيان فَلم ينْحَصر مَا عملوه من هَذَا الصِّنْف فَانْظُر عَظمَة بلد يعْمل فِيهِ للسُّلْطَان وأمراؤه فِي شهر وَاحِد ثَلَاثمِائَة ألف رَطْل وَسِتِّينَ ألف رَطْل من السكر سوى من دونهم وَلَعَلَّه نَظِير ذَلِك وَلم يعز مَعَ هَذَا وجود السكر بل وَلَا غلا سعره فقد أدركنا وَعلمنَا صِحَّته وَحمل مَعَه عدَّة من أَرْبَاب الملاهي والمخايلين فَأنْكر النَّاس ذَلِك من أجل أَنه غير لَائِق بِالْحَجِّ. وَكَانَ لمشاهدة هَذَا الطّلب يَوْمًا مشهودا ومنظرا بديعا يتَعَذَّر حكايته وَوَصفه زَادَت فِيهِ سَعَادَة الدولة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: خلع على الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله القرمي وَاسْتقر فِي مشيخة الْمدرسَة الأشرفية ولقب بشيخ الشُّيُوخ وأبطل هَذَا اللقب من مُتَوَلِّي مشيخة خانكاة سرياقوس فسكنها ودرس بهَا قبل أَن تكمل عمارتها. وَفِيه أَمر بسد بَاب القلعة مِمَّا يَلِي القرافة فسد وَأوصى السُّلْطَان مماليك ولديه(5/8)
بهما وبحفظ القلعة وعهد إِلَيْهِم أَنه إِن أَصَابَهُ الْمَوْت فولده أَمِير عَليّ هُوَ السُّلْطَان من بعده. وَركب من قلعة الْجَبَل وَسَار إِلَى سرياقوس فَبَاتَ بقصوره مِنْهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَنزل إِلَى بركَة الْحجَّاج فَأَقَامَ بهَا إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه ورحل مِنْهَا بكرَة النَّهَار وَمَعَهُ من أُمَرَاء الألوف أرغون شاه الأشرفي وبهادر الجمالي أَمِير آخور وصرغتمش الأشرفي وبيبغا السابقي وصراي تمر المحمدي وطشتمر لعلاي الدوادار ومبارك الطازي وقطلو آقتمر العلاي الطَّوِيل وبشتاك عبد الْكَرِيم الأشرفي وَمن أُمَرَاء الطبلخاناة جمال الدّين عبد الله بن بكتمر الْحَاجِب وأيدمر الخطاي وبورى الأحمدي وبلوط الصرغتمشى وأروس المحمودي ويلبغا المحمدي ويلبغا الناصري وأرغون الْعُزَّى الأفرم وطغاي تمر الأشرفي ويلبغا المنجكي وكزل الأرغوني وقطلوبغا الشَّعْبَانِي وأمير حَاج بن كغلطاي وعَلى بن الْأَمِير منجك وَمُحَمّد بن الْأَمِير تنكز بغا وتمر باي الْحسنى وأسندمر العثماني وقرابغا الإحمدي وإينال اليوسفي وَأحمد ابْن الْأَمِير يلبغا الخاصكي ومُوسَى بن دندار بن قرمان ويدي بن قرطقا بن سيسون وبكتمر العلمي ومغلطاي البدري وَمن أُمَرَاء العشرات سنقر الجمالي وَأحمد بن مُحَمَّد بن لاجين وأقبغابوز الشيخوني وأسنبغا التلكي وَمُحَمّد بن بكتمر الشمسي وَمُحَمّد بن قطلوبغا المحمدي وجوبان الطيدمري وألطنبغا عبد الْملك وقطلوبغا البزلاري وطوغان الْعمريّ وتلكتمر العيسوي وَمُحَمّد بن سنقر المحمدي وخضر بن عمر بن أَحْمد ابْن الْأَمِير بكتمر الساقي ومنجك الأشرفي وَمَعَهُ قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة الشَّافِعِي وقاضى الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ وقاضى الْقُضَاة بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناي الْمَالِكِي وسراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ قاضى الْعَسْكَر وَتوجه أَيْضا الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد ابْن فضل الله وناظر الْجَيْش تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن وَتَأَخر قاضى الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ بِالْقَاهِرَةِ. فَلم يزل السُّلْطَان سائرا. بِمن مَعَه حَتَّى نزل من عقبَة أَيْلَة وأناخ على الْبَحْر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه وَنزل بَقِيَّة الْحَاج من الْغَد يَوْم الْأَرْبَعَاء آخِره. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْقعدَة: انتدب لإثارة الْفِتْنَة بِالْقَاهِرَةِ أينبك البدري وأسندمر الصرغتمشى وقرطاي وطشتمر اللفاف وَمَشوا حِين تَأَخّر بالقلعة(5/9)
من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَفِي مماليك الأسياد ولدى السُّلْطَان وَفِي مماليك الْأُمَرَاء الْمُسَافِرين صُحْبَة السُّلْطَان وَفِي جمَاعَة من المماليك البطالة وواعدوهم جَمِيعًا على الْقيام مَعَهم ووعدوهم بِأَن ينفقوا فيهم خَمْسمِائَة دِينَار عَنْهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم لكل وَاحِد مِنْهُم فمالوا إِلَيْهِم وتحالفوا جَمِيعًا على الِاتِّفَاق وركبوا بِآلَة الْحَرْب. وَنزل المماليك السُّلْطَانِيَّة الَّذين بالطباق من قلعة الْجَبَل وَصعد الَّذين كَانُوا أَسْفَل القلعة إِلَيْهَا وَصَارَ الْجَمِيع بِبَاب الستارة وَفِي دَاخله الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال زِمَام الدّور والأمير جلبان لالا الأسياد والأمير أقبغا جركس اللالا فأغلقوا بَاب الستارة وَأخذ الْقَوْم يطرقون عَلَيْهِم الْبَاب وَيطْلبُونَ أَمِير عَليّ ابْن السُّلْطَان وَيَقُولُونَ: قد مَاتَ السُّلْطَان وَنحن نُرِيد نسلطن ابْنه أَمِير عَليّ. فَقيل لَهُم: من كبيركم حَتَّى نسلم إِلَيْهِ ابْن السُّلْطَان فتآمروا فِيمَا بَينهم سَاعَة وجمعهم يكثر ثمَّ كسروا شباك الزِّمَام المطل على تِلْكَ الْجِهَة وصعدوا مِنْهُ فنهبوا مَا فِي بَيت الزِّمَام ونزلوا إِلَى رحبة بَاب الستارة وقبضوا على الطواشي مثفال الزِّمَام وعَلى الْأَمِير حلبان ودخلوا من بَاب الستارة بأجعهم وأخرجوا أَمِير عَليّ وأجلسوه بِبَاب الستارة وأحضروا الْأَمِير أيدمر الشمسي وألزموه بتقبيل الأَرْض فقبلها وأركبوا أَمِير عَليّ إِلَى الإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل وأجلسوه على تخت الْملك ولقبوه بِالْملكِ الْعَادِل. فَتَأَخر نَاظر الْخَاص شمس الدّين أَبُو الْفرج المقسي فِي دَاره عَن الطُّلُوع إِلَى القلعة خوفًا من المماليك فَإِن رُءُوس النوب وأكابر المماليك طلبُوا مِنْهُ أَن يصرف لَهُم ولبقية المماليك رواتبهم من الدَّرَاهِم وَاللَّحم وَنَحْو ذَلِك فماطلهم بِالصرْفِ وهم يلحون فِي الطّلب فنهرهم وَقَالَ: مَا لكم عِنْدِي شَيْء حَتَّى يَجِيء أستاذكم خُذُوا مِنْهُ. وطلع نَاظر الدولة أَمِين الدّين أَمِين وَمَعَهُ مقدم الدولة الْحَاج سيف وَبَقِيَّة مباشري الدولة فَقبض المماليك عَلَيْهِم ظنا مِنْهُم أَنه المقسى وَأَغْلقُوا بَاب القلعة ووكلوا بناظر الدولة وَمن مَعَه عدَّة من المماليك ثمَّ نزلُوا من القلعة ووقفوا على خيولهم تحتهَا وبعثوا طَائِفَة مِنْهُم لإحضار المقسي فَلم يظفروا بِهِ فاستدعوا الْأَمِير آقتمر عبد الْغنى والأمير أيدمر الشمسي والأمير علم دَار وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء فأتوهم تَحت القلعة وأبوا من طُلُوعهَا فَأنْزل المماليك أَمِير عَليّ من القلعة إِلَى الإصطبل وطلعوا بالأمراء إِلَيْهِ فقبلوا لَهُ الأَرْض وحلفوا على الْعَادة إِلَّا الْأَمِير طشتمر الصَّالِحِي والأمير بلاط الْكَبِير السيفي والأمير خطط رَأس نوبَة فَإِنَّهُم لم يوافقوا المماليك على مَا فَعَلُوهُ فقبضوا عَلَيْهِم وطلبوا الْأَمِير سيف الدّين ألطنبغا أَبُو قورة أَمِير سلَاح - وَكَانَ قد تَأَخّر عَن السّفر لمَرض بِهِ - والأمير طاز فاعتذرا عَن الْحُضُور بالضعف وأرسلا مماليكهما(5/10)
وَكَانَ قبل ذَلِك قد بلغ كل من الْأَمِير سودن أَمِير آخور وأمير عَليّ بن قشتمر الْحَاجِب وَأَبُو بكر بن طاز وأيدمر الشمسي وأقتمر عبد الْغَنِيّ وعلمدار وطشتمر الصَّالِحِي وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء أَن مماليك السُّلْطَان ومماليك الأسياد يُرِيدُونَ إثارة الْفِتْنَة وَالرُّكُوب للحرب فتغافلوا عَنْهُم خوفًا على أنفسهم فَلَمَّا وَقع مَا وَقع وأتاهم الْأُمَرَاء ورسموا عَلَيْهِم وَأخذُوا مِنْهُم مماليكهم وَصَارَ دبير الْقَوْم أينبك ويشاركه الْأَمِير طشتمر اللفاف وأسندمر الصرغتمشى وقرطاي فَأمروا أَن يُنَادى فِي النَّاس بالأمان فَنُوديَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بَين يَدي وَإِلَى الْقَاهِرَة الْأمان والإطمئنان افتحو دكاكينكم وبيعوا واشتروا وترحموا على الْملك الْأَشْرَف وَالدُّعَاء لوَلَده الْملك الْعَادِل عَليّ ونائبه الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ فكثرت القالة بَين النَّاس واستمرت الكوسات تدق بالقلعة حَرْبِيّا وطبلخاناة الْأُمَرَاء أَيْضا تدق وَالْقَوْم وقُوف تَحت القلعة طول الْيَوْم السبت وَلَيْلَة الْأَحَد وأمير عَليّ بالإصطبل. فَلَمَّا أصبح نَهَار الْأَحَد رابعه غيروا لقب أَمِير عَليّ وجعلوه الْملك الْمَنْصُور وَأخذُوا خطوط جَمِيع الْعلمَاء والأمراء أَنهم رَضوا بِهِ سُلْطَانا وَنَادَوْا بِالْقَاهِرَةِ وأعمالهما ثَانِيًا بالأمان والإطمئنان وَالدُّعَاء للْملك الْمَنْصُور وَخرج الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ من بِلَاد الصَّعِيد وتقسموا الأمريات فَأخذ طشتمر اللفاف تقدمة أرغون شاه رَأس نوبَة وَأخذ قرطاي تقدمة صرغتمش وَأخذ أينبك تقدمة بيبغا السابقي وَأخذ أسندمر الصرغتمشى تقدمة وَأخذ بلاط الصَّغِير تقدمة حَتَّى عموا من أَرَادوا مِنْهُم بالأمريات. وَاسْتقر الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي أتابك العساكر ونصبوا لَهُم خَليفَة من بنى عَم الْخَلِيفَة المتَوَكل وَأَقَامُوا عز الدّين حَمْزَة بن عَلَاء الدّين على بن محيى الدّين يحيى بن فضل الله فِي وَظِيفَة كِتَابَة السِّرّ حَتَّى يحضر أَخُوهُ بدر الدّين وأحضروا نَاظر الْخَاص شمس الدّين المقسي حَتَّى فتح لَهُم خزانَة الْخَاص من القلعة وَأخرج مِنْهَا تشاريف الْأُمَرَاء وخلعهم وفرقها فيهم ورتب أَحْوَال المملكة وَمد السماط على الْعَادة وَأعْطى الرَّوَاتِب هَذَا وهم بِالسِّلَاحِ على الْخُيُول تَحت القلعة يترقبون مَا يرد من الْأَخْبَار فَإِنَّهُم كَانُوا قد وعدوا أَصْحَابهم على أَن يثيروا الْفِتْنَة مَعَ السُّلْطَان أَيْضا. فاتفق أَن السُّلْطَان لما أصبح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء. بِمَنْزِلَة الْعقبَة تجمع المماليك وطلبوا عليق دوابهم فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان بصرفه فِي منزلَة الأزلم فَسَأَلُوهُ أَن ينْفق فيهم مَالا لينفقوه فِي غلمانهم فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا البشماط وَالشعِير فرادوه مرَارًا حَتَّى نهرهم(5/11)
وتوعدهم فَمَضَوْا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير أرغون شاه رَأس نوبَة وَشَكوا مَا لَقِيَهُمْ من السُّلْطَان فَوَعَدَهُمْ أَن يتحدث لَهُم مَعَ السُّلْطَان فانصرفوا من عِنْده إِلَى الْأَمِير طشتمر الدوادار وتنمروا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ إِن لم ينْفق فِينَا قَتَلْنَاهُ. فَقَامَ إِلَى السُّلْطَان وَسَأَلَهُ فِي النَّفَقَة على المماليك فَامْتنعَ فمازال يرادده حَتَّى غضب مِنْهُ وسبه وَقَالَ لَهُ تحكم على فِي مصر وَهنا أَيْضا وهدده فَقَامَ وَقد أحدق المماليك بخامه ينتظرونه فَأخْبرهُم. بِمَا كَانَ وَأَكْثَرهم حِينَئِذٍ شباب ومماليك يلبغا فهاجت حفائظهم وتحركت أحقادهم وتواعدوا على قتل السُّلْطَان وخاصكيته ولبسوا السِّلَاح وَأتوا إِلَى الْأَمِير طشتمر وتوعدوه بِالْقَتْلِ إِن لم يوافقهم فألبس مماليكه السِّلَاح وَركب مَعَهم هُوَ والأمير مبارك الطازي والأمير صراي تمر المحمدي والأمير قطلو آقتمر الطَّوِيل العلاي وقصدوا السُّلْطَان وَكَانَ فِي خامة يتحدث مَعَ خاصكيته وَإِذا بضجة فَبعث من يكْشف لَهُ الْخَبَر فَقيل قد ركب المماليك فَأمر من عِنْده بِلبْس السِّلَاح فَمَا تمّ كَلَامه حَتَّى هجموا على الخام وَقَطعُوا الْأَطْنَاب فَأمر بالشموع فأطفئت وَخرج السُّلْطَان. بِمن مَعَه هَارِبا وهم الْأَمِير أرغون شاه والأمير صرغتمش والأمير بيبغا السابقي والأمير بشتاك الخاصكي والأمير أرغون الْعزي والأمير يلبغا الناصري والأمير ألطنبغا فرفور والأمير طشبغا رَأس نوبَة وَذَلِكَ فِي لَيْلَة الْخَمِيس وَقد أعد الْأَمِير قازان أَمِير آخور للسُّلْطَان مَا يركبه هُوَ وَمن مَعَه من مراكب الْخَاص فَرَكبُوا وطلبوا جِهَة الْقَاهِرَة وَلَيْسَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم سوى مَمْلُوك وَاحِد حَتَّى قطعُوا الْعقبَة فَإِذا. بِمقدم الهجانة مُحَمَّد بن عِيسَى وَمَعَهُ نَحْو اثْنَي عشر هجينا فَنزل السُّلْطَان عَن فرسه وَركب مِنْهَا وأركب من مَعَه بقيتها وَسَارُوا حَتَّى أَتَوا قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي يَوْم قيام المماليك بالقلعة فَسَمِعُوا دق الكوسات حَرْبِيّا فرابهم ذَلِك وبعثوا لكشف الْخَبَر وَتوجه السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري نَحْو الْجَبَل وَدخل بقبة الآمراء قبَّة النَّصْر وناموا فَبَيْنَمَا المماليك راكبين تَحت القلعة إِذْ قبض بعد الظّهْر على رَحل متنكر اسْمه قازان مِمَّن قدم مَعَ السُّلْطَان فَأتى بِهِ إِلَى أكابرهم فعرفهم خبر وقْعَة الْعقبَة ودلهم على مَوضِع السُّلْطَان فَتوجه الْأَمِير أسندمر الصرغتمشى وطولوا الصرغتمشى فِي جمَاعَة إِلَى قبَّة النَّصْر فذبحوا الْأَمِير أرغون شاه والأمير صرغتمش والأمير بيبغا السابقى والأمير بشتاك والأمير أرغون الْعُزَّى الأفرم وَأتوا برءوسهم إِلَى تَحت القلعة وهم يَقُولُونَ صلوا على مُحَمَّد ثمَّ دفعُوا الرُّءُوس إِلَى أَهلهَا فَذَهَبُوا إِلَى جثث الْأُمَرَاء الْخَمْسَة وواروها مَعهَا. وَقد اضْطربَ النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَأَغْلقُوا مَا فتح من الحوانيت وَكثر تخلقهم للْحَدِيث(5/12)
فِي أَمر السُّلْطَان والقائمين بالدولة وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر على السُّلْطَان وتوعد من أخفاه فاضطرب النَّاس وَبَاتُوا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ على تخوف وقلق شَدِيد فَلَمَّا طلع نَهَار الْإِثْنَيْنِ قبض على مُحَمَّد بن عِيسَى وَسُئِلَ عَن السُّلْطَان فَذكر أَن آخر علمه بِهِ أَنه فَارق الْأُمَرَاء وَمضى هُوَ ويلبغا الناصرى. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ لما أَخذ نَحْو الْجَبَل وَمَعَهُ الناصري قعد لحَاجَة وَإِذا بِالْخَيْلِ قد أَتَت إِلَى قبَّة النَّصْر فِي طلبه فاختفي هُوَ والناصرى حَتَّى جنهما اللَّيْل فَخرج بِهِ الناصري وَسَار إِلَى بَيت أستاداره فآواهما وحدثهما بِقِيَام المماليك وَمَا كَانَ مِنْهُم وَذبح الْأُمَرَاء فَاشْتَدَّ خوف السُّلْطَان وَخرج من ليلته. بمفرده من بَيت أستادار الناصري وَقصد بَيت آمِنَة امْرَأَة المشتولى بحارة المحمودية من الْقَاهِرَة وَبَات عِنْدهَا بَقِيَّة لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَأصْبح كَذَلِك إِلَى أخر النَّهَار فمضت امْرَأَة وأعلمت القائمين بالدولة بمكانه فَركب الْأَمِير قرطاى فِي عدَّة وافرة وَأتوا بَيت أَمَنَة وقبضوا عَلَيْهَا وأرهبوها فَأَشَارَتْ إِلَى بادهنج الْبَيْت فوجدوا السُّلْطَان قد لبس ثِيَاب النِّسَاء واختفي فِيهِ فَأَخَذُوهُ وألبسوه سِلَاحا وستروا وَجهه وَخَرجُوا بِهِ من بَاب سَعَادَة أحد أَبْوَاب الْقَاهِرَة حَتَّى صعدوا بِهِ قلعة الْجَبَل فتسلمه الْأَمِير أينبك وعاقبه حَتَّى دلهم على ذخائره وجمعوا بَينه وَبَين نَاظر الْخَاص شمس الدّين المقسى حَتَّى تحاققا على الذَّخَائِر وأعادوه إِلَى دَاره ثمَّ استدعوا بِالْقَاضِي صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المناوى - أحد خلفاء الحكم - فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه وأرادوه أَن يثبت وَصِيَّة الْملك الْأَشْرَف فَقَالَ: لابد من إِثْبَات وَفَاته فَدخل إِلَيْهِ مَمْلُوك مِنْهُم اسْمه جركس السيفي - من مماليك ألجاى اليوسفي - وخنقه ثمَّ أدخلُوا إِلَيْهِ جمَاعَة حَتَّى عاينوه مَيتا وعادوا إِلَى القاضى فَشَهِدُوا عِنْده. بِمَوْتِهِ وَأَنه أوصى الْأَمِير عز الدّين أينبك ثمَّ أنعم على جركس هَذَا بإمرة عشرَة وَاسْتقر شاد العماير جَزَاء لَهُ. بِمَا فعله من خنق السُّلْطَان ثمَّ أخذت جثة الْأَشْرَف وَوضعت فِي قفة وخيط عَلَيْهَا بلاس شعر أسود وألقيت فِي بِئْر آخر نَهَار الثُّلَاثَاء الْمَذْكُور فَلَمَّا مَضَت لَهُ أَيَّام ظهر نَتنه فَأخْرجهُ جيران تِلْكَ الْبِئْر فعرفوه ودفنوه بالكيمان الَّتِي بِجَانِب مشْهد السيدة نفيسة فَأتى بعض خدام السُّلْطَان لَيْلًا وَأخرجه من قَبره وَحمله إِلَى تربة أمه خوند بركَة من التبانة وغسله وكفنه وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه بالقبة الَّتِي بهَا. ومولده فِي سنة أَربع وَخمسين وَمُدَّة سلطنته أَربع عشرَة سنة وشهرين وَخَمْسَة عشر(5/13)
يَوْمًا وعمره أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ لينًا يحب أهل الْخَيْر وَيقف عِنْد مَا يحسن لَهُ من فعل الْخَيْر إِلَّا أَنه كَانَ يحب جمع المَال وتفرقته جدد فِي أَيَّام دولته الأقبية الْحَرِير بالطرز الزركش فِي كل سنة على الْأُمَرَاء مَعَ ركوبهم الْخَيل وَقت لبس الأقبية الْمَذْكُورَة بالسروج الذَّهَب والكنابيش الزركشى فَكَانَ يعم بذلك أُمَرَاء الألوف والطبلخاناة والعشرات والمماليك الخاصكية على قدر رتبهم وَلم يتقدمه ملك لفعل ذَلِك وَكَانَت أَيَّامه فِي هدوء وَسُكُون وأبطل مِسْكين شنيعين كَانَ يتَحَصَّل مِنْهُمَا مَال عَظِيم فبطلا من بعده وَلم يكن فِيهِ أَذَى وَلَا تجبر بل يرفع يَدَيْهِ وَيسْأل الله تعإلى أَن يخرب ديار من يُرِيد بِالنَّاسِ سوءا بِالْجُمْلَةِ فَكَانَ إِلَى التَّشَبُّه بِالنسَاء أميل مِنْهُ إِلَى التَّشَبُّه بِالرِّجَالِ وَترك من الْأَوْلَاد سَبْعَة ذُكُور أَمِير عَليّ وأمير حاجى وَكِلَاهُمَا تسلطن وَقَاسما ومحمدا وَإِسْمَاعِيل وَأَبا بكر وَأحمد وَسبع بَنَات. السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون الصالحى الألفي. أقيم فِي السلطنة - كَمَا تقدم - يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْقعدَة وَأَبوهُ حَيّ فَلَمَّا قتل أَبوهُ - كَمَا مر ذكره - فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء قدم فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ من بِلَاد الصَّعِيد. بِمن كَانَ مَعَه فَتَلقاهُ الْأُمَرَاء وأجلوا قدره وَقَالُوا لَهُ: أَنْت نَائِب السُّلْطَان والمتحدث عَنهُ وكلنَا من تَحت أَمرك فوافقهم ووقف بِطَلَبِهِ مَعَ أطلابهم تَحت القلعة. وَأما الَّذين بِالْعقبَةِ فَإِن السُّلْطَان لما انهزم قَامَ الْأَمِير طشتمر الدوادار بِالْأَمر وعزم على الْعود بِالنَّاسِ جَمِيعهم إِلَى الْقَاهِرَة وَإِبْطَال الْحَج فثارت الْعَامَّة ورجمته وَوَقع النهب فِي السُّوق فَمضى قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَمَعَهُ قاضى الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ من الْعقبَة إِلَى جِهَة الْقُدس وَتوجه مَعَهُمَا طَائِفَة كَبِيرَة من الْحجَّاج. وَوضع الْأَمِير بهادر - أَمِير أخور - بعض الزَّاد والعلف بخان الْعقبَة وانتهبت المماليك من الأثقال مَا قدرت عَلَيْهِ ورحل الْأُمَرَاء والمماليك وَمَعَهُمْ الْمحمل وَمن بقى من الْحجَّاج عائدين إِلَى الْقَاهِرَة ورموا من الزَّاد وَالشعِير وأنواع المأكل وَمن الأثقال مَا لَا يقدر قدره فَلَمَّا وصلوا إِلَى الْمنزلَة الْمَعْرُوفَة بأبار العلاى أُعِيد الْمحمل مَعَ الْأَمِير بهادر(5/14)
إِلَى مَكَّة وَسَار مَعَه قَلِيل من النَّاس وَمضى الْأُمَرَاء نَحْو الْقَاهِرَة وَلَا علم لَهُم بالسلطان حَتَّى نزلُوا نخل فَبَلغهُمْ أَن عدَّة من النَّاس مرت بهم بَعضهم على رواحل وَبَعْضهمْ على خيل تُرِيدُ نَاحيَة الْقَاهِرَة فَعَلمُوا أَنه السُّلْطَان فخاف المماليك عَاقِبَة أَمرهم وَأَن يتَّفق لَهُم مَا اتّفق على الأجلاب بعد وَاقعَة الْأَمِير أسندمر فمالوا على خَزَائِن السُّلْطَان المحمولة فِي الطّلب ونهبوها وتقاسموا مَا بقى فِيهَا وَتوجه عدَّة مِنْهُم إِلَى جِهَة الشَّام وَبقيت طَائِفَة صُحْبَة الْأَمِير طشتمر الدوادار وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وقاضى الْقُضَاة بدر الدّين الإخناى والحريم السلطانى وعدة كَبِيرَة من الْحجَّاج وَقد أَرَادوا الْخَلِيفَة أَن يقوم بِالْأَمر من غير سُلْطَان ويستبد بالمملكة ويكونوا عونا لَهُ على من خَالفه فَلم يوافقهم على ذَلِك وهم يلحون فِي سُؤَاله حَتَّى نزلُوا عجرود بَلغهُمْ مَا وَقع من قيام المماليك وسلطة أَمِير على ابْن السُّلْطَان وظفرهم بالأمراء وَالسُّلْطَان وقتلهم فَسَارُوا وَقد أمنُوا من السُّلْطَان وَكَانُوا على تخوف شَدِيد مِنْهُ أَن يظفر بهم ويقتلهم حَتَّى نزلُوا بركَة الْحجَّاج بعث الْأُمَرَاء القائمون بالدولة طَائِفَة من المماليك الأجلاب لِحَرْب الْأَمِير طشتمر وَعَلَيْهِم الْأَمِير أَحْمد بن همز فَلَقِيَهُمْ الْأَمِير قطلوا آقتمر العلاى الطَّوِيل - وَكَانَ طَلِيعَة الْأَمِير طشتمر - فكسرهم وَركب أقفيتهم إِلَى قرب قلعة الْجَبَل فتكاثروا عَلَيْهِ وأمسكوه وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه فَبعث الْأَمِير طشتمر بالأمير قطلوبغا الشعبانى فِي تَقْرِير أمره فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه ركبت عدَّة من الأجلاب لمحاربة طشتمر وافترقوا فرْقَتَيْن ومضوا فمالت فرقة على الخزائن والأثقال فنهبوا مَا هُنَاكَ وامتدت أَيْديهم إِلَى حَرِيم السُّلْطَان وَإِلَى الْحجَّاج فتجاوزوا الْحَد فِي النهب وفعلوا مَا لَا يفعل مثله فِي أهل الْإِسْلَام فَكَانَ شَيْئا قبيحا إِلَى الْغَايَة ذهب فِيهِ من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَكَانَت هَذِه السفرة سَببا لزوَال سَعَادَة الدولة وَذَهَاب دولة آل قلاوون إِلَى أخر الدَّهْر. وَأما الْفرْقَة الْأُخْرَى فَإِنَّهَا قَاتَلت الْأَمِير طشتمر وَمن مَعَه قتالا عَظِيما فكسرهم ومروا فِي الْهَزِيمَة - وَهُوَ فِي طَلَبهمْ - إِلَى تَحت القلعة فوصل عصر يَوْم الْخَمِيس ثامنه فَاجْتمع الْقَوْم على قِتَاله من نصف وَقت الْعَصْر حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فانكسر مِنْهُم(5/15)
وَمضى نَحْو كيمان مصر فِي نفر يسير فأدركه بعض الْأُمَرَاء مِمَّن يَثِق بِهِ ومازال بِهِ حَتَّى قرر مَعَه أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة الشَّام وَحلف لَهُ القائمون بالدولة فاطمأن لذَلِك وَنزل بداره فقبضوا عَلَيْهِ وحبسوه بقلعة الْجَبَل وقبضوا على الْأَمِير سراى تمر وبعثوه إِلَى الشَّام وقبضوا على الْأَمِير وَفِي يَوْم الْخَمِيس هَذَا: قدم الْخَلِيفَة وأصعد إِلَى القلعة واستدعى قاضى الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ ونواب الْقُضَاة والأمراء القائمون بالدولة إِلَى بَاب الستارة من القلعة وأخرجوا السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ فَبَايعهُ الْخَلِيفَة وَقبل لَهُ الْبيعَة الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ ثمَّ أفيضت عَلَيْهِ الخلعة الْخَلِيفَة وَهِي فرجية حَرِير بنفسجى بطرازين ذهب وديراها من رَأس كميها وعاتقيها وذيلها تركيبة ذهب وتحتانية حَرِير أَزْرَق خطاى وألبس عِمَامَة عَرَبِيَّة من حَرِير أسود على قبع حَرِير أسود وأرخى لَهَا عذبة حَرِير مزركش وَركب من بَاب الستارة بأبهة السلطنة إِلَى إيوَان دَار الْعدْل وَجلسَ على تخت الْملك وسرير السلطنة وَمد السماط بالإيوان فَأكل من حضر على الْعَادة ثمَّ قَامَ السُّلْطَان عَن التخت إِلَى الْقصر وخلع على الْأَمِير طشتمر اللفاف المحمدي أحد أُمَرَاء العشرات وَاسْتقر أَمِير مائَة مقدم ألف وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع أتابك العساكر وبجميع مَا خَلفه الْأَمِير أرغون شاه من مَال وغلال وخيول وجمال ومماليك وَغير ذَلِك وخلع على الْأَمِير قرطاي الطازى أحد المماليك المفاردة وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير على تقدمة صرغتمش وإقطاعه وأنعم عَلَيْهِ. بِمَا خَلفه من صَامت وناطق وَعين وغلة. ورسم لَهُ وللفاف أَن يجلسا بالإيوان فِي الميمنة. وخلع على اسندمر الذباح الصرغتمشى - أحد المماليك المفاردة - وَاسْتقر أَمِير سلَاح مقدم ألف ورسم لَهُ أَن أَن يجلس بالميسرة من الإيوان وخلع على قطلوبغا البدري وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى الْأَمِير طشتمر الدوادار وَاسْتقر نَائِب الشَّام وسافر من يَوْمه وخلع على الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشى وَاسْتقر دواداراً بإمرة طبلخاناه وأنعم على دمرادش اليوسفي أحد المماليك بتقدمة ألف وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وأنعم على بلاط الصَّغِير السيفي أحد المماليك المفاردة بتقدمة ألف وأنعم على ألطنبغا النظامي بتقدمة ألف وعَلى يلبغا النظامي بتقدمة ألف وَكِلَاهُمَا من جملَة المماليك المفاردة وأنعم على الْأَمِير أينبك بتقدمة ألف وَاسْتقر أَمِير أخور وأنعم على كل من بيقجا الكمالي وقطلوبغا البشيرى وطغاي تمر الناصري وصربغا الناصري وطولوا الصرغتمشى وألجبغا السيفي وقطلوبك النظامي وَأحمد بن همز التركمانى(5/16)
وقطلوخجا أخي أينيك وتمربغا البدري وألطنبغا الْمعلم وتلكتمر عبد الله المنصوري وأسنبغا الصارمي وأطلمش الطازى وأربغا السيفي وَإِبْرَاهِيم بن قطلو آقتمر العلاى وعَلى بن آقتمر عبد الْغنى وأسنبغا النظامي ومأمور القلمطاوى وأطلمش الأرغوني ومقبل الرُّومِي بإمرة طبلخاناة. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: مُحَمَّد بن قرطاي الطازي وخضر بن ألطبغا السلطاني وتكا الشمسي وَمُحَمّد بن شعْبَان ابْن الْأَمِير يلبغا الْعمريّ وأسنبغا المحمودي وطبج المحمدي وتلكتمر المنجكي وأقبغا السيفي وجركس السيفي وطقتمش السيفي وطوغان الْعمريّ وبكلمش الإبراهيمي ويلبغا العلاى ويوسف بن شادي البريدي وخضر الرسولي وأسندمر الشرفي ومغلطاي الشرفي وخليل بن أسندمر العلاي ورمضان بن صرغتمش وأخيه حسن صرغتمش وقطلوبغا حاجي أَمِير علم ومنكلى الشمسي وألجبغا السيفي وألطنبغا شادي وسودون العثماني فاتفق من ارْتِفَاع الأسافل مَا فِيهِ عِبْرَة لمن اعْتبر وَأصْبح المماليك الأجلاب الَّذين كَانُوا بالْأَمْس أقل مَذْكُور ثمَّ تتبعوا بِالْقَتْلِ وَالنَّفْي وأنواع الْعَذَاب ملوكا تجبى إِلَيْهِم ثَمَرَات كل شَيْء ويتحكمون فِي ممالك الأَرْض بِمَا تهوى أنفسهم وَمن حِينَئِذٍ تَغَيَّرت أَحْوَال الْبِلَاد بِتَغَيُّر أَهلهَا. وَفِيه أَيْضا قدم حَرِيم الْأَشْرَف من بركَة الْحجَّاج فَصَعدَ بهم إِلَى القلعة من بَاب السِّرّ بعد مَا نهبت خزانَة السُّلْطَان بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه سَار على الْبَرِيد الْأَمِير قطلوبغا جركس إِلَى دمشق ليقْبض على الْأَمِير بيدمر ويحبسه بقلعة صفد. وَفِي يَوْم السبت عاشره: اسْتَقر الْأَمِير طشتمر نَائِب الشَّام بِالْمَسِيرِ من ظَاهر الْقَاهِرَة إِلَى مَحل ولَايَته. وَفِيه أفرج عَن الْأُمَرَاء المعتقلين بقلعة الْجَبَل وهم آقتمر عبد الْغَنِيّ وَعلم دَار المحمدي وأيدمر الشمسي وسودون جركس وطيبغا الصفوي ومغلطاي البدري وصربغا السيفي وطشتمر الصَّالِحِي وبلاط الْكَبِير وحطط السيفي وإيامى المارديني وبلوط الصرغتمشى ويلبغا المنجكي وقرا بغا وَالِد جركتمر وحاجي خطاي وَالِد غَرِيب فِي جمَاعَة آخَرين. ثمَّ قبض عَلَيْهِم جَمِيعًا من الْغَد - خلا آقتمر عبد الْغَنِيّ وسودون جركس - وقيدوا وحملوا من ليلتهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا. وَفِيه استولى الْأُمَرَاء القائمون بالدولة على مَا كَانَ الْملك الْأَشْرَف وَضعه من المَال فِي مُودع الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَحمل على ثَمَانِيَة وَعشْرين جملا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: قرئَ بالإيوان تَقْلِيد السُّلْطَان وَعلم عَلَيْهِ الْخَلِيفَة(5/17)
وَشهد عَلَيْهِ فِيهِ الْقُضَاة على الْعَادة. ثمَّ خلع على الْخَلِيفَة وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِينَار رسم الْمُبَايعَة وخلع على الْقُضَاة وأرباب المناصب واستدعى الْوَزير تَاج الدّين النشو الملكي وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي الوزارة وخلع على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن أَمِين الدّين أَمِين وخلع على الْأَمِير طيدمر البالسي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أنتمر عبد الْغنى وخلع على الْأَمِير عَليّ ابْن قشتمر وَاسْتقر حاجبا ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير علم دَار. وَفِيه طلب المماليك من الْأُمَرَاء. وعدوهم بِهِ من النَّفَقَة فيهم وَهِي مبلغ خَمْسمِائَة دِينَار لكل وَاحِد فرسموا لَهُم. بِمِائَة دِينَار لكل مَمْلُوك فَأَبَوا وتجمعوا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره وقبضوا على الْأَمِير طشتمر اللفاف وهموا بِضَرْب عُنُقه فَقَامَ الْأَمِير قرطاي وَضمن لَهُم أَن ينْفق فيهم مَا عدوا بِهِ وَمَا زَالَ يتلطف بهم حَتَّى أطْلقُوا اللفاف وَأخذ الْأُمَرَاء فِي الإهتمام بِنَفَقَة المماليك وطلبوا أَمِين الحكم وَأَرَادُوا مِنْهُ أَن يقرضهم من مَال الْأَيْتَام مِائَتي ألف دِينَار ذَهَبا وَإِلَّا نهبوا الْمُودع وَكَانَ فِيهِ حِينَئِذٍ أَمْوَال عَظِيمَة جدا ورسموا جمَاعَة حَتَّى أخذُوا مَا شَاءُوا فَذَهَبت على الْأَيْتَام إِلَى الْيَوْم وقبضوا على شمس الدّين المقسي نَاظر الْخَاص وعَلى سعد الدّين نصر الله ابْن البقرى وتاج الدّين مُوسَى بن كَاتب السَّعْدِيّ وَولده سعد الدّين. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: حمل المقسي وتاج الدّين مُوسَى وَأمين الدّين مين وعلاء الدّين عَليّ بن السايس والمعلم شهَاب الدّين أَحْمد بن الطولوني إِلَى قاعة الصاحب بالقلعة وألزموا بأموال جزيلة وَقبض على جمَاعَة من مباشري الدولة وألزم كل وَاحِد مِنْهُم بِنَفَقَة عدَّة من المماليك وسلموا كل من ألزم بِنَفَقَة جمَاعَة لَهُم حَتَّى ينْفق فيهم فَلم يبْق أحد من مباشري الدولة وَالْخَاص حَتَّى وزع عَلَيْهِ عدَّة مماليك بِحَسب حَاله وَقبض على محتسب الْقَاهِرَة شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ وَحمل على قفص حمال إِلَى القلعة لمَرض بِهِ وألزم بِالنَّفَقَةِ على عشرَة مماليك. وَنهب بَيت أَخِيه وَقبض على جمَاعَة من التُّجَّار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: طلع الْأَمِير أسندمر الصرغتمشى والأمير دمرداش اليوسفي إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة من قلعة الْجَبَل وفرقا جواري الْملك الْأَشْرَف على الْأُمَرَاء. وَفِيه قبض على الطواشي مُخْتَصّ الأشرفي والطواشي جَوْهَر السكندري والطواشي(5/18)
سنبل رَأس نوبَة وأدخلوا قاعة الصاحب على مَال ألزموا بِهِ وألزم أَيْضا الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم ثمَّ تقرر حمله مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه قدم الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام من ثغر الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء فَقبض عَلَيْهِ وصودر على ألف ألف دِرْهَم ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر على عَادَته نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خلع على الْأَمِير آقتمر الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان وَأذن لَهُ أَن يخرج الإقطاعات لِلْأُمَرَاءِ والأجناد ونواب المماليك وَأَن ينْفَرد وَحده بالتحدث فِي المملكة بعد مَا تقرر ذَلِك مَعَ الْأُمَرَاء والمماليك وَرَضوا بِهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: قبض على جمَاعَة من خدام السُّلْطَان مِنْهُم الطواشي دِينَار اللالا والطواشي شاهين دست والطواشي سنبل اللفاف وأدخلوا قاعة الصاحب على حمل مَال. وَفِيه خلع على جمال الدّين مَحْمُود القيصري العجمي خطيب مدرسة ألحاي وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدميرى فَسخرَ الْعَامَّة مِنْهُ واستهزءوا بِهِ لعهدهم بِهِ أمس - وَهُوَ من فُقَرَاء الْعَجم يجلس تجاه بَاب المارستان بِالْقَاهِرَةِ وَيبِيع التَّمْر - فَلم يجد لَهُ بَيْتا ينزل فِيهِ حَتَّى نزل فِي بَيت تَاج الدّين أَحْمد بن عَليّ بن الظريف إِلَى أَن وجد دَارا سكنها. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: أفرج عَن الصاحب شمس الدّين المقسي نَاظر الْخَاص بعد مَا حمل مَالا عَظِيما وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص ووكالة الْخَاص على عَادَته. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: قدم قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وقاضى الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ وَمن رافقهما من الْحجَّاج بعد مَا زاروا بَيت الْمُقَدّس وعافاهم الله مِمَّا ابتلى بِهِ وَقدم من الْعقبَة من النهب وَالْخَوْف الشَّديد والشنعة القبيحة فعد هَذَا من سَعَادَة قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشرينه: خلع على علم الدّين سُلَيْمَان بن خَالِد بن نعيم(5/19)
الْبِسَاطِيّ - أحد نواب الحكم - وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناى بِوَاسِطَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن اللبان لَهُ الْأَمِير قرطاي. وَكَانَ إِبْرَاهِيم هَذَا أَبوهُ لبانا يَبِيع اللَّبن خَارج الْقَاهِرَة فَنَشَأَ فِي صغره مَعَ الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وتفقه على مَذْهَب مَالك وخدم الأتراك وَمِنْهُم قرطاي فَلَمَّا صَار قرطاي من الْأُمَرَاء فِي هَذِه النّوبَة جعل إِبْرَاهِيم شَاهد ديوانه وَمن جملَة موقعي الدست فهرع النَّاس لبابه فِي طلب شفاعاته لَهُم وتحدث للبساطي فِي ولَايَة الْقَضَاء مَعَ مخدومه الْأَمِير قرطاي وَكَانَ الْوَقْت قَابلا فولاه وَظِيفَة الْقَضَاء فاستناب عَنهُ فِي الحكم ابْن اللبان وَقدم جمَاعَة من الْمَالِكِيَّة كَانُوا فِي الْأَعْين محتقرين وَعند النَّاس غير وجيهين وَلَا معتبرين فَنَاسَبَ الْحَال فِي الدولة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر فِي سلطنة ماردين الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى بن المظفر فَخر الدّين دَاوُد بن الصَّالح صَالح بن مَنْصُور غَازِي بن المظفر قرا أرسلان بن أرتق أرسلان بن إيلغازي بن ألبى بن تمر تاش بن إبلغازي بن أرتق الأرتقى بعد موت أَبِيه وَكتب إِلَى السُّلْطَان يُعلمهُ بذلك فَأُجِيب بتعزيته وتهنأته. وَولي الْأَمِير أرغون الأسعردي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي الأحمدي. وَاسْتقر برهَان الدّين أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاحي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن زين الدّين أبي بكر المازوني. وَاسْتقر جلال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين عُثْمَان الزرعي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة ابْن عَمه فَخر الدّين عُثْمَان الزرعي وَاسْتقر محب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن الشَّيْخ شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشّحْنَة فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن(5/20)
الْجمال إِبْرَاهِيم بن العديم ثمَّ عزل بعد قَلِيل وأعيد ابْن العديم وَاسْتقر نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن عمر بن أبي الطّيب فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهَاجر الْحَنَفِيّ. وَولى الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس مملكة الْيمن بعد وَفَاة أَبِيه. وَفِيه كَانَت النَّفَقَة فِي المماليك وعدتهم ثَلَاثَة أُلَّاف لكل وَاحِد خَمْسمِائَة دِينَار عَنْهَا عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فضَّة حسابا عَن كل دِينَار عشرُون درهما ومبلغ ذَلِك ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف دِينَار صودر فِيهَا عَامَّة كتاب الدولة وأعيان الطواشية وَطرح فِيهَا عدَّة بضائع من أَصْنَاف الْخَاص على التُّجَّار وألزموا بِحمْل أثمانها فنالهم بِسَبَب ذَلِك عناء شَدِيد وَلم يسمع. بِمثل هَذِه النَّفَقَة فِي الدولة التركية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ذِي الْحجَّة: خلع عَليّ تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد نَاظر الْجَيْش وَاسْتقر فِي الْجَيْش بعد وَفَاة أَبِيه. وَفِي آخِره: توجه قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى مَدِينَة دمشق وَهُوَ متضعف مُنْذُ رغب عَن منصب الْقَضَاء. وَفِي هَذِه السّنة: ابْتَدَأَ الوباء من ذِي الْقعدَة فَمَاتَ جمَاعَة كَثِيرَة بالطاعون وَخرجت السّنة والوباء شَدِيد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان السَّيِّد الشريف نقيب الْأَشْرَاف بحلب شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر بن زيد بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم الممدوح الْحُسَيْنِي الْحلَبِي وَقد أناف على سبعين سنة. وَقَالَ الْعَلامَة حسن بن زين الدّين طَاهِر بن عمر بن الْحسن بن عمر بن حبيب(5/21)
الْحلَبِي يَوْمئِذٍ: مضى إِلَى الله جميل الثنا لما قضى الْعُمر مدى حَده فَلَا حرمنا مِنْهُ أجرا وَقد كَانَ لنا الأسوة فِي جده. وَفِيه يَقُول الْعَلامَة وَالِد طَاهِر الْمَذْكُور: جرت أعين الشهبا بعد شهابها سليل الْكِرَام السَّيِّد الشامخ الذرا. فَقل لِبَنِيهِ الطاهرين تثبتوا لكم أُسْوَة فِي جدكم سيد الورا. وَتُوفِّي الْمُحدث شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن قَاسم العرياني الْفَقِيه الشَّافِعِي شيخ خانكاه الْأَمِير طيبغا الطَّوِيل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير لاجين أحد الطبلخاناه فِي يَوْم السبت ثامن شهررجب. وَمَات الْأَمِير أستبغا الْعزي أحد الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير أستبغا عبد الْغَنِيّ أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا الإبراهيمي أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير إِيَاس المرديني أحد العشرات. وَمَات الْأَمِير جركتمر الخاصكي أحد أُمَرَاء الألوف يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر وَمَات الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن الْأَمِير قوصون أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشْرين رَجَب. وَمَات الْأَمِير طاز العثماني أحد أُمَرَاء الألوف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير طغيتمر العثماني أحد أُمَرَاء الطبلخاناه.(5/22)
وَمَات الْأَمِير جرجي البالسي أَمِير جندار. وَمَات الْأَمِير شاهين أَمِير علم أحد العشرات. وَتُوفِّي جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن كَمَال الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن عماد الدّين أبي الفدا إِسْمَاعِيل بن تَاج الدّين أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن شرف الدّين بن أبي الْفضل أَحْمد بن سعيد بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَثِير الْحلَبِي الأَصْل الْمصْرِيّ المنشأ والوفاة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ عَن أَربع وَسبعين سنة وَولى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وَكتب الْإِنْشَاء بقلعة الْجَبَل ثمَّ تنزه عَن ذَلِك وَانْقطع إِلَى ربه حَتَّى مَاتَ وَكَانَ فَاضلا لَهُ عدَّة مصنفات. وَتُوفِّي نَاظر الْجَيْش بحلب ودمشق تَاج الدّين عبد الله بن مشكور فِي جُمَادَى الْآخِرَة بِدِمَشْق وَكَانَ مشكور السِّيرَة وَله مُرُوءَة. وَتُوفِّي مُسْند الشَّام زين الدّين عمر بن الْحسن بن مزِيد بن أُميَّة المراغي الأَصْل الْحلَبِي الدِّمَشْقِي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده فِي رَجَب سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة تفرد بأَشْيَاء رَوَاهَا عَنهُ النَّاس. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب فَخر الدّين عُثْمَان بن صدر الدّين أَحْمد بن أَحْمد بن عُثْمَان الزرعي الشَّافِعِي فِي سادس شعْبَان بحلب. وَتُوفِّي خطيب حلب عَلَاء الدّين عَليّ بن وَمَات بِدِمَشْق خواجا عَلَاء الدّين عَليّ بن ذِي النُّون الأسعردي صَاحب الخان خَارج دمشق وَأحد أَعْيَان التُّجَّار فِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْحسن بن سعيد بن صَالح القرقشندي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي مفتي الْقُدس ومدرس الصلاحية بهَا فِي سادس جُمَادَى الْآخِرَة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة. كَانَ يستحضر كتاب الرَّوْضَة فِي الْفِقْه وَحدث عَن وزيره. وَتُوفِّي فَقِيه دمشق عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن خَليفَة بن عبد العال بن خَليفَة الحسباني الشَّافِعِي فِي ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي الأديب البارع جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن دَاوُد بن يَعْقُوب بن أبي سعيد الْمصْرِيّ بحلب عَن نَحْو خمسين سنة وَهُوَ كَاتب أديب منشئ وَمن شعره:(5/23)
بَعدت وَلم تقنع بِذَاكَ وَإِنَّمَا بخلت على الإخوان بالكتب وَالرسل. وَإِنَّا لنجري فِي ودادك جهدنا وَإِن كنت تمشي فِي الوداد على رسل. وَمَات الْأَمِير قبلاي نَائِب حمص وحاجب دمشق فِي شهر ربيع الآخر بحمص. وَتُوفِّي القَاضِي محب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الدايم التَّيْمِيّ الْحلَبِي نَاظر الْجَيْش فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة. أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن التقي الصايغ وَسمع الحَدِيث على نصر المنبجي وعَلى الْحجاز ووزيره والشريف أخى عطوف وَجَمَاعَة وبرع فِي الْفِقْه والنحو وَالتَّفْسِير وصنف كتبا عديدة ودرس عدَّة سِنِين وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وفَاق فِي معرفَة الْحساب وباشر ديوَان الْأَمِير جنكلي بن البابا ثمَّ ديوَان الْأَمِير منكلي بغا الفخري ثمَّ ديوَان قجاه أَمِير شكار وَولي نظر الْبيُوت ثمَّ ولي نظر الْجَيْش بعد ابْن خصيب فَبلغ فِيهِ من نُفُوذ الْكَلِمَة وشهرة الذّكر وارتفاع الْقدر مبلغا عَظِيما فِي عدَّة دوَل. وَتُوفِّي محتسب مصر شمس الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن أبي رقيبة الشَّافِعِي. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سرتقطاي أحد العشرات. وَتُوفِّي الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الْأَمِير قبلاى أحد الطبلخاناة. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بحلب شرف الدّين مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز بن فياض الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي وَهُوَ أول من ولي قَضَاء حلب من الْحَنَابِلَة. بَاشر وَظِيفَة الْقَضَاء بهَا نيفا وَعشْرين سنة حَتَّى مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة وَقد أناف على تسعين سنة. وَمَات الْأَمِير الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الدمنزوري مقدم المماليك.(5/24)
وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الرَّحِيم التّونسِيّ النَّحْوِيّ الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا المنصوري حَاجِب الْحجاب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين وَتُوفِّي الْأَمِير أرغون شاه الجمالي الخاصكي رَأس نوبَة مذبوحا هُوَ والأمير صرغتمش والأمير بيبغا السابقي والأمير بشتاك والأمير أرغون المعزي الأقرم فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع ذِي الْقعدَة. وَتُوفِّي محتسب الْقَاهِرَة بهاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْمُفَسّر فِي يَوْم الْجُمُعَة آخر جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي السَّيِّد الشريف نقيب الْأَشْرَاف وموقع الدست فَخر الدّين أَحْمد بن عَليّ الْحُسَيْن بن حسن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن بن زيد فِي يَوْم السبت أول شهر رَجَب. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد المقسى أستادار الْأَمِير صرغتمش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر رَجَب وَله مَسْجِد بالمقس خَارج الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد على السدار صَاحب الزاوية بحارة الرّوم من الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين رَجَب. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن براق الدِّمَشْقِي أحد موقعي الدست فِي أخر شهررجب. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير الْكَبِير ظاز يَوْم السبت ثامن عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قماري فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر رَمَضَان. وَتُوفِّي الْأَمِير بكتمر السيفي وَالِي الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ربيع الأول. وَمَات الطواشي شرف الدّين مُخْتَصّ الْمَعْرُوف بشاذروان مقدم المماليك فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شعْبَان. وَمَات صدر الدّين بن البارنباري أحد موقعي الْإِنْشَاء فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث شعْبَان.(5/25)
وَتُوفِّي بدر الدّين حسن المليكشي الْمَالِكِي فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي خطيب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن سُلَيْمَان الصقيلي الشَّافِعِي بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر وَهُوَ من نَاحيَة صقيل بالجيزة. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق زين الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن عبد الْملك المازوني فِي شَوَّال. وَتُوفِّي الْأَمِير يُونُس الْعمريّ. أحد الطبلخاناه. وَتُوفِّي الْأَمِير يَعْقُوب شاه أحد الألوف فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشر شهر رَجَب. وَتُوفِّي مؤدب الْأَطْفَال شمس الدّين مُحَمَّد بن عمر الخزرجي. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد عَليّ العقيدي بَائِع العقيد بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع رَجَب وحكيت لَهُ كرامات. وَتُوفِّي التَّاجِر زكي الدّين أَبُو بكر بن الحمامية فِي رَابِع رَجَب وَترك مَالا جزيلا. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد جمال الدّين الْأَصْفَهَانِي بسطح الْجَامِع الْأَزْهَر فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي الْمسند جمال الدّين يُوسُف بن عبد الله بن حَاتِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الحبال البعلبكي ومولده فِي صفر سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة حدث عَن جمَاعَة. وَمَات سُلْطَان بنى مرين صَاحب فاس وبلاد الْمغرب السُّلْطَان أبوالعباس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَملك بعده السُّلْطَان الواثق مُحَمَّد ابْن أبي الْفضل بن أبي الْحسن.(5/26)
(سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة)
أهلت والأمراض فِي النَّاس فَاشِية فتزايد الوباء فِي هَذَا الشَّهْر وَمَات جمَاعَة من النَّاس بالطاعون. وَفِي خَامِس الْمحرم: خلع عَليّ الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي وَاسْتقر أتابك العساكر. وخلع على الْأَمِير زين الدّين مبارك الطازي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا وخلع على الْأَمِير سودن جركس وَاسْتقر أستادار وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير قرابغا الأناقي أحد العشرات وَاسْتقر فِي ولَايَة مصر وَأَفْرج عَن الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل العلاي وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وَقبض عَليّ الْأَمِير طولوا الصرغتمشى بقطيا وَقد عَاد من الشَّام لما كَانَ من ظلمه وعسفه. وَفِي تاسعه: وصل أَوْلَاد قلاوون من الكرك وهم الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن حاجي ابْن مُحَمَّد بن قلاوون وَأَوْلَاد النَّاصِر حسن وهم أَحْمد وقاسم وَعلي واسكندر ومُوسَى وَإِسْمَاعِيل ويوسف وَيحيى وَشَعْبَان وَمُحَمّد وَأَوْلَاد حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون وهم أنوك وَأحمد وَإِبْرَاهِيم وجان بك وَمُحَمّد بن الصَّالح صَالح بن مُحَمَّد بن قلاوون وقاسم بن أَمِير عَليّ بن يُوسُف فأدخلوا بحريمهم وَأَوْلَادهمْ إِلَى قلعة الْجَبَل لَيْلًا وأنزلوا بدورهم مِنْهَا. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير الْكَبِير قرطاي وَاسْتقر فِي نظر المارستان. وَنزل إِلَيْهِ بتشريفة فَنظر فِي أَحْوَال المرضى وَغَيرهم على الْعَادة ثمَّ عَاد إِلَى منزله.(5/27)
وَفِيه قبض على الْأَمِير يلبغا النظامي - أحد الْأُمَرَاء الآلوف - وعَلى أستبغا النظامي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير سودن الشيخوني وعَلى الْأَمِير بلوط الصرغتمشى واستقرا حاحبين يحكمان بَين النَّاس. وَفِي رَابِع عشرينه: عزل الْأَمِير منكلي بغا الْبَلَدِي من نِيَابَة طرابلس والأمير تمرباى من نِيَابَة صفد. وَفِيه قدم محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير بهادر الجمالي وَقدم الْخَبَر بِأَن أهل الْبحيرَة قد عصوا وَفِي أَخّرهُ خلع على الْأَمِير عز الدّين أينبك البدري وَاسْتقر نَاظر المارستان عوضا عَن الْأَمِير الْكَبِير قرطاي. وَفِي خَامِس صفر: قدم الْبَرِيد بِسيف منكلي بغا الْبَلَدِي من طرابلس وَأَنه سجن بالكرك. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير. يلبغا الناصري من الشَّام باستدعاء بعد مَا نفي إِلَيْهَا فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَفِي عاشره: أَخذ قاع النّيل وَكَانَ خمس أَذْرع وَأَرْبع وَعشْرين إصبعا وَكَانَ فِي الْعَام الْمَاضِي خمس أَذْرع وست عشرَة إصبعا. وَفِيه ورد الْبَرِيد بِأَن تمر باى الدمرداشي لم يسمع لعزله عَن نِيَابَة صفد وَخرج عَن الطَّاعَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون الأسعردي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي. وَاسْتقر الْأَمِير تمراز الطازي فِي نِيَابَة حماة وَاتفقَ أَن الْأَمِير قرطاي تزوج بابنة الْأَمِير أينبك وَشرع فِي عمل المهم للعرس فَأخذ أينبك فِي الْعَمَل عَلَيْهِ واستمال جمَاعَة من أَصْحَابه مِنْهُم برقوق العثماني أحد المماليك الأجلاب اليلبغاوية وبركة وَوَعدهمْ بإمرات طبلخاناه فمالوا إِلَيْهِ وواعدوه على الفتك بِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد عشرينه حمل الْأَمِير أينبك تقدمة برسم عرس الْأَمِير قرطاي وجهزها إِلَيْهِ مَا بَين خراف ودجاج(5/28)
وأوز وسكر وَمن جُمْلَتهَا عدَّة جرار حمر قد عمل فِيهِ بنج فَقدمت إِلَيْهِ فقبلها وخلع على محضرها وَجلسَ للشُّرْب مَعَ أَصْحَابه من الْخمر الَّذِي بعث بِهِ إِلَيْهِ أينبك فاختلط وَصَارَ كالحجر الْملقى لَا يحس وَلَا يدْرِي فَبعث أَصْحَابه الَّذين استمالهم أينبك إِلَيْهِ يعلموه. بِمَا صَار إِلَيْهِ وَأَنَّهُمْ قد احترزوا على أنفسهم حَتَّى لم يصبهم شَيْء مِمَّا أَصَابَهُ فَركب فِي الْحَال بِآلَة الْحَرْب وَأنزل بالسلطان من قصره إِلَى الإصطبل وَأمر بدق الكوسات فدقت حَرْبِيّا حَتَّى اجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك لِلْقِتَالِ مَعَ السُّلْطَان على الْعَادة فَلم يزل الْأَمِير أينبك رَاكِبًا تَحت القلعة من عصر يَوْم الْأَحَد حَتَّى أصبح نَهَار يَوْم الْإِثْنَيْنِ. هَذَا وقرطاي وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء الألوف والطبلخاناه وَغَيرهم فِي غيبَة من السكر لايعون وَلَا يفيقون وهم الْأَمِير أسندمر الصرغتمشى والأمير سودن جركس والأمير قطلوبغا البدري والأمير قطلوبغا جركس أَمِير سلَاح والأمير مبارك الطازي فِي آخَرين فَلَمَّا أَصْبحُوا أَفَاق قرطاي إفاقة مَا وَبعث يسْأَل الْأَمِير أينبك أَن ينعم عَلَيْهِ بنيابة حلب فَأرْسل إِلَيْهِ التشريف ليلبسه وَيخرج من وقته وَكَانَ أينبك قد أحَاط فِي اللَّيْل بإصطبلات الْأُمَرَاء الَّذين عِنْد قرطاي وخواص مماليكه أَيْضا وَأخذ خيولهم بأجمعها وَكَانَ مماليك قرطاي قد أعياهم أمره وعجزوا عَن إيقاظه وأتوه فِي اللَّيْل برئيس الْأَطِبَّاء فعالجه وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء فَلم ينجع فيهم الدَّوَاء فَلَمَّا جَاءَهُ التشريف بنيابة حلب مَعَ عدَّة من أَصْحَاب أينبك أخذُوا قرطاي وأخرجوه من بَاب سرداره ومروا بِهِ وَهُوَ لَا يعي حَتَّى أوصلوه إِلَى سرياقوس وَعبر الْأَمِير أينبك إِلَى بَيت قرطاي - بعد إِخْرَاجه مِنْهُ - وَقبض على الْأُمَرَاء وعَلى عَامَّة أَصْحَاب قرطاي وحبسهم مقيدين وَبعث بعدة مِنْهُم إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة الْأمان والإطمئنان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور. ففتحت الْأَسْوَاق. وَفِي ثَانِي عشرينه: أخرج الْأَمِير أتمر الْحَنْبَلِيّ نَائِب السُّلْطَان إِلَى الشَّام منفيا. وَفِيه خلع على بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناي وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة. عوضا عَن علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير أينبك. وَفِي آخِره: أشيع بِأَن الْأُمَرَاء تركب للحرب فرسم للأمير حُسَيْن بن الكوراني وَإِلَى الْقَاهِرَة بقتل جمَاعَة لإرهاب الْعَامَّة فَأخْرج عدَّة من خزانَة شمايل قد وَجب عَلَيْهِم الْقَتْل ونحرهم وَنُودِيَ عَلَيْهِم وَهَذَا جَزَاء من يكثر فضوله. وَيتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه. ثمَّ وَسطهمْ تَحت القلعة.(5/29)
وَفِي ثَالِث عشرينه: سمر ثَلَاثَة مماليك صبيان من أجل أَنهم نهبوا من خُيُول الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ وطيف بهم الْقَاهِرَة وَتَحْت القلعة. وَفِيه أخرج الْأَمِير بيقجا الكمالي منفيا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أينبك وَاسْتقر أتابك العساكر عوضا عَن قرطاى وخلع على الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان عوضا عَن أقتمر الْحَنْبَلِيّ وخلع على الْأَمِير بهادر الجمالي الْمَعْرُوف بالمشرف وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن سودون جركس وخلع على الْأَمِير بلاط السيفي وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا السلطاني وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير دمرداش اليوسفي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير وخلع على الْأَمِير أطلمش الأرغوني وَاسْتقر دوادارا عوضا عَن فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشى وخلع على قطلوخجا السيفي وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة وخلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وخلع على الطواشي مقبل الدواداري وَاسْتقر زام الدَّار عوضا عَن مِثْقَال الجمالي وخلع على الْأَمِير أربوز السيفي وَاسْتقر مهمندار بإمرة عشرَة. وَفِيه أنعم على برقوق العثماني بإمرة طبلخاناه وعَلى بركَة بإمرة طبلخاناه وَكَانَ من جملَة المماليك صَارا من إقطاع الْحلقَة إِلَى إمرة طبلخاناه من غير أَن يَكُونَا من أُمَرَاء العشرات. وَفِيه خلع على عبد العال شَاهد مطبخ الْأَمِير أينبك وَاسْتقر فِي توقيع الدست عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن اللبان شَاهد قرطاي. وَفِيه سكن الْأَمِير الْكَبِير أينبك بالإصطبل السلطاني وَلم تجر عَادَة من تقدمُوا بذلك. وَفِيه أنعم على ولديه أَحْمد وَأبي بكر بتقدمتي ألف وسكنا فِي بَيت قرطاي تجاه بَاب السلسلة. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن قشتمر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام واستدعي ابْن عرام إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي أول شهر وَبيع الأول: خلع على الْأَمِير بهادر الجمالي وَاسْتقر فِي نظر المارستان. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: استدعى الْأَمِير الْكَبِير أينبك الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله(5/30)
مُحَمَّد إِلَى حَضرته وَأَرَادَ أَن يَجْعَل فِي السلطة الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير يلبغا الْعمريّ فَاعْتَذر بِأَنَّهُ ابْن أَمِير وَلَيْسَ من بَيت الْملك فَقَالَ لَهُ أينبك: إِنَّمَا هُوَ ابْن السُّلْطَان حسن حملت بِهِ أمه فَلَمَّا قتل السُّلْطَان أَخذهَا الْأَمِير يلبغا فولدته على فرَاشه. فَلم يُوَافقهُ على ذَلِك فَسَبهُ الْأَمِير أينبك وَقَالَ لَهُ: مَا أَنْت فاره إِلَّا فِي اللّعب بالحمام والإشتغال بالجواري الْمُغَنِّيَات وَالضَّرْب بِالْعودِ ونهره وَأمر بِهِ فَأخْرج منفياً إِلَى قوص فَنزل برباط الْآثَار خَارج مَدِينَة مصر ليجهز حَاله للسَّفر وَبَات النَّاس فِي قلق وعَلى تخوف من ركُوب الْأُمَرَاء للحرب وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه استدعى الْأَمِير الْكَبِير أينبك بزكريا بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَاكِم وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر بِهِ خَليفَة عوضا عَن المتَوَكل على الله ولقبه المستعصم بِاللَّه وَفِي عصر هَذَا الْيَوْم بعث الْأَمِير أينبك بالأمير بلوط الْحَاجِب إِلَى الْخَلِيفَة المتَوَكل حَتَّى عَاد من رِبَاط الْآثَار إِلَى دَاره فلزمها. وَفِيه خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وخلع على الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بكتمر وَاسْتقر حاجبا ثَانِيًا. وَفِي ثامنه: أخرج بالأمير أرغون العثماني منفيا إِلَى الشَّام. وَفِيه أنزل الْأَمِير الْكَبِير أينبك. بِمِائَتي مَمْلُوك أسكن مائَة بمدرسة حسن وَمِائَة. بمدرسة الْأَشْرَاف. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير طشتمر نَائِب الشَّام والأمير أشقتمر نَائِب حلب والأمير تمرباى نَائِب صفد والأمير منكلي بغا الْبَلَدِي - وَقد خرج من سجن الكرك وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع جنتمر أخي طاز وتقدمته - والأمير أرغون(5/31)
الأسعردي والأمير قرطاي قد خَرجُوا عَن الطَّاعَة وصاروا فِي جمع كَبِير من المماليك والعربان والتركمان وَقَالُوا: لَا ترْضى بتحكم أبنبك. وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا فِي طَاعَة الْأَمِير طشتمر وَقد عزموا على الْمسير إِلَى مصر وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ والأمير قرطاي إِلَى دمشق فتلقاهما الْأَمِير طشتمر وَبَالغ فِي إكرامهما وَفِيه جمع الْأَمِير أينبك الْأُمَرَاء والقضاة وَحلف الْأُمَرَاء لنَفسِهِ وللسلطان وَأمرهمْ بِأَن يتجهزوا إِلَى الشَّام وَأمر بالجاليش السلطاني فعلق على الطبلخاناه من قلعة الْجَبَل. وَفِيه - وَهُوَ سَابِع عشْرين تموز وثالث مسرى -: وَقع مطر كَبِير جدا سَالَ مِنْهُ جبل المقطم وَكَانَ مَعَ ذَلِك رعد قوي وبرق متواتر وتساقطت فِي اللَّيْل نُجُوم عديدة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خلع على الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وَاسْتقر خَليفَة على عَادَته. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي. وَفِيه خرج الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام ليقف على رَأس الرمل بطرِيق الشَّام ليرد من عساه يتسحب من المماليك إِلَى الشَّام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرينه: خرج الجاليش سائرا إِلَى الشَّام وهم خَمْسَة أُمَرَاء مقدمي أُلُوف: قطلوخجا والأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْكَبِير أينبك والأمير يلبغا الناصري والأمير دمرداش اليوسفي والأمير بلاط الصَّغِير والأمير تمر باي الحسني وَأَرْبَعَة أُمَرَاء طبلخاناه وهم: بورى الأحمدي وآقبغا آص الشيخوني وبرقوق العثماني وبركة وَمِائَة من المماليك وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: خرج طلب السُّلْطَان وَطلب الْأَمِير الْكَبِير أينبك وَسَائِر أطلاب الْأُمَرَاء وَغَيرهم. وَفِي يَوْم السبت أول شهر ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان والأمير قطلوأقتمر الطَّوِيل والأمير مبارك الطازي والأمير ألطنبغا السلطاني والأمير إينال فِي بَقِيَّة الْأُمَرَاء والمماليك وَسَار من قلعة الْجَبَل حَتَّى نزل. بمخيمه على نَاجِية العكرشا شمَالي سرياقوس. وَفِيه نُودي أَن النّيل أَرْبعا وَعشْرين إصبعا من أول النَّهَار ثمَّ نُودي عِنْد الْعَصْر(5/32)
بِزِيَادَة اثْنَتَيْ عشرَة إصبعا لتتمة سِتّ عشرَة ذِرَاعا وَزِيَادَة إِصْبَع من سبع عشرَة ذِرَاعا وَذَلِكَ هُوَ الْيَوْم الْخَامِس عشر من شهر مسرى فسر النَّاس الْوَفَاء وَخُرُوج أينبك من الْبَلَد وَكَانَ أينبك قد ثقل على النَّاس وتطيروا لَهُ بذلك فَقَالُوا: خرج فِي يَوْم الْكسر فَوَقَعت عَلَيْهِ الطَّيرَة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِيه: فتح الخليج على الْعَادة فَنُوديَ بِزِيَادَة خمس أَصَابِع. فَلَمَّا كَانَ بعد عصر هَذَا الْيَوْم رَجَعَ الْأَمِير أينبك بالسلطان إِلَى القلعة وَمَعَهُ الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل والأمير ألطنبغا السلطاني وَقد اضْطَرَبَتْ الْقَاهِرَة وَذَلِكَ أَن أُمَرَاء الشَّام وَردت. مكاتبتهم إِلَى أُمَرَاء مصر تَتَضَمَّن توبيخهم على تقديمهم أينبك وتمكينمه من الإنفراد بِالتَّدْبِيرِ وقرروا مَعَهم إِشَاعَة مخامرة نواب الشَّام وخروجهم عَن الطَّاعَة وَعمل الْحِيلَة فِي إزعاج أينبك حَتَّى يخرج لمحاربتهم بِالشَّام ليحصل التَّمَكُّن من الْقَبْض عَلَيْهِ فدبروا على أينبك حَتَّى خرج بالسلطان وَسَار جاليش الْعَسْكَر حَتَّى نزل بالصالحية فَبلغ الْأَمِير قطلوخجا أخوأينبك وَهُوَ مقدم الجاليش أَن الَّذين مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك قد اتَّفقُوا على أَن يكبسوه فَجمع مماليكه ومماليك الْأَمِير أَحْمد بن أينبك وبادر ليأخذهم قبل أَن يأخذوه وَركب إِلَيْهِم وهم متهيئون لَهُ فقاتلوه وكسروه كسرة قبيحة لم ينج مِنْهَا إِلَّا بِنَفسِهِ وَثَلَاثَة مَعَه وَأَقْبل إِلَى أَخِيه أينبك فَلم يثبت وَرجع من فوره بالسلطان وَكَانَ رَأس هَذِه الْحَرَكَة ومحرك سلسلتها الْأَمِير برقوق العثماني. وَفِي غده - يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثالثه -: أنزل الْأَمِير أينبك بالسلطان من قصره إِلَى الْأَصِيل ودقت الكوسات حَرْبِيّا ليجتمع الْعَسْكَر على الْعَادة وَكَانَ قد اتّفق الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل - هُوَ والأمير ألطنبغا السلطاني وَجَمَاعَة كَبِيرَة - على مُخَالفَة أينبك وتوجها نصف اللَّيْل إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة ووقفوا هُنَاكَ للحرب فَبعث إِلَيْهِم الْأَمِير أينبك بأَخيه الْأَمِير قطلوخجا وَمَعَهُ نَحْو مِائَتي فَارس فَلَقِيَهُ الْقَوْم وقاتلوه وأخدوه أَسِيرًا. فَبعث إِلَيْهِم من الْأُمَرَاء أقتمر عبد الْغَنِيّ وبهادر الجمالي(5/33)
ومبارك الطازي فعندما سَارُوا عَنهُ لم يثبت وفر إِلَى جِهَة كيمان مصر فَتَبِعَهُ الْأَمِير أيدمر الخطاي فِي جمَاعَة فَلم يقفوا لَهُ على خبر ثمَّ رَأَوْا فرسه وقباه وَآلَة حربه فعادوا بذلك وَقد بلغ قطلو أقتمر الطَّوِيل فرار أينبك فَعَاد بِمن مَعَه وَضرب رنكة على بَيت أَحْمد بن أينبك بالرميلة ليستولي عَلَيْهِ. بِمَا فِيهِ وَسكن حَيْثُ كَانَ سكن أينبك من الإصطبل السلطاني وَظن أَنه قد أَمن وَقلع عَنهُ السِّلَاح وَأقَام ينْتَظر قدوم من خرج من الْأُمَرَاء والمماليك فِي الجاليش ليقوى بهم. فَلَمَّا كَانَ بكرَة الْغَد - يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه - قدم أُمَرَاء الجاليش. بِمن مَعَهم وهم الْأَمِير دمرداش اليوسفي والأمير بلاط الصَّغِير والأمير يلبغا الناصري وثلاثتهم مقدموا أُلُوف والأمير برقوق العثماني والأمير بركَة وهما طبلخاناه وطلعوا إِلَى الإصطبل وَدَار بَينهم وَبَين الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل كَلَام آل إِلَى اخْتلَافهمْ وتنازعهم فقبضوا عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير ألطنبغا السلطاني والأمير مبارك الطازي وقيدوهم ثَلَاثَتهمْ وبعثوا بهم عَشِيَّة النَّهَار إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة مَعَ الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بكتمر الْحَاجِب فسجنوا بِهِ وَصَارَ التحدث من الْأُمَرَاء فِي الدولة للأمير يلبغا الناصري وَأخرج الْبَرِيد من وقته وساعته لإحضار الْأَمِير طشتمر نَائِب الشَّام. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: وقفت الْعَامَّة تطلب عزل الدَّمِيرِيّ وإعادة العجمي إِلَى الْحِسْبَة فأجيبوا إِلَى ذَلِك وخلع على جمال الدّين مَحْمُود العجمي وأعيد إِلَى الْحِسْبَة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ. وَفِيه أنعم على كل من الْأَمِير برقوق العثماني والأمير بركَة بتقدمة ألف وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الناصري أَمِير أخور وَسكن بإصطبل كَمَا سكن أينبك وقطلو أقتمر وَفِي يَوْم الْأَحَد تاسعه: جَاءَ الْأَمِير أينبك. بمفرده إِلَى بَيت الْأَمِير بلاط الصَّغِير. فطلع بِهِ إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري وَقد سكن أَيْضا بالإصطبل فقيده وَقبض مَعَه على أَمِير اسْمه نعناع وَبعث بهما مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنا بهَا أَيْضا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: قدم الْبَرِيد إِلَى دمشق بِطَلَب الْأَمِير قشتمر وَهُوَ بقبة يلبغا - خَارج الْمَدِينَة - وَقد برز وَمَعَهُ العساكر ونواب الشَّام يُرِيد الْمسير إِلَى مصر ومحاربة أينبك وَنزع يَده من التَّصَرُّف. فَلَمَّا قَرَأَ كتاب السُّلْطَان. بِمَا كَانَ من الْقَبْض على أينبك وسجنه بالإسكندرية والمرسوم لَهُ بِأَن يحضر إِلَى مصر ليَكُون الْأَمِير الْكَبِير(5/34)
الأتابك ويحضر صحبته الْأَمِير تمرباى ليستقر رَأس نوبَة كَبِير وَأَن يسْتَقرّ الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ فِي نِيَابَة الشَّام والأمير أشقتمر فِي نِيَابَة حلب والأميرمنكلي بغا الأحمدي فِي نِيَابَة حماة والأمير أقبغا الدوادار نَائِب غَزَّة فِي نِيَابَة صفد فسر بذلك وَتَفَرَّقَتْ تِلْكَ العساكر وَتوجه الْأَمِير طشتمر إِلَى مصر وَاسْتقر الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير طشتمر. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشره: بلغ الْأُمَرَاء القائمين بِأَمْر الدولة وهم: يلبغا الناصري وبرقوق وبركة أَن جمَاعَة من الْأُمَرَاء قد عزموا على الفتك بهم فَركب الْأُمَرَاء الثَّلَاثَة فِي عدَّة من اليلبغاوية وقبضوا على الْأَمِير دمرداش اليوسفي وعَلى الْأَمِير تمر باى الحسني وعَلى الْأَمِير آقبغا آص الشيخوني وعَلى الْأَمِير قطلوبغا الشَّعْبَانِي وعَلى الْأَمِير دمرداش التمان تمرى الْمعلم وعَلى الْأَمِير أسندمر العثماني وعَلى الْأَمِير بجمان العلاي وعَلى الْأَمِير أسنبغا التلكي وقيدوهم وبعثوا بهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا وَهَؤُلَاء مِمَّن وثب من المماليك فِي هَذِه الْفِتْنَة وَعمل أَمِيرا. وَفِيه قبض على الطواشي مُخْتَار الحسامي مقدم المماليك وسجن بالبرج من القلعة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه: خلع على مُخْتَار وأعيد إِلَى تقدمة المماليك. وَفِيه ركب الْأَمِير برقوق العثماني - وَقت القايلة - فِي جمَاعَة من أَصْحَابه وَصعد إِلَى الإصطبل وَأنزل الْأَمِير يلبغا الناصري مِنْهُ ونزعه من وظيفته وَسكن فِي مَوْضِعه من الأصطبل السلطاني وَاسْتقر عوضه أَمِير أخور وَاسْتقر بأَخيه الْأَمِير بركَة الجوباني أَمِير مجْلِس وَأَسْكَنَهُ فِي بَيت الْأَمِير قوصون تجاه بَاب السلسلة من الرميلة واقتسما الحكم فِي الدولة بَينهمَا. وَكَانَت الْفِتَن الَّتِي تقدم ذكرهَا وثورات المماليك وَتغَير دولهم إِنَّمَا هِيَ تَوْطِئَة لبرقوق وتمهيد لَهُ حَتَّى ملك الْبِلَاد وَقَامَ بدولة الجراكسة كَمَا ستراه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ من يَوْمه هَذَا اسْتَقر قراره بالإصطبل ورسخت قدمه فِي الدولة وَثَبت أوتاده بهَا وَمَا زَالَت الأقدار تساعده وَالْأَيَّام تساعده حَتَّى استبد بالمملكة وَانْفَرَدَ بتدبير السلطة وَصعد من الإصطبل فسكن الْقصر حَتَّى نقل مِنْهُ إِلَى الْقَبْر عَزِيزًا منيعا عالي الْقدر رفيعا فسبحان من يدبر الْأَمر كُله، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ.(5/35)
وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير جمال الدّين مغلطاي الشرفي وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن حُسَيْن بن عَليّ الكوراني وَقبض على حُسَيْن واعتقل. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير طشتمر العلاي من دمشق فَركب السُّلْطَان والأمراء إِلَى لِقَائِه فَلَمَّا رأى السُّلْطَان بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة نزل عَن فرسه وَقبل الأَرْض وَبكى فَنزل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وسلموا عَلَيْهِ وأركبوه وَسَارُوا بِهِ إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أتابك العساكر وخلع على الْأَمِير تمر باي الدمرداشي - وَقد قدم أَيْضا - وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا وأنعم على الْأَمِير تغرى بتقدمة ألف فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثالثه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر: من ظلم فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير طشتمر الأتابك. وَفِيه خلع على الْأَمِير برقوق وَاسْتقر أَمِير أخور وخلع على الْأَمِير بركَة وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَفِيه أنعم على الْأَمِير أطلمش الأرغوني بتقدمة ألف وَاسْتقر دوادار وَعلي يلبغا المنجكي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه. وعَلى الْأَمِير بلاط وَاسْتقر أَمِير سلَاح ورسم أَن يجلس بالإيوان فِي وَقت الْخدمَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: أفرج عَن الْأَمِير سودن جركس والأمير قطلوبغا جركس والأمير قطلوبغا البدري والأمير ألطنبغا السلطاني والأمير طغيتمر الناصري والأمير ألجبغا السيفي والأمير إِيَاس الصرغتمشى والأمير قطلوبغا البشيري والأمير أسنبغا ورسم إحضارهم من الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي عشرينه: خلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي - من أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة - وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء بعد وَفَاة عَلَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد السراي. وَنزل مَعَه شمس الدّين أَبُو الْفرج المقسي نَاظر الْخَاص إِلَى الخانكاه. وَفِيه حمل إِلَى الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ تشريف نِيَابَة دمشق وتقليده بهَا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْأَمِير قطلو أقتمر العلاي أَمِير جاندار أَخُو الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ والأمير عَلَاء الدّين عَليّ بن تشتمر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فأنعم على كل مِنْهُمَا بإمرة مائَة تقدمة ألف. وَفِيه أُعِيد الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة.(5/36)
وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الطواشي دِينَار الناصري لالا السُّلْطَان وَأخرج الطواشي مقبل الكلفتي منفيا وخلع على الْأَمِير تمرباي الدمرداشي وَاسْتقر نَاظر المارستان. وَفِي سلخه: خلع على الْأَمِير تغرى برمش وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب وعزل الْأَمِير أقتمر عبد الْغَنِيّ من نِيَابَة السلطنة وخلع على الْأَمِير عَليّ بن قشتمر وَاسْتقر حاجبا لَهَا. وَفِي لَيْلَة الرَّابِع من شهر رَجَب: تردى الْأَمِير قطلو أقتمر الطَّوِيل من مَكَان بسجنه من الْإسْكَنْدَريَّة فَمَاتَ وَقيل إِنَّه كَانَ سكرانا وَمِنْه تفرعت الْفِتَن الَّتِي نرد ذكرهَا وَدفن من الْغَد وَلم يصل عَلَيْهِ أحد. وَفِي يَوْم الْأَحَد خامسه: قدم الْأَمِير أيتمش البجاسى إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة بالإفراج عَن جَمِيع الْأُمَرَاء المعتقلين مَا عدا أَرْبَعَة: الْأَمِير أينبك والأمير قطلو خجا والأمير أسندمر الصرغتمشى والأمير جركس الإلجاوي وَأَفْرج عَنْهُم وَتوجه بهم إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا وصلوا قَرِيبا مِنْهَا رسم بتفرقهم فِي الْبِلَاد الشامية فَسَارُوا إِلَى حَيْثُ أمروا وأحضر إِلَى قلعة الْجَبَل مِنْهُم بِأَحْمَد بن همز وأسنبغا التلكي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلع على علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن بدر الدّين عبد الْوَهَّاب الأخناي وَكتب باستقرار الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن الْأَمِير أقتمر الْحَنْبَلِيّ بعد وَفَاته. وَاسْتقر الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه العلاي المشطوب فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: خلع على صَاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن التَّاج النشو الملكي وسجن الملكي بقاعة الصاحب من القلعة وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلو أقتمر أَمِير جندار أخي الْحَنْبَلِيّ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ابْن وَفِيه جهزت خلعة نِيَابَة طرابلس إِلَى الْأَمِير بلاط السيفي وَقد خرج إِلَى نَاحيَة العكرشا ورسم لَهُ أَن يتَوَجَّه من مَوْضِعه إِلَى طرابلس ثمَّ انْتقض ذَلِك واستعيدت الخلعة وَاسْتقر على حَاله.(5/37)
وَفِي ثَانِي شعْبَان: ارتجعت إمرية طيبغا الجمالي وَكَانَ قد جرد لكبس الْغرْبَان بِنَاحِيَة أطفيح فكبسه الْعَرَب وجرحوه وَعَاد مَرِيضا من جراحته. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: عزل قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة نَفسه من وَظِيفَة قَضَاء الْقُضَاة وَخرج إِلَى تربة كوكاى بنية الْعود إِلَى الْقُدس بعد أَن انجمع عَن أهل الدولة وَترك حُضُور الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالإيوان فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس مَعَ الْأُمَرَاء مُدَّة أَيَّام تورعا واحتياط لدينِهِ لما دهم النَّاس من تغير الْأَحْوَال وحدوث مَا لم يعْهَد وتهاون القائمون بالدولة بالأمور الدِّينِيَّة فعين الْأَمِير الأتابك طشتمر العلاي لقَضَاء الْقُضَاة سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فَلم توافقه بعض الْأُمَرَاء فَتحدث لبدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فِي ولَايَته. بِمَال قَامَ بِهِ فشق ذَلِك على البُلْقِينِيّ وَترك قَضَاء الْعَسْكَر لوَلَده فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره خلع عَليّ بدر الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أبي الْبَقَاء وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وخلع عَليّ بدر الدّين مُحَمَّد بن سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَاسْتقر الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي تدريس الْمدرسَة الناصرية بجوار قبَّة الشَّافِعِي - رَحمَه الله - من القرافة وَاسْتقر الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله القرمي - شيخ الخانكاه الركنية بيبرس - فِي تدريس الْفِقْه وتدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية عوضا عَن ابْن أبي الْبَقَاء وَاسْتقر جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن البُلْقِينِيّ فِي توقيع الدست عوضا عَن أَخِيه بدر الدّين وَاسْتقر صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ - أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة - فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل عوضا عَن أَبى الْبَقَاء وخلع على الْجَمِيع ونزلوا بَين يَدي قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فَكَانَ يَوْمًا مشهودا.(5/38)
وَفِيه أخرج الْأَمِير بيبغا الطَّوِيل العلاي - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - منفيا إِلَى الشَّام. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير منكلي بغا الْبَلَدِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن أرغون الأسعردي وَاسْتقر الأسعردي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي وَاسْتقر أقبغا الْجَوْهَرِي - حَاجِب طرابلس - فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن مبارك شاه المشطوب - وَاسْتقر مبارك شاه حاجبا بطرابلس. وَفِي ثامن عشرينه: ارتجعت طبلخاناه طينال المارديني وَعوض عَنْهَا بإمرة عشرَة ورسم أَن يكون طرخانا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شَوَّال: أَمر الْأَمِير برقوق بتسمير مَمْلُوك من مماليك السُّلْطَان السِّلَاح دارية اسْمه تكا فسمر وطيف بِهِ وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِ. هَذَا جَزَاء من يَرْمِي الْفِتَن بَين الْمُلُوك وَيتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه من أجل أَنه وشى بِهِ إِلَى الْأَمِير طشتمر الأتابك بِأَن الْأَمِير برقوق قد عزم أَن يركب عَلَيْهِ فَبعث يعتبه على ذَلِك فَأنْكر وَحلف وَطلب مِنْهُ النَّاقِل هَذَا عَنهُ فَبعث بِهِ إِلَيْهِ فَفعل بِهِ مَا ذكر. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره: صَار قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة على الْبَرِيد إِلَى الْقُدس. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام فاستقر فِي الوزارة عوضا عَن ابْن الرويهب وخلع على التَّاج عبد الْوَهَّاب النشو الملكي وَاسْتقر بعد الوزارة فِي نظر الدولة عوضا عَن سعد الدّين بن الريشة وَاسْتقر ابْن الريشة فِي نظر الْأَسْوَاق وَدَار الضِّيَافَة وألزم ابْن الرويهب بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وصادر الْوَزير ابْن عرام مباشري الْجِهَات جَمِيعهم فهرب أَكْثَرهم. وَكَانَ الْأَمِير بلاط أَمِير سلَاح قد عدى النّيل إِلَى الجيزة وَنزل عِنْد مرابط خيله على الرّبيع ليتنزه هُنَاكَ فَبعث إِلَيْهِ الْأُمَرَاء بخلعة لنيابة طرابلس وعوقت عَنهُ المعادي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وَبعث من الْغَد إِلَيْهِ الْأَمِير برقوق أَمِير أخور يخيره فِي نيابات الْبِلَاد فَامْتنعَ من ذَلِك وعزم على الْحَرْب وَأَقْبل إِلَى سَاحل النّيل ليعديه فَوجدَ المعادي قد انْحَازَتْ عَنهُ إِلَى جِهَة بر مصر فَسقط فِي يَده وأذعن للطاعة فَأخْرج إِلَى الْقُدس بطالا وأنعم عَلَيْهِ بضيعة تغل فِي السّنة نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم فَلَمَّا صَار فِي أثْنَاء الطَّرِيق كتب بِأَن يتَوَجَّه إِلَى الكرك وَيُقِيم بهَا بطالا وَلم يجر فِي ذَلِك فتْنَة إِلَّا أَن الْأَمِير برقوق ألبس مماليكه آلَة الْحَرْب حَتَّى سَار بلاط ثمَّ قبض على إخْوَته وحاشيته وأكابر مماليكه وسجنوا وَمنع الْأُمَرَاء من اسْتِخْدَام مماليكه عِنْدهم.(5/39)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن بلاط وخلع على الْأَمِير إينال اليوسفي وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا عوضا عَن يلبغا الناصري وَكثر الرخَاء فِي هَذَا الشَّهْر حَتَّى أبيع الْخبز البايت كل أَرْبَعَة وَعشْرين رطلا بدرهم حسابا عَن كل رَطْل - وَهُوَ رغيف - بفلس والجبن الجاموسي الطري كل عشرَة أَرْطَال بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف دِرْهَم وَالْبيض كل أَرْبَعِينَ بَيْضَة بدرهم. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الْوَزير صَاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب النشو الملكي نَاظر الدولة وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد. وَفِي ذِي الْحجَّة: توحش مَا بَين الْأَمِير الْكَبِير طشتمر الأتابك وَبَين الْأَمِير برقوق أَمِير أخور وَأخذ الْأَمِير برقوق فِي التعنت عَلَيْهِ حَتَّى يُخَالِفهُ فَيجْعَل ذَلِك سَببا لإثارة الْفِتْنَة وَصَارَ برسل إِلَيْهِ بِأَن يَنْفِي فلَانا من مماليكه عَنهُ فيمتثل إِشَارَته وينفي ذَلِك الْمَمْلُوك قصدا لإخماد الْفِتْنَة حَتَّى بعث إِلَيْهِ هُوَ والأمير بركَة بِأَن يقبض على مَمْلُوكه رَأس نوبَته كمشبغا ويخرجه منفيا فَلم يجد بدا من ذَلِك وَأمر بِهِ فَقبض عَلَيْهِ. وَجلسَ بعد صَلَاة الْعشَاء من لَيْلَة عَرَفَة على عَادَته مَعَ خواصه يتحدث وَإِذا بمماليكه قد دخلُوا عَلَيْهِ لابسين السِّلَاح وعنفوه على مُوَافقَة برقوق على مسك مماليكه وأظهروا الْغَضَب لذَلِك وأرادوه أَن يركب للحرب فَقَامَ إِلَى حريمه وأغلق عَلَيْهِ بَابه فَخَرجُوا عَنهُ يدا وَاحِدَة وركبوا خيولهم ووقفوا تَحت القلعة فَأمر برقوق بالكوسات فدقت وَركب هُوَ والأمير بركَة وَوَقعت الْحَرْب بَينهم طول تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى الصَّباح فَقتل جمَاعَة وجرح كمشبغا رَأس نوبَة طشتمر مَاتَ مِنْهَا بعد ذَلِك. وانكسرت بَقِيَّة الطشتمرية فَخرج الْأَمِير طشتمر من دَاره فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ذِي الْحجَّة - صَبِيحَة الْوَقْعَة - وَفِي عُنُقه منديل وَمضى إِلَى الْأَمِير برقوق وَهُوَ قد تزوج بابنته فَقبض عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير أطلمش الدوادار والأمير بزلار وأرغون - دوادار طشتمر - وألابغا رَأس نوبَته وعَلى أَمِير حَاج بن مغلطاي وبعثهم جَمِيعًا مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنوا بهَا وتتبع حَوَاشِي طشتمر فَقبض على طواشيه تقطاي - وَكَانَ قد قَاتل تِلْكَ اللَّيْلَة قتالاً شَدِيدا - وَقبض عدَّة من مماليكه أَيْضا نفاهم إِلَى قوص. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير سيف الدّين برقوق العثماني أَمِير آخور وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن أبي زَوجته الْأَمِير طشتمر(5/40)
العلاي وخلع على صديقه الْأَمِير أيتمش البجاسي وَاسْتقر عوضه أَمِير آخور بإمرة مائَة تقدمة ألف وَاسْتمرّ سُكْنى الْأَمِير برقوق حَيْثُ كَانَ من الإصطبل وَصَارَ يطلع إِلَى الأشرفية من قلعة الْجَبَل فِي يومي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وتقاسم الْأَمر هُوَ والأمير بركَة فصارا فحلي الشول إِلَيْهِمَا ترجع أُمُور الدولة بأسرها إِلَّا أَن الولايات والعزل إِذا انتظمت عِنْد الْأَمِير بركَة فِي بَيته كَانَ أمضاها بَين يَدي الْأَمِير الْكَبِير برقوق بالإصطبل فَإِذا أَرَادَ أحد ولَايَة شَيْء من الْأُمُور تحدث مَعَ حَاشِيَة الْأَمِير بركَة حَتَّى يَتَقَرَّر لَهُ مَا يُرِيد ثمَّ بِيعَتْ بذلك الرجل إِلَى أَخِيه الْأَمِير الْكَبِير برقوق ويعلمه. مِمَّا أَرَادَ فيرضيه أَيْضا ثمَّ يسْتَقرّ فِيمَا يُقرر فِيهِ من الْوَظَائِف إِمَّا فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة أَو فِي مجْلِس الْأَمِير الْكَبِير برقوق فَكَانَ هَذَا حَال النَّاس جَمِيعًا فِيمَا يريدونه من الدولة وَفِي الظَّاهِر صَاحب الْأَمر الْأَمِير برقوق غير أَن الولايات كلهَا من الْقَضَاء والحسبة وَولَايَة الْحَرْب فِي الْأَعْمَال والكشف وَسَائِر الْوَظَائِف لَا سَبِيل أَن ينالها أحد إلابمال يقوم بِهِ أَو بِأَدَائِهِ وَيكْتب بِهِ خطه فتطاول كل نذل رذل وسفلة إِلَى مَا سنح بخاطره عَن الْأَعْمَال الجليلة والرتب الْعلية فدهى النَّاس من ذَلِك بداهية دهياء أوجبت خراب مصر وَالشَّام كَمَا ستراه فِيمَا يمر بك على طول السنين فِي أوقاته إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: أرسل الْأَمِير الْكَبِير برقوق يَسْتَدْعِي الْأَمِير يلبغا الناصري ليَأْخُذ رَأْيه فِي شَيْء عَن لَهُ فَظن أَن الْأَمر على هَذَا وَركب إِلَيْهِ غير مستعد فِي قَلِيل من مماليكه فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ عزم عَلَيْهِ أَن يتخفف من ثِيَابه ويظل نَهَاره عِنْده ليفاوضه فِي مهماته فَقَامَ ليخلع عَنهُ ثِيَاب ركُوبه فِي بعض مخادع الدَّار فأحيط بِهِ وَقبض عَلَيْهِ وَقيد وَحمل من وقته إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وَقبض مَعَه على كجلي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه أَيْضا. وَفِي عشرينه: خلع على الْأَمِير إينال اليوسفي وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن يلبغا الناصري وَاسْتقر مُحَمَّد بن طاجار فِي ولَايَة دمياط وَاسْتقر علم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد القفصي الْمصْرِيّ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الصنهاجي وَاسْتقر كَمَال الدّين عمر بن الْفَخر عُثْمَان بن هبة الله المعري فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن جلال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزرعي.(5/41)
وفيهَا ولي محب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن الْجمال إِبْرَاهِيم بن العديم وعزل بعد أشهر قَلَائِل بِابْن العديم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن يُوسُف بن مَالك الرعيني الغرناطي النَّحْوِيّ بحلب عَن سبعين سنة وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق عَالما بالنحو والتصريف والبديع لَهُ مُشَاركَة فِي علم الحَدِيث وَغَيره وَيَد طولى فِي الْأَدَب وَله عدَّة مصنفات فِي النَّحْو والبديع وَالْعرُوض مِنْهَا شرح ألفية ابْن معطي وَله شعر أَقَامَ بحلب ثَلَاثِينَ سنة وَحج مرَارًا. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير قوصون فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير أقتمر الصاحبي - الْمَعْرُوف بالحنبلي لِكَثْرَة مبالغتنا فِي الطَّهَارَة بِالْمَاءِ وتشدده فِي ذَلِك - وَهُوَ على نِيَابَة دمشق فِي لَيْلَة الْحَادِي عشر من رَجَب. وَمَات الْأَمِير ألطنبغا أَبُو قورة أَمِير سلَاح. وَتُوفِّي صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن عمر بن السفاح الْحلَبِي وَهُوَ عَائِد من الْحَج بِمَدِينَة بصرى عَن سبع وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير طشتمر اللفاف أحد رُؤُوس الْفِتَن فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث الْمحرم بالطاعون. وَتُوفِّي بدر الدّين حسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب الْحلَبِي المؤرخ بحلب عَن سبعين سنة.(5/42)
وَمَات الْأَمِير قرطاي أحد مثيري الْفِتَن ثمَّ أتابك العساكر مخنوقا بطرابلس فِي شهر رَمَضَان وَتُوفِّي وَالِدي عَلَاء الدّين عَليّ بن محيى الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن تَمِيم بن عبد الصَّمد بن أبي الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم المقريزي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشْرين شهر رَمَضَان عَن خمسين سنة. وَقد بَاشر التوقيع السلطاني وعدة وظائف وَكَانَ الْأَغْلَب عَلَيْهِ صناعَة كِتَابَة الْإِنْشَاء والحساب مَعَ دين متين وعقل رَاجِح رصين وَالله تَعَالَى أعلم.(5/43)
فارغه(5/44)
(سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة)
أهلت بِيَوْم الْخَمِيس: وَفِيه خلع على الْأَمِير أقتمر العثماني وَاسْتقر دوادارا بتقدمة ألف عوضا عَن أطلمش الأرغوني. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه: اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه الطازي فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن أقبغا الْجَوْهَرِي وَاسْتقر أقبغا الْجَوْهَرِي فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن صُراي تَمُر المحمدي وَقبض على صرا تمر وسجن بالكرك. وَفِي عاشره: مَاتَ الْأَمِير أينَبَك مثيرالفتن بسجن الْإسْكَنْدَريَّة وصودرت زَوجته وَأخذ مِنْهَا مَال عَظِيم فَكَانَ هَذَا مِمَّا استشنع فعله فَإِنَّهُ لم تجر الْعَادة بالتعرض للحرم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: خلع على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرازق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن تَاج الدّين نشو الملكي وأفرد الملكي بِنَظَر الْجَيْش. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: خلع على تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد وأعيد إِلَى نظر الْجَيْش عوضا عَن الملكي. وَقبض على الملكي وسجن بقاعة الصاحب من القلعة حَتَّى مائَة ألف دِرْهَم فضَّة ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشرينه: وَقع حريق عَظِيم خَارج بَاب زويلة احْتَرَقَ مِنْهُ دكاكين الفاكهانيين والنقليين والبرادعيين وَالرَّابِع الْمَعْرُوف بالدهيشة تجاه بَاب زويلة وامتدت النَّار إِلَى سور الْقَاهِرَة فَركب الْأَمِير بركَة الجوباني والأمير أيتمش البجاسي والأمير دمرداش الأحمدي والأمير تغرى برمش حَاجِب الْحجاب وطفوه بِأَنْفسِهِم ومماليكهم فَكَانَ أمرا مهولا أَقَامَت النَّار فِيهِ يَوْمَيْنِ وَخَربَتْ أَمَاكِن جليلة كَبِيرَة كَانَت من أبهج الْمَوَاضِع وأحسنها. وتحدث النَّاس أَن هَذَا مبدأ خراب الْقَاهِرَة وَكثر ذَلِك على الْأَلْسِنَة فَكَانَ كَذَلِك ثمَّ إِن النَّاس أخذُوا فِي عمَارَة مَا احْتَرَقَ حَتَّى عادوه كَمَا كَانَ وَقَالَ فِي هَذَا الْحَرِيق القَاضِي زين الدّين طَاهِر. بِبَاب زويلة وافي حريق أَزَال مَعَاني الْحسن المصون. وَدَمرَ كل عَال من ذراه وصير كل عَال مُقلّ دون. وَمَا برح الْخَلَائق فِي ابتهال لمحى الأَرْض من بعد الْمنون.(5/45)
إِلَى أَن قَالَ فِي لطف خَفِي وَفضل عناية يانار كوني. وَفِي آخِره: أفرج عَن الْأَمِير يلبغا الناصري وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة تقدمة ألف بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير جَنتمُر أخي طاز وَقبض على جَنتمر وسجن بقلعة المرقب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس صفر: خلع على كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس نَاظر الدولة وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَركب بنجيبين أَحدهمَا قدامه وَالْآخر وَرَاءه كَمَا كَانَت عَادَة الوزراء. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عاشره: خلع على فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الرازق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الدولة مَكَان أَخِيه الصاحب كريم الدّين. وخلع على تَاج الدّين فضل الله بن الرَّمْلِيّ وَاسْتقر فِي وزارة دمشق وَتوجه إِلَيْهَا. وَكَانَ من شياطين كتاب مصر المسالمة. وَفِيه قبض على الْوَزير الملكي وسجن بقاعة الصاحب وألزم. بِمَال كَبِير. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: وَقع حريق فِي خَارج بَاب النَّصْر وحريق تجاه اليانسية خَارج بَاب زويلة. وَركب الْأَمِير ألطنبُغا الْمعلم الْبَرِيد إِلَى حلب ليقْبض على الْأَمِير أَشَقتمُر النَّائِب. وَفِي عشرينه: خلع عَن الرُّكْن وَإِلَى الفيوم وَاسْتقر فِي ولَايَة الفيوم والبهنسي وَعلي مُحَمَّد بن وَفِي ثامن عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع واثنتين وَعشْرين إصبعاً.(5/46)
وَفِي هَذَا الشَّهْر: رخصت الأسعار حَتَّى أبيع لحم الضَّأْن السليخ كل عشرَة أَرْطَال بسبعة دَرَاهِم وَنصف دِرْهَم وكل عشرَة أَرْطَال إِلَيْهِ بِسِتَّة دَرَاهِم. وَفِي أول شهر ربيع الأول: رُسم للأمير تَلَكتمُر من بركَة أَن يجلس فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالإيوان فِيمَن يجلس من الْأُمَرَاء الْكِبَار. وَفِي سادسه: قبض على الْحَاج سيف مقدم الدولة وخلع على الْحَاج مُحَمَّد بن يُوسُف وَاسْتقر مقدم الدولة وَسلم لَهُ سيف ثمَّ نقل دَار الْوَالِي فعُوقب حَتَّى الْتزم بِحمْل مائَة ألف دِينَار حمل مِنْهَا خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم عَنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار وَأخذ جَمِيع مَاله من مراكب بحريّة ودواليب وَقيمتهَا أَكثر مُنْذُ لَك ثمَّ أفرج عَنهُ فِي سَابِع عشره فَكَانَ هَذَا مِمَّا لم يعْهَد قبل ذَلِك أَعنِي تَسْلِيم من يصادر لوالي الْقَاهِرَة وإٍ نما كَانَ يتسلم المصادر شاد الدَّوَاوِين أَو مقدم الدولة. بمرسوم الْوَزير وَلَا يتَعَدَّى حكم الْوَالِي الْعَامَّة وَأهل الجرائم مِنْهُم وَأما الأجناد وَالْكتاب وأعيان التُّجَّار فَلَا تمتد يَده إِلَى الحكم فيهم وَيرجع أَمرهم إِلَى نَائِب السُّلْطَان فَإِن لم يكن فحاجب الْحجاب لِأَن كل أحد لَهُ رُتْبَة مَحْفُوظَة لَا يتعداها فانخرق السياج وَأخذ كل أحد يتَعَدَّى طوره ويجهل قدره. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: نُقل الْأَمِير مَنْكلي بُغا الْبَلَدِي من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن أَشقتمُر. وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الناصري عوضه فِي نِيَابَة طرابلس. وفيهَا أشيع أَن المماليك الألجائية وهم نَحْو ثَمَانمِائَة مَمْلُوك اتَّفقُوا مَعَ جمَاعَة على إثارة الْفِتْنَة فَقبض على عدَّة من الْأُمَرَاء ومماليك السُّلْطَان ورسم للْجَمِيع بِالْقَبْضِ على من فِي خدمتهم من مماليك ألجاي اليوسفي فقبضوهم وبالغوا فِي إهانتهم بِأَن وضعت الزناجير فِي أَعْنَاقهم وعملت يَدي كل اثْنَيْنِ مِنْهُم فِي خَشَبَة وسجنوا بخزانة شمايل - سجن أهل الجرائم - فَلم يعْهَد قبل ذَلِك أَن التّرْك رجال الدولة أهينوا هَذِه الإهانة ثمَّ أشيع أَن جمَاعَة من مماليك الْأُمَرَاء عزموا على الفتك بأستاذيهم فَقبض على كثير مِنْهُم. وَفِي ثامنه: قبض على ألطنبُغا شادي - من أُمَرَاء العشرات - وعدة من مماليك ألجاي. وَفِي تاسعه: قبض على قطلوبغا حاجي أَمِير علم وألطنيغا العلاي وأَسَنْبُغا التلكي وَتلك الأحمدي وألطنبغا عبد الْملك وغريب الأشرفي وأسَندمُر الأشرفي وجوبان الطيدَمُري وآقسُنقُر الأشرفي وأقبغا القَطلقَتمُري وتمان تمر الموسوي وجنتمُر المحمدي وسودن العثماني وبدى قُرُطُقا بن سوسون وَبِك يُونُس وبجمان العلاي وآقبغا ينسون وحملوا مقيدين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة.(5/47)
وَفِي عاشره: قبض على الْأَمِير تَمُر باى الدمرداشي رَأس نوبه بحيلة وَهِي أَن الْأَمِير بركَة بعث إِلَيْهِ فرسا بسرج ذهب وكنبوش ذهب فَرَكبهُ وأ تَاه متشكرا لصنيعه فَأَخذه وطلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق ليصلح بَينهمَا وَكَانَا قد تنافرا وَكَانَ تمر باى بِثِيَاب جُلُوسه لَيْسَ مَعَه كثير أحد من مماليكه فَلَمَّا اسْتَقر بهم الْمجْلس قبض عَلَيْهِ وَقيد وَأخرج فِي اللَّيْل إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وأنعم على الْأَمِير ألطنبغا الجوباني بإقطاع تمر باى. وَفِيه خلع على جال الدّين مَحْمُود العجمي وأضيف غليه حسبَة مصر عوضا عَن الشريف عَاصِم فَرغب عَنْهَا لصديقه سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن سُلَيْمَان القرمي فَخلع عَلَيْهِ وباشرها. وَفِي عشرينه: نزل الْأَمِير أَشَقتمر نَائِب حلب على بلبيس وَكَانَ لما قدم عَلَيْهِ أَلطنبغُا الْمعلم ليقْبض عَلَيْهِ وَيبْعَث بِهِ إِلَى الْقُدس بطالا قدم عَلَيْهِ مرسوم بِأَن يحضر إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فَسَار من حلب وَمَعَهُ تقدمة جليلة فَبَيْنَمَا هُوَ على بلبيس أَتَاهُ من قبض عَلَيْهِ وَقَيده وَحمله إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشرينه: سُمر اثْنَا عشر من الأتراك وطيف بهم الْقَاهِرَة ثمَّ وسط مِنْهُم سِتَّة وهم الْأَمِير أقبغا البجمقدار خَازِن دَار الْأَمِير ألجاي والأمير قَراكَسَك وأسنْبُغا من وَفِيه أفرج عَن غَرِيب الأشرفي أحد أُمَرَاء العشرات. وَفِي أول شهر ربيع الآخر: أهين السَّيِّد الشريف عَليّ نقيب الْأَشْرَاف من الأميرين بركَة وبرقوق إهانة بَالِغَة لمَنعه عَنْهُم كتاب وقف نَاحيَة بلقس على الْأَشْرَاف ليتسلمه الشريف مرتضى صدر الدّين مرتضى وَقد اسْتَقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَنهُ وَمنع من التحدث فِي نقابة الْأَشْرَاف. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: خلع على الشريف عَاصِم وَاسْتقر نقيب الْأَشْرَاف. وخلع على الْأَمِير بزلار وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير قطلو أقتَمُر وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة تلكتمر بن بركَة واسنقر قطلو أقتَمُر أَمِير جاندار على تقدمته. وخلع على عَلَاء الدّين على الْعمريّ وَاسْتقر كاشفا بِالْوَجْهِ البحري.(5/48)
وَفِيه كَانَ وَفَاء النّيل وَهُوَ عَاشر مسرى. وَفِيه عين الشَّيْخ راج الدّين عمر بن الملقن أحد نواب الحكم بِقَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء ليلبس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: طلع إِلَى القلعة فَلم يتهيأ لَهُ لبس وَذَلِكَ أَن الْأَمِير الْكَبِير برقوق كَانَ قد عينه لذَلِك بِغَيْر مَال فسعى عَلَيْهِ يقوم بِهِ إِذا اسْتَقر فِي قَضَاء الْقُضَاة كَمَا قد جرت بِهِ الْعَادة فِي هَذَا الزَّمَان فَبعث بهَا الْأَمِير بركَة إِلَى الْأَمِير برقوق فَلَمَّا بلغته الورقة غضب وَأمر بِجمع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء فتجمعوا بَين يَدَيْهِ بالحراقة من الإصطبل فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه وَطَلَبه وَأخرج الورقة الَّتِي بعثها إِلَيْهِ الْأَمِير بركَة تَتَضَمَّن الْتِزَامه بأَرْبعَة آلَاف دِينَار يقوم بهَا إِذا اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة. فَأنْكر أَن يكون خطه فَزَاد حنق الْأَمِير برقوق وَأمر بِهِ فَسلم إِلَى الْحَاج مُحَمَّد بن يُوسُف مقدم الدولة ليستلخص مِنْهُ الْأَرْبَعَة آلَاف دِينَار وانفض الْمجْلس فرفق بِهِ ابْن يُوسُف من أجل أَنه كَانَ قد اتهمَ بِأَنَّهُ وَقع فِي وَاقع يَقْتَضِي إِرَاقَة دَمه عِنْد الْمَالِكِيَّة. فَحكم ابْن الملقن بحقن دَمه فرعى لَهُ ذَلِك ودافع عِنْد شاد الدَّوَاوِين وخوفه من التَّعَرُّض لَهُ. بمكروه إِلَى أَن طلع الشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه إِلَى الْأَمِير برقوق هُوَ وَالشَّيْخ المعتقد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الركراكي المغربي فِي عدَّة من الْفُقَهَاء وَسَأَلَهُ فِي الإفراج عَن ابْن الملقن فوعده بإرساله إِلَيْهِ فَحلف البُلْقِينِيّ ثَلَاثَة أَيْمَان فِي ثَلَاث مَرَّات أَنه مَا ينْصَرف إِلَّا بِهِ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَأمر بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ فَمضى بِهِ وَللَّه الْحَمد. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: أفرج عَن الْأَمِير طشتمر الأتابك من سجنه بالإسكندرية ورسم بإقامته بثغر دمياط وأقطع بَلَدا بِالْقربِ مِنْهُ. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير منكلي الطرخاني وَاسْتقر نَائِب الكرك عوضا عَن تمرباي الطازي. وَفِيه خلع على همام الدّين أَمِير غَالب بن القوام أَمِير كَاتب الأنقاني الأتراري الْحَنَفِيّ(5/49)
محتسب دمشق وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بهَا عوضا عَن نجم الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْعِزّ. بِمَال الْتزم بِهِ وسافر إِلَيْهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير بركَة واسثقر فِي نظر المارستان وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن تمرباي. وخلع على قرا دمرداش الأحمدي واسنقر أَمِير مجْلِس. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا. وخلع على محتسب الْقَاهِرَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي وَاسْتقر فِي نظر المارستان نِيَابَة عَن الْأَمِير بركَة عوَضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الأنفهسى. وَفِيه ورد الْبَرِيد من طرابلس بقدوم الفرنج إِلَيْهَا فِي عشرَة مراكب ونزولهم إِلَى الْبر فحاربهم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب طرابلس وَقتل مِنْهُم عدَّة وَفِي باقيهم إِلَى مراكبهم وَسَارُوا. وَفِي جُمَادَى الأولى: ركب السُّلْطَان ثَلَاثَة سبوت مُتَوَالِيَة إِلَى الميدان برسم الملعب بالكرة على مَا جرت بِهِ الْعَادة. وَلم يتَّفق فِي السّنة الْمَاضِيَة الرّكُوب إِلَى الميدان لما كَانَ من الإشتغال بالحروب والفتن وأنعم الأميران بركَة وبرقوق فِي الميدان على أكَابِر مماليكهما بأقبية بطرز زركش. وَفِيه قدم زامل بن مُوسَى بن مهنا. وَفِيه قبض على سَلام بن التركية من الْبحيرَة وَقيد وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن خَلِيل بن دلغادر أَمِير التركمان قتل الْأَمِير مبارك الطازي نَائِب الأبلستين وَذَلِكَ أَنه ركب فِي عَسْكَر من حلب لقِتَال ابْن دلغادر فَهَزَمَهُ وَأخذ مَا مَعَه ثمَّ ركب قَفاهُ فِي جمَاعَة فَمَال عَلَيْهِ ابْن دلغادر وقاتله فَوَقع فِي قَبضته فقدمه وَضرب عُنُقه. وَفِيه قبض على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج عبد الله المقسي نَاظر الْخَاص وعَلى كثير من ألزامه وَحبس فِي بَيت الْأَمِير بركَة. بمرافعة الْوَزير كريم الدّين بن مكانس إِيَّاه وأحبط. بموجوده وَنقل من الْغَد مَا فِي دَاره فَوجدَ لَهُ شَيْء كثير من المَال وَالثيَاب والقماش من جملَته نَحْو الألفي بدن فرو سنجاب. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير تمر باي الدمرداشي وَأخرج إِلَى الْقُدس وَأَفْرج عَن الْأُمَرَاء الَّذين سجنوا قبله أَيْضا.(5/50)
وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره: أُعِيد الْمُقدم سيف إِلَى تقدمة الدولة وَقبض على مُحَمَّد بن يُوسُف وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره: خلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن المقسي مُضَافا لما مَعَه من نظر ديواني الأميرين برقوق وبركة. ثمَّ خلع على سعد الدّين سعد الله بن البقري وَاسْتقر فِي نظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير برقوق وخلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَاسْتقر أستادار الْأَمِير بركَة فَكَانَ هَذَا أَيْضا من الْأُمُور الَّتِي لم تعهد أَن أَمِيرا من أُمَرَاء الألوف يكون أستادار أَمِير. وَفِيه ظهر فِي السَّمَاء كَوْكَب من كواكب الذوابة لَهُ وَجه وذنب. وَفِي ثَانِي عشرينه: خرج الْبَرِيد بِالْقَبْضِ على الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وإحضاره. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير بركَة نَاظر الْأَوْقَاف جَمِيعهَا واستناب فِي التحدث عَنهُ جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب فَلم يبْق وقف حكمي وَلَا أَهلِي إِلَّا وَطلب مُبَاشَرَته وتحد فِيهِ استضعافا لجَانب قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء. وَفِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير مُوسَى بن قرمان وَاسْتقر وَالِي الجيزة ثمَّ عزل من الْغَد وَاسْتقر على عَادَته أَمِير طبر. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير أَشَقتمُر نَائِب حلب ورسم بإقامته بالقدس. وَفِي سادسه: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا وست أَصَابِع. وَفِي تاسعه: أخرج الْأَمِير تغري بَرْمش حَاجِب الْحجاب إِلَى حلب وَسَببه أَنه عرّف الْأَمِير بركَة سوء سيرة بنى مكانس وَكَثْرَة ظلمهم وفسادهم فَقَالَ لَهُ: أصلح أَنْت نَفسك فشق ذَلِك عَلَيْهِ وعزل نَفسه من الحجوبية وَرمى الإمرة وَقَالَ: مَا عدت أعمل أَمِيرا وخلع قباه وَألقى مهمازه من رجله وَخرج عَنهُ فَأمر بِهِ فَخرج حاجبا بحلب فَلَمَّا وصل دمشق عزل عَنْهَا. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير مَأْمُور القلمطاي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن تغري برمش وَقدم الْأَمِير بيْدَمُر نَائِب الشَّام من دمشق فَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مُقَيّدا وسجن بهَا وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة الشَّام الْأَمِير كُمُشبغَا الْحَمَوِيّ نَائِب حماة وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة حماة الْأَمِير تمرباي الدمرداشي.(5/51)
وَفِي ثامن عشره: أنعم على الْأَمِير أزدمر الصفوي بإمرة عشرَة بِدِمَشْق وَأخرج إِلَيْهَا. وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: توجه الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي إِلَى الْحجاز مُعْتَمِرًا واستناب عَنهُ فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ وَقدم الْخَبَر بِأَن رجلا بِدِمَشْق من آحَاد الْعَامَّة مَاتَ بالمارستان فغُسل وكفن وأرخى فِي قَبره. بمقبرة بَاب الفراديس فعندما أضجع بالقبر عطس فَأخْرج وعوفي وَحدث النَّاس. بِمَا جرى لَهُ وعاش بعد ذَلِك نَحْو ثَلَاث سِنِين. وَفِي ثَالِث شهر رَجَب: خرج الْأَمِير قَراكَسكَ على الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير منكلي بغا الْبَلَدِي نَائِب حلب. وَفِي سابعه: أخرج الْأَمِير بُورى الأحمدي إِلَى الْقُدس منفيا وأنعم عَلَيْهِ بِنَظَر مَسْجِدي الْقُدس والخليل. وَفِيه خلع على شمس الدّين مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي ابْن أخي جَار الله وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن الْبُرْهَان الأبناسي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِسيف منكلي بغا الْبَلَدِي نَائِب حلب وَأَنه سجن بقلعتها فَكتب باستقرار الْأَمِير تمرباي الدمرداشي فِي نِيَابَة حلب وَاسْتقر الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز فِي نِيَابَة حماة وَكَانَ بطالا بِدِمَشْق وَحمل إِلَى كل مِنْهُمَا تشريفه وتقليده على الْبَرِيد. وَفِي سادس عشرينه: قبض على الْمُقدم سيف وَسلم للأمير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي ثامن عشرينه: قبض على الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس ثمَّ أفرج عَنهُ من يَوْمه ورسم باستقرار الْأَمِير تغرى برمش حَاجِب الْحجاب فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِيه قدم من الْأَمِير قُرط - مُتَوَلِّي ثغر أسوان - أحد عشر رَأْسا من رُؤُوس أُمَرَاء أَوْلَاد الْكَنْز ومائتي رجل مِنْهُم فِي الْحَدِيد فعلقت الرؤوس على بَاب زويلة وَلم يعْهَد(5/52)
هَذَا من قبل. وَقدم الْخَبَر بِأَن طَائِفَة من أهل الْبحيرَة - كَبِيرهمْ بدر بن سَلام - سَارُوا إِلَى الصَّعِيد فَلَقِيَهُمْ الْأَمِير مُرَاد كاشف الْوَجْه القبلي وَقَاتلهمْ فَقتل فِي الْحَرْب مَعَهم. وَفِيه قدم الشَّيْخ أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ الْخَوَارِزْمِيّ الخلوتي من بِلَاد خوارزم فِي طَائِفَة من الْفُقَرَاء فأنزله شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق الْأَصْفَهَانِي - شيخ خانكاه سرياقوس بمدرسته الَّتِي على طارف الْجَبَل خَارج بَاب المحروق من الْقَاهِرَة تَحت دَار الضِّيَافَة فَأقبل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وبالغوا فِي إكرامه وبعثوا لَهُ بضيافات كَثِيرَة وصلات سنية فَلم يدّخر مِنْهَا شَيْئا وَعمل بِهِ أوقاتا يجمع عِنْده فِيهَا النَّاس فيطعمهم المآكل الطّيبَة وَذكر أَنه عبر فِي سياحته إِلَى بلد بلغار حَيْثُ لَا تطلع الشَّمْس عدَّة أشهر فَدَعَا سكانه - وهم قوم لَا يعلمُونَ شَيْئا - إِلَى الْإِسْلَام فَاسْتَجَاب لَهُ كثير مِنْهُم وَأسلم فعلمهم شرائع الْإِسْلَام وَمضى عَنْهُم وَكَانَ من خير من أدركناه. وَفِي أول شهر رَمَضَان: قدم الْأَمِير مَنْكَلي بُغا الْبَلَدِي إِلَى دمشق وَقد أفرج عَنهُ من سجنه بقلعة حلب فَأَقَامَ بِدِمَشْق بطالا. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن قرمان أطلسين وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه القبلي ورسم أَن يُكَاتب. بِملك الْأُمَرَاء وأنعم عَلَيْهِ لتقدمة ألف وَعمل فِي خدمته حَاجِب أَمِير طبلخاناه وَهُوَ أول من ولي من كشاف الصَّعِيد نِيَابَة السلطنة وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك فِيمَا بعد وخلع على الْأَمِير عَليّ خَان وَاسْتقر وَالِي الْبحيرَة عوضا عَن أيدمر الشمسي ثمَّ عزل من يَوْمه وَاسْتقر أيدمر على عَادَته. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه: كَانَت وَاقعَة كَنِيسَة نَاحيَة بو النمرس من الجيزة وَذَلِكَ أَن رجلا من فُقَرَاء الزيلع بَات بِنَاحِيَة بو النمرس فَسمع لنواقيس كنيستها صَوتا عَالِيا وَقيل لَهُ إِنَّهُم يضْربُونَ بنواقيسهم عِنْد خطْبَة الإِمَام للْجُمُعَة بِحَيْثُ لَا تكَاد تسمع خطْبَة الْخَطِيب فَوقف للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان فَلم ينل غَرضا فَتوجه إِلَى الْحجاز(5/53)
وَعَاد بعد مُدَّة طَوِيلَة وَبِيَدِهِ أوراق تَتَضَمَّن أَنه تشفع برَسُول الله وَهُوَ نَائِم عِنْد قَبره الْمُقَدّس فِي هدم كَنِيسَة بو النمرس ووقف بهَا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق الأتابك فرسم للمحتسب جمال الدّين مَحْمُود العجمي أَن يتَوَجَّه إِلَى الْكَنِيسَة الْمَذْكُورَة وَينظر فِي أمرهَا فَسَار إِلَيْهَا وكشف عَن أمرهَا فَبَلغهُ من أهل النَّاحِيَة مَا اقْتضى عِنْده غلقها فأغلقها وَعَاد إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وعرفه مَا قيل عَن نَصَارَى الْكَنِيسَة فَطلب مَتى بطرِيق النَّصَارَى اليعاقبة وأهانه فسعى النَّصَارَى فِي فتح الْكَنِيسَة وبذلوا مَالا كَبِيرا فَعرف الْمُحْتَسب الْأَمِير الْكَبِير بذلك فرسم بهدمها بتحسين الْمُحْتَسب لَهُ ذَلِك فَسَار إِلَيْهَا وهدمها وعملها مَسْجِدا. وَفِي ثَانِي شَوَّال: قبض على الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي زَمَامِ الدّور وَأخذ وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه: قبض على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن هُمُز التركماني خشيَة من فراره إِلَى التركمان وَقد ورد الْبَرِيد بخروجهم عَن الطَّاعَة. وَفِي سابعه: قبض على الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمُر الْحَاجِب وَولده الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد وأخرجهما برقوق إِلَى الشَّام ثمَّ ردهما بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَأخذ مِنْهُمَا عشر آلَاف دِينَار وأنعم على الْأَمِير جمال الدّين بإمرة طبلخاناه وَترك وَلَده بطالا وَسبب ذَلِك أَنه أهْدى إِلَى الْأَمِير بركَة عِنْدَمَا صرع بالبندق طائراً من طيور الْوَاجِب وَادّعى لَهُ فِي رمي البندق يشْتَمل الإهداء على خمس بقج حَرِير أطلس ضمنهَا قماش حَرِير وصوف وفرو وبدلة برسم الصَّيْد غيار بِذَهَب وجراوات برسم بندق الرَّمْي عدتهَا أَرْبَعُونَ مزركشة وكمرانات عدَّة أَرْبَعِينَ وَمن قسي الحلقةَ اثْنَيْنِ وَمن قسي البندق مِائَتي قَوس وَمن بندق الرَّمْي سِتِّينَ بندقة من ذهب صَامت وَمِائَة بندقة من فضَّة خَالِصَة واثني عشر فرسا مِنْهَا وَاحِد بسرج ذهب وكنبوش زركش وَآخر بسرج مغرق وعرقية(5/54)
صوف سمك وَسَبْعَة أرءوس بعبي وفرسين عراه وَعشر جُفَن سكر ومائتي طَائِر دَجَاج وَثَلَاثِينَ جملا وَمِائَة رَأس غنم فَلَمَّا قدمت بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ من حضر: أَنه قَدَمَ للأمير صرغَتُمش تقدمة أَكثر من هَذِه. فَغَضب برقوق وَقَالَ: مَا ساواني بصرغتمش وَأخذ الْهَدِيَّة الْمَذْكُورَة ثمَّ أَمر بِهِ فنفي كَمَا تَقدم ذكره. وَفِي سادس عشرينه: توجه الْأَمِير قرا دمرداش الأحمدي أَمِير مجْلِس إِلَى الْحجاز حَاجا. وَفِيه قبض على الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس وعَلى أَخِيه فَخر الدّين وعذبا عذَابا شَدِيدا ففرا بعد أَيَّام وَلم يُوقف لَهما على خبر وَكَانَ ابْن مكانس كريم الدّين هُوَ وَأَخُوهُ فَخر الدّين قد أحدثا عدَّة مظالم قبيحة مِنْهَا أَن الْأَمِير يلبغا الخاصكي لما أبطل المكس من مَكَّة عوض الشريف أَمِير مَكَّة عَن ذَلِك فِي كل سنة مائَة وَسبعين ألف دِرْهَم تحمل إِلَيْهِ فَكَانَ ابْن مكانس يجبي ذَلِك من مباشري الدولة وَالْخَاص على قدر حَالهم وَكَانَ المقسي - وَهُوَ نَاظر الْخَاص - يقوم عَن مباشري الْخَاص. بمبلغ سِتَّة عشر ألف دِرْهَم وَمِنْهَا أَنه ختم على قيسارية جهاركس بِالْقَاهِرَةِ فِي أخريات شهر رَمَضَان وَزعم أَن عِنْد التُّجَّار ثيابًا بِغَيْر ختم فتعطل بيع النَّاس وشرائهم على عيد الْفطر حَتَّى ألتزموا لَهُ. بِمَال يقوم بِهِ فَلَمَّا حملوه إِلَيْهِ رفع خَتمه بعد ثَمَانِيَة أَيَّام وَمِنْهَا أَنه صَار يخرج إِلَى بركَة الْحَاج عِنْد تَكَامل الْحَج بهَا فِي شهر شَوَّال وَيلْزم مقومي الْحجَّاج بإحضار أوراق مُشتَرى جمَالهمْ من سوق الْجمال فَمن لم يحضر ورقة مباشري مكسي سوق الْجمال نكل بِهِ وغرمه مَالا فأضر ذَلِك بكثر من الجمالة وتعطل حجاجهم عَن الْحَج وعادوا من الْبركَة إِلَى الْقَاهِرَة وَمِنْهَا أَنه عمل بعد ذَلِك دَائِرَة كَبِيرَة. بِمَال كَبِير حملوه إِلَيْهِ واقتدى بِهِ من بعده من الوزراء فِي ذَلِك صَار يخرج إِلَى بركَة الْحجَّاج فِي كل سنة وَيُطَالب المقومين بأوراق المكس وَلما قبض عَلَيْهِ وقف التُّجَّار إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فرسم برد مَا أَخذ مِنْهُم أَبنَاء مكانس فَردا عَلَيْهِم المَال. هَذَا مَعَ تظاهر(5/55)
بنى مكانس بِالْفِسْقِ على أَنْوَاعه تظاهراً بِغَيْر احتشام وَبَقَاء نِسَائِهِم وبناتهم على النَّصْرَانِيَّة واستخفاف رِجَالهمْ بِكِتَاب الله وَدينه وَرَسُوله. وَفِيه خلع على الصاحب تَاج الدّين النشو الْمَالِكِي وأعيد إِلَى الوزارة. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج عبد الله المقسي وأعيد إِلَى نظر الْخَاص وخلع على علم الدّين عبد الله بن الصاحب كريم الدّين بن غَنَّام وَاسْتقر فِي نظر الْأَسْوَاق. وَفِي ثَالِث فِي ذِي الْقعدَة: خلع على علم الدّين يحيى طباهجة بن رزق الله بن إِبْرَاهِيم ابْن الْفَخر وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن الْفَخر بن مكانس. وَفِي ثَانِي ذِي الْحجَّة: قبض على سَلام بن التركية - أَمِير عرب الْبحيرَة فسجن بخزانة شمايل من الْقَاهِرَة. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عطا الله التنسي الْمَالِكِي فِي قَضَاء مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن عز الدّين الربعِي. وَفِي سادسه: نقل الْأَمِير كُرْجى الشمسي من ولَايَة قليوب إِلَى ولَايَة الغربية. وَفِي سابعه: خرج الْأَمِير إينال اليوسفي أَمِير سلاحِ وألان الشَّعْبَانِي وَأحمد بن يلبغا وطبج المحمدي وأقتمُر العثماني وطَقتمُر وطقتمُش وأَطْلَمِش ألطازي وطُغاي تَمُر القبلاوي فِي عدَّة وافرة لقِتَال عرب الْبحيرَة فَفرُّوا مِنْهُم وعادوا بعد مَا وصلوا إِلَى الفيوم وَقد ساقوا أنعاما كَثِيرَة جدا. وَلما وصل ركب الْحجَّاج إِلَى مَكَّة بَلغهُمْ قدوم محمل من الْيمن وَكِسْوَة للكعبة فَمنع الْأَمِير قرا دمرداش حجاج الْيمن(5/56)
من دُخُول مَكَّة فَلم يزل الشريف أَحْمد بن عجلَان يتوسط بَين حَاج الْيمن وحاج مصر حَتَّى دخل أهل الْيمن. بمحلهم ووقفوا بِعَرَفَة وَلم تكن فتْنَة بِحَمْد الله فَلَمَّا كسا الْأَمِير قرا دمرداش الْكَعْبَة فِي يَوْم النَّحْر على الْعَادة خرج من مَكَّة عَائِدًا إِلَى مصر. وَفِي سادس عشره: استدعى الْأَمِير الْكَبِير برقوق الْقُضَاة وشيوخ الْعلم وتحدث مَعَهم فِي حل الْأَرَاضِي الْأَوْقَاف على الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والخوانك والزوايا والربط وعَلى أَوْلَاد الْمُلُوك والأمراء وَغَيرهم وعَلى الرزق الأحباسية وَكَيف يجوز بيع أَرَاضِي مصر وَالشَّام الخراجية على بَيت المَال وأحضرت أوراق. بِمَا أوقف من بِلَاد مصر وَالشَّام وَبِمَا تملك مِنْهَا - ومبلغها فِي كل سنة مَال كَبِير جدا - فَلَمَّا قُرِئت على من قد حضر من الْأُمَرَاء وَأهل الْعلم قَالَ الْأَمِير برقوق: هَذَا هُوَ الَّذِي أَضْعَف جَيش الْمُسلمين. فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء: هما جيشان جَيش اللَّيْل وجيش النَّهَار فَأخذ الشَّيْخ أكمل الدّين فِي الْكَلَام مَعَ الأميرين بركَة وبرقوق فِي ذَلِك باللغة التركية حَتَّى غَضبا مِنْهُ فَقَالَ بَعضهم لشيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ لم لَا تَتَكَلَّم فَقَالَ: مَا استفتاني أحد حَتَّى أفتيه. فَأَشَارَ لَهُ الْأَمِير برقوق أَن يتَكَلَّم فطال كَلَامه على عَادَته وَمُلَخَّصه أَن أوقاف الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والخوانك الَّتِي هِيَ على عُلَمَاء الشَّرِيعَة وفقهاء الْإِسْلَام وعَلى المؤذنين وأئمة الصَّلَوَات وَنَحْو ذَلِك لَا يحل لأحد أَن يتَعَرَّض بحلها بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِن للْمُسلمين حق لم يدْفع إِلَيْهِم وَإِلَّا فانصبوا لنا ديوانا نحاسبه على حَقنا حَتَّى يظْهر لكم أَن مَا نستحقه أَكثر مِمَّا هُوَ مَوْقُوف علينا وَأما مَا وقف على عويشة وفطيمة وَاشْترى من بَيت المَال بحيلة أَن يُؤْخَذ المَال صُورَة ثمَّ يُعَاد فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى أَن ينظر فِي ذَلِك فَإِن كَانَ قد أَخذ بطرِيق شَرْعِي فَلَا سَبِيل إِلَى نقضه وَإِن كَانَ غير ذَلِك نقض. فَقَالَ ابْن أبي الْبَقَاء: يَا أُمَرَاء أَنْتُم أَصْحَاب الشَّوْكَة وَالْأَمر لكم. فَقَالَ لَهُ البُلْقِينِيّ اسْكُتْ مَا أَنْت وَهَذَا. فَسَأَلَ الْأَمِير بركَة والأمير برقوق بن أبي الْبَقَاء من أَيْن يَشْتَرِي السُّلْطَان هَذَا فَقَالَ: الأَرْض كلهَا للسُّلْطَان. فَقَالَ لَهُ الْبَدْر مُحَمَّد بن البُلْقِينِيّ - قَاضِي الْعَسْكَر - كَيفَ تَقول هَذَا من أَيْن للسُّلْطَان ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ كآحاد النَّاس. فَقَالَ البُلْقِينِيّ: يَا أُمَرَاء أَنْتُم تأمرون الْقُضَاة فَإِن لم يَفْعَلُوا مَا ترسموا بِهِ عزلتموهم كَمَا(5/57)
جرى لشرف الدّين بن مَنْصُور مَعَ الْملك الْأَشْرَف لما لم يفعل لَهُ مَا أَرَادَ عَزله ثمَّ انْفَضُّوا وأخرجوا عدَّة أوقاف وَفِيه خلع على شهَاب الدّين أَحْمد الدفري الْمَالِكِي وَاسْتقر مفتي دَار الْعدْل. وَفِيه أخرج الْأَمِير سودون العلاي والأمير بهادر الأشْقَتَمُري منفيين إِلَى صفد. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير منكلي بُغا الْبَلَدِي فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن أقبغا الْجَوْهَرِي وَاسْتقر الْأَمِير فِي ولَايَة منفلوط. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْأَمِير قرا دمرداش أَمِير مجْلِس من الْحجاز. وَفِيه وجد الْأَمِير الْكَبِير برقوق ورقة فِيهَا أَن غُلَام الله يُرِيد أَن يكبس عَلَيْك فِي صَلَاة الْجُمُعَة. بِمِائَتي عبد فَطلب غُلَام الله ورسم عَلَيْهِ وسجن بخزانة شمايل وَوَقع التَّحَرُّز بِحَيْثُ أَمر خطيب مدرسة السُّلْطَان فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه أَن يعجل فِي الْخطْبَة وَقبض على جمَاعَة العبيد وَكثر الأرجاف بكبس الْجَوَامِع - فِي يَوْم الْجُمُعَة هَذَا - وَقتل الْعَامَّة فَنُوديَ بالأمان. وَفِيه اسْتَقر أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين - موقع الْأَمِير الْكَبِير برقوق - فِي نظر خزانَة الْخَاص بعد موت عَلَاء الدّين عَليّ بن عرب وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير تمر باي الدمرداشي - نَائِب حلب - سَار بالعسكر الْحلَبِي وعدة من عَسْكَر دمشق وحماة إِلَى جِهَة سيس وَقد كثر فَسَاد طَائِفَة التركمان الأجقية والأغاجرية حَتَّى قرب من مَدِينَة إِيَاس أَتَاهُم من أُمَرَاء التركمان نَحْو الْأَرْبَعين بهدية وسألوا الْأمان لأصحابهم والتزموا بالدرك على الْعَادة فَقبض عَلَيْهِم وقيدهم وَركب فِي الْحَال إِلَى بُيُوتهم. بِمن مَعَه فنهب أَمْوَالهم وسبى حريمهم وَقتل رِجَالهمْ وارتكب مِنْهُم كل قَبِيح وَعَاد فَجمع التركمان جمائعهم وكمنوا للعسكر. بمضيق يُقَال لَهُ بَاب الْملك -(5/58)
على شط الْبَحْر - وأوقعوا بهم فهلكوا مَا بَين غريق وقتيل وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا طريح أَو جريح أومن نجا بِخَاصَّة نَفسه - وَقَلِيل مَا هم - وَحَازَ التركمان من المَال والآلات والخيول وَالْجمال والأسلحة مَا يجل وَصفه من ذَلِك ثَلَاثُونَ ألف جمل بأحمالها وَثَلَاثَة عشر ألف رَأس من الْخَيل غالبها مسرجة ملجمة إِلَى غير ذَلِك فَكَانَ هَذَا أَيْضا من الوهن فِي الدولة فَإِن التراكمين كَانُوا للدولة. بِمَنْزِلَة السُّور عَلَيْهَا ويتحصل مِنْهُم فِي كل سنة عشرات آلَاف من الْغنم يُؤْخَذ مِنْهُم عَن زَكَاة أغنامهم يُقَال لَهُ الْعداد وينال أهل حلب مِنْهُم مَنَافِع لَا تحصى وَإِذا ندبهم السُّلْطَان لِحَرْب بَادرُوا إِلَى امْتِثَال أمره وعدوا ذَلِك طَاعَة وَعبادَة فصيرهم سوء التَّدْبِير وَكَثْرَة الظُّلم أَعدَاء لدولة تقتل رجالها وتنهب أموالها وتستولي على أَعمالهَا وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَاتفقَ أَيْضا للْحَاج فِي عودهم محن شَدِيدَة من موت الْجمال وتزايد الأسعار فَلَمَّا نزلُوا بالأزلم - وَفِي ظنهم أَنهم يَجدوا مَا جرت بِهِ الْعَادة من الشّعير والبشماط الْمَحْمُول إِلَيْهِم من الْقَاهِرَة - فَلم يَجدوا شَيْئا من ذَلِك وَذَلِكَ أَن العربان تعرضت للإقامات تُرِيدُ نهبها فَلم تتجاوز مغارة شُعَيْب فَاشْتَدَّ الْأَمر على الْحجَّاج وعلفوا جمَالهمْ. مِمَّا مَعَهم من زادهم الَّذِي هُوَ قوتهم وَانْقطع كثير مِنْهُم فِي الطرقات جوعا وتعباً وَبَلغت الويبة الشّعير إِلَى خمسين درهما فضَّة ثمَّ تزايد سعرها حَتَّى بلغت مائَة دِرْهَم وغلا عَامَّة مَا يُبَاع أَيْضا. وفيهَا أُعِيد الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الصنهاجي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن علم الدّين القفصي وأعيد فتح الدّين أَبُو بكر بن عماد الدّين أبي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم جمال الدّين أبي الْكَرم مُحَمَّد بن الشَّهِيد إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد ابْن مُزْهِر وأعيد الْجلَال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الزرعي إِلَى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن الْكَمَال عمر بن عُثْمَان المعري وأعيد شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُهاجر إِلَى كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن ابْن أبي الطّيب. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الشَّيْخ أَحْمد بادار العجمي نزيل الْقَاهِرَة بالقدس وَقد عمى وأناف على السّبْعين وَكَانَت لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد. وَمَات الْأَمِير أطْلمش الدوادار أحد أُمَرَاء الألوف فِي ربيع الآخر بِدِمَشْق وَقد أخرج إِلَيْهَا على إمرة بهَا.(5/59)
وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد الصَّالح بن نجم بن صَالح نزيل منية السيرج فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر رَمَضَان وَكَانَ يُقصد للتبرك بزيارته. وَتُوفِّي الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبيد الله بن سعد الله العفيفي الْقزْوِينِي الْمَعْرُوف بقاضي قرم شيخ الخانكاه الركنية بيبرس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة وَقد تصدى للتدريس على مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وإقراء النَّحْو وَالْأُصُول وَغير ذَلِك عدَّة سِنِين وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة مَعَ صدق فِي الدّيانَة وتواضع وبر وَخير كثير. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد عبد الله الجبرتي الزَّيْلَعِيّ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشر الْمحرم وقبره يزار بالقرافة. وَتُوفِّي جمال الدّين عبد الله بن مُخْتَار فِي تَاسِع صفر. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الْوَهَّاب بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عرب محتسب الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. بِمَكَّة بعد قَضَاء الْحَج وَدفن بالمعلا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت شاد الدَّوَاوِين فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ عَائِد من حلب إِلَى دمشق وَكَانَ عفيفاً لَا يقبل رشوة أحد. وَتُوفِّي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن جَابر الهواري الأندلسي النَّحْوِيّ الأديب بحلب عَن سبعين سنة وَهُوَ عَلامَة وقته فِي الْأَدَب والنحو والتصريف مَعَ كَثْرَة الْعِبَادَة وَكَانَ هُوَ ورفيقه أَبُو جَعْفَر كالخالدين لَا يزَالَانِ سفرا وحضرا وَله مصنفات وَمن شعره: وقفتْ للوداع زينبُ لما رَحَل الركبُ والمدامعُ تُسْكَبْ. فالتقتْ بالبَنَانِ دَمعي وحُلْو سَكب دمعي على أَصَابِع زَينَب وَتُوفِّي مُسْند الْوَقْت صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الشَّيْخ أبي عمر الْمَقْدِسِي آخر من بَقِي من أَصْحَاب ابْن البُخَارِيّ فِي شَوَّال بصالحية دمشق حدث. بِمُسْنَد أَحْمد وَغَيره.(5/60)
وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن مُحَمَّد بن شهرى نَائِب سيس بعد عوده من الْقَاهِرَة إِلَيْهَا وَكَانَ فَقِيها شافعياً أذن لَهُ فِي الْفتيا وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَله تَرْجَمَة. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الأزكَشِي فِي سادس عشر من ذِي الْقعدَة بالمحلة من قرى مصر بعد مَا ولي أستادارا ومشيرًا فِي الْأَيَّام الأشرفية. وَتُوفِّي الْفَقِيه المعتقد نَهَار المغربي بالإسكندرية فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْمُقْرِئ حَافظ الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَاج الدّين إِبْرَاهِيم بن سنبكي بن أَيُّوب بن قراجا الْمُقْرِئ بن الْجمال يُوسُف القصيري الْحَنَفِيّ أَخذ الْقرَاءَات عَن ابْن نصحان وبرع فِي الْقرَاءَات وَغَيرهَا وَولي قَضَاء الْعَسْكَر بحلب ثمَّ بِدِمَشْق ثمَّ انْقَطع بداره حَتَّى مَاتَ عَن نَيف وَسبعين سنة.(5/61)
فارغه(5/62)
(سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة)
فِي حادي عشر الْمحرم: قبض على غُلَام الله مهتار - الطشت خاناه السُّلْطَانِيَّة - بَعْدَمَا أفرج عَنهُ وأعيد إِلَى خزانَة شمايل وَسبب ذَلِك أَن الْأَمِير قُرُط - مُتَوَلِّي أسوان - وجد عدَّة سيوف قد بعث بهَا من الْقَاهِرَة مَكْتُوب عَلَيْهَا غُلَام الله وَهِي مُتَوجه بهَا إِلَى أَوْلَاد الْكَنْز فأحضرها مَعَه لما قدم. وَفِي سَابِع عشره: سُمر رجلَانِ من أَوْلَاد الْكَنْز وطيف بهما الْقَاهِرَة ومصر ثمَّ وسطا وَهَذَا أَيْضا مِمَّا أوجب وَهن الدولة فَإِن قُرُط لشدَّة عسفه وَكَثْرَة عتوه أوجب خُرُوج أَوْلَاد الْكَنْز على الطَّاعَة وَكَثْرَة فسادهم حَتَّى خرجت أسوان من أَيدي الدولة ثمَّ خربَتْ. وَفِيه قبض على الْأَمِير قُرُط وصودر وَأخذ مِنْهُ مَال كثير فَإِنَّهُ كَانَ قد ساءت سيرته وشرهه فِي أَخذ أَمْوَال الرّعية ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام كثر تخوف الْعَامَّة من أَن يركب عَلَيْهِم الْأَمِير بركَة ويبذل فيهم السَّيْف ويقتلهم وَأَغْلقُوا حوانيت مَعَايشهمْ من أول اللَّيْل ثمَّ أَمر وَالِي الْقَاهِرَة بِقَبض الزعر وَالْعَبِيد فتطلبهم بعدة مَوَاضِع فازداد خوف الْعَامَّة حَتَّى نُودي على لِسَان الْأَمِير الْكَبِير برقوق بالأمان وَأَن من سخركم يَا عوام اقبضوا عَلَيْهِ واحضروا بِهِ إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فاطمئنوا وَكَانَ برقوق دَائِما يقْصد التحبب إِلَى الْعَامَّة ويذب عَنْهُم حَتَّى أحبوه وتعصبوا لَهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم محمل الْحَاج وَقد تَأَخّر عَن عَادَته لما بالحجاج من الْمَشَقَّة. وَفِيه خلع على الْأَمِير قُرُط وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه القبلي وخلع على وَلَده حُسَيْن بِولَايَة قوص فَانْفَرد بالتحكم فِي بِلَاد الصَّعِيد بأسرها من الجيزة إِلَى بِلَاد النّوبَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير بَلوط الصَّرغَتْمُشى فاستقر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بُزْلار الناصري وَنفي بُزْلار إِلَى الشَّام. وَفِي سَابِع عشرينه: أفرج عَن غُلَام الله.(5/63)
وَفِي رَابِع صفر: عزل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء عَن الحكم. وَفِي هَذَا الشَّهْر اسْتَقر عز الدّين يُوسُف بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الرَّازِيّ فِي مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس عوضا عَن الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القرمي وَفِي درس الحَدِيث بالمنصورية فافتضح بَين وَفِي رَابِع صفر عزل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء عَن الحكم وَخرج الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس أَمِير أخور على الْبَرِيد لإحضار قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة من الْقُدس. وَفِي سابعه: ألزم الطواشي مِثْقَال الجمالي الزِّمَام بِإِظْهَار ذخاير الْملك الْأَشْرَف فَدلَّ على صندوق فِي مَوضِع من الدّور السُّلْطَانِيَّة فَوجدَ فِيهِ مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَوضِع آخر فَوجدَ فِيهِ خَمْسَة عشر ألف دِينَار وبرنية بهَا جَوَاهِر مِنْهَا فص عين الهر زنته سِتَّة عشر درهما ثمَّ عُوقِبَ فَلم يعْتَرف بِشَيْء وَوجدت أوراق عِنْد بعض جواري الْملك الْأَشْرَف بِخَطِّهِ تَتَضَمَّن أَمَاكِن أَمْوَاله وتفصيلها فاعتبرت فَإِذا تِلْكَ الْأَمْوَال قد أخذت من بعده وَلم يتَأَخَّر مِنْهَا سوى مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وعلبة بهَا جَوَاهِر وعلبة بهَا لُؤْلُؤ عِنْد الْأَمِير طشتمر الدوادار فأفرج عَن الزِّمَام مِثْقَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة من الْقُدس فَركب الْأَمِير بركَة إِلَى لِقَائِه وَبَالغ فِي التأدب مَعَه والتواضع لَهُ وَسَار بِهِ حَتَّى طلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فَأَجله وَقَامَ بِوَاجِب حَقه وأنزله بصهريج الْأَمِير منجك تَحت القلعة فَلَمَّا أصبح نَهَار الْخَمِيس ثَالِث عشرينه استدعى بِهِ إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة على عَادَته فِي الْأَيَّام الأشرفية وَنزل وَفِي خدمته من أُمَرَاء الدَّرك ثَلَاثَة عشر أَمِيرا مِنْهُم دوادار السُّلْطَان وَركب مَعَه قُضَاة الْقُضَاة وأعيان النَّاس وأشعلت الْقَاهِرَة لنزوله بالشموع والقناديل وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما إِلَى الْغَايَة فِي كَثْرَة جمع النَّاس لمشاهدته فأرضى من يَوْمه شيخ(5/64)
الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَصَالَحَهُ من نفره كَانَت بَينهمَا وَنزل لَهُ عَن وقف السيفي بالقبة المنصورية عوضا عَن تدريس الشَّافِعِي وأركبه بغلة رائعة بقماش فاخر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: رفع أهل منوف على متوليهم عدَّة مرافعات فَطَلَبه الْأَمِير الْكَبِير برقوق وَبعث بالكشف عَلَيْهِ فعادوا عَلَيْهِ بشنايع فَضَربهُ بالمقارع وألزمه أَن يقوم للنَّاس. بِمَا أَخذ من أَمْوَالهم. وَفِيه ألزم الْأَمِير بركَة جَمِيع الْأُمَرَاء أَن يأتوه بالكلاب وَقرر على كل أَمِير عددا من الْكلاب وألزم أَرْبَاب الحوانيت أَن يحضر كل صَاحب حَانُوت كَلْبا فتتبعت الْكلاب بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرها وَقد كَانَت كثرت إِلَى الْغَايَة فِي الْأَزِقَّة والشوارع فَأخذت من كل مَوضِع وعدى بهَا النّيل إِلَى بر الجيزة فَكَانَ يُبَاع كل كلب بدرهم وقيلت فِي ذَلِك عدَّة أشعار. وَفِيه فرق الميدان تَحت القلعة على الْأُمَرَاء وألزموا بعزقه وتنظيفه فَإِنَّهُ كَانَ قد هجر مُنْذُ وَفِي رَابِع شهر ربيع الأول: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع وَعشْرين إصبعا. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير مُحَمَّد بن قرطاي الكركي وَاسْتقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن عَليّ خَان بن قرمان. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن أقبغا عبد الله وقُطوبُغَا جَركس وأَلْطنبغَا شادي وأسنبغا الألجاوي ثَارُوا فِي جمَاعَة من المماليك بحلب يُرِيدُونَ قتل نائبها فَلَمَّا فطن بهم ركب لحربهم وَقَاتلهمْ فانكسروا وفر أقبغا عبد الله إِلَى الْأَمِير نُعَيْر بن حيار بن مهنا فأجاره. وَفِيه ركب الْأَمِير أقبغا صيوان الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير مُحَمَّد بن ألجبغا المظفري من دمشق واستقراره نَائِب غَزَّة عوضا عَن تغري برمش والتوجه بتغري برمش إِلَى دمشق واستقراره بهَا أَمِير مائَة مقدم ألف وَكتب باستقرار زامل بن مُوسَى ومعيقل بن(5/65)
فضل - وَلَدي عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غضية بن فضل بن ربيعَة - فِي إمرة الْعَرَب عوضا عَن الْأَمِير قار بن مهنا بعد مَوته. وَفِي تَاسِع عشره: قدم قَاصد الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد نعير بن حيار يسْأَل فِي إمرة الْعَرَب وَأَن ينعم على أقبغا عبد الله بن مُحَمَّد بنيابة بعض الْأَطْرَاف فَقبض عَلَيْهِ وسجن بالبرج من القلعة. وَفِيه سَار الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير أَشَقتمُر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي فِي تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاه شَيْخو بعد موت ابْن مَرْزُوق وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب فِي تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الصَّرْغَتْمُشية عوضا عَن ابْن مَرْزُوق وَاسْتقر شَيخنَا أَبُو البركات عوضه فِي تدريس القمحية. وَفِي أول شهر ربيع الآخر: ركبت سلسلة على فَم قنطرة الخور وعَلى قنطرة الْفَخر. بموردة الْجَيْش لمنع مراكب المتفرجين من دُخُول الخليج الناصري وبركة الرطلي من أَرَاضِي الطبالة بِقِيَام الشَّيْخ مُحَمَّد صَائِم الدَّهْر فِي ذَلِك. وَفِي ثامن عشره: توجه الْأَمِير سودن باشاه دوادار الْأَمِير بركَة إِلَى مَكَّة لعمارة الْحرم وأجرى عين عَرَفَة. وَفِي تَاسِع عشره: كبست بيُوت كَثِيرَة بحارة الأسرى خَارج مَدِينَة مصر وأريقت خمور كَثِيرَة جدا على يَد الْأَمِير مَأْمُور حَاجِب الْحجاب. وَفِي عشرينه - وَهُوَ ثَالِث عشر مسرى -: فتح الخليج بعد الْوَفَاء على يَد الْأَمِير بركَة. وَفِيه أراق الْأَمِير بركَة خمرًا كثيرا من بيُوت الأقباط.(5/66)
وَفِي سادس عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن عربان الصَّعِيد كبسوا على الْأَمِير قرط وَقتلُوا من عسكره سبعين فَارِسًا فحاربهم وَهَزَمَهُمْ. وَفِي أول جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير أشقتمر المارديني من الْقُدس فَركب الأميران بركَة وبرقوق إِلَى لِقَائِه بالريدانية وترجلا لَهُ فَنزل إِلَيْهِمَا وَسلم عَلَيْهِمَا وَسَار مَعَهُمَا إِلَى القلعة فأنزله الْأَمِير برقوق وَقَامَ لَهُ. بِمَا يَلِيق بِهِ. وَفِيه خلع على الْأَمِير سودن الشيخوني وَاسْتقر حاجبا ثَالِثا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه: خلع على الْأَمِير أشقتمر وَاسْتقر فِي نِيَابَة حلب. وخلع عَلَيْهِ من الْغَد خلعة السّفر فَركب الْبَرِيد فِي لَيْلَة الْأَحَد سابعه وَتوجه إِلَى حلب. وَكتب. بمجيء تمرباي من حلب إِلَى الْقُدس وإقامته بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ ورسم لَهُ أَن يلبس الطرحة فِي أَيَّام الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة كَمَا يلبسهَا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَأَن يَسْتَنِيب عَنهُ فِي أَعمال مصر قبليها وبحريها قُضَاة حنفية وَأَن يتَّخذ لأيتام الْحَنَفِيَّة مودعا يودع فِيهِ أَمْوَالهم حَتَّى لَا يخرج مِنْهَا زَكَاة فشق ذَلِك على قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وتحدث فِي إبِْطَال ذَلِك فعقد مجْلِس عِنْد الْأَمِير برقوق الْكَبِير بِسَبَب ذَلِك فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره حَضَره الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم - إِلَّا البُلْقِينِيّ - فَقَامَ الشَّيْخ أكمل الدّين شيخ خانكاه شيخو فِي إبِْطَال مَا أَرَادَ الْجَار بإحداثه قيَاما بَالغا مَعَ الْأَمِير الْكَبِير وَدَار بَينه وَبَين الْجَار فِي ذَلِك كَلَام غير لَائِق فتم للأكمل مَا أَرَادَ ورسم. بِمَنْع الْجَار مِمَّا طلبه وَكَانَ الْفَقِير الْمُعْتَمد خلف الطوخي قد اجْتمع بالأمير الْكَبِير برقوق بالْأَمْس وَكَلمه فِي إبِْطَال ذَلِك وَبَالغ مَعَه فِيهِ. حَتَّى قَالَ لَهُ: إِن لم ترجع وَإِلَّا بَيْننَا وَبَيْنك سِهَام اللَّيْل فانفعل الْأَمِير الْكَبِير لكَلَامه وَخَافَ عاقبته. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَاسْتقر على عَادَته وَألا يخرج شَيْء عَن حكمه وَهَذِه مرّة ثَانِيَة سعى الْعَجم فِي إِفْرَاد مُودع للحنفية وَولَايَة قُضَاة حنفية بأعمال مصر. فَلم ينجح سَعْيهمْ الأولى فِي ولَايَة السراج الْهِنْدِيّ عاقه عَن إِتْمَامه مَرضه حَتَّى مَاتَ وَثَانِيها هَذِه فكثرت الشناعة بِأَنَّهُم أَرَادوا منع الزَّكَاة وقيلت فِي ذَلِك أشعار كَثِيرَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: كتب باستقرار الْأَمِير حطط فِي نِيَابَة حماة وخلع على قراجا(5/67)
العلاى أحد مقدمي الْحلقَة وَاسْتقر فِي ولَايَة الجيزة بإمرة عشرَة. وَفِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة: فاض الخليج الناصري وَأغْرقَ عدَّة بساتين وَأغْرقَ كوم الريش وَمَا حول تِلْكَ الْأَرَاضِي بِحَيْثُ صَارَت لجة مَاء. وَفِي خامسه: أفرج عَن الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ من سجن الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه ليقيم بالقدس. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير أقبغا عبد الله طَائِعا فَخلع عَلَيْهِ. وَاسْتقر نَائِب غَزَّة بعد وَفَاة مُحَمَّد بن وَفِيه خلع على مُحَمَّد بن أياز الدوادارى وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن قرط. وخلع على أَحْمد بن غرلو وَاسْتقر فِي ولَايَة البهنسا وكل ذَلِك. بِمَال التزما بِهِ. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى إِصْبَعَيْنِ من عشْرين ذِرَاعا ورسم لقَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ بعزل نائبين من نوابه بِالْقَاهِرَةِ وهما جمال الدّين عبد الرَّحِيم بن الْوراق وزين الدّين السكندري أما ابْن الْوراق فَإِن امْرَأَة اعْترفت عِنْده بِانْقِضَاء عدتهَا بسقط تخلق فَحكم بِهِ ثمَّ ادَّعَت ثَانِيًا بعد ذَلِك على مُطلقهَا عِنْده أَنَّهَا حَامِل مِنْهُ فقرر عَلَيْهِ فرض الْحمل وَهَذَا غير مذْهبه. وَأما السكندري فَإِن رجلا احتمى بِهِ خوفًا بَطش الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب كَمَا جرت الْعَادة بِأَن من خَافَ جور من يعتدي عَلَيْهِ يركن إِلَى قَاض من الْقُضَاة فَيصير فِي حماية الشَّرْع النَّبَوِيّ مَا أَقَامَ وَلَا يَجْسُر أحد على أَخذه من ذَلِك القَاضِي احتراما لَهُ وتعظيما لحُرْمَة الدّين فَشكى الْأَمِير مَأْمُور ذَلِك إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فرسم بعزله وَطلب الرجل المحتمي بِالْقَاضِي وضربه ضربا مبرحا بالمقارع هُوَ وَولده وشهرهما بِالْقَاهِرَةِ وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا: هَذَا جَزَاء من يتجاهى على الْحَاجِب. فَكَانَ هَذَا أَيْضا من الْحَوَادِث الَّتِي لم تعهد واتضع بهَا جَانب الْقُضَاة وانبسطت أَيدي الْحجاب فِي الْأَحْكَام. بِمَا تهوى أنفسهم وزين لَهُم شيطانهم بِغَيْر علم وَلَا دين يزعهم. وَفِي شهر رَجَب: اتّفقت حَادِثَة مستغربة وَهِي أَن بعض من يتكسب بتحمل الشَّهَادَة بجلوسه فِي حوانيت الشُّهُود من رحبة بَاب الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ يعرف بالشهاب(5/68)
أَحْمد بن الفيشي من الْحَنَفِيَّة دخل إِلَى منزله بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر فَسمع صَوتا من جِدَار بَيته يَقُول لَهُ: اتَّقِ الله وعاشر زَوجتك بِالْمَعْرُوفِ فَظن أَن هَذَا من الجان فَإِنَّهُ لم ير شَيْئا وَحدث أَصْحَابه بذلك فصاروا مَعَه إِلَى بَيته فَسَمِعُوا الْكَلَام من الْجِدَار فسألوا عَمَّا بدا لَهُم فأجابهم الْمُتَكَلّم من غير أَن يرَوا شَيْئا فغلب على ظنهم أَن هَذَا من الجان وأشاعوه فِي النَّاس فارتجت الْقَاهِرَة ومصر وَأَقْبل النَّاس من كل جِهَة إِلَى بَيت ابْن الفيشي لسَمَاع كَلَام الْحَائِط وصاروا يحادثون الْحَائِط بزعمهم ويحادثهم فَكثر بَين النَّاس قَوْلهم: يَا سَلام سلم الْحَائِط بيتكلم وَكَاد النَّاس أَن يفتتنوا بِهَذَا وجلبوا إِلَى ذَلِك الْجِدَار من الطِّبّ شَيْئا كثيرا وَحَضَرت الْعَذْرَاء من خدرها إِلَيْهِ. فَركب محتسب الْقَاهِرَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي إِلَى بَيت ابْن الفيشي هَذَا ليختبر مَا يُقَال ووكل بِابْن الفيشي أحد أعوانه فَإِذا بِالْبَيْتِ مُرْتَفع وَتَحْته إصطبل فِيهِ بعض الأجناد فَوكل بِهِ أَيْضا وطلع إِلَى عِنْد الْحَائِط وحدثه فحادثه فَأمر بهدم الْحَائِط فَقَالَ لَهُ: اخرب فَإِنَّهُ مَا ينزل على شَيْء وَلَا أُبَالِي لَا فَلَمَّا هدم الْحَائِط لم ير شَيْئا فَعَاد إِلَى بَيته وَقد كثر تعجبه وازدادت فتْنَة النَّاس بِالْحَائِطِ وَأخذ الْمُحْتَسب مَعَ أَصْحَابه فِي ذكر ذَلِك فَبعث من يكْشف لَهُ الْخَبَر: هَل انْقَطع الْكَلَام بعد تخريب الْحَائِط أَو لَا فَوَجَدَهُ قاصده يتَكَلَّم كَمَا كَانَ قبل خرابه فتحير من ذَلِك وَكَانَ هَذَا الْمُحْتَسب شهما جريئًا قد مارس الْأُمُور وحلب الدَّهْر أشطره ولاحظته مَعَ ذَلِك السُّعُود فَلَا يَتَحَرَّك حَرَكَة إِلَّا حمد عَلَيْهَا وَلَا بَاشر جِهَة وقف إِلَّا عمر خرابه وَأنْفق على مستحقيه معاليمهم بعد تَأَخّر صرفهَا لَهُم. وَإِذا بَاشر حسبَة الْقَاهِرَة رخت الأسعار فَإِذا عزل ارْتَفَعت فتقف الْعَامَّة وتطلب عوده لسعادة جده ويمن إقباله. وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ كَمَا قيل نفس عِصَام سودت عصاما فَلَمَّا عَاد قاصده إِلَيْهِ أخبرهُ بِأَن الْكَلَام مُسْتَمر قَامَ من فوره وَمَعَهُ عدَّة من أَصْحَابه حَتَّى جَلَسُوا عِنْد الْجِدَار وَأخذُوا فِي قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن ثمَّ طلب صَاحب الْبَيْت وَقَالَ لَهُ: قل لهَذَا الْمُتَكَلّم: القَاضِي جمال الدّين يسلم عَلَيْك. فَقَالَ: يَا سَيِّدي الشَّيْخ القَاضِي يسلم عَلَيْك. فَقَالَ الْجِدَار: وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. فَقَالَ الْمُحْتَسب: قل لَهُ إِلَى مَتى هَذَا الْفساد. فَأَجَابَهُ: إِلَى أَن يُرِيد الله تَعَالَى فَقَالَ لصَاحب الْبَيْت: قل لَهُ: هَذَا الَّذِي تَفْعَلهُ فتْنَة للنَّاس وَهَذَا مَا هُوَ جيد. فَأَجَابَهُ: مَا بَقِي بعد هَذَا كَلَام وَسكت وهم يَقُولُونَ لَهُ يَا سَيِّدي الشَّيْخ فَلم(5/69)
يكلمهم بعْدهَا. وَكَانَ فِي صَوته غلظ يُوهم أَنه لَيْسَ بِكَلَام إنس فَلَمَّا أيس من مكالمته قَامَ عَنهُ وَقد اشتدت فتْنَة النَّاس بِالْحَائِطِ حَتَّى كَادُوا يتخذوه معبودا لَهُم وغلوا فِيهِ كعادتهم وَزَعَمُوا لَهُ مَا شَاءُوا من ترهاتهم وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره. ثمَّ ذَلِك عَاد إِلَى الحَدِيث مَعَ النَّاس فَنزل إِلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان وحملوا إِلَيْهِ المأكل وَغَيرهَا إِلَى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث شعْبَان والمحتسب يدبر فِي كشف هَذِه الْحِيلَة. ودس إِلَى الفيشي من استدرجه حَتَّى اعْترف بِأَنَّهَا حِيلَة فَركب الْمُحْتَسب فِي يَوْمه وَمَعَهُ جمَاعَة إِلَى بَيت الفيشي وَقبض عَلَيْهِ وعَلى امْرَأَته وعَلى فَقير عِنْدهم للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد يعرف بالركن عمر وَعَاد بهم إِلَى دَاره وَمَا زَالَ وَالْمَرْأَة إِلَى أَن أعلمته أَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَت تَتَكَلَّم وَسبب ذَلِك أَن ابْن الفيشي زَوجهَا كَانَ يسيء عشرتها فاحتالت عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحِيلَة توهمه بِأَن الجان توصيه بهَا فتمت حيلتها عَلَيْهِ وانفعل لَهَا فأعلمته. بِمَا كَانَ مِنْهَا فَرَأى أَن تستمر على ذَلِك لينالا بِهِ جاها ومالا فوافقته على ذَلِك حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. فَركب وَأعلم الْأَمِير الْكَبِير بقول الْمَرْأَة وَأَخذهَا وَزوجهَا وَالشَّيْخ عمر مَعَه فَضرب الْأَمِير الْكَبِير الرجلَيْن بالمقارع وَضرب الْمَرْأَة بالعصى نَحوا من سِتّمائَة ضَرْبَة وَأمر بهم فسمروا ثَلَاثَتهمْ على جمال وشهروا بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ هَذَا فَكَانَ يَوْمًا شنيعا عظم فِيهِ بكاء النَّاس على الْمَرْأَة فَإِنَّهَا أركبت على الْجمل ومدت يداها وسمرتا فِي الْخشب وَهِي بإزارها ونقابها وَلم وَاتفقَ نزُول المحسب بخلعة خلعت عَلَيْهِ فَكثر دُعَاء الْعَامَّة امتعاضا عَلَيْهَا - أَي على الْمَرْأَة. وَكَانَ قبل ذَلِك قد طلع ابْن الفيشي هَذَا إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وعَلى رَأسه طيلسان وصوف وَقدم لَهُ شَيْئا من كعك قَالَ لَهُ: الشَّيْخ مُحَمَّد شيخ الْحَائِط أرسل لَك هَذَا وَأخذ بِيَدِهِ يَد الْأَمِير وَقبض عَلَيْهَا وهزها وَقَالَ لَهُ: اتَّقِ الله وَأَعْدل فِي الرّعية. فانفعل بِكَلَامِهِ وَمَشى ذَلِك عَلَيْهِ ثمَّ طلع إِلَيْهِ بعده الشَّيْخ عمر الرُّكْن وَكَانَ مَشْهُورا قد انْقَطع بسطح جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ من مصرا نَحْو من ثَلَاثِينَ سنة وَالنَّاس تَتَرَدَّد إِلَيْهِ مَا بَين أَمِير وَرَئِيس وَغير ذَلِك ويلتمسون بركَة دُعَائِهِ إِلَى أَن اشْتهر(5/70)
كَلَام الْحَائِط فَأتى إِلَى ابْن الفيشي وَلَزِمَه وَجمع عَلَيْهِ النَّاس فَلَمَّا رَآهُ الْأَمِير الْكَبِير أكْرمه وَأخذ هُوَ فِي خزعبلاته وَانْصَرف فَلَمَّا طلع بهما إِلَيْهِ الْمُحْتَسب اشْتَدَّ غَضَبه عَلَيْهِمَا لما تبين لَهُ من محرفتهما وانكشفا عَن حِيلَة شنيعة أوقع بهما مَا أوقع. وَمِمَّا اتّفق فِي هَذِه الْحَادِثَة أَن امْرَأَة ابْن الفيشي هَذِه رَأَتْ فِي منامها قبل هَذِه الْحَادِثَة بأيام أَنَّهَا تخْطب على مِنْبَر فعبره لَهَا بعض من عاصرناه من حذاق المعبرين بِأَنَّهُ يحصل لَهَا شهرة قبيحة فَإِن الْمَرْأَة لَيْسَ من شَأْنهَا ركُوب المنابر وتعاطي الْخطب فَكَانَ كَذَلِك وَركبت الْجمل يَوْمًا وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير كرجي فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ القرمي وَأخرج من السجْن حَتَّى خلع عَلَيْهِ. بِمَال الْتزم بِهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: ركب الْأَمِير الْكَبِير برقوق من الحراقة حَيْثُ سكنه من الإصطبل وَمضى نَحْو مطعم الطُّيُور الْجَوَارِح بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ الْأَمِير إينال اليوسفي - أَمِير سلَاح - قد انْقَطع بداره على أَنه مَرِيض وَنزل الْأَمِير الْكَبِير حَتَّى عَاده فَركب وَمَعَهُ الْأَمِير سودن جركس المنجكي والأمير صصلان الجمالي والأمير سودن النوروزي والأمير جمق الناصري فِي عمق من المماليك وَقصد إِلَى الإصطبل فطلع إِلَى الحراقة وَملك بَيت الْأَمِير الْكَبِير برقوق وَقبض على الْأَمِير جركس الخليجي فَمَال أَصْحَابه على مَا هُنَاكَ من الْعدَد والآلات وَالْأَمْوَال ينهبوها وَبعث إينال بقماري الخازندار فِي طلب السُّلْطَان لينزل إِلَى الإصطبل فَلم يُوَافقهُ على ذَلِك فألبس من بالإصطبل من مماليك برقوق السِّلَاح وَوَعدهمْ بأموال جمة ينفقها فيهم وَأمر بالكوسات فدقت حَرْبِيّا بالطلخاناه من القلعة. وطار الْخَبَر إِلَى الْأَمِير برقوق فأيس من الْحَيَاة وَكَاد ينهزم إِلَّا أَن الْأَمِير أيتمش البجاسي شجعه وَعَاد بِهِ إِلَى بَيته تَحت القلعة وأنزله فِيهِ وَجمع عَلَيْهِ مماليكه وألبسهم آلَة الْحَرْب. وَركب بِهِ فِي عدَّة وافرة وَخرج مَعَه من بَاب الْوَزير يُرِيد القلعة فَلم يشْعر إينال حَتَّى وافاه وَقد تفرق عَنهُ أَصْحَابه فِي نهب مَا وجدوه وغصت الرميلة تَحت القلعة بالعامة فَهموا برجمه ظنا مِنْهُم أَن أيتمش قد خامر مَعَ إينال عصبية مِنْهُ للأمير برقوق. فصاح بهم أيتمش يَا جمَاعَة هَذَا أخوكم برقوق مَعنا وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَقد تلثم فَقَالُوا: حَتَّى نرى وَجهه فأماط لثامه وَقَالَ لَهُم: يَا إخوتي هَذَا وَقت الْمُرُوءَة(5/71)
والعصبية وَكَانَ كثير الدهاء وَالْمَكْر فثاروا ثورة وَاحِدَة وصرخوا جَمِيعًا: امش قدامنا. فَسَار وهم حوله كالجراد الْمُنْتَشِر حَتَّى وقف على بَاب سر الإصطبل أضرموا فِيهِ النَّار وأحرقوه وتسلق الْأَمِير قرط الكاشف وَقد لحق ببرقوق وَنزل إِلَى الإصطبل حَتَّى فتح الْبَاب فَدَخَلُوا مِنْهُ جَمِيعًا وقاتلوا أَصْحَاب إينال فَمَال مَعَهم من كَانَ من أَصْحَاب برقوق هُنَاكَ فَاشْتَدَّ الْقِتَال وجرح الْأَمِير إينال فِي عُنُقه بِسَهْم رمى بِهِ فَانْهَزَمَ إِلَى بَيته فَبعث الْأَمِير برقوق من قبض عَلَيْهِ وَحمله إِلَيْهِ وسجنه. وَهَذَا والأمير بركَة غَائِب فِي الصَّعِيد وتتبع الْأَمِير برقوق أَصْحَاب إينال فَقبض عَلَيْهِم وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة على مماليك إينال فَقبض مِنْهُم على عدَّة. وَحمل الْأَمِير إينال مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة هُوَ وسودن جركس وسجنا بهَا وفر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن اللبان فِي هَذِه الْوَاقِعَة إِلَى بِلَاد التكرور وذُلك أَنه كَانَ قد قبض عَلَيْهِ بِسَبَب مَال الْأَمِير قرطاي ثمَّ أفرج عَنهُ. فَلَمَّا ملك إينال الإصطبل صعد إِلَيْهِ وأسمع الْأَمِير جركس مَا وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير بركَة من سرحة الْبحيرَة فَخرج الْأَمِير الْكَبِير برقوق وتلقاه فَنزلَا جَمِيعًا عَن فرسيهما وتعانقا فَرحا بالسلامة وعادا فَأمر بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِيه قبض على الْأَمِير جمق - أحد العاشرات - وعَلى الْأَمِير أزبك وسجنا وَأخرج الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي منفيا إِلَى الشَّام. وَفِي ثَانِي شهر رَمَضَان: أنعم على كل من يذكر بإمرة طبلخاناه وهم الْأَمِير قرط ابْن عمر التركماني وشاهين الصرغتمشى ومجلس النوروزي وطوجى العلاي وقردم الحسني وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: أقبغا الناصري - رَأس نوبَة الْأَمِير برقوق - وكمشبغا وبكبلاط الصَّالِحِي وطوجى. وَكتب باستقرار الْأَمِير منكلي الْبَلَدِي فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن يلبغا الناصري ورسم بإحضار الناصري إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِي يَوْم السبت سابعه: شهر رجلَانِ بَعْدَمَا ضربا وأركبا جملا وَظهر أَحدهمَا(5/72)
إِلَى ظهر الآخر وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا بِالْقَاهِرَةِ ومصر: هَذَا جَزَاء من يتحدث فِيمَا لَا يعنيه. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن أَحدهمَا يعرف بالكمال ابْن بنت الخروبي من أهل مصر مَعْرُوف بقلة الْعقل والفقر من المَال تحدث مَعَ الْأَمِير خضر رَأس نوبَة الْأَمِير بركَة أَن يسْتَقرّ فِي الوزارة وَعين رجلا من آحَاد معلمي المماليك الْقِرَاءَة لنظر الدولة وَعين رجلا من آحَاد الْجند يُقَال لَهُ كراي بن خَاص ترك لشد الدَّوَاوِين وَعين آخر لنظر الْجِهَات وَآخر من أَطْرَاف الْعَامَّة لتقدمة الدولة ووعد على ذَلِك بِمَال عَظِيم وَضمن تكفية الدولة سِتَّة أشهر فأتقن خضر الْأَمر مَعَ أستاذه الْأَمِير بركَة حَتَّى لم يبْق إِلَّا وُقُوع ذَلِك فِي الْخَارِج وجهز لَهُ تشريف الوزارة فَفطن بِهِ الْوَزير وَجَمَاعَة الخراربة التُّجَّار وَقد بَلغهُمْ عَنهُ أَنه عينهم فِيمَن عين لأخذ أَمْوَالهم وَعرفُوا أهل الدولة بِحَالهِ فَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير برقوق وضربه وجرسه هُوَ ورفيقه وفر بَقِيَّة أَصْحَابه. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير إينال وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على مُحَمَّد بن طاجار وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أيدمر السيفي وخلع على خَان وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص. وَفِي سَابِع شَوَّال: خلع على مُحَمَّد بن الجلبي وَاسْتقر فِي ولَايَة منفلوط عوضا عَن. بيرم كل ذَلِك بِمَال التزموا بِالْقيامِ بِهِ من مظالم الْعباد. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره: قبض على رجل ادّعى النُّبُوَّة وَأَنه النَّبِي الْأُمِّي وَأَنه مُصدق بنبوة نَبينَا. وَزعم أَن حُرُوف الْقُرْآن تنطق لَهُ مَعَ أَنه أُمِّي وَأَن الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْي جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وعزرائيل ورضوان وَمَالك ودرديائيل وَزعم أَنه عَرَبِيّ من مصر وَأَنه أرسل بقتل الْكَفَرَة وَأَن التّرْك يحكموه ويملكوه عَلَيْهِم وَأَنه أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن فسجن عِنْد المجانين بالمارستان ثمَّ أخرجه الْأَمِير بركَة وَسَأَلَهُ عَن نبوته فَأخْبرهُ فَأمر بِهِ فَضرب حَتَّى رَجَعَ عَن. قَوْله ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام وَكنت أرَاهُ زَمَانا طَويلا وَله سمت وينمسة وحَدثني عَنهُ بعض الثِّقَات أَنه كَانَ يَتْلُو عَلَيْهِ من قرآنه لنَفسِهِ بِهِ ثمَّ فقدناه. وَفِي ثَانِي عشرينه: عوقبت دادة السُّلْطَان حَتَّى أظهرت قبع السُّلْطَان الَّذِي عمله لَهُ(5/73)
أَبوهُ الْملك الْأَشْرَف عِنْد ختانه وطراز ذهب وطشت من ذهب وَهَذِه الثَّلَاثَة مرصعة بجواهر نفيسة وأظهرت أَيْضا تَرِكَة أم السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ. وَفِيه خرج الْأَمِير تمربغا الْحَاجِب على الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير نُعَيْر بن حيار بن مهنا إمرة الْعَرَب عوضا عَن زامل ومُعَيقْلِ. وَفِيه أخرج أسنبُغَا القوصوني من أُمَرَاء العشرات منفيا. وَفِيه أَرَادَ الْأَمِير بركَة أَخذ مَال أَوْلَاد ابْن سَلام التَّاجِر وَأَوْلَاد ابْن الْأنْصَارِيّ وَكَانَ شَيْئا كثيرا فَركب إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَن ذَلِك. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: رسم بإحضار الْأَمِير بزلار الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّي الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه قَامَ الْمُحْتَسب جمال الدّين العجمي على الشَّيْخ زين الدّين عمر بن مُسلم بن سعيد بن عمر الْقرشِي وَكَانَ قد قدم من دمشق وَعمل ميعادا للوعظ بالجامع الْأَزْهَرِي وَظهر عَن حفظ جم للأحاديث النَّبَوِيَّة وَتَفْسِير الْقُرْآن الْعَزِيز من أجل أَنه اتهمَ بِأَن لَازم مَا يُورِدهُ من الْأَحَادِيث أَنه يثبت الصِّفَات الإلهية وَأقَام شخصا ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء من هَذَا ورسم عَلَيْهِ وعَلى وَلَده عدَّة أَيَّام فَقَامَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي نصرته وكف يَد الْمُحْتَسب عَنهُ وَمنعه من التَّعَرُّض لَهُ. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير بزلار. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه. طلب الْأَمِير بركَة الوزراء المعزولين وهم: كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب وكريم الدّين شَاكر بن غَنَّام وكريم عبد الْكَرِيم بن مكانس وَقد ظهر من اختفائه. وَأمر بِابْن الرويهب فنزعت عَنهُ ثِيَابه ليضربه ثمَّ أعَاد ثِيَابه عَلَيْهِ وَلم يضْربهُ وَأخرجه منفيا إِلَى طرسوس وجرد ابْن مكانس من ثِيَابه وضربه عُريَانا بالمقارع نَحْو الْعشْرين شيبا وألزم ابْن غَنَّام. بِمَال فَكتب خطه أَن كل مَا يملكهُ فَهُوَ للسُّلْطَان وَكَانَ للأمير أيتمش البجاسي بِهِ عناية فَلم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْء وَأخرج إِلَى الْقُدس منفيا. ثمَّ أفرج عَن ابْن مكانس بشفاعة الْأَمِير يلبغا الناصري فِيهِ. واتهم الْوَزير الْمَالِكِي بِأَنَّهُ الْحَامِل للأمير بركَة على هَذَا. وَقدم الْبَرِيد بتجمع التراكمين لقصد أَخذ ملطة فَركب الْأَمِير طاش الْبَرِيد لكشف الْخَبَر. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة: خلع على مُحَمَّد بن سُلَيْمَان - من مقدمي الْحلقَة -(5/74)
وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين وعَلى أسنبغا المنجكي وَاسْتقر فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن الرُّكْن. وَسلم الرُّكْن للمقدم سيف ليستخلص مِنْهُ المَال. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره: خلع على بهاء الدّين باد الْكرْدِي - أحد الطبردارية - وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن عَليّ بن الكوراني وَسلم حُسَيْن لشاد الدَّوَاوِين على مَال فَبَاعَ ثِيَابه ثمَّ أفرج عَنهُ فِي خَامِس عشره. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: استعفى الْأَمِير أيتمش البجاسي من نظر خانكاه سرياقوس فأعفى وخلع على الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب وَاسْتقر عوضه فِي نظرها. وَفِي عشرينه: خلع على معِين الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر الدماميني السكندري وَاسْتقر فِي نظر الْأَسْوَاق عوضا عَن علم الدّين بن غَنَّام. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على بيرم وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن مُحَمَّد بن طاجار وخلع على الْأَمِير قادوس وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي وخلع على ابْن العادلي وَاسْتقر فِي ولَايَة منوف عوضا عَن أبي بكر بن خطاب كل ذَلِك. بِمَال يقومُونَ بِهِ إِذا صَارُوا إِلَى الْأَعْمَال فَكَانُوا يجبونَ النَّاس من أهل النواحي أَولا ويسمون ذَلِك الْقدوم فيفرض الْوَالِي على كل بلد قدرا من المَال ثمَّ إِذا جبى ذَلِك أَخذ فِي تَحْصِيل المَال من الْمَظَالِم وبينما هُوَ فِي ذَلِك إِذْ اسْتَقر غَيره فِي عمله. بِمَال الْتزم بِهِ فَيقبض عَلَيْهِ ويحاط. بِمَالِه من خيل وخام وَثيَاب وآلات وَغير ذَلِك مِمَّا قد استدانه بأضعاف ثمنه ويُعاقب على بَقِيَّة مَا تَأَخّر عَلَيْهِ. فعندما يجد وَهُوَ فِي الْعقُوبَة سَبِيلا إِلَى عوده إِلَى عمله أَو عمل آخر وعد. بِمَال وَاسْتمرّ فِيهِ وسلط على النَّاس بسفك دِمَائِهِمْ وبضرب أبشارهم وبأخذ مَالهم فَأخذ إقليم مصر فِي الاختلال بِهَذَا السَّبَب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: جرت عين الْأَزْرَق المستمدة من عين ثقبة وَعين ابْن رَخَم من عَرَفَة إِلَى البركتين خَارج بَاب المعلاة. بِمَكَّة المشرفة. واستجدت ميضأة عِنْد بَاب بني شيبَة وَربع وحوانيت وأصلحت زَمْزَم وَحجر إِسْمَاعِيل والميزاب وسطح الْكَعْبَة. كل ذَلِك على يَد الْأَمِير باشاه دوادار الْأَمِير بركَة. وَفِيه حضر إِلَى الْقَاهِرَة طَائِفَة مَا بَين رجال وَنسَاء ذْكروا أَنهم ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام(5/75)
وَقد كَانُوا قبل ذَلِك على النَّصْرَانِيَّة يُرِيدُونَ بارتدادهم التَّقَرُّب إِلَى الْمَسِيح بسفك دِمَائِهِمْ فَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام مرَارًا فَلم يقبلُوا وَقَالُوا: إِنَّمَا جِئْنَا لنتطهر ونتقرب بنفوسنا إِلَى السَّيِّد الْمَسِيح فَقدم الرِّجَال تَحت شباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وضُربت أَعْنَاقهم وَعرض الْإِسْلَام على النِّسَاء فأبين أَن يسلمن فأخذهن القَاضِي الْمَالِكِي إِلَى تَحت القلعة وَضرب أعناقهن فشنّع الْفُقَهَاء على القَاضِي الْمَالِكِي ضرب أَعْنَاق النِّسَاء وأنكروا عَلَيْهِ ذَلِك. وَفِيه قدم أَيْضا بعض رُهْبَان النَّصَارَى وقدح فِي الْإِسْلَام وأصر على قبيحه فَضربت عُنُقه وَكَانَ هُنَاكَ ثَلَاث نسْوَة فرفعن أصواتهن بلقلقة ألسنتهن كَمَا تفعل النِّسَاء عِنْد فرحهن واستبشارا بقتل الراهب وأظهرن شغفا بِهِ وهياما لما جرى لَهُ وصنعن كصنيعه من الْقدح فِي الْإِسْلَام وأردن تطهيرهن بِالسَّيْفِ أَيْضا. ثمَّ ضربت رَقَبَة رَفِيق الراهب فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه تَحت شباك الصالحية وَضربت رِقَاب النسْوَة الثَّلَاث من الْغَد يَوْم السبت ثَالِث عشرينه تَحت القلعة بيد الْأَمِير سودن الشيخوني الْحَاجِب وأحرقت جثثهن بِحكم أَنَّهُنَّ ارتددن عَن الإِسلام وأظهرن أَنَّهُنَّ فعلن هَذَا لعشقهن فِي الراهب الْمَذْكُور. وَكَانَ يعرف بِأبي نفيفة. وَلم نسْمع فِي أَخْبَار العشاق خَبرا أغرب من هَذَا ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك رجل من الأجناد على فرس وَقَالَ للْقَاضِي: طهرني بِالسَّيْفِ فَإِنِّي مُرْتَد عَن الْإِسْلَام فَضرب وسجن. وَفِيه عزم الْأَمِير بركَة على السّفر لمحاربة التركمان وَقد عَاد للكشف عَن أخبارهم بخروجهم عَن الطَّاعَة ثمَّ اقْتضى الرَّأْي أَن يتَوَلَّى محاربتهم الْأَمِير بَيدَمُر الْخَوَارِزْمِيّ فرسم بإحضاره وَخرج الأميران برقوق وبركة وَسَائِر الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه وترجلوا لَهُ جَمِيعًا حَتَّى الأميران وَأتوا بِهِ إِلَى منزل أعد لَهُ وحملت لَهُ تقادم كَثِيرَة جدا وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام على إِعَادَته عوضا عَن كمشبغا الْحَمَوِيّ وَاسْتقر الْأَمِير طَشْتَمُر السيفي فِي نِيَابَة حماة بعد وَفَاة الْأَمِير حَطَطَ. وَفِيه قتل مُحَمَّد بن مكي دَاعِيَة الرافضة تَحت قلعة دمشق. وَفِيه قطع الْوَزير الملكي معاليم النَّاس ومرتباتهم على الدولة وَمنع مباشري الْجِهَات من الْمُبَاشرَة ظنا مِنْهُ أَنه تمشى أَحْوَاله. بِمَا وفره من ذَلِك فَبلغ الْأَمِير الْكَبِير برقوق مَا عمله فَسَأَلَهُ عَن مِقْدَار مَا وفره فَأخْبرهُ. بمبلغه فَأخْرج عَن الوزارة بلادا يتَحَصَّل مِنْهَا(5/76)
بِقدر مَا وفره فَعَاد ذَلِك عَلَيْهِ بِضَرَر كَبِير فَإِن الوزراء كَانُوا يوفرون من ذَلِك مَعْلُوم من استضعفوا جَانِبه ليتوسعوا بِهِ ففات الملكي ذَلِك وباء بقبح القالة ومقت النَّاس لَهُ. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن شرف الدّين أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر بن نجم بن شادي بن هِلَال الطَّائِي الطريفي الشهير بالقيراطي الأديب الشَّافِعِي بِمَكَّة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الْعشْرين من شهر ربيع الآخر ومولده يَوْم الْأَحَد حادي عشْرين صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَتوفى الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَسْكَر الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي بَعْدَمَا عمى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين شعْبَان بِالْقَاهِرَةِ ومولده بِبَغْدَاد فِي سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة. ودرس بالمستنصرية ثمَّ قدم الشَّام وَولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق بعد الْجمال المسلاتي سنة تسع وَخمسين ثمَّ صرف فِي سنة سِتِّينَ وَسكن الْقَاهِرَة وَولي نظر خزانَة الْخَاص ثمَّ صرف عَنْهَا بِابْن عرب فَلَزِمَ بَيته حَتَّى مَاتَ. وَمَات الْأَمِير حَطَطَ اليلبغاوي نَائِب حماة فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير حاجي بك من أُمَرَاء الطبلخاناه. وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد حسن الصبان المغربي فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول بَعْدَمَا أقعد وَتوفى الْفَقِير المعتقد صَالح الجزيري فِي رَابِع عشر ربيع الأول وَدفن بزاويته من جَزِيرَة أروى الْمَعْرُوفَة بالجزيرة الْوُسْطَى. وَتوفى شيخ الْقُرَّاء تَقِيّ الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الْبَغْدَادِيّ الوَاسِطِيّ الأَصْل، بِالْقَاهِرَةِ، فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع صفر. ومولده سنة ثَلَاث وَسبع مائَة.(5/77)
وَمَات الْأَمِير قارا بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة بن غُضية بن فضل بن ربيعَة أَمِير آل فضل. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ألجْبُغا العادلي نَائِب غَزَّة وَقد استعفى وَرجع إِلَى دمشق فِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ فِي عشر الْخمسين بشقحب فَدفن بِدِمَشْق. وَتوفى الْفَقِيه شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن مَرْزُوق العجيسي التلمساني المغربي الْمَالِكِي وَزِير الْمغرب ومدرس الْفِقْه بِالْمَدْرَسَةِ الخانكاه الشيخونية ومدرس الْمدرسَة القمحية فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شهر ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ. وَتوفى بهاء الدّين بن يُوسُف بن عبد الله بن قُرَيْش شَاهد ديوَان أَوْلَاد النَّاصِر حسن فِي ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات شَيخنَا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ الحراوي الْكرْدِي الطبردار فِي ثامن عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير ماماق أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شعْبَان وَدفن بتربة أَنْشَأَهَا لَهُ الْأَمِير الْكَبِير برقوق تَحت دَار الضِّيَافَة. وَمَات الطواشي افتخار الدّين ياقوت الرسولي شيخ خدام الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة فِي لَيْلَة سَابِع عشْرين وَمَات الْأَمِير ساطلمِش الجلالي بِدِمَشْق فِي ذِي الْقعدَة وَهُوَ من أَبنَاء السّبْعين. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُزهِر أحد موقعي دمشق وأخو بدر الدّين كَاتب السِّرّ بهَا فِي شَوَّال عَن نَحْو أَرْبَعِينَ سنة.(5/78)
(سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة)
فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الْمحرم: خلع على الرُّكْن مُتَوَلِّي الفيوم وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن مُحَمَّد بن إياز الدوادارى. بِمَال كَبِير الْتزم بِهِ. وخلع على الْأَمِير بَيْدَمُر نَائِب الشَّام خلعة السّفر وَسَار إِلَى دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير خضر متسفرا على الْعَادة وَقدم الْبَرِيد من حلب بِكَثْرَة جمائع التركمان واتفاقهم على قصد الْبِلَاد الحلبية. وَفِي تاسعه: أعَاد الْأَمِير بركَة الْأَمِير أقبغا صيوان إِلَى استاداريته وعزل عَنْهَا الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وَفِي عاشره: خلع على السَّيِّد الشريف عَليّ وأعيد إِلَى نقابة الْأَشْرَاف بعد وَفَاة الشريف عَاصِم. وَفِيه حمل جهاز خوند ابْنة الْأَمِير طَشْتَمُر إِلَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فَبنى عَلَيْهَا لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشر وَفِي تَاسِع عشره: خُلع على مُحَمَّد بن طاجار وَاسْتقر فِي ولَايَة البهنسي عوضا عَن أَحْمد بن غُرلوا. وَفِي رَابِع عشرينه: ضرب الْأَمِير بركَة الْوَزير الْمَالِكِي نَحْو السّبْعين ضَرْبَة بالعصى ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد وَنُودِيَ بِأَن أحدا لَا يتجاهى عَلَيْهِ. وَفِي عشرينه: خلع على أبي بكر بن خطاب وَاسْتقر فِي ولَايَة منوف وَفِي آخِره: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن رجلا قَامَ يُصَلِّي بِقوم فتعرض لَهُ شخص يعبث بِهِ فتمادى فِي صلَاته وَلم يقطعهَا حَتَّى سلم مِنْهَا فِي آخرهَا فتحول وَجه الشَّخْص الَّذِي عَبث بِهِ وَجه خِنْزِير وَمر على وَجهه هَارِبا إِلَى غابة بِالْقربِ من ذَلِك الْمَسْجِد فعبرها. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن صفر: قدم الْأَمِير خضر - متسفر الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام - وَعرض مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مبلغ مِائَتَيْنِ ألف دِرْهَم فضَّة عَنْهَا خَمْسَة عشر ألف مِثْقَال(5/79)
من الذَّهَب وَعشرَة أرءوس من الْخَيل بسروج ذهب وكنابيش ذهب وسلاسل ذهب وَعشرَة أرءوس خيل بقماش دون ذَلِك وَثَمَانُونَ أكديش عريا وَمِائَة نَاقَة وَمِائَة وَخَمْسُونَ جملا وَعِشْرُونَ مَمْلُوكا وَعِشْرُونَ جَارِيَة وَخَمْسُونَ بقجة فِيهَا ثِيَاب الصُّوف وأنواع الفرو من السمور والقاقم والسنجاب والفوط وَالثيَاب القطنية من النصافي والبعلبكي وَغير ذَلِك. وَفِي عاشره: شهرت امْرَأَة على رَأسهَا طرطور أَحْمَر وَنُودِيَ عَلَيْهَا: هَذَا جَزَاء من تتَزَوَّج برجلَيْن فِي وَقت وَاحِد. وَفِي سَابِع عشره: بعث الْأَمِير بركَة إِلَى الْأَمِير برقوق بِأَن الْأَمِير أَيتمش قد ألبس مماليكه حَرْبِيّا فكشف عَن ذَلِك فَلم يظْهر لَهُ صِحَة وطلع أَيْتمش إِلَيْهِ وَأقَام عِنْده خوفًا من الْفِتْنَة فترددت الرُّسُل بَينهم فِي الصُّلْح مرَارًا حَتَّى ركب بَينهمَا الشَّيْخ أكمل الدّين وَالشَّيْخ أَمِين الدّين الخلوى وقررا الصُّلْح وَنزلا بالأمير أيتمش إِلَيْهِ فَخلع عَلَيْهِ الْأَمِير بركَة. وَفِيه اتّفق شَيْء يُستغرب وَهُوَ أَن رجلا من الفرنج خَاصم شخصا على مَال ادّعى بِهِ عَلَيْهِ بَين يَدي الْأَمِير بركَة فَلم يثبت لَهُ عَلَيْهِ شَيْء فَغَضب وَأخرج سكينا وَضرب بهَا بلبان الترجمان فَقتله فِي موقف الدَّعْوَى بَين يَدي الْأَمِير بركَة بِحَضْرَة الْمَلأ الْعَظِيم من النَّاس وَلم يخْش عَاقِبَة فَأمْسك وَسمر على لطليطة فدور على الْجمل ثمَّ قطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وأحرق خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشره: لبس الْأَمِير بركَة السِّلَاح هُوَ ومماليكه وَلبس الْأُمَرَاء أَيْضا وَبَاتُوا فِي اصطبلاتهم على احْتِرَاز فَلَمَّا أصبح نَهَار يَوْم الْجُمُعَة طلب الْأَمِير الْكَبِير برقوق الْقُضَاة ومشايخ الْعلم وندبهم للدخول بَينه وَبَين الْأَمِير بركَة فِي الصُّلْح مكيدة مِنْهُ ودهاء فَمَا زَالُوا يَتَرَدَّدُونَ بَينهمَا عدَّة مرار حَتَّى وَقع الصُّلْح على دخن وَحلف كل مِنْهُم لصَاحبه ونزعوا عَنْهُم السِّلَاح فَبعث الْأَمِير برقوق بالأمير أَيْتَمِش إِلَى الْأَمِير بركَة فَنزل إِلَيْهِ وَفِي عُنُقه منديل ليفعل مَا يُرِيد من قتل أَو حبس أَو غير ذَلِك وخضع لَهُ خضوعا زَائِدا فَلم يجد بركَة بدا من الإغضاء عَنهُ وَقبُول معذرته وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى الْأَمِير برقوق والقلوب ممتلئة حنقا وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَفتح الْأَسْوَاق فسكن انزعاج النَّاس.(5/80)
وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: خلع على قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث: برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة الشَّافِعِي وجلال الدّين جَار الله الْحَنَفِيّ وناصر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ وخلع على الشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد الْحَنَفِيّ شيخ الشيخونية لكَوْنهم سعوا فِي الصُّلْح بَين الأميرين وَالْتزم الْأَمِير بركَة بِأَنَّهُ لَا يتحدث فِي شَيْء من أُمُور الدولة. وَأَن يسْتَقرّ الْأَمِير الْكَبِير برقوق متحدثا فِي جَمِيع الْأُمُور. بمفرده وانفضوا من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ على هَذَا فشق على علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي حرمانه من لبس الخلعة وَكَثُرت الإشاعة بعزله وَكَانَت شائعة فوعد بِمَال على استقراره حَتَّى اسْتَقر وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الأول. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بُزْلار الناصري بإمرة طبلخاناه وعَلى الْأَمِير مُحَمَّد بن قرطاي الكركي بإمرة عشرَة. وَفِي يَوْم السبت خامسه: ولد للأمير الْكَبِير برقوق ولد ذكر من جَارِيَته أَردو فَسَماهُ مُحَمَّدًا وَأخذ فِي عمل مُهِمّ عَظِيم لولادته. هَذَا وَهُوَ والأمير بركَة كل مِنْهُمَا يدبر فِي الْعَمَل على الآخر. وَسبب ذَلِك أَنه لما كَانَت فتْنَة الْأَمِير إينال مَعَ الْأَمِير برقوقّ وَقبض عَلَيْهِ عَتبه على مَا كَانَ مِنْهُ فَاعْتَذر بِأَن الْأَمِير أيتمش اتّفق مَعَه هُوَ وعدة من الْأُمَرَاء على ذَلِك فَجمع بَينه وَبَين أيتمش لثقة الْأَمِير برقوق بِهِ فَظهر أَن الِاتِّفَاق إِنَّمَا كَانَ بَينهمَا على أَن يأخذا الْأَمِير بركَة وحواشيه فَبلغ ذَلِك بركَة فأسرها فِي نَفسه وَأَرَادَ غير مرّة الْقَبْض على أيتمش وبرقوق يدافعه عَنهُ فتوحش مابينهما إِلَى الْغَايَة إِلَى أَن عزم أيتمش على الْقيام بِالْحَرْبِ فَفطن بِهِ بركَة واستعد لَهُ فكاده برقوق. بِمَا كَانَ من خبر الصُّلْح الَّذِي تقدم ذكره هَذَا مَعَ مَا كَانَ بَين الأميرين بركَة وبرقوق من التحاسد الَّذِي لابد مِنْهُ غَالِبا بَين الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُمَا قاما بتدبير أُمُور الدولة. وَمن طبع كل أحد من الْمُلُوك الإنفراد بالمجد ومحبة الاستئثار بِالْملكِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: ركب الأميران بركَة وبرقوق فِي عَامَّة الْأُمَرَاء وسيرا إِلَى جِهَة قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى منزله فَمد الْأَمِير برقوق سماط المهم لولادة وَلَده مُحَمَّد وطلع إِلَيْهِ الْأَمِير صراي الطَّوِيل الرجبي - من إخْوَة بركَة - وَأسر إِلَيْهِ فِيمَا قيل بِأَن الْأَمِير بركَة قد اتّفق مَعَ جماعته على اغتيالك فِي وَقت صَلَاة الْجُمُعَة ثُم طلع الْأَمِير أيتمش وَغَيره من الْأُمَرَاء لحضور السماط وَتَأَخر الْأَمِير بركَة عَن الْحُضُور وَبعث من إخْوَته الْأَمِير قرادمرداش الأحمدي أَمِير مجْلِس والأمير طبج المحمدي والأمير أَقتمر الدوادار فهنوا الْأَمِير الْكَبِير بتجدد وَلَده مُحَمَّد. وجلسوا على(5/81)
السماط وأكلوا حَاجتهم مِنْهُ. فَلَمَّا انْقَضى السماط أَشَارَ الْأَمِير برقوق إِلَى الْأَمِير جركس الخليلي والأمير يُونُس النوروزي دواداره فقبضا على صراي الطَّوِيل وقرادمرداش وطبج وأَقتمُر العثماني الدوادار وألبس مماليكه فِي الْحَال آلَة الْحَرْب وبادر بإرسال الْأَمِير بزلار الناصري إِلَى مدرسة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر حسن فِي عدَّة مَعَه فملكها وَصعد إِلَى منارتها وَرمى بالنشاب على الْأَمِير بركَة فَإِنَّهُمَا يشرفان على بَيته. وَقد بلغه الْقَبْض على إخْوَته فَلبس وألبس مماليكه حَرْبِيّا. وَفِي الْحَال نَادَى الْأَمِير برقوق فِي الْعَامَّة عَلَيْكُم بِبَيْت بركَة فانهبوه. فجَاء مِنْهُم خلق كالجراد الْمُنْتَشِر إِلَى بَيت بركَة من جِهَة بَابه الَّذِي بالرميلة تجاه بَاب السلسلة وَقد أغلق فأضرموا فِيهِ النَّار حَتَّى احْتَرَقَ وهجموا عَلَيْهِ فَلم يثبت لَهُم وَالرَّمْي عَلَيْهِ من أَعلَى مأذنتي مدرسة حسن وَخرج. بِمن مَعَه من بَاب سرداره وَمر إِلَى بَاب زويلة فدخله وشق. بِمن مَعَه الْقَاهِرَة إِلَى بَاب الْفتُوح فِي عَسْكَر عَظِيم وَأخذ وَالِي الْقَاهِرَة حَتَّى فَتحه لَهُ وَقد أغلق وَخرج مِنْهُ إِلَى قبَّة النَّصْر وَكَانَت بَينه وَبَين أَصْحَاب برقوق وقْعَة انتصف كل طَائِفَة من الْأُخْرَى. وَبعث الْأَمِير برقوق إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني فَأحْضرهُ إِلَيْهِ وولاه ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بهاء الدّين باد لمخامرته مَعَ الْأَمِير بركَة. فَنزل إِلَى الْقَاهِرَة وأغلق أَبْوَابهَا على الْعَادة فِي أَيَّام الْفِتْنَة وَمنع المماليك من دُخُولهَا. فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: أصبح بَيت بركَة خرابا نبابا قد نهبت الْعَامَّة أخشابه ورخامه وهدمت عدَّة مَوَاضِع مِنْهُ وَلم تدع فِيهِ إِلَّا الْجدر الْقَائِمَة وَلَا يجد بِهِ مَالا وَلَا حريما فَإِنَّهُ كَانَ قد استعد للحرب ووزع حريمه وأمواله فِي عدَّة أَمَاكِن. وَفِيه نَادَى الْأَمِير برقوق فِي الْعَامَّة من قبض على مَمْلُوك من مماليك بركَة كَانَ لَهُ مَاله وَلنَا روحه. وَركب الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي والأمير أيتمش البجاسي والأمير قُرُط التركماني من جِهَة الْأَمِير الْكَبِير برقوق لقِتَال الْأَمِير بركَة فَركب إِلَيْهِم الْأَمِير يلبغا الناصري - من أَصْحَاب بركَة - وَقَاتلهمْ وكسرهم كسرة قبيحة قتل فِيهَا جمَاعَة فَبَاتُوا متحارسين وَصَارَ الْعَسْكَر فريقين فرقة جراكسة - وهم أَصْحَاب الْأَمِير الْكَبِير برقوق - وَفرْقَة ترك - وهم أَصْحَاب الْأَمِير بركَة - فَلَمَّا أصبح نَهَار يَوْم الْأَرْبَعَاء(5/82)
تاسعه أنزل الْأَمِير برقوق بالسلطان إِلَى عِنْده بالحراقة من الإصطبل ودقت الكوسات حَرْبِيّا بالطبلخاناه من القلعة فطلع مماليك السُّلْطَان إِلَيْهِ وَأمر بِبَاب القلعة من جِهَة بَاب القرافة فسد بِالْحِجَارَةِ وَنُودِيَ فِي الأجناد البطالة وأجناد الْحلقَة بطلوعهم إِلَى السُّلْطَان فطلع جمَاعَة كَبِيرَة فرقت فيهم أسلحة أُخذت فِي اللَّيْل من سوق السِّلَاح بِالْقَاهِرَةِ وركزت كل طَائِفَة مِنْهُم على تربة من الترب - فِيمَا بَين القلعة وقبة النَّصْر - ليرموا من أَعْلَاهَا أَصْحَاب بركَة عِنْد محاربتهم بِالسِّهَامِ وَبَالغ حُسَيْن بن الكوراني فِي حفظ الْقَاهِرَة وَأخذ الطرقات على من يتَوَجَّه إِلَى بركَة بِشَيْء من الأقوات والعلوفات. وَقبض على جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب وسجن بالإصطبل من أجل أَنه نقل عَنهُ أَنه بعث إِلَى الْأَمِير بركَة. بمأكل من خبز وَلحم وَغَيره. وَتوجه الْأَمِير سودون الشيخوني فِي الْحَاجِب إِلَى بركَة بتشريف نِيَابَة الشَّام فأخرق بِهِ وَأَعَادَهُ أقبح عود ثمَّ ركب وَقت القايلة وَكَانَ الْوَقْت صيفا وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري من طَرِيقين وهجما على حِين غَفلَة إِلَى تَحت الطبلخاناه يُريدَان الهجوم على القلعة فتناولت الْعَامَّة الْحِجَارَة يرجمونهم بهَا وَرَمَاهُمْ مَعَ ذَلِك من بِأَعْلَى القلعة بالنشاب وَثَبت لَهُم الْأَمِير آلان فِي نَحْو مائَة فَارس فَكَانَت وقْعَة عَظِيمَة جدا أبلى فِيهَا أَحْمد بن هُمُز التركمانى ومماليك بركَة - وعدتهم سِتّمائَة فَارس - بلَاء اعظيما كسروا فِيهِ أَصْحَاب برقوق عشْرين كسرة يمر فِي كل وقْعَة مِنْهَا مَا يتعجب مِنْهُ فَلَمَّا كثرت عَلَيْهِم حِجَارَة الْعَامَّة ونشاب من بالقلعة تقنطر بركَة عَن فرسه فأركبه أَصْحَابه وعادوا بِهِ إِلَى مخيمهم بقبة النَّصْر مكسورا وَقد اقتحم أيتمش على يلبغا الناصري بطبر وضربه حَتَّى كَاد يَأْتِي على نَفسه وَأخذ جاليشه وطبلخاناته. وجرح كثير مِنْهُم وفر مِنْهُم الْأَمِير مبارك شاه المارديني إِلَى الْأَمِير برقوق فِي طَائِفَة فَلَمَّا دخل اللَّيْل تفرق عَن بركَة أَكثر من مَعَه وأشرفت خُيُول من بَقِي على الْهَلَاك من كَثْرَة جراحاتها أَمرهم أَن يطلبوا النجَاة لأَنْفُسِهِمْ وَمضى وَمَعَهُ الْأَمِير أقبغا صيوان استاداره بعد نصف اللَّيْل من قبَّة النَّصْر إِلَى جَامع المَقْس خَارج بَاب القنطرة من الْقَاهِرَة فاختفيا بِهِ فَدلَّ عَلَيْهِمَا بعض من هُنَاكَ فَبعث الْأَمِير الْكَبِير بِيُونُس النوروزى دواداره إِلَيْهِمَا فَأَخذهُمَا وأتى بهما إِلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس عاشره فسجنه نَهَاره عِنْده وَحمله فِي لَيْلَة الْجُمُعَة مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا وَبعث مَعَه بقرًا دمرداش وبأقتمر العثماني وَاسْتمرّ بَاب القلعة فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره مغلقا وَلم تصل الْجُمُعَة يَوْمئِذٍ يُجَامع القلعة.(5/83)
وَفِيه قبض على الْأَمِير خُضَر والأمير قراكسَك والأمير أيدَمُر الخطاي والأمير حَاج ابْن مُغْلطاي والأمير سودُن باشا والأمير يَلبغا المنجكي والأمير قرا بلاط والأمير قّرابغا الأبو بكري والأمير إلْيَاس الماجارى والأميرَ تمُربغا السيفي والأمير يُوسُف بن شادي والأمير تمربغا الشمسي والأمير قُطلُوبك النظامي والأمير أقبغُا صيوان الصَّالِحِي والأمير أَحْمد بن هُمُز التركماني. والأمير كُزَل القرمي والأمير طولو تمر الأحمدي والأمير طُوجي الحسني والأمير تنكز العثماني والأمير قطلوبك السيفي والأمير غَرِيب الأشرفي والأمير يلبغا الناصري وَجَمِيع أَصْحَاب بركَة وألزامه ومماليكه فانقرضت دولة الأتراك بأسرها وتتبعوا بِالْأَخْذِ فَقتلُوا وَنَفَرًا وسجنوا وَلَقَد كَانَت الجراكسة قبل ذَلِك تَتَحَدَّث فِيمَا بَينهَا بِأَنَّهُ يكون فتْنَة كَبِيرَة ثمَّ تخمد ويثور بعْدهَا فتْنَة بَينهم وَبَين التّرْك ينتصرون على الأتراك فِيهَا بعد وقْعَة وَتَعْلُو كلمتهم عَلَيْهِم وصاروا يتدارسون هَذَا فِيمَا بَينهم لَا يَشكونَ فِي وُقُوعه. فَلَمَّا كَانَت حَرَكَة الْأَمِير أينال جهروا بِذكر ذَلِك وقالوه من غير احتشام وأذاعوه حَتَّى تحدث بِهِ كَبِيرهمْ وصغيرهم فَكَانَ كَذَلِك كَمَا تقدم ذكره وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَمن عَجِيب مَا وَقع فِي هَذِه الْحَادِثَة الْعَظِيمَة أَنه لم يركب فِيهَا الْأَمِير برقوق لِحَرْب سَاعَة من النَّهَار بل لم يزل فِي مَكَانَهُ وَالْحَرب بَين أَصْحَابه وَكَبِيرهمْ الْأَمِير أيتمش وَبَين بركَة وَمن مَعَه حَتَّى نَصره الله عَلَيْهِم من غير تَعب وأقامت الْقَاهِرَة ثَلَاثَة أَيَّام مغلقة الْأَبْوَاب إِلَّا أَن الْخَيْر كثير بالأسواق وَلم يقل سوى المَاء فَإِنَّهُ صَار ينْقل بِالْقربِ من خوخة أيدغمش فبلغت الْقرْبَة نصف دِرْهَم ثمَّ نُودي من آخر يَوْم الْجُمُعَة فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَنُودِيَ يَا عوام إِن كُنْتُم راضين. بمحتسبي الْقَاهِرَة ومصر. وَإِلَّا عزلنا هما. فطلع جمع من الغوغاء إِلَى تَحت القلعة وصاحوا مَا نرضى بهما فرسم بعزلهما. وَفِيه خلع على الْأَمِير أَحْمد الطرخاني وَاسْتقر فِي ولَايَة الجيزة وَوجدت ذخيرة للأمير بركَة فِي ضمن مصطبة صَغِيرَة بوسط اصطبله. كَانَ يجلس عَلَيْهَا أَحْيَانًا فِيهَا زنة سبعين قِنْطَارًا من ذهب وَوجد لَهُ عِنْد جمال الدّين مَحْمُود العجمي - محتسب الْقَاهِرَة - مبلغ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف دِينَار.(5/84)
وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشره: عرضت مماليك بركَة على الْأَمِير برقوق ومماليك يلبغا الناصري فَاخْتَارَ من شَاءَ مِنْهُم. وَفِيه أفرج عَن قراكَسَك. وطولو تمر الأحمدي وتنكز العثماني وأَيْدَمُر الخطاي وأمير حَاج بن مُغْلِطَاي ويوسف بن شادي وَقبض على أرسلان دوادار بركَة وَسلم هُوَ وأقبغا صيوان وخضر وباشا إِلَى الْمُقدم سيف فنوع لَهُم الْعَذَاب أنواعا وَهُوَ يَقُول لَهُم أَنْتُم أَخَذْتُم مني ألف ألف وَخمسين ألف دِرْهَم وَكَانَت عقوبتهم بقاعة الصاحب من القلعة كَمَا هِيَ الْعَادة فِيمَن يصادر. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشره: أخرج الْأَمِير يلبغا الناصري مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ الْأَمِير طُبُج المحمدي والأمير أَطْلَمش الطازي والأمير قرابلاط. والأمير إلْيَاس والأمير تمربغا السيفي والأمير تمربغا الشمسي فَسَارُوا جَمِيعًا فِي الْحَدِيد حَتَّى سجنوا بهَا. وَفِي نَهَار الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير مبارك شاه السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة بلبيس وخلع على السَّيِّد على نقيب الْأَشْرَاف وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن سراج الدّين عمر العجمي وخلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي وخلع على مُحَمَّد بن العادلي وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين وَأَفْرج عَن الْأَمِير خضر وَعَن الْأَمِير أرسلان وَعَن مُسَافر استادار الصُّحْبَة لبركة على مَال قرر عَلَيْهِم وَأَفْرج عَن الْأَمِير أقبغا صيوان ثمَّ أخرج بعد أَيَّام هُوَ وخضر إِلَى الشَّام منفيين. وَفِيه أنعم على كل مِمَّن يذكر بتقدمة ألف وهم: الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير الْكَبِير وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع بركَة والأمير جركس الخليلي والأمير بزلار الناصري والأمير أَلْطنبُغا الْمعلم والأمير ألابغا العثماني. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع وست أَصَابِع. وَفِي سَابِع عشره: أنعم على الْأَمِير أَطْلَمش الطازي بطبلخاناه بِدِمَشْق وَأخرج إِلَيْهَا. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة طبلخاناه وهم: تَنْكز بُغا السيفي وأقبُغا الناصري وطوجي العلاي وَفَارِس الصَّرْغَتْمُشى وكَمُشبغا الخاصكي الأشرفي وتمربُغا المنجكي وسودُن السيفي بَاقٍ وأياس الصَّرْغَتْمُشي وقُطُلوبغا السيفي كوكاي وأنعم(5/85)
على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: بيبرس التمانَ تمرى وطنا الكريمي وبيرم العلاي وأقبغا اللاجيني وقوصون الأشرفي. وَفِيه خلع على الْأَمِير بهادر الشاطر وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عرضا عَن أقبغا الْفِيل. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد بِسيف الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وَذَلِكَ الْأَمِير بركَة لما خرج إِلَى قبَّة النَّصْر بعث إِلَيْهِ بِأخذ قلعة دمشق وَالْقَبْض على أكَابِر أمرائها وَأَنه إِن انْكَسَرَ قدم إِلَيْهِ فَركب يُرِيد الْقَبْض على الْأُمَرَاء وَكَانُوا قد وصل إِلَيْهِم كتاب الْأَمِير الْكَبِير برقوق باحترازهم وأعلمهم. بِمَا كَانَ من مخامرة بركَة وَأَنه إِن قدم إِلَيْهِم يأخذوه فَاسْتَعدوا وَقَامَ بِحَرب بَيدَمُر الْأَمِير مُحَمَّد بيك والأمير أَحْمد بن جُرجي الإدريسي والأمير جَنتمُر أَخُو طاز والأمير أرغون الأسعردي مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وأعياهم من فِي القلعة بِالرَّمْي من أَعْلَاهَا فانكسر بيدمُر وَقبض عَلَيْهِ وعَلى تغرى بَرْمَش وجبرائيل والصارم البيدمري وَعَامة حَوَاشِي بيدمر وسجنوا بقلعة دمشق فسر الْأَمِير الْكَبِير بذلك سُرُورًا كَبِيرا. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير أينَال اليوسفي من سجنه بالإسكندرية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أَيتمش البجاسي وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن الْأَمِير بركَة. وخلع على الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي وَاسْتقر أَمِير سلَاح. عوضا عَن يَلبغا الناصري. وخلع على الْأَمِير أَلْطنبُغا الجوباني وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا بتقدمة ألف وخلع على الْأَمِير ألابغا العثماني وَاسْتقر دوادارا كَبِيرا بتقدمة ألف وخلع على الْأَمِير جركس الخليلي وَاسْتقر أَمِير أخور بتقدمة ألف وخلع على الْأَمِير بجمان المحمدي وَاسْتقر رَأس نوبَة صَغِيرا وعَلى كُمُشبغا الخاصكي الأشرفي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه فَصَارَ أَرْبَاب الدولة كلهم جراكسة من أَتبَاع الْأَمِير الْكَبِير برقرق. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام وأعيد إِلَى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بلوط الصَرغَتمُشى وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة وخلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن دَندار بن قرمان وَاسْتقر استادار الْأَمِير مُحَمَّد بن الْأَمِير الْكَبِير برقوق الأتابك وخلع على وَلَده دَمُردان بن مُوسَى وَاسْتقر أَمِير طَّبر وَكَاشف الجيزة. وَفِيه قدم الْأَمِير أينال اليوسفي من الْإسْكَنْدَريَّة فَنزل نَاحيَة سرياقوس وَتوجه مِنْهَا إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن منكلي بغا الْبَلَدِي وَنقل الْبَلَدِي إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن أشَقتمُر المارديني وَنقل أشقتمر إِلَى نِيَابَة الشَّام عوضا عَن بيدمر.(5/86)
وَفِيه قدم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الدمرداشي محتفظا بِهِ وَكَانَ قد مَاتَ خطيب أحميم عَن مَال كَبِير وَجعل وَصِيّه الْأَمِير بركَة ووصى لَهُ. بِمَال جزيل حماية لتركته فشره لأخذ التَّرِكَة جَمِيعهَا. وَبعث ابْن الدمرداشي للحوطة على مخلفه فأوقع بأصحاب الْخَطِيب كل مَكْرُوه فَزَالَتْ دولة بركَة وَهُوَ فِي عقوبتهم فَلم يشْعر إِلَّا وَقد قبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فِي أَسْوَأ حَال فضُرب ضربا عَظِيما وأُخذ مَاله وَأخرج منفيا إِلَى الصَّعِيد وَاتفقَ أَيْضا أَن امْرَأَة من مياسير نسَاء التُّجَّار خرجت حَاجَة فأشيع أَنَّهَا مَاتَت فَأخذ جَمِيع مَالهَا وعادت إِلَى الْقَاهِرَة فَلم تُعوض عَن ذَلِك بِشَيْء وافتقرت بعد غناها كَمَا افْتقر أَوْلَاد خطيب أحميم مَعَ كَثْرَة عَددهمْ وَعظم مَال أَبِيهِم. وَمَات أَيْضا بعض المماليك السُّلْطَانِيَّة وَترك أَوْلَادًا فَأخذ مَاله وَلم تعط ورثته شَيْئا فَكَانَ هَذَا من الْحَوَادِث الَّتِي لم تعهد. وَفِي ثامن عشرينه: أخرج مبارك شاه المارديني - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - إِلَى حماة أَمِيرا بهَا. وَفِيه خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وَاسْتقر نَاظر ديوَان الْأَمِير أيتمش. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا لم يعْهَد أَن وزيرا خدم ديوَان أَمِير. وَفِيه رسم للأمير ألطنبغا الجوباني أَن يجلس بالإيوان فِي وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَلَا يقف. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث شهر ربيع الآخر: ركب الْأَمِير الْكَبِير الأتابك برقوق من الإصطبل وسير بعد مَا كَانَ مُنْذُ حَرَكَة بركَة لم يَتَحَرَّك من مَوْضِعه خوفًا على نَفسه فَوقف لَهُ أهل الرَّوَاتِب وَالصَّدقَات المقررة على الدولة واستغاثوا بِهِ على الْوَزير الملكي أَن عوّق حاريهم عَن الصّرْف فَلَمَّا عَاد إِلَى الحراقة من الإصطبل طلب الملكي والمقدم سيف وضربهما وأسلمهما إِلَى الْأَمِير بهادر شاد الدَّوَاوِين ثمَّ أفرج عَنْهُمَا. وَفِي رابعه: قدم الصاحب كريم الدّين شَاكر بن غَنَّام من الْقُدس وَعظم أَمر الْأَمِير الْكَبِير وَانْفَرَدَ بتدبير الدولة وَصَارَ فِي موكب عَظِيم لم يعْهَد مثله لأمير قبله. وَفِي خامسه: خُلع على صدر الدّين بديع بن نَفِيس الدواداري الْأَسْلَمِيّ التوريزي وَاسْتقر وَفِيه أنعم على الْأَمِير مَأْمُور حَاجِب الْحجاب بِزِيَادَة فِي إقطاعه وأنعم على الْأَمِير(5/87)
أَحْمد ابْن الْأَمِير يلبغا الخاصكي بِزِيَادَة فِي إقطاعه وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأسناي شَاهد ألابغا الدوادار وَاسْتقر فِي نظر الأحباس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الدميرى الْمُحْتَسب وَخرج الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص. وَفِي رَابِع عشرينه: ترك الْوَزير الملكي الوزارة وَلبس هَيْئَة الزهاد وَأقَام بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ. بِمصْر فطُلب فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه وسجن بقاعة الصاحب من القلعة وَتَوَلَّى شاد الدَّوَاوِين مصادرته فَعَذَّبَهُ عذَابا أَلِيمًا. حَتَّى هلك تَحت الْعقُوبَة فِي يَوْم النوروز وَلما قبض عَلَيْهِ خلع على الصاحب شمس الدّين أبي الْفرج المقسي وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة مُضَافا إِلَى نظر الْخَاص. وَفِيه قدم الْخَبَر بِخُرُوج بدر بن سَلام بعربان الْبحيرَة عَن الطَّاعَة فرُسم أَن يجرد لَهُم من الْأُمَرَاء أَيتمش البجاسي وآلان الشَّعْبَانِي وألطنبغا الجوباني ومأمور الْحَاجِب وَأحمد بن الْأَمِير يلبغا وبَلوط الصَرْغَتْمُشى وبزلار الناصري وبهادر الجمالي. وَمَعَهُمْ من أُمَرَاء الطبلخاناه اثْنَي عشر أَمِيرا مِنْهُم سَوكَب الشيخوني وقرابغا البوبكري وبجمان المحمدي وطغايَ تمُر القبلاوي ومازى السيفي وقُرُط بن عمر التركماني ويدكار السيفي وبجاس النوروزي وقرابغا السيفي وعدة من أُمَرَاء العشرات وَطَائِفَة من مماليك الْأَمِير الْكَبِير برقوق وَسَارُوا فِي أول جُمَادَى الأولى فارتفع بدر. بِمن مَعَه عَن الْبِلَاد وَخرج ابْن عرام بعسكر الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى لِقَاء الْأُمَرَاء فَبَلغهُمْ أَن بدر بن سَلام يُرِيد كبسهم لَيْلًا فتركوا مخيمهم وقصدوا الْجِهَة الَّتِي يكون مَجِيء بدر مِنْهَا فَأقبل بدر من غير تِلْكَ الطَّرِيق وهجم لَيْلًا على مخيم الْأُمَرَاء وَلَيْسَ بِهِ إِلَّا الغلمان وَقَلِيل من المماليك فَقتل وَنهب وَمضى فَأدْرك الْأَمِير آلان طَائِفَة من أَصْحَابه فَقَاتلهُمْ قتالا كَبِيرا. انْكَسَرَ مِنْهُم مرَّتَيْنِ ثمَّ كَانَت الكرة لَهُ فَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَقبض على بني بدران - من أعيانهم - وَاسْتولى على كثير مِمَّا كَانَ مَعَهم وَلما طَال على الْأَمِير أيتمش وَمن مَعَه السُرى عَادوا فَإِذا ببدر وجماعته قد عَادوا من وقعتهم. بِمن(5/88)
فِي المخيمات فقصدوه فَلم يدركوه وَقتلُوا عدَّة مِمَّن تخلف من أَصْحَابه. وَفِي ثالثه: على الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بَكتمُر الْحَاجِب وَاسْتقر حاجبا ثَالِثا وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْبَرِيد من الْبحيرَة بِمَا تقدم ذكره وَأَنه قُتل من عرب بدر نَحْو الْألف. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن تمرباي الدمرداشي. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره وخامس وَعشْرين مسرى: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من تجريدة الْبحيرَة وَلم يدركوا بدر بن سَلام وَقتلُوا من ظفروا بِهِ مَا بَين مذنب وبريء ونهبوا أَمْوَالًا كَثِيرَة وخربوا تروجة وَمَا حولهَا فَلَمَّا عَاد الْأُمَرَاء رَجَعَ بدر إِلَى الْبحيرَة وَبعث ابْن عرام يسْأَل لَهُ الْأمان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَخرج إِلَيْهِ الْأَمِير بهادر المنجكي - استادار الْأَمِير الْكَبِير - والشريف بَكتمُر فِي ثَانِي(5/89)
عشرينه ومعهما أَمَان وخلعة لبدر وطبلخاناه فالقهما وَبَالغ فِي إكرامهما وَالْتزم تدريك الْبِلَاد وَعمارَة مَا خرب مِنْهَا وتعويض أَهلهَا عَمَّا تلف لَهُم وَاعْتذر عَمَّا وَقع مِنْهُ وَقدم إِلَيْهَا ابْن عرام من الْإسْكَنْدَريَّة فَقَرَأَ الْأمان على النَّاس فَوق مِنْبَر مَدِينَة دمنهور وَنُودِيَ بالأمان فَعَاد أهل دمنهور إِلَيْهَا بَعْدَمَا كَانَت لَا أنيس بهَا وَعَاد الْأَمِير بهادر والشريف بَكتمُر ومعهما بدر حَتَّى قاربا الْقَاهِرَة ثمَّ مضى عَنْهَا وقدما إِلَى الْقَاهِرَة وَقد قويت الإشاعة. بمباطنة ابْن عرام لبدر بن سَلام فَخرج الْبَرِيد بِطَلَبِهِ فَحَضَرَ بتقادم جليلة وَاعْتذر عَمَّا رمُى بِهِ فَخلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة على حَاله. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَلا يلْعَب أحد بِالْمَاءِ فِي النوروز. وهدد من لعب فِيهِ بِالْمَاءِ أَن يضْرب وَيُؤْخَذ مَاله فَامْتنعَ النَّاس فِيهِ مِمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ. وَوجد أَرْبَعَة من النَّاس يَلْعَبُونَ بِالْمَاءِ فِي يَوْم النوروز. فَضربُوا بالمقارع وشهروا. وَقدم الْبَرِيد من طرابلس بِأَن الْأَمِير طَقتمُر - مُسْتَقر الْأَمِير إينال - أفسد بطرابلس من كَثْرَة سكره وعربدته وَقلة احترامه للنائب وَأَن النَّائِب ضربه بِحَضْرَة أُمَرَاء طرابلس ضربا مبرحا. فَأخْرج إقطاع طقتمر ورسم بسجنه بالكرك ورُسم بالإفراج عَمَّن بالإسكندرية من الْأُمَرَاء. فأفرج عَنْهُم وَتَأَخر بالسجن مِنْهُم أَرْبَعَة وهم بركَة ويلبغا الناصري وقرا دمرداش وبَيْدَمُر نَائِب الشَّام. فَلَمَّا قدم المسجونون. فرقوا بِبِلَاد الشَّام وَأرْسل بَعضهم إِلَى قوص. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على الْأَمِير كرجي. وَاسْتقر كاشف الْوَجْه البحري عوضا عَن قُطلوبَك صهر أيدمر المزوق. ثمَّ خلع على الشريف بَكتمُر أطلسين. وَاسْتقر ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ البحري. ورسم أَن تكون إِقَامَته بتروجة. وَأَن يُكَاتب. بِملك الْأُمَرَاء. فَكَانَ أول من خُوطِبَ بذلك من كشاف الْوَجْه البحري. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر جُمَادَى الآخر: رست السلَاسِل على قنطرة المقسي بخليج فَم الخور وعَلى قنطرة الْفَخر بِرَأْس الخليج الناصري - بجوار الميدان الْكَبِير - كَمَا عمل فِي السّنة الْمَاضِيَة. فامتنعت المراكب الَّتِي تحمل المتفرجين وَأهل الخلاعة من عبور الخليج وبركة الرطلي وانكف بذلك فَسَاد كَبِير وَبَلغت زِيَادَة النّيل إِلَى أَربع أَصَابِع من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَثَبت إِلَى سادس عشر توت. ثمَّ هَبَط فارتفع سعر الغلال وطلبها(5/90)
النَّاس للخزن طلبا للفائدة فِيهَا. فَكثر قلق النَّاس واستغاثت الْعَامَّة فِي عزل الدَّمِيرِيّ من الْحِسْبَة وسألوا عود العجمي إِلَيْهَا وهموا برجم وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه:. خلع على جمال الدّين مَحْمُود العجمي وأعيد إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة ففرح الْعَامَّة بِهِ فَرحا زَائِدا وكادوا يحملون بغلته وَهُوَ عَلَيْهَا بالخلعة وأتلفوا من مَاء الْورْد الَّذِي صبوه عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه وَمن الزَّعْفَرَان الَّذِي تخلقوا بِهِ شَيْئا كثيرا. - بالغوا فِي إشعال الشموع والقناديل بِالْقَاهِرَةِ ووقفت لَهُ المغاني تزفه إِذا مر بهَا فِي مَوَاضِع عديدة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد تعذر وجود الْخبز بالأسواق. وفقد مِنْهَا عدَّة أَيَّام فظنوا أَن قدوم الْجمال مَحْمُود يكون مُبَارَكًا فَكَانَ كَمَا ظنُّوا. وَقدم فِي هَذَا الْيَوْم عدَّة مراكب مشحونة بالغلال فانحل السّعر. وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي وَاسْتقر أستادارا ثَالِثا. وَقدم الْأَمِير زامل بنى مُوسَى بن مهنا فَأكْرمه الْأَمِير الْكَبِير كَرَامَة زَائِدَة. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على شرف الدّين بن عرب وَاسْتقر فِي حسبَة مَدِينَة مصر عوضا عَن الشريف عَليّ نقيب الْأَشْرَاف. وَفِيه أخرج إقطاع الْأَمِير قرابغا فرج الله عَنهُ وَقبض عَلَيْهِ من أجل قتل بعض مماليكه وَهُوَ سَكرَان. وَكتب باستقرار الْأَمِير إينال اليوسفي فِي نِيَابَة حلب وَاسْتقر عوضه فِي نِيَابَة طرابلس كُمُشبُغا الْحَمَوِيّ وَاسْتقر طشتمر اللفاف فِي نِيَابَة صفد عوضا عَن كُمُشبغا. وَفِي أول شهر رَجَب: قبض على الْأَمِير زامل وسجن وَذَلِكَ أَن وَلَده نزل مرج دمشق فِي طَائِفَة من آل فضل. كَمَا قد استجد. وأنزلوهم فِيهِ أَيَّام الشتَاء فَمَنعهُمْ الْأَمِير أَشَقتمر من الْإِقَامَة بِهِ. فَرَكبُوا للحرب وقاتلوا عَسْكَر دمشق مرَّتَيْنِ. ثمَّ انكسروا ونهبت عَامَّة أَمْوَالهم وجمالهم وانجلت هَذِه الْوَقْعَة على قتل طَقتمُر الحسني. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: أحيط. بموجود الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن أَحْمد بن عرام وَتوجه الْأَمِير يُونُس دوادار الْأَمِير الْكَبِير للقبض عَلَيْهِ وَسبب ذَلِك وُرُود الْخَبَر بقتل الْأَمِير بركَة بسجنه من الْإسْكَنْدَريَّة فثارت مماليكه تُرِيدُ الْفِتْنَة فَأنْكر الْأَمِير الْكَبِير أَن يكون قد أَمر بقتْله. وَيُقَال أَنه كَانَ قد تقدم إِلَى ابْن عرام عِنْد حُضُوره بِأَن(5/91)
يقتل بركَة. فَأخذ بذلك خطه وخطوط الْأُمَرَاء الأكابر وَعَاد إِلَى الثغر وَقَتله. فَلَمَّا دخل يُونُس الدوادار إِلَى الثغر نبش قبر بركَة فَوجدَ فِي رَأسه ضَرْبَة وَفِي جسده ضربات عديدة وَقد دفن بثيابه من غير غسل وَلَا كفن فَغسله وكفنه وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه فِي تربة بناها على قَبره. وَقبض على ابْن عرام. وَخَافَ من بدر بن سَلام أَن يَعْتَرِضهُ فِي الطَّرِيق وَيُخَلِّصهُ فَطلب نجدة فَسَار إِلَيْهِ عدَّة مماليك سَارُوا بِهِ فِي بَحر الْملح إِلَى دمياط وَأتوا فِي النّيل إِلَى القاهر وسجن فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشره بخزانة شمايل مُقَيّدا وعذب على مَال اتهمَ أَنه أَخذه من بركَة فَلم يقر بِشَيْء. ثمَّ أخرج فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه وَحمل على حمَار إِلَى القلعة وَقد اجْتمع الْأُمَرَاء بِبَاب القلعة مِنْهَا فَجرد من ثِيَابه وَضرب بالمقارع نَحْو التسعين شيبا. وَنُودِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ يضْرب: هَذَا جَزَاء من يقتل الْأُمَرَاء بِغَيْر إِذن. فَقَالَ: مَا قتلته إِلَّا بِإِذن الْأُمَرَاء وَأخرج خطوطهم فَأخذت مِنْهُ وَهُوَ بستغيث: بيني وَبَيْنكُم اللهّ ياسيدي الشَّيْخ نَهَار هَذَا الْيَوْم الَّذِي وَعَدتنِي فَإنَّا لله وَإِن إِلَيْهِ رَاجِعُون. وَذَلِكَ أَن الشَّيْخ نَهَار كَانَ حَدثهُ بِأُمُور وَمِنْهَا أَنه لَا يَمُوت إِلَّا مقتولا بِالسَّيْفِ موسطا أَو مسمرا فَكَانَ يتَوَقَّع ذَلِك. ثمَّ أركب الْجمل ودقت المسامير الْحَدِيد فِي كفيه وذراعيه وقدميه على الْخشب. وَهُوَ يَقُول: يَا سَيِّدي الشَّيْخ نَهَار قد صَحَّ الَّذِي وَعَدتنِي بِهِ هَذَا الْيَوْم الَّذِي وَعَدتنِي بِهِ. وَسَارُوا بِهِ من بَاب القلعة على الْجمل ليشهر فَصَارَ ينشد فِي تِلْكَ الْحَال الَّتِي يذهل فِيهَا الْمَرْء عَن نَفسه. لَك قلتبى تعِله فدمى لم تحله قَالَ إِن كنت مَالِكًا فلي الْأَمر كُله فَلَمَّا صَار بالرمَيلة تَحت القلعة. أوقف تجاه بَاب السلسلة فبدره مماليك بركَة بسيوفهم يضربوه بهَا حَتَّى صَار قطعا وَفرقُوا شلوة تفريقا. ثمَّ حملت رَأسه وعلقت بِبَاب زويلة فَأخذت أمه مَا قدرت عَلَيْهِ من بدنه وَأخذت رَأسه وغسلت ذَلِك. ودفنته. بمدرسته جوَار قنطرة أَمِير حُسَيْن. من حكر جَوْهَر النوبي خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ ابْن عرام فطنا ذكيا فَأحْسن الْمُشَاركَة فِي الْقَلَم. كتب تَارِيخا مُفِيدا. وَكَانَت لَهُ نَوَادِر وَعِنْده حكايات يذاكر بهَا. وَكَانَ مهابا رَئِيسا سيوسا وَكَانَ يداخل كل ذِي فن ويتنقل فِي أَحْوَال مُخْتَلفَة ويخوض فِي كل مَا يُفِيد وينفع. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير بلّوط الصَرغَتْمشى فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي حادي عشرينه: استدعى الْأَمِير الْكَبِير برقوق الشَّيْخ جلال الدّين رَسُولا التباني فطلع إِلَيْهِ بعد مراجعات كَثِيرَة وَعرض عَلَيْهِ أَن يسْتَقرّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة. فَلم يُوَافق على ذَلِك وَامْتنع كَمَا امْتنع فِي الْأَيَّام الأشرفية شعْبَان بن حُسَيْن. وَقَالَ: هَذِه(5/92)
الْوَظِيفَة مَا يصلح لَهَا عجمي وَالْعرب أولى بهَا فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير فِي الْقبُول. أخرج مُصحفا شريفا وَكتاب الشِّفَاء للْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ: أَسأَلك بِحَق هذَيْن. أَلا مَا أعفيتني وَقَامَ عَنهُ فاستدعى الْأَمِير الْكَبِير الْقُضَاة. وشاورهم فِيمَن يصلح لقَضَاء الْحَنَفِيَّة. فَأَشَارَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة بِولَايَة صدر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين أبي الْحسن على بن مَنْصُور الدِّمَشْقِي. فَسَار بإحضاره من دمشق فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه. وَفِي خَامِس عشرينه: أنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص. بإمرة طبلخاناه. عوضا عَن أروس المحمدي وَأخرج أروس على إمرة بصفد وأنعم على سودون النظامي بإمرة طبلخاناة. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير خضر الزيني باستدعاء. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين شعْبَان: قبل الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وسألوا عَفوه عَن الْأُمَرَاء المسجونين فرسم بالإفراج عَن الْأَمِير يلبغا الناصري. والأمير قرادمرداش والأمير بيدمر نَائِب الشَّام. وَفِي أول شهر رَمَضَان: قدم بيرم وَالِي الغربية بِطَلَب وَضرب وسجن. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: قدم صدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي البركات مَنْصُور الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ وَنزل بصهريج منجك تَحت القلعة وَأَتَاهُ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم للسلام عَلَيْهِ ثمَّ طلب فِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه بعد الْعَصْر. إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن جلال الدّين جَار الله بعد وَفَاته. وَنزل وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة والأمير قرابغا الْحَاجِب.(5/93)
وَفِي عاشره: خلع على أَحْمد بن سنقر البريدي. وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن بيرم. وخلع على فرج بن أيدَمُر المرزوق وَاسْتقر فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان. وَفِي تَاسِع عشره: كتب مرسوم سلطاني ثَان يسْتَقرّ لكل من الْقُضَاة الْأَرْبَع أَرْبَعَة نواب. فاستقر لقَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة الشَّافِعِي أَرْبَعَة نواب بِالْقَاهِرَةِ وهم: جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْخَطِيب الأسناي. وَصدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ وَصدر الدّين عمَر بن عبد المحسن بن رزين. وسرى الدّين مُحَمَّد بن المسلاتي. وَاسْتقر فَخر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القاياتي نَائِبه بِمصْر. وَاسْتقر لقَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ أَرْبَعَة نواب وهم: مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم. وشمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي. وشهاب الدّين أَحْمد الشنشي. وجمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب. وَاسْتقر لقَاضِي الْقُضَاة علم الدّين سُلَيْمَان اليساطي الْمَالِكِي أَرْبَعَة نواب. وهم: جمال الدّين عبد الله بن عمر الفيشي وتاج الدّين بهْرَام وشهاب الدّين أَحْمد الدفري وَعبيد البشكالسي. وَلم يستنب قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ عَنهُ أحدا. فاستراح النَّاس من نواب الْمجَالِس وهم قوم يتكسبون من الحكم بَين النَّاس ويجلسون لذَلِك فِي مجَالِس من الْجَوَامِع أَو الْمدَارِس أَو حوانيت الشُّهُود ويقاسمون الشُّهُود فِيمَا يتكسبونه من تحملهم الشَّهَادَات للنَّاس وَعَلَيْهِم فَبَطل ذَلِك بسفارة قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَللَّه الْحَمد. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين - موقع الْأَمِير الْكَبِير - كاملية حَرِير أَخْضَر كمخا سكندري بِفَرْوٍ قاقم وَلم يعْهَد قبله متعمم يلبس مثل ذَلِك. وَفِي ثَالِث شَوَّال: أخرج الْأَمِير طُغاي تمر القبلاوي منفيا إِلَى طرابلس. وَفِي رابعه خلع على عبيد بن البازدار وَاسْتقر مقدم الدولة. وخلع على قُطلوبُغا الأسَنْ قجاوي أَبُو درقة وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص. وخلع على الْأَمِير قُرُط بن عمر التركماني وَاسْتقر نَائِب الْبحيرَة والوه البحري. عوضا عَن الشريف بُكتمُر وأنعم عَلَيْهِ بعُدد حربية وأسلحة كَثِيرَة، وَمَال جزيل فَأكْثر من اسْتِخْدَام التراكمين وسارقي(5/94)
عَسْكَر كثير فاستعد بدر بن سَلام للقائه وَجمع لَهُ جمعا موفورا فعرج قُرُط عَن الطَّرِيق حَتَّى قَارب دمنهور فَلَقِيَهُ بدر وقاتله أَشد قتال حَتَّى احْتَاجَ إِلَى طلب نجدة من الْقَاهِرَة. وَفِي سادس عشرينه: خلع أقمغا المارديني وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه القبلي بعد موت الرُّكْن. وَفِيه أخرج الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن آقبغا آص منفيا إِلَى الشَّام وخلع على الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي وأُعيد إِلَى مشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أخي الْجَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بالإسكندرية فَمَاتَ فِي كل يَوْم مَا ينيف على مائَة وَخمسين إنْسَانا وَتَمَادَى إِلَى أثْنَاء ذِي الْحجَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ذِي الْحجَّة: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد الدِّميري الْمُحْتَسب وأعيد إِلَى نظر الأحباس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأسناى وَاسْتقر كَمَال الدّين المعري فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب. عوضا عَن الْجمال الزُرَعي بعد وَفَاته. وَفِي ثالثه خلع على سعد الدّين نصر الله بن البقري. وَاسْتقر فِي نظر الدخيرة وَنظر خَاص الْخَاص. وأضيفت إِلَيْهِ الْإسْكَنْدَريَّة والكارم والأملاك والمستأجرات. وخلع على الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن قرمان وَاسْتقر أستادار الدخيرة رَفِيقًا لِابْنِ البقري. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنة: قدم الْبَرِيد بوصول آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير برقوق - صُحْبَة الخواجا عُثْمَان بن مُسَافر فَركب الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَخرج مَعَه عَامَّة الْعَسْكَر من الْأُمَرَاء والأجناد وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة من الْقُضَاة والوزراء والأعيان فلقي أَبَاهُ بِمَنْزِلَة العكرشا وَعَاد بِهِ وَقد قدم مَعَه الْكَمَال المعري قَاضِي حلب وَولي الدّين عبد الله بن أبي الْبَقَاء قَاضِي دمشق. فَنزل بالمخيم من سرياقوس وَقد أعد لَهُ. وَهَيَّأْت المطابخ. فَمد سماط عَظِيم إِلَى الْغَايَة أَجْلِس الْأَمِير الْكَبِير أَبَاهُ فِي صَدره وأجلس بحانبه الْأَمِير عز الدّين أيدَمُر الشمسي. وَجلسَ الْأَمِير الْكَبِير تَحت الْأَمِير أَيدَمُر وَجلسَ بحانب ولد الْأَمِير الْكَبِير من الْجِهَة الْأُخْرَى الْأَمِير سيف الدّين أَقتمُر عبد الْغَنِيّ فَأَكَلُوا وَأكل عَامَّة من حضر حَتَّى اكتفوا ثمَّ رفع فتناهبه الغلمان وسغيرهم حَتَّى عَم ذَلِك الْجمع مَعَ(5/95)
كثرته. وركبوا جَمِيعًا وَقت الظّهْر. وعبروا إِلَى الْقَاهِرَة وَقد خلع على الخواجا عُثْمَان وصعدوا بِهِ إِلَى الإصطبل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً بَالغ الْعَامَّة فِي إشعال الشموع والقناديل. ثمَّ طلع الخواجا عُثْمَان بآنص فاشراه السُّلْطَان مِنْهُ وَأعْتقهُ وخلع عَلَيْهِ. وأنعم على آنص بتقدمة ألف فَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء حَتَّى قدم لَهُ التقادم الجليلة على قدر همته وبذل الْأَمِير الْكَبِير برقوق للخواجا عُثْمَان مَالا كثيرا وأنعم عَلَيْهِ بإنعامات سنية من أجل أَنه جلب أَبَاهُ من بِلَاد الجركس. وَفِي ثَانِي عشره: خرج الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي وَمَعَهُ خَمْسمِائَة مَمْلُوك إِلَى الْبحيرَة نجدة للأمير قرُط. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد من الطرانة - وَقد نزل بهَا الْأَمِير آلان - بِأَن الْأَمِير قرط قتل فاضطرب الْعَسْكَر بالقلعة. وعلق الجاليش للسَّفر وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة بِخُرُوج الْأُمَرَاء والمماليك وأجناد الْحلقَة للبحيرة. ورسم بتجهيز السُّلْطَان فَأَشَارَ الْأَمِير أيدمُر الشمسي بِإِقَامَة السُّلْطَان وتجهيز الْأُمَرَاء فعين للتجريدة الْأَمِير أيتمش البجاسي والأمير ألطنبغا الجوباني والأمير أَحْمد بن يلبغا الخاصكي والأمير مَأْمُور القلمُطاوي والأمير أَقبغا العثماني والأمير ألطنبغا الْمعلم وَكلهمْ أُمَرَاء أُلُوف وَمَعَهُمْ من أُمَرَاء الطبلخاناة: قرابغا الأحمدي ومازي وقرابغا البوبكري وبجَمَان المحمدي وَفَارِس الصَرغتمشى وبجاس النوروزي. وطوجي الحسني. وطقتمشى السيفي وأطرجي العلاي وأرسلان اللفاف. وَمن أُمَرَاء العشرات: أقبغا بوز الشيخوني وكمجي ويوسف بن شادي وبكبلاط الصَّالح وبيبرس التمان تمري وأقبغا اللاجيني وسبرُج الكمشبغاوي فَقدم الْخَبَر آخر النَّهَار بِأَن قرُط بن همر لم يقتل فسكن الْحَال بعض الشَّيْء. وَفِي تَاسِع عشره: قدم من شُيُوخ الْبحيرَة خِضْر بن مُوسَى بن خضر وَجَمَاعَة تَحت الاحتفاظ فَضربُوا بالمقارع. وَفِيه سَارَتْ التجريدة الْمَذْكُورَة صُحْبَة الْأَمِير أيتمِش إِلَى الْبحيرَة. وَفِي حاي عشرينه: قدم حُسَيْن بن الْأَمِير قُرُط بعدة رُءُوس من الْقَتْلَى فِي الْحَرْب وَأخْبر أَنه حصِرَ. بِمَدِينَة دمنهور وَكَاد بدر أَن يَأْخُذهُ ففر إِلَى الْعَطف وعدى النّيل إِلَى مَدِينَة فوة وَسَأَلَ أَن يمد بنشاب وَغَيره من آلَة الْحَرْب وَأخْبر بوصول الْأَمِير آلان. بِمن مَعَه إِلَى دمنهور فَخلع عَلَيْهِ.(5/96)
وَفِيه أُعِيد فتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق بعد وَفَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن نجم الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي بهَا الدّين أَحْمد بن القَاضِي محيى الدّين يحيى ابْن فضل الله. وَفِي ثَانِي عشرينه: خُلع على الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الصلاحي وَاسْتقر مقدم المماليك بعد موت ظهير الدّين مُخْتَار الحسامي. وَفِيه أبطل الْأَمِير الْكَبِير برقوق ضَمَان المغاني بِمَدِينَة حماة وبمدينة الكرك وبمديته الشوبك وبناحية منية ابْن خصيب من أَرَاضِي مصر وبناحية زفتا مِنْهَا وأبطل ضَمَان الْملح. بِمَدِينَة عين تَابَ وَضَمان الدَّقِيق من البيرة - مُعَاملَة حلب - وَضَمان قَمح المؤونة بدمياط وَفَارِس كور من أردبين إِلَى مَا دون ذَلِك. وأبطل الْمُقَرّر على أهل البرلس وشورى وبلطيم وَهُوَ شبه الجالية ومبلغه سِتُّونَ ألف دِرْهَم فِي السّنة. وأبطل مكس مَدِينَة إعزاز بأجمعه وَعمر جسر الْأُرْدُن الَّذِي يعرف بالشريعة. فِيمَا بَين بيسان ودمشق فجَاء طوله مائَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا. وَفِيه أنعم على قُطلوبَك السيفي - وَإِلَى مَدِينَة مصر - بإمرة عشرَة زِيَادَة على عشرَة فاستقر أَمِير عشْرين فَارِسًا. وَفِيه أنعم على الْأَمِير قديد القلمطاوي بإمرة عشرَة. وَمَات فِي هَذَا السّنة من الْأَعْيَان(5/97)
شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَلَاء الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن أبي البركات مَنْصُور الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُضَاة بديار مصر بعد مَا عزل نَفسه وَأقَام بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي الشريف شرف الدّين عَاصِم بن مُحَمَّد الحسني نقيب الْأَشْرَاف فِي عَاشر وَتُوفِّي الشَّيْخ عَبَّاس بن حسن التَّمِيمِي الشَّافِعِي الْمُقْرِئ خطيب جَامع أصلم خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة. تصدى لتدريس الْفِقْه وإقراء الْقرَاءَات عدَّة سِنِين. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ عبد الصَّمد الجلاوي - بِالْجِيم - أحد فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة فِي رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات الْأَمِير منكلي بغا الأحمدي الشهير بالبلدي نَائِب حلب وَقد تجَاوز نَحْو أَرْبَعِينَ سنة. وَمَات الرُّكْن عمر نَائِب الْوَجْه القبلي. وَمَات الْأَمِير فطلوبغا البزلاري أحد العشرات. وَتُوفِّي قَاضِي الفضاة جلال الدّين أَبُو عبد الله وَيعرف بجار الله بن قطب الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود النَّيْسَابُورِي الْحَنَفِيّ يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شهر رحب. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بحلب جلال الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَحْمد ابْن عَمْرو بن مُحَمَّد الزُرَعي الشَّافِعِي قَاضِي حلب. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد زين الدّين مُحَمَّد بن الَموِاز فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد الحكري فِي ذِي الْحجَّة بالرملة وَكَانَ فَقِيها شافعيا(5/98)
عَارِفًا بالقراءات. قَرَأَ على الْبُرْهَان الحكري نَاب فِي الحكم ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس وصيدا توفّي الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب النشو الملكي الْأَسْلَمِيّ تَحت الْعقُوبَة مستهل شهر جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي أحد فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق شمس الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن ذُؤَيْب الْأَسدي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي شُهْبَة. فِي ثامن الْمحرم. ومولده فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق. وَتُوفِّي أَبُو مُحَمَّد حَجي بن مُوسَى بن أَحْمد بن سعد السَّعْدِيّ الحسباني الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر صفر وَقد صَار من أَعْيَان فقهائها مَعَ اقتصاد وانجماع. وَمَات قَتِيلا الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عَليّ بن أَحْمد بن عرام فِي رَابِع عشْرين شهر رَجَب.(5/99)
فارغه(5/100)
(سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة)
فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث الْمحرم: قبض على طَائِفَة من عرب الْبحيرَة نَحْو ثَلَاثَة وَعشْرين رجلا عِنْد الأهرام قد فروا يُرِيدُونَ النجَاة فوسطوا وَأخذت مَوَاشِيهمْ. وَفِيه ابْتَدَأَ الوباء بالطاعون فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وتزايد حَتَّى بلغ عدَّة من يَمُوت فِي الْيَوْم ثَلَاثمِائَة ميت. وَفِي خامسه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق ولي الدّين عبد الله بن أبي الْبَقَاء باستقراره على عادتَه. وخلع على قَاضِي الْقُضَاة بحلب كَمَال الدّين المعري باستقراره. وسارا عائدين إِلَى بلديهما فِي عاشره: ابْتَدَأَ الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب بِعرْض الأجناد وإلزام من عِبْرَة إقطاعه سِتّمائَة دِينَار بِالسَّفرِ إِلَى الْبحيرَة أَو إِخْرَاج بديل عَنهُ. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْخَبَر بِأَن خَمْسَة من أَعْيَان أهل الْبحيرَة قدمُوا على الْأَمِير أيتمش راغبين فِي الطَّاعَة وَمَعَهُمْ نَحْو سِتّمائَة فَارس وعدة رجالة. قدم الْبَرِيد من الْإسْكَنْدَريَّة بِطَلَب بدر بن سَلام من الْأَمِير بلوط أَن يسْأَل لَهُ فِي الْأمان فَلم يجبهُ الْأَمِير الْكَبِير برقوق إِلَى سُؤَاله. وَكتب بِالْقَبْضِ على الَّذين قدمُوا إِلَى الْأَمِير أيتمش فَقبض عَلَيْهِم وَقتل أكابرهم. فِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير قطلوبغا الكُوكَاي وَمَعَهُ خَمْسَة وَعِشْرُونَ رجلا من أَعْيَان الْبحيرَة فعفي الْأَمِير الْكَبِير عَنْهُم. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على جمال الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينة شاد الْجنان بالإسكندرية ثمَّ أحد أجناد الْحلقَة وَاسْتقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن وَفِي هَذِه الْأَيَّام: مرض السُّلْطَان حَتَّى أرجف. بِمَوْتِهِ ثمَّ عوفي. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي صفر: قدم الْأَمِير أَيتمِشِ. بِمن مَعَه من تجريدة الْبحيرَة وَقد فر بدر سَلام إِلَى جِهَة برقة وَبعث الْأَمِير قرط بِرِجَال كثير قد قبض عَلَيْهِم وبعدة من رُءُوس قتلاهم فعلقت على بَاب زويلة. وَنزل قُرُط دمنهور وَبنى عَلَيْهَا سورا أَخذ فِي عمَارَة مَا خرب من بِلَاد الْبحيرَة.(5/101)
وَفِي تاسعه خلع على آلطنبغا الصلاحي وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي. وَفِي حادي عشره: استعفي الصاحب شمس الدّين أَبُو الْفرج المقلى من الوزارة لضعف حَالهَا. فَإِنَّهُ أَخذ مِنْهَا عدَّة بِلَاد. فَقبض عَلَيْهِ وعَلى علم الدّين يحيى نَاظر الدولة وعدة من الْكتاب وسلموا الشاد الدَّوَاوِين. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعث الْأَمِير الْكَبِير إِلَى المقسي بخلعة الوزارة ليستمر على عَادَته فَامْتنعَ من الْولَايَة مَا لم يعد إِلَى الدولة مَا خرج عَنْهَا من الْبِلَاد فالتزم كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس بتكفية الدولة وَالْخَاص من غير أَن تُعَاد الْبِلَاد الَّتِي خرجت عَن الوزارة. فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وَاسْتقر فِي الوزارة. وَنظر الْخَاص وَنظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير ووكالة الْخَاص عوضا عَن المقسي. وَفِيه أنعم على الْأَمِير شرف آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير - بتقدمة الْأَمِير أَيدمُر الشمسي بعد مَوته. وخلع عَلَيْهِ فَقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وَأقَام فِي الْخدمَة حَتَّى انْقَضتْ. وَفِيه أحَاط الْوَزير على مَوْجُود الْأَمِير أيدَمُر ورسم على مباشري ديوانه وَلم تجر عَادَة بذلك. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير قرُط وَمَعَهُ رحاب وَإِبْرَاهِيم وشادي من أُمَرَاء الْبحيرَة. وَفِي تَاسِع عشره: قبض على الْمُقدم سيف وأحاط الْوَزير يجميع مَاله وأُلزم بِحمْل مِائَتي ألف دِينَار. وعوقب فَكتب خطه. بِمِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِي عشرينه: خلع على رحاب ورفيقيه. وَفِيه خلع على أَحْمد العَظْمَةَ - نقيب قرا غلامية - وَاسْتقر مقدم الدولة عوضا عَن الْمُقدم ورفيقه عبيد. وخلع على سعد الدّين بن الريشة وَاسْتقر نَاظر الدولة عوضا عَن علم الدّين يحيى وخلع على عدَّة من الْكتاب باستقرارهم فِي وظائف كَانَت بأيدي أَصْحَاب ابْن المقسي فاستقر زين الدّين نصر الله بن مكانس فِي نظر الْأَسْوَاق وَاسْتقر علم الدّين أفسح فِي نظر دَار الضِّيَافَة وَاسْتقر تَاج الدّين عبد الله بن سعد الدّين نصر الله بن البقري صَاحب ديوَان خزانَة الْخَاص وَاسْتقر تَاج الدّين عبد الرَّحِيم ابْن الْوَزير(5/102)
فَخر الدّين ماجد بن أَبُو شَاكر فِي نظر دَار الضَّرْب وَاسْتقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن مكانس فِي نظر الإصطبل. وَفِيه أفرج عَن المقسى وَعلم الدّين يحيى على مَال مبلغه خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم، ليورده. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه: توفّي السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور عَليّ بن الْأَشْرَف شعْبَان وَدفن لَيْلًا بتربة جدته خوند بركَة بالتبانة وَتَوَلَّى تَجْهِيزه الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي فَكَانَت مُدَّة سلطنته خمس سِنِين وَثَلَاثَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا وعمُره نُحو اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَلم يكن لَهُ من السلطنة سوى الِاسْم وَالْجُلُوس على التخت وَله نَفَقَة كل يَوْم. ثمَّ إِن القبرسي لما قصد غَزْو الْإسْكَنْدَريَّة استنجد. بملوك النَّصَارَى بِإِشَارَة الْبَاب لَهُم فِي ذَلِك وَالْبَاب هُوَ بتفخيم الْبَاء الأولى وَهُوَ الَّذِي تنقاد النَّصَارَى بِهِ ويزعمرن أَنه من ذُرِّيَّة الحواريين وَعِنْده الصَّلِيب الْأَكْبَر الَّذِي إِذا أبرزه للغزو لم يبْق ملك مَن مُلُوك النَّصَارَى إِلَّا أَتَى بجيشه نَحوه. فَإِذا خرج الْبَاب بصليبه ذَلِك ارتجت لَهُ بِلَاد النَّصْرَانِيَّة فيظفر بِتِلْكَ الجيوش القوية على مملكة من خَالفه من مُلُوك الرومانية. فَلَمَّا أعانت مُلُوك النَّصَارَى صَاحب قبرس بِالْمَالِ وَالرِّجَال والغربان بِإِشَارَة الْبَاب لَهُم فِي ذَلِك فعمرت المراكب لَهُ على مَا قيل برودس لِأَنَّهَا دَار صناعَة الفرنج فَكَانَت عمارتها على مَا قيل فِي أَربع سِنِين وَذَلِكَ فِي مُدَّة طَوَافه على الْمُلُوك. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قبرس وجدهم تهيئوا لَهُ فَجمع مَا جَاءَ بِهِ على مَا عمر لَهُ وَتوجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَكَانَت الْأَخْبَار تَأتي إِلَى(5/103)
الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن الْعِمَارَة عِنْد القبرسي فاهتم نَائِب السُّلْطَان بهَا - وَهُوَ الْأَمِير زين الدّين خَالِد. - فَرفع سورها الْقصير من جِهَة الْبَاب الْأَخْضَر وَصَارَ يجْتَهد فِي الْعِمَارَة وَيُرْسل يطْلب من الْأَمِير يلبغا الخاسكي - مقدم الجيوش المنصورة الْإِعَانَة على عمَارَة السُّور ويعلمه بِخَبَر عمَارَة القبرسي للمراكب الحربية فَيَقُول: إِن القبرسي أقل وأذل من أَن يَأْتِي إِلَى الأسكندرية. وَمَا علم يلبغا أَن شرارة أحرقت الجلمود وبعوضة أهلكت النمرود ودلمة قتلت فيلا وبرغوثا أَشهر ملكا جَلِيلًا. ذكر كَيْفيَّة ظفر القبرسي بالاسكندرية بِمَا جمعه من أَجنَاس نَصَارَى الرومانية وَغير ذَلِك من الواردات المستطردات. وَذَلِكَ أَن نَائِب السُّلْطَان بثغر الْإسْكَنْدَريَّة - وَهُوَ الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام - كَانَ غَائِبا عَن الثغر الْمَذْكُور بالحجاز الشريف بِسَبَب الْحَج. وَكَانَ نَائِبا عَنهُ فِيهِ بِإِشَارَة الْأَمِير الأتابكي الخاسكي أَمِير يُسمى جنغرا. فَلَمَّا دخل جنغرا الْمَذْكُور الْإسْكَنْدَريَّة رأى طوائفها المتطوعة الحارسة لمينتها تبحر عَلَيْهِ بالجزيرة بقسيهم الجرخ الموترة وأعلامهم الْحَرِير المنشورة مَعَ مَا بِأَيْدِيهِم من المزاريق وَالرمْح والدرق والصفاح والزرد النضيد ومصفحات الْحَدِيد والنفط الطيار الصاعد مِنْهُ لَهب النَّار وهم بملبوسهم الْمُخْتَلف الألوان كالزهر فِي الْبُسْتَان. فَلَمَّا عاينهم جنغرا بَكَى وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة لرباطهم وجهادهم فِي سَبِيل الله قد طَابَ وَالله الْعَيْش بِقُوَّة هَذَا الْجَيْش لَو أَتَى الْإسْكَنْدَريَّة جَمِيع نَصَارَى الرومانية مَا قدرُوا على هَذَا الْجَيْش الثقيل على الْإسْكَنْدَريَّة بل يكسرون النَّصَارَى ويصيرونهم قَتْلَى وأسارى. فَأَقَامَ جنغرا بالإسكندرية من شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة إِلَى الْمحرم ينظر إِلَى تِلْكَ الطوائف الَّتِي لكل طَائِفَة مِنْهَا لَيْلَة فِي الْأُسْبُوع تبيت تحرس بساحل المينا وَرُبمَا بَات لَيَال فِي الغرفة الَّتِي على بَاب مَسْجِد تربة طغية وَيقدم قدامه فانوسين أكرتين مُقَابل بَاب الْمَسْجِد الْمَذْكُور. وَتَأْتِي طَائِفَة الزراقين يطلقون النفط وَهُوَ ينظر من طيقان الغرفة الْمَذْكُورَة إِلَى الشرار الطيار واللوالب الَّتِي تَدور بألوان النَّار من الخضرة والصفرة وَالْبَيَاض والحمرة فيتحصل بذلك الانشراح من الْعشي إِلَى الصَّباح ويبتهج أَيْضا بنظره إِلَى كَثْرَة الْخَلَائق المنتشرة على السَّاحِل من الرُّمَاة والعوام وَقد نصب لَهُم(5/104)
سوق فِيهِ من أَصْنَاف الْمَأْكُول يشْتَرونَ ويأكلون وَمن مَاء الروايا والقرب الَّتِي تحمل من الْبَلَد إِلَيْهِم يشربون. فَإِذا أَصْبحُوا انتظمت الطَّائِفَة الَّتِي باتت تحرس وَدخل الْبَلَد فِي همة وَجلد وَكَثْرَة ومدد فتجتمع لدخولهم الرِّجَال والنسوان ينظرُونَ لأقوام كزهر بُسْتَان من حسن الملابس وَبَيَاض تِلْكَ الأطالس فتزغرت لَهُم النسوان إعلانا عِنْد مشاهدتهن لَهُم عيَانًا والأبواق حِينَئِذٍ تصرخ والكوسات تدق والمزامر تزمر والأعلام منشورة والمباخر بالطيب معمورة ودخانها يفوح فتنبسط لتِلْك الروائح الأرجة كل روح وَالنَّاس فِي شرح وسرور لرؤية ذَلِك الْجَيْش المخبور المهتز لَهُ الشوارع والدور. فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك على عَادَتهم مستمرين وَفِي ثغرهم مُطْمَئِنين لَا تروعهم الْأَعْدَاء وَلَا رَأَوْا مَكْرُوها أبدا إِذا دهمهم صَاحب قبرس اللعين فِي جنده الضَّالّين وشتت شملهم أجميعن فروا مِنْهُ فِي الْبلدَانِ وَدخل الْبَلَد باطمئنان وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة والنيل منتَشر على الْبِلَاد قصد الملعون بإتيانه لتتعوق النجدة من مصر لبعد الطَّرِيق من الْجَبَل فنال الْخَبيث قَصده فِي ذَلِك الْيَوْم وَالَّذِي بعده وتحصن قبل إتْيَان النجدة. بمراكبه وَفَرح بسلامة نَفسه ومكاسبه فَلَو كَانَ بهَا أُمَرَاء مُجَرّدَة مَا نَالَ الْخَبيث مِنْهَا ثمن زردة لَكِن كَانَ ذَلِك فِي. الْكتاب مسطورا وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا. عود إِلَى ذكر كَيْفيَّة إتْيَان القبرسي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وظفره بهَا وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ظهر فِي الْبَحْر مراكب مشرقة ومغربة زعم أهل الْإسْكَنْدَريَّة أَنهم تجار البنادقة ينتظرونهم يأْتونَ بمتاجرهم على جاري عَادَتهم فِي كل سنة. وَكَانَت تجار الْمُسلمين جلبوا لَهُم من الْيمن أَصْنَاف البهار يبيعونها عَلَيْهِم ويتَعوضون عَنْهَا من متاجرهم. فَلَمَّا لم يدخلُوا لميناء بَات النَّاس فِي خوف شَدِيد بسببهم. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس أقبلته المراكب الْكَثِيرَة طالبة سَاحل الجزيرة منشورة قلاعها كالقصور الْبيض. فَصَارَ النَّاس فِي الطَّوِيل العريض من كَثْرَة لهجهم وحر وهجهم. وَتلك المراكب مقلعة آتِيَة قد مَلَأت الْبَحْر من كل نَاحيَة فَلم تزل تشق الْبَحْر كالزلزلة إِلَى أَن حطت قلاعها ببحر السلسلة وَذَلِكَ من جِهَة الْبَاب الْأَخْضَر المسدود بعد الْوَقْعَة بالجير وَالْحجر ثمَّ فتح بعد ذَلِك وَركبت علمِه أبوابه الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث المتجددة وَذَلِكَ فِي يَوْم الْوَقْعَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي ولَايَة الْأَمِير سيف الدّين الأكز بالإسكندرية وَسَيَأْتِي ذكر ولَايَته بهَا وَمَا فعل فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. نعود وَلما أرست المراكب الحربية ببحر السلسلة مبرزة عَن السَّاحِل اعْتد أهل(5/105)
الْإسْكَنْدَريَّة لِلْقِتَالِ وَالْحَرب والنزال فتعمرت القلاع الَّتِي من جِهَة الْبَحْر والجزيرة بالرماة الْكَثِيرَة وانتشر النَّاس على السُّور وَصَارَ برماة الجرخ معمور فَخرج من مراكب الفرنج قَارب يجس الميناء بقميرة فَرمى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ بِالسِّهَامِ فولى هَارِبا حَتَّى لصق بالمراكب. فَلَمَّا كَانَ بعد الْغُرُوب أوقدت الفوانيس على السُّور فضاء السُّور بِالنورِ وَبَات الْمُسلمُونَ متأهبين بالسور محدقين والعدو خانس لم يَتَحَرَّك من الْموضع الَّذِي أرسى بِهِ. وَصَارَت تِلْكَ المراكب منضمة بَعْضهَا إِلَى بعض كالطوقَ الصَّغِير فِي الْبَحْر الْكَبِير فاستهون المسلون أمره وَقَالُوا: مَا يقدر هَذَا على هَذِه الْمَدِينَة المسورة الحصينة. والقلاع المشيدة المتينة. فَلَمَّا كَانَ بعد طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة انْتَشَر على السَّاحِل بالجزيرة خلق من الْمُسلمين كَثِيرَة مِنْهُم من مَعَه سَيْفه وترسه وَمِنْهُم من مَعَه نبله وقوسه وَمِنْهُم من مَعَه رمحه وخنجره وَمِنْهُم من لَيْسَ عَلَيْهِ سوى ثَوْبه الَّذِي يستره وَبَعْضهمْ قد لبس الزرد المنضد وَبَعْضهمْ من هُوَ عاري مُجَرّد. وَكَانَت الباعة خَرجُوا من الْبَلَد بطباليهم وقدورهم ودسوتهم ملآنة بِالطَّعَامِ يبيعونه على من بالجزيرة من الْخَاص وَالْعَام وَذَلِكَ من لَيْلَة الْخَمِيس ليكسبوا مَعَايشهمْ وهم معلنون بلعن كل رَاهِب وقسيس وَذَلِكَ من غير خوف من المراكب الَّتِي رؤيت يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي الْبَحْر. ثمَّ إِنَّهُم مَا فزعوا من الإفرنج باجتماع أفروطتهم يَوْم الْخَمِيس بل صَارُوا يلعنون القبرسي كلعنهم لإبليس لأَنهم فِيمَا تقدم لَهُم من بيعهم على الطوائف الْمُتَقَدّم ذكرهم. فَكَانَ أحدهم يغْضب إِذا أنقص لَهُ الْمُشْتَرى حَبَّة أَو حبتين ويفرح إِذا غلب المُشْتَرِي بِحَبَّة وَاحِدَة فَيصير البَائِع كَمَا قَالَ الشَّاعِر: لاتغضب السوقي فبالحبة ترضيه وَأخذ الْفلس من يَده كأخذ الْفرس من فِيهِ فصاروا يشْتَرونَ من الباعة ويأكلون كَمَا كَانُوا فِي خُرُوجهمْ مَعَ الطوائف يعهدون وَلَيْسَ كل مِنْهُم مفكر فِي أسطول الإفرنج وَلَا مِنْهُ خَائِف. وَصَارَت الحرافيش والعوام يشتمون القبرسي بِالصَّرِيحِ ويسبونه بِكُل لفظ قَبِيح والقبرسي يسمعهم من مراكبه وَهُوَ سَاكن وكل من مَعَه لم ينْطق بِكَلِمَة بل كل مِنْهُم صَامت فَقيل: إِن القبرسي رمى من أَعلَى الجزيرة فِي اللَّيْل جواسيسه فِي زِيّ لِبَاس الْمُسلمين مستعربين كالشياطين فاحتاطوا بِالْمُسْلِمين متجسسين فرأوهم من لِبَاس الْحَرْب عارين فاشتروا كَمَا قيل من الْمَأْكُول وَأتوا بِهِ لصَاحب قبرس بالأسطول وَقَالُوا: لَهُ لَيْسَ بالجزيرة أحد من الشجعان وَلَيْسَ بهَا إِلَّا من هُوَ من لِبَاس الْحَرْب عُرْيَان يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَبَعْضهمْ يحْفر فِي الرمل حفائر وَبهَا ينامون فَلَمَّا كَانَ قبل الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة. أَقبلت(5/106)
العربان من كل نَاحيَة وَمَكَان قد تخللوا بالكسيان. وَكَانَت النسوان ينظرن إِلَى مراكب الفرنج من رُءُوس الكيمان الَّتِي هِيَ دَاخل السُّور المشرفة على الْقُبُور فزرغتت النسوان لتِلْك العربان. وقلن قد أَتَت الشجعان يقتلُون عباد الصلبان فصاروا يتطاردون على خيولهم تَحت الكيمان وَقد أَرخُوا لَهَا الأعنة عِنْد سماعهم الزرغتة وَتلك العربان كالمطر من كثرتهم خَارِجين من الْبَاب الْأَخْضَر. فصاروا فِي الجزيرة كالجراد الْمُنْتَشِر وكل من سرابيل الْحَرْب منتشر لَيْسَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم غير سَيْفه الأجرب وَرمحه قَاصِدا إِمَّا لقَتله أَو لجرحه فَقَالَ أحد المغاربة وَغَيره للأمير جنغرا: هَذَا عَدو ثقيل وَقد خرج النَّاس من الثغر عرايا للبلايا والمصلحة دُخُولهمْ الْمَدِينَة يتحصنون بأسوارها الحصينة. ويقاتلون من خلف الأسوار. ليظن الْعَدو أَن خلفهَا كل رجل كالأسد المغوار يذيقونه برميهم عَلَيْهِ الشدَّة. إِلَى أَن تصل من مصر النجحة فَقَالَ مِمَّن لَهُ رِبَاط بالجزيرة: قد انْصَرف على بنائِهِ أُلُوف كَثِيرَة بنيت بَين مَقَابِر الْأَمْوَات لمبيت طوائف القاعات: مَا نَتْرُك هَؤُلَاءِ الفرنج الَّذِي كل مِنْهُم رِجْس مقامر تطرق بأرجلها ترب الْمَقَابِر. قَالُوا ذَلِك خوفًا على ربطهم تخربها الفرنج إِذا نزلُوا الجزيرة بجموعهم الْكَثِيرَة. فَقَالَ عبد الله التَّاجِر لجنغرا: دُخُول الْمُسلمين الْبَلَد أصلح لَهُم فَقَالَت أَرْبَاب الرَّبْط: أَنْتُم مغاربة أخربتم بلدكم طرابلس بِأخذ الفرنج وتريدون أَن تخربوا ربط الْمُسلمين بِدُخُول الْمُسلمين الْبَلَد كَذَلِك وَلَا كَرَامَة بل نمنعهم النُّزُول من الْمركب نذيقهم بِالسِّهَامِ الْعَذَاب والرعب. ثمَّ لما كَانَ بعد وقْعَة القبرسي بِسنتَيْنِ رسم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بهدم ماتجده فِي الجزيرة من الرَّبْط والقصور احْتِرَازًا من الْعَدو أَن ينزلها فيجد مأوى يأويه ويجد مَا يشرب من صهاريجها المملوءة. بِمَاء الأمطار فهدمت تِلْكَ الرَّبْط والقصور. وَلَو كَانَ تركُوا للقبرسي الجزيرة وتحصنوا بالسور وقاتلوا من وَرَائه كل رِجْس كفور لَكَانَ الْمُسلمُونَ بتحصينهم بالثغر سلمُوا من الْقَتْل والنهب والأسر وَمَا كَانَ عَلَيْهِم من إخراب الفرنج للربط المبينة لِسَلَامَةِ الْإسْكَنْدَريَّة من أَذَى الْملَّة النَّصْرَانِيَّة فَالَّذِينَ خَافُوا على ربطهم تخربت ودورهم الَّتِي دَاخل الْبَلَد نهبت وَذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْغَيْر صائب حَتَّى حلت بهم المصائب لَكِن الْقَضَاء إِذا نزل لَا يرد وَإِذا أَرَادَ الله بِحكم نفذ قَالَ بَعضهم قَضَاء الْمُهَيْمِن لايدفع إِذا حل من ذَا لَهُ يمْنَع وَقَالَ الآخر(5/107)
وَإِذا أَرَادَ الله إِنْفَاذ القضا لم يكن فِيهِ لمخلوق مفر نعود إِلَى ركُوب أَمِير جنغرا لكَلَام أَصْحَاب الرَّبْط وَتَركه لما قَالَه لَهُ عبد الله التَّاجِر المغربي فَكَانَ جَوَاب جنغرا لعبد الله التَّاجِر الْمَذْكُور: لست أترك أحدا من الفرنج يصل إِلَى السَّاحِل وَلَو قطعت مني الْأَوْدَاج ونفذت الْمقَاتل وَإِذا أَرَادَ الله أَن يلطف بِعَبْدِهِ ألهمه حسن التَّدْبِير وَإِذا خذله شتت رَأْيه. ثمَّ إِن الفرنج صَارُوا. بمراكبهم ينظرُونَ أَحْوَال النَّاس فَلم يرَوا إِلَّا من هُوَ عَار من اللبَاس فطمعوا فيهم وزحفوا بغراب التقدمة إِلَيْهِم فَنزلت إِلَيْهِ طَائِفَة من المغاربة خَائِفين فِي المَاء ناوشوا من فِيهِ الْقِتَال وَالْحَرب و. النزال وأمسكوا الْغُرَاب بِأَيْدِيهِم وطلبوا من الزراقين النَّار ليحرقوه فَلم يَأْتِ أحد بشرارة وَذَلِكَ لقلَّة همتهم وتهاونهم وغفلتهم فاستعجلوهم بالنَّار فرموا. بمدفع فِيهِ نَار كنار الحلفاء فَوَقع فِي المَاء فانطفأ. ثمَّ إِن المغاربة وَأَصْحَاب الْغُرَاب ضربوا بَعضهم بَعْضًا بِالسُّيُوفِ إِلَى أَن قتلت المغاربة فِي تِلْكَ الْمُحَاربَة فَحِينَئِذٍ دخل الْغُرَاب السَّاحِل وَتَبعهُ آخر كَانَ يَرْمِي بِالسِّهَامِ. فَلَمَّا دخلا الْبر تَتَابَعَت الْغرْبَان داخلي من أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة فَنزلت الفرنج سَرِيعا من مراكبها بخيلها ورجالها وَقت ضحى نَهَار يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الْبر فرمت الخيالة الْمُسلمُونَ يقدمهم أَصْحَاب الدرق وَالسُّيُوف مشَاة على الْأَقْدَام. فَلَمَّا رَأَتْ الباعة الطَّعَام الَّذين كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم يخَاف على الْحبَّة والحبتين ترك ماعونه وهرب حافيا بِغَيْر نَعْلَيْنِ فَمنهمْ من نجا من الْكَفَرَة وَمِنْهُم من صَارَت هامته على الأَرْض مكركرة. وَكَانَت الفرنج مسربلة بالزرد النضيد متجلية بصفائح الْحَدِيد على رُءُوسهم الخوذ اللامعة وبأيديهم السيوف القاطعة قد تنكبوا القسي المولَودة ورفعواأعلام الصلبان المنشورة. وصاروا يرْمونَ على الْمُسلمين فارتشقت سِهَامهمْ فِي أهل الْإِيمَان وَفِي خُيُول العربان فهاجت بهم تِلْكَ الْخُيُول فِي كل جِهَة وَمَكَان فَانْهَزَمُوا إِلَى نَاحيَة السُّور. فَصَارَ جَيش الْمُسلمين بهزيمة العربان مكسور وَلَا عَادوا قابلوا الفرنج الْكلاب بل دخلُوا الْبَلَد عابرين من الْأَبْوَاب. وَكَانَت الفرنج(5/108)
لابسين الْحَدِيد من الْفرق إِلَى الْقدَم والمسلمون كَاللَّحْمِ على وَضم فَكيف يُقَاتل اللَّحْم الْحَدِيد وَكَيف يبرز العاري لمن كسى الزرد النضيد فانهزمت الْمُسلمُونَ وَوَلَّتْ وَمن الْكفَّار فرت فَقَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك: قد ولت الْمُسلمُونَ لما باللبس وافاهم جنود وَكَيف لايهربنون مِنْهُم وَالنَّاس لحم وهم حَدِيد ثمَّ إِن أهل الْإسْكَنْدَريَّة لما رأو مَا لم يعهدوه أبدا وَلَا شاهدوه على طول المدى رجفت مِنْهُم الْقُلُوب وَصَارَ كل وَاحِد من عقله مسلوب وَلما رأو من الرُّءُوس الطائرة والخيول الغائرة فتزاحموا فِي الْأَبْوَاب بَعضهم على بعض فصاروا موتى بالطول وَالْعرض وَثَبت بعض النَّاس وَقَاتل وَهُوَ مُجْتَهد حَتَّى قتل من الفرنج مَا تيَسّر لَهُ قبل أَن يستشهد. قيل إِن مُحَمَّد الشريف الجزار هجم على الفرنج بساطور المجزرة جعل عِظَام جمَاعَة مِنْهُم مكسرة وَهُوَ يَقُول: الله أكبر قتل من كفر إِلَى أَن تكاثرت عَلَيْهِ مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة فاستشهد - رَحمَه الله - بالجزيرة وروى بعض فُقَهَاء الْمكَاتب يعرف بالفقيه مُحَمَّد بن الطفال - وَهُوَ قَاصد الفرنج بِسَيْفِهِ فَقيل لَهُ تَمُوت يَا فَقِيه مُحَمَّد فَقَالَ إِذا أسعد وأصير مجاورا للنَّبِي مُحَمَّد وَأي موتَة أحسن من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله لأصير إِلَى الْجنَّة وهجم فيهم فَصَارَ يَضْرِبهُمْ ويضربونه إِلَى أَن رزق الشَّهَادَة وَختم لَهُ بالسعادة. نعود إِلَى ذكر من قَاتل بالجزيرة من الْمُسلمين للفرنج الْكَافرين. وَذَلِكَ أَن جمَاعَة من رُمَاة قاعة القرافة المتطوعة. لما حوصروا فِي الرِّبَاط الَّذِي عمره لَهما الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلام خَارج بَاب الْبَحْر بالجزيرة بِسَبَب مبيتهم فِيهِ وصلواتهم وَذكرهمْ لَيْلَة خُرُوج طائفتهم ترابط بِهِ وَكَانَ بِنَاؤُه قبل الْوَقْعَة مَا يزِيد على سنة قيل وَذكرهمْ لَيْلَة خُرُوج طائفتهم ترابط بِهِ وَكَانَ بِنَاؤُه قبل الْوَقْعَة مَا يزِيد على سنة قيل إِنَّه انْصَرف على عِمَارَته ثَمَانمِائَة دِينَار فَلَمَّا تكاثرت الفرنج حول الرِّبَاط صَارَت رُمَاة(5/109)
الْمُسلمين فِي أعلاء يرْمونَ على الفرنج بسهامهم فَقتلُوا من الفرنج جمَاعَة. فَلَمَّا نفدت سِهَامهمْ عَمدُوا إِلَى شرفات الرِّبَاط صَارُوا يهدمونها ويرمون الفرنج بأحجارها إِلَى أَن نفذت حِجَارَة الشراريف مِنْهُم. فَانْقَطع رميهم فَكسرت الفرنج شبابيك الرِّبَاط الْمَذْكُور وصعدوا إِلَيْهِم فَلَمَّا صَارَت الفرانج مَعَهم صاحوا بأجعهم يَا مُحَمَّد وصمتوا فَلم يسمع لَهُم بعد ذَلِك صَوت. أخبر عَنْهُم بذلك عبد الله بن الْفَقِيه أَبُو بكر قيم مَسْجِد الْقشيرِي كَانَ مختفيا بصهريج الْمَذْكُور فذبحتهم الفرنج عَن آخِرهم بخناجرهم فَصَارَت أدميتهم تجْرِي من ميازيب الرِّبَاط الْمَذْكُور كجري الأمطار حِين أَبَانهَا فِيهَا. وَقيل كَانَ عدد المذبوحين فَوق السَّطْح الرِّبَاط من الْمُسلمين زِيَادَة على الثَّلَاثِينَ فطوبى لَهُم إِذْ رزقوا الشَّهَادَة وَختم لَهُم بالسعادة. فَلَمَّا رَجَعَ من خرج من الْإسْكَنْدَريَّة فَارًّا من الفرنج من أَبْوَاب الْبر - كَمَا سَيَأْتِي ذكر صفة فرارهم - وعاينوا الْقَتْلَى المطروحين بِالْأَرْضِ دَاخل الْبَلَد وخارجه بالجزيرة. وقصدوا رِبَاط ابْن سَلام المذكرر فَرَأَوْا تَحت الميازيب دِمَاء كَثْرَة جامدة فَصَعِدُوا إِلَى سطحه فوجدوا الرُّمَاة ذَبَحُوا. وبالجنة قد فرحوا وربحوا فَحَفَرُوا لَهُم خَارج الرَّبْط قبرا متسعا ودفنوهم فِيهِ رَحْمَة الله عَلَيْهِم. فَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي أمثالهم: وِقاتَلوا وَقتلُوا لأكفِرن عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلنهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ثَوابًا من عِنْد الله وَالله عِنْده حسن الثَّوَاب قَالَ الْمُؤلف - غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين أجعين -: حَدثنِي الشَّيْخ الصَّاع أَحْمد بن النشاء - شيخ رُمَاة قاعة القرافة بالإسكندرية - قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد الْخياط بعد قدومه من مَدِينَة قبرص مَعَ من حَضَرُوا من أسَارِي الْإسْكَنْدَريَّة الراجعين إِلَيْهَا مِنْهَا. قَالَ: كنت مَعَ رُمَاة الْمُسلمين على سطح رِبَاط ابْن سَلام. حِين صعدت الفرنج إِلَيْنَا فصاروا يذبحون الرُّمَاة وَأَنا أَضْطَرِب من الْخَوْف فتركوني حَيا لصِغَر سني وَأما حُسَيْن البياع فَإِنَّهُم لما قصدُوا ذبحه. ضحك لَهُم فَضَحكت الفرنج بضحكه: وَقَالُوا: اتركوه لِأَنَّهُ ضحك مَوضِع الْخَوْف فَأَسَرْنَا نَحن الْإِثْنَيْنِ فَحزن حُسَيْن بعد ذَلِك وَبكى. وَلما رأى الشَّيْخ مُحَمَّد بن سَلام مَا فعل برباطه من بَابه وشبابيكه النّحاس وَكسر قناديله. وَحرق سقف إيوانه وَقتل رُمَاة الْمُسلمين بِهِ بَكَى وتألم على مَا رأى وَشَاهد. فسد حِينَئِذٍ شبابيكه وبابه بِالْحِجَارَةِ. ثمَّ أَنه عمره ثَانِيًا سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة فَصَارَ كَمَا كَانَ أَولا لكنه أقنى سقف إيوانه بِالْحِجَارَةِ لَا بالخشب حَتَّى لَا يصير للنار(5/110)
فِيهِ عمل إِن حدث أَمر. نعود إِلَى ذكر خبر الْإسْكَنْدَريَّة: وَذَلِكَ أَن الْأَمِير جنغرا الْمُتَقَدّم ذكره لما رأى النَّاس فروا من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وشماله بلذع سِهَام الفرنج والتذع هُوَ أَيْضا بهَا وسال دَمه من نصلها. نَدم على مُخَالفَته لقَوْل الْقَائِل: أَدخل النَّاس ليتحصنوا بأسوارها الحصينة يقاتلوا الفرنج الْكفَّار بسهامهم من كوى الأسوار. إِلَى أَن تَأتي النجدة فِي أقرب مُدَّة ليزول بحضروها عَن الْمُسلمين الشدَّة. فتيقن حِينَئِذٍ أَن عدم خُرُوجهمْ من الْأَبْوَاب كَانَ عين الصَّوَاب وَأَن الَّذِي أَشَارَ بِعَدَمِ دُخُولهمْ الْبَلَد كَانَ فِيهِ أَلِيم الْعَذَاب وَصَارَ كل مِنْهُم بالفرار مركون بِبَلَد البسلقون وبلد الكريان وَغَيرهمَا من الْبِلَاد الدانية والبعاد. ثمَّ إِن جنغرا قصد نَاحيَة المطرق المحاذي لدار السُّلْطَان غربي الْإسْكَنْدَريَّة من ظَاهر سورها خائضا بفرسه فِي المَاء وَمن مَعَه من الْمُسلمين فَدخل الْإسْكَنْدَريَّة من بَاب الخوخة. فَأتى بَيت المَال أَخذ مَا كَانَ فِيهِ من ذهب وَفِضة وأخرجها من بَاب الْبر وَأمر بتجار الفرنج وقناصلهم - وَكَانُوا نَحْو خمسين بالإسكندرية مقيمين - أخرجهم من بَاب الْبر ووجههم إِلَى نَاحيَة دمنهور بعد أَن امْتَنعُوا من الْخُرُوج مَعَ الجبلية المرسمين عَلَيْهِم. فَعِنْدَ ذَلِك ضرب أحد الجبلية عنق إفرنجي مِنْهُم بِسَيْفِهِ فحين رَأَوْا ذَلِك خَافُوا أَن تضرب أَعْنَاقهم فأذعنوا بِالْخرُوجِ سرحة فَخرجت الجبلية بهم مسلسلين إِلَى جِهَة دمنهور. وَكَانَ خُرُوجهمْ بهم حِين انضمام الْعَدو إِلَى الْقرب من السُّور فرمتهم الْمُسلمُونَ من أَعلَى السُّور بِالسِّهَامِ فَلم يقدروا على الْوُصُول إِلَيْهِ. ثمَّ إِن الفرنج عَمدُوا إِلَى بتية خشب مَاؤُهَا حريقا وقصدوا بهَا حرق بَاب الْبَحْر بكركرتها بأسنة الرماح فتتابعت عَلَيْهِم السِّهَام من أَعلَى السُّور فَقتل من الفرنج جمَاعَة فحاروا فِي أَمرهم مَاذَا يَفْعَلُونَ فتركوا البتية تتقد بنارها بَعيدا من الْبَاب وَرَجَعُوا إِلَى نَاحيَة الميناء الشرقية ونظروا فَلم يَجدوا على السُّور من تِلْكَ الْجِهَة أحدا. وَلَا ثمَّ خَنْدَق يمْنَع من الصعُود إِلَى السُّور فدرجوا إِلَى جِهَة بَاب الدِّيوَان أحرقوه ودخلوا مَعَ مَا نصبوا هُنَاكَ من السلالم الْخشب المفصلة صعدوا عَلَيْهَا السُّور فَلَمَّا رَآهُمْ الْمُسلمُونَ الَّذين على السُّور من الْبعد قد صعدوه وَبينهمْ وَبَين الفرنج قلعة عالية غير نَافِذَة إِلَيْهِم شردوا طَالِبين النجَاة مِنْهُم لكثرتهم ولتحققهم بِأَن الفرنج ملكت الْبَلَد فَقتل من الْمُسلمين من أَدْرَكته الفرنج وَسلم مِنْهُم من خرج من أَبْوَاب الْبر فَلَو كَانَ السُّور الَّذِي يَلِي الْبَحْر(5/111)
معمراً بِالرِّجَالِ من جِهَة الدِّيوَان والصناعة سلمت مِنْهُم الْإسْكَنْدَريَّة وَإِنَّمَا قَالَ شمس الدّين بن غراب كَاتب الدِّيوَان وشمس الدّين بن أبي عذيبة النَّاظر أغلقوا بَاب الدِّيوَان الَّذِي يَلِي الْبَلَد لِئَلَّا تنقل التُّجَّار بضائعها مِنْهُ إِلَى الْبَلَد فتضيع الْحُقُوق الَّتِي عَلَيْهَا. فقفل الْبَاب فَلذَلِك امْتنعت الرُّمَاة من تِلْكَ الْجِهَة من السُّور فبذلك رأى الْعَدو جِهَة خَالِيَة وَدخل الْبَلَد مِنْهَا. وَقيل إِن ابْن غراب الْمَذْكُور كَانَ متعاملا مَعَ صَاحب قبرس عَلَيْهَا وَأَن صَاحب قبرس أَتَاهَا قبل الْوَقْعَة فِي زِيّ تَاجر أَواه ابْن غراب الْمَذْكُور مُدَّة فَصَارَ القبرسي يتمشى بِالْبَلَدِ فِي جملَة الفرنج الَّتِي بهَا تجارًا وَهُوَ يكيفها وَينظر أَحْوَال النَّاس. فَلَمَّا علم ذَلِك بعد الْوَقْعَة وسط الْأَمِير صَلَاح الدّين بن عرام بعد قدومه من الْحجاز شمس الدّين بن غراب وعلقه قطعتين على بَاب رشيد. فَلَو فتح بَاب الدِّيوَان الَّذِي على الْبَلَد قَاتَلت الْمُسلمُونَ الفرنج من أَعلَى سوره ووجدوا مَا يقوتهم بِالْأَكْلِ من نقل الشَّام. وَكَانَت أَصْحَاب البضائع تحرسها ويطعمون مِنْهَا الْمُجَاهدين. فَلَمَّا لم يكن للأمير جنغرا رأى صائب وقفل ابْن غراب والناظر لباب الدِّيوَان أخذت الفرنج الْبَلَد مِنْهُ ونفذت الْمَقَادِير من كل كَبِير من أهل الثغر وصغير فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من أسر وَمِنْهُم من سلم وَمِنْهُم من كسر وَمِنْهُم من هرب بعد أَن ألْقى سلاحه واضطرب وَمِنْهُم من ترك وَطنه وتغرب وَمِنْهُم من ازْدحم فِي الْأَبْوَاب وَمَات وَمِنْهُم من افْتقر وبلى بالشتات فَمَا أسْرع مَا أَخذ الثغر وَمَا أعجل مَا انكوت قُلُوب أَهله بالجمر ظَفرت بِهِ الفرنج فِي الْيَوْم الَّذِي نزلُوا فِيهِ من مراكبهم إِلَى الْبر وَلَا أمسك بالحصار يَوْمَيْنِ بل أَخذ من الْمُسلمين فِي ساعتين وَقيل إِن الْحصار للمدن والحصون تمسك السّنة والسنتين. فَلَمَّا دخل الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير الأتابكي يلبغا الخاسكي بعد الْوَقْعَة قيل لَهُ ذَلِك فَقَالَ: إِذا كَانَ النخال حفظ جِهَته فَكيف لَو كَانَ دَقِيقًا أَو سويقاً. كَانَ يحمي الْبَلَد وَلم يدْخل إِلَيْهِ من الإفرنج أحد وَكَانَ فرار أهل الْإسْكَنْدَريَّة من الفرنج من بَاب السِّدْرَة وَبَاب الزُّهْرِيّ وَبَاب رشيد بعد زحام شَدِيد فَمنهمْ من أَدْرَكته الفرنج بِبَاب السِّدْرَة فَقتلته وَمِنْهُم من أسرته وَمِنْهُم من نزل من السُّور فِي الحبال والعمائم فَعَطب العاطب وَسلم السَّالِم وصعدت الفرنج على أَعلَى بَاب السِّدْرَة. نصبت عَلَيْهِ الصلبان وَصَارَ كل وَاحِد من الْمُسلمين بِرُؤْيَتِهِ للفرنج كالهائم الولهان(5/112)
وَكَانَ خُرُوج أهل الْإسْكَنْدَريَّة من الْأَبْوَاب من أعجب العجاب وَذَلِكَ لازدحامهم. وهلاك بَعضهم من قُوَّة الزحمة. وَفِي ذَلِك الْوَقْت نزعت من قُلُوبهم الرَّحْمَة فَخرج من الْأَبْوَاب أُلُوف مؤلفة بتوحيد الله معترفة فامتلأت مِنْهُم الْغِيطَان والبلدان وَنهب بَعضهم العربان وغلا السّعر بَينهم مَا جلبته الباعة إِلَيْهِم من الْبلدَانِ فباعوا الغالي بالرخيص وَصَارَ كل مِنْهُم على تَحْصِيل الْقُوت حَرِيص وَلَا أمكنهم ترك الْقُوت لزِيَادَة الغلاء وَلَا رجعُوا إِلَى قَول الشَّاعِر فِي بَيته السائر بَين الْمَلأ وَهُوَ: وَإِذا غلا شَيْء على تركته فَيكون أرخص مَا يكون إِذا غلا ثمَّ إِنَّه لما حصل الغلاء بَين أهل الْإسْكَنْدَريَّة الَّذين فروا من الْملَّة النَّصْرَانِيَّة وَمِنْهُم من بَاعَ مَا عَلَيْهِ من فوطة وفاضل قَمِيص وَمِنْهُم من بَاعَ مَا يتدفأ بِهِ من جُبَّة وفرو مصيص وَذَلِكَ لخروجهم من بلدهم سرعَة وليسمع بَعضهم دِرْهَم وَلَا قِطْعَة بل تركُوا دِيَارهمْ مغلقة الْأَبْوَاب كسرتها ورتعت فِيهَا الإفرنج الْكلاب فنهبتها من الحوانيت والفنادق. وحملت مَا فِيهَا على الْجمال وَالْبِغَال وَالْحمير والأيانق ثمَّ قتلوا من اختفي عِنْد مصادفتها لَهُ من كَبِير وصغير وعرقبوا الْمَوَاشِي فَمنهمْ هَالك وكسير. ثمَّ إِنَّهُم أحرقوا القياسر والخانات وأفسدوا النسوان وَالْبَنَات وَكسر كل علج مارد قناديل الْجَوَامِع والمساجد وعلقوا على السُّور أَعْلَام الصلبان وأسروا الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدن وَقتلُوا كل شيخ عَاجز. حَتَّى المجانين والبلهاء والعجائز وَضاع للنَّاس فِي خُرُوجهمْ من أَبْوَاب الْمَدِينَة مَا استخفوا حمله من ذهب ومصاغ للزِّينَة وَذَلِكَ من قُوَّة الزحمة وَطلب النجَاة بِقُوَّة يتمه فَمن النَّاس من خرج. بِمن كَانَ مَعَه وَمِنْهُم من ضَاعَ مَا مَعَه فِي تِلْكَ الزحمة المفظعة وَمِنْهُم من ضَاعَ مَاله الَّذِي خرج بِهِ بَين الْأَبْوَاب وَصَارَ من ضيَاعه فِي حسرة واكتئاب قيل إِن بعض تجار الْأَعَاجِم خرج من بَاب رشيد وَمَعَهُ جراب فِيهِ سِتَّة آلَاف دِينَار فَمن قُوَّة الزحمة فِي الْبَاب سقط من بَين يَدَيْهِ بعد أَن كَانَ قَابِضا عَلَيْهِ فَمَا قدر على الانحناء يَأْخُذهُ من الأَرْض من قُوَّة ازدحام النَّاس بَعضهم لبَعض بل رَفعه من كَانَ خَلفه فَخرج صَحِيح الْبدن من الْبَاب مَجْرُوح الْقلب من ضيَاع الجراب فتفتت أكباده وَعدم نَومه ورقاده وَصَارَ إِلَى الْجُنُون انقياده وَزَالَ عَنهُ عقله ورشاده وَصَارَ يستغيث فَلَا يغاث وَنحل جِسْمه حَتَّى صَارَت عِظَامه كالرفات ثمَّ حصل لَهُ بذلك الضَّرَر والبؤس لما أحاطت بِهِ العكوس والنحوس فَصَارَت الأحباب تلومه على ضَيْعَة الجراب فَأَنْشد من لوعة الاكتئاب: إِذا كنت ألْقى الْبُؤْس عِنْد أحبتي ترى عِنْد أعدائي يكون دوائي(5/113)
ثمَّ إِن الفرنج فعلوا بالإسكندرية مَا تقدم ذكره من نهب بعد كسر وَقتل وإحراق من عصر يَوْم الْجُمُعَة إِلَى أخر يَوْم السبت ثَانِيه. وَكَانَ مِمَّا أحرقوه حوانيت الْحَرْف بكمالها وسوق القشاشين بالمعاريج والحوانيت الملاصقة لقيسارية الْأَعَاجِم من خَارِجهَا من الْجِهَة الشرقية وحوانيت شَارِع المرجانيين وَبَعض فنادقه وفندق الطبيبة مَعَ فندق الجوكندار وفندق الدماميني الَّذِي يَسُوق الْجوَار ووكالة الكنان الْمُقَابلَة لجامع الجيوشي بِالْقربِ من العطارين مَعَ سوق الخشابين. وأحرقوا أَيْضا درابزي مدرسة ابْن حُبَاشَة مَعَ سقف الإيوان وعبثوا بِكُل نَاحيَة وَمَكَان وأحرقوا بَاب مدرسة الْفَخر الْقَرِيبَة من بَاب رشيد وعبث بإحراق بعض حوانيت المحجة كل علج مُرِيد. ذكر لي شيخ يسكن بِالْحجَّةِ قَالَ: كنت مختفيا بِأَعْلَى دَاري فِي مَكَان أنظر من كوَّة صَغِيرَة فَرَأَيْت الفرنج يأْتونَ إِلَى الْحَانُوت المغلق الْبَاب فيمد أحدهم على بَابه خطة سَوْدَاء ويخط من فَوْقهَا خطة حَمْرَاء ويلقم الْخط النَّار فيلتهب الْبَاب بِسُرْعَة قيل إِن الفرنج يستصحبون مَعَهم حلق الحراقات المغموسة بالزيت والقطران والزفت والنفط فَيَضَع أحدهم الْحلقَة الْوَاحِدَة فِي نصل السهْم الْمَوْضُوع على متن قَوس الركاب ويلقم الْحلقَة النَّار ويفك الْوتر من الْحَوْزَة فيخرح السهْم صاعداً إِلَى السّقف يوكز فِيهِ فليتهب الْخشب بِسُرْعَة فَينزل إِلَى الأَرْض يحرق كل مَا فِي الْبَيْت مِمَّا لَيْسَ تحملهم بِهِ حَاجَة. يَفْعَلُونَ ذَلِك نكاية للْمُسلمين. لعنة الله على الفرنج أَجْمَعِينَ. نعود إِلَى ذكر مَا فعلته الفرنج بالإسكندرية: ثمَّ إِن الملاعين أحرقوا فندق الكيتلانيين وفندق الجنويين وفندق الموزة وفندق الموسليين فَصَارَت النَّار تعْمل فِي البندق والبضائع الَّتِي لم تَجِد لَهَا محملًا مَعَهم لإشحان مراكبهم مِمَّا أَخَذُوهُ من أَمْوَال الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ كسرت الفرنج أَيْضا حوانيت الشماعين والبياعين بعد نهب قياسر البزازين وكسروا مَا فِيهَا من الأوعية والأواني والأحقاف والبراني فَصَارَت ملقاة(5/114)
مطروحة فِي الطرقات قد سَالَ مَا فِيهَا من زَيْت وَعسل وَسمن وَغير ذَلِك وكسروا أَيْضا حوانيت الصاغة وَأخذُوا مَا فِيهَا من مَال ومصاغ كَمَا أخذُوا من حوانيت الصّرْف مَا كَانَ بهَا من دَنَانِير ودراهم ونهبوا أقمشة التُّجَّار المصريين والشاميين المخزونة الْمَبِيعَة للسَّفر بهَا لمصر وَالشَّام ونهبوا أَيْضا الْحَدِيد الَّذِي قدمت بِهِ تجار الْأَعَاجِم وَغَيرهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَت عدَّة قناطير ونهبوا من الدّور الْأَمْوَال والأقمشة والمصاغ والفرش والبسط والنحاس وَغَيره وَأخذُوا مَعَهم بَاب الْمنَار الَّذِي كَانَ عمره الْأَمِير صَلَاح الدّين عرام قبل الْوَقْعَة على الأساس الَّذِي كَانَ أسسه الْملك الْمَنْصُور قلاوون وَبَطل عِمَارَته فَعمل ابْن عرام عَلَيْهِ حصنا دائراً ثمَّ أخذت الفرنج أَيْضا شبابيك قبَّة طغية انتي بالجزيرة وأحرقوا سقف الرَّبْط الَّتِي بهَا وَهِي الَّتِي خَافَ عَلَيْهَا أَصْحَابهَا من الإفرنج قبل نزُول الفرنج من مراكبهم وكسروا قناديلها وقناديل المزارات وأفسدوا قُصُور الجزيرة وتربها وكسروا أعمدة قبَّة مِنْبَر مصلى الْعِيد وعمودي ضريح قبَّة تربة الْأَمِير طغية والأمير بلاط واللذين فيهمَا تَارِيخ وفاتهما. وَكَانَا مموهين بِالذَّهَب واللازورد وقلعوا حلقتي بَاب الْمدرسَة الخلاصية الَّتِي عمرها نور الدّين بن خلاص وَكَانَا من النّحاس المخرم فَعمل لباب الْمَذْكُورَة غَيرهمَا بعد أشهر من حِين الْوَقْعَة وَأخذُوا مِنْهَا كرْسِي الربعة وبيتها وَكَانَا من النّحاس الأندلسي المخرم الْمنزل فيهمَا اليقات الْفضة بدائرها لم ير مِنْهَا حسن صَنْعَة وتدقيق وتخريم وَتركُوا أَجزَاء الربعة الْمَذْكُورَة الثَّلَاثِينَ جُزْءا مطروحة بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة لَا يَأْخُذُوا جُزْءا وَاحِدًا وصعدوا صومعة الْمدرسَة النابلسية فوجدوا فِيهَا جمال الدّين ابْن بانيها مختفيا مِنْهُم بهَا وَكَانَ شَيخا كَبِيرا ضَعِيف البنية فألقوه على رَأسه من أَعْلَاهَا إِلَى الأَرْض فاندقت عُنُقه. فَمَاتَ شَهِيدا رَحمَه الله. وَقتلُوا من وجدوه بالجوامع والمشاهد(5/115)
وَأَقَامُوا بالإسكندرية العرابد فَقتلُوا النَّاس فِي الدّور والحمامات والشوارع والخانات وَكَانَت الفرنج تخرج بالنهب من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى مراكبهم على الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير فَمَا فرغوا من النهب. وقضوا إربهم من الْبَلَد طعنوها بِالرِّمَاحِ وعرقبوها بالصفاح فَصَارَت مطروحة بالجزيرة والبلد لم يعلم لَهَا عدد فَهَلَكت وجافت فأحرقها الْمُسلمُونَ بالنَّار لتزول رَائِحَة جيفها. ثمَّ إِن الفرنج تحَصَّنُوا. بمراكبهم بعد وقرها وإشحانها. بِمَا نهبوه وَكَانَت تزيد على سبعين مركبا وَتركُوا بالسَّاحل فضلات البهار الَّتِي لم يَجدوا لَهَا محملًا فَرجع إِلَى أربابه من وجد عَلامَة عَلَيْهِ أَخذه ثمَّ إِن مراكب الفرنج ثقلت. بِمَا فِيهَا فصاروا يلقون مَا فِيهَا فِي الْبَحْر - على مَا قيل - لتخف من كَثْرَة الوسق وَكَانَ الغواصون يرفعون النّحاس وَغَيره بِنَاحِيَة أَبُو قير وَلَوْلَا لطف الله تَعَالَى بعباده بحرقهم بَاب رشيد وَبَاب الزيَادي كَانَت الفرنج ملكت الْبَلَد وَحصل التَّعَب فِي خلاصه كَمَا حصل فِي طرابلس الغرب ومدينة أنطاكية ببر التركية وَسَيَأْتِي فِيمَا يرد من هَذَا الْكتاب ذكر ظفر الفرنج بهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ولطف الله تَعَالَى بعباده الْمُسلمين فِي عدم معرفَة الفرنج لقصر السِّلَاح الَّذِي بالموضع الْمَعْرُوف بالإسكندرية بالزريبة لَو فهموه أحرقوا جَمِيع مَا فِيهِ من السِّلَاح المدخر من عهد الْمُلُوك السالفة. رَحْمَة الله عَلَيْهِم فَلَقَد وضعُوا فِيهِ من الأسلحة الْكَثِيرَة مَا لَيْسَ لعددها حصر ذكر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد شيخ رُمَاة قاعة القرافة المرصدة لسلاح الْجِهَاد المتطوع بِهِ: بهَا سِتُّونَ ألف سهم من بعض السِّهَام الَّتِي فِي أحد بيُوت قاعة من قاعاته قيل إِن فِيهِ عدَّة قاعات فِي كل قاعة عدَّة بيُوت فِي كل بَيت آلَاف مؤلفة من السِّهَام إِلَى غَيرهَا من السيوف والرماح والمزاريق والأتراس والخوذ والقنابر والزرد والزرديات والأطواف والقرقلات والسواعد والركب والساقات والأقدام الْحَدِيد والقسي الملولبة والجرخ والركاب والأعلام مَا لَا ينْحَصر بلأقلام. ثمَّ فِيهِ أَيْضا من حِجَارَة العلاج والمدافع والنفط وحيل الحروب ومكايدها كثيرا فَلَو علمت بِهِ الفرنج أحرقته سَرِيعا فَحصل اللطف الْكَبِير من اللَّطِيف الْخَبِير لعدم معرفتهم إِيَّاه بعد أَن أَتَوا إِلَى بَابه ظنُّوا أَنه أحد أَبْوَاب الْمَدِينَة خَافُوا من كسر بَابه ليَكُون وَرَائه كمين يطبق عَلَيْهِم. قَالَ الْمُؤلف - غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين أَجْمَعِينَ - حَدثنِي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف حارس الْقصر الْمَذْكُور - وَيعرف بِابْن قراجا - قَالَ: كنت فِيهِ. بمفردي لما دخلت الفرنج الْإسْكَنْدَريَّة فأغلقت بَابه وقرأت حزب سَيِّدي الشَّيْخ الصَّالح أبي الْحسن الشاذلي وَإِذا بالفرنج أَتَوا إِلَى الزريبة فيهم خيالة وَمُشَاة وَكنت صعدت أَعلَى الْقصر فعدت أنظر إِلَيْهِم من شقوق فِي حَائِط فطلع(5/116)
بَعضهم على زلاقة بَابه وصاروا يتشاورون فِي أمره وَكنت أَعدَدْت لنَفْسي مَكَانا أختفي فِيهِ إِن دَخَلُوهُ وَلَكِن خفت بِأَن يحرقوه فَأهْلك بالنَّار فوفقوا سَاعَة وتركوه ومضوا فَرَأى أحدهم صَبيا بالزريبة يعدو سَرِيعا حِين معاينته لَهُم فَعدى الإفرنجي فَلَمَّا أحس بِهِ الصَّبِي ووقف باهتا من الْخَوْف فَضَربهُ الإفرنجي فَالتقى الصَّبِي الضَّرْبَة بِيَدِهِ الْيُسْرَى. فطارت يَده إِلَى الأَرْض ثمَّ ضربه ضَرْبَة أُخْرَى على عانقه فَوَقع على شقَّه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَمضى وَتَركه. فَصَارَ الصَّبِي ينمق الذُّبَاب بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَن وَجهه وجراحه وَهُوَ رَاقِد وَمَا أمكنني النُّزُول إِلَيْهِ من الْقصر خوفًا من رُجُوع الفرنج إِلَى الزريبة فَصَارَ الصَّبِي مطروحا بِالْأَرْضِ إِلَى أَن مَاتَ شَهِيدا رَحمَه الله. انْتهى. نعود إِلَى ذكر مَا أحرقته الفرنج أَيْضا بالإسكندرية: وَذَلِكَ أَنهم أحرقوا أَبْوَاب الْبَحْر الأولى وَالثَّانِي وأبواب الْبَاب الْأَخْضَر الثَّلَاثَة وَبَاب الخوخة والمجانيق الَّتِي كَانَت بالصناعتين الشرقية والغربية وَكَانَ أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَقت هزيمتهم خرقوا إغربة كَانَت بالصناعة الشرقية لِئَلَّا تأخذها الفرنج فَلَمَّا رأتها الفرنج محروقة أحرقتها بالنَّار ثمَّ أحرقت الفرنج أَيْضا دَار الطّراز والديوان بعد أَن أخفوا مَا فِي دَار الطّراز من الاستعمالات الرفيعة الْأَثْمَان وأحرقوا أَيْضا قلعة ضرغام وَالْمَكَان الْمَعْرُوف بالمكدس وَكَانَ برسم الاستعمالات أَيْضا. وَكَانَت مُدَّة إِقَامَة الفرنج من حِين أَتَوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وظفروا بهَا إِلَى آخر من سَافر مِنْهُم ثَمَانِيَة أَيَّام وَذَلِكَ أَنهم أتوها يَوْم الْخَمِيس حادي عشْرين الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وسافر آخِرهم يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ سَبَب إقامتهم تِلْكَ الْأَيَّام لينظروا من الْبَحْر من يَأْتِي من الْبحيرَة من مصر. فَلَمَّا عاينوا وهم. بمراكبهم العساكر أَقبلت كالجراد الْمُنْتَشِر يقدمهَا الْأَمِير الأتابكي يلبغا الخاسكي سافروا. السُّلْطَان صَلَاح زين الدّين أَبُو الْجُود حاجي بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاون الألفي(5/117)
أقيم فِي السلطنة ثَانِي يَوْم مَاتَ أَخُوهُ الْمَنْصُور وَقد اجْتمع الْأَمِير الْكَبِير برقوق والأمراء بالقلعة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه واستدعوا الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة إِلَى بَاب الستارة وأحضر إِلَيْهِم أَوْلَاد الْملك الْأَشْرَف شعْبَان وهم إِسْمَاعِيل وَأَبُو بكر وحاجي فَوَقع الِاخْتِيَار على حاجي - فَإِنَّهُ أكبرهم - فَحَلَفُوا لَهُ وَبَايَعَهُ الْخَلِيفَة. ثمَّ أركب من بَاب الستارة بشعار السلطنة والأمراء فِي ركابه مَشاهُ حَتَّى صعد الإيوان فأجلس على تخت الْملك ولقب بِالْملكِ الصَّالح وَمد السماط بَين يَدَيْهِ ثمَّ عبروا بِهِ إِلَى الْقصر فأجلس بِهِ وخلع على الْخَلِيفَة وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان الْملك الصَّالح. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: أَجْلِس السُّلْطَان بدار الْعدْل وعملت الْخدمَة على الْعَادة فَلَمَّا دخل إِلَى الْقصر بعد الْخدمَة حضر الْخَلِيفَة والقضاة ومشايخ الْعلم وَقَرَأَ عهد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان على الْأُمَرَاء وَكتب عَلَيْهِ الْخَلِيفَة خطه وَشهد فِيهِ الْقُضَاة عَلَيْهِ ثمَّ خلع على الْقُضَاة وَكَاتب السِّرّ والوزير وَفِيه خلع الْوَزير على يُوسُف بن الْمُقدم مُحَمَّد بن يُوسُف وَاسْتقر مقدم الدولة عوضا عَن أَحْمد العظمة باستعفائه. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: مَاتَ الْمُقدم سيف تَحت الْعقُوبَة وَلم يخلف بعده فِي مَعْنَاهُ وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول: خلع على تَاج الدّين بن وَزِير بَيته مُسْتَوْفِي الْخَاص وَاسْتقر فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن مجد الدّين بن الْبُرْهَان. وَاسْتقر علم الدّين ودينات فِي اسْتِيفَاء الْخَاص. وخلع على نَاصِر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد التنسي وأعيد إِلَى قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن تَاج الدّين بن الربعِي.(5/118)
وخلع على جلال الدّين أَحْمد بن نظام الدّين إِسْحَاق وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سرياقوس عوضا عَن وَالِده ونعت بشيخ الْإِسْلَام شيخ الشُّيُوخ. وَفِي تَاسِع عشره: ركب الْأَمِير يُونُس - دوادار الْأَمِير الْكَبِير - الْبَرِيد إِلَى حلب لكشف أَحْوَال التركمان - وَقد ورد خير خُرُوجهمْ عَن الطَّاعَة - وتجهيز عَسَاكِر الشَّام لقتالهم. وَفِي سادس عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وثماني أَصَابِع. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْأَمِير تغري برمش من الشَّام باستدعاء. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على شرف الدّين بن عرب وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي. بِمَال. وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر ارْتَفع الوباء وَأكْثر من مَاتَ فِيهِ الْأَطْفَال. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: ثَالِث شهرِ ربيع الآخر أنعم على الْأَمِير تغري برمش بتقدمة ألف عوضا عَن أَمِير عَليّ بن قشتمُر بعد وَفَاته. وَفِيه نُودي بسفر الْحجَّاج الرجبية فسر النَّاس ذَلِك وَكتب بِولَايَة علم الدّين أبي عبد الله بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد القفصي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان الصنهاجي. وَفِي سَابِع عشرينه: وصلت خيمة جليلة من الشَّام عملت للأمير الْكَبِير تُحمل على مائَة وَثَمَانِينَ جملا فَضربت بالميدان الْكَبِير. وَفِي حادي عشرينه: أُنعم على الْأَمِير سودن الشيخوني بتقدمة ألف وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر حاجبا ثَانِيًا. وَفِي ثَانِي عشرينه: ركب الْأَمِير الْكَبِير لرؤية الْخَيْمَة بالميدان. وَمد لِلْأُمَرَاءِ سماطا جَلِيلًا. وَمد بعده سماط حلوى ثمَّ سماط فَاكِهَة فَكَانَ يَوْمًا مَذْكُورا خرج النَّاس لمشاهدة ذَلِك فَكَانَ جمعا كَبِيرا. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على عَليّ القرمي وَاسْتقر فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن مبارك شاه. وخلع على الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصَرْغَتْمُشِى وَاسْتقر حاجبًا رَابِعا.(5/119)
وَهَذَا أَيْضا مِمَّا تجدّد وَكَانَت الْعَادة أَولا أَن يكون حَاجِب وَاحِد ثمَّ اسْتَقر حَاجِب الْحجاب وَفِي أول جُمَادَى الأولى ذكر بعض الْعَجم للأمير الْكَبِير أَن النّيل لَا يزِيد فِي هَذِه السّنة شَيْئا وأرجف بذلك فَزَاد فِي هَذَا الْيَوْم خمس عشرَة أصبعا وَفِي غده سِتّ عشرَة أصبعا فَضَربهُ الْأَمِير الْكَبِير وشهره. وَفِي يَوْم السبت حادي عشره: - وعاشر مسرى - وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير الْكَبِير حَتَّى خلق المقياس وفُتح الخليج من يَوْمه. وَفِيه قطعت أَخْبَار الطواشين: شاهين دست وشاهين الجلالي وأمرا بِلُزُوم بيتهما. وَفِيه هبت ريح شَدِيدَة بِدِمَشْق اقتلعت أشجارا كَثِيرَة بعروشها واستمرت عدَّة أَيَّام فهال النَّاس أمرهَا. وَقدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير أشقتمُر نَائِب الشَّام بعسكر دمشق والأمير إينال اليوسفي بعسكر حلب والأمير كمشبغا الْحَمَوِيّ بعسكر طرابلس والأمير طَشتمر القاسي بعسكر حماة والأمير طَشتمر العلاي بعسكر صفد وَمَعَهُمْ نواب القلاع وتراكمين الطَّاعَة وللعربان العشران لقِتَال خَلِيل بن قراجا بن دلغادر وجمائعه بِبِلَاد مَرعش وَأَنَّهُمْ اجْتَمعُوا بحلب وَسَارُوا مِنْهَا صُحْبَة الْأَمِير يُونُس الدوادار فِي أول شهر ربيع الأول فنزلو ظَاهر مرعش. وَتوجه فِي ثامن شهر جُمَادَى الأولى ضِيَاء الْملك(5/120)
ابْن بوزدوغان الْوَاصِل بعسكره إِلَى نصْرَة العساكر وَمَعَهُ طَائِفَة من العربان والأكراد لقِتَال التركمان فَقَاتلهُمْ ويومه وكسرهم وَقتل ثَلَاثَة من أعيانهم وَعَاد فَاقْتضى رَأْي النواب الرّكُوب لأخذ مرعش فَأَخَذُوهَا ثمَّ مَشوا لتمهيد الْبِلَاد حَتَّى انْتَهوا إِلَى ملطية ثمَّ عَادوا فِي آخر شهر شعْبَان. وَفِي خَامِس عشره: عقد مجْلِس عِنْد الْأَمِير الْكَبِير برقوق بِسَبَب وقف فَاجْتمع الْقُضَاة ومشايخ الْعلم فتغيظ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة على علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ قَاضِي الْمَالِكِي ونهره فرسم بعزل الْبِسَاطِيّ وَجعل تعْيين غَيره لِابْنِ جمَاعَة فعين جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير وخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْعَسْكَر ركب فِي يَوْم السبت ثَانِي عشره وصدم ابْن دلغادر فَكَسرهُ وَولى مُنْهَزِمًا. بِمن مَعَه والعسكر فِي آثَارهم فغنموا مِنْهُم شَيْئا كثيرا وملكوا مِنْهُم مَدِينَة مرعش وَنُودِيَ فِيهَا بالأمان فَأتى النَّاس من الْجبَال وبطون الأودية. ورحل الْعَسْكَر حَتَّى نزل بِمَدِينَة الأبلستين فِي تَاسِع عشره وَأَقَامُوا بهَا. وَفِي نصف شهر جُمَادَى الْآخِرَة أوقعت الحوطة على الصاحب شمس الدّين المقسي وَأخذ على حمَار إِلَى القلعة فسجن بقاعة الصاحب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر ظلم الْوَزير ابْن مكانس وَأخذ مَالا من الكارم وَطلب من مباشري الدولة وَالْخَاص جامكية شَهْرَيْن ووكل بعدة من التُّجَّار أعوانه وَأخذ مِنْهُم جملَة مَال وأخرق ببعضهم فكثرت الشناعة عَلَيْهِ. وَفِي تَاسِع عشرينه: أفرج عَن المقسي. وَفِي هَذَا الشَّهْر قدمت رسل الْملك الْمعز جلال الدّين حُسَيْن بن السُّلْطَان أويس -(5/121)
متملك توريز وبغداد - وهم قَاضِي الْقُضَاة بتوريز وبغداد عَلَاء الدّين عَليّ بن الْجلَال عبد الله بن سُلَيْمَان العتائقي الْأَسدي الشَّافِعِي والصاحب الْوَزير الْأَعْظَم شرف الدّين عطا بن الْحَاج زين الدّين حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن البرادعي الْبَغْدَادِيّ وَالشَّيْخ زين الدّين على بن عبد الله بن الشَّامي المعري فأنزلوا بالميدان الْكَبِير وأُجرى عَلَيْهِم فِي كل يَوْم مبلغ مِائَتي دِرْهَم ومائتي رَطْل لحم وثماني فردات أوز وَعشرَة أطيار دَجَاج وسميد ومصبعات وخبز جراية بِقدر كفايتهم. وَكَانُوا فِي تجمل زَائِد. ذكر العتائقي عَن نَفسه أَنه أنْفق من توريز إِلَى مصر مِائَتَيْنِ وَخمسين ألف دِرْهَم. وَجَاء فِي مائَة عليقة فَترك جماعته بِالشَّام فَأَتَاهُ قُضَاة الْقُضَاة وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ مثلُوا بَين يِدي الْأَمِير الْكَبِير فَخلع عَلَيْهِم بَعْدَمَا مد لَهُم سماطاً جَلِيلًا أوقف عَلَيْهِ الطواشي مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة وَلم يتقدمه أَمِير لفعل ذَلِك. وَفِيه عزل ابْن التنس عَن قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة بِابْن الربعِي ثمَّ أُعِيد بعد ثَلَاثَة أَيَّام. وَورد الْخَبَر بِأَن متملك الْحَبَشَة دَاوُد بن سيف أرعد - الملقب بالحطى - أنفذ جَيْشًا إِلَى أَطْرَاف مُعَاملَة أسوان فأوقعوا بالعربان ونال أهل الْإِسْلَام مِنْهُم بلَاء كَبِير فَبعث الْأَمِير الْكَبِير إِلَى مَتى بن سمْعَان بطرِيق النَّصَارَى اليعاقبة بالمعلقة من مَدِينَة مصر يَأْمُرهُ أَن يكْتب إِلَى صَاحب الْحَبَشَة يمنعهُ من التطرق إِلَى بِلَاد الْمُسلمين فَأجَاب بعد امْتنَاع وَكتب إِلَيْهِ بِمَا اقترحه عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير من ذَلِك. وَكتب السُّلْطَان إِلَيْهِ كتابا بالإنكار عَلَيْهِ وَندب لرسالته الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الدمياطي نقيب قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي وجهز. بِمَا يَلِيق بِهِ. وَفِي أول شهر رَجَب: وفُر إقطاع تقدمة الْأَمِير أَقتمُر عبد الْغَنِيّ وَلم ينعم بِهِ على أحد. وَفِيه امْتنع قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة من الحكم لأجل مَال طلب مِنْهُ من الْأَوْقَاف لتجهيز الرُّسُل إِلَى الْحَبَشَة فأعفي من ذَلِك وخلع عَلَيْهِ فِي ثَانِيه خلعة الِاسْتِمْرَار. وخلع على عَليّ بن القرماني وَاسْتقر فِي ولَايَة منوف عوضا عَن أبي بكر بن خطاب. وَفِيه رسم بِقطع مَا تكاثر من الأتربة وَغَيرهَا بالشوارع المسلوكة حَتَّى علت الطرقات بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَندب الْأَمِير مَأْمُور الْحَاجِب لذَلِك فَقطعت بالمساحر وَنقل(5/122)
مَا خرج مِنْهَا إِلَى الكيمان. وَبَلغت زِيَادَة مَاء النّيل تسع عشرَة ذِرَاعا واثني عشرَة أصبعاً وَثَبت إِلَى سادس عشْرين توت فغرقت بساتين كَثِيرَة. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير تغري برمشى وَاسْتقر أَمِير سلَاح وخلع على العتاقي - قَاضِي بَغْدَاد - أطلسين بطرز زركش وطرحة حَرِير. وَفِي سابعه: طلع الْوَزير ابْن مكانس بهم الميدان على الْعَادة وَهِي كنابيش زركش وطرز زركشي فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان - كَمَا هِيَ الْعَادة فِي كل سنة - وخلع على تَقي الدّين عبد الرَّحْمَن نَاظر الْجَيْش وعَلى بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ خلع الميدان وَكَانَت عَادَتهمَا أَن يلبسا الجبب فِي الميدان الثَّانِي فتعجلا خلعتيهما فِي الميدان الأول. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَانِيًا برسم اللّعب بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء. وخلع على الْوَزير جُبَّة نخ بقصب فَركب بهَا إِلَى تَحت القلعة ثمَّ عَاد. وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَالِثا. وخلع على الْوَزير خلعة ثَانِيَة جُبَّة حَرِير بنفسجي بطرز زركش وفرو قاقم وخلع على جَمِيع من جرت عَادَته بِالْخلْعِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: دَار محمل الْحَاج على الْعَادة وَخرجت أثقال الْحجَّاج الرجبية يَوْم دَار الْمحمل إِلَى بركَة الْحجَّاج صُحْبَة الْأَمِير بهادُر الجمالي المشرف وَخرج النَّاس أَفْوَاجًا ثمَّ رحلوا من الْبركَة فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشرينه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: تَوَجَّهت الرسُل إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير مَأْمُور حَاجِب الْحجاب منفياً إِلَى الشَّام ثمَّ رسم لَهُ بنيابة حماة عوضا عَن طَشتمر القاسمي بعد مَوته. وخلع على الْأَمِير تغري برمش وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن مَأْمُور. وخلع على نجم الدّين مُحَمَّد الطنبَدي وأعيد إِلَى وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن ابْن عرب. وَفِيه أخذت دَوَاة الْوَزير ابْن مكانس وعوق نَهَاره ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه سارترسل بَغْدَاد بَعْدَمَا خُلع عَلَيْهِم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شعْبَان: خُلع على الْوَزير ابْن مكانس خلعة الِاسْتِمْرَار. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: رسم بِنَفْي جمال الدّين مَحْمُود العجمي محتسب الْقَاهِرَة فشفع فِيهِ الْأَمِير أيتمش فَأمر أَن يلْزم بَيته. وَسبب ذَلِك أَنه نقل لقَاضِي الْقُضَاة صدر(5/123)
الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ عَن الْأَمِير الْكَبِير برقوق أَنه قَالَ بالتركية لمن حوله - وَهُوَ - فيهم -: إِن الْقُضَاة مَا هم. بمسلمين. فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَركب إِلَى قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة واستشاره فِي عزل نَفسه عَن الْقَضَاء وَقَالَ: قطعت عمري فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ فِي دمشق ثمَّ فِي آخر عمري أنفى بِمصْر عَن الْإِسْلَام. وحدثه. بِمَا نَقله الْمُحْتَسب فِي حق الْقُضَاة عَن الْأَمِير الْكَبِير فَتغير ابْن جمَاعَة من ذَلِك تغيراً كَبِيرا وَقَامَ من فوره إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَأخْبرهُ الْخَبَر فَغَضب على مَحْمُود وعزله. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا تجدّد من الْحَوَادِث القبيحة وَهُوَ أَن الْأَمِير الْكَبِير صَار يَقع فِي حق الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء مَعَ خاصته فتضع أقدارهم عِنْد الْأُمَرَاء والمماليك بَعْدَمَا كَانُوا يرَوْنَ السُّلْطَان وأكابر الْأُمَرَاء ييالغون فِي إجلال الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء ويرون أَن بهم عرفُوا دين الْإِسْلَام وَفِي بركتهم يعيشون. وَحسب أعظمهم قدرا أَن يقبل يَد الْفَقِيه وَالْقَاضِي فَانْقَلَبَ الْأَمر وانعكس الْحَال حَتَّى كثرت وقيعة الْأُمَرَاء والمماليك فيهم لما لُقِّنوه من الْأَمِير الْكَبِير. ثمَّ تزايد الْحَال بِحَيْثُ صَار الْفُقَهَاء والقضاة فِي أخريات الدولة الظَّاهِرِيَّة برقوق وَفِي الدولة الناصرية فرج وَمَا بعد ذَلِك ينزلون من أهل الدولة منزلَة سوء وَيتَكَلَّم فيهم أقل الغلمان وأرذل الباعة بِكُل قَبِيح عُقُوبَة من الله لَهُم لامتهانهم الْعلم وخضوعهم فِي طلب الدُّنْيَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خامسه: خلع على تَاج الدّين مُحَمَّد المليجي شَاهد خزانَة الْخَاص صَائِم الدَّهْر وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي. وخلع على علم الدّين يحيى وأعيد إِلَى نظر الدولة عوضا عَن ابْن الريشة وَكَانَ مَرِيضا فُحملت لَهُ الخلعة إِلَى دَاره. وخلع على الْأَمِير قرط بن عمر وأعيد إِلَى نِيَابَة الْبحيرَة. وخلع على عمر ابْن أَخِيه وأعيد إِلَى ولَايَة الْبحيرَة. وَفِيه قدم الْأَمِير يُونُس النوروزي - دوادار الْأَمِير الْكَبِير - من حلب وَقد عَادَتْ العساكر من محاربة ابْن دلغادر. وَذَلِكَ أَنهم أَقَامُوا على الأبلستين إِلَى خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ رحلوا عَنْهَا وَقد بَلغهُمْ نزُول خَلِيل بن دلغادر بقلعة خرت برت إِلَى جِهَة ملطية فورد عَلَيْهِم فِي أثْنَاء طريقهم كتاب الْأَمِير حسام الدّين طُرنطاي -(5/124)
مقدم الْعَسْكَر - بسيس يتَضَمَّن دُخُول الصارم إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان - مقدم التركمان - عَلَيْهِ فِي قبُول تَوْبَته وتنصله من مساعدة ابْن دلغادر فَأُجِيب بِقبُول عذره. ونزلوا بِظَاهِر ملطية فِي ثامن عشره. ثمَّ رحلوا عَنْهَا فِي أول شهر رَجَب عائدين إِلَى حلب بَعْدَمَا عزموا على خوض الْفُرَات وكشفوا مخايضها فوجدوا تعديتها إِلَى الْبر والوصول إِلَى خرت برت متعذراً. فَلَمَّا نزلُوا على بريد من عين تَابَ - فِي ثَالِث عشر رَجَب - قدم عَلَيْهِم الْأَمِير حيدر بن باشان كَبِير التركمان البوزوقية فِي طلب الْأمان لأمراء طائفته فَكتب لَهُ أَمَان ورحلوا فِي سَابِع عشره فقدموا حلب فِي ثَانِي عشرينه وَتَفَرَّقَتْ العساكر إِلَى موَاضعهَا وَقد نالهم مشقة عَظِيمَة من الْبرد وَكَثْرَة الأمطار. وَفِي هَذَا الشَّهْر ظهر فِي السَّمَاء كَوْكَب لَهُ ذؤابة قدر رُمْحَيْنِ من جِهَة الْقبْلَة وَأقَام كَذَلِك مُدَّة. وَفِيه كُتب باستقرار شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي الرِّضَا بن عمر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب بعد وَفَاة كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري. وَفِيه قبض الْأَمِير قرط على طَائِفَة من أَعْيَان الْبحيرَة مِنْهُم شادي ووسطهم وَرَمَاهُمْ فِي النّيل وأحاط. بموجودهم كُله. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ آخِره: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري فَخرج الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وترجل لَهُ ثمَّ أركبه فرسا من مراكيبه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول شهر رَمَضَان: أنعم على الْأَمِير يلبغا الناصري بتقدمة ألف وأجلس وَقت الْخدمَة - السُّلْطَانِيَّة - بالإيوان رَأس الميسرة فَوق أَمِير سلَاح.(5/125)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: خلع على سعد الدّين نصر الله بن البقري وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس. وخُلع على الْوَزير ابْن مكانس وَاسْتقر على عَادَته فِي الوزارة فَقَط. وخلع على الْأَمِير جركس الخليلي - أَمِير أخور - وَاسْتقر مشير الدولة. ورسم للوزير أَلا يتَصَرَّف فِي شَيْء إِلَّا بعد مُرَاجعَته. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين عبد الله بن البقري فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة عوضا عَن أَبِيه سعد الدّين وخلع عَلَيْهِ وعَلى علم الدّين يحيى - نَاظر الدولة - خلعة اسْتِمْرَار. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: سَاق الْأَمِير جركس الخليلي مَاء النّيل إِلَى الميدان تَحت القلعة وصُب فِي الْحَوْض الَّذِي على بَابه بالرميلة فَعم النَّفْع بِهِ سكان تِلْكَ الْجِهَات. وَكَانَ لَهُ نَحْو من سَبْعَة سِنِين لم يجر فِيهِ مَاء. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قرئَ صَحِيح البُخَارِيّ بِالْقصرِ من قلعة الْجَبَل كَمَا هِيَ الْعَادة من عهد الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه وانفض مجْلِس السماع قَامَ قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة لينصرف إِلَى دَاره. فَلَمَّا ركب أَخذ شخص - يعرف بِابْن نَهَار - بعنان بغلته وَقَالَ لَهُ: حكمت عليّ بِحكم لَا يجوز شرعا وَقد فسقت بجهلك. فَرجع وَمَعَهُ الْمَذْكُور إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَهُوَ فِي فكره فَأخذ ابْن نَهَار فِي الْإِسَاءَة على ابْن جمَاعَة والأمير الْكَبِير فِي شغل. بِمَا عِنْده من شدَّة الْفِكر فشق ذَلِك على ابْن جمَاعَة وعزل نَفسه وَقَامَ فَتوجه إِلَى تربة كوكاي خَارج الْقَاهِرَة ة ليمضي مِنْهَا إِلَى الْقُدس. وَفِي أثْنَاء نُزُوله من عِنْد الْأَمِير الْكَبِير تجلى عَنهُ الْفِكر وَسَأَلَ من حضر عَمَّا كَانَ فأخبروه الْخَبَر فَبعث فِي طلب ابْن نَهَار فَأتى بِهِ من الْغَد واستدعى الْقُضَاة ومشايخ الْعلم فَأفْتى شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ بتعزيز ابْن(5/126)
نَهَار فَضَربهُ وَالِي الْقَاهِرَة بالمقارع وشهره بِالْقَاهِرَةِ. وَبعث الْأَمِير الْكَبِير يسترضي. ابْن جمَاعَة فَلم يرض فَرَاجعه ثَانِيًا فَلم يرض فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير قطلوبغا الكُوكاي والأمير فَخر الدّين إِيَاس الصرغَتمشى فَلم يَزَالَا بِهِ حَتَّى أخذاه وَأَتيا بِهِ الْأَمِير الْكَبِير. فَلَمَّا شَاهده من بعد قَامَ إِلَى لِقَائِه وَمَشى إِلَيْهِ وترضاه. فَقَالَ لَهُ: أعدائي كثير وَمَا آمنهم وَمَالِي وَلِهَذَا الْأَمر. فَقَالَ لَهُ: كل من تعرض لَك - وَلَو بِكَلِمَة سوء - ضَربته بالمقارع. ثمَّ جِيءَ بالتشريف فأفيض عَلَيْهِ وَنزل إِلَى الْقَاهِرَة فِي تاسعه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه ركب الْبَرِيد الْأَمِير جلبان الدوادار وَفِي ثَانِي عشرينه: أُخرج الْأَمِير مقبل الرُّومِي الخازندار - أحد اليلبغاوية - منفياً وَكَانَ ظَالِما غشوما. وَفِيه أمْطرت السَّمَاء مَطَرا قل مَا عُهد مثله فِي الْكَثْرَة حَتَّى سَالَتْ الْأَزِقَّة والشوارع وخاضت الْخَيل بالشارع فِي المَاء فَبلغ بطونها وسال الْجَبَل سيلا عَظِيما إِلَى الْغَايَة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير إينال من غَزَّة فَركب الْأَمِير أقبغا الصَّغِير - أحد أُمَرَاء الطبلخاناة - الْبَرِيد وَقبض عَلَيْهِ بقطيا وَبَعثه إِلَى الكرك فسجن بهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: ابْتَدَأَ بهدم خَان الزَّكَاة بَين القصرين لتداعيه للسقوط. وَفِيه ثَبت أَن هِلَال رَمَضَان رؤى لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَأَن هَذَا الْيَوْم تَمام ثَلَاثِينَ. وَفِي هَذَا الشَّهْر زَاد سعر اللَّحْم عَمَّا يعْهَد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء - يَوْم عيد الْفطر -: حمل الْأَمِير يلبغا الناصري الفبة وَالطير على رَأس السُّلْطَان عِنْد نُزُوله لصَلَاة الْعِيد بالميدان تَحت القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِيه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر نَائِب حلب عوضا عَن إينال اليوسفي. وأنعم على الْأَمِير يُونُس - دوادار الْأَمِير الْكَبِير - بتقدمة ألف وَرَأس نوبَته الْأَمِير قُردُم الحسني أَمِير مائَة مقدم ألف وَلم يعْهَد فَبل ذَلِك أَن يكون دوادار أَمِير وَرَأس نوبَته من جملَة مقدمي الألوف. وَفِيه نَادَى الْأَمِير المشير جركس الخليلي فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن تكون الْفُلُوس الْعتْق(5/127)
كل رَطْل بدرهم وَثلث بعد مَا كَانَت بدرهم وَنصف الرطل وَفرق فِي الصيارفة فُلُوسًا استجد ضربهَا وَعمل عَلَيْهَا رنكه فَمِنْهَا فلس زنته أُوقِيَّة ليَكُون كل أَرْبَعَة بدرهم كل فلس بِربع دِرْهَم. وَمِنْهَا مَا زنته نصف أُوقِيَّة فَكل ثَمَانِيَة بدرهم حسابا عَن كل فلس ثُمن دِرْهَم. وَمِنْهَا مَا يكون كل ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين فلسًا بدرهم فَلم يمش لَهُ ذَلِك وتوقفت أَحْوَال النَّاس وَبَطل بيعهم وشراؤهم وقلّ جلب البضائع من المآكل وَغَيرهَا فَنَادَى الْأَمِير الْكَبِير برقوق فِي يَوْم الْجُمُعَة ثالثه بِإِبْطَال ذَلِك واستمرار الْفُلُوس على حَالهَا. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري خلعة السّفر وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي رَابِع عشره: خلع على صَلَاح الدّين خَلِيل بن عبد الْمُعْطِي بن عبد المحسن نقيب دروس الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وَاسْتقر فِي حسبَة مصر عوضا عَن ابْن عرب. بِمَال الْتزم بِهِ فاستفظع النَّاس ذَلِك وعدوه بلَاء ونقمة لسوء سيرته ونذالته فَلَمَّا دخل على الْأَمِير المشير جركس الخليلي أنكر ولَايَته وضربه. وَفِيه خلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَاسْتقر فِي وزارة الشَّام وَنظر الْخَاص والمهمات والمرتجع بهَا وَنظر ديوَان نَائِب الشَّام على قَاعِدَة فَخر الدّين ماجد ابْن قزوينه وَكتب لَهُ فِي توقيعه. الْوَزير وأنعم عَلَيْهِ ببغلة من الإصطبل السلطاني وَعَلَيْهَا زناري جنيب خَلفه فَلم يرض بذلك لعلمه أَنه إِنَّمَا قصد الْوَزير ابْن مكانس إبعاده وَخُرُوجه من مصر خوفًا مِنْهُ. وَفِيه اسُتدعى الْجلَال رَسُولا التبانى وسُئل أَن يحجّ عَن الْأَمِير آنص وَالِد الْأَمِير الْكَبِير بعد وَفَاته فَأجَاب إِلَى ذَلِك وجُهز أحسن جهاز وسافر صُحْبَة الركب. وَفِي ثَانِي عشرينه: توجه محمل الْحَاج سائرا من الْبركَة وَتَبعهُ الركب على الْعَادة فِي كل سنة وَفِيه أنعم على طُغاي تمُر القبلاوي - من أُمَرَاء الطبلخاناة بطرابلس - بنيابة الكرك عوضا عَن منكلي بُغا الشمسي وخلع على زين الدّين عمر بن مِنهال وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن فتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد. وَكتب. بمصادرة ابْن الشَّهِيد. وأنعم على الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي بتقدمة آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير - بعد موتَه. وَفِي رَابِع ذِي الْقعدَة: خلع على الشريف جماز بن هبة الْحُسَيْنِي وَاسْتقر أَمِير(5/128)
بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة عوضا عَن عَمه عَطِيَّة بعد وَفَاته. وَقدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد القُونَوي من دمشق فَنزل بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين من الْقَاهِرَة وَأَتَاهُ النَّاس يَلْتَمِسُونَ بركَة زيارته. وجُهز أَرْبَعمِائَة خلعة إِلَى الْبِلَاد الشامية برسم النواب والأمراء وَغَيرهم لنصرتهم على التراكمين. وَفِي سادسه: قبض على بني مكانس جَمِيعًا بحيلة دبرهَا الْأَمِير الْكَبِير فَإِنَّهُ تقدم فِي الْوَزير بِجمع الكُتاب ليندبهم إِلَى أشغال سلطانية فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده قبض على الْوَزير وَإِخْوَته وَقبض على علم الدّين بن قَارُورَة - نَاظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير - وألزم بِحمْل خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وخُلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم - الْمَعْرُوف بكاتب أرلان - المستقر فِي وزارة الشَّام وَاسْتقر نَاظر ديوَان الْأَمِير الْكَبِير عوضا عَن ابْن قَارُورَة فَمَا أغْنى عَن ابْن مكانس حذره مِنْهُ. وكُتب باستقرار ابْن بِشَارَة فِي نظر الشَّام على عَادَته. وخلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم الْمَيْمُونِيّ وَاسْتقر عَامل ديوَان الْأَمِير الْكَبِير. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الشريف جمال الدّين عبد الله بن عبد الْكَافِي بن عبد الله الطاطبي وَاسْتقر فِي نقابة الْأَشْرَاف عوضا عَن السَّيِّد على بن فَخر الدّين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه: خلع على علم الدّين عبد الْوَهَّاب الطنساوي وَيُقَال لَهُ سنّ إبرة وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن كريم الدّين بن مكانس وَسلم ابْن مكانس وَإِخْوَته وحاشيتهم إِلَى شاد الدَّوَاوِين فعذبهم بأنواع الْعُقُوبَات. وَفِيه استناب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين بن جمَاعَة عَنهُ فِي نظر وقف الْأَشْرَاف الشريف صدر الدّين مرتضى بن غياث الدّين إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على بلوط نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد حضر باستدعاء ثمَّ توجه إِلَيْهَا. وَكَانَت الأسعار قد ارْتَفَعت من شهر رَمَضَان حَتَّى بلغ الإردب الْقَمْح إِلَى أَرْبَعِينَ درهما وتزايد حَتَّى بلغ فِي ذِي الْقعدَة سِتِّينَ درهما وَعز وجوده وَارْتَفَعت أسعار الْحُبُوب كلهَا وَتعذر وجود الْخبز بالأسواق واختطفه النَّاس من الأفران. فرسم فِي خَامِس عشرينه بِفَتْح شونة الذَّخِيرَة وَبيع مِنْهَا. ثمَّ توقفت أَحْوَال(5/129)
النَّاس وَكَثُرت الشكاية فِي النَّاس جَمِيعهم من وقُوف الْحَال وَقلة وجود الدَّرَاهِم فَكَانَ هَذَا - أعنى الشكاية - مِمَّا تجدّد وَلم يكن يُعرف بل أدركنا النَّاس وَإِذا شكا أحد من النَّاس حَاله عُد عَلَيْهِ ذَلِك فصرنا وَمَا من صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا وَهُوَ يشكو وتزايد أَمرهم فِي ذَلِك حَتَّى صَار أَمر النَّاس. بِمصْر فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وَمَا بعْدهَا إِلَى فاقة وضعة. وَفِي تَاسِع عشرينه: وقفت الْعَامَّة واستغاثت وَطلبت ولَايَة العجمي الْحِسْبَة فطُلب فِي يَوْم السبت سلخه وخُلع عَلَيْهِ وأعيد إِلَى الْحِسْبَة عوضا عَن المليجي. وَفِي ثَالِث ذِي الْحجَّة: سُمر ثَلَاثَة من قطاع الطَّرِيق ووسطوا ثمَّ سُمر فِي خامسه ثَلَاثَة أخر. وَفِي تاسعه: ترك الْأَمِير تغري برمش أَمِير سلَاح إمرته وتزيا بزِي الْفُقَرَاء وَفرق عَنهُ مماليكه وحاشيته وَجلسَ بِجَامِع قوصون خَارج بَاب زويلة وَجمع عَلَيْهِ طَائِفَة من الْعَامَّة فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير بالأمير سودُن الشيخوني الْحَاجِب والأمير قُردُم الحسني - رَأس نوبَة - ليعود إِلَى إمرته وَلكنه أَبى وصمم على الزهادة فتردد إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وسألوه ذَلِك فَأبى عَلَيْهِم ثمَّ لم يكن بأسرع من توجهه إِلَى الشَّيْخ أكمل الدّين شيخ خانكاه شيخو وسؤاله فِي التحدث مَعَ الْأَمِير الْكَبِير فِي عوده إِلَى إمرته كَمَا كَانَ فَبعث يسْأَل الْأَمِير الْكَبِير فِي ذَلِك فَاشْتَدَّ غَضَبه عَلَيْهِ وَأمر بِهِ فَأخْرج فِي الْحَال مَاشِيا ليمضي إِلَى الْقُدس فَمشى على قَدَمَيْهِ إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وأدركه قَاصد. بِالْإِذْنِ لَهُ. بالركوب فَركب وَسَار. وَفِي حادي عشره: وسُط رحاب أَمِير عربان الْبحيرَة وَمَعَهُ ثَلَاثَة نفر من أعيانها. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اتّفقت حَادِثَة مستغربة وَهِي أَن بعض تجار قيسارية جهاركس - يعرف بِابْن القماح - أخلى حَماما بِالْقربِ مِنْهَا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خامسه وأطمع صدقه - حارس القيسارية - بِأَن فِي الْبِئْر الَّتِي بهَا كنزًا فَفتح لَهُ القيسارية ليستخرج الْكَنْز من الْبِئْر. فَلَمَّا صَار بهَا هُوَ وَولده والحارس أَوْهَمهُ أَنه يحْتَاج إِلَى قِرَاءَة عَزِيمَة وَإِلَى تبخير الْبِئْر حَتَّى يَتَيَسَّر أَخذ الْكَنْز بِإِبْطَال موانعه وَأمره أَن ينْصَرف عَنهُ - هُوَ وَالْولد - إِلَى الْحمام ة ليخلو. بِمَا ذكر. وَترك عِنْده رجلا فِي صُورَة أَنه يُعينهُ على ذَلِك وَكَانَ صانع أقفال فَمضى الحارس وَولد ابْن القماح فَأخذ ابْن القماح فِي فتح مَا على(5/130)
حوانيت القيسارية من الأقفال الحديدية بيد ذَلِك الرجل حَتَّى فتحهَا كلهَا وَأخذ مِنْهَا مَا يزِيد قِيمَته على عشرَة آلَاف دِينَار وهرب فِي اللَّيْل هُوَ وَأَهله. فَأصْبح النَّاس بالقيسارية وَهِي مفتحة الحوانيت فارتجت الْقَاهِرَة بِأَهْلِهَا وَحضر وَالِي الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ التُّجَّار وَغَيرهم بهَا. فَقَالَت امْرَأَة مِمَّن يسكن بِالربعِ علو القيسارية: قد رَأينَا البارحة لَيْلًا ابْن القماح هُنَا فَأخذ الْوَالِي فِي طلبه فَلم يقدر عَلَيْهِ وَلَا على صَدَقَة الحارس. وَرفع التُّجَّار شكواهم إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فَاشْتَدَّ حنقه على وَالِي الْقَاهِرَة وألزمه بِإِخْرَاج السَّارِق. فَبينا هُوَ فِي الفحص عَن ابْن القماح إِذْ دلّه شخص على مَوْضِعه فَركب إِلَيْهِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامنه وأحاط بِالْبَيْتِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَألْقى نَفسه من علو الْبَيْت يُرِيد النجَاة فَانْكَسَرت يَده وَقبض عَلَيْهِ وعَلى وَلَده أَحْمد وعَلى الأقفالي الَّذِي فتح لَهُ الحوانيت. فَوجدَ القماش الَّذِي أَخذ وَالْمَال بِعَيْنِه لم يُفقد مِنْهُ شَيْء فَحمل ذَلِك على عدَّة حمالين وَسَار بهم والمغاني تزفهم حَتَّى طلع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير. فَأقر ابْن القماح. بِمَا تقدم ذكره فَأمر الْوَالِي بعقوبة الْجَمِيع. فَنزل بهم فِي الْحَدِيد والعملة من ورائهم على رُءُوس الحمالين والمغاني تزفهم فِي شَارِع الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. ثمَّ أَخذ التُّجَّار مَالهم بِتَمَامِهِ وكماله. وظفر أَيْضا الْوَالِي بِصَدقَة الحارس فَمَا زَالَ هُوَ والأقفالي تَحت الْعقُوبَة حَتَّى هلكا. وضُرب ابْن القماح وَولده مرَارًا وسُجن فِي خزانَة شمايل فَإِنَّهُ لم يجب عَلَيْهِ الْقطع شرعا. لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول عَن الأقفال هَذَا ناولني الْمَتَاع من الحوانيت. فَأَقَامَ عدَّة سِنِين فِي السجْن ثمَّ أخرج واتضع حَاله حَتَّى مَاتَ. فِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب طرابلس باستدعاء فَأكْرم غَايَة الْإِكْرَام وَحمل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء تقادم كَبِيرَة جدا. وَفِي هَذَا الْوَاقِعَة ألزم وَالِي الْقَاهِرَة عريف قيسارية جهاركس أَلا يُسكن بهَا تَاجِرًا حَتَّى يضمن عَلَيْهِ وَصَارَ يتهدد التُّجَّار بفعلة ابْن القماح فَتحدث النَّاس فِي الْقَاهِرَة بِهَذِهِ الْوَاقِعَة أعواما كَثِيرَة. وَقدم الْبَرِيد بِوُقُوع الوباء بصفد. وَجَاءَت الْأَخْبَار بغلاء الأسعار. بِمَكَّة فَلَمَّا قدمهَا الرجبية انْحَلَّت قَلِيلا حَتَّى أبيعت الويبة الدَّقِيق درهما والويبة الشّعير من ثَلَاثِينَ إِلَى عشْرين درهما مَعَ غلاء كل مَا يُؤْكَل وَبَلغت الغرارة بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. فَلَمَّا قدم الْحَاج فِي الْمَوْسِم ارْتَفَعت الأسعار وَبَلغت الويبة الدَّقِيق إِلَى خمسين درهما وَمَا فَوْقهَا والويية(5/131)
الشّعير إِلَى أَرْبَعِينَ درهما وعظمت الْمَشَقَّة فِي الرّجْعَة إِلَى الْقَاهِرَة من غلاء الأسعار. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن حسن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَتُوفِّي مفتى دَار الْعدْل ركن الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بقاضي قرم الْحَنَفِيّ فِي عَاشر رَجَب. وَتُوفِّي فَقِيه حلب شهَاب الدّين أَحْمد بن حمدَان بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَالم بن دَاوُد بن يُوسُف الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بحلب. ومولده سنة تسع وَسَبْعمائة وَله مصنفات فِي الْفِقْه. وَتُوفِّي شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق بن عَاصِم بن سعد الدّين مُحَمَّد بن الْأَصْفَهَانِي شيخ خانكاة سرياقوس فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث ربيع الآخر. وَدفن. بمدرسته فَوق الشّرف بجوار الضِّيَافَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَتُوفِّي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن شرف الدّين أبي البركات مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق وَقد أناف على التَسعين. وَمَات أَمِير أَحْمد بن الْملك المظفر حاجي بن مُحَمَّد بن قلاون فِي سادس صفر. وَمَات الْأَمِير أَقتمر عبد الْغَنِيّ نَائِب طرابلس ونائب الشَّام ونائب السُّلْطَان بديار مصر وأمير كَبِير فِي تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير آنص - وَالِد الْأَمِير الْكَبِير برقوق - فِي يَوْم السبت ثامن عشر شَوَّال. وَمَات الْأَمِير أيدمُر الشمسي أحد أُمَرَاء الألوف فِي ثَالِث عشر صفر. وَمَات الْأَمِير آلان الشَّعْبَانِي أَمِير سلَاح فِي ثامن عشر ربيع الآخر. وَمَات الْحَاج سيف بن عَليّ مقدم الدولة تَحت الْعقُوبَة فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشْرين صفر وَلم يخلف فِي مَعْنَاهُ مثله.(5/132)
وَمَات الْأَمِير طَشتَمُر الشَّعْبَانِي اليلبغاوي نَائِب حماة فِي رَجَب بِعَين تَابَ. صُحْبَة الْعَسْكَر. وَتُوفِّي الشَّيْخ الْمسند جمال الدّين عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حَديدة الْأنْصَارِيّ فِي خَامِس عشْرين شعْبَان. ومولده سنة عشر وَسَبْعمائة. وَتُوفِّي جمال الدّين عبد الله بن الرَّقِيق الأسملمي أحد أَعْيَان الْكتاب فِي ثَالِث عشر صفر. وَتُوفِّي قَاضِي قُضَاة حلب كَمَال الدّين عمر بن عُثْمَان بن هبة الله المعري الشَّافِعِي فِي شهر رَجَب بحلب. وَمَات خواجا فَخر الدّين عُثْمَان بن مُسَافر جالب الْأَمِير الْكَبِير برقوق. وَإِلَيْهِ ينْسب فَيُقَال برقوق العثماني فِي سادس عشر رَجَب بِالْقَاهِرَةِ وَشهد الْأَمِير الْكَبِير جنَازَته. وَتُوفِّي الْفَقِير المعتقد أَبُو لِحَاف عَليّ الشَّامي بِالْقَاهِرَةِ فِي خَامِس صفر. وَتُوفِّي نور الدّين عَليّ بن قَشتَمُر المنصوري الشَّافِعِي فِي ثامن عشْرين ربيع الأول. وَمَات أَمِير على بن قَشتَمُر الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الألوف الشهير بالوزير فِي تَاسِع عشْرين ربيع وَمَات غُلَام الله مُهتار الطشت خاناه فِي ثَالِث عشْرين ربيع الْآخِرَه وَتُوفِّي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الكومي الشَّافِعِي الْأَعْمَى فِي تَاسِع عشْرين ربيع الأول. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن السيوري العمَّاري نِسْبَة إِلَى عمار بن يَاسر - رضى الله عَنهُ - الْموصِلِي إِمَام أهل الموسيقا فِي زَمَنه يَوْم الْعشْرين من صفر. وتوفْيت المسندة جويرة بنت الشهَاب أبي الْحسن أَحْمد بن أَحْمد الهكاري فِي يَوْم السبت ثَانِي عشْرين صفر. وَقد انْفَرَدت بِرِوَايَة النَّسَائِيّ وَغَيره. وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ.(5/133)
فارغه(5/134)
سنه أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أهل الْمحرم بِيَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ خُلع على الْأَمِير مُبارك شاه السيفي وَاسْتقر وَالِي الفيوم وَكَاشف الفيوم وَكَاشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن أسنبغا المنجكي. وَفِي ثالثه: خلع على الْأَمِير سودُن الشيخوني وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب على إقطاع تغري بَرمش. وخلع على الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ اليلبغاوي - نَائِب طرابلس - خلعة الِاسْتِمْرَار على عَادَته. وخُلع على فرج بن أَيدَمُر السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أَحْمد بن سُنقُر. وخلع على أَلطُنبُغا الصلاحي وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن مبارك شَاة السيفي. وأنعم بإقطاع الْأَمِير سودن الشيخوني على الْأَمِير أيدكار وَاسْتقر حاجبًا ثَالِثا. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير أَقبُعا المارديني نَائِب الوجهالقبلي باستدعاء. وَفِي حادي عشره: توجه الْأَمِير بكلمش العلاي لإحضار الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ من سجنه فِي ثغر دمياط. وَقدم الْأَمِير جَتتمُر أَخُو طاز من دمشق بسؤاله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تزايد سعر الغلال وفقد الْخبز من الْأَسْوَاق وأبيع كل رطلين بدرهم وأبيع الْقَمْح. بِمِائَة وَخَمْسَة دَرَاهِم الأردب والبطة الدَّقِيق بِثَلَاثِينَ درهما فَلَمَّا دخل الشّعير الْجَدِيد وَفِيه رسم الْأَمِير الْكَبِير بِإِطْلَاق من فِي سجني الديلم والرحبة من المديونين فأفرج عَنْهُم جيعهم وأغلق بَاب السجنين وَمنع الْقُضَاة من سجن أحد على دين لما بِالنَّاسِ من الغلاء ووقوف الْحَال فاشتدت وَطْأَة الْحجاب على النَّاس بِالضَّرْبِ على الدُّيُون وترسيم نقبائهم على من فِي ذمَّته دين. وَفِي ثامن عشرَة: قدم ركب الْحَاج. وَفِي عشرينه: قدم الْأَمِير بيدمر من دمياط فِي النّيل فَركب الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَحضر من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَقبل الأَرْض على الْعَادة(5/135)
فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نِيَابَة الشَّام على عَادَته عوضا عَن الْأَمِير أشَقتمُر وَهَذِه ولَايَته السَّادِسَة. وَكتب بتوجه الْأَمِير أَشَقتمر إِلَى الْقُدس بطالا. وَفِيه خلع على الْأَمِير أقبغا المارديني نَائِب الْوَجْه القبلي خلعة الِاسْتِمْرَار. وَفِي آخِره: انحط السّعر إِلَى أَرْبَعِينَ درهما الأردب الْقَمْح وَالشعِير والفول إِلَى اثْنَيْنِ وَعشْرين درهما الأردب والبطة الدَّقِيق إِلَى أحد عشر درهما. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: أول صفر خُلع على ابْن عرب وأعيد إِلَى حسبَة مصر عوضا عَن خَلِيل بن عبد الْمُعْطِي على مَال يقوم بِهِ. وأضيف إِلَيْهِ وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نجم الدّين الطنبَدي. وَفِي سادسه: خلع على مُحَمَّد بن أَشَقتمُر بِولَايَة قطيا عوضا عَن عَلَاء الدّين على ابْن الطشلاقي. وخلع عَليّ أبي بكر بن المزوَّق بِولَايَة قرص عوضا عَن أَبُو درقة قُطلوبُغا الأسن قُجاوي. وَفِيه أُعِيد نجم الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أبي الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن شرف الدّين أبي البركات مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح بن أبي الْعِزّ إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْهمام أَمِير غَالب بن القوام أَمِير كَاتب الْأَتْقَانِيّ. وَفِي تاسعه: قدم المجذوب المعتقد على الروبي من الفيوم وَاجْتمعَ بالأمير الْكَبِير فهرع النَّاس إِلَى زيارته وبالغوا فِي اعْتِقَاده ونقلوا عَنهُ خوارق الله أعلم بحقيقتها. وَفِي سادس عشره: ركب الْأَمِير بَهَدُر المنجكي أستادار الْأَمِير الْكَبِير على الْبَرِيد. ليحضر من دمشق المَال الَّذِي وعد بِهِ الْأَمِير بَيدَمُر. وَفِي ثامن عشره: أُعِيد النَّجْم الطنبدي إِلَى وكَالَة بَيت المَال. لعجز ابْن عرب عَن الْقيام بِالْمَالِ الَّذِي وعد بِهِ. وَفِي رَابِع عشرينه: طلب الْأَمِير الْكَبِير برقوق من قَاضِي الْقُضَاة أَن يُسلمهُ مَال تَاجر قد مَاتَ عَن وَرَثَة غائبين وَترك مَا خَلفه. بمودع الحكم فَأبى أَن يَدْفَعهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: ثَبت عِنْدِي أَن لَهُ وَرَثَة وَلَا سَبِيل أَن أدفَع المَال إِلَّا لوَرثَته فَغَضب الْأَمِير الْكَبِير برقوق واستدعى الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي ليوليه الْقَضَاء فغيَّب وَلم يظفر بِهِ فَامْتنعَ ابْن جمَاعَة من الحكم وَأخذ النَّاس فِي السَّعْي. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على سراج الدّين عمر العجمي وأعيد إِلَى حبسة مصر(5/136)
عوضا عَن ابْن عرب لعَجزه عَن الْقيام. بِمَا وعد بِهِ. ورسم الْغُرَمَاء على ابْن عرب ليقوم لَهُم بِمَا استدانه مِنْهُم وبرطل بِهِ ورفعوه إِلَى الْأَمِير أيدَكار الْحَاجِب فأخرق بِهِ وَبَالغ فِي إهانته نسْأَل الله الْعَافِيَة. وَفتحت طبقَة الرفرف وَبَيت الْأَمِير طاز علو خزانَة الْخَاص بالقلعة من الإصطبل حَيْثُ سُكْنى الْأَمِير الْكَبِير برقوق ورَكب لَهما سلما ليتوصل إِلَيْهَا وأسكن بهَا مماليكه الَّذين اشتراهم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وأضيف إِلَى وَظِيفَة الْقَضَاء عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وسافر ابْن جمَاعَة إِلَى الْقُدس. وَقدم الْبَرِيد. بمسير نَائِب حلب إِلَى محاربة التركمان فَلَمَّا دخل دربند أصلان توفّي حادي عشر صفر وَقد فر مِنْهُ سولى بن دلغادر فَلم يظفر بِهِ فَثنى عنانه إِلَى ابْن أوزر فداس بيوته وَوضع فِيمَن لقِيه السَّيْف فَامْتنعَ مِنْهُ بِالْجَبَلِ فَعَاد النَّائِب من تل حمدون يُرِيد مَدِينَة مرعش وَفِي يَوْم الْأَحَد عَاشر شهر ربيع الأول: قرئَ تَقْلِيد ابْن أبي الْبَقَاء وفوض أَمَانَة الحكم لشهاب الدّين أَحْمد الزَّرْكَشِيّ وفوض نظر أوقاف مصر لشمس الدّين مُحَمَّد بن الوحيد وفوض نظر أوقاف الْقَاهِرَة لجمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب. واستناب فِي الحكم تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي أحد موقعي الحكم. وَأقر الصَّدْر بن مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وَعمر بن رزين على خلَافَة الحكم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: شرع الْأَمِير المشير جركش الخليلي فِي عمل جسر بَين الرَّوْضَة وجزيرة أروى فِي طول ثَلَاثمِائَة قَصَبَة وَعرض عشر قصبات وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ ومماليكه وحفر فِي وسط مجْرى النّيل خليجا من هَذَا الجسر إِلَى زريبة قوصون. ليعود المَاء إِلَى الْبر الشَّرْقِي وَيسْتَمر طول السّنة فأنفق على ذَلِك من مَاله جملَة من غير أَن يُكَلف أحد فِيهِ شَيْئا حَتَّى تمّ الجسر فَلم يفد شَيْئا وَقَالَ فِيهِ أدباء الْعَصْر شعرًا كثيرا. وَكَانَ القاع سِتَّة أَذْرع وَنصف ذِرَاع. وَفِيه هرب الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس من ميضأة جَامع الصَّالح خَارج بَاب زويلة وَكَانَ مسجونا بِهِ هُوَ وَإِخْوَته فَغَضب الْأَمِير الْكَبِير على الْأَمِير بهادر الأعسر - شاد الدَّوَاوِين - وَضرب إخْوَته بالمقارع وَقبض على حواشيهم وحريمهم وَنُودِيَ عَلَيْهِ فَلم يُوجد. وَفِي عَاشر ربيع الْأُخَر: خلع على ابْن عبد الْمُعْطِي بِنَظَر الْمَوَارِيث.(5/137)
وَفِي سَابِع عشره: خرجت تجريدة إِلَى الْبحيرَة فِيهَا خَمْسَة أُمَرَاء أُلُوف وهم بهادر الجمالي وقُطلوبُغا الكوكاي وَأحمد بن يلبغا الخاصكي وقُردُم الحسني وآلابغا العثماني وَأَرْبَعَة أُمَرَاء طبلخاناة وَعشرَة أُمَرَاء عشرات. فَلم يَجدوا من أهل الْبحيرَة أحدا فساقوا من مَوَاشِيهمْ ثَلَاثَة آلَاف رَأس من الضَّأْن وَسِتَّة آلَاف رَأس من الْمعز. وَفِي آخِره: انْتهى عمل الجسر الخليلي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن حُسَيْن بن أويس - متملك بَغْدَاد - قَتله أَخُوهُ أَحْمد بن أويس وَاسْتقر فِي المملكة بعده وَذَلِكَ بِإِشَارَة خواجا شيخ الكحجاني. وَفِي خَامِس عشر جُمَادَى الأول: اسْتَقر الْأَمِير قُطلوبُغا أَبُو درقة فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن مُحَمَّد بن قرابغا. وَفِي عشرينه: اسْتَقر فتح الدّين صَدَقَة أَبُو دقن فِي نظر الْمَوَارِيث عوضا عَن ابْن عبد الْمُعْطِي. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول جُمَادَى الْآخِرَة: - الْمُوَافق لَهُ من أشهر القبط تَاسِع عشر مسرى - كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا بَعْدَمَا توقف عدَّة أَيَّام وأرجف خُزَّان الغلال يكون الغلاء فخاب أملهم. وَفِي سَابِع عشره: خُلع على جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد أرجف بعزله وَنقل قراجا من ولَايَة قليوب إِلَى ولَايَة الجيزة وَنقل حُسَيْن من ولَايَة الجيزة إِلَى ولَايَة قليوب. وقدمت رسل ألفنس - متملك أشبيلية - بِسَبَب الإفراج عَن تكفور حَاكم سيس فأجيبوا إِلَى وَفِي هَذِه السّنة: ركب السطان إِلَى الميدان سبتين وَلم يركب السبت الثَّالِث لغرق الميدان. بِمَاء النّيل. وَفِي عشرينه: اسْتَقر مُقبل الطَّيِّبِيّ فِي ولَايَة قوص عوضا عَن ابْن المُزَوق وأعيد عَلَاء الدّين الطشلاقي إِلَى ولَايَة قطيا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير أقبُغا المارديني - نَائِب الْوَجْه القبلي - فَقبض عَلَيْهِ وسجن فِي الْحَدِيد بخزانة شمايل لقبح سيرته وعتوه على الْخلق وإسرافه فِي إِرَاقَة الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال وأحيط بأمواله الَّتِي اغتصبها من أهل الْبِلَاد. وَفِيه ضرب الْأَمِير الْكَبِير عَليّ خَان بن قرمان - كاشف الْوَجْه البحري - ضربا(5/138)
مبرحاً وأسلمه إِلَى حَاجِب الْحجاب. وَقدم نَصَارَى مَدِينَة سيس فِي طلب من يقوم بأمرهم وَقد مَاتَ حاكمهم فاختير لَهُم بعض الأسرى المقيمين بالكوم فِيمَا بَين جَامع ابْن طولون ومدينة مصر. وخلع عَلَيْهِ وعَلى القادمين من سيس وَكتب تَقْلِيده فَأصْبح خماراً يَبِيع الْخمر وَأمسى ملك الأرمن ينفذ حكمه فِي خلق كثير. وَفِي سلخه: اسْتَقر الْأَمِير أرسبغا المنجكي ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ القبلي عوضا عَن أقبغا المارديني. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَلَاث أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا فعد ذَلِك طوفانا. وَفِيه عمل الْأَمِير جركس الخليلي طاحوناً فِي مركب عِنْد بسطة المقياس يديرها المَاء برسم طحن الْقَمْح دَقِيقًا فَأتى النَّاس من كل جِهَة لرؤيتها وَقَالَ فِيهَا أدباء الزَّمَان شعرًا كثيرا. وَفِيه نقل الْأَمِير مَأْمُور من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة طرابلس وَنقل كُمُشبُغا الْحَمَوِيّ من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة دمشق وأنعم عَلَيْهِ بإمرة جَنتمُر أخي طاز وَقبض على جَنتمُر وسجن بقلعة دمشق ثمَّ نقل إِلَى قلعة المرقب وَاسْتقر الْأَمِير يلو الْحَاجِب بِدِمَشْق فِي نِيَابَة حماة. وَنقل الْأَمِير طُرنطاي الكاملي من نِيَابَة سيس إِلَى حجوبية دمشق وَاسْتقر تمراز العلاي فِي ولَايَة البهنسي عوضا عَن طاجار. وَفِيه نقل عَن مماليك الأسياد الَّذين فِي خدمَة الْأَمِير الْكَبِير برقوق أَنهم قد اتَّفقُوا مَعَ طَائِفَة من مماليكه على أَن يفتَكوا بِهِ وَكَبِيرهمْ فِي ذَلِك أيتمش الخاصكي. فعندما بلغه ذَلِك بَادر بِالْقَبْضِ على الْمَذْكُور وعَلى بطا الخاصطي واستدعى من فِي خدمته من مماليك الأسياد أَوْلَاد الْأَشْرَف وَقبض على سَبْعَة عشر من أعيانهم وسجنهم فِي البرج من القلعة. وَأصْبح فَقبض مِنْهُم على تَكْمِلَة خَمْسَة وَسِتِّينَ وسجنهم بخزانة شمايل مقيدين فهرب من بَقِي من مماليك الأسياد فَنُوديَ فِي الْقَاهِرَة عَلَيْهِم وهدد من أخفاهم. وَقبض على الْأَمِير ألابغا العثماني الدوادار فِي تَاسع عشرينه وَأخرج على إمرة بِالشَّام. وَأخرج أَيْضا أَيْضا بأميرين من العشرات منفيين. وَاسْتقر الْأَمِير بيرم فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان. وَفِي يَوْم السبت أول شهر رَمَضَان: نفي الْأَمِير الْكَبِير برقوق إِلَى قوص مِمَّن قبض(5/139)
عَلَيْهِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعين مَمْلُوكا وَنفي بَقِيَّتهمْ إِلَى الشَّام وتتبع من اختفي مِنْهُم فأغرق جمَاعَة مِنْهُم فِي النّيل وَنفي كثيرا مِنْهُم حَتَّى ذَهَبُوا بأجمعهم. وخلا الجو للأمير الْكَبِير وَرَأى أَنه قد أَمن فَإِنَّهُ لما أَخذ الإمرة فِي أَيَّام الْأَمِير أَينَبَك كَانَ مَعَه فِي ضيق لِأَن نَفسه تُرِيدُ مِنْهُ مَا لَا يؤهل لَهُ. فَلَمَّا زَالَت دولة أينبكَ وتحكم الْأَمِير طَشتَمُر العلاي لم يكن لَهُ مَعَه كَبِير أَمر فَمَا زَالَ بَطشَتمر حَتَّى أزله وَصَارَ هُوَ والأمير بركَة يتنازعان الْأُمُور وَلَا يقدر على عمل شَيْء إِلَّا. بمراجعة بركَة حَتَّى كَانَ من أمره مَا قد ذكر فَصَارَت مماليك الأسياد يُرِيدُونَ التوثب عَلَيْهِ وَهُوَ يداريهم جهده حَتَّى وثب بهم وَأَخذهم فَم يبْق لَهُ معاند وَصَارَ لَهُ من المماليك الجراكسة عدد كَبِير جلبوا إِلَيْهِ من الْبِلَاد فرقاهم إِلَى مَا لم يخْطر لَهُم ببال وأنعم على جمَاعَة مِنْهُم بإمريات. وَفِيه نقل الْأَمِير طشتمر العلاي من نِيَابَة صفد إِلَى الْقُدس بِطَلَبِهِ لذَلِك فَأَقَامَ بِهِ بطالا. وَفِيه أَمر الْأَمِير الْكَبِير بالإفراج عَن المسجونين بسجن الديلم وسجن الرحبة على الدُّيُون فأفرج عَنْهُم.
(وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشره)
جمع الْأَمِير الْكَبِير برقوق الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم وَأهل الدولة والخليفة إِلَى عِنْده بالحراقة من الإصطل وعرفهم أَن الْأُمُور مضطربة لصِغَر سنّ السُّلْطَان وَقلة حرمته وَأَن الْوَقْت مُحْتَاج إِلَى ملك عَاقل يستبد بأحوال الدولة وَيقوم بِأُمُور النَّاس وينهض بأعباء الحروب وَالتَّدْبِير وَنَحْو ذَلِك. فاتفقوا جَمِيعهم مَعَه على خلع الْملك الصَّالح حاجي وبعثوا فِي الْحَال بالأمير قُطلوبُغا الكوكاي - أَمِير سلَاح - والأمير ألطُنبُغُا الْمعلم - رَأس نوبَة - فقبضا على الْملك الصَّالح من الْقصر وأدخلاه إِلَى دور الْحرم وأخذا مِنْهُ نمجاة الْملك وعادا بهَا فانقضت دولة الأتراك من مصر وزالت دولة بني قلاون وَصَحَّ مَا أنذر بِهِ أَرْبَاب الْحدثَان فقد قيل: تمت ولايتهم بِالْحَاء لَا أحد من الْبَنِينَ يداني الْملك فِي الزَّمن وَكَذَا كَانَ فَإِن آخر أَوْلَاد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد(5/140)
وَآخر من ولي من أَوْلَاد الْأَوْلَاد حاجي وعَلى رَأسه زَالَت دولتهم وَبِه ختمت مُلُوكهمْ فسبحان محيل الْأَحْوَال لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. السُّلْطَان سيف الدّين أَبُو سعيد السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد برقوق بن آنص الجركسي العثماني اليلبغاوي الْقَائِم بدولة الجراكسة أَخذ من بِلَاد الجركس فأبيع بِبِلَاد الفرم ثمَّ جلبه الخواجا فَخر الدّين عُثْمَان بن مُسَافر إِلَى مصر فَاشْتَرَاهُ الْأَمِير يلبُغا العُمَري الخاصكي وَأعْتقهُ وَجعله من جملَة مماليكه الأجلاب وَكَانَ اسْمه ألطنبغا فَسَماهُ الْأَمِير يلبغا - برقوق - لنتوء فِي عينه ومولده فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة - تخمينا - فَإِنَّهُ ذكر فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين أَن سنه سبع وَخَمْسُونَ سنة. فَلَمَّا قتل الْأَمِير يلبغا - وَكَانَت وَاقعَة الأجلاب - أخرج برقوق فِيمَن أخرج مِنْهُم وسجن بالكرك مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ وَصَارَ إِلَى دمشق فخدم عِنْد نائبها الْأَمِير مَنجكَ حَتَّى طلب الْملك الْأَشْرَف شعْبَان اليلبغاوية قدم مَعَ من قدم مِنْهُم وَصَارَ فِي خدمَة الأسياد من جملَة مماليكهم إِلَى أَن ثَارُوا بعد سفر الْأَشْرَف إِلَى الْحجاز كَانَ مِمَّن ثار مَعَهم وانتقل من الجندية إِلَى إمرة طبلخاناه ثمَّ إِلَى إمرة مائَة وَملك الإصطبل وَعمل أَمِير آخور ثمَّ أَمِيرا كَبِيرا. ومازال يدبر الْأُمُور والأقدار تساعده حَتَّى ذهب من يعانده وَتثبت دولته وَوَافَقَهُ الْجَمِيع على أَن يكون سُلْطَان الْبِلَاد. فَلَمَّا خُلع الصَّالح وَصلى الْجَمَاعَة الظّهْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسبع مائَة - الْمُوَافق لَهُ آخر هتور وسادس عشْرين تشرين الثَّانِي - خطب الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْخطْبَة على الْعَادة وَبَايع الْأَمِير الْكَبِير الأتابك على السلطنة وقلده أَمر الْعباد والبلاد فأفيض فِي الْحَال على السُّلْطَان تشريف الْخلَافَة وأفيض على الْخَلِيفَة التشريف على الْعَادة. وَأَشَارَ شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ أَن يقلب السُّلْطَان بِالْملكِ الظَّاهِر وَقَالَ: هَذَا وَقت الظّهْر وَالظّهْر مَأْخُوذ من الظهيرة والظهور وَقد ظهر هَذَا الْأَمر بعد أَن كَانَ خافيا فتلقب بِالْملكِ(5/141)
الظَّاهِر وَركب من الحراقة بالإصطبل وطلع من بَاب السِّرّ إِلَى الْقصر. وعندما ركب أمْطرت السَّمَاء فتفاءل النَّاس بذلك. وَلما دخل إِلَى الْقصر جلس على التخت فَكَانَ طالع جُلُوسه برج الْحُوت. وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر الدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر كتب إِلَى أَعمال المملكة بذلك وَأَن يحلف النواب والأمراء للسُّلْطَان على الْعَادة فسارت الْبرد بذلك ودقت البشائر بقلعة الْجَبَل عِنْد تَمام الْبيعَة وزينت الْقَاهِرَة ومصر وَعَامة مَدَائِن مصر وَالشَّام. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: قرئَ عهد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان على الْأُمَرَاء بِحَضْرَة الْخَلِيفَة والقضاة وأعيان الدولة. وَفِيه خلع على الْأَمِير أيتَمش البجاسي - رَأس نوبَة - وعَلى الْأَمِير آلطنبغا الجوباني - أَمِير مجْلِس - وعَلى الْأَمِير جركس الخليلي - أَمِير أخور - وخلع على الْأَمِير سودُن الشيخوني الْحَاجِب وَاسْتقر نَائِب السُّلْطَان. وخلع على الْأَمِير قُطْلُوبغا الكوكاي وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير سودن النَّائِب. وخلع على الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الكوكاي الْحَاجِب. وخلع على الْأَمِير قردم الحسني وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا. وخلع على الْأَمِير يُونُس النوروزي الدوادار وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان عوضا عَن ألابغا. وخلع على قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وقضاة الْعَسْكَر ومفتين دَار الْعدْل ومحتسبي الْقَاهِرَة ومصر وَكَاتب السِّرّ والوزير وناظر الْخَاص وناظر الْجَيْش ووكيل بَيت المَال وَسَائِر أَرْبَاب الدولة فَكَانَ يَوْمًا مشهودًا كثرت فِيهِ التهاني والأفراح. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: جمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء بأجمعهم وحلفهم - صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ - على طَاعَته. وَفِيه خلع على أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين وَاسْتقر فِي نظر خزانَة الْخَاص ووكالة الْخَاص. وخلع على الْأَمِير بهادر المنجكي الأستادار وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان بإمرة طبلخاناة وأضيف إِلَيْهِ أستادارية الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع شَوَّال: خلع على أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ياسين الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن على بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ. وَفِي حادي عشرينه: عرض السُّلْطَان المماليك الأشرفية وعزل مِنْهُم خَمْسَة جعل لَهُم رواتب ليكونوا طرخان وَأرْسل بَقِيَّتهمْ إِلَى الْأَمِير سودن النَّائِب فَعمل أَصْحَاب(5/142)
الْأَخْبَار الثفال مقدمين فِي الْحلقَة وباقيهم من جملَة أجناد الْحلقَة. وَطلب السُّلْطَان من المقسي أَسمَاء من قبض بعد الْأَشْرَف الْعشْرَة آلَاف فَوجدَ مِنْهُم قد بَقِي خَمْسمِائَة مَمْلُوك فيهم أَرْبَعمِائَة مَمْلُوك بِأَيْدِيهِم إقطاعات فِي الْحلقَة وَمِائَة مَمْلُوك لَهُم جوامك فَأمر فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخه الأربعمائة أَصْحَاب الأخباز فِي الْحلقَة بِلُزُوم دُورهمْ وأكلهم إقطاعاتهم وَقطع جوامك الْمِائَة أَرْبَاب الجوامك وَقرر عوضهم من مماليكه الَّذين اشتراهم ورباهم وَقَالَ: هَؤُلَاءِ خونة قد خانوا أستاذهم الْملك الْأَشْرَف وأعانوا على قَتله بِشَيْء يسير أَخَذُوهُ من المَال بعد مَا عاشوا فِي نعْمَته دهرا طَويلا فَلَا خير فيهم فتلقوا قله وذله وَلَقَد رَأَيْت بعض من كَانَ من أُمَرَاء الألوف فِي أَيَّام الْأَشْرَف وَقد صَار فَقِيرا يسْأَل النَّاس وَعَلِيهِ ثِيَاب صوف شبه عباءة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم شَيخنَا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون من بِلَاد الْمغرب واتصل بالأمير ألطنبغا الجوباني وتصدر للاشتغال بالجامع الْأَزْهَر فَأقبل النَّاس إِلَيْهِ وراقهم كَلَامه وأعجبوا بِهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْقعدَة: غضب السُّلْطَان على الْوَزير علم الدّين عبد الْوَهَّاب الطْنساوي - وَيُقَال لَهُ سنّ إبرة - وضربه واستدعى بالأسعد أَبى الْفرج النَّصْرَانِي - كَاتب الْحَوَائِج خاناه - وأكرهه حَتَّى أظهر الْإِسْلَام فَخلع عَلَيْهِ وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش وَفِي عاشره: خلع على الْوَزير سنّ إبرة خلعة الِاسْتِمْرَار وخلع على الْأَمِير منكلى الطرخاني وَاسْتقر حاجبا رَابِعا وخلع على الْأَمِير جلبان العلاي وَاسْتقر حاجبا خَامِسًا وَلم يعْهَد قبل ذَلِك خَمْسَة حجاب فِي الدولة التركية. وَفِيه اسْتَقر خير الدّين العجمي - من صوفية خانكاه شيخو - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس وَلم يعرف قبله بالقدس قَاض حَنَفِيّ وَاسْتقر موفق الدّين العجمي - من صوفية خانكاه شيخو - فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بغزة. وَلم يعرف أَيْضا قبل ذَلِك بغزة قَاض حَنَفِيّ.(5/143)
وَفِيه كَانَ بحث بَين شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ وَبَين بدر الدّين بن الصاحب فِي مَسْأَلَة علمية آل الْأَمر إِلَى أَن كفر البُلْقِينِيّ ابْن الصاحب فَطَلَبه إِلَى قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير الْمَالِكِي وَأقَام رجلا يدعى عَلَيْهِ بِأُمُور رتبت عَلَيْهِ فجرت أَحْوَال عقد من أجلهَا مجْلِس حَضَره الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَذكر مَا يدعى بِهِ عَلَيْهِ فَلم يثبت مِنْهُ شَيْء بِوَجْه شَرْعِي فَحكم بعض الْقُضَاة بِعَدَمِ كفر ابْن الصاحب وبقائه على دين الْإِسْلَام. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وَمر على قناطر السبَاع حَتَّى عدى النّيل من بولاق إِلَى الجيزة وتصيد ثمَّ عَاد من أخر النَّهَار وَقد ركب الْأَمِير أيتمش عَن يَمِينه وَالشَّيْخ أكمل الدّين - شيخ خانكاه شيخو - عَن يسَاره. وَفِيه اسْتَقر بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُزْهر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن فتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ورد الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير يلبغا الناصري - نَائِب حلب - سَار بعسكر حلب إِلَى إلبيرة يُرِيد تَعديَة الْفُرَات فَجَاءَهُ الْخَبَر بعصيان الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا السلطاني - نَائِب الأبلستين - وَأَنه لم يحلف للسُّلْطَان وَاسْتولى على قلعة درندة - المضافة إِلَيْهِ - وطلع إِلَيْهَا وَأمْسك بعض أمرائها وأطلع إِلَيْهَا ذخيرة وميرة فَركب الْعَسْكَر الَّذِي بِالْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وأمسكوا رِجَاله فَطلب الْأمان مِنْهُم وفر من القلعة إِلَى الأبلستين. فَكتب إِلَيْهِ الْأَمِير يلبغا الناصري يهدده ويخيفه فَلم يرجعه إِلَيْهِ وَمر هَارِبا على وَجهه إِلَى بِلَاد التتر فَعَاد الْأَمِير يلبغا الْمَذْكُور إِلَى حلب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس ذِي الْحجَّة: قبض على الْأَمِير قُرط - نَائِب الْوَجْه البحري - لقبح سيرته وَسُوء أَفعَال حَاشِيَته وَضرب بَين يَدي الْأَمِير أيتمش ضربا مبرحا ثمَّ جلس وصودر - هُوَ وجماعته - وفر ابْنه حُسَيْن فَنُوديَ عَلَيْهِ وهدد من أخفاه وخلع على الْأَمِير قرابلاط الأحمدي وَاسْتقر عوض قرط. وَفِيه رسم باستقراء ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن رشد فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن علم وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى جِهَة المطرية وَمضى(5/144)
اٍ لى قناطر أبي المنجا وَعَاد فَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب الشعرية حَتَّى خرج من بَاب زويلة وَصعد القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهودا زينت فِيهِ الْأَسْوَاق وأشعلت الشموع والقناديل فَرحا بِرُؤْيَتِهِ: وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر عينه - أستادار الْأَمِير سودن بَاقٍ - وَاسْتقر شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن بهادر الأعسر. وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة. وَفِيه ورد الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير أقبغا عبد الله - نَائِب غَزَّة - فر مِنْهَا إِلَى جِهَة الْأَمِير نعير. وَفِيه خلع على الْأَمِير قرقماس الطشتَمري اليلبغاوي وَاسْتقر خازندارا كَبِيرا. وَفِي رَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان من القلعة وشق مَدِينَة مصر وَقد زينت لَهُ حَتَّى عدى النّيل إِلَى بر الجيزة. ثمَّ عَاد على بولاق إِلَى القلعة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير ألطنبغا الجوباني من الْحجاز وَكَانَ قد حج مَعَ الركب. مَاتَ فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قاضى الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق همام الدّين - أَمِير غَالب - ابْن قوام الدّين - أَمِير كَاتب - الْأَتْقَانِيّ بعد عَزله. وَكَانَ قد بلغ غَايَة فِي الْجَهْل. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بَحر الدّين عبد الْوَهَّاب بن الْكَمَال أَحْمد بن قاضى الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران الأخناي الْمَالِكِي فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر رَجَب وَهُوَ مَعْزُول.(5/145)
وَمَات الصاحب الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الرويهب فِي سَابِع عشر شهر رَمَضَان وَقد اتضع حَاله وافتقر. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن دَقِيق الْعِيد - موقع الحكم - فِي خَامِس عشْرين صفر. وَمَات جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالخطب الأسنوي أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِيَّة فِي يَوْم الْأَحَد عَاشر ربيع الأول. وَتُوفِّي الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد الْخَالِق الأسيوطي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي ذِي الْحجَّة وَقد تصدر للأشغال عدَّة سِنِين. وَمَات الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الصرغتمشي الْحَاجِب أحد الطبلخاناه فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير زين الدّين زبالة الفارقاني نَائِب قلعة دمشق فِي شعْبَان بِدِمَشْق وَقد أناف على السّبْعين.(5/146)
سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم السبت الأول الْمحرم: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب فَخرج الْأَمِير سودان النَّائِب إِلَى لِقَائِه وَصعد بِهِ إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان فَقبل لَهُ الأَرْض وَجلسَ تَحت الْأَمِير سودن النَّائِب. ثمَّ نزل إِلَى بَيت أعد لَهُ فَكَانَ فِي هَذَا عِبْرَة فَإِنَّهُ بلأمس قد كَانَ الناصري من جملَة الْأُمَرَاء الأشرفية وبرقوق إِذْ ذَاك من جملَة مماليك الأسياد إِذا ضمه مجْلِس مَعَ الناصري قَامَ على رجلَيْهِ بَين يَدَيْهِ فَأصْبح ملكا يقبل الناصري لَهُ الأَرْض أمره وَنَهْيه فسبحان مُقَلِّب الْأُمُور. وقِي سادسه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري خلعة الِاسْتِمْرَار على نِيَابَة حلب وَنزل من القلعة وَعَن يَمِينه الْأَمِير أيتمش وَعَن يسَاره الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَمن وَرَاءه سَبْعَة جنائب من الْخُيُول السُّلْطَانِيَّة بسروج ذهب وكنابيش زركش أخرجت لَهُ من الإصطبل. وَكَانَ قد حمل إِلَيْهِ السُّلْطَان والأمراء من أَنْوَاع التقادم مَا يجل وَصفه. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: ركب السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري حَتَّى عدى النّيل من بولاق إِلَى الجيزة وتصيد ثمَّ عَاد من آخِره. وَفِي عاشره: خلع على الناصري خلعة السّفر وَتوجه من وقته إِلَى حلب. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشره: خلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَاسْتقر فِي الوزارة بغد سدة تَمنعهُ وَكَثْرَة إبائه وتشترط عدَّة شُرُوط مِنْهَا أَنه لَا يلبس تشريف الوزارة فَأُجِيب إِلَى كل مَا سَأَلَهُ وَلبس خلعة من صوف كخلع الْقُضَاة وَأَشَارَ لَهُ السُّلْطَان بِأَن تكون يَده فَوق كل أَيدي أهل الدولة وَأَنه يستبد بالأمور من غير مُشَاورَة فَنزل إِلَى دَاره وَلم يُمكن أحدا من الرّكُوب مَعَه كَمَا جرت بِهِ الْعَادة وَمضى النَّاس حَتَّى نزل منزله وَضبط الْأُمُور أَشد ضبط. وَلم يتَنَاوَل من مَعْلُوم الوزراة إِلَّا الشَّيْء الْيَسِير الَّذِي كَانَ لَا يرضاه أقل عبيد الوزراء وَأنْفق فِي أَرْبَاب الرَّوَاتِب جاريهم من غير نقص بالغلال وَبَيت المَال بالأموال وأدار الطواحين السُّلْطَانِيَّة بجوار الأهراء بِمَدِينَة مصر وَعمل الحواصل بِسَائِر الْأَصْنَاف. وَلم يُمكن أحدا(5/147)
أَن يركب مَعَه وَصَارَ يخرج من بَيته ويغلق بَابه بِيَدِهِ وَيَضَع مفاتيحه فِي كمه ثمَّ يركب فرسه ويركب غُلَامه بغلة ويردف خَلفه الدوادار وَهُوَ حَامِل الدواة تَحت إبطه ويمضى إِلَى القلعة من غير أَن يكون مَعَه أحد من الْكتاب وَلَا الأعوان فَلَا يعرفهُ إِلَّا من لَهُ بِهِ معرفَة. وَمنع جَمِيع أَرْبَاب الدولة أَن يَأْتُوا إِلَى بَيته وَإِنَّمَا يأتوه بقاعة الصاحب من القلعة. وَرفع يَد الْأَمِير جركس الخليلي من التحدث فِي الدولة وَانْفَرَدَ بِالْكَلِمَةِ فِي الوزارة مَعَ هَذَا الاقتصاد ونفذت كَلمته وعظمت مهابته حَتَّى عِنْد أكَابِر الْأُمَرَاء وَلم يجد فِيهِ عدوه سَبِيلا إِلَى الطعْن عَلَيْهِ بِوَجْه. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بَهَادر المنجكي الأستادار بتقدمة الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي بعد مَوته. وخلع على علم الدّين الحزين وَاسْتقر فِي اسْتِيفَاء الدولة عوضا عَن أَمِين الدّين عبد الله جعيص بعد مَوته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر: قدمت رسل السُّلْطَان أَحْمد بن أويس - متملك بَغْدَاد - بهدية فِيهَا فَهد وصقر وَأَرْبع بقج قماش وتضمن كِتَابه أَنه ملك بَغْدَاد بعد أَخِيه. وَفِي سَابِع عشرَة: أفرج عَن الْأَمِير قرط. وَفِي سلخه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير طُغاي تَمُر القبلاوي - نَائِب الكرك - تنَازع مَعَ الْأَمِير خاطر بِسَبَب أَنه كبس عربانا كَانُوا نزلائه وَقبض عَلَيْهِم وَآل الْأَمر إِلَى اقتتالهما فانكسر نَائِب الكرك من خاطر وتخلص العربان من يَده. وَفِي أول شهر ربيع الأول: قدم الْخَبَر بِأَن طَائِفَة من الفرنج شحنوا مراكبهم وَسَارُوا من مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة هاربين فَتَبِعهُمْ الْمُسلمُونَ من الْغَد وقاتلوهم فَقتل عدَّة من الْمُسلمين وَعَاد من بَقِي بِغَيْر طائل فَقبض الْأَمِير بلوط النَّائِب على من تَأَخّر بالثغر من الفرنج وَأخذ أَمْوَالهم فتنكر السُّلْطَان على النَّائِب وَكتب بقدومه. وَفِي سابعه: ضرب قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير الْمَالِكِي عنقِي رجلَيْنِ ارتدا عَن الْإِسْلَام وَلم يوافقا على العودة إِلَيْهِ. وَفِي حادي عشره: صُرف الشريف مرتضى عَن نِيَابَة نظر وقف الْأَشْرَاف برغبته عَنهُ وَاسْتقر عوضه صدر الدّين عمر بن رزين أحد خلفاء الحكم.(5/148)
وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْأَمِير بلوط تقدمة سنية. وَفِي خَامِس عشره: ضرب قَاضِي الْمَالِكِيَّة عنق رجل على الرِّدَّة عَن الْإِسْلَام. وَفِي سَابِع عشره: خلع على بلوط خلعة الإستمرار على نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه إِلَيْهَا وَكتب بِالْقَبْضِ على الْأَمِير طغاي تمر الجركتمري والأمير ألطنبغا السابقي وَكَانَا مجردين بالإسكندرية. وَفِيه أخرج الْأَمِير إِيَاس السيفي - من العشرات - إِلَى دمشق على إمرة بهَا. وأنعم على كل من سودن العلاي وإينال الجركسي بإمرة طبلخاناة وعَلى حسن قجا الأسن قجاوي بإمرة عشرَة. وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب توجه مِنْهَا بالعسكر فِي طلب التركمان فوافاه فِي أثْنَاء طَرِيقه غَالب تركمان الطَّاعَة فَخلع عَلَيْهِم وَسَار حَتَّى وصل دربند بغراص وَقدم طَائِفَة من الْعَسْكَر فَلَقِيَهُمْ التركمان وقاتلوهم فَقتل نَائِب بغراص وجرح جمَاعَة فَعَاد إِلَى حلب. ثمَّ قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير قرا مُحَمَّد - حَاكم الْموصل - قد اتّفق مَعَ ضِيَاء الْملك بن بوز دوغان على محاربة سَالم الدكري لما كَانَ مِنْهُ من قطع الطَّرِيق على حجاج الْموصل وذبحهم وَأخذ أَمْوَالهم وَأَن الْأَمِير يلبغا الناصري لما بلغه ذَلِك سَار من حلب بالعسكر إِلَى البيرة وعدى الْفُرَات فِي المراكب إِلَى الرها فَوجدَ قرا مُحَمَّد وضياء الْملك قد ركبا فِي زِيَادَة على اثْنَي عشر ألف فَارس على سَالم وَضَربا بيوته فأخذا مَالا يحد كَثْرَة مِنْهَا قدر ثَلَاثِينَ ألف حمل وَكَانَ بَينهم وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير وفر سَالم إِلَى جِهَة قلعة الْمُسلمين وقرا مُحَمَّد فِي إثره فَلم ينج إِلَّا فِي نفر قَلِيل فنهب عَسْكَر قرا مُحَمَّد تِلْكَ النواحي وأفسدوا فَلم مجد سَالم بدا من الترامي على الْأَمِير يلبغا الناصري وكفنه فِي عُنُقه وَعَاد بِهِ إِلَى حلب فَكتب بتجهيزه إِلَى مصر. وَفِي عشرينه: أخرج الْأَمِير مقبل الرُّومِي منفيا وَكَانَ قد قدم من الشَّام وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة فَلم يقبلهَا. وَفِي نصف شهر ربيع الآخر: قدمت طَائِفَة من الفرنج إِلَى الطينة وأسروا مِنْهَا سَبْعَة وَقتلُوا رجلا وَاحِدًا فَمروا على دمياط وَبَاعُوا بهَا الأسرى السَّبْعَة. وَفِيه قدم أَمِير أَسد الْكرْدِي - أحد أُمَرَاء الألوف بحلب - فِي الْحَدِيد لشكوى بعض التُّجَّار عَلَيْهِ أَنه أَخذ لَهُ مَمْلُوكا غصبا فحبس أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنهُ وَأخرج على إمرة بطرابلس.(5/149)
وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير تمرباي الدمرداشي فِي نِيَابَة صفد. وأنعم على الْأَمِير أينال اليوسفي بتقدمة بِدِمَشْق. وَفِي تَاسِع عشره: قدم سَالم الدكري من حلب فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناة بحلب. وَفِيه أَخذ قاع النّيل فَكَانَ ثَمَانِيَة أَذْرع سَوَاء. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر جُمَادَى الأولى: اسْتَقر جمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب فِي نظر الْأَوْقَاف كلهَا. وَاسْتقر الْأَمِير قديد القلمطاوي - شاد الْأَوْقَاف - رَفِيقًا لَهُ وخلع عَلَيْهِمَا فشق ذَلِك على قُضَاة الْقُضَاة. وَفِي عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن سَلام ابْن التركية عملت لَهُ مبارد فِي ربَاب أحضرت لَهُ وَطلب سواسي خام ليفصلها لَهُ تمصانا فبرد شبابيك البرج الَّذِي هُوَ مسجون فِيهِ وتدلى مِنْهَا فِي تِلْكَ السواسي وهرب فَلم يقدر عَلَيْهِ فَغَضب السُّلْطَان على نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَأمر بإحضاره ثمَّ أعفي عَنهُ. وَفِي خَامِس عشرينه: أنعم على دمر خَان بن مُوسَى بن قرمان بطبلخاناة أَبِيه بعد مَوته. وَكَانَ النّيل فِي أول مسرى على اثْنَي عشر ذِرَاعا وَأَرْبع أَصَابِع فَزَاد فِي رابعه - وَهُوَ سادس عشْرين جُمَادَى الأولى - أَرْبَعِينَ أصبعا وَفِي الْغَد أَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ أصبعا ثمَّ زَاد أَرْبعا فوفى سِتَّة عشر ذِرَاعا وَزَاد أصبعين من سَبْعَة ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان فِي نَهَاره - وَهُوَ خَامِس مسرى - وفتَح الخليج على الْعَادة وَلم يعْهَد بعد الْملك الظَّاهِر بيبرس ملك ركب حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج سوى السُّلْطَان برقوق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفق بِنَاحِيَة برما من الغربية أَن طَائِفَة من مسلمة النَّصَارَى(5/150)
صَنَعُوا عُرسًا جمعُوا فِيهِ عدَّة من أَرْبَاب الملاهي فَلَمَّا صعد الْمُؤَذّن ليسبح الله تَعَالَى فِي اللَّيْل على الْعَادة سبوه وأهانوه ثمَّ صعدوا إِلَيْهِ وأنزلوه بَعْدَمَا ضربوه فثار خطيب الْجَامِع بهم ليخلصه مِنْهُم فأوسعوه سباً ولعناً وهموا بقتْله وَقتل من مَعَه فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي طَائِفَة وَشَكوا أَمرهم إِلَى الْأَمِير سودن النَّائِب فَبعث بهم إِلَى الْأَمِير جركس الخليلي من أجل أَن نَاحيَة وبرما من جملَة إقطاعه فَلم يقبل قوالهم وسجن عدَّة مِنْهُم فَمضى من بَقِي مِنْهُم إِلَى أَعْيَان النَّاس كالبلقيني وَأَمْثَاله وَتوجه الْحَافِظ الْمُعْتَمد نَاصِر الدّين مُحَمَّد فيق إِلَى الخليلي وَأَغْلظ عَلَيْهِ حَتَّى أفرج عَمَّن سجنه فَغَضب كثير من أهل برما واستغاثوا بالسلطان فَأنْكر على الخليلي مَا وَقع مِنْهُ. وَبعث الْأَمِير أبدكار الْحَاجِب للكشف عَمَّا جرى فِي برما فَتبين لَهُ قبح سيرة الْمَسْأَلَة فحملهم مَعَه إِلَى السُّلْطَان فَأمر بهم وبغرمائهم أَن يتحاكموا إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فَادّعى عَلَيْهِم بقوادح وأقيمت الْبَينَات بهَا فسجنهم. وَاتفقَ أَن الخليلي وَقع - فِي شونة قصب لَهُ - نَار أحرقها كلهَا وفيهَا جملَة من المَال وَحدث بِهِ وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير تمربادي الدمرداشي نَائِب صفد قدمهَا وَأقَام بهَا خَمْسَة أَيَّام وَمَات فِيهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير صنجق السيفي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن يلو. وَفِيه قدمت رسل الفرنج. وَقدم الْبَرِيد من الكرك بِأَن نائبها الْأَمِير طغاي تمر صَالح الْأَمِير خاطر حَتَّى اطْمَأَن لَهُ وَدخل إِلَيْهِ وَمَعَهُ إبناه فَقبض عَلَيْهِم وذبحهم ثَلَاثَتهمْ. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير كْمُشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة صفد. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد ابْن وَزِير بَيته إِلَى نظر الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله بن عَزِيز الإسْكَنْدراني - تَاجر السُّلْطَان - بهَا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: اجْتمع الْأَمِير سودن النَّائِب وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بشباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وقدمت رسل مسلمة أهل برمة - وهم سِتَّة - وَضربت أَعْنَاقهم على الزندقة ثمَّ غسلوا وكفنوا ودفنوا. بمقابر الْمُسلمين. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شهر رَجَب: طلع الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تكنز -(5/151)
نَائِب الشَّام - بالسلطان وَنقل لَهُ عَن الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد أَنه اتّفق مَعَ الْأَمِير قُرُط بن عمر التركماني والأمير إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير قُطْلو أَقتمر العلاي أَمِير جاندار وَجَمَاعَة قرط من التركمان والأكراد وهم نَحْو الثماني مائَة فَارس على أَن السُّلْطَان إِذْ نزل من القلعة إِلَى الميدان فِي يَوْم السبت للعب بالكرة وترجل الْأُمَرَاء والمماليك كلهم وَمَشوا فِي ركاب السُّلْطَان على الْعَادة عِنْد قربه من الميدان خَرجُوا جَمِيعًا وَقتلُوا السُّلْطَان والأمراء وأركبوا الْخَلِيفَة وصعدوا بِهِ إِلَى القلعة ومكنوه من الْقيام بالسلطنة فَإِن عَارضه معَارض فر بِهِ قرط إِلَى الفيوم ودعا عربان الصَّعِيد للْقِيَام بنصرته وَأَن الْخَلِيفَة قد كتب إِلَى بدر الدّين بن سَلام أَن يقوم لَهُ فِي الْبحيرَة بالدعوة. فَحلف السُّلْطَان ابْن تنكز على صِحَة مَا نَقله فَحلف لَهُ. وَالْتزم أَنه يحاققهم على مَا نقل عَنْهُم. فَبعث السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة وَإِلَى قرط وَإِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر فأحضرهم إِلَيْهِ واستدعى أَيْضا الْأَمِير سودن النَّائِب وحدثه. بِمَا بلغه عَن الْخَلِيفَة وقرط وَإِبْرَاهِيم فَأخذ يُنكر ذَلِك ويستبعد وُقُوعه مِنْهُم فَأمر السُّلْطَان بِالثَّلَاثَةِ فَحَضَرُوا بَين يَدَيْهِ وَأخذ يذكر لَهُم مَا نقل عَنْهُم فأنكروا إِلَّا قرط فَإِنَّهُ لما اشْتَدَّ عَلَيْهِ السُّلْطَان وَخَافَ تهديده قَالَ: إِن الْخَلِيفَة طلبني وَقَالَ لي هَؤُلَاءِ ظلمَة وَقد استولوا على هَذَا الْأَمِير بِغَيْر رضائي وَأَنِّي لم أقلد برقوق أَمر السلطنة إِلَّا غصبا وَقد أَخذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ وَطلب مني أَن أقوم مَعَه لله وأنصر الْحق وأزيل هَذِه الدولة الظالمة. وَالْتزم أَنه يبطل المكَوس جَمِيعهَا وَلَا يفعل إِلَّا الْحق. فأجبته إِلَى ذَلِك ووعدته المساعدة وَأَن أجمع لَهُ ثَمَانِي مائَة فَارس من الأكراد والتركمان وأقوم بأَمْره. فَقَالَ السُّلْطَان للخليفة: مَا قَوْلك فِي هَذَا. فَقَالَ. لَيْسَ لمقاله صِحَة. فَسَأَلَ إِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر عَن ذَلِك فَقَالَ: مَا كنت حَاضرا هَذَا الْأَمر والاتفاق لَكِن الْخَلِيفَة استدعاني إِلَى بَيته بِجَزِيرَة الْفِيل وَأَخْبرنِي بِهَذَا الْكَلَام وَقَالَ لي إِن هَذَا مصلحَة ورغبني فِي مُوَافَقَته وَالْقِيَام لله تَعَالَى ونصرة الْحق. فَأنْكر الْخَلِيفَة مَا قَالَه إِبْرَاهِيم وَأخذ إِبْرَاهِيم يحاققه وَيذكر لَهُ أَمَارَات والخليفة يحلف أَن هَذَا الْكَلَام لَيْسَ لَهُ صِحَة فَاشْتَدَّ حنق السُّلْطَان واستل السَّيْف ليضْرب بِهِ عنق الْخَلِيفَة فَقَامَ الْأَمِير سودن النَّائِب وَحَال بَينه وَبَينه وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى سكن بعض غَضَبه. فَأمر بقرط وَإِبْرَاهِيم أَن يسمرا واستدعى الْقُضَاة ليفتوه بقتل الْخَلِيفَة فَلم يفتوه بقتْله وَقَامُوا عَنهُ. فَأخذ الْخَلِيفَة وسجن فِي مَوضِع بالقلعة وَهُوَ مُقَيّد. وَسمر قرط وَإِبْرَاهِيم وشهرا فِي الْقَاهِرَة ومصر. ثمَّ أوقفا تَحت القلعة بعد الْعَصْر. فَنزل الْأَمِير أيد كار الْحَاجِب وَسَار بهما ليوسطا خَارج بَاب المحروق من الْقَاهِرَة. وابتدأ بقرط فوسطه. وَقبل أَن يوسط إِبْرَاهِيم جَاءَت عدَّة من المماليك بِأَن الْأُمَرَاء قد شفعوا فِي إِبْرَاهِيم ففكت مَسَامِيرهُ وسجن بخزانة شمايل.(5/152)
وَطلب السُّلْطَان زَكَرِيَّا وَعمر ابْني إِبْرَاهِيم عَم المتَوَكل فَوَقع اخْتِيَاره على عمر بن الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن المستمسك بِاللَّه أبي عبد الله مُحَمَّد بن الإِمَام الْحَاكِم بِأَمْر الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن بن أبي بكر بن أبي عَليّ إِسْحَاق ابْن عَليّ القبي فولاه الْخلَافَة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِيه: قبض على حُسَيْن بن قرط وَعمر ابْن أخي قرط فسجنا بخزانة شمايل وخلع على الْأَمِير سَبرج الكُمُشبغاوي وَاسْتقر وَالِي قلعة الْجَبَل بإمرة طبلخاناة عوضا عَن طَشتمر المظفري. وَقبض على عَليّ ابْن بدر وَالِي أطفيح وَقيد وَاسْتعْمل مَعَ المقيدين فِي نقل التُّرَاب وَنَحْوه بالقلعة. وَكتب بِولَايَة عُثْمَان بن قارة إمرة الْعَرَب عوضا عَن نعير بن حيار بن مهنا وَتوجه بِهِ وبالتشريف الْأَمِير بجمان المحمدي وقلده الْإِمَارَة. وَركب هُوَ والأمير يلبغا الناصري نَائِب حلب وكبسوا نعير ابْن حيار. وَكَانَت بَينهم وَبَينه وقْعَة عَظِيمَة انهزم فِيهَا نعير وَنهب لَهُ مَا لَا يُوصف فمما أَخذ لَهُ ثَلَاثُونَ ألف بعير. وَوجد لَهُ بسط تحمل الفردة الْوَاحِدَة مِنْهَا على بعير وسبى حريمه. فَكَانَ هَذَا أَيْضا من أعظم أَسبَاب الْفساد فِي الدولة وَمن أكبر أَسبَاب خراب الشَّام. وَفِي يَوْم السبت سادسه: قدم الْبَرِيد بِخَبَر هَذِه الْوَاقِعَة. وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان على الْعَادة. وَفِي ثامنه: خلع على الطواشي بهادر الشهابي وَاسْتقر مقدم المماليك عوضا عَن جَوْهَر الصلاحي. وخلع على الْأَمِير كمشبغا الخاصكي وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَالِثا بعد وَفَاة أيدمر من صديق. وخلع على الْأَمِير بكلمش الطازي العلاي وَاسْتقر رَأس نوبَة خَامِسًا(5/153)
عوضا عَن بجمان المحمدي وخلع على الْأَمِير حسن قجا الأسن قجاوي وَاسْتقر شاد الشَّرَاب خاناه عوضا عَن كمشبغا الخاصكي. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَانِي مرّة. وَفِي ثامن عشره: خلع على كرجي بِولَايَة الأشمونين عوضا عَن قطلوبغا حاجي وَفِيه دَار الْمحمل بِالْقَاهِرَةِ ومصر على الْعَادة فِي كل سنة واستجد لَهُ ثوب حَرِير أصفر بشمسات زركش فِيهَا اسْم السُّلْطَان وعملت لَهُ رصافيات فضَّة مطلية بِذَهَب فجَاء أحسن مَا عهد قبل ذَلِك. وَفِيه عرضت كسْوَة الْكَعْبَة وَقد استجد فِيهِ أَيْضا أَن عمل طرازها الدائر بِأَعْلَاهَا من قصب. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان ثَالِث مرّة. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر وَنزل بالبيمارستان المنصوري ثمَّ ركب مِنْهُ إِلَى القلعة. وَبلغ النداء على النّيل أَربع أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا ثمَّ زَاد بعد ذَلِك حَتَّى انْتهى إِلَى أَصَابِع من أحد وَعشْرين ذِرَاعا فغرقت مَوَاضِع عديدة وتهدمت عدَّة دور وانتهبت وانتدب عدَّة من الْأُمَرَاء لسد مقاطع المَاء. وَفِيه قدم عدَّة من رجال نَائِب سنجار وَمن تكريت وقيصرية الرّوم يسْأَلُوا أَن تكون مُضَافَة إِلَى مملكة مصر فَكتبت تقاليد الثَّلَاثَة وحملت لَهُم التشاريف وَخرج السُّلْطَان إِلَى السرحة بسرياقوس على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي أول شعْبَان: قدم الْخَبَر بحركة الفرنج فرسم بِخُرُوج اليزك إِلَى السَّاحِل فتجهزوا وَسَارُوا فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشره فَتوجه الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا الخاصكي إِلَى ثغر رشيد وَتوجه الْأَمِير أيدكار الْحَاجِب إِلَى ثغر دمياط. وَقدم الْخَبَر بِأَن سَلام ابْن التركية جمع عَلَيْهِ كثيرا من العربان وَنهب نواحي الفيوم. وَقد لحق بِهِ إِبْرَاهِيم بن اللبان فِي زِيّ أَنه من جِهَة الْخَلِيفَة وَلحق بِهِ أَحْمد بن الزعلي مُتَوَلِّي قليوب - وَقد فر من الشكوى عَلَيْهِ - فَخرج أَرْبَعَة أُمَرَاء فِي طلب ابْن التركية ففر مِنْهُم إِلَى جِهَة الصَّعِيد الْأَعْلَى وَاسْتقر فِي ولَايَة قليوب قُطْليجا الصفوي. وَاسْتقر أوناط اليوسفي فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ القرمي.(5/154)
وَقدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير يلبغا الناصري من حلب بالعسكر للقاء الفرنج وَقد وَردت شوانيهم فِي الْبَحْر لقصد إِيَاس ونزوله بالعمق لقُرْبه من الْبَحْر. فورد عَلَيْهِ كتاب نَائِب اللاذقية بوصول الفرنج إِلَى بيروت وَأَنَّهُمْ نزلُوا إِلَى الْبر وملكوا بعض أبراجها. فأدركهم الْعَسْكَر الشَّامي فِي طَائِفَة من رجّالة الأكراد وقاتلوهم فأيد الله الْمُسلمين حتَى قتلوا من الفرنج نَحْو خَمْسمِائَة رجل وَانْهَزَمَ باقيهم إِلَى مراكبهم وَسَارُوا وعادت العساكر إِلَى الشَّام. وَأَن الْأَمِير يلبغا الناصري ألْقى الْفِتْنَة بَين التركمان الأجقية والقنقية فَرمى طَائِفَة القنقية على الْأُخْرَى وَكتب إِلَيْهِم بالنزول على بَاب الْملك مفتتح الْبِلَاد السيسية حَيْثُ مقَام الأجقية لإيقاع سيف الْفِتْنَة بَينهم. وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف ابْن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْعِزّ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَمَضَان: حضر سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الْخَاص الْخدمَة على الْعَادة وَقد اجْتمع نساؤه فِي دَاره لفرح عِنْدهم وعليهن من اللُّؤْلُؤ والجوهر وَالذَّهَب وَثيَاب الْحَرِير مَا تجل قِيمَته وَالْخُمُور بَينهُنَّ دَائِرَة والمغاني تغنيهن فَنزل الْأَمِير قُرقُماس الخازندار والأمير بهاء الدّين بهادر الأستادار وأحاطا بداره وَأخذ النِّسَاء والغلمان وحملا جَمِيع مَا فِي الدَّار فبلغت قِيمَته زِيَادَة على مِائَتي ألف دِينَار وَقبض على ابْن البقري بِالْقصرِ وَعمل فِي الْحَدِيد وسجن بقاعة الصاحب من القلعة وَلَا علم لَهُ. بِمَا كَانَ فِي دَاره. وخلع على الْوَزير الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان بِنَظَر الْخَاص فاستعفي من ذَلِك وَقَالَ: هَذِه خلعة الِاسْتِمْرَار فَلم يُكَلف لولايتها. وَطلب موفق الدّين أَبُو الْفرج عبد الله الَّذِي أسلم وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص. وَفِي سادس عشره: قبض الْوَزير على عبيد البازدار - مقدم الدولة - وَأخذ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم وَأقَام عوضه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فِي تقدمة الدولة ثمَّ جعل مَعَه شَرِيكا لَهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف. وَفِي عشرينه: خرجت تجريدة إِلَى دمياط فِيهَا سِتُّونَ مَمْلُوكا وَخرجت تجريدة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَإِلَى رشيد. وَفِيه أخرجت إقطاعات المماليك الأشرفية عَنْهُم إِلَى مماليك السُّلْطَان.(5/155)
وَفِيه اشتدت عُقُوبَة ابْن البقري بالمقارع وألزم بِحمْل خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم بعد مَا أَخذ مِنْهُ مَا يُقَارب الثلاثمائة ألف دِينَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر ركب السُّلْطَان للصَّيْد عدَّة مرار. وَفِيه كتبت أَسمَاء الَّذين فِي سجن الْقُضَاة على الدُّيُون وصولح غرماؤهم عمالهم عَلَيْهِم من الدّين بِمَال أخرجه السُّلْطَان على يَد الْأَمِير جركسالخليلي وَأَفْرج عَنْهُم. وَفِيه شفع الْأُمَرَاء فِي الْخَلِيفَة وَتقدم مِنْهُم الْأَمِير أَيتمش والأمير ألطنبُغا الجوباني وقبلا الأَرْض وسألا السُّلْطَان فِي الْعَفو عَنهُ وترفقا فِي سُؤَاله فعدد لَهما مَا أَرَادَ أَن يَفْعَله من قَتله وقتلهم فكفا عَن مساءلته. ثمَّ سَأَلَهُ بعد ذَلِك الْأَمِير سودن النَّائِب فِيهِ فَأمر بقيده ففك عَنهُ. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث شَوَّال: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد من يَوْمه وَأمر بتتبع المماليك الأشرفية والمماليك البطالين فَأخذُوا وَعمِلُوا فِي الْحَدِيد وَنَفَوْا من مصر. وَفِي ثَانِي عشره: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة وتصيد ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه تَحت الأهرام فَمر على خيمة الْأَمِير قُطْلو أقتمر أَمِير جاندار فَوقف عَلَيْهَا وَخرج إِلَيْهِ قطلو أقتمر وَقبل لَهُ الأَرْض وَقدم لَهُ أَرْبَعَة أَفْرَاس فَلم يقبلهَا فَقبل الأَرْض ثَانِيًا وَسَأَلَ السُّلْطَان أَن يقبلهَا فَأجَاب سُؤَاله وَقبلهَا. وَتوجه السُّلْطَان إِلَى مخيمه واستدعى فِي الْحَال بإبراهيم بن قطلو أقتمر من خزانَة شمايل وخلع عَلَيْهِ وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش وَأَعْطَاهُ ثَلَاثَة أروس أخر وَهِي الَّتِي قدمهَا أَبوهُ وَأذن لَهُ أَن يمشي فِي الْخدمَة ووعده برزق وأرسله إِلَى أَبِيه فسر بِهِ سُرُورًا كَبِيرا وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة لم يحدث السُّلْطَان وَلَا أحدا من الْأُمَرَاء فِي أَمر وَلَده فَأَتَاهُ الله بالفرج من حَيْثُ لَا يحْتَسب. ورحل السُّلْطَان إِلَى سسرحة بالبحيرة على الْعَادة وَعَاد فِي يَوْم الْخَمِيس سادس ذِي الْقعدَة إِلَى القلعة. وخلع على قَاضِي الْعَسْكَر بدر الدّين مُحَمَّد بن البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وشمس الدّين مُحَمَّد القرمي الْحَنَفِيّ. وَفِي يَوْم السبت ثامنه: جمع السُّلْطَان الْقُضَاة وَاشْترى الْأَمِير أيتمش البجاسي من وَرَثَة الْأَمِير جَرجي نَائِب حلب بِحكم أَن جرجي لما مَاتَ لم يكن أيتمش البجاسي مِمَّن أعْتقهُ بل كَانَ فِي رقّه فَأَخذه بعد جرجي بجاس وَأعْتقهُ من غير أَن يملكهُ بطرِيق(5/156)
صَحِيح فَلم يُصَادف عتقه محلا وأثبتوا ذَلِك على الْقُضَاة. فَلَمَّا اشْتَرَاهُ السُّلْطَان مِنْهُم بِمِائَة ألف دِرْهَم أعْتقهُ وأنعم عَلَيْهِ بأربعمائة ألف دِرْهَم فضَّة وبناحية سفط رشين ثمَّ خلع على الْقُضَاة والموقعين الَّذين أسجلوا قَضِيَّة البيع وَالْعِتْق. وَفِي تاسعه: ركب السُّلْطَان إِلَى بركَة الْحجَّاج وَعَاد فَدخل من بَاب الْفتُوح وشق الْقَاهِرَة إِلَى بَاب زويلة وَصعد إِلَى القلعة. وَفِي عاشره: خلع على كَاتب السِّرّ أوحد الدّين لقرَاءَته عتاقة الْأَمِير أيتمش الظَّاهِرِيّ. وخلع على نقيب الْأَشْرَاف السَّيِّد الشريف جمال الدّين عبد الله عبد الرَّحِيم الطباطبي وَاسْتقر فِي نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فَخرج من حِينَئِذٍ نظر الْأَشْرَاف عَن الْقُضَاة وَلم يعد إِلَيْهِم. وأنعم على الْأَمِير ألطنبغا السلطاني بإمرة طبلخاناة. وَفِي سَابِع عشره: ضرب ابْن البقري بَين يَدي السُّلْطَان ضربا مبرحا. وَفِيه خلع على الْمُحْتَسب جمال الدّين مَحْمُود العجمي خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد أرجف بعزله. وَفِيه كتب باستقرار قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق بعد وَفَاة ولي الدّين عبد الله بن أبي الْبَقَاء وَحمل إِلَيْهِ تَقْلِيده وتشريفه فَلم يقبل فخوف عَاقِبَة ذَلِك فَأجَاب وَتوجه من الْقُدس إِلَى دمشق. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْحجَّة: أفرج عَن الْخَلِيفَة المتَوَكل وَنقل من سجنه بالبرج إِلَى دَار بالقلعة وطلع إِلَيْهِ عِيَاله. وَفِيه قدم الْبَرِيد بمحاربة التركمان. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَنه كتب بتجريد عَسْكَر دمشق وطرابلس وحماة وحلب ونواب الثغور وتركمان الطَّاعَة وأكرادها إِلَى جِهَة التركمان العصاة بالبلاد السيسية كالصارم بن رَمَضَان نَائِب أدنه وَبني أوزر وَابْن برناص من طَائِفَة الأجقية لمقاتلتهم على تعديهم طريقهم وقطعهم الطرقات ونهبهم حجاج الرّوم ولاتفاقهم مَعَ الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بك بن قرمان - صَاحب لارندة على اقتلاع بِلَاد سيس فتأهبت العساكر لذَلِك ووافت حلب فتقدمها الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب وَركب من حلب فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة يُرِيد العمق وَكتب إِلَى بني أوزر وَبَقِيَّة التركمان العصاة ينذرهم ويحذرهم التَّخَلُّف عَن الْحُضُور إِلَى الطَّاعَة(5/157)
ويخوفهم بَأْس العساكر وَإِنَّهُم إِن أذعنوا وأطاعوا كَانُوا آمِنين على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَمن تخلف كَانَ غنيمَة للعساكر. وَسَار حَتَّى نزل تَحت عقبَة بغراس فَعرض العساكر وَترك الثّقل وَتوجه مخفا وَجَاوَزَ عقبَة بغراس وَترك بهَا نائبي عين تَابَ وبغراس بخيالتهما ورجالهما حفظا للدربند إِلَى أَن تصل العساكر الشامية. وجد السّير إِلَى أَن نزل بَاب إسكندرونه بِجَانِب الْبَحْر وأراح الْخَلِيل يَسِيرا. وَقدم أَمَامه من أُمَرَاء الألوف بحلب دمرداش وكَشلى ليملكا جسر المصيصة قبل أَن يفْطن التركمان بوصول العساكر فيقطعونه وَلَا يُمكن جَوَازه إِلَّا بعد تَعب زايد. ثمَّ ركب فِي الثُّلُث الأول من لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشره وَسَار مجدا فوصل المصيصة عصر نَهَار الْأَحَد فَوجدَ الأميرين قد ملكا الجسر بعد أنْ هدم التركمان بعضه وَقَطعُوا مِنْهُ جانبا لَا يمْنَع الاجتياز وتوقدت بَينهم نَار الْحَرْب. وعدت العساكر نهر جاهان إِلَى جَانب بِلَاد سيس واقتفوا آثَار من كَانَ بِالْمصِّيصَةِ من التركمان فأدركوا بعض الْبيُوت فانتهبوها فَتعلق الرِّجَال بشعف الحبال ثمَّ حضرت قصاد التركمان - على اخْتِلَاف طوائفهم - يسْأَلُون الْأمان فَأجَاب الْأَمِير يلبغا الناصري سُؤَالهمْ وَكتب لَهُم أَمَانًا. وَلما أحس الصارم بن رَمَضَان بالعساكر ترك أذنة وفر إِلَى الْجبَال الَّتِي لَا تسلك. ووصلت الأطلاب والثقل إِلَى المصيصة فِي سَابِع عشره فَقدم من الْغَد ثامن عشره قَاصد الْأَمِير طَشبُغا الْعزي - نَائِب سيس - بِخَبَر وُصُول ابْن رَمَضَان إِلَى أَطْرَاف الْبِلَاد السيسية وَأَنه ركب فِي أَثَره وَمَعَهُ طَائِفَة من التركمان القرمانيين فأدركوا بيوته فانتهبوها وأمسكوا أَوْلَاده وحريمه وَنَجَا بِنَفسِهِ وَلحق بالتركمان البياضية مستجيرا بهم فأجمعت الآراء على التَّوَجُّه بالعساكر إِلَى جهتهم وإمساكه. فَقدم الْخَبَر من نَائِب سيس فِي أخر النَّهَار بِأَنَّهُ اسْتمرّ فِي طلب ابْن رَمَضَان إِلَى أَن أدْركهُ وأمسكه وَأمْسك مَعَه أَخَاهُ قرا مُحَمَّد وَأَوْلَاده وَأمه وجماعته وَعَاد إِلَى سيس فسرت العساكر بذلك سُرُورًا زَائِدا.(5/158)
ورحلت فِي تَاسِع عشره تُرِيدُ سيس وأحاطت بطَائفَة من التراكمين اليراكية فانتهبت كثيرا من خيل ومتاع وأثاث ثمَّ أمنوهم بسؤالهم ذَلِك وَتَفَرَّقَتْ جموع التركمان بالجبال وَمَرَّتْ العساكر إِلَى جِهَة سيس. وأحضر ابْن رَمَضَان وَأَخُوهُ قرا مُحَمَّد وَمن أمسك مَعَهُمَا فوسطوا وَعَاد الْعَسْكَر يُرِيد المصيصة. وَركب الْأَمِير يلبغا الناصري بعسكر حلب وسلبهم جبلا يُسمى صاروجا شام وَهُوَ مَكَان ضيق حرج وعر بِهِ جبال شوامخ وأودية عِظَام مغلقة بالأشجار والمياه والأوحال وَبِه دربندات خطرة لَا يكَاد الراجل يسلكه فَكيف بالفارس وفرسه الموفرين حملا باللبوس وَإِذا هم بطَائفَة من التركمان اليراكرية فَجرى بَينهم الْقِتَال الشَّديد. فَقتل بَين الْفَرِيقَيْنِ جمَاعَة وفقد الْأَمِير يلبغا الناصري وَجَمَاعَة من أُمَرَاء حلب وَإِذا بهم قد تاهوا فِي تِلْكَ الأودية. ثمَّ تراجع النَّاس وَقد فقد مِنْهُم طَائِفَة. وداخل الْعَسْكَر رعب شَدِيد وَخَوف كَاد يذهب مِنْهُ أَرْوَاحهم. ووصلهم الْخَبَر بِأَن التركمان قد أحاطوا بدربند بَاب الْملك فالتجأوا إِلَى مَدِينَة إِيَاس. ثمَّ قدم يلبغا الناصري إِلَى إِيَاس بعد انْقِطَاع خَبره فتباشروا بقدومه وَأَقَامُوا عَلَيْهَا أَيَّامًا ثمَّ رحلوا فَلَقِيَهُمْ التركمان فِي جمع كَبِير. فَكَانَت بَينهم وقْعَة لم يمر لَهُم مثلهَا. قتل فِيهَا خلق كثير وانجلت عَن كسرة التركمان بعد مَا أبلى فِيهَا الناصري بلَاء عَظِيما. وارتحل الْعَسْكَر يَوْم عيد الْأَضْحَى إِلَى جِهَة بإياس فَمَا ضربت خيامهم بهَا حَتَّى أحَاط بهم التركمان وأنفذوا فرقة مِنْهُم إِلَى بَاب الْملك فوقفوا على دربنده وَمنعُوا عَنْهُم الْميرَة فعزت الأقوات عِنْد الْعَسْكَر وجاعت الْخُيُول وَكثر الْخَوْف وأشرفوا على الْهَلَاك إِلَّا أَن الله تداركهم بخفي لطفه فَقدم عَلَيْهِم الْخَبَر بوصول الْأَمِير سودن المظفري - حَاجِب الْحجاب بحلب - فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَقد استخدم من أهل حلب ألف راجل من شُبَّان بانقوسا ودفعوا إِلَيْهِم مائَة دِرْهَم كل وَاحِد. وَخرج الْعلمَاء والصلحاء وغالب النَّاس وَقد بَلغهُمْ مَا نزل بالعسكر. وَنُودِيَ بالنفير الْعَام فَتَبِعهُمْ كثير من الرجالة والخيالة والأكراد بِبَلَد الْقصير والجبل الْأَقْرَع وَغَيره من أَعمال حلب. فَقَامَ بمؤنتهم الْحَاجِب وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وهجموا على بَاب الْملك فملكوه وَقتلُوا طَائِفَة مِمَّن كَانَ بِهِ من التركمان وهزموا بَقِيَّتهمْ. ففرح الْعَسْكَر بذلك فَرحا كَبِيرا وَسَارُوا إِلَى بَاب الْملك حَتَّى جاوزوا دربنده ونزلوا بغراس ثمَّ رحلوا إِلَى أنطاكية وَقدمُوا حلب. فَكَانَت سفرة شَدِيدَة الْمَشَقَّة بلوا فِيهَا من كَثْرَة تتَابع الأمطار الغزيرة وتوالى هبوب الرِّيَاح الْعَاصِفَة وَكَثْرَة الْخَوْف ومقاساة آلام الْجُوع مَا لَا يُمكن وَصفه. .(5/159)
وَفِي سادس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِأَن الشريف سعد بن أبي الْغَيْث الحسني - الَّذِي كَانَ أَمِير يَنْبع - نزل على الْحَاج المغاربة بوادي العقي وسألهم أَن يعطوه شَيْئا فأمسكوه وربطوا كَتفيهِ وَأخذُوا فرسه وأخذوه مَعَهم مَاشِيا فَأَتَاهُم كثر من عربه وقاتلوهم فَقتل من المغاربة عدد كثير وأفلت مِنْهُم سعد فأدركهم حجاج التكرور وقاتلوهم فَقتل كثير من التكرور وَأخذت أَمْوَالهم وأموال من كَانَ مَعَهم من الصعايدة وَغَيرهم. وَأَن حَاج الْعرَاق أخبروا بِأَن حَاج شيراز وَالْبَصْرَة والحسا خرج عَلَيْهِم قُرَيْش ابْن أخي زامل فِي ثَمَانِيَة آلَاف نفس فَأخذُوا مَا مَعَهم من اللُّؤْلُؤ وَغَيره - وَكَانَ شَيْئا لَهُ مبلغ عَظِيم - وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا. فَرد من بَقِي مِنْهُم مَاشِيا عَارِيا وَقدم بَعضهم إِلَى مَكَّة كَذَلِك صُحْبَة حَاج بَغْدَاد. وَأَن ركب الْعرَاق جبى مِنْهُم عشرُون ألف دِينَارا عراقية حسابا عَن كل جمل خَمْسَة دَنَانِير حَتَّى أمكنهم التَّوَجُّه إِلَى وَفِي هَذِه السّنة: كثر الرخَاء بِالْقَاهِرَةِ وأبيع لحم الضَّأْن السليخ كل عشرَة أَرْطَال بِثمَانِيَة دَرَاهِم وَلحم الْبَقر كل رَطْل بِنصْف دِرْهَم والقمح كل أردب من ثَمَانِيَة دَرَاهِم إِلَى خَمْسَة عشر درهما وَالشعِير من سِتَّة دَرَاهِم الأردب إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم. وَفِي هَذَا الشَّهْر. اسْتَقر شرف الدّين مَسْعُود بن شعْبَان بن إِسْمَاعِيل فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا. ثمَّ بعد قَلِيل أُعِيد ابْن أبي الرِّضَا. وفيهَا ولى الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان بن قارا بن مهنا بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثه بن غضبة بن حَازِم بن فضل بن ربيعَة إمرة آل فضل عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن نعير بن حيار بن مهنا. وفيهَا أنشىء حَوْض للسبيل عِنْد بَاب المعلا. بِمَكَّة باسم السُّلْطَان. وَوصل المَاء إِلَى الْقُدس من قناة العروب بعدعمارتها بِأَمْر السُّلْطَان.(5/160)
وفيهَا قتل مُحَمَّد بن مكي كَبِير الرافضة بِدِمَشْق لتظاهره بزِي النصرية ضربت عُنُقه تَحت القلعة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الأديب شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى بن مخلوف بن مر بن فضل الله بن سعد بن ساعد الْمَعْرُوف بالأعرج السَّعْدِيّ رَحمَه الله. وَمَات الْأَمِير أرغون دوادار الْأَمِير طَشتَمُر أحد الطبلخاناة. وَمَات الْأَمِير أَيْدمَر الْخطابِيّ من صديق وَهُوَ مُجَرّد بالإسكندرية. وَمَات الْأَمِير بلاط السيفي الصَّغِير أَمِير سلَاح وَهُوَ بطرابلس فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير تمرباي نَائِب صفد فِي جُمَادَى الأولى بهَا. وَمَات علم الدّين سُلَيْمَان بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْفَتْح بن هَاشم الْعَسْقَلَانِي أحد أَعْيَان الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات قَاضِي قُضَاة دمشق ولى الدّين عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر بن يحيى بن على تَمام السُّبْكِيّ الشَّافِعِي بهَا. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أيبك الفافا أحد العشرات. وَمَات شرف الدّين مُوسَى بن الْبَدْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود الْحلَبِي أحد موقعي الدست. بِمَدِينَة الرملة عَائِدًا من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق فِي رَابِع عشْرين صفر عَن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة. وَمن شعره: طيف دُونك ناظري خُذ نوره إِن حئت زائر(5/161)
أخْشَى عَلَيْك لشقوتي من أَن تعثر فِي المحابر وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن دِينَار بن قرمان أحد الطبلخاناة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير قُطْلوبغا الكوكاي أحد أُمَرَاء الألوف فِي سادس الْمحرم. وَمَات مُسْتَوْفِي المرتجع أَمِين الدّين عبد الله بن جعيص الْأَسْلَمِيّ فِي ثَالِث عشر الْمحرم. وَمَات الشَّيْخ نَهَار المجنوب المغربي بالإسكندرية وَكَانَ يتحدث بالمغيبات وَله كرامات.(5/162)
سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي الْمحرم: اسْتَقر طشتتمُر السيفي فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن الْأَمِير قطلوبغا أَبُو درقة. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر أَبُو درقة فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن مُحَمَّد بن قرابغا. وَفِي عشرينه: قدم محمل الْحَاج. وَفِيه رسم برمي الإقامات بالصعيد لسفر السُّلْطَان. وَفِي حادي عشرينه: رسم بعمارة برجي ثغر دمياط وَعمارَة جسر السَّبِيل البنهاوي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن السَّيْل هجم على دمشق وَخرب بهَا عدَّة دور فَلم يعْهَد بهَا سيل مثله. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث صفر: قبض على الْأَمِير يلبغا الصَّغِير الخازندار وَسَبْعَة من المماليك وَشَيْء بهم أَنهم قصدُوا الفتك بالسلطان وضربوا ثمَّ نفوا إِلَى الشَّام. وَفِي خَامِس عشرينه: درس شَيخنَا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون بِالْمَدْرَسَةِ القمحية بِمصْر عوضا عَن علم الدّين سُلَيْمَان الْبِسَاطِيّ بعد مَوته وَحضر مَعَه بهَا الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول: قدم الْأَمِير بَيدمُر الْخَوَارِزْمِيّ نَائِب الشَّام فَجَلَسَ بدار الْعدْل فَوق الْأَمِير سودن النَّائِب. وَفِي ثَالِث عشره خُلع عَلَيْهِ وَقيد لَهُ من الإصطبل ثَمَانِيَة جنائب من الْخَيل بقماش ذهب جرها الأوجاقية خَلفه. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره: كَانَ عقد السُّلْطَان على فَاطِمَة ابْنة الْأَمِير مَنجك اليوسفي وَقبل النِّكَاح كَاتب السِّرّ أوحد الدّين عبد الْوَاحِد وخلع عَلَيْهِ وعَلى نَاظر الْخَاص وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وموقعي الحكم وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره: نزل السُّلْطَان إِلَى عِيَادَة الْأَمِير الطنبغا الجوباني أَمِير مجْلِس وَقد مرض(5/163)
وَفِيه طلع الْأَمِير بيدمُر نَائِب الشَّام بتقدمة جليلة تشْتَمل على عشْرين مَمْلُوكا منتخبة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ حمالا عَلَيْهَا أَنْوَاع الثِّيَاب من الْحَرِير وَالصُّوف والفرو بأنواعه وَثَلَاثَة عشر كَلْبا سلوقيا وَثَمَانِية عشر فرسا عَلَيْهَا جلال الْحَرِير وَخمسين فحلا واثنين وَثَلَاثِينَ حجرَة وَمِائَة أكديش لتتمة مِائَتي فرس وثماني قطر هجن بقماش ذهب وَخَمْسَة وَعشْرين قِنْطَارًا من الهُجن بُعبي وبكيران ساذجة وَأَرْبَعَة قطر جمال بَخَاتِي لكل جمل مِنْهَا سنمان وَثَمَانِينَ جملا عرايا. وباسم ولد السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد عشْرين فرسا وَخمْس عشرَة حمَّالا ثيابًا وَغَيرهَا. وَفِي عشرينة: خلع عَلَيْهِ خلعة السّفر، وَتوجه إِلَى مَحل ولَايَته. وفى رَابِع عشرينه: أذن السُّلْطَان لنواب القَاضِي الْحَنَفِيّ أَن يستمروا على حكمهم بعد موت قاضيهم صدر الدّين بن مَنْصُور. وَفِي خَامِس عشرينه: نزل السُّلْطَان لعيادة الجوباني مرّة ثَانِيَة ففرش لَهُ الجوباني شقَاق الْحَرِير السكندري وشقاف الْحَرِير الشَّامي وشقاق نخ من بَاب اصطبله إِلَى حَيْثُ هُوَ مَضْجَع فَمشى عَلَيْهَا بفرسه ثمَّ بقدميه وَنَثَرت عَلَيْهِ الدَّنَانِير والمراهم وقدّم لَهُ الجوباني جَمِيع مَا عِنْده من الْخَيل والمماليك فَلم يرزأه شَيْئا مِنْهَا. وَفِي يَوْم الْأَحَد سلخه: حمل جهاز فَاطِمَة ابْنة الْأَمِير منجك - زَوْجَة السُّلْطَان - إِلَى القلعة وَقِيمَته مائَة ألف مِثْقَال ذَهَبا يحملهُ ثَلَاثمِائَة حمال وَعشرَة أطباق مَمْلُوءَة زركش وَسَبْعُونَ بغلاً. والأمير أيدكار الْحَاجِب ماش أَمَام الجهاز هُوَ والأمير بهادر الأستدار. والأمير قُردُم الْحسي رَأس نوبَة والأمير يُونُس الدوادار والأمير قرقماس الخازندار فَكَانَ يَوْمًا مشهودًا. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شهر ربيع الآخر: بنى عَلَيْهَا السُّلْطَان. وَفِي سابعه: قدم الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الدمياطي من الْحَبَشَة وخلع عَلَيْهِ. وَفِي تاسعه: قدم الْخَبَر بنزول مركبين من مراكب الفرنج على رشيد فَخرج الْأَمِير يُونُس الدوادار والأمير ألطنبغا الْمعلم فَلم يدركوهم. وَفِي ثامن عشرَة: ركب الْأَمِير ألطنبغا الجوباني إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة، وَقد عوفي مِمَّا كَانَ بِهِ.)(5/164)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: استدعى شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي - أحد نواب الحكم الْحَنَفِيَّة - وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن صدر الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور بعد وَفَاته. وَقد شغر منصب الْقُضَاة بعد مَوته أحدا وَأَرْبَعين يَوْمًا وسعى فِيهِ غير وَاحِد فَلم يتهيأ إِلَّا للطرابلسي بسفارة أوحد الدّين كَاتب السِّرّ. وَفِي سادس عشرينه: توفّي للسُّلْطَان ولد ذكر فَدفن بتربة الْأَمِير يُونُس الدوادار خَارج بَاب النَّصْر. وَفِي تَاسِع عشرينه: نزل السُّلْطَان لزيارة قَبره وَعبر من بَاب النَّصْر فمرّ فِي الْقَاهِرَة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن جُمَادَى الأولى: قرىء تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية بَين القصرين على الْعَادة وحضره الْقُضَاة والأعيان وَتكلم على قَوْله تَعَالَى: يأيها الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَفِي ثَالِث عشره: غضب السُّلْطَان على نَاظر الْجَيْش تَقي الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد الشَّافِعِي بِسَبَب إقطاع زامل أَمِير آل فضل وَقد رادَّه فِيهِ فَضَربهُ بالدواة ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب بَين يَدَيْهِ نَحْو ثَلَاثمِائَة ضَرْبَة بالعصى. وَكَانَ ترفا فَحمل فِي محفة إِلَى دَاره بِالْقَاهِرَةِ فَلَزِمَ الْفراش حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الْخَمِيس سادس عشره. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن بكَتمُر الْحَاجِب من سَفَره وَهُوَ مَرِيض فِي محفة فَمَاتَ من يَوْمه. وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير بورى صهر الْأَمِير أيتمش الأتابك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره: خلع على نَاظر الْخَاص موفق الدّين أبي الْفرج الْأَسْلَمِيّ وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن تَقِيّ الدّين مُضَافا إِلَى نظر الْخَاص وَنظر الذَّخِيرَة وَاسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وَفِيه أخرج الشريف بَكتمُر الْوَالِي منفيا إِلَى الشَّام وأنعم بإمرته على الْأَمِير نَاصِر. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: عزلا قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن خير الْمَالِكِي من أجل أَنه حكم فِي قَضِيَّة خطّأه فِيهَا فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة.(5/165)
وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة ثَمَانِيَة أَذْرع وَأَرْبع أَصَابِع وَزَاد على الْعَادة حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه ورابع مسرى. فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس حَتَّى خُلّق بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج بِحَضْرَتِهِ على الْعَادة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: صلى الشَّيْخ أكمل الدّين صَلَاة الْجُمُعَة مَعَ السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وترضاه. وَذَلِكَ أَنه كَانَ عزل مدرس الْمَالِكِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي المغربي من تدريس الشيخونية فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء ليعيدوا الركراكي فَلم يقبل شَفَاعَته فتغيظ عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك فصمم على منع الركراكي وترضي السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره: استدعى شَيخنَا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون إِلَى قلعة الْجَبَل وَعرض عَلَيْهِ السُّلْطَان ولَايَة قَضَاء الْمَالِكِيَّة وخلع عَلَيْهِ ولقب ولي الدّين. فاستقر قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير وَذَلِكَ بسفارة الْأَمِير ألطنبغا الجوباني أَمِير مجْلِس وَقُرِئَ فِي الْمدرسَة الناصرية بَين القصرين على الْعَادة وَتكلم على قَوْله تَعَالَى: إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَفِي تَاسِع عشرينه ولي الشَّيْخ أكمل الدّين تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاة شيخو تَاج الدّين بهْرَام عوضا عَن شمس الدّين الركراكي وَحضر مَعَه الدَّرْس بهَا قُضَاة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء. وَفِي آخِره ركب الْأَمِير سودن بن النَّائِب وَمَعَهُ قُضَاة الْقُضَاة إِلَى الْكَنِيسَة الْمُعَلقَة بقصر الشمع من مَدِينَة مصر الْفسْطَاط وكشفها وَهدم مَا استجده النَّصَارَى بهَا من الْبناء. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع رَجَب: - ورابع أَيَّام النسيء - ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان للعب بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه قدم عَلَيْهِ رسل التركمان فَعَفَا عَنْهُم. وَكَانَ من خبرهم أَن الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب بلغه أَن التركمان الأجقية والبوزقية استولوا على مَدِينَة مرعش واقتلعوها وكسروا تركمان الطَّاعَة المقيمين بهَا. فَركب فِي أَوَائِل ربيع الآخر بفرقة من الْعَسْكَر وَنزل مرعش وَقتل عدَّة من الْمَذْكُورين وجرح كثيرا وَهزمَ باقيهم إِلَى الْجبَال فَأخذ أَمْوَالهم وَحرق بُيُوتهم وَأقَام. بمرعش أَيَّامًا فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن خَلِيل ابْن دلغادر - عَدو(5/166)
الدولة - اتّفق مَعَ القَاضِي إِبْرَاهِيم حَاكم سيواس وأرزنجان وَمَعَ التتار وَسَار بهم أَطْرَاف بِلَاد درندة دوركي فنهبوا وعاثوا فَركب من مرعش وَسَار إِلَى أبلستين وَبعث كشافته فِي طلب الْقَوْم فَإِذا بهم قد تفَرقُوا فَأَقَامَ عَلَيْهَا أَيَّامًا - على نهر جاهان - ثمَّ رَحل يُرِيد ابْن دلغادر. وَقد بلغه نُزُوله بِالْقربِ من سيواس فَبَلغهُ ذَلِك ففر وَعَاد الناصري. ثمَّ سَار إِلَى رَأس الْعين من عمل ماردين ثمَّ عَاد إِلَى حران فِي طلب التركمان فَأَقَامَ عَلَيْهَا أَيَّامًا ثمَّ عَاد. وَفِي أثْنَاء شهر رَجَب: استبدل السُّلْطَان خَان الزَّكَاة من وَرَثَة النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بِقِطْعَة أَرض وَأقَام الْأَمِير جركس الخليلي أَمِير آخور على عمَارَة مَوْضِعه مدرسة فابتدى بهدمه فِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرينه. وَفِي آخِره: عزل السُّلْطَان قُضَاة حلب الْأَرْبَع وأعيد محب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة إِلَى قَضَاء وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله النحريري فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة عوضا عَن أبي يزِيد عبد الرَّحْمَن بن رشد. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي البركات مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز بن فياض الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بهَا عوضا عَن عَمه شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الدّين مُوسَى بن فياض. وَاسْتقر نَاصِر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين بن أبي حَفْص عمر بن نجم الدّين بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن زين الدّين عمر بن أبي الطّيب الدِّمَشْقِي فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مهَاجر وَولى شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري قُضَاة الْمَالِكِيَّة بطرابلس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة سرى الدّين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هاني اللَّخْمِيّ الأندلسي. وَأعَاد علم الدّين القفصي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الشاذلي. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شعْبَان: مَاتَ تَحت الْهدم بخان الزَّكَاة جمَاعَة من الفعلة. وَفِي خامسه: ركب السُّلْطَان إِلَى عِمَارَته فَدخل من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة فَدخل إِلَى بَيت الْأَمِير الأتابك أيتمش وَعَاد إِلَى القلعة.(5/167)
وَفِي تاسعه: سَار السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة فِي كل سنة، وَنزل بالقصور) وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشره ورابع بابة: ابْتَدَأَ نقص مَاء النّيل وَقد بلغت زِيَادَته إِلَى عشر أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي سادس عشره: ضُرب بهادر كاشف الْوَجْه البحري بالمقارع سِتِّينَ شيبا ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَاسْتمرّ على الْكَشْف. وَفِي ثَالِث عشرينه: عَاد السُّلْطَان من السرحة. للقبض على سعد الدّين نصر الله ابْن البقري وألزم. بِمَال وَقبض على نِسَائِهِ فدلت امْرَأَته على مَوضِع أَخذ مِنْهُ سَبْعَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَمِائَتَا دِينَار وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَمَضَان: ركب السُّلْطَان وشق الْقَاهِرَة. وَفِي حادي عشره: خلع على تمرباي الحسني نَائِب أبلستين وعَلى دمرداش القشتمُري نَائِب الكرك وعَلى أيدمر الشمسي أَبُو زلطة نَائِب الْوَجْه القبلي وعَلى ابْن رَمَضَان التركماني نَائِب البيرة. وحملت خلعة لأركماس حَاجِب طرابلس بنيابة صفد وخلعة لطغاي تمر القبلاوي بنيابة سيس. وخلع على الشريف سعد بن أبي الْغَيْث وَاسْتقر شَرِيكا لِابْنِ عَمه مُحَمَّد بن مَسْعُود فِي إِمَارَة يَنْبع. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: نزل السُّلْطَان لعيادة الشَّيْخ أكمل الدّين فِي مَرضه ثمَّ نزل حَتَّى يصلى عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشره. وَظهر أَنه أُغمي عَلَيْهِ وَلم يمت فَعَاد السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره نزل السُّلْطَان حَتَّى صلى عَلَيْهِ بمصلى المؤمني تَحت القلعة وَمَشى على قَدَمَيْهِ إِلَى الخانكاة الشيخونية مَعَ النَّاس فِي الْجِنَازَة بَعْدَمَا أَرَادَ أَن يحمل النعش فَحَمله الْأُمَرَاء عَنهُ وَمَا زَالَ على الْقَبْر حَتَّى دفن ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَفِيه خلع على بكتمُر الطرخاني وَاسْتقر فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن كَرْجي. وَفِيه عُزل الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الدمياطي رَسُول الْحَبَشَة بِالْحَبْسِ من أجل أَنه قَالَ: لَا رحم الله أكمل الدّين فَإِن مَوته فتح. وَفِي ثَانِي عشرينه: عدَّى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة للصَّيْد وَعَاد من يَوْمه.(5/168)
وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على عز الدّين يُوسُف بن مَحْمُود الرَّازِيّ العجمي الْأَصَم وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه شيخو عوضا عَن أكمل الدّين بعد وَفَاته وخلع على الشّرف الْأَشْقَر - واسْمه عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن رَسُول بن أَمِير يُوسُف بن خَلِيل ابْن نوح الكرادي العجمي الْحَنَفِيّ - إِمَام السُّلْطَان وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه بيبرس عوضا عَن الرَّازِيّ وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود الْمُحْتَسب فِي تدريس الحَدِيث بالقبة المنصورية عوضا عَن الرَّازِيّ وأعيد الركراكي إِلَى تدريس الْمَالِكِيَّة بخانكاه شيخو عوضا عَن بهْرَام واستَقر أوحد الدّين عبد الْوَاحِد كَاتب السِّرّ مُحدثا فِي نظر خانكاه شيخو بعد أكمل الدّين بِحكم أَن النّظر لَهُ لرأس نوبَة بِشَرْط الْوَاقِف. وَفِي ثامن عشرينه: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة فتَصيد وَعَاد من يَوْمه. وَاسْتقر شرف الدّين مَسْعُود بن شعْبَان بن إِسْمَاعِيل فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا. وَقدم كبيش بن الشريف عجلَان بالقود من جِهَة أَخِيه الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن ظُهيرة فِي قَضَاء مَكَّة عوضا عَن كَمَال الدّين أبي الْفضل مُحَمَّد النويري بعد وَفَاته بعناية أوحد الدّين كَاتب السِّرّ وحمُل إِلَيْهِ تَقْلِيده وتشريفه. وقدمت هَدِيَّة متملك قيصرية الرّوم. وَفِي يَوْم السبت سادس شَوَّال: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى بر الجيزة يُرِيد سرحة الْبحيرَة على الْعَادة كل سنة. وَفِي حادي عشره: قدم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب فَعدى إِلَى السُّلْطَان. وَفِي رَابِع عشره: خرج محمل الْحَاج على الْعَادة فِي كل سنة صُحْبَة الْأَمِير بهادر الجمالي المشرف(5/169)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْقعدَة: قدم السُّلْطَان من سرحة الْبحيرَة. وَفِي خامسه: خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري خلعة السّفر وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان إِلَى بركَة الْحجَّاج وَعَاد فشق الْقَاهِرَة إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامنه: أسست الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة مَوضِع خَان الزَّكَاة بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَفِي ثَالِث عشره: عدى السُّلْطَان إِلَى الجيزة وَعَاد من يَوْمه. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرَة: قدم الْخَبَر. بِمَوْت الْأَمِير بهادر أَمِير الْحَاج. بِمَنْزِلَة عينونة فَقَامَ الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن الْأَمِير منكلي بغا الشمسي بإمرة الْحَاج. وَفِي سادس عشره: خلع على الْأَمِير أبي بكر بن الْأَمِير سنقُر الجمالي وأنعم عَلَيْهِ بتقدمة عَمه الْأَمِير بهادر وَاسْتقر أَمِير الْحَاج فَسَار إِلَى الْحجاز فِي لَيْلَة السبت سَابِع عشره. وأنعم على أَمِير عمر بن بهادر الجمالي بإمرة عشرَة وَهُوَ أعمى. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على مُحَمَّد بن طاجار بِولَايَة الغربية عوضا عَن أَمِير فرج بن أيدمر وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على عَليّ خَان بِولَايَة الْبحيرَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع ذِي الْحجَّة: نزل الْأَمِير يُونُس الدوادار إِلَى بَيت بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ وَتوجه بِهِ إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَأَعَادَهُ إِلَى كِتَابَة السِّرّ بعد وَفَاة أوحد الدّين فَنزل إِلَى دَاره وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان. وَفِي حادي عشره: قدم رسل الخان طَقتمش بن أزبك - متملك بِلَاد الدشت فَخرج الْأَمِير سودن النَّائِب والأمير يُونُس الدوادار وأنزلوهم بالميدان الْكَبِير على النّيل ثمَّ أحضروا إِلَى الْخدمَة بالإيوان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره وَمَعَهُمْ هديتهم وَهِي سَبْعَة سناقر من الطُّيُور الْجَوَارِح وَسبع بقج قماش وعدة مماليك. فَلَمَّا قرئَ كِتَابهمْ ظهر أَنهم رسل متملك بِلَاد القرم. فَقطع راتبهم وَكَانَ فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة رَطْل لجم وَرَأس بقر ورأسا من الْخَيل برسم الذّبْح ومبلغ ألف دِرْهَم. وأخرجوا من الميدان إِلَى مَوضِع بالقلعة وخلع عَلَيْهِم فِي حادي عشرينه وأعيدوا.(5/170)
وَفِي عشرينه: أخرج مُحَمَّد بن طاجار - وَالِي الغربية - منفيا إِلَى طرابلس. وَفِي خَامِس عشرينه: أخرج مُحَمَّد بن طيبغا الدمرداش منفيا إِلَى صفد وَتوجه الْأَمِير كمشبغا الخاصكي بخلعة قرابلاط الأحمدي نَائِب الْبحيرَة ليستقر فِي نِيَابَة ثغر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن بلوط الصَرْغَتمشُي. وَاسْتقر جَمُق السيفي فِي ولَايَة البهنسا والإطفيحية عوضا عَن أبي درقة. وَفِي ثامن عشرينه: استجد لقرافة مصر وَالِي بإمرة عشرَة وَاسْتقر فِيهَا سُلَيْمَان الْكرْدِي وأخرجت عَن والى مَدِينَة مصر. وَلم يعْهَد هَذَا فِيمَا سلف. وَفِي سلخه: خلع على خَان بِولَايَة البهنسي عوضا عَن جَمُق. وَاسْتقر الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن مَأْمُور القلمطاوي. وَفِيه أَخذ بقطيا مكس سِتِّينَ ألف نصفية قدمت من بَغْدَاد سوى الثِّيَاب البغدادية والموصلية والحموية والدمشقية وَهِي أَضْعَاف ذَلِك. وفيهَا خُلع ملك الْمغرب صَاحب فاس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني ومَلَكَ فاس عوضه مُوسَى بن أبي عنان فِي الْعشْرين من ربيع الأول. وأعيد الْأَمِير نعير بن حيار إِلَى إمرة آل فضل عوضا عَن الْأَمِير فَخر الدّين عُثْمَان(5/171)
بن قارا بن مهنا. وَنقل الْأَمِير سيف الدّين سودن المظفري من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير يلبغا الناصري. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفيشي نَاظر الْمَوَارِيث وناظر الأهرام فِي سادس وَمَات الْأَمِير بهادر الجمالي الْمَعْرُوف بالمشرف أَمِير الْحَاج أَحْمد الألوف فِي ذِي الْقعدَة بعينونة من طَرِيق الْحجاز وَبهَا دفن. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن خَالِد بن نعيم بن مقدم بن مُحَمَّد بن حسن بن غَانِم بن مُحَمَّد الطاي الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي وَهُوَ مَعْزُول فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر صفر وَقد أناف على السِّتين وَمَات الْأَمِير طبج المحمدي - أحد أُمَرَاء الألوف - وَقد أُخرج إِلَى دمشق. وَتُوفِّي كَاتب السِّرّ أوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن تَاج الدّين إِسْمَاعِيل بن ياسين الْحَنَفِيّ فِي يَوْم السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة. وَتُوفِّي نَاظر الْجَيْش تَقي الدّين عبد الرَّحْمَن بن نَاظر الْجَيْش محب الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن عبد الدايم التَّيْمِيّ الْحلَبِي الأَصْل الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأولى. وَتُوفِّي الْأَمِير جمال الدّين عبد الله بن الْأَمِير بَكتمُر الْحَاجِب - أحد الطبلخاناة - فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير علاي الدّين عَليّ بن أَحْمد بن السايس الطيبرسي - أستادار خوند بركَة أم الْأَشْرَف شعْبَان - فِي سادس شَوَّال. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين على بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ وَهُوَ قَاضِي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر ربيع الأول. وَقد أناف على ثَمَانِينَ سنة وفَاق فِي علم الْفِقْه أهل زَمَانه. وَمَات الشَّيْخ أكمل الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الرُّومِي البابرتي الْحَنَفِيّ شيخ(5/172)
الخانكاة الشيخونية وعظيم فُقَهَاء مصر فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسع عشر رَمَضَان. شرح الْهِدَايَة فِي الْفِقْه وَكتب تَفْسِير الْقُرْآن وَشرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح وَأخذ عَن شمس الدّين الْأَصْفَهَانِي وَأبي حَيَّان. وَمَات قَاضِي مَكَّة وخطبها كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ الْعقيلِيّ النويري الْمصْرِيّ بِمَكَّة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر رَجَب. وَمَات عَالم بَغْدَاد شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ الْكرْمَانِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ الشَّافِعِي شَارِح البُخَارِيّ فِي الْمحرم بطرِيق الْحجاز فَحمل إِلَى بَغْدَاد وَدفن بهَا. ومولده فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة. قدم مصر وَالشَّام. وَمَات صَائِم الدَّهْر مُحَمَّد بن صديق التبريزي الصُّوفِي فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشر رَمَضَان بِالْقَاهِرَةِ. وَأقَام نيفًا وَأَرْبَعين سنة يَصُوم الدَّهْر وَيفْطر دَائِما على حمص بفلس لَا يخلطه إِلَّا بالملح فَقَط ويقسّم أوقاته كلهَا لِلْعِبَادَةِ مَا بَين صَلَاة وَذكر وتلاوة ومطالعة كتب الْعلم. وَكَانَ شَدِيدا فِي وَمَات تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر بن سعيد الدولة أَحْمد وَيعرف. بِمَالك الرّقّ. وَالِد الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن أبي شَاكر فِي أول ذِي الْقعدَة. وَمَات نَاظر الْخَاص تَاج الدّين مُوسَى بن سعد الدّين أبي الْفرج عرف بِابْن كَاتب السَّعْدِيّ وَهُوَ مَعْزُول. وَتُوفِّي الطواشي شبْل الدولة كافور الْهِنْدِيّ الزمردي الناصري صَاحب التربة بالقرافة فِي ثامن ربيع الأول وَقد عمَر طَويلا.(5/173)
وَمَات يحيى بن النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشْرين شَوَّال. وَمَات تَاج الدّين بن وَزِير بَيته الْأَسْلَمِيّ نَاظر الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي ربيع الآخر. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن الأنفي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب فِي شَوَّال وَقد ناهز السّبْعين. ومولده سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طَشتَمُر العلاي الدوادار. كَانَ خيرا محسنًا لَهُ مُشَاركَة فِي فهم الْعُلُوم محبًا لأهل الْعلم كثير الِاجْتِمَاع بهم وَيعرف الْكِتَابَة وَيُحب الْأَدَب وَأَهله وَلَا يهمل وقتا بِغَيْر فَائِدَة مَعَ الدّيانَة. وباشر الدوادارية فِي الْأَيَّام الأشرفية ثمَّ نِيَابَة الشَّام ثمَّ صَار أتابك العساكر وَالله تَعَالَى أرْحم بهم أَجْمَعِينَ. وَمَات الْأَمِير معيقل بن فضل بن عِيسَى بن مهنا بن مَانع بن حَدِيثَة أَمِير آل فضل شَرِيكا لِابْنِ عَمه زامل.(5/174)
(سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة)
فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الْمحرم: خلع على الطواشي شمس الدّين صَوَاب الشهابي شَنكَل وَاسْتقر نَائِب المماليك عوضا عَن نصر البلسي. وخلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الطّيب وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بحلب. وَاسْتقر الْأَمِير سودُن المظفري حَاجِب حلب فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن صَنجَق وَاسْتقر صنجق من أُمَرَاء طرابلس. وَفِي ثامنه: أخرج الْأَمِير بلُوط الصَرغُتمشى - نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة - منفيا إِلَى الكرك. وَفِي تاسعه: خلع على الْأَمِير قطلوبغا الأسَن قُجَاوي - الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو درقَة - اسْتَقر نَائِب الْوَجْه البحري عوضا عَن قرابلاط الأحمدي وَاسْتقر قرابلاط فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره: فرش الإيوان الَّذِي يُقَال لَهُ دَار الْعدْل من قلعة الْجَبَل ببسط جدد كَانَ الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن قد رسم بعملها بالكرك عِنْد توجهه إِلَى الْحَج فأهمل عَملهَا بعد قَتله حَتَّى عرف السُّلْطَان برقوق بهَا فَبعث فِي تجهيزها فَحملت إِلَيْهِ. وَفِيه بسط دهليز الْقصر من القلعة ورسم لِلْأُمَرَاءِ أَلا يدْخل أحد مِنْهُم إِلَى الْقصر وَمَعَهُ من مماليكه غير مَمْلُوك وَاحِد وتقف مماليكهم بأسرها خَارج الْقصر فامتثل الْأُمَرَاء ذَلِك وَاسْتمرّ. وَفِي سَابِع عشره: ضرب الْأَمِير على خَان وَالِي البهنسي وأُخذ مِنْهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم وَأخرج من الْقَاهِرَة منفياً. وَفِي تَاسِع عشره: خُلع على الْأَمِير مبارك شاه مُتَوَلِّي أسوان وَاسْتقر وَالِي البهنسي. وَفِيه قدمت رسل الخان طَقتمُش خَان بن أُزبك فَخرج الْأُمَرَاء وأجناد الْحلقَة إِلَى لقائهم ومثلوا بَين يَدي السُّلْطَان وَقدمُوا هديتهم. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بورود سولى بن دلغادر طَائِعا فَخلع على القاصد وأنعم عَلَيْهِ بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَفِي نصف شهر ربيع الأول: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن سولى بِنَا دلغادر التركماني لما قدم طَائِعا بَعْدَمَا حلف لَهُ الْأَمِير يلبغا الناصري أَقَامَ بحلب حَتَّى ورد مرسوم(5/175)
السُّلْطَان بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فسجن بالقلعة من حلب ثمَّ رسم بإحضاره إِلَى مصر فتسلمه حَاجِب حلب وأنزله إِلَى الميدان فهرب مِنْهُ لَيْلًا فَركب الْأَمِير يلبغا الناصري فِي طلبه حَتَّى عدى الْفُرَات فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَفِي سلخه: خُلع على مُحَمَّد بن العادلي وَاسْتقر فِي ولَايَة أطفيح عوضا عَن قُطْلوشاه. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي ربيع الآخر: ركب السُّلْطَان وشق الْقَاهِرَة لرؤية عِمَارَته وَدخل إِلَى بَيت الْأَمِير الطنبُغا الجوباني مُسلما عَلَيْهِ ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. وَاسْتقر جمال الدّين بن بِشَارَة وَزِير دمشق فِي نظر الْجَيْش بهَا عوضا عَن نَاصِر الدّين بن مشكور مُضَافا إِلَى الوزارة. وأعيد الْأَمِير نُعير بن حَيا بن مهنا إِلَى إمرة آل فضل بعد موت عُثْمَان بن قارا وَحمل إِلَيْهِ تَقْلِيده وتشريفه وَحمل إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب تشريف بالاستمرار على نيابته. وَفِيه اشْترى السُّلْطَان تُمُربُغا الأفضلي الْمَعْرُوف. بمنطاش أَخُو الْأَمِير تمرباي وَأعْتقهُ. وَفِي ثامن عشره: تَوَجَّهت شواني الْأَمِير ألطنبغا الجوباني من سَاحل مصر نَحْو دمياط. وَقد أَنْشَأَهَا وشحنهما بِالْعدَدِ والمقاتلة ليغزو بِلَاد الفرنج. وخلع على الْأَمِير بجمان وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة بعد موت قرا بلاط الأحمدي. وَفِي حادي عشرينه: أخرج جوبان الْعمريّ - من أُمَرَاء العشرات - منفيا إِلَى الشَّام. وَفِي يَوْم السبت سَابِع جُمَادَى الأولى: خلع على جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن ولي الدّين أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون. وَفِي عاشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتّ أَذْرع وَأَرْبع أَصَابِع. وأنعم على أزدمر الشرفي بإمرة جوبان الْعمريّ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قرىء تَقْلِيد ابْن خير بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْخَبَر بِأَن شواني الْأَمِير ألطنبغا(5/176)
الجوباني سَارَتْ من ثغر دمياط فِي بَحر الْملح فوجدوا مركبا فِيهِ الفرنج الجنوية فَأَخَذُوهُ وأسروا مِنْهُم خَمْسَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَقتلُوا غ مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي حادي عشرينه: قدمت الشواني إِلَى شاطىء النّيل ببولاق - خَارج الْقَاهِرَة - بالأسرى وَالْغنيمَة فعرضت الأسرى من الْغَد على السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث رَجَب - وثامن عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتّ عشر ذِرَاعا. وَتوجه الْأَمِير حسن قجا على الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب. وَفِي عشرينه: سَار كُمشبغا الخاصكي على الْبَرِيد لنقل سودُن المظفري من نِيَابَة حماة إِلَى نِيَابَة حلب. وَقدم الْخَبَر بِأَن أَوْلَاد الْكَنْز هجموا على ثغر أسوان وَقتلُوا مُعظم أَهله ونهبوا النَّاس وَأَن الْوَالِي فر مِنْهُم. فَخلع على حُسَيْن بن قرط بن عمر التركماني وَاسْتقر فِي ولَايَة أسوان. ورُسم أَن يتَوَجَّه مَعَه الكاشف وَابْن مَازِن. وخلع على مُقبل مَمْلُوك الأزقي وَاسْتقر فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان بعد موت بيليك. وَفِيه قدم الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى بلبيس فقيد وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث شعْبَان: سَار الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود شاد الدَّوَاوِين على الْبَرِيد لاستخلاص أَمْوَال الْأَمِير يلبغا الناصري من حلب وَحملهَا. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: زلزلت الْقَاهِرَة مرَّتَيْنِ زلزالاً قَلِيلا. واتفقت فِي هَذَا الشَّهْر حَادِثَة يتعجب مِنْهَا وَهِي أَن امْرَأَة رَأَتْ فِي منامها رَسُول الله وَهُوَ يَنْهَاهَا عَن لبس الشاش وَهُوَ عصبَة أحدثها النِّسَاء من نَحْو سنة ثَمَانِينَ وَسَبْعمائة صَارَت تشبه أسنمة البخت وسمينها الشاش يكون أَوله على جبين الْمَرْأَة وَآخره عِنْد ظهرهَا فَمِنْهُ مَا يبلغ طوله ممتداً نَحْو الذِّرَاع فِي ارْتِفَاع دون الرّبع ذِرَاع فَلم تَنْتَهِ عَن لبسه فرأته - مرّة ثَانِيَة فِي منامها وَهُوَ يَقُول لَهَا: قد نهيتك عَن لبس الشاش فَلم تسمعي ولبستيه مَا تموتي إِلَّا نَصْرَانِيَّة فَأَتَت بهَا أمهَا إِلَى شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ حَتَّى قصت رؤياها عَلَيْهِ فَأمرهَا أَن تذْهب إِلَى كَنِيسَة النَّصَارَى وَتصلي بهَا رَكْعَات وتسأل الله تَعَالَى لَعَلَّه يرحمها ثمَّ تَأتيه حَتَّى يَدْعُو لَهَا. فمضت بهَا أمهَا من مجْلِس البُلْقِينِيّ إِلَى الْكَنِيسَة فصلت ثمَّ خرت ميتَة لوقتهافتركها أمهَا وَانْصَرف عَنْهَا، فدفنها النَّصَارَى عِنْدهم. نَعُوذ بِاللَّه من سوء عَاقِبَة الْقَضَاء.(5/177)
وَفِيه قدم رسل متملك مَدِينَة اصطنبول بهديته وَكتابه يتَضَمَّن. أَن تمكن تجارهم من الْقدوم إِلَى بِلَاد مصر وَالشَّام وَأَن يُقَام لَهُم قنصل بثغر الْإسْكَنْدَريَّة أُسْوَة بغيرهم من طوائف الفرنج فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَفِي أول شهر رَمَضَان: اسْترْجع عَن الْخَلِيفَة المتَوَكل نَاحيَة أَبو رجْوَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ولدت امْرَأَة ابْنة لَهَا رأسان كاملان على صدر وَاحِد ويدين وَمن تَحت السُّرَّة تَنْقَسِم إِلَى شكل نِصْفَيْنِ فِي كل نصف رجلَانِ كاملتان فَلم تعش وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر شهر رَمَضَان: ألبس السُّلْطَان الْمُقدم عبيد البازدارزي الأجناد من الكَلْفتاه والقباء والخف. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على همام الدّين عبد الْوَاحِد السيواسي العجمي نَائِب الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية وَنظر أوقافها. بمساعدة جمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر شَوَّال: عدّى السُّلْطَان النّيل إِلَى الجيزة وَسَار إِلَى سرحة الْبحيرَة على الْعَادة. وَفِيه قدم مصر خُجا أَخُو بيرم خجا عَم قرا مُحَمَّد أَمِير الْموصل بعد بيرم خجا برسالة ابْن أَخِيه قرا محمل يسْأَل إِن دهمه عَدو أَن يُمكن من الانتماء إِلَى الدولة وعبور الشَّام. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: عَاد السُّلْطَان من سرحة الْبحيرَة. وَفِي ثامن عشرينه: كسفت الشَّمْس من قبل نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر. وَفِيه حمل الْأَمِير جركس الخليلي قمحًا كثيرا إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة ليعْمَل مِنْهُ فِي كل يَوْم. بِمَكَّة خَمْسمِائَة رغيف وبالمدينة فِي كل يَوْم خَمْسمِائَة رغيف تفرق فِي السُّؤَال وَنَحْوهم من الْفُقَرَاء. وَألا يُقرر مِنْهَا لأحد راتبًا بل يَأْخُذ من حضر وَلَا يُرَاعِي أحد فِي التَّفْرِقَة فَعم النَّفْع بهَا. وَلم يبْق بالحرمين من يسْأَل عَن جوع. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر ذِي الْحجَّة: خسف الْقَمَر من آخر اللَّيْل. وَفِي ثامن عشره: خلع على أَمِير حَاج بِولَايَة الأشمونين عوضا عَن بَكتمُر الشهابي.(5/178)
وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير أَلْطنبُغا الجوباني أَمِير مجْلِس وقُيد ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام وخلع عَلَيْهِ بنيابة الكرك عوضا عَن دمرداش القَشتَمُري. وَتوجه إِلَيْهَا فِي تجمل زَائِد كَبِير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدمت رسل تيمورلنك - الْقَائِم بِبِلَاد الشرق - بكتابه فأعيدوا بجوابه. وَفِيه اسْتَقر محب الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الْكَمَال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب بعد وَفَاة جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن العديم. وَاسْتقر جمال الدّين عبد الله النحريري فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب بعد وَفَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن رشد. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن فياض بن عبد الْعَزِيز الْمَقْدِسِي الصَّالِحِي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بحلب عوضا عَن عَمه شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مُوسَى بن فياض. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحمد بن السلاوي فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بطرابلس عوضا عَن ابْن وهيبة. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بطرابلس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سرى الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن هانىء الأندلسي. وَفِي هَذِه السّنة: تزايد سعر الغلال بتوقف النّيل فأبيع الأردب الْقَمْح بِثَلَاثِينَ درهما والأردب الشّجر بِعشْرين درهما والأردب الفول بِثمَانِيَة عشر درهما. فَلَمَّا دخل شهر ذِي الْحجَّة أُبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسِينَ درهما. وَفِيه كثرت رماية الْقَمْح على الطحانين بِالثّمن الغال والتكلف للأعوان. وَهَذَا أَيْضا مِمَّا أحدث وَنَشَأ مِنْهُ مفاسد كَثِيرَة. وَحج بِالنَّاسِ فِي هَذِه السّنة الْأَمِير أَبُو بكر بن سُنقُر الجمالي. وَحج الْأَمِير أَحْمد بن الْأَمِير يلبغا الخاصكي. وَكَانَ الْحجاز رخى السّعر. وفيهَا كَانَ بحلب وباء بلغ عدَّة من مَاتَ فِي كل يَوْم ألف إِنْسَان وَزِيَادَة.(5/179)
وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب تَاج الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَحْبُوب الْمُحدث الْمسند الْفَاضِل الأديب عَن سنّ عالية بِدِمَشْق. وَمَات جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن قَاضِي حلب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي حلب كَمَال الدّين عمر بن قَاضِي حلب عز الدّين أبي البركات عبد الْعَزِيز بن الصاحب محيى الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي الْفضل هبة الله ابْن قَاضِي حلب مجد الدّين أبي غَانِم مُحَمَّد ابْن قَاضِي حلب جمال الدّين هبة الله ابْن قَاضِي حلب نجم الدّين أَحْمد ابْن يحيى بن زُهَيْر بن هَارُون بن مُوسَى بن عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَامر أبي جَرَادَة بن ربيعَة بن خويلد بن عَوْف ابْن عَامر بن عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة الْمَعْرُوف بِابْن العديم الْحلَبِي الْحَنَفِيّ. عَن نَيف وَسبعين سنة. حدث عَن ابْن الشّحْنَة. وَتُوفِّي كَبِير التُّجَّار زكي الدّين أَبُو بكر بن عَليّ الخروبي. بِمصْر فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الْمحرم. وَمَات الْأَمِير بيليك وَالِي الأشمونين. وَتُوفِّي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن رشد. وَمَات نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير قرابلاط الأحمدي اليلبغاوي فِي نصف ربيع الآخر. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن سبع الْعَبْسِي أحد الأدباء ومستوفي ديوَان الأحباس فِي ثامن عشر شعْبَان. وَمَات الْأَمِير أقبغا الدوادار فِي شهر ربيع الآخر. وَمَات شيخ الشَّام نجم الدّين أَحْمد ابْن عُثْمَان بن عِيسَى بن حسن بن حُسَيْن بن عبد المحسن الْمَعْرُوف بِابْن الجابي الياسوفي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي جُمَادَى الْآخِرَة بعد عوده من مصر. وَتُوفِّي الشَّيْخ محيى الدّين عبد الْقَادِر بن الإِمَام شمس الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن سيف الدّين يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بنَ عبد الرَّزَّاق بن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني. وَمَات السَّيِّد الشريف شمس الدّين أَبُو الْمجد مُحَمَّد ابْن النَّقِيب شهَاب الدّين أَحْمد ابْن النَّقِيب شمي الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْحُسَيْنِي الْحَرَّانِي الْحلَبِي عَن تسع وَأَرْبَعين سنة بحلب وَلم يل وَظِيفَة.(5/180)
مَاتَ شيخ الشُّيُوخ بحلب نجم الدّين عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن أبي الْفتُوح بن أبي سعيد فضل الله بن أبي الْخَيْر الْخُرَاسَانِي ثمَّ الْحلَبِي عَن بضع وَسبعين سنة بحلب. وَتُوفِّي شرف الدّين أَبُو بكر بن زين الدّين عمر بن مظفر بن عمر ابْن الوردي المعرى الْحلَبِي الْفَقِيه الأديب عَن بضع وَسبعين سنة بحلب. وَالله أعلم.(5/181)
فارغه(5/182)
سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أهلت بِيَوْم الْجُمُعَة. فِي سادسه: قدم مبشرو الْحَاج وَقد تَأَخَّرُوا عَن عَادَتهم. وَفِيه أخرج الْأَمِير جوبان الْعمريّ منفياً إِلَى صفد. وأُنعم بإمرته على أرسبغا السيفي. وَفِي تاسعه: عقد السُّلْطَان على هَاجر ابْنة الْأَمِير منكلى بغا الشمسي وَأمّهَا أُخْت الْملك أشرف شعْبَان. وَفِي ثامن عشره: قدم الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا الْعمريّ الخاصكي من الْحجاز وَمَعَهُ الركب الأول. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْأَمِير أَبُو بكر بن سنقر. بمحمل الْحَاج. وَفِيه قبض على عدَّة من المماليك وضربوا ضربا مبرحًا بالمقارع لكَلَام بلغ السُّلْطَان عَنْهُم من الفتك بِهِ. وَقبض على الْأَمِير تمُربُغا الْحَاجِب وسُمر وَمَعَهُ عشرَة مماليكِ وأركب كل مملوكين على جمل ظهر أَحدهمَا إِلَى ظهر الآخر وسُمرا بالحديد وأفرد تمربغا على جمل. وشهروا وَنِسَاؤُهُمْ حاسرات يصحن ويلطمن خدودهن ثمَّ وسطوا فَكَانَ أمرا شنيعا. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض على سِتَّة عشر من مماليك الْأَمِير الْكَبِير أَيْتمش وَنَفَوْا إِلَى الشَّام وَفِي سلخه: قدم الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قَراجا بن دلغادر طَائِعا فَخلع عَلَيْهِ ورسم لَهُ بإمرة طبلخاناة بديار مصر. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث صفر: نقل الشريف هيازع بن هبة الله الْحُسَيْنِي أَخُو جماز أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة من سجنه بقلعة الْجَبَل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِ وسجن نَحْو سنة وَنصف ثمَّ أفرج عَنهُ فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَاضِيَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ فِي هَذِه السّنة وسجن. .(5/183)
وَقدم الْخَبَر ماردين باستيلاء تيمورلنك على مَدِينَة تبريز وَقتل أَهلهَا وتخريبها. وَفِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشرينه: دخل إِلَى الْقَاهِرَة نَحْو سِتِّينَ رجلا يُقَال أَنهم تدلوا من السُّور ونهبوا سوق الجمالين بِالْقربِ من جَامع الْحَاكِم وَقتلُوا نفرين. فَركب الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني - وَالِي الْقَاهِرَة - وَقبض على ثَلَاثَة مِنْهُم فِي بعض الضواحي وَمَعَهُمْ بعض مَا نهبوه فعاقبهم حَتَّى دلوه على بَقِيَّتهمْ. وَفِي يَوْم الْأَحَد سلخه: وَقع حريق بالجسر قريب قنطرة الْحَاجِب تلف فِيهِ عدَّة بيُوت وَنزل عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى أطفوه. وَفِي أول شهر ربيع الأول: أبيع اللَّحْم البقري كل رطلين وَنصف بدرهم وأبيع اللَّحْم الضَّأْن وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره: رُسم بالإفراج عَن الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب وَنَقله من سجنه بالإسكندرية إِلَى إِقَامَته بدمياط. وأُذن لَهُ أَن يركب ويتنزه بهَا. وَفِي خَامِس عشره: سُمر من رجال المنسر ثَمَانِيَة عشرَة على جمال وَثَلَاثَة سمرت أَيْديهم فِي الْخشب وألبسوا فِي أَرجلهم قباقيب خشَب ثمَّ سمرت أَرجُلهم فِيهَا. وأكرهوا حَتَّى مَشوا وهم مسمرون كَذَلِك وشهروا جَمِيعًا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ وسطوا إِلَّا وَاحِد مِنْهُم وأبقي عَلَيْهِ ليدل على بَقِيَّتهمْ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ربيع الآخر: أَخرق السُّلْطَان بالأمير بَهادُر المنجكي الأستادار وَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِرَأْس الْأَمِير خَلِيل بن قراجا بن دلغادر فَقبض فِي الْحَال على أَخِيه عُثْمَان بن قراجا وعَلى ابْن أَخِيه إِبْرَاهِيم. وَفِيه غضب السُّلْطَان على موفق الدّين أبي الْفرج - نَاظر الْجَيْش - وضربه نَحْو مائَة وَأَرْبَعين ضَرْبَة بالعصى. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بالإسكندرية وَأَنه تجَاوز عدَّة من يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم مائَة إِنْسَان.(5/184)
وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد بن عِيسَى - شيخ عرب الْعَائِد بالشرقية - كاشف الحسور بإمرة طبلخاناة. وَفِي تَاسِع عشرينه: مَاتَت للسُّلْطَان ابْنة فأدفنت بالعمارة بَين القصرين قبل أَن تكمل وَكَانَت جنازتها حَفلَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول جُمَادَى الأولى: خُلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس وَاسْتقر فِي نظر الدولة بعد موت علم الدّين يحيى. وَفِي خامسه: خلع على الْوَزير الصاحب علم الدّين سنّ إبرة وَاسْتقر فِي نظر الْأَسْوَاق عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَفِي ثَانِي: قدم الْأَمِير أقبُغُا الْجَوْهَرِي - أحد أُمَرَاء الألوف بحلب - وَقدم أَمِير زه ابْن ملك الكُرْج رَاغِبًا فِي الْإِسْلَام فَأسلم بِحَضْرَة الْقُضَاة بَين يَدي السُّلْطَان وسمى عبد الله وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة وَأنزل بقصر الحجازية من رحبة بَاب الْعِيد بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي حادي عشرينه: - وَهُوَ سادس عشْرين بؤونة - أَخذ قاع النّيل على الْعَادة فِي كل سنة فَكَانَ سِتَّة أَذْرع سَوَاء. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على عُبَيد البازدار وأعيد إِلَى تقدمة الدولة على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَفِي سادس عشرينه: خلع على مُحَمَّد بن أشَقتمُر وَاسْتقر وَالِي منفلوط. وَفِيه عزل شهَاب الدّين أَحْمد بن ظهيرة عَن قَضَاء مَكَّة وخطابتها بمكاتبة الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة فِيهِ وكُتب بِنَقْل محب الدّين مُحَمَّد بن. أبي االفضل النويري(5/185)
من قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطابتها إِلَى قَضَاء مَكَّة وخطابتها. وخلع على شيخ الحَدِيث زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطابتها. وَفِيه كملت عمَارَة ثَمَانِيَة غربان حربية وشحنت بالأسلحة وَالْعدَد والمقاتلة. وَفِي سلخه: قدمت هَدِيَّة أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد. وَقدم الشريف ثَابت بن نعير الْحُسَيْنِي من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. بِمَوْت ابْن عَمه مُحَمَّد بن عَطِيَّة - أَمِير الْمَدِينَة - فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وسجن بهَا. وَفِيه قدم الشريف عنان بن مَغَامس الحسني من مَكَّة فَارًّا من سجن ابْن عَمه الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة. وَفِي أول جماى الْآخِرَة: قدم الْبَرِيد من حلب. بمسير عَسَاكِر الشَّام لمحاربة التركمان وَكَانَت بَينهم وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا سَبْعَة عشر أَمِيرا مِنْهُم سودن العلاي نَائِب حماة. وَقتل من الأجناد خلق كثير وانكسر بَقِيَّة الْعَسْكَر. وَفِيه كملت عمَارَة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: نُقلت رمم أَوْلَاد السُّلْطَان الْخَمْسَة من مدافنهم إِلَى الْقبَّة بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة ونقلت رمة الْأَمِير آنص وَالِد السُّلْطَان عشَاء والأمراء مشَاة قدامه حَتَّى دفن بالقبة الْمَذْكُورَة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشره: زلزلت الْقَاهِرَة فِي السَّاعَة الرَّابِعَة زَلْزَلَة خَفِيفَة. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر سودن العثماني الساقي فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن سودن العلاي.(5/186)
وَفِي سلخه: قدمت رسل الفرنج بهدية جليلة الْقدر. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث شهر رَجَب - وسابع مسرى: - كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير قُرْدُم الحسني رَأس نوبَة والأمير يُونُس الدوادار إِلَى المقياس حَتَّى خُلق العمود بحضرتهما على الْعَادة ثمَّ فتح الخليج. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشره: نزل الْأَمِير جركس الخليلي إِلَى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجدة وهيأ بهَا الْأَطْعِمَة والحلاوات والفواكه فَركب السُّلْطَان من الْغَد يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره من القلعهّ بأمرائه ومماليكه وَنزل بهَا وَقد بسطت. وَاجْتمعَ فِيهَا قُضَاة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والأعيِان فَمد سماط أَوله عِنْد الْمِحْرَاب وَآخره عِنْد البحرة الَّتِي فِي وسط الْمدرسَة مَمْلُوء كُله بأنواع الْأَطْعِمَة الفاخرة والأشوية من الْخَيل والخراف والأوز والدجاج والغزلان فَأكل الْقُضَاة والأعيِان أَولا ثمَّ أكل الْأُمَرَاء والمماليك وتناهب النَّاس بَقِيَّته. ثمَّ مُد سماط الحلاوات الْفَوَاكِه وملئت البحرة من مشروب السكر. فَلَمَّا انْقَضى الْأكل وَالشرب خلع على عَلَاء الدّين عَليّ السيرامي الْحَنَفِيّ وَقد استدعاه السُّلْطَان من بِلَاد الْمشرق وَاسْتقر مدرس الْحَنَفِيَّة وَشَيخ الصُّوفِيَّة. وفرش لَهُ الْأَمِير جركس الخليلي السجادة بِنَفسِهِ حَتَّى جلس عَلَيْهَا. ثمَّ خلع على الْأَمِير جركس وعَلى الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد الطولوني المهندس وأركبا فرسين بقماش ذهب وخلع على خَمْسَة عشر من مماليك الخليلي وأنعم على كل مِنْهُم بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. وخُلع على مباشري الْعِمَارَة وشاديها وعَلى المهندسين والبنائين. وَتكلم الْعَلَاء السيرامي على قَوْله تَعَالَى: قل اللَّهُمَّ ملك الْملك ثمَّ قَرَأَ الْقَارئ عشرا من الْقُرْآن ودعا. وَقَامَ السُّلْطَان وَركب إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: دَار محمل الْحَاج الْقَاهِرَة ومصر على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شعْبَان: خلع على الْأَمِير اً حمد بن الْأَمِير يلبغا الْعمريّ الخاصكي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوباني. وَفِي يَوْم السبت سادسه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان على الْعَادة وَلعب بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء.(5/187)
وَفِيه أنعم على أَحْمد بن هُمز التركماني بإمرة طبلخاناة عوضا عَن عَليّ بن الْأَمِير منجك بعد وَفَاته. وَفِي ثَمَانِي عشرينه: خُلع على سودن الطُرنطاي الخاصكي - أحد أُمَرَاء العشرات - وَاسْتقر رَأس نوبَة صَغِيرا. وأنعم على مُقْبل الرُّومِي الطَّوِيل بإمرة عشرَة عوضا عَن أَحْمد بن همز. وَفِي ثَالِث عشرينه: أسلم ميخائيل الصبان - من نَصَارَى مَدِينَة مصر - خلع عَلَيْهِ وأركب بغلة سلطانية وَاسْتقر نَاظر المتجر السلطاني. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى عيد الصَّلِيب ثمَّ هَبَط بعده بيِومين. وَفِي ثامن عشرينه: خُلع على أَمِير مُوسَى بن سلار - من الطبر دارية - وَاسْتقر أَمِير طبر بإمرة عشرَة. وَفِي أول شهر رَمَضَان: عُزل نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي من قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَركب طاش البريدي الْبَرِيد للقبض على الْأَمِير بيدمر نَائِب الشَّام وعَلى جَمِيع ألزامه وإيقاع الحوطة على موجوده. وَركب الْأَمِير تمربغا المنجكي الْبَرِيد لتقليد الْأَمِير أشقتَمُر المارديني نِيَابَة الشَّام وَحمله من الْقُدس إِلَى دمشق وَحمل إِلَيْهِ التَّقْلِيد والتشريف. وَقدم الشريف مُحَمَّد بن مبارك بن رميثة الحسني من مَكَّة وأَخبر بِمَوْت الشريف أَحْمد بن عجلَان أَمِير مَكَّة وَأَن ابْنه مُحَمَّد بن أَحْمد أقيم بعده وَقَامَ بإمرة عَمه كُبيش بن عجلَان. وَقدم الْخَبَر من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَن الشريف جماز بن هبة حضر الْمَدِينَة بحشده فحاربه على بن عَطِيَّة وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان إِلَى بركَة الْحَاج وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَنزل بمدرسته ثمَّ مضى إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: أُقِيمَت الْجُمُعَة بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين وخطب بهَا جمال الدّين مَحْمُود العجمي الْمُحْتَسب بِثِيَاب بيض. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره: نزل من قلعه الْجَبَل أحد أُمَرَاء الدولة بسواد الْخطْبَة إِلَى الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة فلبسه جمال الدّين مَحْمُود وخطب بِثِيَاب السوَاد على الْعَادة وَصلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة. فَلَمَّا انْقَضتْ الصَّلَاة أَخرج لَهُ الْأَمِير الْمَذْكُور خلعة سلطانية وأفاضها عَلَيْهِ فَسَار إِلَى منزله فِي موكب جليل(5/188)
وَقدم الْخَبَر بِأَن كبيش بن عجلَان سمل أعين جمَاعَة من بني حسن وهم: أَحْمد وَحسن ابْنا ثقبة وَمُحَمّد بن عجلَان وَابْن أَحْمد بن ثقبة وعمره نَحْو اثْنَتَا عشرَة سنة فَتغير السُّلْطَان على كبيش وَابْن أَخِيه مُحَمَّد بن عجلَان. وَفِي سلخه: أنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جُلبان العلاي بطبلخاناة أَبِيه بعد مَوته. وارتفع سعر لب الفستق حَتَّى بلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ درهما الرطل وعنها يَوْمئِذٍ قريب من مِثْقَال وَنصف وَلم يعْهَد مثل ذَلِك فِيمَا سلف. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع شَوَّال: ركب السُّلْطَان وَتوجه إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة فِي كل سنة. وَاسْتقر شَيخنَا سراج الدّين عمر بن الملقن فِي مشيخة دَار الحَدِيث الكاملية عوضا عَن زين الدّين عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ بِحكم انْتِقَاله إِلَى قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَفِيه أخرج السُّلْطَان خَمْسَة من مماليكه على إمريات بِدِمَشْق. وَفِيه ضرب شهَاب الدّين أَحْمد بن الجندي الشَّافِعِي - من فُقَهَاء نَاحيَة دمنهور من أجل أَنه أنكر على الضمن مَا يَأْخُذهُ من المكوس وألزم بألا يسكن دمنهور. ثمَّ بلغ السُّلْطَان مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْوَرع وَكَثْرَة الْعلم فَاعْتَذر إِلَيْهِ وخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى دمنهور مكرمًا. وَفِي يَوْم الْأَحَد عاشره: حضر المدرسون بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة وهم سَبْعَة أَرْبَعَة مدرسين الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ومدرس تَفْسِير ومدرس حَدِيث ومُصدر لإقراء الْقرَاءَات السَّبع. وَفِي ثامن عشره: سَار محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير أقبغا المارديني وَحج أَيْضا الْأَمِير جركس الخليلي بتجمل كثر. وَحج من الْأُمَرَاء أَيْضا كُمُشبُغا الخاصكي وَمُحَمّد بن تنكربُغا وجركس المحمدي. وكنب لنواب الشَّام باستخدام المماليك البطّالين الَّذين نفوا من الأشرفية وَغَيرهم.(5/189)
وَفِي حادي عشرينه: عَاد السُّلْطَان من سرحة سرياقوس. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: استدعى السُّلْطَان زَكَرِيَّا بن الخليِفة المعتصم بِاللَّه أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن المستمسك باللهّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحَاكِم بِاللَّه أَحْمد وأعلمه أَنه يُرِيد أَن ينصبه خَليفَة عوضا عَن الْخَلِيفَة الواثق بِاللَّه عمر بن المعتصم إِبْرَاهِيم بعد وَفَاته. ثمَّ استدعى بقضاة الْقُضَاة وَأهل الدولة فَلَمَّا اجْتَمعُوا أظهر زَكَرِيَّا عهد عَمه - المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر إِلَيْهِ بالخلافة فَخلع عَلَيْهِ خلعة الْخلَافَة وَنزل إِلَى دَاره. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه طلع الْخَلِيفَة زَكَرِيَّا إِلَى الْقصر من قلعة الْجَبَل وَحضر أَعْيَان الْأُمَرَاء وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وشيِخ الْإِسْلَام سراج الدّين البُلْقِينِيّ وَصدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ مفتي دَار الْعدْل - وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَنجم الدّين مُحَمَّد الطنْبَدي - وَكيل بَيت المَال - فَبَدَأَ شيخ الْإِسْلَام بالْكلَام مَعَ السُّلْطَان فِي مبايعة زَكَرِيَّا على الْخلَافَة فَبَايعهُ السُّلْطَان أَولا ثمَّ بَايعه من حضر على مَرَاتِبهمْ. ونعت نَفسه بالمستعصم بِاللَّه أبي يحيى. ثمَّ أشهد عَلَيْهِ الْخَلِيفَة أَنه قلد السُّلْطَان أُمُور الْعباد والبلاد وأقامه فِي ذَلِك مقَام نَفسه فَخلع عَلَيْهِ خلعة الْخلَافَة وخلع على عَامَّة من حضر وَركب الْقُضَاة بَين يَدي الْخَلِيفَة إِلَى منزله فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي سلخه: قدمت رسل أَحْمد بن أويس - متملك بَغْدَاد - بكتابه يتَضَمَّن أَن تيمورلنك نزل قرا بَاغ ليشتي بهَا ثمَّ يعود وحذر مِنْهُ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْقعدَة: خُلع على الْخَلِيفَة المستعصم بِالْقصرِ وَاسْتقر فِي نظر مشْهد السيدة نفيسة. وخلع على شهَاب الدّين أَحْمد الْأنْصَارِيّ وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الأبناسي بواسطةَ الْأَمِير سُودن النَّائِب. وَذَلِكَ أَنه الْتزم أَن يعمّر أوقاف الخانكاه من مَاله بمبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَلَا(5/190)
يتَنَاوَل مَعْلُوم المشيخة بل يقنع. بِمَالِه من مَعْلُوم التصوف فَإِنَّهُ كَانَ من جملَة صوفيتَها. على أَنه لَا يستجد بهَا صوفيا وَأَنه يوفر نصيب من مَاتَ مِنْهُم حَتَّى تُعمر أوقافها. وَفِي سادسه: خلع على رسل ابْن أويس وسافروا. وَفِي ثامنه: عدّى السُّلْطَان النّيل وَنزل تَحت الأهرام فَأَقَامَ فِي سرحته حَتَّى وصل إِلَى نَاحيَة دلنجة ثمَّ عَاد فطلع إِلَى القلعة فِي عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر أخرج الْوَزير الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرنان مائَة ألف وَثَمَانِية عشر ألف أردب قمحًا طَرحه على التُّجَّار كل أَرْبَعَة أرادب بِثَلَاثَة وَتِسْعين درهما - عَنْهَا أَرْبَعَة دَنَانِير - سعر كل دِينَار ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ درهما وَربع دِرْهَم. فَمن هَذِه الْأَرْبَعَة أرادب إِرْدَب بسبعة وَعشْرين درهما وإردب بِسِتَّة وَعشْرين درهما وإردب بِأحد وَعشْرين درهما وإردب بِتِسْعَة عشر درهما فَيَجِيء معدل كل إِرْدَب بِدِينَار. وَفِيه خلع على قوزي السيفي وَاسْتقر فِي ولَايَة قوص عوضا عَن مقبل الطَّيِّبِيّ. وخلع على سعد الدّين نصر الله بن البقري وَاسْتقر نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد الَّذِي استَجده السُّلْطَان وناظر ديوَان المماليك. وَاسْتقر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن علم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب موفق الدّين عوضا عَن محب الدّين مُحَمَّد بن الشّحْنَة. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: أحضر من دمشق بأَرْبعَة من الْفُقَهَاء فِي الْحَدِيد اتهموا أَنهم سعوا فِي نقض المملكة وَالدُّعَاء لإِمَام قرشي فسجنوا. ثمَّ أحضروا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه إِلَى بَين يَدي السُّلْطَان وَتقدم كَبِيرهمْ - أَحْمد بن الْبُرْهَان - فَكلم السُّلْطَان عَمَّا سَأَلَهُ عَنهُ وصدع بالإنكار عَلَيْهِ وَأَنه غير أهل للْقِيَام بِأَمْر الْمُسلمين وَعدد لَهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ من أَخذ المكوس وَنَحْو ذَلِك وَأَنه لَا يقوم بِأَمْر الْمُسلمين إِلَّا إِمَام قرشي. فَأمر بِهِ وَأَصْحَابه أَن يعاقبوا حَتَّى يعترفوا. بِمن مَعَهم من أُمَرَاء الدولة فَتَوَلّى عقوبتهم الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن وَالِي الْقَاهِرَة ثمَّ سجنهم بخزانة شمايل. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وَفِيهِمْ بطا الخاصكي وأخبروا أَن أقبغا المارديني - أَمِير الْحَاج - لما قدم مَكَّة فِي أول ذِي الْحجَّة خرج الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد(5/191)
عجلَان لتلقيه على الْعَادة وَقبل الأَرْض ثمَّ خُفَّ الْجمل. وعندما انحنى ليقبل عقب الرمْح وثب عَلَيْهِ فداويان ضربه أَحدهمَا بخنجر فِي جنبه وضربه الآخر بخنجر فِي عُنُقه وهما يَقُولَانِ: غَرِيم السُّلْطَان فَخر مَيتا وَترك نَهَاره ملقى ثمَّ حمله أَهله وَوَاروهُ وَكَانَ كبيش على بعد فَقتل الفداوية رجلا يظنوه كبيشا ففر كبيش وَأقَام الْأُمَرَاء لابسين السِّلَاح سَبْعَة أَيَّام خوفًا من الْفِتْنَة. فَلم يَتَحَرَّك أحد وَلبس الشريف عنان خلعته وتسلم مَكَّة وخطب لَهُ بهَا. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدمت رسل الْحَبَشَة بِكِتَاب ملكهم الحطي واسْمه دَاوُد بن سيف أرعد وَمَعَهُمْ هَدِيَّة على أحد وَعشْرين حمالا فِيهَا من ظرائف بِلَادهمْ وَمن جُمْلَتهَا قد ملئت قد صِيغ على قدرالحمص. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان أديب مصر بدر الدّين أَحْمد بن الشّرف مُحَمَّد بن الْوَزير الصاحب فَخر الدّين مُحَمَّد بن الْوَزير الصاحب بهاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم بن حنا فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. بِمَدِينَة مصر عَن نَيف وَسبعين سنة. وَتُوفِّي الشريف أَبُو سُلَيْمَان أَحْمد بن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد الحسني أَمِير مَكَّة فِي حادي عشْرين شعْبَان عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. بِمَكَّة وَدفن بالمعلا وَكَانَ حسن وَتُوفِّي الشَّيْخ المعتقد شهَاب الدّين أَحْمد بن شرف الدّين عبد الْهَادِي بن الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الشاطر الدمنهوري الأديب الشَّاعِر ذُو الْفُنُون فِي الْمحرم وَهُوَ عَائِد من الْحَج. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن على الزَّرْكَشِيّ - أَمن الحكم - فَجْأَة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر شهر ربيع الأول. واتهم أَنه سم نَفسه فَإِنَّهُ نقص من مَال الْأَيْتَام عَلَيْهِ نَحْو خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم ذهبت كأمس الذَّاهِب.(5/192)
وَمَات أَحْمد بن النَّاصِر حسن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور قلاون فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن. بمدرسة أَبِيه وَكَانَ أسن أَوْلَاده. وَتُوفِّي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الزمُكحُل النَّاسِخ أحد الْأَفْرَاد كَانَ يكْتب سُورَة قل هُو الله أَحَدْ بكمالها على حَبَّة أرز كِتَابَة بَيِّنَة لَا يطمس فِيهَا واوا إِلَى غير ذَلِك من بدائعه. وَمَات الْأَمِير جلبان الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي أخريات شهر رَمَضَان. وَكَانَ مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير خَلِيل بن قراجا بن دلغادر كَبِير التركمان البزوقية وأمير أبلستين قَتِيلا فِي الْحَرْب مَعَ الصارم إِبْرَاهِيم بن همز التركماني قَرِيبا من مَدِينَة مرعش عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَمَات الْأَمِير سودن العلاي نَائِب حماة قَتِيلا فِي محاربة التركمان. وَتُوفِّي المقرىء فتح الدّين عبد الْمُعْطِي بن عبد الله فِي سادس عشر رَمَضَان وَقد أسن. أَخذ الْقرَاءَات عَن أثير الدّين أبي حَيَّان. وَتُوفِّي الشريف مُحَمَّد بن عطيفة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَتُوفِّي أحد الْأَفْرَاد فِي الْعِبَادَة والزهد والورع شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان القرمي بالقدس فِي صفر. ومولده فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. كَانَ لَا يزَال يَتْلُو الْقُرْآن فَيُقَال إِنَّه قَرَأَ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ثَمَانِي ختمات وَقدم الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي الشَّديد فِي الله الْوَرع شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن إلْيَاس القونوي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق عَن نَيف وَسبعين سنة. قدم الْقَاهِرَة غير مرّة. وَأقسم بِاللَّه أَنه إِذا رأى مُنْكرا يحُمُّ. وَتُوفِّي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عبد الله بن مُحَمَّد ابْن مَحْمُود بن أَحْمد بن عزاز الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن التقي.(5/193)
وَتُوفِّي شيخ أهل الْمِيقَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الخطائي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين شعْبَان. وَتُوفِّي قرينه فِي الْعلم بالميقات شمس الدّين مُحَمَّد بن الغزولي فِي رَابِع رَجَب. وَتُوفِّي زين الدّين أَبُو بكر بن نور الدّين عَليّ بن تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف السَّعْدِيّ الخزرجي الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بالسندوبي أحد موقعي الدست فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الْأُخَر وَهُوَ وَتُوفِّي شرف الدّين مُوسَى بن الفافا أستادار الْأَمِير أَيتمش الأتابك فِي تَاسِع شَوَّال وَكَانَ من رُءُوس الظَّاهِرِيَّة. وَتُوفِّي الشريف هيازع بن هبة بن جماز بن هبة بن جماز بن مَنْصُور الْحُسَيْنِي أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فِي سجنه بالإسكندرية لأيام من شهر ربيع الأول. وَتُوفِّي شيخ القادرية شرف الدّين صَدَقَة ويدعى مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد العادلي فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة بالفيوم وَأحرم مرّة بِالْحَجِّ من الْقَاهِرَة. وَتُوفِّي نَاظر الدولة علم الدّين يحيى بن فَخر الدولة الْمَعْرُوف بكاتب ابْن الديناري فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع شهر ربيع الْأُخَر بِالْقَاهِرَةِ كَانَ أَولا نَصْرَانِيّا ثمَّ أسلم وَهُوَ فِي خدمَة الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الديناري شاد الدَّوَاوِين. وصاهر المقسي نَاظر الْخَاص. ثمَّ ولي نظر الدولة وتمذهب لأبي حنيفَة رَحمَه الله. وَسمع الحَدِيث وَجمع عِنْده الْفُقَهَاء وَأفضل عَلَيْهِم وَجمع كتبا كَثِيرَة. وَكَانَ غَايَة فِي الترف يَقُول عَن نَفسه أَن بدنه يحْتَاج فِي كل يَوْم إِلَى ثَمَانِينَ درهما عَنْهَا نَحْو أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبا يصرفهَا فِيمَا يَأْكُلهُ ويشربه خَاصَّة. وَترك أواني وقماشا وأثاثا أبيعت بجملة كَبِيرَة وَخلف من الْكتب النفيسة عدَّة يحل ثمنهَا مَعَ كَثْرَة شكواه الْفقر. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس مُوسَى بن السُّلْطَان أبي عنان فَارس بن أبي الْحسن المريني فِي جُمَادَى وأقيم بعده الْمُنْتَصر بِاللَّه مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد المخلوع(5/194)
ابْن أبي سَالم ثمَّ خلع بعد قَلِيل وأقيم الواثق مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن السُّلْطَان أبي الْحسن كل ذَلِك بتدبير الْوَزير مَسْعُود بن رحوب ماساي وَالله تَعَالَى أعلم.(5/195)
فارغه(5/196)
سنه تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة فِي يَوْم السبت سَابِع عشر صفر: قدم الْأَمِير ألطُنْبغا الجوباني من الكرك باستدعاء فَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامه وَألبسهُ لنيابة دمشق تَشْرِيفًا سنيا فِي تَاسِع عشره عوضا عَن أشَقتمُر المارديني. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين ميخائيل الْأَسْلَمِيّ فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة وعزل علم الدّين توما وَكَانَ ميخائيل هَذَا قد أسلم يَوْم الثُّلَاثَاء عشْرين شعْبَان من السّنة الْمَاضِيَة بِحَضْرَة السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وأركب بغلة رائعة وَعمل تَاجر الْخَاص. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه - مُتَوَلِّي البهنسا - فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن أيدمر الشمسي الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو زلطة. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الحسام فِي ولَايَة البهنسا. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين بن مشكور نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن بِشَارَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول شهر ربيع الأول: برز الْأَمِير ألطنبغا الجوباني ليسافر إِلَى دمشق بعد مَا خلع عَلَيْهِ وَحمل إِلَيْهِ مبلغ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة. وَقيد إِلَيْهِ فرس بسرج وكنفوش ذهب. وَأرْسل إِلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير أَيتمش مائَة ألف دِرْهَم وعدة بقج ثِيَاب قيمتهَا نَحْو السّبْعين ألف دِرْهَم وَعين مُسَفِّره قُرقُماس الظَّاهِرِيّ وَخرج بتجمل عَظِيم. وَفِي رابعه رأى السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل خيمة قد ضربت على شاطىء النّيل فَبعث للكشف عَنْهَا فَوجدَ فِيهَا كريم الدّين بن مكانس وشمس الدّين أَبُو البركات فأحضرا إِلَيْهِ وَقد كَانَا يتعاقران الْخمر فِي خواصهما فضربهما بالمقارع وألزم ابْن مكانس. بِمِائَة ألف دِرْهَم وَأَبا البركات بِخَمْسِينَ ألفا. وَفِيه اسْتَقر عمر بن إلْيَاس - قريب قرُط - فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن أُوناط اليوسفي.(5/197)
وعزم السُّلْطَان على عرض أجناد الْحلقَة وَشرع فِيهِ فَتحدث مَعَه شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي إعفائهم من ذَلِك فَأَجَابَهُ وَعَفا عَنْهُم. وَفِي عَاشر ربيع الآخر: ابْتَدَأَ السُّلْطَان فِي اللّعب بِالرُّمْحِ وألزم المماليك بذلك فاستمر. وَكَثُرت المرافعات فِي ميخائيل فعزل عَن نظر الْإسْكَنْدَريَّة وَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود شاد الدَّوَاوِين السُّلْطَانِيَّة وحبسه فَأثْبت أهل الثغر عَلَيْهِ أَنه زنديق وَشهد عَلَيْهِ فِي الْمحْضر بذلك تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ نفسا فَضربت رقبته بالثغر يَوْم السبت ثَالِث عشره وَفِي هَذَا الشَّهْر: ضربت فلوس بِإِشَارَة الْأَمِير جركس الخليلي فِي قلعة الْجَبَل وَجعل اسْم السُّلْطَان فِي دَائِرَة فتطير النَّاس بذلك وَقَالُوا: هَذَا يُؤذن بِأَن السُّلْطَان تَدور عَلَيْهِ الدَّوَائِر وَيحبس فَبَطل ذَلِك وَلم يتم. وَورد الْبَرِيد بنزول الفرنج على طرابلس فحاربهم الْمُسلمُونَ وغنموا مِنْهُم ثَلَاثَة مراكب وَقتلُوا جمَاعَة كَثِيرَة. وَورد الْخَبَر بِأَن على بن عطيفة الحسني طرق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ونهبها وَقتل مِنْهَا أُنَاسًا وَأخذ مَا كَانَ لجماز بن هبة الله من المَال فأفرج عَن ثَابت بن نعير وقلد إِمَارَة. الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَقدم الْبَرِيد بارتفاع الأسعار بِالشَّام وَأَن الْخبز وصل بِدِمَشْق كل رَطْل بدرهم والجرة المَاء فِي الْقُدس بِنصْف دِرْهَم وَقدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن كبيش بن عجلَان حصر مَكَّة وَأخذ من جدة ثَلَاثَة مراكب للتجار. وَقدم الْبَرِيد. بمحاربة ابْن همز نَائِب أبلستين مَعَ ابْن دلغان. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة: أَخذ قاع النّيل، فَكَانَ سَبْعَة أَذْرع، وَأَرْبع أَصَابِع.(5/198)
وَفِي سادسه: اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين بن مبارك حفيد المهمندار فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن سودن العثماني. وَاسْتقر سودن فِي إقطاع ابْن المهمندار بحلب. وَفِي سادس عشره - وَهُوَ تَاسِع أبيب: - توقف مَاء النّيل عَن الزِّيَادَة وَنقص فاضطرب النَّاس. ثمَّ أَنه رد النَّقْص وَزَاد فِي رَابِع عشرينه. وَفِي لَيْلَة ثامن عشرينه: ظهر كَوْكَب فِي جِهَة الشمَال عَظِيم الْقدر ممتد إِلَى جِهَة الغرب لَهُ ثَلَاث شعب فِي أحديها ذَنْب طَوِيل بِقدر الرمْح وَله ضوء زايد على نور الْقَمَر ثمَّ أَنه تحول امتداده من الغرب إِلَى الْجنُوب وَسمع لَهُ صَوت مرعب وَذَلِكَ بعد عشَاء الْآخِرَة بِقدر سَاعَة. وَفِي آخِره: ورد الْبَرِيد بِأَن تمرلنك كبس قرا مُحَمَّد وكسره ففر مِنْهُ فِي نَحْو مِائَتي فَارس وَنزل قريب ملطية. وَنزل تمرلنك على آمد فاستدعى السُّلْطَان الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والأمراء وتحدث فِي أَخذ الْأَوْقَاف من الْأَرَاضِي الخراجية فَكثر النزاع وَآل الْأَمر إِلَى أَنه يَأْخُذ متحصل الْأَوْقَاف لسنة. ورسم السُّلْطَان بتجهيز أَرْبَعَة من الْأُمَرَاء - الألوف وهم الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم أَمِير سلَاح والأمير قردم الحسني والأمير يُونُس الدوادار والأمير سودن بَاقٍ وَسَبْعَة من أُمَرَاء الطبلخاناة وَخَمْسَة من أُمَرَاء العشرات. فتجهزوا وَعين مَعَهم من أجناد الْحلقَة ثَلَاثمِائَة فَارس وَخَرجُوا من الْقَاهِرَة فِي أول رَجَب فَسَارُوا إِلَى حلب وَبهَا يَوْمئِذٍ فِي نِيَابَة السلطنة سودن المظفري. وَقدم الْخَبَر بوقعة بَين قرا مُحَمَّد وَولد تمرلنك انْكَسَرَ فِيهَا ابْن تمرلنك. وَفِي تَاسِع عشر رَجَب: رسم للْقَاضِي جمال الدّين مَحْمُود محتسب الْقَاهِرَة بِطَلَب التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال وَأخذ زكوات أَمْوَالهم وَأَن يتَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي تحليفهم على مَا يدعونَ أَنه ملكهم فَعمل ذَلِك يَوْم وَاحِد ثمَّ رد عَلَيْهِم مَا أَخذ مِنْهُم وَبَطل فَإِن الْخَبَر ورد بِرُجُوع تمرلنك إِلَى بِلَاده. وَبعث نَائِب دمشق رجلا تركيا اتهمَ أَنه جاسوس لتمرلنك فَعُوقِبَ حَتَّى أقرّ بِأَنَّهُم ثَلَاثَة قدمُوا إِلَى دمشق فسجن وَكتب بِطَلَب الْمَذْكُورين. وَفِي سادس عشرينه - وَهُوَ تَاسِع عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع شعْبَان: استدعى السُّلْطَان الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت(5/199)
ميلق وولاه قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بديار مصر بعد مَا امْتنع وَصلى رَكْعَتي الاستخارة وعزل بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر فِي الوزارة علم الدّين عبد الْوَهَّاب بن القسيس كَاتب سَيِّدي عوضا عَن الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرنان نقل من اسْتِيفَاء المرتجع إِلَى الوزارة وَفِي ثَانِي رَمَضَان: عزل كريم الدّين بن مكانس من نظر الدولة وَاسْتقر عوضه أَمِين الدّين بن ريشة وَاسْتقر حسن السيفي أَمِير أخور فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن ابْن الطَشلاقي فَلم يقم سوى أَيَّام واعيد ابْن الطَشلاقي. وَفِي تاسعه: اسْتَقر جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل برغبة أَخِيه بدر الدّين مُحَمَّد لَهُ عَن ذَلِك. وَاسْتقر زوج أُخْته بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِيمَا كَانَ باسمه من توقيع الدست وَصَارَ بيد أَخِيه بدر الدّين قَضَاء الْعَسْكَر. وانتهت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر أصبعا وَثَبت إِلَى خَامِس بابة أحد شهور القبط. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشرينه: جلس السُّلْطَان بالميدان تَحت القلعة للْحكم بَين النَّاس بعد مَا نُودي قبل ذَلِك بيومين: من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بالإصطبل السلطاني يَوْم الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء. فداخل أَعْيَان النَّاس من ذَلِك خوف شَدِيد واجترأ أسافل النَّاس على الأكابر. وَفِيه قدم الشريف على بن عجلَان يُرِيد إِمَارَة مَكَّة. وَورد الْخَبَر بِأَن الشريف عنان بن مغامس اقتتل مَعَ كبيش فَقتل كبيش فِي عدَّة من بني حسن وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي - وَكيل بَيت المَال - فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود على خمسين ألف دِرْهَم فضَّة يقوم بهَا عَنْهَا ألف دِينَار مصريهَ. وَاسْتقر جمال الدّين فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد القرمي بعد وَفَاته.(5/200)
وَفِي ثَالِث شَوَّال: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد النويري فِي قَضَاء طرابلس مسئولا بهَا. وَورد الْخَبَر بوصول الْعَسْكَر إِلَى حلب فِي أول شهر رَمَضَان. وَقدم الْأَمِير جِبْرَائِيل الْخَوَارِزْمِيّ والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بيدَمُر نَائِب الشَّام فسلما إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُمَا مبلغ ألفي ألف دِرْهَم. وَفِي نصفه: اسْتَقر الشريف على بن عجلَان فِي إِمَارَة مَكَّة شَرِيكا لعنان. وَفِي عاشره: توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة. واستدعى الْأَمِير يلبغا الناصري من دمياط فوصل إِلَى المخيم بسرياقوس فِي حادي عشرينه فَأكْرمه السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ. بِمِائَة فرس وَمِائَة جمل وَسلَاح وَمَال وَثيَاب قيمَة ذَلِك خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة. وَبعث إِلَيْهِ سَائِر الْأُمَرَاء. وَعَاد السُّلْطَان من سرياقوس أول ذِي الْقعدَة وخلع على يلبغا الناصري فِي خامسه وَأَعَادَهُ لنيابة حلب عوضا عَن سودن المظفري. وَاسْتقر سودن أتابك الْعَسْكَر بحلب ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن تمربغا الأفضلي منطاش نَائِب ملطية خامر وَوَافَقَهُ القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحب سيواس وقرا مُحَمَّد التركماني والماجاري نَائِب البيرة ويلبغا المنجكي وعدة من الأشرفية. وَفِي ثَالِث عشره: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وتصيد. وَفِي عشرينه: اسْتَقر قُطلَيجا الصفوي فِي ولَايَة قليوب عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي وَفِي سادس عشرينه: عَاد السُّلْطَان من الصَّيْد بالجيزة إِلَى القلعة. وَفِي تَاسِع عشرينه: جَاءَت رَأس بدر بن سَلام فعلقت على بَاب القلعة. وَكَانَ قد فر وفسدت أَحْوَاله بالبحيرة وَالسُّلْطَان يعْمل فكره فِي قَتله إِلَى أَن قَتله بعض أَتْبَاعه وأحضر رَأسه إِلَى الكاشف فحملها وَكفى السُّلْطَان شَره. وَفِيه اسْتَقر نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن شرف الدّين مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ صَالح الْمَعْرُوف بِابْن الكِشك قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وعوضا عَن تَقِيّ الدّين الكُفْري.(5/201)
وَفِي رَابِع ذِي الْحجَّة: اسْتَقر زين الدّين أَمِير حَاج ابْن مغْلطاي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وعزل الْأَمِير بجمان المحمدي. وَاسْتقر أَمِير حَاج بن أيدمر وَالِي الأشمونين وعزل الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي وَفِي خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا أَن عنان بن مغامس لم يُقَابل الْأَمِير قُرقُماس الطَشتمري الخازندار أَمِير الْحَاج وَتوجه من مَكَّة إِلَى نَخْلَة فَدخل عَليّ بن عجلَان إِلَيْهَا وَقُرِئَ تَقْلِيده بِالْحرم وتسلم مَكَّة ثمَّ خرج فِي طلب عنان ففر مِنْهُ. وفْيه خلع الواثق مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن وأعيد السُّلْطَان المخلوع أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فَملك فاس فِي خَامِس رَمَضَان وَحمل الواثق إِلَى طنجة فسجن بهَا ثمَّ قتل. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْوَزير الصاحب شمس الدّين إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بكاتب أرلان لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشْرين شعْبَان. وَأَصله من نَصَارَى مصر وَأظْهر الْإِسْلَام. وخدم فِي دواوين الْأُمَرَاء حَتَّى تعلق بِخِدْمَة الْملك الظَّاهِر - وَهُوَ أَمِير - فولاه نظر ديوانه. ثمَّ فوض إِلَيْهِ الوزارة لما صَارَت إِلَيْهِ سلطنة مصر فنفذ الْأُمُور وَمَشى الْأَحْوَال أحسن تمشية مَعَ الْغَايَة فِي وفور الْحُرْمَة ونفوذ الْكَلِمَة والتقلل فِي ملبسه ومركبه وَسَائِر أَسبَابه بِحَيْثُ كَانَ كَهَيئَةِ أوساط الْكتاب. وَدخل فِي الوزارة وأحوال الوزارة غير مُسْتَقِيمَة وَلَيْسَ للدولة حَاصِل من عين وَلَا غلَّة وَقد اسْتَأْجر الْأُمَرَاء النواحي بِأَجْر قَليلَة عجلوها فَكف أَيدي الْأُمَرَاء عَن النواحي وَضبط المتحصل وَمَشى على الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة والقوانين الْمَعْرُوفَة فهابه الْخَاص وَالْعَام. وجدد مطابخ السكر ودواليب النُّقُود وَمَات وَالْحَاصِل ألف ألف دِرْهَم فضَّة وثلاثمائة ألف وَسِتُّونَ ألف أردب غلَّة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ ألف رَأس من الْغنم وَمِائَة ألف طَائِر من الأوز والدجاج وَألف قِنْطَار من الزَّيْت وَأَرْبَعمِائَة قِنْطَار مَاء ورد قيمَة ذَلِك كُله خَمْسمِائَة ألف دِينَار. وَمَات الْأَمِير تَاج الدّين إِسْمَاعِيل بن مَازِن الهواري وَترك أَمْوَالًا جزيلة.(5/202)
وَمَات القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الْجمال إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الغزاوي الشَّافِعِي خطيب الْمدرسَة الصالحية وَشَاهد الإصطبلات السُّلْطَانِيَّة فِي تَاسِع عشر صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر أستادار طبج كاشف الْوَجْه البحري فِي نصف رَمَضَان. وَمَات الشَّيْخ صدر الدّين سُلَيْمَان بن يُوسُف بن مُفلح الياسوفي بِدِمَشْق معتقلا بقلعتها. وَكَانَ من أَعْيَان فقهائها الشَّافِعِيَّة وأكابر محدثيها. واشتهر بالزهد والعفة واتهم بِأَنَّهُ مِمَّن مالىء الْفُقَهَاء الظَّاهِرِيَّة فاعتقل بِسَبَب ذَلِك. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طيْنال المارديني عَتيق النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون ترقى فِي الخدم من الْأَيَّام الناصرية حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف فِي أَيَّام النَّاصِر حسن ثمَّ نَفَاهُ إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن استبد الْأَشْرَف شعْبَان أحضرهُ إِلَى الْقَاهِرَة وَأَعْطَاهُ إمرة مائَة ثمَّ نَزعهَا مِنْهُ وَأَعْطَاهُ إمرة طبلخاناه ثمَّ جعله وَالِي قلعة الْجَبَل فباشر ذَلِك مُدَّة ثمَّ أعْطى إمرة عشرَة وتُرك طرخانا حَتَّى مَاتَ فِي شهر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طقتمش الحسني أحد المماليك اليلبغاوية وأمير طبلخاناة. مَاتَ فِي تَاسِع عشْرين رَجَب. وَمَات زين الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَفِيد بن رُشْد السجلماسي المغربي الْمَالِكِي سمع بغلناطة أَبَا البركات مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البلفيقي وبمكة ضِيَاء الدّين أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن خَلِيل بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عمر بن حسن الْقُسْطَلَانِيّ وبالمدينة النَّبَوِيَّة عفيف الدّين المطري. وبرع فِي الْفِقْه وَغَيره. وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ زَمَانا. وَولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب فَسَار فِي النَّاس سيرة عسوف فعزل. وَأقَام بغزة حَتَّى مَاتَ. ومولده فِي ثَانِي عشْرين شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَمَات الرئيس نور الدّين على بن عنان التَّاجِر بالخاص فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر شَوَّال.(5/203)
وَمَات الْخَطِيب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هَاشم بن عبد الْوَاحِد بن عشاير الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ فَقِيها شافعيا عَارِفًا بالفقه والْحَدِيث والنحو وَالشعر وَغَيره. ولي هُوَ وَأَبوهُ خطابة حلب. وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فَلم تطل مدَّته بهَا حَتَّى مَاتَ. وَمَات القَاضِي فتح الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن عقيل الشَّافِعِي موقع الدرج فِي حادي عشْرين صفر - وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحَافِظ محب الدّين عبد الله بن أَحْمد ابْن الْمُحب الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي بهَا. وَكَانَ إِمَامًا فِي الحَدِيث والورع والزهد. وَمَات الشَّيْخ أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ الْخَوَارِزْمِيّ البلغاري الْمَعْرُوف بالخلوتي فِي سَابِع عشْرين شعْبَان خَارج الْقَاهِرَة. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد القرمي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فِي سَابِع عشْرين ربيع الآخر. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الخشاب الشَّافِعِي فِي تَاسِع عشْرين شعْبَان. حدث بِصَحِيح البُخَارِيّ عَن وزيره والحجار. وناب فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَعمر. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الوحيد الدِّمَشْقِي بَاشر نظر الْمَوَارِيث وَنظر الْأَوْقَاف. بِمَدِينَة مصر وَشَهَادَة الْجَيْش مَاتَ فِي سَابِع ربيع الأول. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن قطب الْبكْرِيّ الشَّافِعِي فِي خَامِس عشر شَوَّال. تصدر للإشتَغال بالفقه مُدَّة.(5/204)
سنة تسعين وَسَبْعمائة فِي الْمحرم: قدم قَاصد من الْأَمِير منطاش يخبر أَنه بَاقٍ على الطَّاعَة فَقدم الْبَرِيد من حلب أَنه خَارج عَن الطَّاعَة وَقصد بِهَذَا المدافعة عنهَ حَتَّى يدْخل فصل الرّبيع وتذوب الثلوج. فسير السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين تُلَكتمُر الدوادار بِعشْرَة آلَاف دِينَار لِلْأُمَرَاءِ المجردين تَقْوِيَة لَهُم وتوسعة عَلَيْهِم وليعرف حَقِيقَة أَمر منطاش وَقدم الْأَمِير جُمُق بن الأتابك أيْتمش من حلب وَقد قلد الناصري النِّيَابَة بهَا. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: قدم الْأَمِير قُرقُماس - أَمِير الْحَاج - بالمحمل والحاج بعد مَا أَصَابَهُم سيل عَظِيم فِي ترعة حَامِد - فَم وَادي القباب - فَمَاتَ فِيهِ عدد كَبِير غرق مِنْهُم جمع وَدفن مائَة وَسَبْعَة وَتلف من الْأَمْتِعَة شَيْء لَا يعبر عَنهُ كَثْرَة وَذَلِكَ فِي لَيْلَة التَّاسِع عشر مِنْهُ. وَفِيه سمر عَليّ بن نجم أَمِير عرب الفيوم وَمَعَهُ عشرُون رجلا ووسطوا كلهم بِسَبَب قَتلهمْ مُحَمَّد وَعمر ابْني شادي. وَاسْتقر الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا المارداني كاشف الجيزة. وَقدم رسل ابْن عُثْمَان ملك بُرصا فأنزلوا بالميدان الْكَبِير بِخَط موردة الجبس. وَاسْتقر عمر بن الْخطاب فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنسا وأطفيح عوضا عَن أَمِير أَحْمد بن الرُّكْن. وَفِي أول صفر اسْتَقر أيدمر أَبُو زلطة نَائِب الْوَجْه البحري. وعزل قطلوبغا أَبُو درقة. وَاسْتقر أَبُو درقة كاشف الْوَجْه البحري. وَفِي ثامن عشره: أحضر ترسل ابْن عُثْمَان إِلَى الْخدمَة بالقلعة وَقدمُوا هَدِيَّة مرسلهم. وَقدم الْخَبَر برحيل تمرلنك عَن توريز إِلَى سَمَرْقَنْد وَأَن الأسعار ارْتَفَعت بِسَائِر بِلَاد الشَّام وأبيعت الغرارة الْقَمْح فِي بلد الرملة بثلاثمائة دِرْهَم فضَّة فَنقل النَّاس الغلال من ديار مصر إِلَيْهَا.(5/205)
وَقدم الْخَبَر بِأَن الشريف عنان بن مغامس اقتتل مَعَ الشريف عَليّ بن عجلَان وَانْهَزَمَ من عَليّ. ثمَّ قدم مقاصده يسْأَل السُّلْطَان الْعَفو عَنهُ. وَقدم الْبَرِيد بِأَن مِنْطاش خرج من ملطية إِلَى سيواس فَسَار الْبَرِيد بِالْخلْعِ وَالْأَمْوَال. لتفرق فِي تَلك الْبِلَاد. وَفِيه فرق نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي محتسب الْقَاهِرَة عدق فُقَرَاء الْفُقَهَاء على الباعة بِسَائِر الْأَسْوَاق ليعلموهم من الْقُرْآن مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الصَّلَاة فاستمر ذَلِك وَقرر لكل معلم على كل وَفِي ربيع الأول: منع قراء الأجواق عَامَّة من التهنيك وَأَن يكون عوضه الصَّلَاة على النَّبِي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع بِالْقَاهِرَةِ ومصر وضواحيهم طاعون وحميات حادة وفشى الْمَوْت بذلك فِي النَّاس. وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ بِالْقصرِ على الْعَادة وأقيم السماع بإبراهيم بن الْجمال وأخيهخليل يشبب. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَمَانِي عشره: حضر ابْنا الْجمال الْمَذْكُورين عِنْد بعض أهل مصر مولدا. فَلَمَّا أقيم السماع سقط الْبَيْت. بِمن فِيهِ فَمَاتَ ابْنا الْجمال فِي سِتَّة أنفس وَسلم من عداهم. وَمن الِاتِّفَاق الْغَرِيب أَنه كَانَ يُغني بِهَذِهِ الأبيات: تَغَنَّيْت فِي حبكم وَلَا فادني مِنْهُ. فن وخضت بحار الْهوى وجزت بوادي محن. وَقَالُوا بِهِ جنَّة ومثلي بكم من يجن. فُؤَادِي بكم هايم وعقلي بكم مفتن أُغني ولي فِيكُم فؤاد كثير الشجن سيطرب من فِي الْحمى ويرقص حَتَّى السكن. فَلَمَّا وصل فِي غنائه إِلَى قَوْله ويرقص حَتَّى السكن سقط الْبَيْت على من فِيهِ وتتمة هَذِه الأبيات: لقد جِئْت مستِعذرا لكم يَا أهيل المحن. فجودوا على عبدكم وَإِن لم تجودوا فَمن(5/206)
وَفِي هَذِه اللَّيْلَة: عمل الشَّيْخ المعتقد إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الإنبابي المولد على عَادَته فِي زاويته بِنَاحِيَة منبوبة من الجيزة تجاه بولاق فَكَانَ فِيهِ من الْفساد مَا لَا يُوصف إِلَّا أَنه وجد من الْغَد فِي الْمزَارِع مائَة وَخَمْسُونَ جرة فارغة من جرار الْخمر الَّتِي شربت - تِلْكَ اللَّيْلَة فِي الخيم سوى مَا حكى عَن الزِّنَا واللياطة فَجَاءَت ريح كَادَت تقتلع الأَرْض. بِمن عَلَيْهَا وَامْتنع النَّاس من ركُوب النّيل فتأخروا هُنَاكَ. وَاتفقَ فِي هَذَا الشَّهْر موت خَمْسَة من الْمَشْهُورين لم يخلفوا بعدهمْ مثلهم فِي مغناهم وهم: علم الدّين سُلَيْمَان الْقَرَافِيّ المادح مَاتَ لَيْلَة الْخَمِيس تاسعه وَإِبْرَاهِيم ابْن الْجمال الْمُغنِي وَأَخُوهُ خَلِيل المشبب فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشره. وَعلي بن الشاطر رَئِيس المؤذنين بالجامع الْأَزْهَر فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره. والمعلم إِسْمَاعِيل الدجَيجاتي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره. وَفِيه ورد الْخَبَر بِدُخُول الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَى بِلَاد ملطية لقِتَال منطاش. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث ربيع الآخر: اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله الْحميدِي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالإسكندرية وعزل همام الدّين عبد الْوَاحِد السواسي العجمي. وَسَار الشريف حسن بن عجلَان من الْقَاهِرَة إِلَى مَكَّة وَسَار مَعَه جمَاعَة يُرِيدُونَ الْعمرَة والمجاورة بِمَكَّة. وتزايد الْمَوْت وَطلب الْبِطِّيخ الصيفي للمرضى فأبيعت البطيخة بِخَمْسِينَ درهما فضَّة وأبيع الرطل من الكمثرى بِعشْرَة دَرَاهِم. وَفِيه ندب قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت ميلق جماعهَ فقرأو بالجامع الْأَزْهَر صَحِيح البُخَارِيّ ودعوا الله تَعَالَى فِي رفع الطَّاعُون. واجتمعوا أَيْضا فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره بالجامع الحاكمي وفعلوا ذَلِك. ثمَّ اجْتَمعُوا مرّة ثَالِثَة بالجامع(5/207)
الْأَزْهَر بعد عصر يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشره وَمَعَهُ كثير من الْأَطْفَال الْأَيْتَام فَكَانَ جمعا موفوراً. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير أيدكار الْعمريّ حَاجِب الْحجاب بديار مصر عوضا عَن الْأَمِير قطلوبغا الكوكاي وَكَانَت هَذِه الْوَظِيفَة متوفرة نَحْو أَربع سِنِين بعد وَفَاة الكوكاي وأضيف إِلَيْهِ نظر الخانقاة الشيخونية. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين الْمَعْرُوف بسيدي أَبُو بكر بن سنقر الجمالي حَاجِب ميسرَة بإمرة مائَة عوضا عَن أيدكار بِحكم انْتِقَاله حَاجِب الْحجاب. وَفِي تَاسِع عشرينه: مَاتَ الْأَمِير سُبْرج وَالِي بَاب قلعة الْجَبَل. وَكثر الْمَوْت فِي المماليك بالقلعة فَكَانَ يَمُوت مِنْهُم فِي كل يَوْم زِيَادَة على عشْرين نفسا. وَفِي أَول جُمَادَى الأولى: بلغت عدَّة الْأَمْوَات الواردين على الدِّيوَان إِلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ سوى من يَمُوت بالمارستَان وَسوى الطرحاء على الطرقات. وَفِي رابعه: اسْتَقر بحاس النوروزي نَائِب بَاب القلعة وتزايدت عدَّة الْمَوْتَى. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس فِي نظر الدولة عوضا عَن أَمِين الدّين عبد الله بن ريشة بعد مَوته. وَفِي حادي عشرينه: ورد صراي تَمُر - دوادار الْأَمِير يُونُس الدوادار ومملوك نَائِب حلب - على الْبَرِيد بِأَن الْعَسْكَر توجه إِلَى سيواس وَقَاتل عسكرها وَقد استنجدوا بالتتر فَأَتَاهُم مِنْهُم نَحْو السِّتين ألفا فحاربوهم يَوْمًا كَامِلا وهزموهم وحصروا سيواس بَعْدَمَا قتل كثير من الْفَرِيقَيْنِ وجرح معظمهم وَأَن الأقوات عِنْدهم عزيزة فَجهز السُّلْطَان إِلَى الْعَسْكَر مبلغ خمسين ألف دِينَار مصرية وَسَار بهَا تُلَكتمُر الدوادار فِي سَابِع عشرينه. ثمَّ أَن الْعَسْكَر تحركوا للرحيل عَن سيواس فهجم عَلَيْهِم التتار من ورائهم فبرز إِلَيْهِم الْأَمِير يلبغا الناصري نَائِب حلب وَقتل مِنْهُم خلقا كثير وَأسر نَحْو الْألف وَأخذ مِنْهُم الْعَسْكَر نَحْو عشرَة وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر كل من جَركس وقُطْلوبَك السيفي أَمِير جاندار عوضا عَن يَلْبُغا المحمدي وألطنبغا عبد الْملك بعد مَوْتهمَا. وَقدم الْبَرِيد بقتل الصارم إِبْرَاهِيم بن شَهْري نَائِب دوركي على سيواس.(5/208)
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن على شاد الدَّوَاوِين فِي أستادارية السُّلْطَان بعد موت الْأَمِير بهادر المنجكي وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام لاجين الصقري أستادار الْأَمِير سودن بَاقٍ فِي شدّ الدَّوَاوِين. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: أنعم على كل من بَلُوط الصَرْغَتْمشىُ ونوغيه العلاي وناصر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير مَحْمُود بإمرة طبلخاناة. وعَلى كل من دَاوُد ابْن دلغادر وناصر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري الشاد بإمرة عشرَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير مَحْمُود الأستادرار مشير الدولة وخلع عَلَيْهِ فَتحدث فِي الدولة وَالْخَاص والديوان الْمُفْرد وَصَارَ عَزِيز مصر. وَحضر عِنْده الصاحب علم الدّين كَاتب سَيِّدي وموفق الدّين أَبُو الْفرج نَاظر الْخَاص وائتمرا بأَمْره. وَفِي ثامنه: ارْتَفع الوباء بَعْدَمَا تجَاوز الثلاثمائة فِي كل يَوْم. وَفِي عاشره: قدم الْبَرِيد من الْأَمِير يُونُس وَمن نَائِب حلب بِخَبَر وقْعَة سيواس الَّتِي ذَكرنَاهَا وَفِي ثَانِي عشره: خلع على الصاحب علم الدّين خلعة اسْتِمْرَار بعقب غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ. وَفِي رَابِع عشره - الْمُوَافق سادس عشْرين بؤونة: - أَخذ قاع النّيل فجَاء سِتَّة أَذْرع وَثَمَانِية أَصَابِع. وَفِيه قدم الْفَقِيه قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون الأشبيلي المغربي من الْحجاز إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي تَاسِع رَجَب: قدم الْأَمِير تُلَكتمر الدوادار وَأخْبر بِأَن منطاش قد فر من سيواس خوفًا من القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحبهَا أَن يقبض عَلَيْهِ. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير قُطلوبُغا الأسَنْقجاوي أَبُو درقة كاشف الْوَجْه البحري عوضا عَن ركن الدّين عمر بن إلْيَاس بن أخلا قُرطُ. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر مُقْبل الطَّيِّبِيّ وَالِي قوص ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ القبلي وعزل مبارك. وَاسْتقر الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي فِي ولَايَة قوص. وَفِي أول شعْبَان: أوفي النّيل وَوَافَقَ ثَالِث عشر مسرى. وَفِي ثالثه: قدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد والأمراء من سيواس إِلَى قلعة الْجَبَل بِغَيْر طائل فَخلع على الْأُمَرَاء وأركبوا خيولا بقماش ذهب فَكَانَت غيبتهم عَن. الْقَاهِرَة سنة أَيَّامًا.(5/209)
وَفِي عاشره: اسْتَقر بتخاص السودوني - حَاجِب طرابلس - فِي نِيَابَة صفد بعد موت أركماس. وَفِي خَامِس عشره: طلب السُّلْطَان الطواشي بهادُر مقدم المماليك فَلم يُوجد بالقلعة فَأحْضرهُ سكرانا من بَيت على الْبَحْر فَاشْتَدَّ حنق السُّلْطَان عَلَيْهِ ونفاه إِلَى صفد وَأعْطى بهَا إمرة عشرَة. وَاسْتقر عوضه الطواشي شمس الدّين صَوَاب السَّعْدِيّ - الْمَعْرُوف بشنكل الْأسود - مقدم المماليك فِي سَابِع عشره. وَاسْتقر الطواشي سعد الدّين بشير الشرفي عوضا عَن شنكل فِي نِيَابَة الْمُقدم. وَفِيه قدمت رسل الفرنج بجنوة فِي الحَدِيث بِسَبَب من قبض عَلَيْهِ من الفرنج. وَذَلِكَ أَنه ورد الْخَبَر أَن بعض أقَارِب السُّلْطَان قدمُوا من بِلَاد الجراكسة فِي الْبَحْر فَأَخذهُم الفرنج فَقبض على من بالإسكندرية مِنْهُم وَختم على أَمْوَالهم. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْبَرِيد. بِمَوْت قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة بِدِمَشْق فصلى عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب بجوامع الْقَاهِرَة ومصر فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه. وَفِيه عُقد عقد القَاضِي جمال الدّين مَحْمُود القيصري - قَاضِي الْعَسْكَر - على ابْنة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد الطيلُوني فِي بَيت الْأَمِير يُونُس الدوادار فَكَانَ يَوْمًا مشهودا. وَفِيه اسْتَقر القَاضِي سرى الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن زين الدّين أبي مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك السُّلمي المسَّلاتي فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان بن جمَاعَة وَحمل إِلَيْهِ التشريف والتقليد إِلَى دمشق مسئولا بذلك. وَفِي ثامن رَمَضَان: خلع على الصاحب علم الدّين عقب عافيته من مَرضه وعَلى الْفَخر بن مكانس نَاظر الدولة وَابْن الحسام الشاد وعَلى مُحَمَّد بن صَدَقَة الأعسر وَاسْتقر وَالِي الأشمونين عوضا عَن أَمِير حَاج بن أيدمر وَنقل أَمِير حَاج إِلَى ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنسا وأطفيح عوضا عَن عمر بن خطاب. وَاسْتقر مُحَمَّد بن الهذباني فِي ولَايَة البهنسا وعزل قُوزي.(5/210)
وَفِي تَاسِع عشره: قبض على سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَسلم لشاد الدَّوَاوِين وألزم بِخَمْسَة آلَاف دِينَار فَبَاعَ أملاكه. وَقبض على سعد الدّين ابْن قَارُورَة مُسْتَوْفِي الدولة - وألزم بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض على الصاحب الْوَزير علم الدّين عبد الْوَهَّاب بن القسيس الْمَعْرُوف بكاتب سَيِّدي. واستدعى الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وخلع خلعة الوزارة وَسلم إِلَيْهِ كَاتب سَيِّدي فألزمه. بِمَال حمل مِنْهُ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم بعد مَا قبض على حَوَاشِيه والحاج عبيد البزدار مقدم الدولة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس - سادس شَوَّال: قدم من حلب الْأَمِير قرادمراش باستدعاء. وَفِي تاسعه: قدم من الْحجاز الشريف عنان بن مغامس أَمِير مَكَّة واستجار بالأمير الْكَبِير أَيتمش وَنزل عِنْده فشفع فِيهِ وأحضره إِلَى السُّلْطَان فَعَفَا عَنهُ. وَفِي عاشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أخي الْجَار النَّيْسَابُورِي فِي مشيخة سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد الْأنْصَارِيّ. وَخرج الْحَاج على الْعَادة وأمير الركب الأول جركس الخليلي أَمِير آخور وأمير الركب الثَّانِي أقبغا المارداني صُحْبَة الْمحمل. وَقدم الْخَبَر من أُمَرَاء دمشق. بمخامرة أَلطُنبُغا الجوباني نَائِب دمشق وَأَنه ضرب طُرنُطاي حَاجِب الْحجاب واستكثر من اسْتِخْدَام المماليك فَبلغ الجوباني ذَلِك فَاسْتَأْذن فِي الْحُضُور فَأذن لَهُ فَركب الْبَرِيد من دمشق وَنزل سرياقوس - خَارج الْقَاهِرَة - لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشرينه فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان الْأَمِير فَارس الصَرْغَتْمشُى الجوكندار فقيده وَسَار بِهِ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنه بهَا. وَقبض بقلعة الْجَبَل فِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه على الْأَمِير أَلْطُنْبغا الْمعلم أَمِير سلَاح وقردُم الحَسَنيِ - رَأس نوبَة - وقيدا وحملا إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة مَعَ أَلْجبُغا الجمالي الدوادار. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين طرنطاي حَاجِب دمشق فِي نيابتها عوضا عَن الجوباني وَحمل إِلَيْهِ التشريف والتقليد من قلعة الْجَبَل إِلَى دمشق مَعَ سودن الطرنطاي. وَكتب بِقَبض الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب طرابلس فَقدم سَيْفه فِي عَاشر ذِي الْقعدَة. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الْأَمِير ألجبُغا الجمالي الدوادار خازندارا ثَانِيًا. وَتوجه الْأَمِير شيخ الصفوي بتقليد أسندمر المحمودي حَاجِب طرابلس نِيَابَة طرابلس. وَنفي كُمُشبغُا الأشرفي الخاصكي رَأس نوبَة إِلَى طرابلس فَسَار من دمياط لِأَنَّهُ كَانَ فِي اليزك بهَا.(5/211)
وَفِي خَامِس عشرينه: عزل أَيدمر نَائِب الْوَجْه البحري ثمَّ أُعِيد من يَوْمه. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِعشْرين سَيْفا من سيوف الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم بِبِلَاد الشَّام. وَكتب بِالْقَبْضِ على الْأُمَرَاء البطالين بِبِلَاد الشَّام فَقبض عَلَيْهِم. وأعيد سودن العثماني على نِيَابَة حماة. وَاسْتقر كشلي القلمطاوي نَائِبا. بملطية. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير سودن الطرنطاي من الشَّام بَعْدَمَا قلد نَائِب وَفِيه قدمت رسل الْأَمِير قرا مُحَمَّد التركماني بكتابه يخبر أَنه أَخذ مَدِينَة تبريز وَضرب بهَا السِّكَّة باسم السُّلْطَان ودعا لَهُ على منابرها وسير دَنَانِير ودراهم ضربت بالسكة السُّلْطَانِيَّة. وَسَأَلَ أَن يكون بهَا نَائِبا عَن السلطة فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء. وَاسْتقر جمق السيفي فِي ولَايَة الفيوم وكشفها عوضا عَن أَمِير حَاج بن أَيدَمُر. وَقدم الْأَمِير شيخ الصفوي من طرابلس. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى أَمِير عرب الْعَائِد فِي كشف الشرقية وولايتها عوضا عَن قُطْلُوبُغا التركماني. وَفِي سادس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالأمن والسلامة. وَقدم الْبَرِيد من الْإسْكَنْدَريَّة بوصول خواجا عَليّ أخي الخواجا عُثْمَان وَمَعَهُ جَمِيع من أسرهم الفرنج من أقَارِب السُّلْطَان. وَاسْتقر تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أبي المحاسن يُوسُف ابْن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكُفْري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين أَحْمد بن أبي الْعِزّ بن الكشك. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد بن المُهَاجر الْحلَبِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن شرف الدّين مَسْعُود. وأعيد محب الدّين مُحَمَّد بن الْكَمَال مُحَمَّد بن الشّحْنَة إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن موفق الدّين. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن المقارعي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بحلب عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن فياض. وَكَانَ الْحَاج من مصر خَاصَّة سَبْعَة ركُوب من كثرتهم سوى ركبي المغاربة والتكاررة لتتمة تِسْعَة ركُوب.(5/212)
وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد الله بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي بِدِمَشْق لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر شعْبَان ومولده سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَلم يخلف بعده مثله. وَمَات الشَّيْخ جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الأسيوطي الشَّافِعِي بِمَكَّة فِي ثَانِي شهر رَجَب. وَقد أسن وَأفْتى ودرس وأسمع صَحِيح مُسلم وَغَيره. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن قليج وَالِي الفيوم. كَانَ أَبوهُ أحد أُمَرَاء الألوف وَكَاشف الْوَجْه القبلي. وَمَات الشَّيْخ المعتقد إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الإنبابني بزاويته بِنَاحِيَة منبابة فِي سلخ شعْبَان. وَمَات عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن المشرف أستادار الْأَمِير جركس الخليلي فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر المنجكي أستدار السُّلْطَان وَأحد الْأُمَرَاء الألوف فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْوَزير الصاحب علم الدّين بن القسيس الْمَعْرُوف بكاتب سَيِّدي الْأَسْلَمِيّ فِي آخر ذِي الْحجَّة. وَمَات القَاضِي أَمِين الدّين عبد الله بن مجد الدّين فضل الله بن أَمِين الدّين عبد الله بن ريشة القبطي الْأَسْلَمِيّ نَاظر الدولة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين جلبان الْحَاجِب فِي خَامِس عشْرين رَمَضَان وَكَانَ خيرا متدينا عَارِفًا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين سُبْرج الكمشبغاوي نَائِب قلعة الْجَبَل فِي تَاسِع عشْرين ربيع الآخر.(5/213)
وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِالْعَلَاءِ السيرامي العجمي شيخ الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى. وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه على مَذْهَب أبي حنيفَة مشاركا فِي غَيره مشكور السِّيرَة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قطلوبغا المحمدي الْمَعْرُوف بقشقلدق أحد أُمَرَاء العشرات فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات القَاضِي عز الدّين أَبُو الْيمن مُحَمَّد بن عبد اللطف بن الكُوَيك الربعِي الشَّافِعِي فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَقد أسمع الحَدِيث مُدَّة. وَمَات القَاضِي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن شَاس الْمَالِكِي موقع الدست فِي سَابِع عشر شعْبَان. وَقد عين لكتابة السِّرّ.(5/214)
(سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهلت بِيَوْم الْخَمِيس فَفِي خَامِس الْمحرم: اسْتَقر قطلوبك السَّعْدِيّ البريدي وَالِي الشرقية عوضا عَن الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى العايدي. وَاسْتقر ابْن عِيسَى كاشف الشرقية. وَفِي ثامنه: قدمت رسل ابْن قَرَمان بهدية فقبلها السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِم. وَفِي تَاسِع عشره: قدمت رسل فرنج جنوة بالخواجا عَليّ وأقارب السُّلْطَان وَمَعَهُ هَدِيَّة ملكهم فَقبلت وخلع عَلَيْهِم. وَفِيه قدم الْأَمِير جركس الخليلي من الْحجاز بإخوة السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْبَرِيد من سيس بِأَن خَلِيل بن دلغادر ونائب سيس جمعا تركمان الطَّاعَة وحاربوا سولى بن دلغادر ومنطاش وَقتلُوا كثيرا من أصحابهما وهزماهما وَغنما مَا مَعَهُمَا من الْأَمْوَال والحريم. وَفِيه قدم الْأَمِير أقبغا المارداني بالمحمل وَبَقِيَّة الْحَاج. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ جلال الدّين نصر الله الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي تدريس الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجد بدرس الحَدِيث النَّبَوِيّ عوضا عَن الشَّيْخ أَحْمد بن أبي يزِيد الْمَعْرُوف بمولانا زَاده السيرامي. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن ابْن خلدون عوضه فِي تدريس الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الصَرْغُتمشية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أشيع أَن الْأَمِير يلبغا الناصري - نَائِب حلب - وَقع بَينه وَبَين الْأَمِير سودُن المظفري وَكَاتب كل مِنْهُمَا فِي الآخر فلهج الْعَامَّة فِي كل وَقت بقَوْلهمْ: من غلب صَاحب حلب حَتَّى لَا تكَاد تَجِد صَغِيرا وَلَا كَبِيرا إِلَّا وَيَقُول ذَلِك حَتَّى كَانَ من غلب الناصري نَائِب حلب مَا يَأْتِي ذكره فَكَانَ هَذَا من غرائب الاتفاقات. وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس صفر: جمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء الخاصكية فِي الميدان تَحت القلعة وَشرب مَعَهم القمز وَقرر لشربه يومي الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء. وَفِي سابعه: اسْتَقر سيف الدّين أَبُو بكر بن شرف الدّين مُوسَى بن الديناري فِي ولَايَة قوص عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي.(5/215)
وَفِي عاشره: بعث السُّلْطَان هَدِيَّة الْأَمِير يلبغا الناصري فِيهَا عدَّة خُيُول بقماش ذهب وقباء واستدعاه ليحضر. فَلَمَّا قدم ذَلِك عَلَيْهِ خشِي أَن يفعل بِهِ كَمَا فعل بالأمير ألطنبغا الجوباني فَكتب يعْتَذر عَن الْحُضُور بحركهَ التركمان ومنطاش وَالْخَوْف على حلب مِنْهُم فَلم يقبل السُّلْطَان عذره وَكثر تخيله مِنْهُ. وَبعث الْأَمِير تلكتمر المحمدي الدوادار إِلَى حلب وعَلى يَده مثالين ليلبغا الناصري وسودُن المظفري أَن يصطلحا بِحَضْرَة الْأُمَرَاء والقضاة. وسير مَعَه خلعتين يلبسانهما بعد صلحهما. وَحمله فِي الْبَاطِن عدَّة ملطفات إِلَى سودن المظفري وَغَيره من الْأُمَرَاء بِقَبض الناصري وَقَتله إِن امْتنع من الصُّلْح. وَكَانَ مَمْلُوك الناصري قد تَأَخّر عَن السّفر ليفرق كتبا من أستاذه على الْأُمَرَاء يَدعُوهُم إِلَى مُوَافَقَته على الثورة بالسلطان. وَأخر السُّلْطَان جَوَاب الناصري الْوَارِد على يَده ليسبقه تلكتمر إِلَى حلب فَبلغ الْمَمْلُوك مَا على يَد تلكتمر من الملطفات وَأخذ الْجَواب وَسَار على الْبَرِيد وجد فِي السُّوق حَتَّى دخل حلب قبل تلكتمر. وَعرف الناصري الْحَال كُله وَيُقَال إِن تلكتمر كَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ حسن - رَأس نوبَة الناصري - مصاهرة فَلَمَّا قرب من حلب بعث يُخبرهُ. بِمَا أَتَى فِيهِ فَتنبه الناصري لما أخبرهُ الشَّيْخ حسن برسالة تلكتمر وَاحْترز لنَفسِهِ. وَخرج حَتَّى لَقِي تلكتمر على الْعَادة وَأخذ مِنْهُ الْمِثَال وَحضر بِهِ إِلَى دَار السَّعَادَة وَقد اجْتمع الْأُمَرَاء والقضاة وَغَيرهم لسَمَاع الْمِثَال السلطاني. وَتَأَخر سودُن المظفري عَن الْحُضُور وَالرسل تستدعيه حَتَّى حضر وَهُوَ لابس آلَة الْحَرْب من تَحت ثِيَابه. فعندما دخل الدهليز جس قازان البرقشي - أَمِير آخور الناصري - كتفه فَوجدَ السِّلَاح وَقَالَ: يَا أَمِير الَّذِي يُرِيد الصُّلْح يدْخل لابس آلَة الْحَرْب. فَسَبهُ المظفري فسل قازان عَلَيْهِ السَّيْف وضربه وأخذته السيوف من الدّين رتبهم الناصري من مماليكه حَتَّى برد فَجرد ممالكيه أَيْضا سيوفهم وقاتلوا مماليك الناصري فَقتل بَينهم أَرْبَعَة. وثارت الْفِتْنَة فَقبض الناصري على حَاجِب الْحجاب وَأَوْلَاد المهمندار وعدة مِمَّن يخافهم وَركب إِلَى القلعة وتسلمها. واستدعى التركمان والعربان وَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير منطاش معاونا لَهُ وداخلاً فِي طاعتة. وَبعث تلكتمر إِلَى السُّلْطَان فَقدم فِي خَامِس عشره وَأعلم السُّلْطَان بِخُرُوج الناصري عَن الطَّاعَة وَاجْتمعَ النَّاس مَعَه وَكتب السُّلْطَان فِي سَابِع عشره إِلَى الْأَمِير سيف الدّين أينال اليوسفي أتابك دمشق بنيابة حلب وجهز إِلَيْهِ التشريف والتقليد. وَطلب السُّلْطَان فِي ثامن عشره الْقُضَاة والأعيان وَأهل الدولة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وَحَدَّثَهُمْ بعصيان(5/216)
الناصري واستشارهم فِي أمره فَوَقع الِاتِّفَاق على إرْسَال عَسْكَر لقتاله فَحلف الْأُمَرَاء كلهم ثمَّ خرج السُّلْطَان إِلَى الْقصر الأول وَحلف أكَابِر المماليك على الطَّاعَة. وَفِي تَاسِع عشره: ضربت خيمة كَبِيرَة بالميدان تَحت القلعة وَضرب بجانبها عدَّة صواوين برسم الْأُمَرَاء وَنزل السُّلْطَان إِلَى الْخَيْمَة وَحلف الْأُمَرَاء وَسَائِر المماليك. ثمَّ مد لَهُم سماطاً جَلِيلًا فَأَكَلُوا وانفضوا. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن قرا بغا فرج الله وبزلار الْعمريّ ودمرداش اليوسفي وكمشبغا الخاصكي الْأَشْرَف وأقبغا حنجق اتجمع مَعَهم عدَّة كَبِيرَة من المماليك المنفيين وقبضوا على الْأَمِير سيف الدّين أسندمر نَائِب طرابلس وَقتلُوا من الْأُمَرَاء صَلَاح الدّين خَلِيل بن سنجر وَابْنه وقبضوا على جمَاعَة ودخلوا فِي طَاعَة الناصري. وَفِيه عرض السُّلْطَان المماليك وَعين مِنْهُم أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ للسَّفر ورسم لمن يذكر من الْأُمَرَاء بِالسَّفرِ وهم: الْأَمِير الْكَبِير أيتمش الأتابك والأمير جركس الخليلي أَمِير آخور والأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن يلبغا أَمِير مجْلِس والأمير يُونُس الدوادار والأمير أيدكار حَاجِب الْحجاب وَهَؤُلَاء أُمَرَاء أُلُوف. وَمن أُمَرَاء الطبلخانات فَارس الصَرْغَتْمُشى وبَكْلمش رَأس نوبَة وجركس المحمدي وشاهين الصرغتمشى وأقبغا الصَّغِير السلطاني وأينال الجركسي أَمِير آخور وقديد القلمْطاوي. وَمن أُمَرَاء العشراوات خضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي وناصر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أقبغا آص وَحمل إِلَى الْأَمِير أيتمشِ مِائَتَا ألف دِرْهَم فضَّة وَعشرَة آلَاف دِينَار ذَهَبا مصرية. وَإِلَى كل من أُمَرَاء الألوف مائَة ألف دِرْهَم وَخَمْسَة آلَاف دِينَار مَا خلا أيدكار فَإِنَّهُ حُمل لَهُ مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم مَعَ الذَّهَب نظيرهم. وَلمن عداهم من الْأُمَرَاء لكل مِنْهُم بلغ خمسين ألف دِرْهَم وَألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة دِينَار. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن مماليك الْأَمِير سيف الدّين سودن العثماني - نَائِب حماة - هموا بقتْله ففر إِلَى دمشق وَأَن الْأَمِير سيف الدّين بيرم الْعزي الْحَاجِب بحماة دخل فِي طَاعَة الناصري وَملك حماة فَعرض السُّلْطَان المماليك وَعين مِنْهُم أَرْبَعَة وَسبعين لتتم جملَة من يُسَافر من المماليك خَمْسمِائَة. وَورد الْخَبَر باستيلاء الفرنج على جَزِيرَة جَربة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرينه: رسم للأمير بجاس وَالِي بَاب القلعة فَتوجه إِلَى الْخَلِيفَة المتَوَكل وَنَقله إِلَى برج وضيق عَلَيْهِ وَمنع النَّاس من الدُّخُول إِلَيْهِ خوفًا من(5/217)
الناصري أَن يدس من يَأْخُذهُ فَإِنَّهُ - أَي الناصري - شنع على السُّلْطَان بِأُمُور أكبرها سجن الْخَلِيفَة. فَبَاتَ الْخَلِيفَة بِهِ لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ أُعِيد إِلَى مَكَانَهُ. ورسم للطواشي مقبل الزِّمَام بالتضييق على الأسياد أَوْلَاد الْمُلُوك الناصرية وَمنع من يتَرَدَّد إِلَيْهِم والفحص عَن أَحْوَالهم فَفعل ذَلِك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي ربيع الأول: خرج الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير سيف الدّين طُغاي تَمُر القبلاوي - أحد أُمَرَاء دمشق - نِيَابَة طرابلس. وَفِي خامسه: قدم قَاصد خَلِيل بن دلغادر بكتاه يخبر أَن سُنْقُر - نَائِب سيس - توجه إِلَى الناصري وَدخل فِي طَاعَته فَلَمَّا عَاد قبض عَلَيْهِ وَبعث سَيْفه فَخلع على قاصده. وَفِيه أنْفق فِي المماليك نَفَقَة ثَانِيَة فَالْأولى لكل وَاحِد من الْخَمْسمِائَةِ مَمْلُوك ألف دِرْهَم فضَّة وَالثَّانيَِة أَيْضا ألف دِرْهَم سوى الْخَيل وَالْجمال وَالسِّلَاح فَإِنَّهُ فرق فِي أَرْبَاب الجوامك لكل وَاحِد جملان وَلكُل اثْنَيْنِ من أَرْبَاب الأخباز ورتب لَهُم اللَّحْم والجرايات والعليق فرتب لكل من رُءُوس النوب فِي الْيَوْم سِتّ عشرَة عليقة وَلكُل من أكَابِر المماليك فِي الْيَوْم عشر علائق وَلكُل من أَرْبَاب الجوامك خمس علائق. ورسم لكل مَمْلُوك فِي دمشق. بمبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم. وَفِي رَابِع عشره: استدعى السُّلْطَان شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ إِلَى مَسْجِد رُديني دَاخل القلعة واستدعى الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله فَقَامَ إِلَيْهِ وتلقاه وَأخذ فِي ملاطفته والاعتذار إِلَيْهِ وتحالفا. وَمضى الْخَلِيفَة إِلَى مَوْضِعه فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان عشرَة آلَاف دِرْهَم وعدة بقج فِيهَا صوف وَثيَاب سكندرية وفرو لتتمة الْقيمَة عَن الْجَمِيع ألف دِينَار. فَبعث الْخَلِيفَة بِجُزْء وافر من ذَلِك إِلَى شيخ الْإِسْلَام وَإِلَى وَالِي القلعة. وتواترت الْأَخْبَار بِدُخُول سَائِر أُمَرَاء الشَّام والمماليك اليلبغاوية والأشرفية وسولى أَمِير التركمان ونعير أَمِير العربان فِي طَاعَة الناصري على محاربة السُّلْطَان. وَأَنه أَقَامَ سناجق خليفتيه وَأخذ جَمِيع القلاع خلا دمشق وبعلبك والكرك فَكثر الِاضْطِرَاب بِالْقَاهِرَةِ وقلعة الْجَبَل. وَخرج الْأُمَرَاء والمماليك فِي يَوْم السبت رَابِع عشره إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة بتجمل عَظِيم واحتفال زائده فَإِن الدولة كَانَت لم تطرق والبلد لم يتَغَيَّر حَاله وَالنَّاس فِي عَافِيَة بِلَا محنة(5/218)
وَأَقَامُوا فِي التبريز إِلَى يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره فَكَانَت أَيَّامًا مَشْهُودَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن وقْعَة كَانَت بهَا من أجل مخامرة بعض الْأُمَرَاء. وَفِيه أنعم على قرابغا الأبو بكري بإمرة صراي الرجي الطَّوِيل وأنعم بإقطاعه على طغايَ تمُر الجَرَكتمُرى. وَفِي سَابِع عشره: عزل موفق الدّين أَبُو الْفرج من نظر الْجَيْش وَاسْتقر عوضه جمال الدّين مَحْمُود القيسري قَاضِي الْعَسْكَر الْحَنَفِيّ وَاسْتقر الشَّيْخ شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر إِمَام السُّلْطَان فِي قَضَاء الْعَسْكَر. وَاسْتقر القَاضِي سراج الدّين عمر الْحَنَفِيّ العجمي محتسب الْقَاهِرَة فِي تدريس التَّفْسِير بالقبة المنصورية عوضا عَن جمال الدّين برغبته لَهُ عَنهُ. وَقدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن سودن العثماني - نَائِب حماة - جدد لَهُ بركا بِدِمَشْق وَأقَام عسكرا وَسَار مَعَه الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن هُمُزْ التركماني يُرِيد أَخذ حماة فَلَقِيَهُ الْأَمِير منطاش بعسكر حلب وقاتله وهزمه إِلَى حمص وَمَعَهُ ابْن هُمُز. وَفِيه أَمر السُّلْطَان بِإِبْطَال الرماية والسلَف على البرسيم وَالشعِير وَإِبْطَال قِيَاس الفصب والقلقاس والإعفاء بِمَا على ذَلِك من الْمُقَرّر السلطاني. وَفِي سلخه: عزل مُقْبل الطَّيِّبِيّ عَن نِيَابَة الْوَجْه القبلي وأعيد مبارك شاه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول ربيع الآخر: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن كُمُشْبُغا المنجكي - نَائِب بعلبك - دخل فِي طَاعَة الناصري. وَفِي خامسه: قدم الْبَرِيد بِأَن ثَلَاثَة عشر من أُمَرَاء دمشق خَرجُوا. بمماليكهم إِلَى حلب نصْرَة للناصري فواقعهم النَّائِب بِمن مَعَه وجرح مِنْهُم عدَّة وَسَارُوا إِلَى حلب. وَأَن الْأَمِير جركس الخليلي لما قدم إِلَى غَزَّة أحس. بمخامرة الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الصفوي نَائِب غَزَّة فَقبض عَلَيْهِ وَبَعثه إِلَى الكرك وَأقر فِي نِيَابَة غَزَّة الْأَمِير حسام الدّين حسن ابْن باكيش. وَفِي عاشره: أنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشْرين عوضا عَن نوغاي العلاي بعد مَوته. وَفِي حادي عشره: عزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العادلي وَاسْتقر عوضه فِي ولَايَة(5/219)
منوف أقبغا البَشْتَكي. وعزل الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي من ولَايَة أشموم الرُّمَّان وَاسْتقر عوضه عَلَاء الدّين عَليّ بن الْمُقدم. وَفِي تَاسِع عشره: عزل قنُق السيفي عَن كشف الفيوم وولايتها وكشف البهنسا وأطفيح وَاسْتقر شاهين الكلبكي عوضه. وعزل مُحَمَّد بن صَدَقَة بن الأعسر من الأشمونين وَاسْتقر عوضه عز الدّين أيدَمُر المظفري. وَفِي عشرينه: قدم رَسُول قرا مُحَمَّد التركماني وَرَسُول الْملك الظَّاهِر صَاحب ماردين بقدومهما إِلَى الخابور ويستأذنان فِي محاربة الناصري فأجيا بالثناء وَالشُّكْر وأنهما ادخرا لأهم من هَذَا. وَدخل الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَى دمشق يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع ربيع الآخر فَتَلقاهُ الْأَمِير حسام الدّين طُرُنطاَي النَّائِب وَاتَّفَقُوا على إرْسَال طَائِفَة من أَعْيَان الْفُقَهَاء إِلَى الناصري ليدخلوا بَينه وَبَين السُّلْطَان فِي الصُّلْح فساوا فِي ثَانِي عشره بكتب الْأُمَرَاء وَهُوَ فِيمَا بَين قارا والنبك فَلَمَّا وصل الْجَمَاعَة إِلَيْهِ تلقاهم وَوَعدهمْ بالجميل وأنزلهم فِي مَكَان ووكل بهم من يحفظهم. وَقد سَار من حلب. بِمن مَعَه يُرِيد دمشق. وَقد أقبل المماليك السُّلْطَانِيَّة على الْفساد بِدِمَشْق وَاشْتَغلُوا باللهو حَتَّى نزل عَلَيْهِم الناصري فِي يَوْم السبت تَاسِع عشره خَان لاجين - خَارج دمشق - فَخرج فِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشرينه عَسَاكِر مصر ودمشق إِلَى بَرزَة والتقوا بالناصري عَليّ خَان لاجين وقاتلوه قتالا شَدِيدا انْكَسَرَ فِيهِ مرَّتَيْنِ من المماليك السُّلْطَانِيَّة. فعندما تنازلوا فِي الْمرة الثَّانِيَة أقلب الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا رمحه وَصَاح فرج الله وَلحق بعسكر الناصري وَمَعَهُ مماليكه وَتَبعهُ الْأَمِير أيدكار والأمير فَارس الصرْغَتْمُشى والأمير شاهين أَمِير آخور. بِمن مَعَهم وقاتلوا المماليك وَمن بَقِي من أُمَرَاء مصر ودمشق معاونة للناصري فثبتوا لَهُم سَاعَة ثمَّ انْهَزمُوا. فهجم مَمْلُوك من عَسْكَر الناصري يُقَال لَهُ يلبغا الزيني الْأَعْوَر وَضرب الْأَمِير جركس الخليلي فَقتله وَأخذ سلبه وَترك رمته بالعراء عَارِية مُدَّة إِلَى أَن كفنته امْرَأَة ودفنته. ومدت التراكميين أَيْديهم ينهبون من انهزم وَيَأْسِرُونَ من ظفروا بِهِ. وَلحق الْأَمِير أيتَمش بِدِمَشْق وتحصن بقلعتها. وتمزق سَائِر الْعَسْكَر وَدخل الناصري دمشق فِي يَوْمه بعساكره وجموعه وَنزل بِالْقصرِ من الميدان وتسلم القلعة بِغَيْر قتال. وأوقع الحوطة على سَائِر مَا للعسكر.(5/220)
وَقيد أيْتَمش وطُرُنَطاي نَائِب دمشق وسجنهما بالقلعة. وتتبع بَقِيَّة الْأُمَرَاء والمماليك فَقبض من يَوْمه على الْأَمِير بَكلَمش العلاي فِي عدَّة من المماليك واعتقلهم. ومدت الأجناد والتركمان أَيْديهم إِلَى النهب وتبعهم أوغاد النَّاس فَمَا عفوا وَلَا كفوا وتمادوا على هَذَا عدَّة أَيَّام. وَفِي رَابِع عشرينه: عزل سُنْقُر السيفي عَن ولَايَة دمياط وَاسْتقر عوضه ركن الدّين عمر بن إلْيَاس قريب قُرُط. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون فِي مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس عوضا عَن شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر بعد مَوته. وَفِي سَابِع عشرينه: ورد الْخَبَر من غَزَّة بكسرة الأسراء والممالك فِي محاربة الناصري واستيلائه على دمشق وَقتل الخليلي وَالْقَبْض على الْأَمِير أيتمش وَغَيره فاضطربت النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما اضطرابا عَظِيما وغلقت الْأَسْوَاق وانتهبت الأخباز وشغب الزعر وَتجمع أهل الْفساد. وَكَانَ فِي الْبَلَد وباء وَالنَّاس فِي شغل بدفن موتاهم فَاشْتَدَّ الْخَوْف وتزايد الإرجاف وشنعت القالة. وَفِي ثامن عشرينه: صرف سراج الدّين عمر بن مَنْصُور بن سُلَيْمَان القرمي العجمي عَن حسبَة مَدِينَة مصر وَاسْتقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن شرف الدّين عُثْمَان الْأَشْقَر. اسْتَقر عوضا عَنهُ فِي حسبَة مصر همام الدّين العجمي. وَاسْتقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ البلالي الْحلَبِي فِي مشيخة سعيد السُّعَدَاء عوضا عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن أخي جَار الله النَّيْسَابُورِي بعد مَوته. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد القليجي فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل عوضا عَن النَّيْسَابُورِي. وَفِيه خرج السُّلْطَان إِلَى الإيوان واستدعى المماليك وَاخْتَارَ مِنْهُم خَمْسمِائَة وَأنْفق فيهم ذَهَبا حسابا عَن ألف دِرْهَم فضَّة ة ليتوجهوا إِلَى دمشق صُحْبَة الْأَمِير سودن الطرنطاي. وَفِي تَاسِع عشرينه: أنْفق فِي خَمْسمِائَة مَمْلُوك ثمَّ فِي أَرْبَعمِائَة لتتمة ألف وَأَرْبع مائَة مَمْلُوك. ثمَّ أنْفق فِي المماليك الْكِتَابِيَّة لكل مَمْلُوك مِائَتي دِرْهَم فضَّة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول جُمَادَى الأولى: أنعم على كل من قرابغا الأبو بكري وبجاس النوروزي وَالِي القلعة وَشَيخ الصفوي وقرقماس الطشتمري بإمرة مائَة وتقدمة ألف(5/221)
انقلوا إِلَيْهَا من إمرة الطبلخاناه وأنعم على كل من ألجبغا الجمالي الخازندار وألطنبغا العثماني رَأس نوبَة وَيُونُس الأسْعَردي الرماح وقنق باي الألجاوي اللالا وأسن بغا الأرغون شاهي وبغداد الأحمدي وأرسلان السيفي اللفاف وَأحمد الأرغوني وجرباش الشيخي وألطنبغا شادي وأروس بغا المنجكي وَإِبْرَاهِيم بن طَشْتمُر العلاي وقراكسك السيفي بإمرة طبلخاناه نقلوا إِلَيْهَا من إمرة الْعشْرَة. وأنعم على كل من السَّيِّد الشريف بكتمُر الحسني وَالِي الْقَاهِرَة - كَانَ - وقنق باي الأحمدي بإمرة عشْرين. وعَلى كل من سيف الدّين بطا الطولو تمري ويلبغا السودوني وسودن اليحياوي وتانى بك اليحياوي وأرغون شاه البيدمري وأقبغا الجمالي الهذباني وقوزى الشَّعْبَانِي وتعزي بردي وبكبلاط السونجي وأردبغا العثماني وشكرباي العثماني وأسنبغا السيفي بإمرة عشرَة وَكَانُوا من جملَة المماليك. وَفِيه قدم الْبَرِيد من قطا بِأَن الْأَمِير أينال اليوسفي والأمير أينال أَمِير آخور وَإيَاس أَمِير آخور دخلُوا إِلَى غَزَّة فِي عَسْكَر فَاشْتَدَّ الِاضْطِرَاب وَكثر الْخَوْف وبدا على السُّلْطَان سيماء الزَّوَال. وَفِي يَوْمه استدعى السُّلْطَان الْقُضَاة والأعيان وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ. وَبعث الْأَمِير سودن الطُرُنْطاي والأمير قُرقُماس الطَشتمُري فأحضرا الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله فَقَامَ إِلَيْهِ السُّلْطَان وتلقاه وَأَجْلسهُ وَأَشَارَ إِلَى الْقُضَاة فَحَلَفُوا كلا مِنْهُمَا للْآخر فَحَلفا على الْمُوَالَاة والمناصحة وخلع على الْخَلِيفَة وَقيد إِلَيْهِ حجرَة شهباء بسرج وكنبوش وسلسلة ذهب فَركب وَنزل من القلعة إِلَى دَاره وَبَين يَدَيْهِ الْأَمِير بجاس النوروزي وَغَيره فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وأًعيدت إقطاعاته ورواتبه وأخلى لَهُ بَيت بالقلعة ليسكنه فَنقل إِلَيْهِ حرمه وسكنه وَصَارَ يركب وَينزل لداره ويسير حَيْثُ شَاءَ من غير ترسيم إِلَّا أَنه لَا يبيت إِلَّا. بمنزله من القلعة وَأَفْرج فِيهِ أَيْضا عَن الْأَمِير أسَنْبُغا السيفي ألجاي من خزانَة شمايل وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه وخيل وجمال وَثيَاب وَسلَاح كَبِير. وَفِيه عرض السُّلْطَان المماليك وهم لابسين آلَة الْحَرْب وَقد ركبُوا على خيولهم وتفقد مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِم بِهِ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: ثالثه قدم الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن بقر أَمِير عرب الشرقية - وَمَعَهُ هجان الْأَمِير جركس الخليلي وَحدث السُّلْطَان بتفصيل وقْعَة الْأُمَرَاء مَعَ(5/222)
الناصري وَأَنه فر مَعَ الْأَمِير يُونُس الدوادار فِي خمس نفر فعارضه الْأَمِير عَنْقاء بن شَطِّى أَمِير آل مرا بِالْقربِ من الخربة وَأخذ يُونُس الدوادار وَقَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى الناصري وَوَقع الْأَمِير أينال اليوسفي بيد حسن بن باكيش بِالْقربِ من غَزَّة فَبعث بِهِ إِلَى الكرك مُقَيّدا. ففت ذَلِك فِي عضد السُّلْطَان وَاشْتَدَّ قلقه وانحط قدره وزالت مهابته واستشعر كل أحد ذهَاب ملكه مِنْهُ. وَفِي رابعه: نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر بِإِبْطَال سَائِر المكوس فَتفرق الْكتاب وأرباب الشَّرْط من مَقَاعِدهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ بهَا لأخذ المكوس. وَفِي سادسه: ركب الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله والأمير سودن الشيخوني - نَائِب السلطة - وقضاة الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فَكَانَ الموكب للخليفة وبجانبه شيخ الْإِسْلَام وَبَين يَدَيْهِ النَّائِب والحجاب والقضاة والأعيان وداروا وَرجل على فرس أمامهم يقْرَأ من ورقة أَن السُّلْطَان قد أَزَال الْمَظَالِم وَهُوَ يَأْمر النَّاس بتقوى الله وَلُزُوم الطَّاعَة وَأَنا قد سَأَلنَا الْعَدو الْبَاغِي فِي الصُّلْح فَأبى وَقد قوي أمره فاحفظوا دُوركُمْ وأمتعتكم وَأقِيمُوا الدروب على الحارات والسكك وقاتلوا عَن أَنفسكُم وحريمكم فتزايد خوف النَّاس وقلقهم وشرعوا فِي عمل الدروب وَشِرَاء الأقوات والاستعداد لِلْقِتَالِ والحصار. وَكثر كَلَام الْعَامَّة وانتقاصهم للدولة وَتجمع الزعر والدُعَّار ينتظرون قيام الْفِتْنَة لينتهبوا النَّاس. وألزم الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام مباشري جِهَات المكس بإحضار مكوس المبيعات فَاعْتَلُّوا بِأَن النَّاس امْتَنعُوا من إِعْطَاء المكس إعمادا على المناداة بِإِبْطَال المكوس فألزمهم. بمطالبة الباعة. بمكس مَا أبيع فَكثر بِسَبَب ذَلِك اضْطِرَاب النَّاس وتزايد طعنهم وهزؤهم بالدولة وتناجوا فِيمَا بَينهم وَأَكْثرُوا من الْجَهْر بقَوْلهمْ: السُّلْطَان من عَكسه عَاد فِي مكسه. وبدا من الْأَمِير قرا دمرداش وَغَيره تخذيل السُّلْطَان عَن الْحَرَكَة وَأَنه يحصن القلعة وَيُقَاتل من وَرَائِهَا. هَذَا وَقد انْقَطَعت الْأَخْبَار عَن مصر فَإِن مَأْمُور نَائِب الكرك وَابْن باكيش - نَائِب غَزَّة - دخلا فِي طَاعَة الناصري ومنعا أحدا أَن يرد إِلَى مصر فَكثر الْكَلَام إِلَى أَن قدم أحد مماليك السُّلْطَان الَّذين حَضَرُوا الْوَقْعَة وَأخْبر. بِمَا أخبر بِهِ ابْن بقر وَذَلِكَ فِي سابعه فَزَالَ الشَّك وتيقن كل أحد إدبار أَمر السُّلْطَان. وَفِي تاسعه: دمت طوائف من هوارة نجدة للسُّلْطَان ونزلوا تَحت القلعة وَوَقع الشُّرُوع فِي حفر خَنْدَق القلعة وَمَرَمَّة أسوارها وتوعير طَرِيق بَاب القلعة الْمَعْرُوف(5/223)
بياب القرافة وتوعير بَاب الحوش وَبَاب الدرفيل وسدت خوخة أيدغمش حَتَّى صَار لَا يدْخل مِنْهَا رَاكب فرس. وَنُودِيَ بِإِبْطَال مكس النشا ومكس النّحاس ومكس الْجُلُود. وَفِي عاشره - وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة: - دعى فِي الخطة بجوامع الْقَاهِرَة ومصر للخليفة المتَوَكل على الله قبل السُّلْطَان. وَفِي ثَانِي عشره: اجْتمع الْقُضَاة بالمشهد النفيسي لقِرَاءَة تَقْلِيد ولد الْخَلِيفَة المتَوَكل بِنَظَر المشهد الْمَذْكُور ثمَّ توجهوا إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة وقرأوا صَحِيح البُخَارِيّ ودعوا الله تَعَالَى للسُّلْطَان وسألوه إخماد الْفِتْنَة. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر قرا دمرداش أتابك العساكر عوضا عَن أَيتَمش البجاسي وسودن بَاقٍ أَمِير سلَاح وقرقماش الطشتمري الخازندار دوادار عوضا عَن يُونُس وقرا بغا الأبو بكري أَمِير مجْلِس عوضا عَن أَحْمد بن يلبغا وأقبغا المارداني حَاجِب الْحجاب عوضا عَن أيدكار وتمربغا المنجكي أَمِير آخور عوضا عَن جركس الخليلي وخلع عَلَيْهِم كلهم. وأنعم على صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تنكز بإمرة طبلخاناه وعَلى جلبان الكمشبغاوي الخاصكي بإمرة طبلخاناة. وَفِيه كثر الاهتمام بتحصين قلعة الْجَبَل وَنقل الْأَحْجَار إِلَيْهَا ليرمى بهَا فِي المنجنيق وَأمر سكان القلعة بادخار الْقُوت لشهرين ورسم بِجمع الحجارين لسد فَم وَادي السِّدْرَة بجوار الْجَبَل الْأَحْمَر وَأَن يَبْنِي حَائِط بَين بَاب الدرفيل وسور القلعة وَأَن يبْنى أَيْضا حَائِط من جوَار بَاب الدرفيل إِلَى الْجَبَل. وَفِيه أَيْضا نُودي بِأَن يركب من لَهُ فرس من أجناد الْحلقَة للحرب وَيخرج من لَيْسَ لَهُ فرس بنشاب يَرْمِي بِهِ مَعَ الْعَسْكَر أَو يصعد إِلَى القلعة حَتَّى يَرْمِي من بَين شرفاتها فَكثر الْهَرج وشنع الْكَلَام وتزايد القلق وَصَارَت الشوارع كلهَا ملآنة بالخيول الملبسة آلَة الْحَرْب. وَطلبت آلَات الْقِتَال بِكُل ثمن فكسب أَرْبَابهَا مَالا جزيلا وتحاكى النَّاس عدَّة منامات روأها تدل على وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر الْأَمِير قرا دمرداش الأتابك فِي نظر المارستان المنصوري(5/224)
بِالْقَاهِرَةِ وخلع عَلَيْهِ وَنزل إِلَيْهِ على الْعَادة وتتبعت عدَّة طرق تُفْضِي إِلَى القلعة فَسدتْ. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس بمفرده فِي نظر الدولة من غير شريك بعد وَفَاة رَفِيقه تَاج الدّين بن ريشة. وفى سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير عَلَاء الدّين الطَشلاقي وَالِي قطيا مُنْهَزِمًا من عَسَاكِر الناصري فرسم للأمير حسام الدّين حُسَيْن بن على بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة فسد الْبَاب المحروق وَالْبَاب الْحَدِيد - من أَبْوَاب الْقَاهِرَة - وسد بَاب الدرفيل بجوار القلعة وَالْبَاب المجاور للقلعة الْمَعْرُوف قَدِيما بِبَاب سَارِيَة وَيعرف الْيَوْم بِبَاب المدرج تَحت دَار الضِّيَافَة. وسد عدَّة خوخ وأزقة يتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى القلعة. وَركب عِنْد قناطر السبَاع ثَلَاثَة دروب أَحدهمَا من جِهَة مصر وَأخر من طَرِيق قبر الْكرْمَانِي وَأخر بِالْقربِ من الميدان وَعمل عدَّة دروب أخر وحفر خنادق كَثِيرَة. هَذَا وَالْمَوْت بالطاعون فخبر فِي النَّاس. وَأما الناصري فَإِنَّهُ لما اسْتَقر بِدِمَشْق نَادَى فِي جَمِيع بِلَاد الشَّام وقلاعها أَلا يتَأَخَّر أحد عَن الْحُضُور إِلَى دمشق من النواب والأجناد وَمن تَأَخّر - سوى من عين لحفظ الْبِلَاد - قطع خبزه وسلبت نعْمَته. فَاجْتمع النَّاس إِلَيْهِ بأسرهم وَأنْفق فيهم وَخرج من دمشق بعساكر كَثِيرَة جدا فِي يَوْم السبت حادي عشر جُمَادَى الأولى وَأقر فِي نِيَابَة دمشق الْأَمِير جَنتمُر أخاطاز وَسَار حَتَّى نزل قطيا ففر إِلَيْهِ من أُمَرَاء السُّلْطَان فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين جُمَادَى الأولى سيف الدّين طُغيتَمنُر الجركتمري وأرسلان اللفاف وأزدبغا العثماني فِي عدَّة من المماليك وَلَحِقُوا بالناصري بعد مَا صدفوا الْأَمِير عز الدّين أندَمُر أَبُو درقة - ملك الْأُمَرَاء بِالْوَجْهِ البحري - وَقد سَار لكشف الْأَخْبَار فضربوه وَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَه وساقوه مَعَهم وفرت عَنهُ مماليكه. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: أنْفق السُّلْطَان بالإيوان فِي الْعَسْكَر فَأخذ كل من المماليك السُّلْطَانِيَّة ومماليك الْأُمَرَاء الألوف وأجنادهم خَمْسمِائَة دِرْهَم فضَّة واستدعاهم طَائِفَة طَائِفَة وَأعْطى كل أحد بِيَدِهِ وَسَار يحرضهم على الْقِتَال مَعَه وَبكى بكاء كثيرا وَفرق جَمِيع الْخُيُول - حَتَّى خيل الْخَاص - فِي الْأُمَرَاء والأجناد. وَفِي أثْنَاء ذَلِك كثرت الشناعة فِي الْقَاهِرَة بوصول الناصري ومنطاش فتزاحم النَّاس فِي شِرَاء الْخبز وغلقت الْأَسْوَاق وَلبس جَمِيع الْأُمَرَاء آلَة الْحَرْب وركبوا إِلَى القلعة(5/225)
ووقفوا بالرميلة وَحمل إِلَى الْأَمِير أقبغا المارداني جملَة مَال من السُّلْطَان ليفرق ذَلِك فِي الزعر وَحَملَة السِّلَاح من الْعَامَّة تَقْوِيَة لَهُم لِيُقَاتِلُوا مَعَ الْعَسْكَر فَاشْتَدَّ خوف النَّاس من النِّهَايَة وَصَارَت لَهُم اجتماعات وعصبيات. وافترقوا عدَّة أحزاب لكل حزب كَبِير وصاروا يخرجُون إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة ويقتتلون بالحديد والمقاليع وَمن انفردوا من النَّاس أخذُوا ثِيَابه فتعطلت الْأَسْوَاق وشغل كل أحد. مِمَّا يترقبه من الْخَوْف والنهب. واستعد الكافة للحصار وَأَكْثرُوا من شِرَاء البقسماط والدقيق والدهن وَنَحْو ذَلِك وَنقل من ذَلِك وَمن الأغنام إِلَى القلعة شَيْء كثير جدا. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حضر بهادر والى الْعَرَب وَأخْبر نزُول الناصري إِلَى الصالحية وَمن مَعَه من العساكر فِي جهد. وَقد وقف لَهُم فِي الرمل عدَّة خُيُول وَا نه لما وجد الصالحية خَالِيَة من الْعَسْكَر سر بذلك وَسجد لله شكرا فَإِنَّهُ كَانَ بِحَال لَو تَلقاهُ عَسْكَر لما وجد فِيمَن مَعَه مَنْعَة يلقى بهَا وَأَن عرب العايد تَلقاهُ بهم الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى وخدموا على الْعَادة وأحضروا الشّعير وَغَيره من الإقامات. فرسم للأمير قرا دمرداش أَن يتَوَجَّه لكشف الْأَخْبَار من جِهَة بركَة الْحَبَش خشيَة أَن يَأْتِي أحد من قبل أطفيح فَسَار لذَلِك. ورتب السُّلْطَان عسكره نوبتين نوبَة للْحِفْظ بِالنَّهَارِ ونوبة للْحِفْظ بِاللَّيْلِ وسير عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى جِهَة مرج الزيات طَلِيعَة تكشف الْخَبَر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرينه: أنْفق فِي مماليك أُمَرَاء الطبلخاناة والعشراوات فَأعْطى كل وَاحِد أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضَّة وَأنْفق فِي الحطبردارية والبزدارية والأوجاقية وَأَعْطَاهُمْ القسى والنشاب ورتب كثيرا من الأجناد البطالين بَين شرفات القلعة وَمَعَهُمْ القسى والنشاب وَأنْفق فيهم المَال واستدعى رُمَاة قسى الرجل من الْإسْكَنْدَريَّة فَحَضَرُوا وَأنْفق فيهم ورتبهم بالقلعة فِي يَوْم وَفِيه عَاد الْأَمِير سيف الدّين قجماس ابْن عَم السُّلْطَان وَمن مَعَه من مرج الزيات وَلم يقفوا على خبر فَخرج لَيْلَة الْخَمِيس الْأَمِير سودن الطرنطاي فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر للحرس وسارت طَائِفَة أُخْرَى إِلَى بركَة الْحَبَش. وَبَات السُّلْطَان بالإصطبل ساهراً لم ينم وَمَعَهُ النَّائِب سودن وقرا دمردش وعدة من المماليك والأمراء.(5/226)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول جُمَادَى الْآخِرَة: توجه الْأَمِير قرا بغا الأبو بكري إِلَى قبَّة النَّصْر وَعَاد وَلم يقف على خبر. وظل الْأُمَرَاء نهارهم لابسين آلَة الْحَرْب وهم على ظُهُور خيولهم بسوق الْخَيل تَحت القلعة وَمَعَهُمْ مماليكهم ففر من مماليك السُّلْطَان اثْنَان وَمن ممالك الْأُمَرَاء نَحْو الْخمسين وَلَحِقُوا بالناصري. ودارت النُّقَبَاء على أجناد الْحلقَة فَحَضَرُوا إِلَى بَيْتِي الْأَمِير سودن النَّائِب والأمير أقبغا حَاجِب الْحجاب ففرقوا على أَبْوَاب الْقَاهِرَة ورتبوا بهَا لحفظها. وَندب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الدواداري - أحد أُمَرَاء الطبلخاناه - وَمَعَهُ جمَاعَة لحفظ قياسر الْقَاهِرَة وأسواقها. وأغلق وَالِي الْقَاهِرَة بَاب البرقية وَأمر النَّاس بِحِفْظ الدروب والخوخ ورتبت النفطية على برج الطبلخاناه وَغَيره بالقلعة. وَقدم الْخَبَر بنزول طَلِيعَة الناصري بلبيس ومقدمها الطواشي تُقْطاي الطَشْتَمُري. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه نزلت عَسَاكِر الناصري البير الْبَيْضَاء فتسلل إِلَيْهِ الْعَسْكَر أَولا بِأول. فَكَانَ أول من يخرج إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة الْأَمِير جِبْرَائِيل الْخَوَارِزْمِيّ وَمُحَمّد بن بَيْدَمُر نَائِب الشَّام والأمير بجمان المحمدي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وغريب الخاصكي وَأحمد ابْن أرغون الأحمدي اللالا. فَنصبت الصناجق السُّلْطَانِيَّة على برج القلعة ودقت الكوسات الحربية فَاجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة والأجناد. وَركب السُّلْطَان والخليفة المتَوَكل على الله من القلعة بعد الْعَصْر ووقفا خلف دَار الضِّيَافَة وَجَمِيع من بَقِي من الْعَسْكَر لابسون السِّلَاح. وَاجْتمعَ حوله من الْعَامَّة مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر ثمَّ سَار إِلَى الإسطبل وَجلسَ فِيهِ. وَصعد الْخَلِيفَة إِلَى منزله بالقلعة وَقد نزلت الذلة بالدولة وَظهر من جزع السُّلْطَان وبكائه مَا أبكى النَّاس شَفَقَة لَهُ وَرَحْمَة. فَلَمَّا غربت الشَّمْس صعد إِلَى القلعة. وَفِي يَوْم السبت ثالثه: نزل الْأَمِير يلبغا الناصري بركَة الْجب ظَاهر الْقَاهِرَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء الْأَمِير سيف الدّين تمُربغا الأفضلي الْمَدْعُو منطاش والأمير سيف الدّين بزلار والأمير سيف الدّين كُمُشبغا والأمير أَحْمد بن يلبغا الخاصكي والأمير مَأْمُور والأمير أيدكار فِي آخَرين وَتَقَدَّمت الطَّلَائِع إِلَى مرج الزيات وَالِي مَسْجِد تبر فغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة كلهَا إِلَّا بَاب زويلة وغلقت جَمِيع الدروب والخوخ وسد بَاب القرافة وماج النَّاس وانتشر الزعر وَأهل الْفساد فِي أقطار الْمَدِينَة وأفسدوا.(5/227)
وَنزل السُّلْطَان والخليفة من القلعة إِلَى تَحت دَار الضِّيَافَة فَقدم من الْإسْكَنْدَريَّة رُمَاة قسى الرجل بالقسى محملة على الْجمال وهم نَحْو الثلاثمائة رام. فَفرق فيهم مائَة دِرْهَم لكل وَاحِد ورتبهم فِي عدَّة أَمَاكِن. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بِإِبْطَال جَمِيع المكوس وَفرقت دَرَاهِم على الْعَامَّة. وَخرج كثير من الْعَامَّة إِلَى بركَة الْجب حَتَّى شاهدوا عَسْكَر الناصري وحدثوهم. مِمَّا فعله السُّلْطَان من تحصين القلعة وَغَيرهَا. وَقدم الْخَبَر باً ن طَلِيعَة الناصري وصلت إِلَى الخراب طرف الحسينية فَلَقِيَهُمْ كشافة السُّلْطَان وكسروهم فَسَار الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر وَنزل السُّلْطَان فِي بعض الزوايا عِنْد دَار الضِّيَافَة إِلَى أخر النَّهَار ثمَّ عَاد إِلَى الإسطبل وَعَاد إِلَيْهِ الْأُمَرَاء والمماليك والكوسات تدق وهم جَمِيعًا على أهبة اللِّقَاء ومدافع النفوط لَا تفتر والرميلة قد امْتَلَأت بالزعر والعامة ومماليك الْأُمَرَاء فَلم يزَالُوا على ذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد فَإِذا بالأمير عَلَاء الدّين أقبغا المارداني - حَاجِب الْحَاجِب - والأمير جُمق بن الْأَمِير أيتَمُش والأمير صَار الدّين إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير طشتمر الدوادار قد فروا فِي اللَّيْل وَمَعَهُمْ خَمْسمِائَة من مماليك السُّلْطَان ومماليك الْأُمَرَاء وَلَحِقُوا بالناصري. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: فر الْأَمِير قرْقُمَاش الطشتَمُري الدوادار والأمير ترا دمرداش الأحمدي والأمير سودن بَاقٍ صَارُوا فِي جملَة الناصري فِي عدَّة وافرة بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر مَعَ السُّلْطَان إِلَّا طَائِفَة من خاصكيته من الْأُمَرَاء وَابْن عَمه الْأَمِير قَجْماس وسودن الشيخوني نَائِب السلطنة وسودن الطُرُنطاي وتَمُربغا المنجكي وسيدي أَبُو بكر بن سُنْقُر وبيبرس التمان تَمُري وشَنْكل الْمُقدم وشَيْخ الصفوي. وَفِيه أغلق بَاب زويلة وَجَمِيع الدروب والخوخ وتعطلت الْأَسْوَاق وغصت الْقَاهِرَة بالزعر وَاشْتَدَّ فسادهم وتلاشت الدولة واضمحل أمرهَا. وَخَافَ وَالِي الْقَاهِرَة على نَفسه فَقَامَ من خلف بَاب زويلة وَسَار بِمن مَعَه إِلَى منزله واختفى. وَبَقِي النَّاس فوضى فطمع المسجونون بخزانة شمايل وكسروا قيودهم وأتلفوا بَاب الخزانة وخلصوا على حمية جملَة وَاحِدَة فتشبه بهم أهل سجن الديلم والرحبة وَخَرجُوا أَيْضا. وَاشْتَدَّ الْأَمر حَتَّى دَاخل الْخَوْف كل أحد من النَّاس على نَفسه وَمَاله وَأَهله وَأمر السُّلْطَان من عِنْده من المماليك فوقفوا تَحت الطبلخاناه وَمنعُوا الْعَوام من التَّوَجُّه إِلَى(5/228)
يلبغا الناصري لما بلغه من فعلهم بالْأَمْس فرجمهم الْعَامَّة بِالْحِجَارَةِ فَرَمَاهُمْ المماليك بالنشاب وَقتلُوا مِنْهُم عدَّة تزيد على الْعشْرَة. وَأَقْبَلت طَلِيعَة الناصري فَقَاتلهُمْ قجماس ابْن عَم السُّلْطَان وَكثر الرَّمْي عَلَيْهِم من فَوق القلعة بِالسِّهَامِ والنفط وَالْحِجَارَة فِي المقاليع وهم يوالون الْكر والفر وَأمر السُّلْطَان فِي إدبار وَأَصْحَابه تتفرق عَنهُ شَيْئا بعد شَيْء وَتصير إِلَى الناصري. وَكَانَ السُّلْطَان قد فرق فِي كل من الْأُمَرَاء الْكِبَار عشرَة آلَاف دِينَار وَفِي كل من الطبلخاناه خَمْسَة آلَاف دِينَار وَفِي كل من العشراوات ألف دِينَار وَأعْطى الْأَمِير قرا دمرداش فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وحلفهم أَلا يغدروا بِهِ فَمَا أغْنى عَنهُ ذَلِك شَيْئا وفروا عَنهُ وصاروا مَعَ عدوه عَلَيْهِ وَلم يتَأَخَّر عِنْده إِلَّا من لَا غنى فِيهِ. وتكاثر الزعر يُرِيدُونَ نهب الْقَاهِرَة لِكَثْرَة مَا كَانَ فِيهَا من حواصل الْأُمَرَاء فَقَاتلهُمْ أهل الحارات والدروب ومنعوهم فَكَانَ يَوْمًا فِي غَايَة الشناعة. فَلَمَّا كَانَ أخر النَّهَار أَرَادَ السُّلْطَان أَن يسلم نَفسه فَمَنعه من بَقِي عِنْده وهم قجماس ابْن عَمه وسودن النَّائِب وسودن الطرنطاي ومحمود الأستادار وَبَعض المماليك وَقَالُوا: نَحن نُقَاتِل بَين يَديك حَتَّى نموت. فَلم يَثِق بذلك مِنْهُم لكنه شكرهم على قَوْلهم. وَقدم بعد الْعَصْر من عَسْكَر الناصري الطواشي طُقْطاي الطَشْتُمري والأمير بزلار الْعمريّ والأمير ألطنبغا الأشرفي فِي نَحْو الْألف وَخَمْسمِائة فَارس يُرِيدُونَ القلعة فبرز إِلَيْهِم الْأَمِير بُطا الخاصكي والأمير شكربيه فِي عشْرين فَارِسًا فكسروهم إِلَى قبَّة النَّصْر. فَلم يغتر السُّلْطَان بذلك وَعلم أَن أمره قد زَالَ فدبر لنَفسِهِ وَبعث الْأَمِير الْمَعْرُوف بسيدي أَبُو بكر بن سُنقر الْحَاجِب والأمير بَيْدَمُر المجدي - شاد الْقصر - بالمنجاة إِلَى الناصري ليَأْخُذ لَهُ مِنْهُ الْأمان فَسَارُوا فِي خُفْيَة واجتمعا بالناصري خلْوَة فَأَمنهُ على نَفسه وَأمره بالاختفاء حَتَّى يدبر لَهُ أمرا فَإِن الْفِتْنَة الْآن قَائِمَة والكلمة غير متفقة فعادا إِلَيْهِ بذلك. فَلَمَّا صلى الْعشَاء الْآخِرَة قَامَ الْخَلِيفَة إِلَى منزله بالقلعة وبقى فِي قَلِيل من أَصْحَابه فَأذن لسودن النَّائِب فِي التَّوَجُّه إِلَى منزله وَالنَّظَر لنَفسِهِ وَفرق الْبَقِيَّة فَمضى كل أحد لسبيله. وَاسْتقر حَتَّى نزل من الإسطبل فَلم يعرف لَهُ خبر وانفض ذَلِك الْجمع من الأسوار وَسكن دق الكوسات وَرمى مدافع النفط. وَوَقع النهب فِي حواصل الإسطبل فاً خُذُوا مِنْهُ نَحْو الألفي أردب من الشّعير ومائتي ألف دِرْهَم من الْفُلُوس الجدد وَسَائِر مَا كَانَ فِيهِ. ونهبوا أَيْضا مَا كَانَ فِيهِ.(5/229)
ونهبوا أَيْضا مَا كَانَ بالميدان من الْغنم الضَّأْن وعدتها نَحْو الألفي رَأس. وَنبت طباق المماليك بالقلعة وَاشْتَدَّ بَأْس الزعر وتخطفوا من مر بهم من المماليك والأجناد وَأخذُوا مَا عَلَيْهِ وأحاط أَصْحَاب الناصري بالقلعة وأعلموا الناصري بفرار السُّلْطَان فَثَبت مَكَانَهُ. وزالت دولة الْملك الظَّاهِر كَأَن لم تكن فَكَانَت مُدَّة تحكمه مُنْذُ قبض على الْأَمِير طَشْتَمُر الدوادار فِي تَاسِع ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة إِلَى أَن جلس على تخت الْملك وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر فِي تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَيُقَال لَهُ فِي هَذِه الْمدَّة الْأَمِير الْكَبِير أتابك العساكر. وَمن حِين تسلطن إِلَى أَن اختفي سِتّ سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة عشر يَوْمًا فَيكون مُدَّة حكمه أَمِيرا وسلطاناً إِحْدَى عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا. وَترك ملك مصر وَله نَحْو الألفي مَمْلُوك اشتراهم سوى المستخدمين. وَكَانَت لَهُ فِي مدَّته هَذِه آثَار فاضلة مِنْهَا: إِبْطَاله مَا كَانَ يُؤْخَذ من أهل البرلس وشورى وبلطيم من أَعم الْمصر شبه الجالية فِي كل سنة وَهُوَ مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم فضَّة وَمَا كَانَ يُؤْخَذ على الْقَمْح بثغر دمياط من المكس وَمَا كَانَ يُؤْخَذ من معمل الفراريج بالنحريرية وأعمال الغربية بديار مصر وَمَا كَانَ يُؤْخَذ على الْملح من المكس بِعَين تَابَ وَمَا كَانَ يُؤْخَذ على الدَّقِيق بالبيرة من المكس وَمَا كَانَ يُؤْخَذ فِي طرابلس عِنْد قدوم النَّائِب إِلَيْهَا من قُضَاة الْبر وولاة الْأَعْمَال عَن كل وَاحِد مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم فِي ثمن بغلة وَيُقَال لذَلِك مُقَرر النَّائِب وَمَا كَانَ يحمل فِي كل سنة من الْخَيل وَالْجمال وَالْبَقر وَالْغنم من أهل الشرقية بديار مصر إِلَى من يسرح إِلَى العباسة وَمَا كَانَ يُؤْخَذ من مكس الدريس والحلفاء خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة وَضَمان المغاني بالكرك والشوبك من البلقاء ومنية بني خصيب وزفتي بديار مصر. وأبطل رمي الأبقار عِنْد فرَاغ عمل الجسور على أهل النواحي. وَأَنْشَأَ من العمائر الْمدرسَة بِخَط بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَلم يعمر دَاخل(5/230)
الْقَاهِرَة مثلهَا وَلَا بِأَرْض مصر وَالشَّام نظيرها بعد مدرسة السُّلْطَان حسن وَلَا أَكثر مَعْلُوما مِنْهَا بعد خانكاة شيخو. وَله أَيْضا السَّبِيل من الصهريج بقلعة الْجَبَل من أحسن المباني والسبيل تجاه الإيوان بالقلعة والطاحون بالقلعة أَيْضا وجسر الشَّرِيعَة على نهر الْأُرْدُن وَطوله مائَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا فِي عرض عشْرين ذِرَاعا. وجدد خَزَائِن السِّلَاح بالإسكندرية وسور دمنهور بالبحيرة. وَعمر الْجبَال الشرقية بالفيوم وزريبة البرزخ بدمياط وقناة بالقدس. وَبنى بحيرة بِرَأْس وَادي بني سَالم قَرِيبا من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. وَكَانَ حازماً مهاباً محباً لأهل الْخَيْر وَالْعلم إِذا أَتَاهُ أحد مِنْهُم قَامَ إِلَيْهِ وَلم يعرف قبله أحد من مُلُوك التّرْك يقوم لفقيه وَقل مَا كَانَ يُمكن قَامَ إِلَيْهِ وَقل مَا كَانَ يُمكن أحد من تَقْبِيل يَدَيْهِ إِلَّا أَنه كَانَ محباً لجمع المَال. وَحدث فِي أَيَّامه تجاهر النَّاس بالبراطيل فَلَا يكَاد أَن يَلِي أحد وَظِيفَة وَلَا عملا إِلَّا بِمَال فترقى للأعمال الجليلة والرتب السّنيَّة الأراذل وَفَسَد بذلك كثير من الْأَحْوَال. وَكَانَ مُولَعا بِتَقْدِيم الأسافل وَحط ذَوي البيوتات وغيَّر مَا كَانَ للنَّاس من التَّرْتِيب وعادى أكَابِر التركمان والعربان بِبِلَاد الشَّام ومصر والحجاز. واشتهر فِي أَيَّامه ثَلَاثَة أَشْيَاء قبيحة: إتْيَان الذكران حَتَّى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان لينفق سوق فسوقهن وَذَلِكَ لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان وتهمته وتهمة أمرائه بِعَمَل الْفَاحِشَة فيهم. والتظاهر بالبراطيل الَّتِي يستأديها واقتدى الْوُلَاة بِهِ فِي ذَلِك حَتَّى صَار عرفا غير مُنكر الْبَتَّةَ. وكساد الْأَسْوَاق وَقلة المكاسب لشحه وَقلة عطائه. وَبِالْجُمْلَةِ فمساوئه أَضْعَاف حَسَنَاته. وَلَقَد بِعْت العَبْد الصَّالح جمال الدّين عبد الله السَكسيوي المغربي يخبر أبي - رحمهمَا الله - أَنه رأى فِي مَنَامه أَن قرداً صعد مِنْبَر الْجَامِع الحاكمي وخطب ثمَّ نزل وَدخل الْمِحْرَاب ليُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فثار النَّاس عَلَيْهِ فِي أثْنَاء صلَاته بهم وأخرجوه من الْمِحْرَاب. وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فِي أخريات سلطة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان ابْن(5/231)
حُسَيْن وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة. فَكَانَ تقدمه على النَّاس وسلطنته تَأْوِيل هَذِه الرُّؤْيَا فَإِنَّهُ كَانَ متخلقاً بِكَثِير من أَخْلَاق القردة شحا وَطَمَعًا وَفَسَادًا ورذالة وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد. السُّلْطَان الْملك الصَّالح الْمَنْصُور حاجي ابْن الْملك الْأَشْرَف بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاون وَلما اختفى الْملك الظَّاهِر برقوق فِي اللَّيْل سَار الْأَمِير منطاش بكرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة إِلَى بَاب القلعة فَنزل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَسَار مَعَه إِلَى الْأَمِير يلبغا الناصري بَقِيَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَقد انضمت أوغاد الْعَامَّة وزعرانها إِلَى التركمان من أَصْحَاب الناصري وَتَفَرَّقُوا على بيُوت الْأُمَرَاء وحواصلهم فانتهبوا مَا وجدوا وشعثوا الدّور وَأخذُوا أَبْوَابهَا وَكَثِيرًا من وَقدم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام أستادار أرغون هزكه وَالِي البهنسا كَانَ من قبل الناصري على أَنه وَالِي الْقَاهِرَة فَوجدَ بَاب النَّصْر مغلوقاً فَدخل بفرسه رَاكِبًا من الْجَامِع الحاكمي إِلَى الْقَاهِرَة وَفتح بَابي النَّصْر والفتوح. واقتحم كثير من عَسْكَر الناصري الْمَدِينَة وعاثوا فِيهَا وَمَعَهُمْ من الزعر وأراذل الْعَامَّة عَالم عَظِيم وحاصروا الدروب والحارات والأزقة ليدخلوا إِلَيْهَا وينهبوها(5/232)
فَمَنعهُمْ النَّاس وقاتلوهم جهدهمْ فغلب الزعر وأشباههم على حواصل الْأَمِير مَحْمُود الأستادار بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر وَأخذُوا مِنْهُ شَيْئا كثيرا وغلبوا على عدَّة حوانيت للتجار بشارع الْقَاهِرَة ونهبوها فَقَاتلهُمْ النَّاس وَقتلُوا مِنْهُم أَرْبَعَة. فَمر بِالنَّاسِ من الْأَهْوَال مَا لَا يُوصف. وَبلغ الْخَبَر الناصري فندب سَيِّدي أَبُو بكر أَمِير حَاجِب وتنكز بغا رَأس نوبَة إِلَى حفظ الْقَاهِرَة فدخلا وَنُودِيَ بالأمان وَأَن من ينهب شَيْئا فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه وَنزل تنكز بغا عِنْد الجملون وسط شَارِع الْقَاهِرَة وَنزل سَيِّدي أَبُو بكر عِنْد بَاب زويلة فسكن الْحَال. وعندما أقبل الْخَلِيفَة إِلَى وطاق الناصري قَامَ إِلَيْهِ وتلقاه وَأَجْلسهُ بجانبه وَحضر قُضَاة الْقُضَاة والأعيان للهناء. وأُمر الْخَلِيفَة فَصَارَ إِلَى خيمة وَأخرج الْقُضَاة إِلَى خيمة أُخْرَى. وَاجْتمعَ عِنْد الناصري من مَعَه من الْأُمَرَاء لتدبير أَمرهم وَإِقَامَة أحد فِي السلطنة فَأَشَارَ بَعضهم بسلطنة الناصري فَامْتنعَ من ذَلِك وانفضوا بِغَيْر طائل فَتقدم الناصري بِكِتَابَة مرسوم عَن الْخَلِيفَة وَعَن الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الناصري بالإفراج عَن الْأُمَرَاء المعتقلين بالإسكندرية وهم ألطنبغا الجوبانى وقردم الحسني وألطنبغا الْمعلم وإحضارهم إِلَى قلعة الْجَبَل وَسَار الْبَرِيد بذلك وَأمر بالرحيل من قبَّة النَّصْر وَركب فِي عَالم كَبِير من العساكر القادمين مَعَه وعدتهم فِيمَا يُقَال نَحْو السِّتين ألفا وَأَن عليق جماله فِي كل لَيْلَة ألف وثلاثمائة أردب. وَسَار إِلَى القلعة فَنزل بالإسطبل السلطاني وَنزل الْخَلِيفَة بمنزله من القلعة وَنزلت الْأُمَرَاء فِي منَازِل أُمَرَاء الظَّاهِر برقوق فَفِي الْحَال حضر إِلَى الناصري الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وموفق الدّين أَبُو الْفرج نَاظر الْخَاص وجمال الدّين مَحْمُود نَاظر الْجَيْش وفخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر الدولة والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الحسام شاد الدَّوَاوِين وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَسَائِر أَرْبَاب الْوَظَائِف وَقَامُوا بخدمته فَتقدم إِلَى ابْن الحسام بتحصيل الأغنام لمطابخ الْأُمَرَاء. وَإِذا بِالنَّاسِ تصرخ تَحت القلعة وتشكوا من كَثْرَة نهب التراكمين والزعر فَأمر الناصري الْأَمِير منكلي الْحَاجِب وسيدي أَبُو بكر حَاجِب الْحَاجِب وأقبغا المارداني وبلوط فنزلوا إِلَى الْقَاهِرَة وَنُودِيَ بِأَن من نهب من التّرْك والتركمان والعامة فَاقْتُلُوهُ. ووقف ابْن الحسام مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة عِنْد بَاب زويلة لمنع من يدْخل إِلَى الْقَاهِرَة وَقبض على ثَلَاثَة من التركمان وسجنوا بخزانة شمايل فخف الْأَمر. وَنزل أَيْضا طَائِفَة من الْأُمَرَاء لحراسة الْقَاهِرَة وظاهرها. ورسم للأمير تنكز بغا رَأس نوبَة بتحصيل مماليك الظَّاهِر برقوق فَأخذ فِي تتبعهم.(5/233)
وَأصْبح النَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء فِي هرج ومرج وقالات كَثِيرَة فِي الظَّاهِر برقوق. واستدعى الناصري الْأُمَرَاء وشاورهم فِيمَن ينصب فِي السلطنة حَتَّى اسْتَقر الرَّأْي على إِقَامَة الْملك الصَّالح حاجي بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ خلعه برقوق بِغَيْر مُوجب فَصَعِدُوا من الإصطبل إِلَى الحوش بالقلعة واستدعوه وأركبوه بشعار السلطنة من الحوش إِلَى الإيوان وأجلسوه على تخت الْملك بِهِ ولقبوه بِالْملكِ الْمَنْصُور وقلده الْخَلِيفَة أُمُور النَّاس على الْعَادة وَقبل الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ. ودقت البشاير وَقَامَ إِلَى الْقصر وَسَائِر أَرْبَاب الدولة بَين يَدَيْهِ. وَنُودِيَ فِي الْحَال بِالْقَاهِرَةِ بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الْمَنْصُور والأمير الْكَبِير يلبغا الناصري وتهديد من نهب فاطمأن النَّاس. ورتب الناصري عِنْد الْملك الْمَنْصُور بِالْقصرِ من الْأُمَرَاء عَلَاء الدّين ألطنبغا الأشرفي وأرسلان اللفاف وقراكسك وأردبغا العثماني. ورسم بِمَنْع الأتراك والتركمان من دُخُول الْقَاهِرَة. وَنزل سَيِّدي أَبُو بكر بن سنقر الجمالي وتنكز بغا رَأس نوبَة وَنُودِيَ بَين أَيْدِيهِمَا بتهديد من نهب شَيْئا وَأقَام تنكز بغا عِنْد الجملون وسط الْقَاهِرَة وَأَبُو بكر بن سنقر عِنْد بَاب زويلة وَأَخْرَجَا من كَانَ فِي الْقَاهِرَة من المماليك والتركمان. وَطلب الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وخلع عَلَيْهِ عِنْد الناصري باستمراره على ولَايَة الْقَاهِرَة وَنزل وَقد سر النَّاس ولَايَته فَنَادَى بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالدُّعَاء للسُّلْطَان والأمير الْكَبِير وَتعين الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس مشير الدولة وَتعين أَخُوهُ فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن لنظر الدولة على عَادَته وأخوهما زين الدّين نصر الله فِي ديوَان الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الناصري. فاستدعى الْفَخر ابْن مكانس مباشري الْجِهَات وَأعَاد جَمِيع المكوس الَّتِي أبطلها الْملك الظَّاهِر فَأخذت من النَّاس على الْعَادة. وَنُودِيَ بِأَمَان الجراكسة وَأَن جَمِيع المماليك والأجناد على حَالهم لَا يُغير على أحد مِنْهُم شَيْء مِمَّا هُوَ فِيهِ وَلَا يخرج عَنهُ إقطاعه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه: قدم الجوباني وقردم وألطنبغا الْمعلم من الْإسْكَنْدَريَّة على الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَنُودِيَ بِأَن من ظهر من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَهُوَ بَاقٍ على إقطاعه وَمن اختفى بعد هَذَا النداء حل مَاله وَدَمه للسُّلْطَان. ورسم لسودن النَّائِب بِلُزُوم بَيته بطالاً. وَصَارَ الْأَمِير مَحْمُود الأستادار إِلَى ابْن مكانس المشير وترامى عَلَيْهِ فَأصْلح حَاله على مَال يحملهُ إِلَى الْأَمِير الْكَبِير وَجمع بَينهمَا فَأَمنهُ الْأَمِير الْكَبِير.(5/234)
وَفِي ثامنه: اجْتمع الْأُمَرَاء وَغَيرهم فِي القلعة للْخدمَة السُّلْطَانِيَّة فأغلق بَاب القلعة وَقبض على تِسْعَة من الْأُمَرَاء المقدمين وهم الْأَمِير سودُن الفخري الشيخوني نَائِب السلطنة وسودن بَاقٍ وسودن الطرنطاي وَشَيخ الصفوي وقجماس الصَّالِحِي ابْن عَم الظَّاهِر برقوق وَأَبُو بكر بن سنقر الْحَاجِب وأقبغا المارديني حَاجِب الْحَاجِب وبجاس النوروزي ومحمود بن على الأستادار وَقبض من أُمَرَاء الطبلخاناه على عبد الرَّحِيم بن منكلي بغا الشمسي وبوري الأحمدي وتمربغا المنجكي ومنكلي الشمسي الطرخاني وَمُحَمّد جمق بن الْأَمِير أيتمش وطوجي وقرمان المنجكي وَحسن خجا وبيرس التمان تمري وَأحمد الأرغوني وأسنبغا الأرغون شاهي وقنق باي السيفي الجاي وجرباش الشيخي وبغداد الأحمدي وَيُونُس الرماح الأسعردي وأروس بغا الخليلي وبطا الطولوتمري وقوص المحمدي وتنكز العثماني وأرسلان اللفاف وتنكز بغا السيفي وألطنبغا شادي وأقبغا اللاشيني وبلاط المنجكي وبجمان المحمدي وألطنبغا العثماني وعَلى بن أقتمر عبد الْغَنِيّ وَإِبْرَاهِيم بن طشتمر العلاي وخليل بن تنكزبغا وَمُحَمّد بن الدواداري وَسليمَان بن يُوسُف الشهرزوري وحسام الدّين حُسَيْن بن على الكوراني الْوَالِي وبلبل الرُّومِي الطَّوِيل والطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شنكل الْمُقدم ومقبل الدواداري الزِّمَام. وَمن أُمَرَاء العشراوات أزدمر الجوكاني وقمارى الجمالي وحلبان أَخُو مامق وقلم طاي ابْن ألجاي اليوسفي وأقبغا توز الشيخوني وَصَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تنكز وعبدوق العلاي ويمنشاه الشيخوني وطولو بغا الأحمدي وَمُحَمّد بن أرغون الأحمدي وَإِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ على ابْن قرا وغريب ابْن حاجي وأسَنْبُغَا السيفي وَأحمد بن حاجي بك بن شادي وأقبغا الجمالى الهذباني وأمير زاه بن ملك الكرج وحلبان الكمشبغاوى ومُوسَى بن أَبى بكر بن سلار أَمِير طبر وقنق باي الأحمدي وأمير حَاج بن أيدغمش وكمشبغا اليوسفي وَمُحَمّد بن أقتمر الصاحبي الْحَنْبَلِيّ النَّائِب وأقبغا الناصري حطب وَمُحَمّد بن سنقر المحمدي وبهادر القجاوي وَمُحَمّد بن طغاي تمر النظامي وَيُونُس العثماني وَعبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا الشمسي وَعمر بن يَعْقُوب شاه وعَلى بن بلاط الْكَبِير وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أرغون النَّائِب وَمُحَمّد بن بكتمر الشمسي وألجبغا الدوادار وَمُحَمّد ابْن يُونُس الدوادار وخليل بن قرطاي شاد العماير وَمُحَمّد بن قرطاي نقيب الْجَيْش وقطلربك أَمِير جندار. وَقبض على جمَاعَة من المماليك. وسفر قجُمْاس ابْن عَم الظَّاهِر برقرق إِلَى طرابلس على الْبَرِيد. وَأَفْرج عَن شَنكل الْمُقدم ومقبل الزِّمَام وَشَيخ الصفوي وَمُحَمّد بن يُونُس الدوادار وَإِبْرَاهِيم بن طشتمر(5/235)
الدوادار وَعبد الرَّحِيم وَعبد الرَّحْمَن ابْني منكلي بغا وَمُحَمّد بن الدواداري وخليل وَمُحَمّد ابْني قرطاي ويمن شاه وقماري وحسين بن الكوراني وَعلي بن أقتمر عبد الْغَنِيّ وتنكز بغا وبجمان وبوري وأقبغا اللاشيني وخليل بن تنكزبغا وَسليمَان بن يُوسُف الشهرزوري وأزدمر الجوكاني وجامان وقماري الجمالي وَابْن ألجاي اليوسفي وَابْن أقتمُر الْحَنْبَلِيّ وَابْن أيْدَغْمُش وَأحمد بن حاجي بك ومُوسَى أَمِير طبر. وسجن الْبَقِيَّة بالزردخاناه. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما من أحضر السُّلْطَان برقوق وَكَانَ عامياً خلع عَلَيْهِ وَأعْطى ألف دِينَار وَإِن كَانَ جندياً أعطي إمرة عشرَة واٍ ن كَانَ أَمِير عشرَة أعطي طبلخاناة وَإِن كَانَ أَمِير طبلخاناة أعطي إمرة مائَة وَمن أخفاه بعد النداء شنق وَحل مَاله للسُّلْطَان فَكثر كَلَام الْعَامَّة فِي ذَلِك. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة: حمل الْأُمَرَاء المسجونون فِي الحراريق إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة خلا الْأَمِير مَحْمُود. وعدتهم تِسْعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا وَنفي المماليك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: قبض على ابْن بقر وَابْن عِيسَى العايدي وَابْن حسن السلطاني وطولبوا بِمَال قرر عَلَيْهِم ثمَّ أطْلقُوا. وَفِي عاشره: أفرج عَن أقبغا المارداني بشفاعة صهره أَحْمد بن يلبغا فأعيد من الحراقة وَمَعَهُ مُحَمَّد بن تنكز ورسلان اللفاف. وَورد الْخَبَر باجتماع طَائِفَة كَبِيرَة من المماليك الظَّاهِرِيَّة بِنَاحِيَة أطفيح فَتوجه إِلَيْهِم الْأَمِير وَفِيه نُودي ثَانِيًا على الْملك الظَّاهِر وهدد من أخفاه فَكثر الدُّعَاء من الْعَامَّة لَهُ وَعظم الأسف على فَقده وثقلت وَطْأَة أَصْحَاب الناصري على النَّاس ونفروا مِنْهُم فَصَارَ الْعَامَّة يلهجون كثيرا بقَوْلهمْ: رَاح برقوق وغزلانه وَجَاء الناصري وثيرانه. وَفِيه قبض على الْأَمِير مَحْمُود وَولده مُحَمَّد وَقيد بِقَيْد زنته أَرْبَعُونَ رطلا وقوائمه عشرَة أَرْطَال. وَجعل فِي عُنُقه ثَلَاث باشات. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الشريف بكتمر بن على الحسينى فِي كشف الجيزة وَابْن الطشلاقى فِي ولَايَة قطيا على عَادَته. وَقبض على الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك كَانَ وَقد حضر مَعَ الناصري وَختم على حواصله. وَذَلِكَ أَنه اتهمَ بِأَنَّهُ أخْفى السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وَأخرج منفيا إِلَى قلعة المرقب هُوَ وأسنبغا الْمَجْنُون.(5/236)
وَفِي ثَانِي عشره: سجن الْأَمِير مَحْمُود بالزردخاناه وَهُوَ مُقَيّد. وَقبض على شيخ الصفوي وسجن. وألزم حُسَيْن بن الكوراني الْوَالِي بِطَلَب المماليك الظَّاهِرِيَّة فَنَادَى عَلَيْهِم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وهدد من أخفاهم. وَفِيه أَمر الْوَالِي تجار الْقَاهِرَة بِنَقْل قماشهم من الحوانيت وخوفهم من النهب فاضطرب النَّاس وَكثر كَلَامهم وتوهموا اخْتِلَاف الدولة وَقيام الْفِتْنَة وَأخذُوا فِي الِاحْتِرَاز. وَفِيه كثر فَسَاد التركمان وَأخذُوا النِّسَاء من الطرقات وَمن بعض الحمامات وسلبوا من انفردوا بِهِ ثِيَابه من غير أَن يتجاسر أحد على مَنعهم. وَكثر أَيْضا ضَرَر الزعر وإخافتهم النَّاس. وَفِيه أَمر الْعَسْكَر بِنَزْع السِّلَاح وَكَانُوا فِي هَذِه الْأَيَّام لَا يزَالُوا بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِم وعَلى خيولهم فَلَا ترى أَمِيرا وَلَا مَمْلُوكا وَلَا جندياً إِلَّا لابس آلَة الْحَرْب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره: غُمز على الْملك الظَّاهِر برقوق. وَذَلِكَ أَنه لما نزل من الإصطبل فِي اللَّيْل مختفياً مضى إِلَى بَيت أَبى يزِيد - أحد أُمَرَاء العشراوات - واختفي بداره فَلم يعرف خَبره والطلب لَهُ يشْتَد وهجم على عدَّة بيُوت بِسَبَبِهِ فَلم يُوجد. ونكر النداء عَلَيْهِ فخاف أَن يُؤْخَذ بِالْيَدِ فَلَا يُبقي عَلَيْهِ فَأعْلم الْأَمِير ألطبغا الجوباني بمكانه فَصَارَ إِلَيْهِ وَقيل إِنَّه نزل من الإسطبل وَمَعَهُ أَبُو يزِيد لَا غير فَتَبِعَهُ نعْمَان مهتار الطشت خاناه إِلَى الرميلة فَرده. وَمضى هُوَ وَأَبُو يزِيد إِلَى أَن أَخلى لَهُ مَكَانا اختفى فِيهِ. وَأخذ الناصري يتتبع أَثَره حَتَّى سَأَلَ المهتار نعْمَان عَنهُ فَأخْبرهُ أَنه نزل وَمَعَهُ أَبُو يزِيد وَإنَّهُ لما تبعه رده فَأمر حينئذٍ حُسَيْن بن الكوراني بإحضار أبي يزِيد فَشدد فِي طلبه وهجم بُيُوتًا كَثِيرَة فَلم يقف لَهُ على خبر فَقبض جمَاعَة مِمَّن يعرفهُ وقررهم فَلم يجد عِنْدهم علما بِهِ. وَمَا زَالَ يفحص حَتَّى دله بَعضهم على مَمْلُوك أبي يزِيد فَقبض على امْرَأَة الْمَمْلُوك وعاقبها فدلته على أبي يزِيد وعَلى الْملك الظَّاهِر وأنهما فِي بَيت رجل خياط بجوار بَيت أبي يزِيد فَمضى إِلَى الْبَيْت وَبعث إِلَى الناصري يُعلمهُ فَأرْسل إِلَيْهِ الْأُمَرَاء. وَقيل إِنَّه لما نزل من الإسطبل كَانَ نَحْو نصف لَيْلَة الِاثْنَيْنِ فَسَار إِلَى النّيل وعدى إِلَى الجيزة وَنزل عِنْد الأهرام وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ عَاد إِلَى بَيت أبي يزِيد فَأَقَامَ عِنْده إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشره حضر مَمْلُوك أبي يزِيد إِلَى(5/237)
الناصري وأعلمه بِأَن الظَّاهِر فِي دَاره أستاذه فأحضر أَبَا يزِيد وَسَأَلَهُ فاعترف أَنه عِنْده فَأَخذه الْأَمِير ألطنبغا الجوباني وَسَار بِهِ إِلَى حَيْثُ الظَّاهِر فَأوقف الجوباني من مَعَه وَصعد إِلَيْهِ وَحده. فَلَمَّا رَآهُ الظَّاهِر قَامَ لَهُ وهّم أَن يقبل يَده فاستعاذ بِاللَّه من ذَلِك. وَقَالَ: يَا خوند أَنْت أستاذنا وَنحن مماليكك. ثمَّ ألبسهُ عِمَامَة وطيلسة وَنزل بِهِ وأركبه وشق بِهِ الصليبة نَهَارا حَتَّى مر فِي الرميلة إِلَى أَن صعد بِهِ إِلَى الناصري فِي الإصطبل فحبس بقاعة الْفضة من القلعة. وألزم أَبُو زيد بإحضار مَا للظَّاهِر عِنْده فأحضر كيساً فِيهِ ألف دِينَار فأنعم بِهِ عَلَيْهِ وخلع عَلَيْهِ وخلى عَنهُ. ورتب لخدمة الظَّاهِر مملوكان وَغُلَامه المهتار نعْمَان وَقيد بِقَيْد ثقيل. وَفِي خَامِس عشره: أفيض على الْخَلِيفَة المتَوَكل تشريف جليل. وخلع على بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله عِنْد قِرَاءَة عهد الْملك الْمَنْصُور وألبس الْأُمَرَاء الَّذين قدمُوا مَعَ الناصري أقبية مطرزة بِذَهَب. وَاسْتقر حسام الدّين حسن بن على الكجكني فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن مَأْمُور القلمطاوي. وأُنعم على مَأْمُور بإمرة مائَة بديار مصر. وَفِي سَابِع عشره: توجه حسن لنيابة الكرك. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن الْأَمِير أقبغا الصَّغِير والطنبغا استادار جَنتمُر اجْتمع عَلَيْهِمَا نَحْو الأربعمائة من المماليك الظَّاهِرِيَّة ليركبوا على جَنتمُر نَائِب دمشق ويملكوا مِنْهُ الْبَلَد. فَلَمَّا بلغ جَنتمُر ذَلِك ركب وكبسهم على حِين غَفلَة فَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير وَفِيهِمْ أَقْبُغا الصَّغِير. وَفِيه أنعم على من يذكر من الْأُمَرَاء وخلع عَلَيْهِم وهم: الْأَمِير سيف الدّين بزلار الْعمريّ اسْتَقر فِي نِيَابَة دمشق والأمير سيف الدّين كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي نِيَابَة حلب وَسيف الدّين صنجق السيفي نَائِب طرابلس وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن المهندار فِي نِيَابَة حماة. وَفِي حادي عشرينه: عرض الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوباني المماليك الظَّاهِرِيَّة وَأخرج من المستخدمين مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ لخدمة الْمَنْصُور وَسبعين من المشتروات نزلهم بالطباق من القلعة وَفرق من عداهم من الْأُمَرَاء. وَكَانَ الْغَرَض بالإصطبل وأنعم على كل من أقبغا الجمالي الهذباني أَمِير أخور(5/238)
ويلبغا السودوني وتاني بك اليحياوي، وسودن اليحاوي، بإمرة عشرَة فِي حلب ورسم بسفؤهم مَعَ النَّائِب. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: رسم بسفر الْملك الظَّاهِر بروق إِلَى الكرك فَأخْرج من قاعة الْفضة ثلث اللَّيْل إِلَى بَاب الفرافة - أحد أَبْوَاب القلعة - وَمَعَهُ الْأَمِير ألطنبغا الجوباني فأركبه هجيناً وَعين مَعَه من مماليكه ثَلَاثَة مماليك صغَار وهم: سوُدن وقُطلوبغا وأقباي. وَسَار بِهِ إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وأسلمه إِلَى الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي فَتوجه على عجرود إِلَى مَدِينَة كرك الشوبك وَسلمهُ إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني نائبها فأنزله بالقلعة فِي قاعة النّحاس. وَكَانَت ابْنة الْأَمِير يلبغا الْعمريّ - امْرَأَة مَأْمُور - بالكرك فَقَامَتْ لَهُ. مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْفرش والآلات. وقدمت لَهُ أسمطة تلِيق بِهِ واعتنى حسن الكجكني بخدمته أَيْضا وَكَانَ الناصري قد أوصاه لَهُ وَقرر مَعَه إِن رابه أَمر من شَيْء يبلغهُ عَن منطاش فليفرج عَن الظَّاهِر فاعتمد ذَلِك وَصَارَ يتلطف بِهِ ويعده بالتوجه مَعَه إِلَى التركمان فَإِن لَهُ فيهم معارف. وحصن القلعة وَصَارَ لَا يبرح عَنهُ وَيَأْكُل مَعَه حَتَّى أنس بِهِ وركن لَهُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: خلع على نواب الشَّام خلع السّفر. وَفِيه اسْتَقر سيف الدّين قُطْلوبُغا الصفوي فِي نِيَابَة صفد وَسيف الدّين بُغاجُق السيفي فِي نِيَابَة ملطية. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن المماليك الظَّاهِرِيَّة يخدموا مَعَ نواب الشَّام وَألا يُقيم أحد مِنْهُم بديار مصر وَمن تَأَخّر بعد النداء حل دَمه وَمَاله وَنُودِيَ بذلك من الْغَد. وَفِي رَابِع عشرينه: برز النواب بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة للسَّفر. وَفِي سادس عشرينه: أَخْلَع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أتابك العساكر وعَلى الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوباني وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب وعَلى الْأَمِير سيف الدّين قرا دمرداش الأحمدي وَاسْتقر أَمِير سلَاح وعَلى الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن يلبغا وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وعَلى الْأَمِير سيف الدّين تمرباي الحسني وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب.(5/239)
وخلع على قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاثَة: جال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير الْمَالِكِي وشمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي الْحَنَفِيّ وناصر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ. وخلع على صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ مفتي دَار الْعدْل وعَلى بدر الدّين مُحَمَّد بن على بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ وعَلى الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وعَلى موفق الدّين أبي الْفرج نَاظر الْخَاص وعَلى جمال الدّين مَحْمُود القيصري نَاظر الْجَيْش وعَلى فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر الدولة وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام شاد الدَّوَاوِين وعَلى مقدمي الدولة وَالْخَاص باستمرارهم على وظائفهم. وَفِيه أُعِيد السَّيِّد الشريف شرف الدّين عَليّ بن السَّيِّد فَخر الدّين إِلَى نقابة الْأَشْرَاف. وَصرف السَّيِّد جمال الدّين عبد الله الطباطبي. وَاسْتقر كُمُشمْبغا الأشرفي الخاصكي نَائِب قلعة الرّوم. وَلم يخلع على قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بنت ميلق لتوعكه وانقطاعه. وَفِيه رَحل النواب من الريدانية وسافروا إِلَى الْبِلَاد الشامية وسافر مَعَهم كثير من التركمان وأجناد الشَّام وأمرائها. وَفِيه نُودي أَلا يتَأَخَّر بديار مصر أحد من المماليك الظَّاهِرِيَّة إِلَّا أَن يكون فِي خدمَة السُّلْطَان أَو الْأُمَرَاء وَمن تَأَخّر شُنق. وَفِيه أَخذ قاع النّيل فجَاء خَمْسَة أَذْرع وَعِشْرُونَ إصبعاً. وَنُودِيَ فِي يومي الْأَرْبَعَاء وَالْخَمِيس أَن التركمان والعربان يرجِعوا إِلَى الشَّام. وأخلع يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه على قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت ميلق وعَلى بدر الدّين مُحَمَّد بن شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ قَاضِي العسكِر وعَلى أَخِيه جلال الدّين عبد الرَّحْمَن مفتي دَار الْعدْل وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد الدَّفري مفتي دَار الْعدْل الْمَالِكِي وعَلى نجم الدّين مُحَمَّد الطَنْبَدي محتسب الْقَاهِرَة وعَلى همام الدّين العجمي محتسب مصر وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ نَاظر الأحباس وعَلى بقيه أَرْبَاب الْوَظَائِف باستمرارهم على وظائفهم. وأخلع أَيْضا على الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الْجَوْهَرِي وَاسْتقر أستادار السُّلْطَان وعَلى الْأَمِير آلابغا العثماني وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا وعَلى الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا الأشرفي وَاسْتقر رَأس نوبَة ثَانِيًا وعَلى الْأَمِير سيف الدّين جُلْبان العلاي وَاسْتقر حاجباً وعَلى سيف الدّين بلاط العلاي وَاسْتقر حاجباً وعَلى سيف الدّين قطلوبك السيفي وَاسْتقر أَمِير جاندار بإمرة طبلخاناه وعَلى ابْن شَهْري وَاسْتقر نَائِب دُوْركي.(5/240)
وَفِيه قدم الْبَرِيد بوصول الْأَمِير نعير بن حيار بن مهنا أَمِير العربان إِلَى دمشق قَاصِدا رُؤْيَة الْملك الْمَنْصُور. وَلم يحضر قطّ فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَفِيه قدم فتح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن الشَّهِيد كَاتب سر دمشق. وَفِي سلخه: فرق الناصري المثالات على الْأُمَرَاء وجعلهم أَرْبَعَة وَعشْرين تقدمة. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بالأمان وَمن ظُلم أَو غُبن أَو قُهر من مُدَّة عشْرين سنة فَعَلَيهِ بِبَاب الْأَمِير الْكَبِير يَلبغا أَو حَاجِب الْحجاب حَتَّى يَأْخُذ حَقه. وَفِيه كُبست بيُوت الأسرى وأُخذ مِنْهَا جرار الْخمر وَكسرت تَحت القلعة. وَفِي يَوْم السبت أول شهر رَجَب: زعق زامر على بَاب السلسلة تَحت الإسطبل - حَيْثُ سكن الْأَمِير الْكَبِير - فَاجْتمع الْأُمَرَاء والممالك وَلم يعْهَد هَذَا الزمر قطّ بِمصْر وَذكروا أَنَّهَا الْعَادة فِي بِلَاد وَفِيه عقد مجْلِس بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بَين القصرين وَحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَجِيء بِابْن سبع من السجْن. وَقد شُهد عَلَيْهِ بأَشْيَاء شَنِعة وأرد أخصامه إِرَاقَة دَمه عِنْد الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فَكثر سَعْيه بِالْمَالِ حَتَّى فوض أمره للقضاة الشَّافِعِيَّة ليحكموا بحقن دَمه ثمَّ أُعِيد إِلَى السجْن. وَفِي ثالثه: اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن باكيش فِي نِيَابَة غَزَّة على عَادَته وَسيف الدّين بوري الأحمدي لالا السُّلْطَان وبهاء الدّين أرسلان اللفاف السيفي وَسيف الدّين قراكسك وَسيف الدّين أردبغُا العثماني رُؤُوس نوب وَا خلع عَلَيْهِم. وَفِيه رسم أَن يكون رُؤُوس نواب السلحدارية والسقاة والجمدارية سِتَّة لكل طَائِفَة على مَا كَانُوا أَولا قبل أَن يسْتَقرّ الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بهم ثَمَانِيَة فِي سنة سِتّ وَسبعين بِزِيَادَة اثْنَيْنِ فِي كل طَائِفَة وَاسْتقر قُطْلُوبَك السيفي فِي ولَايَة قلعة الْجَبَل عوضا عَن بَجَاس. وَاسْتقر زين الدّين مْرج السيفي أَمِير جاندار بإمرة طبلخاناه. وَولى شهَاب الدّين أَحْمد بن زين الدّين عمر الْقرشِي الْوَاعِظ قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاتي وأضيف إِلَيْهِ نظر الْجَامِع الْأمَوِي وخلع على الْجَمِيع.(5/241)
وَفِي خامسه: قدم الْأَمِير نعَيْر وَخرج الْأَمِير الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ سَائِر الْأُمَرَاء وَقدم سرى الدّين المسلاتي مَعَه. وَفِي سادسه: صعد الْأَمِير نُعَيْر إِلَى القلعة وَقبل الأَرْض بِحَضْرَة السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَأنزل بالميدان الْكَبِير تَحت القلعة. وَفِيه أَخْلَع على الْأَمِير ألابغا الدوادار وَاسْتقر فِي نظر الأحباس وعَلى قُرْقُماس الطَشْتَمُري وَاسْتقر خازندارا. وَفِيه عُقد عِنْد الْأَمِير الْكَبِير مجْلِس بِسَبَب ابْن سبع وَحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَكثر الْكَلَام إِلَى أَن قَالَ قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زيد بن خلدون للأمير الْكَبِير. يَا أَمِير أَنْت صَاحب الشَّوْكَة وحُكمك ماضٍ فِي الْأمة وَمهما حكمت بِهِ نُفذ. فَحكم الْأَمِير الْكَبِير بحقن دَمه وإطلاقه فأفرج عَنهُ وَلم يعْهَد قطّ أَن أحدا من أُمَرَاء التّرْك وَلَا مُلُوكهمْ حكم فِي شَيْء من الْأُمُور الَّتِي من عَادَة الْقُضَاة الحكم فِيهَا إِلَّا أَن قَضِيَّة ابْن سبع هَذَا كَانَت قد شَنُعت وَطَالَ أمرهَا وَكثر التعصب فِيهَا فقوم يُرِيدُونَ قَتله وَقوم يُرِيدُونَ إِطْلَاقه وَجبن الْقُضَاة عَن إِمْضَاء شَيْء من ذَلِك حَتَّى عُمل مَا ذكر وهى من غَرِيب مَا وَقع. وَفِي ثامنه: أُخلع على الْأَمِير نعير خلعة السّفر. وَفِي ثَالِث عشره: أنعم على الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شنكل بإمرة عشرَة وَأخذت مِنْهُ إمرة الطبلخاناه. وَلم يَقع مثل ذَلِك أَن يكون مقدم الممليلك بإمرة عشرَة قطّ. وَقبض على الْأَمِير وَفِيه أخْلَع الْملك الْمَنْصُور على شخص وَعَمله خياط السُّلْطَان فَطَلَبه الْأَمِير الْكَبِير وَأخذ مِنْهُ الخلعة وضربه ضربا مبرحاً وأسلمه إِلَى شاد الدَّوَاوِين ثمَّ أفرج عَنهُ بشفاعة أَحْمد بن يلبغا فشق ذَلِك على الْمَنْصُور وَقَالَ: إِذا لم ينفذ مرسومي فِي خياط فَمَا هَذِه السلطنة وَسكت على مضض. وَفِي خَامِس عشره: قبض على الْأَمِير سيف الدّين قراكسك وَنفى. وَفِي سَابِع عشره: رُسم بالإفراج عَن الْأُمَرَاء المسجونين بثغر الْإسْكَنْدَريَّة لشفاعة الْأَمِير نُعَيْر فيهم.(5/242)
وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشره: توجه أَرْبَعُونَ أَمِيرا من المقدمين والطبلخاناه والعشراوات إِلَى الشرقية للكبس على العربان الزهيرية وَقد كثر عبثهم وَعظم فسادهم فِي الرِّيف وَصَارَت لَهُم جموع يذبح لَهُم فِي بعض الْأَوْقَات أَرْبَعمِائَة رَأس من الْغنم وَالْبَقر حَتَّى يكفيهم أَكلَة وَاحِدَة من كثرتهم. فَسَار الْأُمَرَاء وَفِيهِمْ الْأَمِير ألطُنْبُغا الجوماني ومنطاش وقرا دمرداش وشنوا الغارات فِي السباخ وبلاد أشموم الرُّمَّان وَقتلُوا جمَاعَة وَأخذُوا نَحْو الثلاثمائة رجل وَألف فرس وعادوا بهم فسمر مِنْهُم فِي خَامِس عشرينه نَحْو الثَّمَانِينَ رجلا وطيف بهم على الْجمال وَمُشَاة ثمَّ أفرج وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر طَغَنْجى فِي نِيَابَة البيرة وسافر وَاسْتقر بدر الدّين مَحْمُود الكلُسْتاني السراي فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن سراج الدّين عمر العجمي. وَاسْتقر إِمَام الدّين مُحَمَّد بن العلاف - وَكَانَ مؤدب أَطْفَال مصر ثمَّ اتَّصل بالناصري بحلب فَصَارَ إِمَام الْأَمِير الْكَبِير - فِي حسبَة مصر عوضا عَن همام الدّين. وَفِي أول شعْبَان: أُمر المؤذنون بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن يزِيدُوا فِي الآذان لكل صَلَاة بعد الْفَرَاغ مِنْهُ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله عدَّة مرار. وَسبب هَذَا أَن رجلا من الْفُقَرَاء المعتقدين جمع فِي لَيْلَة الْجُمُعَة بعد أَذَان الْعشَاء الْآخِرَة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعجبه ذَلِك وَقَالَ لأَصْحَابه. أتحبون أَن يعْمل هَذَا فِي كل أَذَان. قَالُوا نعم فَبَاتَ وَأصْبح وَقد زعم أَنه رأى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه يَأْمُرهُ أَن يَقُول لنجم الدّين الطنْبَدي الْمُحْتَسب بِأَمْر المؤذنين أَن يصلوا عَلَيْهِ عقيب كل أَذَان فَمضى إِلَى الطنبَدي - وَكَانَ فِي غَايَة الْجَهْل - فسره قَول هَذَا الرَّأْي وَأمر بذلك فاستمر إِلَى يَوْمنَا من سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شعْبَان: اسْتَقر عَلَاء الدّين على البيري الْحلَبِي - موقع الْأَمِير(5/243)
الْكَبِير - فِي توقيع الدست وأخلع عَلَيْهِ. وَاسْتقر قطلوبك النظامي نَائِب الْوَجْه القبلي عوضا عَن مبارك شاه. وَاسْتقر أَرَسبغا المنجكي كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن أَبُو درقة. وَاسْتقر قطلوبغا التركماني وَالِي الفيوم عوضا عَن شاهين العلاي. وَاسْتقر تمراز العلاي وَالِي الْبحيرَة عوضا عَن أَيْدَمُر الشمسي أَبُو زلطة. وَفِيه نُودي على النّيل ثَلَاثِينَ إصبعاً. وَاسْتقر مقبل الطَّيِّبِيّ وَالِي قوص عوضا عَن أبي بكر بن مُوسَى بن الديناري. وَقبض على أقبغا اللاجيني وَنفي إِلَى الشَّام. وَاسْتقر أَمِير مَلَك - قريب جَنتمر أخي طاز - فِي نِيَابَة الرحبة بتقدمة ألف. وَفِيه أنزل بالمماليك السّبْعين الَّذين رتبوا فِي الطاق بالقلعة وَفرقُوا على الْأُمَرَاء. ورُسم أَيْضا بِإِبْطَال المقدمين والسوَّاقين والطواشية وَنَحْوهم وأنزلوا من القلعة فاتضع أَمر الْملك الْمَنْصُور. وَفِيه حضر من الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أَبُو بكر بن سنقر ومنكلي الطرخاني وطرجي الحسمي وَعبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا فسفِّر الطرخاني وطرجي إِلَى الشَّام بِغَيْر خُبز. وَلزِمَ أَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن منزلهما بطالين. وَفِي خامسه: اسْتَقر أقبغا الْفِيل فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن قطْلُوبك السَّعْدِيّ. وَفِي سادسه: نُودي بوفاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَهُوَ سادس مسري أَيْضا فَفتح الخيج على وَفِي ثَانِي عشره: أَخْلَع على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس وَاسْتقر مشير الدولة. وعَلى أَخِيه زين الدّين نصر الله لنظر الإسطبل وَاسْتقر صَاحب ديوَان الْأَمِير. الْكَبِير وَنزلا وَبَين أَيْدِيهِمَا زامر يزمر وَلم يعْهَد مثل هَذَا. بِمصْر قطّ. وفمه أُشيع أَن منطاش تنكر مَعَ الْأَمِير الْكَبِير وَتَأَخر عَن الْخدمَة وَأظْهر أَنه متضعف فَفطن الْأَمِير الْكَبِير بِأَنَّهُ يُرِيد عمل مكيدة وَلم ينزل لعيادته. وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير ألطنْبغا الجوباني فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره فَدخل عَلَيْهِ وَقضى(5/244)
حق العيادة وهمَّ بِالْقيامِ فَقبض عَلَيْهِ وعَلى عشرَة من مماليكه وَضرب قرقُماس دواداره فَمَاتَ من ذَلِك بعد أَيَّام. وَركب منطاش حَال مسكه الجوباني فِي أَصْحَابه إِلَى بَاب السلسلة وَأخذ جَمِيع الْخُيُول الَّتِي كَانَت واقفة هُنَاكَ. وَأَرَادَ اقتحام الْبَاب ليَأْخُذ الناصري على غَفلَة فَلم يتَمَكَّن من ذَلِك وأغلق الْبَاب. وَرمى عَلَيْهِ مماليك الناصري من أَعلَى السُّور فَعَاد وَمَعَهُ الْخُيُول إِلَى دَاره وهى قريب من الرميلة بجوار مدرسة السُّلْطَان حسن وَنهب بَيت الْأَمِير أقبغا الْجَوْهَرِي وَأخذ خيله وقماشه وأصعد إِلَى مدرسة السُّلْطَان حسن الْأَمِير تنكزبغا رَأس نوبَة والأمير أَزْدَمُر الجوكاني دوادار الظَّاهِر برقوق فِي عدَّة مماليك وَحمل إِلَيْهَا النشاب وَالْحِجَارَة فرموا على من فِي الرميلة من أَصْحَاب الناصري من أَعلَى المأذنتين وجوانب الْقبَّة. وألبس الناصري مماليكه السِّلَاح وتلاحقت المماليك الأشرفية والظاهرية بمنطاش وَصَارَ فِي فَارس بعد مَا كَانَت عدَّة من مَعَه أَولا نَحْو السّبْعين فَارِسًا. وَأَتَاهُ من الْعَامَّة عَالم كَبِير فترامى الْفَرِيقَانِ واقتتلا. وَنزل الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة والأمير مَأْمُور الْحَاجِب من عِنْد الْأَمِير الْكَبِير. وَنُودِيَ فِي النَّاس بِنَهْب مماليك منطاش وَالْقَبْض على من قدرُوا عَلَيْهِ وإحضاره إِلَى الْأَمِير الْكَبِير فَخرج عَلَيْهِمَا طَائِفَة من المنطاشية وضربوهما وهزموا من مَعَهُمَا فعادوا إِلَى الناصري. وَلحق الْوَالِي بِالْقَاهِرَةِ وأغلق أَبْوَابهَا. واشتدت الْحَرْب وتقرب منطاش من الْعَامَّة ولاطفهم وَأَعْطَاهُمْ فتعصبوا لَهُ وتزاحموا على الْتِقَاط النشاب الذى يَرْمِي بِهِ أَصْحَاب الناصري على منطاش وأتوه بِهِ وبالغوا فِي المخاطرهَ مَعَه حَتَّى كَانَ الْوَاحِد بعد الْوَاحِد مِنْهُم يثب فِي الْهَوَاء ويختطف السهْم وَهُوَ مار وَيَأْتِي بِهِ منطاش. وَلَا يزالون فِي نقل الْحِجَارَة إِلَى مأذن مدرسة حسن. وَأَقْبل اللَّيْل وهم على ذَلِك فَبَاتَ منطاش لَيْلَة الثُّلَاثَاء على بَاب مدرسة حسن وَالرَّمْي لَا يبطل وَأَتَاهُ طوائف من الظَّاهِرِيَّة حَتَّى أصبح يَوْم الثُّلَاثَاء وَقد زَادَت أَصْحَابه على الأف فَارس فَأَتَاهُ مماليك الْأُمَرَاء وَغَيرهم شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى خشن جَانِبه وَاشْتَدَّ بأسه. فَبعث الناصري بالأمير بجمان والأمير قرابُغا الأبو بكري فِي طَائِفَة كَبِيرَة وَمَعَهُمْ الْمعلم أَحْمد بن الطولوني وَكثير من الحجارين لينقبوا بَيت منطاش من ظَهره حَتَّى ينْحَصر. فَبعث إِلَيْهِم عدَّة من(5/245)
جماعته قاتلوهم وَأخذُوا بجمان والأمير قرابغا وهزموا من مَعَهُمَا فرتب الناصري عدَّة رُمَاة على الطبلخاناة وعَلى مدرسة الْأَشْرَف فرموا على منطاش بالمدافع والنشاب فَقتل عدَّة من الْعَوام وجرح كثير وَنزل الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا والأمير جمق بن أيمش فِي جمع كَبِير وطردوا الْعَامَّة وَقتلُوا مِنْهُم وجرحوا عددا كَبِيرا فَحملت الْعَامَّة فِي فرسَان منطاش عَلَيْهِم حَملَة وَاحِدَة وهزموهم أقبح هزيمَة. وَاسْتمرّ ذَلِك بَينهمَا حَتَّى انْقَضى النَّهَار وَأَقْبل إِلَى منطاش الْأَمِير أقبغا المارداني بِطَلَبِهِ وَصَارَ من جماعته فتسلل الْأُمَرَاء عِنْد ذَلِك وَاحِدًا وَاحِدًا بعد ذَلِك وأتوه. وكل من يَأْتِيهِ من الْأُمَرَاء يُوكل بِهِ من يحفظه وَيبْعَث بِهِ فِي دَاره وَيَأْخُذ مماليكه يُقَاتل بهم. فَلَمَّا رأى حُسَيْن الكوراني جَانب الناصري قد انهضم خَافَ واختفى فَطلب منطاش نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى نَائِب حُسَيْن بن الكوراني وولاه ولَايَة الْقَاهِرَة وألزمه بتحصيل النشاب. وَنزل إِلَى الْقَاهِرَة وَحمل إِلَيْهِ كثيرا من النشاب. ونادى فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَإِبْطَال المكوس وَالدُّعَاء للأمير منطاش بالنصر فَبعث الناصري الْخَلِيفَة المتَوَكل إِلَى منطاش فحدثه فِي الصُّلْح وإخماد الْفِتْنَة فَقَالَ: أَنا فِي طَاعَة السُّلْطَان وموافقة الْأُمَرَاء. لَكِن الناصري غريمي فَإِنَّهُ حلف لي وَأَنا بسيواس وَحلف لي بحلب وبدمشق أننا نَكُون شَيْئا وَاحِدًا وَأَن السُّلْطَان يتحكم كَيفَ يَشَاء. فَمنع السُّلْطَان من التَّصَرُّف واستبد هُوَ بِالْأَمر وَأخرج بزلار إِلَى الشَّام وبعثني إِلَى قتال الفلاحين وَلم يُعْطِنِي شَيْئا من المَال سوى مائَة ألف دِرْهَم. وَأخذ لنَفسِهِ أحسن الإقطاعات وَأَعْطَانِي أضعفها تعْمل فِي السّنة سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَوَاللَّه مَا أَنا براجع عَنهُ حَتَّى أَقتلهُ أَو يقتلني أَو يُقيم سُلْطَانا يستبد بالأمور. فَقَامَ الْخَلِيفَة وَأعَاد الْجَواب على الناصري فَركب. بِمن مَعَه وَنزل فِي جمع كَبِير لقِتَال منطاش فبرز إِلَيْهِ وقاتله وكسره فقوى. وَأَتَاهُ من الْأُمَرَاء عبد الرَّحِيم بن منكلي بغا وَصَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز وَمَعَهُ خَمْسَة أحمال نشاباً وَثَمَانُونَ حمالاً عَلَيْهَا المآكل وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم فَنزل الْأَمِير قرا دمرداش وَأحمد بن يلبغا وألطنبغا الْمعلم ومأمور فِي جمع موفور لقِتَال منطاش فَقَاتلهُمْ وَاشْتَدَّ الرَّمْي عَلَيْهِم من أَعلَى مدرسة حسن فَرَجَعُوا خائبين. وَأَتَاهُ الْعَوام بنشاب كثير مِمَّا التقطوا من الرميلة فترقق لَهُم وَقَالَ أَنا وَاحِد مِنْهُم وَنَحْو ذَلِك وهم يبذلون نُفُوسهم فِي خدمته. هَذَا وَالرَّمْي شَدِيد من القلعة على مدرسة حسن وَمِنْهَا على القلعة. وظفر منطاش بحاصل لجركس الخليلي وبحاصل لِبَكلمش فَأخذ مِنْهُمَا نشاباً كثيرا تقوى بِهِ.(5/246)
وَنزل إِلَيْهِ الْأَمِير مَأْمُور وكشلي وجُمُق بن أيتمش فِي عدَّة كَبِيرَة فبرز إِلَيْهِم الْعَامَّة وَأَكْثرُوا من رميهم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى كسروهم مرَّتَيْنِ إِلَّا أَن الرَّمْي من القلعة اشْتَدَّ على من بِأَعْلَى الْمدرسَة وَأصَاب حجر من حِجَارَة المدافع الْقبَّة خرقها وَقتل مَمْلُوكا من المنطاشية فَبعث منطاش من أحضر إِلَيْهِ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطرابلسي وَكَانَ أستاذاً فِي الرَّمْي بمدافع النفط. فَلَمَّا جَاءَهُ جرده من ثِيَابه ليوسطه من أجل تَأَخره عَنهُ فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَمضى فِي طَائِفَة من الفرسان وأحضر الْآلَات وَصعد أَعلَى مدرسة حسن وَرمى على الإسطبل حَيْثُ سكن الناصري حَتَّى أحرق جانباً من الْخَيْمَة وَفرق ذَلِك الْجمع وفر السُّلْطَان والناصري إِلَى مَوضِع امتنعا فِيهِ. وَلم يمض النَّهَار حَتَّى بلغت فرسَان منطاش نَحْو الْأَلفَيْنِ وَبَات الْفَرِيقَانِ لَا يبطلان الرَّمْي حَتَّى أصبحا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقد جَاءَ كثير من مماليك الْأُمَرَاء إِلَى منطاش وَأَتَاهُ الْأَمِير تَمُرباي الحسني حَاجِب الْحجاب والأمير قُرْدِمُ الحسني فِي جمَاعَة من الْأُمَرَاء وصاروا فِي جملَته. وانتدب لقتاله الْأَمِير قرا دمرداش وَأحمد بن يلبغا فهزمهما مرَارًا عديدة. وَفِي كل سَاعَة يتسلل طَائِفَة من أَصْحَاب الناصري إِلَى منطاش وتعبث الْعَامَّة بالأتراك وصاروا من وجدوه مِنْهُم قَالُوا ناصرى أَو منطاشى فَإِن قَالَ منطاش تَرَكُوهُ وأتوه بِهِ إِلَى منطاش وَإِن قَالَ ناصري أنزلوه عَن فرسه وَأخذُوا مَا عَلَيْهِ وسجنوه حَتَّى يَأْتُوا بِهِ إِلَى منطاش. وتكاثروا على بَيت الْأَمِير أيدكار حَتَّى أخذُوا أيدكار وساقوه إِلَى منطاش فَأكْرمه وَأَتَاهُ الْأَمِير ألطبغا الْمعلم أَيْضا فعين لَهما جِهَة يقفا بهَا ويقاتلا هُنَاكَ. وَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير قرا دمرداش يَسْتَأْذِنهُ فِي الْحُضُور إِلَيْهِ طَائِعا فَلم يَأْذَن لَهُ وَأَتَاهُ الْأَمِير بَلوط الصرغتمشي بَعْدَمَا حاربه عدَّة مرار وَحضر أَيْضا جمق بن أيتمش طَائِعا فَاعْتَذر فَقبل عذره. فَلَمَّا أذن الْعَصْر اخْتَلَّ أَمر الناصري وَصَارَ فِي عدد قَلِيل فَلم يثبت وفر هُوَ وقرا دمرداش وأقبغا الْجَوْهَرِي وَابْن يلبغا وألابغا الدوادار وكشلي فِي نفر من المماليك بعد مَا أغلق بَاب الإسطبل. وَصعد إِلَى القلعة وَخرج من بَاب القرافة فَبعث أهل القلعة إِلَى منطاش بذلك فَسَار بِمن مَعَه وَصعد إِلَى الإسطبل وَوَقع النهب فِيهِ فَأخذ مِنْهُ من الْخَيل والقماش وَالْمَال شَيْء كَبِير جدا. وتفرق الزعر والعامة إِلَى دور المنهزمين يُرِيدُونَ نهبها فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ ومنعهم النَّاس من عدَّة مَوَاضِع. وَبَات منطاش بالإصطبل. وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره فَصَعدَ القلعة إِلَى السُّلْطَان وأعلمه أَنه فِي طَاعَته وممتثل سَائِر مَا يرسم بِهِ وَتقدم إِلَى رُؤُوس النوب بِجمع المماليك وَإِنْزَالهمْ فِي الطاق على الْعَادة. وَنزل إِلَى الإسطبل فأحضر إِلَيْهِ بالأمير أَحْمد(5/247)
ابْن يلبغا والأمير مَأْمُور فحبسهما بقاعة الْفضة. وَأخرج الْأَمِير بجمان المحمدي إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَكتب بإحضار الْأَمِير سردن الفخري النَّائِب. واستدعى الْوَزير الصاحب كريم الدّين بن الغنام وَبَقِيَّة المباشرين وأرباب الدولة فَأتوهُ. وَقبض على كريم الدّين بن مكانس فَوكل بِهِ من يحفظه وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: قبض على الْأَمِير قرا دمرداش. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين دمرداش القَشتَمُري فِي نِيَابَة الكرك وخلع عَلَيْهِ ثمَّ انْتقض ذَلِك من يَوْمه. وَقبض أَيْضا على الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وكشلي القلمطاوي وأقبغا الْجَوْهَرِي وألطُنبُغا الأشرفي وألابغا العثماني وتمرباي السيفي وتمرباي الأشرفي وَفَارِس الصرَغَتْمُشى وكُمَشبغا شيخ اليوسفي وعبدوق العلاي وبعثهم بأجمعهم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي حادي عشرينه: أنعم على الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر أَمِير جاندار بإمرة مائَة وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَفِيه سَار الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير قطلوبغا الصفوي نَائِب صفد والأمير أسنَدْمُر الشرفي بن يَعْقُوب شاه والأمير تمان تمر الأشرفي وَعين لكل مِنْهُم إمرة مائَة. وَفِيه ضرب كريم الدّين بن مكانس وعصر مرَّتَيْنِ بخزانة شمايل فَحمل مَالا كَبِيرا من حَاصِل لجركس الخليلي. وَفِي ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير تمرباي الحسني حَاجِب الْحَاجِب ويلبغا المنجكي وَإِبْرَاهِيم بن قطلو أفتمر أَمِير مجْلِس. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وخلع عَلَيْهِ وَأخرج الطواشي تُقْطَاي وَفِي ثَالِث عشرينه: قبض على الْأَمِير أرسلان اللفاف وقراكَسَك السيفي وأيدكار الْعمريّ وقْرْدم الحسني وأقبغا المارداني وعدة مماليك. وَفِي خَامِس عشرينه: ظهر فَخر الدّين بن مكانس نَاظر الدولة وَالْتزم بِمَال فخلى عَنهُ وَاسْتمرّ على وظيفته وَقبض على الطواشي مقبل الدواداري الزِّمَام وجوهر اليلبغاوي لالا الْملك الْمَنْصُور. وَفِيه أنعم على ألطنبغا دوادار الناصري بإمرة فِي صفد وعَلى بكتمر دواداره أَيْضا بإمرة فِي طرابلس وعَلى رَأس نوبَته بإمرة فِي حلب.(5/248)
وفى سادس عشرينه: نقل قطلوبَكَ النظامي من نِيَابَة الْوَجْه القبلي إِلَى نِيَابَة صفد عوضا عَن قطلوبغا الصفوي وأعيد الْأَمِير مبارك شاه إِلَى نِيَابَة الْوَجْه القبلي. وأنعم على إِبْرَاهِيم بن قطلو أقتمر أَمِير جاندار بإمرة تقدمة فِي حلب وَأخرج إِلَيْهَا من يَوْمه. وَأخرج قراكسك إِلَى طرابلس على إمرة. وَفِيه عذب الطواشي زين الدّين صندل المنجكي على ذخائر الْملك الظَّاهِر وعصر مرَارًا حَتَّى دلّ عَلَيْهَا. وَاسْتقر شمس الدّين بن الرويهب فِي نظر الدولة رَفِيقًا للفخر بن مكانس وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه ألزم كتاب الدولة بِمَال فوزع على كل أحد بِحَسبِهِ. وأعيد همام الدّين إِلَى حسبَة مصر عوضا عَن إِمَام الدّين وأعيد سراج الدّين عمر العجمي إِلَى قَضَاء الْعَسْكَر. وَفِي ثامن عشرينه: وصل الْأَمِير سودن النَّائِب من الْإسْكَنْدَريَّة فَأمر بِلُزُوم دَاره. وَقدم من الشَّام الْأَمِير منكلي الشمسي الحاحب وطوجي الحسني فأخرجا إِلَى مَدِينَة قوص منفيين. وَحبس الْأَمِير ألطنبغا الجوباني فِي قاعة الْفضة بالقلعة. وَفِيه أنْفق الْأَمِير منطاش على من قَاتل مَعَه فَأعْطى مائَة مِنْهُم ألف دِينَار لكل وَاحِد وَأعْطى جمَاعَة عشرَة آلَاف لكل مِنْهُم ودونهم لكل وَاحِد خَمْسَة آلَاف دِرْهَم ودونهم طَائِفَة لكل مِنْهُم ألف دِرْهَم وَطَائِفَة لكل وَاحِد خَمْسمِائَة دِرْهَم وَطَائِفَة لكل مِنْهُم مِائَتي دِرْهَم. وَفِي تَاسِع عشرينه: خلع على زين الدّين نصر الله بن مكانس وَاسْتمرّ على نظر الإسطبل. بِمَال يحملهُ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَمَضَان: استدعى منطاش المماليك الظَّاهِرِيَّة وأغلق عَلَيْهِم بَاب السلسلة وَقبض على نَحْو مِائَتي مِنْهُم. وَبعث بالأمير جلبان الْحَاجِب والأمير بلاط الحاحب فقبضا على كثير من الظَّاهِرِيَّة. وَأخذ منطاش خيولهم وقيدوا الْجَمِيع وسجنوا فِي البرج بالقلعة وَنُودِيَ من أحضر مَمْلُوكا من مماليك برقوق فَلهُ كَذَا وهدد من أُخْفِي أحدا مِنْهُم وتتبعت أسبابهم وأتباعهم وألزموا بهم. وَقبض أَيْضا على الْأَمِير أقبغا المارداني وَقيد بعد مَا خلع عَلَيْهِ بِولَايَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن مبارك شاه ثمَّ عصر حَتَّى يقر على المماليك الظَّاهِرِيَّة.(5/249)
وَفِي ثالثه: قبض على الْأَمِير سودُن النَّائِب وأُلزم. ممال يحملهُ وَقبض على الْأَمِير تُردُم الحسني بعد مَا أفرج عَنهُ وَقبض على بوري الأحمدي وأرغون السلَامِي وشاهين أَمِير أخور وبهادر فطيس أَمِير أخور وَجَمَاعَة من المماليك وَاشْتَدَّ الطّلب على الظَّاهِرِيَّة. وَفِي رابعه: ضرب الْأَمِير أقبغا المارداني وَضرب عبد الرَّحِيم ابْن الصاحب كريم الدّين بن مكانس فَحمل مَالا. وألزم سودن النَّائِب بِحمْل سِتّمائَة ألف دِرْهَم أنعم عَلَيْهِ بهَا فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة. وَفِيه نُودي بتجهيز النَّاس لِلْحَجِّ مَعَ الْأَمِير أبي بكر بن سنْقُر. وَفِيه وقف النَّاس تَحت القلعة وطلبوا إِعَادَة حُسَيْن بن الكوراني إِلَى الْولَايَة فَإِن الزعر اشتدت شوكتهم وشنع ضررهم فَإِن منطاش كَانَ قد استدعاهم وَأنْفق فيهم سِتِّينَ ألف دِرْهَم وَجعل عَلَيْهِم عرفاء. فأجابهم إِلَى ذَلِك وَبعث إِلَيْهِ أَمَانًا فَحَضَرَ إِلَيْهِ من اختفائه وَاسْتقر فِي الْولَايَة وخلع عَلَيْهِ فَنزل فِي موكب عَظِيم. وَفِي خامسه: نُودي على الظَّاهِرِيَّة وهدد من أُخْفِي أحدا مِنْهُم وَقبض حُسَيْن الْوَالِي على جمَاعَة مِنْهُم وقيدهم وسجنهم. وتتبع أَيْضا الزعر وَأخذ ثَمَانِيَة من كبارهم ثمَّ أَخذ سِتَّة أَيْضا وَقطع أَيْديهم فِي يَوْم الْأَحَد سابعه وشهرهم. وأحضر خفراء الحارات وألزمهم بإحضار الزعر فَأخذُوا من كل مَوضِع وسجنوا بخزانة شمايل فسكن شرهم. وَفِيه قبض على عدَّة من الظَّاهِرِيَّة والناصرية وسجنوا. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير قطلوبغا الصفوي نَائِب صفد والأمير أسندَمُر الشرفي بن يَعْقُوب شاه فأنعم عَلَيْهِمَا بالإمرة. وَفِيه قبض على من كَانَ فِي خدمَة الْأُمَرَاء من الناصرية وَمن كَانَ بطالاً فَأخذُوا بأجمعهم من الْبيُوت والإصطبلات وحبسوا بخزانة شمايل فِي الْقُيُود. وَفِيه ظفر منطاش بذخيرة للظَّاهِر كَانَت بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة. وَفِيه أُفرج عَن الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وخُلع عَلَيْهِ وخلى لسبيله. وَفِي تاسعه: قبض على الشريف عنان بن مَغَاس وَحبس مُقَيّدا.(5/250)
وَفِيه ورد الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير نُعير عَن الطَّاعَة غَضبا للأمير يلبغا الناصري وَاتفقَ هُوَ وسولي بن دلغادر التركماني ونهبوا عدَّة من الْبِلَاد الحلبية وَأَن الْأَمِير بزلار نَائِب دمشق خرج عَن وَفِيه اسْتَقر أَبُو بكر بن المزوَّق فِي ولَايَة الشرقية وعزل أقبغا الْفِيل. وَفِي عاشره: قدم من الْإسْكَنْدَريَّة فِي النّيل إِلَى بولاق سَاحل الْقَاهِرَة عدَّة من الْأُمَرَاء المسجونين فرسم الْأَمِير منطاش بِأَن يتَوَجَّه مِنْهُم ألطنبغا العثماني وبطا الطولوتَمُري وألطنبغا شادي وعبدوق العلاي إِلَى دمياط. وَيتَوَجَّهُ مِنْهُم تمربُغا المنجكي وقرمان المنجكي وقُنُق باي السيفي وبيبرس التمَّان تَمُري وطوجي الحسني وقوصون المحمدي وَحسن خُجا ومُقبل الرُّومِي وبغداد الأحمدي وَيُونُس الأسعَردي وبلاط المنجكي وطولوبغا الأحمدي وتتمة خَمْسَة عشر إِلَى قوص. وَفِيه حمل الْأَمِير سودُن النَّائِب مَالا وَاسْتمرّ الطّلب عَلَيْهِ. وَفِي حادى عشره: قبض على الْأَمِير أرغون البحمقدار العثماني بعد مَا كَانَ أخص النَّاس. منطاش وقُيد وعُصر. وَفِي ثَالِث عشره: أخرج الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شَنْكل من القلعة وأعبد الطواشي جَوْهَر إِلَى تقدمة المماليك عوضه وَاسْتقر صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن بلُرغي فِي ولَايَة القلعة عوضا عَن حمُلْبان أخي مامُق. وَفِيه أنعم على كل من يذكر بإمرة مائَة وتقدمة ألف وهمِ قُطلوبغا الصفوي وناصر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير منطاش وأسندَمُر بن يَعْقُوب شاه وتمَّان تَمُر الأشرفي وأيدكار الْعمريّ وأسندمر الشرفي - رَأس نوبَة منطاش وجنتمر الأشرفي ومنكلي بيه الأشرفي وتُكا الأشرفي ومنكلي بغا خازندار منطاش وصراي تَمُر دوادار منطاش. وتمَربُغا الكريمي وألطبغا الْحلَبِي ومبارك شاه. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة طبلخاناه وهم: الشريف بَكتمُر بن على الحسني وَأَبُو بكر سُنْقُر الجمالي ودمرداش القَشْتَمُري وَعبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا وجُلْبَان السَّعْدِيّ وأروس بغا سلنغر السيفي وَإِبْرَاهِيم بن طَشتَمُر وصُربغا الناصري وتنكز الْأَعْوَر الأشرفي وصراي تمَرُ الأشرفي وأقبغا المنجكي وتَلَكْتمُر المحمدي وقرابغا السيفي وقُطْلُوبُغا الزيني وتمربغا المنجكي وأرغون شاه السيفي ومُقْبل السيفي ومنطاش أَمِير سلَاح وطَيْبرَس السيفي رَأس نوبَة وبَيْرم خُجا الأشرفي وألْطبغا(5/251)
الجُرْبغاوي ومَنْجَك الزيني وبُزلار الخليلي وَمُحَمّد بن أَسَنْدَمُر العلاي وَطَالِق بغا السيفي وإلياس الأشرفي وقُطْلُوبغا السيفي وشَيْخو الصرغَتْمُشي وجُلبان السيفي وألطُنبغا الطازي وَإِسْمَاعِيل السيفي وحسين بن الكوراني. وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشْرين وهم: غَرِيب خطاي وياينجي الأشرفي ومنكلي بغا الجوبانى وقرابغا الأحمدي وأق كَبَك السيفي وَفرج شاد الدَّوَاوِين ورمضان السيفي وَمُحَمّد وأنعم على كل مِمَّن يذكر بإمرة عشرَة وهم: صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تنكز وخضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي وَمُحَمّد بن يُونُس الدوادار وعَلى الجركتمري وَمُحَمّد بن رَجَب بن مُحَمَّد التركماني وَمُحَمّد بن منكوتَمُر عبد الْغَنِيّ وجوهر الصلاحي وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن بلرغي ولؤلؤ العلاي وتنكز العثماني وصُراي تَمُر الشرفي ومنكلي بغا المنجكي وشيخون الأرغون شاهي وأقسنقر الأشرفي وتمربُغا النظامي وطاز الأشرفي وجركس القرا بغاوي وأسنبغا التاجي وسنقر السيفي وكزل الجوباني وقرابُغا الشهابي وقطلوبغا الزيني وألطنبغا أَمِير سلَاح وبَكْ بلاط الأشرفي وكمُشبغا الطشَتُمرى وبَمبغا العلاى ويلبغا التركمانى ورُاسْبُغا الأشرفي وحاجي اليْلبغاوي وأرغون الزيني ويلبغا الزيني وتمر الأشر وجنبغا الشرفي وجمق السيفي وأرغون شاه البكْلَمشي وألطنبغا الْأَشْقَر وصُراي تمَرُ السيفي وألطبغا الإبراهيمي وأقبغا الأشرفي وألجُبغا السيفي. وَفِي خَامِس عشره: نُودي على الزعر من حمل مِنْهُم سَيْفا أَو سكيناً أَو شالق بِحجر وُسّط وتتبعوا فَقطع الْوَالِي فِي ثامن عشره أيدى ستهَ مِنْهُم. وَفِي تَاسِع عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء من دمشق. وَفِيه اسْتَقر عمر بن خطاب فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن أَمِير فرج بن أيدمر بِحكم انْتِقَاله إِلَى وَفِي عشرينه: قدم الْبَرِيد باً ن الْأَمِير بزلار نَائِب دمشق قبض عَلَيْهِ الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز. وَفِيه نزع الْأَمِير منطاش عَنهُ آلَة الْحَرْب وَأمر الْعَسْكَر والأمراء بنزعها فنزعوها. وَفِي هَذِه الْمدَّة كلهَا كَانُوا بأجمعهم لابسين آلَة الْحَرْب. وَفِي حادى عشرينه: قبض على جمق بن أيتمش وبيرم العلاي رَأس نوبَة أيتمش.(5/252)
وَفِيه قدم سيف بَزْلار نَائِب دمشق. وَكَانَ من خَبره أَن منطاش لما غلب على الْأَمر كتب يستدعيه فِي ثَلَاثَة سروج على الْبَرِيد فَأجَاب: لَا أحضر إِلَيْهِ إِلَّا فِي ثَلَاثِينَ ألفا فَكتب إِلَى الْأَمِير جَنتمُر بِولَايَة دمشق أَن اقبض عَلَيْهِ. ثمَّ سير إِلَيْهِ التشريف والتقليد وَكتب إِلَيْهِ بِأَن يكون مُحَمَّد شاه بن بيدمر أتابك دمشق وجبرائيل حَاجِب الْحَاجِب فتعاون الْجَمَاعَة عَلَيْهِ وقبضوه ففر دواداره وَأظْهر الْخلاف وانضم إِلَيْهِ طَائِفَة كَبِيرَة خَارج دمشق. وَفِيه قدم الْبَرِيد من غَزَّة بِأَن الْملك الظَّاهِر برقوق خلص من السجْن وَاسْتولى على مَدِينَة الكرك وَوَافَقَهُ حسن الكجكني النَّائِب وَقَامَ فِي خدمته وَقد حضر إِلَيْهِ ابْن خاطر أَمِير بني عقبَة - عرب الكرك - وَدخل فِي طَاعَته فاضطرب منطاش. وَكَانَ من خبر الظَّاهِر أَن منطاش لما تحكم بِمصْر بعث شخصا يعرف بالشهاب البريدي إِلَى الكرك وَمَعَهُ كُتب إِلَى الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني بقتل الظَّاهِر. وَكَانَ هَذَا الشَّاب من أهل الكرك وَتزَوج بابنة عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى المقيري قَاضِي الكرك ثمَّ شجر بَينهمَا فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى طَلقهَا وَزوجهَا بِغَيْرِهِ. وَكَانَت جميلَة فشق عَلَيْهِ فراقها وَخرج من الكرك. وَضرب الدَّهْر ضرباته فَكَانَ من قيام منطاش مَا قد ذكرنَا فاتصل بِهِ ووعده بِأَنَّهُ يقتل لَهُ الْملك الظَّاهِر برقوق. فَكتب مَعَه إِلَى الْأَمِير حسن الكجكني بمعاونته على قتل الظَّاهِر وَأَن ينزله بالقلعة فَمضى على الْبَرِيد وَنزل بالمقير بلد القَاضِي عماد الدّين. وَلم يكتم مَا فِي نَفسه من الحقد وَقَالَ: وَالله لأخربن دياره وأزيد فِي احكار أملاكه وأملاك أَقَاربه بالمقير فأوحش قُلُوب النَّاس مِنْهُ. وَقَامَ فِي اللَّيْل يُرِيد دُخُول مَدِينَة الكرك وَبعث إِلَى النَّائِب من يَصِيح بِهِ من تَحت السُّور فَمَنعه من ذَلِك وأحس بِالشَّرِّ. فَلَمَّا أصبح أحضرهُ إِلَى دَار السَّعَادَة وَقَرَأَ كتاب السُّلْطَان وَكتاب الْأَمِير منطاش بِأُمُور أخر. فَلَمَّا انفض النَّاس أخرج إِلَيْهِ الْكتاب بقتل الظَّاهِر فَقَامَ من فوره وَدخل على الْملك الظَّاهِر بعد أَن أنزل الشهَاب فِي مَكَان بالقلعة - اخْتَارَهُ قَرِيبا من الْموضع الَّذِي فِيهِ الظَّاهِر - وَأَوْقفهُ على الْكتاب فكاد أَن يهْلك من الْجزع فَحلف عِنْد ذَلِك بِكُل يَمِين أَنه لَا يُسلمهُ أَو يَمُوت. وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى سكن روعه. هَذَا وَقد اشْتهر فِي الْمَدِينَة مَجِيء الشهَاب وَكثر الْكَلَام فِيهِ وَثقل على النَّاس وخافوا شَره. وَأخذ يلج فِي العجلة بقتل الظَّاهِر والنائب يدافعه إِلَى أَن قَالَ لَهُ: هَذَا مَا أَفعلهُ بِوَجْه حَتَّى أكتب إِلَى مصر بِمَا أعرفهُ.(5/253)
وَبعث الْبَرِيد بِأَنَّهُ لَا يدْخل فِي هَذَا الْأَمر وَلَكِن يحضر إِلَيْهِ من يتسلمه مِنْهُ وَيفْعل فِيهِ مَا يرسم لَهُ بِهِ. وَكَانَ فِي خدمَة الظَّاهِر غُلَام من أهل الكرك يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن فَنزل إِلَى جمَاعَة من أوغاد الْمَدِينَة وأعلمهم أَن الشهَاب حضر لقتل الْملك الظَّاهِر فأنفقوا من ذَلِك وَقَامُوا إِلَى القلعة وهجموا على الشهَاب وقتلوه وجروه بِرجلِهِ إِلَى بَاب القاعة الَّتِي فِيهَا الظَّاهِر فَلم يشْعر - والنائب عِنْده وَقد ابتدأوا فِي الْإِفْطَار لَيْلَة الْأَرْبَعَاء عَاشر شهر رَمَضَان - إِلَّا وَجَمَاعَة قد اقتحموا عَلَيْهِ وهم يدعونَ لَهُ بالنصر وأخذوه بِيَدِهِ حَتَّى أَخْرجُوهُ وَقَالُوا: دس بقدمك على رَأس عَدوك. وأروه الشهَاب مقتولاً ونزلوا بِهِ إِلَى الْمَدِينَة فدهش النَّائِب وَلم يجد بدا من الْقيام فِي خدمته وتجهيزه. وتسامع بِهِ أهل الْبِلَاد فَأتوهُ من كل نَاحيَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر مُحَمَّد بن أسندمر العلاي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن أَمِير حَاج بن مُغْلطاي وَاسْتقر ابْن مُغلطاوي أحد الْأُمَرَاء المقدمين بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين بهْرَام بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز الدَّمِيرِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خير الإسْكَنْدراني. وَفِيه بلغت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَهُوَ يَوْم عيد الصَّلِيب. وَفِي خَامِس عشرينه: قبض منطاش على الْأَمِير قُرقماس الطشتَمُري الخازندار وعَلى الْأَمِير شاهين الصَرْغَتْمُشي أَمِير أخور وقُطلوبَك أستادار الْأَمِير أيتمش وعَلى عدَّة من المماليك الظَّاهِرِيَّة. وقَبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام شاد الدَّوَاوِين وضربه ضربا كثيرا. وَفِيه اسْتَقر جلال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ فِي قَضَاء الْعَسْكَر بعد وَفَاة أَخِيه بدر الدّين مُحَمَّد.(5/254)
وَفِي تَاسِع عشرينه: نُودي على المماليك الظَّاهِرِيَّة وهدد من أُخْفِي أحدا مِنْهُم. وَنُودِيَ أَيْضا بسفر أجناد غَزَّة من الْقَاهِرَة إِلَيْهَا. وَفِي سلخه: أحضر حسام الدّين حسن بن باكيش مَمْلُوكا وبدوياً حضرا إِلَيْهِ من الكرك تجهيز الإقامات للْملك الظَّاهِر وملاقاته فسحنا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول شَوَّال: - وَهُوَ عيد الْفطر - نزل الْملك الْمَنْصُور وَصلى صَلَاة الْعِيد بالميدان وَحمل الْأَمِير قطلو أقتمر الْقبَّة على رَأسه. وَفِي ثالثه: أفرج عَن كريم الدّين بن مكانس بعد أَن حمل أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وانساق حَاصِل الْأَمِير منطاش على ثلاثماية ألف دِينَار وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار مصرية سوى الدَّرَاهِم وَغير مَا أنفقهُ. وَفِي خامسه: سُمّر الَّذين أحضرهما ابْن باكيش من الكرك وَنُودِيَ أَلا يُسَافر أحد إِلَى الْحجاز من الْخَاص وَالْعَام إِلَّا بِوَرَقَة فِيهَا إِذن الْأَمِير الْكَبِير منطاش. وَفِي سادسه: رُسم بسفر أَرْبَعَة آلَاف فَارس إِلَى غَزَّة وَأَرْبَعَة أُمَرَاء هم: أسنَدمُر اليوسفي وقُطلوبغا الصفوي ومنكلي بيه الأشرفي وتَمُر بُغا الكريمي وأُنفق فِي كل أَمِير ماية ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن العادلي فِي ولَايَة منوف وَعمر بن قادوس وَالِي أكوم الرُّمَّان وعزل عَليّ بن الْمُقدم. وَفِيه عين مائَة مَمْلُوك للسَّفر صُحْبَة أَمِير الركب إِلَى الْحجاز. وَفِي سابعه: خُلع بِحَضْرَة الْملك الْمَنْصُور على الْأَمِير منطاش وفوض إِلَيْهِ تَدْبِير الْأُمُور وَصَارَ أتابك العساكر. وعَلى قطلوبُغا الصفوي وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وعلىَ تمان تَمُر الأشرفي وَاسْتقر رَأس نوبَة النوب. وعَلى أسندمر بن يَعْقُوب شاه وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى ألطنبُغا الْحلَبِي وَاسْتقر دواداراً. وعَلى تكَا الأشرفي وَاسْتقر رَأس نوبَة. وَاسْتقر إلْيَاس الأشرفي أَمِير أخور بإمرة طبلخاناه وأرغون شاه السيفي رَأس نوبَة أَيْضا وتمُربغا المنجكي رَأس نوبَة رَابِعا وقطلوبغا الأرغوني أستاداراً وجقمق السيفي شاد الشَّرَاب خاناه. وَفِي ثامنه: خلع على الأميرَ تمّان تمر رَأس نوبَة لنظر المارستان المنصوري وعَلى الْأَمِير أَلْطنبغا وَفِيه بَطل أَمر التجريدة خوفًا من المماليك أَن يخامروا ويذهبوا إِلَى الْملك الظَّاهِر.(5/255)
وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير أيدكار الْعمريّ حَاجِب الْحجاب والأمير أصر حَاج بن مغلطاي حاجباً ثَانِيًا. وَفِيه استدعى الصاحب شمس الدّين عبد الله المقسي وَعرض عَلَيْهِ الْأَمِير الْكَبِير منطاش الوزارة وَنظر الْخَاص وأحضر التشريف ليلبسه فَامْتنعَ وَاعْتذر بِأَن يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ قد بطلت من ضَرَبان المفاصل وَكَانَ قد عصبهما وَلم يحضر إِلَّا مَحْمُولا فَقبل عذره وخلِّى عَنهُ. واستدعى الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وَقرر عَلَيْهِ مَال وخلع عَلَيْهِ بالاستمرار. وخلع أَيْضا على موفق الدّين أبي الْفرج نَاظر الْخَاص وألزم بِمَال يحملهُ. وَفِيه سُمر أَرْبَعَة من الْأُمَرَاء وهم: سودُن الرماح أَمِير عشرَة رَأس نوبَة وألطبغا أَمِير عشرَة. وأيران من الشَّام ووسطوا. وَفِي عاشره: أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام شاد الدَّوَاوِين. وَفِي حادي عشره: ضرب نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي محتسب الْقَاهِرَة عِنْد الْأَمِير الْكَبِير وألزم بِمَال يحملهُ. وَفِي ثَانِي عشره: أُعِيد سراج الدّين عمر إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وَفِيه حمل جهاز خوند بنت الْملك الْأَشْرَف وَأُخْت الْملك الْمَنْصُور إِلَى القلعة لتزف على الْأَمِير الْكَبِير منطاش - وَقد عقد عَلَيْهَا - فَكَانَ على خَمْسمِائَة حمال وَعشرَة قُطر بغال. وَمَشى الْحجاب والعسكر مَعَه فَخلع عَلَيْهِم كلهم. وَبنى عَلَيْهَا من ليلته واهتم للعرس اهتماماً زَائِدا. وعندما زفت إِلَيْهِ خوند علق بشربوشها دِينَارا زنته مِائَتَا مِثْقَال ثمَّ دِينَارا زنته مائَة مِثْقَال. وَفتح للقصر بَابا من الإسطبل بجوار بَاب السِّرّ. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد السلاوي الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عوضا عَن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ شيخ الحَدِيث. وَقدم الْبَرِيد بدوادار بزلار نَائِب دمشق الثائر بهَا وَمَعَهُ أَمِير أخر فسجنا. وَفِيه اسْتَقر تنكز الْأَعْوَر نَائِب حماة عوضا عَن طُغاي تمَرُ القبلاوي. وَأخرج عدَّة من الظَّاهِرِيَّة إِلَى قوص. وعزل عمر بن قُرُط عَن ولَايَة أسوان وَاسْتقر عوضه أَبُو درقة.(5/256)
وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْأُمَرَاء المقيمين. ممدينة قوص خَرجُوا عَن الطَّاعَة وقبضوا على الْوَالِي فندب إِلَى الخروجَ تمُربغا الناصري وبيرم خجا وأروس بغا من أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَثَمَانِية عشر أصبعاً وَلم يسمع بِمثل ذَلِك إِلَّا وَفِي ثَالِث عشرينه: قُبض على نور الدّين على الحاضري وضُرب وعُصر وسجق بِسَبَب تحدثه بمجيء كتب الْملك الظَّاهِر وَأَنه هُوَ الذى ينتصر. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِخُرُوج الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ نَائِب حلب عَن الطَّاعَة وَأَنه حَارب إِبْرَاهِيم بن قُطلو أَقتمُر أَمِير جاندار وَقبض عَلَيْهِ ووسطه - هُوَ وشهاب الدّين أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا الشَّافِعِي قَاضِي حلب - بعد أَن قَاتلُوهُ وَمَعَهُمْ أهل بانقوسا فَلَمَّا ظفر بهم قتل عدَّة كَبِيرَة مِنْهُم. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أق كَبك السونجة أَمِير علم بإمرة طبلخاناه. وَفِي خَامِس عشرينه اسْتَقر فِي نظر الْخَاص الْوَزير الصاحب كريم الدّين بن الغنبم عوضا عَن موفق الدّين أبي الْفرج. وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة موفق الدّين أَبُو الْفرج وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير حسام الدّين حسن بن باكيش نَائِب غَزَّة جمع العشير وَسَار لمحاربة الْملك الظَّاهِر. وَقدم الْبَرِيد بِقُوَّة شَوْكَة الْأُمَرَاء الخارجين بالصعيد فَخرج الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه فِي نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس وَسَار فِي ثامن عشرينه. وَفِي سادس عشرينه: أفردت بِلَاد من الْخَاص وتحدث فِيهَا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام فحنق من ذَلِك الصاحب كريم الدّين بن الغنام واستعفى فَقبض عَلَيْهِ وسجن بقاعة الصاحب منالقلعة، وَأخذ خطة بثلاثمائة ألف دِرْهَم فضَّة، وَقبض على بعض حَوَاشِيه.(5/257)
وَفِيه اسْتَقر أَمِير عَليّ بن القرماني فِي ولَايَة الجيزة وعزل قراجا العلاي. وَاسْتقر طشبغا القَشْتَمُري وَالِي دمياط. وَفِيه ورد الْخَبَر بِاتِّفَاق الْوُلَاة مَعَ الْأُمَرَاء بالصعيد. وَكَانَ من خبرهم أَنه لما اسْتَقر أَبُو درقة فِي ولَايَة أسوان سَار إِلَى ابْن قرط واتفقا على المخامرة وسارا إِلَى قوص وأفرجا عَن الْأُمَرَاء وعدتهم زِيَادَة على ثَلَاثِينَ أَمِيرا فِي عدَّة كَبِيرَة من المماليك. فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَمِير مبارك شاه نَائِب الْوَجْه القبلي - وَقد اجْتمع مَعَه نَحْو الثلاثمائة من الظَّاهِرِيَّة - وافقهم على المخامرة واستمال عرب هوارة وعرب ابْن الأحدب فواقوه واستولوا على الْبِلَاد. فَلَمَّا خرجت التجريدة الأولى من قلعة الْجَبَل انْتَهَت إِلَى أسيوط فَقبض عَلَيْهِم مبارك شاه وَأَفْرج عَمَّن كَانَ مَعَهم من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَخرج ابْن يَعْقُوب شاه كَمَا تقدم ذكره وَسَار فِي الشرق. وَفِي سَابِع عشرينه: أضيف نظر الْخَاص إِلَى الْوَزير موفق الدّين أبي الْفرج وَأَفْرج عَن الصاحب كريم الدّين بن الغنام وَاسْتقر فِي نظر الإسطبلات. وَفِيه عين خَمْسَة أُمَرَاء من مُقَدّمَة الألوف وثلاثمائة مَمْلُوك. ليسيروا إِلَى الكرك. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر أَمِير على بن المكَلَلْة فِي ولَايَة منفلوط وعزل مُحَمَّد أَشَقْتمر. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه. مِمَّن مَعَه وصل أخميم فلقبهم الخارجون عَن وَفِي سلخه: استدعى القَاضِي صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ - مفتي دَار الْعدْل - وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن بنت الميلق وخلع عَلَيْهِ فَنزل وَمَعَهُ الْأَمِير الدوادار والحجاب إِلَى الْمدرسَة الصالحية على الْعَادة وسر النَّاس بولايته. وَخرج الْأَمِير بلوط الصرغتمشي والأمير غَرِيب لكشف أَخْبَار الْملك الظَّاهِر.(5/258)
وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي ذِي الْقعدَة: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي. واستَقر قَاضِي الْقُضَاة سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاني خطيب الْجَامِع الْأمَوِي وَشَيخ الشُّيُوخ بِدِمَشْق وَاسْتقر موفق الدّين بن العجمي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن محب الدبن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشّحْنَة. وَاسْتقر بدر الدّين مَحْمُود السراي الكُلُسْتانى فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين الكفري. وَفِي ثالثه: توجه قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ إِلَى مَدِينَة مصر فِي موكب جليل على الْعَادة. وَفِي سادسه: حضر الْأَمِير حُسَيْن بن أخي قرط طَائِعا وَاعْتذر فَقبل عذره وخلع عَلَيْهِ لولاية وَفِي عاشره: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ فَكَانَ الْجمع موفوراً. وَفِي ثَانِي عشره: أحضر بالأمير مبارك شاه الكاشف مُقَيّدا فسجن بخزانة شمايل. وَفِي هدا الشَّهْر: كثرت الإشاعات وقويت الأراجيف وَاخْتلفت الْأَقْوَال فِي الْملك الظَّاهِر برقوق وَكَانَ من خَبره أَنه لما قتل الشهَاب بالكرك وَأنزل عوام الْبَلَد الْملك الظَّاهِر من قلعتها وَقَامُوا بخدمته أَتَتْهُ العربان وَصَارَ فِي طَائِفَة فَلم تَجِد أكَابِر مَدِينَة الكرك بدا من الْمُوَافقَة إِلَّا أَنهم قد سقط فِي أَيْديهم وخافوا سوء الْعَاقِبَة. فَلَمَّا كثر جمع الظَّاهِر عزم على الْخُرُوج من الْمَدِينَة وبرّز أثقاله. فَاجْتمع الْأَعْيَان عِنْد الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى المقيري قَاضِي الكرك وأحالوا الرَّأْي وخشوا من السلطنة بِمصْر فاتفقوا على الْقيام عَلَيْهِ وَقَبضه وإعلام أهل مصر بذلك وَأَنه لم يخرج إِلَّا باجتماع السُّفَهَاء مِنْهُم ليَكُون ذَلِك خلاصاً لَهُم من معرة معاداة الدولة. وبعثوا نَاصِر الدّين مُحَمَّد أَخا القاضى فأغلق بَاب الْمَدِينَة وَصَارَ الظَّاهِر وَقد حيل بَينه وَبَين أثقاله وَعَامة أَصْحَابه فَلَمَّا قَامَ. ليركب وَيخرج بلغه ذَلِك. وَكَانَ عَلَاء الدّين على - أَخُو القاضى - مبَاشر الْإِنْشَاء بالكرك فَكتب للظَّاهِر فِي مُدَّة خُرُوجه وخدمه. فَلَمَّا رأى مَا نزل بِالظَّاهِرِ عِنْدَمَا بلغه اتِّفَاق أهل الْمَدِينَة فِي بَيت أَخِيه على قبض الظَّاهِر حَدثهُ وقوّى جأشه وَسَار بِهِ حَتَّى وصل بَاب الْمَدِينَة فَإِذا بِهِ(5/259)
مغلوق وَأَخُوهُ نَاصِر الدّين قَائِم عِنْده فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى فتح الْبَاب وَخرج بِالظَّاهِرِ من الْمَدِينَة والتحق بِبَقِيَّة أَصْحَابه من المماليك الَّذين وصلوا اٍ ليه والعربان الَّتِى اجْتمعت عَلَيْهِ وأخلاط أهل مَدِينَة الكرك. فَأَقَامَ بالثنية خَارج الكرك يَوْمَيْنِ ورحل فِي ثامن عشْرين شَوَّال وَسَار بهم يُرِيد دمشق - وَبهَا الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز مُتَوَلِّي نيابتها - وَقد وصل إِلَيْهِ الْأَمِير ألْطُنْبغا الْحلَبِي الدوادار من مصر نَائِبا على حلب بِحكم عصيان كمشبغا الْحَمَوِيّ. فاستعدا لقِتَال الظَّاهِر وَتوجه إِلَيْهِمَا الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن باكيش - نَائِب غَزَّة - بعساكرها وعشيرها. وَأَقْبل الظَّاهِر. مِمَّن مَعَه فَخَرجُوا إِلَيْهِ وقاتلوه بشقحب - قَرِيبا من دمشق - قتالاً شَدِيدا كسروه فِيهِ غير مرّة وَهُوَ يعود إِلَيْهِم ويقاتلهم إِلَى أَن كسرهم وانهزموا مِنْهُ إِلَى دمشق. وَقتل مِنْهُم مَا ينيف على الْألف فيهم خَمْسَة عشر أَمِيرا وَقتل من أَصْحَابه نَحْو السِّتين وَمن أمرائه سَبْعَة. وَركب اً قفية المنهزمين فَامْتنعَ جَنتمُر بالقلعة وَتوجه بالقلعة وَتوجه من أُمَرَاء دمشق سِتَّة وَثَلَاثُونَ أَمِيرا وَمَعَهُمْ نَحْو الثلاثمائة وَخمسين فَارِسًا قد أثخنوا بالجراحات. وَأخذُوا نَائِب صفد وقصدوا ديار مصر. فَلم يمض غير يَوْم وَاحِد حَتَّى وصل ابْن باكيش بجمائعه فقاتله الظَّاهِر وهزمه وَأخذ جَمِيع مَا كَانَ مَعَه فقوي بِهِ قُوَّة كَبِيرَة. وَأَتَاهُ عدَّة من مماليكه وَمن أُمَرَاء الشَّام فَصَارَ فِي عَسْكَر كَبِير وَأَقْبل إِلَيْهِ الْأَمِير جِبْرَائِيل حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وأمير عَليّ بن وَنزل السُّلْطَان بوقوق على قبَّة يلبغا ظَاهر دمشق وَقد امْتنع أَهلهَا بهَا وبالغوا فِي تحصينها فحصرها وأحرق القبيبات وخربها وَأهْلك فِي الْحَرِيق خلقا كثيرا وجد أهل الْمَدِينَة فِي قِتَاله وأفحشوا فِي سبه وَهُوَ لَا يفتر عَن قِتَالهمْ فأمده الْأَمِير كمشبغا من حلب بِثَمَانِينَ فَارِسًا من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَأخْرج إِلَيْهِم الْأَمِير جَنتمُر خَمْسمِائَة فَارس من دمشق ليحولوا بَينهم وَبَين الظَّاهِر فقاتلوهم فكسرهم الظَّاهِرِيَّة واستولوا على جَمِيع مَا مَعَهم. وَأتوا إِلَى الظَّاهِر فَأقبل الْأَمِير نعير بعربانه يُرِيد محاربته فحاربه وكسره فَانْهَزَمَ عَنهُ وتقوى. مِمَّا صَار إِلَيْهِ فِي هَذِه الوقائع. وَصَارَ لَهُ برك ويرق بَعْدَمَا كَانَ بهيئة رثَّة لَا يكنه من الْمَطَر إِلَّا خيمة صَغِيرَة ومماليكه فِي أخصاص كل مِنْهُم هُوَ الذى يتَوَلَّى خدمَة فرسه بِنَفسِهِ.(5/260)
وَاسْتمرّ الظَّاهِر برقوق على حِصَار دمشق وقتال أَهلهَا فورد الْخَبَر بذلك إِلَى منطاش فِي خَامِس عشر ذى الْقعدَة فَتقدم فِي سَابِع عشره إِلَى الصاحب موفق الدّين أبي الْفرج بتجهيز الْملك الْمَنْصُور للسَّفر فَلم يجد فِي الخزائن مَا يجهزه بِهِ وَاعْتذر بِأَن المَال انتهب وتفرق فِي هَذِه الوقائع فَقبل ذَلِك واستدعى الْقُضَاة وَسَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ أَن يقْرضهُ مَال الْأَيْتَام فَامْتنعَ من ذَلِك ووعظه فَلم تنجح فِيهِ المواعظ وَختم فِي يَوْمه على موادع الْأَيْتَام وَكَانَت إِذْ ذَاك عامرة بالأموال. ورسم لحاجب الْحجاب وناصر الدّين بن قُرطُاى - نقيب وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد بكسرة ابْن باكيش وَأخذ الْملك الظَّاهِر جَمِيع مَا كَانَ مَعَه فَاشْتَدَّ اضْطِرَاب النَّاس وَكثر الإرجاف وَوَقع الِاجْتِهَاد فِي الْحَرَكَة للسَّفر وأزعج أجناد الْحلقَة. واستدعى الْأَمِير منطاش الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وقضاة الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام وأعيان أهل الْعلم فرتبوا صُورَة فتيا فِي أَمر الْملك الظَّاهِر وانفضوا من غير شَيْء. وَفِيه قدم الْبَرِيد بواقعة صفد وكَان من خَبَرهَا أَن مَمْلُوك من المماليك الظَّاهِرِيَّة - يعرف بيلبغا السالمي - أسلمه الْملك الظَّاهِر للطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك فرتبه خازنداره. وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن نفي الْمُقدم كَمَا تقدم ذكره فخدم يلبغا الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ شنكل الْمُقدم وَصَارَ دواداره الصَّغِير. فَلَمَّا قبض الناصري على شنكل خدم يلبغا عِنْد الْأَمِير قطلوبك النظامي صفد دواداراً وَسَار مَعَه إِلَى صفد فتحبب إِلَى النَّاس بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِم وملاطفتهم إِلَى أَن قدم إِلَى صفد خبر مسير الْملك الظَّاهِر من الكرك إِلَى دمشق. وجع النظامي الْعَسْكَر ليصير إِلَى نَائِب دمشق. وَقَامَ يلبغا فِي طَائِفَة من المماليك الَّذين استمالهم وَأَفْرج عَن الْأَمِير أينال اليوسفي الْأَمِير قجماس ابْن عَم الظَّاهِر وَنَحْو الْمِائَتَيْنِ من المماليك الظَّاهِرِيَّة من سجن صفد. ونادى بشعار الْملك الظَّاهِر يُرِيد الْقَبْض على النظامي. فَلم يثبت وفر من صفد فِي مملوكين فاستولى يلبغا. مِمَّن مَعَه على مَدِينَة صفد وقلعتها وَصَارَ الْأَمِير أينال قَائِما بِأَمْر صفد ووقف يلبغا فِي خدمته وَقد تقووا بثقل النظامي وبركة. فَلَمَّا ورد هَذَا الْخَبَر عظم اضْطِرَاب الْأَمِير منطاش وَزَاد قلقه وَكَثُرت قالة النَّاس وتوالت الْأَخْبَار ذَلِك.(5/261)
وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر الشريف بَكتمُر فِي ولَايَة البحرة وَنقل تمراز العلاي إِلَى كشف الْوَجْه البحري ورسم لَهما بِجمع عرب الْبحيرَة لقِتَال الظَّاهِر. وَفِيه قدم الْخَبَر بوصول نَائِب صفد ونائب حماة وَحمد بن بيدمر أتابك دمشق فِي تَتِمَّة خَمْسَة وَثَلَاثِينَ أَمِيرا وَجمع كثير من المماليك وَقد انْهَزمُوا من الظَّاهِر فرسم بدخولهم. وَفِيه استدعى الْخَلِيفَة والقضاة وَالْفُقَهَاء بِسَبَب الْفتيا فَكتب نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي - موقع الحكم - فتيا تَتَضَمَّن السُّؤَال عَن رجل خلع الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان وَقتل شريفاً فِي الشَّهْر الْحَرَام والبلد الْحَرَام وَهُوَ محرم واستحل أَخذ أَمْوَال النَّاس وَقتل الْأَنْفس وَجعلهَا عشر نسخ. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم سواق من سواقي الْبَرِيد وبدوي وبشرا منطاش بِأَن الظَّاهِر بعد مَا ملك دمشق كبس فِي اللَّيْل وهرب فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِمَا. وَفِيه رسم بِفَتْح سجن قديم بالقلعة وَقد ارتدم وسجن بِهِ عدَّة مماليك وسجن كثير مِنْهُم بأبراج القلعة وضيق عَلَيْهِم. وَفِيه وجدت ذخيرة بِالْقَاهِرَةِ فِي بَيت عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن المشرف أستادار جركس الخليلي فِيهَا سِتّمائَة ألف دِرْهَم وَنَحْو الْخمسين ألف دِرْهَم فَأَخذهَا الْأَمِير منطاش وَأخذ وَفِيه قدم الْأُمَرَاء والمماليك المنهزمون من الظَّاهِر وهم: قطلوبك النظامي نَائِب صفد وتنكز الْأَعْوَر نَائِب حماة وَمُحَمّد بن بيدمر أتابك دمشق ويلبغا العلاي أحد المقدمين بِدِمَشْق وأقباي الأشرفي نَائِب قلعة الْمُسلمين وَمن أُمَرَاء الطبلخاناة دمرداش الأطروش وَالِي الْوُلَاة وشكر اً حمد وجوبان الخاصكي وقطلوبغا جَبْجَق وجبرائيل. وَمن العشرينات أقبغا الوزيري وأزدمر الأشقَتمري وقُنُق الزيني ومنكلي بغا الناصري وبَمبغا وطومان وأقبغا الإينالي وَأحمد بن يانوق.(5/262)
وَمن العشراوات بيبغا العلاي وطغاي تمر الأشرفي ومصطفي البيدمري ويوسف الأطروش وأقتمر الأشقتمري وأرغون شاه - دوادار يلبغا المنجكي - وألطنبغا البيدمري وقر ابغا السيفي. وَمن أُمَرَاء صفد تغري بردي الأشرفي ومنجك الخاصكي وقجقار السيفي. وَمن أُمَرَاء حماة جَنتمُر الأسعردي وألطبغا المارديني وبكلمق الأرغوني وطيبغا القرمي وأسنبغا الأشرفي وحسين الأيتمشي. وَمن المماليك عدَّة مِائَتَيْنِ وَأحد وَعشْرين. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير قرقماس الطشتمري وَاسْتقر خازندارا على عَادَته. وَفِيه رسم على مباشري الْأُمَرَاء المنفصلين ليجهزوا الْأُمَرَاء المستجدين للسَّفر فَلم يسمع بِمثل هَذَا. وَفِيه نُودي أَن الْفُقَهَاء وَالْكتاب لَا يركب أحد مِنْهُم فرسا عَرَبيا وَأَن الْكتاب الْكِبَار أَرْبَاب الْوَظَائِف السُّلْطَانِيَّة وَكتاب الْأُمَرَاء يركبون البغال. وَفِيه أخذت أكاديش الحمالين الْمعدة للْحَمْل عَلَيْهَا وَأخذت خيرل الطواحين الْجِيَاد وتتبعت المماليك الجراكسة وطلبهم حُسَيْن وَالِي الْقَاهِرَة وَأَخذهم من كل مَوضِع فَقبض مِنْهُم على رجل شيخ يُقَال لَهُ يُلوا الأحمدي وَضرب وَأخذ مِنْهُ مبلغ خمسين ألف دِرْهَم فضَّة وَأَفْرج عَنهُ وَعَن طُرنطاي الخطيري وطولو بغا الأحمدي وَا قبغا البشتكي ومسافر لأجل أَن لكل مِنْهُم فِي مصر نَحْو السِّتين سنة. وَفِيه خشبت أيدى المماليك المسجونين وأرجلهم. وَفِي خَامِس عشرينه: اجْتمع الْأُمَرَاء وَأهل الدولة مَعَ الْأَمِير الْكَبِير منطاش وَاتَّفَقُوا على استبداد السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور وأثبتوا رشده بِحَضْرَة الْقُضَاة والخليفة. فرسم السُّلْطَان بتعليق الجاليش بالطبلخاناة ليعلم النَّاس بِالسَّفرِ إِلَى الشَّام وَأَفْرج عَن الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وَأمر بِعرْض أجناد الْحلقَة والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَنُودِيَ أَن الْعَامَّة لَا يركب أحد مِنْهُم فرسا أصيلاً وَأَن وَفِيه أحضرت نسخ الْفَتْوَى فِي الْملك الظَّاهِر وَزيد فِيهَا: واستعان بالكفار على(5/263)
قتال الْمُسلمين وَحضر الْخَلِيفَة المتَوَكل وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَولده جلال الدّين عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْعَسْكَر وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وَولي الدّين أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون الْمَالِكِي وسراج الدّين عمر بن الملقن الشَّافِعِي وعدة دون هَؤُلَاءِ بِالْقصرِ الأبلق من القلعة بِحَضْرَة الْملك الْمَنْصُور والأمير الْكَبِير منطاش وقدمت إِلَيْهِم الْفَتْوَى فكنبوا عَلَيْهَا بأجمعهم وَانْصَرفُوا. وَفِيه نُودي على أجناد الْحلقَة بِالْعرضِ وهدد من تَأَخّر مِنْهُم. وَفِيه كتب لعرب الْبحيرَة بالحضور للسَّفر مَعَ الْعَسْكَر إِلَى الشَّام. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير قُطلبوبغا الزيني أَمِير جاندار شَرِيكا لطوغان الْعمريّ. وَاسْتقر أَمِير حَاج بن مُغْلطاي الحاحب أستادار السُّلْطَان. وأنعم على كل من أرغون شاه السيفي وقطلوبغا السيفي بإمرة مائَة. وأنعم على الْأُمَرَاء القادمين من الشَّام بفرس بقماش ذهب وَخمسين ألف دِرْهَم فضَّة لكل أَمِير مائَة وَلمن عداهم من الْأُمَرَاء بأقبية مغرية. ورتب لَهُم اللَّحْم والجرايات والعليق وَفِيه أُعِيد مبارك شاه فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وخلع عَلَيْهِ. وَفِي سَابِع عشرينه: أخليت خزانَة الْخَاص بالقلعة وسدت شبابيكها وبابها وَفتح من سقفها وَفِي يَوْم السبت أول فِي ذِي الْحجَّة: قدم الْبَرِيد من الصَّعِيد بِأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد مَعَ الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه وَاقع الْأُمَرَاء الخارجين عَن الطَّاعَة بِمَدِينَة قوص وقبضوا عَلَيْهِم كلهم فدقت البشاير ثَلَاثَة أَيَّام بالقلعة. وَفِيه قبض على الصاحب كريم الدّين بن الغنام وألزم بِحمْل ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَخمسين فرسا. وَفِيه أنْفق على كل من الْأُمَرَاء الألوف مائَة ألف دِرْهَم فضَّة وعَلى كل من أُمَرَاء الطبلخاناة خَمْسُونَ ألف دِرْهَم. وَفِيه سد بَاب الْفرج - أحد أَبْوَاب الْقَاهِرَة - وخوخة أيدغمش وَغير ذَلِك. وَفِي ثالثه: قبض على مَتى بطرك النَّصَارَى وألزم بِمَال وَقبض على رَئِيس الْيَهُود وألزم بِمَال. فتقرر على البطرك مائَة ألف دِرْهَم وعَلى رَئِيس الْيَهُودِيّ خَمْسُونَ ألف دِرْهَم جبوها وَحملُوهَا.(5/264)
وَفِيه طلب الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي وألزم بِالْكِتَابَةِ على الْفَتْوَى فِي الْملك الظَّاهِر فَامْتنعَ فَضرب مائَة ضَرْبَة وسجن بالإصطبل. وَفِي رابعه: أفرج عَن ابْن غَنَّام. وَفِيه خرجت تجريدة إِلَى الصَّعِيد خوفًا منأخذ الْعَرَب الْأُمَرَاء المماليك الظَّاهِرِيَّة الْمَقْبُوض عَلَيْهِم. وَفِي سابعه: دقَّتْ البشائر لكذبة نمقت وهى أَن إينال اليوسفي سَار من صفد. مِمَّن مَعَه فقاتله أهل دمشق وقتلوه وجرح الْملك الظَّاهِر. وَفِي ثَالِث عشره: تولى الْأَمِير تمان تمر الأشرفي رَأس نوبَة عرض المماليك السُّلْطَانِيَّة وَكَثُرت فِي أَمر الظَّاهِر والأرجاف تَارَة بنصرته وَتارَة بهزيمته وتحدث كل أحد على مُقْتَضى غَرَضه. وَفِي خَامِس عشره: عرض الْأَمِير تمان تمر أجناد الْحلقَة مَنْ إقطاعه عِبْرَة أَرْبَعمِائَة دِينَار فَمَا فَوْقهَا وَعين جمَاعَة مِنْهُم للسَّفر وَجَمَاعَة لحراسة القلعة وَجَمَاعَة لحراسة الْقَاهِرَة وَجَمَاعَة لحراسة مصر وَعرض مقدمي المماليك وَعرض البحرية والمفاردة. وَفِيه برز الْأُمَرَاء الشاميون بِظَاهِر الْقَاهِرَة للتوجه إِلَى الشَّام. وَفِيه قبض على الْخَلِيفَة المخلوع زَكَرِيَّا وَأخذ مِنْهُ الْعَهْد الَّذِي عَهده إِلَيْهِ أَبوهُ بالخلافة وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه لَا حق لَهُ فِي الْخلَافَة. وَفِيه قدمت التجاريد من بِلَاد الصَّعِيد بالخارجين عَن الطَّاعَة فِي الْقُيُود فغرق جمَاعَة من المماليك فِي النّيل لَيْلًا وَأخرج بِسِتَّة من الْجب بالقلعة موتى. وَفِي سادس عشره: أحضر بالقادمين من الصَّعِيد مَعَ الْأَمِير أسندمر بن يَعْقُوب شاه إِلَى القلعة وهم: تمرباي الحسني وقرابغا الأبو بكري وبجمان المحمدي ومنكلي الشمسي وَفَارِس الصرغتمشي وتمربغا المنجكي وطوجي الحسني وقرمان المنجكي وبيبرس التمان تمرى وقراكسك السيفي وأرسلان اللفاف ومقبل الرُّومِي وطوغاي تمر الجركتمري وجرباش الشيخي وبغداد الأسعدي وَيُونُس الأسعردي وأردبغا العثماني وتنكز العثماني وبلاط المنجكي وقراجا السيفي وكمشبغا اليوسفي وأقبغا حطب وقرابغا المحمدي وَعِيسَى التركماني وَبِك بلاط السونجي فأوقفوا فِي الْقُيُود(5/265)
زَمَانا ثمَّ سجنوا. وَأَفْرج عَن جمَاعَة مِمَّن حضر وهم: قُنُق بيه اللالا وأقبغا السيفي وتمرباي الأشرفي وَعز الصرغتمشي وخلع عَلَيْهِم. وَأَفْرج أَيْضا عَن بك بلاط السونجي. وَفِيه سجن بخزانة الْخَاص الْأَمِير مَحْمُود والأمير أقبغا المارداني وأيدمر أَبُو زلطة وشاهين الصرغتمشي أَمِير أخور وجُمُق بن أيتمش وبطا الطولوتمرى وبهادر الأعسر وعدة كَبِيرَة من الْأُمَرَاء والمماليك. وَفِيه ألزم سَائِر مباشري الدَّوَاوِين بِأَن يحمل كل وَاحِد خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمن فرس وَقرر ذَلِك على الْوَظَائِف لَا على الْأَشْخَاص على أَن من كَانَ لَهُ عشر وظائف فِي عدَّة دواوين تحمل كل وَظِيفَة خَمْسمِائَة دِرْهَم فَنزل بِالنَّاسِ مَا لم يعهدوه فتوزعوا ذَلِك بعد أَن جبى مِنْهُم عدَّة خُيُول فجَاء جملَة الْحمل من المباشرين خيلاً وعينا ألف فرس. وَفِيه أحضر من ألزم بِالسَّفرِ من أجناد الْحلقَة وأعفوا من السّفر على أَن يحضر كل مِنْهُم فرسا جيدا فأحضروا خيولهم فَأخذ جيادها ورد مَا عَداهَا. وألزم من لم يحضر فرسا بِأَلف دِرْهَم عَن ثمن فرس فتضرروا من ذَلِك فاستقرت خَمْسمِائَة دِرْهَم جبيت مِنْهُم. وألزم رُؤُوس نوب الْحجاب بِحمْل كل مِنْهُم خمسين ألف دِرْهَم وعدتهم أَرْبَعَة ثمَّ اسْتَقر على كل وَاحِد أَرْبَعَة عشر ألف دِرْهَم حملهَا وَأَفْرج عَنهُ. وَفِيه أنْفق على مماليك الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير منطاش لكل وَاحِد ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشره: نزل الْملك الْمَنْصُور والأمير الْكَبِير منطاش من قلعة الْجَبَل بالعساكر إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. واستدعى قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ إِلَى الريدانية وألزم بِالسَّفرِ فَامْتنعَ وَسَأَلَ الإعفاء فأعفى. وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء على أَنه يعْطى مَال الْأَيْتَام وَيحمل من مَاله مائَة ألف دِرْهَم فضَّة ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر. وَفِيه اسْتَقر عبيد الله العجمي فِي قَضَاء الْعَسْكَر وعزل سراج الدّين عمر. وفيهَا اعتقل الْخَلِيفَة المخلوع زَكَرِيَّا والأمير سودن النَّائِب بقاعة الْفضة من القلعة. وَفِيه تقرر على سَائِر المماليك البحرية والمفاردة وَأَوْلَاد الْأُمَرَاء المقيمين بِالْقَاهِرَةِ(5/266)
- مِمَّن تعين لحفظها وَحفظ القلعة ومصر فِي مُدَّة غيبَة السُّلْطَان - خيولاً يحملونها إِلَى الريدانية وتقرر على موقعي الْإِنْشَاء أَيْضا خيولاً وعَلى بَقِيَّة أَرْبَاب الْوَظَائِف من المتعممين وأزعجوا بِسَبَب ذَلِك فَمنهمْ من قاد الْعشْرَة أرءوس وَمِنْهُم من قاد دونهَا على قدر مَا لزمَه كَمَا تقدم فِي الْكتاب فَاشْتَدَّ غم النَّاس وَكَثُرت حركاتهم وَنزل بهم مَا لم يرَوا مثله. وَفِي تَاسِع عشره: ركب الْأَمِير تُمان تَمُر رَأس نوبَة فِي عدَّة مماليك إِلَى الرميلة تَحت القلعة وَقبض على كل من رَآهُ رَاكِبًا على فرس من المتعممين وَغَيرهم وَأخذ خيولهم وَمضى بهَا إِلَى دَاره. وَفِيه اشْتَدَّ الطّلب على الأجناد وَغَيرهم بِسَبَب جباية الْخُيُول وأثمانها وَسلم كثير مِنْهُم للأمير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني - الْوَالِي - ليخلص ذَلِك مِنْهُم بالعقوبة وَفِيه نزل الْوَزير موفق الدّين أَبُو الْفرج والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام إِلَى خَان مسرور بِالْقَاهِرَةِ حَيْثُ مُودع الْأَيْتَام وأخذا مِنْهُ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم وألزم أَمِين الحكم بِالْقَاهِرَةِ أَن يحمل تَتِمَّة خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم وألزم أَمِين الحكم. ممصر أَن يحمل مائَة ألف دِرْهَم وألزم أَمِين الحكم بالحسينية أَن يحمل وَفِيه استدعى قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع إِلَى الريدانية بكرَة النَّهَار فأجلسوا فِي خيمة وَتركُوا بِغَيْر أكل إِلَى قريب الْعَصْر. ثمَّ طلبُوا إِلَى عِنْد السُّلْطَان فعقدوا عقده على خوند بنت أَحْمد بن السُّلْطَان حسن بِصَدَاق مبلغه ألف دِينَار وَعِشْرُونَ ألف دِرْهَم وعقدوا عقد الْأَمِير قطلوبغا الصفوي على ابْنة الْأَمِير أيدمر الدوادار. وَفِي عشرينه: رَحل طَلِيعَة الْعَسْكَر أَرْبَعَة أُمَرَاء وهم: أسندمر بن يَعْقُوب شاه والكريمي وثمان تمر رَأس نوبَة وقطلوبغا الصفوي. وَفِي ثَانِي عشرينه: رَحل الْأَمِير منطاش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء ثمَّ رَحل السُّلْطَان والخليفة والقضاة وَبَقِيَّة الْعَسْكَر وَقد أقيم نَائِب الْغَيْبَة بالقلعة الْأَمِير تكا وَمَعَهُ الْأَمِير دمرداش القشتمري وبالإسطبل الْأَمِير سرايَ تمُر وبالقاهرة الْأَمِير قُطلوبغا الْحَاجِب وَجعل أَمر الْعَزْل وَالْولَايَة إِلَى الْأَمِير سراي تمر. وَفِيه نقل الْأَمِير سودن النَّائِب إِلَى بَيت بالقلعة.(5/267)
وَفِيه ألزم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي بإحضار عشرَة أروس من الْخَيل. وَطلب من كل الْأُمَرَاء من المقدمين المقيمين عشرَة أروس وَمن كل أَمِير طبلخاناة أَرْبَعَة أروس وَمن كل أَمِير عشرَة فرسَان فَأخذ ذَلِك من الْجَمِيع. وكلب من سَائِر الْوُلَاة المستقرين بأعمال ديار مصر والمعزولين الْخَيل. وَقرر على كل وَاحِد مِنْهُم بِحَسب حَاله وَطلب من سَائِر الخدام الطواشية خُيُول ثمَّ أعفوا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن الكوراني فِي ولَايَة مصر مُضَافَة إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة فاستناب فِي مصر ابْن أَخِيه أَمِير عمر بن مَمْدُود. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة الجيزة عوضا عَن قرطاي التاجي بِحكم انْتِقَاله لكشف التُّرَاب بالجيزية. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر قُطلوبغا السيفي أَمِير حَاجِب ثَانِيًا عوضا عَن أَمِير حَاج ابْن مغلطاي. ورسم لفراج السيفي بإمرة عشرَة. وأنعم على كل من قراكسك وأرسلان اللفاف وَبِك بلاط السونجي بقباء بِفَرْوٍ وشق. وَفِيه قدم نجاب من الْحجاز بِمَوْت الطواشي مِثْقَال الساقي الزِّمَام ببدر. وَفِيه رَحل السُّلْطَان من العكرشا إِلَى بلبيس فتقنطر عَن الْفرس فتطير النَّاس من ذَلِك بِأَنَّهُ يرجع مقهوراً وَكَذَا كَانَ. وَفِي سلخه: سد الْأَمِير صراي تمر بَاب الْقصر الَّذِي بالإصطبل وسد شبابيك الشَّرَاب خاناة. وَانْقَضَت هَذِه السّنة وَالنَّاس فِي مصر وَالشَّام بشر كَبِير. وَاتفقَ أَيْضا فِي هَذِه السّنة. وُقُوع حَادِثَة عَظِيمَة بِبِلَاد خُرَاسَان وهى أَنه هبت بِمَدِينَة نيسابور ريَاح عَاصِفَة فِي شهر صفر ارتجت الأَرْض من شدَّة هبوبها وَحدثت زَلْزَلَة مهولة تحركت الأَرْض مِنْهَا حَرَكَة عنيفة حَتَّى كَانَ الْإِنْسَان وَغَيره يرْتَفع عَن مَوْضِعه قامتين وَأكْثر وَصَارَت الأَرْض تنْتَقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع فَلم يبْق شَيْء فِي(5/268)
جَمِيع أقطار الْمَدِينَة من الْبيُوت والأسواق والمدارس وَنَحْوهَا إِلَّا واهتز اهتزازاً عَظِيما وَاسْتمرّ الْحَال كَذَلِك إِلَى ضحوة نَهَار الْيَوْم الرَّابِع فسكنت الزلزلة وَأمن النَّاس واطمأنوا وَإِذا برِيح عَظِيمَة هبت فِي الْحَال ثمَّ تحركت الأَرْض أقوى مِمَّا تحركت قبل ذَلِك وانقلبت بِأَهْلِهَا فَصَارَ عاليها سافلها وَخَربَتْ الْمَدِينَة وَهلك أَهلهَا فَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا النَّادِر. وَسلم سكان الفوقانيات وَهلك سكان التحتانيات وَسلم قوم كَانُوا فِي بعض الحمامات وَقد خَرجُوا إِلَى الدهاليز فاحتوى من بَقِي من الأراذل على أَمْوَال من قد هلك من الأماثل وترأسوا بعدهمْ. ثمَّ بعد أشهر عمر من بَقِي عمارات بِالْقربِ من الْمَدِينَة الَّتِي هَلَكت وَعمِلُوا عاليها من الْخشب والخيام. وَمن غَرِيب مَا وَقع فِي هَذِه الْحَادِثَة أَن قَرْيَة انْتَقَلت من مَكَانهَا إِلَى مَكَان قَرْيَة أُخْرَى فَصَارَت فَوْقهَا بِحَيْثُ لم يبْق للَّتِي كَانَت أَولا أثر يعرف فَكَانَت بَين أهل القريتين عدَّة خصومات ومحاربات. وَاتفقَ أَيْضا أَن رجلا كَانَ فِي بَيته فَسقط الْبَيْت إِلَّا الْموضع الَّذِي فِيهِ الرجل فَإِنَّهُ لم يسْقط وَسلم الرجل. وَكَانَت امْرَأَة فِي الْحمام وَقد أخذت لقْمَة وَضَعتهَا فِي فمها فَسقط الْحمام عَلَيْهَا فَهَلَكت فِيمَن هلك فَلَمَّا نبش عَنْهَا وجدت واللقمة فِي فِيهَا لم تبلعها وَوَلدهَا فِي حضنها ومئزرها فِي وَسطهَا وَقد أدخلت إِحْدَى رِجْلَيْهَا فِي دَاخل الْحمام ورجلها الْأُخْرَى من خَارج لم تهمل حَتَّى تدْخلهَا بل هَلَكت قبل ذَلِك وَسلم مَعَ ذَلِك الْوَقَّاد فِي أتون الْحمام فَإِنَّهُ مِمَّن ألقته الأَرْض عَنْهَا فحدفته إِلَى الْعُلُوّ وَصَارَ بالبعد عَن مَوْضِعه فَسلم. وَقد اشْتهر عِنْد أهل نيسابور أَنَّهَا خربَتْ بالزلازل سبع مَرَّات فَكَانَت هَذِه الْمرة أشنع مِمَّا مضى لِأَنَّهَا تركت الْمَدِينَة عاليها سافلها. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَمَات فِي هَذِه السّنة عَالم كَبِير بالطاعون وَالسيف فَمِمَّنْ لَهُ ذكر من الْأَعْيَان:(5/269)
الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْأَمِير سيف الدّين قُطلو أَقتمُر العلاي أَمِير جاندار بحلب قَتله الْأَمِير كُمشبغا الْحَمَوِيّ وَقد عصى كمشبغا. وَقَامَ إِبْرَاهِيم بنصرة منطاش واستمال جمَاعَة وَحَارب كُمُشبغا فانتصر عَلَيْهِ ووسطه فِي شَوَّال. وَمَات شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن أبي الرِّضَا قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بحلب. ثار على كمشبغا نَائِب حلب وجع أهل بانقوسا وقاتله وظفر بهم كمشبغا وَقتل كثيرا مِنْهُم وفر ابْن أبي الرِّضَا فَأخذ قَرِيبا من المعرة. وَقتل وعمره زِيَادَة على أَرْبَعِينَ سنة. وَكَانَ إِمَامًا فِي عدَّة عُلُوم شهماً صَارِمًا مهاباً محباً للْحَدِيث وَأَهله. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن على الْمَعْرُوف بِابْن الْحلْوانِي الشَّامي الأَصْل الْمصْرِيّ الْوَاعِظ بِالْقَاهِرَةِ فِي عَاشر صفر وَلم يُر بعده من يعْمل المواعيد مثله فِي حسن أَدَائِهِ وَكَانَ لَا يعظ إِلَّا من كتاب. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي يزِيد بن مُحَمَّد وَيعرف بمولانا زَاده السرائي العجمي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشْرين الْمحرم بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة عُلُوم وَهُوَ أول من ولى درس الحَدِيث بالظاهرية المستجدة بَين القصرين. وَمَات الْأَمِير أرنبغا مقدم البريدية وَأحد أُمَرَاء العشراوات بِالْقَاهِرَةِ فِي صفر. وَمَات الْأَمِير تلكتمر أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وَكَاشف الجسور. مَاتَ بالطاعون فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير جركس الخليلي أَمِير أخور. قُتل فِي محاربة الناصري خَارج دمشق يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ مهاباً عَارِفًا خَبرا بالأمور حسن السياسة عَاقِلا خيرا. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بزلار الْعمريّ نَائِب دمشق. كَانَ من مماليك النَّاصِر حسن. رَبِّي مَعَ أَوْلَاده وتأدب وَمهر فِي الْكِتَابَة وشارك فِي الْعُلُوم سِيمَا الفلكيات وَعلم النُّجُوم. وَتقدم فِي الفروسية وأتقن أَنْوَاع الثقافة وَكَانَ ذكياً فطناً شجاعاً ولي نِيَابَة(5/270)
الْإسْكَنْدَريَّة وتنقل فِي الرتب. ثمَّ نفي إِلَى طرابلس. وَقدم مَعَ الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى الْقَاهِرَة وَولى نِيَابَة دمشق. ثمَّ قبض عَلَيْهِ واعتقل بقلعتها حَتَّى مَاتَ وَقد أناف على الْخمسين. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين حسن بن الْأَمِير عَلَاء الدّين على ابْن الْأَمِير سيف الدّين قَشْتمر أحد العشراوات. مَاتَ بالطاعون فِي الْقَاهِرَة. وَمَات الشَّيْخ حُسَيْن الخبَّاز الْوَاعِظ المعتقد. صحب الشَّيْخ ياقوت الشاذلي وتلقن مِنْهُ وَتزَوج ابْنَته وَترك بيع الْخبز وَانْقطع بزاويته خَارج الْقَاهِرَة وَجلسَ للوعظ فاشتهر وَصَارَ لَهُ عدَّة أَتبَاع حَتَّى مَاتَ فِي حادي عشْرين ربيع الآخر وَدفن بالقرافة وَمَات الْأَمِير سودن المظفري مقتولاً بحلب. وَكَانَ مشكوراً فِيهِ خير وبر ومحبة للْفُقَرَاء وملازماً لِلْعِبَادَةِ وَقلة الْكَلَام مَعَ الْمعرفَة وَأَصله من مماليك الْأَمِير قُطلوبُغا المظفري أحد أُمَرَاء حلب. وَبهَا نَشأ وترقى إِلَى أَن صَار خازندار الْأَمِير جرجي الإدريسى نَائِب حلب. ثمَّ صَار أحد الْحجاب وانتقل إِلَى نِيَابَة حماة ثمَّ ولي نِيَابَة حلب وعزل مِنْهَا وَصَارَ أتابك حلب إِلَى أَن قتل وَقد أناف على السِّتين. وَمَات الْأَمِير سراي الطَّوِيل الرَّحبِي أحد المماليك اليلبغاوية والأمراء الطبلخاناه. مَاتَ خَارج الْقَاهِرَة ثَالِث عشر ربيع الأول. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خير الإسكندري الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر رَمَضَان. نَشأ بالإسكندرية وبرع فِي الْفِقْه واشتهر بِحسن السِّيرَة فَطلب لقَضَاء الْمَالِكِيَّة بديار مصر وباشره أحسن مُبَاشرَة. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي فِي ثامن عشْرين ربيع الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشَّيْخ شرف الدّين عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن رَسُول ابْن أَمِير يُوسُف بن خَلِيل بن نوح الكراني التركماني الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالأشقر. قدم إِلَى الْقَاهِرَة واتصل بالأمير الْكَبِير برقوق وحظي عِنْده وَصَارَ يؤاكله فَلَمَّا ولي السلطنة رتبه إِمَامًا يؤم بِهِ فِي الصَّلَوَات. ثمَّ ولاه مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس وَقَضَاء الْعَسْكَر حَتَّى مَاتَ فِي رَابِع عضرين ربيع الآخر بالطاعون. وَمَات الْأَمِير أشقتمر المارديني نَائِب حلب مَاتَ بطالاً بالقدس.(5/271)
وَمَات علم دَار بن عبد الله الناصري بِدِمَشْق. وَكَانَ خيرا لَهُ مثار جميلَة بِمصْر وَالشَّام. وَمَات الطواشي سَابق الدّين مِثْقَال الجمالي الساقي زِمَام الدّور. كَانَ من خدام الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن فَلَمَّا حج نهب وأبيع فَاشْتَرَاهُ حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد فترقى فِي الخدم وَصَارَ من الجمدارية. ثمَّ ولى شدّ الأحواش. فَلَمَّا مَاتَ سَابق الدّين مِثْقَال الآنوكي نقل افتخار الدّين ياقوت الزِّمَام إِلَى تقدمة المماليك وَولى مِثْقَال هَذَا زِمَام الدّور عوضه ثمَّ صرف بمقبل الدوادري فسافر إِلَى الْحجاز وجاور بالحرمين حَتَّى مَاتَ ببدر لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بزلار أحد العشراوات. مَاتَ بالطاعون فِي الْقَاهِرَة. وَمَات الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر بن رسْلَان بن نصير البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي قَاضِي الْعَسْكَر فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشْرين شعْبَان وَدفن بمدرسة أَبِيه من حارة بهاء الدّين بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ مفتياً فِي عدَّة عُلُوم حاد المزاج مفرط الذكاء منهمكاً فِي اللَّذَّات الَّتِي تهواها النُّفُوس مُتَمَتِّعا بالجاه وَالْمَال. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين بن مَحْمُود بن عبد الله النَّيْسَابُورِي الْمَعْرُوف بِابْن أخي جَار الله الْحَنَفِيّ فِي سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى عَن قريب من خمسين سنة. ولي إِفْتَاء دَار الْعدْل ومشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء وعدة تداريس وَكَانَ خيرا. وَمَات الشَّيْخ منهاج الدّين العجمي فِي رَابِع عشر ربيع الأول. درس فقه الْحَنَفِيَّة بالجامع الطولوني وبمدرسة أم الْأَشْرَف. وَكَانَ قَلِيل الْعلم جدا لَا يزِيد فِي الدَّرْس على سَماع مَا يقْرَأ عَلَيْهِ. وَمَات الشَّيْخ محب الدّين أَحْمد السبتي المعتقد فِي الْعشْرين من صفر. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي وَالِي الْقَاهِرَة فِي الْمحرم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن عَليّ عرف بِابْن الْوَكِيل الشَّافِعِي الْمَكِّيّ بِالْقَاهِرَةِ فِي نصف صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين نوغاي أحد أُمَرَاء العشرينات وأمير علم.(5/272)
وَمَات القَاضِي تَاج الدّين ابْن ريشة نَاظر الدولة فِي سادس عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين يُونُس النوروزي الدوادار أَصله من مماليك الْأَمِير جرجي الإدريسي نَائِب حلب. وَاسْتقر من جملَة المماليك اليلبغاوية وَصَارَ دوادار الْأَمِير الْكَبِير أسندمر الأتابك. فَلَمَّا ملك الظَّاهِر برقوق جعله داودارا كَبِيرا. وَكَانَ أخص أمرائه حَتَّى خرج إِلَى محاربة الناصري وَانْهَزَمَ فَقتله عنقاء بن شطي أَمِير آل مرا قَرِيبا من خربة اللُّصُوص فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشْرين ربيع الآخر عَن نَيف وَسِتِّينَ سنة. وَكَانَ خيرا كثير الْمَعْرُوف صَاحب نسك من صَوْم كثير وَصَلَاة فِي اللَّيْل مَعَ وفور الْحُرْمَة وَقُوَّة المهابة والإعراض عَن سَائِر الْهزْل ومحبة أهل الْعلم وَالدّين وإكرامهم. وَله بِالْقَاهِرَةِ قيسارية وَربع وَله تربة بقبة النَّصْر وتربة خَارج بَاب الْوَزير ومدرسة خَارج دمشق وخاناً حليلاً خَارج غَزَّة وعدة أحواض سَبِيل بديار مصر وَالشَّام. وَمَاتَتْ خوند شقراء ابْنة الْملك النَّاصِر حسن زَوْجَة الْأَمِير أروس فِي ثامن عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير قرا مُحَمَّد صَاحب الْموصل قَتِيلا. وَمَات الْأَمِير زامل بن مهنا أَمِير آل فضل فِي السّنة الْمَذْكُورَة. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.(5/273)
فارغه(5/274)
(سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الِاثْنَيْنِ وديار مصر وَالشَّام من الْفُرَات إِلَى أسوان فِي غَايَة الِاضْطِرَاب وترقب الشَّرّ. وَفِي ثَانِيه: وصل السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور إِلَى مَدِينَة غَزَّة بعساكر مصر وجميعهم السلاخ أبدانهم وخيولهم. وَفِي سادسه: عدى الْأَمِير صراي تمر نَائِب الْغَيْبَة بَحر النّيل إِلَى بر الجيزة وأحاط بخيول النَّاس المرتبطة على البرسيم للربيع وَأَخذهَا كلهَا - وَلم يكن بِذَاكَ الْكَبِير - وأدخلها فِي الجشارات السُّلْطَانِيَّة. وتتبعت الْخُيُول فَأخذت خُيُول الْأُمَرَاء وَأَوْلَاد النَّاس وخيول عربان الْبحيرَة والغربية والشرقية. وَشرع الناشب فِي تجهيز الشّعير والزاد إِلَى الْعَسْكَر لغلاء السّعر مَعَهم. وَفِي سابعه: دقَّتْ البشائر بالقلعة وأبواب الْأُمَرَاء ثَلَاثَة أَيَّام لكذب أشاعوه من جمرار الْملك الظَّاهِر وتابعوا الإشاعات بفلك. ورسم بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا فِي ثامنه. وَفِيه اسْتَقر قُرُطاي التاجي فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن أَمِير حَاج بن أيدمر. وَفِي حادي عشره: قُبض على سِتَّة مماليك بالبرقية من الْقَاهِرَة وَقد لبسوا السِّلَاح وَأَعدُّوا عِنْدهم كثيرا من السِّلَاح فأقروا أَن مَعَهم جمَاعَة من مماليك نَائِب الْغَيْبَة ومماليك غَيره من الْأُمَرَاء قد اتَّفقُوا على أَنهم يثوروا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشره وَتَأْخُذ كل طَائِفَة أَمِيرا ويملكوا الإصطبل والقلعة. فَأمْسك الْأَمِير صراي تمر نَائِب الْغَيْبَة من مماليكه خَمْسَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَقبض الْأَمِير تكا على عشْرين وَقبض الْأَمِير مقبل أَمِير سلَاح على سَبْعَة. وَضرب الْجَمِيع فأقروا على جمَاعَة قبض مِنْهُم يُونُس من أُمَرَاء العشراوات وناصر البدري الأستادار وقطلوبك وفراج. وَنزل وَالِي الْقَاهِرَة حُسَيْن بن الكوراني والأمير قطلوبغا الْحَاجِب إِلَى الْحَار البيسرية بِالْقَاهِرَةِ وَبهَا أَخَوَات الْملك الظَّاهِر فأخفوا بيبرس ابْن أُخْت الظَّاهِر(5/275)
برقوق وأفحش حُسَيْن الْوَالِي فِي سبّ أَخَوَات الظَّاهِر وَبَالغ فِي إهانتهن وذم الظَّاهِر حَتَّى ألجأهن إِلَى الْخُرُوج حاسرات مَعَ الجنادرة يسحبن فِي طول الْقَاهِرَة حَتَّى قدم مرسوم نَائِب الْغَيْبَة بردهن من بَاب زويلة فَكَانَ هَذَا أعظم الْأَسْبَاب فِي هَلَاك حُسَيْن كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه اسْتَقر عمر بن خطاب فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي. وَفِي ثَانِي عشره: قلعت الزِّينَة. وَفِيه نزل قطلوبغا الْحَاجِب وفتش البيسرية فَلم يجد فِيهَا أحدا من المماليك الظَّاهِرِيَّة فَدخل الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق وفتش سَائِر بيُوت فقهائها فَلم يجد أحدا فَقبض على رجلَيْنِ من التُّجَّار الْعَجم أَحدهمَا خواجاً إِسْمَاعِيل وعملهما فِي الْحَدِيد وَسَار بهما إِلَى القلعة. وَفِيه ألزم أَرْبَاب المراكب أَلا يعدوا بفرس من بر الجيزة إِلَى بر مصر والقاهرة. وَفِيه نُودي على الممالك الظَّاهِرِيَّة أَن من أحضر مِنْهُم مَمْلُوكا أَخذ ألفي دِرْهَم. وَأما الْملك الْمَنْصُور والأمير منطاش فَإِن الْأَخْبَار أتتهما بِأَن الْأَمِير كُمُشبغا لم يزل يبْعَث من حلب يمد الْملك الظَّاهِر بالعساكر والأزواد والآلات وَغير ذَلِك حَتَّى صَار لَهُ برك كَبِير ثمَّ إِنَّه قدم لنصرته بعساكر حلب وَقَاتل مَعَه فجد الْملك الْمَنْصُور من غَزَّة فِي الْمسير وَبلغ ذَلِك الْملك الظَّاهِر فَترك قتال أهل دمشق وَأَقْبل نحوهم فَنزل الْعَسْكَر الْمصْرِيّ على قَرْيَة المليحة - وهى عَن شقحب بِنَحْوِ بريد - وَأَقَامُوا بهَا يومهم. وبعثوا كشافتهم فوجدوا الظَّاهِر برقوق على شقحب فَكَانَ اللِّقَاء يَوْم الْأَحَد رَابِع عشره وَقد وافاهم الظَّاهِر برقوق فَوقف الْأَمِير منطاش فِي الميمنة وَحمل على ميسرَة الظَّاهِر فَحمل أَصْحَاب ميمنة الظَّاهِر على ميسرَة الْمَنْصُور وبذل كل من الْفَرِيقَيْنِ جهده وَكَانَت حروب شَدِيدَة انْهَزَمت فِيهَا ميمنة الظَّاهِر وميسرته وتبعهم منطاش بِمن مَعَه وَثَبت الظَّاهِر فِي الْقلب وَقد انْقَطع عَنهُ خبر أَصْحَابه وأيقن بِالْهَلَاكِ. ثمَّ حمل على الْمَنْصُور بِمن بَقِي مَعَه فَأخذ الْمَنْصُور والخليفة المتَوَكل والقضاة والخزاين ومالت الطَّائِفَة الَّتِي ثبتَتْ مَعَه على الأثقال فأخذتها عَن أَخّرهَا وَكَانَت شَيْئا يخرج عَن الْحَد فِي الْكَثْرَة وَوَقع الْأَمِير قُجماس ابْن عَم الظَّاهِر فِي قَبْضَة منطاش وَمر فِي أثر المنهزمين(5/276)
حَتَّى وصل إِلَى دمشق وَبهَا يَوْمئِذٍ الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز فَقَالَ لَهُ: قد كسرنا برقوق وَفِي غَد يقدم الْملك الْمَنْصُور فَاخْرُج إِلَى ملاقاته. فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ واستعد وَخرج فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره والأمير منطاش وَمن مَعَه. وَأما الظَّاهِر وَأَصْحَابه فَإِن الْأَمِير كُمشبغا نَائِب حلب كَانَ مِمَّن انهزم على شَقْحب فتم فِي الْهَزِيمَة إِلَى حلب وَتَبعهُ الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني نَائِب الكرك وَمن بقى من عَسَاكِر حلب فاستولى عَلَيْهَا وَانْهَزَمَ أهل الكرك إِلَيْهَا فَلم يصلوا حَتَّى مرت بهم شَدَائِد. وَلم يتَأَخَّر مَعَ الظَّاهِر إِلَّا نَحْو الثَّلَاثِينَ وَقد تمزقت عساكره وعساكر مصر فَلم يقْصد إِلَّا الْمَنْصُور فَأَخذه بِمن مَعَه وجرح قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أَبى الْبَقَاء الشَّافِعِي وقاضي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن الطرابلسي الْحَنَفِيّ. وسلب النِّهَايَة جَمِيع الْقُضَاة والمتعممين مَا عدا قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله الْحَنْبَلِيّ فَإِنَّهُ كَانَ لم يركب وَقت الْحَرْب فَسلم من النهب هُوَ وَولده برهَان الدّين إِبْرَاهِيم. وَقتل خلق كثير. وَمضى بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَأَخُوهُ عز الدّين حَمْزَة وجمال الدّين مَحْمُود نَاظر الْجَيْش وشمس الدّين مُحَمَّد بن الصاحب موقع الْإِنْشَاء وتاج الدّين عبد الرَّحِيم - ابْن الْوَزير فَخر الدّين بن أَبى شَاكر صَاحب ديوَان منطاش فِي طَائِفَة كَبِيرَة إِلَى دمشق. ووقف الظَّاهِر تَحت العصائب السُّلْطَانِيَّة والمنصور والخليفة بجانبيه فتلاحق بِهِ عدَّة من أَصْحَابه. وَبَات ليلته على ظهر فرسه. ووكل بالمنصور والخليفة من يحفظهما وَهُوَ فِي قتل من خَالفه وَلم من غَابَ من أَصْحَابه أَو أطاعه من عَسْكَر مصر حَتَّى أصبح فِي نَهَار يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقد صَار فِي عَسْكَر كثيف. وَأَقْبل منطاش فِي عَالم كَبِير من عوام دمشق وعساكرها وَمن كَانَ مَعَه فدارت بَينه وَبَين الظَّاهِر فِي هَذَا الْيَوْم مُنْذُ شروق الشَّمْس إِلَى آخِره حروب لم يعْهَد بِمصْر وَالشَّام فِي هَذِه الأعصر مثلهَا وَبعث الله ريحًا ومطراً فِي وَجه منطاش وَمن مَعَه فَكَانَت من أكبر أَسبَاب خذلانه. وَلم تغرب الشَّمْس حَتَّى فني من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير من الفرسان والعامة. وَانْهَزَمَ منطاش إِلَى دمشق. وَعَاد الظَّاهِر إِلَى مَنْزِلَته فَأَقَامَ بهَا سَبْعَة أَيَّام. وعزت عِنْده الأقوات حَتَّى أبيعت البشماطة بِخَمْسَة دَرَاهِم فضَّة وأبيع الْفرس بِعشْرين درهما والجمل بِعشْرَة دَرَاهِم لِكَثْرَة الدَّوَابّ وَقلة الْعلف. ثمَّ طُلب من يَشْتَرِي الْجمال فَلم يُوجد وغنم أَصْحَاب الظَّاهِر أَمْوَالًا جزيلة اسْتغنى بِهِ مِنْهُم عدَّة بعد فَقرهمْ.(5/277)
وَفِي أثْنَاء إِقَامَته أَمر الظَّاهِر فَجمع كل من مَعَه من الْأَعْيَان وَأشْهد على الْمَنْصُور حاجي أَنه خلع نَفسه وَحكم بِتِلْكَ الْقُضَاة. ثمَّ بُويِعَ الظَّاهِر وَأثبت الْقُضَاة بيعَته. فولى الظَّاهِر الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الجرجاوي نِيَابَة صفد والأمير سيف الدّين قديد القَمطاي الكرك والأمير عَلَاء الدّين أقبغا الصَّغِير غَزَّة. ورحل الظَّاهِر فَأَتَاهُ عِنْد رحيله منطاش بعسكر الشَّام ووقف على بعد فاستعد الظَّاهِر إِلَى لِقَائِه فولى عَنهُ وَعَاد إِلَى دمشق. وَسَار الْملك الظَّاهِر عَن مَعَه يُرِيد ديار مصر وَبعث إِلَى غَزَّة يَأْمر مَنْصُور الْحَاجِب بِالْقَبْضِ على حسام الدّين حسن بن باكيش فَقبض عَلَيْهِ وَاسْتولى على غَزَّة. وَبعث بِابْن باكيش إِلَى السُّلْطَان الظَّاهِر برقوق فَضَربهُ بالمقارع وَهُوَ بالرملة. وَسَار الظَّاهِر إِلَى غَزَّة فَضَربهُ بهَا ضربا مبرحاً يَوْم دَخلهَا مستهل صفر. وَأما أَمر ديار مصر فَإِنَّهُ أشيع كسرة الظَّاهِر لمنطاش فِي رَابِع عشر الْمحرم يَوْم الْوَقْعَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام أستادار الْأَمِير منطاش قَرَّرَهُ فِي ذَلِك الْأَمِير صراي تمر وخلع عَلَيْهِ. وَفِي خَامِس عشره: أفرج عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين نَاصِر البدري وصُراي تمُر الشرفي وبييرس ابْن أُخْت الظَّاهِر فِي جمَاعَة أخر. وَفِيه قدم من الفيوم محْضر - يُقَال إِنَّه مفتَعل - بِأَن حَائِطا سقط على الْأُمَرَاء المحبوسين بالفيوم فَقَتلهُمْ وهم: تمُر باي الحسني وقرابغا الأبو بكري وطغاي تمر الجركتمري وَيُونُس الأسعردي وقازان السيفي وتنكز العثماني وأردبغا العثماني وَعِيسَى التركماني. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْمحمل والحاج وَكَانُوا ركباً وَاحِدًا. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم سواق بكتب مزورة تَتَضَمَّن أَن الْملك الْمَنْصُور ملك دمشق وفر الظَّاهِر فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام وَعمل الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وَلِيمَة عَظِيمَة وَأظْهر فَرحا زَائِدا فَلم يمش هَذَا على أَكثر النَّاس. وَفِي ثامن عشرينه: كثرت الإشاعات بكسرة منطاش واستيلاء الظَّاهِر على الْمَنْصُور والخليفة وَأَنه مُتَوَجّه إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول صفر: قدم الْبَرِيد من غَزَّة وعَلى يَده كتاب مفتعل بِدُخُول الْمَنْصُور دمشق وهرب الظَّاهِر. هَذَا والفتنة قَائِمَة بَين الْأَمِير صُراي تمُر نَائِب الْغَيْبَة وَبَين الْأَمِير تكا الْمُقِيم بالقلعة وكل مِنْهُمَا ينافس الآخر ويحترز مِنْهُ حَتَّى اشْتهر هَذَا.(5/278)
وَاتفقَ أَن الْأُمَرَاء والمماليك الَّذين سجنوا بخزانة الْخَاص من القلعة زرعوا بصلاً فِي قصريتين فخار وسقوه فنجب بصل إِحْدَى القصريتين وَلم ينحب الآخر فَرفعُوا القصرية الَّتِي لم ينحب بصلها فَإِذا هِيَ مثقوبة من أَسْفَلهَا وتحتها حجر يخرج من شقوق مَا بَينه وَبَين حجر آخر هَوَاء ففكوا الطَّاقَة ورفعوه فوجدوا تحتَه خلوا فَمَا زَالُوا حَتَّى اتَّسع وأفضى بهم إِلَى سرداب مَشوا فِيهِ حَتَّى صعدوا الأشرفية من القلعة. وَكَانَ منطاش قد سد بَابهَا الَّذِي ينزل مِنْهُ إِلَى الإسطبل فَعَاد الَّذين مَشوا فِي السرادب وأعلموا أَصْحَابهم فَقَامُوا بأجمعهم - وهم نَحْو الْخَمْسمِائَةِ رجل - وَمَشوا فِيهِ لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي صفر. هَذَا وَقد ترأس عَلَيْهِم الْأَمِير بطا الطولوتمري وحاولوا بَاب الأشرفية حَتَّى فتحوه فثار بهم الحرس الموكلون بِحِفْظ الْبَاب وضربوا مَمْلُوكا يُقَال لَهُ تمربغا قَتَلُوهُ فبادر بطا ليخرج فضربوه ضَرْبَة سقط مِنْهَا إِلَى الأَرْض. ثمَّ قَامَ وَضرب بِقَيْد الرجل صرعه وفر الْبَقِيَّة فَصَرَخَ المماليك صرخة وَاحِدَة وَخَرجُوا وَقد جعلُوا قيودهم سِلَاحا يُقَاتلُون بِهِ وَصَارَ الحرس يصيحون فِي هروبهم تكا يَا مَنْصُور فانتبه الْأَمِير صريتمر فَزعًا وَهُوَ لَا يشك أَن تكا ركب عَلَيْهِ ليأخذه واستخفه الْفَزع فَنزل من الإسطبل وَصَارَ إِلَى بَيت الْأَمِير قطلوبغا الْحَاجِب - وَكَانَ قَرِيبا من الإسطبل فَملك بطا الإسطبل واحتوى على مَا فِيهِ من قماش صراي تمر وأثاثه وَقبض على المنطاشية وَأَفْرج عَن المعوقين بِهِ وَأخذ الْخُيُول الَّتِي كَانَت هُنَاكَ وَأمر فحقت الكوسات حَرْبِيّا من نَحْو ثلث اللَّيْل الأول إِلَى أَن أصبح النَّاس يَوْم الْخَمِيس فَرَمَاهُمْ الْأَمِير تكا من الرفرف وَالْقصر وساعده الْأَمِير مقبل أَمِير سلَاح ودمرداش القَشْتَمُري بيمن مَعَهم. هَذَا وَقد تسامعت المماليك الظَّاهِرِيَّة وَخَرجُوا من كل مَكَان وَلَحِقُوا ببطا وبعثوا بهم! خزانَة شمايل بِالْقَاهِرَةِ وكسروا بَابهَا وأخرجوا من كَانَ فِيهَا من المماليك الظَّاهِرِيَّة واليلبغاوية ويخربهم. وكسروا أَيْضا سجني الديلم والرحبة وأفرجوا عَن المسجونين. فخاف الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وهرب. وَركب الْأَمِير صراي تمر والأمير قطلوبغا الْحَاجِب فِي جمع لقِتَال بطا وَأَصْحَابه فَنزل إِلَيْهِم وَقَاتلهمْ وَقد اجْتمع مَعَه من الْعَوام خلق كثير لمعاونته فخامر أَكثر من مَعَهُمَا وصاروا إِلَى بطا فانكسرا ودخلا إِلَى مدرسة حسن. فَلَمَّا رأى الْأَمِير تكا جمع بطا يزْدَاد وصُراي تمر قد انْكَسَرَ نزل من القلعة إِلَى الطبلخاناة وَرمى على بطا فَمضى طَائِفَة مِنْهُم وملكوا بَيت قطلوبغا الْحَاجِب ونقبوا مِنْهُ حَتَّى ملكوا الْمدرسَة الأشرفية ورموا على من فِي الطبلخاناة(5/279)
فَانْهَزَمُوا وملكوا الطبلخاناة وحاصروا مدرسة حسن وَكَانَ بهَا طَائِفَة من التركمان أعدهم منطاش لحفظها فسألوا الْأمان لشدَّة الرَّمْي عَلَيْهِم. بمكاحل النفط فَانْهَزَمَ عِنْد ذَلِك من كَانَ على بَاب القلعة من الرُّمَاة فسارت الظَّاهِرِيَّة إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء ونهبوها وَالنَّاس فِي الْقَاهِرَة مَعَ هَذَا فِي أَمن لم يَقع بهَا نهب وَلَا شَرّ مَعَ عدم من يحميها. وَلم يمض النَّهَار حَتَّى تجَاوز عدد الظَّاهِرِيَّة الأ! ف وأمدهم نَاصِر الدّين نَاصِر - أستادار منطاش - بِمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَأذن بطا لناصر الدّين مُحَمَّد بن العادلي أَن يتحدث فِي ولَايَة الْقَاهِرَة فَدَخلَهَا ونادى بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الظَّاهِر برقوق فسر النَّاس سيروراً زَائِدا بِزَوَال الدولة المنطاشية. وَفِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة - ثالثه -: سلم الْأَمِير تكا قلعة الْجَبَل إِلَى الْأَمِير سودن النَّائِب. وَفِيه أَقَامَ الْأَمِير بطا منجك المنجكي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن العادلي فَدَخلَهَا ونادى بالأمان. وَفِيه نزل الْأَمِير سودن النَّائِب من قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ تكا ودمرداش القَشْتَمري ومقبل السيفي إِلَى عِنْد الْأَمِير بطا فَقبض عَلَيْهِم وقيدهم. وَبَالغ فِي إكرام الْأَمِير سودن وَبَعثه إِلَى الْأَمِير صُراي تمر فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى كف عَن الرَّمْي. وَنزل هُوَ وقُطلوبُغا الْحَاجِب إِلَيْهِ فتكاثرت الْعَامَّة تُرِيدُ قتَلهما والأمير سودن يمنعهُم من ذَلِك أَشد الْمَنْع فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ ورجوهما رجماً مُتَتَابِعًا كَاد يهْلك الْجَمِيع فاحتاجوا إِلَى الرَّمْي بالنشاب عَلَيْهِم وضربهم بِالسُّيُوفِ فَقتل مِنْهُم جمَاعَة. وَصَارَ سودن بهما وبمن كَانَ مَعَهُمَا إِلَى الإسطبل فقيدهما بطا وسجنهما وَأمر بِمن فِي الْمدرسَة من الْمُقَاتلَة فأنزلوا كلهم وأذهب الله الدولة المنطاشية من مصر. وَركب الْأَمِير سودن النَّائِب وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة والمنادي بَين يَدَيْهِ يُنَادي بالأمان والاطمئنان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر. وَبعث إِلَى خطباء الْجَوَامِع فدعوا فِي خطة الْجُمُعَة. وَفِيه أفرج الْأَمِير بطا عَن الْخَلِيفَة المخلوع زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي وَسَائِر من كَانَ بالفلعة من المسجونين وتتبع المنطاشية. وَفِيه قدم أَحْمد بن شكير الْخَلِيل وأشاع فِي الْقَاهِرَة أَن الْملك الظَّاهِر قادم إِلَى الْقَاهِرَة.(5/280)
وَقدم أَيْضا جلبان العيسوي الخاصكي وَأخْبر برحيل الْملك الظَّاهِر من غَزَّة يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر فدقت البشائر وتخلق الظَّاهِرِيَّة بالزعفران. وَكتب بطا إِلَى السُّلْطَان يُخبرهُ بِمَا اتّفق لَهُم وَأَنَّهُمْ ملكوا ديار مصر وَأَقَامُوا الْخطْبَة باسمه واستولوا على القلعة والإسطبل وقبضوا على سَائِر الْأُمَرَاء المنطاشية. وبعثوا بِهِ الشريف عنان بن مغامس وَمَعَهُ أقبغا الطولو تمري الْمَعْرُوف باللكاش - أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة - فسارا لَيْلَة السبت رابعه. وَفِيه اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن منجك فَنزل الْقَاهِرَة بخلعته ونادى بالأمان وَالدُّعَاء للْملك الظَّاهِر وَكتب بطا إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال بإحضار المنطاشية والإفراج عَن الظَّاهِرِيَّة وتجهيزهم إِلَى قلعة الْجَبَل. وَفِيه طلب الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني إِلَى الإسطبل. فَلَمَّا حضر أَرَادَ المماليك الظَّاهِرِيَّة قَتله لقبيح مَا فعله فيهم فشفع فِيهِ الْأَمِير سودن النَّائِب. وَفِيه قبض على ألطبغا الطازي كاشف الجيزية وَقَيده وَاسْتقر الْأَمِير مبارك شاه عوضه. وَفِي خامسه: خلع بطا على الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وأعيد إِلَى ولَايَة الْقَاهِرَة وَأمره أَن يحصل المنطاشية كَمَا حصل الظَّاهِرِيَّة فَنَادَى: من أحضر مَمْلُوكا من الأشرفية أَو من مماليك منطاش فَلهُ كَذَا. وَفِيه قبض بطا على الْأَمِير قطلوبغا اللالا والأمير بيدمر شاد الْقصر والأمير بوري صهر منطاش والأمير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز وسجنهم بالقلعة. وَفِيه حُصنت القلعة والإسطبل ومدرسة حسن ومدرسة الْأَشْرَف تحصيناً زَائِدا ورتب الرُّمَاة والمقاتلة والنفطية حَتَّى ظن النَّاس أَن بطا يمْنَع الْملك الظَّاهِر من القلعة وَكثر الْكَلَام فِي هَذَا. وَفِيه أَمر الْأَمِير بطا فَخر الدّين بن مكانس نَاظر الدولة بِعَمَل السماط بالإسطبل فَصَارَت الْأُمَرَاء والمماليك بأجمعهم تحضر السماط فِي كل يَوْم عِنْد الْأَمِير بطا ورتب لَهُم على الدولة اللحوم وَغَيرهَا.(5/281)
وَفِيه أفرج بطا عَن الصارم بن بلرغي وَالِي القلعة وَأَعَادَهُ إِلَى ولَايَته. وَفِيه قدم الْأَمِير سيف الدّين بن مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي بِكِتَاب الْملك الظَّاهِر إِلَى الْأَمِير بطا بتجهيز الإقامات والإخبار بِمَا من الله عَلَيْهِ وَأَن يواصل الْأَخْبَار فِي كل يَوْم. وَفِي سادسه: حضر زيد بن عِيسَى العائدي وَأخْبر بتفصيل الْوَقْعَة. وَقدم الْبَرِيد من قطا بِكِتَاب الْمَالِك الظَّاهِر إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين الطشلاقي وَالِي قطيا بِحِفْظ الدَّرْب وَالْقَبْض على من انهزم وإعلامه بالنصرة على منطاش وفراره. وكل هَذَا وَلم تطمئِن النُّفُوس وَلَا ارْتَفع الشَّك بل كَانَ بطا يخْشَى أَن يكون هَذَا من مكايد منطاش وَهُوَ ينْتَظر جَوَاب كِتَابه. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير بُطا بالصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن مُحَمَّد بن وَفِي ثامنه: اسْتَقر بالأمير بَكتمُر الطرخاني فِي ولَايَة الأكونين عوضا عَن أبي بكر بن بدر وَاسْتقر بِأَحْمَد السيفي فِي ولَايَة قوص. وَفِيه قدم أقبغا اللكاش وَقد ألبسهُ الْملك الظَّاهِر خلعة سنية شقّ بهَا الْقَاهِرَة وَكتب على يَده كتابا إِلَى الْأَمِير بطا فتحقق النَّاس نصْرَة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر وَنُودِيَ فِي النَّاس بالأمان وَمن ظلم أَو قهر فَعَلَيهِ بالأمير بطا. وَفِيه قُبض على الْأَمِير حُسَيْن بن الكوراني وَقيد بِقَيْد ثقيل جدا ونهبت دَاره. وَاسْتقر الصارم عوضه فِي ولَايَة الْقَاهِرَة. وَفِي غده سلم إِلَى الصارم فَأَخذه فِي الْحَدِيد كَمَا تُؤْخَذ اللُّصُوص وضربه وعصره ثمَّ نقل من عِنْد الصارم الْوَالِي إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص - شاد الدَّوَاوِين - فعاقبه أَشد الْعقُوبَة. وَفِي تاسعه: قدم الْبَرِيد بِكِتَاب السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء والمماليك بِالسَّلَامِ عَلَيْهِم فتزايدت مسرات النَّاس بنصرة الْملك الظَّاهِر وَكثر فَرَحهمْ حَتَّى قل بَيت لم يداخل أَهله السرُور بذلك. وَفِيه قدم تاني بك - الْمَعْرُوف بتنم الحسني - من الْإسْكَنْدَريَّة المتوجه برسالة بطا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقد امْتنع نائبها من الإفراج عَن الْأُمَرَاء إِلَّا بِكِتَاب السُّلْطَان.(5/282)
وَفِيه ألزم الْفَخر بن مكانس نَاظر الدولة بتجهيز الإقامات السُّلْطَانِيَّة وتجهيز الشقق الْحَرِير وَفِيه قدم من دمياط الْأَمِير شيخ الصفوي وقُنُق باي السيفي ومقبل الرُّومِي الطَّوِيل وألطبغا العثماني وعبدون العلاي وطوجي الحسني وَأَرْبَعَة أخر. وَفِي عاشره: شدّ الْعَذَاب على حُسَيْن بن الكوراني وألزم بِمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَمِائَة فرس وَمِائَة لبس حَرْبِيّ. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر قطلو شاه - نَائِب وَالِي الجيزة - فِي ولَايَة الجيزة وَاسْتقر بوري القَلَنْجَقي فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية عوضا عَن قرطاي التاجي. وَقدم الْبَرِيد بنزول السُّلْطَان إِلَى الصالحية فَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه. وَفِي ثَانِي عشره: ورد مرسوم السُّلْطَان على حُسَيْن بن الكوراني بِعَمَل شَيْء من الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة ظنا أَنه مُسْتَمر على ولَايَة الْقَاهِرَة فَأمر الْأَمِير بطا بالإفراج عَنهُ فَخرج لسبيله. وَفِيه نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما فاهتم النَّاس فِي الزِّينَة وتناظروا فِي التفاخر بهَا رَغْبَة مِنْهُم فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة حَتَّى لم نعهد زِينَة نظيرها. وَفِي ثَالِث عشره: نزل السُّلْطَان بالعكرشا قَرِيبا من سرياقوس. الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد برقوق فِي بكرَة نَهَار يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر صفر نزل الْملك الظَّاهِر بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة فَخرج إِلَى لِقَائِه الْأَشْرَف مَعَ السَّيِّد على نقيب الْأَشْرَاف وَخرجت طوائف الْفُقَرَاء بصناجقها وَخرجت العساكر بلبوسها الحربية. وَكَانَت العساكر مُنْذُ خرج بطا وَأَصْحَابه لابسة السِّلَاح لَيْلًا وَنَهَارًا. وَخرجت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وَالنَّصَارَى بالإنجيل وَمَعَهُمْ شموع كَثِيرَة مشعلة. وَخرج من عَامَّة(5/283)
النَّاس رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وَعِنْدهم من الْفَرح وَالسُّرُور شَيْء زَائِد وهم يضجون بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان حَتَّى لقوه وَأَحَاطُوا بِهِ وَقد فرشت الشقق الْحَرِير من الترب إِلَى بَاب السلسة. فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا تنحى بفرسه عَنْهَا وَقدم الْملك الْمَنْصُور حاجي بن الْأَشْرَف حَتَّى مَشى بفرسه عَلَيْهَا وَمَشى بجانبه فَصَارَ كَأَن الموكب للمنصور فَوَقع هَذَا من النَّاس موقعاً عَظِيما وَرفعُوا أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ والابتهال لَهُ لتواضعه مَعَ الْمَنْصُور فِي حَال غلبته وقهره لَهُ وَأَنه مَعَه أَسِير وعد هَذَا من فضائله. وَصَارَت الْقبَّة وَالطير أَيْضا على رَأس الْمَنْصُور الْخَلِيفَة رَاكب بَين أَيْدِيهِمَا وقضاة الْقُضَاة بَين يَدي الْخَلِيفَة. فَإِذا تقدم الْفرس عَن شقة إِلَى أُخْرَى تناهبها الْعَامَّة من غير أَن يمنعهُم أحد. وَكَانَت الْعَادة أَن الشقق الْحَرِير لجمدارية السُّلْطَان لكنه قصد بفلك التحبب للعامة فَإِنَّهُ صَاحب كيد ودهاء. وَكَذَلِكَ لما نثر عَلَيْهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة تناهبه الْعَامَّة. وعندما وصل إِلَى بَاب القلعة نزل عَن فرسه وَمَشى رَاجِلا تجاه فرس الْمَنْصُور - وَهُوَ رَاكب - حَتَّى نزل فَأخذ يعضده وأنزله فَحسن هَذَا مِنْهُ إِلَى الْغَايَة. وَأخذ فِي الْمُبَالغَة فِي تَعْظِيمه ومعاملته. مِمَّا يُعَامل بِهِ الْأُمَرَاء سلطانهم إِلَى أَن أدخلهُ دَاره بالقلعة ثمَّ تفرغ لشأنه. واستَدعى الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة وَأهل الدولة وَهُوَ بالإصطبل. وجدد عقد السلطنة وتجديد التَّفْوِيض الخليفتي فَشهد بفلك الْقُضَاة على الْخَلِيفَة ثَانِيًا وأفيضت التشاريف الخليفتية على السُّلْطَان ثمَّ أفيضت التشاريف السُّلْطَانِيَّة على الْخَلِيفَة. وَركب السُّلْطَان من الإصطبل وَصعد القلعة وتسلم قصوره وَقد عَاد إِلَيْهَا حرمه وجواريه فحقت البشائر. واستمرت التهاني والأفراح بالقلعة ودور الأمواء وَأهل الدولة وَنُودِيَ بالأمان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان فسر النَّاس فِي هَذَا الْيَوْم مَسَرَّة كَبِيرَة جدا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: خلع السُّلْطَان على الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس نَاظر خلعة الدولة خلعة الِاسْتِمْرَار. واستدعى كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز صَاحب ديوَان الجيوش وَاسْتقر بِهِ فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري. وخلع على الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبى الْفرج وَاسْتقر بِهِ فِي الوزارة وَنظر الْخَاص. وَخرج الْبَرِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة بإحضار الْأُمَرَاء المسجونين بهَا.(5/284)
وَفِي سادس عشره: خلع على الامير حسام الدّين حُسَيْن بن الكورني وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص شاد الدَّوَاوِين خلعة الِاسْتِمْرَار. وأنعم على الْأَمِير بُطا بإمرة مائَة وَعين للدوادارية. وَاسْتقر الْأَمِير قرقماس الطشتمري أستاداراً. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز فِي صحابة ديوَان الْجَيْش. وَفِي سَابِع عشره: وصل الْأُمَرَاء من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى بر الجيزة فَبَاتُوا بِهِ وعدوا فِي ثامن عشره إِلَى القلعة وهم سَبْعَة عشر أَمِيرا: يلبغا الناصري وألطبغا الجوباني وألطبُغا الْمعلم وقرا دمرداش الأسعدي وَأحمد بن يلبغا الْعمريّ وقُرْدُم الحسني وسودُن بَاقٍ وسودُن الطُرنطاي وأقبغا المارداني وأقبغا الْجَوْهَرِي وكَشْلي القلمطاوي وبَجَاس النوروزي ومأمور القلمطاوي وألطُنبُغا الأشرفي ويُلبغا المنجكي وَيُونُس العثماني وألابغا العثماني فقبلوا الأَرْض وعادوا إِلَى مَنَازِلهمْ من غير أَن يُؤَاخذ أحد مِنْهُم بِفِعْلِهِ فعد هَذَا من جميل الْأَفْعَال. وَفِي تَاسِع عشره: أُعِيد الشريف جمال الدّين عبد الله الطاطبي إِلَى نقابة الْأَشْرَاف وَصرف الشريف عَليّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: جلس السُّلْطَان بالإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل من القلعة فِي الموكب السلطاني وَحضر أهل الدولة للْخدمَة على الْعَادة فأخلع على الْأَمِير سودن الفخري الشيخوني وَاسْتقر نَائِب السلطنة على عَادَته وعَلى الْأَمِير كُمشبغا الأشرفي الخاصكي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى الْأَمِير إينال اليوسفي وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر. وعَلى الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر أَمِير سلَاح. وعَلى الْأَمِير الجوباني وَاسْتمرّ رَأس نوبَة النوب. وعَلى الْأَمِير بطا وَاسْتقر دواداراً. وعَلى الْأَمِير طوغان الْعمريّ وَاسْتقر أَمِير جاندار. وعَلى الْأَمِير سودن النظامي وَاسْتقر وَالِي القلعة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما. وَفِي حادي عشرينه: أُعِيد نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف سراج الدّين عمر العجمي وَاسْتقر الْأَمِير بَكْلَمش العلاي أَمِير أخور وَسكن بالإسطبل السلطاني. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه: قرئَ عهد السُّلْطَان بدار الْعدْل وخلع على الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله وَكَانَ حَاضر الْقِرَاءَة. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن عِيسَى المقيري الكركي فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله. وَاسْتقر الْأَمِير سيف الدّين بدخاص السودوني - نَائِب صفد - حاجباً ثَانِيًا.(5/285)
وَفِي رَابِع عشرينه: قدم من دمياط جماعةُ محْتَفظ بهم كَانَ منطاش بَعثهمْ فِي بدر الْملح من جِهَة طرابلس - قبل وقْعَة شقحب - إِلَى غَزَّة خوفًا من أَخذهم فِي الْبر حَتَّى إِذا وصلوا غَزَّة ركبُوا الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُمْ كتب بقتل الْأُمَرَاء المسجونين عَن أخرهم. فَلَمَّا وصلوا غَزَّة بَلغهُمْ نصْرَة السُّلْطَان فَسَارُوا فِي الْبَحْر يُرِيدُونَ طرابلس فألقاهم الرّيح بدمياط فسجنوا. وَفِي سادس عشرينه: قبض على حُسَيْن بن الكورا وعُذب. وَفِيه عرض السُّلْطَان المماليك. وَفِيه قدم الْبَرِيد من صفد بفرار الْأَمِير طُغاي تمر القبلاوي من دمشق إِلَى حلب فِي مِائَتَيْنِ من المنطاشية. وَقدم مِنْهُم إِلَى صفد ثَلَاثمِائَة مَمْلُوك وَشَكوا من سوء حَال أهل دمشق بمنطاش. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن على الأستادار مشير الدولة. وَفِيه سلم الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس إِلَى الْأَمِير بَكْلمش أَمِير أخور فَضَربهُ بالمقارع وألزمه. مِمَّا أَخذ من دواوينه فِي أَيَّام الناصري وَأطْلقهُ بعد مَا ضمن عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرينه: جلس السُّلْطَان بالميدان تَحت القلعة للنَّظَر فِي الْمَظَالِم وَالْحكم بيِن النَّاس على عَادَته فهرع النَّاس إِلَيْهِ وَأَكْثرُوا من الشكايات فَكثر خوف الأكابر وفزعهم وترقب كل مِنْهُم أَن يشتكي إِلَيْهِ.(5/286)
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس ربيع الأول: قدم الْأَمِير أَسْبُغا التاجي وَنَحْو الْعشْرين مَمْلُوكا وَمَعَهُمْ عدَّة من المباشرين فروا من دمشق. وَفِي حادي عشره: هرب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس عِنْدَمَا طلب فَلم يُوقف لَهُ على خبر فَأخذ كثير من أَقَاربه وحواشيه وَقبض على أَخَوَيْهِ فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن نَاظر الدولة وزين الدّين نصر الله. وَفِي ثَانِي عشره: اسْتَقر نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ فِي حسبَة مصر عوضا عَن همام الدّين. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن تَاج الدّين بهْرَام الْحِمْيَرِي. وَفِيه اسْتَقر سعد الدّين أَبُو الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى - الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب السَّعْدِيّ - فِي نظر الْخَاص عوضا عَن صَاحب موقف الدّين وَانْفَرَدَ الْمُوفق أَبُو الْفرج بالوزارة. وَفِيه عزل شرف الدّين مُحَمَّد بن الدمامني عَن حسبَة الْإسْكَنْدَريَّة بِجَمَال الدّين بن خلاص. وَنقل الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن عُصْفُور الشَّامي الْمكتب من توقيع الدرج إِلَى توقيع الدست. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا الجوباني - رَأس نوبَة النوب - فِي نِيَابَة دمشق والأمير سيف الدّين قرا دمرداش الأسعدي نَائِب طرابلس ورسم لَهما بمحاربة منطاش. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ الكركي كَاتب السِّرّ فِي نظر الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة المستجدة وَفِي ثامن عشرينه: طلب الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وفخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس إِلَى الْقصر السلطاني وَضَربا بالمقارع فَضرب ابْن الغنام سَبْعَة شيوب وَضرب ابْن مكانس نَحْو الْخمسين شيباً. وَفِي يَوْم السبت أول ربيع الآخر: اسْتَقر الْأَمِير مَأْمُور القلمطاوي فِي نِيَابَة حماة وأرغون العثماني فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وألابغا العثماني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وأسندَمُر السيفي حَاجِب الْحجاب بطرابلس.(5/287)
وَفِيه أنعم على كل من: ألطبغا الأشرفي وسودُن بَاقٍ وبجْمان المحمدي بإمرة فِي دمشق ورسم أَن يخرجُوا مَعَ النواب. وَفِي ثالثه: اسْتَقر شرف الدّين مَسْعُود فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي. وَفِي رابعه: اسْتَقر الشريف عنان بن مغامس الحسني شَرِيكا لعَلي بن عجلَان فِي إِمَارَة مَكَّة. وَفِي ثامنه: اسْتَقر جمال الدّين عبد الله السكسيوي المغربي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي عاشره: قدم جمَاعَة من المنطاشية فارين من دمشق. وَفِي سادس عشره: قبض على الْوَزير موفق الدّين أَبُو الْفرج. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر فِي الوزارة سعد الدّين سعد الله بن البقري وَاسْتقر الصاحب علم الدّين عبد الْوَهَّاب سنّ إبرة فِي نظر الدولة بمفرده عوضا عَن الْفَخر ابْن مكانس وشمس الدّين بن الرويهب. وَفِي ثامن عشره: عُوقِبَ الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفرج. وَفِي عشرينه: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الله بن الصاحب سعد الدّين سعد الله بن البقري فِي نظر الْبيُوت مَعَ مَا بِيَدِهِ من اسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض على الْأَمِير يدكار الْعمريّ وسُربغَا الظَّاهِرِيّ وتلَكتمُر الموادار وطاش بغا الحسني وقرا بُغا وأرغون الزيني. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير الدّين جُلْبان الكمشبغاوى رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن حسن خجا بعد وَفَاته. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن تجريدة خرجت من دمشق المحاصرة صفد مَعَ الْأَمِير قطلوبغا الصفوي فَدَخَلُوا بأجمعهم فِي الطَّاعَة وتوجهوا إِلَى مصر فدق البشائر بالقلعة.(5/288)
وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْحَاج عبيد بن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي الهويدي نقيب الجوندارية فِي مُقَدّمَة الدولة عوضا عَن الْمُقدم عبيد البازدار شَرِيكا للمقدم ثُنيتين وَلبس عبيد البزدار وَفِيه قتل ابْن سبع الَّذِي كَانَ شهد عَلَيْهِ بالْكفْر قَتله بعض عبيده بالحمام فأوقع الْأَمِير قرقماس الأستادار الحوطة على موجوده فَوجدَ لَهُ من النَّقْد ألف ألف وَسِتُّونَ ألف دِرْهَم مَا بَين ذهب وَفِضة وفلوس وَوجد لَهُ من الْجمال وَالْبَقر والجاموس والأغنام ثَمَانُون ألف رَأس غير عدَّة دواليب. وَفِيه خلع على الْأَمِير يلبغا الناصري وَاسْتقر مقدم العساكر المتوجهة لقِتَال منطاش وخلع على نواب الشَّام خلع السّفر وأنعم على جمَاعَة بإمريات فِي الشَّام ورسم لجَماعَة من أُمَرَاء مصر للسَّفر مَعَ النواب وألزم من لَهُ إقطاع فِي شَيْء من بِلَاد الشَّام بِالسَّفرِ مَعَ الْعَسْكَر. وَفِي عاشره: برزت أطلاب نواب الشَّام والأمراء إِلَى الريحانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْأَمِير قطلوبغا الصفوي. بِمن مَعَه فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن منطاش لما بلغه مخامرة الصفوي وَمن مَعَه قبض على الْأَمِير جنتمر أخي طاز وَولده وألطبغا أستاداره أَحْمد بن جرجي وَأحمد بن جبجق وكمشبغا المنجكي نَائِب بعلبك وشهاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي قَاضِي دمشق وعَلى عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان وَا ن طرنطاي بن ألجاي قدم فِي سبعين فَارِسًا إِلَى صفد رَاغِبًا فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة. وَفِيه قدم زِيَادَة على عشْرين من مماليك الْأَمِير يلبغا الناصري فارين من دمشق. وَقدم الْبَرِيد بِأَن منطاش أَخذ بعلبك بعد أَن حاصرها مُحَمَّد بن بيدمر أَرْبَعَة أشهر وَأَنه وسط ابْن حَنش وَأَرْبَعَة مَعَه. وَفِي ثَانِي عشرينه: توجه الشريف عنان إِلَى مَكَّة وَقد استخدم عدَّة أتراك.(5/289)
وَفِي ثامن عشرينه: ألزم شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ نَاظر الأحباس بِعَمَل حِسَاب الْأَمِير قجماس ابْن عَم الظَّاهِر فَإِنَّهُ كَانَ شَاهد ديوانه. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن على المشير فِي أستادارية السُّلْطَان على عَادَته عوضا عَن الْأَمِير قرقماس بعد وَفَاته. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول جُمَادَى الأولى: قدم الْبَرِيد من صفد بنزول إِبْرَاهِيم بن دُلغادر بجمائع التركمان على حلب وَأَنه كسر تمان تمر الأشرفي. وَفِي ثَانِيه: قدم رَسُول الْأَمِير مُحَمَّد شاه بن بيدَمُر مترامياً على السُّلْطَان يسْأَله الْعَفو عَنهُ فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وجُهز إِلَيْهِ أَمَان وتشريف. وَفِي ثامنه: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن الْأَمِير قَشتمر الأشرفي حضر على عَسْكَر من قبل منطاش فقاتله أهل صفد فانكسروا مِنْهُ ثمَّ إِن جمَاعَة من المنطاشية حَضَرُوا إِلَى صفد طائعين وقاتلوا مَعَ عَسْكَر صفد فَأنْكر قَشْتمُر وقُتل كثير مِمَّن مَعَه وَأخذت أثُقالهم. وَفِي ثَانِي عشره: عزل شمس الدّين مُحَمَّد الدَّمِيرِيّ عَن نظر الأحباس وَاسْتقر عوضه القَاضِي تَاج الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد المليجي. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين بن الرَّمْلِيّ فِي نظر الْأَسْوَاق. وَفِي رَابِع عشره: أنعم على الْأَمِير قطلوبغا الصفوي بإمرة مائَة وتقدمة ألف عوضا عَن الْأَمِير قرقماس الطَشْتَمُري وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سودن الطرنطاي. وَفِي سادس عشره: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن نواب الممالك لما وصلت بالعساكر إِلَى بحيرة قَلسَ حضر إِلَيْهِم ولد الْأَمِير نُعير وعدة من الْأُمَرَاء المنطاشية. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن منطاش لما بلغه قدوم العساكر برز من دمشق وَأقَام بقبة يلبغا ثمَّ رَحل نصف لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة بخواصه وهم نَحْو الستمائة فَارس وَمَعَهُ نَحْو السّبْعين حملا مَا بَين ذهب ودراهم وقماش وَتوجه نَحْو قارا والنبك بعد أَن قتل المماليك الظَّاهِرِيَّة والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المهمندار وَأَن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش خرج من سجنه بقلعة دمشق وَأَفْرج عَمَّن بهَا وَملك القلعة وَبعث إِلَى النواب يعلمهُمْ وسير كِتَابه إِلَى السُّلْطَان بذلك فَسَار النواب إِلَى دمشق(5/290)
وملكوها بِغَيْر حَرْب ففرح السُّلْطَان فَرحا زَائِدا وتخلق الْأُمَرَاء وَأهل الدولة وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة ومصر وَأَن تزين الْأَسْوَاق وَغَيرهَا. ودقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام بالقلعة وتباهى النَّاس فِي تَحْسِين الزِّينَة إِلَى الْغَايَة وأقامت الْقَاهِرَة ومصر مزينتين عشرَة أَيَّام. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد من دمشق بِثَلَاثَة عشر سَيْفا من سيوف الْأُمَرَاء المنطاشية الَّذين قبض عَلَيْهِم بِدِمَشْق. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْبَرِيد بِثمَانِيَة سيوف أَيْضا. وَفِيه أَمر النَّاس بتقوية الزِّينَة فبالغوا فِيهَا ونصبوا عدَّة قلاع تزيد على عشْرين قلعة وَكثر اللّعب وتوالت الأفراح وَأنْفق النَّاس مَالا كَبِيرا. وَفِيه قدم أَيْضا الْبَرِيد بسبعة سيوف مِنْهُم سيف الْأَمِير ألطنبغا الْحلَبِي وَسيف الْأَمِير دمرداش اليوسفي. وَذَلِكَ أَن منطاش كَانَ قد بعث بإحضْار عَسْكَر طرابلس لِيُقَاتل بهم العساكر المصرية فَقَبْل حُضُور عَسْكَر طرابلس فر من دمشق وَقدم الْعَسْكَر بعد ذَلِك من غير أَن يعلم بفراره فَقبض عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير مُحَمَّد بن أينال اليوسفي حضر إِلَى الطَّاعَة بِدِمَشْق وَمَعَهُ من عَسْكَر منطاش نَحْو المائتي فَارس وَأَن منطاش توجه إِلَى الْأَمِير نعير وَمَعَهُ عنقًا بن شطى أَمِير آل مرا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير نعير بن حيار قبض على منطاش فزينت القلعة ودقت البشائر ثمَّ تبين كذب هَذَا الْخَبَر. وَفِي سَابِع عشرينه: حضر الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم بِدِمَشْق وهم أرسلان اللفاف وقرا دمرداش وألطنبغا الجربغاوي وطنبرق رَأس نوبَة منطاش وأسنبغا الأرغون شاهي. فأفرج عَن أسنبغا وحُبس الْبَقِيَّة. وَفِي تَاسِع عشرينه: قُلِعت الزِّينَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي رَجَب: قدم عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى قَاضِي الكرك وَقد خرج الْأَعْيَان إِلَى لِقَائِه وَصعد إِلَى القلعة فَقَامَ السُّلْطَان عِنْد رُؤْيَته وَمَشى إِلَيْهِ وعانقه وَأَجْلسهُ وتحادثا سَاعَة. وَنزل إِلَى دَار أعدت لَهُ بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه أُخذ قاع النّيل فجَاء خَمْسَة أَذْرع وَثَمَانِية أَصَابِع.(5/291)
وَفِي ثَانِي عشره: حضر من دمشق بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ وجمال الدّين مَحْمُود القيصري نَاظر الجيوش وَنزلا فِي بيوتهما من غير أَن يجتمعا بالسلطان. وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى الكركي فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد أَحْمد بن أبي الْبَقَاء وَنزل بالتشريف فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر عَلَاء عَليّ بن الطبلاوي شاد المارستان المنصوري فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن الصارم وَاسْتقر علم الدّين سُلَيْمَان وَالِي القرافة فِي ولَايَة مصر عوضا عَن مُحَمَّد بن مُغلطاوي. وَفِي سادس عشره: دَار الْمحمل على الْعَادة فحجب الْوَزير الصاحب سعد الدّين سعد الله بن البقري قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي لخصوصيته بالسلطان وَلم تكن الْعَادة إِلَّا أَن الْوَزير يكون هُوَ صَاحب الموكب والقضْاة بَين يَدَيْهِ. وَفِيه اسْتَقر شرف الدّين مُوسَى بن الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى فِي قَضَاء الكرك عوضا عَن أَبِيه. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ لما انهزم من شقحب دخل حلب وَأقَام بهَا فَجهز إِلَيْهِ منطاش من دمشق - بعد توجه السُّلْطَان إِلَى ديار مصر - عسكراً عَلَيْهِ الْأَمِير تمانُ تمُر الأشرفي فَدخل إِلَيْهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ أهل بانقوسا وَقد امْتنع كُمُشبغا بالقلعة فحصره تمان تمر أَرْبَعَة أشهر وَنصف وأحرق الْبَاب والجسر ونقب القلعة من ثَلَاثَة مَوَاضِع فَنقبَ كُمشبغا أحد النقوب حَتَّى خرقه وَرمى على المقاتة من دَاخل النقب بمكاحل النفط واختطفهم بالكلاليب الْحَدِيد وَصَارَ يقاتلهم من النقب فَوق السّبْعين يَوْمًا وَهُوَ فِي ضوء الشمع بِحَيْثُ لَا ينظر شمسا وَلَا قمرا وَلَا يعرف اللَّيْل من النَّهَار إِلَى أَن بلغ تمان تمر فرار منطاش من دمشق فضعف وفر فثار عَلَيْهِ أهل بانقوسا ونهبوه. وَحضر حجاب حلب إِلَى الْأَمِير كمشبغا وأعلموه بذلك فعمر الجسر فِي يَوْم وَاحِد وَنزل وَقَاتل أهل بانقوسا يَوْمَيْنِ وَقد أَقَامُوا رجلا يعرف بِأَحْمَد بن الحرامي. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث وَقت الْعَصْر انْكَسَرَ أَحْمد بن الحرامي وقُبض عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه وَنَحْو الثَّمَانمِائَة من الأتراك والأمور والبانقوسية فوسطوا(5/292)
بأجمعهم وَخَربَتْ بانقوسا حَتَّى صَارَت دكا وَنهب جَمِيع مَا كَانَ بهَا وَأَن كمشبغا بَالغ فِي تحصين حلب وَعمارَة قلعتها وَأعد بهَا مُؤنَة عشر سِنِين. وَأَنه جمع من أهل حلب مبلغ ألف ألف دِرْهَم وَعمر سور مَدِينَة حلب وَكَانَ مُنْذُ خربه هولاكو خراباً فجَاء فِي غَايَة الإتقان وعَمَل لَهُ بَابَيْنِ وَفرغ مِنْهُ فِي نَحْو الشَّهْرَيْنِ وَبَعض الثَّالِث وَكَانَ أَكثر أهل حلب تعْمل فِيهِ وَا ن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن المهمندار والأمير طُغنجي نَائِب دوركي كَانَ لَهما بلَاء كَبِير فِي الْقِتَال لأهل بانقوسا. وَيُقَال إِنَّه قتل فِي هَذِه الْوَاقِعَة بحلب عشرات الآلاف من النَّاس حَيْثُ لم يُمكن عدهم لكثرتهم. وَفِيه أُلزم أَمِير حَاج بن مغُلطاي بِلُزُوم بَيته بطالاً. وَفِي ثامن عشره: خرج الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير كمشبغا من حلب. وَفِيه قدم الْأَمِير طغاي تمر القبلاوي نَائِب حماة. وَفِيه كثرت القالة بِأَن الْأَمِير بطا الدوادار يُرِيد إثارة فتْنَة فتحرز الْأُمَرَاء وَأَعدُّوا للحرب إِلَى أَن كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ: عشرينه جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل على الْعَادة وَصَارَ بعد انْقِضَاء الْخدمَة إِلَى الْقصر وَمَعَهُ الْأُمَرَاء فَتقدم الْأَمِير بطا وَقَالَ للسُّلْطَان: قد سَمِعت مَا قيل عني وَهَا أَنا وَحل سَيْفه وَعمل فِي عُنُقه منديلا كالمستسلم للْمَوْت فشكره السُّلْطَان وَسَأَلَ الْأُمَرَاء عَمَّا ذكره الْأَمِير بطا وَأظْهر إِنَّه لم يسمع شَيْئا من ذَلِك فَذكرُوا أَن الْأَمِير كُمشبغا رَأس نوبَة تنافس مَعَ الْأَمِير بَكْلَمش أَمِير أخور وَجرى أَيْضا بَين الْأَمِير بطا والأمير مَحْمُود الأستادار مخاشنة فأشاع النَّاس مَا أشاعوا فَجَمعهُمْ السُّلْطَان وحلفهم وَحلف المماليك أَيْضا وَطيب خواطر الْجَمِيع بلين كَلَامه ودهائه. وأحضر مَمْلُوك اتهمَ أَنه هُوَ الَّذِي أشاع الْفِتْنَة فَضرب ضربا مبرحاً وَسمر على جمل وَشهر ثمَّ سجن بخزانة شمايل فَلم يعرف لَهُ خبر. وَقبض على بَكْبُغا - أحد العشراوت - وَسمر وَشهر أَيْضا وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يَرْمِي الْفِتَن بَين الْأُمَرَاء. فسكنت الْفِتْنَة بعد أَن كَادَت الْحَرْب أَن تقوم. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن منطاش ونعيرا جمعا جمعا كَبِيرا من العربان والأشفية والتركمان وَسَارُوا لمحاربة النواب فَخرج الْأَمِير يلبغا الناصري والأمير ألطبغا الجوباني بالعساكر من دمشق إِلَى سليمَة. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْبَرِيد من طرابلس بِأَن ابْن أَيْمَان التركماني توجه إِلَى طرابلس من قبل منطاش فِي ثَمَانِيَة آلَاف فَارس، وحاصرها حَتَّى ملكهَا.(5/293)
وَفِي سلخه: رسم لأمير حَاج بن مغلطاي بِالْمَشْيِ فِي الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء فواظب الرّكُوب للْخدمَة. وَفِيه نفي تنكز بغا السيفي - كاشف التُّرَاب بالبهنسا - إِلَى قوص وَفِي ثَانِي شعْبَان: اجْتمع البَيْدَمُرية والطازية والجنتمرية فِي طوائف من الْعَامَّة بِدِمَشْق يُرِيدُونَ أَخذهَا فسرح الْأَمِير الْكَبِير أيتمش الطَّائِر من القلعة إِلَى سليمَة يعلم الْأَمِير يلبغا الناصري بذلك فَركب لَيْلًا فِي طَائِفَة من الْعَسْكَر وَقدم دمشق وَقَاتلهمْ وَمَعَهُ ألابغا العثماني حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق فَقتل بَينهمَا خلق كثير من الأتراك والعوام وكسرهم وَقبض على جمَاعَة ووسطهم تَحت قلعة دمشق وَحبس جمَاعَة وَقطع أَيدي سَبْعمِائة رجل وَعَاد إِلَى سليمَة. وافترقت جمائع منطاش وعساكر الشَّام ثَلَاث فرق وَتَوَلَّى الْأَمِير يلبغا الناصري محاربة الْأَمِير نعير فَكَسرهُ وَقتل جمعا من عربانه وَركب قفا نعير إِلَى مَنَازِله. وَحَارب الْأَمِير قرا دمرداش منطاش وَمن مَعَه من التركمان فَضرب كل مِنْهُمَا الآخر فَوَقَعت الضَّرْبَة بكتف منطاش جرحته وَقطعت أَصَابِع قرا دمرداش. وخامر جمَاعَة من الأشرفية على منطاش وصاروا فِي جملَة الْأَمِير ألطبغا الجوباني فَأحْسن إِلَيْهِم وقربهم فَلَمَّا وَقعت الْحَرْب اتّفق الأشرفية المذكورون مَعَ بعض مماليكه وقتلوه وقبضوا على الْأَمِير مَأْمُور ووسطوه وَقتلُوا الْأَمِير أَقْبُغا الْجَوْهَرِي وعدة من الْأُمَرَاء فَكَانَت حروباً شَدِيدَة قتل فِيهَا بَين الفرف الثَّلَاث خلق لَا يُحْصى عَددهمْ إِلَّا خالقهم - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ونهبت الْعَرَب والعشير جَمِيع مَا كَانَ مَعَ العسكرين. وَقدم الْبَرِيد بذلك فِي ثامنه وَأَن منطاش انْكَسَرَ فَأَقَامَ الأشرفية بدله ألطبغا الأشرفي. فَحَضَرَ منطاش من الْغَد وَأَرَادَ قَتله فَلم تمكنه الأشرفية من ذَلِك وَأَن الناصري لما رَجَعَ من محاربة نعير جع العساكر وَعَاد إِلَى دمشق ثمَّ خرج بعد يَوْمَيْنِ وأغار على آل عَليّ ووسط مِنْهُم مِائَتي نفس وَنهب كثيرا من جمَالهمْ وَعَاد إِلَى دمشق. وَفِي ثَانِي عشره: نُودي على المماليك والأجناد البطالين بالحضور لأخذ النَّفَقَة وَالسّفر لقِتَال نعير ومنطاش. وَفِي رَابِع عشره: طرحت الغلال على التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال وَتَفَرَّقَتْ الأعوان فِي طَلَبهمْ.(5/294)
وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير جبق السيفي خرج من دمشق لكشف أَخْبَار طرابلس فَأَخذه الْعَرَب وَحَمَلُوهُ إِلَى منطاش فَقتله وأنعم بإقطاعه على الْأَمِير سودن الطرنطاي. وَفِيه سَار الْأَمِير أَبُو يزِيد على الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير يلبغا الناصري دمشق عوضا عَن ألطنبغا الجوباني وَمَعَهُ التشريف ومبلغ عشْرين ألف دِينَار برسم النَّفَقَة فِي العساكر وَتوجه مَعَه الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الصُّوفِي لكشف الْأَخْبَار. وَفِي ثَالِث عشرينه: أنعم على الْأَمِير بجاس النوروزي بإقطاع سودن الطرنطاي. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بنزول نعير على سرمين ليقسم مغلها وَأَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن المهندار والأمير طُغنجي قاتلاه فِي عَسْكَر كَبِير من التركمان وَأهل حلب وأسروا وَلَده عليا فِي نَحْو المائتي رجل وَقتلُوا جمَاعَة كَبِيرَة وهزموه وَسَاقُوا أبنه وَأَصْحَابه إِلَى حلب فَقَتلهُمْ كمشبغا النَّائِب وسجن ابْن نعير وَجَمَاعَة. وَفِيه سَار الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري إِلَى الصَّعِيد ليحضر الْخَيل وَالْجمال وَالرَّقِيق وَغير ذَلِك من العربان وَأهل الْبِلَاد. وَفِي يَوْم السبت ثامن رَمَضَان: عزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص من شدّ الدَّوَاوِين وأُلزم بِحمْل مِائَتي ألف دِرْهَم فضَّة وَاسْتقر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن رَجَب بن كلفت. وَفِيه قدم الْبَرِيد من الصَّعِيد أَن ابْن التركية خرج على ابْن الحسام وَأخذ جَمِيع مَا حصَّله فَخرجت إِلَيْهِ التجريدة. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير ألطبغا الْمعلم نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن أرغون البجمقدار العثماني وَاسْتقر على بن غَلْبَك وَالِي منفلوط عوضا عَن أبي بكر ابْن الْكِنَانِي. وَفِيه قدم الْبَرِيد بنزول عدَّة مراكب للإفرنج على طرابلس فعندما أشرفوا على الميناء: بعث الله عَلَيْهِم ريحًا أغرقت مركبا وَفرقت الْبَقِيَّة وَكَانَت نَحْو السّبْعين فَردُّوا خائبين. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر مجد الدّين أَبُو الفدا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر الطرابلسي. وَنزل مَعَه الْأَمِير شيخ الصفوي الْقَائِم بالسعي لَهُ فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى(5/295)
الْمدرسَة الصالحية على عَادَة الْقُضَاة ثمَّ عَاد إِلَى مُعْتَكفه بِالْمَدْرَسَةِ الطيبرسية بجوار الْجَامِع الْأَزْهَر. وَلم يول أحدا من نواب الْحَنَفِيَّة وَلَا عُقّاد الْأَنْكِحَة وَوَعدهمْ إِلَى الْعِيد فثقل عَلَيْهِم ذَلِك. وَفِي الْعشْرين: مِنْهُ أُعِيد الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفرج إِلَى الوزارة وَقبض على ابْن البقري وَولده وأوقعت الحوطة على دورهما وَجَمِيع حواشيهما. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن الْأَمِير قَشْتَمُر الأشرفي الْحَاكِم بطرابلس من جِهَة منطاش سلمهَا من غير قتال وَأَن حماة وحمص أَيْضا استولت العساكر السُّلْطَانِيَّة عَلَيْهِمَا. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم مُحَمَّد بن على بن أَبى هِلَال بهدية أَبى الْعَبَّاس المتَوَكل على الله بن الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي يحيى بن أبي بكر بن أَبى حَفْص صَاحب تونس وَمَعَهُ كِتَابه يتَضَمَّن الهناء بِالْعودِ إِلَى المملكة فَخرج الْأَمِير مَحْمُود الأستادار إِلَى لِقَائِه بالجيزة وأُحضر بَين يَدي السُّلْطَان فِي سادس عشرينه فَأكْرمه السُّلْطَان وَأمر بِهِ فَأنْزل بدار ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مائَة دِرْهَم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول شَوَّال: قدم الْبَرِيد من حلب بِعَبْد الرَّحْمَن حَاجِب الْأَمِير نعير وَمَعَهُ كِتَابه يعْتَذر عَمَّا وَقع مِنْهُ وَيسْأل الْأمان فَكتب اٍ ليه الْأمان فَجهز إِلَيْهِ تشريف وتقليد بعوده إِلَى إمرة آل فضل على عَادَته. وَفِي ثَانِيه: قدم الْبَرِيد من دمشق بفرار منطاش عَن أَرض حلب وَمَعَهُ عنقاء بن شطي خوفًا على نَفسه من نعير وَأَنه توجه فِي نَحْو سَبْعمِائة فَارس من الْعَرَب أَخذهم على أَنه يكبس التركمان وَيَأْخُذ أَعْنَاقهم فَلَمَّا قطع الدربند أَخذ خُيُول الْعَرَب وَسَار إِلَى مرَعش وَترك الْعَرَب مَشاهُ فعادوا. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن الفرنج الَّذين مزقت الرّيح مراكبهم على طرابلس سَارُوا إِلَى إفريقية وحاصروا المهدية وَبهَا ولد أبي الْعَبَّاس صَاحب تونس فَكَانَت حروباً شَدِيدَة انتصر فِيهَا الْمُسلمُونَ على الفرنج وَقتلُوا كثيرا مِنْهُم.(5/296)
وَفِيه ضرب الْأَمِير ألطنبغا الجربغاوي بالمقارع على مَال أَخذه لجركس الخليلي وأعيد بعد الضَّرْب إِلَى السجْن بالبرج. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن أسَنْدَمُر اليوسفي وَجَمَاعَة من المنطاشية دخلُوا فِي الطَّاعَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: رَحل الْحَاج من بركَة الْحجَّاج وأميرهم عبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا الشمسي. وَحج الْأَمِير مُحَمَّد بن أَبى هِلَال الرَّسُول والفقيه مُحَمَّد بن عَرَفَة وَخلق كثير جدا وحملت خوند أم بيبرس وَهِي عَائِشَة أُخْت السُّلْطَان كسْوَة للحجرة النَّبَوِيَّة بالغت فِي تحسينها وعملت بَابهَا مطرزا بِالذَّهَب. وَلما وصل الْحَاج عجرود أَصَابَهُم عَطش شَدِيد بِحَيْثُ أبيعت قربَة المَاء بِنَحْوِ الْمِائَة دِرْهَم وَرجع كثير من الْحجَّاج. وَفِي سَابِع ذِي الْقعدَة: ركب السُّلْطَان للصَّيْد فِي بركَة الْحَاج وشق الْقَاهِرَة فِي عوده إِلَى القلعة من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة وَنزل عِنْد الْأَمِير بطا الدودار وَأقَام عِنْده دَاره سَاعَة. ثمَّ صعد إِلَى القلعة من يَوْمه فَكَانَ من الْأَيَّام المشهودة. ثمَّ ركب فِي عاشره إِلَى مطعم الطُّيُور خَارج الريدانية تَحت الْجَبَل الْأَحْمَر فَقدم عَلَيْهِ من مماليكه الَّذين كَانُوا بحلب نَحْو الْأَرْبَعين مَمْلُوكا. وَفِي سَابِع عاشره: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن منطاش سَار إِلَى عين تَابَ وَقَاتل نائبها نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شُهري وَأخذ الْمَدِينَة فَامْتنعَ ابْن شَهْري بقلعتها وكبسه لَيْلًا وَقتل سِتَّة من أمرائه وَنَحْو المائتي فَارس. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير مُحَمَّد شاه بن بيدمر فَلم يؤاخذه السُّلْطَان وأنزله عِنْد الْأَمِير وَحضر أَيْضا الْأَمِير أسندمر اليوسفي رَأس نوبَة منطاش فِي عمَّة من الْأُمَرَاء المنطاشية فَلم يؤاخذهم أَيْضا وخلع على أسندمر.(5/297)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْحجَّة: رسم الْأَمِير قرا دمرداش نَائِب طرابلس بنيابة حلب وجهزٍ إِلَيْهِ التشريف والتقليد على الْبَرِيد مَعَ الْأَمِير تنم الحسني. وَفِي خامسه: اسْتَقر إينال من خجا على فِي نِيَابَة طرابلس وَاسْتقر الْأَمِير أَقْبُغا الجمالي أتابك حلب والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سلار حَاجِب الْحجاب بحلب. وَكتب السولي بنيابة الأبلستين وجهزت الخلعة إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم عيد النَّحْر: خرج الْأَمِير تنبك المحمدي لإحضار الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ من حلب. وَفِي تَاسِع عشره: برز أينال - نَائِب طرابلس - إِلَى الريدانية وَسَار إِلَى طرابلس فِي ثَالِث عشرينه. وَفِيه سَار الْأَمِير تمربغا المنجكي بِمَال كَبِير ينْفق فِي عَسَاكِر الشَّام وتجهيزهم إِلَى عين تَابَ لقِتَال منطاش. وَفِيه نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر: لَا يركب أحد من المتعممين فرسا سوى الْوَزير وَكَاتب السِّرّ وناظر الْخَاص فَقَط وَمن عداهم فَإِنَّهُ يركب البغال وَأَن طحانا لَا يتْرك عِنْده فرسا صَحِيحا وَلَا وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحَاج ورخاء الأسعار مَعَهم وَأَنه لم يحضر حَاج الْيمن. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري وزيرًا عوض الْمُوفق أَبى الْفرج ورسم لَهُ بِإِعَادَة بِلَاد الدولة على قَاعِدَة الْوَزير شمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَألا يكون مَعَه مشير يُشَارِكهُ فِي التحدث وَالتَّصَرُّف بل ينْفَرد بِالْولَايَةِ والعزل وتنفيذ الْأُمُور وَأَن يستخدم جَمِيع الوزراء المنفصلين فِي المباشرات تَحت يَده فَخرج بتشريف الوزارة إِلَى قاعة الصاحب بالقلعة واستدعى بالوزراء المصروفين فقرر شمس الدّين المقسي فِي نظر الدولة وَعلم الدّين سنّ إبرة شَرِيكا لَهُ وَسعد الدّين بن البقري فِي نظر الْبيُوت وَاسْتِيفَاء الدولة وموفق الدّين أَبَا الْفرج فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة. وَقرر الفخري بن مكانس فِي اسْتِيفَاء الدولة شَرِيكا لِابْنِ البقري وركبوا فِي خدمته وَصَارَ ذَلِك دأبهم دَائِما وَلم يسمع بِمثل ذَلِك. وَمن العجيب أَن ابْن الحسام هَذَا كَانَ أَولا دوادار البقري أَيَّام كَانَ فِي نظر الْخَاص لَا يبرح لَيْلًا وَنَهَارًا قَائِما بَين يَدَيْهِ(5/298)
يصرف أمره وَنَهْيه كآحاد خدمه فَصَارَ ابْن البقري يقف بَين يَدي ابْن الحسام فِي وزارته هَذِه ويتصرف بأَمْره وَنَهْيه وَرُبمَا أهانه فسبحان محيل الْأَحْوَال. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أُعِيد نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص إِلَى شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب. وَاسْتقر ابْن رَجَب شاد دواليب الْخَاص عوضا عَن خَاله الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام. وَأصَاب الْحَاج فِي عودهم مشقات لسوء سيرة ابْن منكلي بغا ورذالته وفساده إِلَّا الركب الأول فَإِن أَمِيرهمْ بيسق الشيخوني أَمِير أخور كَانَ مشكور السِّيرَة وَمَعَ ذَلِك فَنزل بالجمال وباء كثير فِي كثير مِنْهُم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر مَاتَ أَمِير حَاج ابْن السُّلْطَان فِي ثامن جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة وَكَانَ أحد الْأُمَرَاء وَهُوَ صَغِير. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين أَقبغا الْجَوْهَرِي أحد اليلبغاوية مقتولاً فِي وقْعَة حمص عَن بضع وَخمسين سنة وَكَانَ عَارِفًا يذاكر بمسائل فقهية وَغَيرهَا مَعَ حِدة خلق وَسُوء مُعَاملَة. وَمَات الْأَمِير أردبغا العثماني أحد أُمَرَاء الطبلخاناه قَتِيلا. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطنبغا الجوباني قَتِيلا وَقد قَارب الْخمسين سنة وَكَانَ حشمًا فخوراً. وَمَات الْأَمِير تمر الأشرفي نَائِب قلعة بهنسا. وَمَات الْأَمِير تمرباي الأشرفي الحسني حَاجِب الْحجاب بديار مصر. وَمَات الْأَمِير جبق الكمشبغاوي أحد الْأُمَرَاء الألوف بديار مصر. وَمَات الْأَمِير حسن خجا رَأس نوبَة. وَمَات الْأَمِير طغاي تمر الجركتمري أحد أُمَرَاء الطبلخاناة. وَمَات الْأَمِير طولوبغا الأسعدي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات عِيسَى التركماني أحد العشراوات.(5/299)
وَمَات الْأَمِير قرابغا الأبو بكرى أَمِير مجْلِس. وَمَات الْأَمِير قرقماس الطشتمري فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير قازان اليرقشي أحد أُمَرَاء الطبلخاناة. وَمَات الْأَمِير مَأْمُور القلمطاوي حَاجِب الْحجاب وَأحد اليلبغاوية قتل على حمص وَهُوَ يَلِي نِيَابَة حماة. وَمَات الْأَمِير مقبل الطَّيِّبِيّ نَائِب الْوَجْه القبلي. وَمَات الْأَمِير يُونُس الرماح الأسعردي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير على سُلْطَان الطَّائِفَة الجعيدية بديار مصر مَاتَ فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى وَلم يقم بعده مثله. وَمَات الشَّيْخ المعتقد على المغربل فِي خَامِس جُمَادَى الأولى وَدفن بزاويته خَارج الْقَاهِرَة بحكر الزراق. وَمَات الشَّيْخ المعتقد مُحَمَّد الفاوي فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى وَدفن فِي خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات الأديب الشَّاعِر شمس الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأفلاقي الْمَالِكِي فِي سادس جُمَادَى الأولى. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الرفاء فِي سَابِع جُمَادَى الأولى.(5/300)
سنة ثَالِث وَتِسْعين وَسَبْعمائة أهل الْمحرم يَوْم الْجُمُعَة. فَفِي ثَانِيه: عزل السُّلْطَان أَكثر وُلَاة أَعمال مصر ورسم أَلا يولي أحد مِمَّن بَاشر الْولَايَة وَأَن يُعين الْأَمِير سودن النَّائِب جمَاعَة من مقدمي الْحلقَة فأحضر مقدمي الْحلقَة وَاخْتَارَ مِنْهُم ثَلَاثَة وهم: شاهين الكلفتي اسْتَقر فِي الغربية وطرقجى فِي ولَايَة البهنسا وقجماس السيفي فِي المنوفية وأخلع عَلَيْهِم فِي رابعه. وَفِي سادسه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن الْأَمِير يلبغا الناصري تنافس هُوَ والأمير الْكَبِير أيتمش فأظهر الْخُرُوج عَن الطَّاعَة وَلبس السِّلَاح وألبس حَاشِيَته. ونادى بِدِمَشْق من كَانَ من جِهَة منطاش فليحضر فَصَارَ إِلَيْهِ نَحْو الْألف ومائتي فَارس من المنطاشية فَقبض عَلَيْهِم كلهم وسجنهم وَكتب إِلَى السُّلْطَان يُعَرِّفه بذلك فَأَجَابَهُ بالشكر وَالثنَاء. وَفِي سادس عشره: قُبض على الصاحب موفق الدّين أبي الْفرج وألزم بِحمْل سِتِّينَ ألف دِرْهَم وقُبض على الصاحب علم الدّين سنّ إبرة وأُلزم بِعشْرين ألف دِرْهَم وعَلى الصاحب سعد الدّين بن البقري وألزم بسبعين ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشره: ولي شيخ الحَدِيث زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ تدريس الظَّاهِرِيَّة العتيقة ونظرها بعد وَفَاة القَاضِي صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن رزين وَنقل القَاضِي فَخر الدّين مُحَمَّد القاياتي إِلَى مَكَانَهُ بإيوان الْمدرسَة الصالحية للْحكم بَين النَّاس. وَفِيه نُودي لَا يركب متعمم فرسا إِلَّا أَرْبَاب الْوَظَائِف الْكِبَار وَمن وجد عِنْده فرس أخذت مِنْهُ.(5/301)
وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن صفر: هدمت سلالم بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن والسلالم الَّتِي تصعد إِلَى السَّطْح والمناراتان مِنْهَا وَفتح بَابهَا من شباك بالرميلة تجاه بَاب السلسلة وَصَارَ يتَطَرَّق إِلَيْهَا مِنْهُ وَيقف المؤذنون عِنْده ويؤذنون فِي أَوْقَات الصَّلَاة وَاسْتمرّ الْأَمر على ذَلِك. وَفِي تاسعه: قدم الْأَمِير سيف الدّين كُمُشْبُغا الْحَمَوِيّ من حلب فَخرج الْأَمِير سودن النَّائِب إِلَى لِقَائِه وَمَعَهُ الْحجاب وعدة من الْأُمَرَاء. وَصَارَ بِهِ إِلَى القلعة فَقَبّل الأَرْض وَجلسَ فَوق الْأَمِير اٍ ينَال اليوسفي أتابك العساكر وَنزل إِلَى دَار أعدت لَهُ وَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان ثَلَاثَة أروس من الْخَيل بقماش ذهب وعدة بقج قماش. وَبعث إِلَيْهِ كل من أُمَرَاء الألوف فرسا بقماش ذهب وَقدم إِلَيْهِ أُمَرَاء الطبلخاناه وَغَيرهم عدَّة تقادم من جند وَغير ذَلِك. وَحضر مَعَ الْأَمِير كُمشبغا الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكنة - نَائِب الكرك - فِي عدَّة من وَفِي حادي عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن العساكر وصلت إِلَى مَدِينَة عينتاب ففر منطاش إِلَى جِهَة مرعش وَحضر عدَّة من جماعته إِلَى الطَّاعَة. وَفِيه حضر الْأَمِير أقبغا المارديني نَائِب الْوَجْه القبلي فَقبض عَلَيْهِ وسجن بخزانة شمايل فِي صُورَة أَنه كثر ظلمه وتعسفه. وَهَذِه عَادَة السُّلْطَان أَنه يصير على أعدائه فَلَا ينْتَقم مِنْهُم لنَفسِهِ حَتَّى يتهيأ لَهُ فيهم مَا يُوجب الْعقُوبَة فيأخذهم بذلك الذَّنب وَلَا يظْهر أَنه انتقم لنَفسِهِ وَذَلِكَ من حسن ملكته وثباته واستقرى هَذَا تَجدهُ كَمَا قلت لَك. وَفِي خَامِس عشره: أحضر الْأَمِير حسام الدّين حسن بن باكيش نَائِب غَزَّة من السجْن وضُرب بالمقارع بَين يَدي السُّلْطَان وأحضر أقبغا المارديني وَضرب على أكتافه. وَأمر وَالِي الْقَاهِرَة بتخليض حُقُوق النَّاس مِنْهُ. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه كاشف الجيزية عوضا عَن مُحَمَّد بن ليلى. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الأسعدي الْمَجْنُون نَائِب الْوَجْه القبلي عوضا عَن أقبغا المارديني وَاسْتقر أسنبغا السيفي فِي ولَايَة الفيوم وكشف البهنسا والأطفيحية عوضا عَن يلبغا الأسعدي وَاسْتقر تقطاي الشهابي وَالِي الأشمونين عوضا عَن أسنبغا السيفي.(5/302)
وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر دمرداش السيفي نَائِب الْوَجْه البحري عوضا عَن الشريف بكتمر. وَفِي تَاسِع عشرينه: أحضر القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحبال قَاضِي الْحَنَابِلَة بطرابلس وَضرب بَين يَدي السُّلْطَان بِسَبَب قِيَامه مَعَ منطاش وَأخذ طرابلس وَقتل من قتل بهَا وَأَن ذَلِك كَانَ بفتواه لَهُم. وَفِيه وسط من الزهور الْمَقْبُوض عَلَيْهِم من الْوَجْه البحري نَحْو السّبْعين بعد تسميرهم وإشهارهم بِالْقَاهِرَةِ وَكَانُوا قد أَكْثرُوا من الْفساد وَقطع الطَّرِيق على الْمُسَافِرين وَأخذ أَمْوَالهم. وَفِيه سَار الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي هِلَال رَسُول صَاحب تونس بِجَوَاب كِتَابه وهدية سنية. وَفِي سَابِع شهر ربيع الأول: اسْتَقر الْأَمِير يُونُس القشتمري نَائِب الكرك عوضا عَن قديد. وَفِي ثامنه: أنعم بإقطاع أرغون البجمقدار العثماني نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة على الْأَمِير حسن الكجكني وَأخرج أرغون منفياً إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِيه خرج الْبَرِيد بإحضار الْأَمِير الْكَبِير أيتمش من دمشق فَسَار الْأَمِير قُنقباي الأسعدي رَأس نوبَة لذَلِك. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير أَبُو يزِيد وَالشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الصُّوفِي على الْبَرِيد من الشَّام. وَفِي ثَالِث عشره: شدد الْعقَاب على ابْن باكيش لإحضار المَال وَقبض على الشريف بكتمر وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين بن الطشلاقي فِي ولَايَة قطيا وَالْتزم فِيهَا بِحمْل مائَة ألف وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فِي كل شهر. وَفِيه توجه يلبغا السالمي على الْبَرِيد بتقليد الْأَمِير نُعير الإمرة على عَادَته. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول شهر ربيع الآخر: اسْتَقر برمش الكمشبغاوي حَاجِب الْحجاب بطرابلس. وَاسْتقر الْحَاج مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مقدم الْخَاص فِي تقدمة الدولة عوضا عَن عبيد البازدار بعد مَوته فَصَارَ مقدم ديواني الْخَاص والدولة.(5/303)
وَفِي تَاسِع عشره: قبض على الْأَمِير شاهين أَمِير آخور ونُفي إِلَى الصَّعِيد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير الْكَبِير أيتمش من دمشق على الْبَرِيد فَتَلقاهُ الْأَمِير سودُن النَّائِب وَقدم مَعَه عدَّة من الْأُمَرَاء مِنْهُم: آلابغا العثماني الدوادار حَاجِب دمشق والأمير جنتمر أَخُو طاز وأمير ملك ابْن أُخْت جنتمر الْمَذْكُور وألطبغا أستادار جنتمر ودمرداش اليوسفي وألطبغا الْحلَبِي وَكثير من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَمثل بِالْخدمَةِ السُّلْطَانِيَّة وَقبل الأَرْض وَجلسَ بالميسرة تَحت الْأَمِير سودُن النَّائِب واحضر بالأمراء القادمين مَعَه وعدتهم سِتَّة وَثَلَاثُونَ أَمِيرا وبشهاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي قَاضِي دمشق وبفتح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن الشَّهِيد كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وَابْن مشكور نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَكلهمْ فِي الْقُيُود. فوبخ السُّلْطَان الْأَمِير ألطبغا الْحلَبِي والأمير جنتمر وَابْن الْقرشِي وَأطَال الحَدِيث مَعَهم وَكَانُوا قد قَاتلُوهُ فِي محاصرته لدمشق وأفحشوا فِي أمره فحشاً زَائِدا حَتَّى أَن ابْن الْقرشِي كَانَ يقف على الأسوار وينادي إِن قتال برقوق أوجب من صَلَاة الْجُمُعَة وَيجمع الْعَامَّة ويحرضهم على محاربته. ثمَّ أَمر السُّلْطَان بهم فسجنوا وأُسلم ابْن مشكور لشاد الدَّوَاوِين فعصر وَالْتزم بِحمْل سبعين ألف دِرْهَم وَأَفْرج عَنهُ. وَنزل الْأَمِير أيتمش إِلَى دَاره وَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان بإنعام كثير وَقدم إِلَيْهِ جَمِيع الْأُمَرَاء على قدر حَالهم. وَفِي ثَالِث عشره: وَقع الْهدم فِي أَمْلَاك تجاه بَاب حارة الجوانبة بِالْقَاهِرَةِ وَشرع الْأَمِير مَحْمُود فِي عمَارَة وكَالَة. وَفِيه أحضر من الزهور سِتَّة وَثَلَاثُونَ رجلا وَقدم الْأَمِير جِبْرَائِيل الْخَوَارِزْمِيّ فَارًّا من منطاش فَلم يؤاخذه السُّلْطَان ورسم لَهُ بالمثنى فِي الْخدمَة مَعَ الْأُمَرَاء. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن الْحَافِظ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن محب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة وَاسْتقر جمال الدّين مَحْمُود بن العديم فِي قَضَاء عَسْكَر حلب عوضا عَن ابْن الْحَافِظ والشريف حَمْزَة الْجَعْفَرِي فِي وكَالَة بَيت المَال بحلب وَنظر جَامعهَا وَاسْتقر المعري فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بطرابلس عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد السلاوي وَاسْتقر علم الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن السكسيوي وَهِي ولَايَته الْخَامِسَة ثمَّ عزل بالبرهان أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاجي. وَولى ابْن المنجا قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين عبد الْقَادِر. وَولى جمال الدّين أَبُو الثَّنَاء مَحْمُود بن قَاضِي الْعَسْكَر حَافظ الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سنبكي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عوضا عَن عَليّ بن الشّحْنَة.(5/304)
وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم التادلي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن القفصي. وَبدر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين مُوسَى بن الشهَاب مَحْمُود فِي نظر الْجَيْش بحلب وخلع على الْجَمِيع. وَفِيه أفرج عَن أقبغا المارديني من خزانَة شمايل وَعَن طاش بغا السيفي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة: قبض على أسندمر الشرفي وَإِسْمَاعِيل التركماني وكزل القرمي وأقبغا البجاسي وصربغا وتسلمهم وَالِي الْقَاهِرَة. وَفِي تاسعه: قبض أَيْضا على أحد عشر أَمِيرا وهم: قطلوبغا الطشتمري الْحَاجِب وتَقْطاي الطشتمري وآلابغا الطشتمري وقرابغا السيفي وأقبغا السيفي وبيبغا السيفي وطيبغا السيفي وَمُحَمّد بن بيدمر نَائِب الشَّام وجبرائيل الْخَوَارِزْمِيّ ومنجك الزيني وأرغون شاه وَفِيه سُمر أسندمر الأشرفي رَأس نوبَة وأقبغا الظريف البجاسي وَإِسْمَاعِيل التركماني أَمِير البطالين فِي أَيَّام منطاش وكُزَل القرمي وصربغا وشهروا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ وسطوا بالكوم وَلم يعْهَد مثل هَذَا يفعل إِلَّا بقطاع الطَّرِيق. وَفِيه أُحضر الْأَمِير ألطبغا الْحلَبِي وألطُنبغا أستادار جَنتمُر إِلَى مجْلِس قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي وأُدعى عَلَيْهِمَا بِمَا يَقْتَضِي الْقَتْل فسجنهما بخزانة شمايل مقيدين. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على الْأَمِير صَنْجقَ. وَفِي خَامِس عشره: شكا رجل شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر الْقرشِي للسُّلْطَان فأحضر من السجْن واستدعى عَلَيْهِ غَرِيمه بِمَال لَهُ فِي قلبه وبدعاوى شنعة فَضرب بالمقارع وَسلم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ مَال الْمُدَّعِي الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فوالى ضربه وعصره مرَارًا وسجنه بخزانة شمايل. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير قُطْلُوبغا الصفوي حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر الْأَمِير بدخاص حَاجِب الميسرة وَاسْتقر الْأَمِير قديد نَائِب الكرك حاجباً ثَالِثا وَاسْتقر الْأَمِير على باشاه حاجباً رَابِعا. وَاسْتقر يلبغا الآشْقَتُمري أَمِير أخور فِي نِيَابَة غَزَّة وناصر الدّين مُحَمَّد بن شَهْري فِي نِيَابَة ملطية.(5/305)
وَفِي ثَانِي عشرينه: وقف شخص وَادّعى أَن أَمِير ملك - ابْن أُخْت جَنتَمُر - أَخذ لَهُ سِتّمائَة ألف دِرْهَم وأغرى بِهِ منطاش حَتَّى ضربه بالمقارع فأحضر وَادّعى عَلَيْهِ غَرِيمه فَضرب بالمقارع ضربا مبرحاً وتسلمه وَالِي الْقَاهِرَة فَمَاتَ لَيْلَة خَامِس عشرينه. وَفِي يَوْمه اسْتَقر أرغون شاه الإبراهيمي الخازندار حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق عوضا عَن آلابغا العثماني. وَاسْتقر آلابغا فِي نِيَابَة حماة وَخرج الْبَرِيد بتقليده. وَفِيه أُنعم على كل من قَاسم ابْن الْأَمِير الْكَبِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ ولاجين الناصري وسودن العثماني النظامي وأرغون شاه الأقبغاوي وسودُن باشاه الطاي تُمري وشكرباي العثماني وقجقار القَرْمُشي بإمرة طبلخاناه. وعَلى كل من قطلوبغا الطَقتمُشي وَعبد الله أَمِير زاه بن ملك الكرُجْ وكُزَل الناصري وآلان اليحياوي وكُمُشبغا الْإِسْمَاعِيلِيّ طاز وقَلَمْطاي العثماني بإمرة عشرَة. وَفِيه قدم آقبغا الصَّغِير نَائِب غَزَّة بِطَلَب. وَفِيه قبض على مماليك الْأَمِير بركَة والمماليك الَّذين خدموا منطاش وتُتُبعوا من سَائِر الْمَوَاضِع وأُخذوا من كل مَكَان. وَفِي ثَانِي عشرينه: عرضهمْ السُّلْطَان وَأَفْرج عَن جمَاعَة مِنْهُم. وَفِي خَامِس عشرينه: ضرب ابْن الْقرشِي نَحْو مِائَتي شيب بالمقارع عِنْد الْوَالِي. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر الصارم وَالِي الْقَاهِرَة فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن تُقْطاي الشهابي. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: ظهر كَوْكَب طوله نَحْو ثَلَاثَة أرماح قَلِيل النُّور يرى فِي أول اللَّيْل ويغيب نصف اللَّيْل أَقَامَ ليَالِي واختفي. وَفِي أول شهر رَجَب: قدم منطاش دمشق وَسَار إِلَيْهَا من مرعش على العمق حَتَّى قَارب من حماة فَانْهَزَمَ مِنْهُ نائبها إِلَى جِهَة طرابلس من غير لِقَاء ودخلها منطاش وَلم يحدث حَدثا. وَتوجه مِنْهَا إِلَى حمص ففر مِنْهُ أَيْضا نائبها إِلَى دمشق وَمَعَهُ نَائِب بعلبك فَخرج الْأَمِير يلبغا الناصري يُرِيد لِقَائِه من طَرِيق الزبداني فثار أَحْمد شكر بِجَمَاعَة البيدمرية وَدخل دمشق من بَاب كيسَان وَأخذ مَا فِي الإصطبلات من الْخُيُول(5/306)
وَخرج فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَقدم منطاش فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ أول رَجَب من طَرِيق أُخْرَى وَنزل الْقصر الأبلق وَنزل جماعته حوله. وَقد أَحضر إِلَيْهِ أَحْمد شكر من الْخُيُول الَّتِي نهبها ثَمَانمِائَة فرس وندبه ليدْخل الْمَدِينَة وَيَأْخُذ من أسواقها المَال فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ قدم الناصري بعساكر دمشق فاقتتلا قتالاً كَبِيرا مُدَّة أَيَّام. وَفِي ثالثه: اسْتَقر أَمِير بن الدمر فِي ولَايَة الغربية عوضا عَن شاهين الكلفتي. وَفِي تاسعه: ضرب الشهَاب أَحْمد بن عمر الْقرشِي حَتَّى مَاتَ بخزانة شمايل وأُخرج من وقف الطرحاء. وَفِي حادي عشره: اجْتمع الْقُضَاة والأمير بدخاص الْحَاجِب بشباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين من الْقَاهِرَة وأحضر الْأَمِير ألطبغا دوادار جَنْتمر وأوقف تَحت الشباك فِي الطَّرِيق وَادّعى عَلَيْهِ. مِمَّا اقْتضى إِرَاقَة دَمه وشُهد عَلَيْهِ بِهِ فَضرب عُنُقه وَشهد أَيْضا على الْأَمِير ألطبغا الْحلَبِي فَضرب عُنُقه وحملت رؤسهما على رُمْحَيْنِ. وَنُودِيَ عَلَيْهَا فِي الْقَاهِرَة. وَفِي سادس عشره: أَخذ قاع النّيل فجَاء أَرْبَعَة أَذْرع وَعِشْرُونَ إصبعاً وَفِي رَابِع عشرينه قدم على ابْن الْأَمِير نُعير فَقبض عَلَيْهِ. وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على نجم الدّين الطبدى خلعة اسْتِمْرَار. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من دمشق باستمرار الْحَرْب بَين الناصري ومنطاش وَأَن منطاش انْكَسَرَ وَقتل كثير مِمَّن مَعَه وفر مُعظم التركمان الَّذين قدم بهم وَصَارَ محصوراً بِالْقصرِ الأبلق. وَفِيه اسْتَقر الصارم إِبْرَاهِيم الباشَقَردي فِي ولَايَة أسوان عوضا عَن الصارم الشهابي. وَفِيه أحضر أنواط - كاشف الْوَجْه البحري - سبعين رجلا من الْعَرَب الزهور وخيولاً كَثِيرَة فوسط مِنْهُم سِتَّة وَثَلَاثُونَ رجلا. وَفِي الأول من شعْبَان: رسم بتجهيز الْأُمَرَاء للسَّفر إِلَى الشَّام وَشرع الْوَزير وناظر الْخَاص فِي تهيئة بيوتات السُّلْطَان وَعمل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السّفر. وَفِي خامسه: قدم الْبَرِيد من صفد بِأَن منطاش فر من دمشق وتبعته العساكر فسر السُّلْطَان والأمراء بذلك.(5/307)
وَفِيه قتل حسام الدّين حُسَيْن بن باكيش وَسَببه أَن الْخَبَر ورد بِأَن وَلَده جمع كثيرا من العشير وَنهب الرملة وَقتل عدَّة من النَّاس. وَفِي سادسه: ضرب حُسَيْن بن الكوراني بالمقارع. وَفِي عاشره: نصب جاليش السّفر ورسم للقضاة بالتهيؤ إِلَى السّفر. وَفِي حادي عشره: تسلم الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي: الْأَمِير صراي تمر داودار منطاش وتَكا الأشرفي ودمرداش اليوسفي ودمرداش القَشتمري وَعلي الجركتمَري فَقتلُوا إِلَّا عَليّ الجَرْكَتَمري فَإِنَّهُ عصر وقُتل بعد ذَلِك هُوَ وقطلوبك صفد. وَفِي ثَانِي عشره: عرض السُّلْطَان المحابيس من المنطاشية وأفرد مِنْهُم جمَاعَة للْقَتْل فَقتل فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث عشره مِنْهُم: الْأَمِير جَنتمُر أَخُو طاز وَابْنه وألطبغا الجُربُغاوي والطواشي تُقْطاي الطَشتَمُري وَفتح الدّين مُحَمَّد بن الشَّهِيد ضربت أَعْنَاقهم بالصحراء. وَفِي خَامِس عشره: صرف مجد الدّين إِسْمَاعِيل عَن قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَاسْتقر عوضه جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري وَنزل مَعَه بَعْدَمَا خلع عَلَيْهِ الْأَمِير بُطا الدوادار والأمير جُلبان رَأس نوبَة فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَسَائِر الْقُضَاة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَكتب لَهُ فِي توقيعه الْجَانِب العالي كَمَا كتب للعماد أَحْمد الكركي وهما أول من كُتب بِهِ ذَلِك من قُضَاة الْقُضَاة وَلم يُكتب هَذَا لأحد من المتعممين إِ لَا للوزير فَقَط وَيكْتب للقضاة الْمجْلس العالي فَكتب للعماد الكَرَكي الجناب العالي وتشبه بِهِ الْجمال مَحْمُود فَكتب لَهُ ذَلِك وَاسْتمرّ لمن بعدهمَا. وَفِي سَابِع عشره: أخرج أَمِير حَاج بن مُغْلطاي إِلَى دمياط وَأخرج الْأُمَرَاء البطالون إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة وَأَفْرج عَن تَلكتمر الدوادار وصراتمر دوادار يُونُس الدوادار وَنزلا إِلَى بيوتهما. وَفِي ثامن عشره: قبض على عدَّة من الْأُمَرَاء وسجنوا وأُمض من الْغَد فيهم قَضَاء الله الَّذِي لَا يرد. وَفِيه تعين لنيابة الْغَيْبَة بديار مصر الْأَمِير الْكَبِير كُمُشْبُغا الْحَمَوِيّ وتحول إِلَى(5/308)
الإصطبل السلطاني. وتحول الْأَمِير سودن النَّائِب إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير بجاس - النوروزي وَأقَام بالقلعة سِتّمائَة مَمْلُوك عَلَيْهِم تغرى بردى رَأس نوبَة والأمير الطواشي صَوَاب السَّعْدِيّ. وَتعين للإقامة بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير قُطلوبغا الصفوي حَاجِب الْحجاب والأمير بدخاص السودوني أَمِير حَاجِب ورسم لشيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وقضاة الْعَسْكَر ومفتيين دَار الْعدْل وَبدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ بِالسَّفرِ فتجهزوا لذَلِك. وَنزل السُّلْطَان بعد صَلَاة الظّهْر من القلعة وَسَار إِلَى الوطاق بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة وتلاحقت الْأُمَرَاء والعساكر وأرباب الدولة بِهِ. وَفِي ثَانِي عشرينه: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص بالريدانية وَضرب على إِحْضَار أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة. ورسم للأمير عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الطلاوي الوافي بالتحدث فِي شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن ابْن أقبغا آص وَسلم إِلَيْهِ فَشدد فِي عُقُوبَته وَوجد لَهُ سَبْعُونَ فرسا وَأَرْبَعُونَ جملا وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ مركبا فِي النّيل وقماش كثير. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي الْمُقْرِئ فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شرف الدّين مَسْعُود بِمَال قَامَ بِهِ وَأخرج بِسَائِر من فِي خزانَة شمايل إِلَى الريدانية وعُرضوا على السُّلْطَان فأفرد مِنْهُم سَبْعَة وَثَلَاثِينَ رجلا للْقَتْل مِنْهُم: مُحَمَّد بن الحسام أستادار أرغون أسكي وَأحمد بن النقوعي ومقبل الصفوي فغُرِقوا فِي النّيل. وَسمر مِنْهُم سَبْعَة وهم: شيخ الكريمي وأسندمر وَالِي القلعة وَثَلَاثَة من أهل الشَّام وَاثْنَانِ من التركمان ثمَّ وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن تلفت فِي شدّ الدَّوَاوِين. وأنعم على الْأَمِير سَيِّدي أبي بكر بن نقر الجمالي بإمرة طبلخاناة ورسم بِهِ بإمرة الْحَاج.(5/309)
وَفِي سادس عشرينه: رَحل السُّلْطَان من الريدانية. وَفِيه نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَن يتجهز النَّاس لِلْحَجِّ على الْعَادة. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: قتل اثْنَا عشر من الْأُمَرَاء مِنْهُم الْأَمِير أرغون شاه السيفي وآلابغا الطشتمري وآقبغا السيفي وبزلار الخليلي. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سلخه: قتل من الْأُمَرَاء سنجق الحسني وقرابغا السيفي وَمَنْصُور حَاجِب غَزَّة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بكسرة منطاش وفراره فِي سادس عشره وَمَعَهُ عنقاء بن شطي فدقت البشائر وتخلق الْأُمَرَاء والممالك وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع شهر رَمَضَان: قدم بريد السُّلْطَان بنزوله قطيا وَأَن الْأَخْبَار صحت بفرار منطاش من دمشق فِي خمسين فَارِسًا. وَفِيه قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بمثال سلطاني إِلَى الْأَمِير جمال الدّين مُحَمَّد الأستادار فَإِذا هُوَ يتَضَمَّن مسكه وإلزامه بِحمْل مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم فَقبض عَلَيْهِ وَأخذ وَفِي سادس شهر رَمَضَان: زينت الْقَاهِرَة. وَفِيه أخرج الْأَمِير كُمُشبغا مِائَتي فَارس من أجناد الْحلقَة إِلَى كاشف الْوَجْه البحري تَقْوِيَة لَهُ. وَفِيه وُسط أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الطشلاقي وَالِي قطيا. وَفِي ثامنه: قلعت الزِّينَة من الْقَاهِرَة وَلم يكن للزِّينَة سَبَب يَقْتَضِي ذَلِك. وَفِيه اسْتَقر بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي موقع الدست فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي بِمَال قَامَ بِهِ للأمير كُمُشبغا. وَفِي عاشره: نُودي على النّيل بعد توقفه أَيَّامًا وَكَانَ عَاشر مسرى - وَقد ارْتَفَعت الأسعار - فتوالت الزِّيَادَة فِي نَهَاره حَتَّى أوفي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَكسر الخليج وَخرج شرف الدّين بن أبي الرداد على الْبَرِيد بِبِشَارَة الْوَفَاء. وَفِيه قبض على بكتمر - دوادار الجوباني - فهرب وَلم يُوقف لَهُ على خبر.(5/310)
وَفِي ثَانِي عشرينه: دخل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَقد زينت لَهُ وَخرج الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى لِقَائِه. بِمَنْزِلَة اللجون فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِيه نُودي بِدِمَشْق بالأمان. وَصلى يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه بِدِمَشْق صَلَاة الْجُمُعَة فِي جَامع بني أُميَّة. وَعِنْدهَا انْقَضتْ الصَّلَاة نَادَى الجاويش فِي النادي بالأمان والماضي لَا يُعَاد وَنحن من الْيَوْم تعارفنا فَضَجَّ النَّاس بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان وَقد كَانُوا مترقبين بلَاء كَبِيرا ينزل بهم مِنْهُ لسوء مَا فعلوا مَعَه فِي السّنة الْمَاضِيَة وَكَثْرَة مبالغتهم فِي سبه وإعلانهم بفاحش القَوْل لَهُ وهم يقاتلونه. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير كمشبغا نَائِب الْغَيْبَة بشاهين الكلفتي فِي كشف الْوَجْه البحري وعزل أنواط السيفي وَقبض عَلَيْهِ. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشرينه: قتل خَارج الْقَاهِرَة أَمِير عَليّ الجَركتمُري القازاني المهمندار فِي أَيَّام منطاش. وَفِي تَاسِع عشرينه: نُودي فِي الْقَاهِرَة. بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج يَوْم الْعِيد إِلَى الترب وَمن خرجت وسطت هِيَ والمكاري والحمارة وَألا يركب أحد فِي مركب للتفرج على النّيل وهدد من فعل ذَلِك بإحراق الْمركب فَلم يتجاسر أحد يخرج فِي الْعِيد إِلَى القرافة وَلَا إِلَى ترب الْقَاهِرَة. وَفِي ثَانِي شَوَّال: قدم الْبَرِيد بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق. وَقدم الْبَرِيد بنزول خوندكار أبي يزِيد بن عُثْمَان ملك الرّوم إِلَى قيصرية وَأَخذهَا. وَفِيه اسْتَقر قطلوبغا الصفوي فِي ولَايَة قليوب وعزل تنكز البريدي. وَفِي سابعه: خرج السُّلْطَان من دمشق يُرِيد حلب. وَفِيه اسْتَقر فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مكانس فِي وزارة دمشق وعزل ابْن الْجَزرِي عَن قَضَاء دمشق قبل أَن يدْخل إِلَى دمشق وأعيد مَسْعُود. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْبَرِيد إِلَى القلعة بتوجه السُّلْطَان إِلَى حلب وَأَنه ورد عَلَيْهِ دوادار الْأَمِير سولي بن دلغادر بهدية فِيهَا مائَة بقجة قماش وَمِائَتَا فرس وَهُوَ يعْتَذر عَن أَخذ سيس وَبعث مفاتيحها وَسَأَلَ تعْيين من يتسلمها مِنْهُ وأنَ نعير ومنطاش نزلا الرحبة وجعبر.(5/311)
وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد بن صَحْفَة بن الأعسر فِي ولَايَة الأشمونين وعزل الصارم وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا فِي ولَايَة دمياط وعزل صديق. وَفِي ثَالِث عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ أَلا تلبس امْرَأَة قَمِيصًا وَاسِعًا وَلَا تزيد على تَفْصِيل الْقَمِيص من أَرْبَعَة عشر ذِرَاعا. وَكَانَ النِّسَاء بالغن فِي سَعَة القمصان حَتَّى كَانَ يفصل الْقَمِيص الْوَاحِد من اثْنَيْنِ وَتِسْعين ذِرَاعا من البندقي الَّذِي عرضه ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف فَيكون مساحة الْقَمِيص زِيَادَة على ثَلَاثَة وَعشْرين ذِرَاعا. وفحش هَذَا حَتَّى تشبه عوام النِّسَاء فِي اللّبْس بنساء الْمُلُوك والأعيان. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشرينه: أحضر الْأَمِير مُحَمَّد شاه بن بيدمر من الْإسْكَنْدَريَّة فَقتل خَارج الْقَاهِرَة لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه. وَفِي سادس عشرينه: صرف نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث عَن حسبَة مصر بالشريف أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسن بن حيدرة الْمَعْرُوف بِابْن بنت عطا قَاضِي الْحَنَفِيَّة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سلخه: قدم الْبَرِيد بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى حلب فِي ثَانِي عشرينه وَأَن بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن فضل الله الْعمريّ أُعِيد إِلَى كِتَابَة السِّرّ وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن عِيسَى الكركي لضَعْفه. وَفِي يَوْم الْأَحَد أول ذِي الْقعدَة: دقَّتْ البشائر واستمرت ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي ثَانِيه: ندب الْأَمِير كُمُشْبُغا نَائِب الْغَيْبَة جمَاعَة نزلُوا إِلَى أسواق الْقَاهِرَة وشوارعها وَقَطعُوا أكمام النِّسَاء الواسعة فَامْتنعَ النِّسَاء من يَوْمئِذٍ أَن يَمْشين بقمصان وَاسِعَة مُدَّة نِيَابَة الْأَمِير كمشبغا ثمَّ عدن إِلَى ذَلِك بعد عود السُّلْطَان. وَفِيه ورد الْخَبَر بِالْقَبْضِ على منطاش وَلم يَصح ذَلِك. وَفِي ثالثه: قدم الْبَرِيد بِمَوْت نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الطوسي واستقرار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن حسن الفاقوسي موقع الدرج عوضه فِي توقيع الدست وَمَوْت قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الركراكي الْمَالِكِي فَأذن الْأَمِير كمشبغا لنوابه بالحكم بَين النَّاس على عَادَتهم. وَفِي ثامنه - وَهُوَ عَاشر بَابه: - انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى إِصْبَع من عشْرين ذِرَاعا.(5/312)
وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْخَبَر ورد بِقَبض سَالم الذكرى على منطاش وَأَن صَاحب ماردين قبض على جمَاعَة من المنطاشية حَضَرُوا إِلَيْهِ فَبعث السُّلْطَان قرا دمراش نَائِب حلب على عَسْكَر والأمير يلبغا الناصري نَائِب دمشق على عَسْكَر والأمير أينال اليوسفي أتابك العساكر على عَسْكَر فَسَارُوا لإحضار منطاش وَمن مَعَه فَنُوديَ فِي الْقَاهِرَة بالأمان وَقد حصل غَرِيم السُّلْطَان فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أيدمر الشمسي أَبُو زلطة فِي نِيَابَة الْبحيرَة وعزل دمرداش السيفي. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن الْأَمِير قرا دمرداش وصل بعسكر حلب إِلَى أَبْيَات سَالم الذكرى وَأقَام أَرْبَعَة أَيَّام يُطَالِبهُ بِتَسْلِيم منطاش وَهُوَ يماطله فحنق مِنْهُ وَركب بِمن مَعَه وَنهب بيوته وَقتل عدَّة من أَصْحَابه. ففر سَالم بمنطاش إِلَى سنجار وَامْتنع بهَا. وَأَن الْأَمِير يلبغا الناصري حضر بعساكر دمشق بعد ذَلِك فَأنْكر على قرا دمرداش مَا وَقع مِنْهُ وَأَغْلظ فِي القَوْل وهم بضربه فَكَادَتْ تكون فتْنَة كَبِيرَة وعادا وَأَن الْأَمِير أدينال وصل بعسكر مصر إِلَى رَأس عين وتسلم من صَاحب ماردين الَّذين قبضهم من المنطاشية وَكَبِيرهمْ قشتمر الأشرفي وَحضر بهم وبكتاب صَاحب ماردين وَهُوَ يعْتَذر ويعد تَحْصِيل غَرِيم السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول ذِي الْحجَّة: خرج السُّلْطَان من حلب يُرِيد دمشق. وَفِي سادسه: قدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان لما بلغه مَا جرى من قرا دمرداش وَمَا وَقع بَينه وَبَين الناصري من الْفِتْنَة وأنهما عادا بِغَيْر طائل غلب على ظَنّه صِحَة مَا نقل عَن الناصري من أَن قَصده مطاولة الْأَمر مَعَ منطاش وَأَنه لم يحضر إِلَى دمشق إِلَّا بمكاتبته لَهُ بذلك وأَنه قصر فِي أَخذه بِدِمَشْق وَأَن سَالم الذكرى لم يرحل بمنطاش إِلَى سنجار إِلَّا بِكِتَاب الناصري إِلَيْهِ بذلك. فَلَمَّا قدم إِلَى حلب قبض عَلَيْهِ وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن المهمندار نَائِب حماة وكشلي أَمِير أخور الناصري وَشَيخ حسن رَأس نوبَته وقتلهم فِي لَيْلَة قبضهم.(5/313)
وَمَا برح يلبغا الناصري من مبدأ أمره سيئ الرَّأْي وَالتَّدْبِير حَتَّى قيل عَنهُ أَنه مَا كَانَ مَعَ قوم فِي أَمر من الْأُمُور إِلَّا وانعكس عَلَيْهِم أَمرهم بواسطته. وَولى الْأَمِير بطا الدوادار نِيَابَة دمشق والأمير جُلْبان الكمشبغاوي رَأس نوبَة نِيَابَة حلب والأمير فَخر الدّين أياس الجرجاوي فِي نِيَابَة طرابلس والأمير دمرداش المحمدي فِي نِيَابَة حماة. وأنعم على قرا دمرداش نَائِب حلب بإقطاع الْأَمِير بُطا وأنعم على الْأَمِير أبي يزِيد بن مُرَاد الخازن بالدوادارية عوضا عَن بطا بإمرة طبلخاناة وأنعم على الْأَمِير تاني بك اليحياوي بإقطاع جُلبان. ثمَّ سَار من حلب فِي أول ذِي الْحجَّة فَنُوديَ بتبييض حوانيت قَصَبَة الْقَاهِرَة فشرع النَّاس فِي ذَلِك. وَفِي سادس عشره: قدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان عَاد إِلَى دمشق فِي ثَالِث عشره وَأَنه قتل من الْأُمَرَاء آلابغا العثماني وسودن بَاقٍ السيفي وَسمر ثَلَاثَة عشر أَمِيرا مِنْهُم: أَحْمد ابْن بيدمر وَمُحَمّد بن أَمِير عَليّ المارديني ويلبغا العلاي وبغا بن السيفي نَائِب ملطية وكُمُشْبغا السيفي نَائِب بعلبك وغريب الخاصكي وقرابغا الْعمريّ. وَفِي ثَالِث عشرينه: توجه السُّلْطَان من دمشق يُرِيد الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ إِلَى حسبَة مصر. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالسلامة والأمن وَانْقَضَت السّنة وديار مصر قد ساسها الْأَمِير كمشبغا أحسن سياسة وَلم يَجْسُر أحد أَن يتظاهر فِي مُدَّة تحكمه بمنكر وَلَا بِحمْل سلَاح. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر سوى من قتل من الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين. مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ زين الدّين أَبُو حَفْص عمر بن مُسلم بن سعيد بن بدر بن مُسلم الْقرشِي الْوَاعِظ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَاضِي دمشق بخزانة وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين الْحَاج آل ملك الجوكندار. ولد بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ أعطَاهُ الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون إمرة طبلخاناه فِي(5/314)
حَيَاة أَبِيه وَمَا زَالَت بِيَدِهِ إِلَى الْأَيَّام الناصرية حسن فَأعْطَاهُ إمرة مائَة وَبَقِي عَلَيْهَا إِلَى عَاشر ربيع الآخر سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة. ولي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن طشبغا المظفري فَسَار إِلَيْهَا وباشرها قَلِيلا. وأعيد إِلَى الْقَاهِرَة على إمرة أَرْبَعِينَ وَعمل من جملَة الْحجاب فاستمر إِلَى اثْنَي ربيع الأول سنة تسع وَتِسْعين فاستعفي من الإمرة وَتركهَا وَلبس عباءة وَركب حمارا وَمَشى بالأسواق وتقنع بِمَا يتَحَصَّل من أوقاف أَبِيه وَأَقْبل على عبَادَة الله حَتَّى مَاتَ يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات القَاضِي ولي الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن خير السكندري الْمَالِكِي فِي ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَقد برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو وَأفْتى ودرس. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي شيخ الخانقاة الصلاحية سعيد السُّعَدَاء فِي عَاشر ذِي الْقعدَة. وَكَانَ مقتصداً فِي ملبسه يجلس بحانوت الشُّهُود ويتكسب من تحمل الشَّهَادَات فأثرى وَكثر مَاله لقلَّة مؤنه فَإِنَّهُ لم يتَزَوَّج. وأوقف ربعا على محرس شَافِعِيّ عِنْده عشر طلبة بالجامع الْأَزْهَر. ثمَّ سعى بالأمير سودن النَّائِب حَتَّى ولي مشيخة سعيد السُّعَدَاء فَلم يتَنَاوَل سوى نصيب وَاحِد وَأَنْشَأَ بهَا مناراً يُؤذن عَلَيْهِ وَعمر أوقافها وَبَالغ فِي الضَّبْط مَعَ سَاعَة مَلَكَةٍ حَتَّى مقته الْجَمِيع. وَمَات الْأَمِير حسام الدّين حُسَيْن بن عَليّ الكوراني وَالِي الْقَاهِرَة مخنوقاً فِي عَاشر شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ جلال الدّين رَسُولا بن أَحْمد بن يُوسُف العجمي التباني الْحَنَفِيّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن القوام الْأَتْقَانِيّ الْفِقْه وَسمع الحَدِيث على عَلَاء الدّين عَليّ(5/315)
التركماني. وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الْجمال بن هِشَام وَعَن ابْن عقيل والبدر ابْن أم قَاسم. وبرع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو وتصدى للتدريس والإفتاء عدَّة سِنِين ودرس بمدرسة الْأَمِير ألجاي والمدرسة الصَرْغَتَمشية وَغَيرهَا. وَكَانَ منجمعاً عَن النَّاس عرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ. وَشرح كتاب الْمنَار فِي أصُول الْفِقْه. وَاخْتصرَ شرح البُخَارِيّ لمغلطاي وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول ونظم كتابا فِي الْفِقْه وَشَرحه وَكتب التَّعْلِيق على الْبَزْدَوِيّ وَكتب مُخْتَصرا فِي تَرْجِيح مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَكتب على مَشَارِق الْأَنْوَار فِي الحَدِيث وعَلى تَلْخِيص المفتَاح وَله رِسَالَة فِي زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه ورسالة فِي أَن الْجُمُعَة لَا يجوز إِقَامَتهَا فِي مصر وَاحِد. ورسالة فِي الْفرق بَين الْفَرْض العلمي وَالْوَاجِب. وَتُوفِّي خَارج الْقَاهِرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب. والتباني نِسْبَة إِلَى مَوضِع خَارج الْقَاهِرَة يُقَال لَهُ التبانة كَانَ يقف فِيهِ سوق للتبن. وَمَات الْحَاج عبيد بن البازدار مقدم الدولة فِي يَوْم السبت رَابِع عشر صفر. وَمَات شرف الدّين عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الْحَنْبَلِيّ النابلسي قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَضْحَى وَقدم الْقَاهِرَة غير مرّة. وَمَات الشَّيْخ المعتقد على الروبي فِي رَابِع عشْرين ذِي الْحجَّة. وَمَات صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن رزين الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس عشر الْمحرم وَكَانَ من أجل خلفاء الشَّافِعِيَّة بديار مصر.(5/316)
وَمَات الشَّيْخ زين الدّين عمر بن مُسلم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مُسلم الْقرشِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْوَاعِظ لم يجلس للوعظ حَتَّى حفظ أَرْبَعِينَ مَجْلِسا. وبرع فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير. وَقدم الْقَاهِرَة وَوعظ بهَا وَحصل لَهُ الْقبُول التَّام. ومولده فِي شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَمَات بِدِمَشْق فِي الاعتقال بِسَبَب وَلَده القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد. وَمَات فتح الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عماد الدّين أَبى إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن جلال الدّين أَبى الْكَرم مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الشَّهِيد الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق. كَانَ وافر الْفَضِيلَة عَالما بالفنون عَارِفًا فِي الْأَدَب مشاركاً فِي عدَّة عُلُوم مليح الْكِتَابَة صَحِيح الْفَهم رَئِيسا عالي الرتَبة رفيع الْمنزلَة لَهُ محاضرة لَا تمل نَشأ بِدِمَشْق وَأخذ عَن مَشَايِخ عصره وَكتب فِي الْإِنْشَاء ثمَّ ولى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق ومشيخة الشُّيُوخ وتدريس الظَّاهِرِيَّة ونظم كتاب السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ هِشَام وَله نظم ونثر وتواليف مفيدة. مَاتَ بِدِمَشْق فِي لَيْلَة التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان. وَمَات أَخُوهُ نجم الدّين مُحَمَّد فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة وَدفن على أَخَوَيْهِ فتح الدّين مُحَمَّد وشمس الدّين مُحَمَّد. وباشر توقيع الدست وَكِتَابَة سر طرابلس وسيس وحماة. وَأقَام بسيس نَحْو عشْرين سنة ثمَّ قدم إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى مَاتَ بهَا عَن نَحْو تسعين سنة. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الطوسي موقع الدست فِي ثَانِي عشْرين شَوَّال بحلب. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الزَّيْلَعِيّ الْحَنَفِيّ الرجل الصَّالح فِي ثَانِي عشْرين الْمحرم. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الْحسن الأنفي الْمَالِكِي الْمُحدث الْفَاضِل. ومولده فِي شَوَّال سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة وَسمع من البنديجي وَغَيره.(5/317)
وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الركراكي الْمَالِكِي بحمص فِي رَابِع عشر شَوَّال. وَمَات الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاتِم شيخ الحَدِيث فِي أول ذِي الْقعدَة. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحمد الْعَسْقَلَانِي إِمَام جَامع أَحْمد بن طولون فِي حادي عشر الْمحرم أَخذ عَن التقى الصايغ. وَمَات المهتار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن على الشيخي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء أول ربيع الأول.(5/318)
(سنة أَربع وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِيهِ قدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان يدْخل إِلَى غَزَّة فِي ثالثه. وَفِي حادي عشره: قدم الْبَرِيد بنزول السُّلْطَان قطيا. وَفِيه قدم الْحَرِيم السلطاني مَعَ الطواشي بهادُر الْمُقدم فدقت البشائر وَنُودِيَ بالزينة فشرع النَّاس فِيهَا وَفِي تبييض ظَاهر الْبيُوت بشارع الْقَاهِرَة وَفِي نصب القلاع. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْبَرِيد بِالْخرُوجِ إِلَى لِقَاء السُّلْطَان على بلبيس فَخرج الْأَمِير كمشبغا رفي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره: نزل السُّلْطَان بالعكرشا وَأقَام بهَا إِلَى لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ رَحل فَخرج سَائِر الطوائف فِي يَوْم الْجُمُعَة إِلَى لِقَائِه وَأَقْبل فِي موكب جليل حَتَّى صعد قلعة الْجَبَل فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً خلع فِيهِ على جَمِيع الْأُمَرَاء وأرباب الْوَظَائِف بأسرهم. وَفِي عشرينه: اسْتَقر أوناط فِي كشف الْوَجْه البحري على عَادَته وعزل شاهين الكلبكي. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر دمرداش السيفي نَائِب الْوَجْه البحري على عَادَته وعزل أَبُو زلطة وَاسْتقر طُرَقْجي فِي ولَايَة منوف على عَادَته وعزل على بن مُحَمَّد بن طاجار الشَّامي. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير بطا الطولوتمري نَائِب دمشق. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير سودن الطرنطاي فِي نِيَابَة دمشق وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري - قَاضِي طرابلس - فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن الركراكي. وَفِيه مَاتَ الْأَمِير وَزِير الوزراء نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام لاجين الصقري بعد مرض طَوِيل.(5/319)
وَفِيه طلب السُّلْطَان الْوُلَاة المعزولين وهم: الْأَمِير أيدمَرُ الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو زلطة وشاهين الكلفتي وناصر الدّين مُحَمَّد بن حسن بن ليلى وعَلى بن مُحَمَّد بن طاز وأسَنبغا وَضرب أيدمُر بالمقارع وسلمهم كلهم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة ليدفعهم على حمل المَال. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر صفر: قبض على الْأَمِير قرا دمرداش نَائِب حلب وعَلى الْأَمِير ألطبغا الْمعلم نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وسجنا بالبرج. وَخرج الْبَرِيد بِطَلَب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن الصاحب فَخر الدّين عبد الله بن الصاحب تَاج الدّين مُوسَى بن أبي شَاكر من الْوَجْه القبلي وَقد توجه ليحضره حَتَّى يُولى الوزارة فَلم يتم ذَلِك. وَاسْتقر الْأَمِير ركن الدّين عمر بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قايماز أستادار الْأَمِير بيبرس - ابْن أُخْت السُّلْطَان - فِي الوزارة وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره. وَاسْتقر تَاج الدّين بن كحل فِي نظر الدولة رفيقاًُ لشمس الدّين المقسي. وَفِي خَامِس عشره: قبض على الْأَمِير قردم الحسني. وَفِيه خلع على الشريف صدر الدّين مرتضى بن غياث الدّين إِبْرَاهِيم بن صدر الدّين حَمْزَة الْحُسَيْنِي بِنَظَر الْقُدس والخليل. وَفِي تَاسِع عشره: أخرج الْأَمِير قردم إِلَى غَزَّة بإمرة عشرَة بهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير العثماني أَمِير جاندار بعد موت قطلوبغا الطَقتمُشي وَأَفْرج عَن الْأَمِير قطلوبغا الطشتمري الْحَاجِب. وَفِي ثَمَانِي عشرينه: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن ألطنبغا الْمعلم. وَقدم الْبَرِيد بِأَن خَمْسَة عشر من المماليك أَتَوا إِلَى بَاب قلعة دمشق مشَاة وشهروا سيوفهم وهجموا على القلعة وَأَغْلقُوا بَابهَا وأخرجوا المنطاشية والناصرية من الْحَبْس وهم مائَة رجل وَقتلُوا نَائِب القلعة وَجَمَاعَة مَعَه وَأَن الْحَاجِب ركب بالعسكر وَقَاتلهمْ ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى اقتحم عَلَيْهِم القلعة وَأَخذهم كلهم إِلَّا خَمْسَة أنفس مِنْهُم فَإِنَّهُم فروا ووسط الْجَمِيع. وَفِي يَوْمه: اسْتَقر صديق الكركي فِي ولَايَة الفيوم وعزل أسَنْبُغا السيفي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ربيع الأول: برز الْأَمِير سودن الطرنطاي نَائِب دمشق إِلَى الريحانية بَعْدَمَا لبس قبَاء السّفر. وَلبس أَيْضا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الأستادار قبَاء السّفر وَتوجه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة.(5/320)
وَفِيه سَار الْأَمِير حسن الكَجكَني إِلَى بِلَاد الرّوم بهمة لخوند كار أَبى يزِيد بن عُثْمَان. وَفِي سادسه: اسْتَقر القَاضِي جمال الدّين مَحْمُود العجمي فِي مشيخة الخانكاة الشيخونية ونظرها بعد وَفَاة الشَّيْخ عز الدّين يُوسُف الرَّازِيّ. وَفِي سادسه: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن بَكنمُر الْحَاجِب - صهر الْأَمِير وَفِيه رَحل الْأَمِير سودن نَائِب دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير بكتمر شاد الشَّرَاب خاناه ليَقْتُلهُ بِدِمَشْق. وَفِي رَابِع عشره: تزوج السُّلْطَان بنت الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد الطولوني المهندس. وَفِي خَامِس عشره: عزل قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي نوابه وَاقْتصر مِنْهُم على خَمْسَة فَقَط. وَكَانَ قد استكثر من النواب حَتَّى زادوا على الْعشْرين فَأنْكر عَلَيْهِ السُّلْطَان ذَلِك فصرفهم. وَفِيه نقل عَلَاء الدّين على البيري مواقع الْأَمِير يلبغا الناصري ومحب الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشّحْنَة قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب من بَيت الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار إِلَى دَار الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَكَانَ قد قبض عَلَيْهِمَا بِالشَّام وحضرا مَعَ السُّلْطَان فِي الترسيم وأنزلا بدار الْأَمِير مَحْمُود فأكرمهما وَقَامَ لَهما. مِمَّا يَلِيق بهما. وَفِي سادس عشره: عزل قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد النحريري الْمَالِكِي نوابه وَترك مِنْهُم خَمْسَة على حَالهم. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر زين الدّين أَمِير فرج الْحلَبِي فِي شدّ الدَّوَاوِين وَكَانَ وَالِي الْقَاهِرَة يتحدث فِي شدّ الدَّوَاوِين مُنْذُ قبض على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أقبغا آص. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشرينه: سَافر إِلَى بِلَاده أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن عَليّ بن غَانِم أَمِير الْعَرَب بِبِلَاد الْمغرب بعد مَا حج وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ أشهراً. وَاجْتمعَ بالسلطان وَألبسهُ كاملية حَرِير بطرز ذهب. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس وزيراً بِدِمَشْق. وَفِيه قتل عَلَاء الدّين على البيري وَدفن خَارج بَاب النَّصْر.(5/321)
وَفِي خَامِس عشرينه: أفرج عَن الْمُحب بن الشّحْنَة. وَفِي سادس عشرينه: أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بكتمر الْحَاجِب على أَن يحمل مِائَتي دِرْهَم فضَّة. وَفِي يَوْم السبت سَابِع ربيع الآخر: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن الصاحب فَخر الدّين عبد الله بن أبي شَاكر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وَاسْتقر منجك السيفي وَالِي أشموم الرُّمَّان وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطَّوِيل. وَاسْتقر يلبغا مَمْلُوك مبارك شاه وافي الأشمونين عوضا عَن مُحَمَّد بن الأعسر. وَاسْتقر شرف الدّين أَبُو البركات مُوسَى بن مُحَمَّد بن جُمُعَة الْأنْصَارِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْخطب شمس الدّين مُحَمَّد بن خطيب نقيرين. وأنعم على الْأَمِير قديد بتقدمة ألف عوضا عَن قُطْلوبُغا الصفوي بعد مَوته. وأنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشرَة وَاسْتقر يَلبغا الظَّاهِرِيّ نَائِب الْوَجْه القبلي على عَادَته. وَفِي سادس عشره: أُعِيد نظر الْجَامِع الطولوني إِلَى قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي وَكَانَ قد اسْتَقر فِيهِ الْأَمِير قطلوبغا الصفوي مُدَّة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير قطلوبغا الأسنقجاوي أَبُو درقة فِي ولَايَة أسوان عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي. وَفِي ثَالِث عشرينه: قتل الْأَمِير أيدكار الْعمريّ وقراكسك وأرسلان اللفاف وصنجق وأرغون شاه. وَفِي خَامِس عشرينه: أُعِيد النَّجْم مُحَمَّد الطنبدي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي. وَفِيه رسم السُّلْطَان للأمير أَبى يزِيد الدوادار وَالْقَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ بالتحدث فِي أوقاف الحرمِين وَأَن يسترفع حِسَابهَا شمس الدّين نصر الله ابْن شظية - مُسْتَوْفِي ديوَان المرتجع - فوُكِّل بمباشري أوقاف الْحَرَمَيْنِ وألزموا بِرَفْع حِسَاب عشر سِنِين وألزم مباشرو موادع الحكم بِعَمَل حِسَاب الْأَيْتَام وَذكر التّرْك الْمُهْملَة ورسم على أُمَنَاء الحكم وجباة الْأَوْقَاف. وَفِيه أضيف إِلَى الْأَمِير مبارك شاه كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية مَعَ كشف الجيزة.(5/322)
وَفِي أول جُمَادَى الأولى: أحضرت عدَّة رُؤُوس من المسجونين بالإسكندرية من الْأُمَرَاء. وَاسْتقر أَبُو بكر بن بدر فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن شرف الدّين بن طي الدهروطي. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير كُمُشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر بعد موت الْأَمِير الْكَبِير أينال اليوسفي وتحدث فِي نظر المارستان المنصوري على الْعَادة. وَاسْتقر الْأَمِير أيتمش البجاسي رَئِيس نوبَة النوب. وَفِي ثَالِث رَجَب: قدم الْبَرِيد بقتل منطاش وَلم يَصح. وَفِي حادي عشره: تجمع عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة على الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار عِنْد نُزُوله من القلعة وسبّوه ورجمه بَعضهم من أَعلَى القلعة بِالْحِجَارَةِ وشهروا دبابيسهم ليقتلوه وَكَانَ قَرِيبا من بَيت الْأَمِير أيتمش. فَلَمَّا بلغه ذَلِك ركب بِنَفسِهِ ليخلصه ففر أَكثر المماليك مِنْهُ وَثَبت بَعضهم. فَمَا زَالَ بهم يدافعهم عَنهُ بالرفق حَتَّى انصرفوا عَنهُ. وَسَار بِهِ إِلَى بيتَه حَتَّى سكنت الْفِتْنَة وشيعه فِي مماليكه إِلَى دَاره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر فِي الوزارة عوضا عَن الرُّكْن عمر بن قايماز. وَاسْتقر ابْن قايماز أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير مَحْمُود بَعْدَمَا أنْفق من مَاله سِتّمائَة ألف دِرْهَم فِي تكفية ديوَان الوزارة ذهبت عَلَيْهِ وَلم يتعوض عَنْهَا وَاسْتقر الْأَمِير وَفِي ثامن عشره: أُعِيد الشهَاب الفرجوطي إِلَى ولَايَة قوص وعُزل مُحَمَّد بن العادلي. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْمعلم أفسح فِي نظر الإسطبلات بعد أَن تعطلت مُدَّة من نَاظر. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتقْبل الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي فِي ولَايَة منوف. وَفِي تَاسِع عشرينه: بُشّر بِزِيَادَة النّيل وَأَن القاع سَبْعَة أَذْرع وَعِشْرُونَ إصبعاً. وَفِيه حضر الشريفان عنان بن مغامس وَعلي بن جلان - أَمِيرا مَكَّة - باستدعاء ودخلا على السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شعْبَان. فأجلس السُّلْطَان ابْن عجلَان - مَعَ صغر سنه - فَوق عنان مَعَ شيخوخته. وَفِي ثَانِي عشره: قبض على الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن مكانس من دَاره بِدلَالَة بعض النَّصَارَى عَلَيْهِ وَسلم لوالي الْقَاهِرَة فَوكل بِهِ من يحفظه فِي دَاره.(5/323)
وَفِي ثَالِث عشره: استَقر الْغَرْس خَلِيل الشرفي وَالِي أشموم الرُّمَّان وَصرف منجك. وَفِي ثامن عشرينه: ابتَدأ بالسلطان مرض لزم مِنْهُ الْفراش. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شهر رَمَضَان: اسْتَقر الْأَمِير كُمُشبغا الخاصكي الأشرفي نَائِبا بِدِمَشْق بعد موت سودن الطرنطاي. وَفِي سادسه - وَهُوَ ثَالِث مسري: - أوفي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي عاشره ورد الْبَرِيد بمحاربة عَسْكَر حلب لمنطاش وفراره وَأَنه عدى الْفُرَات وَقبض على عدَّة من أَصْحَابه. وَفِي حادي عشره: خلع على الشريف عَليّ بن عجلَان وَاسْتقر أَمِيرا بِمَكَّة وَحده من غير شريك لَهُ وخلع على الشريف عنان والشريف عَليّ بن مبارك خلعتي إنعام. وَلبس كمشبغا نَائِب دمشق قبَاء السّفر وَسَار وطُلبه بتجمل عَظِيم قاد فِيهِ سبعين جنيباً من الْخَيل. وَفِي ثَالِث عشره: قُلعت الزِّينَة. وَفِي خَامِس عشره: نزل السُّلْطَان من القلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَصعد إِلَى مدرسته بِخَط بَين القصرين وزار أَبَاهُ وَعَاد. وَفِيه أنعم على الْأَمِير تغري بردى من كشمبغا بتقدمة ألف وأنعم بطبلخاناته على الْأَمِير قلمطاي العثماني. وأنعم على حادي خجا بإمرة عشْرين. وَفِيه أُعِيد الْأَمِير مَحْمُود إِلَى الأستادارية عوضا عَن الرُّكْن عمر بن قايماز. وَاسْتقر ابْن قايماز هن جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي فِي الوزارة بِدِمَشْق عوضا عَن الْفَخر عبد الرَّحْمَن بن مكانس. وَخرج الْبَرِيد بإحضاره من دمشق فِي الترسيم هُوَ وَابْنه مجد الدّين فضل الله وَأَخُوهُ نصر الله. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْبَرِيد بِوُقُوع الْحَرِيق فِي دمشق يَوْم السبت حادي عشْرين شعْبَان بجوار جَامع بنى أُميَّة تلف فِيهِ شَيْء كثير جدا.(5/324)
وَفي هَذَا الشَّهْر: وَقع وباء فِي الْبَقر حَتَّى أبيعت الْبَقَرَة بِعشْرين بعد مَا كَانَت تبَاع بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. ثمَّ فحش الْمَوْت فِيهِنَّ فأبيعت الْبَقَرَة بِخَمْسَة دَرَاهِم وَترك النَّاس أكل لحم الْبَقر استقذاراً لَهُ. وَعم الوباء فِي الْبَقر أَرض مصر كلهَا ففنى مِنْهَا مَا لَا يَقع عَلَيْهِ حصر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس شَوَّال: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد الضاني فِي ولَايَة منفلوط وعزل على بن غَلْبَك. وَفِي سابعه: اسْتَقر أَحْمد الأرغوني فِي ولَايَة دمياط وعزل أَبُو بكر بن بدر. وَفِي ثامن شَوَّال: اسْتَقر القَاضِي بدر الدّين الأقفهسي فِي نظر الدولة وعزل ابْن شيخ. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُؤمن فِي ولَايَة قليوب وعزل قطلوبغا الصفوي. وَاسْتقر عَلَاء الدّين على الطشملاقي وَالِي قطيا. وعزل حسام الدّين حسن المؤمني أَمِير آخور. وَفِيه أنعم على الشريف عَليّ بن عجلَان أَمِير مَكَّة بِأَرْبَعِينَ فرسا وَعشرَة مماليك من الأتراك وَثَلَاثَة آلَاف أردب قمحاً وَألف أردب شَعِيرًا وَألف أردب فولاً وَحمل على فرش بقماش ذهب ورسم لَهُ أَن يستخدم مائَة فَارس من التّرْك يسير بهم إِلَى مَكَّة. وَفِيه قبض على تَاج الدّين بن كحل وَسلم لشاد الدواويِن على مَال يحملهُ. وَفِي خَامِس عاشره: عزل شيخ الشُّيُوخ الْمَعْرُوف بشيخ الْإِسْلَام أصلم بن نظام الدّين الْأَصْفَهَانِي وَسلم لشاد الدَّوَاوِين على حمل مِائَتي ألف دِرْهَم. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما اخْتَلَّ أمره بحركة الْأَمِير يلبغا الناصري ومسيره إِلَى الْقَاهِرَة همَّ الْملك الظَّاهِر بالهرب وَأعْطى شيخ الشُّيُوخ هَذَا خَمْسَة آلَاف دِينَار وواعده أَن ينزل إِلَيْهِ ويختفي عِنْده فَلم يِف لَهُ بذلك وغيب عَنهُ فاختفي السُّلْطَان عِنْد أبي يزِيد كَمَا ذكر. فَلَمَّا عَاد إِلَى الْملك طلب مِنْهُ الْخَمْسَة آلَاف دِينَار على لِسَان الدوادار فَقَالَ تَصَدَّقت بهَا على الْفُقَرَاء. فَلَمَّا ألح الدوادار فِي مُطَالبَته قَالَ: أعلم السُّلْطَان أَنِّي أجمع الْفُقَرَاء من الزوايا والربط وألزمهم بِإِعَادَة مَا تَصَدَّقت بِهِ عَلَيْهِم وَأَقُول لَهُم إِن لسلطان قد عَاد فِي صدقته فَإِنَّهُ لم يدْفع هَذَا المالل إِلَيّ إِلَّا لأتصدق بِهِ لَا أَنه وَدِيعَة عِنْدِي.(5/325)
فَلَمَّا أعَاد الدوادار على السُّلْطَان هَذَا القَوْل أسرها فِي نَفسه وَصبر كعادته حَتَّى وقف إِلَيْهِ من ادّعى أَن تَاجِرًا ترك عِنْد شيخ الشُّيُوخ عدَّة أحمال فِيهَا ثِيَاب ليسافر بهَا من غير مكر فَأمر بِطَلَبِهِ من خانكاه سرياقوس. فَلَمَّا وقف مَعَ غَرِيمه اعتذر فَقَالَ بعض من حضر أَنه مَكْتُوب فِي يَده سحر يسحر بِهِ السُّلْطَان فَعَزله من المشيخة وتسلمه شاد الدَّوَاوِين. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى فِي نقابة الْجَيْش وعزل أسندمر. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر الشريف فَخر الدّين نَاظر المارستان فِي مشيخة الشيويخ بخانكاة سرياقوس. وَفِي عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين مَحْمُود العجمي فِي نظر الجيمش عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز مَعَ مَا بِيَدِهِ من قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة ومشيخة الشيخونية وَلم يَقع مثل ذَلِك بدولة الأتراك فِي مصر. وَاسْتقر قطلوبغا القشتمري الْحَاجِب فِي كشف الْوَجْه البحري وعزل قطلوبغا وعزل أوناط. وَفِي خَامِس عشرينه: سَار الشريف عَليّ بن عجلَان بعسكره إِلَى مَكَّة وَمنع الشريف عنان من السّفر ورتب لَهُ فِي كل يَوْم مَا يقوم بِهِ. وَفِي سادس عشرينه: نُودي بِزِيَادَة النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير تاني بك اليحياوي أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير بكلمش وَفِي سلخه: نُودي بِخُرُوج القطعان الَّذين قطعت أَيْديهم فِي السرقات والبرصان والجذماء من الْقَاهِرَة وظواهرها وهمد من أَقَامَ مِنْهُم بالتوسيط. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أول ذِي الْقعدَة - وَهُوَ ثَالِث عشْرين توت -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى اثْنَي عشر إصبعاً من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى سَابِع بَابه ثمَّ انحط بعد مَا بلغ عشْرين إصبعاً من عشْرين ذِرَاعا. وَفِي رابعه: أُعِيد مبارك شاه إِلَى نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل يلبغا الأسعدي. وَاسْتقر حسام الدّين المؤمني أَمِير أخور فِي ولَايَة الجيزة.(5/326)
وَفِي سابعه: أُعِيد بهاء الدّين مُحَمَّد الْبُرْجِي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل النَّجْم مُحَمَّد الطنبدي وَأذن لَهُ فِي الحكم عَن قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي. وَفِي تاسعه: سَار السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة. وَفِي عاشره: عُفيَ عَن القطعان من النَّفْي. وَفِي ثَالِث عشره: قدم نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي من الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة. وعزل الشهَاب أَحْمد النحريري وَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من سرياقوس بالتشريف. وَفِي سادس عشره: قبض بسرياقوس على سِتَّة مماليك وحملوا فِي الْحَدِيد إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة من وَفِي ثامن عشره: عزل الْمُقدم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وألزم بِحمْل مِائَتي ألف دِرْهَم وَاسْتقر عوضه فِي تقدمة الدولة تنيتين. وَاسْتقر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فِي تقدمة الْخَاص وَشرع فِي حمل مَا قرر عَلَيْهِ للوزير. وَفِيه قتل الْأَمِير قرا دمرداش والأمير طغاي تمر - نَائِب سيس - فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَفِيه اسْتَقر تَقِيّ الدّين أَبُو مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبى المحاسن يُوسُف ابْن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكفري فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن نجم الدّين مَحْمُود بن الِكشْك. وَاسْتقر الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم التادلي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وَاسْتقر عمر بن إلْيَاس أخي قرط فِي ولَايَة منفلوط. وَفِي خَامِس عشْرين ذِي الْحجَّة: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالسلامة والأمن وتسلم على بن عجلَان مَكَّة وَأَنه غرق بجدة نَحْو الثَّلَاثِينَ مركبا من ريح عاصف. وَاسْتقر شرف الدّين مَسْعُود فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بطرابلس عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن كَمَال الدّين المعري. وَفِي سَابِع عشرينه: أَمر قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي الشَّافِعِي بِلُزُوم بَيته وَألا يحكم. وَفِي هده السّنة: ضرب الْأَمِير مَحْمُود الأستادار بالإسكندرية فُلُوسًا نَاقِصَة الْعيار عَن الْفُلُوس الَّتِي يتعامل بهَا النَّاس فِي ديار مصر.(5/327)
وفيهَا اسْتَقر الأميران شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير زين الدّين قارا بن مهنا وزين الدّين رقيبة بن الْأَمِير ركن الدّين عمر بن مُوسَى بن مهنا الشهير بعمر المصمع. وَفِي هَذِه السّنة: خرج جمَاعَة من بِلَاد الْمغرب يُرِيدُونَ أَرض مصر لأَدَاء فَرِيضَة الْحَج وَسَارُوا فِي بَحر الْملح فألقتهم الرّيح إِلَى جَزِيرَة صقلية فَأَخذهُم النَّصَارَى وَمَا مَعَهم وَأتوا بهم إِلَى ملك صقلية فأوقفهم بَين يَدَيْهِ وسألهم عَن حَالهم فأخبروه أَنهم خَرجُوا يُرِيدُونَ الْحَج فألقاهم الرّيح إِلَى هُنَا فَقَالَ: أَنْتُم غنيمَة قد ساقكم الله إِلَيّ وَأمر بهم أَن يقيدوا حَتَّى يباعوا ويستخدموا فِي مهنهم وَكَانَ من جُمْلَتهمْ رجل شرِيف فَقَالَ لَهُ على لِسَان ترجمانه: أَيهَا الْملك إِذا قدم عَلَيْك ابْن ملك مَاذَا تَصنع بِهِ قَالَ: أكْرمه قَالَ: وَإِن كَانَ على غير دينك. قَالَ: وَمَا كرامته إِلَّا إِذا كَانَ على غير ديني وَإِلَّا فَأهل ديني وَاجِب كرامتهم قَالَ: فَإِنِّي ابْن أكبر مُلُوك الأَرْض. قَالَ: وَمن أَبوك قَالَ: عَليّ بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ. قَالَ: وَلم لَا. قلت: أَبى مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: خشيت أَن تشتموه. قَالَ: لَا نشتمه أبدا. قَالَ: بيَّنْ لي صدق مَا ادعيت بِهِ فَأخْرج لَهُ نسبته - وَكَانَت مَعَه فِي رق - فَأمر بِتَخْلِيَتِهِ وتخلية من مَعَه لسبيلهم وجهزهم. ثمَّ بلغه أَن بعض النَّصَارَى من أجناده بَال على هَذَا الشريف فَأمر بِهِ فَأحرق وَشهر فِي بَلَده. وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاء من يشْتم الْمُلُوك فَإِنَّهُ كَانَ شتم أَبَا الشريف وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان سوى من قتل من الْأُمَرَاء: شهَاب الدّين أَحْمد الدَّفري أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الدّنيسري الْمَعْرُوف بِابْن الْعَطَّار الشَّاعِر فِي سادس عشْرين ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير الْكَبِير أينال اليوسفي أحد المماليك اليلبغاوية فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. كَانَ أينال شرس الْأَخْلَاق شجاعاً.(5/328)
وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بُطا الطولوتمري أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق ونائب الشَّام فِي حادي عشْرين الْمحرم بِدِمَشْق. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تلكتمر. تنقل فِي الخدم حَتَّى أنعم عَلَيْهِ الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن وَبعد وَاقعَة الْأَمِير أسندمر بإمرة مائَة. وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا فِي تَاسِع عشر صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. ثمَّ صَار أَمِير مجْلِس فِي خَامِس عشر رَمَضَان مِنْهَا ثمَّ نقل من ذَلِك وَصَارَ أستاداراً فِي حادي عشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَسبعين عوضا عَن علم دَار المحمدي. ثمَّ أخرج إِلَى صفد فِي ثَالِث ربيع الآخر مِنْهَا وَاسْتقر نائبها. ثمَّ أحضر إِلَى الْقَاهِرَة بعد قَلِيل وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة. فَلَمَّا كَانَ فِي صفر سنة خمس وَسبعين اسْتَقر حَاجِب الْحجاب مُدَّة ثمَّ تعطل وَلزِمَ دَاره حَتَّى مَاتَ فِي حادي عشْرين ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير سودُن الطرنطاي نَائِب دمشق بهَا فِي شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ المعتقد طَلْحَة المغربي المجذوب فِي رَابِع عشر شَوَّال بِمَدِينَة مصر. وَكَانَت جنَازَته مَشْهُورَة وَدفن خَارج بَاب النَّصْر وَهُوَ أحد من أوصى الْملك الظَّاهِر عِنْد مَوته بدفنه تَحت أَرجُلهم. وَمَات صدر الدّين عبد الْخَالِق بن عَليّ بن الْحسن بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْفُرَات الْمَالِكِي موقع الحكم أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ خَلِيل وَكتب على غَازِي وبرع فِي الْفِقْه وَالْكِتَابَة. وَمَات فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الشَّيْخ عز الدّين يُوسُف بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الرَّازِيّ العجمي الْحَنَفِيّ الْأَصَم شيخ الخانكاة الركنية بيبرس ثمَّ شيخ الخانكاة الشيخونية وَمَات فِي ثَالِث عشْرين الْمحرم وَقد أناف على السّبْعين. وَمَات القَاضِي جمال الدّين عبد الله بن الفيشي الْمَالِكِي أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ نَقِيبًا للقضاة ثمَّ تولى الحكم ورتب درساً بالجامع الْأَزْهَر وأجرى عَلَيْهِ وَقفا. وَمَات فِي الْعشْرين من ربيع الأول بعد أَن ابتلى بالجذام عدَّة سِنِين وَهُوَ يُبَاشر الحكم. وَمَات الشريف عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن عبد الله بن عبد الْكَافِي بن قُرَيْش بن عبد الله بن عياد بن طَاهِر بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن قَاسم بن مُوسَى الجليس بن إِبْرَاهِيم بن طَبَاطَبَا بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَبى طَالب الطباطبي الْمُؤَذّن فِي ثامن شَوَّال وَكَانَ قد حظي عِنْد السُّلْطَان وَتمكن مِنْهُ. حَدثنِي(5/329)
شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْعمريّ - موقع الدست - قَالَ: كنت فِي خدمَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي قَاضِي الْقُضَاة وناظر الْجَيْش فَركب يَوْمًا وأتى مَعَه إِلَى دَار الشريف عبد الرَّحْمَن هَذَا فَتَلقاهُ وَأدْخلهُ إِلَى دَاره واستعظم مَجِيئه إِلَيْهِ فَبَالغ مَحْمُود فِي التأدب مَعَه وَقَالَ لَهُ: يَا سيد أَنا أسْتَغْفر الله مِمَّا وَقع مني. فَقَالَ: وَمَا الْخَبَر يَا سَيِّدي قَالَ: مَا دخلت البارحة إِلَى السُّلْطَان وَجئْت أَنْت وَجَلَست فَوقِي أنفت من هَذَا فِي سري وَقلت: كَيفَ يجلس هَذَا فَوقِي ومحلي من الدولةَ مَا قد عرف وشق عليَّ ذَلِك وَقمت وَلم يشْعر أحد من خلق الله بِشَيْء من ذَلِك بل كَانَ مِمَّا حدثت نَفسِي. فَلَمَّا نمت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لي: يَا مَحْمُود تستقل ابْني أَن تجْلِس تَحْتَهُ فاستغفرت مِمَّا وَقع مني وَقد جئْتُك ثَانِيًا بِمَا خطر لي وَمَات الأديب الْوَزير فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن شمس الدّين عبد الرَّزَّاق بن علم الدّين إِبْرَاهِيم بن مكانس القبطي نَاظر الدولة بديار مصر ووزير دمشق. مَاتَ فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن عِيسَى بن مُوسَى بن عِيسَى بن سليم بن حميد الْأَزْرَقِيّ المقيري الكركي كَاتب السِّرّ فِي أول ربيع الأول وَدفن خَارج بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة. وَمَات عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الله بن يُوسُف البيري الْحلَبِي الأديب الشَّاعِر المنشئ الْكَاتِب فِي رَابِع عشْرين ربيع الأول مخنوقاً. وَمَات الْأَمِير عنقاء بن شطي أَمِير آل مرا قَتله الفداوية فِي رَابِع الْمحرم. وَمَات الشريف عَليّ بن الشريف شُجَاع الدّين عجلَان أَمِير مَكَّة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الصفوي حَاجِب الْحَاجِب فِي أول ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا الطقتمشي أحد أُمَرَاء العشراوات فِي عَاشر صفر. وَمَات الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله المنهاجي الزَّرْكَشِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي ذُو الْفُنُون والتصانيف المفيدة فِي ثَالِث رَجَب. سمع الحَدِيث وَأفْتى ودرس. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الركراكي المغربي فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى وَقد قَارب الْمِائَة سنة. وَهُوَ ممتع حَتَّى بِالنسَاء.(5/330)
وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَمِين الْملك الْحلَبِي الْحَنَفِيّ الْأَعْوَر أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي رَابِع شَوَّال. وَمَات الشَّيْخ الْمُحدث بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مجير الْمَعْرُوف بِابْن الصايغ وابنالمشارف فِي ثَالِث ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير حسام الدّين لاجين الصقري المنجكي فِي ثَانِي عشر صفر بِمَرَض طَوِيل من غير أَن ينكب. وَمَات جمال الدّين مَحْمُود بن حَافظ الدّين مُحَمَّد بن تَاج الدّين إِبْرَاهِيم بن شنبكي بن أَيُّوب بن قراجا بن يُوسُف القيصري الْمَعْرُوف بِابْن الْحَافِظ الْحَنَفِيّ قَاضِي الْحَنَفِيَّة بحلب وَكَانَ فَاضلا جليل الْقدر عُفيَ عَنهُ.(5/331)
فارغه(5/332)
(سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الْأَحَد: فَفِي ثَانِيه أُعِيد صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بديار مصر عوضا عَن الْعِمَاد أَحْمد الكركي وَنزل بالتشريف من قلعة الْجَبَل إِلَى الْمدرسَة الصالحية على الْعَادة وَبَين يَدَيْهِ عَالم عَظِيم مِنْهُم الْأَمِير أَبُو يزِيد الدوادار وَبدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله كَاتب السِّرّ وَرَأس نوبَة وحاجب الْحجاب. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن غلبك بن المكللة فِي كشف الفيوم والبهنسا والأطفيحية عوضا عَن طيبغا الزيني. وَفِي تاسعه: قبض على الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أَبى شَاكر وتسلمه أَمِير فرج شاد الدَّوَاوِين ليعاقبه على المَال. وأعيد موفق الدّين أَبُو الْفرج إِلَى الوزارة. وَفِي حادي عشره: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ بمدرسة السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشره: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير كمشبغا الخاصكي نَائِب دمشق فاستقر عوضه تاني بك الْأَمِير الْمَعْرُوف بتنم الحسني أتابك دمشق وأنعم بإمرته على فَخر(5/333)
الدّين إِيَاس الجرجاوي نَائِب طرابلس. وَنقل دمرداش المحمدي نَائِب حماة إِلَى نِيَابَة طرابلس. وَاسْتقر أقبغا الصَّغِير فِي وَفِيه اسْتَقر حسن المؤمني وَالِي الجيزة فِي ولَايَة قطا وعزل على الطشلاقي وَاسْتقر على بن قراجا فِي ولَايَة الجيزة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع صفر: اسْتَقر أسَنْبُغا السيفي فِي ولَايَة قوص. وَقدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن جنتمر التركماني أَمِير ركب الشَّام هجم على أَشْرَاف الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ليَأْخُذ مِنْهُم صقراً يصطاد بِهِ وفهداً فدافعوه وَقتل مِنْهُم شريفين. وكادت الْحَرْب تقع لَوْلَا ركب الْأَمِير ثَابت بن نعير أَمِير المدينةَ وكف عَن الْقِتَال. وَأَن الشريف عَليّ بن عجلَان قبض على سبعين من بني حسن بِمَكَّة. وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد فِي ولَايَة قطيا وعزل حسن المؤمني. وَفِي تَاسِع عشْرين جُمَادَى الأول: قدم مُحَمَّد بن قارا ومملوك نَائِب دمشق على الْبَرِيد بِأَن منطاش ونعر أَمِير الْعَرَب. وَابْن بزدغان التركماني وَابْن أينال التركماني حَضَرُوا فِي عَسَاكِر كَثِيرَة جحا إِلَى سلمية فَلَقِيَهُمْ مُحَمَّد بن قارا على شيزر بالتراكمين فَقَاتلهُمْ فَقتل ابْن بزدغان وَابْن أينال وجرح منطاش وَسقط عَن فرسه فَلم يعرف لِأَنَّهُ حلق شَاربه وَرمى شعره ثمَّ أَنه أدْركهُ ابْن نعير وأردفه خَلفه وَانْهَزَمَ بعد أَن قتل من الْفَرِيقَيْنِ عَالم كَبِير. وحُملت رَأس بن بزدغان وَابْن أينال إِلَى دمشق وعلفتا على قلعتها. وَفِيه اسْتَقر يلبغا الزيني فِي ولَايَة الأشمونين، وعزل مُحَمَّد بن الأعسر.(5/334)
وَفِي سلخه: اسْتَقر الْحَاج سُلْطَان مهتار الركاب خاناه وعزل المهتار خَلِيل بن أَحْمد بن الشيخي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: قبض على الشريف عنان بن مغامس وسجن بالبرج فِي القلعة. وَقدم الْخَبَر بِمَوْت الطواشي زين الدّين مقبل الرُّومِي الشهابي شيخ الخدام بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ فَكتب باستقرار الطواشي زين الدّين مسرور الحبشي البشتكي الناصري عوضه. وَفِي ثامنه: قدم الْبَرِيد بِأَن نعير بن حيار ومنطاش كبسا حماه فِي عَسْكَر كَبِير فَقَاتلهُمْ نائبي حماه وطرابلس فانكسرا ونهبت حماه وَأَن جلبان نَائِب حلب سَار بعسكر إِلَى أَبْيَات نعير عِنْدَمَا بلغه ذَلِك وَأخذ مَا قدر عَلَيْهِ من المَال وَالْخَيْل وَالْجمال وَالنِّسَاء والأطفال وأضرم النَّار فِيمَا بَقِي وأكمن كميناً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن سمع نعير بِمَا نزل ببيوته رَجَعَ إِلَيْهَا بجمائعه فَخرج الكمين وَقتل من العربان وَأسر كثيرا وَقتل من عَسْكَر حلب نَحْو الْمِائَة فَارس وعدة من الْأُمَرَاء. وَفِي عاشره: أفرج عَن الْأَمِير ألطنبغا الْمعلم وَنفي إِلَى دمياط وَأَفْرج عَن الْأَمِير قطلوبغا السيفي الْحَاجِب فِي أَيَّام منطاش. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير يلبغا الأشقتمري نَائِب غَزَّة. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الحسام حسن صهر أبي عرقة فِي ولَايَة أسوان وعزل(5/335)
إِبْرَاهِيم الشهابي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير قَلَمْطاي دواداراً بعد وَفَاة أَبى يزِيد. وَفِي رَابِع عشره: توجه ألطنبغا العثماني إِلَى نيابته بغزة وأنعم على تمراز الناصري رَأس نوبَة بطبلخاناه العثماني وأنعم على شرف الدّين مُوسَى بن قماري أَمِير شكار بِعشْرَة تمراز زِيَادَة على عشرته. وَفِي عشرينه: ابْتَدَأَ بالسلطان وعك اشْتَدَّ بِهِ وأفرط عَلَيْهِ الإسهال الدموي وَكثر الإرجاف إِلَى سادس عشرينه. وأبل من مَرضه فَنُوديَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَجلسَ للْحكم بَين النَّاس فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه على عَادَته. وَركب من الْغَد وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة إِلَى بَيت الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَدخل إِلَيْهِ يعودهُ من مرض بِهِ وركض إِلَى القلعة. وَفِيه قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أقبغا آص كاشف الجيزة وَضرب بالمقارع لشكوى الفلاحين مِنْهُ وَسلم لِابْنِ الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الأحمدي الظَّاهِرِيّ - الْمَعْرُوف بالمجنون - فِي كشف الْوَجْه البحري وعزل وَفِي رَابِع شعْبَان: نقل ابْن أقبغا آص من بَيت ابْن الطبلاوي إِلَى الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار ليَأْخُذ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم فَوقف عدَّة من الفلاحين إِلَى السُّلْطَان فِي يَوْم الْأَحَد سابعه وَشَكوا مِنْهُ أموراً قبيحة من أَخذ نِسَائِهِم وَأَوْلَادهمْ وفجوره بهم وحاققوه فِي وَجهه على ذَلِك وعَلى أَمْوَال أَخذهَا مِنْهُم فَضرب بالمقارع وَسلم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ أَمْوَال الفلاحين فَضَربهُ أَيْضا بِحَضْرَة أخصامه. وَفِي ثامنه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِيه اسْتَقر أوناط اليوسفي نَائِب الْوَجْه البحري وَكَاشف الْبحيرَة وواليها. وعزل دمرداش السيفي وأعيد مُحَمَّد بن حسن بن ليلى إِلَى ولَايَة قطا بعد موت مُحَمَّد بن أشقتمر. وَاسْتقر أسندمر الْعمريّ نقيب الْجَيْش بعد أَن كَانَ فِي ولَايَة بلبيس وعزل على بن الطشلاقي. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن نصر الله فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة أَبِيه قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين.(5/336)
وَفِي سَابِع عشرينه: قدم عَامر بن ظَالِم بن حيار بن مهنا - ولد أخي الْأَمِير نعير - مغاضباً لِعَمِّهِ فَأقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ وَأَجْلسهُ وخلع عَلَيْهِ. وَقدم الْبَرِيد من دمشق بوصول أَبى بكر وَعمر وَلَدي نعير مفارقين لأبيهما ومعهما عدَّة من وَفِي تَاسِع عشرينه: قدمت رسل القان طَقْتمش خَان ملك الدشت. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث رَمَضَان: قدم الْبَرِيد من حلب بِقَبض منطاش وَذَلِكَ أَن الْأَمِير جلبان نَائِب حلب لم يزل يبْذل جهده فِي أَمر منطاش حَتَّى وَافقه الْأَمِير نعير على ذَلِك. وَكَانَ فِي طول هَذِه الْمدَّة مُقيما عِنْده ويغزو مَعَه فَبعث جلبان شاد شراب خاناته كمشبغا إِلَى نعير فِي خَمْسَة عشر فَارِسًا بَعْدَمَا الْتزم لَهُ بِإِعَادَة إمرة الْعَرَب إِلَيْهِ. فَلَمَّا قرب من أَبْيَات نعير نزل وَبعث يَأْمُرهُ بِقَبْضِهِ فندب نعير أحد عبيده إِلَى منطاش يستدعيه إِلَيْهِ فأحس بِالشَّرِّ وهم بالفرار فَقبض العَبْد عنان فرسه وأدركه عبد آخر وأنزلاه عَن فرسه وأخذا سَيْفه فبدر إِلَى سكين مَعَه ضرب نَفسه بهَا أَربع ضربات وأغشى عَلَيْهِ وَحمل إِلَى كمشبغا وَمَعَهُ فرسه وَأَرْبع جمال فَسَار بِهِ إِلَى حلب فِي أَرْبَعمِائَة فَارس من عرب نعير. فَكَانَ لدُخُوله يَوْمًا مشهوداً وسجن بقلعتها. فسر السُّلْطَان بذلك سُرُورًا عَظِيما وأنعم على كمشبغا الْوَاصِل بالبشرى بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وقباء مطرز بِنصب وَتقدم إِلَى سَائِر الْأُمَرَاء بخلعهم عَلَيْهِ ودقت البشائر وَنُودِيَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر وَنُودِيَ من الْغَد بِأَن منطاش قد قبض عَلَيْهِ. وَفِي خامسه: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْحَنْبَلِيّ على الْعَادة. وَفِيه توجه الْأَمِير سيف الدّين طولو من عَليّ باشا - أحد العشراوات - على الْبَرِيد لإحضار منطاش فَسَار إِلَى حلب وعصره لِيُقِر فَلم يعْتَرف بِشَيْء ثمَّ ذبح وحملت رَأسه على رمح وطيف بهَا حلب وَسَائِر مدن الشَّام حَتَّى قدمت قلعة الْجَبَل صُحْبَة طُولُو فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه علقت على بَاب القلعة ثمَّ طيف بهَا - على رمح - الْقَاهِرَة ومصر وعلقت على بَاب زويلة ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ حطت وسلمت إِلَى زَوجته أم وَلَده. فدفنت فِي سادس عشرينه.(5/337)
وَفِيه قلعت الزِّينَة وَخرج يَلبغَا السالمي على الْبَرِيد إِلَى الْأَمِير نعير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هجم الفرنج على نَاحيَة نَسْتَراوه فِي أَرْبَعَة غربان وَسبوا ونهبوا وَأَقَامُوا ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي تَاسِع عشرينه: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَافقه سادس عشر مسري فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَقدم رسل متملك دهلك بفيل وزرافة وعدة من الْجَوَارِي والخدم وَغير ذَلِك. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشر شَوَّال: خرج الْمحمل إِلَى الْحجاز مَعَ الْأَمِير سيف الدّين فَارس من قطلو شاه أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَفِيه ابْتَدَأَ النَّاس فِي الْعِمَارَة على الْكَبْش فبنوا الدّور والأصطبل. وَفِي تَاسِع عشره: قدم رَسُول الْملك الظَّاهِر مَجْد الدّين عِيسَى - صَاحب ماردين - بِأَن تَيْمور لنك أَخذ تبريز وَبعث إِلَيْهِ يستدعيه إِلَى عِنْده بهَا فَاعْتَذر بمشاورة السُّلْطَان مصر فَلم يقبل مِنْهُ وَقَالَ: لَيْسَ لصَاحب مصر عَلَيْك حكم ولأسلافك دهر بِهَذَا لأقليم وَأرْسل إِلَيْهِ خلعة وصكة ينقش بهَا الذَّهَب وَالدَّنَانِير. وَفِيه قدم رَسُول صَاحب بسطَام بِأَن تيمور قتل شاه مَنْصُور متملك شيراز بعث بِرَأْسِهِ إِلَى بَغْدَاد وَبعث بالخلعة والصكة إِلَى السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك(5/338)
بَغْدَاد فَلبس الخلعة وَضرب الصكة. ثمَّ أَن تيمور مَلَكَ بَغْدَاد فِي يَوْم السبت حادي عشرينه وَذَلِكَ أَن ابْن أويس كَانَ قد أسرف فِي قتل أُمَرَاء دولته وَبَالغ فِي ظلم رَعيته وانهمك فِي الْفُجُور فكاتب أهل بَغْدَاد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثونه على الْمسير إِلَيْهِم فَتوجه إِلَيْهَا بعساكره حَتَّى بلغ الدربند وَهُوَ عَن بَغْدَاد مسيرَة يَوْمَيْنِ. فَبعث إِلَيْهِ ابْن أويس بالشيخ نور الدّين الْخُرَاسَانِي فَأكْرمه تيمور وَقَالَ: أَنا أترك بَغْدَاد لِأَجلِك. ورحل يُرِيد السُّلْطَانِيَّة فَبعث الشَّيْخ نور الدّين كتبه بالبشارة إِلَى بَغْدَاد وَقدم فِي إثْرهَا. وَكَانَ تيمور قد سَار يُرِيد بَغْدَاد من طَرِيق أخر فَلم يشْعر ابْن أويس - وَقد اطْمَأَن - إِلَّا تيمور قد نزل غربي بَغْدَاد قبل أَن يصل إِلَيْهَا الشَّيْخ نور الدّين فدهش عِنْد ذَلِك ابْن أويس وَأمر بِقطع الجسر ورحل بأمواله وَأَوْلَاده وَقت السحر من لَيْلَة السبت الْمَذْكُور. وَترك الْبِلَاد فَدخل إِلَيْهَا تيمور وَأرْسل ابْنه فِي إِثْر ابْن أويس فأدركه بالحلة وَنهب مَاله وسبى حريمه وَقتل وَأسر كثيرا مِمَّن مَعَه. وَنَجَا ابْن أويس فِي طَائِفَة وهم عُرَاة. فقصد حلب وتلاحق بِهِ من تبقى من أَصْحَابه. وَفِي عَشِيَّة يَوْم الْجُمُعَة. عشرينه - وَهُوَ أول توت -: أمْطرت السَّمَاء بِالْقَاهِرَةِ مَطَرا غزيراً حَتَّى خَاضَ النَّاس فِي الْمِيَاه وَهَذَا من غَرِيب مَا يحْكى.(5/339)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة: قدم الْبَرِيد بِأخذ تيمور بَغْدَاد. وَفِي رابعه: قدم الْبَرِيد بنزول ابْن أويس الرحبة فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس. وَقدم كِتَابه وَكتاب الْأَمِير نعير فَأُجِيب اً حسن جَوَاب وَكتب بإكرامه وَالْقِيَام. مِمَّا يَلِيق بِهِ وَتوجه إِلَيْهِ الْأَمِير نعير فعندما عاين ابْن أويس نزل وَقبل الأَرْض وَسَار بِهِ إِلَى بيوته وأضافه ثمَّ سيره إِلَى حلب فَقَدمهَا وَمَعَهُ أَحْمد شكر وَنَحْو الألفي فَارس فأنزله الْأَمِير جلبان نَائِب حلب بالميدان وَقَامَ لَهُ. مِمَّا يَلِيق بِهِ. وَكتب مَعَ الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان بذلك وَتشفع فِي الْأَمِير نعير وَفِي شكر أَحْمد. وَكتب أَيْضا ابْن أويس يسْتَأْذن فِي الْقدوم فَجمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء للمشورة فِي أَمر ابْن أويس فاتفقوا على إِحْضَاره وَأَن يخرج إِلَى مَجِيئه الْأَمِير عز الدّين اً زْدَشير وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة وَألف دِينَار برسم النَّفَقَة على ابْن أويس. وَفِي سادس عشرينه: توجه الْأَمِير أزدمر على الْبَرِيد لإحضار ابْن أويس. وَفِيه سلم الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة فَضَربهُ بالمقارع وَبَالغ فِي إهانته وَأخرجه نَهَارا على حمَار وَفِي عُنُقه الْحَدِيد وثيابه مضمخة بالدماء فترامى على النَّاس وَطرح نَفسه على الْأَبْوَاب يسْأَل شَيْئا يَسْتَعِين بِهِ فِي مصادرته. وَفِيه قدمت رسل أبي يزِيد بيك بن مُرَاد بيك بن عُثْمَان متملك الرّوم مَعَ الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني بهدية سنية مِنْهَا باز أَبيض وَسَأَلَ الرُّسُل تجهيز طَبِيب من أطباء الْقَاهِرَة إِلَى ابْن عُثْمَان ليداويه من مرض بِهِ فَتعين الطَّبِيب شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصَّغِير وجُهز وَأعْطى من الْأَدْوِيَة والعقاقير مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ابْن عُثْمَان. وَأما تَيمور فَإِنَّهُ لما مَلَك بَغْدَاد صادر أَهلهَا ثَلَاث مَرَّات فِي كل مرّة مِنْهُم ألف تومان وَخَمْسمِائة تومان وكل تومان مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار عراقية وَالدِّينَار الْعِرَاقِيّ بِقدر دِرْهَم مصر الْفضة حَتَّى أفقرهم كلهم. وَكَانَ جملَة مَا أَخذ مِنْهُم نَحْو مائَة ألف ألف وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم بعد أَن تنوع فِي عقوبتهم وسقاهم الْملح وَالْمَاء وشواهم على النَّار وَلم يبْق لَهُم مَا يستر عَوْرَاتهمْ. وصاروا يخرجُون فيلتقطون الْخرق من الطرقات حَتَّى تستر عَوْرَاتهمْ وتغطى رؤوسهم. ثمَّ إِنَّه بعث ابْنه إِلَى الحلّة فَوضع فِي أَهلهَا السَّيْف يَوْمًا وَلَيْلَة وأضرم فِيهَا النَّار حَتَّى احترقت وفنى مُعظم أَهلهَا وَيُقَال(5/340)
إِنَّه قتل فِي الْعقُوبَة من أهل بَغْدَاد ثَلَاثَة آلَاف نفس. وَبعث تيمور من بَغْدَاد العساكر إِلَى الْبَصْرَة فَلَقِيَهُمْ صَاحبهَا الْأَمِير صَالح بن جولان وحاربهم وَأسر ابْن تيمور وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا فَبعث إِلَيْهِ عسكراً آخر فِي دجلة فظفر بهم صَالح أَيْضا. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن جماز بن هبة حصر الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فقاتله ابْن عَمه الشريف ثَابت بن نعير وَقتل بَينهمَا جمَاعَة. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: أفرج عَن صَاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وَقد بَقِي عَلَيْهِ مِمَّا ألزم بِهِ شَيْء وَكَانَ الَّذِي صودر عَلَيْهِ مبلغ خمسين ألف دِرْهَم. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر فِي نظر الإصطبلات. وَفِي سادس عشره: توجه السُّلْطَان إِلَى منزلَة سرياقوس على الْعَادة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير يُونُس نَائِب الكرك ركب ليَأْخُذ غنما للعشير فَلَمَّا أحَاط بهَا وَقبض على عشرَة من العشير ثَارُوا بِهِ وقتلوه. وَكَانَ قد خرج إِلَيْهِم بِغَيْر عَسْكَر لَيْسَ مَعَه إِلَّا عشرَة مماليك. وَفِي ثامن عشره: أخرج شكر باي العثماني أَمِيرا بحلب. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بالأمن والرخاء وَأَنه لم يحضر أحد من حَاج وَفِي تَاسِع عشرينه: أَمر فِي الْقَاهِرَة ومصر بتجهيز النَّاس للسَّفر لقِتَال تيمور لنك فَإِنَّهُ قصد أَخذ الْبِلَاد وَقتل الْعباد وهتك الْحَرِيم وَقتل الْأَطْفَال وأحرق الديار فَاشْتَدَّ بكاء النَّاس وَعظم خوفهم وَكَانَ من الْأَيَّام الشنعة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن أَرْبَعَة من رُهْبَان النَّصَارَى خَرجُوا بِمَدِينَة الْقُدس ودعوا الْفُقَهَاء لمناظرتهم فَلَمَّا اجْتمع النَّاس لَهُم جهروا بالسوء من القَوْل وصرحوا بذم الْملَّة(5/341)
الإسلامية والأزراء على الْقَائِم بهَا وَأَنه كَذَّاب وساحر وَمَا الْحق إِلَّا فِي دين عِيسَى فَقبض عَلَيْهِم وَقتلُوا وحرقوا بالنَّار فَكَانَ من الْأَيَّام الْمَشْهُورَة بالقدس. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الصارم إِبْرَاهِيم بن طشتمر الدوادار فِي خَامِس رَمَضَان بالإسكندرية. وَمَات القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الضياء مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي شيخ الجاولية وَأحد نواب الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ فِي ثامن عشْرين ربيع الآخر. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مخلوف الْحَنَفِيّ نقيب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة فِي عشْرين رَجَب. وَمَات الْأَمِير زين الدّين أَبُو يزِيد بن مُرَاد الخازن دوادار السُّلْطَان فِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة وَحضر السُّلْطَان جنَازَته. وَمَات الْحَاج صبيح الغواصي مهتار الطشتخاناه بَعْدَمَا أسنَّ وطالت عطلته فِي ثامن عشْرين ربيع الآخر. وَمَات الْوَزير الصاحب شمس الدّين أَبُو الْفرج عبد الله المقسي القبطي فِي رَابِع شعْبَان وَدفن بِجَامِع المقس الَّذِي جدده على الخليج. وَمَات علم الدّين عبد الله بن الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن شَاكر بن الغنام نَاظر الْبيُوت فِي ثامن ربيع الأول وَكَانَ حشماً. وَمَات الْأَمِير زين الدّين أَبُو يزِيد الأرزنكاني الدوادار وَكَانَ عفيفاً عَاقِلا عَارِفًا يكْتب الْخط الْمليح ويشارك فِي عدَّة عُلُوم. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن صَالح الزُّهْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي بِدِمَشْق. وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد الأقفهسي الْفَقِيه الشَّافِعِي فِي ثَانِي عشْرين شَوَّال قَرَأَ على الْكَمَال النشائي وبرع فِي الْفِقْه وَأفْتى ودرس بالجامع الخطيري وَغَيره وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الشَّيْخ عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن سبع الْفَقِيه الشَّافِعِي بَعْدَمَا خرف وقارب الْمِائَة سنة فِي سادس عشْرين رَمَضَان عَن غير وَارِث.(5/342)
وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قُطلوبغا الأسنقجاوي وَيُقَال لَهُ أَبُو عرقة كاشف الْوَجْه المجري. وَمَات الشَّيْخ صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الْأَعْمَى الْحَنْبَلِيّ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس ربيع الآخر وَقد درس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة وَغَيرهَا وَأفْتى وَتعين لقَضَاء الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير سيف الدّين أقبغا آص شاد الدَّوَاوِين فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشْرين شَوَّال وَهُوَ من بَيت الْإِمَارَة وأُنعم عَلَيْهِ فِي حَيَاة أَبِيه - أَيَّام الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن - بإمرة طبلخاناه. ثمَّ لما سخط الْملك الْأَشْرَف على أَبِيه وَأخذت مِنْهُ الإمرة وتعطل وعق أَبَاهُ وحكيت عَنهُ فِي عقوقه أُمُور شنعة ثمَّ سَافر إِلَى الْيمن وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَولي شدّ الدَّوَاوِين بإمرة عشرَة وصودر وعوقب عُقُوبَة شَدِيدَة وَكَانَ من شرار الْخلق والمتجاهرين بالمنكر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن اً شقتمر الْخَوَارِزْمِيّ - وَالِي قطيا - هُوَ وَأَبوهُ مَاتَ فِي ... . وَمَات الطواشي زين الدّين مقبل الرُّومِي الشهابي شيخ الخدام بِالْحرم النَّبَوِيّ. أَصله من خدام الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن قلاوون وجانداره. وتنقل(5/343)
فِي الخدم واختص بالأمير شيخو الْعمريّ وخدم السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد. ثمَّ حج وجاور بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وخدم الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فِي جملَة الخدام وَصَارَ يَنُوب عَن الطواشي افتخار الدّين ياقوت الرسولي الخازندار الناصري شيخ الخدام حَتَّى مَاتَ فولي بعده المشيخة إِلَى أَن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فِي ... . وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَبُو الْفَتْح نصر الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى الْفَتْح بن هَاشم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ ولد قَرِيبا من سنة عشْرين وَسَبْعمائة وبرع فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية وَالْأُصُول والميقات وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن الْمُوفق عبد الله الْحَنْبَلِيّ نَحْو الْعشْرين سنة. ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بعده فِي محرم سنة تسع وَسِتِّينَ حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشْرين شعْبَان وَكَانَ من خِيَار الْمُسلمين. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة خطيب الْقُدس فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَهَّاب بن النجيب أبي الفضايل الْمَيْمُونِيّ القبلي كَاتب الْعَرَب ومباشر ديوَان الجيوش. وتَوفي الشَّيْخ المسلك عبد الرَّحْمَن بن ... . . الشريشي أحد مريدي الشيِخ يوسفي العجمي(5/344)
(سنة سِتّ وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الِاثْنَيْنِ: وَالسُّلْطَان بقصور سرياقوس وعساكره مَعَه فَفِي رابعه عَاد إِلَى القلعة. وَفِي سادسه: قبض على فرج شاد الدَّوَاوِين وألزم بِمَال. وَفِي سابعه: اسْتَقر فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على أحد أُمَرَاء دمشق. وَفِي ثامنه: أفرج عَن أَمِير فرج وَبَقِي فِي وَظِيفَة شدّ الدَّوَاوِين بعد الْتِزَامه بِمِائَتي ألف دِرْهَم فضَّة. وَفِي تاسعه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وتصيد وَعَاد من يَوْمه. وَفِي عاشره: قدم الْحَاج مُحَمَّد وَزِير ماردين على الْبَرِيد بِأَن الأكراد قد دخلُوا فِي طَاعَة تيمور لنك. وَفِي حادي عشره: نفي الْأَمِير قُنُقْباي إِلَى الْقُدس. وَفِي ثَانِي عشره: نزل السُّلْطَان وعدى إِلَى بر الجيزة وتصيد وَعَاد فِي يَوْمه. وَفِي سادس عشره: ركب إِلَى المطرية وتصيد بطان وَعَاد. وَفِي ثامن عشره: عدى إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي الْغَد. ولْى ثَالِث عشرينه: قدم الْمحمل بالحاج. وَفِي خَامِس عشرينه: ركب السُّلْطَان وتصيد وَعَاد من يَوْمه وَركب من الْغَد وتصيد بالجيزة وَعَاد فِي ثامن عشرينه وَكَانَ الْبَرِيد قد ورد بِحُضُور رسل تيمور لنك بهدية إِلَى أول حُدُود المملكة فَكتب بِقَتْلِهِم فَلَمَّا كَانَ سلخه قدمت رسل النواب بهدية تيمور لنك وَهِي: تِسْعَة مماليك وتسع جواري وَغير ذَلِك فَوجدَ من جلة المماليك ابْن وَزِير بَغْدَاد وَابْن قاضيها وَابْن محتسبها وَلَيْسَ فيهم سوى مَمْلُوك وَاحِد فتركهم لحالهم وتزي ابْن القَاضِي بزِي الْفُقَهَاء. وَفِي يَوْم السبت أول صفر: ابْتَدَأَ الْأَمِير سودن النَّائِب بِعرْض أجناد الْحلقَة ثمَّ أبْطلهُ.(5/345)
وَفِي ثالثه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد ببركة الْحَاج وَعَاد. وَفِي خامسه: تولى الْأَمِير قلمطاي الدوادار عرض أجناد الْحلقَة بمار الْأَمِير سودن النَّائِب وألزم أَرْبَاب الْأَخْبَار الثَّقِيلَة الْعبْرَة الْكَثِيرَة المتحصل بِالسَّفرِ إِلَى قتال تيمور وَاسْتمرّ الْعرض أَرْبَعَة أَيَّام فِي الْأُسْبُوع وَهِي: السبت والأحد وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان وتصيد ببركة الْحَاج وَدخل إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب القنطرة وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَركب إِلَى الجيزة فِي ثامنه وَعَاد فِي عاشره. وَفِيه اسْتَقر حسن بن قراجا فِي ولَايَة قطيا بعد وَفَاة الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان وتصيد بِالْبركَةِ وَعَاد وَركب فِي سَابِع عشره إِلَى الجيزة. وَعَاد فِي تَاسِع عشره وَركب فِي ثَانِي عشرينه إِلَى الصَّيْد بِالْبركَةِ وَعَاد. وَفِي رَابِع عشرينه: خرج المطبخ إِلَى لِقَاء ابْن أويس. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الدَّمِيرِيّ فِي نظر الأحباس بعد وَفَاة تَاج الدّين مُحَمَّد المليجي وَاسْتقر زين الدّين طَاهِر بن حبيب الْحلَبِي - موقع الدست - فِي نظر الخزانة عوضا عَن المليِجي. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد بِالْبركَةِ وَعَاد وَركب فِي تَاسِع عشرينه إِلَى الصَّيْد بالجيزة وَعَاد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ربيع الأول. وَفِي خامسه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على الْعَادة. وَفِي سابعه: ركب السُّلْطَان وتصيد بِالْبركَةِ وَعَاد. وَفِي حادي عشره: انْتهى عرض أجناد الْحلقَة. وَفِي ثَانِي عشره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن من عرض على النَّائِب والدوادر من أجناد الْحلقَة وتَعين للسَّفر فليحضر للعرض على السُّلْطَان فِي يومي الْخَمِيس والاثنين. وَفِيه طرحت البضائع على التُّجَّار وَأخرج الْقَمْح من الْأُمَرَاء لعمل البشماط برسم السّفر.(5/346)
وَفِي ثَالِث عشره: نُودي على أجناد الْحلقَة أَيْضا بِالْعرضِ على السُّلْطَان وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأخذ تيمور لنك قلعة تكريت وتخريبها وَقتل من بهَا. وَفِيه خرج عدَّة من الْأُمَرَاء لملاقاة القان غياث الدّين أَحْمد بن أويس. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر مُوسَى بن على - شاد دواليب الْخَاص - فِي ولَايَة البهنسا وعزل قرطاي. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشره: نزل السُّلْطَان إِلَى لِقَاء ابْن أويس فِي جَمِيع العساكر وَقعد بمسطبة مطعم الطُّيُور من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة إِلَى أَن قرب مِنْهُ ابْن أويس وَنزل عَن فرسه عدَّة خطوَات فَمضى إِلَيْهِ الْأَمِير بدخاص حَاجِب الْحَاجِب وَمن بعده الْأُمَرَاء للسلام عَلَيْهِ والأمير بدخاص يعرفهُ اسْم كل أَمِير ووظيفته وهم يقبلُونَ يَده حَتَّى أقبل الْأَمِير أَحْمد بن يلبغا فَقَالَ للأمير بدخاص: هَذَا ابْن أستاذ السُّلْطَان. فعانقه ابْن أويس وَلم يَدعه يقبل يَده. ثمَّ جَاءَ بعده الْأَمِير بكلمش أَمِير سلَاح فعانقه أَيْضا ثمَّ بعده الْأَمِير الْكَبِير أيتمش رَأس نوبَة فعانقه ثمَّ الْأَمِير سودن النَّائِب فعانقه ثمَّ الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر فعانقه. وانقضى سَلام الْأُمَرَاء فَقَامَ عِنْد ذَلِك السُّلْطَان وَنزل عَن المسطبة وَمَشى نَحْو الْعشْرين خطْوَة وهرول ابْن أويس حَتَّى التقيا فَأَوْمأ ابْن أويس لتقبيل يَد السُّلْطَان فَلم يُمكنهُ وعانقه وبكيا سَاعَة. ثمَّ مضيا وَالسُّلْطَان يطيب خاطره وَبعده يعودهُ إِلَى ملكه وَيَده فِي يَده حَتَّى صعدا إِلَى المسطبة وجلسا مَعًا على الْبسَاط من غير كرْسِي وتحادثا طَويلا. ثمَّ قدم قبَاء من حَرِير بنفسجي بِفَرْوٍ فاقم وطرز ذهب عريضة فألبسه ابْن أويس. وَقدم لَهُ فرسا من الْخَيل الْخَاص بسرج وكنفوش وسلسلة من ذهب فَرَكبهُ من حَيْثُ يركب السُّلْطَان وَركب السُّلْطَان بعده. وسارا يتحادثان والأمراء والعساكر سائرة ميمنة وميسرة وَتارَة يتَقَدَّم السُّلْطَان حَتَّى يحجب ابْن أويس إِلَى أَن قربا من القلعة وَقد خرج مُعظم(5/347)
النَّاس لمشاهدة ابْن أويس فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وعندما ترجل الْعَسْكَر على الْعَادة صَار ابْن أويس مواكباً للسُّلْطَان حَتَّى بلغا حد مَوضِع الطبلخاناه أَوْمَأ إِلَيْهِ السُّلْطَان بالتوجه إِلَى الْمنزل الَّذِي أعده لَهُ على بركَة الْفِيل وجدد عِمَارَته وزخرفته وملأه بالفرش والآلات فَسَار إِلَيْهِ وَجَمِيع الْأُمَرَاء فِي خدمته وَصعد السُّلْطَان إِلَى القلعة. فَلَمَّا دخل ابْن أويس إِلَى منزله وَمَعَهُ الْأُمَرَاء مد الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار بَين يَدَيْهِ سماطاً جَلِيلًا فَأكل وَأكل مَعَه الْأُمَرَاء وَانْصَرفُوا. فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان مِائَتي ألف دِرْهَم فضَّة ومائتي قِطْعَة قماش سكندري وَثَلَاثَة أَفْرَاس بقماش ذهب وَعشْرين مَمْلُوكا حسانا وَعشْرين جَارِيَة. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل قدم حَرِيم ابْن أويس وَثقله. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر مُحَمَّد الضاني والياً بأشموم الرُّمَّان عوضا عَن مُحَمَّد بن غرلوا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره: عمل السُّلْطَان الْخدمَة بالإيوان الْمَعْرُوف بدار الْعدْل على الْعَادة. وَصعد القان أَحْمد بن أويس إِلَى القلعة ليحضر الْخدمَة بالإيوان. وَعبر من بَاب الجسر الَّذِي يُقَال لَهُ بَاب السِّرّ وَجلسَ تجاه الإيوان حَتَّى خرج إِلَيْهِ رَأس نوبَة وَمضى بِهِ إِلَى الْقصر فَأَخذه السُّلْطَان. وَخرج بِهِ إِلَى الإيوان وَأَقْعَدَهُ رَأس الميمنة فَوق الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا الأتابك. فَلَمَّا قَامَ الْقُضَاة وَمد السماط قَامَ الْأُمَرَاء على عَادَتهم فهمّ ابْن أويس بِالْقيامِ مَعَهم ووقف فَأَشَارَ لَهُ السُّلْطَان فَجَلَسَ حَتَّى فرغ الموكب. وَلما انْقَضتْ خدمَة الإيوان دخل مَعَ السُّلْطَان إِلَى الْقصر وَحضر خدمَة الْقصر أَيْضا ثمَّ خرج والأمراء بَين يَدَيْهِ حَتَّى ركب وقدامه جاويشيته ونقيب جَيْشه فَسَار الْأُمَرَاء بخدمته إِلَى منزله. وَفِيه علق الجاليش بالطبلخاناه إِشَارَة للسَّفر فشرع النَّاس فِي التَجهيز. وَفِي حادي عشرينه: ركب السُّلْطَان وَمَعَهُ ابْن أويس إِلَى مَدِينَة مصر وعديا النّيل إِلَى بر الجيزة وَنزلا بالخيام ليتصيدا. وَفِيه قبض على الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدولة وعَلى وَلَده تَاج الدّين عبد الله وَجَمَاعَة من المباشرين وسلموا لشاد الدَّوَاوِين. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بِرَجُل تتري يُقَال لَهُ دولات خجا مُقَيّد بالحديد منأصحاب تيمور لنك، قبض عَلَيْهِ سَالم الذّكر.(5/348)
وَفِيه قدم السُّلْطَان من الصَّيْد إِلَى القلعة. وَفِي خَامِس عشرينه: عرض التتري على السُّلْطَان فَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَلم يعْتَرف فَسلم لوالي الْقَاهِرَة ليعاقبه فَأقر أَن بِالْقَاهِرَةِ عدَّة جواسيس قبض على سَبْعَة أنفس مَا بَين تجار وَغَيرهم من الْعَجم. وَفِيه أفرج عَن ابْن البقري وَولده على حمل خمسين ألف دِرْهَم وَعَن بَقِيَّة المباشرين على مائَة ألف فِي دِرْهَم. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر مُحَمَّد بن صَدَقَة بن الأعسر فِي ولَايَة منوف. وَفِي سلخه: قدم الْبَرِيد من حلب بتوجه الْأَمِير ألطبغا الأشرفي والأمير دقماق بعسكر من حلب إِلَى الرها ومواقعتهم طلايع تيمور لنك وهزيمتهم بعد أَن قتل مِنْهُم خلق كثير وَأسر جمَاعَة وعودهم إِلَى حلب بِمِائَة رَأس من التمرية وعدة من المأسورين. وَفِيه اسْتَقر اسنبغا السيفي فِي ولَايَة قليوب وعُزل مُحَمَّد بن مُؤمن الشمسي. وَفِيه ألزم سَائِر مباشري ديوَان الْخَاص والدولة ومباشري الْأُمَرَاء بإحضار البغال من كل مِنْهُم أَو أَخذ ثمن البغلة على قدر حَال كل أحد فَوَقع الشُّرُوع فِي ذَلِك. وَفِيه أفرج عَن المماليك المعتقلين فِي البرج بالقلعة وَلم يتَأَخَّر سوى الشريف عنان ومملوك وَاحِد وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الآخر: حمل الْأَمِير جال الدّين مَحْمُود الأستادار السِّلَاح على ثَمَانمِائَة حمال فِيهِ ثَلَاثمِائَة لبس كَامِل للفارس وفرسه. وَفِيه ابتدئ بِالنَّفَقَةِ فِي المماليك لكل وَاحِد من المشتراوات مبلغ ألفي دِرْهَم وَلكُل وَاحِد من المستخدمين ألف وَسَبْعمائة دِرْهَم وعدتهم خَمْسَة آلَاف فبلغت النَّفَقَة فِي المماليك خَاصَّة عشرَة آلَاف ألف دِرْهَم فضَّة سوى النَّفَقَة فِي الْأُمَرَاء وَسوى مَا حمل فِي الخزائن وَمَا جهز بِهِ فضَّة سوى النَّفَقَة فِي الْأُمَرَاء وَسوى مَا حمل فِي الخزائن وَمَا جهز بِهِ الإقامات. وَفِيه قدم كتاب تيمور لنك يتَضَمَّن الإرعاد والإبراق وينكر قتل رسله وَنَصه:
7 - (قُل اللْهُم فَاطِرَ السمَواتِ وَالأرْض عَاِلمَ الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُم بَينَ عَبادِكَ فِيمَا(5/349)
كَانُوا فِيْهِ يَختَلِفَون)
. اعلموا أَنا جند الله مخلوقون من سخطه مسلطون على من حل عَلَيْهِ غَضَبه لَا نرق لشاكي وَلَا نرحم باكي قد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبنَا فالويل ثمَّ الويل لمن لم يكن من حزبنا وَمن جهتنا. فقد خربنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأظهرنا فِي الأَرْض الْفساد وذلت لنا أعزتها وملكنا بِالشَّوْكَةِ أزمتها فَإِن خيل ذَلِك على السَّامع وأشكل وَقَالَ إِن فِيهِ عَلَيْهِ مُشكل فَقل لَهُ: إِن الملُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزةَ أَهْلِهَا أَذِلة وَذَلِكَ لِكَثْرَة عددنا وَشدَّة بأسنا فخيولنا سوابق ورماحنا خوارق وأسنتنا بوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وجيوشنا كعمد الرمال وَنحن أبطال وأقيال وملكنا لَا يرام وجارنا لَا يضام وعزنا أبدا بالسؤدد مقَام فَمن سالمنا سلم وَمن رام حربنا نَدم وَمن تكلم فِينَا بِمَا لَا يعلم جهل وَأَنْتُم فَإِن أطعتم أمرنَا وقبلتم شرطنا فلكم مَا لنا وَعَلَيْكُم مَا علينا وَإِن أَنْتُم خالفتم وعَلى بَغْيكُمْ تماديتم فَلَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم فالحصون منا مَعَ تشييدها لَا تمنع والمدائن بشدتها لقتالنا لَا ترد وَلَا تَنْفَع ودعاؤكم علينا لَا يُسْتَجَاب فِينَا وَلَا يسمع وَكَيف يسمع الله دعاءكم وَقد أكلْتُم الْحَرَام وضيعتم جَمِيع الْأَنَام وأخذتم أَمْوَال الْأَيْتَام وقبلتم الرِّشْوَة من الْحُكَّام وأعددتم لكم النَّار وَبئسَ الْمصير إِن الذِيْنَ يَأْكُلُون أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلماً إِنمَا يَأْكُلُون فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسيصلون سعِيَراً. فَلَمَّا فَعلْتُمْ ذَلِك وأردتم أَنفسكُم موارد المهالك. وَقد قتلتم الْعلمَاء وعصيتم رب الأَرْض وَالسَّمَاء وأرقتم دم الْأَشْرَاف وَهَذَا وَالله هُوَ الْبَغي والإسراف فَأنْتم بذلك فِي النَّار خَالدُونَ وَفِي غَد يُنَادي عَلَيْكُم الْيوَمَ تُجزون عَذَابَ الهَون بمَا كُنْتُم تستَكْبِرُون فِي الأَرضِ بغَيْرِ الْحَق وَبمَا كُنتم تَفْسقُون فأبشروا بالمذلة والهوان يَا أهل الْبَغي وَالعدوان وَقد غلب عنْدكُمْ أننا كفرة وَثَبت عندنَا أَنكُمْ وَالله الْكَفَرَة الفجرة. وَقد سلطنا عَلَيْكُم إِلَه لَهُ أُمُور مقدرَة وَأَحْكَام مُدبرَة فعزيزكم عندنَا ذليل وكثيركم لدينا قَلِيل لأننا ملكنا الأَرْض شرقاً وغرباً وأخذنا مِنْهَا كل سفينة غصبا. وَقد أوضحنا لكم الْخطاب فَأَسْرعُوا برد الْجَواب قبل أَن ينْكَشف الغطاء وتضرم الْحَرْب نارها وتضع أَوزَارهَا وَتصير كل عين عَلَيْكُم باكية وينادي مُنَادِي الْفِرَاق: هَل ترى لَهُم من بَاقِيَة ويسمعكم صارخ الْغناء بعد أَن يهزكم هزاً هلْ تَحِس مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ(5/350)
تسمع لَهُم رِكزاً وَقد أنصفناكم إِذْ راسلناكم فَلَا تقتلُوا الْمُرْسلين كَمَا فَعلْتُمْ بالأولين فتخالفوا كعادتكم سنَن الماضين وتعصوا رب الْعَالمين فَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين. وَقد أوضحنا لكم الْكَلَام فَأَسْرعُوا برد جَوَابنَا وَالسَّلَام. فكنب جَوَابه بعد الْبَسْمَلَة: قُل اللْهُم مَالِكَ المُلْكِ تؤتي الْملك مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزَع الْمُلْك مِمَّن تَشَاء وتُعِز مَنْ تَشَاءُ وَتُذل مَن تَشَاء حصل الْوُقُوف على ألفاظكم الكفرية ونزعاتكم الشيطانية فكتابكم يخبرنا عَن الحضرة الجنابية وسيرة الْكَفَرَة الملاكية وأنكم مخلوقون من سخط الله ومسلطون على من حل عَلَيْهِ غضب الله وأنكم لَا ترقون لشاك وَلَا ترحمون عسيرة باك وَقد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبكُمْ فَذَاك أكبر عيوبكم وَهَذِه من صِفَات الشَّيَاطِين لَا من صِفَات السلاطين ويكفيكمِ هَذِه الشَّهَادَة الكافية وَبِمَا وصفتم بِهِ أَنفسكُم ناهية قُل يَا أيهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعبدُ مَا تَعْبدُونَ وَلاَ أَنْتُم عَابدون مَا أَعبد وَلاَ أَنَا عَابد مَا عَبَدتُمْ لكُمْ دِيْنُكُمْ وَليَ دِيْن فَفِي كل كتاب لعَنتم وعَلى كل لِسَان كل مُرْسل نعيتم وَبِكُل قَبِيح وصفتم وَعِنْدنَا خبركم من حِين خَرجْتُمْ إِنَّكُم كفرة أَلا لعنة الله على الْكَافرين من تمسك بالأصول فَلَا يُبَالِي بالفروع نَحن الْمُؤْمِنُونَ حَقًا لَا يدْخل علينا عيب وَلَا يضرنا ريب الْقُرْآن علينا نزل وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِنَا رَحِيم لم يزل فتحققنا نُزُوله وَعلمنَا ببركته تَأْوِيله. فَالنَّار لكم خلقت ولجلودكم أضرمت إِذا السَّمَاء انفطرت. وَمن أعجب الْعجب تهديِد الرتوت بالتوت وَالسِّبَاع بالضباع والكماة بِالْكُرَاعِ. نَحن خيولنا برقية وسهامنا عَرَبِيَّة وسيوفنا يَمَانِية وليوثنا مضرية وأكفنا شَدِيدَة الْمضَارب وصفتنا مَذْكُورَة فِي الْمَشَارِق والمغارب إِن قتلناكم فَنعم البضاعة وَإِن قتل منا أحد فبينه وَبَين الْجنَّة سَاعَة. َلاَ تَحْسبَن الذِينَ قُتِلُوا فِي سبيلِ الله أَموَاتاً بَل أَحياء عِندَ رَبهم يرْزقُونَ فَرحِينَ بمَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضله ويستبشرونَ بِالذِينَ لَمْ يَلحقُوا بِهم مِنْ خَلفِهِم أَلا خوْفٌ عَلَيْهم وَلاَ هُم يَحزَنُون يستبشرون بنعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَن الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المْؤْمِنِين. وَأما قَوْلكُم قُلُوبنَا كالجبال وَعمدنا كالرمال فالقصَّاب لَا يُبَالِي بِكَثْرَة الْغنم وَكثير الْحَطب يفنيه الْقَلِيل من الضرم كم مِنَ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيْرة بِإذنِ(5/351)
اللهِ وَالله مَعَ الصابِرِين. الْفِرَار الْفِرَار من الرزايا وحلول البلايا. وَاعْلَمُوا أَن هجوم الْمنية عندنَا غَايَة الأمنية وَإِن عِشْنَا عِشْنَا سعداء وَإِن قتلنَا قتلنَا شُهَدَاء أَلا إِن حزب الله هم الغالبون. أبعد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَخَلِيفَة رب الْعَالمين تطلبون منا طَاعَة. لَا سمع لكم وَلَا طَاعَة وطلبتم أَن نوضح لكم أمرنَا قبل أَن ينْكَشف الغطاء فَفِي نظمه تركيك وَفِي سلكه تلبيك لَو كشف الغطاء لبان الْقَصْد بعد بَيَان أكفر بعد إِيمَان. أم اتخذتم إِلَهًا ثَان. وطلبتم من مَعْلُوم رَأْيكُمْ أَن نتبع ربكُم لَقَدْ جئتمْ شَيئاً إِدا تكادُ السمَوات يَتَفَطرْن مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْض وَتَخِرُّ الجبالُ هَدا قل لكَاتبك الَّذِي وضع رسَالَته وَوصف مقَالَته: وصل كتابك كضرب ربَاب أَو كطنين ذُبَاب. كلا سنكتب مَا يَقُول ونمد لَهُ من الْعَذَاب مدا ونرثه مَا يَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وسيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلبٍ يَنْقَلِبُون. لقد لبكتم فِي الَّذِي أرسلتم. وَالسَّلَام. وَفِي سادسه: عرض السُّلْطَان أجناد الْحلقَة الَّذين عينوا للسَّفر وَاخْتَارَ مِنْهُم أَرْبَعمِائَة فَارس للسَّفر مَعَه وَعرض رَأس نوبَة الأجناد البحرية وَعين مِنْهُم مِائَتي فَارس للسَّفر. وَفِي سابعه: خرجت مُدَوَّرَة السُّلْطَان ونصبت بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه عقد السُّلْطَان على الخاتون تندي بنت حُسَيْن بن أويس ابْنة أخي القان أَحْمد بن أويس ومبلغ الصَدَاق ثَلَاثَة آلَاف دِينَار صرف الدِّينَار يَوْمئِذٍ سِتَّة وَعِشْرُونَ درهما وَنصف دِرْهَم وَبنى عَلَيْهَا فِي لَيْلَة الْخَمِيس عاشره. وَفِيه نزل السُّلْطَان من القلعة إِلَى الإصطبل وَخرج من بَاب السلسلة بالرميِلة وَقد وقف القان أَحْمد بن أويس وَجَمِيع الْأُمَرَاء وَسَائِر العساكر وَقد لبسوا للحرب وَمَعَهُمْ أطلابهم فَسَار السُّلْطَان وَعَلِيهِ قرقل بِغَيْر أكمام وكلفته على رَأسه وَتَحْته فرس بعرقية من صوف سمك إِلَى بَاب القرافة والعساكر قد مَلَأت الرميلة فرتَب بِنَفسِهِ أطلاب الْأُمَرَاء وَمر فِي صفوفهم عوداً وبدءاً حَتَّى ترتبت أحسن تَرْتِيب(5/352)
وَمضى إِلَى قبر الإِمَام الشَّافِعِي فزاره وَتصدق على الْفُقَرَاء. وَسَار إِلَى مشْهد السيدة نفسية فزاره وَتصدق وَعَاد إِلَى الرميلة. وَأَشَارَ إِلَى الطّلب السلطاني فَسَار إِلَى الريحانية فِي أعظم قُوَّة وأبهج زِيّ وأفخر هَيْئَة وجر فِيهِ مِائَتي جنيب من عتاق الْخَيل عَلَيْهَا من الأسلحة وَالذَّهَب مَا يقصر الْوَصْف عَن حكايته. وَسَار فِي موكب تهتز لَهُ الأَرْض وَإِلَى جَانِبه ابْن أويس على فرس بقماش ذهب وبجانب ابْن أويس الْأَمِير كمشبغا الأتابك. وَتبع العساكر من وَرَائِهَا طلب الْأَمِير كمشبغا ثمَّ طلب الْأَمِير قَلَمْطاي الدوادار ثمَّ أطلاب بَقِيَّة الْأُمَرَاء فَكَانَ يَوْمًا لم ير مثله وَقد حشر النَّاس فِي كل مَوضِع وَنزل السُّلْطَان وَابْن أويس بالمخيم من الريدانية. وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَصرف الصَّدْر مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وَدخل من الريدانية إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ من الْأُمَرَاء تغري بردي رَأس نوبَة وقَلَمطاي الدوادار وأقبغا اللكاش رَأس نوبَة فِي آخَرين وَعَلِيهِ التشريف. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن كلفت التركماني فِي الوزارة وعزل الْمُوفق أَبُو الْفرج. وَاسْتقر سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدولة عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن الأقفهسي. وَاسْتقر الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن غنم فِي نظر الْبيُوت على عَادَته. وَاسْتقر الصاحب علم الدّين عبد الْوَهَّاب سنّ إبرة فِي اسْتِيفَاء الدولة شَرِيكا للصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وَدخل الْجَمِيع الْقَاهِرَة بِالْخلْعِ. وَفِي سَابِع عشره: قبض على الشريف مَحْمُود العُنابي وَذَلِكَ أَنه كَانَ من العنابة خَارج دمشق فتوصل إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بهَا وجاراه فِي أُمُور من المغيبات صَادف وُقُوعهَا. وَكَانَ السُّلْطَان لَهُ تطلع إِلَى ذَلِك فَأكْرمه وَقدم بِهِ مَعَه إِلَى الْقَاهِرَة وأجرى عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فضَّة فِي كل شهر وَصَارَ إِذا حضر مَعَ الْقُضَاة يجلسه فَوْقهم بجانبه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشره: بعث الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عِيسَى العائدي من خزانَة شمايل ورقة إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين على ابْن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَكَانَ السُّلْطَان قد سخط على بني عِيسَى وسجنهم بخزانة شمايل فَإِذا فِي الورقة أَن الشريف العنابي بعث إِلَيْهِ أَن يَأْمر عربانه بالنزول قَرِيبا من الْقَاهِرَة ليملكها بهم فِي غيبَة السُّلْطَان فَلم يقنع ابْن الفبلاوي بِهَذَا من ابْن عِيسَى وَقَالَ لقاصده: لما إِذا قيل هَذَا للشريف يُنكره لَكِن حصل إِلَى خطة بذلك فسير إِلَيْهِ فِي(5/353)
يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره ورقة زعم أَنَّهَا من الشريف إِلَيْهِ وفيهَا: إِنَّك ترسل إِلَى عربان الْبحيرَة وعربان الصَّعِيد بالركوب على الْوُلَاة والكشاف وقتلهم وَنهب الْبِلَاد ليشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم وَابعث إِلَى عربك أَن يَكُونُوا بِقرب الْقَاهِرَة فَإِذا عدَّى الْغَرِيم قطيا أركب أَنا وَأَنت وَمَعِي خَمْسمِائَة مَمْلُوك وتحضر عربانك وَتَأْخُذ الْقَاهِرَة والنصر لنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَتَوَلَّى الْأَمِير شهَاب الدّين بن قايماز الأتابكية وأتولى أَنا الْخلَافَة ونفعل مَا يَنْبَغِي فعله. فَقَامَ ابْن الطبلاوي من وقته إِلَى الريدانية وأوصل الورقة للسُّلْطَان فكتم ذَلِك وَبعث يلبغا السالمي ليحضر العنابي فَلم يجده وَقيل هرب فألزم السُّلْطَان ابْن الطبلاوي بتحصيله فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَبحث عَنهُ حَتَّى علم أَن يخله عِنْد شهَاب الدّين أَحْمد بن قايماز فأكمن عدَّة من ثقاته حَتَّى قبضوا على عبد العنابي وَضرب بالمقارع حَتَّى دله على أستاذه فَقبض عَلَيْهِ وعَلى ابْن قايماز وحملهما إِلَى الريحانية فَأمر بعقوبتهما حَتَّى يعترفا على من مَعَهُمَا على مَا قصداه فَعَاد بهما وسوط العنابي فاعترف أَن الورقة بِخَطِّهِ ثمَّ عصره لِيُقِر على أحد فَلم يعْتَرف بِشَيْء إِلَّا أَن مَعَه طَائِفَة من مماليك بركَة فَأخذ خطه بذلك وَأَن ابْن قايماز مَعَه فَأنْكر ابْن قايماز وحاققه العنابي فتمادى فِي الْإِنْكَار. وَفِيه قبض على الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز بِسَبَب أَخِيه أَحْمد. وَفِيه نُودي بِحُضُور الأجناد البطالين إِلَى بَيت الْأَمِير قلمطاوي الدوادار ليستخدموا. وَفِي عشرينه: قبض مَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ من مَال الْأَيْتَام وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان احْتَاجَ إِلَى المَال بِسَبَب السّفر فَسَأَلَ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ أَن يقْرضهُ من مَال الْأَيْتَام فَامْتنعَ كَمَا امتَنع من قرض منطاش. فَلَمَّا سمع ذَلِك الْبَحْر مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وجد سَبِيلا إِلَى ولَايَته ووعد على عوده إِلَى الْقَضَاء بِمَال يقوم بِهِ هُوَ وَأَن يقْرض السُّلْطَان خَمْسمِائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم من مَال الْأَيْتَام فَأُجِيب وَاسْتقر كَمَا ذكر. وَنزل إِلَيْهِ الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب فِي يَوْمه هَذَا وَقبض الْمبلغ الْمَذْكُور. وَفِيه قرئَ تَقْلِيد بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء على الْعَادة. وَفِي حادي عشرينه: قدم الْأَمِير قَلَمْطاي الدوادار من الريدانية إِلَى دَاره لعرض الأجناد البطالين بَعْدَمَا تكَرر النداء عَلَيْهِم مرَارًا وتهديد من تَأَخّر مِنْهُم عَن الْعرض. فَإِذا بهم قد اجْتمع مِنْهُم نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَكتب أَسْمَاءَهُم ثمَّ قَالَ لَهُم: أحضروا(5/354)
تراكيشكم الَّتِي فِيهَا القسي والنشاب وأحضروا سُيُوفكُمْ فتوجهوا لإحضار بذلك طَمَعا مِنْهُم فِي أَنهم يَأْخُذُونَ النَّفَقَة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن حَضَرُوا بذلك أحيط بهم. وَكَانَ قد أعد لَهُم وَالِي الْقَاهِرَة الْحَدِيد ليقيدوا بِهِ فَقبض على ثَلَاثَة وَسبعين مِنْهُم وفر من بَقِي. وَقتل ثَلَاثَة أنفس وجرح جمَاعَة. وتسلم الْوَالِي الْمَقْبُوض عَلَيْهِم فِي الأغلال وَمضى بهم إِلَى خزانَة شمايل فسجنوا بهَا وَكَانَ يَوْمًا مهولاً من كَثْرَة بكاء نِسَائِهِم وَأَوْلَادهمْ. وَفِيه قدم ولد الْأَمِير نعير وَمَعَهُ محْضر بِأَن أَبَاهُ أَخذ بَغْدَاد وخطب بهَا للسُّلْطَان فأنعم عَلَيْهِ بتشريف. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير ألطبغا الْمعلم وَكتب بإحضاره من دمياط. وَفِيه خلع على الْأَمِير سودن النَّائِب وَجعل مُقيما بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة الْغَيْبَة وخلع على الْأَمِير مَحْمُود الأستَادار وَولده وعَلى الْأَمِير بجاس وأُلزم بِالْإِقَامَةِ فِي القلعة وخلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلى التَّاجِر وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُسلم وَنور الدّين عَليّ بن الخروبي لِأَنَّهُ اقْترض مِنْهُم السُّلْطَان مبلغ ألف ألف دِرْهَم. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير قُنُقْباي الأسعدي وَكتب بإحضاره من الْقُدس إِلَى غَزَّة ورسم لمباشريه بتجهيز بَرقه وتعبئة طلبه. وَفِي ثَانِي عشرينه: عرض الْأَمِير عَلَاء الدّين على بن الطلاوي البطالين الَّذين سجنوا بالخزانة بدار الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وَأَفْرج عَن مِائَتي رجل مِنْهُم وَنفي ثَلَاثَة وَسبعين - كَانُوا غُرَّاباً غير معروفين - إِلَى عدَّة جِهَات. وَفِيه أفرج عَن الْأَمِير ركن الدّين عمر بن قايماز على مَال الْتزم بِحمْلِهِ. وَفِي ثَالِث عشرينه: رَحل السُّلْطَان من الريدانية وَكَانَت عدَّة الْجمال الَّتِي فرقت فِي المماليك أَرْبَعَة عشر ألف جمل وعدة الْخَيل المفرقة فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة فرس سوى مَا عِنْدهم من الْخَيل وَهِي أَضْعَاف ذَلِك وَهَذِه الْخُيُول وَالْجمال فِي المماليك خَاصَّة.(5/355)
وَأما السُّلْطَان والأمراء فَيكون مَعَهم مَا يزِيد على مائَة ألف مَا بَين فرس وجمل. وَمِمَّا حمل برسم خرط الشطرنج خَمْسَة قناطير من العاج والأبنوس ليلعب بِهِ السُّلْطَان. والرسم أَنه إِذا لعب بشطرنج أَخذ أَرْبَاب النّوبَة وجدد غَيره. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بقتل بني عِيسَى فوسطوا على بَاب خزانَة شمايل وعدتهم أحد وَعِشْرُونَ رجلا مِنْهُم مُوسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى وَعَمه مهنا بن عِيسَى وسلموا لغلمانهم فأقيمت المناحة عَلَيْهِم بالصحراء عدَّة أَيَّام. وَفِيه قتل الشريف مَحْمُود العنابي أَيْضا. وَفِي ثامن عشرينه: ثارت عرب بني عِيسَى بقليوب يُرِيدُونَ قتل الْوَالِي ففر مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِطَلَب بدر الدّين مَحْمُود الكلستاني إِلَى السُّلْطَان فَخرج فِي غَايَة الْخَوْف من الْقَتْل لِأَنَّهُ كَانَ من إِلْزَام ألطنبغا الجوباني فَجَاءَهُ من الْعِزّ مَا لم يخْطر لَهُ ببال كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه اسْتَقر عمر بن إلْيَاس فِي نِيَابَة الْوَجْه البحري وعزل أوناط. وَفِي عشرينه قدم الْبَرِيد برحيل السُّلْطَان عَن غَزَّة فِي ثَانِي عشره وَأَنه أنعم على ألطنبغا الْمعلم بإمرة مائَة فِي طرابلس وعَلى قردم الحسني بنيابة الْقُدس وَأَن قنقباي الأسعدي استعفي من الإمرة. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم إِلَى مَدِينَة دمشق رسل طقتمش خَان صَاحب كرْسِي أزبك خَان بِبِلَاد القبجاق بِأَنَّهُ يكون عوناً مَعَ السُّلْطَان على تيمور لنك. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْبَرِيد بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق فِي عشرينه. وَقدم الْخَيْر بِأَن تيمور لنك رَجَعَ إِلَى بِلَاده فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِيه قدم إِلَى الْقَاهِرَة رسل ابْن عُثْمَان متملك الرّوم. وَفِي أول شهر رَجَب: أَخذ الفرنج عدَّة مراكب تحمل الغلال إِلَى الشَّام. وَفِي سَابِع عشره: برزت العساكر من دمشق تُرِيدُ حلب وفيهَا الْأَمِير الْكَبِير(5/356)
كمشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر والأمير بكلمش أَمِير سلَاح وَأحمد بن يلبغا وبيبرس ابْن أَخُو السُّلْطَان ونائب صفد ونائب غَزَّة. وَفِيه سَار الْبَرِيد من دمشق بتشريف الْأَمِير نعير واستقراره فِي إمرة الْعَرَب على عَادَته. وَفِيه قدم الْأَمِير سَالم الذكرى أَمِير التركمان فَخلع عَلَيْهِ. وَفِي سلخه: قدم جلال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ قَاضِي الْعَسْكَر من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة. وَقد نزل لَهُ وَالِده عَن تدريس الزاوية الخشابية بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر وَعَن مشيخة التَّفْسِير والميعاد بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين وَأقَام وَالِده مَعَ السُّلْطَان. وَفِيه كبس الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن طي مُتَوَلِّي البهنسا على سفط ميدون فَقتله الْعَرَب بهَا فاستقر عوضه إِبْرَاهِيم الشهابي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شعْبَان: توجه القان غياث الدّين أَحْمد بن أويس من دمشق إِلَى بَغْدَاد. وَقد قَامَ لَهُ السُّلْطَان بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَعند وداعه خلع عَلَيْهِ أطلسين بشاش متمر وَسيف بسقط ذهب. وَأعْطى تقليداً بنيابة السلطنة بِبَغْدَاد فَأَرَادَ أَن يقبل الأَرْض فَلم يُمكنهُ السُّلْطَان من ذَلِك إجلالاً لَهُ وَيُقَال إِن الَّذِي حمل إِلَيْهِ من النَّقْد خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا حمل إِلَيْهِ من الْخَيل وَالْجمال وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك. وَفِي ثَالِث عشره: سَار من ظَاهر دمشق. وَفِيه أنعم على الْأَمِير أقبغا طولو تَمُري - الَّذِي يُقَال لَهُ اللكاش - بإمرة ألف بعد وَفَاة بيليك المحمدي.(5/357)
وَفِي عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع. وَتوقف النّيل عَن الزِّيَادَة تِسْعَة أَيَّام مُتَوَالِيَة من سلخ بؤونة - وَهُوَ رَابِع عشْرين شعْبَان - إِلَى ثامن أبيب فَلم يناد عَلَيْهِ سوى إِصْبَع وَاحِد فِي كل يَوْم. وَفِيه اسْتَقر قطلوبغا الطشتمري فِي كشف الفيوم والبهنساوية والأطفيحية مُضَافا لما مَعَه من كشف الجيزية. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء - الثَّلَاثِينَ من شعْبَان -: ترَاءى النَّاس هِلَال رَمَضَان فَلم ير أحد الْهلَال مَعَ كَثْرَة عمرهم فَأصْبح النَّاس على أخر شعْبَان وأكلوا إِلَى الظّهْر فَقدم الْخَبَر بِأَن الْهلَال رؤى ببلبيس فَنُوديَ بالإمساك قبيل الْعَصْر. وَفِي ثالثه: زَاد النّيل بعد توقفه. وَفِي خامسه: نقل أَمِير فرج بن أيدمر من ولَايَة الغربية إِلَى نِيَابَة الْوَجْه البحري عوضا عَن عمر بن إلْيَاس قريب قُرُط وَاسْتقر أَخُوهُ مُحَمَّد بن أيدمر فِي ولَايَة الغربية. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِالْقَبْضِ على نصر الله بن شَنْطيَّة مُسْتَوْفِي المرتجع وإيداعه خزانَة شمايل على مَال وإحضار مُحَمَّد بن صَدَقَة الأعسر وَالِي المنوفية فَسَار إِلَيْهِ الْبَرِيد وأحضره إِلَى القاهرةَ فهرب وَاسْتقر عوضه أَحْمد الأرغوني. وَفِيه أخصب الْبِطِّيخ العبدلي حَتَّى أبيع كل مائَة رَطْل بدرهم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شَوَّال - الْمُوَافق تَاسِع مسري -: توقف النّيل عَن الزِّيَادَة وَأقَام بِغَيْر زِيَادَة إِلَى ثَانِي عشره فَزَاد على الْعَادة واستمرت الزِّيَادَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر بدر الدّين مَحْمُود السرائي الكلستاني فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله الْعمريّ بعد وَفَاته وخلع عَلَيْهِ بِدِمَشْق. وَفِي ثامن عشرينه - وَهُوَ ثامن عشر مسري -: أَو فِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَفتح الخليج على الْعَادة. وَقدم الْخَبَر على السُّلْطَان من القان أَحْمد بن أويس أَنه لما وصل إِلَى ظَاهر بَغْدَاد خرج إِلَيْهِ نَائِب تيمور بهَا وقاتله فانكسر وَدخل بَغْدَاد وَأطلق الْمِيَاه على عَسْكَر ابْن أويس ليغرقه فأعانه الله وتخلص مِنْهَا بعد يَوْمَيْنِ وَعبر بَغْدَاد وَقد هرب التمرية مِنْهَا(5/358)
فاستولى عَلَيْهَا واستخدم جمَاعَة من التركمان والعربان فَلَمَّا بلغ ذَلِك تيمور جهز أمراءه بالأموال إِلَى سمرقندي. وقدمت رسل ابْن عُثْمَان على السُّلْطَان بِأَنَّهُ جهز لنصرة السُّلْطَان مِائَتي ألف وَأَنه ينْتَظر مَا يرد عَلَيْهِ ليعتمده. وَقدم رَسُول القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحب سيواس بِأَنَّهُ فِي الطَّاعَة يترقب وُرُود المراسيم عَلَيْهِ بِالْمَسِيرِ لجِهَة تعين لَهُ. وَاتفقَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما أَنه أشيع بِأَن امْرَأَة طَال دوَام رمد عينهَا وأيس الْأَطِبَّاء من برئها فرأت فِي منامها كَأَنَّهَا تَشْكُو مَا بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه أمرهَا أَن تمْضِي إِلَى سفح جبل المقطم وَتَأْخُذ من حَصى هُنَاكَ وتكتحل بِهِ بعد سحقه وَأَنَّهَا عملت ذَلِك فَزَالَ مَا فِي عينيها من الرمد فَلم يبْق من النَّاس إِلَّا من أَخذ من الْحَصَى الَّذِي بِالْجَبَلِ واكتحل بِهِ وَعمِلُوا مِنْهُ فِي الإثمد وَغَيره حَتَّى أفنوا من ذَلِك لما لَا يقدر قدره وَأَقَامُوا على هَذَا مُدَّة وَزَعَمُوا أَنه شفي بِهِ خلق كثير. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادسه - وَهُوَ سادس عشر توت -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى أحد عشر إصبعاً من الذِّرَاع الثَّامِن عشر وانحط فارتفعت الأسعار. وَبلغ الأردب الْقَمْح أَرْبَعِينَ درهما والفول وَالشعر عشْرين درهما والبطة الْحقيق وزنتها خَمْسُونَ رطلا إِلَى اثْنَي عشر درهما. وضج النَّاس على الْبَهَاء مُحَمَّد بن الْبُرْجِي الْمُحْتَسب فرسم الْأَمِير سودن النَّائِب للأمير عَلَاء الدّين الطلاوي بالتحدث فِي السّعر فَنَادَى بِفَتْح المخازن وَالْبيع بِسعْر الله تَعَالَى وهدد من لَا يفتح مخزنه وَيبِيع بالنهب. وَفتح مباشرو الْأُمَرَاء الشون وَبَاعُوا فانحل السّعر قَلِيلا. ثمَّ شحت الْأَنْفس بِالْبيعِ وَكثر الْخَوْف من الْقَحْط لِكَثْرَة مَا شَرق من الْأَرَاضِي وَلم يزرع. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ذِي الْحجَّة: قدم الْبَرِيد بعزل قطلوبغا من كشف الفيوم بطيبغا الزيني وَفِي حادي عشره: وصل الْأَمِير شيخ الصفوي من الشَّام وَهُوَ مَرِيض. وَفِي ثَالِث عشره: زَاد مَاء النّيل وغرق بعض مَا زرع ثمَّ انحط. وَقدم الْبَرِيد بِأَن الْأَمِير تغري بردي اسْتَقر فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن جلبان. وأنعم على جلبان بإقطاع تغري بردي. وَأَن الْأَمِير مُحَمَّد بن قارا خرج عَن الطَّاعَة والتحق(5/359)
بنعير وَصَارَ بعربانه فِي جملَته وَأَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين بن المعري اسْتَقر فِي قَضَاء طرابلس عوضا عَن مَسْعُود. وَأَن السُّلْطَان خرج من حلب يُرِيد دمشق فِي خَامِس عشره. وَأَنه قلد أرغون شاه الإبراهيمي نَائِب صفد نِيَابَة طرابلس عوضا عَن دمرداش المحمدي وأنعم على أقبغا الجمالي أحد أُمَرَاء حلب بنيابة صفد وَأَعْلَى إمرته لدمرداش المحمدي. وَأَن عَامر بن ظَالِم انهزم من عرب زبيد بِمن مَعَه من آل مهنا إِلَى الْفُرَات فغرق وغرق مَعَه سَبْعَة عشر من أُمَرَاء آل مهنا وَقتل مِمَّن مَعَه خلق كثير جدا. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر عَليّ بن غلبك بن المكللة فِي ولَايَة منوف وعزل أَحْمد الأرغوني. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج بِحسن سيرة قديد أَمِير الْحَاج وَكَثْرَة الْأَمْن والرخاء. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الشهَاب أَحْمد الباعوني. وَاسْتقر نجم الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن التقي عبد الله الكفري. وَاسْتقر علم الدّين القفصي فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الصنهاجي. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الطّيب فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن السفاح. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر سوى من قتل إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان فِي عشْرين جُمَادَى الأولى وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة المستجدة. وَمَات الصارم إِبْرَاهِيم الباشقردي - وَالِي قطيا - بهَا فَجْأَة فِي ثامن صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أبرك المحمودي شاد الشَّرَاب خاناه وَدفن بِدِمَشْق. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس الشاطر الأديب الشَّاعِر فِي خَامِس عشرينه جُمَادَى الأولى. وَمَات الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفرج الْأَسْلَمِيّ القبطي تَحت الْعقُوبَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشرينه ربيع الآخر وَكَانَ أَسْوَأ الوزراء سيرة وَكَثُرت فِي أَيَّامه(5/360)
المصادرات وتسلط السُّفَهَاء بالسعاية إِلَيْهِ على النَّاس حَتَّى عَم الْخَوْف وفقد الْأَمْن وَبِه اقْتدى فِي الظُّلم من بعده وَعجل الله لَهُ فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب مَا لَا يُمكن وَصفه إِلَى أَن أهلكه الله وَأدْخلهُ سعيرا فَإِنَّهُ لم يُؤمن بِاللَّه قطّ بل أكره حَتَّى قَالَ كلمة الْإِسْلَام وَلبس الْعِمَامَة الْبَيْضَاء فتسلط على النَّاس بِذُنُوبِهِمْ وَمن الْعجب أَنه لما كَانَ يتظاهر بالنصرانية ويباشر الْحَوَائِج خاناه كَانَ مشكوراً بِكَثْرَة بره ورعايته للنَّاس فَلَمَّا تظاهر بِالْإِسْلَامِ جَاءَ عذَابا واصباً على عباد الله. وَمَات بدر الدّين حسن بن العَيْذَابي رَئِيس المؤذنين فِي سلخ جُمَادَى الأولى وَكَانَ من الْعَجَائِب فِي النهمة وَكَثْرَة الْأكل. وَمَات الشَّيْخ المعتَقد رشيد الْأسود التكروري فِي المارستان فِي يَوْم السبت ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ يُقيم بِجَامِع راشدة خَارج مصر وَهُوَ أخر من سكنه. وَمَات الْأَمِير سَلام - بتَشْديد اللَّام - بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَايِد بِالْفَاءِ الْمَعْرُوف بِابْن التركية أَمِير خفاجة بالصعيد فِي سَابِع ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن منكلي بغا الشمسي وَابْن أُخْت الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي عَاشر شعْبَان. وَمَات الرئيس عَلَاء الدّين عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن صَغِير رَئِيس الْأَطِبَّاء وَهُوَ بحلب وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْعشْرين من شَوَّال بِدِمَشْق. وَمَات القَاضِي الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد المليجي الْمَعْرُوف بصائم الدَّهْر نَاظر الأحباس ومحتسب الْقَاهِرَة وخطيب مدرسة حسن فِي تَاسِع عشر صفر عَن نَحْو سبعين سنة وَكَانَ خيرا دينا كثير النّسك سَاكِنا قَلِيل الْكَلَام بهيج الزي جميل الْهَيْئَة يسْرد الصَّوْم دَائِما. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مقبل الجندي الظَّاهِرِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. كَانَ يتظاهر يحف شَاربه وَرفع يَدَيْهِ فِي كل خفض وَرفع فِي الصَّلَاة وَلَا يكتم الِاقْتِدَاء بِمذهب أهل الظَّاهِر وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا واشتغل بِالْحَدِيثِ. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين مُوسَى بن سيف الدّين أرقطاي فِي لَيْلَة(5/361)
الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ذِي الْقعدَة. كَانَ جده وَأَبوهُ من أُمَرَاء الألوف وَهُوَ من أُمَرَاء العشراوات وَيُحب الحَدِيث ويواظب سَمَاعه على الْمَشَايِخ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين منكلي الطرخاني الشمسي أحد الْأُمَرَاء ونائب الكرك. وَتُوفِّي لَيْلَة الْعَاشِر من الْمحرم. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعمريّ الْمَعْرُوف بكاتب أيتمش وبكاتب السمسرة وَمَات أَمِين الدّين يحيى بن مُحَمَّد الْحَنْبَلِيّ الْعَسْقَلَانِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الأول. وَمَاتَتْ زبيدة بنت قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر البسطامي الْحَنَفِيّ. وَمَاتَتْ أم قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ فِي لَيْلَة يَوْم السبت تَاسِع الْمحرم ودفنت بالقرافة. وَمَاتَتْ الشيخة الصَّالِحَة شيخة رِبَاط البغدادية فِي يَوْم السبت ثَانِي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَت على قدم فاضلة من الْعِبَادَة وتذكير النِّسَاء فِي وعظها إياهن وتَعليمهن الْخَيْر. وَمَات متملك تونس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن يحيى بن(5/362)
إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن عمر بن يحيى بن عمر بن ونُودَين الحفصي فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شعْبَان فَكَانَت مُدَّة ملكه أَرْبعا وَعشْرين سنة وَثَلَاثَة أشهر وَنصف. وَقَامَ من بعده ابْنه أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز. وَمَات صَاحب فاس السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني ملك الْمغرب فِي محرم. وأقيم بعده ابْنه أَبُو فاس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس.(5/363)
فارغه(5/364)
(سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الثُّلَاثَاء. فَفِي ثالثه: قدم ثقل الْأَمِير مَحْمُود الأستادار من الشَّام. وَقدم الْبَرِيد باستقرار دقماق فِي نِيَابَة ملطية وَكَانَ مقبل فِي نِيَابَة طرسوس وطَغَنْجي فِي نِيَابَة قلعة الرّوم ومَنْكلي بُغا الأسَنْبغاوي فِي نِيَابَة الرها. وَأَن السُّلْطَان قبض على عدَّة من أُمَرَاء حلب مِنْهُم ألطنبغا الأشرفي وتمرباي الأشرفي وقُطْلوشاه المارديني. وَأَن عربان آل مهنا خَرجُوا بأجمعهم عَن الطَّاعَة ودخلوا إِلَى الْبَريَّة. وَفِي رابعه: خرج أَتبَاع ابْن أويس إِلَى بَغْدَاد بحريمه. وَفِي سابعه: قدم السُّلْطَان من حلب إِلَى دمشق بعساكره. وَفِي سَابِع عشره توجه السُّلْطَان من دمشق يُرِيد مصر وَولي الْأَمِير بدخاص السودوني - حَاجِب الْحجاب - نِيَابَة الكرك عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ. وَنقل الشهَاب إِلَى دمشق حَاجِب الْحجاب بهَا عوضا عَن تمربغا المنجكي. وَقدم تمربغا فِي الْخدمَة إِلَى مصر وَاسْتقر قُنُق باي السيفي اللالا بصفد من جملَة أمرائها. وَاسْتقر الجبغا الجمالي الْحَاجِب أَمِيرا بِدِمَشْق، على طبلخاناه.(5/365)
وَفِي ثَالِث عشرينه: نُودي بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا. وَفِيه قدم الْمحمل والحاج صُحْبَة الْأَمِير قديد وهم ركب وَاحِد. وَقدم الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان توجه من الرملة لزيارة الْقُدس جَرِيدَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول صفر: قدم شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ من الشَّام. وَفِي خامسه: قدم الْحَرِيم السلطاني مَعَ الطواشي بَهادُر الْمُقدم وفيهن عدَّة من حرائر دمشق وأبكارها ليختار مِنْهُنَّ من يعْقد عَلَيْهَا. وَفِي سابعه: قدم الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب زويلة وَقد فرشت لَهُ شقَاق الْحَرِير من بَاب زويلة إِلَى دَاره فَمشى عَلَيْهَا بفرسه وَمَعَهُ من الْخَلَائق عدد لَا يَقع عَلَيْهِ حصر وَأوقدت لَهُ الْبَلَد. وَفِيه نُودي بِالْخرُوجِ إِلَى لِقَاء السُّلْطَان. وَفِي تاسعه: قدم بالبريد بِأَن السُّلْطَان قبض على جلبان الكمشبغاوي نَائِب حلب بقطيا وَبَعثه من الطينة فِي الْبَحْر إِلَى دمياط. وَفِي ثَانِي عشره: قدم السُّلْطَان وَصعد إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَكَانَ الشَّيْطَان قد أجْرى على أَلْسِنَة الْعَامَّة كلمة سوء وَهِي: لَو جَاءَ السُّلْطَان لوقع الرخَاء وصاروا يتَناجون بذلك فِي كل مَوضِع فأخلف الله ظنهم وتزايدت الأسعار من يَوْم دُخُوله تَصْدِيقًا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من تعلق بِشَيْء وكل إِلَيْهِ. وأبيع الْقَمْح بسبعين بعد أَرْبَعِينَ والفول وَالشعِير بِأَرْبَعِينَ كل أردب وَالْحمل من التِّبْن بِعشْرَة دَرَاهِم بعد خَمْسَة وكل حَملَة دَقِيق - وَهِي سِتّ بطط - بِمِائَة وَعشرَة دَرَاهِم وَالْخبْز كل ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم والأرز كل قدح بِدِرْهَمَيْنِ وَالسكر كل رَطْل بِسِتَّة دَرَاهِم بعد ثَلَاثَة والجبن المقلو بِنَحْوِ دِرْهَمَيْنِ بعد ثُلثي دِرْهَم والرطل اللَّحْم البقري بدرهم بعد نصف دِرْهَم والرطل اللَّحْم من الضَّأْن بدرهم وَنصف بعد نصف وَربع دِرْهَم كل رَطْل.(5/366)
وَاتفقَ مَعَ تزايد الأسعار كَثْرَة ظلم الدولة وَوُقُوع الوباء ووقوف أَحْوَال النَّاس من قلَّة المكاسب. وَفِي خَامِس عشره: ركب السُّلْطَان وَعبر إِلَى الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وزار أَبَاهُ بمدرسته بَين القصرين. وَخرج من بَاب النَّصْر إِلَى القلعة. وَفِي سادسه: عدى إِلَى بر الجيزة. وأحدث الْأَمِير تمربغا المنجكي شرابًا من زبيب يعْمل لكل عشرَة أَرْطَال من الزَّبِيب أَرْبَعُونَ رطلا من المَاء ويدفن فِي جرار بزبل الْخَيل أَيَّامًا ثمَّ يشرب فيسكر وَصَارَ يُقَال لَهُ التمربغاوي وَفِي ثامن عشره: عَاد السُّلْطَان من الجيزة إِلَى القلعة. وَفِي تَاسِع عشره: أنعم على الْأَمِير فَارس من قطلو خجا بتقدمة ألف وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن بِدخاص المتنقل لنيابة الكرك. وَفِيه استعفى الْأَمِير سودُن من نِيَابَة السلطة والإمرة لكبره وعجزه فأعفي وَلزِمَ بَيته. وَفِي رَابِع عشرينه: أنعم على عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الطلاوي بإمرة طبلخاناه وَاسْتقر أَخُوهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد فِي ولَايَة الْقَاهِرَة كَأَنَّهُ يَنُوب عَنهُ وَشرط عَلَيْهِ أَلا يستبد بِشَيْء بل يُرَاجِعهُ فِي الْأُمُور. وأنعم على أرغون شاه البَيْدمري الأقبغاوي بتقدمة ألف وعَلى نوروز الحافظي بتقدمة ألف. وعَلى تمربغا المنجكي بإمرة طبلخاناه وعَلى شيخ المحمودي بطبلخاناه وعَلى صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن تنكز بطبلخاناه وعَلى صَرْغَتْمُش المحمدي الْقزْوِينِي بطبلخاناه وعَلى سودُن الطيار الناصري بطبلخاناه. وأنعم على كل من مقيل الرُّومِي وأقباي بن حُسَيْن شاه وآق بلاط الأحمدي ومنكلي بغا الناصري بإمرة عشرَة. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي حاجباً عوضا من ألجبغا الجمالي مَعَ النّظر فِي الْولَايَة على أَخِيه. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث ربيع الأول: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد آخر يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه.(5/367)
وَفِي سابعه: خلع على الْأُمَرَاء والأكابر وناظر الْجَيْش وناظر الْخَاص، أقبية بِفَرْوٍ وسمور. وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته. وَفِي تاسعه: عقد مجْلِس حضر فِيهِ شيخ الْإِسْلَام والقضاة وَالْفُقَهَاء عِنْد السُّلْطَان. وأحضر رجل من الْعَجم يتفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة يُقَال لَهُ مصطف القرماني وَأَنه كتب شَيْئا فِي الْفِقْه قَالَ فِيهِ: لَا يَبُول أحد إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر لِأَنَّهُمَا عبدا من دون الله وَنسب إِبْرَاهِيم - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى مَا نزهه الله من عبادتهما. فَأَرَادَ قَاضِي الْمَالِكِيَّة نَاصِر الدّين أَحْمد بن التنسي الحكم بقتْله فاعتنى بِهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وسألوا السُّلْطَان أَن يُفَوض أمره إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة جمال الدّين مَحْمُود العجمي فعزره بِأَن أَقَامَهُ وَبعث بِهِ إِلَى السجْن ثمَّ أفرج عَنهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وضربه ثمَّ خلاه لسبيله. وَفِي رَابِع عشره: أنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جلبان العلاي بإمرة عشْرين عوضا عَن قرابغا بعد مَوته. وَفِي ثامن عشره: قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن تيمور توجه من قراباغ وعدى السُّلْطَانِيَّة وَتوجه ابْنه إِلَى كيلان فَإِن طقتمش أَخذ أَكثر بِلَاده. وَقد حدث بِبَغْدَاد وباء عَظِيم وَاشْتَدَّ بهَا الغلاء وانتقل ابْن أويس عَنْهَا إِلَى الْحلَّة. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير مبارك شاه نَائِب الْوَجْه القبلي وَمَعَهُ أُمَرَاء العربان وهم: أَبُو بكر بن الأحدب أَمِير عَرك وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير هوارة وَعلي بن غَرِيب أَمِير هوارة أَيْضا وأحضروا تقادمهم على الْعَادة. وَفِيه تنكر السُّلْطَان على الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار وَكَاد يبطش بِهِ. فَلَمَّا نزل إِلَى دَاره أَتَاهُ الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطلاري يَأْمُرهُ عَن السُّلْطَان بِحمْل خَمْسمِائَة ألف دِينَار وَإِن امْتنع يُوقع الحوطة عَلَيْهِ ويضربه بالمقارع فتلطف فِي السَّعْي بَينه وَبَين السُّلْطَان حَتَّى تقرر أَنه يحمل مائَة ألف وَخمسين ألف دِينَار فَلَمَّا صعد فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه إِلَى الْخدمَة بالقلعة صَاح بِهِ المماليك من الأطباق وسبوه ورجموه.(5/368)
وَفِي سَابِع عشرينه: قبض على يلبغا الزيني وَالِي الأشمونين وَضرب بالمقارع بَين يَدي السُّلْطَان لِكَثْرَة مَا شكا مِنْهُ أهل الْبِلَاد وتسلمه ابْن الطلاوي ليخلص مِنْهُ حُقُوق النَّاس. وَفِيه أحضر مبارك شاه تقدمته وَهِي مائَة وستونفرساً وَمِائَة وَخَمْسُونَ جملا وَسبع وَعشر نعامات وعدة أبقار وأنواع من الحلاوات وأحضر أَبُو بكر بن الأحدب مائَة فرس. وأحضر كل من عمر بن عبد الْعَزِيز وَعلي بن غَرِيب خمسين فرسا. وَفِيه ادّعى نَصْرَانِيّ على شمس الدّين مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد الْحَفرِي - أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِالْقَاهِرَةِ - بَين يَدي السُّلْطَان فَاقْتضى الْحَال أَنه ضرب القَاضِي وَهُوَ مبطوح على الأَرْض ورسم عَلَيْهِ حَتَّى يخلص مِنْهُ وَفِي ثامنه عشرينه: اسْتَقر منجك السيفي فِي ولَايَة أطفيح. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ربيع الآخر: اسْتَقر قرطا التاجي فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن يلبغا الزيني. وَفِيه اشْتَدَّ حنق السُّلْطَان على الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار وضربه لتأخره كسْوَة المماليك عَن وَقتهَا الَّذِي تفرق فِيهِ. وَفِي رابعه: اسْتَقر عَليّ بن أبي بكر القرمانة فِي ولَايَة الجيزة وعزل عَليّ بن قراجا. وَفِي خامسه: هرب مبارك شاه نَائِب الْوَجْه القبلي لِكَثْرَة شكوى أهل النواحي من ظلمه وَطلب فَلم يقدر عَلَيْهِ. وَفِي سادسه: أنعم على أَحْمد بن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بإمرة عشْرين عوضا عَن تمان تمر الأشرفي الموسوي. وَفِيه بلغ الأردب من الْقَمْح إِلَى سِتَّة وَسِتِّينَ درهما والأردب من الفول وَالشعِير إِلَى ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ درهما. وَفِي سابعه: ظهر أَن مبارك شاه لبس زِيّ الْفُقَرَاء وَأخذ بِيَدِهِ إبريقاً وَمضى نَحْو الْجَبَل فَلم يعرف أَيْن قصد. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن الْبَغْدَادِيّ الأَصْل الصعيدي الدَّار فِي ولَايَة منفلوط عوضا عَن آقبغا الزيني.(5/369)
وَفِي ثَالِث عشره: اسْتَقر أَمِير فرج بن أيدمر نَائِب الْوَجْه البحري فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي عوضا عَن مبارك شاه. وَاسْتقر عوضه فِي الْوَجْه البحري أوناط السيفي. وَفِي رَابِع عشره: عدى السُّلْطَان النّيل إِلَى بر الجيزة وَنزل بِنَاحِيَة صقيل وَأَقْبل على اللَّهْو. وَفِي حادي عشرينه: ترامى مبارك شاه على الْأَمِير تاني بك اليحياوي أَمِير أخور فشفع فِيهِ حَتَّى عَفا السُّلْطَان عَنهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: رَجَعَ السُّلْطَان إِلَى القلعة. وَفِيه حضر مبارك شاه بَين يَدي السُّلْطَان فألبسه قبَاء مطرزاً. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم السُّلْطَان ولد بن عَليّ شاه زَاده بن شيخ أويس بن حسن وَكَانَ ولد قد قدم مَعَ عَمه القان مغيث الدّين أَحْمد بن أويس وَأقَام حَتَّى خرج صُحْبَة حريمه فالتحق بالقدس لتخوفه من عَمه وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة - بعد أَن اسْتَأْذن - وَمَعَهُ عِيَاله فأنزله السُّلْطَان فِي دَار من الْأُمَرَاء وأجرى عَلَيْهِ مَا يقوم بِهِ ووعده بإمرة. وَفِيه قدم مَسْعُود بن الشَّيْخ مُحَمَّد الكجاني من تبريز فَارًّا من تيمور. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير مَحْمُود الأستادار نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بتقدمته وَهِي مائَة فرس وثلاثمائة قِطْعَة من ثِيَاب الْإسْكَنْدَريَّة وَعشرَة آلَاف دِينَار. وَفِيه أفرج عَن قطلوبك السيفي وكمشبغا اليوسفي وقدما من دمياط. وَفِيه تزوج سُلْطَان ولد بانية عَمه تندى بعد انْقِضَاء عَمَّتهَا من السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِ لإمرة عشرَة وَترك زِيّ البغاددة وَلبس القباء والكلفتة كَهَيئَةِ أُمَرَاء مصر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ أول جُمَادَى الأولى: رسم لجَماعَة من الْأُمَرَاء الخاصكية بِأَن يَسِيرُوا فِي الموكب تَحت القلعة بالرملية مَعَ الْأُمَرَاء وهم صَرْغَتْمش المحمدي الْقزْوِينِي وَصَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز وهما من الطبلخاناة وقرمان المنجكي وتمر الشهابي وهما من أُمَرَاء العشرينات ودمرداش السيفي وبهادر السيفي وجرجي الصَرغَتْمُشي وأسَنبغا التاجي وقوصون المحمدي وألجبغا السلطاني وتغرة بردي القردمي وقجماس البشيري ويلبغا المحمدي وبَيدمر المحمدي وبى خُجا الحسني فَرَكبُوا فِي الموكب وصعدوا إِلَى القلعة فوقفوا مَعَ الخاصكية وَصَارَ هُنَا رسمهم.(5/370)
وَفِيه طلب من سَائِر الْأُمَرَاء خُيُول لعمارة مراكز الْبَرِيد فألزم كل من الْأُمَرَاء المقدمين بِعشْرَة أكاديش وكل من الْوَزير والأستادار وَبَقِيَّة أَرْبَاب الْوَظَائِف وأمراء الطبلخاناة أكديشان وكل من وَفِي حادي عشرينه: فَقبض على منكلي بغا الزيني وَالِي قوص وَسلم إِلَى ابْن الطبلاوي لشكوى أهل الْبِلَاد مِنْهُ وَاسْتقر عوضه أقبغا البشتكي. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير مَحْمُود خلعة الرِّضَا. وَفِي أول جُمَادَى الْآخِرَة: قدم الْبَرِيد بمحاربة تركمان الطَّاعَة لنعير وَقتل ألف من عربانه وَأَنه انهزم وَهلك لَهُ نَحْو ثَلَاثَة آلَاف بعير. وَقدم قَاصد متملك ماردين فَجهز على يَده تَقْلِيد لمرسله بنيابة السلطنة وتشريف وَهُوَ أطسان وَسيف عنبرية ومنديل زركش. وَقدم الْبَرِيد من حلب بِأَن سولي بن دُلغار انْكَسَرَ كسرة قبيحة وفر بمفرده. وَفِي رَابِع عشره: قدم عمر بن نعير بن حيار بن مهنا فَعَفَا السُّلْطَان عَنهُ وترافع رجلَانِ من أهل الْإسْكَنْدَريَّة يُقَال لأَحَدهمَا زكي الدّين أَبُو بكر بن الموازيني وَالْآخر أَحمد المالقي وَكِلَاهُمَا يدولب دَار الضَّرْب فَقبل قَول كل مِنْهُمَا فِي الآخر وتسلمهما ابْن الطبلاوي وخلص مِنْهُمَا ألف ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر يلبغا السالمي الخاصكي فِي نظر الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء فَأَرَادَ أَن يجرى أمورها على مَا شَرطه الْوَاقِف وَأخرج مِنْهَا أَرْبَاب الْأَمْوَال وَزَاد الْفُقَرَاء المجردين كل فَقير رغيفاً فِي الْيَوْم على الثَّلَاثَة الأرغفة المقررة لَهُ ورتب بهَا وظيفتي ذكر بعد صَلَاتي الْعشَاء وَالصُّبْح. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس رَجَب: اسْتَقر الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز أستادار الْأَمْلَاك السُّلْطَانِيَّة والوزير الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر ديوَان الْأَمْلَاك. وَاسْتقر كل من صرغتمش المحمدي الْقزْوِينِي وقجماش البشيري أَمِير جاندار. وَاسْتقر الْأَمِير تمر الشهابي حاجباً صَغِيرا. وَفِي ثامنه: اسْتَقر الْأَمِير نوروز الحافظي رَأس نوبَة صَغِيرا عوضا عَن تغرى بردى من يشبغا. وَفِيه عقد مجْلِس عِنْد السُّلْطَان حَضَره الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر(5/371)
البُلْقِينِيّ بِسَبَب يلبغا السالمي وشهاب الدّين أَحْمد الْعَبَّادِيّ - أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ - وَذَلِكَ أَن عدَّة الصُّوفِيَّة بخانكاه سعيد السُّعَدَاء كَانَت عِنْدَمَا تحدث الْأَمِير سودن النَّائِب فِي نظرها من ابْتِدَاء دولة السُّلْطَان دون الثلاثمائة فتزايدت حَتَّى بلغت نَحْو الْخَمْسمِائَةِ. وَلم يَفِ ريع الْوَقْف بالمصروف فَقطع مَا كَانَ لَهُم من الْحَلْوَى والصابون فِي كل شهر وَمن الْكسْوَة فِي السّنة. فَلَمَّا شَرقَتْ نَاحيَة دهمرو - الْمَوْقُوفَة على الخانقاه - فِي هَذِه السّنة من جملَة مَا شَرق من النواحي لقُصُور النّيل عزم مباشرو الخانقاه على غلق مطبخها ومخبزها من أول شهر رَجَب هَذَا وَقطع مَا للصوفية من الطَّعَام وَاللَّحم وَالْخبْز فِي كل يَوْم فَلم يصبروا على ذَلِك. وتكرر وقوفهم للسُّلْطَان وشكواهم حَتَّى ولي يلبغا السالمي نظر الخانكاه وَشرط عَلَيْهِ إِجْرَاء الْأُمُور فِيهَا على مَا فِي كتاب وَقفهَا من الشُّرُوط فَوجدَ شَرط الْوَاقِف أَن يكون من بهَا من الصُّوفِيَّة أهل السلوك فَإِن تعذر وجودهم كَانَت وَقفا على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَأَفْتَاهُ شيخ الْإِسْلَام بِوُجُوب اتِّبَاع شَرط الْوَاقِف فَجمع الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام بالخانقاه وأحضر سَائِر صوفيتها وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب الْوَقْف سَأَلَهُمْ فِي الحكم بِالْعَمَلِ بِشَرْط الْوَاقِف فَانْتدبَ لَهُ من جملَة الصُّوفِيَّة زين الدّين أَبُو بكر القمني من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وشهاب الدّين أَحْمد الْعَبَّادِيّ من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وقضاتهم وأخذا فِي مخاصمته. وَطَالَ النزاع فَأَضْرب عَن قَوْلهمَا وَسَأَلَ الْقُضَاة عَمَّا يفعل. فَقَالُوا كلهم مَعَ شيخ الْإِسْلَام افْعَل شَرط الْوَاقِف وانفضوا. فَقطع من ليلته نَحْو الْخمسين من الصُّوفِيَّة الَّذين يركبون البغلات أَو يلون الْقَضَاء وَالْحكم بَين النَّاس أَو لَهُم شهرة بغناء وسعة مَال وَفِيهِمْ القمني والعبادي فأطلقا ألسنتهما فِيهِ. وَزَاد الْعَبَّادِيّ فِي التَّعَدِّي وَصرح بِأَن السالمي قد كفر وَصَارَ يَقُول فِي الْمجَالِس الْكَافِر يلبغا سالمي استنبطت آيَة من كتاب الله فِيهِ. وَهِي قَوْله تَعَالَى: أم حَسِبَ الَّذين اجتَرَحُوا السيئاتِ أَن يَجعَلَهم كالِذينَ آمَنُوا وَعَمَلُوا الصَّالِحَات سَوَاء وكتبت فِي ذَلِك كراريس وَهَذَا الْكَافِر يلبغا يُرِيد أَن يكون مثل الْفُقَرَاء الصَّالِحين. فَلَمَّا بلغ ذَلِك السالمي لم يحْتَملهُ وشكا الْعَبَّادِيّ للسُّلْطَان. وَنزل من القلعة إِلَى دَاره فَإِذا بالعبادي قد مر فِي شَارِع الْقَاهِرَة فلشدة حنقه مِنْهُ نزل عَن فرسه وَقبض على كم الْعَبَّادِيّ وَدعَاهُ إِلَى الشَّرْع فَزَاد الْعَبَّادِيّ فِي التحامق وَقَالَ: تمسك كمي كفرت فَبَيْنَمَا هما فِي ذَلِك إِذْ مر سعد الدّين نصر الله بن البقري فَنزل عَن فرسه وَمَا زَالَ بهما حَتَّى أخذهما وَمَشى إِلَى الْمدرسَة الحجازية برحبة بَاب الْعِيد وجلسوا بهَا فَأَتَاهُم الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي. وَأخذ فِي الْإِصْلَاح بَينهمَا(5/372)
فَزَاد تجانن الْعَبَّادِيّ وَقَالَ: قد كفر السالمي بمسكه كمي وَأَنا مذهبي من قَالَ للفقيه يَا فَقِيه بِصِيغَة التصغير فقد كفر لِأَنَّهُ احتقره وَكَذَلِكَ مسك كمي فِيهِ احتقاري وَهُوَ كفر. فانفض الْمجْلس عَن غير صلح فَعَاد السالمي إِلَى السُّلْطَان. وَقد بلغ السُّلْطَان مَا جرى بَينه وَبَين الْعَبَّادِيّ فَقَالَ لَهُ: قد كفرك الْفُقَهَاء يَا يلبغا فَقَالَ: يَا مَوْلَانَا قد كفرُوا أكبر مني. يعرض لَهُ بِمَا كَانَ من إِفْتَاء الْفُقَهَاء فِيهِ لمنطاش أَيَّام كَانَ بالكرك. ثمَّ سَأَلَ فِي عقد مجْلِس لَهُ ولغريمه فرسم بذلك وَحضر الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام عِنْد السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن شهر رَجَب هَذَا وَجِيء بالعبادي وأقيمت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة عِنْد قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد التنسي الْمَالِكِي بعد الدَّعْوَى فَحكم بتعزيره فَقَالَ السُّلْطَان: التَّعْزِير لي. وَأَرَادَ ضربه بالمقارع فشفع فِيهِ الْأَمِير قَلَمطاي الدوادار حَتَّى فوض تعزيره لقَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين مَحْمُود الْحَنَفِيّ فَأَجَابَهُ وَأمر بِهِ الْجمال عِنْد ذَلِك فكشف رَأسه وَأنزل بِهِ بَين يَدي بغال الْقُضَاة من القلعة وَهُوَ ماش حَتَّى سجن بِحَبْس الديلم من الْقَاهِرَة ثمَّ أخرج مِنْهُ وَنقل إِلَى سجن الرحبة. وَطلب يَوْم السبت حادي عشره إِلَى بَيت الْجمال العجمي وَحضر ابْن الطبلاوي وضربه على قَدَمَيْهِ نَحْو الْأَرْبَعين ضَرْبَة وأعيد إِلَى السجْن. ثمَّ خرج فِي ثامن عشره إِلَى بَيت السالمي وَقد حضر شيخ الْإِسْلَام عِنْده. وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى أرج عَنهُ وتسامع الْقُضَاة فَأتوا إِلَى السالمي وحضروا إصْلَاح شيخ الْإِسْلَام بَينهمَا. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمَيْمُونِيّ فِي مشيخة خانكاة قوصون بالقرافة بعد وَفَاة نور الدّين عَليّ الهوريني. وَاسْتقر مُحَمَّد بن حسن بن ليلى فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن صَدَقَة الشَّامي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شعْبَان: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل من القلعة وعملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ قد عطل حُضُور دَار الْعَمَل من نَحْو سنة وَنصف. وَفِي تاسعه: أعَاد السُّلْطَان على الْأَيْتَام المَال الَّذِي اقترضه من الْمُودع وَهُوَ مبلغ نَحْو ألف ألف وَمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم من ذَلِك مَا يخْتَص بمودع الْقَاهِرَة وَالشَّام خَمْسمِائَة وَخَمْسُونَ ألفا وَمن مُودع الشَّام سِتّمائَة ألف دِرْهَم. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي يتحدث فِي أَمر دَار الضَّرْب بِالْقَاهِرَةِ عوضا عَن مَحْمُود الأستادار.(5/373)
وَفِيه أُعِيد صدر الدّين مَحْمُود الْمَنَاوِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وعزل الْبَدْر مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء لفراغ الْغَرَض مِنْهُ. وَنزل من القلعة بالتشريف وَمَعَهُ الْأُمَرَاء على الْعَادة. فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي رَابِع عشره: قبض على عمر بن الْأَمِير نعير وحجابه الثَّلَاثَة وحملوا إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سادس عشره: نزل السُّلْطَان فِي عِيَادَة الْأَمِير بكلمش وَعَاد. وَفِي سَابِع عشره: ركب الصَّدْر الْمَنَاوِيّ إِلَى مَدِينَة مصر على الْعَادة وَعَاد وَفِي ثامن عشره ركب السُّلْطَان وَدخل الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وطلع إِلَى مدرسته بَين القصرين لزيارة قبر أَبِيه وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشرينه: خرج من الْأُمَرَاء المقدمين بكلمش أَمِير سلَاح ونوروز رَأس نوبَة وقلمطاي الدوادار وأرغون شاه البيدمري وَفَارِس حَاجِب الْحجاب وقديد الْحَاجِب وَأحمد بن يلبغا فِي عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشراوات لكبس العربان بِبِلَاد الصَّعِيد. وَفِي ثامن عشرينه: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ أَرْبَعَة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِي آخِره: اسْتَقر الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر فِي وزارة دمشق وعزل بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي رَمَضَان: عَاد الْأُمَرَاء من الصَّعِيد بَعْدَمَا قبضن الْأُمَرَاء على خَمْسمِائَة رجل وأخفوا ثَمَانِينَ فرسا وأحضروا نَحْو السِّتين رجلا وأفرجوا عَن الْبَقِيَّة فسجنوا بخزانة شمايل. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني الإسْكَنْدراني فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي. وَفِيه أضيف إِلَى ابْن الطبلاوي الْكَلَام فِي دَار الضَّرْب بالإسكندرية وَفِي متجر السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير مَحْمُود فَلم يمض غير أَيَّام حَتَّى تنافسا وَخرج ابْن الطبلاوي على مَحْمُود من جِهَة دَار الضَّرْب مبلغ سِتَّة آلَاف دِرْهَم فضَّة صَالح السُّلْطَان عَلَيْهَا بِمِائَة ألف وَخمسين ألف دِينَار ذَهَبا غلقها فِي تَاسِع عشرينه فَخلع عَلَيْهِ وعَلى وَلَده مُحَمَّد وعَلى ابْن الطبلاوي وعَلى نَاظر الْخَاص وعَلى سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب(5/374)
كَاتب الْأَمِير مَحْمُود وَكَانَ قد تنكر مَا بَينه وَبَين مخدومه الْأَمِير مَحْمُود وَظَاهر عَلَيْهِ ابْن الطبلاوي وَصَارَ يكاشفه بالعداوة فَجعله ابْن الطبلاوي من أكبر أعوانه على إِزَالَة مَحْمُود حَتَّى تمّ لَهُ ذَلِك فَكَانَ هَذَا ابْتِدَاء ظُهُور ابْن غراب واشتهار ذكره وَلم يبلغ الْعشْرين سنة. وَهَذِه أول غدراته فَإِن مَحْمُود أَخذه من الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ طِفْل صَغِير ورباه عِنْده وَعلمه الْكِتَابَة ورتبه فِي كِتَابَة خَاص أَمْوَاله. فَلَمَّا كبر وَبلغ مبالغ الرِّجَال سمت نَفسه إِلَى الرِّئَاسَة وَرَأى أَنه يبْدَأ بمحمود ولي نعْمَته فيزيله أَولا وَكَانَ ابْن الطبلاوي قد كثر اخْتِصَاصه بالسلطان فَصَارَ إِلَيْهِ وساعده على مَحْمُود ودله على عوراته ومت إِلَيْهِ بِمَعْرِِفَة حواصل أَمْوَاله فَجمع بَينه وَبَين السُّلْطَان وأخلاه بِهِ فَعرفهُ من حَال مَحْمُود مَا أوجب لَهُ أَن صَارَت لَهُ بذلك الْيَد عِنْد السُّلْطَان وَكَانَ مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه اسْتَقر مُحَمَّد بن العالي فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن آيدمر المظفري. وَفِي يَوْم السبت سادس شَوَّال: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِالْجُلُوسِ فِي الميدان تَحت القلعة للْحكم بَين النَّاس. وَكَانَت عَادَته أَن يجلس فِي يومي الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء فَغير بذلك بيومي الثُّلَاثَاء والسبت وَجعل الْأَحَد وَالْأَرْبِعَاء لمعاقرة الشَّرَاب مَعَ الْأُمَرَاء فاستمر ذَلِك. واستدعى مباشري الْأُمَرَاء وَقَالَ: لقد بَلغنِي أَنكُمْ تحمون الْبِلَاد فَمن سَمِعت أَنه حمى بَلَدا ضَربته بالمقارع وسمرته بل ساووا الأجناد فِي المغارم على النواحي. وَكتب إِلَى وُلَاة الْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري بِأَن يكون الْأُمَرَاء والأجناد سَوَاء فِي المغرم. وَلَا تحمى بلد أَمِير عَن إِخْرَاج المغرم وَلَا يحمر فلاح الْبَتَّةَ. وَاتفقَ فِي زِيَادَة النّيل أَمر غَرِيب وَهُوَ أَن الزِّيَادَة استمرت مُنْذُ أَخذ القاع حَتَّى كملت ثَمَانِيَة أَذرع ثمَّ زَاد فِي سِتَّة أَيَّام ثَمَانِيَة أَذْرع وإصبعين وَهِي من يَوْم الْخَمِيس رَابِع شَوَّال إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء تاسعه وَهُوَ ثَالِث مسرى. وَفِيه كَانَ الْوَفَاء وَركب السُّلْطَان حَتَّى عدى النّيل إِلَى المقياس ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثامن عشره: توجه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد جمق بن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش إِلَى الْحَج وَهُوَ أَمِير الركب فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء أول ذِي الْقعدَة: قدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن الْحَرْب ثارت بَين بني(5/375)
حسن وقواد مَكَّة بِبَطن مر فَقتل فِيهَا الشريف عَليّ بن عجلَان وَامْتنع القواد بِمَكَّة وصدوا عَنْهَا بني حسن. فأفرج السُّلْطَان عَن الشريف حسن بن عجلَان وولاه إمرة مَكَّة عوضا عَن أَخِيه عَليّ وخلع عَلَيْهِ وَسَار إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ يلبغا السالمي ليقلده إِمَارَة مَكَّة فِي سابعه. وَفِي ثَانِي عشره - وَهُوَ آخر أَيَّام النسئ -: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل ثَانِيَة عشر ذِرَاعا وَنصف وَنقص من يَوْمه. وَفِي ثَالِث عشره: ركب السُّلْطَان إِلَى دَار الْأَمِير مَحْمُود يعودهُ من مَرضه. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر منكلي بغا الزيني فِي ولَايَة الأشمونين وعزل قرطاي التاجي. وَفِي خَامِس عشره - وَهُوَ ثَالِث توت -: زَاد مَاء النّيل وَنُودِيَ عَلَيْهِ من الْغَد واستمرت وَفِيه اسْتَقر عمر بن إلْيَاس - قريب قرط - فِي ولَايَة منفلوط عوضا عَن الشريف عَليّ الْبَغْدَادِيّ. وَفِي سَابِع عشرينه - وَهُوَ خَامِس عشر توت -: انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى ثَمَانِيَة أَصَابِع من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى رَابِع بَابه فَكَانَ طوفاناً والأسعار تتزايد حَتَّى بلغ الْقَمْح ثَمَانِينَ درهما والأردب من الفول وَالشعِير أَرْبَعَة وَخمسين والبطة الدَّقِيق بِاثْنَيْ وَعشْرين درهما وَالْخبْز كل رطلين وَنصف بدرهم وَالْحمل من التِّبْن بِعشْرَة دَرَاهِم والقدح الْأرز بِدِرْهَمَيْنِ والأردب من الحمص بِخَمْسِينَ والرطل من الْجُبْن المقلو بِدِرْهَمَيْنِ والرطل من لحم الضَّأْن بدرهم وَربع والرطل من لحم الْبَقر بدرهم وَالسكر بِخَمْسَة دَرَاهِم الرطل.(5/376)
وَفِي آخِره: اسْتَقر سنقر المارديني فِي ولَايَة قوص وعزل أقبغا البشتكي. وَفِي السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة: قدم الْأَمِير طولو بن عَليّ شاه المتوجه إِلَى طَقتمش خَان وَأَنه بعد مَا اتّفق مَعَه على محاربة تيمور توجه تيمور لمحاربته فَسَار إِلَيْهِ وقاتله ثَلَاثَة أَيَّام فانكسر من تيمور وَمر إِلَى بِلَاد الروس فَخرج طولو من سراي إِلَى القرم وَمضى إِلَى الكفا فعوقه متملكها ليتقرب بِهِ إِلَى تيمور حَتَّى أَخذ مِنْهُ خمسين ألف دِرْهَم فَملك تيمور القرم والكفا وخربها. وَقدم رَسُول الْأَمِير يُوسُف بن قرا مُحَمَّد بن بيرم خجا - صَاحب الْموصل - بِأَن عَسْكَر تيمور وَفِي آخِره: قدم مبشرو الْحَاج وَأَخْبرُوهُ باستيلاء حسن بن عجلَان على مَكَّة وَوُجُود الْأَمْن والرخاء. وَفِيه ولى شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خطب نقيرين. وأعيد برهَان أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ الصنهاجي إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن علم الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد القفصي. وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود النابلسي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن المنجا. ثمَّ ولي القفصي قَضَاء الْمَالِكِيَّة محلب عوضا عَن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم الركراكي. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد القرقشندي موقع الحكم فِي ثلث عشْرين شعْبَان. وَمَات الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الْآمِدِيّ أحد أَصْحَاب ابْن تَيْمِية فِي رَابِع عشْرين ذِي الْقعدَة.(5/377)
وَمَات إِسْمَاعِيل بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن فِي ثَالِث عشر رَمَضَان عَن خمس وَمَات الْأَمِير ألطُنبغا الْحلَبِي الأشرفي وَهُوَ مسجون بقلعة حلب. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَبُو بكر البجائي المغربي المجذوب فِي يَوْم السبت خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وَدفن من الْغَد خَارج بَاب النَّصْر حَيْثُ التربة الظَّاهِرِيَّة الْآن. وَهُوَ أحد الَّذين أوصى الْملك الظَّاهِر أَن يدْفن عِنْدهم. وَأنْفق عَلَيْهِ فِي مُؤنَة كَفنه وَدَفنه وَقِرَاءَة ختمات عِنْد قَبره مِائَتي دِينَار على يَد يلبغا السالمي وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة جدا. وَمَات الْأَمِير أَبُو بكر بن الأسعدي فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات صدر الدّين بديع بن نَفِيس التبريزي رَئِيس الْأَطِبَّاء فِي سادس عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بلاط المنجكي أحد أُمَرَاء العشرينات. وَمَات عز الدّين حَمْزَة بن عَليّ بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ نَائِب أَخِيه بدر الدّين مُحَمَّد كَاتب السِّرّ وَأحد كتاب الدست. مَاتَ بِدِمَشْق يَوْم تاسوعاء وَهُوَ آخر من رَأس من بني فضل الله. وَمَات الخواجا الْكَبِير رشيد الهُبّي أحد تجار الكارم فِي لَيْلَة السبت الْعشْرين من جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين طوغان الإبراهيمي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة وأمير جاندار فِي وَمَات السَّيِّد الشريف عَليّ بن عجلَان أَمِير مَكَّة مقتولاً فِي سادس عشر شَوَّال. وَمَات نور الدّين عَليّ الهوريني شيخ القوصونية فِي ثَالِث عشر شهر رَجَب. وَمَات نور الدّين عَليّ بن الركاب أحد نواب قُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات نور الدّين عَليّ بن الشَّرَاب دَار أحد نبهاء الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة فِي تَاسِع عشر رَجَب. وَمَات جمال الدّين عبد الله بن فراج النويري أحد الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة ونواب قضاتهم بِالْقَاهِرَةِ.(5/378)
وَمَات الْأَمِير قَاسم بن السُّلْطَان فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة وعمره نَحْو خمس سِنِين. وَمَات الْأَمِير قرابغا وَالِد الْأَمِير جَرَكتمر الخاصكي الأشرفي وَأحد أُمَرَاء العشرينات فِي ثَانِي ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة مولده مستهل ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ قد أعيا الْأَطِبَّاء داؤه الَّذِي برجليه وَبِه مَاتَ. وَكَانَ إقطاعه الدِّيوَان الْمُفْرد وَهُوَ أكبر أَوْلَاد السُّلْطَان وَدفن فِي التربة الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن بنت ميلق الشاذلي قَاضِي الْقُضَاة بديار مصر وَكَانَ أَولا يعظ النَّاس وَلَهُم فِيهِ اعْتِقَاد ثمَّ امتحن بِولَايَة الْقَضَاء فَلم تُشكر سيرته وعُزل ونكب بِأخذ مَال كَبِير مِنْهُ ظلما وغُوِّرت عينه. وَمَات فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع وَمَات غياث الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد بن ثَابت الوَاسِطِيّ الأَصْل الْبَغْدَادِيّ ابْن العاقولي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ربيع الآخر بِبَغْدَاد. وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي الجفلة من تيمور. وَكَانَ من عُلَمَاء فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن صَلَاح الحريري أحدنواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومشايخ الْقُرَّاء وفقهاء الْحَنَفِيَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين رَجَب ومولده فِي الْعشْرين من شَوَّال سنة عشْرين وَسَبْعمائة. قَرَأَ على برهَان إِبْرَاهِيم الحركي الْقرَاءَات والْحَدِيث على عَلَاء الدّين التركماني وَالْفِقْه على القوام الْأَتْقَانِيّ. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عمر القليجي الْحَنَفِيّ مفتى دَار الْعدْل وَأحد نواب الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ وموقعي الحكم فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْعشْرين من رَجَب. وَقد بلغ من الرِّئَاسَة مبلغا كَبِيرا.(5/379)
وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد الأقصراي الْحَنَفِيّ شيخ الْمدرسَة الأيتمشية فِي سَابِع عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الْقُدسِي الشَّافِعِي المعتقد فِي يَوْم الْأَحَد أول شهر رَمَضَان. وَكَانَ يسكن بِجَامِع المقس على الخليج وَله حَظّ من النَّاس. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْمَعْرُوف بِابْن الْمُطَرز الْمصْرِيّ ولد فِي سنة عشر وَسَبْعمائة تخميناً وحدّث بِصَحِيح مُسلم عَن عَليّ بن عمر الْوَالِي وبسنن أبي دَاوُود عَن يُوسُف بن عمر الختني وبكتاب التَّوَكُّل لِابْنِ الدُّنْيَا عَن الدبوسي. وَمَات يَوْم الْأَحَد سادس جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات مُوسَى بن أبي بكر بن سلار أحد أُمَرَاء العشراوات وأمير طبر. ولي أَمِير طبر بعد دمرخان بن قرمان سنة ثَمَان وَسَبْعمائة. وَمَات فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة وَالله تَعَالَى أعلم.(5/380)
(سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الْأَحَد. فَفِي ثَانِيه: تناقص سعر الْقَمْح وأبيع الأردب بستين درهما. وَفِيه غير السُّلْطَان كتاب وقف مدرسته وَكَانَ شَرط النّظر عَلَيْهَا من بعده للقضاة فَجعله لمن يكون سُلْطَانا. وَفِي خامسه: قرر الْأَمِير قلمطاي الدوادار فِي نظرها وَنزل إِلَيْهَا بالتشريف فِي موكب جليل. وَفِي تاسعه: توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس على الْعَادة. وارتفع السّعر حَتَّى أبيع الأردب وَفِي عاشره: قدم يلبغا السالمي من الْحجاز. وَفِي ثامن عشره - وَهُوَ فِي أفناء هاتور -: كَانَ النّيل ثَابتا على ثَمَانِيَة عشر أصبعاً من تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَهَذَا من غرائب أَحْوَال النّيل. وَفِي سادس عشره: عَاد السُّلْطَان من سرياقوس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع صفر: نقل الْأَمِير يلبغا الأسعدي الْمَجْنُون من كشف الْوَجْه البحري إِلَى نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل أوناط. ورسم ليلبغا أَن يُقيم بِالْقَاهِرَةِ وَيخرج لعمل مصَالح الإقليم. وَبَطل كشف الْوَجْه البحري وَصَارَت نِيَابَة بتقدمة ألف رهو أول من عمل هُنَا. وَفِيه عزل شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني من حسبَة الْقَاهِرَة بِنور الدّين على الْفَوْر.(5/381)
وَفِي سادسه: بعث السُّلْطَان الطواشي فَارس الدّين شاهين الحسني الجمدار فَأخذ من دَار الْأَمِير مَحْمُود وَهُوَ مَرِيض مَالا كَبِيرا يُقَال إِنَّه مبلغ مائَة ألف دِينَار وجد فِي عقد سلم غمز عَلَيْهِ وعمدة أحمال من قماش. وَقبض على زَوجته وكاتبه سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَصَارَ بهم إِلَى القلعة وَعَاد فَأخذ ابْنه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد. وَفِي سابعه: تسلم سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب الْأَمِير إِلَى باي الخازندار وَنزل بِهِ إِلَى دَار مَحْمُود ليدله على دخيرة اعْترف بهَا فَكَانَت جُمْلَتهَا خمسين ألف دِينَار. وَفِي ثامنه: اسْتَقر عَليّ بن غلبك بن المكللة فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ بك بِحكم انْتِقَاله إِلَى ولَايَة الْبحيرَة. وَفِي تاسعه: اسْتَقر قطلوبغا الطشتمري نَائِبا بِالْوَجْهِ القبلي عوضا عَن أَمِير فرج بن أيدمر بعد وَفَاته. وَاسْتمرّ الْأَمِير بيسق الشيخي فِي كشف الجيزة عوضا عَن قطلوبغا. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر قطلوبك العلاي أستادار الْأَمِير أيتمش فِي وَظِيفَة الأستادارية عوضا عَن الْأَمِير مَحْمُود وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشْرين. وَاسْتقر مَحْمُود على إمرته وَهُوَ مَرِيض. وَاسْتقر سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير قديد القلمطاوي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير مبارك شاه. وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن الطلاوي أستادار خَاص الْخَاص وناظر كسْوَة الْكَعْبَة عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد الطنبدي وَكيل بَيت المَال ومحتسب الْقَاهِرَة - كَانَ - مُضَافا لما مَعَه من الحجوبية والتحدث فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَدَار الضَّرْب والمتجر وشق الْقَاهِرَة فِي محفل حفل. وَاسْتقر الْأَمِير أزدمر فِي كشف الجيزة عوضا عَن بيسق وَعَاد بيسق أَمِير أخور كَمَا كَانَ وأَضيف إِلَيْهِ كشف الجسور بالقليوبية. وَفِي ثامن عشره: قدمت رسل الْأَمِير قرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد - صَاحب تبريز - بِرَجُل يُقَال وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه فِي الوزارة بعد موت الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب. وَاسْتقر سعد الدّين نصر الله بن البقري نَاظر الدولة وَاسْتقر أَمِير فرج الْحلَبِي شاد الدَّوَاوِين.(5/382)
وَفِي سَابِع عشرينه: أُعِيد شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل القور لعَجزه عَن الْقيام. مِمَّا الْتزم بِهِ من المَال وأضيف إِلَى ابْن الدماميني نظر الْكسْوَة ونزعت من النَّجْم الطنبدي بعد مَا تحدث فِيهَا ابْن الطبلاوي كَمَا ذكر. وَفِي سلخه: أنعم على الْوَزير مبارك شاه بإمرة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع ربيع الأول: اسْتَقر أَحْمد بن مُحَمَّد بن ماما فِي ولَايَة المنوفية عوضا عَن مُحَمَّد بن العادلي. ثمَّ عزل فِي الْيَوْم الرَّابِع وأعيد ابْن العادلي. وَفِي حادي عشره: توجه السُّلْطَان إِلَى نَاحيَة صقيل من الجيزة وَعَاد فِي سادس عشره. وَفِيه تسلم ابْن الطبلاوي سعد الدّين أَبَا الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى نَاظر الْخَاص وَابْنه أَمِين الدّين ليخلص مِنْهُمَا أَرْبَعمِائَة ألف وَسبعين ألف دِرْهَم وجد بهَا حجَّة لِابْنِ رَجَب الْوَزير ثمَّ أفرج عَنْهُمَا بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي تَاسِع عشره: سلم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الأستادار لِابْنِ الطبلاوي على مائَة ألف دِينَار يخلصها مِنْهُ فأخرق بِهِ وَبَالغ فِي إهانته وَنزع عَنهُ ثِيَابه ليضربه بِحَضْرَة النَّاس فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير: قد رَأَيْت عزناً وَمَا كُنَّا فِيهِ وَقد زَالَ فعزك أَيْضا مَا يَدُوم وَهَذَا أول يَوْم زَالَ عني: عَن أبي فِيهِ السَّعَادَة وَأَقْبل الإدبار. فَلم يضْربهُ. وَفِي عشرينه: أفرج عَن سعد الدّين نَاظر الْخَاص وَابْنه وخلع عَلَيْهِمَا خلع الرِّضَا. وَفِيه نقل ابْن مَحْمُود إِلَى الطواشي شاهين الحسني فَأَقَامَ عِنْده يَوْمَيْنِ. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشرينه: نزل الطواشي صندل والطواشي شاهين الحسني وَابْن الطبلاوي إِلَى خربة خلف مدرسة الْأَمِير مَحْمُود وأخرجوا من الأَرْض - بعد حفر كثير - عدَّة أزيار فِيهَا ألف ألف دِرْهَم فضَّة حملت إِلَى السُّلْطَان. وَفِي بكرَة يَوْم الْخَمِيس: وجد بالخربة أَيْضا بعد حفر كثير سِتَّة آلَاف دِينَار وَأَرْبَعَة عشر ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم فضَّة. وَفِي رَابِع عشرينه: أُعِيد ابْن مَحْمُود إِلَى ابْن الطبلاوي. وَفِي خَامِس عشرينه: أحضرت أمه إِلَى السُّلْطَان. وَفِي ثامن عشرينه: ظفر أَيْضا بمبلغ ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ ألف وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ دِينَارا فِي مخزن حمَار بثغر الْإسْكَنْدَريَّة حملت إِلَى السُّلْطَان.(5/383)
وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن ربيع الآخر: ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِعَمَل الْخبز الَّذِي يفرق فِي الْفُقَرَاء وَهُوَ عشرُون إردباً من الْقَمْح تعْمل خبْزًا وَتَوَلَّى ابْن الطبلاوي ذَلِك فعمت فُقَرَاء الْقَاهِرَة ومصر وَأهل السجون وسكان القرافة فَكفى الله النَّاس بِهَذَا الْخبز هما عَظِيما بِحَيْثُ لم يعرف أَن أحدا مَاتَ فِي هَذَا الغلاء بِالْجُوعِ واغتنى جمَاعَة مِنْهُ فَإِنَّهُم صَارُوا يَأْخُذُونَ الْخبز من عدَّة مَوَاضِع ويبيعونه ثمَّ يستجدون النَّاس أَيْضا. وَفِي تاسعه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَنزل بشاطئ النّيل تجاه الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشره: عَاد إِلَى القلعة. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج الملكي - نَاظر قطا - فِي ولايتها مَعَ وَظِيفَة النّظر وَالْتزم كل شهر بِحمْل مائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم. وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره صيرفياً بقطا وترقى حَتَّى بَاشر بهَا ثمَّ ولي النّظر إِلَى أَن جمع بَين النّظر وَالْولَايَة. وَفِيه ظفر أَيْضا بديخرة لمحمود عِنْد لاجين أَمِير سلاحه فَكَانَ مبلغها ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وَفِي سَابِع عشره: استعفي أزدمر من كشف الجيزة فأعفي. وَاسْتقر عوضه يلبغا مَمْلُوك الْوَزير مبارك شاه. وَفِيه ارتجع عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب إمرته وهى عشرَة وَفِي تَاسِع عشره: قدم مُحَمَّد بن العادلي وَالِي المنوفية فِي الْحَدِيد فتسلمه ابْن الطبلاوي وَاسْتقر عوضه حسام الدّين. وَفِيه قدم الْأَمِير نوروز الحافظي رَأس نوبَة وَمَعَهُ عَليّ بن غَرِيب أَمِير هوارة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ رجلا من أَهله وَأَوْلَاده فِي الْحَدِيد فسجن ابْن غَرِيب بالبرج فِي القلعة وأودع أَصْحَابه بخزانة شمايل. وَفِيه تصدق السُّلْطَان بِنصب كثير فَاجْتمع بالإصطبل خَمْسمِائَة نفس حصل لكل مِنْهُم مبلغ خمسين درهما. وَفِي رَابِع عشْرين: جلس السُّلْطَان لتفرقة الصَّدَقَة أَيْضا فَاجْتمع عَالم لَا يَقع عَلَيْهِ حصر بِحَيْثُ مَاتَ مِنْهُم فِي الازدحام بِبَاب الإصطبل سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ نفسا تولى تكفينهم ودفنهم الأميران فَارس حَاجِب الْحجاب والوزير مبارك شاه.(5/384)
وَقدم الْخَبَر من الْحجاز بِأَن الشريف حسن بن عجلَان هزم بني حسن إِلَى يَنْبع وَهُوَ فِي طَلَبهمْ ثمَّ عَاد إِلَى خليص وَمَعَهُ أَمِير يَنْبع فكبس عَلَيْهِم وظفر بهم وَأَن الأترك الَّذين استخدمهم أَمِير يَنْبع ركبُوا عَلَيْهِ وقاتلوه وَقتلُوا جمَاعَة من أَصْحَابه فظفر بهم وَقتل مِنْهُم اثْنَي عشر وَأخرج باقيهم من بِلَاده. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع جُمَادَى الأولى: أوقعت الحوطة على دَار الْأَمِير مَحْمُود الأستادار وَأخذت مماليكه وَترك عِنْده ثَلَاثَة يخدمونه فِي مَرضه. وَفِيه فر شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الدزري الدِّمَشْقِي من ترسيم ابْن الطبلاوي. وَكَانَ قد تحدث للأمير أيتمش فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ فِي دمشق وأحضره لعمل حسابه فَوقف عَلَيْهِ مَال عجز عَنهُ فهرب وَلم يُوقف لَهُ على خبر. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعمل فِي كل يَوْم طَعَاما للْفُقَرَاء يفرق فيهم اللَّحْم والمرق وَالْخبْز فَبلغ عدد الْفُقَرَاء الَّذين يَأْخُذُونَ ذَلِك خَمْسَة آلَاف نفس. وَمن فَاتَهُ الْأَخْذ من الطَّعَام أَخذ مَعَ الرَّغِيف درهما فَإِن فَاتَهُ الْخبز وَأخذ من الطَّعَام أَخذ عوض الْخبز نصف دِرْهَم وَمن فَاتَهُ الطَّعَام وَالْخبْز أَخذ درهما وَنصف. وَكَانَت الأسعار قد تزايدت لقلَّة وجود الغلال وفقد الْخبز من الحوانيت بِالْقَاهِرَةِ ومصر سَبْعَة أَيَّام مُتَوَالِيَة وازدحم النَّاس على الأفران وأبيع الْقَمْح بِمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين درهما الأردب فِي غَلَّته فَإِذا غربل تعدى الْمِائَتَيْنِ. وَبَلغت البطة الدَّقِيق إِلَى أَرْبَعَة وَأَرْبَعين درهما وَالْخبْز كل رَطْل وَربع بدرهم. وَفِي عاشره: وجدت دخيرة لمحمود فِيهَا مبلغ سبعين ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: حضِر شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة بعد الْعَصْر للدُّعَاء بِرَفْع الغلاء وَمَعَهُ خلائق فَكَانَ وقتا عَظِيما. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قدم إِلَى سَاحل الْقَاهِرَة ومصر عدَّة مراكب بهَا الغلال فَانْحَطَّ سعر الأردب عشرَة دَرَاهِم وَأخذ يتناقص حَتَّى أبيع الأردب بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما وَالْخبْز كل رطلين بدرهم ثمَّ انحط عَن ذَلِك أَيْضا. وَفِي عشرينه: وجدت دخيرة لمحمود أَيْضا فِيهَا ثَلَاثَة وَسِتُّونَ ألف دِينَار وَوجدت أَيْضا أُخْرَى فِيهَا مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَوجد لَهُ عِنْد شخص مبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَعند آخر عشْرين ألف دِينَار. وَوجد فِي بَيت مبلغ مائَة دِينَار وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار وَفِي مَوضِع آخر مائَة ألف دِينَار وَثَلَاث براني فِي إِحْدَاهَا أَحْجَار البلخش وَفِي اثْنَتَيْنِ اللُّؤْلُؤ كبار وَوجد أَيْضا عِنْد شخص حلي ذهب لَهُ قدر كَبِير.(5/385)
وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشرينه: شدد على مَحْمُود حَتَّى الْتزم بإرضاء السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشرينه: وجد لَهُ فِي مَوضِع مائَة ألف دِينَار وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار. وَكَثُرت صمتات السُّلْطَان فِي هَذَا الشَّهْر وَأكْثر من تَفْرِقَة دَنَانِير الذَّهَب والدارهم الْفضة وَالْخبْز وَالطَّعَام حَتَّى عَم الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَغَيرهم وَصَارَ لبَعْضهِم من ذَلِك غنى. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة: خرج الْبَرِيد إِلَى دمشق بإحضار الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي. وَفِيه سُلم مَحْمُود الأستادار إِلَى شاد الدَّوَاوِين ليعاقبه فعصره من ليلته. وَفِي خامسه: أخرج الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن يَلبغا الخاصكي المعمري إِلَى طرابلس. وَفِيه أنعم على تمربُغا المنجكي بتقدمة ألف وعَلى قُطلوبَك الأستادار بتقدمة ألف. وعَلى كل من طُولُو بن عَليّ شاه ويَلْبُغا الناصري وسراي تمر الناصري وشاذي خُجا العثماني وقينار العلاي بإمرة طبلخاناه. وعَلى كل من طَيبغا الْحلَبِي أَمِير خور وسودن طاز من عَليّ باي وَيَعْقُوب شاه الخازندار ويَشبك الخازندار وتَمَان تَمُر الأشَقتمُري رَأس نوبَة الجمدارية بإمرة عشرَة. وَفِي عاشره: قدم الْبَرِيد من الْوَجْه القبلي بِأَن الْعَرَب الأحامدة قتلوا قُطُلوبُغا الطَشتمري نَائِب الْوَجْه القبلي فاستقر عوضه عمر بن إلْيَاس وَالِي منفلوط مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَفِيه اسْتَقر الشَّيْخ زين الدّين أَبُو بكر القمني فِي مشيخة الصلاحية بالقدس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي وَبعث بالنيابة عَنهُ وَذَلِكَ بسفارة الْأَمِير قَلْمطاي الدوادار لاختصاصه بِهِ. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد وَيُقَال لَهُ شيخ زَاده الدويزاتي فِي مشيخة الشيخونية عوضا عَن الْبَدْر الكُلُستاني كَاتب السِّرّ. وَاسْتقر الجمالي مَحْمُود العجمي نَاظر الْجَيْش وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي تدريس الصرغتمشية عوضا عَن الْبَدْر الكُلُسْتاني. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن النَّقِيب اليغموري الدِّمَشْقِي فِي التحدث على مستأجرات خَاص الْخَاص والمتجر نِيَابَة عَن ابْن الطبلاوي وَاسْتقر حاجباً بِدِمَشْق.(5/386)
وَفِي سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب فِي نظر الصرغتمشية والشيخونية وَاسْتقر تمُر بُغا المنجكي حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن قديد. وَفِي ثامن عشره: قدم بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وَزِير الشَّام على الْبَرِيد. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر ألطنبغا البريدي فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي وأحضر الصارم وَضرب بالمقارع عِنْد ابْن الطبلاوي وَاسْتقر ألطُنْبُغا الْمرَادِي فِي ولَايَة أسوان عوضا عَن حُسَيْن صهر أبي درقة وَاسْتقر أقبغا المُزَوَّق فِي ولَايَة قوص بعد موت سُنقُر. وَفِي الْعشْر الثَّانِي من هَذَا الشَّهْر: انْحَلَّت الأسعار لِكَثْرَة مَا جُلب وأبيع الأردب الْقَمْح بِخَمْسِينَ درهما وأبيع الأردب من الشّعير والفول بِثَلَاثِينَ درهما وأبيع فِي ثَانِي عشرينه الْخبز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم فسخط جلابة الغلال وانحدروا بهَا إِلَى جِهَة الْإسْكَنْدَريَّة طلبا للسعر الغالي فتكالب النَّاس على شِرَاء الْخبز والدقيق فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وتخاطفوه من رُؤُوس الحمالين فَكَانَ يَوْمًا مهولاً ووقف النَّاس من الْغَد إِلَى السُّلْطَان وضجوا من عدم مَا يَأْكُلُونَهُ فندب الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي للتحدث فِي ذَلِك وَتَمَادَى الْأَمر فِي الشدَّة يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: رُسم أَن يُبَاع الرَّغِيف بِربع دِرْهَم وَالنَّاس فِي غَايَة الإنهماك على طلبه وخطفه من الأفران وقتال بَعضهم لبَعض بِسَبَبِهِ وأبيع الْقَمْح كل قدح بدرهم وَنصف سدس وَالشعِير بِربع وَسدس دِرْهَم الْقدح. واختفى شرف الدّين مُحَمَّد ابْن الدماميني الْمُحْتَسب فِي بَيته ثَلَاثَة أَيَّام خوفًا من الْعَامَّة أَن تبطش بِهِ وَطلب الْقَمْح كل أردب بِمِائَة وَعشْرين درهما وَالشعِير بستين درهما فَلم يكد يقدر عَلَيْهِ. وفقد الْخبز من الْأَسْوَاق فَلم يره أحد فصرف السُّلْطَان ابْن الدماميني واستدعى شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي الصعيدي وولاه الْحِسْبَة - بسفارة ابْن الطبلاوى - بِغَيْر مَال فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه فاستمر الْأَمر على مَا ذكر بَقِيَّة الشَّهْر فَكَانَت أَيَّام شنعة. وَفِي آخِره: اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن منجا فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد النابلسي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع رَجَب: اسْتَقر سعد الدّين نصر الله بن البقري فِي الوزارة وَبدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي عوضا عَنهُ فِي نظر الدولة وبقى مبارك شاه على إمرته. وَاسْتقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني فِي نظر الْكسْوَة وخلع على الْجَمِيع. وَاسْتقر مُحَمَّد بن حسن بن ليلى فِي ولَايَة الجيزة عوضا عَن الشهَاب أَحْمد الأرغوني.(5/387)
وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَارَتْ الأحامدة من عرب الصَّعِيد فِي جمع من هوارة عَليّ ابْن غَرِيب إِلَى أسوان وَاتَّفَقُوا مَعَ أَوْلَاد الْكَنْز ففر مِنْهُم حُسَيْن صهر أبي درقة ونهبوا دَاره وكل مَا فِي الْبَلَد فَخرج الْبَرِيد بتوجه عمر بن إلْيَاس نَائِب الْوَجْه القبلي لطلبهم فَسَار بهوارة عمر بن عبد الْعَزِيز فَلم يقدر عَلَيْهِم وَعَاد بِغَيْر طائل. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن السنجاري الدِّمَشْقِي وزيراً بِدِمَشْق. وَفِي أول شعْبَان: نقل الْأَمِير مَحْمُود إِلَى ابْن الطبلاوي فعاقبه بِالضَّرْبِ وَالْعصر لرجليه وعاقب ابْنه نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا وألزمه بأربعمائة ألف دِرْهَم فَبَاعَ سَائِر موجوده فَلم يبلغ ثَلَاثمِائَة ألف. وَفِيه اسْتَقر الحسام بن أُخْت الْغَرْس فِي شدّ الدَّوَاوِين بِغَيْر إمرة. وَاسْتقر أَمِير فرج على إمرته بِغَيْر وَظِيفَة الشد. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن كلفت التركماني فِي نقابة الْجَيْش. وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن سنقر العينتابي. وَفِي ثَالِث عشره: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ سِتَّة أَذْرع سَوَاء. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشْرين شَوَّال: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَذَلِكَ فِي ثَانِي عشر مسرى فَنزل السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة: قبض على سعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى نَاظر الْخَاص وأحبط بداره وَاسْتقر عوضه فِي نظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب الإسْكَنْدراني كَاتب الْأَمِير مَحْمُود بن عَليّ. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: عزل ابْن السنجاري من وزارة دمشق بشهاب الدّين أَحْمد بن الشَّهِيد وَتوجه من الْقَاهِرَة وَقد أضيف إِلَيْهِ نظر الْمُهِمَّات والأسوار بِدِمَشْق. وانتهت زِيَادَة النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر عَلَاء الدّين على بن الطبلاوي فِي نظر المارستان المنصوري عوضا عَن الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا الْحَمَوِيّ. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وَهُوَ الْأَمِير سودن طاز وأخبروا بالأمن والرخاء وَأَن حسن بن عجلَان وَاقع بني حسن فِي خَامِس عشْرين شَوَّال وَقتل من أعيانهم اثْنَي عشر شريفاً وَقتل من القواد ثَلَاثِينَ قائداً وَهزمَ من بَقِي مِنْهُم.(5/388)
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخه: قبض الْوَزير الصاحب سعد الدّين بن البقري على مقدم الدولة مُحَمَّد وفيهَا ولي الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن عَسَّاف بن مهنا بن عِيسَى إمرة فضل. عوضا عَن الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن قارا بن مهنا بن عِيسَى فِي الْمحرم. وَاسْتقر الْأَمِير علم الدّين أَبُو سُلَيْمَان بن عنقاء بن مهنا بن عِيسَى فِي إمرة آل فضل عوضا عَن مُوسَى بن عساف فِي شَوَّال بعد مَوته. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ عبد الله المنوفي خطيب جَامع ابْن شرف الدّين بالحسينية الْفَقِيه الْمَالِكِي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع رَجَب وَدفن بتربة أَبِيه خَارج بَاب النَّصْر. وَمَات الْمُقْرِئ الجندي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن بيبرس الْمَعْرُوف بِابْن الرُّكْن البيسري الْحَنَفِيّ أَخذ الْقرَاءَات عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن نمير بن السراج الْمُقْرِئ الْكَاتِب. وَمَات تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن الوَاسِطِيّ وبابن البغدادى وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات وَعلم الْمِيقَات وَيقْرَأ بالمصحف فِي الْجَامِع الْأَزْهَر وَيقوم فِي رَمَضَان بعد التَّرَاوِيح إِلَى طُلُوع الْفجْر. وَمَات بالفيوم فِي صفر عَن خمس وَسبعين سنة ومولده بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَمَات ولي الدّين أَحْمد بن تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين مُحَمَّد نَاظر الْجَيْش وَهُوَ يَلِي كِتَابَة الدست وَنظر خَزَائِن السِّلَاح فِي سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. واستتر بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ أسرف حَتَّى ذهب مَاله. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشاوي فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى. كَانَ أَولا يعاني كَحْل الْأَعْين وَيُقِيم أوده من ذَلِك فَتعلق بفخر الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وَهُوَ يَلِي نظر دَار الضَّرْب فاستنابه فِيهَا وخدم ابْن الطبلاوي ففخم أمره وَعين لنظر الْخَاص فعاجلته الْمنية دون بُلُوغ الأمنية.(5/389)
وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الشامية موقع الحكم فِي سَابِع عشْرين شعْبَان. وَمَات أَمِير فرج بن عز الدّين أَحْمد السيفي نَائِب الْوَجْه القبلي. قتل فِي سادس صفر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بهادر الأعسر فِي يَوْم عيد الْفطر كَانَ مشرفاً بمطبخ الْأَمِير خجا أَمِير شكار ثمَّ خدم زرد كاش الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الْعمريّ وانتقل حَتَّى صَار أحد الْأُمَرَاء وَولي مهمندارا ثمَّ شاد الدَّوَاوِين. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تمر الشهابي الْحَاجِب أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَكَانَ ينظر فِي الْفِقْه على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة ويتدين وَخرج عَلَيْهِ الْعَرَب فَقَاتلهُمْ وجرحوه فَمَاتَ من جراحه بعد أَيَّام بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين تغري بردي القُرْدُمي أحد العشراوات قتل فِي محبسه. وَمَات رَضِي الدّين مَحْمُود بن الأقفهسي نقيب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ يعرف الْفِقْه على مَذْهَب أَبى حنيفَة ويتقن الْعَرَبيَّة وَله سيرة مشكورة. وَمَات صَلَاح الدّين خَلِيل بن مُحَمَّد الشطنوفي موقع الحكم فِي خَامِس عشر رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين سودن الشيخوني الفخري نَائِب السُّلْطَان بديار مصر فِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس جُمَادَى الأولى بعد مَا شاخ وعلت سنه وَكَانَ خيرا دينا. ومنذ مَاتَ تجاهر الْملك الظَّاهِر بمنكرات لم تكن تعرف عَنهُ. وَمَات الْفَقِيه صَفَر شاه الْحَنَفِيّ رَسُول متملك الرّوم خوند كار أبي يزِيد بن مُرَاد بك بن عُثْمَان بِالْقَاهِرَةِ فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات فتح الدّين عبد الله بن فرج المكيني أحد الأقباط الْكتاب فِي الْعشْرين من شعْبَان ويحكى عَنهُ مَكَارِم جمة. وَمَات زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الشريشي الموقت الْفَاضِل فِي تَاسِع عشر رَمَضَان.(5/390)
وَمَات نور الدّين عَليّ بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عوض الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي شيخ الْقُرَّاء بخانكاة شَيْخو وأخو القَاضِي تَاج الدّين بهْرَام فِي ثَانِي عشْرين رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قرابغا الأحمدي أحد الطبلخاناه وأمير جاندار فِي ... . . وَمَات الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا الطشتمري أحد الْأُمَرَاء الألوف فَقتله الْعَرَب. وَمَات الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن مُحَمَّد بن كلفت فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشْرين صفر وَهُوَ مِمَّن مَاتَ بِغَيْر نكبة من وزراء مصر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد جُمُق بن الْأَمِير الْكَبِير أيتمش البجاسي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس صفر. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جركس الخليلي أحد الطبلخاناه فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع صفر. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ زين الدّين مقبل الصرغتمشي. كَانَ بارعاً فِي عُلُوم الْحساب وَكَانَ قصير الْقَامَة أحدباً. مَاتَ يَوْم السبت سادس رَجَب. وَمَات القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الشنشي الْمَعْرُوف بالرخ - أحد نواب الْحَنَفِيَّة - خَارج الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأول. وَمَات تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد القاياتي موقع الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْعَزِيز صَاحب ديوَان الْجَيْش فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر صفر. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد الزرزاري الْحَجَّاجِي الصُّوفِي المعتقد أَمِين مطبخ المارستان فِي رَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات فتح الدّين صَدَقَة - الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو دقن - نَاظر الْمَوَارِيث كَانَ يتوكل فِي بواب الْقُضَاة ثمَّ دولب وكَالَة قوصون بِالْقَاهِرَةِ وخدم معامل الْحَوَائِج خاناه(5/391)
السُّلْطَانِيَّة. ثمَّ ولي نظر الْمَوَارِيث فَشَكَرت سيرته. مَاتَ فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الشريف صدر الدّين مرتضى بن غياث الدّين إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الحسني الْعِرَاقِيّ فِي لَيْلَة السبت ثَالِث ربيع الآخر وَدفن على أَبِيه خَارج الْقَاهِرَة. قدم مَعَ أَبِيه إِلَى الْقَاهِرَة واتصل أَبوهُ بأرباب الدولة فَدرت أرزاقه وَتمكن من الْأَمِير الْكَبِير يلبغا الْعمريّ حَتَّى مَاتَ فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. دَفنه الْأَمِير يلبغا بتربته خَارج الْقَاهِرَة وأجرى على ابْن مرتضى مَا كَانَ يجريه عَلَيْهِ. وَكثر اتِّصَاله بأرباب الدولة حَتَّى أثرى وَولي نظر وقف الْأَشْرَاف وَنظر الْقُدس والخليل وَكَانَ شكلاً بهياً جميلاً صَاحب عبارَة وفصاحة بالألسن الثَّلَاثَة الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية. وَمَات الشَّيْخ زين الدّين مقبل الصرغتمشي الْحَنَفِيّ أحد الأجناد فِي أول رَمَضَان وَكَانَ عَارِفًا بالفقه والنحو وَهُوَ وَالِد الأحدب. وَمَاتَتْ خوند عَائِشَة القردمية بنت الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي أول جُمَادَى الأولى بعد مَا كبر سنّهَا وَتلف مَالهَا بتبذيرها وإسرافها حَتَّى افْتَقَرت. وَمَات ملك الْمغرب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْحسن المريني صَاحب فاس. وأيم بعده أَخُوهُ أَبُو عَامر عبد الله. رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد الله رب الْعَالمين.(5/392)
(سنة تسع وَتِسْعين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم يَوْم الْخَمِيس. فَفِيهِ ركب. السُّلْطَان وتصيد ببركة الْحَاج وَعَاد من يَوْمه. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر تغري برمش السيفي فِي ولَايَة الشرقية عوضا عَن عَليّ بن غلبك ابْن المكللة وَفِي خامسه: ركب الْأَمِير سودن طاز الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير تنم الحسني نَائِب الشَّام. وَفِي عاشره: توجه السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة فِي كل سنة وَخرج الْأُمَرَاء وَأهل الدولة فَأَقَامَ إِلَى سادس عشرينه وَعَاد إِلَى القلعة. وَاسْتقر مُحَمَّد بن قرابغا الأنباقي فِي ولَايَة أكوم الرُّمَّان وعزل أسنبغا السيفي. وَحضر الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى صَاحب ماردين فأنعم عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه ورتب لَهُم اللحوم والجرايات. وَكَانَ سَبَب قدومه أَن الظَّاهِر عِيسَى لما قبض عَلَيْهِ تيمور لنك وَأقَام فِي أسره قَامَ ألطبغا بِأَمْر ماردين وَمنع تيمور لنك مِنْهَا. وَكَانَ الظَّاهِر قد أَقَامَ فِي مملكة ماردين الْملك الصَّاع شهَاب الدّين أَحْمد بن إسكندر بن الْملك الصَّالح صَالح وَهُوَ ابْن أَخِيه وَزوج ابْنَته فقاتل أَصْحَاب تيمور قتالاً شَدِيدا وَقتل مِنْهُم جمَاعَة فشق هَذَا على تيمور ثمَّ أفرج عَن الظَّاهِر بعد أَن أَقَامَ فِي أسره سنتَيْن وَسَبْعَة أشهر وحلفه على الطَّاعَة لَهُ وَإِقَامَة - الْخطْبَة باسمه وَضرب السِّكَّة لَهُ وَالْقَبْض على ألطنبغا وَحمله. فعندما حضر إِلَى ماردين فر مِنْهُ ألطنبغا إِلَى مصر فرتب لَهُ السُّلْطَان مَا يَلِيق بِهِ. وقدمت رسل تيمور إِلَى دمشق فعوقوا بهَا وحملت كتبهمْ إِلَى السُّلْطَان فَإِذا فِيهَا(5/393)
طلب أطلمش فَأمر أَن يكْتب إِلَى أطلمش بِمَا هُوَ فِيهِ ورفيقه من إِحْسَان السُّلْطَان وَكتب جَوَابه بِأَنَّهُ وَفِي يَوْم السبت أول صفر: حمل مَحْمُود الأستادار إِلَى عِنْد السُّلْطَان وانتصب لَهُ سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْخَاص وفجر عَلَيْهِ وَبِالَّذِي فِي محاققته وَالْفُحْش فِي الْكَلَام حَتَّى امْتَلَأَ السُّلْطَان على مَحْمُود غَضبا وَأمر بعقوبته حَتَّى يَمُوت فَأنْزل إِلَى بَيت الحسام شاد الدَّوَاوِين. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام فَخرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه بالريدانية وَجلسَ لَهُ على مطعم الطّور وَبعث الْأُمَرَاء والقضاة إِلَيْهِ فَأتوهُ بِهِ وَسَار مَعَه إِلَى القلعة وَأنزل بالميدان الْكَبِير على موردة الجبس وَبعث إِلَيْهِ السماط والنفقات وحمس بقج قماش مُتَّصِل وأجرى لَهُ الرَّوَاتِب الَّتِي تقوم بِهِ وبمن مَعَه فَحمل تنم تقدمته وهى عشر كواهي وَعشرَة مماليك صغَار فِي غَايَة الْحسن وَعشرَة آلَاف دِينَار وثلاثمائة ألف دِرْهَم ومصحف قُرْآن وَسيف بسقط ذهب مرصع وعصابة نساوية من ذهب مرصع بجواهر نفيسة وطراز من ذهب مرصع أَيْضا وَأَرْبَعَة كنابيش زركش وَأَرْبَعَة سروج ذهب وبدلة فرس فِيهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار ذَهَبا وَأُجْرَة صياغتها ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَمِائَة وَخَمْسُونَ بقجة فِيهَا أَنْوَاع الفرو وَمِائَة وَخَمْسُونَ فرسا وَخَمْسُونَ جملا وَخَمْسَة عشر حملا من النصافي وَنَحْوه وَثَلَاثُونَ حملا من فَاكِهَة وحلوى وَغير ذَلِك مِمَّا يُؤْكَل واثنتي عشرَة علبة من سكر النَّبَات. وَفِي سادسه: اسْتَقر أوناط السيفي فِي ولَايَة قوص وعزل أقبغا الزيني. وَفِي سابعه: على السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَمَعَهُ الْأَمِير تنم وَنزل على شاطئ النّيل تجاه الْقَاهِرَة وتصيد ثمَّ عَاد فِي ثَالِث عشره. وَفِيه اسْتَقر تَاج الدّين عبد الْغَنِيّ بن صُورَة فِي توقيع الدست عوضا عَن ولي الدّين أَحْمد بن تَقِيّ الدّين نَاظر الْجَيْش. وَفِي سَابِع عشره: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَركب الْأَمِير تنم فِي الموكب تَحت القلعة بِمَنْزِلَة النِّيَابَة وطلع إِلَى دَار الْعدْل وخلع عَلَيْهِ خلعة الِاسْتِمْرَار. وَجَرت لَهُ من الإصطبل ثَمَانِيَة جنايب بكنابيش وسروج ذهب.(5/394)
وَفِيه اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود النابلسي فِي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وَكَانَ قد حضر مَعَ الْأَمِير تنم. وَاسْتقر تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق الملكي نَاظر ديوَان الْأَمِير تنم - وَقد حضر مَعَه أَيْضا إِلَى الْقَاهِرَة - فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين بن مشكور وخلع عَلَيْهِمَا. وَفِيه خرج الْبَرِيد بِطَلَب الْأَمِير جُلْبان من دمياط. وَفِي خَامِس عشرينه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي سَابِع عشرينه. وَفِيه قدم الْأَمِير جلبان الكمشبغاوي من دمياط وَمثل بِحَضْرَة السُّلْطَان وَقبل الأَرْض فصفح عَنهُ وَألبسهُ خلعة الرِّضَا وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع الْأَمِير فَخر الدّين إِيَاس الجرجاوي وَجعله أتابك العساكر بِدِمَشْق وَبعث إِلَيْهِ بِثمَانِيَة أَفْرَاس مِنْهَا فرس بقماش ذهب. وَفِيه سلم إِيَاس الجرجاوي أتابك دمشق إِلَى ابْن الطبلاوي ليخلص مِنْهُ المَال فالتزم بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم وَبعث مَمْلُوكه لإحضار مَاله من دمشق فخلى عَنهُ وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ بعد يَوْمَيْنِ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع ربيع الأول: قبض على الْوَزير الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري وَولده تَاج الدّين وَسَائِر حَوَاشِيه وَاسْتقر عوضه فِي الوزارة بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطوخي وَاسْتقر عوضه فِي نظر الدولة سعد الدّين الهيصم. وَفِي ثامنه: اسْتَقر شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني فِي نظر الْجَيْش بعد موت جمال الدّين مَحْمُود العجمي القيصري على أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم فضَّة قَامَ بهَا بعد مَا حمل فِي ولَايَة الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ مِائَتي ألف وَخمسين ألف دِرْهَم فضَّة سرق ذَلِك كُله وأضعافه من مَال الْأَمِير مَحْمُود الأستادار فَإِنَّهُ كَانَ رَفِيقًا لسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب فِي مُبَاشَرَته.(5/395)
وَفِي تاسعه: اسْتمرّ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر الطرابلسي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن الْجمال مَحْمُود العجمي وَهَذِه ولائَه الثَّانِيَة. وَولي كليهمَا من غير بذل مَال وَلَا سعى بل يطْلب لذَلِك. وَاسْتقر الْبَهَاء مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن الدماميني بِمَال قُدَّام بِهِ. وَلم يل قطّ إِلَّا بِمَال فتشاءم النَّاس بولايته من أجل أَن الْقَمْح كَانَ الأردب مِنْهُ بِنَحْوِ ثَمَانِيَة وَعشْرين درهما والبطة الدَّقِيق أحد عشر درهما وَالْخبْز سِتَّة أَرْطَال بدرهم فأبيع الْقَمْح بِسِتَّة وَثَلَاثِينَ الأردب والبطة المقيق بأَرْبعَة عشر درهما وَالْخبْز دون الْخَمْسَة أَرْطَال دِرْهَم. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر أنواط اليوسفي فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل عمر بن إلْيَاس وَخرج الْبَرِيد بِطَلَبِهِ. وَاسْتقر مُحَمَّد بن العادلي فِي ولَايَة قوص عوضا عَن أنواط. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير طولو بن عَليّ شاه من بِلَاد الرّوم وَقد توجه فِي الرسَالَة إِلَى خوندكار بن عثَمان وَأخْبر بِأَنَّهُ وَاقع الأكروس وظفر مِنْهُم بغنائم كَثِيرَة وَقتل خلائق لَا تحصى وَأَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الحزري لحق بِابْن عُثْمَان فَبَالغ فِي إكرامه وَجعل لَهُ فِي الْيَوْم مائَة وَخمسين درهما نقرة. وَكَانَ خَبره أَنه لما فر من الْقَاهِرَة ركب الْبَحْر من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى أنطاكية فِي ثَلَاثَة أَيَّام يُرِيد اللحاق بِابْن عُثْمَان فَإِنَّهُ أَقرَأ بِدِمَشْق الْقرَاءَات رجلا من الرّوم يُقَال لَهُ حاجي مُؤمن صَار من عُظَمَاء أَصْحَاب ابْن عُثْمَان فَأكْرمه مُتَوَلِّي أنطاكية وَبعث بِهِ إِلَى برصا - دَار ملك ابْن عُثْمَان - من بِلَاد الرّوم فَتَلقاهُ أهل برصا وَدخل على ابْن عُثْمَان فَأكْرمه وأجزى عَلَيْهِ الْمُرَتّب الْمَذْكُور وقاد إِلَيْهِ تِسْعَة أروس من الْخَيل وعدة مماليك وجواري وَصَارَ يعد من العظماء. وَورد الْخَبَر أَيْضا بِأَن الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر فر من دمشق وَصَارَ من بيروت إِلَى عِنْد ابْن عُثْمَان فَأكْرمه وأجرى عَلَيْهِ فِي الْيَوْم خمسين درهما. وَفِي حادي عشرينه: قدمت هَدِيَّة الْملك الْأَشْرَف ممهد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد على بن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن رَسُول متملك الْيمن صُحْبَة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلى للتاجي والطواشي افتخار الدّين فاخر وَهِي عشرَة خدام(5/396)
طواشية وَأَرْبَعَة عبيد وست جواري وَسيف بحلية ذهب مرصع بعقيق وحياصة بعواميد عقيق مكلل بلؤلؤ كبار وَوجه فرس مرْآة هندية محلاة بِفِضَّة قد رصعت بعقيق وبراشيم وحشية برسم الْخُيُول عشرَة ورماح عدَّة مِائَتَيْنِ وشطرنج عقيق أَبيض وأحمر وَأَرْبع مراوح مطرطقة بِذَهَب ومسك ألف مِثْقَال وَعَنْبَر خام ألف مِثْقَال وَزَباد سَبْعُونَ أُوقِيَّة وَمِائَة مضرب غَالِيَة ومائتي وَسِتَّة عشر رطلا من الْعود وثلاثمائة واثنتين وَأَرْبَعين رطلا من اللبان الجاوي وثلاثمائة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ رطلا من الصندل وَأَرْبع براني من الشند وَسَبْعمائة رَطْل من الْحَرِير الخام وَمن البهار والأنطاع وَفِي ثَانِي عشرينه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الآخر فصاح الْعَوام وَشَكوا من ابْن الْبُرْجِي الْمُحْتَسب وسألوا عَزله. وَفِي ثالثه: وقف أوباش الْعَامَّة تَحت القلعة ورصدوا ابْن الْبُرْجِي حَتَّى نزل ورجموه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى كَاد يهْلك لَوْلَا امْتنع بِبَيْت بعض الْأُمَرَاء. وَكَانَ ذَلِك بإغراء المخانسي وتفرقته مبلغ مِائَتي دِرْهَم فِي عدَّة من أوباش الْعَامَّة ليرجموا ابْن الْبُرْجِي ويسألوا عَزله وعود المخانسي فتم لَهُ ذَلِك وَاشْتَدَّ صُرَاخ الْعَامَّة بعد رجم الْبُرْجِي وَهُوَ يسْأَلُون عَزله وَولَايَة المخانسي فاستدعى وخلع عَلَيْهِ من يَوْمه. وَفِي خامسه: اسْتَقر مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِيرا على هوارة بعد موت أَبِيه. وَفِي ثامنه: ركب شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني بفوقانية من صوف أَخْضَر وعذبته مسبلة عَلَيْهَا من وَرَاء ظَهره. وَلم يعْهَد قبله أحد من الْقُضَاة الَّذين يلبسُونَ الْجُبَّة وَيلبسُونَ العذبة يلبس جُبَّة ملونة بل دَائِما لَا يلبسُونَ شتاء وَلَا صيفا إِلَّا الْجُبَّة الْبَيْضَاء فَفِي الصَّيف من الْقطن وَفِي الشتَاء من الصُّوف وَكَذَلِكَ كَانَ الوزراء وأكابر الْفُقَهَاء وأعيان الْكتاب لَا يلبسُونَ فِي الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة وأوقات الرّكُوب وَعند لِقَاء بَعضهم بَعْضًا إِلَّا الْبيَاض دَائِما فَغير النَّاس ذَلِك وصاروا يلبسُونَ الملونات من الصُّوف بِأَمْر السُّلْطَان لَهُم على لِسَان كَاتب السِّرّ.(5/397)
وَفِي ثَالِث عشره: أحضر طيبغا الزيني وَالِي الفيوم فَسلم لِابْنِ الطبلاوي ليعاقبه وَاسْتقر ألطنبغا عوضه وَالِي البهنسا وَاسْتقر عوضه فِي البهنسا خَلِيل بن الطوخي. وَفِيه ولدت امْرَأَة أَرْبَعَة أَوْلَاد فِي بطن عَاشَ مِنْهُم أحدهم. وَفِيه تنكر السُّلْطَان على قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ لحدهَ خُلقه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي جُمَادَى الأولى توجه الحسام حُسَيْن شاد الدواويِن إِلَى مساحة الْبِلَاد السُّلْطَانِيَّة بِالْوَجْهِ القبلي. ونُقل الْأَمِير مَحْمُود إِلَى خزانَة شمايل فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثالثه وَهُوَ مَرِيض فسجن بهَا. وَفِيه أنعم على أَمِير خضر بن عمر بن أَحْمد بن بَكتنُر الساقي بإمرة عشرَة. وَفِي سادسه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَفرق الْخُيُول على الْأُمَرَاء كَمَا هِيَ الْعَادة فِي كل سنة وَعَاد فِي عشرينه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: استدعى تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي أحد الْخُلَفَاء الحكم وَفرض إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن الصَّدْر مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وَنزل مَعَه الْأَمِير قَلَمْطاي الدوادار والأمير نوروز الحافظي رَأس نوبَة والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَكَاتب السِّرّ والقضاة والأعيان وَعَلِيهِ التشريف. وَلم تخطر ولَايَته ببال أحد بل طلبه السُّلْطَان على وَفِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة: أنعم على بيسق الشيخي بإمرة طبلخاناه. وَقدم سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاتي من دمشق بعد عَزله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اشْتَدَّ الغلاء بِدِمَشْق فَخرج النَّاس يستسقون وثاروا بِرَجُل يعرف بِابْن النشو كَانَ يحتكر الغلال وقتلوه شَرّ قتلة وأحرقوه بالنَّار. وَفِيه اسْتَقر ألطنبغا حَاجِب غَزَّة فِي نِيَابَة الكرك وعزل نَاصِر الدّين بن مبارك بن المهمندار.(5/398)
وَفِي سَابِع عشْرين رَجَب: اسْتَقر عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى المقيري الكركي فِي خطابة الْقُدس بعد وَفَاة سري الدّين مُحَمَّد بن المسلاني. وَاسْتقر عوضه فِي تدريس الْجَامِع الطولوني شيخ الحَدِيث زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ وسراج الدّين عمر بن الملقن عوضه فِي تدريس وقف الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل بقبة الْملك الْمَنْصُور من المارستان. وَاسْتقر عوضه فِي نظر وقف الْملك الصَّالح هَذَا شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري الْمَالِكِي وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق مرّة ثَانِيَة عوضا عَن سري الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن شعْبَان - وحادي عشر بشنس -: أبرقت وأرعدت وَجَاء مطر بعد الْمغرب قَلما عهد مثله وَهَذَا من عَجِيب مَا يَقع بِأَرْض مصر ثمَّ أمْطرت غير مرّة من اللَّيْل. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر صَرْغَتْمش الْقزْوِينِي الخاصكي فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وعزل قديد وَنفي إِلَى الْقُدس وَنفي أَيْضا صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج الْبَرِيد بارتجاع إقطاع أَحْمد بن يلبغا وألجبغا الجمالي وخضر الكريمي فأقاموا بطالين بالبلاد الشامية وأنعم على شيخ المحمودي بإقطاع صرغتمش الْقزْوِينِي وعَلى طَغَثْجي نَائِب البيرة بإقطاع شيخ وعَلى يشبك العثماني بإقطاع صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن تنكز وعَلى شيخ السُّلَيْمَانِي بِعشْرَة يشبك العثماني وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ بن الطلاوي عوضا عَن ابْن تنكز فِي أستادارية الْأَمْلَاك والأوقاف السُّلْطَانِيَّة مُضَافا لما بِيَدِهِ. وَاسْتقر سعد الدّين الهيصم فِي صحابة الدِّيوَان الْمُفْرد. وَاسْتقر عوضه فِي الِاسْتِيفَاء بالديران الْمُفْرد الأسعد البحلاق النَّصْرَانِي.(5/399)
وَفِي تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير حسام الدّين حسن الكجكني عِنْد فَرَاغه من عمل الجسور بالبهنساوية وأتقنها إتقاناً جيدا وَلم يقبل لأحد شَيْئا من الْمَأْكُول فضلا عَن المَال. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر زين الدّين شعْبَان بن مُحَمَّد بن دَاوُد الآتاري فِي حسبَة مصر عوضا عَن نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ بِمَال الْتزم بِهِ. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدمت رسل ابْن عُثْمَان متملك الرّوم إِلَى سَاحل بولاق فَخرج إِلَيْهِم الْحَاجِب بالخيول السُّلْطَانِيَّة حَتَّى رَكبُوهَا إِلَى حِين أنزلوا بحار أعدت لَهُم. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع رَمَضَان: أُقِيمَت الْخطْبَة بالجامع الْأَقْمَر من الْقَاهِرَة وخطب فِيهِ شهَاب الديِن أَحْمد بن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي الْحَنَفِيّ - أحد نواب الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة - وَلم يعْهَد فِيهِ قطّ خطْبَة لَكِن لما جدد الْأَمِير يلبغا السالمي عِمَارَته بنى على بَابه مناراً يُؤذن عَلَيْهِ وَلم يكن بِهِ مَنَارَة قبل ذَلِك وجدد بوسطه بركَة مَاء وبصدره - بِحَدّ الْمِحْرَاب - منبراً فاستمر ذَلِك. وَفِي سابعه: قدَّم رسل ابْن عُثْمَان هَدِيَّة مرسلهم. وأحضر صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز من الْإسْكَنْدَريَّة ورسم بإقامته بِدِمَشْق متحدثاً على أوقاف جده تنكز بِغَيْر إمرة. فَسَار إِلَيْهَا. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر عوض التركماني فِي ولَايَة بلبيس وعزل تغري برمش وَاسْتقر عمر بن إلْيَاس فِي ولَايَة منفلوط وعزل عَليّ بن غَلْبَك بن المكللة وَاسْتقر شاد دواليب الْخَاص بمنفلوط.(5/400)
وَفِيه ترافع شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن قطينه وَسعد الدّين الهيصم نَاظر الدولة فألزم الهيصم بِحمْل مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وَخَمْسَة وَعشْرين إصبعاً. وَفِي سَاس عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الأحمدي الْمَجْنُون أستادار السُّلْطَان عوضا عَن الْأَمِير قَطْلوبَك العلاي وَاسْتقر قطلوبك على إمرته بِعشْرين فَارِسًا فَتحدث الْمَجْنُون فِي الأستادارية والكشف. وَقبض على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الأستادار وألزم بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار بعد وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين على الْبَغْدَادِيّ الشريف فِي ولَايَة دمياط بعد موت أَحْمد الأرغوني. وَقدم الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر من بِلَاد الرّوم بعد مَا أسره الفرنج فَلَزِمَ دَاره. وَقدم الْبَرِيد بوصول عَسَاكِر تيمور لنك إِلَى أزرنكان من بِلَاد الرّوم. وَقتل كثير من التركمان فَتوجه الْأَمِير تمربغا المنجكي على الْبَرِيد لتجهيز عَسَاكِر الشَّام إِلَى أرزنكان وَندب شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن قطينة لتجهيز الشّعير برسم الإقامات فِي منَازِل طَرِيق الشَّام. وَكَانَ فِي أثْنَاء هَذِه السّنة قد قبض الْأَمِير بَكْلَمِش العلاي أَمِير سلَاح عَليّ زين الدّين مهنا - دواداره - بمرافعة موقعه وَشَاهد ديوانه صفي الدّين أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن عُثْمَان الدَّمِيرِيّ وَأخذ مِنْهُ أَرْبَعمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم ثمَّ أفرج عَنهُ وَقبض على الصفي الدَّمِيرِيّ وَبَالغ فِي عُقُوبَته وَأخذ مِنْهُ مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر شمس الدّين أينبغا التركماني الْحَنَفِيّ فِي مشيخة القوصونية وعزل تَاج اللين مُحَمَّد بن الْمَيْمُونِيّ. وَفِي أول ذِي الْقعدَة: اسْتَقر ألطنبغا السيفي وَالِي الفيوم فِي نِيَابَة الْوَجْه القبلي وعزل أوناط. وَاسْتقر قرابغا مُفرق إِلَى أطيفح فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وَاسْتقر أسندَمر الظَّاهِرِيّ فِي ولَايَة أطفيح(5/401)
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامنه - وَهُوَ عَاشر مسري -: أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان إِلَى المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي عاشره: اسْتَقر قطلوبغا التركماني الخليلي أَمِير آخور فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن خَلِيل بن الطوخي وَاسْتقر طيبغا الزيني فِي ولَايَة الجيزة وعزل مُحَمَّد بن حسن بن ليلى وَضرب وصودر. وَفِي عشرينه: قتل الْأَمِير أَو بكر بن الأحدب أَمِير عَرك من سيوط فأقيم بدله فِي الإمرة أَخُوهُ عُثْمَان بن الأحدب وَاسْتقر مُحَمَّد بن مُسَافر فِي ولَايَة قوص وعزل إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مقبل. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: توعك بدن السُّلْطَان إِلَى تاسعه فَنُوديَ بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر ودقت البشائر لعافية السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: نزل السُّلْطَان إِلَى الميدان تَحت القلعة وَصلى صَلَاة عيد النَّصْر على الْعَادة. وَفِي سادس عشره: جلس بدار الْعدْل. وَفِي ثَالِث عشرينه: ركب إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر وَعَاد إِلَى القلعة من بَاب زويلة فَقلعت الزِّينَة. وَفِي سادس عشرينه: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى خَمْسَة عشر إصبعاً من عشْرين ذِرَاعا وَثَبت إِلَى ثَانِي بَابه وانحط. وَمَعَ ذَلِك فالسعر فِي سَائِر الْأَشْيَاء غال والبطة الدَّقِيق بِأَكْثَرَ من اثْنَي عشر درهما. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى السرحة بِنَاحِيَة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج بالأمن والرخاء. وفيهَا ولي شرف الدّين مُوسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جُمُعَة الْأنْصَارِيّ قَضَاء الشَّافِعِيَّة بحلب عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي.(5/402)
وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر من الْأَعْيَان شهَاب الدّين أَحْمد الأرغوني مُتَوَلِّي دمياط فِي شَوَّال. وَمَات إِسْمَاعِيل بن الْملك النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون بقلعة الْجَبَل فِي خَامِس عشْرين شَوَّال. وَكَانَ قد تَأمر فِي أَيَّام الْأَشْرَف شعْبَان. وَمَات أسنبغا التاجي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات إِيَاس الجرجاوي نَائِب طرابلس وَأحد أُمَرَاء الألوف بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن وَاصل الْمَعْرُوف بِابْن الأحدب أَمِير عَرك فِي عشْرين ذِي الْقعدَة قَتِيلا. وَمَات بيبرس التمان تمري أَمِير آخور فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير هوارة. وَمَات الشَّيْخ المعتقد حسن القشتمري فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات شعْبَان بن الْملك الظَّاهِر برقوق وَهُوَ طِفْل فِي ثامن عشْرين ربيع الأول. وَمَات الشَّيْخ الْمسند المعمر زين الدّين أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مبارك بن حَمَّاد الْغَزِّي الْمَعْرُوف بِابْن الشيخة الشَّافِعِي. ولد فِي سنة خمس عشرَة وسبعماية تخميناً. وَأخذ الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي عَن التقي السُّبْكِيّ. وَحدث بصحيحي(5/403)
البُخَارِيّ وَمُسلم وَسنَن أبي دَاوُد وموطأ مَالك وَغير ذَلِك مِمَّا يطول شَرحه وتصدى للأسماع عدَّة سِنِين حَتَّى مَاتَ فِي تَاسِع عشْرين ربيع الآخر خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ شَيخا مُبَارَكًا. وَمَات الشَّيْخ نور الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْعقيلِيّ - بِفَتْح الْعين الْمَكِّيّ إِمَام الْمَالِكِيَّة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وأخو القَاضِي أَبى الْفضل الْمَعْرُوف بالفقيه على النوبري فِي ثَانِي جُمَادَى الأولى بِمَكَّة وَسمع وَحدث. وَمَات عَليّ النًوَساني شيخ نَاحيَة صندفاً من الغربية فِي ثَالِث عشر شَوَّال وَكَانَ لَهُ ثراء وَاسع. وَمَات زين الدّين قَاسم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المغربي الْمَالِكِي فِي حادي عشر الْمحرم درس الْفِقْه زَمَانا بَاب مَعَ الْأَزْهَر وَكتب على الْفَتْوَى وَكَانَ متديناً خيرا. وَمَات محب الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد الطُرَيْني أحد نواب الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة خَارج الْقَاهِرَة فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر الْمحرم. وَمَات الشَّيْخ محب الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن يُوسُف بن هِشَام النَّحْوِيّ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين رَجَب وَقد تصدر لإقراء النَّحْو سِنِين. وَكَانَ خيرا دينا. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن حسب الله بن حسون الشَّافِعِي فِي عَاشر شعْبَان. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن فَخر الدّين أياز الدواداري أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات سري الدّين أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن عبد الْملك الْمَعْرُوف بِابْن المسلاني قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق. مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشْرين رَجَب. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي قَاضِي الْقُضَاة الحتفية بِالْقَاهِرَةِ ومصر فِي يَوْم السبت ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة وَكَانَ من خِيَار من ولي الْقَضَاء عفة وصرامة وشهامة. وَمَات جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد القيصري العجمي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وناظر الجيوش وَشَيخ الشيخونية فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع ربيع الأول.(5/404)
وَمَات الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود بن عَليّ بن أصفر. عينه الأستادار فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع رَجَب بخزانة شمايل بعد مَا نكب نكبة شنعة وَدفن بمدرسته خَارج بَاب زويلة وَجُمْلَة مَا أَخذ مِنْهُ فِي مصادرته للسُّلْطَان ألف ألف دِينَار أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا وَألف ألف دِرْهَم فضَّة وبضائع وغلال وَغير ذَلِك بِأَلف ألف دِرْهَم فضَّة وَتلف لَهُ وأخفي هُوَ شَيْئا كثيرا. وَمَات الْوَزير الصاحب سعد الدّين نصر الله بن البقري القطبي الْأَسْلَمِيّ فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة مخنوقاً بعد عُقُوبَة شَدِيدَة. وَمَات الشريف إِبْرَاهِيم بن عبد الله الأخلاطي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بن صَالح بن أبي الْعِزّ وهيب بن عطا بن جُبَير بن جَابر بن وهيب الْمَعْرُوف بِابْن أبي الْعِزّ قَتِيلا بِدِمَشْق فِي مستهل ذِي الْحجَّة. وَقد بَاشر قَضَاء مصر كَمَا تقدم فِي سنة سبع وَسبعين واستعفى وَمضى إِلَى دمشق، وَولى بهَا قاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة غير مرّة، وَصرف، فَلَزِمَ بَيته حَتَّى مَاتَ، رَحمَه الله.(5/405)
فارغه(5/406)
سنة ثَمَانمِائَة أهل الْمحرم يَوْم الِاثْنَيْنِ: وَيُوَافِقهُ من شهور القبط الْيَوْم السَّابِع وَالْعشْرُونَ من توت والنيل قد انْتَهَت زِيَادَته وَبَدَأَ ينحط. وَفِيه ركب السُّلْطَان وَعَاد الْأَمِير بكلمش وَسَار إِلَى شاطئ النّيل وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي ثَانِيه: قدم نَاصِر متملك بِلَاد النّوبَة فَارًّا من ابْن عَمه فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وَأعَاد الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي إِلَى ولَايَة أسوان وَتقدم إِلَيْهِ بمعاونة نَاصِر. وَفِي ثامنه: توجه السُّلْطَان إِلَى السرحة بِنَاحِيَة سرياقوس وَنزل بالقصور على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه كُتب بِعُود الْعَسْكَر الْمُجَرّد بِسَبَب تيمور لنك وَقد قربوا من بلد سيواس. وَفِي ثَانِي عشرينه: خرج على الْبَرِيد بكتمُر جلق لإحضار الْأَمِير تغري بردي من يشبغا نَائِب حلب وَكتب بانتقال أرغون شاه الإَبراهيمي من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة حلب. وَسَار على الْبَرِيد الْأَمِير يشبك العثماني بتقليده. ورسم بانتقال أقبغا الجمالي من نِيَابَة صفد إِلَى نِيَابَة طرابلس وَتوجه لتقليده الْأَمِير أزْدَمُر أَخُو أينال وَمَعَهُ أَيْضا الْأَمِير تنم الحسني باستمراره فِي نِيَابَة دمشق ورسم بانتقال شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على من نِيَابَة غَزَّة إِلَى نِيَابَة صفد وَتوجه لتقليد الْأَمِير يلبغا الناصري رَأس نوبَة. وَفِي ثامن عشره: قدم سوابق الْحَاج وأخبروا أَنه هلك بالسبع وعرات من شدَّة الْحر نَحْو سِتّمائَة إِنْسَان وَأَنه هلك من حَاج الشَّام زِيَادَة على ألفي إِنْسَان وَأَن ودائع الْحَاج الَّتِي بعقبة أَيْلَة نهبت. وَفِي خَامِس عشرينه: عَاد السُّلْطَان من سرياقوس. وَلم يخرج إِلَيْهَا بعد ذَلِك وَلَا أحد من السلاطين وجهلت عوائدها وَخَربَتْ الْقُصُور وَكَانَت من أجمل عوائد مُلُوك مصر.(5/407)
وَفِي تَاسِع عشرينه: - فِي وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ - قبض على الْأَمر الْكَبِير كمشبغا الْحَمَوِيّ أتابك العساكر وعَلى الْأَمِير بكلمش العلاي أَمِير سلَاح وقيدا. وَنزل الْأَمِير قلمطاي الدوادار والأمير نوروز الحافظي رَأس نوبَة والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب إِلَى الْأَمِير شيخ الصفوي وَمَعَهُمْ خلعة بنيابة غَزَّة فلبسها وَخرج من وقته ليسافر وَنزل بخانكاة سرياقوس. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سلخه: توجه الْأَمِير سودن الطيار بكُمُشبغا وبكمش فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجنا بهَا. وَفِي الْغَد استعفي الْأَمِير شيخ من نِيَابَة غَزَّة وَسَأَلَ الْإِقَامَة بالقدس فرتب لَهُ النّصْف من قريتي بَيت لحم وَبَيت جالة من الْقُدس يرتفق بهما وَسَار إِلَى الْقُدس. وَفِيه عرض السُّلْطَان مماليك الْأَمِير كمشبغا وَأَوْلَاده ومماليك بكلمش فَاخْتَارَ مِنْهُم طَائِفَة وَفرق الْبَقِيَّة على الْأُمَرَاء. قبض على شاهين رَأس نوبَة كُمشبغا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي صفر: اسْتَقر الْأَمِير أيتمش البجاسي أتابك العساكر وأنعم عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير قلمطاي الدوادار والأمير تاني بك أَمِير أخور بِبِلَاد من إقطاع كمشبغا وأنعم ببقيته على الْأَمِير سودن الْمَعْرُوف بِابْن أُخْت السُّلْطَان وَصَارَ من أُمَرَاء الألوف. وأنعم بإقطاع سودن الْمَذْكُور على الْأَمِير عبد الْعَزِيز ولد السُّلْطَان. وأنعم بإقطاع بكلمش على نوروز الحافظي رَأس نوبَة وبإقطاع نوروز على الْأَمِير أرغون شاه الأقبغاوي وبإقطاع أرغون شاه على الْأَمِير يلبغا الأسعدي الْمَجْنُون الأستادار. وأنعم بإقطاع شيخ الصفوي على الْأَمِير تغري بردي قبل قدمه من حلب. وَفِي رابعه: اسْتَقر الْأَمِير باي خجا طيفور الشرفي أَمِير أخور بنيابة غَزَّة. وَفِي سادسه: ركب السُّلْطَان للصَّيْد وشق الْقَاهِرَة من بَاب القنطرة وَعَاد إِلَى القلعة من بَاب زويلة. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير بيبرس ابْن أُخْت السُّلْطَان أَمِير مجْلِس عوضا عَن شيخ الصفوي. وَفِي حادي عشره: توجه السُّلْطَان للصَّيْد وَعَاد فِي ثَالِث عشره. وَفِي سادس عشره: لبس طيفور نَائِب غَزَّة قبَاء السّفر وَتوجه إِلَى غَزَّة. وَفِي ثامن عشره: سَار السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة، وَأقَام بهَا.(5/408)
وَفِي عشرينه: قدم تَمُربُغا المنجكي على الْبَرِيد بعد مَا جهز عَسَاكِر الشَّام مَعَ الْأَمِير تنِم نَائِب دمشق إِلَى أرزن كَانَ. وَفِي ثَالِث عشره: عَاد السُّلْطَان من بر الجيزة إِلَى القلعة. وَفِي سَابِع عشرينه: أنعم على يَلْبُغا السالمي الخاصكي بإمرة عشرَة عوضا عَن بهاُدر فطير وانتقل بهاُدر إِلَى إمرة طبلخاناه. وَفِيه اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي فِي حسبَة مصر وعزل شعْبَان بن مُحَمَّد الآثاري. وَفِي يَوْم الْخَمِيس أول ربيع الأول: اسْتَقر حسن بن قراجا العلاي فِي ولَايَة الجيزة وعزل يَلْبغا الزيني. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِيه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته فِي كل سنة وَحضر شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن زقاعة وقضاة الْقُضَاة وعدة من شُيُوخ الْعلم فِي الحوش من القلعة تَحت خيمة ضربت هُنَاكَ. وَجلسَ السُّلْطَان وَعَن يَمِينه البُلْقِينِيّ وَابْن زقاعة وَعَن يسَاره الشَّيْخ أَبُو عبد الله المغربي وَتَحْته الْقُضَاة. وَحضر الْأُمَرَاء فجلسوا على بعد مِنْهُ. فَلَمَّا فرغ الْقُرَّاء من قراعة الْقُرْآن قَامَ الوعاظ وَاحِدًا بعد وَاحِد فَدفع لكل مِنْهُم صرة فِيهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضَّة وَمن كل أَمِير شقة حَرِير وعدتهم عشرُون واعظاً. ثمَّ مدت الأسمطة الجليلة. فَلَمَّا أكلت مدت أسمطة الْحَلْوَى فانتهبت كلهَا. فَلَمَّا فرغ الوعاظ مضى الْقُضَاة وأقيم السماع من بعد ثلث اللَّيْل إِلَى قريب الْفجْر. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير تغري بردي من حلب فَخرج السُّلْطَان وتلقاه من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَسَار بِهِ مَعَه إِلَى القلعة وأنزله فِي دَار تلِيق بِهِ وَبعث إِلَيْهِ خَمْسَة أَفْرَاس بقج فِيهَا ثِيَاب.(5/409)
وَفِي سادس عشره: اسْتَقر أقبغا المزوق والياً بالأشمونين عوضا عَن الشهَاب أَحْمد المنقار. وَفِي سَابِع عشره: حمل الْأَمِير تغري بردي تقدمته فَكَانَت عشْرين مَمْلُوكا وثلاثينِ ألف دِينَار عينا وَمِائَة وخمساً وَعشْرين فرسا وعدة جمال وأحمالاً من الفرو وَالثيَاب. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر قُطُلوبُغا الخليلي التركماني فِي ولَايَة الشرقية وعزل عوض التركماني. وَفِيه خلع على الْأَمِير يلبغا الأستادار وَاسْتقر فِي كشف الْوَجْه البحري. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع بِالْوَجْهِ البحري وباء وفشت الْأَمْرَاض بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وَكَانَ قد خرج جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى الصَّعِيد فَمَرض أَكْثَرهم وَعَاد الْأَمِير قَلْمطاي الدوادار فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع وَمَات الْأَمِير تمان شاه الشيخوني فأنعم على ابْنه عبد الله بإمرته. وَمَات طوغان الْعمريّ الشاطر أحد العشراوات فأنعم على سودن من زَاده بإمرته وَاسْتقر عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي فِي كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن أَمِير عَليّ السيفي. وَفِي حادي عشره: ركب السُّلْطَان وَعَاد الْأَمِير قَلْمطاي ففرش تَحت حوافر فرسه شقَاق الْحَرِير مَشى عَلَيْهَا من بَاب دَاره حَتَّى نزل بِبَاب الْقصر فَمشى على شقَاق النخ الْمَذْهَب حَتَّى جلس. وَقدم إِلَيْهِ طبقًا فِيهِ عشرَة آلَاف دِينَار وَخَمْسَة وَعشْرين بقجة قماش وَتِسْعَة وَعشْرين فرسا وَغُلَامًا تركياً بديع الْحسن. وَفِيه قدم الْخَبَر بمسير تيمور لنك من سَمَرْقَنْد إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَأَنه ملك مَدِينَة دله. وَفِي خَامِس عشره: شكا الشهَاب أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْحَنَفِيّ غَرِيمه السالمي إِلَى السُّلْطَان فأفحش فِي المخاطبة فرسم بسجنه بخزانة شمايل بعد مَا رسم بضربه بالمقارع وَلَوْلَا أَنه شفع فِيهِ لضرب.(5/410)
وَفِي ثامن عشره: قدم على الْبَرِيد جمال الدّين يُوسُف بن صَلَاح الدّين مُوسَى بن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَلْطِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ من حلب باستدعاء ليلى قَضَاء الْحَنَفِيَّة فَنزل عِنْد بدر الدّين مَحْمُود الكستاني كَاتب السِّرّ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي فِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه. وَنزل بالخلعة وَمَعَهُ عدَّة أُمَرَاء بَعْدَمَا شغر قَضَاء الْحَنَفِيَّة مائَة يَوْم وَأحد عشر يَوْمًا. وأنعم على جاني بك جياوي بإمرة عشرَة عوضا عَن آق بلاط الأسعدي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن جُمَادَى الأولى: أنعم على الْأَمِير أَلِي باي بتقديمة تاني بك أَمِير خور بعد مَوته. وَفِي تاسعه: اسْتَقر مقبل - أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة - فِي ولَايَة قليوب عوضا عَن مُحَمَّد العلاي. وَفِي ثامن عشره: أنعم على الْأَمِير يَشبك العثماني بتقدمة قَلْمطاي بعد وَفَاته وعَلى الْأَمِير أسنبغا العلاي الدوادار التاني بطلخاناة بكتمر الركني وعَلى بكتمر بطبلخاناة أَلِي باي وعَلى مُحَمَّد بن الْأَمِير قَلَمْطاي بإمرة عشرَة وعَلى أقباي الطرنطاي طبلخاناه وعَلى تنكزبغا الحطلي بإمرة عشْرين. وَفِي عشرينه: اسْتَقر صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود القيصري فِي توقيع الدست عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن الفاقوسي بعد عَزله. وَفِيه عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَعَاد فِي خَامِس عشرينه. وَظهر فِي هَذَا الشَهر خرطوم من جَزِيرَة أروى امْتَدَّ إِلَى تجاه جَامع الخطيري من بولاق فِيمَا بَين وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر تغري بردي من يَشْبُغا أَمِير سلَاح وأقبغا الطُولوتَمُري - الْمَعْرُوف باللكاش - أَمِير مجْلِس والأمير نوروز الحافظي أَمِير أخور والأمير بيبرس ابْن أُخْت السُّلْطَان دوادراً والأمير أَلِي باي العلاي خازنداراً وخلع السُّلْطَان على الْجَمِيع(5/411)
الأطلسين. وَاسْتقر على بن غلبك فِي ولَايَة منفلوط بعد قتل عمر بن إِيَاس: وَاسْتقر شمس الدّين مُحَمَّد الأخنادي الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ بن بهاء الدّين أبي الْبَقَاء.
(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن جُمَادَى الْآخِرَة)
حضر الْوَزير علم الدّين عبد الْوَهَّاب بن إبرة بِطَلَب من الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ يَلِي نظرها فَضرب بَين يَدي السُّلْطَان بالمقارع. وَفِي ثَانِي عشره: عدى السُّلْطَان إِلَى الجيزة وَعَاد فِي رَابِع عشرينه. وَكتب بعزل تَاج الدّين أبي بكر بن معِين الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الدماميني من قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ قد وَليهَا بسفارة أَخِيه شرف الدّين فَلم تُشكر سيرته لعدم أَهْلِيَّته. وَاسْتقر عوضه ابْن الربعِي بسفارهَ سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: منع الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي من الحَدِيث فِي إسكندرية وتحدث فِيهَا سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب فولى أَخَاهُ فَخر الدّين ماجد نظر الْإسْكَنْدَريَّة. وَخرج أَمِير فرج بالكشف على ابْن الطبلاوي. وَفِي ثامنه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي خلعة الِاسْتِمْرَار وَاسْتقر تمراز قماري فِي شدّ الْأَحْوَال وأمير شكار بعد موت شرف الدّين مُوسَى بن قماري. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن شعْبَان: قبض على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الطبلاوي وَجَمَاعَة من ألزامه. وَذَلِكَ أَن سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب لما تسور على مخدومه الْأَمِير جمال الدّين مَحْمُود الأستادار - بمعاونة ابْن الطلاوي - وتمالئا عَلَيْهِ حَتَّى نكب وَهلك كَمَا ذكره صَار ابْن غراب بعده من أَعْيَان الدولة فالتَفت إِلَى ابْن الطبلاوي وَقد صَار عَظِيم أهل الدولة وَظَاهر عَلَيْهِ الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار وَقد نافس ابْن الطبلاوي وَمَا زَالَ بِهِ يحملهُ عَلَيْهِ حَتَّى أغرى بِهِ السُّلْطَان حسداً مِنْهُ وبغياً إِلَى أَن قرر مَعَه الْقَبْض عَلَيْهِ فأشاع أَنه وُلد لَهُ وَلد ودعا إِلَى عمل وَلِيمَة خضر ابْن الطبلاوي وَمَعَهُ ابْن عَمه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطبلاوي - الْمَعْرُوف بِابْن سُتَيْت حضر النَّادِر وَفِيهِمْ الْأَمِير يَعْقُوب شاه(5/412)
الخازندار وَقد رسم لَهُ معاونة ابْن غراب فِي الْقَبْض على ابْن الطلاوي فعندما اسْتَقر بِالنَّاسِ الْجُلُوس بعث ابْن غراب بالأمير بهاء الدّين أرسلان نقيب الجيدة فَقبض على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سعد الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن الطبلاوي وَالِي الْقَاهِرَة وَأكْثر حَوَاشِيه وحواشي أَخِيه عَلَاء الدّين. فَلَمَّا علم ابْن غراب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِم مد السماط ليَأْكُل النَّاس فَتقدم الْأَمِير يَعْقُوب شاه وَقبض على عَلَاء الدّين وَابْن عَمه نَاصِر الدّين وَتوجه بهما. وَوَقعت الحوطة فِي اللَّيْل على دور الْجَمِيع وتُتُبعت من الْغَد أسبابهم وأتباعهم فتجمعت الْعَامَّة وَرفعُوا الْأَعْلَام وحملوا الْمَصَاحِف ووقفوا تَحت القلعة يسْأَلُون إِعَادَة ابْن الطلاوي فَأمر بضربهم فَفرُّوا. وَأمر الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار بمعاقبة ابْن الطلاوي واستخلاص الْأَمْوَال مِنْهُ وَمن حَوَاشِيه وَأَهله. وَفِي ثَانِي عشره: حمل ابْن الطبلاوي على فرس وَفِي عُنُقه طوق من حَدِيد مَعَ الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون وشق بِهِ الْقَاهِرَة نَهَارا حَتَّى دخل بِهِ إِلَى منزله برحبة بَاب الْعِيد فَأخْرج مِنْهُ اثْنَيْنِ وَعشْرين حمالاً مَا بَين دور وَغَيره من أَنْوَاع الفرو وَثيَاب صوف ومالاً ذُكر أَنه مبلغ مائَة وَسِتِّينَ ألف دِينَار. وَفِي ثَالِث عشره: أَخذ من دَاره أَيْضا ألف وَمِائَتَا قُفة فُلُوسًا صَرْفُها سِتّمائَة ألف دِرْهَم وَمن الدَّرَاهِم الْفضة خَمْسَة وَثَمَانُونَ ألف دِرْهَم وَجُمْلَة من الذَّهَب. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير الْكَبِير أيتمش الأتابك فِي نظر المارستان المنصوري عوضا عَن ابْن الطبلاوي. وَفِي سادس عشره: طلب ابْن الطبلاوي الْحُضُور إِلَى مجْلِس السُّلْطَان فَلَمَّا حضر طلب من السُّلْطَان أَن يُدنيه مِنْهُ فاستدناه حَتَّى بَقِي على قدر ثَلَاثَة أَذْرع مِنْهُ قَالَ لَهُ: تكلم. قَالَ: أُرِيد أسار السُّلْطَان فِي أُذُنه فَلم يُمكنهُ من ذَلِك فألح ابْن الطلاوي فِي طلب مسارة السُّلْطَان فِي أُذُنه حَتَّى استراب مِنْهُ وَأمر بإبعاده واستخلاص المَال مِنْهُ. فَمضى بِهِ الْأَمِير يَلْبُغا الْمَجْنُون حَتَّى خرج من مجْلِس السُّلْطَان إِلَى بَاب النّحاس حَيْثُ يجلس خَواص الخدام الطواشية فَجَلَسَ ابْن الطبلاوي هُنَاكَ ليستريح وَضرب نَفسه بسكين كَانَت مَعَه ليقْتل نَفسه فَلم يكن سوى أَنه جرح نَفسه فِي موضِعين وثار بِهِ من مَعَه ومنعوه من قتل نَفسه وَأخذُوا السكين. وَوَقعت الصرخة حَتَّى بلغ السُّلْطَان الْخَبَر فَلم يشك فِي أَنه أَرَادَ اغتياله وَقَتله بِهَذِهِ السكين فَأمر بتَشْديد عُقُوبَته فَمضى بِهِ الْأَمِير يَلْبُغَا وعاقبه فأظهر فِي سَابِع عشره خبية فِيهَا مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ثمَّ دلَّ على(5/413)
أُخْرَى فِيهَا مبلغ تسعين ألف دِينَار ثمَّ عشْرين ألف دِينَار وتُتُبعَت أَحْوَاله وأبيع موجوده وعقاره وألزم ابْن عَمه نَاصِر الدّين مُحَمَّد بِحمْل مِائَتي ألفَ دِرْهَم وعوقب عُقُوبَة شَدِيدَة حَتَّى أوردهَا وألزم أَخُوهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بِمِائَة ألف دِرْهَم وألزم أَرْبَعَة من خواصه بِمِائَتي ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر بهاء الدّين أرسلان فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي. وَفِيه شُكا على تَاج الدّين أبي بكر بن الدماميني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فَضرب بَين يَدي السُّلْطَان ورسم عَلَيْهِ لُيرضي شكاته. وَقدم رَسُول الْملك الظَّاهِر مجد الدّين عِيسَى متملك ماردين بكتابه يترامى على الْتِزَام الطَّاعَة وَيعْتَذر من طَاعَته لتيمور لنك بِأَنَّهُ أَقَامَ عِنْده فِي قيد زنته خَمْسَة وَعِشْرُونَ رطلا من الْحَدِيد مُدَّة سنتَيْن حَتَّى حلف لَهُ بِالطَّلَاق وَغير ذَلِك من الْأَيْمَان أَنه يُقيم على طَاعَته فأفرج عَنهُ وَأَنه وَفِي بِمَا حلف لَهُ عَلَيْهِ وَعَاد إِلَى طَاعَة السُّلْطَان فَأُجِيب بالشكر وَالثنَاء وجهز إِلَيْهِ تشريف ومبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَكتب تَقْلِيده بنيابة ماردين. وَفِيه اسْتَقر تغري برمش السيفي مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة - قبل ذَلِك أحد حجاب دمشق - متحدثاً على مستأجرت الدِّيوَان الْمُفْرد بِبِلَاد الشَّام عوضا عَن الشهَاب أَحْمد بن النَّقِيب اليغموري. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَمَضَان: وصل الْأَمِير قُطلُوبغا الخليلي أَمِير أخور للتوجه إِلَى بِلَاد الْمغرب بِسَبَب شِرَاء الْخُيُول وَمَعَهُ مائَة وَعِشْرُونَ فرسا ورسل مُلُوك الْمغرب فقَدَّم رَسُول صَاحب فاس ثَلَاثِينَ فرسا وبغلتين مِنْهَا ثَمَانِيَة بقماش ذهب وباقيهم دون ذَلِك وَثَلَاثِينَ سَيْفا محلاة بِنصب وَثَلَاثِينَ مهمازاً من ذهب وقماشاً وَغير ذَلِك.(5/414)
وقَدّم رَسُول تلمسان أَرْبَعَة وَعشْرين فرسا مسرجة ملجمة وبغلتين وَأَرْبَعَة وَعشْرين سَيْفا بحلية من ذهب وَأَرْبَعَة عشر مهمازاً من ذهب وَكَثِيرًا من القماش وَغَيره. وقَدَّمَ رَسُول صَاحب تونس سِتَّة عشر فرسا مسرجة ملجمة بصب وقماشاً كثيرا. وَفِيه نزل تيمور لنك على بَغْدَاد بجموعه وَقد حصنها السُّلْطَان أَحْمد بن أويس فَسَار عَنْهَا من الْغَد نَحْو همذان. وَفِي ثَالِث عشره أنعم على أَمِير فرج الْحلَبِي بإمرة عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاي وَاسْتقر فِي دَار الضَّرْب وأنعم على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري بإمرة أَمِير فرج. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن عَليّ بن بلبان - الْمَعْرُوف بِابْن خَاص ترك أحد البريدية - شاد الدَّوَاوِين عوضا عَن الحسام بن أُخْت الْغَرْس بإمرة عشرَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث شَوَّال: أَخذ قاع النّيل فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع واثني عشر إصبعاً. وَفِي خامسه: ضرب عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي ضربا مبرحاً فَلم يعْتَرف بِشَيْء من المَال. وَفِي خَامِس عشره: ختن السُّلْطَان ولديه الْأَمِير فرج والأمير عبد الْعَزِيز وختن عدَّة من أَوْلَاد الْأُمَرَاء المقتولين مِنْهُم ابْن الْأَمِير منطاش وكساهم وأنعم عَلَيْهِم وَعمل مهما عَظِيما بالقلعة للنِّسَاء. وَفِي ثامن عشره: نقل عَلَاء الدّين على بن الطبلاوي من دَار الْأَمِير الأستادار إِلَى خزانَة شمايل فسجن بهَا بعد أَن نوعت عقوباته واشتدعذابه.(5/415)
وَفِيه اسْتَقر محيي الدّين مَحْمُود بن نجم الدّين أَحْمد بن عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن عمد ابْن أبي الْعِزّ صَالح بن أبي الْعِزّ الْمَعْرُوف بِابْن الكشْك الدِّمَشْقِي فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا كن تَقي الدّين عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الكُفري. وَفِي خَامِس عشرينه: استعفي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب من نظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَنظر الكارم فأعفي مِنْهُمَا. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن الْحَرِيق وَقع بِدِمَشْق فِي لَيْلَة السبتَ عشرينه وَأقَام إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشرينه فَتلف فِيهِ مُعظم أسواق الْمَدِينَة وتشعث جِدَار الْجَامِع القبلي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ذِي الْقعدَة: اسْتَقر سعد الدّين بن غراب فِي ظهر الْجَيْش وعزل شرف الدّين الدماميني وَبَقِي بيد ابْن الدماميني نظر الْكسْوَة. وَفِي ثامنه: عزل شعْبَان بن مُحَمَّد الآثاري من حسبَة مصر بعد مَا نُودي عَلَيْهِ بهَا فَحَضَرَ عدَّة من شكاته إِلَى الدوادار وَادعوا عَلَيْهِ بقوادح فأهين إهانة بَالِغَة وَمن الْعجب أَنه لما عزل ابْن الدماميني من نظر الْجَيْش اً ظهر شماتة بعزله ونادى لعزله فِي مصر فاتفق لَهُ هَذَا من الْغَد. وَفِي تاسعه: أفرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي. وَفِي عاشره: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي إِلَى حسبَة مصر بعد عزل شعْبَان الآثاري وَكَانَ قد وَفِي قبل ذَلِك بِمَال ففر من مطالبهَ أَرْبَاب الدُّيُون بمالهم. وَفِي لَيْلَة السبت ثَانِي عشره: وَقع حريق بدار التفاح خَارج بَاب زويلة فرعب لأمير يَشبك الخازندار والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب وطفياه بِمن مَعَهُمَا. وَفِي يَوْم السبت هَذَا: عمل السُّلْطَان مهما عَظِيما بالميدان تَحت القلعة سَببه أَنه لعب بالكرة على الْعَادة فغلب الْأَمِير أَيْتمش وَالْتزم أَيْتمش بِعَمَل مُهِمّ. بِمِائَتي ألف دِرْهَم كَونه غلب فَقَامَ السُّلْطَان عَنهُ بذلك وألزم بِهِ الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي والأمير يِلبغا الأستادار. ونصبت الخيم بالميدان وَعمل المهم فَكَانَ فِيهِ من المخيم عشرُون ألف رَطْل ومائتي زوج إوز وَألف طَائِر من الدَّجَاج وَعِشْرُونَ فرسا ذبحت وَثَلَاثُونَ رطلا من السكر عملت حلوى ومشروباً وَثَلَاثُونَ قِنْطَارًا من الزَّبِيب لعمل المشروب الْمُبَاح والمسكر وَسِتُّونَ إردباً دَقِيقًا لعمل الشَّرَاب الْمُسكر(5/416)
وعملت المسكرات فِي دنان الفخار. ولزل السُّلْطَان سحر يَوْم السبت وَفِي عزمه أَن يُقيم نَهَاره مَعَ الْأُمَرَاء والمماليك يعاقرهم الشَّرَاب فأشير عَلَيْهِ بترك هَذَا وَخَوف الْعَاقِبَة فَمد السماط وَعَاد إِلَى قصره قبل طُلُوع الشَّمْس وأنعم على كل من الْأُمَرَاء المقدمين بفرس عَلَيْهِ قماش ذهب وأنعم على الْوَزير وناظر الْخَاص مَعَهم أَيْضا. وَأذن للعامة فِي انتهاب المآكل والمشارب فَكَانَ يَوْمًا فِي غَايَة الْقبْح والشناعة أبيحت فِيهِ المسكرات وتجاهر النَّاس من الْفُحْش والمعاصي بِمَا لم يعْهَد مثله وفطن أهل الْمعرفَة بِزَوَال الْأَمر فَكَانَ كَذَلِك وَمن وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد الشريف شرف الدّين عَليّ بن فَخر الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين عَليّ الأرموي إِلَى نقابة الْأَشْرَاف بعد موت الشريف جمال الدّين عبد الله الطباطبي. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره - وعاشر مسرى -: وَفِي النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَقدم الْبَرِيد بقتل سولي بن دلغادر أَمِير التركمان. وَفِيه ركب السُّلْطَان بعد صَلَاة الظّهْر يُرِيد المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة وَمَعَهُ الْأُمَرَاء - إِلَّا الْأَمِير أَلِي باي الخازندار - فَإِنَّهُ كَانَ قد انْقَطع فِي دَاره أَيَّامًا لمَرض نزل بِهِ - فِيمَا أظهره - وَفِي بَاطِن أمره أَنه قصد الفتك بالسلطان فَإِنَّهُ علم أَنه إِذا نزل الخليج يدْخل إِلَيْهِ ويعوده على مَا جرت بِهِ عَادَته مَعَ الْأُمَرَاء فدبر على اغتَيال السُّلْطَان وأخلى إصطبله وداره من حريمه وأمواله وَأعد قوما اخْتَارَهُمْ لذَلِك. وَكَانَ سَبَب هَذَا فِيمَا يظْهر أَن بعض مماليكه المختصين بِهِ - وَكَانَ شاد شراب خاناتَه - تعرض لجارية من جواري الْأَمِير أقباي الطرنطاي يُرِيد مِنْهَا مَا يُريدهُ الرجل من الْمَرْأَة وَصَارَ بَينهمَا مشاكلة فَبلغ ذَلِك أقباي فَقبض عَلَيْهِ وضربه ضربا مبرحاً. فحنق آلي باي وشكاه للسُّلْطَان فَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَأعْرض عَن ذَلِك. وَكَانَ أَلِي باي فِي زَعمه أَن السُّلْطَان يزِيل نعْمَة أقباي لأَجله فَغَضب من ذَلِك وحرك مَا عِنْده من الْبَغي الكامن. فَلَمَّا فتح السُّلْطَان الخليج وَركب إِلَى جِهَة القلعة اعْتَرَضَهُ مَمْلُوك من خشداشيته اليلبغاوية يعرف بسودن الْأَعْوَر وَأسر إِلَيْهِ أَن دَاره الَّتِي يسكنهَا تشرف على إسطبل الْأَمِير أَلِي باي وَأَنه شَاهد مماليك أَلِي باي وَقد لبسوا بدلة الْحَرْب وقفُوا عِنْد بوائك الْخَيل وستروا(5/417)
البوائك بالآنخاخ ليخفي أَمرهم. فكتم السُّلْطَان الْخَبَر وَأمر الْأَمِير أرسطاي رَأس نوبَة أَن يتَوَجَّه إِلَى دَار الْأَمِير أَلِي باي وَيُعلمهُم أَن السُّلْطَان يدْخل لعيادته. فَلَمَّا أعلم بذلك اطمأنوا ووقف أرسطاي على بَاب إِلَيّ باي ينْتَظر قدوم السُّلْطَان وعندما بعث السُّلْطَان أرسطاي أَمِير الجاويشية بِالسُّكُوتِ وَأخذ الْعِصَابَة السُّلْطَانِيَّة الَّتِي ترفع على رَأس السُّلْطَان فَيعلم بهَا مَكَانَهُ يُرِيد بذلك تعمية خَبره وَسَار إِلَى تَحت الْكَبْش وَهُوَ تجاه دَار أَلِي باي وَالنَّاس من فَوْقه قد اجْتَمعُوا لرؤية السُّلْطَان فصاحت بِهِ امْرَأَة: لَا تدخل فَإِنَّهُم قد لبسوا آلَة الْقِتَال. فحرك فرسه وأسرع فِي الْمَشْي وَمَعَهُ الْأُمَرَاء وَمن وَرَائه المماليك يُرِيد القلعة. وَأما أَلِي باي فَإِن بَابه كَانَ مَرْدُود الفردتين وضبته مطرفة ليمنع من يدْخل حَتَّى يَأْتِي السُّلْطَان فَلَمَّا أَرَادَ الله مر السُّلْطَان حَتَّى تعدى بَابه وَكَانَ فِي طَرِيقه فَلم يعلمُوا بمروره حَتَّى تجاوزهم بِمَا دبره من تَأْخِير العصائب وسكوت الجاويشية. وَخرج أحد أَصْحَاب أَلِي باي يُرِيد فتح الضبة فأغلقها وَالِي أَن يحضر مِفْتَاح الضبة وَيفتح فاتهم السُّلْطَان وَصَارَ بَينهم وَبَينه سد عَظِيم من الجمدارية قد ملأوا الشَّارِع بعرضه. فَخرج أَلِي باي بِمن مَعَه لابسين السِّلَاح وعمدهم نَحْو الْأَرْبَعين فَارِسًا يُرِيد السُّلْطَان وَقد سَاق وَمَعَهُ الْأُمَرَاء حَتَّى دخل بَاب السلسلة وَامْتنع بالإصطبل. فَوقف أَلِي باي تجاه الإصطبل بالرميلة تَحت القلعة وَنزل إِلَيْهِ طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة لقتاله فَثَبت لَهُم وجرح جمَاعَة وَقتل من السُّلْطَانِيَّة بيسق المصارع ثمَّ انهزم أَلِي باي وتفرق عَنهُ من مَعَه. هَذَا وَقد ارتجت مصر والقاهرة وجفل النَّاس من مَدِينَة مصر وَكَانُوا بهَا للفرجة على الْعَادة فِي يَوْم الْوَفَاء وطلبوا مساكنهم خوفًا من النهابة. وَركب يلبغا الْمَجْنُون وَمَعَهُ مماليكه لابسين بدلة الْقِتَال يُرِيد القلعة. وَاخْتلف النَّاس فِي السُّلْطَان وأرجفوا بقتْله وبفراره وتباينت الْأَقْوَال فِيهِ وَاشْتَدَّ الْخَوْف وَعظم الْأَمر. هَذَا وَقد ألبس السُّلْطَان الْأُمَرَاء والمماليك وَأَتَاهُ من كَانَ غَائِبا مِنْهُم. فعندما طلع الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون إِلَيْهِ ثار بِهِ المماليك السُّلْطَانِيَّة واتهموا بموافقة أَلِي باي لكَونه جَاءَ هُوَ ومماليكه بِآلَة الْقِتَال وخذَه اللكم من كل جِهَة ونزعوا مَا عَلَيْهِ وألقوه إِلَى الأَرْض ليَذْبَحُوهُ فلولا مَا كَانَ من منع السُّلْطَان لَهُم لقتلوه فَلَمَّا كفوا عَن ذبحه سجن بالزردخاناه وَقيد. وَقبض أَيْضا على شاد شراب خاناه أَلِي باي لِأَنَّهُ الَّذِي أثار هَذِه الْفِتْنَة وَقطع قطعا بِالسُّيُوفِ. وَبَات السُّلْطَان بالإصطبل وَقد نهبت الْعَامَّة(5/418)
بَيت أَلِي باي وخربوه ونهبوا دَار الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون وخربوها. وَأما أَلِي باي فَإِنَّهُ لما تفرق عَنهُ أَصْحَابه اختفي فِي مستوقد حمام فَقبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى السُّلْطَان فقيده وسجنه بقاعة الْفضة من القلعة. فَلَمَّا أصبح نَهَار الْأَحَد نزع الْعَسْكَر آلَة الْحَرْب وَتَفَرَّقُوا وعصر أَلِي باي فَلم يقر على أحد. وأحضر يلبغا الْمَجْنُون فحلِف أَنه لم يُوَافقهُ وَلَا علم بِشَيْء من خَبره وَأَنه كَانَ مَعَ الْوَزير بِمصْر. فَلَمَّا أشيع خبر ركُوب أَلِي باي لحق يلبغا الْمَجْنُون بداره وَلبس لِيُقَاتل مَعَ السُّلْطَان وبرأه أَلِي باي أَيْضا فأفرج عَنهُ وأخلع عَلَيْهِ. وَنزل إِلَى دَاره فَلم يجد بهَا شَيْئا وَقد نُهبت جَمِيع أَمْوَاله وسلبت جواريه وفرت امْرَأَته ابْنة الْملك الْأَشْرَف شعْبَان وَأخذ رُخَام دَاره وأبوابها وَأكْثر أخشابها وتشعثت تشعثاً قبيحاً. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِأَن أَوْلَاد ابْن بزدغان من التركمان اقْتَتَلُوا مَعَ القَاضِي برهَان الدّين أَحْمد صَاحب سيواس فَقتل فِي الْحَرْب وَقَامَ من بعده ابْنه بِمَدِينَة سيواس ومنعها من التركمان. وَكَانَ من خَبره أَن الْأَمِير عُثْمَان بن قرايلك التركماني خَالف عَلَيْهِ وَمنع مَا كَانَ يحملهُ إِلَيْهِ من التقادم فَلم يكترث بِهِ القَاضِي برهَان الدّين لِأَنَّهُ من أقل أمرائه. وَصَارَ قرايلوك يتَرَدَّد إِلَى أماسية وأرزبخان فاتفق أَنه قصد مصيفاً بِالْقربِ من مَدِينَة سيواس وَمر عَلَيْهَا وَبهَا القَاضِي برهَان الدّين فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَركب عجلاً وسَاق فِي طلبه وَتقدم عسكره حَتَّى أقبل اللَّيْل فَمَال عَلَيْهِ قرايلوك بجماعته فَأَخذه قبضا بِاللَّيْلِ ثمَّ قَتله وحاصر سيواس فَمَنعه أَهلهَا وقاتلوه أَشد الْقِتَال وَكَتَبُوا إِلَى أبي يزِيد بن عُثْمَان أَن يدركهم فَسَار إِلَيْهِم وَمضى قرايلوك إِلَى تيمور لنك وَفِي حادي عشرينه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل على الْعَادة وعصر أَلِي باي فَلم يعْتَرف على أحد وَإِذا بهجة عَظِيمَة قَامَت فِي النَّاس فَلبس الْعَسْكَر ووقفوا تَحت القلعة(5/419)
وَقد غلقت أَبْوَابهَا. وَكَثُرت الإشاعة بِأَن يلبغا الْمَجْنُون وأقبغا اللكاش قد خامرا على السُّلْطَان وَلم يكن الْأَمر كَذَلِك فَركب اللكاش إِلَى القلعة. وَكَانَ الْمَجْنُون فِي بَيت أَمِير فرج الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ فَلَمَّا بلغه هَذَا ركب مَعَه أَمِير فرج ليعلم السُّلْطَان بِأَنَّهُ كَانَ فِي دَاره بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى يبرأ مِمَّا رمي بِهِ فصارا مَعَ الْأُمَرَاء بالقلعة عِنْد السُّلْطَان وَأمر السُّلْطَان بقلع السِّلَاح وَنزل كل أحد إِلَى دَاره فَانْفَضُّوا وَسكن الْأَمر وَنُودِيَ بالأمان فَفتح النَّاس الْأَسْوَاق واطمأنوا. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه: عذب أَلِي باي بَين يَدي السُّلْطَان عذَابا شَدِيدا كسرت فِيهِ رِجْلَاهُ وَركبَتَاهُ وَخسف صَدره فَلم يقر على أحد فَأخذ إِلَى الْخَارِج وخنق فَتَنَكَّرت الْأُمَرَاء وَكثر خوفهم من السُّلْطَان خشيَة من أَن يكون أَلِي باي ذكر أَحداً مِنْهُم. وَمن حينئذٍ فسد أَمر السُّلْطَان مَعَ مماليكه فَلم ينصلح إِلَى أَن مَاتَ ولخوفه مِنْهُم لم ينزل بعد ذَلِك من القلعة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء: نُودي بالأمان وَأمر يلبغا الْمَجْنُون أَن ينْفق فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة فَأعْطى الْأَعْيَان مِنْهُم خَمْسمِائَة دِرْهَم لكل وَاحِد مِنْهُم فَلم يرضهم ذَلِك وَكَثُرت الإشاعات الردية وَقَوي الإرجاف فَنقل الْأُمَرَاء مَا فِي دُورهمْ إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرينه وَبَاتُوا لَيْلَة الْخَمِيس على تخوف وَلم تفتح الْأَسْوَاق يَوْم الْخَمِيس فَنُوديَ بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَلَا يتحدث أحد فِيمَا لَا يعنيه. وَفِيه اسْتَقر مقبل الظَّاهِرِيّ وَالِي قليوب فِي ولَايَة الفيوم عوض عَن قراجا مفرق وَاسْتقر فِي ولَايَة قليوب مُحَمَّد بن قرابغا وأنعم على الْأَمِير أَرُسْطاي من خواجا على بتقديمه أَلِي باي وَاسْتقر رَأس نوبَة. وأنعم على تمان تمر الناصري بطبلخاناه أرسطاي. وَفِي سادس عشرينه: نزل الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تمربغا المنجكي الْحَاجِب وقبضا على الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار من دَاره وبعثاه فِي النّيل إِلَى دمياط. وَطلب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البكجري وخلع عَلَيْهِ للأستادارية عوضا عَن يلبغا الْمَجْنُون بإمرة خمسين فَارِسًا. وَفِيه قدم مُحَمَّد بن مبارك المنقار بن المهمندار بهدية. وَفِيه أنعم على الْأَمِير بكتمر رَأس نوبَة بتقدمة يلبغا الْمَجْنُون. وَفِي يَوْم السبت ثَالِث ذِي الْحجَّة: خلع على اثْنَيْنِ رُؤُوس نوب صغَار وهما الْأَمِير طولو والأمير سودن الظريف.(5/420)
وَفي يوَم الْأَحَد رَابع ذِي الْحجَّة: سمر أَرْبَعَة من مماليك أَلِي باي ووسطوا. وَفِيه أبيع الْخبز كل ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم عَنْهَا اثْنَي عشر رغيفاً زنة الرَّغِيف ثَمَانِي أَوَاقٍ بفلسين فسر النَّاس سُرُورًا زَائِدا فَإِن لَهُم نَحْو السِّت سِنِين لم يرَوا الرَّغِيف بفلسين لَكِن لم يسْتَمر هَذَا. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير شيخ الصفوي كثر فَسَاده بالقدس وتعرضه لأَوْلَاد النَّاس يريدهم على الْفَاحِشَة فرسم بنقله من الْقُدس واعتقاله بقلعة المرقب من طرابلس فاعتقل بهَا. وَفِي يَوْم النَّحْر: صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة وَلم ينزل إِلَى الميدان فاستمر ذَلِك. وَتركت صَلَاة الْعِيد بالميدان حَتَّى نسيت. وَفِيه توجه الْبَرِيد لإحضار الْأَمِير بكلمش من الْإسْكَنْدَريَّة ومسيره إِلَى الْقُدس على مَا كَانَ لشيخ من الْمُرَتّب بهَا. وَفِيه اسْتَقر عَليّ بن مُسَافر فِي ولَايَة منوف وعزل الشهَاب أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي. وَفِيه سَار الْأَمِير أرغون شاه والأمير تمراز والأمير طولو فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الشرقية وخذوا من عرب بني وَائِل مِائَتي فَارس وعادوا فسمر مِنْهُم نَحْو الثَّلَاثِينَ وسجن الْبَقِيَّة بالخزانة. وَاسْتمرّ السُّلْطَان من حَرَكَة أَلِي باي يتزايد بِهِ الْمَرَض إِلَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه أقلع عَنهُ الْأَلَم وَنُودِيَ من الْغَد بالزينة فزينت الْقَاهِرَة ومصر لعافيته وَتصدق فِي هَذِه الْمدَّة على يَد وَفِي سَابِع عشرينه: سمر من بني وَائِل مائَة وَثَلَاثَة رجال. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج بالسلامة والأمن. وفيهَا ولى الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عنقاء بن مهنا إمرة آل فضل عوضا عَن أَخِيه أبي سُلَيْمَان بعد وَفَاته وَولى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن أبي(5/421)
الطّيب كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْحِمصِي بعد مَوته وَنقل علم الدّين مُحَمَّد القفصي من قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم التادلي وَولى شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الدايم الْموصِلِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْمُؤمن البعلبكي الدِّمَشْقِي الضَّرِير الْمَعْرُوف بالبرهان الشَّامي فِي ثامن جُمَادَى الأولى عَن تسعين سنة وَقد حدث مُنْذُ سِنِين. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن فتح الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الشَّهِيد وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن قايماز فِي ثَانِي عشر ربيع الأول وَكَانَ من الْأَعْيَان ويخدم فِي أستادارية الْأُمَرَاء وامتحن فِي نوبَة الشريف العنابي. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد البكتمري أحد عُلَمَاء الْمِيقَات فِي سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات آق بلاط الأسعدي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات تاني بك اليحياوي أَمِير آخور أحد أُمَرَاء الألوف فِي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الآخر وَمَشى السُّلْطَان فِي جنَازَته وَبكى عَلَيْهِ وَركب حَتَّى دفن وَأقَام الْقُرَّاء على قَبره أسبوعاً وتمد لَهُم الأسمطة السُّلْطَانِيَّة. وَمَات الْأَمِير تَلكتمُر دوادار الْأَمِير قلمطاي فِي رَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير طوغان الْعمريّ أحد أُمَرَاء العشراوات ونقيب الْفُقَرَاء السطوحية فِي أول ربيع الأول. وَمَات مجد الدّين عبد الرَّحْمَن مكي أحد نواب الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة خَارج الْقَاهِرَة فِي أول جُمَادَى الأولى. وَمَات الشريف جمال الدّين عبد الله بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن عبد الله الطباطبي نقيب الْأَشْرَاف فِي لَيْلَة الرَّابِع عشر من ذِي الْقعدَة. وَمَات تَاج الدّين عبد الله بن عَليّ بن عمر الْمَعْرُوف بقاضي صور - بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة - بليدَة بَين حصن كيفا وماردين - السنجاري الْحَنَفِيّ عَن نَحْو الثَّمَانِينَ سنة(5/422)
بِدِمَشْق وَقدم الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا زَمَانا وَكَانَ فَاضلا أفتى ودرس وصنف كتاب الْبَحْر الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى ونظم الْمُخْتَار فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم بالقاهرةْ وبدمشق. ولي وكَالَة بَيت المَال بِدِمَشْق وَكَانَ لطيفاً ظريفاً. وَمَات الْأَمِير عمر بن إلْيَاس قريب الْأَمِير قرط التركماني وَالِي منفلوط قَتله الْعَرَب بهَا. وَمَات الشَّيْخ المعتقد عمر الفرنوي. وَمَات الْأَمِير قلمطاي الدوادار فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى فصلى السُّلْطَان عَلَيْهِ وَشهد دَفنه وَبكى عَلَيْهِ وَعمل للقراء الأسمطة عِنْد قَبره أسبوعاً. وَمَات الْأَمِير قجماس البشيري أحد أُمَرَاء العشراوات ونقيب الْفُقَرَاء الدسوقية. وَمَات الْأَمِير قرابغا المحمدي أحد أُمَرَاء العشراوات. وَمَات أَمِين الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْحِمصِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وَقدم الْقَاهِرَة مَعَ الْأَمِير تنم. وَكَانَ أديباً شَاعِرًا ناثراً. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد الطنبدي وَكيل بَيت المَال ومحتسب الْقَاهِرَة فِي رَابِع عشْرين ربيع الأول. وَمَات الشَّيْخ المعتقد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَة التوزري المغربي الْمَعْرُوف بالكركي لإقامته بالكرك فِي خَامِس عشْرين ربيع الأول. وَكَانَ عِنْد السُّلْطَان بِمَنْزِلَة مكينة جدا يجلسه إِلَى جَانِبه وَتَحْته قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَلم يُغير لبس العباءة وَلَا أَخذ شَيْئا من المَال. وَالنَّاس فِيهِ بَين مفرط فِي مدحه ومفرط فِي الغض مِنْهُ. وَتَوَلَّى الْأَمِير يلبغا السالمي تَجْهِيزه إِلَى قَبره وَبعث السُّلْطَان مِائَتي دِينَار لذَلِك ولقراءة الْقُرْآن على قَبره مُدَّة أُسْبُوع فَعمل ذَلِك على الْعَادة. وَمَات صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْحِمْيَرِي موقع الدست وَأحد نواب(5/423)
الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فِي رَابِع الْمحرم بَعْدَمَا ابتلى من الْأَمِير بَكْلَمِش ببلاء عَظِيم. وَله نظم. وَمَات الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن قُماري أَمِير شكار وشاد الْأَحْوَال السُّلْطَانِيَّة الْمَوْضُوعَة للطيور فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس أَبُو عَامر عبد الله بن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن المريني وأقيم بعده أَخُوهُ أَبُو سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس. هَذَا وَالشَّيْخ أَبو الْعَبَّاس أَحْمد بن على القبايلي هُوَ الْقَائِم بتدبير الدولة بعد موت السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد. وكل من أبي فَارس عبد الْعَزِيز وَأبي عَامر عبد الله وَأبي سعيد عُثْمَان تَحت حجره حَتَّى قتل كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقتل الْأَمِير سولي بن الْأَمِير زين الدّين قراجا بن دُلْغَادر التركماني فِي ذِي الْقعدَة قَتله رجل من أَقَاربه يُقَال لَهُ عَليّ بك. وَذَلِكَ أَنه غاضبه وَأخرجه فَنزل حلب ثمَّ اتّفق مَعَ غُلَامه - على القُصير - على قتل سولي واحتالا عَلَيْهِ بِأَن ضرب عَليّ بك غُلَامه ضربا مبرحاً فَمضى الْغُلَام إِلَى سولي يشكو حَاله فأواه عِنْده ووعد بِأخذ ثَأْره. فَمَا زَالَ عِنْده حَتَّى سكر سولي لَيْلَة. فَلَمَّا انْفَرد بِهِ ضربه بسكين قَتله ثمَّ صَاح. فَلَمَّا جَاءَهُ التركمان أوهمهم أَن بعض أعدائه اغتاله ثمَّ استغفلهم وهرب إِلَى مخدومه بحلب. فَلَمَّا صَحَّ السُّلْطَان الْخَبَر استدعى عَليّ بك وَغُلَامه وأنعم عَلَيْهِمَا بإمرتين لعَلي بك إمرة طبلخاناه ولعلي الْقصير بإمرة عشرَة. وَقتل أَمِير آل فضل الْأَمِير علم الدّين أَبُو سُلَيْمَان بن عنقاء بن مهنا بعد الْقَبْض عَلَيْهِ فِي كائنة جرت بَينه وَبَين عَمه الْأَمِير نعير بِالْقربِ من الرحبة.(5/424)
وَمَات الأديب المادح أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْعَارِف على البديوي فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة بالنحريرية. وَا كثر شعره مدائح نبوية وَله صَلَاح مَشْهُور.(5/425)
فارغه(5/426)
سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة أهل هَذَا الْقرن التَّاسِع وَخَلِيفَة الْوَقْت أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد وَلَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهي وَلَا نُفُوذ كلمة وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة وَاحِد من الْأَعْيَان. وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين - مَكَّة وَالْمَدينَة - الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أَبُو سعيد برقوق بن أنص أول مُلُوك الجركس ونائبه بِدِمَشْق الْأَمِير تنم الحسني ونائبه بحلب الْأَمِير أرغون شاه الخازندار ونائبه بطرابلس الْأَمِير قبغا الجمالي ونائبه بحماة الْأَمِير يُونُس بَلْطَا ونائبه بصفد الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ ونائبه بغزة الْأَمِير طيفور ونائبه بالإسكندرية الْأَمِير صَرْغتمش ونائبه بِمَكَّة المشرفة الشريف حسن بن عجلَان الحسني ونائبه بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة - على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم - الشريف ثَابت بن نعير. والأمير الْكَبِير أتابك العساكر بديار مصر الْأَمِير أيتَمش البجاسي. وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي بهَا تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي ورفقاؤه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي الْحَنَفِيّ(5/427)
وقاضي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَحْمد التنسي الْمَالِكِي وقاضي الْقُضَاة برهَان الدّين إبَراهيم ابْن نصر الله الْحَنْبَلِيّ. وحاجب الْحجاب الْأَمِير فَارس القطلوقجاوي وناظر الْخَاص والجيش مَعًا سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مَحْمُود الكلستاني العجمي والوزير بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوخي. شهر الله الْمحرم أَوله الْجُمُعَة. فِيهِ صرف المثقال الذَّهَب الْمَخْتُوم الهرجة بِأحد وَثَلَاثِينَ درهما وَيصرف فِي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما. وَفِي ثَانِيه: خلع على الْأَمِير زين الدّين مقبل أحد المماليك السُّلْطَانِيَّة وَاسْتقر فِي ولَايَة ثغر أسوان عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم الشهابي وَقد قَتله أَوْلَاد الْكَنْز. وَفِي تاسعه: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وعزل بهاء الدّين مُحَمَّد الْبُرْجِي. وَفِيه نُودي بقلع الزِّينَة فَقلعت. وَفِي عاشره: أحضر بعض مسالمة النَّصَارَى من الْكتاب الأقباط إِلَى بَاب القلعة من قلعة الْجَبَل وَقد ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَعرف فِي إِسْلَامه ببرهان الدّين إِبْرَاهِيم بن بُرَيْنيَّة مُسْتَوْفِي المارستان المنصوري فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام مرَارًا وَرغب فِي الْعود إِلَيْهِ فَلم يقبل وأصر على ردته إِلَى النَّصْرَانِيَّة فَسَأَلَ عَن سَبَب ردته فَلم يبد شَيْئا فَلَمَّا أيس مِنْهُ ضربت رقبته بِحَضْرَة الْأَمِير الطواشي شاهين الحسني أحد خاصكية السُّلْطَان. وَفِي سَابِع عشره: سمر سَبْعَة من المماليك يُقَال لأَحَدهم أقبغا الْفِيل من جملَة مماليك السُّلْطَان وَأحد إخْوَة الْأَمِير أَلِي باي وباقيهم مماليك أَلِي باي. وَفِيه رسم بالإفراج عَن الْأَمِير بكلمس من سجنه بالإسكندرية. فَلَمَّا خرج من سجنه وَتوجه يُرِيد الْقَاهِرَة أدْركهُ مرسوم السُّلْطَان بِأَن يسير إِلَى الْقُدس وَيُقِيم بِهِ بطالاً فَمضى حَيْثُ رسم بِهِ.(5/428)
وَفِيه رسم بِإِعَادَة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن زين الدّين عمر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْمُنعم بن أبي الطّيب الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي إِلَى كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن أَمِين الدّين مُحَمَّد بن الْحِمصِي بعد وَفَاته. وَفِيه رسم بانتقال الْأَمِير سيف الدّين جنتمر التركماني من إمرة الطبلخاناه بِدِمَشْق فِي نِيَابَة حمص عوضا عَن تَمَان بغا الظَّاهِرِيّ بعد وَفَاته. وَفِيه تنكر السُّلْطَان على سودن الحمزاوي الخاصكي وضربه بَين يَدَيْهِ وسجنه بخزانة شمايل عدَّة أَيَّام ثمَّ أخرجه منفياً إِلَى بِلَاد الشَّام. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على عَلَاء الدّين على بن الحريري شاد المارستان وَاسْتقر كشف الْوَجْه البحري عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي إِلَى ولَايَة الغربية كل ذَلِك بِمَال وعد بِهِ. وَفِيه قدم ركب الْحَاج الأول. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحجَّاج وَقد تَأَخّر قدومهم يَوْمَيْنِ عَن الْعَادة. شهر صفر أَوله الْأَحَد. فَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رابعه: وَقع حريق بِخَط بَاب سر الْمدرسَة الصالحية تلف فِيهِ عدَّة دور فَنزل إِلَيْهِ الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تَمُربغا المنجكي الْحَاجِب الْأَمِير أرغون شاه وفيهَا قبض على أينال خَازِن دَار الْأَمِير تاني بك اليحياوي أَمِير أخور وَقد اتهمَ أَنه مِمَّن كَانَ من أعوان أَلِي باي. وفيهَا ابْتَدَأَ وعك بدن السُّلْطَان وَحدث لَهُ إسهال مفرط لزم مِنْهُ الْفراش وَاسْتمرّ وعكه مُدَّة تزيد على عشْرين يَوْمًا. وَفِي تاسعه: قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير بكلمش العلاي أَمِير أخور فِي نَفْيه بالقدس. وَفِي عاشره: رسم السُّلْطَان للْفُقَرَاء بِمَال كَبِير يفرق فيهم فَاجْتمع تَحت القلعة مِنْهُم عَالم كَبِير وازدحموا لأخذ الذَّهَب فَمَاتَ فِي الزحام مِنْهُم سَبْعَة وَخَمْسُونَ شخصا مَا بَين رجل وَامْرَأَة وصغير وكبير. وَفِي ثَانِي عشره: رسم بِجمع أهل الإصطبل السلطاني من الْأَمِير أخورية(5/429)
والسلاخورية وَنَحْوهم فَاجْتمعُوا وَنزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى مَقْعَده بالإصطبل - وَهُوَ موعوك - لعرضهم حَتَّى انْقَضى ذَلِك وصرفهم. ثمَّ قبض على جرباش من جَمَاعَتهمْ وَعرض الْخُيُول وَفرق خيل السباق على الْأُمَرَاء كَمَا هِيَ الْعَادة ثمَّ عرض الْجمال البخاتي. كل ذَلِك تشاغلاً وَالْغَرَض غير ذَلِك. ثمَّ أظهر أَنه قد تَعب واتكأ على الْأَمِير نوروز الحافظي أَمِير أخور وَمَشى فِي الإصطبل مُتكئا عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى الْبَاب الَّذِي يصعد مِنْهُ إِلَى الْقصر أدَار بِيَدِهِ على عنق نوروز فتبادر المماليك إِلَيْهِ يلكموه حَتَّى سقط فَعبر السُّلْطَان الْبَاب وَقد ربط نوروز وسحب حَتَّى سجن عِنْده. وَكَانَ الْقَصْد فِي حَرَكَة السُّلْطَان مَعَ توعكه إِنَّمَا هُوَ أَخذ نوروز فَإِنَّهُ كَانَ يتهمه بممالأة أَلِي باي وَمَعَهُ الْأَمِير أقبغا اللكاش. ثمَّ بلغه أَن نوروز قصد أَن يركب فَمَنعه أَصْحَابه وأشاروا عَلَيْهِ أَن يصبر حَتَّى ينظر فَإِن مَاتَ السُّلْطَان حصل الْقَصْد بِغَيْر تَعب وَإِن حصل لَهُ الشِّفَاء جمع لحربه وَركب وَكَانَ مِمَّن حضر هَذَا المشور مملوكان من الخاصكية قرر نوروز مَعَهُمَا أَنَّهُمَا إِذا كَانَت لَيْلَة نوبتهما فِي الْمبيت عِنْد السُّلْطَان يقتلاه ويرميا الثريا الَّتِي توقد بالمقعد المطل على الإصطبل حَتَّى يَأْخُذ هُوَ حِينَئِذٍ الإصطبل ويركب للحرب فنم هَذَانِ المملوكان عَلَيْهِ وأعلما صاحبا لَهما من المماليك يُقَال لَهُ قاني باي وواعداه أَن يكون مَعَهُمَا فأجابهما. وَحضر إِلَى السُّلْطَان وأعلمه الْخَبَر فَكَانَ مَا ذكر وعندما قبض على نوروز ارتجت الْمَدِينَة وغلقت الْأَسْوَاق وَحسب النَّاس أَنَّهَا فتْنَة فَلم يظْهر شَيْء وَسكن الْحَال وَنُودِيَ بالأمان فَفتح بَاب زويلة وَكَانَ قد أغلق بِغَيْر إِذن الْوَالِي فَضرب البواب بالمقارع وشُهّر من أجل أَنه أغلقه. فَلَمَّا أصبح النَّاس يَوْم السبت رَابِع عشره خلع على الْأَمِير أقبغا اللكاش بنيابة الكرك وَأخرج من سَاعَته وَمَعَهُ الْأَمِير أرُسْطَاي رَأس نوبَة والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تمربغا المنجكي أَمِير حَاجِب موكلين بِهِ إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وأُذن لَهُ فِي الْإِقَامَة بخانكاة سرياقوس عشرَة أَيَّام وَفِي لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشره: أنزل الْأَمِير نوروز من القلعة إِلَى الحراقة وَأخذ النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ الْأَمِير أرنبغا الحافظي أحد أُمَرَاء العشرات موكلاً بِهِ حَتَّى يسجنه بالبرج. وَفِي ثامن عشره: قبض على قوزي الخاصكي وَسلم إِلَى وَالِي الْقَاهِرَة.(5/430)
وَفِي تَاسِع عشره: أنعم على الْأَمِير سيف الدّين تمراز الناصري بإقطاع نوروز الحافظي وعَلى الْأَمِير سودن المارديني بإقطاع اللكاش وعَلى الْأَمِير سيف الدّين أرغون البيدمري الأقبغاوي وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وَاسْتقر الْأَمِير سودن قريب السُّلْطَان أَمِير أخور عوضا عَن نوروز. وَفِي ثَالِث عشرينه: أمْلى بعض المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق بالقلعة على بعض فُقَهَاء الطاق أَسمَاء جمَاعَة المماليك والأمراء أَنهم قد اتَّفقُوا على إِقَامَة فتْنَة فكتبها وَدخل بهَا الْمَمْلُوك على السُّلْطَان فَلَمَّا قُرِئت عَلَيْهِ استدعى الْمَذْكُورين وَأخْبرهمْ بِمَا قيل عَنْهُم فحلوا أوساطهم ورموا سيوفهم وَقَالُوا: يوسطنا السُّلْطَان وَإِلَّا يخبرنا بِمن قَالَ هَذَا عَنَّا. فأحضر الْمَمْلُوك وَسلمهُ إِلَيْهِم - ضربوه نَحْو الْألف فَقَالَ. أَنا اختلقت هَذَا حنقاً من فلَان وسمى شخصا قد خاصمه فأحضر الْفَقِيه الَّذِي كتب الورقة وَضرب بالمقارع وَسمر ثمَّ عُفيَ عَنهُ من الْقَتْل وسجن بخزانة شمايل. وَفِي آخِره: وصل اللكاش إِلَى غَزَّة فقُبض عَلَيْهِ بهَا وأحيط بِسَائِر مَا مَعَه وَحمل إِلَى قلعة وَفِي هَذَا الشَّهْر: ورد الْبَرِيد بِأَن السِّكَّة ضربت فِي ماردين باسم السُّلْطَان وخطب لَهُ بهَا على الْمِنْبَر وحملت الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم باسم السُّلْطَان إِلَيْهِ ففرقها فِي الْأُمَرَاء. شهر وَبيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ. فَفِي ثَانِيه: اسْتَقر القَاضِي أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ فِي قَضَاء الْعَسْكَر عوضا عَن موفق الدّين العجمي بِحكم أَنه نقل إِلَى قَضَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس عوضا عَن خير الدّين بن عِيسَى الْحَنَفِيّ بعد مَوته. وَفِي رابعه: قدم الْبَرِيد بوفاة الْأَمِير سيف الدّين أرغون شاه الإبراهيمي نَائِب حلب وأحضر سَيْفه على الْعَادة. وَفِيه عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَته.(5/431)
وَفِي سادسه: توجه الْأَمِير أرغون شاه أَمِير مجْلِس إِلَى السراحة بِبِلَاد الصَّعِيد على عَادَة من تقدمه. وَفِي حادي عشره: رسم أَن ينْقل الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الجمالي من نِيَابَة طرابلس إِلَى نِيَابَة حلب وَتوجه بتقليده الْأَمِير أينال باي بن قُجماس وَكَانَ قد سَأَلَ فِي ذَلِك على أَن يحمل ألف ألف دِرْهَم فضَّة وَاسْتقر أَيْضا الْأَمِير شرف الدّين يُونُس بَلْطا نَائِب حماة فِي نِيَابَة طرابلس وَتوجه بتقليده الْأَمِير يلبغا الناصري. واستر الْأَمِير دمرداش المحمدي أتابك العساكر بحلب فِي نِيَابَة حماة وَتوجه بتقليده الْأَمِير سيف الدّين شيخ من مَحْمُود شاه رَأس نوبَة. وَاسْتقر الْأَمِير سيف اِلدين سودن الظريف نَائِب الكرك وَسَار من الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْأَمِير تاني بك الكركي متسفراً. وَفِي خَامِس عشره. توجه الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح إِلَى السرحة بالبحيرة وَتوجه إِلَيْهَا أَيْضا الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب. وَفِي سلخه: قبض على الْأَمِير عز الدّين أزْدَمُر أخي أينال وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أينال اليوسفي ونفيا إِلَى الشَّام. شهر ربيع الآخر. أَوله الْأَرْبَعَاء فرسم فِيهِ للأمير صُراي تَمُر شَلَق الناصري رَأس نوبَة أحد الطبلخاناه بديار مصر بإمرة دمرداش بحلب وأُخرج إِلَيْهَا. وَاسْتقر جمال الدّين يوسفي بن أَحْمد بن غَانِم قَاضِي نابلس فِي خطابة الْقُدس عوضا عَن الْعِمَاد الكركي. وَفِي تاسعه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن الزين الْحلَبِي - فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل عَنْهَا الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الصَّفَدِي وألزم بِعشْرين ألف أردب شعير كَانَ قد قبضهَا من الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الكاشف لما كَانَ يَلِي ولَايَة الْعَرَب ليفرقها فِي العربان. وَفِي ثَالِث عشره: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن يتجهز الْحجَّاج الرجبية إِلَى مَكَّة فسر النَّاس ذَلِك. وَكَانَت الرجبية قد بطلت من سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. وَفِي رَابِع عشره: نُودي أَيْضا: من لَهُ ظلامة من لَهُ شكوى فَعَلَيهِ بِالْبَابِ(5/432)
الشريف. وَجلسَ السُّلْطَان على الْعَادة فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت للنَّظَر فِي الْمَظَالِم. وَاسْتقر الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن طَلي وَالِي قليوب عوضا عَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن قرابغَا الألناقي. وَفِي عشرينه: أنعم على إينال بن إينال بِخبْز أَخِيه مُحَمَّد وعَلى كل من سودن من زَاده تغري بردي الجلباني ومنكلي بغا الناصري وبكتمر جَلَق الظَّاهِرِيّ وَأحمد بن عمر الحسني بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من بشباي وتَمُربُغا من باشاه وشاهين من إِسْلَام وجوبان العثماني وجَكَم من عوض بإمرة عشرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: طلع رجل عجمي إِلَى السُّلْطَان - وَهُوَ جَالس للْحكم بَين النَّاس - وَجلسَ بجانبه وَمد يَده إِلَى لحيته فَقبض عَلَيْهَا وسبه سباً قبيحاً فبادر إِلَيْهِ رُؤُوس النوب وأقاموه ومروا بِهِ وَهُوَ مُسْتَمر فِي السب فَسلم إِلَى الْوَالِي فَنزل لجه وضربه أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خلع الْأَمِير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج بن نقُول الأرمني الْأَسْلَمِيّ وَالِي قطا وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الْوَزير الصاحب بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وَكَانَ بَدْء أمره. وَسبب ولَايَته أَن أَبَاهُ كَانَ نَصْرَانِيّا من النَّصَارَى الأرمن الَّذين قدمُوا إِلَى الْقَاهِرَة فأظهر الْإِسْلَام وخدم صيرفياً بِنَاحِيَة منية عقبَة من الجيزة مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى قطا وخدم بهَا صيرفياً. وَمَات هُنَاكَ فاستقو ابْنه عبد الرَّزَّاق هَذَا عوضه وباشر الصّرْف بقطا مُدَّة ثمَّ سمت نَفسه إِلَى أَن اسْتَقر عَاملا بهَا فباشر زَمَانا. وانتقل من عمالة قطا إِلَى وَظِيفَة الِاسْتِيفَاء فوعد بِمَال وَاسْتقر فِي نظر قطا ثمَّ جمع إِلَيْهَا الْولَايَة وَلم يسْبق إِلَى ذَلِك فباشرهما مُدَّة. وَترك زِيّ الْكتاب وَلبس القباء والكلفتاه وَشد السَّيْف فِي وَسطه وَصَارَ يَدعِي بالأمير بَعْدَمَا كَانَ يُقَال لَهُ الْعلم. ثمَّ صَار يُقَال لَهُ القَاضِي وتشدد على النَّاس فِي أَخذ المكوس وَكثر مَاله فوشى بِهِ إِلَى الصاحب بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي فندب إِلَيْهِ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين الْحلَبِي فَسَار إِلَيْهِ وصادره وَضرب ابْنه عبد الْغَنِيّ - وَكَانَ صَغِيرا - بِحَضْرَتِهِ وَأخذ مِنْهُ مَالا جزيلاً يُقَارب الْألف ألف دِرْهَم فحنق من الْوَزير وَكتب إِلَى السُّلْطَان يسْأَل فِي الْحُضُور فَأذن لَهُ وَقدم فأوصله المهتار زين الدّين عبد الرَّحْمَن إِلَى السُّلْطَان فِي خُفْيَة فرافع الْوَزير بِمَا وغر عَلَيْهِ صدر السُّلْطَان وَنزل وَقد رسم لَهُ أَن ينزل عِنْد الْوَزير فَأَقَامَ بداره وتحدث فِي الوزارة مَعَ خَواص السُّلْطَان فثقل مقَامه على الْوَزير وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان فِي سَفَره إِلَى قَطْعِيا فَلم يَأْذَن لَهُ، وَبعث إِلَى ابْنه عبد الْغَنِيّ بخلعة، وَجعله فِي(5/433)
الْولَايَة بقطيا وَقَررهُ فِي الوزارة فَنزل بزِي الْأُمَرَاء وَسلم إِلَيْهِ ابْن الطوخي فأنزله من القلعة وَمَعَهُ شاد الدَّوَاوِين. وَقبض على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الْكَرِيم الدمياطي نَاظر الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ ومصر وناظر الأهراء وعَلى الْمُتَقَدّم زين الدّين صابر وشريكه على البديوي فالتزم الدمياطي للوزير بأربعمائة ألف دِرْهَم وَالْتزم مقدما الدولة بثلاثمائة ألف دِرْهَم وتسلمهم الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر قَطيَنة أستادار الْبيُوت ليخلص ذَلِك مِنْهُم. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْجُمُعَة. فِي رابعه: رسم بإحضار الْأَمِير سيف الدّين يلبغا الأحمدي الْمَجْنُون من ثُغر دمياط فَتوجه لإحضاره سيف الدّين بيغان الخاصكي. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: استدعى الريس فتح الدّين فتح الله بن معتصم بن نَفِيس الدَّاودِيّ - رَئِيس الْأَطِبَّاء - وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن بدر الدّين عَمُود الكلستاني بِحكم وَفَاته. وَفتح الله هَذَا كَانَ جده نَفِيس يَهُودِيّا من أَوْلَاد نَبِي الله دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقدم من الْوَزير فِي أَيَّام الْملك النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون إِلَى الْقَاهِرَة واختص بالأمير شيخو الْعمريّ وَطَلَبه وَصَارَ يركب بغلة بخف ومهماز وَهُوَ على الْيَهُودِيَّة. ثمَّ أَنه أسلم على يَد السُّلْطَان حسن. وَولد فتح الله بتوزير وَقدم على جده فَكَفَلَهُ عَمه بديع بن نَفِيس وَقد مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ طِفْل. وَنَشَأ وعانى الطِّبّ إِلَى أَن وَفِي رئاسة الْأَطِبَّاء بعد موت شَيخنَا عَلَاء الدّين عَليّ بن صَغِير واختص بِالْملكِ الظَّاهِر فولاه كِتَابَة السِّرّ بَعْدَمَا سُئِلَ فِيهَا بقنطار من ذهب فَأَعْرض عَنهُ وَاخْتَارَ فتح الله مَعَ علمه ببعده عَن معرفَة صناعَة الْإِنْشَاء وَقَالَ أَنا أعلّمه فباشر ذَلِك وشكره النَّاس. وَفِي رَابِع عشره: خلع على جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي الْحلَبِي قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة وَاسْتقر فِي تدريس الْمدرسَة الصرغتمشية الْمُجَاورَة للجامع الطولوني عوضا عَن الكلستاني.(5/434)
وَفِيه وجد فِي تَرِكَة الكلستاني من الذَّهَب الْمَخْتُوم مَا زنته مائَة رَطْل وَعشرَة أَرْطَال مصرية سوى الأثاث وَالثيَاب والكتب والخيول وَغير ذَلِك. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مقبل فِي ولَايَة مصر عوضا عَن الْأَمِير علم الدّين سُلَيْمَان الشهرزوري وأضيف إِلَيْهِ ولايتي الصِّنَاعَة والأهراء والقرافتين. وَورد الْبَرِيد بِوُقُوع الْفِتْنَة بَين مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري وَبَين أَصْحَاب عَليّ بن غَرِيب الهواري النازلين بالأشمونين. وَذَلِكَ أَن ابْن عمر أَرَادَ إخراجهم من الْبِلَاد فتحالف أَصْحَاب ابْن غَرِيب الهواري الَّذين بالبحيرة وَغَيرهَا مَعَ فَزَارَة وعرك وَبني مُحَمَّد. وَوَافَقَهُمْ عُثْمَان بن الأحدب وكبسوا بأجمعهم كاشف الْوَجْه القبلي وَقتلُوا عدَّة مماليكه. وَنَجَا بِنَفسِهِ فرسم بتجريد سِتَّة من الْأُمَرَاء المقدمين وهم الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير أرغون شاه أَمِير مجْلِس وتمربُغا المنجكي أَمِير حَاجِب والأمير أرسطاي رَأس نوبَة والأمير بَكتمُر الركني وسودن المارديني ورسم بتجريد عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات. ورسم لكل من المقدمين بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَبِكُل من الطبلخاناه - وهم عشرَة - بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَلكُل من العشرات بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم. فشرعوا فِي التَّجْهِيز إِلَى السّفر فَحَضَرَ إِلَى القلعة فَخر الدّين عُثْمَان بن الأحدب طَائِعا وشكا من ابْن عمر وَأَن العربان توجهوا بعد كسرة الكاشف إِلَى نَاحيَة جرجا وقاتلوا مُحَمَّد بن عمر فكسرهم وردوا مهزومين فَبَطل سفر الْأُمَرَاء. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت الْأَمِير سيف الدّين صرغتمش المحمدي الْقزْوِينِي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت. فِي عاشره: توجه على الْبَرِيد شهَاب الدّين أَحْمد بن خَاص ترك إِلَى دمشق وَاسْتقر جمال الدّين الهذباني فِي نِيَابَة قلعة دمشق عوضا عَن يَلو. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشره: أركب الْوَزير ابْن الطوخي حمارا وَسَار بِهِ الرُّسُل إِلَى القلعة فتمثل بَين يَدي السُّلْطَان وطالبه مشافهة بِالْمَالِ فَأنْكر أَن يكون لَهُ مَال وَحلف بِاللَّه على ذَلِك فَلم يقبل قَوْله. وَسلمهُ إِلَى الْوَزير تَاج الدّين بن أبي الْفرج فأنزله إِلَى دَاره وعصره فتجلد وَلم يعْتَرف بِشَيْء فَأخذ عبدا من عبيده وخوفه وهم بضربه فَدلَّ(5/435)
على شعير وجد فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف دِينَار ونيف ثمَّ وجد فِي مَكَان آخر تَتِمَّة سَبْعَة آلَاف دِينَار وَضرب بعد ذَلِك فَلم يعْتَرف بِشَيْء فَقَامَ فِي أمره القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الجيوش وناظر الْخَاص وتسلمه على أَن يحمل سَبْعمِائة ألف دِرْهَم وَنَقله إِلَى دَاره فشرع فِي بيع أثاثه وايراد المَال. وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير زين الدّين فرج الْحلَبِي أستادار الْأَمْلَاك والذخيرة فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَخرج إِلَيْهَا. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير قلطوبغا وَالِي الشرقية كاشف الْوَجْه البحري وَصرف عَليّ بن الحريري. وخلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين على نَائِب الْوَجْه البحري خلعة اسْتِمْرَار وتدرك الطرانة بثمانمائة ألف دِرْهَم فِي السّنة. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر الطَّبِيب كَمَال الدّين عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر بن صَغِير والطبيب شمس الدّين عبد الْحق بن فَيْرُوز فِي رئاسة الْأَطِبَّاء عوضا عَن فتح الله كاتَب السِّرّ. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر جقمق الصفوي فِي نِيَابَة ملطية عوضا عَن دقماق المحمدي وجهز تَقْلِيده وتشريفه على يَد مقبل أَمِير خازندار على الْبَرِيد. وَفِي رابعه: كتب لنائب قلعة حلب بِأَن يحمل مائَة قرقل وَخمسين بركستوان من خزانَة السِّلَاح بهَا إِلَى نَائِب يأذنه أَحْمد بن رَمَضَان وَحمل لَهُ أَيْضا مبلغ ألفي دِينَار. وَفِي سادسه: رسم لبدر الدّين الْمَقْدِسِي بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن محيي الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن الكشك وتقي الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح بِقَضَاء الْحَنَابِلَة(5/436)
بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد النابلسي. وَاسْتقر الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون على إقطاع الْأَمِير حسام الدّين حسن بن على الكجكي بِحكم وَفَاته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: دَار الْمحمل وبرز الْأَمِير بيسق الشيخي بالريدانية ليَكُون أَمِير الْحَاج الرجبية ورسم لَهُ بعمارة مَا تهدم من الْمَسْجِد الْحَرَام وَخرج مَعَه الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد بن طولوني المهندس وبرز النَّاس شَيْئا بعد شَيْء لِلْحَجِّ. وَفِي حادي عشره: اسْتَقر كَاتبه أَحْمد بن عَليّ المقريزي فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد المخانسي. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر وَصرف تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الزبيرِي وَنزل مَعَه دوادار السُّلْطَان الْأَمِير بيبرس والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير أرسطاي رَأس نوبَة وَفتح الدّين كَاتب السِّرّ إِلَى الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم نر بعده لقاض مثله. وَفِي سادس عشره: ركب الْبَرِيد الْأَمِير مُشْتَرك الخاصكي بتقليد نِيَابَة غَزَّة للأمير ألطنبغا قراقاش. وَفِي تَاسِع عشره: رَحل ركب الْحجَّاج من بركَة الْجب إِلَى مَكَّة. وَفِي ثَانِي عشرينه اسْتَقر الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون فِي وَظِيفَة الأستادارية وَصرف الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البجكاوي وَنزل فِي خدمته نَحْو الْعشْرين أَمِيرا. وَاسْتقر ابْن سنقر أستادار الْأَمْلَاك والأوقاف والذخيرة السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن أَمِير فرج نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة.(5/437)
وَفِي خَامِس عشرينه: كتب إِلَى الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام بِالْقَبْضِ على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على نَائِب صفد والأمير سيف الدّين جُلْبان الكمشبغاوي أتابك دمشق فورد المرسوم على النَّائِب وَهُوَ بالغور فاستدعى نَائِب صفد وَقبض عَلَيْهِمَا وَبعث بسيفهما إِلَى قلعة الْجَبَل على الْعَادة وسجنا بقلعة دمشق. ورسم أَن يسْتَقرّ الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا العثماني حَاجِب الْحَاجِب بِدِمَشْق فِي نِيَابَة صفد فَسَار إِلَيْهَا فِي خَامِس شعْبَان وَنفل الْأَمِير سيف الدّين بَيقجاه الشرفي طيفور نَائِب غَزَّة إِلَى دمشق وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب بهَا وَنفل عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب الكرك لنيابة غَزَّة. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء. فِي خامسه: قرئَ تَقْلِيد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الْمَنَاوِيّ بالظاهرية الجديدة على الْعَادة وَحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والوزير تَاج الدّين والأمير تمربغا المنجكي أَمِير حَاجِب والأمير أينال باي بن قمجاس وقرأه القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي أحد نواب الحكم فَخلع عَلَيْهِ القَاضِي سعد الدّين بن غراب بعد فَرَاغه من الْقِرَاءَة وَكَانَ قد جلس بالقبة وَمَعَهُ الْأَمِير أَبُو بكر أَمِير حَاجِب. وَفِي تاسعه: اسْتَقر كَمَال الدّين عمر بن العديم فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحلب وَتوجه إِلَيْهَا من الْقَاهِرَة وَكَانَ قد قدم إِلَيْهَا بِطَلَب. وخلع على سَائِر الْأُمَرَاء المقدمين أقبية مقترح نخ وَهِي أقبية الشتَاء. وَكَانَ قد بَطل ذَلِك مُنْذُ انْقَطع الرّكُوب فِي الميادين نَحْو خمس عشرَة سنة. وخلع على الْأَمِير يلبغا السالمي أحد العشرات وَاسْتقر فِي نظر خانقاه شيخو عوضا عَن الْأَمِير حَاجِب الْحجاب فَارس لشكوى الصُّوفِيَّة من تَأَخّر معاليهم مُدَّة أشهر. وَاسْتقر الْأَمِير عَليّ بن مُسَافر نَائِب السلطنة بِالْوَجْهِ البحري وخلع عَلَيْهِ عوضا عَن أَمِير عَليّ السيفي. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره: - بِالرُّؤْيَةِ - خسف الْقَمَر جميِعه. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الحريري لولاية قوص عوضا عَن قطليجا بن أوزان وعَلى كزل المحمودي لولاية منوف عوضا عَن عَلَاء(5/438)
الدّين عَليّ بن مُسَافر وَحمل جهاز خَدِيجَة بنت الْأَمِير جهاركس الخليلي على ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ جلا وَعشْرين قطارا بغالاً إِلَى دَار زَوجهَا الْأَمِير بيبرس الدوادار ابْن أُخْت السُّلْطَان وَبني عَلَيْهَا الْجُمُعَة سَابِع عشره. وَكتب لنائب حلب بِأَن يحمل إِلَى عُثْمَان بن طور عَليّ من المَال الْحَاصِل خمسين ألف دِرْهَم فضَّة مَعَ الْأمان المجهز لَهُ وَكتب لنائب صفد أَن يحمل مَوْجُود الْأَمِير أَحْمد بن الشَّيْخ على نَائِب صفد كَانَ. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على القَاضِي أصيل الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الأشليمي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الأخشاي على مَال فَكتب إِلَى دمشق بِأَن يخلفه فِي الخطابة وَالْقَضَاء شهَاب الدّين أَحْمد بن حجي فناب فيهمَا عَنهُ. وَفِي رَابِع عشرينه: ترافع الْأَمِير مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري أَمِير هوارة هُوَ والأمير عُثْمَان بن الأحدب والأمير ألطنبغا وَالِي الْعَرَب نَائِب السلطنة بِالْوَجْهِ القبلي بَين يَدي السُّلْطَان بالإصطبل فَظهر الْحق مَعَ مُحَمَّد بن عمر مْسُلم ألطبغا إِلَى الْوَزير ليصادره وَسلم ابْن الأحدب وَأَوْلَاده إِلَى الْوَالِي فسجنهم بخزانة شمايل وَاسْتقر أَمِير على السيفي نَائِب السلطنة بِالْوَجْهِ القبلي. وَفِي أخريات شعْبَان: رسم للقضاة بِعرْض الشُّهُود الجالسين بالحوانيت للتكسب بِالشَّهَادَةِ فَكتب نقباء الْقُضَاة أَسْمَاءَهُم وَشرع الْقُضَاة فِي عرضهمْ ليختبر حَال كل مِنْهُم وَيبقى من عرف بِحسن السِّيرَة وَيمْنَع من تحمل الشَّهَادَة من جهل حَاله أَو عرف بِسوء فَمنع جمَاعَة ثمَّ أعيدوا بالرسائل وشفاعات الأكابر فَلم يتم الْغَرَض. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس. فِي ثالثه: خلع على الْأَمِير سيف الدّين أوناط اليوسفي وَاسْتقر كاشف الْوَجْه البحري وعزل قطلوبغا الخليلي. وَفِي عاشره: خرج الْبَرِيد لإحضار الشَّيْخ ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون من قريته بالفيوم ليستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة وَكَانَ قد سعى فِي ذَلِك شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني الإسْكَنْدراني بسبعين ألف دِرْهَم فَردهَا السُّلْطَان.(5/439)
وَفِي خَامِس عشره: حضر ابْن خلدون وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن التنسي بعد مَوته فشرع فِي عرض الشُّهُود وأغلق عدَّة حوانيت استجدت بعده. وَهَذِه ولَايَته الثَّانِيَة بعد مَا أَقَامَ معزولاً نَحْو خمس عشرَة سنة. وَفِي سادس عشره: سَافر قَاضِي الْقُضَاة أصيل الدّين إِلَى دمشق على خيل الْبَرِيد بعد مَا وزن وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير ركن الدّين عمر بن عَليّ الكوراني فِي ولَايَة مصر عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم بن مقبل بعد عَزله. وَفِي رَابِع عشرينه: كتب بالإفراج عَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ على من اعتقاله بقلعة دمشق وَأَن يسْتَقرّ فِي الأتابكية بِدِمَشْق عوضا عَن الْأَمِير جلبان. وَفِي سَابِع عشرينه: أخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي من خزانَة شمايل وَسلم إِلَى الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون الأستادار فَاجْتمع لِخُرُوجِهِ من النَّاس عدد لَا يُحْصِيه إِلَّا الله وظنوا أَنه قد أفرج عَنهُ فاشتروا من الزَّعْفَرَان وأوقدوا من الشموع مَا يبلغ مِنْهُ أُلُوف الدَّرَاهِم. فَلَمَّا يئسوا مِنْهُ انقلبوا خائبين وَكَانَ هَذَا من جلة ذنُوبه الَّتِي نقمت عَلَيْهِ. وَفِي ثامن عشرينه: قدم أصيل الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان إِلَى دمشق على الْبَرِيد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ورد الْخَبَر بِأخذ تيمور لنك بِلَاد الْهِنْد وَأَن سباياها أبيعت بخراسان بأبخس الْأَثْمَان وَأَنه توجه من سَمَرْقَنْد إِلَى الْهِنْد فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَاضِيَة. شهر شَوَّال أَوله الْجُمُعَة: صلى السُّلْطَان صَلَاة عيد الْفطر بالميدان على الْعَادة وَصلى بِهِ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وخطب وخلع على الْأُمَرَاء وَسَائِر أَرْبَاب الدولة على الْعَادة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً.(5/440)
وَفِيه ورد الْبَرِيد بِمَوْت رَجَب ابْن الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ فِي سَابِع عشْرين رَمَضَان وَمَوْت أَبِيه الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا من الْغَد فِي ثامن عشرينه بسجن الْإسْكَنْدَريَّة. فابتهج السُّلْطَان لمَوْته وَرَأى أَنه قد تمّ لَهُ أمره فَإِنَّهُ آخر من كَانَ قد بَقِي من الْأُمَرَاء اليلبغاوية. وَأَقْبل النَّاس فِي يَوْم الْعِيد وَمَا بعده على أَنْوَاع من اللَّهْو فِي القرافة والترب خَارج الْقَاهِرَة وبخرطوم الجزيرة الَّذِي انحسر عَنْهَا مَاء النّيل ببولاق فَمر لَهُم فِيهِ مسرات وتفننوا فِي أَنْوَاع اللَّذَّات وكأنما كَانُوا يودعون الْأَمْن والراحات. وَفِي خامسه: قدم الْأَمِير دقماق نَائِب ملطية إِلَى دمشق معزولاً وَتوجه مِنْهَا إِلَى الْقَاهِرَة فِي حادي عشره على الْبَرِيد. وَفِي سادسه: أخرج ابْن الطبلاوي من الْقَاهِرَة منفياً إِلَى الكرك وَمَعَهُ نقيب وَاحِد قد وكل بِهِ فَسَار ذليلاً حَقِيرًا وحيداً فريداً فسبحان مزيل النعم. ومازال سائراً إِلَى أَن وصل بلد الْخَلِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَبَلغهُ موت السُّلْطَان فَتوجه من بلد الْخَلِيل إِلَى الْقُدس فَمر بِهِ الْأَمِير شاهين كتك - يعْنى الأفرم - وَقد توجه إِلَى الكرك بِخَبَر موت السُّلْطَان وسلطنة ابْنه بعده فَسَأَلَهُ أَن يشفع لَهُ فِي الْإِقَامَة بالقدس. فَلَمَّا ورد إِلَى قلعة الْجَبَل سَأَلَ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش فِي ذَلِك فَأَجَابَهُ وَكتب مرسوماً إِلَى ابْن الطبلاوي أَن يُقيم بالقدس فَأَقَامَ وَكَانَ من خَبره مَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خامسه: ابْتَدَأَ مرض السُّلْطَان. وَذَلِكَ أَنه ركب للعب الكرة بالميدان فِي القلعة على الْعَادة. فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قدم إِلَيْهِ عسل نحل ورد من كختا فَأكل مِنْهُ وَمن لحم بلشون وَدخل إِلَى قصوره فعكف على شرب الْخمر فاستحال ذَلِك خلطاً ردياً لزم مِنْهُ الْفراش من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وتنوع مَرضه حَتَّى أيس مِنْهُ لشدَّة الْحمى وَضعف القوى فأرجفت بِمَوْتِهِ فِي يَوْم السبت تاسعه. وَاسْتمرّ أمره يشْتَد إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشره فشنع الأرجاف وغلقت الْأَسْوَاق فَركب الْوَالِي ونادى بالإمعان. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس استدعى الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله أَبَا عبد الله مُحَمَّد وقضاة الْقُضَاة وَسَائِر الْأُمَرَاء - الأكابر والأصاغر - وَجَمِيع أَرْبَاب الدولة إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان(5/441)
فَحَدثهُمْ فِي الْعَهْد لأولاده. فابتدأ الْخَلِيفَة بِالْحلف للأمير فرج ابْن السُّلْطَان أَنه هُوَ السُّلْطَان بعد وَفَاة أَبِيه ثمَّ حلف بعده الْقُضَاة والأمراء. وَتَوَلَّى تحليفهم كَاتب السِّرّ فتح الدّين فتح الله وَكَانَ مُنْذُ نزل بالسلطان مَرضه أَقَامَ عِنْده لَيْلًا وَنَهَارًا لِثِقَتِهِ بِهِ. فَلَمَّا تمّ الْحلف لفرج حلفوا أَن يكون الْقَائِم بعد فرج أَخُوهُ عبد الْعَزِيز وَبعد عبد الْعَزِيز أخوهما إِبْرَاهِيم ثمَّ كتبت وَصِيَّة السُّلْطَان فأوصى لزوجاته وسراريه وخدامه. بِمِائَتي ألف دِينَار وَعشْرين ألف دِينَار وَأَن تعمر لَهُ تربة تَحت الْجَبَل بجوار تربة الْأَمِير يُونُس الدوادار خَارج بَاب النَّصْر بِثَمَانِينَ ألف دِينَار ويشترى بِمَا يفضل عَن الْعِمَارَة عقار ليوقف عَلَيْهَا وَأَن يرفن بهَا فِي لحد تَحت أرجل الْفُقَرَاء الَّذين بحوش الخليلي وهم عَلَاء الدّين عَليّ السيرامي وَأمين الدّين الخلوتي وَعبد الله الجبرتي وَعبد الْكَرِيم الجبرتي وَطَلْحَة وَأَبُو بكر البجائي وَأحمد الزهوري. وَقرر أَن يكون الْأَمِير الْكَبِير أيتمش هُوَ الْقَائِم بعده بتدبير دولة ابْنه فرج. وَجعله وَصِيّا على تركته وَمَعَهُ الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير بيبرس الدوادار والأمير يشبك الخازندار وَفتح الدّين فتح الله كَاتب السِّرّ والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البجكاوي وَسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب والأمير قطلوبغا الكركي والأمير يلبغا السالمي. وَجعل الْخَلِيفَة نَاظرا على الْجَمِيع. فَلَمَّا تقرر ذَلِك انفض الْجَمِيع وَنزل الْأُمَرَاء بأسرهم فِي خدمَة الْأَمِير أيتمش إِلَى منزله. فَوَعَدَهُمْ بِخَير وَأَنه يبطل الْمَظَالِم وَأخذ البراطيل على المناصب والولايات. وَأكْثر السُّلْطَان من الصَّدقَات فَبلغ مَا تصدق بِهِ فِي هَذِه المرضة أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار وَتِسْعمِائَة دِينَار وَسِتَّة وَتِسْعين دِينَارا.(5/442)
وَمَات بعد نصف لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شَوَّال وَقد تجَاوز السِّتين سنة مِنْهَا مُدَّة حكمه بديار مصر مُنْذُ صَار أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير طشتمر العلاي الدوادار إِلَى أَن جلس على تخت السلطة أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. ومنذ تسلطن إِلَى أَن مَاتَ سِتّ عشرَة سنة وَأَرْبَعَة أشهر وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا مِنْهَا سلطته إِلَى أَن خلع سِتّ سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا وسلطته مُنْذُ أُعِيد إِلَى أَن مَاتَ تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر. والفترة بَينهمَا ثَمَانِيَة أشهر وَتِسْعَة أَيَّام وَمُدَّة حكمه أتابكاً وسلطاناً إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا. وَترك ثَلَاثَة أَوْلَاد ذُكُور: الْأَمِير فرج وتسلطن من بعده وَعبد الْعَزِيز وتسلطن أَيْضا: وَإِبْرَاهِيم وَمَات - هُوَ وَعبد الْعَزِيز - فِي حَيَاة أخيهما فرج وسلطته الثَّانِيَة بثغر الْإسْكَنْدَريَّة واتهم فرج بِأَنَّهُ سمهما. وَخلف برقوق ثَلَاث بَنَات تَزَوَّجن من بعده. وَترك من الذَّهَب الْعين ألف ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة ألف دِينَار وَمن الغلال والنقود والأعسال وَالسكر وَالثيَاب وأنواع الفرو مَا قِيمَته ألف ألف وَأَرْبَعمِائَة ألف دِينَار. وَمن الْجمال نَحْو خَمْسَة آلَاف جمل. وَمن الْخَيل نَحْو سَبْعَة آلَاف فرس. وَبَلغت جوامك مماليكه فِي كل شهر نَحْو تِسْعمائَة ألف دِرْهَم فضَّة وعليق خيولهم فِي الشَّهْر ثَلَاثَة عشر ألف أردب شَعِيرًا وعليق الْخَيل الْخَاص وجمال النَّفر وأبقار السواقي فِي كل شهر أحد عشر ألف أردب من الشّجر والفول وَبَلغت عدَّة مماليكه خَمْسَة آلَاف مَمْلُوك. وَكَانَ نَائِبه بديار مصر الْأَمِير سودن الفخري الشيخوني إِلَى أَن مَاتَ فَلم يستنب بعده أحدا. ونوابه بِدِمَشْق الْأَمِير بيدمر الْخَوَارِزْمِيّ وعَشَقتمُر المارديني وألطنبغا الجوباني وطُرْنطاي السيفي وَيْلبغا الناصري وبطا الطولوتمري وسودن الطرنطاي وكُمُشبغا الأشرفي وتاني بك الْمَعْرُوف بتنم الحسني وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة دمشق. ونوابه بحلب يلبغا الناصري وسودن المظفري وكُمُشْبُغا الْحَمَوِيّ وقرا دمرداش الأحمدي وجلبان الكُمُشبغاوي وتغري بردي من يشبغا وأرغون شاه الإبراهيمي وأقْبُغا الجمالي وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة حلب.(5/443)
ونوابه بطرابلس مَأْمُور القلمطاوي وكُمُشبُغا الْحَمَوِيّ وأسندمر السيفي وقرا دمرداش الأحمدي وأينال بن خجا عَليّ وَإيَاس الجرجاوي ودمرداش المحمدي وأرغون شاه الإبراهيمي وأقبغا الجمالي وَيُونُس بُلطا. وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة طرابلس. ونوابه بصفد أُرُكماس السيفي وبُتْخاص السودوني وأرغون شاه الإبراهيمي وأقبغا الجمالي وَأحمد بن الشَّيْخ عَليّ وألطنبغا العثماني وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة صفد. ونوابه بحماة صَنجَق الحسني وسودن المظفري وسودن العلاي وسودن العثماني وناصر الدّين مُحَمَّد بن مبارك بن المهمندار ومأمور القلمطاوي ودمرداش المحمدي وأقبغا السلطاني الصُّغَيَّر وَيُونُس بلطا ثمَّ دمرداش المحمدي وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة حماة. ونوابه بالكرك طغاي تمر القبلاوي ومأمور القلمطاوي وقديد القلمطاوي وَيُونُس القَشْتَمُري وَأحمد بن الشَّيْخ عَليّ وبتخاص السودوني وَمُحَمّد بن مبارك المهمندار وألطبغا الْحَاجِب وسودن الظريف الشمسي وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة الكرك. ونوابه بغزة قُطْلُوُبغا الصفوي وأقبغا الصُغَيَّر ويلبغا القَشْتَمُري وألطنبغا العثماني وبيقجاه الشرفي طيفور وألطنبغا الْحَاجِب وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ على نِيَابَة غَزَّة. وأستاداريته بديار مصر بَهادُر ومحمود بن علس وقرقماس الطشتمري وَعمر بن مُحَمَّد بن قايماز وقطلو بك العلاي ويَلْبغُا الأحمدي الْمَجْنُون وَمُحَمّد بن سنقر البجكاوي ثمَّ يَلْبغُا الْمَجْنُون ثَانِيًا وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ أستادار. وقضاته الشَّافِعِيَّة بديار مصر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَبدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وناصر الدّين مُحَمَّد بن المليق وعماد الدّين أَحْمد الكركي وَصدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وتقي الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي ثمَّ الْمَنَاوِيّ ثَالِث مرّة وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته صدر الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور الدِّمَشْقِي وشمس الدّين مُحَمَّد الطرابلسي ومجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وجمال الدّين مَحْمُود القيصري وجمال الدّين يُوسُف الملص وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته الْمَالِكِيَّة جمال الدّين عبد الرَّحْمَن بن خير السكندري ثمَّ ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون وشمس الدّين مُحَمَّد الركراكي المغربي وشهاب الدّين أَحْمد النحريري وناصر الدّين مُحَمَّد بن التنسي ثمَّ ابْن خلدون ثَانِيًا وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته الْحَنَابِلَة نَاصِر الدّين الْعَسْقَلَانِي ثمَّ ابْنه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. وقضاته الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق ولي الدّين عبد الله(5/444)
بن أبي الْبَقَاء وبرهان الدّين إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة وَشرف الدّين مَسْعُود وشمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي وشهاب الدّين الزُّهْرِيّ وعلاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء وشهاب الدّين أَحْمد الباعوني وشمس الدّين مُحَمَّد الأخناي وأصيل الدّين مُحَمَّد وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ قَاض. ووزراؤه بديار مصر علم الدّين عبد الْوَهَّاب سنّ إبرة وشمس الدّين إِبْرَاهِيم كَاتب أرلان وَعلم الدّين عبد الْوَهَّاب أبن كَاتب سَيِّدي وكريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الغنام وموفق الدّين أَبُو الْفرج وَسعد الدّين نصر الله بن البقري وناصر الدّين مُحَمَّد بن الحسام وركن الدّين عمر بن قايماز وتاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي شَاكر وناصر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب ومبارك شاه وَبدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وتاج الدّين عبد الرَّزَّاق وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ وَزِير. وَكتاب سره بدر الدّين مُحَمَّد بن فضل الله وأوحد الدّين عبد الْوَاحِد بن ياسين وعلاء الدّين عَليّ الكركي وَبدر الدّين مَحْمُود الكستاني وَفتح الدّين فتح الله وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ كَاتب السِّرّ. ونظار الْجَيْش تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن بن محب الدّين وموفق الدّين أَبُو الفرخ وجمال الدّين مَحْمُود القيصري وكريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الْعَزِيز وَشرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَمَات السُّلْطَان وَهُوَ نَاظر الْجَيْش وناظر الْخَاص أَيْضا. ونظار الْخَاص سعد الدّين نصر الله بن البقري وموفق الدّين أَبُو الْفرج الْوَزير وَسعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين مُوسَى كَاتب السَّعْدِيّ وَسعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْجَيْش وماتَ السُّلْطَان وَهُوَ نَاظر الْخَاص والجيش. وَكَانَ برقوق جركسي الْجِنْس قدم إِلَى مصر مَعَ خواجا عُثْمَان فَاشْتَرَاهُ الْأَمِير يلبغا وحماه برقوق بعد أَن كَانَ اسْمه من بِلَاد القرم سودن وَأعْتقهُ. فَلَمَّا قتل يلبغا وسجن بالكرك مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ فَسَار إِلَى دمشق وخدم عِنْد نائبها الْأَمِير منجك ثمَّ استدعي إِلَى مصر واستخدم عِنْد الْأَمِير عَليّ بن الْأَشْرَف إِلَى أَن قتل الْأَشْرَف. وَكَانَت أَيَّام الْأَمِير أينَبَك اسْتَقر من جملَة أُمَرَاء الطبلخاناه ثمَّ ركب فِي أخواته وَملك بَاب السلسة وَصَارَ أَمِير أخور وَأقَام بالإصطبل السلطاني. ثمَّ صَار أَمِيرا كَبِيرا وترقى حَتَّى ملك تخت مصر وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر ثمَّ خلع وَنفي إِلَى الكرك فسجن بهَا ثُم أخرجه عوام الكرك وَسَار إِلَى دمشق وَجمع النَّاس وَعَاد إِلَى مصر فَملك التخت ثَانِيًا. وَقد تقدم جَمِيع ذَلِك فِي تواريخه.(5/445)
وَكَانَ ملكا حازماً شهماً صَارِمًا شجاعاً مقدما فطناً لَهُ خبْرَة بالأمور ومهابة عَظِيمَة ورأي جيد ومكر شَدِيد وطمع زَائِد. وَكَانَ يحب الاستكثار من المماليك وَيقدم الجراكسة على الأتراك وَالروم ويشره فِي جمع المَال بِحَيْثُ لم يشْبع مِنْهُ ويرغب فِي اقتناء الْخُيُول وَالْجمال وَكَانَ كثير التؤدة لَا يكَاد يَجْعَل فِي شَيْء من أُمُوره بل يتروى فِي الشَّيْء المدد الطَّوِيلَة ويتصدى للْأَحْكَام بِنَفسِهِ ويباشر أَحْوَال المملكة كلهَا ويجل أهل الْخَيْر وَمن ينْسب إِلَى الصّلاح. وَكَانَ يقوم للفقهاء والصلحاء إِذا دخل أحد مِنْهُم عَلَيْهِ وَلم يكن يعْهَد ذَلِك من مُلُوك مصر قبله. وتنكر للفقهاء فِي سلطنته الثَّانِيَة من أجل أَنهم أفتوا بقتْله فَلم يتْرك إكرامهم قطّ مَعَ شدَّة حنقه عَلَيْهِم. وَكَانَ كثير الصَّدقَات وقف نَاحيَة بهبيت من الجيزة على سَحَابَة تسير مَعَ الركب إِلَى مَكَّة فِي كل عَام وَمَعَهَا جمال تحمل المشاة من الْحَاج وَيصرف لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من المَاء والزاد ذَهَابًا وإياباً. ووقف أَرضًا على قُبُور أخوة يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام - بالقرافة. وَكَانَ يذبح دَائِما. طول أَيَّام إمارته وسلطنته فِي كل يَوْم من أَيَّام شهر رَمَضَان خَمْسَة وَعشْرين بقرة يتَصَدَّق بهَا بعد مَا تطبخ وَمَعَهَا آلَاف من أرغفة الْخبز النقي على أهل الْجَوَامِع والمشاهد والخوانك والربط وَأهل السجون لكل إِنْسَان رَطْل لحم مطبوخ وَثَلَاثَة أرغفة من نقي الْبر سوى مَا كَانَ يفرق فِي الزوايا من لحم الضَّأْن فَيعْطى فِي كل يَوْم لكل زَاوِيَة خَمْسُونَ رطلا وعدة أرغفة خبز وَفِيهِمْ من يعْطى أَكثر من ذَلِك بِحَسب حَالهم وَيفرق كل سنة على نَحْو عشْرين زَاوِيَة لكل زَاوِيَة ألف دِرْهَم فضَّة وَيفرق كل سنة فِي أهل الْعلم وَالصَّلَاح مِائَتَيْنِ ألف دِرْهَم الْوَاحِد إِلَى مائَة دِينَار ذَهَبا. وَمِنْهُم من لَهُ أقل من ذَلِك بِحَسب حَاله وَيفرق فِي فُقَرَاء القرافتين لكل فَقير من دينارين إِلَى أَكثر وَأَقل وَيفرق فِي الخوانك وَغَيرهَا كل سنة مَالا كثيرا. وَكَانَ يفرق فِي كل سنة ثَمَانِيَة آلَاف أردب قمحاً على أهل الْخَيْر وأرباب السّتْر. وَيبْعَث فِي كل سنة إِلَى الْحجاز ثَلَاثَة آلَاف أردب قمحاً تفرق بالحرمين. وَفرق فِي مُدَّة الغلاء كل يَوْم أَرْبَعِينَ أردباً مِنْهَا ثَمَانِيَة آلَاف رغيف فَلم يمت فِيهِ أحد بِالْجُوعِ فَمَا علمنَا. وَكَانَ يبْعَث كل قَلِيل بجملة من الذَّهَب تفرق فِي الْفُقَرَاء وَالْفُقَهَاء حَتَّى أَنه تصدق مرّة بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ذَهَبا على يَد الطواشي صندل المنجكي. وأبطل عدَّة مكوس مِنْهَا مَا كَانَ يُؤْخَذ من أهل شُورَى وبلطيم من البرلس شبه الجمالية وَهُوَ فِي كل سنة مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم وأبطل مَا كَانَ يُؤْخَذ على الْقَمْح(5/446)
بثغر دمياط غماً يبتاعه الْفُقَرَاء وَغَيرهم من أردبين إِلَى مَا دون ذَلِك. وأبطل مكس معمل الفراريج بالنحريرية وَمَا مَعهَا من الغربية وأبطل مكس الْملح بِعَين تَابَ من عمل حلب ومكس الدَّقِيق بالبيرة. وأبطل من طرابلس مَا كَانَ مقرراً على قُضَاة الْبر وولاة الْأَعْمَال عِنْد قدوم النَّائِب وَهُوَ مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم على كل مِنْهُم أَو بغلة بدل تِلْكَ. وأبطل مَا كَانَ يقدم لمن يسرح إِلَى العباسة خَارج الْقَاهِرَة فِي كل سنة من الْخَيل وَالْجمال وَالْغنم. وأبطل مَا كَانَ يُؤْخَذ على الدريس والحلفاء بِبَاب النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة. وأبطل ضَمَان المغاني بِمَدِينَة الكرك والشوبك وبمدينة بني خصيب وأعمال الأشمونين وزفتا ومنية غمر من أَعمال مصر. وأبطل رمي الأبقار - بعد الْفَرَاغ من عمل الجسور بأراضي مصر - على البطالين بِالْوَجْهِ البحري. وَأَنْشَأَ بالقاهر مدرسة لم يعمر مثلهَا بِالْقَاهِرَةِ ورتب بهَا صوفية بعد الْعَصْر كل يَوْم وَجعل بهَا سَبْعَة دروس لأهل الْعلم أَرْبَعَة يلقى بهَا الْفِقْه على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة ودرس تَفْسِير الْقُرْآن ودرس الحَدِيث النَّبَوِيّ ودرس للقراءات وأجرى على الْجَمِيع فِي كل يَوْم الْخبز النقي وَلحم الضَّأْن الْمَطْبُوخ. وَفِي كل شهر الْحَلْوَى وَالزَّيْت والصابون وَالدَّرَاهِم ووقف على ذَلِك الْأَوْقَاف الجليلة من الْأَرَاضِي والدور وَنَحْوهمَا. وَعمر جِسْرًا على نهر الْأُرْدُن بالغور فِي طَرِيق دمشق طوله مائَة وَعِشْرُونَ ذارعاً فِي عرض عشْرين ذِرَاعا. وجدد خَزَائِن السِّلَاح بثغر الْإسْكَنْدَريَّة وسرر دمنهور بالبحيرة. وَعمر الْجبَال الشرقية بالفيوم وزريبة البرزخ بدمياط وقناة العروب بالقدس وَأَنْشَأَ بِهِ أَيْضا بركَة كَبِيرَة. وَعمر بركَة أُخْرَى بِرَأْس وَادي بني سَالم فِي طَرِيق الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة يردهَا الْحَاج. ورم الْقَنَاة الَّتِي تحمل مَاء النّيل إِلَى قلعة الْجَبَل حَتَّى صلحت بعد مَا أعيت من تقدمه من الْمُلُوك. وجدد عمَارَة الميدان تَحت قلعة الْجَبَل بعد مَا خرب وسقاه(5/447)
وَزرع بِهِ القُرْط وغرس فِيهِ النّخل وَعمر صهريجاً ومكتباً يقْرَأ فِيهِ الْأَيْتَام الْقُرْآن الْكَرِيم بقلعة الْجَبَل وَجعل عَلَيْهِ وَقفا دَارا وَعمر بهَا أَيْضا طاحوناً. وَعمر أَيْضا سَبِيلا تجاه بَاب الضِّيَافَة تَحت قلعة الْجَبَل. وخطب على مَنَابِر توزير عِنْدَمَا أَخذهَا قرا مُحَمَّد وَضرب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فِيهَا باسمه وبعثها إِلَى حَضرته بقلعة الْجَبَل. وخطب لَهُ على مَنَابِر الْموصل وعَلى مَنَابِر ماردين ومنابر سنجار وَأخذت عساكره دوركى وأرزنكان من أَرض الرّوم. ورثاه عدَّة من الشُّعَرَاء رَحمَه الله تَعَالَى. السُّلْطَان زين الدّين أَبُو السعادات السُّلْطَان الْملك النَّاصِر زين الدّين أَبُو السعادات فرج بن الْملك الظَّاهِر سيف الدّين أبي سعيد برقوق بن الْأَمِير الْكَبِير سيف الدّين آنص الجركسي ثَانِي مُلُوك الجراكسة بِمصْر جلس على تخت الْملك بقلعة الْجَبَل صَبِيحَة موت أَبِيه يَوْم الْجُمُعَة النّصْف من شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة. وَذَلِكَ أَنه اجْتمع بالقلعة الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَسَائِر الْأُمَرَاء وأرباب الدولة واستدعى الْخَلِيفَة وقضاة الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام البلقينِي وَمن عَادَته الْحُضُور. فَلَمَّا تكاملوا بالإصطبل السلطاني أحضر فرج بن الْملك الظَّاهِر برقوق وخطب الْخَلِيفَة(5/448)
وَبَايَعَهُ بالسلطة وقلده أُمُور الْمُسلمين فَقبل تَقْلِيده. وأحضرت خلعة سَوْدَاء أفيضت على فرج ونعت بِالْملكِ النَّاصِر. وَمضى حَتَّى جلس على التخت بِالْقصرِ وَقبل الْأُمَرَاء كلهم لَهُ الأَرْض على الْعَادة وألبس الْخَلِيفَة التشريف. وَأخذ بعد ذَلِك فِي جهاز الْملك الظَّاهِر فغُسل وكفُن وصَفي عَلَيْهِ بالقلعة قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وحُمل نعشه على الْأَعْنَاق من قلعة الْجَبَل إِلَى التربة قبل صَلَاة الْجُمُعَة وَسَائِر الْأُمَرَاء والعساكر والأعيان والرعايا مشَاة يضجون ويصرخون حَتَّى وري تَحت التُّرَاب تَحت أَقْدَام الْفُقَرَاء حَيْثُ أوصى. وَلم يعْهَد قبله أحد من الْمُلُوك دفن نَهَارا بديار مصر. فَلَمَّا انْقَضى أَمر دَفنه عَاد الْأُمَرَاء وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر بالترحم على الْملك الظَّاهِر وَالدُّعَاء للْملك النَّاصِر وتطمين النَّاس وأمنهم. وخطب يَوْمئِذٍ على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر للناصر وَكثر الأسف على فقد الظَّاهِر وَضربت خيمة على قَبره وَقَرَأَ الْقُرَّاء الْقُرْآن على قَبره وَكَانَ النَّاس يظنون قيام فتْنَة عَظِيمَة لمَوْته. فَلم يَتَحَرَّك سَاكن فِي هَذَا الْيَوْم. وَأنْشد الأديب الْمُقْرِئ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن الأوحدي فِي ذَلِك: وَقَالُوا ستأتي شدَّة بعد مَوته فأكذبهم رَبِّي وَمَا جَاءَ سوى فرج وَفِي هَذَا الْيَوْم. بشر بِزِيَادَة مَاء النّيل وَأَن القاع أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف. وَفِيه أَرَادَ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش أَن يتَحَوَّل من دَاره إِلَى الحراقة بالإصطبل السلطاني. فَمنع من ذَلِك الْأَمِير سودون أَمِير أخور ورد مَا حضر من قماش الْأَمِير أيتمش فاستدعى إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان فَامْتنعَ.(5/449)
(وَفِي رَابِع عشره)
كتب إِلَى مَكَّة كتاب بالعزاء والهناء وان تَقْلِيد الشريف حسن بن عجلَان يصل صُحْبَة أَمِير الْحَاج وَكتب إِلَى الْأَمِير بيسق بذلك وَإِلَى أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أَيْضا. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: اجْتمع أيتمش والأمراء بالقلعة لتقرير أَحْوَال الدولة فَكتب بالعزاء والهناء إِلَى مملكة الشَّام وَغَيرهَا. وَكتب إِلَى الْأَمِير نعير بن حيار بإمرة آل فضل على عَادَته. وعزل الْأَمِير شمس الدّين مُحَمَّد بن عنقاء بن مهنا وَعرف بِمَوْت الظَّاهِر وَقيام الْملك النَّاصِر وحُمل إِلَيْهِ التشريف على يَد الْأَمِير أسنبغا الدوادار. وجهز سودون الطيار أَمِير أخور بالكتب إِلَى دمشق وَمَعَهُ تشريف وتقليد ونسخة يَمِين وَسِتَّة أروس خيل. وجهز الْأَمِير يلبغا الناصري إِلَى حلب بِمثل ذَلِك والأمير تغري بردي قرا إِلَى طرابلس بِمثل ذَلِك والأمير أرتبغا الحافظي إِلَى حماة وَمَعَهُ خَمْسَة أروس من الْخَيل والأمير بشباي إِلَى صفد والأمير شاهين كتك الأفرم إِلَى الكرك وعَلى يَد كل مِنْهُم كتاب يتَضَمَّن العزاء بِالظَّاهِرِ والهناء بالناصر. وَأَن يحلف نَائِب السلطة والأمراء على الْعَادة فَسَارُوا على خيل الْبَرِيد. وَقرر الْأَمِير أيتمش مَعَ الْأُمَرَاء إبْقَاء الْأُمُور على مَا هِيَ عَلَيْهِ وأكد على الْوَزير تَاج(5/450)
الدّين عبد الرَّزَّاق والأمير يلبغا الأستادار فِي الْكَفّ عَن ظلم الرّعية وتجهيز الْقسْط والجامكية والعليق برسم المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي ثامن عشره: خرج الْمحمل إِلَى الْحَج صُحْبَة الْأَمِير شيخ المحمودي وَجعل أَمِير الْمحمل. وَقدم أَمِير الركب الأول الْأَمِير الطواشي سيف الدّين بهادر مقدم المماليك. وَفِيه اجْتمع الْأُمَرَاء بالقلعة على عَادَتهم للْخدمَة وَتَأَخر الْأَمِير سودون أَمِير أخور عَن الْحُضُور فَبعث الْأُمَرَاء إِلَيْهِ ليحضر فَامْتنعَ فكرروا الْإِرْسَال إِلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات إِلَى أَن حضر فكلموه فِي النُّزُول من الإصطبل فَلم يجبهم إِلَى ذَلِك فتخيلوا مِنْهُ واتهموه أَنه يُرِيد إثارة فتْنَة فقبضوا عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير عَليّ بن أينال وأخرجوا مَا كَانَ لَهُ بالإصطبل من خُيُول وقماش وَنَحْو ذَلِك. وَسكن الْأَمِير أيتمش مَكَانَهُ وَأنزل بسودون وَابْن إينال مقيدين إِلَى الحراقة وجهزا إِلَى وَفِي الْعشْرين مِنْهُ نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر بِخُرُوج طَائِفَة الْعَجم من مصر وهدد من تَأَخّر بعد ثَلَاثَة أَيَّام بِالْقَتْلِ فَلم يخرج مِنْهُم أحد وَسكت عَن ذَلِك. مِمَّا بلغ الْأُمَرَاء عَن الخاصكية أَنهم قد اتَّفقُوا على الْقَبْض عَلَيْهِم عِنْد طلوعهم إِلَى الْخدمَة بالقلعة فَكثر خوفهم. وخُلع على الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي الخازندار وَاسْتقر لالا السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير قطلوبغا الكركي لالا أَيْضا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل على عَادَة الْمُلُوك وخلع على الْأَمِير أيتمش وعَلى الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير بيبرس الدوادار والأمير أرغون شاه أَمِير مجْلِس والأمير أرسطاي رَأس نوبَة والأمير يلبغا إستادار والوزير تَاج الدّين والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر والأمير فَارس حَاجِب الْحجاب والأمير تمربغا المنجكي أَمِير حَاجِب وَمد السماط على الْعَادة. وَدخل السُّلْطَان من دَار الْعدْل إِلَى الْقصر. وَجلسَ الْقُضَاة بِجَامِع القلعة حَتَّى يخلع عَلَيْهِم وعَلى بَقِيَّة أَرْبَاب الدولة. فعندما تَكَامل الْأُمَرَاء بِالْقصرِ أغلق الخاصكية بَاب الْقصر وَكَانَ رَأْسهمْ يومئذْ سودون طاز وسودون بن زَاده وأقباي رَأس نوبَة وجهاركس المصارع. ثمَّ سلوا سيوفهم وهجموا على الْأُمَرَاء وقبضوا على أرسطاي وتمراز الناصري وتمربغا المنجكي وطغنجى وبلاط السَّعْدِيّ وطولو رَأس نوبَة وَفَارِس(5/451)
الْحَاجِب. وفر مبارك شاه وطبج فأدركا وَقبض عَلَيْهِمَا. وَبلغ ذَلِك يلبغا أستادار - وَكَانَ خَارج الْقصر - فَخلع خلعته وسل سَيْفه وَنزل من القلعة إِلَى دَاره. وأحضر الخاصكية الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى عِنْد الْأَمِير أيتمش - وَقد بهت وأسكت - فقيدوا أرسطاي رَأس نوبَة وتمراز وتمربغا المنجكي وطغنجي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وطولو وبلاط من الطبلخاناه أَيْضا. وأطلقوا من عداهم. واستدعي يلبغا أستادار فَلَمَّا حضر قبض عَلَيْهِ وَقيد. وَأنزل بالأمراء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم إِلَى الحراقة فأحضروا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي لَيْلَة السبت ثَالِث عشرينه ارسطاي وتمراز وطولو. وأحضروا إِلَى دمياط تمربغا المنجكي وبلاط السَّعْدِيّ وطغنجى الأشرفي. وعصروا الْأَمِير يلبغا ليحضر المَال وأسلموه إِلَى القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب ليحاسبه فَنزل بِهِ إِلَى دَاره. وسألوا يلبغا السالمي بوظيفة الأستادارية فَامْتنعَ فعرضوها على ابْن سنقر وَابْن قطينة فَلم يوافقا فَخلع على الْأَمِير زين الدّين مبارك شاه واستَقر أستاداراً عوضا عَن يلبغا الْمَجْنُون فِي ثَالِث عشرينه. وَفِيه أَمر بِالنَّفَقَةِ على المماليك فَتَوَلّى الْإِنْفَاق عَلَيْهِم يلبغا السالمي وَأعْطى بِحَضْرَة السُّلْطَان كل مَمْلُوك من أَرْبَاب الخدم الجوانية سِتِّينَ دِينَارا صرف كل دِينَار ثَلَاثِينَ درهما وكل وَاحِد من أَرْبَاب الأشغال البرانية خَمْسمِائَة دِرْهَم. وَنُودِيَ أَن يكون سعر الدِّينَار ثَلَاثِينَ درهما فَإِن النَّاس كَانُوا قد توقفوا فِي الذَّهَب بعد موت السُّلْطَان وانحط من ثَلَاثِينَ إِلَى ثَلَاثَة وَعشْرين درهما الدِّينَار فشق ذَلِك على النَّاس وخافوا الخسارة لما كَانُوا يَظُنُّونَهُ من انحطاط سعر الذَّهَب فجَاء الْأَمر بِخِلَاف(5/452)
مَا فِي ظنونهم. وَلم يزل يرفع حَتَّى بلغ مَا لم يكن فِي بَال أحد قطّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرينه: تَأَخّر سَائِر الْأُمَرَاء الألوف عَن حُضُور الْخدمَة بالقلعة خوفًا من الخاصكية فَإِن الْأُمُور صَارَت معذوقة بهم فَبعث الخاصكية إِلَى الْأُمَرَاء بالحضور فَأَبَوا من ذَلِك. فَنزل حينئذٍ الخاصكية إِلَى الإصطبل فِي خدمَة الْأَمِير أيتمش واستدعوا الْأُمَرَاء من مَنَازِلهمْ فَحَضَرُوا وَكثر الْكَلَام بَينهم إِلَى أَن اتَّفقُوا جَمِيعًا وتحالفوا على الائتلاف وَطَاعَة الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَالْملك النَّاصِر. وَحلف لَهُم أيتمش أَيْضا ثمَّ حلفوا سَائِر المماليك والخدام وَتَوَلَّى ذَلِك يلبغا السالمي وَقَامَ أَيْضا فِي أَمر المرتجع من إقطاعات الْأُمَرَاء حَتَّى تقرر أَن يكون المرتجع من الْأَمِير الْمُقدم خمسين ألف دِرْهَم وَمن الطبلخاناه عشْرين ألف دِرْهَم. وَمن أَمِير عشْرين عشرَة أُلَّاف وَمن أَمِير عشرَة خَمْسَة آلَاف وَمن أَمِير خَمْسَة أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وَكتب بذلك مرسوم سلطاني خلد فِي الدَّوَاوِين. وَفِيه خلع على الْأَمِير قطلوبغا الحسني الكركي شاد الشرابخاناه عوضا عَن سودون المارديني مُضَافا لما بِيَدِهِ. وأنعم على الْأَمِير قراكسك بتقدمة ألف. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه: خلع على الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن مبارك شاه بِحكم استعفائه فباشر الوظيفتين. وَفِيه كتب مرسوم باستمرار الْأَمِير قرا يُوسُف فِي نِيَابَة الرها على عَادَته. وباستمرار الْأَمِير دمشقَ خجا فِي نِيَابَة جعبر على عَادَته. وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه: هرب الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين وَالِي الْقَاهِرَة فَخلع على شرف الدّين عِيسَى فلَان الشَّامي عوضه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَقبض على ابْن الزين وَسلم إِلَيْهِ. وكادت الْعَامَّة أَن تقتله لبغضهم فِيهِ فَضرب بالمقارع ضربا مبرحاً عِنْد فلَان وألزم بِحمْل أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن بايزيد بن عُثْمَان ملك الرّوم تحرّك للمشي على بِلَاد الشَّام وَأَن تمرلنك الْقَائِم بِبِلَاد الْعَجم أَخذ ممالك الْهِنْد. وَفِي ثامن عشرينه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام أَخذ قلعة دمشق وَذَلِكَ إِنَّه(5/453)
كَانَ بالمرج من غوطة دمشق فَلم يشْعر النَّاس بِهِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء - الْعشْرين مِنْهُ - حَتَّى حضر إِلَى دَار السَّعَادَة ثلث اللَّيْل. فَلَمَّا أصبح استدعى الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الهذباني نَائِب القلعة بِحجَّة أَن الْملك الظَّاهِر طلبه فعندما نزل إِلَيْهِ قبض عَلَيْهِ وَبعث من تسلم القلعة فَكثر كَلَام النَّاس إِلَى أَن أذن الظّهْر وصل فَارس دوادار تنم من مصر وَأخْبر بِمَوْت الْملك الظَّاهِر وَإِقَامَة ابْنه النَّاصِر وتحكم الْأَمِير أيتمش وَأَن سودون الطيار قادم بالخلعة والتقليد. فَخرج الْأَمِير تنم إِلَى لِقَائِه وَلبس الخلعة خَارج الْمَدِينَة. وَاجْتمعَ الْقُضَاة والأعيان بدار السَّعَادَة. وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَأَجَابُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَنُودِيَ فِي الْبَلَد بالأمان والزينة فزينت الْأَسْوَاق ودقت الكوسات وسر النَّاس بذلك. وَأخذ الْأَمِير تنم يُصَرح بِأَن السُّلْطَان صَغِير وكل مَا يصدر لَيْسَ هُوَ عَنهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَن الْأُمَرَاء وَأَنا وصّى السُّلْطَان لَا يعْمل شَيْء إِلَّا بمراجعتي وَنَحْو هَذَا. فترقب النَّاس بِدِمَشْق وُقُوع الْفِتْنَة وَبلغ هَذَا نَائِب حمص فَأخذ القلعة وَأخذ أَيْضا نَائِب حماة قلعتها. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: ركب طغيتمر - مقدم البريدية - الْبَرِيد وَمَعَهُ ملطفات لأمراء الورسق والأمراء الأوجقية وَمُطلق لنواب المماليك والقلاع وَمِثَال لِأَحْمَد بن رَمَضَان نَائِب أذنة ولأمراء التركمان ولنائب حلب ونائب سيس وصحبته أقبية مطرزة بِفَرْوٍ وَخمْس عشرَة قِطْعَة وفوقانيات حَرِير بأطرزة زركش أَربع وَعِشْرُونَ قِطْعَة وتشاريف عدَّة كَثِيرَة. وَفِي ثالثه: فرغ تَحْلِيف المماليك.(5/454)
وَفِيه أنعم على الْأَمِير سيف الدّين أينال باي بتقدمة ألف وخبز أرسطاي. وعَلى سودون من عَليّ بك - الْمَعْرُوف بطاز - بتقدمة تمراز وعَلى يلبغا الناصري بتقدمة سودون أَمِير أخور وعَلى أقباي بن حُسَيْن شاه بتقدمة تمربغا المنجكي. وأنعم على الْأَمِير شرف الدّين يَعْقُوب شاه بطبلخاناه زِيَادَة على طبلخاناته فَصَارَت تقدمة ألف بِثَمَانِينَ فَارِسًا وأنعم على كل من قرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي وأقباي الأينالي بإمرة طبلخاناه وعَلى الْأَمِير جرباش الشيخي بإقطاع يلبغا الْمَجْنُون بِخَمْسِينَ فَارِسًا وعَلى أقبغا المحمدي بطبلخاناه وعَلى كل من تمر الساقي وجركس المصارع وأينال حطب وكمشبغا الجمالي وألطنبغا الخليلي وكزل البشمقدار وقاني باي العلاي وجكا من عوض وصوماي الحسني بإمرة عشرَة. وَفِي خامسه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة وَسَائِر أَرْبَاب الدولة على الْعَادة. وَفِي سابعه: خلع على سودون المارديني وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِيرا عوضا عَن أرسطاي وعَلى يَعْقُوب شاه وَاسْتقر حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن تمربغا المنجكي وعَلى كل من سودون بن زَاده وتنكز بغا الحططي وخاير بك من حُسَيْن شاه وبشباي وجكم وأقيغا المحمدي الْأَشْقَر واستقروا رُؤُوس نوب. وَفِي ثامنه: نُودي على النصب بِأَن يكون صرف الدِّينَار الإفرنتي بِثمَانِيَة وَعشْرين درهما والهرجة بِثَلَاثِينَ درهما وَكَانَ قد انحط سعره فشق ذَلِك على النَّاس وتغيب الصيارفة وتوقفت أَحْوَال النَّاس. وَفِي تاسعه: خلع على قرابغا الأسنبغاوي وسمذ المحمدي ومقبل وَعمِلُوا حِجَابا فَصَارَت الْحجاب سِتَّة. وخلع على تمان تمر الأشقتمري بنيابة قلعة دمشق ثمَّ بَطل أمره. وَحضر الْأَمِير سيف الدّين دقماق نَائِب ملطية بتقادم كَثِيرَة. وخلع على برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ التادلي وأعيد إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبُرْهَان القفصي. وَفِي ثَانِي عشره: - خلع على جرباش الشيخي وتمان تمر واستَقرا من رُؤُوس النوب. وخلع على كزل المحمدي البشمقدار - الْمَعْرُوف بالعجمي الأجرود - وَاسْتقر أستادار الصُّحْبَة عوضا عَن قرابغا الأسنبغاوي وعَلى سعد الدّين أبي الْفرج بن تَاج الدّين(5/455)
مُوسَى بن كَاتب السَّعْدِيّ وَاسْتقر نَاظر الإصطبلات السُّلْطَانِيَّة. وعَلى كل من الطواشيين شاهين السَّعْدِيّ الأْشرفي وَعبد اللَّطِيف الشرفي وصارا لالا السُّلْطَان. وعَلى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن كلفت وَاسْتقر نقيب الْجَيْش وعَلى عَلَاء الدّين على بن قرط بِولَايَة أطفيح. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الشَّيْخ جلال الدّين أَحْمد - وَيُقَال لَهُ إِسْلَام - بن نظام الدّين إِسْحَاق الْأَصْفَهَانِي. وأعيد إِلَى مشيخة الشُّيُوخ بخانقاه سرياقوس عوضا عَن الشريف فَخر الدّين بعد وَفَاته. وَنُودِيَ أَن يكون صوف الدِّينَار الْمَخْتُوم بِثَلَاثِينَ درهما والإفرنتي بِثمَانِيَة وَعشْرين درهما. وَكَانَ بعد موت السُّلْطَان قد انحط المثقال من اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسَة وَعشْرين وَالدِّينَار الإفرنتي من ثَلَاثِينَ وَنصف إِلَى عشْرين درهما. وَفِي خَامِس عشره: أخرج الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي سَابِع عشره: خُلع عَليّ وَكتب إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة. وعَلى زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن الكويز بنظو الدولة عوضا عَن شمس الدّين عبد الله الهيصم. واستدعى شيخ الْإِسْلَام والقضاة وأعيان الْفُقَهَاء إِلَى حَضْرَة الْأَمِير الْكَبِير أيتمش بالحراقة من الإصطبل. وَقد حضر الْأُمَرَاء والخاصكية بِسَبَب الْأَمْوَال الَّتِي خلفهَا الْملك الظَّاهِر: هَل تقسم بَين ورثته أَو تكون لبيت مَال الْمُسلمين فَوَقع كَلَام محير آخِره أَن يفرق فِي ورثته مِنْهُ السُّدس وَمَا بَقِي فلبيت المَال. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرغون شاه البيدمري أَمِير مجْلِس فِي نظر الشيخونية عوضا عَن يلبغا السالمي وخلع عَلَيْهِ فِي تَاسِع عشره وخلع على جاني بك اليحياوي بنيابة قلعة دمشق وَتوجه إِلَيْهَا. وَفِيه قدم فَخر الدّين ماجد بن غراب نَاظر الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير سودون الطيار واستَقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير سودون قريب السُّلْطَان.(5/456)
وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر الْمَعْرُوف بِابْن قطينة الحسني وَاسْتقر وزيراً عوضا عَن تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق وَالِي قطيا وَسلم إِلَيْهِ ليعاقبه وخلع فِيهِ أَيْضا على الْأَمِير يلبغا السالمي وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن الْوَزير تَاج الدّين. وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي الطبرادار بِولَايَة المنوفية وعزل كزل المحمدي. وعَلى علم الدّين سُلَيْمَان بن يُوسُف الشهرزوري الْكرْدِي وَاسْتقر فِي ولَايَة مصر على عَادَته عوضا عَن ركن الدّين عمر بن مَمْدُود بن الكوراني. وَفِي سادس عشرينه: وصل يلبغا الناصري من حلب وأسنبغا من عِنْد نعير وأخبرا باجتماع الْكَلِمَة على الْملك النَّاصِر. وَتوجه أسندمر الخاصكي على خيل الْبَرِيد لإحضار عَلَاء الدّين عَليّ بن الطبلاوي من الْقُدس فورد فِي عدَّة الْبَرِيد بِأَن نَائِب الشَّام استدعاه إِلَى دمشق وَأَنه سَار إِلَيْهِ. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر تَاج الدّين عبد الله بن سعد الدّين نصر الله بن البقري فِي نظر الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن فَخر الدّين ماجد بن غراب. وَفِي تَاسِع عشرينه: أُعِيد نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ إِلَى حسبَة مصر. وعزل شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي الإسْكَنْدراني. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فَفِي أَوله: اسْتَقر بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَحْمد العينتابي الْحَنَفِيّ فِي حسبَة الْقَاهِرَة، العوضي.(5/457)
وَفِي رابعه: صرف ابْن قطينة من الوزارة باستعفائه فَخلع عَلَيْهِ ورد إِلَيْهِ التحدث فِي أَمر الكارم كَمَا كَانَ قبل الوزارة. وخلع على فَخر الدّين بن غراب خلعة الوزارة فَصَارَ إِلَيْهِ وَالِي أَخِيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم أَمر الدولة. وَفِيه فرق السُّلْطَان الْأَضَاحِي بالدودار من القلعة على الْعَادة فِي كل سنة. وخلع على القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَحضر على الْبَرِيد جاني بك اليحياوي نَائِب قلعة دمشق وَمَعَهُ نُسْخَة يَمِين الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام بإقامته على الطَّاعَة وَأَنه يُرِيد من الْأُمَرَاء الْحلف أَلا يُغيرُوا عَلَيْهِ وَلَا يؤذوه فَحلف الْأَمِير أيتمش بِحَضْرَة الْقُضَاة وَحلف لَهُ أَيْضا جَمِيع الْأُمَرَاء وَعَاد جاني بك بنسخ الْأَيْمَان على الْبَرِيد. وَفِي سابعه: وَهُوَ سادس عشر مسري سنة ألف وست عشرَة من تَارِيخ القبط أوفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب وَخلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي ثَالِث عشره: ورد الْخَبَر بِأَن ابْن عُثْمَان ملك الرّوم أَخذ الأبلستين وعزم أَن يمشي على الْبِلَاد الشامية فَطلب الْأُمَرَاء والقضاة وأرباب الدولة إِلَى الْقصر السلطاني فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتب تَتَضَمَّن أَن ابْن عُثْمَان ملك الرّوم بعث أَخَاهُ عليا بالعساكر وَأَنه أَخذ ملطة والأبلستين وفر مِنْهُ صَدَقَة بن سولي فتسلمها فِي ثامن عشْرين ذِي الْقعدَة وَأَنه محاصر درندة فَوَقع الِاتِّفَاق على الْمسير إِلَى قِتَاله وَتَفَرَّقُوا فَأنْكر المماليك السُّلْطَانِيَّة صِحَة ذَلِك وَقَالُوا هَذَا حِيلَة علينا حَتَّى نخرج من الْقَاهِرَة فَقَط وعينوا سودون الطيار أَمِير أخور لكشف هَذَا الْخَبَر. وَفِيه أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي إِلَى قَضَاء دمشق وعزل أصيل الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الأشليمي فَكَانَت ولَايَته نَحْو مائَة يَوْم. وَفِي ثامن عشره: قدم أسندمر وَأخْبر أَن ابْن الطبلاوي ترك لبس الْأُمَرَاء وتزيا بزِي الْفُقَرَاء وجاور بِجَامِع بني أُميَّة واستجار بالمصحف العثماني وَامْتنع من الْحُضُور إِلَى(5/458)
مصر وَأَن نَائِب الشَّام قَالَ: هَذَا رجل فَقير وَقد قنع بالفقر اتركوه فِي حَاله فَتَركه. وَفِيه سَار سودون الطيار على خيل الْبَرِيد لكشف الْأَخْبَار فَدخل دمشق فِي الْعشْرين مِنْهُ. وَأخرج مرسوم السُّلْطَان بتجهيز عَسَاكِر الشَّام إِلَى بِلَاد ابْن عُثْمَان فَنُوديَ فِي الْبَلَد بذلك وَتوجه إِلَى حلب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أبطل السالمي تَعْرِيف منية بنى خصيب وَضَمان الْعَرَصَة وأخصاص الغسالين وَكتب بذلك مرسوماً سلطانياً بعثة إِلَى الأشمونين نُودي بِإِبْطَال ذَلِك فِي سواحل الْبِلَاد وَفِي منية بني خصيب وَنقش على بَاب جَامعهَا فبطلت هَذِه الْمَظَالِم. وأبطل أَيْضا وفر الشون السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ فِي كل سنة آلافاً من الأرادب وأبطل الْمُقَرّر على البردار وَهُوَ فِي كل شهر سَبْعَة آلَاف دِرْهَم والمقرر على مقدم الْمُسْتَخْرج وَهُوَ ثَلَاثَة آلَاف درهما فِي كل شهر. وأبطل مَا كَانَت السماسرة فِي الغلال تَأْخُذهُ من المبتاعين وَهُوَ عَن كل أردب دِرْهَمَيْنِ. وَكتب عَلَيْهِم أَلا يَأْخُذُوا عَن كل أردب سوى نصف دِرْهَم. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر قطلوبغا التركماني الخليلي فِي ولَايَة الشرقية على عَادَته. وعزل أرغون وَاسْتقر صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود وَالِي أشموم طناح. وعزل قطلوبغا الجنتمري. وَأما نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ لما استولى على قلعة دمشق وصل إِلَيْهِ فِي سادس عشر ذِي الْقعدَة شخص ادّعى أَنه فداوى بَعثه الْأَمِير أيتمش ليَقْتُلهُ وأحضر سكيناً بدار السَّعَادَة فوصله بِمَال وَصَرفه فَتحدث النَّاس أَن هَذِه مكيدة ومقدمة لإِظْهَار الْخلاف وَأخذ النَّائِب يسب أيتمش فِي مَجْلِسه. وَيظْهر الْخلاف عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم الْأَمِير جاني بك اليحياوي دمشق على نِيَابَة القلعة لما يُمكنهُ مِنْهَا ورده وَمَعَهُ سونج بغا - أحد مماليكه - ليحلف الْأُمَرَاء فَحَلفا الْأُمَرَاء وعادا إِلَيْهِ فِي نصف ذِي الْحجَّة ومعهما تشريف فلبسه(5/459)
إِلَى دَار السَّعَادَة ونزعه عَنهُ وَألبسهُ الَّذِي قدم بِهِ عَلَيْهِ. ودافع جاني بك عَن القلعة وَأعَاد مَمْلُوكه سونج بغا إِلَى مصر. وَبعث إِلَى قلعة الصبيبة فأفرج عَن أقبغا اللكاش وألجى بغا الْحَاجِب وخضر الكريمي واستدعاهم إِلَى دمشق فقدموا عَلَيْهِ فِي ثَانِي عشْرين ذِي الْحجَّة وأنزلهم بدار السَّعَادَة. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد بن عِيسَى بن مُوسَى بن عِيسَى بن سليم بن جميل الْأَزْرَقِيّ العامري الكركي الشَّافِعِي بالقدس فِي سادس عشْرين ربيع الأول. وَمَات أَمِير حَاج بن مغلطاي أحد الْأُمَرَاء ونائب الْإسْكَنْدَريَّة بدمياط فِي ربيع الأول. وَمَات أرغون شاه الإبراهيمي نَائِب حلب بهَا فِي صفر لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ فَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة جدا لِأَنَّهُ كَانَ أظهر من الْعدْل بحلب أمرا كَبِيرا. اتّفق أَنهم اكتروا لديوانه جمالاً لنقل الْملح فَأخذت سَرِيَّة من الْعَرَب الْجمال فأحضر أَرْبَابهَا وَجعل بعلي من حلف قيمَة جمله الَّتِي يحلف عَلَيْهِ. وَهَذَا غَرِيب فِي زَمَاننَا وَقيل إِنَّه مَاتَ مسموماً. كَانَ أَولا خازنداراً ثمَّ ولي نِيَابَة صفد ثمَّ طرابلس ثمَّ حلب. وَمَات بكلمش العلاي أَمِير سلَاح وأمير مجْلِس بالقدس فِي صفر. وَمَات تمان بغا الحسني نَائِب حمص. وَمَات الشَّيْخ الْمُقْرِئ المعتقد خَلِيل بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْجَلِيل وَيعرف بِابْن المشبب فِي سادس عشْرين ربيع الأول. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْحَنَفِيّ فِي لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشْرين ربيع الآخر. وَكَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة درس فِي عدَّة فنون وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ.(5/460)
وَمات الأديب عَلَاء الدّين عَليّ بن أيبك الدِّمَشْقِي بهَا فِي ثَانِي عشْرين ربيع الأول. وَمَات الْعَارِف شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ عرف بِابْن نجم الصُّوفِي بِمَكَّة فِي صفر وَقد جاور عدَّة سِنِين بِمَكَّة. وَمَات الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه زَكَرِيَّا بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَاكِم وَهُوَ مخلوع فِي رَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير شيخ الصفوي بقلعة المرقب مسجوناً. وَمَات الطواشي صندل المنجكي فِي ثَالِث رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير صرغتمش المحمدي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ بسجن الْإسْكَنْدَريَّة فِي ثامن عشْرين رَمَضَان. وَمَات الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن المظفر حاجي بن النَّاصِر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور قلاوون. وَهُوَ وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن التنسي الْمَالِكِي وَهُوَ قَاضِي أول شهر رَمَضَان. وَمَات بدر الدّين مَحْمُود بن عبد الله الكُلُسْتاني السراي كَاتب السِّرّ وَهُوَ متول فِي عَاشر جُمَادَى الأولى.(5/461)
وَمَات الْأَمِير قديد أحد الْأُمَرَاء ونائب الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ منفي فِي رَابِع ربيع الآخر بالقدس. وَمَات أَحْمد بن عبد الله الزهوري فِي أول صفر وَكَانَ شَيخا عجمياً ذَاهِب الْعقل للسُّلْطَان فِيهِ اعْتِقَاد كَبِير. وَمَات الْأَمِير أزدمر دوادار السُّلْطَان وَهُوَ أَمِير.(5/462)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ خَامِس توت: والأردب الْقَمْح بِأَرْبَعِينَ درهما وَالشعِير بِخَمْسَة وَعشْرين درهما والفول بسبعة وَعشْرين وَالدِّينَار الْمصْرِيّ بِثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الإفرنتي بِخَمْسَة وَعشْرين درهما. وَفِي ثَانِيه: اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الطنبدي فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْبَدْر مَحْمُود الْعين تابي. وَاسْتقر الْأَمِير حَاج بن أيدمر وَإِلَى البهنسا وَصرف حيواط السيفي. وَفِي سادسه: اسْتَقر الشريف الْأَمِير عَلَاء الدّين على الْبَغْدَادِيّ وَإِلَى دمياط فِي وَظِيفَة شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن حسن بن خَاص بك الْمَعْرُوف بِابْن خَاص ترك البريدي وَكَانَ الْملك الظَّاهِر بَعثه إِلَى بِلَاد الشَّام لتَحْصِيل الْأَمْوَال والأغنام. فَلَمَّا مَاتَ الْملك الظَّاهِر عوقه الْأَمِير تنم نَائِب دمشق. وَكَانَ قد جمع كثيرا من الأغنام وَالْأَمْوَال. وَفِي سابعه: قبض على أَمِير حَاج بن بيدمر وسجن. وَذَلِكَ أَنه كَانَ يَلِي الفيوم أَيَّام الْأَمِير منطاش فحبس عِنْده الْأَمِير تمرباي الحسني حَاجِب الْحجاب والأمير قرابغا الْعمريّ أَمِير مجْلِس والأمير أردبغا العثماني والأمير يُونُس الأسعردي والأمير طغاي تمر الجركتمري والأمير قازان المنجكي والأمير تنكز العثماني والأمير عِيسَى التركماني فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير صراي دوادار الْأَمِير منطاش بِقَتْلِهِم فِي السجْن فألقي عَلَيْهِم حَائِطا قَتلهمْ واحضر قَاضِي الفيوم وَكتب محضراً بِأَنَّهُم مَاتُوا تَحت الرَّدْم. فَلَمَّا انقضي تحكم منطاش وَعَاد الظَّاهِر برقوق هرب من الْخَوْف مُدَّة حَيَاة(6/3)
الظَّاهِر. فَلَمَّا مَاتَ الظَّاهِر برقوق تعلق بِخِدْمَة الْأَمِير تغري بردى أَمِير سلَاح حَتَّى اسْتَقر بِشَفَاعَتِهِ فِي ولَايَة البهنسا كَمَا تقدم. وَكَانَت ابْنة الْأَمِير تمرباي الحسني تَحت تغري بردى فعرفها مماليك أَبِيهَا بِأَنَّهُ قَاتل أَبِيهَا فَمَا زَالَت بزوجها حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسجنه بخزانة شمايل وَاسْتقر عوضه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد الضاني. وَفِي ثامنه: أحضر الْأَمِير يلبغا السالمي أوناط اليوسفي كاشف الْوَجْه البحري. وضربه عريا بالمقارع والعصي مَعًا من أجل أَنه أخرق بِرَسُولِهِ. وَاسْتقر عوضه عَلَاء الدّين على بن طرنطاي فِي تاسعه. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر جمال الدّين يُوسُف بن قطلوبك - صهر ابْن المزوق - فِي ولَايَة الغربية. وَصرف عَلَاء الدّين على الْحلَبِي. وَفِي سَابِع عشره: أطلق الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام من سجن الصبيبة الْأَمِير ألجبغا والأمير خضر. وَقدم دمشق وَأطلق الْأَمِير آقبغا اللكاش أَيْضا. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر عَلَاء الدّين ألطنبغا وَإِلَى الْعَرَب نَائِب الْوَجْه القبلي وَصرف عَلَاء وَورد الْخَبَر بنزول ابْن عُثْمَان على ملطية ومحاصرتها وَبهَا الْأَمِير جمق من الظَّاهِرِيَّة. وَأَن العشير بِبِلَاد الشَّام كَانَت بَينهم فتن وحروب قتل فِيهَا آلَاف. وَكَانَ من خبر أبي يزِيد بن عُثْمَان أَن القَاضِي برهَان الدّين صَاحب سيواس لما قتل كتب أهل سيواس إِلَى ابْن عُثْمَان يستدعوه فَسَار إِلَيْهِم من فوره على عَسْكَر كَبِير وملكها وَأقَام عَلَيْهَا ابْنه سلمَان ثمَّ مُضِيّ إِلَى أرزنجان ففر مِنْهُ طهر ابْن حاكمها إِلَى تيمورلنك فَأخذ ابْن عُثْمَان مَاله وأفحش فِي حريمه بتمكين سواسه مِنْهُنَّ وَعَاد إِلَى مَمْلَكَته. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر القَاضِي نور الدّين عَليّ بن الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن الملقن فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل مُضَافا لمن بهَا. وَفِي عشرينه: اسْتَقر الْمُقدم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مقدم الدولة وَصرف الْحَاج زين الدّين عمر بن صابر ورفيقه عَليّ البديوي وَقبض عَلَيْهِمَا.(6/4)
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه: ركب الْملك النَّاصِر من قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش وَسَائِر الْأُمَرَاء إِلَى تربة أَبِيه وشق الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر إِلَى بَاب زويلة وَصعد القلعة. وَهَذِه أول ركباته بعد السلطنة. وَفِيه دخل الْمحمل والحاج وَشَكوا من الْمَشَقَّة بِشدَّة الْحر وَمَوْت الْجمال وَأَن الشريف حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة شكا إِلَى الْأَمِير شيخ المحمودي أَمِير الْحَاج من الْأَمِير بيسق أَمِير الرجبية والمتحدث فِي عمَارَة الْحرم. وَأَن العبيد هموا غير مرّة بقتْله لثقله عَلَيْهِم فاستدعاه واصلح بَينه وَبينهمْ وَأقَام بِمَكَّة ليتم عمَارَة الْحرم وَأَن الْأَمِير شيخ لما وصل إِلَى يَنْبع وَهُوَ عَائِد نَادِي فِي الْحَاج من كَانَ فَقِيرا فليحضر إِلَى خيمة الْأَمِير يَأْخُذ عشرَة دَرَاهِم وقميصاً فَاجْتمع عِنْده عدَّة من الْفُقَرَاء فَقبض عَلَيْهِم وسلمهم إِلَى أَمِير يَنْبع وَأمره أَن ينزلهم فِي مراكب بالبحر ليسيروا إِلَى الطّور ورحل بالحاج من فوره فَتَأَخر الْفُقَرَاء بينبع. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرينه: أفرج الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام عَن الْأَمِير جلبان من سجنه بقلعة دمشق. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر عَلَاء الدّين أقبغا الزيني المزوق فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية وَصرف طيبغا الزيني من ولَايَة الفيوم. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: وَفِيه خلع على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد الهذباني الْكرْدِي الطبردار لولاية المنوفية وعزل اقبغا البشتكي. وَفِيه ركب الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام فِي موكب جليل بِدِمَشْق وَركب مَعَه الأميران جلبان وأقبغا اللكالش. وَفِيه كتب الْأَمِير تنم إِلَى النواب يَدعُوهُم إِلَى مُوَافَقَته فَلم يجبهُ نَائِب حلب وَلَا نَائِب حماة. وَفِي ثالثه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد الطرخاني وَالِي مصر وَصرف علم الدّين سُلَيْمَان الشهرزوري. وَفِي سادسه: اسْتَقر بهاء الدّين أرسلان وَالِي الْعَرَب الْمَعْزُول من ولَايَة الْقَاهِرَة فِي نِيَابَة الْوَجْه البحري.(6/5)
وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن مُسَافر. وقبص على الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وعَلى ابْنه سُلَيْمَان وسلما إِلَى الشريف شاد الدَّوَاوِين فضربهما وعصر الْوَزير على مائَة ألف دِرْهَم تَأَخَّرت للأمير الْكَبِير أيتمش فِي أَيَّام مُبَاشَرَته من ثمن اللَّحْم الْمُرَتّب لَهُ على الدولة فأوردا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا وضمنهما شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني والمهتار عبد الرَّحْمَن فِي مبلغ سَبْعَة عشر ألفا وَأَفْرج عَنْهُمَا فهربا وغرما ذَلِك من مَالهمَا. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين طيبغا الزيني فِي ولَايَة الفيوم على عَادَته وعزل أقبغا المزوق. وَفِيه قبض الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن خَاص ترك شاد الدَّوَاوِين وَأخذ جَمِيع مَا جمعه من الأغنام وَالْأَمْوَال وفوض أَمر أستادارية الشَّام إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين الطبلاوي. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي إِلَى حسبَة مصر وَصرف نور الدّين على الْبكْرِيّ. وَفِي خَامِس عشرينه: أحضرت جثة الْأَمِير كمشبغا الْحَمَوِيّ من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى تربته خَارج بَاب المحروق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحركت الأسعار بِالْقَاهِرَةِ. وَذَلِكَ أَن الظَّاهِر لما مَاتَ كَانَ أَعلَى سعر: الْقَمْح كل إِرْدَب بِخَمْسَة وَعشْرين مِمَّا دونهَا وَالشعِير كل أردب من خَمْسَة عشر درهما إِلَى مَا دون ذَلِك فَأصْبح فِي يَوْم السبت التَّالِي لدفن الْملك الظَّاهِر كل إِرْدَب من الْقَمْح بِأَرْبَعِينَ درهما من غير سَبَب. ودام ذَلِك حَتَّى بلغت زِيَادَة النّيل فِي نصف الْمحرم من هَذَا الْعَام - وَهُوَ سَابِع عشر توت - ثَمَانِيَة أَصَابِع من تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَهَبَطَ عقيب ذَلِك أَصَابِع. فَلَمَّا انقضي شهر توت انحط المَاء وتزايد السّعر من أَرْبَعِينَ درهما الإردب الْقَمْح حَتَّى بلغ سِتِّينَ درهما. وَبلغ الأردب من الشّعير والفول إِلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ بعد خَمْسَة وَعشْرين والحملة من الدَّقِيق - وَهِي زنة ثَلَاثمِائَة رَطْل بالمصري - مائَة دِرْهَم وَالْخبْز أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم. وارتفع سعر غَالب المأكولات.(6/6)
وَفِي آخِره أبيع الرَّغِيف بِثمن دِرْهَم زنته سبع أواقي. وَفِيه أَيْضا: تزايد الِاخْتِلَاف بَين الْأُمَرَاء والخاصكية وَكثر نفور الخاصكية من الْأَمِير أيتمش وظنوا بِهِ وبالأمراء أَنهم قد مالوا إِلَى نَائِب الشَّام. وَاتَّفَقُوا مَعَه على إفناء المماليك بِالْقَتْلِ وَالنَّفْي فتخيل الْأُمَرَاء مِنْهُم واشتدت الوحشة بَين الطَّائِفَتَيْنِ. وَتعين من الخاصكية سودون طاز وسودون بن زَاده وجركس المصارع ووافقوا الْأَمِير يشبك فصاروا فِي عصبَة قَوِيَّة وشوكة شَدِيدَة وَشرع كل من الْأُمَرَاء والخاصكية فِي التَّدْبِير وَالْعَمَل على الآخر. وَأما أَمر الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ لما عَاد إِلَيْهِ مَمْلُوك سونج بغا من مصر فِي ثَالِث عشر الْمحرم وَمَعَهُ مرسوم شرِيف بتفويض أُمُور الْبِلَاد الشامية إِلَيْهِ وَأَن يُطلق من شَاءَ من الْأُمَرَاء المحبوسين. أطلق الْأَمِير جلبان من قلعة دمشق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرينه وَأطلق الْأَمِير أزدمر أَخا أينال وَمُحَمّد بن أينال من طرابلس واحضرهما إِلَى دمشق. وَبعث إِلَى نواب الْبِلَاد يَدعُوهُم إِلَى الْقيام مَعَه فَأَجَابَهُ يُونُس الرماح نَائِب طرابلس وألطبغا العثماني نَائِب صفد وأقبغا الأطروش نَائِب حلب. وَامْتنع من إجَابَته الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حماة. وَبعث تنم إِلَى نَائِب طرابلس أَن يُجهز شينيا إِلَى ثغر دمياط ليحمل فِيهِ الْأَمِير نوروز الحافظي وَغَيره من الْأُمَرَاء المسجونين. فبادر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بهادر المؤمني فتسلم برج الْأَمِير الْكَبِير أيتمش بطرابلس وَركب الْبَحْر إِلَى دمياط وَقدم إِلَى قلعة الْجَبَل وَأخْبر بذلك. فَكتب على يَده عدَّة كتب ملطفات إِلَى الْأَمِير قرمش حَاجِب طرابلس وَغَيره من الْقُضَاة والأعيان بِأَن قرمش الْحَاجِب يثب على يُونُس الرماح نَائِب طرابلس ويقتله ويلي مَكَانَهُ فَسَار بذلك. وَاتفقَ أَن يُونُس الرماح قبض على قرمش الْحَاجِب وَقَتله قبل وُصُول ابْن بهادر. واستدعي نَائِب الشَّام بالأمير عَلَاء الدّين على بن الطبلاوي وأقامه متحدثاً فِي أُمُور الدولة كَمَا كَانَ بديار مصر وَسلم إِلَيْهِ شهَاب الدّين أَحْمد بن خَاص ترك شاد الدَّوَاوِين فِي ثامن صفر هَذَا فَأخذ مِنْهُ مَا جمعه من الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة. ثمَّ إِنَّه حلف الْأُمَرَاء فِي ثَانِي عشره على أَن يَكُونُوا مَعَه وتأهب للمسير إِلَى حلب وَأخذ ابْن الطبلاوي فِي طلب أَرْبَاب الْأَمْوَال بِدِمَشْق وَطرح عَلَيْهِم السكر الْحَاصِل من الأغوار فضر النَّاس كلهم بِحَيْثُ أَنه طرح ذَلِك على الْفُقَهَاء ونقباء الْقُضَاة وَأهل الغوطة. فَتَنَكَّرت الْقُلُوب على النَّائِب بِهَذَا السَّبَب وَكثر الدُّعَاء عَلَيْهِ. وَأظْهر الْأَمِير جنتمر نَائِب حمص الْخلاف على تنم.(6/7)
وَقدم الْبَرِيد من حلب إِلَى قلعه الْجَبَل فِي حادي عشرينه أَن نَائِب حلب ونائب حماة ونائب حمص باقون على الطَّاعَة وان تنم نَائِب دمشق خرج عَن الطَّاعَة وَأطلق من السجْن الْأَمِير جلبان والأمير أقبغا اللكاش والأمير أَحْمد بن يلبغا والأمير أزدمر أَخا إينال والجبغا الجمالي وخضر الكريمي فتحقق أهل الدولة حِينَئِذٍ صِحَة مَا كَانَ يشاع من عصيان تنم وَصرح الخاصكية بِأَن الْأَمِير أيتمش قد وَافقه على ذَلِك فِي الْبَاطِن وتحرزوا مِنْهُ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشرينه: كسفت الشَّمْس قبل الْعَصْر. شهر ربيع الأول أَوله السبت: فِيهِ وَجه الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام عسكرا إِلَى غَزَّة مَعَ الْأَمِير آقبغا اللكاش. وَفِي ثالثه: أخرج عسكرا إِلَى حلب مَعَ الْأَمِير جلبان. وَفِيه قبض على بتخاص وسجن بقلعة دمشق. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادسه: استدعي الْملك النَّاصِر فرج بالأمير الْكَبِير أيتمش إِلَى الْقصر وَقَالَ لَهُ: يَا عَم أَنا قد أدْركْت وَأُرِيد أَن أترشد. وَكَانَ هَذَا قد بَيته مَعَه الْأَمِير يشبك والأمير سودون طاز فِيمَن مَعَهُمَا من الخاصكية ليستبد السُّلْطَان وَيحصل لَهُم الْغَرَض فِي أيتمش والأمراء وَيمْتَنع أيتمش من تصرف السُّلْطَان فينفتح لَهُم بَاب إِلَى الْقِتَال ومحاربة أيتمش والأمراء. فَأجَاب أيتمش السُّلْطَان بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَاتفقَ مَعَ الْأُمَرَاء والخاصكية على ترشيد السُّلْطَان وَأَن يمتثل سَائِر مَا يرسم بِهِ. واستدعي فِي الْحَال الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام سراج الدّين البُلْقِينِيّ وقضاة الْقُضَاة وقضاة العساكر ومفتو دَار الْعدْل وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وَغَيره مِمَّن عَادَته حُضُور الْمجَالِس السُّلْطَانِيَّة. وادعي القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب نَاظر الْجَيْش وَالْخَاص على الْأَمِير أيتمش بِأَن السُّلْطَان قد بلغ راشداً. وَأشْهد عدَّة من الْأُمَرَاء الخاصكية بذلك فَحكم الْقُضَاة برشد السُّلْطَان وخلع على الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام وقضاة الْقُضَاة وَمن حضر من بَقِيَّة الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وعَلى الْأَمِير أيتمش. وَنزل أيتمش إِلَى دَاره الَّتِي كَانَ يسكنهَا فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَنقل سَائِر مَا كَانَ لَهُ بالإصطبل السلطاني وللحال دقَّتْ البشائر وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر بالزينة وَالدُّعَاء للسُّلْطَان فزينتا.(6/8)
وَفِي هَذَا الْيَوْم: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على عَادَة أَبِيه وَحضر مَعَه الْأُمَرَاء والقضاة وَمن عَادَته الْحُضُور. وَفِيه خرج الْأَمِير تنم نَائِب دمشق مِنْهَا إِلَى نَحْو حلب. وَعمل نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير أزدمر أَخا أينال. وافترق من يَوْمئِذٍ الْعَسْكَر فريقان فرقة مَعَ أيتمش وَفرْقَة مَعَ يشبك. وَانْقطع يشبك بداره وَأظْهر أَنه مَرِيض فتخيل أيتمش وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وظنوا أَنَّهَا من يشبك حِيلَة حَتَّى إِذا دخلُوا لعيادته قبض عَلَيْهِم فَلَزِمَ كل مِنْهُم دَاره واستعد. وأخلد أيتمش إِلَى الْعَجز وَأعْرض عَن إِعْمَال الرَّأْي وَالتَّدْبِير. وَكَانَ قد تبين مُنْذُ مَاتَ الظَّاهِر عَجزه وَعدم أَهْلِيَّته للْقِيَام بِالْأَمر. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ عاشره: أشيع من الْعَصْر ركُوب العساكر لِلْقِتَالِ وماج النَّاس وَكَثُرت حركاتهم فَلم يدْخل اللَّيْل حَتَّى لبس أيتمش. مِمَّن مَعَه آلَة الْحَرْب. وَملك أيتمش الصوة تجاه بَاب القلعة وأصعد عدَّة من الْمُقَاتلَة إِلَى عمَارَة الْأَشْرَف تجاه الطبلخاناه ليرموا على من فِيهَا وَمن يقف على بَاب القلعة. وَلم يخرج يشبك من بَيته. وَأخذ الْأَمِير فَارس حَاجِب الْحجاب رَأس الشَّارِع الملاصق لباب مدرسة السُّلْطَان حسن لِيُقَاتل من يخرج من بَاب السلسلة. وَأخذ الْأَمِير تغري بردي أَمِير سلَاح والأمير أرغون أَمِير مجْلِس رَأس سويقة منعم تجاه الْقصر. وَركب الْأَمِير يشبك الخازندار والأمير بيبرس الدوادار إِلَى القلعة. ودقت بهَا الكوسات الحربية. ولبست المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَلحق بهم من الْأُمَرَاء سودون طاز وسودون المارديني ويلبغا الناصري وبكتمر الركني وأينال باي بن قجماس ودقماق المجدي نَائِب ملطية. وَوَقعت الحروب بَين الْفَرِيقَيْنِ من وَقت الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى السحر. وَقد نزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإصطبل فَاشْتَدَّ قتال المماليك السُّلْطَانِيَّة وَثَبت لَهُم الْأَمِير فَارس وَكَاد يهزمهم لَوْلَا مَا كادوه من أَخذ مدرسة السُّلْطَان حسن ورميه من أَعْلَاهَا إِلَى أَن هزموه وَأَحَاطُوا بداره وهزموا تعري بردى وأرغون شاه بَعْدَمَا أبلى تغري بردى بلاءاً كثيرا وَأَحَاطُوا بدورهما فَصَارَ الْجَمِيع إِلَى أيتمش. وَقد امتدت الْأَيْدِي إِلَى دُورهمْ فنهبوا مَا فِيهَا فَنَادَى أيتمش بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها: من قبض مَمْلُوكا جركسيا من(6/9)
المماليك السُّلْطَانِيَّة وأحضره إِلَى الْأَمِير الْكَبِير أيتمش يَأْخُذ عرية فحنقوا من ذَلِك وفارقه من كَانَ مَعَه من الجراكسة وصاروا إِلَى جِهَة السُّلْطَان ومالوا بأجمعهم على أيتمش فإنهزم. مِمَّن بَقِي مَعَه وَقت الظّهْر من يَوْم الِاثْنَيْنِ يُرِيدُونَ جِهَة الشَّام وَانْهَزَمَ مَعَه من الْأُمَرَاء الألوف أرغون شاه أَمِير مجْلِس وتغري بردي أَمِير سلَاح وَفَارِس حَاجِب الْحجاب وَيَعْقُوب شاه الْحَاجِب. وَمن الطلخاناه ألطنبغا شادي وشادي خجا العثماني وتغري بردى الجلباني وبكتمر. جلق الناصري وتنكر بغا الحططي وأقبغا المحمودي الْأَشْقَر وعيسي فلَان وَإِلَى الْقَاهِرَة. وَمن أُمَرَاء العشرينات أسندمر الأسعردي ومنكلي بغا العثماني ويلبغا الظريف من خجا عَليّ. وَمن أُمَرَاء العشرات خضر بن عمر ابْن بكتمر الساقي وخليل بن قرطاي شاد العمائر وعَلى بن بلاط الفخري وبيرم العلاي وأسنبغا المحمودي وَمُحَمّد بن يُونُس النوروزي وألجي بغا السلطاني وتمان تمر الأشقتمري وتغري بردى البيدمري وأرغون السيفي ويلبغا البلشون المحمودي وباي خجا الحسني وَأحمد بن أرغون شاه الأشرفي ومقبل أَمِير حَاجِب وناصر الدّين مُحَمَّد ابْن عَلَاء الدّين على بن كلفت نقيب الْجَيْش وخايربك بن حسن شاه وجوبان العثماني وكزل العلاي ويدي شاه العثماني وكمشبغا الجمالي وألطنبغا الخليلي وألطنبغا الحسني فِي تَتِمَّة نَحْو الْألف. فَمروا بالخيول السُّلْطَانِيَّة فِي نَاحيَة وَتجمع من المفسدين خلائق ونهبوا مدرسة أيتمش وحفروا قبر وَلَده الَّذِي بهَا وأحرقوا الرّبع المجاور لَهَا من خَارج بَاب الْوَزير فَلم يعمر بعد ذَلِك. ونهبوا جَامع أقسنقر واستهانوا بِحرْمَة الْمَصَاحِف. ونهبوا مدرسة السُّلْطَان حسن وأتلفوا عدَّة من مسَاكِن المنهزمين وكسروا حبس الديلم وَحبس الرحبة وأخرجوا المسجونين. وَقتل فِي هَذِه الْوَاقِعَة من الْأُمَرَاء قجماس المحمدي شاد السِّلَاح خاناه من أُمَرَاء العشرات وقرابغا الأسنبغاوي وينتمر المحمدي من الْأُمَرَاء الألوف. واختفي مِمَّن كَانَ مَعَه مقبل الرُّومِي الطَّوِيل أَمِير جاندار وكمشبغا الخضري فندب السُّلْطَان فِي طلب المنهزمين بكتمر الركني ويلبغا الناصري وأقبغا الطرنطاي من أُمَرَاء الألوف وأسنبغا الدوادار من الطبلخاناه وباشا باي بن باكي وصوماي الحسني من العشرات فِي خَمْسمِائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فَلم يدركوهم وعادوا.(6/10)
وَفِي حادي عشره: اسْتَقر قرابغا مغرق فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن عيسي فلَان فَنُوديَ بَين يَدَيْهِ أَن من أحضر أَمِيرا من أَصْحَاب أيتمش أَخذ ألف دِينَار. وَفِي ثَانِي عشره: اسْتَقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة بلبان من المماليك السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن مغرق فَإِنَّهُ مَاتَ من جِرَاحَة كَانَت بِهِ وَنزل بالخلعة إِلَى الْقَاهِرَة فَمر من بَاب زويلة يُرِيد بَاب الْفتُوح وَعبر رَاكِبًا من بَاب الْجَامِع الحاكمي وَهُوَ يُنَادي قدامه فَإِذا بالأمير شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر بن الزين قد جَاءَ إِلَى نَحْو بَاب النَّصْر وَهُوَ يُنَادي بَين يَدَيْهِ أَيْضا. فَلَمَّا التقيا وافي الطواشي شاهين الحسني وَمَعَهُ خلعة ألبسها لِابْنِ الزين فَبَطل أَمر بلبان وَتصرف ابْن الزين فِي أُمُور الْولَايَة وَنُودِيَ بالكف عَن النهب وهدد من ظفر بِهِ من النهابة فسكن الْحَال. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على أسندمر الْعمريّ بنقابة الْجَيْش وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن ليلِي بِولَايَة مصر وعزل الشهَاب أَحْمد الطرخاني. وَفِي رَابِع عشره: قبض على الْأَمِير مقبل الرُّومِي أَمِير جاندار من منزله وَنهب مَا وجد لَهُ. وَأما تنم فَإِنَّهُ وَجه الْأَمِير آقبغا اللكاش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء والعساكر إِلَى غَزَّة فَسَارُوا من دمشق فِي أَوله وتبعتهم أطلاب أُمَرَاء دمشق. وَخَرجُوا مِنْهَا فِي ثالثه وَعَلَيْهِم الْأَمِير جلبان وَمَعَهُ الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ وطيفور حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق ويلبغا الأشقتمري وصرق الظَّاهِرِيّ مساروا إِلَى حلب. وقبص الْأَمِير تنم على الْأَمِير بتخاص وموسي التركاني وحبسهما بقلعة دمشق من أجل أَنه اتَّهَمَهُمَا بالميل مَعَ أهل مصر. ثمَّ خرج تنم من دمشق فِيمَن بَقِي مَعَه فِي سادسه يُرِيد حلب وَجعل الْأَمِير أزدمر أَخا إينال نَائِب الْغَيْبَة فوصل إِلَى حمص واستولي عَلَيْهَا وَأقَام فِيهَا من يَثِق بِهِ. وَتوجه إِلَى حماة. ووافاه يُونُس الرماح نَائِب طرابلس وَمَعَهُ عَسْكَر طرابلس فَامْتنعَ دمرداش المحمدي نَائِب حماة وَقَاتل تنم قتالاً شَدِيدا وَقتل من أَصْحَابه نَحْو الْأَرْبَعَة وَلم يقدر عَلَيْهِ تنم فَأَتَاهُ الْخَبَر على حماة بِقِيَام أهل طرابلس. وَذَلِكَ أَنه لما قرب مُحَمَّد بن بهادر المؤمني من طرابلس بعث. كلا مَعَه من الملطفات لأربابها فوصلت إِلَيْهِم قبل قدومه. ثمَّ وصل. بِمن مَعَه فِي الْبَحْر فَظَنهُ نَائِب الْغَيْبَة من(6/11)
الفرنج فَخرج إِلَيْهِ فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس من أجناد طرابلس فَتبين لَهُ أَنه من الْمُسلمين فَقَاتلهُمْ على سَاحل الْبَحْر حَتَّى هَزَمَهُمْ إِلَى برج أيتمش فَأصْبح الَّذين أَتَتْهُم الملطفات نادوا فِي الْعَامَّة بجهاد نَائِب الْغَيْبَة نصْرَة لِابْنِ بهادر. وأفتاهم فُقَهَاء الْبَلَد بذلك. ونهبت دَار نَائِب الْغَيْبَة وخطب خطيب الْبَلَد بذلك فتسرعت الْعَامَّة إِلَى النهب فَانْهَزَمَ نَائِب الْغَيْبَة إِلَى حماة وَأعلم الْأَمِير تنم بذلك فَبعث بالأمير صرق على عَسْكَر إِلَى طرابلس فقاتله أَهلهَا قتالاً شَدِيدا مُدَّة تِسْعَة أَيَّام ودفعوه عَنْهَا. وَفِي أثْنَاء ذَلِك ورد على الْأَمِير تنم خبر وَاقعَة الْأَمِير أيتمش وَأَنه وصل إِلَى غَزَّة وَنزل بدار النِّيَابَة فَأذن بِدُخُولِهِ وَمن مَعَه إِلَى دمشق وَرجع من حماة بالعساكر وَقد عجز عَنْهَا فَدخل دمشق فِي خَامِس عشرينه وَأرْسل يُونُس الرماح نَائِب طرابلس فِي عسكره وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِ من أُمَرَاء دمشق وهم: ألجي بغا الْحَاجِب وخضر الكريمي فِي طَائِفَة إِلَى طرابلس فَدَخَلُوا وَانْهَزَمَ ابْن بهادر إِلَى الْبَحْر فَرَكبهُ وَمَعَهُ القَاضِي شرف الدّين مَسْعُود الشَّافِعِي قَاضِي طرابلس يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة. وَنهب يُونُس الرماح أَمْوَال النَّاس كَافَّة وَفعل مَا لَا تَفْعَلهُ الْكفَّار. وَقتل نَحْو الْعشْرين رجلا من المعروفين مِنْهُم الشَّيْخ الْمُفْتِي جمال الدّين بن النابلسي الشَّافِعِي والخطيب شرف الدّين مَحْمُود والمحدث القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن الْأَذْرَعِيّ الْمَالِكِي وَالْقَاضِي شهَاب الدّين الْحَنَفِيّ وموفق الدّين الْحَنْبَلِيّ. وَقتل من الْعَامَّة مَا يُقَارب الْألف وصادر النَّاس مصادرة كَبِيرَة وَأخذ أَمْوَالهم. وَكَانَت هَذِه الكائنة فِي الْخَامِس عشر مِنْهُ. وَفِي سادس عشره: عرض السُّلْطَان الْملك النَّاصِر المماليك ففقد مِنْهُم مائَة وَثَلَاثِينَ انْهَزمُوا مَعَ أيتمش. وَفِيه قبض على الْأَمِير بكتمر جلق وتنكر بغا الحططي رَأس نوبَة وقرمان المنجكي وكمشبغا الخضري وخضر بن عمر بن بكتمر الساقي وعَلى بن بلاط الفخري وأسنبغا المحمدي وَمُحَمّد بن يُونُس النوروزي وألجبغا السلطاني وأرغون السيفي وَأحمد بن أرغون شاه الأشرفي وناصر الدّين مُحَمَّد بن على بن كلفت نقيب الْجَيْش وألطنبغا الخليلي وسجنوا. ثمَّ أفرج عَن قرمان وخضر وَابْن يُونُس وَابْن كلفت وألطنبغا وَحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مِنْهُم مقبل الرُّومِي وبكتمر جلق والحططي وَابْن بلاط وأسنبغا وألجبغا وأرغون وَأحمد بن أرغون شاه. وَتَأَخر وَفِيه استدعي السُّلْطَان الْأَمِير سودون أَمِير أخور والأمير تمراز من الْإسْكَنْدَريَّة والأمير نوروز من دمياط فسارت القصاد لإحضارهم. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر موفق الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله(6/12)
الْحَنْبَلِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر بعد وَفَاة أَخِيه قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم. وَاسْتقر عَلَاء الدّين أقبغا المزوق فِي ولَايَة الفيوم وكشفها وكشف البهنساوية والأطفيحية وعزل طيبغا الزيني وَطلب فهرب. وَاسْتقر أَيْضا يلبغا الزيني وَإِلَى البهنسا وعزل الضاني. وَفِي عشرينه: وصل الْأَمِير نوروز من دمياط والأمير سودون والأمير تمراز من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى القلعة. وقبلوا الأَرْض للسُّلْطَان ونزلوا إِلَى دُورهمْ. وَكتب إِلَى الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام بِدُخُولِهِ فِي الطَّاعَة. وَفِي آخِره: قدم الْأَمِير بيسق من مَكَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفَعت أسعار المأكولات والمشروبات والملبوسات. وَبلغ سعر الرطل من لحم الضَّاد دِرْهَمَيْنِ وَمن الْبَقر دِرْهَم وَثمن والأردب الْقَمْح إِلَى سبعين درهما ثمَّ نزل إِلَى خمسين. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: اسْتَقر الْأَمِير أقباي الطرنطاي بن حُسَيْن شاه حَاجِب الْحجاب. والأمير دقماق المحمدي وَفِي ثالثه: اسْتَقر كل من الْأَمِير اسنبغا العلاي الدوادار والأمير قماري الأسمبغاوي وَإِلَى بَاب الْقلَّة ومنكلي بغا الصلاحي الدوادار وسودون المأموري حاجباً. وَاسْتقر تمربغا المحمدي نَائِب القلعة. وَفِي خامسه: قدم الْأَمِير أيتمش. مِمَّن مَعَه إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير تنم إِلَى لِقَائِه وَبَالغ فِي إكرامه وإكرام من مَعَه وَقدم إِلَيْهِم تقادم جليلة. وَخير فِي الْإِقَامَة فَاخْتَارَ النُّزُول بالميدان وسكني الْقصر الأبلق فَأَقَامَ. وَعظم شَأْن تنم بقدوم أيتمش عَلَيْهِ وأطاعه من خَالف عَلَيْهِ. وَفِي ثامنه: قدم عَلَيْهِ كتاب الْملك النَّاصِر بمسك أيتمش وَمن مَعَه وقدومه إِلَى مصر فأحضر الْكتاب وحامله إِلَى عِنْد أيتمش وأعلمه بذلك. ثمَّ جهز أيتمش وتغري بردى قصادهما إِلَى نَائِب حماة ونائب حلب بدعواهما إِلَى مَا هم عَلَيْهِ فأجابا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة. وَكَانَ الْأُمَرَاء بِمصْر قد اتَّفقُوا أَن يكون الْأَمِير بيبرس الدوادار أتابك العساكر(6/13)
فأقاموه صُورَة بِلَا معنى. وأنعم على نوروز بإقطاع تغري بردى وعَلى تمراز بإقطاع أرغون شاه وعَلى سودون أَمِير أخور بإقطاع فَارس. وعَلى دقماق بإقطاع يَعْقُوب شاه وعَلى الْأَمِير الْكَبِير بيبرس بإقطاع أيتمش إِلَّا النحريرية ومنية بدران وطوخ الْجَبَل فَامْتنعَ من قبُوله وَغَضب وأنعم بإقطاع بيبرس على بكتمر الركني وبإقطاع بكتمر على دقماق وبإقطاع دقماق - الَّذِي كَانَ باسم يَعْقُوب وأنعم على كل من كزل بغا الناصري وقماري الأسنبغاوي وشاهين من شيخ إِسْلَام وَشَيخ السُّلَيْمَانِي وباشا باي من باكي وتمربغا وحبك من عوض وصوماي الحسني وتمر وأينال حطب وقاني باي العلاي بإمرة طبلخاناه. وعَلى كل من بردي بك العلاي وسودن المأموري وألطبغا الخليلي واجترك القاسمي وكزل المحمدي وبيغان الأينالى بإمرة عشْرين وعَلى كل من أزبك الرمضاني والطبرس العلاي وأسندمر الْعمريّ وقرقماس السيفي ومنكلي بغا الصلاحي وأقبغا الْجَوْهَرِي وطيبغا الطولوتمري وقاني باي بن باشا ودمرداش الأحمدي وأقباي السلطاني وأرغون شاه الصَّالِحِي وَيُونُس العلاي وجمق ونكباي الأزدمري وأقبغا المحمدي وقاني بك الحسامي وبايزيد من بَابا وسودون البجاسي وسودون الشمسي وتمراز من باكي وشكدان وقطلوبغا الحسني وأسنبغا المسافري وسودون النوروزي وقطلو أقتمر المحمدي وقانق وسودون الْحِمصِي وأرزمك وأسن باي وسودون القاسمي بإمرة عشرَة. وَفِي ثامنه: تحالف الْأُمَرَاء على السّفر بالسلطان إِلَى الشَّام فَامْتنعَ المماليك وهددوا الْأُمَرَاء. فَخَالف الْأَمِير سودون طاز وَتَأَخر عَن الْخدمَة وَاجْتمعَ المماليك بالأمير يشبك وَهُوَ ضَعِيف وحدثوه فِي أَمر السّفر فَاعْتَذر. مِمَّا هُوَ فِيهِ من الشّغل بِالْمرضِ. وَفِيه اخْتلف الأميران سودون أَمِير أخور - كَانَ - وسودن طاز وتسابا بِسَبَب سُكْنى الحراقة من الإصطبل وكادا يقتتلان لَوْلَا فرق بَينهمَا الْأَمِير نوروز. وَوَقع أَيْضا بَين جركس المصارع وسودون طاز تنافس بِسَبَب الإقطاع وَتقَابَضَا وَلم يبْق إِلَّا أَن تثور الْفِتْنَة حَتَّى فرق بَينهمَا.(6/14)
وَفِي عاشره: اسْتَقر أَمِير على ناسب الْوَجْه البحري وعزل بهاء الدّين أرسلان. وَاسْتقر بلبان وَالِي قليوب وعزل عمر بن الكوراني. ورتب الْأُمَرَاء أموراً مِنْهَا إِقَامَة نَائِب بِمصْر وعبوا عدَّة تشاريف لإِقَامَة أَرْبَاب وظائف من الْأُمَرَاء. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره خلع على سودون طاز وَعمل أَمِير أخور عوضا عَن سودون الطيار لتأخره بِدِمَشْق. وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد بدر الدّين مَحْمُود الْعين تابي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْجمال الطنبدي. وَاسْتقر مُحَمَّد بن الطَّوِيل فِي ولَايَة منوف وعزل الشهَاب أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي. وَاسْتقر الْأَمِير مبارك شاه حاجبا ثَالِثا بتقدمة ألف وَلم يَقع مثل ذَلِك فِيمَا تقدم. وَفِيه قدم قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين مَسْعُود من طرابلس وَمَعَهُ الشريف بدر الدّين مُحَمَّد بن كَمَال الدّين مُحَمَّد الْبَلَدِي نقيب الْأَشْرَاف ووكيل بَيت المَال بهَا وَأخْبر بواقعة طرابلس وَقتل قرمش حاجبها وَأَن المقتولين فِي الْوَاقِعَة ألف وَسَبْعمائة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رجلا وَأَن النَّائِب أَرَادَ إحراقها فاشتراها مِنْهُ بثلاثمائة وَخمسين ألف دِرْهَم. وَفِي ثامن عشره: قدم نَائِب حماة إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير تنم والأمير أيتمش بالعساكر إِلَى لِقَائِه وخلع الْملك النَّاصِر على أحد الْأُمَرَاء وَاسْتقر حاجباً ثامناً وَلم يعْهَد بِمصْر مثل ذَلِك فِيمَا سلف. وَفِي تَاسِع عشره: قبض السُّلْطَان على الْوَزير فَخر الدّين ماجد بن غراب وأخيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم نَاظر الْجَيْش وَالْخَاص والشهاب أَحْمد بن عمر بن قطنية المتحدث فِي المكارم والشريف عَلَاء الدّين على شاد الدَّوَاوِين. وتسلمهم أزبك رَأس نوبَة وَوَقعت الحوطة على موجودهم. وَفِي الْعشْرين مِنْهُ: قبض على الْأَمِير قطلو بك الأستادار وسجن عِنْد صهره زوج ابْنَته سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب. وَفِي حادي عشرينه: استدعي الْوَزير بدر الدّين مُحَمَّد بن الطوخي وخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة وخلع على شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَكيل بَيت المَال لنظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص.(6/15)
وَفِي ثَالِث عشرينه: أفرج عَن قرمان المنجكي وقطلو بك العلاي وَنقل ابْنا غرابا من عِنْد أزبك إِلَى بَيت الْأَمِير قطلوبغا الكركي - شاد الشرابخاناه - فَنزلَا فِي دَاره ومعهما ابْن قطينة والشريف عَلَاء الدّين عَليّ فأتاهما النَّاس بِكُل ضِيَافَة فاخرة وَتوقف لذَلِك حَال الْوَزير ابْن الطوخي وَابْن الدماميني نَاظر الْخَاص. وَفِي رَابِع عشرينه: أفرج عَن ابْن قطينة على مائَة ألف دِرْهَم وَعَن الشريف عَلَاء الدّين عَليّ وَفِي سادس عشرينه: توجه المهتار عبد الرَّحْمَن على الْبَرِيد وَمَعَهُ مائَة ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم فضَّة وعدة خلع لأهل الكرك وعَلى يَده ملطفات لتخذيل العساكر عَن تنم نَائِب الشَّام. وَفِي يَوْم السبت ثامن عشرينه: أفرج عَن ابْني غراب وخلع عَلَيْهِمَا كَمَا كَانَا. وَسلم إِلَيْهِمَا ابْن الطوخي وَابْن الدماميني وَنقل أَبنَاء التركماني من مشيخة خانقاة قوصون إِلَى مشيخة خانقاه سرياقوس عوضا عَن شيخ الشُّيُوخ بهاء الدّين إِسْلَام ابْن شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق الْأَصْبَهَانِيّ بعد مَوته. وَاسْتقر فِي مشيخة القوصونية الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن الشَّيْخ جلال الدّين التباني الْحَنَفِيّ. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: قبض سعد الدّين بن غراب على شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني وَنَقله إِلَى دَاره ثمَّ أفرج عَنهُ فِي ثامنه وخلع عَلَيْهِ بِقَضَاء الْقُضَاة بالإسكندرية وخطابة الْجَامِع المغربي بهَا. وَاسْتقر أَخُوهُ تَاج الدّين أَبُو بكر فِي حسبَة الْإسْكَنْدَريَّة وَنزل ابْنا غراب مَعَه إِلَى دَاره مجملين لَهُ. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس عاشره: كَانَ بِمَكَّة - شرفها الله - سيل عَظِيم بعد مطر غزير امْتَلَأَ مِنْهُ الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى دخل الْكَعْبَة وَعلا على بَابهَا نَحْو ذِرَاع وَهدم عمودين من عمد الْمَسْجِد، وَسَقَطت عدَّة دور، وَمَات تَحت الْهدم - وَفِي السَّيْل - نَحْو سِتِّينَ إنْسَانا.(6/16)
وَفِيه قدم الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب صفد إِلَى دمشق فَأكْرمه الْأَمِير تنم وأنزله ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى صفد فِي تَاسِع عشره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: هَذَا اسْتَقر بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْبُرْجِي فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير الْكَبِير بيبرس ابْن أُخْت الْملك الظَّاهِر لأتابكية العساكر وعَلى الْأَمِير نوروز وَاسْتقر رَأس نوبَة كَبِير. وعَلى الْأَمِير تمراز وَاسْتقر أَمِير مجْلِس. وعَلى الْأَمِير سودون وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان وخلع على شرف الدّين مَسْعُود وَاسْتقر قَاضِي دمشق عوضا عَن الأخناي.
(وَفِي خَامِس عشره)
ورد الْخَبَر بِخُرُوج تنم نَائِب الشَّام وأيتمش. مِمَّن مَعَهُمَا من دمشق إِلَى جِهَة غَزَّة فرسم بالتجهيز للسَّفر وَكثر عمل النَّاس فِي الْقَاهِرَة للدروب والخوخ خوفًا من النهب وتتبع ابْن الزين وَإِلَى الْقَاهِرَة المماليك البطالة وَقبض عَلَيْهِم وسجنهم بخزانة شمايل. وَفِي سَابِع عشره: اجْتمع الْأُمَرَاء والمماليك بِمَجْلِس السُّلْطَان فحثهم على السّفر فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة وَأَن يخرج ثَمَانِيَة أُمَرَاء من الألوف بِأَلف وَخَمْسمِائة من المماليك المشتراوات وَخَمْسمِائة من المستخدمين فَاخْتلف الرَّأْي فَمنهمْ من أجَاب وَمِنْهُم من قَالَ لابد من سفر السُّلْطَان وانفضوا وَفِي ثامن عشره: أعدت إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الْعين تابي. وَوَقع الشُّرُوع فِي النَّفَقَة للسَّفر فَحمل إِلَى كل من الْأُمَرَاء الأكابر مائَة ألف دِرْهَم وَلمن يليهم دون ذَلِك وَأنْفق على ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة مَمْلُوك لكل مَمْلُوك مائَة دِينَار فبلغت النَّفَقَة نَحْو خَمْسمِائَة ألف دِينَار. وَفِي ثامن عشره: علق الجاليش وَخرج خام السُّلْطَان فنصب تجاه مَسْجِد تبر. وَفِي تَاسِع عشره: اسْتَقر مُحَمَّد بن غرلو فِي ولَايَة الغربية وكشف جسورها وَذَلِكَ بعد موت الْجمال يُوسُف بن قطلو بك صهر ابْن المزوق. وَاسْتقر عَلَاء الدّين على بن الحريري فِي ولَايَة قوص وَصرف أسنبغا.(6/17)
وَفِي رَابِع عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين وَإِلَى الْقَاهِرَة نَائِب الْوَجْه القبلي عوضا عَن ألطبغا وَإِلَى الْعَرَب. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد الْكرْدِي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة مسئولاً بهَا. وَاسْتقر الْحَاج سعد المنجكي مهتار الطشتخاناه عوضا عَن مِفْتَاح عبد نعْمَان بعد وَفَاته. وَفِيه فر قطلوبغا الخليلي التركماني وَإِلَى الشرقية وَقد اجْتمع عِنْده نَحْو الْخمسين من مماليك الْأُمَرَاء المنهزمين إِلَى الشَّام وَلَحِقُوا بنائب الشَّام فقدموا دمشق أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر المهتار غرس الدّين خَلِيل بن الشيخي مهتار الركاب خاناه على عَادَته وَصرف المهتار عمر. وَاسْتقر تغري برمش السيفي صراي وَإِلَى الشرقية. فِي ثَانِيه: اسْتَقر نور الدّين على بن خَلِيل بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الحكري فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر على خمسين ألف دِرْهَم وَصرف موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله وَاسْتقر الْأَمِير بكتمر الركني أَمِير سلَاح عوضا عَن تغري بردى من يشبغا وَفِي سابعه: عرضت الْجمال السُّلْطَانِيَّة فعين الْأَمِير سودون طاز مِنْهَا برسم سفر السُّلْطَان وأثقال مماليكه سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَخَمْسَة وَسِتِّينَ جملا سوي مَا فرق على المماليك السُّلْطَانِيَّة وسوي الهجن. وَفِيه ورد الْخَبَر بالفتنة فِي الكرك وَذَلِكَ أَن المهتار عبد الرَّحْمَن لما قدمهَا أظهر كتبا إِلَى الْأَمِير سودون الظريف نَائِب الكرك باستعداده لِحَرْب الْأَمِير أيتمش فَاخْتلف أهل الكرك وافترقوا فرْقَتَيْن: قيسية ويمانية فرأس قيس قَاضِي الكرك شرف الدّين مُوسَى بن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين أَحْمد الكركي. وَرَأس يمن الْحَاجِب شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس. وَوَقعت فتْنَة نهب فِيهَا رَحل المهتار عبد الرَّحْمَن والخلعة الَّتِي أحصرها إِلَى النَّائِب وامتدت إِلَى الْغَوْر فنهب ورحل أَهله وفر عبد الرَّحْمَن إِلَى جِهَة مصر. وَكَانَت بَين الطَّائِفَتَيْنِ مقتلة قتل فِيهَا سِتَّة وجرح نَحْو الْمِائَة. وانتصر ابْن أبي الْعَبَّاس. مِمَّن مَعَه من يمن لميل النَّائِب مَعَهم على قيس وَقبض على القَاضِي شرف الدّين مُوسَى وأخيه جمال الدّين عبد الله وذبحا فِي ثامنه ومعهما ثَمَانِيَة من أصحابهما وألقوا فِي بِئْر من غير غسل وَلَا كفن وَأخذت أَمْوَالهم كلهَا.(6/18)
وَقدم عَلَاء الدّين على بن غلبك بن المكللة وَإِلَى منفلوط وَأخْبر أَن ألطنبغا نَائِب الْوَجْه القبلي خرج هُوَ وَمُحَمّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري عَن الطَّاعَة وكبسا عُثْمَان بن الأحدب. ففر إِلَى جِهَة منفلوط وتبعاه إِلَيْهَا وخربوها. فرسم لكل من الْأَمِير بيبرس الأتابك وإينال باي بن قجماس وأقباي حَاجِب الْحجاب وسودون بن زَاده وإينال حطب رَأس نوبَة وبيسق أَمِير أخور وبهادر فطيس أَمِير أخور أَن يتجهزوا ويسيروا جَمِيعًا إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. فَلم يوافقوا على ذَلِك وَلَا سَار أحد. وَورد الْخَبَر بقدوم نَائِب حماة بعسكرها فِي ثَالِث عشره إِلَى دمشق. وَأَن الْأَمِير أقبغا نَائِب حلب لما برز من حلب للمسير إِلَى دمشق ثار عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وقاتلوه فكسرهم وَقبض على جمَاعَة مِنْهُم. وَسَار إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره فَأكْرمه الْأَمِير تنم وأنزله. وَأَنه قد توجه الْأَمِير أرغون شاه وَيَعْقُوب شاه وَفَارِس وصرق وَفرج بن منجك إِلَى غَزَّة من دمشق فِي ثَانِي عشره فعلق جاليش السّفر على الطبلخاناه تَحت قلعة الْجَبَل وَخرج دهليز وَفِي ثَالِث عشرينه خلع على الْأَمِير ركن الدّين عمر بن الطَّحَّان حَاجِب غَزَّة بنيابة غَزَّة وعَلى سودون حاجبها الصَّغِير وَصَارَ حَاجِب الْحجاب بهَا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم يُونُس الرماح نَائِب طرابلس بعسكرها وَمَعَهُ الْأَمِير أَحْمد ابْن يلبغا إِلَى دمشق فَخرج الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حماة من دمشق فِي خَامِس عشرينه وَتَبعهُ الْأَمِير تنم فِي بَقِيَّة العساكر يُرِيدُونَ مصر. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين عمر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة ومصر وَأَن يكون حاجباً. وَفِي لَيْلَة ثامن عشرينه: توجه الْأَمِير سودون المأموري الْحَاجِب إِلَى دمياط لينقل مِنْهَا الْأَمِير يلبغا الْمَجْنُون والأمير تمربغا المنجكي وطغنجي وبلاط السَّعْدِيّ وقراكسك إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة. وَكَانَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر من أول ربيع الأول إِلَى أخر جُمَادَى الْآخِرَة أمراض فَاشِية فِي النَّاس من الحمي وَالْبرد. وَمَات فِيهِ عدَّة كَبِيرَة مَعَ توقف الْأَحْوَال وتعطل المعايش.(6/19)
وتزايد الأسعار فِي كل مَا يُبَاع. وَصَارَ الْخبز كل خمس أواقي بِثمن دِرْهَم. وَانْقطع الْوَاصِل من الْبِلَاد الشامية فَبَلع الفستق عشرَة دَرَاهِم الرطل واللوز أَرْبَعَة دَرَاهِم الرطل والكمثرا سَبْعَة دَرَاهِم الرطل. والسفرجلة الْوَاحِدَة بِعشْرَة دَرَاهِم. وَمَعَ ذَلِك خوف النَّاس من وُقُوع الْفِتَن لشدَّة شهر رَجَب أَوله الْجُمُعَة: فِي رابعه: نزل السُّلْطَان من القلعة إِلَى الريدانية ليتوجه إِلَى قتال أيتمش ونائب الشَّام فَأَقَامَ بمخيمه وتلاحق بِهِ الْأُمَرَاء والعساكر والخليفة وقضاة الْقُضَاة. وَفِي خامسه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير بيبرس بِنَظَر المارستان المنصوري وَنظر الأحباس ونيابة الْغَيْبَة وعَلى الْأَمِير نوروز الحافظي بِنَظَر الخانقاة الشيخونية عوضا عَن الْأَمِير أرغون شاه الأقبغاوي المنسحب إِلَى الشَّام. وعَلى الْأَمِير مبارك شاه الْحَاجِب بنيابة الْوَجْه القبلي ورسم لَهُ أَن يحكم من جَزِيرَة القط إِلَى أسوان ويولى من يخْتَار من الْوُلَاة ويعزل من كره. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير نوروز لتقدمة العساكر وَأَفْرج عَن عَليّ بن غَرِيب الهواري وأقيم عوضا عَن مُحَمَّد بن عمر الهواري. وَفِي سابعه: انفق فِي المماليك بالريدانية مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار. وَعند تَمام النَّفَقَة خلع على الْأَمِير يلبغا السالمي واركب حجرَة بسرج وكنفوش وسلسلة ذهب. وَفِيه رَحل الجاليش من الريدانية وَفِيه من الْأُمَرَاء نوروز الحافظي مقدم العساكر وبكتمر أَمِير سلَاح ويلبغا الناصري وتمراز أَمِير مجْلِس وسودون الدوادار وَشَيخ المحمودي ودقماق أَمِير حَاجِب. وَفِي ثامنه: رَحل السُّلْطَان بِبَقِيَّة الْعَسْكَر وعدة من سَار أَولا وَثَانِيا نَحْو سَبْعَة آلَاف فَارس وَأقَام بقلعة الْجَبَل من الْأُمَرَاء أينال باي بن قجماس وأينال حطب رَأس نوبَة. وَأقَام بالإصطبل سودون بن زادة وبهادر فطيس وبيسق الشيخي أَمِير أخور. وَأقَام خَارج الْقَاهِرَة الْأَمِير الْكَبِير بيبرس وَهُوَ نَائِب الْغَيْبَة وَمَعَهُ الْأَمِير أقباي حَاجِب الْحجاب. وَأما تنم نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ وَجه نَائِب حلب بعسكره إِلَى جِهَة مصر فِي ثامنه.(6/20)
وَخرج فِي تاسعه وَمَعَهُ الْأَمِير أيتمش وَبَقِيَّة العساكر وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من التركمان. وخيم على قبَّة يلبغا خَارج دمشق حَتَّى لحقه بَقِيَّة الْعَسْكَر وَمن سَار مَعَه من الْقُضَاة وَعمل الْأَمِير جركس أَبُو تنم نَائِب الْغَيْبَة. وَفِي حادي عشره: رَحل الْأَمِير تنم من ظَاهر دمشق وَتَبعهُ ابْن الطبلاوي فِي ثَانِي عشره. وَسَار نَائِب طرابلس بعسكره ساقة. وَكَانَ تنم من حِين قدم عَلَيْهِ أيتمش يعْمل كل يَوْم موكباً أعظم من الآخر حَتَّى قيل إِنَّه أعظم من موكب الْملك الظَّاهِر وَكَانَ يركب بالدف والشبابة والجاويشية وَالشعرَاء. وَفِي خدمته من الْأُمَرَاء مقدمي الألوف مَا يزِيد على خَمْسَة وَعشْرين سوى أُمَرَاء الطبلخاناه. وَجمع من التركمان جمعا عظما. وَأخر موكب عمله بِدِمَشْق كَانَ فِيهِ عَسْكَر دمشق وطرابلس وحماة وحلب والأمير أيتمش وَمن مَعَه من المصريين وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من التركمان فِي نَحْو أَرْبَعَة آلَاف. وانفق من الْأَمْوَال على العساكر مَا لَا يحصي وأنعم عَلَيْهِم من الْخَيل وَالْجمال وَالْعدَد وآلات الْحَرْب. مِمَّا لَا يعبر عَنهُ فَصَارَ فِي جَيش عَظِيم جدا. وَفِي غيبته أَخذ الْأَمِير جركس أَبُو تنم نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق فِي طرح مَا بَقِي من السكر على النَّاس فَكثر الدُّعَاء عَلَيْهِم بِسَبَب ذَلِك. وَكَانَ الْفساد قد عَم بوصول العساكر إِلَى دمشق وظلموا النَّاس خَارج الْبَلَد ونزلوا فِي الْخَانَات والحوانيت والدور والبساتين بِغَيْر أُجْرَة وعاثوا وأفسدوا كثيرا لاسيما عَسْكَر طرابلس فَلذَلِك أَخذهم الله أَخْذَة رابية - كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: قدم الْبَرِيد من الْبحيرَة على الْأَمِير بيبرس نَائِب الْغَيْبَة بديار مصر أَن الْأَمِير سودون المأموري سَار بالأمراء من دمياط إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة. فَلَمَّا وصل بهم إِلَى ديروط لقِيه الشَّيْخ المعتقد عبد الرَّحْمَن بن نَفِيس الديروطي وأضافه. فعندما قعد هُوَ والأمراء للْأَكْل ثار يلبغا الْمَجْنُون وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء على سودون المأموري وقبضوا عَلَيْهِ وعَلى مماليكه. وبينما هم فِي ذَلِك إِذْ قدمت حراقة من الْقَاهِرَة فِيهَا الْأَمِير كمشبغا الخضري وأياس الكمشبغاوي وجقمق البجمقدار وأمير آخر وَالْأَرْبَعَة فِي الْحَدِيد ليسجنوا فِي الْإسْكَنْدَريَّة. فَدخلت الحراقة شاطئ ديروط ليقضوا(6/21)
حَاجَة لَهُم فأحاط بهم يلبغا الْمَجْنُون وخلص الْأَرْبَعَة المقيدين وَضرب الموكلين بهم وَكتب إِلَى نَائِب الْوَجْه البحري بالحضور إِلَيْهِ. وَأخذ خُيُول الطواحين وَسَار. بِمن مَعَه إِلَى مَدِينَة دمنهور وطرقها بَغْتَة وَقبض على متوليها. وأتته العربان فَصَارَ فِي عدَّة كَبِيرَة ونادى فِي إقليم الْبحيرَة بحط الْخراج عَن أَهلهَا وَأخذ مَال السُّلْطَان الَّذِي استخرج من تروجة وَغَيرهَا. وَبعث يَسْتَدْعِي بِالْمَالِ من النواحي. فَكتب بذلك إِلَى السُّلْطَان والأمراء فوردت كتبهمْ إِلَى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بالاحتراز والتيقظ وَإِلَى أكَابِر العربان بالإنكار عَلَيْهِم وإمساك يلبغا الْمَجْنُون وَمن مَعَه وَكتب إِلَى الْأَمِير بيبرس بتجريد الْأَمِير أقباي الطرنطاي حَاجِب الْحجاب والأمير أينال باي بن قجماس والأمير بيسق أَمِير أخور والأمير أينال حطب رَأس نوبَة وَأَرْبَعمِائَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة وَمِثَال إِلَى عربان الْبحيرَة بحط الْخراج عَنْهُم لمُدَّة ثَلَاث سِنِين. ثمَّ إِن يلبغا عدى من الْبحيرَة إِلَى الغربية فِي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشره خوفًا من عرب الْبحيرَة. وَدخل الْمحلة وَنهب دَار الْوَالِي وَدَار إِبْرَاهِيم بن بدوي كبيرها وَأخذ مِنْهُ ثَلَاثمِائَة قفة فلوس وست قفاف عَن كل قفة مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم. ثمَّ عدى بعد أَيَّام من سمنود إِلَى بر أشموم طناح وَسَار إِلَى الشرقية وَنزل على مشتول الطواحين وَسَار مِنْهَا إِلَى العباسة فارتجت الْقَاهِرَة وَبعث الْأَمِير بيبرس إِلَى مرابط الْخُيُول على البرسيم فأحضرها. وَورد الْخَبَر بمخامرة كاشف الْوَجْه القبلي مَعَ هوارة فَكثر الِاضْطِرَاب وَاشْتَدَّ الْخَوْف وَتعين الْأَمِير مبارك شاه إِلَى سفر الصَّعِيد وَشرع فِي اسْتِخْدَام الأجناد. وعزم الْأَمِير بيبرس أَن يخرج إِلَى الْمَجْنُون. وَفِي رَابِع عشره: ورد كتاب السُّلْطَان بِالْقَبْضِ على شرف الدّين مُحَمَّد بن الدماميني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة فَقبض عَلَيْهِ من منزله بِالْقَاهِرَةِ وسجن فِي برج بقلعة الْجَبَل. وَعظم الإرجاف بهجوم يلبغا الْقَاهِرَة فَسدتْ الخوخ فِي سَابِع عشره وغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة من عشَاء الْآخِرَة وَخرج الْأَمِير أقباي والأمير يلبغا السالمي والأمير بيسق والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر أستادار الذَّخِيرَة والأملاك فِي ثَلَاثمِائَة من المماليك(6/22)
السُّلْطَانِيَّة إِلَى ملاقاة يلبغا الْمَجْنُون بالعباسة فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه وَسَارُوا. وَفِيه قدم يشبك العثماني وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان بوصوله إِلَى تل العجول - ظَاهر مَدِينَة غَزَّة - فِي ثامن عشره وَقد برز نَائِب حماة ونائب صفد وأقبغا اللكاش وتغري بردى وَفَارِس وأرغون شاه وَيَعْقُوب شاه وَفَارِس نَائِب ملطية فِي عدَّة من أُمَرَاء الشَّام وحلب وَغَيرهَا تبلغ عدتهمْ نَحْو خَمْسَة آلَاف فَارس يُرِيدُونَ الْحَرْب فلقيتهم عَسَاكِر السُّلْطَان وقاتلوهم من بكرَة النَّهَار إِلَى وَقت الظّهْر. مخرج اللكاش وَانْهَزَمَ فِي جمَاعَة وَدخل فِي الطَّاعَة الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حماة والأمير ألطبغا العثماني نَائِب صفد والأمير صراي تمر الناصري أتابك العساكر بحلب وجقمق نَائِب ملطية وَفرج بن منجك فِي عدَّة من الْأُمَرَاء والأجناد. وَملك السُّلْطَان غَزَّة من يَوْمه فدقت البشائر بذلك وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا وخلع على يشبك العثماني وَلما أَرَادَ الله أنكر شخص يُقَال لَهُ سراج الدّين عمر الدمياطي - من صوفية خانقاة شيخو - أَن يكون هَذَا الْخَبَر صَحِيحا فَقبض عَلَيْهِ وَضرب على كَتفيهِ ضربا مبرحاً وَشهر على حمَار قد أركبه مقلوباً وَجهه إِلَى جِهَة ذَنبه وطيف بِهِ الْقَاهِرَة ثمَّ سجن بخزانة شمائل فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرينه. وَفِي خَامِس عشرينه: كَانَ الْعَسْكَر قد وصل إِلَى نَحْو العباسة فَلم يقفوا ليلبغا على خبر وَقيل لَهُم إِنَّه سَار إِلَى قطيا فَنزل الْأُمَرَاء بالصالحية فَلم يرَوا أحدا فعادوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَسَار ابْن سنقر وبيسق نَحْو بِلَاد السباخ فِي طلبه فَلم يجداه فعادا فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه إِلَى غيفا وَأَقَامَا فَلم يشعرا إِلَّا ويلبغا الْمَجْنُون قد طرقهما وَقبض عَلَيْهِمَا وَأخذ خطهما بجملة من المَال فارتجت الْقَاهِرَة لذَلِك. وَأما تنم نَائِب الشَّام فَإِن الْبَرِيد وصل إِلَى دمشق من جِهَته فِي ثَالِث عشرينه أَنه وصل إِلَى الرملة وَأَن المصريين وصلوا إِلَى غَزَّة وبعثوا إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ فِي طلب الصُّلْح فدقت الكوسات لذَلِك وَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرينه بِدِمَشْق فأغلقوا الْأَبْوَاب الَّتِي للمدينة وسدوها بِالْحِجَارَةِ إِلَّا بَاب النَّصْر وَبَاب الْفرج وَاحِد بَابي الْجَابِيَة وَبَاب توما فَعجب النَّاس من ذَلِك وَكثر الْكَلَام.(6/23)
وَفِي يَوْم السبت سلخه: حضر إِلَى الْقَاهِرَة قمج الخاصكي من الْبَحْر فانه سَار من عِنْد السُّلْطَان على الْبَرِيد إِلَى قطيا فَبَلغهُ خبر يلبغا الْمَجْنُون فَركب الْبَحْر من الطينة وعَلى يَده كتاب السُّلْطَان من الرملة بالنصر على تنم نَائِب الشَّام. وَمُلَخَّص ذَلِك أَن تنم نزل على الرملة بِمن مَعَه. وَكَانَ لما قدم عَلَيْهِ من انْكَسَرَ من عسكره على غَزَّة شقّ عَلَيْهِ ذَلِك وَأَرَادَ أَن يقبض على بتخاص والمنقار ففارقاه ولحقا بالسلطان. وَأَن السُّلْطَان بعث إِلَيْهِ من غَزَّة بقاضي الْقُضَاة صدر الدّين الْمَنَاوِيّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره وَمَعَهُ نَاصِر الدّين مُحَمَّد الرماح أَمِير أخور وطغاي تمر مقدم البريدية وَكتب لَهُ أَمَانًا وَأَنه بَاقٍ على كفَالَته بِالشَّام إِن أَرَادَ ذَلِك. وَكتب إِلَيْهِ الْأُمَرَاء يَقُولُونَ لَهُ: أَنْت أَبونَا وأخونا وَأَنت أستاذنا فَإِن أردْت الشَّام فَهِيَ لَك وَإِن أردْت مصر كُنَّا مماليكك وغلمانك فصن الدِّمَاء. وَكَانَ الْأُمَرَاء والعسكر فِي غَايَة الْخَوْف مِنْهُ لقُوته وَكَثْرَة عدده وتفرقهم وَاخْتِلَافهمْ فَسَار إِلَيْهِ القَاضِي وحدثه فِي الصُّلْح ووعظه وحذره الشقاق وَالْخُرُوج عَن طَاعَة السُّلْطَان. فَقَالَ: لَيْسَ لي مَعَ السُّلْطَان كَلَام وَلَكِن يُرْسل إِلَى الْأَمِير يشبك وسودون طاز وجركس المصارع وجماعه عينهم وَيعود الْأَمِير أيتمش كَمَا كَانَ هُوَ وَجَمِيع الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه. فَإِن فعل ذَلِك وَإِلَّا فَمَا بيني وَبينهمْ إِلَّا السَّيْف. وَثَبت على ذَلِك فَقَامَ القَاضِي ليخرج فَخرج مَعَه بِنَفسِهِ إِلَى خَارج الْخَيْمَة وأركبه فرسا فِي غَايَة الْحسن وعضده لما ركب. فَقدم القَاضِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشرينه وَمَعَهُ أحد خاصكية السُّلْطَان مِمَّن كَانَ عِنْد تنم وعوقه نَحْو أَرْبَعَة أشهر عَن الْحُضُور وَأعَاد الْجَواب فاتفق الْجَمِيع على محاربته. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثَالِث عشرينه: ورد الْخَبَر أَنه ركب. مِمَّن مَعَه يُرِيد الْحَرْب فَسَار السُّلْطَان بعساكره من غَزَّة إِلَى أَن أشرف على الجينين قريب الظّهْر فعاين تنم قد صف عساكره وَيُقَال إِنَّهُم خَمْسَة آلَاف فَارس وَسِتَّة آلَاف راجل. فتقدمت عَسَاكِر السُّلْطَان إِلَيْهِم وقاتلوهم فَلم يكن غير يسير حَتَّى انْهَزَمت عَسَاكِر تنم وَوَقع فِي الْأسر تنم نَائِب الشَّام وأقبغا نَائِب حلب وَيُونُس نَائِب طرابلس وَأحمد ابْن الشَّيْخ عَليّ وَفَارِس حَاجِب الْحجاب وبيغوت وشادي خجا وبيرم رَأس نوبَة أيتمش وجلبان نَائِب حلب. وَمن أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات مَا ينيف على مائَة أَمِير وفر أيتمش وتغري بردى وَيَعْقُوب شاه أرغون شاه وطيفور فِي ثَلَاثَة آلَاف إِلَى دمشق(6/24)
ليملكوها. وعندما قبض على تنم كتب إِلَى دمشق بالنصرة ومسك تنم فوصل الْبَرِيد بذلك يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه على نَائِب الْغَيْبَة بِدِمَشْق فَنُوديَ بذلك. ثمَّ قدم الْأَمِير أيتمش إِلَى دمشق يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه فَقبض عَلَيْهِ وعَلى تعري بردى وطيفور وأقبعا اللكاش وحبسوا بدار السَّعَادَة. ثمَّ مسك بعد يَوْمَيْنِ أرغون شاه وَيَعْقُوب شاه. وَتقدم القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب إِلَى دمشق فَقَدمهَا فِي يَوْم السبت سلخه. وَأما يلبغا الْمَجْنُون فَإِنَّهُ نزل البير الْبَيْضَاء فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير بيبرس أَمَانًا فَقبض على من أحضرهُ إِلَيْهِ وطوقه بالحديد. فاستعد النَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَبَاتُوا لَيْلَة السبت على أهبة اللِّقَاء. وَركب الْأُمَرَاء كلهم بكرَة يَوْم السبت سلخه إِلَى قبَّة النَّصْر خَارج الْقَاهِرَة وَأَقْبل يلبغا الْمَجْنُون فواقعهم عِنْد بساتين المطرية وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَقصد الْقلب وَفِيه سودون بن زادة وأينال حطب وثلاثمائة من المماليك السُّلْطَانِيَّة فأطبق عَلَيْهِ الْأَمِير بيبرس من الميمنة وَمَعَهُ الْأَمِير يلبغا السالمي وساعدهما إينال باي. مِمَّن مَعَه من الميسرة فتقنطر سودون من زادة وخرق يلبعا المحنون الْقلب فِي عشْرين فَارِسًا وَصَارَ إِلَى جِهَة الْجَبَل الْأَحْمَر وانكسر سَائِر من مَعَه من الْأُمَرَاء وَغَيرهم فَتَبِعهُمْ الْعَسْكَر وَفِي ظنهم أَن يلبغا الْمَجْنُون فيهم فأدركوا الْأَمِير تمربغا المنجكي بالزيات وأخذوه وَأخذ طلب يلبغا الْمَجْنُون من عِنْد خليج الزَّعْفَرَان بِرَأْس الريدانية فَوجدَ فِيهِ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر الأستادار والأمير بيسق أَمِير أخور فأطلقوهما ونهبوه وَعَاد الْعَسْكَر إِلَى تَحت القلعة. وَسَار الْمَجْنُون فِي عشْرين فَارِسًا مَعَ ذيل الْجَبَل إِلَى تجاه دَار الضِّيَافَة. فَلَمَّا رأى كَثْرَة من اجْتمع من الْعَامَّة خَافَ مِنْهُم أَن يرجموه فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم ترجوني بِالْحِجَارَةِ وَأَنا أرجمكم بِالذَّهَب فدعوا لَهُ وتركوه فَسَار من خلف القلعة وَمضى إِلَى جِهَة الصَّعِيد من غير أَن يعرف بِهِ الْأُمَرَاء. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين عَليّ بن طرنطاي كاشف الْوَجْه البحري وتغري برمش وَالِي الشرقية. شهر شعْبَان أَوله الْأَحَد: فِي أَوله: قدم الْأَمِير سيف الدّين جكم رَأس نوبَة إِلَى دمشق وَقيد أيتمش وَمن مَعَه(6/25)
ونقلهم من دَار السَّعَادَة إِلَى قلعة دمشق ونادى فِي النَّاس بالأمان وَمنع المماليك السُّلْطَانِيَّة من المعرض للنَّاس وَألا ينزلُوا دَاخل الْمَدِينَة. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ قَالَ: وصل الْأَمِير سردون الدوادار قريب السُّلْطَان وَقد وَالِي نِيَابَة دمشق وَمَعَهُ الْأَمِير تنم وَعشرَة من الْأُمَرَاء فِي الْقُيُود فحبسهم بالقلعة أَيْضا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُور: دخل السُّلْطَان الْملك النَّاس بأمرائه وعساكره إِلَى قلعة دمشق فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وسر النَّاس بِهِ سُرُورًا كَبِيرا. وَقدم مَعَه شرف الدّين مَسْعُود وَقد اسْتَقر فِي قَضَاء دمشق عوضا عَن الأخناي. وَوَقعت الحوطة على حَوَاشِي تنم وأسبابه وعَلى ابْن الطبلاوي. وَلم يفقد فِي هَذِه الْوَاقِعَة من الْأَعْيَان سوى الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن تنكز فَإِنَّهُ وَفِي خامسه: خلع على الْأَمِير سودون الدوادار بنيابة دمشق وعَلى الْأَمِير دمرداش نَائِب حماة بنيابة حلب وعَلى الْأَمِير شيخ المحمدي بنيابة طرابلس وعَلى الْأَمِير دقماق بنيابة حماة وعَلى الْأَمِير ألطنبغا العثماني بنيابة صفد على عَادَته وعَلى الْأَمِير جنتمر التركماني نَائِب حمص بنيابة بعلبك وعَلى الْأَمِير بشباي حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد بن الأخناي وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق وعزل مَسْعُود فَكَانَت ولَايَته مُنْذُ كتب توقيعه نَحْو ثَمَانِينَ يَوْمًا لم يُبَاشر فِيهَا بِدِمَشْق سوي ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى تَقِيّ الدّين عبد الله بن الكفري بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن الْبَدْر مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فاستناب صدر الدّين على بن أَمِين الدّين بن الْآدَمِيّ وعَلى شمس الدّين مُحَمَّد النابلسي بِقَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن مُفْلِح. وَفِيه قبض على الْأَمِير كمشبغا الخضري وبتخاص الخاصكي من أَصْحَاب يلبغا الْمَجْنُون وسجنا بقلعة الْجَبَل. وَورد الْخَبَر بِأَن يلبغا الْمَجْنُون فِي نَحْو الْمِائَة وَأَنه أَخذ خيل وَالِي الفيوم وبغال قاضيها واستخدم عدَّة وَتوجه إِلَى الميمون. وَفِي تاسعه: اسْتَقر مَسْعُود فِي قَضَاء طرابلس. وَفِي عاشره: اسْتَقر جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن عرب فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضى ممال وعد بِهِ.(6/26)
وَفِي ثَانِي عشره: قدم أسنبغا العلاي بِخَبَر دُخُول السُّلْطَان إِلَى دمشق وَوُقُوع أيتمش وَغَيره من الْأُمَرَاء فِي القبضة فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل وَنُودِيَ بتقوية الزِّينَة. وَأما الأسعار فَإِنَّهَا تزايدت بِالْقَاهِرَةِ وَبلغ الْقَمْح خَمْسَة وَسبعين درهما الأردب والحملة الدَّقِيق ماية وَعشْرين درهما وَالْخبْز ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم. وَفِي لَيْلَة الرَّابِع عشر: ذبح بقلعة دمشق أَرْبَعَة عشر أَمِيرا وهم: الْأَمِير أيتمش وأقبغا اللكاش وجلبان الكمشبغاوي وأرغون شاه وَفَارِس الْحَاجِب وَيَعْقُوب شاه وبيقجا طيفور حَاجِب دمشق وَأحمد بن يلبغا الخاصكي الْعمريّ وبيغوت اليحياوي ومبارك الْمَجْنُون وبهادر العثماني نَائِب البيرة. وجهزت رَأس أيتمش وَرَأس فَارس إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي رَابِع عشره: توجه الْأَمِير دمرداش المحمدي نَائِب حلب من دمشق إِلَيْهَا وَتوجه من الْغَد الْأَمِير دقماق نَائِب حماة إِلَيْهَا. وَتوجه فِي سادس عشره الْأَمِير شيخ نَائِب طرابلس إِلَيْهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر من الرحبة إِلَى السُّلْطَان بِدِمَشْق أَن السُّلْطَان أَحْمد بن أويس متملك بَغْدَاد والأمير قرا يُوسُف التركماني فرا هاربين فِي نفر يسير إِلَى الْفُرَات فمنعا من التَّعْدِيَة حَتَّى يرسم لَهما بذلك. وَفِيه خلع على الْأَمِير يشبك الخازندار وَاسْتقر دوادارا عوضا عَن الْأَمِير سودون الْمُنْتَقل لنيابة الشَّام. وَفِي تَاسِع عشره: وصل الْبَرِيد من دمشق برأسي أيتمش وَفَارِس فعلقتا على بَاب قلعة الْجَبَل ونقلا من الْغَد إِلَى بَاب زويلة وعلقا عَلَيْهِ إِلَى ثَالِث عشرينه سلما لأهلهما وَقَالَ فِي ذَلِك الْمُقْرِئ الأديب شهَاب الدّين أَحْمد الأوحدي: يَا دهركم تفني الْكِرَام عَامِدًا هَل أَنْت سبع للوري ممارس(6/27)
أيتمش رب الْعلَا صرعته ورحت لليث الهمامفارس وَقَالَ: أرى الْعِزّ الْكِرَام من البرايا تحكم فيهم أهل المناحس وَلَوْلَا جور حكم الدَّهْر فيهم لما ظَفرت جراكسة بِفَارِس وَقَالَ أَيْضا: أيا فرسَان الوغا أُمَرَاء مصر ذللتم للجراكسة العوابس وَلَوْلَا طبع هَذَا الدَّهْر غدر لأعجزهم من الفرسان فَارس وَفِيه أفرج عَن سراج الدّين عمر الدمياطي وَبعث الْأَمِير يلبغا السالمي من مَال الدِّيوَان الْمُفْرد برسم نَفَقَة المماليك مبلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار إِلَى دمشق. وَخرج من الْقَاهِرَة لتعبئة الإقامات السُّلْطَانِيَّة إِلَى قطيا وَقبض على الْأَمِير طولو بِالْقَاهِرَةِ فسجن وَفِي سَابِع عشرينه: ولى الْملك النَّاصِر بِدِمَشْق السَّيِّد الشريف عَلَاء الدّين عَليّ بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عدنان نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق كِتَابَة السِّرّ بهَا وَصرف نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْكَتَائِب بن أبي الطّيب. شهر رَمَضَان أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي لَيْلَة الْخَمِيس رابعه: قتل الْأَمِير تنم نَائِب الشَّام والأمير يُونُس الرماح نَائِب طرابلس بقلعة دمشق خنقاً بعد أَن استصفيت أموالهما وَلم يبْق لَهما شَيْء ثمَّ سلما إِلَى أهلهما فَدفن تنم بتربته بميدان الْحَصَى خَارج دمشق وَدفن يُونُس بالصالحية. فَكَانَت مُدَّة ولَايَة تنم نِيَابَة الشَّام سبع سِنِين وَسِتَّة أشهر وَنصفا وَولَايَة يُونُس طرابلس نَحْو سِتّ سِنِين. وَكَانَ سودون الظريف نَائِب الكرك قد خرج مِنْهَا وَقدم دمشق على السُّلْطَان بعد أَن اسْتخْلف على الكرك الْحَاجِب شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس فعزل سودون فِي هَذَا الْيَوْم وَأقَام السُّلْطَان فِي نِيَابَة الكرك الْأَمِير سيف الدّين بدخاص السودوني وَخرج إِلَيْهَا.(6/28)
وَفِيه خرج السُّلْطَان من قلعة دمشق بعساكره وَنزل الْكسْوَة يُرِيد مصر فَكَانَت إِقَامَته بِدِمَشْق أحدا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَأخرج ابْن الطلاوي وَابْن أبي الطّيب كَاتب السِّرّ - فِي الترسيم بَعْدَمَا أهينا وَأخذت أموالهما. وَسَار الْبَرِيد إِلَى الْقَاهِرَة بِخُرُوج السُّلْطَان من دمشق فَقدم فِي ثامنه فدقت البشائر ثَلَاثَة أَيَّام بقلعة الْجَبَل. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة أَن يبيض النَّاس حوانيتهم وظواهر أملاكهم وكثروا الْقَنَادِيل الَّتِي تعلق على الحوانيت كل لَيْلَة. وَفِي ثَانِي عشره: نزل السُّلْطَان غَزَّة. وَقتل ابْن الطبلاوي. وَقدم الْحَرِيم السلطاني إِلَى الْقَاهِرَة فَدخل قلعة الْجَبَل فِي عشرينه وَدخل أَيْضا ابْن أبي الطِّبّ محتفظاً بِهِ فزينت الْقَاهِرَة ومصر. وَفِيه قدم القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج النَّاس إِلَى لِقَاء القادمين. وَفِي سادس عشرينه: قدم السُّلْطَان وَقد فرشت لَهُ شقَاق الْحَرِير من تربة يُونُس عِنْد قبَّة النَّصْر إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَفِي ثامن عشرينه: أنعم على كل من الْأَمِير قطلوبغا الحسني الكركي بإقطاع الْأَمِير سودون - نَائِب الشَّام - وإمرة ماية تقدمة ألف وعَلى الْأَمِير أقباي الكركي الخازندار بإقطاع الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب طرابلس وعَلى الْأَمِير جركس القاسمي المصارع بإقطاع مبارك شاه وعَلى الْأَمِير جكم بإقطاع دقماق المحمدي وعَلى الطواشي مقبل الزِّمَام بإقطاع الْأَمِير الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك وعَلى الطواشي سعد الدّين صَوَاب السَّعْدِيّ جنكل بإقطاع مقبل وبإقطاع صَوَاب على الطواشي شاهين الْحلَبِي نَائِب الْمُقدم. وَفِي آخِره: كثر ازدحام النَّاس على شِرَاء روايا المَاء بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها حَتَّى بلغت الراوية أَرْبَعَة دَرَاهِم بعد دِرْهَم وَنصف. وَعجز كثير من النَّاس عَن شِرَائهَا لعظم(6/29)
الازدحام وَكَثْرَة تلقي السقائين من الْبَحْر. وَصَارَ النَّاس يخرجُون بِأَنْفسِهِم وعبيدهم وإمائهم وغلمانهم فينقلون المَاء من الْبَحْر إِلَى دُورهمْ على البغال وَالْحمير وَفِي الجرار على الروس. وتزايد الْعَطش بِالنَّاسِ. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك شدَّة الْحر المفرط وقدوم الْعَسْكَر فَكَانَ من ذَلِك مَا لم يعْهَد مثله. وَفِي هَذَا الشَّهْر: امْتنع شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس بالكرك على الْأَمِير بتخاص فَكَانَت بَينهمَا حروب شَدِيدَة طَوِيلَة هلك فِيهَا كثير من النَّاس وَخَربَتْ عدَّة من الْقرى. شهر شَوَّال أَوله الْأَرْبَعَاء: وَفِيه قبض على عَلَاء الدّين ألطنبغا وَإِلَى الْعَرَب نَائِب الْوَجْه القبلي وَسلم إِلَى الْوَالِي. وَاسْتقر دمرداش السيفي نَائِب الْوَجْه القبلي وَصرف مبارك شاه وأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه. وَأَفْرج عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي الطّيب كَاتب سر دمشق. وَقدم مَمْلُوك يلبغا الْمَجْنُون بكتابه يسْأَل نِيَابَة الْوَجْه القبلي فرسم أَن يخرج إِلَيْهِ تجريدة فِيهَا الْأَمِير تمراز ويلبغا الناصري وأقباي الْحَاجِب وأينال باي وبكتمر ونوروز الحافظي وأسنبغا وتتمة ثَمَانِيَة عشر أَمِيرا. وَأَن يكون مقدمهم الْأَمِير نورور وَخَرجُوا فِي ثَالِث عشره وَمَعَهُمْ نَحْو وَفِي رَابِع عشره: أُعِيد شمس الدّين مُحَمَّد البخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَصرف الطنبدي. وَورد الْخَبَر بِأَن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري حَارب يلبغا الْمَجْنُون فِي شَرق أبويط. وَقبض على أَمِير على دواداره وعَلى نَائِب الْوَجْه البحري وعَلى أياس الكمشبغاوي الخاصكي وعَلى جمَاعَة من أَصْحَابه وَأَنه فر وَنزل الْبَحْر فغرق بعرسه وغرق مَعَه جمَاعَة وَأَنه أخرج من النّيل فَوجدَ قد أكل السّمك لحم وَجهه فَتوجه الْبَرِيد لرجوع الْأُمَرَاء. وَفِيه اسْتَقر سنقر السيفي فِي ولَايَة أشموم الرُّمَّان وعَلى بن قرط فِي ولَايَة أسوان. وَفِي ثامن عشره: برز الْمحمل وأمير الْحَاج بيسق إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: اسْتَقر عَليّ بن حَمْزَة - أحد مقدمي الْحلقَة - فِي ولَايَة منوف وَصرف مُحَمَّد بن الطَّوِيل وَضرب بالمقارع عِنْد الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي الدوادار. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشرينه: - وَالنَّاس فِي انْتِظَار الصَّلَاة بالجوامع - ارتجت الْقَاهِرَة وظواهرها وَقيل قد ركب الْأُمَرَاء والمماليك فغلقت أَبْوَاب الْجَوَامِع وَاخْتصرَ(6/30)
الخطباء الخطة ونزلوا عَن المنابر وأوجزوا فِي الصَّلَاة وَفِي بعض الْجَوَامِع لم يخْطب وَفِي بَعْضهَا لم تصل الْجُمُعَة. وَخرج النَّاس مذعورين خوفًا من النهب وَفِيهِمْ من سقط مِنْهُ منديله أَو دَرَاهِمه وَلم يع لذَلِك وأغلقت الْأَسْوَاق واختطف النَّاس الْخبز فَلم يظْهر للإشاعة صِحَة وَإِنَّمَا كَانَ سَبَب ذَلِك أَن مملوكين تخاصما تَحت القلعة وَكَانَ حمَار قد ربط فِي تخت من خشب فنفر من ذَلِك وسحب التخت فجفلت الْخُيُول الَّتِي تنْتَظر أَرْبَابهَا بِالْقربِ من جَامع شيخو بالصليبة حَتَّى تَنْقَضِي الصَّلَاة. فَلَمَّا رأى النَّاس الْخُيُول ظنُّوا لما فِي نُفُوسهم من الِاخْتِلَاف بَين سودون طاز أَمِير أخور ويشبك الدوادار وَأَنَّهُمْ على عزم الرّكُوب للحرب أَن الْوَاقِعَة قَامَت بَينهمَا فطار هَذَا الْخَبَر إِلَى بولاق وظواهر الْقَاهِرَة إِلَى مصر. وَفِي بَقِيَّة النَّهَار قبض وَإِلَى الْقَاهِرَة على جمَاعَة من أراذل الْعَامَّة وضربهم وشهرهم وَنُودِيَ عَلَيْهِم هَذَا جَزَاء من يكثر فضوله وَيتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه. ثمَّ نُودي من الْغَد بالأمان وَأَن من تحدث فِيمَا لَا يعنيه ضرب بالمقارع وَسمر فسكن النَّاس. وَفِيه حضر أَمِير على اليلبغاوي أَبُو دقن نَائِب الْبحيرَة وقطلو بغا دوادار الْمَجْنُون وَعمر دوادار ألطنبغا وَإِلَى الْعَرَب فسجنوا بخزانة شمايل. وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشرينه: وسادس عشْرين شهر بشنس: - أحد شهور القبط - بشر بِزِيَادَة مَاء النّيل على الْعَادة وَأَن القاع - وَهُوَ المَاء الْقَدِيم - ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف. وَكَانَ القاع فِي السّنة الْمَاضِيَة أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف. وَفِي لَيْلَة الثَّامِن وَالْعِشْرين مِنْهُ: ظَهرت نَار بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام من رِبَاط ومشت بالجانب الغربي من الْمَسْجِد فعمت النَّار واحترقت جَمِيع سقف هَذَا الْجَانِب وَبَعض الرواقين المقدمين من الْجَانِب الشَّامي وَعم الْحَرِيق فِيهِ إِلَى محاذاة بَاب دَار العجلة لخلوه بالهدم وَقت السَّيْل. وَصَارَ مَوضِع الْحَرِيق أكواماً عَظِيمَة وتكسر جَمِيع مَا كَانَ فِي مَوضِع الْحَرِيق من الأساطين وَصَارَت قطعا. وَفِي ثامن عشرينه: منع جَمِيع مباشري الدولة بديار مصر من النُّزُول إِلَى بَيت الْأَمِير يشبك الدوادار. وَذَلِكَ أَن كل من الأستادار والوزير وناظر الْجَيْش وَالْخَاص وَكَاتب السِّرّ كَانُوا مُنْذُ قدم السُّلْطَان من دمشق ينزلون من القلعة أَيَّام المواكب الْأَرْبَعَة - وَهِي يومي الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ويومي الثُّلَاثَاء والسبت - إِلَى دَار الْأَمِير يشبك ويقفون فِي خدمته ويعرضون عَلَيْهِ الْأُمُور فيأمرهم. مِمَّا يُرِيد وينهاهم عَمَّا لَا يحب فيصرفون سَائِر أَحْوَال الدولة عَن أوامره ونواهيه. فحنق من ذَلِك سودون طاز أَمِير أخور وتفاوض مَعَه(6/31)
بِمَجْلِس السُّلْطَان فِي كَفه عَن ذَلِك حَتَّى أذعن فمنعوا ثمَّ نزلُوا إِلَيْهِ على عَادَتهم وصاروا جَمِيعًا يَجْلِسُونَ عِنْده من غير أَن يقفوا. وَفِيه اسْتَقر عَليّ بن مُسَافر نَائِب الْوَجْه البحري وعزل أَحْمد بن أَسد. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن السفاح الْحلَبِي فِي نظر الأحباس وعزل بدر الدّين حسن بن الْمُرضعَة وأضيف إِلَيْهِ نظر الجوالي وتوقيع الدست. وَكَانَ قد حضر مَعَ الْعَسْكَر من دمشق. وَفِي تَاسِع عشرينه: اسْتَقر الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق فِي ولَايَة قطا ونظرها كَمَا كَانَ قبل الوزارة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْخَمِيس: فِيهِ اسْتَقر غرس الدّين خَلِيل بن الطوخي وَالِي الجيزة وعزل الْأَمِير حسن بن قراجا العلاي. وَفِي ثَانِيه: ورد الْبَرِيد من حلب ودمشق بِأَن ألقان أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد لما توجه إِلَى بَغْدَاد وَاسْتولى عَلَيْهَا كَانَ لقرا يُوسُف فِي مساعدته أثر كَبِير فعندما تمكن قبض على كثير من أُمَرَاء دولته وقتلهم وَأكْثر من مصادرات أهل بَغْدَاد وَأخذ أَمْوَالهم فثار عَلَيْهِ من بَقِي من الْأُمَرَاء وأخرجوه مِنْهَا وكاتبوا صَاحب شيراز أَن يحضر إِلَيْهِم فلحق ابْن أويس بقرًا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد التركماني صَاحب الْموصل واستنجد بِهِ فَسَار مَعَه إِلَيْهَا فَخرج أهل بَغْدَاد وكسروهما بعد حروب فانهزما إِلَى شاطئ الْفُرَات وبعثا يسألان نايب حلب أَن يسْتَأْذن السُّلْطَان فِي نزولهما بِالشَّام. وَأَن الْأَمِير دمرداش استدعي الْأَمِير دقماق نايب حماة إِلَى حلب وخرجا فِي عَسْكَر جَرِيدَة يبلغ عَددهمْ الْألف وكبسا ابْن أويس وقرا يُوسُف وهما فِي نَحْو سَبْعَة آلَاف فَارس فاقتتلا قتالاً شَدِيدا فِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشْرين شَوَّال قتل فِيهِ الْأَمِير جاني بلث اليحياوي أتابك حلب وَأسر دقماق نَائِب حماة وَانْهَزَمَ دمرداش نَائِب حلب وَصَارَ إِلَى حلب ولحقه بعد ان افتك نَفسه بِمِائَة ألف دِرْهَم وعد بهَا وَأَن سودون بن واده - القادم من مصر إِلَى حلب بالبشارة بقدوم السُّلْطَان إِلَى مصر سالما - بعث الْمِائَة ألف إِلَيْهِمَا مبعثا إِلَيْهِ:(6/32)
إِنَّا لم نأت محاربين وَإِنَّمَا جِئْنَا مستجيرين ومستنجدين بسُلْطَان مصر فحاربنا هَؤُلَاءِ فدفعنا عَن أَنْفُسنَا. فَكتب إِلَى نَائِب الشَّام بمسير عَسَاكِر الشَّام جَمِيعًا وَأخذ ابْن أويس وترا يُوسُف وإرسالهما إِلَى مصر. وَفِي ثامنه: اسْتَقر أَمِير سعيد بن أَمِير فرج بن أيدمر فِي ولَايَة الغربية وَصرف مُحَمَّد ابْن غرلو. وَفِيه توقفت زِيَادَة مَاء النّيل ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا الْخَمِيس فَركب عدَّة من الْأُمَرَاء وكبسوا أَمَاكِن اجْتِمَاع النَّاس للفرجة ونهوا عَن عمل الْفَوَاحِش فَزَاد يَوْم الْأَحَد واستمرت الزِّيَادَة. وَورد الْخَبَر بِأَن مُحَمَّد بن عمر الهواري قَابل الْأُمَرَاء المجردين بالصعيد وَأَنَّهُمْ خلعوا عَلَيْهِ وفر عُثْمَان بن الأحدب فتتبع حَتَّى أَخذ. وَفِيه اسْتَقر عمر بن مَمْدُود الكوراني فِي ولَايَة مصر عوضا عَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين. وَبقيت ولَايَة الْقَاهِرَة بيد ابْن الزين. وَاسْتقر أَبُو بكر بن بدر فِي ولَايَة قليوب وعزل بلبان. وَفِيه توجه عبد الرَّحْمَن المهتار إِلَى الكرك فَقَدمهَا فِي سادس عشرينه وَطلب من منجد بن خاطر أَمِير بني عقبَة أَرْبَعمِائَة بعير وعد بهَا فِي الإمرة وَوجد بتخاص لم يتسلم الكرك لِامْتِنَاع شهر ذِي الْحجَّة أَوله السبت: فِيهِ ورد الْخَبَر من مَكَّة بحريق الْحرم الَّذِي تقدم ذكره وَأَنه تلف بِهِ ثلث الْحرم. وَلَوْلَا مَا سقط قبل ذَلِك من السَّيْل لأتت النَّار على ساير الْحرم وَأَنه تلف فِيهِ من الْعمد الرخام مائَة وَثَلَاثُونَ عموداً فهال النَّاس ذَلِك وتحدث أهل الْمعرفَة بِأَن هَذَا مُنْذر بحادث جليل يَقع فِي النَّاس فَكَانَ كَذَلِك. وَوَقعت المحن الْعَظِيمَة بقدوم تمرلنك كَمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله. وَفِي خامسه: رسم باستقرار عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء فِي قَضَاء دمشق وعزل الإخناي. ثمَّ انْتقض ذَلِك وَاسْتقر عوضه أَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء ثمَّ أعرض عَنْهَا وَاسْتقر عَلَاء الدّين فِي خَامِس عشره.(6/33)
وَفِي ثامنه وَهُوَ سَابِع مسرى: أوفي مَاء النّيل سِتَّة عشره ذِرَاعا فَركب الْأَمِير يشبك وَخلق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة بَعْدَمَا عزم السُّلْطَان على الرّكُوب لذَلِك ثمَّ تَركه خوفًا من الْفِتْنَة. وَفِي يَوْم عَرَفَة: أفرج عَن الْأَمِير تغري بردى والأمير أقبغا الأطروش نَائِب حلب من سجنهما بقلعة دمشق وحملا إِلَى الْقُدس ليقيما بِهِ بطالين. وَظهر الْأَمِير صرق من اختفائه بِدِمَشْق فَأكْرمه نَائِب الشَّام وَكَاتب فِيهِ فأنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بحلب وَسَار إِلَيْهَا. وَفِي ثَالِث عشره: قدم حَاجِب الْأَمِير نعير بن حيار أَمِير آل فضل وقاصد نَائِب حلب ونائب بهسنا بِأَن نَائِب بهسنا جمع من التركمان كثيرا وواقع أَحْمد بن أويس صَاحب بَغْدَاد وكسره وَنهب مَا مَعَه وَبعث بِسَيْفِهِ. وَيُقَال إِنَّه سيف عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ. وَفِي سَابِع عشره: نزل تيمورلنك على مَدِينَة سيواس ففر مِنْهَا الْأَمِير سُلَيْمَان بن خوندكار أبي يزِيد بن عُثْمَان إِلَى أَبِيه فاستمر تيمور يحاصرها. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: اتّفق مماليك الْأَمِير نوروز على قَتله. فَلَمَّا بلغه ذَلِك احْتَرز مِنْهُم بداره وَأصْبح قبض على جمَاعَة مِنْهُم وغرف مِنْهُم فِي النّيل أَرْبَعَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: أُعِيد موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة وَصرف نور الدّين عَليّ الحكري. وَاسْتقر شهَاب الدّين أَحْمد اليغموري الدِّمَشْقِي فِي نِيَابَة الأستادار بالبلاد الشامية. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج واخبروا بسلامة الْحجَّاج. وَفِي هَذِه السّنة: ملك الْأَمِير تيمورلنك مَدِينَة دله من الْهِنْد وَقد مَاتَ ملكهَا فَيْرُوز شاه بن نَصره شاه. وَكَانَ من عُظَمَاء مُلُوك الْإِسْلَام فَملك بعده مَمْلُوكه ملو وَعَلِيهِ قدم تيمور ففر مِنْهُ وأوقع تيمور بِالْمَدِينَةِ وَمَا حولهَا وخربها وَسَار عَنْهَا فَعَاد إِلَيْهَا ملو وَقد خربَتْ فمضي مِنْهَا إِلَى السُّلْطَان.(6/34)
وَمَات فِي هَذِه السّنة الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن حسن بن موسي بن أَيُّوب الأبناسي الشَّافِعِي بطرِيق مَكَّة فِي ثامن الْمحرم. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ الْحلَبِي وَالِي الغربية وَكَاشف الْوَجْه البحري فِي حادي عشْرين ربيع الأول. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح الْحَنْبَلِيّ وَهُوَ قَاض فِي ثامن ربيع الأول عَن نَحْو أَربع وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ عفيفاً جميل السِّيرَة. وَمَات الْمعلم شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الطولوني المهندس بطرِيق مَكَّة فِي صفر. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن على الْحَنَفِيّ وَهُوَ مَعْزُول فِي عَاشر جُمَادَى الأولى. وَمَات شيخ الشُّيُوخ شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن شيخ الشُّيُوخ نظام الدّين إِسْحَاق بن عَاصِم الْأَصْفَهَانِي بخانقاة سرياقوس فِي خَامِس عضرين ربيع الآخر. وَمَات الْأَمِير الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك فِي سَابِع عشر رَجَب. وَمَات الْفَقِير المعتقد المجذوب سُلَيْمَان السواق الْقَرَافِيّ فِي تَاسِع عشر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير قشتمر بن قجماس أَخُو الْأَمِير أينال باي فِي ثامن ربيع الأول قَتِيلا. وَمَات الْأَمِير قطلوبك الحسامي المنجكي بالينبع من الْحجاز. وَمَات قرابغا الأسنبغاوي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جمال الدّين عبد الله ابْن الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب فِي خَامِس عشْرين ربيع الآخر.(6/35)
وَمَات الْأَمِير ينتمر المحمدي الْحَاجِب. وَمَاتَتْ خوند التنكزية بنت الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون امْرَأَة الْأَمِير تنكز بغا فِي ثامن صفر. وَمَاتَتْ شيرين أم الْملك النَّاصِر فرج فِي لَيْلَة السبت أول ذِي الْحجَّة. ودفنت بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة بَين القصرين. وَمَات الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف الهذباني فِي ثامن ذِي الْحجَّة بِدِمَشْق ومولده سنة أَربع وَسَبْعمائة تخمينا وتأمر فِي أَيَّام النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وباشر ولَايَة الْوُلَاة بِدِمَشْق وَأَعْلَى تقدمة ألف بهَا وَولى نِيَابَة قلعة دمشق غير مرّة. وَكَانَ شيخ الطّور وَحصل فِيهَا مَالا كثيرا ونكب غير مرّة وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا. وَكَانَت فِيهِ دعابة مفرطة. وَمَات بالقدس شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَافِظ أبي سعيد صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلاي فِي شهر ربيع الأول ومولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق جمع الْكثير وَقدم الْقَاهِرَة وَأقَام بالقدس ورحل النَّاس إِلَيْهِ.(6/36)
سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَحَد تَاسِع عشْرين مسرى: والأردب الْقَمْح من خمسين إِلَى مَا دونهَا وَالشعِير والفول بِثَلَاثِينَ فَمَا دونهَا. وَالدِّينَار الأفرنتي بِتِسْعَة وَعشْرين درهما. وَفِي ثالثه: خلع على الْأَمِير تغري برمش السيفي مُتَوَلِّي الشرقية لولاية الْقَاهِرَة عوضا عَن شهَاب الدّين أَحْمد بن الزين. وَفِي سادسه: قدم الْبَرِيد من دمشق بِأَن تمرلنك نزل على سيواس وَانْهَزَمَ سُلَيْمَان ابْن أبي يزِيد بن عُثْمَان وقرا يُوسُف بن قرا مُحَمَّد إِلَى جِهَة برصا بلد الرّوم وَأَنه أَخذ سيواس وَقتل من أَهلهَا جمَاعَة كَبِيرَة. وَفِي تاسعه: وَردت رسل ابْن عُثْمَان فَكتبت أجوبة كتبهمْ وسفروا. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره: اسْتَقر القَاضِي نور الدّين على بن الْجلَال يُوسُف بن مكي الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون على مَال وعد بِهِ. وَفِي رَابِع عشره: استدعي إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بِالْقصرِ من القلعة قاني باي العلاي رَأس نوبَة أحد الطبلخاناه وَأمر بِلبْس تشريف نِيَابَة غَزَّة فَامْتنعَ من ذَلِك فَقبض عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْأَمِير أقباي حَاجِب الْحجاب فَأَقَامَ عِنْده إِلَى آخر النَّهَار فَاجْتمع طَائِفَة من المماليك السُّلْطَانِيَّة يُرِيدُونَ أَخذه فخاف وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل وشاور فِي أمره فَأخْرج عَنهُ وَبقيت عَلَيْهِ إمرته. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير جركس السودوني - وَيُقَال لَهُ أَبُو تنم - فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن الْأَمِير بتخاص من غير أَن يتسلمها فَسَار جركس إِلَيْهَا ودخلها من غير أَن ينازعه شعْبَان بن أبي الْعَبَّاس وَأقَام بهَا وَقد عَمها الخراب وَتلف أَكثر الْقرى(6/37)
لشدَّة مَا كَانَ من بتخاص وَابْن أبي الْعَبَّاس من الْفِتَن والحروب. وَفِي عشرينه: اسْتَقر مُحَمَّد بن العادلي وَالِي منوف وعزل عَلَاء الدّين بن حَمْزَة. وَفِي رَابِع عشرينه اسْتَقر: بلبان وَإِلَى أسوان وعزل عَليّ بن قرط. وَفِي خَامِس عشرينه: ورد الْبَرِيد من حلب بِأخذ تمرلنك سيواس وملطية. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْبَرِيد من حلب بوصول أَوَائِل عَسْكَر تمرلنك إِلَى عين تَابَ فأدركوا الْمُسلمين. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا واثني عشر إصبعاً وَثَبت إِلَى سَابِع عشر توت. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْوَزير الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن رَجَب بن كلفت فِي شدّ الدَّوَاوِين عوضا عَن الشريف عَلَاء الدّين على الْبَغْدَادِيّ. وَفِيه استدعى الْخَلِيفَة وقضاة الْقَضَاء والأمراء وأعيان الدولة وأعلموا أَن تمرلنك وصل إِلَى سيواس وَأَخذهَا ووصلت مقدمته إِلَى مرعش وَعين تَابَ وَالْقَصْد أَخذ مَال من التُّجَّار إِعَانَة على النَّفَقَة فِي العساكر. فَقَالَ الْقُضَاة: أَنْتُم أَصْحَاب الْيَد وَلَيْسَ لكم معَارض وَإِن كَانَ الْقَصْد الْفَتْوَى فَلَا يجوز أَخذ مَال أحد وَيخَاف من الدُّعَاء على العساكر إِن أَخذ مَال التُّجَّار فَقيل لَهُم نَأْخُذ نصف الْأَوْقَاف نقطعها للأجناد البطالين فَقيل وَمَا قدر ذَلِك وَمَتى اعْتمد فِي الْحَرْب على البطالين من الأجناد خيف أَن يَأْخُذُوا المَال ويميلون عِنْد اللِّقَاء مَعَ من غلب وَطَالَ الْكَلَام حَتَّى اسْتَقر الرَّأْي على إرْسَال الْأَمِير أسنبغا الْحَاجِب لكشف الْأَخْبَار وتجهيز عَسَاكِر الشَّام إِلَى جِهَة تمرلنك. وَفِي سلخه: اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه حاجباً ثَانِيًا عوضا عَن دقماق نَائِب حماة وأضيف إِلَى تغري برمش وَإِلَى الْقَاهِرَة الحجوبية على عَادَة ابْن الزين. وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الأعسر كاشف الفيوم وواليها كاشف البهنساوية والأطفيحية وعزل أسنبغا.(6/38)
شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: وَفِي خامسه: اسْتَقر حسام الدّين بن قراجا العلاي وَالِي الجيزة وَصرف خَلِيل بن الطوخي. وَفِيه سَار الْأَمِير أسنبغا لكشف أَخْبَار تمرلنك. وأنعم على أقبغا الجمالي نَائِب - كَانَ - بنيابة غَزَّة ثمَّ بَطل ذَلِك. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْبَرِيد من حلب بِكِتَاب النَّائِب وَكتاب أسنبغا أَن تمرلنك نزل على قلعة بهسنا بَعْدَمَا ملك الْمَدِينَة وَأَنه يحاصرها وَقد وصلت عساكره إِلَى عينتاب فَوَقع الشُّرُوع فِي حَرَكَة السّفر. وَفِي حادي عشرينه: خلع عَليّ بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مقلد الْقُدسِي الْحَنَفِيّ بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن تَقِيّ الدّين عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الْمَعْرُوف بِابْن الكفري. وَفِي رَابِع عشرينه: خرج الْأَمِير يلبغا السالمي إِلَى شبْرًا الْخيام - من ضواحي الْقَاهِرَة - وَكسر بهَا من جرار الْخمر أَرْبَعَة وَأَرْبَعين ألف جرة وأراق مَا فِيهَا وَخرب بهَا كَنِيسَة لِلنَّصَارَى. وَعَاد فِي أَخّرهُ وَمَعَهُ عدَّة م أحمال من جرار الْخمر فَكَسرهَا عِنْد بَاب زويلة وَتَحْت القلعة. وَمن حِينَئِذٍ تلاشى حَال أهل شبْرًا ومنية الشيرج فَإِن مُعظم أَمْوَالهم كَانَ من عصير الْخمر وَبيعه. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر طيبغا الزيني كاشف الْوَجْه البحري وعزل ابْن طرنطاي. وَفِي ثَانِيه: عمل السُّلْطَان المولد النَّبَوِيّ على الْعَادة. وَفِي ثالثه: علق جاليش السّفر وَأخذ الْعَسْكَر فِي أهبة السّفر. وَذَلِكَ أَنه قدم الْبَرِيد من أسنبغا أَن تمرلنك نزل على بزاعة ظَاهر حلب فبرز نَائِب طرابلس بسبعمائة فَارس إِلَى حاليش تمرلنك وهم نَحْو ثَلَاثَة آلَاف. وترامي الْجَمْعَانِ بالنشاب ثمَّ اقْتَتَلُوا وَأخذ من التتار أَرْبَعَة وَعَاد كل من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى مَوْضِعه فوسط الْأَرْبَعَة على أَبْوَاب مَدِينَة(6/39)
حلب. وَأما دمشق فَإِن أهل محلاتها اجْتَمعُوا فِي ثَانِيَة وَمَعَهُمْ أهل النواحي بالميدان وحملوا الصناديق الخليفتية وشهروا السيوف ولعبوا بَين يَدي النَّائِب ثمَّ انْفَضُّوا. وَخرج فِي ثالثه الْقُضَاة فِي جمع كَبِير وَنَادَوْا بِقِتَال تمرلنك وتحريض النَّاس عَلَيْهِ وَعرض النَّائِب العشران بالميدان وَفرض على الْبَسَاتِين والدور مَالا وَقدم الْأَمِير أسنبغا من الْقَاهِرَة فِي سابعه بتجهيز العساكر وَغَيرهم لِحَرْب تمرلنك. فقرئ كتاب السُّلْطَان بذلك فِي الْجَامِع وَنُودِيَ فِي تاسعه بألا يُؤْخَذ من أحد شَيْء مِمَّا فرض على الدّور وَغَيرهَا. وَفِيه قدم رَسُول تمر بكتابه للمشايخ والأمراء والقضاة بِأَنَّهُ قدم فِي عَام أول إِلَى الْعرَاق يُرِيد أَخذ الْقصاص مِمَّن قتل رسله بالرحبة ثمَّ عَاد إِلَى الْهِنْد لما بلغه مَا ارتكبوه من الْفساد فأظفره الله بهم. فَبَلغهُ موت الظَّاهِر فَعَاد وأوقع بالكرج. ثمَّ قصد لما بلغه قلَّة أدب هَذَا الصَّبِي - أبي يزِيد بن عُثْمَان - أَن يعرك أُذُنه فَفعل بسيواس وَغَيرهَا من بِلَاده مَا بَلغَكُمْ. ثمَّ قصد بِلَاد مصر ليضْرب بهَا السِّكَّة وَيذكر اسْمه فِي الخطة ثمَّ يرجع بعد أَن يُقرر سُلْطَان مصر بهَا. وَطلب أَن يُرْسل إِلَيْهِ أطلمش ليدركه إِمَّا بملطية أَو حلب أَو دمشق وَإِلَّا فَتَصِير دِمَاء أهل الشَّام وَغَيرهم فِي ذمتكم مخرج نَائِب صفد فِي رَابِع عشره وَخرجت الأطلاب فِي نصفه. وَقدم الْخَبَر من حلب بنزول تمر على بهسنا فَأخذ النَّاس فِي الرحيل من دمشق فَمَنعهُمْ النَّائِب من ذَلِك ورحل النَّائِب من برزه فِي ثَانِي عشرينه يُرِيد حلب فَلَقِيَهُ نَائِب طرابلس فِي طَرِيقه. وَكَانَ من خبر أَخذ تمرلنك مَدِينَة حلب أَنه لما نزل على عين تَابَ بعث إِلَى دمرداش نَائِب حلب يعده باستمراره فِي نِيَابَة حلب ويأمره بمسك الْأَمِير سودن نَائِب الشَّام. فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ الرَّسُول بذلك أحضرهُ إِلَى نواب ممالك الشَّام وَقد حَضَرُوا إِلَى حلب وهم: سودن نَائِب دمشق وَشَيخ المحمودي نَائِب طرابلس ودقماق نَائِب(6/40)
حماة وألطنبغا العثماني نَائِب صفد وَعمر بن الطَّحَّان نَائِب غَزَّة بعساكرها فَاجْتمع مِنْهُم بحلب نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فَارس مِنْهُم عَسْكَر دمشق ثَمَانمِائَة فَارس إِلَّا أَن الْأَهْوَاء مُخْتَلفَة والآراء مفلولة والعزائم محلولة وَالْأَمر مُدبر. فَبلغ رَسُول تمرلنك الرسَالَة دمرداش فَأنْكر مسك سودن نَائِب دمشق. فَقَالَ لَهُ الرَّسُول إِن الْأَمِير - يَعْنِي تمرلنك - لم يَأْتِ إِلَّا بمكاتبتك إِلَيْهِ وَأَنت تستدعيه أَن ينزل على حلب وأعلمته أَن الْبِلَاد لَيْسَ بهَا أحد يدْفع عَنْهَا. فحنق مِنْهُ دمرداش وَقَامَ إِلَيْهِ وضربه ثمَّ أَمر بِهِ فَضربت رقبته. وَيُقَال أَن كَلَام هَذَا الرَّسُول كَانَ من تنميق تمرلنك ومكره ليغرق بذلك بَين العساكر. وَنزل تمر على جبلان خَارج حلب يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول. وزحف يَوْم الْجُمُعَة وأحاط بسور حلب وَكَانَت بَين الحلبيين وَبَينه فِي هذَيْن الْيَوْمَيْنِ حروب. فَلَمَّا أشرقت الشَّمْس يَوْم السبت حادي عشره خرجت نواب الشَّام بالعساكر وَعَامة أهل حلب إِلَى ظَاهر الْمَدِينَة وعبوا لِلْقِتَالِ. ووقف سودن نَائِب دمشق فِي الميمنة ودمرداش فِي الميسرة وَبَقِيَّة النواب فِي الْقلب وَقدمُوا أمامهم عَامَّة أهل حلب. فزحف تمرلنك بجيوش قد سدت الفضاء فَثَبت الْأَمِير شيخ نَائِب طرابلس وَقَاتل - هُوَ وسودن نَائِب دمشق - قتالاً عَظِيما وبرز الْأَمِير عز الدّين أزدمر أَخُو أينال اليوسفي وَولده يشبك ابْن أزدمر فِي عدَّة من الفرسان وأبلوا بلَاء عَظِيما. وَظهر عَن أزدمر وَولده من الْإِقْدَام مَا تعجب مِنْهُ كل أحد وقاتلا قتالاً عَظِيما فَقتل أزدمر وفقد خَبره وثخنت جراحات يشبك وَصَارَ فِي رَأسه فَقَط زِيَادَة على ثَلَاثِينَ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ سوى مَا فِي بدنه فَسقط بَين الْقَتْلَى ثمَّ أَخذ وَحمل إِلَى تمرلنك. وَلم يمض غير سَاعَة حَتَّى ولت العساكر تُرِيدُ الْمَدِينَة وَركب أَصْحَاب تمر أقفيتهم فَهَلَك تَحت حوافر الْخَيل من النَّاس عدد لَا يدْخل تَحت حصر فَإِن أهل حلب خَرجُوا حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان وازدحم النَّاس مَعَ ذَلِك فِي دُخُولهمْ من أَبْوَاب الْمَدِينَة وداس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صَارَت الرمم طول قامة وَالنَّاس تمشي من فَوْقهَا. وَتعلق نواب المماليك بقلعة حلب وَدخل مَعَهم كثير من النَّاس وَكَانُوا قبل ذَلِك قد نقلوا إِلَى القلعة سَائِر أَمْوَال النَّاس بحلب. واقتحمت عَسَاكِر تمرلنك الْمَدِينَة وأشعلوا بهَا النيرَان وجالوا بهَا ينهبون وَيَأْسِرُونَ وَيقْتلُونَ. وَاجْتمعَ بالجامع وَبَقِيَّة الْمَسَاجِد نسَاء(6/41)
الْبَلَد فَمَال أَصْحَاب تمر عَلَيْهِنَّ وربطوهن بالحبال وَوَضَعُوا السَّيْف فِي الْأَطْفَال فَقَتَلُوهُمْ بأجمعهم وَأَتَتْ النَّار على عَامَّة الْمَدِينَة فأحرقتها. وَصَارَت الْأَبْكَار تفتض من غير تستر وَلَا احتشام بل يَأْخُذ الْوَاحِد الْوَاحِدَة ويعلوها فِي الْمَسْجِد وَالْجَامِع بِحَضْرَة الجم الْغَفِير من أَصْحَابه وَمن أهل حلب فيراها أَبوهَا وأخوها وَلَا يقدر أَن يدْفع عَنْهَا لشغله بِنَفسِهِ. وفحش الْقَتْل وامتلأ الْجَامِع والطرقات برمم الْقَتْلَى وَاسْتمرّ هَذَا الْخطب من صحوة نَهَار السبت إِلَى أثْنَاء يَوْم الثُّلَاثَاء والقلعة قد نقب عَلَيْهَا من عدَّة أَمَاكِن وردم خندقها وَلم يبْق إِلَّا أَن تُؤْخَذ. فَطلب النواب الْأمان وَنزل دمرداش إِلَى تمرلنك فَخلع عَلَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ أَمَانًا وخلعاً للنواب وَبعث مَعَه عدَّة وافرة إِلَى النواب فأخرجوهم. مِمَّن مَعَهم وَجعلُوا كل اثْنَيْنِ فِي قيد وأحضروا إِلَيْهِ فقرعهم ووبخهم وَدفع كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى من يحْتَفظ بِهِ. وسيقت إِلَيْهِ نسَاء حلب سَبَايَا. وأحضرت إِلَيْهِ الْأَمْوَال ففرقها على أمرائه. وَاسْتمرّ بحلب شهرا. والنهب فِي الْقرى لَا يبطل مَعَ قطع الْأَشْجَار وَهدم الْبيُوت وجافت حلب وظواهرها من الْقَتْلَى بِحَيْثُ صَارَت الأَرْض مِنْهُم فراشا لَا يجد أحد مَكَانا يمشي عَلَيْهِ إِلَّا وَتَحْت رجلَيْهِ رمة قَتِيل. وَعمل من الروس مَنَابِر عدَّة مُرْتَفعَة فِي السَّمَاء نَحْو عشرَة أَذْرع فِي دور عشْرين ذِرَاعا حرز مَا فِيهَا من رُءُوس بني آدم فَكَانَ زِيَادَة على عشْرين ألف رَأس. وَجعلت الْوُجُوه بارزة يَرَاهَا من يمر بهَا. ثمَّ رَحل تمر عَنْهَا وَهِي خاوية على عروشها خَالِيَة من ساكنها وأنيسها قد تعطلت من الْأَذَان وَإِقَامَة الصَّلَوَات. وأصبحت مظْلمَة بالحريق موحشة قفراء مغبرة لَا يَأْوِيهَا إِلَّا الرخم. وَأما دمشق فَأَنَّهُ لما قدم عَلَيْهِم الْخَبَر بِأخذ حلب نُودي فِي النَّاس بالتحول إِلَى الْمَدِينَة والاستعداد لِلْعَدو فاختبط النَّاس وَعظم ضجيجهم وبكاؤهم وَأخذُوا ينتقلون فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء نصفه من حوالي الْمَدِينَة إِلَى داخلها. وَاجْتمعَ الْأَعْيَان للنَّظَر فِي حفظ الْمَدِينَة. فَقدم فِي سَابِع عشره المنهزمون من حماه فَعظم الْخَوْف وهم النَّاس بالجلاء فمنعوا مِنْهُ وَنُودِيَ من سَافر نهب. فورد فِي ثامن عشره الْخَبَر بنزول طَائِفَة من الْعَدو على حماه فحصنت مَدِينَة دمشق ووقف النَّاس على الأسوار وَقد اسْتَعدوا ونصبت المناجنيق على القلعة وشحنت بالزاد.(6/42)
فَقدم الْخَبَر فِي ثَانِي عشرينه بِأخذ قلعة حلب وبوصول رسل تمر بِتَسْلِيم دمشق فهم نَائِب الْغَيْبَة بالفرار فَرده الْعَامَّة ردا قبيحاً وماج النَّاس وَأَجْمعُوا على الْجلاء. واستغاث الصّبيان وَالنِّسَاء فَكَانَ وقتا شنعاً وَنُودِيَ من الْغَد لَا يشهر أحد سِلَاحا وتسلم الْبِلَاد لتمر فَنَادَى نَائِب القلعة بالاستعداد للحرب فَاخْتلف النَّاس. فَقدم الْخَبَر بمجيء السُّلْطَان ففتر عزم النَّاس عَن السّفر ثمَّ تبين أَن السُّلْطَان لم يخرج من الْقَاهِرَة. وَفِي ثامن عشره: فرقت الْجمال بقلعة الْجَبَل على المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي عشرينه: نُودي بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها على أجناد الْحلقَة أَن يَكُونُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشرينه فِي بَيت الْأَمِير يشبك الدوادار للعرض عَلَيْهِ فانزعج النَّاس وَوَقع عرض الأجناد من يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَفِي خَامِس عشرينه: ورد الْخَبَر بهزيمة نواب الشَّام وَأخذ تمرلنك حلب ومحاصرته القلعة فَقبض على الْمخبر وَحبس. وَوَقع الشُّرُوع فِي النَّفَقَة للسَّفر فَأخذ كل مَمْلُوك ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَخرج الْأَمِير سودن من زَاده والأمير أينال حطب على الهجن فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشرينه لكشف هَذَا الْخَبَر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أَيْضا أخذت مَدِينَة حماه وَكَانَ من خَبَرهَا أَن مرزه شاه ابْن تمرلنك نزل عَلَيْهَا بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره وأحاط بسورها وَنهب الْمَدِينَة وَسبي النِّسَاء والأطفال وَأسر الرِّجَال وَوَقع أَصْحَابه على النِّسَاء يطؤوهن ويفتضوا الْأَبْكَار جهاراً من غير استتار وخربوا جَمِيع مَا خرج عَن السُّور. وَقد ركب أهل الْبَلَد السُّور وامتنعوا بِالْمَدِينَةِ وَبَاتُوا على ذَلِك. فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْأَرْبَعَاء فتحُوا بَابا وَاحِدًا من أَبْوَاب الْمَدِينَة وَدخل ابْن تمر فِي قَلِيل من أَصْحَابه ونادي بالأمان. فَقدم النَّاس إِلَيْهِ أَنْوَاع المطاعم فقبلها وعزم أَن يُقيم رجلا من أَصْحَابه على حماه فَقيل لَهُ أَن الْأَعْيَان قد خَرجُوا مِنْهَا فَخرج إِلَى مخيمه وَبَات بِهِ. وَدخل يَوْم الْخَمِيس ووعد النَّاس بِخَير وَخرج. وَمَعَ ذَلِك فَإِن القلعة ممتنعة عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة نزل أهل القلعة إِلَى الْمَدِينَة وَقتلُوا من أَصْحَاب مرزه شاه رجلَيْنِ كَانَا أقرهما بِالْمَدِينَةِ فَغَضب من ذَلِك وأشعل النَّار فِي أرجاء الْبَلَد واقتحمها أَصْحَابه يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون حَتَّى صَارَت كمدينة حلب سَوْدَاء مغبرة خَالِيَة من الأنيس.(6/43)
وَفِيه تكاثر جمع النَّاس بِدِمَشْق بِمن فر إِلَيْهَا من مملكة حلب وحماه وَغَيرهَا واضطربت أَحْوَال النَّاس بهَا وعزموا على مفارقتها وَخَرجُوا مِنْهَا شَيْئا بعد شَيْء يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة. وَفِيه ركب شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وقضاة الْقُضَاة والأمير أقباي حَاجِب الْحجاب والأمير مبارك شاه الْحَاجِب. وَنُودِيَ بَين أَيْديهم بِالْقَاهِرَةِ من ورقة تَتَضَمَّن أَمر النَّاس بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله لعدوكم الْأَكْبَر تمرلنك فَإِنَّهُ أَخذ الْبِلَاد وَوصل إِلَى حلب وَقتل الْأَطْفَال على صُدُور الْأُمَّهَات وأخرب الدّور والمساجد والجوامع وَجعلهَا إسطبلات للدواب وَهُوَ قاصدكم يخرب بِلَادكُمْ وَيقتل رجالكم وأطفالكم وَيَسْبِي حريمكم. فَاشْتَدَّ جزع النَّاس وَكثر صراخهم وَعظم عويلهم وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدا. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي ثالثه: قدم الْأَمِير أسنبغا السيفي الْحَاجِب وَأخْبر بِأخذ تمرلنك مَدِينَة حلب وقلعتها بِاتِّفَاق دمرداش مَعَه وَأَنه بعد أَن قبض عَلَيْهِ أفرج عَنهُ. وَحكي مَا نزل من الْبلَاء بِأَهْل حلب وَأَنه قَالَ لنائب الْغَيْبَة بِدِمَشْق أَن يخلي بَين النَّاس وَبَين الْخُرُوج مِنْهَا فَإِن الْأَمر صَعب وَأَن النَّائِب لم يُمكن أحدا من الْمسير. فَخرج السُّلْطَان فِي يَوْمه وَنزل بالريدانية ظَاهر الْقَاهِرَة وَتَبعهُ الْأُمَرَاء والخليفة والقضاة إِلَّا قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي الْحَنَفِيّ فَإِنَّهُ أَقَامَ لمرضه. وألزم الْأَمِير يشبك قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بِالسَّفرِ إِلَى دمشق فَخرج مَعَ الْعَسْكَر وَتعين الْأَمِير تمراز أَمِير مجْلِس لنيابة الْغَيْبَة. وَأقَام من الْأُمَرَاء الْأَمِير جكم من عوض فِي عدَّة من الْأُمَرَاء. وَأمر تمراز بِعرْض أجناد الْحلقَة وَتَحْصِيل ألف فرس وَألف جمل وإرسال ذَلِك مَعَ من يَقع عَلَيْهِ الِاخْتِيَار من أجناد الْحلقَة. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير أرسطاي من خجا عَليّ فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن أَمِير(6/44)
فرج بعد مَوته. وَكَانَ أرسطاي مُنْذُ أفرج عَنهُ مَعَ الْأَمِير نوروز قد أَقَامَ بثغر الْإسْكَنْدَريَّة بطالاً. فوردت إِلَيْهِ الْولَايَة بالتقليد والتشريف. وَفِي خامسه: نُودي على أجناد الْحلقَة بالحضور للعرض فِي بَيت الْأَمِير تمراز وهدد من تَأَخّر عَن الْحُضُور. وَخرج الْبَرِيد إِلَى أَعمال ديار مصر بِالْوَجْهَيْنِ القبلي والبحري بِجمع أقوياء أجناد الْحلقَة من الرِّيف وبتجهيز العربان لِلْخُرُوجِ إِلَى حلب تمرلنك. وَفِي بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ثامنه: سَار الجاليش وَفِيه من الْأُمَرَاء والأكابر نوروز رَأس نوبَة وبكتمر الركني أَمِير سلَاح ويلبغا الناصري وأقباي حَاجِب الْحجاب وأينال باي بن قجماس وبيبرس الأتابك ابْن أُخْت السُّلْطَان الظَّاهِر. وَفِي عاشره: رَحل السُّلْطَان بِبَقِيَّة العساكر. وَفِي ثَانِي عشره: قدم الْخَبَر إِلَى دمشق بوصول جمَاعَة تمرلنك قَرِيبا من حمص فأنزعج النَّاس وَأخذُوا فِي الاستعداد وَحمل النَّاس أَمْوَالهم إِلَى القلعة وجفل جمَاعَة من النَّاس بقدوم الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب إِلَى دمشق فِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه فَارًّا من تمرلنك. وَخرج لملاقاة السُّلْطَان فَقدم من الْغَد النَّاس - وَقد جفلوا - من بعلبك وأعمالها بنسائهم ومواشيهم لنزول تمر عَلَيْهِم فَخرج كثير من أهل دمشق فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشرينه. وَفِي رَابِع عشره: اسْتَقر الْبَدْر مَحْمُود العينتابي فِي حسبَة الْقَاهِرَة بسفارة الْأَمِير جكم وعزل البخانسي. وَفِي خَامِس عشره: اسْتَقر الْأَمِير أسنبغا الْحَاجِب فِي كشف الجسور بالأشمونين. وخليل الشرفي جسور المنوفية وقجماس وَالِي الْعَرَب فِي كشف جسور الغربية. وَفِي عشرينه: دخل السُّلْطَان مَدِينَة غَزَّة وَاسْتقر بالأمير تغري بردى من أسنبغا فِي نِيَابَة دمشق وبأقبغا الجمالي فِي نِيَابَة طرابلس وبتمربغا المنجكي فِي نِيَابَة صفد وبطولو من عَليّ شاه فِي نِيَابَة غَزَّة وبصدقة بن الطَّوِيل فِي نِيَابَة الْقُدس وبعثهم إِلَى ممالكهم. وَسَار الجاليش من غَزَّة فِي رَابِع عشرينه.(6/45)
وَسَار السُّلْطَان فِي سادس عشرينه وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ كَثِيرَة مِمَّن فر من الْبِلَاد الشامية. وَفِي آخِره: اسْتَقر الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة بمنكلي بغا - مَمْلُوك مبارك شاه - فِي ولَايَة البهنسا عوضا عَن يلبغا الزيني. فَلَمَّا حضر إِلَى الْأَمِير يلبغا السالمي نزع عَنهُ الخلعة وضربه بالمقارع ومقترح ووكل بِهِ. فَلَمَّا أصبح خلع عَلَيْهِ وَأذن لَهُ فِي السّفر إِلَى ولَايَته وَذَلِكَ بعد مَا دخل عَلَيْهِ فِي أمره فراعى الْأَمِير تمراز وتلافي مَا وَقع مِنْهُ فَلم يرض هَذَا تمراز وحقد عَلَيْهِ حقداً زَائِدا. شهر جُمَادَى الأول أَوله السبت: فِي ثَانِيه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد ورد خَمْسَة من أُمَرَاء طرابلس بِكِتَاب أسندمر نَائِب الْغَيْبَة يتَضَمَّن أَن أَحْمد بن رَمَضَان التركماني وَابْن صَاحب الباز وَأَوْلَاد شَهْري سَارُوا وَأخذُوا حلب وَقتلُوا من بهَا من أَصْحَاب تمرلنك وهم زِيَادَة على ثَلَاثَة آلَاف فَارس. وَأَن تمرلنك بِالْقربِ من سليمَة وَأَنه بعث عسكراً إِلَى طرابلس فثار بهم أهل الْقرى وقتلوهم عَن أخرهم بِالْحِجَارَةِ لدخولهم بَين جبلين وَأَنه قد حضر إِلَى الطَّاعَة خَمْسَة من أُمَرَاء الْمغل وأخبروا بِأَن نصف عَسْكَر تمرلنك على نِيَّة الْمصير إِلَى الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة. وَأَن صَاحب قبرس ووزيره إِبْرَاهِيم كرى وَصَاحب الماغوصة وَردت كتبهمْ بانتظار الْإِذْن فِي تجهيز المراكب فِي الْبَحْر لقِتَال تمرلنك. وَفِيه اسْتَقر تمراز بناصر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل الضاني فِي ولَايَة مصر. وعزل عمر بن الكوراني. وَفِيه قبض الْأَمِير يلبغا السالمي على متا بترك النَّصَارَى ليعاقبه وألزمه بِمَال ليَأْخُذ عَنهُ بضائع فَحلف أَنه لَيْسَ عِنْده مَال وَأَن سَائِر مَا يرد إِلَيْهِ من المَال يصرفهُ فِي فُقَرَاء الْمُسلمين وفقراء النَّصَارَى فَوكل بِهِ. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تغري بردى - نَائِب الشَّام - دمشق. وَفِيه جفل أهل قرى دمشق إِلَيْهَا لوصول طَائِفَة من أَصْحَاب تمرلنك نَحْو الصنمين.(6/46)
وَفِي سادسه: قدم السُّلْطَان دمشق بعساكره، وَقد وصلت أَصْحَاب تمرلنك إِلَى الْبِقَاع. وَفِي عاشره: اقتتل بعض الْعَسْكَر مَعَ التمرية. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشره: نُودي فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن الْأَمِير يلبغا السالمي أَمر أَن نسَاء النَّصَارَى يلبسن أزراراً زرقاً. وَنسَاء الْيَهُود يلبسن أزراراً صفراً. وَأَن النَّصَارَى وَالْيَهُود لَا يدْخلُونَ الحمامات إِلَّا وَفِي أَعْنَاقهم أَجْرَاس وَكتب على بترك النَّصَارَى بذلك إشهاداً بعد أَن جرت بَينه وَبَينه عدَّة محاورات حَتَّى أشهد عَلَيْهِ بِالْتِزَام ذَلِك إِلْزَامه سَائِر النَّصَارَى بديار مصر وألزم سَائِر مدولبي الحمامات أَلا يَكُونُوا يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا من الدُّخُول بِغَيْر جرس فِي عُنُقه فَقَامَ الْأَمِير تمراز فِي معارضته. وَفِي يَوْم السبت: هَذَا نزل تمرلنك إِلَى قطا فملأت جيوشه الأَرْض وَركب طَائِفَة مِنْهُم إِلَى الْعَسْكَر وقاتلوهم فَخرج السُّلْطَان من دمشق يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره إِلَى يلبغا فَكَانَت وقْعَة انْكَسَرت ميسرَة الْعَسْكَر وَانْهَزَمَ أَوْلَاد الغزاوي وَغَيرهم إِلَى نَاحيَة حوران وجرح جمَاعَة وَحمل تمر حَملَة مُنكرَة ليَأْخُذ بهَا دمشق فَدَفَعته عَسَاكِر السُّلْطَان. وَفِي عشرينه: نَادِي الْأَمِير تمراز بِالْقَاهِرَةِ من كَانَت لَهُ ظلامة فعلية بِبَيْت الْأَمِير وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى على حَالهم كَمَا كَانُوا فِي أَيَّام الْملك الظَّاهِر. فَبَطل مَا أَمر بِهِ السالمي. وَفِيه أَمر السالمي أَن يضْرب دَنَانِير الذَّهَب محررة الْوَزْن على أَن كل دِينَار مِثْقَال سَوَاء عزم على إبِْطَال الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية المشخصة فَضرب الدِّينَار السالمي وتعامل النَّاس بِهِ عددا وَنقش عَلَيْهِ السِّكَّة الإسلامية. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان أَنه دخل دمشق يَوْم الْخَمِيس سادسه وَأقَام بقلعتها إِلَى يَوْم السبت ثامنه ثمَّ خرج إِلَى مخيمه ظَاهر الْمَدِينَة عِنْد قبَّة يلبغا. فَحَضَرَ جاليش تمرلنك وَقت الظّهْر من جِهَة جبل الثَّلج وَهُوَ نَحْو ألف فَارس فَسَار إِلَيْهِم مائَة فَارس من عَسَاكِر السُّلْطَان وكسروهم وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وَأَنه(6/47)
حضر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عدَّة من التمرية للطاعة وأخبروا بنزول تمر على الْبِقَاع العزيزي فلتكونوا على حذر فَإِن تمر كثير الْحِيَل وَالْمَكْر فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم الْبَرِيد من السُّلْطَان فاستدعي الْأَمِير تمراز شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ وَولده جلال الدّين عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْعَسْكَر وَمن تَأَخّر بِالْقَاهِرَةِ من الْأَعْيَان وَقُرِئَ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان بِأَنَّهُ قدم إِلَى دمشق فِي سادسه وواقع طَائِفَة من الْعَسْكَر فِي ثامنه أَصْحَاب تمرلنك وَأَن مرزه شاه بن تمر وصهره نور الدّين قتلا. وَقتل قرايلك بن طرالي التركماني وَأَن السُّلْطَان حُسَيْن بهادر - رَأس ميسرَة تمرلنك وَابْن بنته - حضر إِلَى الطَّاعَة فِي ثَالِث عشره وَمَعَهُ جمَاعَة كَبِيرَة فَخلع عَلَيْهِ وأركب فرسا بسرج وكنفوش من ذهب وَأنزل دَار الضِّيَافَة بِدِمَشْق وَأَن تمر نَازل تَحت جبل الثَّلج وَقد أرسل فِي طلب الصُّلْح مرَارًا فَلم نجبه لِأَنَّهُ بَقِي فِي قبضتنا وَنحن نطاول مَعَه الْأَمر حَتَّى يُرْسل إِلَيْنَا الْأُمَرَاء الْمَقْبُوض عَلَيْهِم وَمَا أَخذه من حلب وَغَيرهَا. وَأَن الْأَمِير نعير دخل فِي الطَّاعَة وَقدم إِلَى عذراء وَضمير. وَأَن الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ توجه إِلَى الأغوار وَجمع خلقا كثيرا مِنْهُم عِيسَى بن فضل أَمِير آل عَليّ وَبني مهْدي وعرب حَارِثَة وَابْن القان والغزاوي فصدفوا من التمرية زِيَادَة على ألفي فَارس فقاتلوهم وَقتلُوا أَكْثَرهم وَأخذُوا مِنْهُم ذَهَبا ولؤلؤاً كَبِيرا. وَأَنه قد مَاتَ من أَصْحَاب تمر بالبرد أَكثر من ثَلَاثَة آلَاف نفس. وَقُرِئَ أَيْضا كتاب آخر بِأَن الْأَمِير يلبغا السالمي لَا يحكم إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق بالاستادارية خَاصَّة وَلَا يحكم فِي شَيْء مِمَّا كَانَ يحكم فِيهِ بَين الأخصام مِمَّا يتَعَلَّق بالأمور الشَّرْعِيَّة وَمَا يتَعَلَّق بالأمراء والحجاب وَأَن الْحَاكِم فِي هَذِه الْأَشْيَاء الْأَمِير تمراز نَائِب الْغَيْبَة. وَسبب هَذَا أَن السالمي - لما مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف الْمَلْطِي فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر - كتب إِلَى السُّلْطَان يسْأَل فِي الْإِذْن لَهُ بالتحدث فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب إِلَيْهِ بِهِ فَأَقَامَ لَهُ نَقِيبًا كنقباء الْقُضَاة وَحكم بَين النَّاس فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فشق هَذَا على تمراز وَكَاتب السُّلْطَان فِي إبِْطَال هَذَا(6/48)
فَكتب إِلَيْهِ بذلك. وَلما قرئَ على من حضر نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر أَن من وقف ليلبغا السالمي فِي شكوى عُوقِبَ وَمن كَانَت لَهُ ظلامة أَو شكوى أَو أَخذ مِنْهُ السالمي شَيْء فَعَلَيهِ بالأمير الْكَبِير تمراز. ودقت البشائر أَيْضا بالقلعة. وَفِي سَابِع عشرينه: استدعي الْأَمِير تمراز شمس الدّين مُحَمَّد البرقي الْحَنَفِيّ - أحد موقعي قُضَاة الْحَنَفِيَّة - وتحدث مَعَه فِي أَمر السالمي فَكتب محضراً بقوادح فِي السالمي وَكتب فِيهِ جمَاعَة. وَبلغ ذَلِك السالمي وَكَانَ قد خرج من الْقَاهِرَة فَحَضَرَ يَوْم الْأَحَد سلخه إِلَى عِنْد الْأَمِير تمراز وتفاوضا مُفَاوَضَة كَبِيرَة آلت إِلَى أَن أصلح بَينهمَا الْأَمِير مبارك شاه الْحَاجِب والأمير بيسق أَمِير أخور. وَعَاد السالمي إِلَى منزله وَطلب البرقي وضربه عريا ضربا مبرحاً وَأمر بِهِ أَن يشهر كَذَلِك فَقَامَ النَّاس وشفعوا فِيهِ حَتَّى رده من الْبَاب وَطلب جمَاعَة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وضربهم وشهرهم ونادي عَلَيْهِم هَذَا جَزَاء من يُخَالف الشَّرْع الشريف. وَطلب دوادار وَإِلَى الْقَاهِرَة وضربه لكَونه نَادَى بِمَا تقدم ذكره فِي حَقه فهرب الْوَالِي إِلَى بَيت تمراز واحتمي بِهِ خوفًا على نَفسه. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي أَوله خلع الْأَمِير تمراز على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن ليلى بِولَايَة مصر. فَلَمَّا حضر إِلَى السالمي نزع عَنهُ الخلعة وضربه عُريَانا وشهره وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يَلِي من عِنْد غير الأستادار وَمن يَلِي بالبراطيل فأدركه أحد مماليك تمراز وَسَار بِهِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ مَضْرُوبا اشْتَدَّ حنقه وعزم على الرّكُوب للحرب فَمَا زَالَ بِهِ من حضر حَتَّى أمسك عَن إِقَامَة الْحَرْب. واشتدت الْعَدَاوَة بَينهمَا. وَفِيه قدم من أخبر باخْتلَاف الْأُمَرَاء على السُّلْطَان وَعوده إِلَى مصر فَكثر خوض النَّاس فِي الحَدِيث وَكَانَ من خبر السُّلْطَان أَن تمرلنك بعث إِلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَرَاء فِي طلب الصُّلْح وإرسال أطلمش من أَصْحَابه وَأَنه يبْعَث من عِنْده من الْأُمَرَاء والمماليك فَلم يجب إِلَى ذَلِك. وَكَانَت الْحَرْب بَين أَصْحَاب تمر وَطَائِفَة من عَسَاكِر السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثامن جُمَادَى الأولى كَمَا تقدم. ثمَّ كَانَت الْحَرْب ثَانِيًا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عاشره. وَفِي كل ذَلِك يبْعَث تمرلنك فِي طلب الصُّلْح فَلَا يُجَاب. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره: اختفي من الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة جمَاعَة مِنْهُم الْأَمِير سودن الطيار والأمير قاني باي العلاي وجمق أحد الْأُمَرَاء. وَمن الخاصكية يشبك العثماني وقمج الحافظي وبرسبغا الدوادار وطرباي فِي آخَرين فَوَقع الِاخْتِلَاف عِنْد ذَلِك بَين الْأُمَرَاء. وأتاهم الْخَبَر بِأَن الْجَمَاعَة قد توجهوا إِلَى(6/49)
الْقَاهِرَة ليسلطوا الشَّيْخ لاجين الجركسي فَركب الْأُمَرَاء فِي أخر لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشرينه وَأخذُوا السُّلْطَان وَخَرجُوا بَغْتَة من غير أَن يعي وَالِد على وَلَده. وَسَارُوا على عقبَة دمر يُرِيدُونَ مصر من جِهَة السَّاحِل ومروا بصفد فاستدعوا نائبها الْأَمِير تمربغا المنجكي وأخذوه مَعَهم إِلَى غَزَّة. وتلاحق بهم كثير من أَرْبَاب الدولة. فَأدْرك السُّلْطَان الْأُمَرَاء الَّذين اختفوا بِدِمَشْق: سودن الطار وقاني باي وَمن مَعَهُمَا بغزة. فَمَا أمكن إِلَّا مجاملتهم وَأقَام بغزة ثَلَاثَة أَيَّام وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة بَعْدَمَا قدم بَين يَدَيْهِ آقبغا الْفَقِيه أحد الدوادارية. فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَأعلم بوصول السُّلْطَان إِلَى غَزَّة فارتجت الْبَلَد وكادت عقول النَّاس أَن تختل. وَشرع كل أحد يَبِيع مَا عِنْده ويستعد للهروب من مصر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خامسه قدم السُّلْطَان إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ الْخَلِيفَة وأمراء الدولة وَنَحْو الْألف من المماليك السُّلْطَانِيَّة ونائب دمشق الْأَمِير تغري بردى وحاجب الْحجاب بهَا الْأَمِير باشا باي وغالب أمرائها ونائب صفد ونائب غَزَّة وهم فِي أَسْوَأ حَال لَيْسَ مَعَ الْأَمِير سوى مَمْلُوك أَو مملوكين فَقَط وَفِيهِمْ من هُوَ بمفرده لَيْسَ مَعَه من يَخْدمه. وَذَهَبت أَمْوَالهم وخيولهم وجمالهم وسلاحهم وَسَائِر مَا كَانَ مَعَه مِمَّا لَو قوم لبلغت قِيمَته عشرات آلَاف ألف دِينَار. وشوهد كثير من المماليك لما قدم وَهُوَ عُرْيَان. وَكَانَ الْأَمِير يلبغا السالمي قد تلقي السُّلْطَان بالكسوة لَهُ وللخليفة وَسَائِر الْأُمَرَاء. وَأما دمشق فَإِن النَّاس بهَا أَصْبحُوا يَوْم الْجُمُعَة بعد هزيمَة السُّلْطَان ورأيهم محاربة تمرلنك فَرَكبُوا أسوار الْمَدِينَة وَنَادَوْا بِالْجِهَادِ وزحف عَلَيْهِم أَصْحَاب تمر فقاتلوهم من فَوق السُّور وردوهم عَنهُ وَأخذُوا مِنْهُم عدَّة من خيولهم. وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو الْألف وأدخلوا رُءُوسهم إِلَى الْمَدِينَة فَقدم رجلَانِ من قبل تمر وصاحا بِمن على السُّور: أَن الْأَمِير يُرِيد الصُّلْح فَابْعَثُوا رجلا عَاقِلا حَتَّى نحدثه فِي ذَلِك. فَوَقع اخْتِيَار النَّاس على إرْسَال قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح الْحَنْبَلِيّ فَأرْخى من السُّور وَاجْتمعَ بتمرلنك وَعَاد إِلَى دمشق وَقد خدعه تمرلنك وتلطف مَعَه فِي القَوْل(6/50)
وَقَالَ: هَذِه بَلْدَة الْأَنْبِيَاء وَقد أعتقتها لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة عَن أَوْلَادِي. فَقَامَ ابْن مُفْلِح فِي الثَّنَاء على تمر قيَاما عَظِيما وَشرع يخذل النَّاس عَن الْقِتَال ويكفهم عَنهُ فَمَال مَعَه طَائِفَة من النَّاس وخالفته طَائِفَة وَقَالَت: لَا نرْجِع عَن الْقِتَال. وَبَاتُوا لَيْلَة السبت على ذَلِك وَأَصْبحُوا وَقد غلب رَأْي ابْن مُفْلِح فعزم على إتْمَام الصُّلْح وَأَن من خَالف ذَلِك قتل. وَفِي الْوَقْت قدم رَسُول تمر إِلَى سور الْمَدِينَة فِي طلب الطقزات وَهِي عَادَة تمر إِذا أَخذ مَدِينَة صلحا أَن يخرج إِلَيْهِ أَهلهَا من كل نوع من أَنْوَاع المآكل والمشارب وَالدَّوَاب والملابس تِسْعَة يسمون ذَلِك طقزات فَإِن التِّسْعَة بلغتهم يُقَال لَهَا طقز. فبادر ابْن مُفْلِح واستدعي من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والتجار حمل ذَلِك فشرعوا فِيهِ حَتَّى كمل وَسَارُوا بِهِ إِلَى بَاب النَّصْر ليخرجوه إِلَى تمرلنك فَمَنعهُمْ نَائِب القلعة من ذَلِك وهددهم بحريق الْمَدِينَة عَلَيْهِم. فَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله وَتركُوا بَاب النَّصْر ومضوا إِلَى جِهَة أُخْرَى من جِهَات الْبَلَد. وأرخوا الطقزات من السُّور وتدلي ابْن مُفْلِح وَمَعَهُ كثير من الْأَعْيَان وَغَيرهم وَسَارُوا إِلَى مخيم تمرلنك وَبَاتُوا بِهِ لَيْلَة الْأَحَد. ثمَّ عَادوا بكرَة الْأَحَد وَقد اسْتَقر تمر مِنْهُم بِجَمَاعَة فِي عدَّة وظائف مَا بَين قُضَاة قُضَاة ووزير ومستخرج الْأَمْوَال وَنَحْو ذَلِك وَمَعَهُمْ فرمان وَهُوَ ورقة فِيهَا تِسْعَة أسطر تَتَضَمَّن أَمَان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خَاصَّة. فقري على مِنْبَر جَامع بني أُميَّة وَفتح من أَبْوَاب الْمَدِينَة بَاب الصَّغِير فَقَط وَقدم أَمِير من أُمَرَاء تمرلنك فَجَلَسَ بِهِ ليحفظ الْبَلَد مِمَّن يعبر إِلَيْهَا وَأكْثر ابْن مُفْلِح وَمن كَانَ مَعَه من ذكر محَاسِن تمرلنك وَبث فضائله ودعا الْعَامَّة إِلَى طَاعَته وموالاته وحثهم بأسرهم على جمع المَال الَّذِي تقرر جمعه وَهُوَ ألف ألف دِينَار فَفرض ذَلِك على النَّاس كلهم وَقَامُوا بِهِ من غير مشقة لِكَثْرَة أَمْوَالهم. فَلَمَّا كمل المَال حمله ابْن مُفْلِح وَأَصْحَابه إِلَى تمر ووضعوه بَين يَدَيْهِ. فَلَمَّا عاينه غضب غَضبا شَدِيدا وَلم يرض بِهِ وَأمر بِابْن مُفْلِح وَمن مَعَه أَن يخرجُوا عَنهُ فاخرجوا ووكل بهم. ثمَّ ألزموا بِحمْل ألف تومان والتومان عبارَة عَن عشرَة آلَاف دِينَار من الذَّهَب إِلَّا أَن سعر الدِّينَار عِنْدهم يخْتَلف فَتكون جملَة ذَلِك عشرَة آلَاف ألف دِينَار فالتزموا بهَا وعادوا إِلَى الْبَلَد وفرضوه على النَّاس فجبوا أُجْرَة مسَاكِن دمشق كلهَا عَن ثَلَاثَة أشهر وألزموا كل إِنْسَان من ذكر وَأُنْثَى وحر وَعبد وصغير وكبير بِعشْرَة دَرَاهِم. وألزم مبَاشر كل وقف من سَائِر الْأَوْقَاف بِمَال فَأخذ من أوقاف جَامع بني أُميَّة ألف دِرْهَم وَمن بَقِيَّة أوقاف الْجَوَامِع والمساجد والمدارس والمشاهد(6/51)
والربط والزوايا شَيْء مَعْلُوم بِحَسب مَا اتّفق فَنزل بِالنَّاسِ فِي اسْتِخْرَاج هَذَا بلَاء عَظِيم. وعوقب كثير مِنْهُم بِالضَّرْبِ وشغل كل أحد بِمَا هُوَ فِيهِ فغلت الأسعار وَعز وجود الأقوات وَبلغ المسد من الْقَمْح - وَهُوَ أَرْبَعَة أقداح - إِلَى أَرْبَعِينَ درهما فضَّة. وتعطلت الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة من دمشق كلهَا فَلم تقم بهَا جُمُعَة إِلَّا مرَّتَيْنِ الأولى فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة ودعا الْخطب فِيهَا بِجَامِع بني أُميَّة للسُّلْطَان مَحْمُود ولولي عَهده ابْن الْأَمِير تيمور كركان ثمَّ شغل النَّاس بعْدهَا عَن الدّين وَالدُّنْيَا بِمَا هم فِيهِ. وَذَلِكَ أَنه نزل شاه الْملك - أحد أُمَرَاء تمر - بِجَامِع بني أُميَّة وَمَعَهُ أَتْبَاعه وَادّعى أَنه نَائِب دمشق وَجمع كل مَا كَانَ فِي الْجَامِع من الْبسط والحصر وَستر بهَا شرفات الْجَامِع وَصلى النَّاس الْجُمُعَة فِي شمَالي الْجَامِع وهم قَلِيل. وشاهدوا أَصْحَاب شاه ملك يَلْعَبُونَ فِي الْجَامِع بالكعاب ويضربون بالطنابير. ثمَّ بعد الجمعتين منعُوا من إِقَامَة فِي الْجُمُعَة بالجامع فصلى طَائِفَة الْجُمُعَة بعد ذَلِك بالخانقاه السميساطية فتعطلت سَائِر الْجَوَامِع والمساجد من إعلان الْأَذَان وَإِقَامَة الصَّلَاة. وَبَطلَت الْأَسْوَاق كلهَا فَلم بيع شَيْء إِلَّا مَا كَانَ مِمَّا يُورد ثمنه وَزَاد بِالنَّاسِ الْبلَاء أَن أَصْحَاب تمر لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا غير وردوا الْفُلُوس فانحطت وَصَارَ مَا كَانَ بِخَمْسَة دَرَاهِم لَا يحْسب النَّاس فِيهِ فِيمَا بَينهم غير دِرْهَم وَاحِد. هَذَا ونائب القلعة مُمْتَنع بهَا وَقد حاصره تمر فخرب مَا بَين القلعة وَالْجَامِع بالحريق وَغَيره. ثمَّ إِن النَّائِب سلم بعد تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا. فَلَمَّا تَكَامل حُصُول المَال الَّذِي هُوَ بحسابهم ألف تومان حمل إِلَى تمر فَقَالَ لِابْنِ مُفْلِح وَأَصْحَابه: هَذَا المَال بحسابنا إِنَّمَا هُوَ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار. وَقد بَقِي عَلَيْكُم سَبْعَة آلَاف ألف دِينَار وَظهر أَنكُمْ قد عجزتم. وَكَانَ تمر لما خرجت إِلَيْهِ الطقزات وَفرض للجباية الأولى الَّتِي هِيَ ألف ألف دِينَار قرر مَعَ ابْن مُفْلِح وَأَصْحَابه أَن ذَلِك على أهل الْبَلَد وَأَن الَّذِي تَركه الْعَسْكَر الْمصْرِيّ من المَال وَالسِّلَاح وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك لَا يعْتد بِهِ لَهُم وَإِنَّمَا هُوَ لتمر. فَخرج النَّاس إِلَيْهِ بأموال أهل مصر. وبدا مِنْهُم فِي حق بَعضهم بَعْضًا من المرافعات أَنْوَاع قبيحة حَتَّى صَارَت كلهَا إِلَيْهِ. فَلَمَّا علم أَنه قد استولى على أَمْوَال المصريين ألزمهم(6/52)
بِإِخْرَاج أَمْوَال الَّذين فروا من التُّجَّار وَغَيرهم إِلَى دمشق خوفًا مِنْهُ. وَكَانَ قد خرج من دمشق عَالم عَظِيم فتسارعوا إِلَى حمل ذَلِك إِلَيْهِ وجروا على عَادَتهم فِي النميمة بِمن عِنْده من ذَلِك شَيْء حَتَّى أَتَوا على الْجَمِيع. فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ ذَلِك كُله ألزمهم أَن يخرجُوا إِلَيْهِ سَائِر مَا فِي الْمَدِينَة من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْجمال فَاخْرُج إِلَيْهِ جَمِيع مَا كَانَ فِي الْمَدِينَة من الدَّوَابّ حَتَّى لم يبْق بهَا شَيْء من ذَلِك. ثمَّ ألزمهم أَن يخرجُوا إِلَيْهِ جَمِيع آلَات السِّلَاح جليلها وحقيرها فتتبعوا ذَلِك وَدلّ بَعضهم على بعض حَتَّى لم يبْق بهَا من آلَات الْقِتَال وأنواع السِّلَاح شَيْء. ثمَّ بعد حمل الفريضتين ورميه ابْن مُفْلِح وَمن مَعَه بِالْعَجزِ عَن الاستخراج قبض على أَصْحَاب ابْن مُفْلِح وألزمهم أَن يكتبوا لَهُ جَمِيع خطط دمشق وحاراتها وسككها فَكَتَبُوا ذَلِك ودفعوه إِلَيْهِ ففرقه على أمرائه. وَقسم الْبَلَد بَينهم فَسَارُوا إِلَيْهَا وَنزل كل أَمِير فِي قسمه وَطلب من فِيهِ وطالبهم بالأموال فَكَانَ الرجل يُوقف على بَاب دَاره فِي أزرى هَيْئَة وَيلْزم بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من المَال فَإِذا توقف فِي إِحْضَاره عذب بأنواع الْعَذَاب من الضَّرْب وعصر الْأَعْضَاء وَالْمَشْي على النَّار وتعليقه منكوشاً وربطه بيدَيْهِ وَرجلَيْهِ وغم أَنفه بِخرقَة فِيهَا تُرَاب ناعم حَتَّى تكَاد نَفسه تخرج فيخلى عَنهُ حَتَّى يستريح ثمَّ تُعَاد عَلَيْهِ الْعقُوبَة. وَمَعَ هَذَا كُله تُؤْخَذ نساوه وَبنَاته وَأَوْلَاده الذُّكُور وتقسم جَمِيعهم على أَصْحَاب ذَلِك الْأَمِير فيشاهد الرجل المعذب امْرَأَته وَهِي تُوطأ وَابْنَته وَهِي تقبض بَكَارَتهَا وَولده وَهُوَ يلاط بِهِ فَيصير هُوَ يصْرخ مِمَّا بِهِ من ألم الْعَذَاب وَابْنَته وَولده يصرخون من ألم إِزَالَة الْبكارَة وإتيان الصَّبِي وكل هَذَا نَهَارا وليلاً من غير احتشام وَلَا تستر. ثمَّ إِذا قضوا وطرهم من الْمَرْأَة وَالْبِنْت وَالصَّبِيّ طالبوهم بِالْمَالِ وأفاضوا عَلَيْهِم أَنْوَاع الْعُقُوبَات وأفخاذهم مضرجة بالدماء. وَفِيهِمْ من يعذب بِأَن يشد رَأس من يُعَاقِبهُ بِحَبل ويلويه حَتَّى يغوص فِي الرَّأْس وَفِيهِمْ من يضع الْحَبل على كَتِفي المعذب ويديره من تَحت إبطه ويلويه بعصا حَتَّى ينخلع الْكَتِفَيْنِ. وَفِيهِمْ من يرْبط إِبْهَام الْيَدَيْنِ من وَرَاء الظّهْر ويلقي المعذب على ظَهره ويذر فِي مَنْخرَيْهِ رَمَادا سحيقاً ثمَّ يعلقه بإبهام يَدَيْهِ فِي سقف الدَّار ويشعل النَّار تَحْتَهُ. وَرُبمَا سقط فِي النَّار فسحبوه مِنْهَا وألقوه حَتَّى يفِيق فيعذب أَو يَمُوت فَيتْرك. وَاسْتمرّ هَذَا الْبلَاء مُدَّة تِسْعَة عشر يَوْمًا آخرهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشْرين رَجَب فَهَلَك فِيهَا بالعقوبة وَمن الْجُوع خلق لَا يدْخل عَددهمْ تَحت حصر. فَلَمَّا علمُوا أَنه لم يبْق فِي الْمَدِينَة شَيْء لَهُ قدر خَرجُوا إِلَى تمرلنك فأنعم بِالْبَلَدِ على أَتبَاع الْأُمَرَاء فَدَخَلُوهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر رحب وَمَعَهُمْ سيوف مَشْهُورَة وهم مشَاة(6/53)
فنهبوا مَا بَقِي من الأثاث وَسبوا نسَاء دمشق بأجمعهن وَسَاقُوا الْأَوْلَاد وَالرِّجَال وَتركُوا من عمره خمس سِنِين فَمَا دونهَا وَسَاقُوا الْجَمِيع مربطين فِي الحبال. ثمَّ طرحوا النَّار فِي الْمنَازل وَكَانَ يَوْمًا عاصف الرّيح فَعم الْحَرِيق الْبَلَد كلهَا وَصَارَ لَهب النَّار يكَاد أَن يرْتَفع إِلَى السَّحَاب وعملت النَّار ثَلَاثَة أَيَّام آخرهَا يَوْم الْجُمُعَة. وَأصْبح تمر يَوْم السبت ثَالِث رَجَب راحلاً بالأموال والسبايا والأسري بَعْدَمَا أَقَامَ على دمشق ثَمَانِينَ يَوْمًا وَقد احترقت كلهَا وَسَقَطت سقوف جَامع بني أُميَّة من الْحَرِيق وزالت أبوابه وتفطر رخامه وَلم يبْق غير جدره قَائِمَة. وَذَهَبت مَسَاجِد دمشق ومدارسها ومشاهدها وَسَائِر دورها وقياسرها وأسواقها وحماماتها وَصَارَت أطلالاً بالية ورسوماً خَالِيَة قد أقفرت من السَّاكِن وامتلأت أرْضهَا بجثث الْقَتْلَى وَلم يبْق بهَا دَابَّة تدب إِلَّا أَطْفَال يتَجَاوَز عَددهمْ آلَاف فيهم من مَاتَ وَفِيهِمْ من يجود بِنَفسِهِ. وَأما بَقِيَّة أُمَرَاء مصر وَغَيرهم فَإِنَّهُم لما علمُوا بتوجه السُّلْطَان من دمشق خَرجُوا مِنْهَا طوائف طوائف يُرِيدُونَ اللحاق بالسلطان فَأَخذهُم العشير وسلبوهم مَا مَعَهم وَقتلُوا خلقا كثيرا. وظفر أَصْحَاب تمرلنك بقاضي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي فسلبوه مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وأحضروه إِلَى تمرلنك فمرت بِهِ محن شَدِيدَة آلت إِلَى أَن غرق بنهر الزاب وَهُوَ فِي الْأسر. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة ولى الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون الْمَالِكِي بداخل مَدِينَة دمشق. فَلَمَّا علم بتوجه السُّلْطَان تدلى من سور الْمَدِينَة وَسَار إِلَى تمرلنك فَأكْرمه(6/54)
وأجله وأنزله عِنْده ثمَّ أذن لَهُ فِي الْمسير إِلَى مصر فَسَار إِلَيْهَا وتتابع دُخُول المنقطعين بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة فِي أَسْوَأ حَال من الْمَشْي والعري والجوع فرسم لكل من المماليك السُّلْطَانِيَّة بِأَلف دِرْهَم وجامكية شَهْرَيْن. وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ لما اسْتَقر بقلعة الْجَبَل أعَاد شمس الدّين مُحَمَّد البخانسي إِلَى حسبَة الْقَاهِرَة وَفِيه أذن للأمير يلبغا السالمي أَن يتحدث فِي كل مَا يتَعَلَّق بالمملكة وَأَن يُجهز عسكراً إِلَى دمشق لقِتَال تمرلنك فشرع فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وَفرض على سَائِر أَرَاضِي مصر فَرَائض فجبي من إقطاعات الْأُمَرَاء وبلاد السُّلْطَان وأخبار الأجناد وبلاد الْأَوْقَاف عَن عِبْرَة كل ألف دِينَار خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمن فرس وجبي من سَائِر أَمْلَاك الْقَاهِرَة ومصر وظواهرها أجرته عَن شهر حَتَّى أَنه كَانَ يقوم على الْإِنْسَان فِي دَاره الَّتِي هُوَ يسكنهَا وَيُؤْخَذ مِنْهُ أجرتهَا. وجبي من الرزق - وَهِي الْأَرَاضِي الَّتِي يَأْخُذ مغلها قوم من النَّاس على سَبِيل الْبر - عَن كل فدان من زراعة الْقَمْح أَو الفول أَو الشّعير عشرَة دَرَاهِم وَعَن الفدان من الْقصب أَو القلقاس أَو النيلة - وَنَحْو ذَلِك من القطاني - مائَة دِرْهَم. وجبي من الْبَسَاتِين عَن كل فدان مائَة دِرْهَم. واستدعي أُمَنَاء الحكم والتجار وَطلب مِنْهُم المَال على سَبِيل الْقَرْض. وَصَارَ يكبس الفنادق وحواصل الْأَمْوَال فِي اللَّيْل فَمن وجد صَاحبه حَاضرا فتح مخزنه وَأخذ نصف مَا يجد من نقود الْقَاهِرَة وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة والفلوس. وَإِذا لم يجد صَاحب المَال أَخذ جَمِيع مَا يجده من النُّقُود. وَأخذ مَا وجد من حواصل الْأَوْقَاف وَمَعَ ذَلِك فَإِن الصَّيْرَفِي يَأْخُذ عَن كل مائَة دِرْهَم - تستخرج مِمَّا تقدم ذكره - ثَلَاثَة دَرَاهِم. وَيَأْخُذ الرَّسُول الَّذِي يحضر الْمَطْلُوب سِتَّة دَرَاهِم وَإِن كَانَ نَقِيبًا أَخذ عشرَة دَرَاهِم. فَاشْتَدَّ الضَّرَر بذلك وَكثر دُعَاء وَفِيه خلع على الْأَمِير نوروز الحافظي والأمير يشبك الشَّعْبَانِي واستقرا مشيري الدولة مدبري أمورها. وخلع على الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان بن أَحْمد لنقابة الْجَيْش عوضا عَن أسندمر لانقطاعه بِالشَّام. وَفِي ثَانِي عشره: خلع على القَاضِي أَمِين الدّين عبد الْوَهَّاب بن قَاضِي الْقُضَاة شمس(6/55)
الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الطرابلسي قَاضِي الْعَسْكَر وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن الْجمال يُوسُف الْمَلْطِي بعد وَفَاته وعَلى القَاضِي جمال الدّين عبد الله الأقفهسي وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقَضَاء الْمَالِكِيَّة بديار مصر عوضا عَن نور الدّين عَليّ بن الْجلَال بعد مَوته أَيْضا وعَلى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل الضاني وَاسْتقر أَمِير طبر عوضا عَن الصارم إِبْرَاهِيم بِحكم انْقِطَاعه فَصَارَ وَالِي مصر والقرافتين أَمِير طبر. وَفِيه قدم من الشَّام ثَلَاثمِائَة من المماليك المنقطعين بِأَسْوَأ حَال من الْمُضِيّ والعري والجوع وَشَكوا من العشير. وَفِي تَاسِع عشره: قبض على المهتار عبد الرَّحْمَن وألزم بِمَا أَخذه من العشير وَغَيرهم ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام. وَفِي حادي عشرينه: قدم قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله الْحَنْبَلِيّ من الشَّام فِي أَسْوَأ حَال. وَقدم أَيْضا قَاضِي قُضَاة دمشق عَلَاء الدّين عَليّ بن أبي الْبَقَاء الشَّافِعِي. وَحضر أَيْضا كتاب تمرلنك على يَد أحد مماليك السُّلْطَان يتَضَمَّن طلب أطلمش أطلندي وَأَنه إِذا قدم عَلَيْهِ أرسل من عِنْده من النواب والأمراء والأجناد والفمهاء وقاضي الْقُضَاة صدر الدّين الْمَنَاوِيّ ويرحل فَطلب أطلمش من البرج الَّذِي هُوَ مسجون فِيهِ بقلعة الْجَبَل وأنعم عَلَيْهِ بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَأنزل عِنْد الْأَمِير سودن طاز أَمِير أخور وَعين للسَّفر مَعَه قطلوبك العلاي والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر الأستادار. وَفِيه توجه الْأَمِير بيسق أَمِير أخور رَسُولا إِلَى تمرلنك بِكِتَاب السُّلْطَان. وجد الْأَمِير يلبغا السالمي فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وَعرض أجناد الْحلقَة وألزم من كَانَ مِنْهُم قَادِرًا على السّفر بِالْخرُوجِ إِلَى الشَّام وألزم الْعَاجِز عَن السّفر بإحضار نصف متحصل إقطاعه فِي السّنة. وألزم أَرْبَاب الغلال المحضرة للْبيع فِي المراكب النيلية أَن يُؤْخَذ مِنْهُم عَن كل أردب دِرْهَم وَأَن يُؤْخَذ من كل مركب من المراكب الَّتِي تتنزه فِيهَا النَّاس مائَة دِرْهَم. شهر رَجَب أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ بلغت الدَّنَانِير السالمية ثَلَاث آلَاف دِينَار وَأمر السالمي أَن يضْرب دَنَانِير أَيْضا مِنْهَا مَا زنته مائَة مِثْقَال ومثقال وَمِنْهَا مَا وَزنه تسعون مِثْقَالا ومثقال وَهَكَذَا ينقص عشرَة مَثَاقِيل إِلَى أَن يكون مِنْهَا دِينَار زنته عشرَة مَثَاقِيل، فَضرب من ذَلِك جملَة دَنَانِير.(6/56)
وَفِي ثالثه: خلع على علم الدّين يحيى بن أسعد الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو كم وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن الصاحب فَخر الدّين ماجد بن غراب لاستعفائه من الوزارة. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن دمرداش نَائِب حلب تخلص من تمرلنك وَجمع وَأخذ حلب وقلعتها من التمرية وقتلهم. وَفِي خامسه: اسْتَقر الطواشي فَارس الدّين شاهين الْحلَبِي نَائِب الْمُقدم فِي تقدمة المماليك عوضا عَن الطواشي شمس الدّين صَوَاب السَّعْدِيّ جنكل. وَاسْتقر الطواشي زين الدّين فَيْرُوز من جرحي مقدم الرفرف نَائِب الْمُقدم. وَفِي سابعه: حضر من عربان الْبحيرَة إِلَى خَارج الْقَاهِرَة سِتَّة آلَاف فَارس. وَمن الشرقية ابْن بقر وَالْتزم بِأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة فَارس وَمن العيساوية وَبني وَائِل ألف وَخَمْسمِائة فَارس فانفق فيهم الْأَمِير يلبغا السالمي الْأَمْوَال لِيَتَجَهَّزُوا إِلَى حَرْب تمرلنك. وَفِي ثامنه: قدم قَاصد الْأَمِير نعير لِأَنَّهُ قد جمع عرباناً كَثِيرَة وَنزل على تدمر وَأَن تمرلنك رَحل من ظَاهر دمشق إِلَى القطيفة. وَفِي رَابِع عشره: قبض على الْأَمِير يلبغا السالمي وعَلى شهَاب الدّين أَحْمد بن عمر ابْن قطينة وسلما للْقَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب ليحاسبهما على الْأَمْوَال الْمَأْخُوذَة من النَّاس فِي الجبايات. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب أستادار السُّلْطَان عوضا عَن السالمي مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من وظيفتي نظر الْجَيْش وَالْخَاص. وَلبس جُبَّة من حَرِير بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَحْمَر وَالْآخر أَخْضَر بطراز ذهب عريض فِي عرض ذِرَاع وَثمن وترفع عَن لبس التشريف وَلم يُغير زِيّ الْكتاب. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر جمال الدّين عبد الله المنجكي فِي ولَايَة البهنسا وعزل منكلي بغا الزيني.(6/57)
وَفِي سلخه: ورد الْخَبَر بِأَن ابْن عُثْمَان وصل إِلَى قيصرية من بِلَاد الرّوم. شهر شعْبَان أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قدم قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون من دمشق وَقد أذن لَهُ تمرلنك فِي التَّوَجُّه إِلَى مصر وَكتب لَهُ بذلك كتابا عَلَيْهِ خطه وَصورته تيمور كركان وَأطلق مَعَه جمَاعَة بِشَفَاعَتِهِ فيهم مِنْهُم القَاضِي صدر الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين مَحْمُود القيصري ناضر الْجَيْش وَكَانَ قد خرج مَعَ السُّلْطَان من جملَة موقعي الدست. وَفِي ثَانِيه: جَاءَ دمشق جَراد كثير جدا ودام أَيَّامًا. وَفِي ثالثه: توجه تمرلنك من دمشق بعساكره فعز الْقَمْح بِدِمَشْق واقتات من تَأَخّر بهَا من منابت الأَرْض. وَفِي خامسه: برز الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا بِالْقَاهِرَةِ فِي غيبَة السُّلْطَان بِدِمَشْق للمسير لِحَرْب تمرلنك وهم: الْأَمِير تمراز أَمِير مجْلِس والأمير أقباي حَاجِب الْحجاب والأمير جرباش الشيخي والأمير تمان تمر والأمير صوماي الحسني. وَامْتنع الْأَمِير جكم من السمر فَبَطل سمر الْأُمَرَاء أَيْضا. وَفِي سابعه: قدم الْأَمِير سيف الدّين شيخ المحمودي نَائِب طرابلس هَارِبا من تمرلنك فَتَلقاهُ الْأُمَرَاء وَقدمُوا إِلَيْهِ الْخُيُول بالسروج الذَّهَب والكنابيش الذَّهَب والقماش وَالْجمال وَغير ذَلِك وَفِي ثامن عشره: أفرج عَن ابْن قطينة وَلزِمَ دَاره. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الْأَمِير دقماق المحمدي نَائِب حماه فَارًّا من تمرلنك فأنعم عَلَيْهِ أَيْضا. مِمَّا يَلِيق بِهِ. وَفِيه برز الْأَمِير تغري بردى من بشبغا نَائِب الشَّام للمسير إِلَى دمشق. وَخرج بعده نواب الْبِلَاد الشامية وأمراؤها وأجنادها وَسَائِر أعيانها. وخلع على الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب جُبَّة حَرِير بِوَجْهَيْنِ مطرزة باستقراره فِيمَا بِيَدِهِ عِنْد استعفائه من الأستادارية. وعَلى جمال الدّين يُوسُف بن القطب بِقَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن محيي الدّين مَحْمُود بن الكشك. وَفِي ثامن عشرينه: اسْتَقر تمربغا المنجكل فِي نِيَابَة صفد وَخرج إِلَيْهَا وَاسْتقر تنكز بغا الحططيفي نِيَابَة بعلبك وناصر الدّين مُحَمَّد بن الطَّوِيل فِي كشف الْوَجْه البحري، وعزل طيبغا الزيني.(6/58)
وَفِي رَابِع عشرينه: قبض على مملوكين فأقرا أَنَّهُمَا اتفقَا مَعَ جمَاعَة من المماليك - سموهم - على إثارة فتْنَة وَقتل الْأُمَرَاء فعفي عَنْهُمَا وَلم يَتَحَرَّك فِي ذَلِك سَاكن. وَفِيه نُودي أَلا يُقيم بديار مصر عجمي وأجلو ثَلَاثَة أَيَّام وهدد من تَأَخّر بعْدهَا فَلم يتم من ذَلِك شَيْء. ولهج النَّاس بِالْكِتَابَةِ على الْحِيطَان من نصْرَة الْإِسْلَام قتل الأعجام. وَفِي سادس عشرينه: أُعِيد نور الدّين عَليّ بن عبد الْوَارِث الْبكْرِيّ إِلَى حسبَة مصر وَصرف شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه: خلع على القَاضِي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي أحد نواب الحكم وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بديار مصر على مَال الْتزم بِهِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا أيس من حُضُور الصَّدْر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ فَنزل فِي خدمته أكَابِر الْأُمَرَاء مثل الْأَمِير يشبك الدوادار وَغَيره حَتَّى جلس بِالْمَدْرَسَةِ بَين القصرين وَحكم على الْعَادة ثمَّ سَار إِلَى دَاره. شهر رَمَضَان أَوله الْجُمُعَة: إِلَى ثَانِي عشره: اسْتَقر جنتمر التركماني النظامي نَائِب الْوَجْه القبلي وعزل عَلَاء الدّين عَليّ بن غلبك بن المكللة.
(وَفِي رَابِع عشره)
اسْتَقر على ابْن بنت معتوق فِي ولَايَة منفلوط وعزل أَحْمد ابْن عَليّ بن غلبك. وَفِي ثامن عشره: خلع على الْأَمِير شيخ المحمودي بنيابة طرابلس على عَادَته عوضا عَن آقبغا الجمالي وعَلى دقماق المحمدي بنيابة صفد عوضا عَن تمربغا المنجكي وأنعم على تمربغا بإمرة مائَة بِدِمَشْق. وَفِيه قدم حَاج الْمغرب وَفِيهِمْ رسل صَاحب تونس بهدية مِنْهَا سِتَّة عشر فرشاً قدمت للسُّلْطَان وَقدم مَعَهم نَحْو ثَلَاثمِائَة فرس للْبيع.(6/59)
وَفِي هَذَا الشَّهْر: توقفت أَحْوَال النَّاس بِسَبَب الذَّهَب فَإِنَّهُ أشيع أَنه يطْرَح على الصيارف وَيُؤْخَذ فِي الدِّينَار الأفرنتي المشخص مبلغ تِسْعَة وَثَلَاثِينَ درهما من الْفُلُوس. وَكَانَ قد بلغ بَين النَّاس إِلَى ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ درهما فتناقص حَتَّى صَار إِلَى خمسه وَثَلَاثِينَ درهما وَالدِّينَار الْمَخْتُوم الْمصْرِيّ إِلَى ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ. وَقدم الْخَبَر أَن الفرنج أخذُوا سِتَّة مراكب موسقة قمحاً سَار بهَا الْمُسلمُونَ من دمياط إِلَى سواحل الشَّام ليباع بهَا من كَثْرَة مَا أَصَابَهَا من الْقَحْط والغلاء من نوبَة تمرلنك فرسم بِخُرُوج جمَاعَة من الْأُمَرَاء إِلَى ثغور مصر فَخرج الْأَمِير آقباي حَاجِب الْحجاب والأمير بكتمر والأمير جرباش فِي عدَّة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وَتَفَرَّقُوا فِي الثغور. وَفِي ثَالِث عشرينه: أُعِيد قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين عبد الرَّحْمَن بن خلدون إِلَى قَضَاء الْمَالِكِيَّة وصوف جمال الدّين عبد الله الأقفهسي. وَاسْتقر مجد الدّين سَالم الْحَنْبَلِيّ فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَابِلَة عوضا عَن موفق الدّين أَحْمد بن نصر الله بعد وَفَاته بعد أَن طلب هُوَ وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَبَّاس بن فتيَان البعلبكي الْمَعْرُوف بِابْن اللحام الْحَنْبَلِيّ الْوَارِد من دمشق إِلَى عِنْد الْأَمِير يشبك الدوادار وَعرض عَلَيْهِمَا ولَايَة الْقَضَاء فامتنعا وَصَارَ كل مِنْهُمَا يَقُول: لَا أصلح وَإِنَّمَا يصلح هَذَا لدينِهِ وَعلمه. فَكثر الْعجب من ذَلِك. وَاسْتقر الْأَمر لسالم وخلع عَلَيْهِ وَركب إِلَى الصالحية فِي موكب حمل. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: فِيهِ أفرج عَن الْأَمِير يلبغا السالمي وَهُوَ متضعف بَعْدَمَا عصر وأهين إهانة بَالِغَة. وَفِي هَذَا الْيَوْم: كثر تحرز الْأُمَرَاء من بَعضهم بَعْضًا وتحدث النَّاس بإثارة فتْنَة بَينهم. وَفِي خَامِس: وصل الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى دمشق وَمن مَعَه من الْعَسْكَر. وَفِي سابعه: اسْتَقر الْأَمِير طولو من على شاه فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة عوضا عَن الْأَمِير(6/60)
أرسطاي وَاسْتقر الْأَمِير باشا باي من باكي حاجباً ثَانِيًا بديار مصر على خبز سودن الطيار بطبلخاناه. وَاسْتقر تمر الْبَرْبَرِي مهمنداراً عوضا عَن ألطبغا العثماني. وَاسْتقر كل من سودن الطيار وألطبغا سَيِّدي حاجباً بحب. وَفِيه استدعي السُّلْطَان الْأُمَرَاء إِلَى القلعة وَقَالَ لَهُم: قد كتبنَا مناشير جمَاعَة من الخاصكية بإمريات بِالشَّام من أول رَمَضَان فَلم لَا يسافروا فَقَالَ الْأَمِير نوروز: مَا هَذَا مصلحَة إِذا أرسل السُّلْطَان هَؤُلَاءِ من يبْقى. وَوَافَقَهُ سودن المارديني على ذَلِك. فَقَالَ السُّلْطَان: من رد مرسومي فَهُوَ عدوي فَسكت الْأُمَرَاء وَأمر السُّلْطَان بالمناشير أَن تبْعَث إِلَى أَرْبَابهَا. فَلَمَّا نزلت إِلَيْهِم امْتَنعُوا من السّفر وَمِنْهُم من رد منشوره فغصب السُّلْطَان وَأصْبح الْجَمَاعَة يَوْم الْأَحَد وَقد اتَّفقُوا مَعَ الْأُمَرَاء وصاروا إِلَى الْأَمِير نوروز وتحدثوا مَعَه فِي أَلا يسافروا فَاعْتَذر إِلَيْهِم وبعثهم إِلَى سودن المارديني رَأس نوبَة فحدثوه فِي ذَلِك. وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى ركب إِلَى الْأَمِير يشبك الدوادار وحدثه فِي أَلا يسافروا فَأَغْلَظ فِي الرَّد عَلَيْهِ وهددهم بالتوسيط إِن امْتَنعُوا وَبَعثه إِلَى السُّلْطَان ليحدثه فِي ذَلِك فَصَعدَ القلعة وَسَأَلَ السُّلْطَان فِي إعفائهم من السّفر وأعلمه أَنه قد اتّفق مِنْهُم نَحْو الْألف تَحت القلعة وهم مجتمعون. فَبعث السُّلْطَان إِلَيْهِم أحد الخاصكية يَقُول لَهُم: نَحن مَا خليناكم بِلَا رزق بل عملناكم أُمَرَاء. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن بَلغهُمْ ذَلِك ثَارُوا عَلَيْهِ وضربوه حَتَّى كَاد يهْلك. وبينما هم فِي ضربه إِذا بالأمير قطلوبغا الكركي والأمير أقباي الخازندار نزلا من القلعة فَمَال عَلَيْهِم المماليك يضربونهم بالدبابيس إِلَى أَن سقط قطلوبغا فتكاثر عَلَيْهِ مماليكه وَحَمَلُوهُ إِلَى بَيته وَنَجَا أقباي إِلَى بَيت الْأَمِير يشبك. وَمَاجَتْ الْبَلَد فَنُوديَ آخر النَّهَار أَن الْأُمَرَاء والمماليك السُّلْطَانِيَّة يطلعون من غَد إِلَى القلعة وَمن لم يطلع حل دَمه وَمَاله للسُّلْطَان. فطلع الْأَمِير يشبك ونوروز وآقباي الخازندار وقطلوبغا الكركي إِلَى القلعة بعد عشَاء الْآخِرَة وَبَاتُوا بهَا إِلَّا نوروز فَإِنَّهُ أَقَامَ مَعَهم سَاعَة ثمَّ نزل. وطلع أَيْضا غَالب المماليك. وَأَصْبحُوا يَوْم الِاثْنَيْنِ تاسعه فطلع جَمِيع الْأُمَرَاء والمماليك إِلَّا الْأَمِير جكم وسودن الطيار وقاني باي العلاي وقرقماش الأينالي وتمربغا المشطوب وجمق فِي عدَّة من أَعْيَان المماليك مِنْهُم يشبك العثماني وقمج وبرسمبغا وطراباي وَبَقِيَّة خَمْسمِائَة مَمْلُوك فَإِنَّهُم لبسوا السِّلَاح ووقفوا تَحت القلعة حَتَّى تضحى النَّهَار ثمَّ مضوا إِلَى بركَة الْحَبَش ونزلوا عَلَيْهَا. فَبعث الْأَمِير يشبك الدوادار - نقيب الْجَيْش - إِلَى الشَّيْخ لاجين قبض عَلَيْهِ وَحمله إِلَى(6/61)
بَيت آقباي حَاجِب الْحجاب فَوكل بِهِ من أخرجه من الْقَاهِرَة إِلَى بلبيس وَقبض على سودن الْفَقِيه أحد دعاة الشَّيْخ لاجين وَأخرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَمَا زَالَ الْأَمِير جكم ببركة الْحَبَش إِلَى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فاستدعي الْأَمِير يشبك الدوادار سَائِر الْأُمَرَاء فَلَمَّا صَارُوا إِلَى القلعة وكل بهم من يحفظهم حَتَّى مضى جَانب من اللَّيْل استدعى سودن طاز أَمِير أخور من الإسطبل ليحضر إِلَى عِنْد الْأُمَرَاء بالقلعة. وَقد وَقع الِاتِّفَاق على أَن سودن طاز إِذا طلع قتل هُوَ والأمراء الْمُوكل بهم فَأتى بعض الخاصكية إِلَى سودن طاز وَقَالَ لَهُ: فز بِنَفْسِك. فَلم يكذب الْخَبَر وَأخذ الْخُيُول الَّتِي بالإسطبل السلطاني وَركب بمماليكه وَلحق بالأمير جكم على بركَة الْجَيْش. فارتج الْقصر السلطاني. وَلحق كل أَمِير بداره وركبوا بأجمعهم ودقت الكوسات فَلَمَّا أصبح نَهَار الْأَرْبَعَاء نزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإصطبل وطلع إِلَيْهِ الْأُمَرَاء وَبعث إِلَى الْأَمِير جكم بِأَمَان وَأَنه يتَوَجَّه إِلَى صفد نَائِبا بهَا فَقَالَ: نَحن مماليك السُّلْطَان وَهُوَ أستاذنا وَابْن أستاذنا لَو أَرَادَ قتلنَا مَا خالفناه وَإِنَّمَا لنا غُرَمَاء يخلونا وإياهم. فَلَمَّا عَاد الرَّسُول بذلك بكي الْأَمِير يشبك وأقباي الخازندار وقطلوبغا الكركي وَدَار بَينهم وَبَين السُّلْطَان كَلَام كثير فَبعث السُّلْطَان بالأمير نوروز الحافظي وقاضي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي وناصر الدّين الرماح أَمِير أخور إِلَى الْأَمِير جكم فِي طلب الصُّلْح فَامْتنعَ من ذَلِك هُوَ وَمن مَعَه وَقَالُوا: لابد لنا من غرمائنا وأخروا عِنْدهم الْأَمِير نوروز وَعَاد قَاضِي الْقُضَاة والرماح بذلك. فَقَالَ السُّلْطَان ليشبك دُونك وغرماءك. فَنزل إِلَى بَيته وَقد اخْتَلَّ أمره. ثمَّ عَاد إِلَى القلعة فَلم يُمكن مِنْهَا وتخفي عَنهُ المماليك السُّلْطَانِيَّة وتركوه وَحده تَحت الإسطبل السلطاني فَلم يكن غير سَاعَة حَتَّى أقبل الْأَمِير جكم وسودن طاز ونوروز فِي عَددهمْ وعديدهم. وَصَاحب الموكب نوروز وجكم عَن يسَاره وطاز عَن يمنه وصاروا قَرِيبا من يشبك. فنادي يشبك: من قَاتل معي من المماليك يَأْخُذ عشرَة آلَاف دِرْهَم. فَأَتَاهُ طَائِفَة فَحمل عَلَيْهِ نوروز فِي من مَعَه فَانْهَزَمَ إِلَى دَاره وَقَاتل سَاعَة ثمَّ فر فنهبت دَاره وَدَار قطلوبغا وأقباي. وَقبض على أقباي فشفع فِيهِ السُّلْطَان فَترك بداره إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره ركب الْأَمِير جكم إِلَيْهِ. وَأَخذه وَصعد بِهِ إِلَى الإسطبل السلطاني وَقَيده. وَقبض على قطلوبغا من عِنْد الْأَمِير يلبغا الناصري وَقَيده. وَقبض على جركس المصارع من عِنْد سودن الجلب وَقَيده وَبعث الثَّلَاثَة إِلَى مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة لَيْلَة السبت(6/62)
رَابِع عشره. وَكتب بإحضار سودن. الْفَقِيه من الْإسْكَنْدَريَّة. وَطلب الْأَمِير يشبك فَلم يقدر عَلَيْهِ إِلَى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشره دلّ عَلَيْهِ أَنه فِي تربة بالقرافة. فَلَمَّا أحيط بِهِ ألْقى نَفسه من مَكَان مُرْتَفع فشج جَبينه وَقبض عَلَيْهِ الْأَمِير جكم وأحضره إِلَى بَيت الْأَمِير نوروز ثمَّ سير من ليلته إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: خلع على الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كراب جُبَّة مطرزة باستقراره على مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَفِي ثامن عشره: اسْتَقر نَاصِر الدّين بن غرلوا نَائِب الْوَجْه البحري وعزل ابْن مُسَافر. وألبس الْأَمِير شيخ المحمودي نَائِب طرابلس قباءنخ وألبس أَيْضا الْأَمِير دقماق نَائِب صفد قبَاء السّفر وَأذن لَهما فِي السّفر إِلَى ولايتهما. وَإِلَى تَاسِع عشره: خلع على الْأَمِير حكم وَاسْتقر دوادار السُّلْطَان مَكَان الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي. وعَلى سودن من زَاده وَاسْتقر خازندازاً مَوضِع أقباي الكركي. وعَلى أرغون من بشبغا وَاسْتقر شاد الشربخاناه بدل قطلوبغا الكركي. وَفِيه خرج الْمحمل مَعَ الْأَمِير قطلوبك العلاي إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَعمل أَمِير الركب الأول الْأَمِير بيسق الشيخي ورسم لَهُ أَن يُقيم بعد انْقِضَاء الْحَج بِمَكَّة لعمارة مَا بَقِي من الْمَسْجِد الْحَرَام. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: أقبل على دمشق جَراد حجب من كثرته الشَّمْس عَن الْأَبْصَار فأتلف جَمِيع مَا تنتبه الأَرْض بعامة أَرض الشَّام كلهَا حَتَّى لم يدع بهَا خضرًا من شجر وَلَا غَيره من غَزَّة إِلَى الْفُرَات. وَفِي سادس عشرينه: اسْتَقر يُونُس الحافظي فِي نِيَابَة حماة وعزل ركن الدّين عمر ابْن الهذباني وَاسْتقر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وَصرف الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج الْمَعْرُوف بوالي قطيا وَعمل أحد الْأُمَرَاء الْحجاب بِغَيْر إقطاع ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد أَيَّام وعصر وَأخذ مِنْهُ مَال ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه أنعم على الْأَمِير جكم بإقطاع يشبك وعَلى سودن الطيار بإقطاع الْأَمِير جكم وبإقطاع أقباي الكركي على الْأَمِير قاني باي العلاي وبإقطاع قطلوبغا الكركي على الْأَمِير تمربغا من باشاه الْمَعْرُوف بالمشطوب وبإقطاع جركس المصارع على سودن من زَاده بستين فَارِسًا.(6/63)
شهر ذِي الْقعدَة، أَله الثُّلَاثَاء: فِيهِ ألزم سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب بتجهيز نَفَقَة المماليك فالتزم أَن يحمل مِنْهَا مائَة ألف دِينَار وألزم الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر وتاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج ويلبغا السالمي بِمِائَة ألف دِينَار فشرعوا فِي تجهيزها. وَفِيه قبض الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن رَجَب شاد الدَّوَاوِين على يلبغا السالمي من دَاره وَحمله إِلَى بَيته وضربه ضربا مبرحاً وَبَالغ فِي عصره وتعذيبه حَتَّى أشرف على الْمَوْت فأبيع موجوده فِيمَا ألزم بِهِ. وَفِيه جَاءَ رجل جَراد غير ذَلِك إِلَى دمشق فَعظم بِهِ الْخطب. وَفِي ثالثه: قدم الْأَمِير تمربغا المنحكي نَائِب صفد إِلَى دمشق على إقطاع تقدمة ألف. وقدمت ولَايَة شمس الدّين الأخناي قَضَاء دمشق. وَفِي خامسه: اسْتَقر الشهَاب أَحْمد اليغموري الْحَاجِب بِدِمَشْق نَائِب قلعتها وَالْتزم بعمارتها فأفرد لَهَا من بِلَاد دمشق داريا الْكُبْرَى وَأَرِيحَا من الْغَوْر والمواريث الحشرية بِدِمَشْق وأعمالها والرملة والقدس وغزة ونابلس والمسابك وَدَار الضَّرْب وَنصف متحصل كَنِيسَة قمامة من الْقُدس وَربع الْعشْر وَربع الزَّكَاة وَربع مَا يتَحَصَّل من دَار الْوكَالَة. وأعيد بدر الدّين حسن إِلَى نظر الأحباس بديار وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الدّين صَالح بن أَحْمد بن السفاح. وَفِي سادس: وَهُوَ سَابِع عشْرين بؤونة أحد شهور القبط أَخذ قاع النّيل فجَاء أَربع أَذْرع وَفِي ثَانِي عشره: خلع على يُونُس نَائِب حماة وعَلى عَليّ بن مُسَافر نَائِب الْوَجْه البحري للسَّفر. وَفِي خَامِس عشره: أفرج عَن يلبغا السالمي فَسَار من بَيت شاد الدَّوَاوِين إِلَى دَاره على حمَار. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن دقماق المحمدي نَائِب صفد لما قدمهَا وجد متيريك بن قَاسم بن متيريك - أَمِير حَارِثَة - قد نزل على بِلَاد صفد وَقسمهَا.(6/64)
وَكَانَ قد أَخذ من أَمْوَال الفارين من دمشق إِلَى مصر فِي نوبَة تمرلنك مَا يجل وَصفه. فَركب عَلَيْهِ وحاربه فانكسر مِنْهُ دقماق وَقتل من مماليكه اثْنَا عشر فَارِسًا وأسرت أمه بَعْدَمَا قتل عدَّة من عرب حَارِثَة. وَأَنه استنجد بالأمير شيخ نَائِب طرابلس وَكَانَ نازلاً على مرج الْعُيُون فَرجع إِلَيْهِ وركبا مَعًا بِمن مَعَهُمَا على متيريك فكسراه وقتلا جمَاعَة من عربه وأسرا لَهُ وَلدين وسطاهما وأخذا لَهُ سِتَّة آلَاف بعير فَكتب إِلَى متيريك بتطييب خاطره. وَكتب إِلَى شيخ ودقماق برد أباعره عَلَيْهِ فَلم يقبلا ذَلِك. وَقدم الْخَبَر أَن نَائِب حلب أَحْوَاله تَقْتَضِي أَنه قد خرج عَن الطَّاعَة. وَفِي سادس عشرينه: صعد سعد الدّين بن غراب إِلَى القلعة برسم النَّفَقَة فأنفق فِي نَحْو ألف من المماليك فثاروا بِهِ وقبضوا عَلَيْهِ وضربوه وعوقوه فِي مَكَان ثمَّ خلى عَنهُ فَنزل إِلَى دَاره. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خربَتْ بَغْدَاد. وَفِيه طمع العربان فِي بِلَاد الشَّام ونهبوا مَا فِيهَا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي لَيْلَة السبت رابعه: اختفى سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب وَأَخُوهُ فَخر الدّين ماجد وصهره - أَخُو زَوجته - يُوسُف بن قطلوبك العلاي وعدة من ممالكه فَلم يُوقف لَهُم على خبر. وَفِي يَوْم السبت الْمَذْكُور: فرقت الْأَضَاحِي بالحوش من القلعة على الْأُمَرَاء وَسَائِر أَرْبَاب الدولة من الْقُضَاة والأعيان والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَفِي جِهَات الْبر من الْجَوَامِع والمدارس والخوانك والمشاهد والزوايا وَفِي أَرْبَاب الْبيُوت من أهل السّتْر على الْعَادة فِي كل سنة. وَفِيه قدم إِلَى دمشق نَائِب حماة وحريم تغري بردى نَائِب الشَّام. وَفِي سادسه: خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر البحكاوي وَاسْتقر فِي أستادارية السُّلْطَان عوضا عَن سعد الدّين بن غراب مُضَافا لما مَعَه من الذخرة والأملاك. وأنعم عَلَيْهِ بإقطاع ابْن غراب وإقطاع ابْن قطينة. فأرصد الدواليب وإقطاع يلبغا السالمي للديوان الْمُفْرد. وأرصد إقطاع ابْن قطينة لخزانة السُّلْطَان يتَصَرَّف فِيهِ الخازندارية بِأَمْر السُّلْطَان. وَفِيه استعفي الْأَمِير سودن من زَاده من وَظِيفَة الخازندارية.(6/65)
وَفِي سابعه: أضيف إِلَى الْوَزير علم الدّين - الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو كم - نظر الْخَاص مَعَ الوزارة عوضا عَن سعد الدّين بن غراب وخلع عَلَيْهِ بذلك. وخلع أَيْضا على سعد الدّين أبي الْفرج بن بنت الملكي صَاحب ديوَان الْجَيْش وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن سعد الدّين بن غراب. وَفِيه ورد الْخَبَر أَن نَائِب الْوَجْه البحري حضر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَطلب نائبها ليخرج إِلَيْهِ بِسَبَب حفر الخليج فَامْتنعَ من الْخُرُوج إِلَيْهِ فَانْصَرف عَنهُ. فَكتب إِلَيْهِ أَنه إِن حضر أحد يطْلب الْأُمَرَاء المسجونين فليبادر بقتل الْأَمِير يشبك وإلقاء رَأسه إِلَيْهِم. وَفِي تاسعه: ورد رَسُول مَشَايِخ تروجة بقدوم سعد الدّين بن غراب إِلَيْهِم وَمَعَهُ مِثَال سلطاني باستخراج الْأَمْوَال ومسيرهم مَعَه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَإِخْرَاج يشبك والأمراء من السجْن ليحضروا إِلَى الْقَاهِرَة بهم فَخلع على الرَّسُول وَكتب مَعَه بِأخذ ابْن غراب وَمن مَعَه وإرسالهم إِلَى الْقَاهِرَة. وَقدم كتاب أرسطاي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن سعد الدّين بن غراب طلب زعران الْإسْكَنْدَريَّة فَخرج إِلَيْهِ أَبُو بكر الْمَعْرُوف بِغُلَام الخدام بالزعر إِلَى تروجه فَأعْطِي كل وَاحِد مِنْهُم مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم وَقرر مَعَهم قتل النَّائِب. فَلَمَّا بلغ النَّائِب ذَلِك وَقدمُوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة قبض على جمَاعَة مِنْهُم وَقتل بَعضهم وَقطع أَيدي بَعضهم وَضرب غُلَام الخدام بالمقارع وَأَنه ظفر بِكِتَاب ابْن غراب إِلَى بعض تجار الْإسْكَنْدَريَّة وجهزه وَفِيه أَنه يجْتَمع بالنائب ويؤكد عَلَيْهِ أَن لَا يقبل مَا يرد عَلَيْهِ من أُمَرَاء مصر فِي أَمر يشبك وَمن مَعَه وَأَنه يَجْعَل باله لَا يجْرِي لَهُ مَا جرى على ابْن عرام فِي قَتله الْأَمِير بركَة. وَورد كتاب مَشَايِخ تروجة بسؤال الْأمان لِابْنِ غراب فَكتب لَهُ السُّلْطَان أَمَانًا وَكتب لَهُ الْأُمَرَاء أَيْضا - مَا خلا الْأَمِير جكم - فَإِنَّهُ كتب إِلَيْهِ كتابا وَلم يكْتب أَمَانًا. وخلع على عَليّ بن غَرِيب الهواري وَعُثْمَان بن الأحدب وَعَملا فِي الإمرة على هوارة بِبِلَاد الصَّعِيد عوضا عَن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الهواري وسارا. وَاسْتقر بهاء الدّين أرسلان نقيب الْجَيْش حاجباً. وَفِي سادس عشره: خلع على الصاحب الْوَزير علم الدّين وَاسْتقر وَكيل الْخَاص. وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطبلاوي وَإِلَى الْقَاهِرَة وأضيف إِلَيْهِ ولَايَة القرافة. وَفِيه رَحل تمرلنك عَن بَغْدَاد بَعْدَمَا هدمها.(6/66)
وَفِيه قدم رسل أبي يزِيد بن عُثْمَان - ملك الرّوم - بهدية فِيهَا عشرَة مماليك وَعشرَة أرؤس من الْخَيل وَعشر قطع من الجوخ وشاربان من الْفضة وَعشر قطع فضَّة مَا بَين أطباق وَغَيرهَا وعدة هَدَايَا إِلَى الْأُمَرَاء فقرئ كِتَابه فِي الْعشْرين مِنْهُ. وَفِي حادي عشرينه. قدم سعد الدّين بن غراب إِلَى الْقَاهِرَة لَيْلًا وَنزل عِنْد صديقه جمال الدّين يُوسُف أستادار بجاس وَهُوَ يَوْمئِذٍ أستادار سودن طاز أَمِير أخور. فَتحدث لَهُ مَعَ سودن طاز وأوصله إِلَيْهِ فَأكْرمه وأنزله عِنْده يومي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء واسترضي لَهُ الْأُمَرَاء وأحضره فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه إِلَى مجْلِس السُّلْطَان فَقبل الأَرْض وخلع عَلَيْهِ جُبَّة حَرِير مطرزة على عَادَته وَاسْتقر فِي الأستادارية وَنظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص على إقطاعه وأضيف إِلَيْهِ الذَّخِيرَة ودواليب خَاص الْخَاص. وعزل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن سنقر وَنزل إِلَى بَيت الْأَمِير جكم الدوادار فَمَنعه من الدُّخُول إِلَيْهِ ورده فَصَارَ إِلَى دَاره. وَمَا زَالَ حَتَّى دخل مَعَ الْأَمِير سودن من زادة إِلَى عِنْد الْأَمِير جكم فَقبل يَده فَلم يكلمهُ كلمة وَأعْرض عَنهُ فرضاه بعد ذَلِك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: أنْفق الْأَمِير القَاضِي سعد الدّين بن غراب تَتِمَّة النَّفَقَة على المماليك السُّلْطَانِيَّة فَأعْطى كل وَاحِد ألف دِرْهَم وعندما نزل من القلعة أدْركهُ عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ورحموه بِالْحِجَارَةِ يُرِيدُونَ قَتله فبادر إِلَى بَيت الْأَمِير نوروز واستجار بِهِ فأجاره حَتَّى انْصَرف المماليك عَن بَابه وَتوجه إِلَى دَاره. وَفِيه نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين إصبعاً وَتَأَخر عَلَيْهِ من الْوَفَاء سِتّ عشرَة إصبعاً وفاها فِي اللَّيْل وَبلغ الدِّينَار الْمصْرِيّ إِلَى أَرْبَعِينَ درهما ثمَّ انحط وَبلغ الأفرنتي إِلَى سَبْعَة وَثَلَاثِينَ وَفِي هَذَا الشَّهْر كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير نعير وَبَين نَائِب حلب. وَمَات فِي هَذِه السّنة قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين نصر الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح بن هَاشم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْعَسْقَلَانِي الْحَنْبَلِيّ فِي ثَانِي عشر رَمَضَان وَكَانَ مشكوراً.(6/67)
وَمَات قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله النحريري الْمَالِكِي وَهُوَ مَعْزُول فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمر بن نجم الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين أبي الْقسم هبة الله بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْكَتَائِب بن مُحَمَّد بن أبي الطّيب الْعجلِيّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي كَاتب سر دمشق يَوْم الْأَحَد سادس عشْرين رَجَب فِي الْعقُوبَة بيد التمرية. ولى كِتَابَة سر حلب وطرابلس ودمشق مَرَّات وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن الْحَاج عمر بن الزين وَالِي الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر ربيع الأول. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن أَسد بن طرخان الملكاوي الشَّافِعِي بِدِمَشْق فِي نصف رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أسنبغا العلاي دوادار الْملك الظَّاهِر فِي سادس عشر جُمَادَى وَمَات أَمِير فَوْج الْحلَبِي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي آخر ربيع الأول. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين الْمَعْرُوف بسيدي أبي بكر بن الْأَمِير شمس الدّين سنقر أبن أخي بهادر الجمالي فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات أَبُو بكر بن الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون فِي ثَالِث عشر ربيع الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين بجاس النوروزي فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات الْأَمِير سودن نَائِب الشَّام فِي آخر رَجَب وَدفن خَارج دمشق بقيده وَهُوَ فِي أسر تمرلنك. وَمَات تَقِيّ الدّين عبد الله بن يُوسُف بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سُلَيْمَان بن فَزَارَة الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ عرف بِابْن الكفري قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة فِي محنة تمرلنك. وَمَات الْوَزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن إِبْرَاهِيم بن مكانس فِي خَامِس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ مَصْرُوف عَن الوزارة.(6/68)
وَمَات الْعَلامَة عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن عَبَّاس بن فتيَان البعلبكي الدِّمَشْقِي عرف بِابْن وَمَات نور الدّين عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن الخروبي التَّاجِر الكارمي فِي ثَانِي عشر رَجَب. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة نور الدّين على بن يُوسُف بن مكي الْمَعْرُوف بِابْن الْجلَال الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي باللجون من طَرِيق دمشق فِي جُمَادَى الأولى. وَمَات الْفَقِيه الجندي قطلوبغا الْحَنَفِيّ أحد أَعْيَان الْحَنَفِيَّة فِي نصف جُمَادَى الأولى. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الْبر الخزرجي السُّبْكِيّ الشَّافِعِي وَهُوَ مَصْرُوف عَن الْقَضَاء فِي سَابِع عشر ربيع الآخر. وَمَات شرف الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الدماميني قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة بهَا فِي آخر الْمحرم. وَمَات شيخ الْمَالِكِيَّة شرف الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن المكين مدرس الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين فِي ثَانِي عشْرين ربيع الآخر. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد الأقفهسي نَاظر الدولة فِي ثَالِث عشر ربيع الآخر. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف بن مُوسَى بن مُحَمَّد الْمَلْطِي الْحَنَفِيّ وَهُوَ قَاض فِي تَاسِع عشْرين ربيع الآخر ومولده سِتَّة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة. وَهلك بحلب وحماة ودمشق وأعمال الشَّام فِي محنة تمرلنك بِالْجُوعِ وَالْقَتْل والحريق وَفِي الْأسر وَمَات قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن اسحق بن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الْمَنَاوِيّ الشَّافِعِي وَهُوَ فِي الْأسر مَعَ تمرلنك غريقاً بنهر الزاب بعد مَا مرت بِهِ محن شَدِيدَة. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مقلد الْقُدسِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. مَاتَ بغزة فِي ربيع الأول. ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ قد أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة وفيهَا ولي قَضَاء دمشق فَلم تشكر مُبَاشَرَته. وَكَانَ أَولا يَنُوب فِي الحكم بِدِمَشْق وَأفْتى ودرس وبرع فِي الْفِقْه وشارك فِي العقليات.(6/69)
وَمَات الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد ابْن المظفر يُوسُف بن مَنْصُور عمر بن على بن رَسُول فِي لَيْلَة السبت ثامن عشر ربيع الأول بِمَدِينَة تعز من بِلَاد الْيمن عَن سبع وَثَلَاثِينَ سنة. ولى سلطنة الْيمن بعد أَبِيه فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة. حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ حَلِيمًا كثير السخاء مُقبلا على الْعلم محباً للغرباء وصنف تَارِيخا لليمن. قدم علينا إِلَى الْقَاهِرَة ووقفت عَلَيْهِ وَقَامَ بمملكة الْيمن بعده ابْنه الْملك النَّاصِر أَحْمد. وَمَات نور الدّين على بن يحيى بن جَمِيع الطَّائِي الصعدي كَبِير تجار الْيمن بِعَدَد أَمِين فِي لَيْلَة عيد الْفطر وَقد جاور السِّتين وَكَانَ مكيناً عِنْد الْأَشْرَف. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن على التادلي قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى فِي الْحَرْب مَعَ أَصْحَاب تمرلنك. ومولده سلخ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ولي قَضَاء دمشق بعد المازوني سنة ثَمَان وَسبعين ثمَّ صرف وأعيد فَكَانَت ولَايَته الَّتِي مَاتَ فِيهَا هِيَ الْعَاشِرَة. وَكَانَ قوي الْيَقِين فَاضلا. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله وَيعرف بِابْن الْخَرَّاط الإسكندري الْمَالِكِي بالثغر فِي عَاشر صفر حدث بِكِتَاب التَّيْسِير فِي الْقرَاءَات عَن العرادياشي وبموطأ مَالك عَنهُ أَيْضا. وَمَات ملك دله من بِلَاد الْهِنْد وَهُوَ فَيْرُوز شاه بن نصْرَة شاه وَقَامَ من بعده ابْنه مُحَمَّد شاه هـ وَمَات قَاضِي الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق تَقِيّ الدّين إِبْرَاهِيم بن الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن مُفْلِح فِي شعْبَان عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة. وَكَانَ فَقِيها واعظاً إِلَّا أَنه قَامَ فِي مصالحة الطاغية تيمور فَلم ينجح وَلم يحمد.(6/70)
سنة أَربع وَثَمَانمِائَة أهل الْمحرم بِيَوْم الْخَمِيس: فِيهِ كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَفتح الخليج على الْعَادة. وَأما الذَّهَب فَإِن الدِّينَار الْمَخْتُوم بِسِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما والأفرنتي بأَرْبعَة وَثَلَاثِينَ. والأردب الْقَمْح من خمس إِلَى مَا دونهَا وَالشعِير بِخَمْسَة وَعشْرين والأرز بمائه وَتِسْعين الأردب والكتان كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ وَنصف بعد دِرْهَم والحملة الْحَطب - وَهِي مائَة وَعشرَة أَرْطَال - بِعشْرَة دَرَاهِم بعد دِرْهَمَيْنِ. وَفِي ثَانِيه: توجه الْأَمِير زين الدّين عبد الرَّحْمَن المهتار إِلَى بِلَاد الشَّام فِي مُهِمّ سلطاني. وَفِي تاسعه: اسْتَقر الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ نَائِب عين تَابَ فِي نِيَابَة ملطية كَانَ الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب قد عَزله من نِيَابَة عين تَابَ فَقدم إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر عَلَاء الدّين صهر يلبك فِي كشف الْبحيرَة وخلع على سعد الدّين بن غراب عِنْد تَكْمِلَة النَّفَقَة على المماليك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد بن الْبَنَّا فِي نظر الأحباس وَصرف بدر الدّين حسن بن الداية. وَاسْتقر الصارم فِي ولَايَة مصر وعزل الضاني. وَفِي حادي عشرينه: أَو لم الْأَمِير الْكَبِير نوروز لعرسه على سارة ابْنة الْملك الظَّاهِر فذبح ثَلَاثمِائَة رَأس من الْغنم وَسِتَّة عشر فرسا. وَفِي ثَالِث عشرينه: اسْتَقر الْأَمِير أَبُو يزِيد - أحد الْحجاب - بإمرة عشرَة. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر شهَاب الدّين أَحْمد بن الجواشني فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن القطب. وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان كَانَ قد كتب إِلَى أُمَرَاء دمشق بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلَمَّا أحس بذلك(6/71)
فر من دمشق فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشْرين الْمحرم فِي نفر يسير فَتعين لنيابة دمشق عوضا عَنهُ الْأَمِير أقبغا الجمالي أتابك دمشق والأمير تمربغا المنجكي لنيابة صفد عوضا عَن دقماق. وَنقل دقماق لنيابة حلب وعزل دمرداش عَنْهَا. فورد الْخَبَر بالتحاق تغري بردى بدمرداش فِي حلب. وَفِي خامسه: كتب توقيع باستمرار نجم الدّين عمر بن حجي فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بحماة وتوقيع بِنَقْل عَلَاء الدّين عَليّ بن مغلي قَاضِي الْحَنَابِلَة بحماة إِلَى قَضَاء الْحَنَابِلَة بحلب. وَفِي عشرينه: جهز تشريف الْأَمِير آقبغا بنيابة دمشق على يَد غنجق. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الصاحب علم الدّين يحيى - الْمَعْرُوف بأبو كم - خلعة اسْتِمْرَار. وَذَلِكَ أَنه كَانَ لِكَثْرَة طلب كلف الدولة مِنْهُ وعجزه اختفي فَلَمَّا ظهر خلع عَلَيْهِ. وَورد الْخَبَر أَن دمرداش نَائِب حلب قبض على الْأَمِير خَلِيل بن قراحا بن دلغادر - زعيم التركمان - وسجنه. فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ تغري بردى - نَائِب دمشق - شفع فِيهِ فافرج عَنهُ وَعَن من مَعَه وهم نَحْو الْخمسين رجلا. وَفِيه رسم للأمير سودن الحمزاوي بنيابة صفد وَسبب ذَلِك أَنه اخْتلف مَعَ الْأُمَرَاء الْكِبَار وهم: نوروز وَحكم وسودن طاز وتمربغا المشطوب وقاني باي العلاي فانقطعوا عَن الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة من أول صفر وعزموا على إثارة الْحَرْب. فَلبس الحمزاوي للحرب فِي دَاره وَاجْتمعَ إِلَيْهِ من يلوذ بِهِ. وَكَانَ الْأُمَرَاء قد عينوا لِلْخُرُوجِ من ديار مصر ثَمَانِيَة أنفس وهم: الحمزاوي وسردن بقجة وهما من أُمَرَاء الطبلخاناة ورءوس نوب وأزبك الدوادار وسودن بشتا وهما من أُمَرَاء العشراوات وقاني باي الخازندار وبردى باك وهما من الخاصكية وَآخَرين من المماليك الخاصكية ثمَّ مَشى الْحَال بَينهم وَبَين الْأُمَرَاء واصطلحوا على خُرُوج الحمزاوي لنيابة صفد وَإِقَامَة البَاقِينَ من غير حضورهم الْخدمَة وَحلف الْأُمَرَاء والممالك السُّلْطَانِيَّة على الطَّاعَة والاتفاق. وَفِيه سَار القاصد بتشريف دقماق لنيابة حلب. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر حسن بن قراجا فِي ولَايَة الجيزة وعزل عمر بن الكوراني.(6/72)
وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على سودن الحمزواي لنيابة صفد عوضا عَن دقماق الْمُنْتَقل لنيابة حلب. وَفِيه قدم الْأَمِير ألطنبغا العثماني نَائِب صفد والأمير بهاء الدّين عمر بن الطَّحَّان نَائِب غَزَّة من أسر تمرلنك وَذكروا أَنَّهُمَا فارقاه من أَطْرَاف بَغْدَاد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت كائنة طرابلس وَذَلِكَ أَنه قدم إِلَيْهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عاشره مركب فِيهِ عدَّة من الفرنج فَخرج النَّاس لحربهم وَكَانَ بالميناء مراكب لتجار الفرنج فَاجْتمعُوا على مراكب الْمُسلمين الَّتِي قد شحنت بالبضائع لتسير إِلَى أَرض وَأخذُوا مِنْهَا مركبين فيهمَا مَال كَبِير وأسروا خَمْسَة وَثَمَانِينَ مُسلما بَعْدَمَا قَاتلُوا قتالاً شَدِيدا وغرق جمَاعَة وفر جمَاعَة وَأَصْبحُوا من الْغَد على الْحَرْب فَوَقع الِاتِّفَاق على فكاك من أسروه بِمَال يحمل إِلَيْهِم فَلَمَّا حمل إِلَيْهِم بعض المَال أَسرُّوا الرجل ومضوا فِي لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشره ونزلوا على قَرْيَة هُنَاكَ فَقَاتلهُمْ أميرها وقبضهم وَجَاء بهم إِلَى طرابلس فسجنوا وَأخذ الْمُسلمُونَ مركبهم. شهر وَبيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي خامسه: لبس آقبغا خلعة بنيابة الشَّام وَقد وصلت إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق وَقَوي تَقْلِيده. وَفِي عاشره: قدم الْأَمِير دقماق من صفد إِلَى دمشق يُرِيد حلب وَقد اسْتَقر فِي نيابتها فَخرج الْأَمِير أقبغا إِلَى لِقَائِه وأنزله بالميدان وصحبة متسفره كتاب السُّلْطَان يطْلب الْأَمِير دمرداش نَائِب حلب إِلَى مصر وبتوجه الْأَمِير تغري بردى نَائِب الشَّام إِلَى الْقُدس بعد مَا أحيط بموجوده فِي دمشق. وَفِي ثَانِي عشره: سَار دقماق من دمشق يُرِيد حلب. وَفِي نصفه: طلع الْأَمِير نوروز إِلَى الْخدمَة بَعْدَمَا انْقَطع عَنْهَا زِيَادَة على شهر فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الْأَمِير سودن طاز وخلع على الْأَمِير ألطبغا العجمي وَإِلَى دمياط وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن الْأَمِير جنتمر الطرنطاي بِحكم وَفَاته. وَفِي ثَانِي عشره: طلع الْأَمِير جكم، بَعْدَمَا انْقَطع عَنْهَا مُدَّة شَهْرَيْن، وخلع عَلَيْهِ.(6/73)
وَفِيه اسْتَقر شمس الدّين مُحَمَّد الشاذلي الإسْكَنْدراني فِي حسبَة الْقَاهِرَة وعزل البخانسي. وَفِيه نُودي فِي دمشق بِخُرُوج الْعَسْكَر لقِتَال دمرداش بحلب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشرينه: اسْتَقر فَخر الدّين ماجد بن غراب فِي نظر الْخَاص برغبة أَخِيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن غراب لَهُ عَن ذَلِك. وَفِي سَابِع عشرينه: اسْتَقر تَاج الدّين بن الحزين مُسْتَوْفِي الدولة فِي الوزارة بِدِمَشْق. شهر ربيع الآخر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: اسْتَقر تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ - عرف بِابْن المكللة - ربيب ابْن جمَاعَة فِي حسبَة مصر وعزل نور الدّين الْبكْرِيّ. وَفِي خامسه: اسْتَقر الْأَمِير جمق رَأس نوبَة دواداراً ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير جركس المصارع وَاسْتقر تنباك الخاصكي دواداراً. وَفِي سابعه: اسْتَقر فِي نظر الأحباس بدر الدّين مَحْمُود العينتابي عوضا عَن شمس الدّين بن الْبَنَّا بِحكم وَفَاته. وخلع على الْأَمِير سلمَان لنيابة الكرك عوضا عَن الْأَمِير جركس وَالِد تنم. وَفِي خَامِس عشره: كتب توقيع شمس الدّين مُحَمَّد بن عَبَّاس الصلتي نَائِب قَاضِي غَزَّة باستقراره فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن الأخناي. وَفِي سَابِع عشره: اسْتَقر الْأَمِير مبارك شاه - الْحَاجِب وَكَاشف الجيزة - وزيراً وَصرف علم الدّين يحمي أبوكم وَقبض عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شاد الدَّوَاوِين ليعاقبه. وَفِي حادي عشرينه: اسْتَقر أقتمر - أحد المماليك السُّلْطَانِيَّة - فِي ولَايَة الْقَاهِرَة وعزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الطلاوي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: فر من كَانَ مَعَ الْأَمِير دقماق من التراكمين وَقد قرب دقماق من حلب فَعَاد بِمن بَقِي مَعَه إِلَى حماة واستنجد الْأَمِير آقبغا نَائِب دمشق فأمده بطَائفَة. فَسَار دمرداش من حلب وَلَقي دقماق على حماة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي جُمَادَى الأولى فانكسر بعد قتال طول النَّهَار وَكَثُرت فِيهِ الْجِرَاحَات. فَلم يُمكن دمرداش الْعود إِلَى حلب من أجل أَن الْأُمَرَاء بهَا أخذوها للسُّلْطَان وَمر على وَجهه فَعَاد عَسْكَر دمشق إِلَيْهَا وَسَار دقماق إِلَى حلب فتسلمها.(6/74)
وَفِي ثَانِي عشره: قبض بِدِمَشْق على شمس الدّين مُحَمَّد الأخناي قَاضِي دمشق وَنُودِيَ بالكشف عَلَيْهِ فَكثر شاكوه باستيلائه على أَمْلَاك النَّاس وأوقافهم. وَقدم فِي سادس عشرينه: إِلَى دمشق شمس الدّين مُحَمَّد بن عَبَّاس الصلتي - نَائِب قَاضِي غَزَّة مُتَوَلِّيًا الْقَضَاء عَن الأخناي وَأَفْرج عَن الأخناي فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة تاسعه: ركب الْأَمِير صروق نَائِب غَزَّة. واقتتل هُوَ والأمير سلامش الْحَاجِب والأمير جركس نَائِب الكرك فَقتل بَينهم عشرَة أنفس وجرح جمَاعَة وفر سلامش وَأخذ جوكس أَسِيرًا فَجمع سلامش لِحَرْب صروق واستنجد بعمر بن فضل أَمِير حزم فَقَامَ مَعَه وقدما فِي جمع كَبِير إِلَى غَزَّة فِي رَابِع عشره واقتتلوا مَعَ صروق فَانْهَزَمَ مِنْهُم فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره فتبعوه وقبضوا عَلَيْهِ وقيدوه ونهبت غَزَّة. وَقتل بَينهم نَحْو الْخمسين رجلا وجرح نَحْو ثَلَاثمِائَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عاشرين شعْبَان: أُقِيمَت الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق وَهُوَ خراب مُنْذُ أحرقه التفرية بعد مَا نُودي فِيهِ النَّاس بذلك فشهدها جمَاعَة. هَذَا وَجَمِيع مَدِينَة دمشق خراب لَا سَاكن بهَا. وَقد بني النَّاس خَارِجهَا وَسَكنُوا هُنَاكَ وصاروا ينقلون مَا عساه يُوجد بِالْمَدِينَةِ من الْأَحْجَار وَنَحْوهَا وببني بذلك فِي ظَاهر الْمَدِينَة حَتَّى أزالوا مَا بَقِي من أثار الْحَرِيق وَصَارَت مَدِينَة دمشق كيماناً. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كتب باستقرار الْأَمِير صروق فِي كشف بِلَاد الشَّام لدفع العربان عَنْهَا فأوقع بهم وَأكْثر من الْقَتْل فيهم. وَفِي ثامن عشر رَمَضَان: خرج الْأَمِير دقماق نَائِب حلب لقِتَال الْأَمِير دمرداش وَقدم دمرداش فِي وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة: صرف قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الصَّالِحِي عَن قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر. وَاسْتقر القَاضِي جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ قَاضِي الْعَسْكَر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر.(6/75)
وَفِي ثامنه: اسْتَقر الْأَمِير ألطنبغا العثماني فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير صروق. وَفِي طول هَذِه الْأَيَّام: كثر تنافر الْأُمَرَاء وَاخْتِلَافهمْ وَانْقطع نورور وجكم وقنباي عَن الْخدمَة. وَدخل شهر رَمَضَان: وانقضي فَلم يحضروا للهناء بالعيد وَلَا صلوا صَلَاة الْعِيد مَعَ السُّلْطَان. فَلَمَّا كمان يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي شَوَّال: ركبُوا للحرب فَنزل السُّلْطَان من الْقصر إِلَى الإسطبل عِنْد سودن طاز ووكب نوروز وجكم وقنباي وقرقماس الرماح. وَوَقعت الْحَرْب من بكرَة النَّهَار إِلَى الْعَصْر. وَرَأس الْأُمَرَاء نوروز وجكم وخصمهم سودن طاز. فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار: بعث السُّلْطَان بالخليفة المتَوَكل على الله وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع إِلَى الْأَمِير الْكَبِير نوروز فِي طلب الصُّلْح فَلم يجد بدا من ذَلِك وَترك الْقِتَال وخلع عَنهُ آلَة الْحَرْب فَكف الْأَمِير جكم الدوادار أَيْضا عَن الْحَرْب. وعد ذَلِك مكيدة من سودن طاز فَإِنَّهُ خَافَ أَن يغلب ويسلمه السُّلْطَان إِلَى الْأُمَرَاء فَأَشَارَ عَلَيْهِ بدلك حَتَّى فعله فتمت مكيدته بَعْدَمَا كَاد أَن يُؤْخَذ لقُوَّة نوروز وجكم عَلَيْهِ وَبَات النَّاس فِي هدوء. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت الْغَد: ركب الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ وحلفوا الْأُمَرَاء بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة للسُّلْطَان وإخماد الْفِتْنَة فطلع الْأَمِير نوروز إِلَى الْخدمَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خامسه وخلع عَلَيْهِ وأركب فرسا خَاصّا بسرج وكنفوش ذهب. وطلع الْأَمِير جكم فِي ثامنه وَهُوَ خَائِف. وَلم يطلع قنباي وَلَا قرقماس وطلبا فَلم يوجدا مجهز إِلَيْهِمَا خلعتان على أَن يكون قنباي نَائِبا بحماة وقرقماس حاجباً بِدِمَشْق. وَنزل جكم بِغَيْر خلعة حنقاً وغضباً فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر فِي دَاره وَنزل إِلَيْهِ سرماش رَأس نوبَة وبشباي الْحَاجِب بِطَلَب قنباي ظنا أَنه اختفي ليلبس الخلعة بنيابة حماة فَأنْكر أَن يكون عِنْده وصرفهما وَركب من ليلته بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك وأعيانهم: قمش الخاصكي الخازندار ويشبك الساقي ويشبك العثماني وألطبغا جاموس وجانباي الطَّيِّبِيّ وبرسبغا الدوادار وطرباي الدوادار وصاروا كلهم على بركَة الْحَبَش خَارج مصر. وَلحق بِهِ الْأَمِير قنباي وقرقماس الرماح وأرغز وغنجق ومحو الْخَمْسمِائَةِ من مماليك السُّلْطَان. وَأَقَامُوا إِلَى لَيْلَة السبت عاشره فَأَتَاهُم الْأَمِير نوروز والأمير سودن من زَاده رَأس نوبَة والأمير تمربغا المشطوب فِي نَحْو الْأَلفَيْنِ فسر بهم وَأَقَامُوا جَمِيعًا إِلَى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَأمرهمْ يزِيد ويقوى بِمن يَأْتِيهم من الْأُمَرَاء والمماليك. فَنزل السُّلْطَان من الْقصر فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء رَابِع عشره إِلَى الإسطبل عِنْد سودن طاز. وَركب بكرَة يَوْم(6/76)
الْأَرْبَعَاء فِيمَن مَعَه وَسَار من بَاب القرافة بعد مَا نَادَى بِالْعرضِ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْعَسْكَر كُله. وواقع جكم ونوروز وكسرهما وَأسر تمربغا المشطوب وسودن من زَاده وعَلى بن أينال وأرغر. وفر نوروز وجكم فِي عدَّة كَبِيرَة يُرِيدُونَ بِلَاد الصَّعِيد. وَعَاد السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَمِير سودن طاز إِلَى القلعة مظفراً منصوراً. وَبعث بالأمراء المأسورين إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي لَيْلَة السبت سَابِع عشره. وانتهي نوروز وجكم إِلَى منية الْقَائِد وعادوا إِلَى طموه ونزلوا على نَاحيَة منبابه من بر الجيزة تجاه الْقَاهِرَة. فَمنع السُّلْطَان المراكب أَن تعدى بِأحد مِنْهُم فِي النّيل وَطلب الْأَمِير يشبك الشَّعْبَانِي من الْإسْكَنْدَريَّة. فَقدم يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره إِلَى قلعة الْجَبَل وَمَعَهُ عَالم كَبِير مِمَّن خرج إِلَى لِقَائِه فباس الأَرْض وَنزل إِلَى دَاره. وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عشرينه: ركب الْأَمِير نوروز نصف اللَّيْل وعدي النّيل وَحضر إِلَى بَيت الْأَمِير الْكَبِير بيبرس الأتابك. وَكَانَ قد تحدث هُوَ والأمير إينال باي بن قجماس لَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى أَمنه ووعده بنيابة دمشق. وَكَانَ ذَلِك من مكر سودن طاز فَمشى ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى حضر فاختل عِنْد دلك أَمر جكم وتفرق عَنهُ من مَعَه وفر عَنهُ قنباي وَصَارَ فريداً. فَكتب إِلَى الْأَمِير بيبرس الأتابك يَسْتَأْذِنهُ فِي الْحُضُور فَبعث إِلَيْهِ الْأَمِير أزبك الْأَشْقَر رَأس نوبَة والأمير بشباي الْحَاجِب وقدما بِهِ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشرينه إِلَى بَاب السلسلة من الإصطبل السلطاني فتسلمه عدوه الْأَمِير سودن طاز وَأصْبح وَقد حضر يشبك وَسَائِر الْأُمَرَاء للسلام عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشرينه قيد وَحمل فِي الحراقة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا حَيْثُ كَانَ الْأَمِير يشبك مسجوناً. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: هَذَا خرج الْمحمل وأمير الْحَاج نكباي الأزدمري أحد أُمَرَاء الطبلخاناه. وَكَانَ قد ألبس الْأَمِير نوروز تشريف نِيَابَة دمشق فِي بَيت الْأَمِير بيبرس يَوْم الْأَرْبَعَاء فَقبض عَلَيْهِ من الْغَد يَوْم الْخَمِيس وَحمل إِلَى بَاب السلسلة وَقيد وَأخرج فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشرينه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا أَيْضا. وَغَضب الأميران بيبرس وإينال باي وتركا الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة أَيَّامًا ثمَّ أرضيا. واختفى الأميران قانباي وقرقماس فَلم يعرف خبرهما. وَفِي سَابِع عشرينه: كتب تَقْلِيد الْأَمِير شيخ المحمودي باستقراره فِي كَفَالَة السلطنة بِالشَّام عوضا عَن الْأَمِير أقبغا الأطروش.(6/77)