الْأمة إِلَى الله تَعَالَى أَن ينقذهم من هَذَا الْحَال الوبيل والداء العضيل بِمن يهنأ نقبها ويشد سلبها وَيصْلح اعوجاجها ويؤمن طرقها وفجاجها فَاسْتَجَاب الله دعاءهم فِي الأسحار وآناء اللَّيْل وأطراف النَّهَار بِأَن ولى أمرهَا المرحوم الشريف أَحْمد ابْن مَوْلَانَا المرحوم الشريف زيد تغشاه الله بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَشرح مبدأ ذَلِك وتفصيل مَا هُنَالك أَنه لما انْفَصل عَن إمرة مَكَّة هُوَ وَأَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى الطَّائِف ثمَّ مِنْهَا إِلَى بيشة فَأَقَامَ بهَا وَتوجه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد إِلَى ديرة بني حُسَيْن فَإِن لَهُ بهَا أَهلا وَولدا وَاسْتمرّ مُقيما بِتِلْكَ الديرة إِلَى أول ذِي الْقعدَة الْحَرَام فَرَحل مِنْهَا قَاصِدا الْمَدِينَة لزيارة جده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَدَخلَهَا لَيْلَة سَابِع الْعشْرين مِنْهَا لَيْلَة دُخُول الْحَاج الشَّامي وواجه بهَا فِي ذَلِك الْعَام باشا الشَّام فقابله بأتم الإجلال وَالْإِكْرَام وَالْتمس مِنْهُ إتْمَام بعض مرام من شرِيف مَكَّة بَرَكَات ثمَّ رَحل من الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ثَانِي شهر ذِي الْحجَّة من الْعَام الْمَذْكُور وَنزل على الشَّيْخ حَرْب أَحْمد بن رَحْمَة وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى عودة الْحَاج الشَّامي فواجهه الباشا وَأخْبرهُ بِعَدَمِ تَمام ذَلِك المرام بعد أَن أرسل لَهُ الْخَبَر من مَكَّة بالإعلام ثمَّ توجه فِي أول عَام أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ إِلَى الْفَرْع وَاسْتمرّ بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ لما خرج الشريف بَرَكَات إِلَى حرابة حَرْب فِي أواسط السّنة الْمَذْكُورَة عَاد إِلَى حَرْب وَحضر الْحِرَابَة ثمَّ بعد انْقِضَائِهَا توجه أَيْضا إِلَى الْفَرْع ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ مَوْلَانَا الشريف سعد وَاسْتمرّ بَين السوارقية وَالْفرع وَأكْثر الْإِقَامَة بالفرع وَلما توعد الشريف بَرَكَات أهل الْفَرْع أَوَائِل سنة خمس تنحيا إِلَى جِهَة وَادي النقيع من ديرة حَرْب من بني السّفر وَبني عَليّ وعَوْف واستمرا وَمن مَعَهُمَا إِلَى شهر رَمَضَان ثمَّ عَن لَهُم التَّوَجُّه إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فوصلوا إِلَى حول الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ونزلوا بِالْغَابَةِ مُجْتَمع الأسيال غربي أحد أَوَاخِر رَمَضَان فعيدوا بذلك الْمحل وَلَيْسَ فِي نزُول الْأسود بِالْغَابَةِ ملامة وَلَا معابة وتقضوا مصَالح وأغراضا وأزوادا مِنْهَا وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة أَنَّهُمَا اجْتمعَا بِالْمحل الْمَعْرُوف ببئر وَاسِط بمولانا السَّيِّد مبارك(4/556)
الْحَارِث وَكَانَ هُوَ المشير عَلَيْهِمَا بِقصد الْأَبْوَاب الْعَالِيَة ثمَّ ترحلوا من الغابة خَامِس شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة متوجهين إِلَى الشَّام لَا يَمرونَ بحي من الْأَحْيَاء إِلَّا أكْرمهم غَايَة الْإِكْرَام وَمن أعجب الِاتِّفَاق نزولهم على مراح ابْن سحيم من غير علم مِنْهُم بذلك وَكَانَ الشريف سعد قد قتل أَبَاهُ فَلَمَّا علم بهم وَعَلمُوا بِهِ حصل لَهُم كرب عَظِيم فَلم يشعروا إِلَّا وَولده مواجه لَهُ بالعبودية وَالسَّلَام والإجلال والإعظام وأهدر دم وَالِده وَأكْرمهمْ وَذبح الذَّبَائِح ومنح المنائح وَهَذِه وَلَا شكّ معْجزَة من جدهم وكرامة من سَعَادَة جدهم وَلم يزَالُوا على مثل ذَلِك مَعَ كل من مروا عَلَيْهِ من العربان من جمع ووحدان إِلَى أَن وصلوا الشَّام فَتَلقاهُمْ أهل الشَّام وأمراؤها وعلماؤها وكبراؤها وأشرافها ونقباؤها وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ أَقَامُوا بِالشَّام وَأرْسل صَاحب الْأَمر بهَا يسْتَأْذن لَهُم فِي الْوُصُول فَعَاد الْجَواب بِالْإِذْنِ فتوجهوا ودخلوا إِلَى أدرنة فِي ربيع الأول من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَحصل لَهُم من الْمُقَابلَة واللطف مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف فأقاموا بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توجهوا بِأَمْر من الدولة الْعلية إِلَى إِسْلَام بَوْل واستمروا بهَا بَقِيَّة سنتهمْ الْمَذْكُورَة ثمَّ دخلت عَلَيْهِم سنة سبع وَثَمَانِينَ وهم بهَا فَلَمَّا كَانَ شهر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل مَوْلَانَا السُّلْطَان وَجَمِيع الدولة من أدرنة إِلَى بِلَاد إِسْلَام بَوْل وَفِي شهر ربيع الثَّانِي أنعم على مَوْلَانَا الشريف سعد بِولَايَة المعرة وَأمر بالتوجه إِلَيْهَا وَاسْتمرّ يتجهز إِلَى أَن كَانَ خُرُوجه إِلَيْهَا حادي عشر جُمَادَى الأولى وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِإِسْلَام بَوْل وَعرضت عَلَيْهِ ولَايَة طرسوس وَهِي بلد على سَاحل بَحر الشَّام وَأُخْرَى بِجِهَة الروملي فَلم يقبل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَكَانَ جَوَابه إِن تفضلتم بِولَايَة بِلَادنَا وَإِلَّا فَنحْن تَحت أعتاب السلطنة الْعلية وَاسْتمرّ السُّلْطَان بِإِسْلَام بَوْل إِلَى أواسط شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ توجه إِلَى أدرنة أَيْضا ثمَّ بعد خُرُوجه فِي ثَانِي أَو ثَالِث مرحلة توفّي الْوَزير أَحْمد باشا بعد أَن خرج مَرِيضا فأعيد إِلَى إِسْلَام بَوْل وَدفن بهَا وَتَوَلَّى مَكَانَهُ قَائِم مقَامه مصطفى باشا واستمروا متوجهين إِلَى أدرنة وَأَقَامُوا بهَا إِلَى آخر السّنة الْمَذْكُورَة وَشهر من(4/557)
أول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ ثمَّ عَادوا إِلَى إِسْلَام بَوْل فِي شهر صفر أَيْضا وَتَأَخر الْوَزير أَيَّامًا ثمَّ وصل واستقرت الدولة بِإِسْلَام بَوْل وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مُقيما بهَا تَحت ظلّ الدولة الْعلية وَفِي كل سنة يَتَجَدَّد لَهُ من الْإِكْرَام والترقيات مَا فَوق المرام وَفِي كل شتاء بثلاثمائة بغل محملة من جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْبَيْت وَزيد سنة وَاحِد وَتِسْعين ثَلَاثمِائَة أُخْرَى وحصلت بَينه وَبَين قزلار أغاسى محبَّة أكيدة وَطلب الِاجْتِمَاع بالوالدة فَاجْتمع بهَا وأغدقت عَلَيْهِ سوابغ الإنعام ووعدته بالمرام وَقد سبق وعدها وعد الْملك العلام وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف فوصل فِيهَا إِلَى الديار الرومية السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد وَالسَّيِّد بشير بن مبارك مرسولين من السَّيِّد أَحْمد بن غَالب من الشَّام فركبا إِلَيْهِ وقيَّلا عِنْده فَأوحى بعض المفسدين إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم وَقَالَ إِن إِقَامَة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِإِسْلَام بَوْل يخْشَى مِنْهَا فَالْأولى عدم إِقَامَته بهَا فَأحْضرهُ الْوَزير وَألبسهُ قفطانا بِولَايَة كرك كَنِيسَة اسْم محمل بَينه وَبَين أدرنة ثَمَان سَاعَات فلكية وَكَانَ قبل ولَايَته بشهرين أرسل بأَخيه الشريف سعد إِلَى الْبَلَد الْمُسَمَّاة ويزه بِكَسْر الوار وَتَخْفِيف الزَّاي وَهِي قَرْيَة أَيْضا من كرك كَنِيسَة بَينهَا وَبَينهَا ثَمَان سَاعَات أَيْضا وَاسْتمرّ كل مِنْهُمَا بمكانه إِلَى سنة أَربع وَتِسْعين فَتوجه السُّلْطَان إِلَى السّفر فَعِنْدَ حُلُوله بأدرنة فسح لَهُم بالتوجه إِلَى حَيْثُ شَاءُوا من الديار الرومية فَتوجه مَوْلَانَا الشريف سعد إِلَى إِسْلَام بَوْل وَاسْتمرّ الشريف أَحْمد فِي بَلَده الْمَذْكُورَة وَطَابَتْ لَهُ وتأنس بهَا إِلَى أَن كَانَت سنة خمس وَتِسْعين فوصل فِيهَا ترجمان مَوْلَانَا الشريف سعيد بِعرْض إِلَى صَاحب مصر يذكر فِيهِ مَا شرحناه من إِفْسَاد مَكَّة بأيدي العبيد والنهب الَّذِي لَا ينقص بل يزِيد وَأَن الْبِلَاد خربَتْ وَالْأَحْوَال اضْطَرَبَتْ وَطلب مِنْهُ عسكراً لإصلاحها ومالا يَسْتَعِين بِهِ على أُمُور نَجَاحهَا وَأظْهر أَنه مغلوب عَلَيْهِ وَأَن كل من أَرَادَ شَيْئا فَمِنْهُ وَإِلَيْهِ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أرسل رَسُولا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية بالتعريف بِهَذِهِ الْأَحْوَال وَأرْسل مَعَه الترجمان الْمَذْكُور فوصلا يَوْم عيد الْفطر وَحصل عِنْد السلطنة الْعلية اضْطِرَاب لهَذَا الْخَبَر فاشتورت الدولة واتفقت على إِلَّا يصلح هَذَا الْخلَل إِلَّا أَهله(4/558)
العريفون وحماته الَّذين هم فِي بَيت الْملك عريقون وبرز فِي الْوُجُود مَا كَانَ فِي علم الله كَائِنا وَمَا قدر بِهِ لبلده أَن يعود كَمَا كَانَ آمنا فاستدعي مَوْلَانَا السُّلْطَان وَهُوَ مُقيم بأدرنه عِنْد رُجُوعه من السّفر مَوْلَانَا الشريف أَحْمد من محلّة كرك كَنِيسَة الْمَذْكُورَة يَوْم ثَالِث شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فبادر بالوصول إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر فقابله بالإجلال وَالْإِكْرَام والتحية وَالْقِيَام وَوضع كَفه بكفه وتصافحا من قيام قَائِلا اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَكَانَ أول خطاب وَقع بَينهمَا أَن قَالَ لَهُ يَا شرِيف أَحْمد الْحجاز خراب أريدك تصلحه فَوضع مَوْلَانَا الشريف يَده على رَأسه ممتثلاً لِلْأَمْرِ قَائِلا نَوْلَهْ كلمة تُؤدِّي معنى الْقبُول وَالطَّاعَة فَأكْرم بهَا قَوْله فَعندهَا خلع عَلَيْهِ من الفرو القاقم الْأَبْيَض وَهُوَ الَّذِي دخل مَكَّة لابساً لَهُ ثمَّ جلس مَوْلَانَا السُّلْطَان وَأَشَارَ إِلَى مَوْلَانَا الشريف بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ قَوْله الأول فَفعل فعله الأول فَفِي الثَّالِثَة فعل مَا فعل فِي الْأَوليين ثمَّ قَالَ يَا بادشاهي الْحجاز يحْتَاج إِلَى فتوح جَدِيد فَأمر حِينَئِذٍ مَوْلَانَا السُّلْطَان بإحضار يازجي وَأمره بِأَن يمليه مَوْلَانَا الشريف أَحْمد مَا يُريدهُ فَيكْتب بمضمون ذَلِك أوَامِر مُتعَدِّدَة ثمَّ قَامَ مَوْلَانَا السُّلْطَان فَخرج مَوْلَانَا الشريف وَقدم لَهُ مركوب من خيل السُّلْطَان بعدته وَتَبعهُ من الْإِكْرَام وَالْإِحْسَان مَا لَا يحصره بنان وَلَا بَيَان ثمَّ توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى سرايته الَّتِي عينت لَهُ بأدرنه وَاسْتمرّ بهَا إِلَى يَوْم التَّاسِع من شَوَّال الْمَذْكُور ثمَّ توجه مَوْلَانَا الشريف إِلَى بَلَده كرك كَنِيسَة وَأقَام بهَا يَوْمَيْنِ وَضم متفرق أُمُوره وأحواله وَأوصى على أَهله وَعِيَاله ثمَّ توجه إِلَى إِسْلَام بَوْل وَبَات بهَا رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقَالَ بهَا نَهَاره ثمَّ توجه إِلَى أسكدار ورحل مِنْهَا يَوْم خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور مُتَوَجها مِنْهَا إِلَى مَكَّة على خيل الْبَرِيد الْمُسَمَّاة فِي عرف أهل الرّوم الولاق فَدخل إِلَى الشَّام وَقد خرج الْحَاج مِنْهَا وَاسْتمرّ مجداً فِي السّير والدءوب بِمَا لَا يحْتَملهُ بشر مِمَّا يشق على الرَّاكِب والمركوب بعزمة تطوى مفاوز الأَرْض طياً وَيَنْقَطِع عَنْهَا سليك(4/559)
المقانب كلالا وعياً فَأرْسل إِلَى مَكَّة بِكِتَاب إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته وَإِلَى الْوَزير عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وَكَانَ قد أرسل إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي أَن يتربص لَهُ بالعلا فتربص يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَوصل مَوْلَانَا الشريف إِلَيْهِ فَدخل مَدِينَة جده سيد الكونين وَلبس الخلعة السُّلْطَانِيَّة بحجرة جده كَمَا لبسهَا فِيهَا أَبوهُ واسترَت الْقُلُوب بِرُؤْيَة محياه وتبلجت الْوُجُوه وَأما الشريف سعيد وَعَمه السَّيِّد عَمْرو فَلم يَزَالَا فى انْتِظَار الْجَواب بِالْمَالِ والعساكر وَمَا علما مَا صنعه الْوَاحِد القاهر وَفِي ثَالِث شَوَّال وصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف سعيد قفطان من صَاحب مصر أرْسلهُ إِلَيْهِ بعد أَن عرض إِلَى الْأَبْوَاب وسير مَعَ رَسُوله إِلَيْهَا ترجمان الشريف سعيد كَأَنَّهُ تطمين للفؤاد وتبشير بإتمام مَا أرسل فِي طلبه من ذَلِك المُرَاد وَحين وُصُول الْعَسْكَر إِلَى بَيت الشريف أُصِيب ابْن الشريف بَرَكَات السَّيِّد عبد الله ببندقة أذهبت خنصر يَده وَكَانَ إِذْ ذَاك مشرفاً من طاق خَارِجَة دَار السَّعَادَة فَالْحَمْد الله على السَّلامَة لَا مَانع لما أَرَادَهُ فوصلوا بالقفطان ولبسه الشريف سعيد مُسْتَبْشِرًا بِحُصُول الْأَمَانِي والأمان وَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه أَعنِي ثَالِث شَوَّال الْمَذْكُور ولَايَة مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله للحرمين بالديار الرومية فسبحان الْحَكِيم وَاسْتمرّ الشريف سعيد إِلَى أَن اتّفق يَوْم سَابِع عشري ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين وَألف الْمَذْكُورَة أَن ركب إِلَى أَحْمد باشا صَاحب جدة وَكَانَ قَائِلا بِالْأَبْطح ببستان الْوَزير عُثْمَان وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى جَانب يسير من اللَّيْل ثمَّ ركب وَقصد ثنية الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى السَّيِّد غَالب بن زامل وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا جَاوز الْحجُون إِذا هُوَ براعي ذَلُول فاستخبره من أَي الْعَرَب فَقَالَ من بني الصخر فَقَالَ الشريف مَعَك كتاب من السَّيِّد يحيى بن بَرَكَات فَقَالَ لَا وَكَانَ السَّيِّد يحيى قد ذهب لمقابلة الْحَاج الشَّامي فَأمر الشريف بضمه فضم وتهدد بِالْقَتْلِ فَأقر بِأَنَّهُ مُورق من الشريف أَحْمد بن زيد إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن غَالب متع الله بحياته وَأَنه قد جَاءَ مُتَوَلِّي مَكَّة وَأَنه لحق الْحَاج الشَّامي فِي(4/560)
الْعلَا فَذهب بِهِ إِلَى بَيت السَّيِّد عمر واستدعي السَّيِّد غَالب بن زامل وَعبد الله بن هَاشم واشتوروا فِي إِظْهَار هَذَا الْأَمر على أَي وَجه يكون فاتفق الْأَمر على أَن يرسلوا إِلَى السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فأرسلوا إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الله بن هَاشم فَذهب إِلَيْهِ وَقَالَ نُرِيد السَّيِّد غَالب وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا خرج مَعَه عطف بِهِ إِلَى طَرِيق بَيت السَّيِّد عَمْرو فَلَمَّا دخل بَيت السَّيِّد عَمْرو استراب من ذَلِك ثمَّ لما رأى الْجَمَاعَة مُجْتَمعين جلس مَعَهم فَقَالَ لَهُ الشريف سعيد يَا سيد مساعد لم أرسل لَك هَذَا الْوَقْت إِلَّا قصدي أودعك أَهلِي وَإِن عمك الشريف أَحْمد بن زيد تولى مَكَّة وَأَنَّك تقوم مقَامه إِلَى أَن يصل فَتَلَكَّأَ عَن ذَلِك حَتَّى قَالَ السَّيِّد غَالب بن زامل نُقِيم سليم أغا ونحفظ نَحن الديرة إِلَى وُصُول صَاحبهَا فَوَافَقَ السَّيِّد مساعد حِينَئِذٍ على الْقيام مقرّ عَمه ثمَّ أرسل الشريف سعيد إِلَى أغوات العساكر الَّذين مَعَه وَقَالَ لَهُم إِن الْأَمر أَتَى إِلَى الشريف أَحْمد بن زيد فَأنْتم اخدموا سيدكم وَخرج الشريف سعيد آخر تِلْكَ اللَّيْلَة وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي حِين رَجَعَ من الديار الرومية موسم سنة سبع وَثَمَانِينَ قصيدة هِيَ // (من الطَّوِيل) //
(تجلَّتْ بمرآكَ السعيدِ لنا البُشرَى ... وأَبْدَى الهنا والسعْدَ وجهُكَ والبِشْرَا)
(وعادتْ لأحشاها بعودكَ سالما ... قلوبٌ حَشَاها طولُ غيبتكم جَمْرا)
(وأضحَى وطيرُ السعدِ يسجَعُ مذ بدا ... محيَّاكَ فِينَا مُسْفِرًا وَاضحا بَدْرا)
(وقرتْ عيونٌ طالما أسهرَتْ أَسًى ... فنامتْ سُرُورًا بَعْدُ وانشرحَتْ صَدْرا)
(وَمَا خصَّ هَذَا الحالُ بعْدك وَاحِدًا ... بل الناسُ جمعا بالدعا لم تَزَلْ تترى)
(سُرُورًا بملقاك السعيدِ مبلغا ... مراماً سما كَمْ من نفوسٍ بِهِ حَسْرى)
(فيا ابْن الكِرَامِ الصِّيد مِنْ ألِ هاشمٍ ... سلالة خَيْرِ الخلقِ من ذَا الورى طُرَّا)
(وَيَا درَّةَ العقدِ الثمينِ نظامُهُ ... وفَرْعَ الشناخيبِ الميامينِ فِي الذكْرَى)
(وَيَا مَنْ لَهُ من طينةِ المَجْدِ جوهرٌ ... تلألأ نورا من صفاتٍ لَهُ زُهْرَا)
(وَيَا مَنْ غذى دُرَّ الكمالاتِ يافعاً ... وطفلاً ففاق الشيبَ فِي عقلهَا قَدْرا)
(لَهُ مِنْ سَنَام المجدِ ذرْوةُ شأوِهِ ... وَكَانَ لَهَا أَهلا وكانتْ بِهِ أحرَى)(4/561)
(لَهُ منطقٌ فصلٌ ورأىٌ مسدَّدٌ ... وجودَةُ نفسٍ طابَ منشقها نَشْرَا)
(وَبسط يمينٍ بالنوالِ بنانها ... حكَتْ خُلُجًا فعما بمدِّ الندَى تُجْرَى)
(طَوِيل الْبَنَّا رَحْب الفنا مَنْهَل الغِنَى ... مُزِيل العَنَا مولى المُنَى فائضاً بَحْرَا)
(عَرِيض الجدا غَوْث النِّدَا مَوْرِد النَّدَا ... حمام العدَى والخيلُ دُهْمٌ حكَتْ شقرا)
(إِذا ثوَّبَ الداعِى الصريخُ أجابَهُ ... سعيدٌ على سعدَى فيظفر فى المَسْرَى)
(وَلَا عجبٌ فالفرعُ يتبعُ أصلَهُ ... على خيرِ نعتٍ يوجبُ الحمدَ والشُّكْرا)
(طموحٌ إِلَى نيلِ العلومِ فؤادُهُ ... على همة تعلُو السماكَيْنِ والنّسْرَا)
(لبيبٌ أريبٌ لوذعىٌّ مهذَّبٌ ... لَهُ الفكْرُ والفهْمُ الَّذِي يقلقُ الصخرا)
(أديبٌ رَبِّي حجر الْخلَافَة مَهْده ... إِلَى أَن رقى مِنْ سَرْجِ شيظمةٍ ظَهْرَا)
(وهز متون البيضِ مِنْ مرهفاتِهِ ... وَكَانَ ابنَ راعيها وَكَانَ بهَا أَدْرَى)
(فبوركَ فِيهِ قَارِئًا لعلومِهِ ... وَفِي الروعِ أرواحُ العدَى سَيْفه يَقْرَا)
(فحيناً لتقليبِ الكراريسِ كَفُّهُ ... وحيناً يقلبها القواضب والسّمْرَا)
(وكَمْ من صفاتٍ فيكَ يعجزُ خاطري ... مداها من الوصْفِ الحميدِ أتتْ كُثْرَا)
(وكمْ من سجايا فيكَ طابَتْ أصولهَا ... وَكم جهد مَا يُحْصى البليغُ وَإِن أَطرَى)
(فدونَكَ يَا نجلَ الملوكِ قصيدة ... جمعْتُ بهَا من وصفِ مجدِكُمُ النَّزْرا)
(مُفَوَّفَةً من خالصِ الودِّ أنشئَتْ ... لمدحكَ صدقا لَا رياءَ وَلَا نُكْرا)
(وَقد شرفَتْ لما أتَى فيكَ مدحُهَا ... وزانَتْ مَعَاني حسنِ أوصافِكَ الشعْرَا)
(فجاءَتكَ من شوقٍ إليكَ محبَّة ... وَلَا تبتغي إِلَّا قبولَكَهَا مَهْرَا)
(فدُمْ وابْقَ واسْلَمْ لَا برحْتَ على المدَى ... مصوناً من الأسوا وَمن حادِثٍ يَطْرَا)
(وَلَا برحَتْ أيامُ دهركَ كلُّهَا ... بآثاركَ الحسنَى محجَّلَةً غَرًّا)
وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْبَصْرِيّ ثمَّ الْمدنِي سامحه الله تَعَالَى // (من الْبَسِيط) //
(زارَتْ سعادُ وَهِي بالبشرِ متزرَهْ ... ترمِى بألحاظِهَا سَهْما بِلَا وترهْ)
(وَهِي مبرقعةٌ والحسنُ ساترُهَا ... والشعْرُ منسبلٌ جَلَّ الَّذِي فطَرَهْ)
(فقلْتُ شيلي الغطا قالَتْ بمعذرةٍ ... ذَا كوكبُ الصبحِ أبدى والظلام سره)
(فقلتُ مَا الأمرُ قالتْ إنْ تزر بِغَدٍ ... تَلْقَ البساتينَ فادخُلْ تجتني ثمرَهْ)
(فودعَتْنِى وسارَتْ سرت فِي قلق ... والقلْبُ ينشدني من هَجْرِهَا شعرَهْ)(4/562)
(ليلُ المحبينَ مطوىٌّ جوانبُهُ ... مشمرٌ مَا قضَى فِي جنحه وطرَهْ)
(مَا ذاكَ إِلَّا كأنَّ الصبْحَ نمَّ بهم ... فَأطلع الشمْس ضغناً مضمراً قهرَهْ)
(فبتُّ أرقبُ نجمَ الليلِ فِي سهدٍ ... حَتَّى أَتَى الصبْح متبسم بمنفجرهْ)
(وصرتُ أسعَى وقلبي هائمٌ جذلٌ ... طرقتُ بَابا لَهَا فِي روضَةٍ عَطِرهْ)
(أَفْتَحَ لي الْبَاب واكساني السرُور إِذا ... قد أمَّنى الدهرُ من عَيْن نفى نكرَهْ)
(قلتُ الوصالُ فقالَتْ وَهِي معذرةٌ ... هَذَا دلالاً فَإِنِّي خائفَهْ ذعرهْ)
(والفَتْ تقولُ بإعْجَاب الدَّلالَ لَهَا ... كَأَنَّهَا دُرَّةٌ من عقد منتثرَهْ)
(مَا جابكَ اليومَ يَا غاوى بساحتنا ... عَسَى رضيعُ الْعلَا أبدى لكُمْ فخرَهْ)
(فقلتُ هُوَ القصْدُ والمأمولُ يَا أملي ... إِنى أديبٌ غريبٌ أستحقُّ قرهْ)
(فاقْر السلامَ لَهُ من سيدٍ سبقَتْ ... مِنْهُ الملاقاةُ فِي مدحٍ نقى درَرهْ)
(أَعنِي سعيد بنَ مَوْلَانَا الشريفِ ومَنْ ... راياتُ عِزِّ لَهُ فِي الحربِ مشتهرَهْ)
(فَهُوَ شريفُ الَّذِي قامَتْ عدالتُهُ ... وغْدت أمانيه فِي الْبر منتشره)
(وَهُوَ العزيزُ الَّذِي فاضَتْ براحتِهِ ... كاسُ المنونِ غزيراً زايداً مررهْ)
(وَهُوَ الهزبرُ الَّذِي هابَتْ لسطوتِهِ ... وحشُ الفلاةِ فأمسَتْ ساكنه القفرَهْ)
(وَهُوَ المليكُ الَّذِي ماتَتْ حواسدُهُ ... نعم وبادوا حَقِيقا أَن رَأَوْا خبَرهْ)
(لَا زالَ فِي شرفٍ كالبدْرِ فِي ترفٍ ... بِآيَة النورِ والأعرافِ والبقرهْ)
(يَعْنِيك نظم بدا من سيدٍ بعدتْ ... عَنهُ المنازلُ أمسَى فِي زمَان تِرَهْ)
(مُحَمَّد إسمهُ منْ طيْبَة سعدَتْ ... بنورِ خيرِ الورَى طه بِهِ فخرَهْ)
(صلَّى عَلَيْهِ إلهُ العرشِ خالقُنَا ... والآلُ والصحْبُ واهْلُ البيتِ والسيرَهْ)
ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن بن حُسَيْن بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما خرج الشريف سعيد آخر تِلْكَ اللَّيْلَة كَمَا ذكرنَا آنِفا ذهب السَّادة المذكورون فِي غدها إِلَى بَيت السَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَارِث وَاجْتمعت العساكر عِنْد بَيت الْحَارِث وذهبوا جَمِيعًا إِلَى أَفَنْدِي الشَّرْع وَأَخْبرُوهُ بالواقع فَحَضَرَ الأفندي وَصَاحب جدة أَحْمد باشا والمفتي والوزير عُثْمَان بن زين العابدين بن حميدان وَكَانَ الِاجْتِمَاع فِي مقَام الْحَنْبَلِيّ فَقَالَت الْأَشْرَاف يجلس السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فانفض الْمجْلس على ذَلِك وَنُودِيَ من حِينه(4/563)
وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري ذِي الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين وَألف إِن الْبِلَاد بِلَاد الله وَالسُّلْطَان والشريف أَحْمد بن زيد نَصره الله وَأمر بالزينة سَبْعَة أَيَّام وَجلسَ مَوْلَانَا السَّيِّد مساعد للتهنئة وَلم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا أَتَاهُ يهنئه ويهنئون أنفسهم بِمَا أنعم الله عَلَيْهِم بتولية هَذَا الشريف وادَّرَقوا بحماية كَهْف ذكره المنيف فَنَامُوا بعد السهر وصفت سرائرهم من الكدر وَقد أَشرت إِلَى ذَلِك بِقَوْلِي فِي مديحه من قصيدة من الْبَسِيط
(بِوَهْمِ ذِكْرِكَ من قبل الْوُصُول صفَتْ ... أحوالها بعد خلْعِ العذرِ والرسنِ)
(ثلاثَ عشرَةَ أَعْوَام لَهَا انصرمَتْ ... عمياءَ صمَّاءَ فِي عينٍ وَفِي أذنِ)
(مسلوبةُ الأمْنِ ممحوٌّ محاسنُهَا ... عيونُ سكانِها ممنوعَةُ الوسنِ)
(حتَّى أَتَاهَا ابنُ أمِّ المجدِ معتزماً ... لحسْمِ داءٍ بهَا بادٍ ومكتمنِ)
(فاليومَ عَاد لَهَا إنسانُ مقلتها ... فالدسْتُ مشتملٌ مِنْهُ على حضنِ)
وأرخ ولَايَته وَزِير أَخِيه سَابِقًا ذُو النَّعْت الْفَائِق الدّرّ النظيم الْجمال مُحَمَّد على ابْن سليم ببيتين أَجَاد فيهمَا كل الإجادة وَألقى الأدباء لحسن وصفهما البديع إِلَيْهِمَا المقادة وهما // (من الْخَفِيف) //
(حِين بُشْرى الشريف أحمَدَ وافَتْ ... مَلأ الْكَوْن بشرها وتجدَّدْ)
(عاود التخْتُ مَالِكًا قلتُ أرِّخْ ... عود يمنٍ بذلكَ الْعود أحمدْ)
وَقلت أَيْضا مؤرخاً لولايته الميمونة // (من السَّرِيع) //
(قضَى إلهُ العرشِ ربُّ السما ... أنَّكَ وَالِي الْفرش صَوَّانُهَا)
(وأنْكَ مِنْ بعدِ خرابٍ بهَا ... حسا وَمعنى أنتَ عُمْرَانها)
(قالَ حجاىَ وَهُوَ فِي طفحةِ ... السُّكْرِ منَ الأفراحِ نشوانُها)
(يجيدُ فِيهِ ضبطُ تاريخِهِ ... أتَى إِلَى مكَّةَ سلطانُهَا)
وَلما كَانَ يَوْم سَابِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة دخل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد من جِهَة أَسْفَل مَكَّة وَصَحبه الْمحمل الشَّامي وَجَمِيع عَسَاكِر مصر وَجَمِيع عَسَاكِر أَمِير الشَّامي صَالح باشا وعساكر صَاحب جدة أَحْمد باشا وعسكر الرُّتْبَة الْقَدِيمَة والجديدة وَكَانَ موكباً عَظِيما فحج بِالنَّاسِ على أحسن مَا يكون من الْأَمْن(4/564)
والدعة والسكون وَفِي رَابِع عشر ذِي الْحجَّة أَمر بشنق سَبْعَة أنفس من السراق ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين فِي سَابِع محرم الْحَرَام مِنْهَا قطع مُحَمَّد ولد الْحَاج أَحْمد العصائبي المغربي يَدَاهُ لسرقة بعد أَن شفع فِيهِ صَاحب جدة إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد فَلم يشفعه إيثاراً لإِقَامَة أَحْكَام الدّين ودفعاً لأذية الْمُسلمين وفيهَا كثرت الشرور وَالْخِصَام والدعاوي بَين الْأَنَام الْخَواص والعوام فِي الظلامات السابقات فِي الْأَمْلَاك والحقوق والأوقاف لما رَأَوْا من الْعدْل والإنصاف واصطبر لضجيجهم والهذا والتصديع والأذى حَتَّى أنصف الْمَظْلُوم من ظالمه ورد الْحق إِلَى معالمه كَانَ الله لَهُ فِي الدَّاريْنِ وبلغه من كل مأمول مَا لَا يضبطه الْكمّ والكيف والأين وفيهَا ثَانِي عشر جُمَادَى مِنْهَا قدم الْوَزير مُحَمَّد عَليّ بن سليم وَزِير الشريف سعد من بِلَاد الْيمن وَقد خرج من مَكَّة يَوْم خُرُوج سَيّده الشريف من منى موسم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بعد أَن رد عقاره الَّذِي بيع فِي غيبته وَأخرج واضعي أَيْديهم عَلَيْهِ بعد أَن سبقت دَعْوَى بالوقفية ووردت شهودها عِنْد قَاضِي الشَّرْع فَكتب لَهُ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بِكُل ذَلِك فوصل إِلَى مَكَّة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وفيهَا كَانَت وَفَاة الْعَلامَة أَبى زَكَرِيَّا يحيى ابْن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد النابلي الشاوي الملياني المغربي الجزائري شَيخنَا الْعَلامَة والمحقق الفهامة إِمَام الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول مُحَرر الْفُرُوع وَالْأُصُول الْفَحْل الَّذِي لَا يُبَارى فِي فنون الْعُلُوم وَالسَّابِق الَّذِي لَا يجارى فِي مضمار الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم ولد بِمَدِينَة مليانة وَنَشَأ بِمَدِينَة الجزائر وَقَرَأَ بهَا على جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ سعيد مفتي الجزائر وَالشَّيْخ عَليّ بن عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ والمحقق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بهْلُول السَّعْدِيّ وَالشَّيْخ مهْدي وَأخذ عَنْهُم الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للإفادة بِبَلَدِهِ وَقدم مصر سنة أَربع وَسبعين وَألف قَاصِدا الْحَج وزار قبر النبى
وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن الْعَلامَة سُلْطَان المزاحي وَإِمَام الْعَصْر الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَلَاء(4/565)
الدّين البابلى والمحقق مَوْلَانَا الشَّيْخ على الشبرملسى وأجازوه بمروياتهم ثمَّ جلس للتدريس بالجامع الْأَزْهَر فدرس فِي مُخْتَصر خَلِيل وَشرح الألفية للمرادي وعقائد السنوسي وشروحها وَشرح الجُمَل للخونجي لِابْنِ عَرَفَة فِي الْمنطق ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فَدخل دمشق وَعقد بِجَامِع بني أُميَّة درساً وَأخذ عَنهُ جمَاعَة بهَا وَأَجَازَهُمْ ثمَّ دخل قسطنطينية الْعُظْمَى فَعَظمهُ مفتي السُّلْطَان يحيى المنقاري والوزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الكبرلي وَحضر تجاه السُّلْطَان الْأَعْظَم فبحث مَعَ الْعلمَاء وَعرفُوا فَضله ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَولي بهَا تداريس فِي مدارس عديدة وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَته على أم الْبَرَاهِين نَحْو عشْرين كراساً وَشرح على التسهيل لِابْنِ مَالك ونظم لامية فِي إِعْرَاب الْجَلالَة جمع فِيهَا أقاويل النَّحْوِيين وَمَا لَهُم من الْكَلَام وَشَرحهَا شرحاً حسنا قلت قَرَأت عَلَيْهِ ليَالِي الْمَوْسِم آخر حججه متن السنوسية فِي علم العقائد فَكَانَ فِي التَّقْرِير دونه السَّيْل الهدار والعباب الزاخر التيار أمْلى فِي وُجُوه إِعْرَاب كلمة التَّوْحِيد أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَجها بالتعديد فسبحان مفيض مَا شَاءَ على من شَاءَ وَله مؤلف فِي أصُول النَّحْو جعله على أسلوب الاقتراح للسيوطي أَتَى فِيهِ بِكَثِير من الغرائب النحوية أَجَاد فِيهِ وَجعله باسم مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم خَان وقرَّظ عَلَيْهِ عُلَمَاء الْقُسْطَنْطِينِيَّة مِنْهُم الْعَلامَة الْمولى يحيى أَفَنْدِي منقاري زَاده وَلَقَد أشرفني وَلَده الشَّيْخ عِيسَى ابْن الشَّيْخ يحيى على ذَلِك التصنيف فَرَأَيْت على ظهر الكراس الأول مِنْهُ تقريظ الأفندي الْمَذْكُور بِخَطِّهِ وَنَصه لَا يخفى على النَّاقِد الْبَصِير أَن هَذَا التَّحْرِير كنسج الْحَرِير مَا نسج على منواله فِي هَذَا الْعَصْر فِي النَّحْو ناح لطيف بمطالعته تَنْشَرِح الصُّدُور وتتلذذ الْأَرْوَاح انْتهى وَكَانَت لَهُ رَحمَه الله قُوَّة فِي الْبَحْث واستحضار للمسائل الغريبة وسعة حفظ مفرطة وبداهة جَوَاب لَا يضل صوب الصَّوَاب كَانَت وَفَاته رَحمَه الله فِي هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة بقرية الطّور قَاصِدا مَكَّة فَدفن هُنَاكَ فَاسْتَأْذن وَلَده سَيِّدي عِيسَى صَاحب مصر فنبش عَنهُ وَنَقله إِلَى مصر وَدَفنه بالقرافة ثمَّ مَاتَ وَلَده الْمَذْكُور فِي الْفَصْل الْحَاصِل بِمصْر فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا وَدفن هُنَاكَ أَيْضا رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة(4/566)
وفيهَا يَوْم الْجُمُعَة غرَّة رَجَب مِنْهَا كَانَت وَفَاة مَوْلَانَا وَشَيخنَا الشَّيْخ أَحْمد بن عبد اللَّطِيف البشبيشي الشَّافِعِي شيخ الْمُحَقِّقين وأستاذ المدققين وَبَقِيَّة الصَّالِحين وخاتمة الْعلمَاء العاملين وصدور المدرسين اشْتهر صيته فِي الْأَمْصَار وشاع فَضله فِي الأقطار انْتفع بِهِ الْحَاضِر والباد ورحلت إِلَيْهِ الطّلبَة من أقاصي الْبِلَاد فَصَارَ محط رحالهم ومنتهى آمالهم لحسن تَقْرِيره الْمسَائِل على أسهل وَجه وألطف تركيب وأوجز عبارَة حَتَّى تخرج بِهِ جمع كثير فِي زمن يسير ولد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف ب بشبيش قَرْيَة من أَعمال الْمحلة وَحفظ بهَا الْقُرْآن على الْعَلامَة سُلْطَان المزاحي ولازمه فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية والفرائض وَغَيرهَا من الْعُلُوم نَحْو خمس عشرَة سنة ولازم أَيْضا الضياء مَوْلَانَا الشَّيْخ على الشبرملسي فِي العقائد والنحو وَالْأُصُول حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ عَن حَافظ الْعَصْر مَوْلَانَا مُحَمَّد البابلي وَعَن شَافِعِيّ زَمَانه الْعَلامَة مُحَمَّد الشَّوْبَرِيّ وَالشَّيْخ ياسين الْحِمصِي والعلامة سري الدّين الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ حُسَيْن الخفاجي وَالشَّيْخ أَحْمد ابْن عمرَان الفاسي وَغَيرهم وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر وَاجْتمعت عَلَيْهِ الأفاضل وَجلسَ فِي مَحل تدريس شَيْخه سُلْطَان المزاحي فلازمه جماعته ودرس فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وَحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام فِي موسم سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وجاور بِمَكَّة ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَتِسْعين مُجْتَهدا فِي الإفادة والتدريس ناشراً در علمه النفيس ثمَّ عزم موسم سنة أَربع وَتِسْعين صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى الْقَاهِرَة وَحصل لَهُ أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة بِمَكَّة توعك فِي جِسْمه ارتحل مِنْهَا وَهُوَ فِي أثر مِنْهُ وَأقَام بِمصْر إِلَى أَن كَانَت وَفَاته فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين بِبَلَدِهِ بشبيش رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر شعْبَان مِنْهَا دخل شيخ آل ظفير سَلامَة بن مرشد ابْن صويت مَكَّة فِي أَمَان الله وأمان مَوْلَانَا الشريف أَحْمد بن زيد خَاصَّة والأشراف جَمِيعهم عَامَّة وَألقى السّلم وَدخل تَحت الطَّاعَة فَأمر لَهُ الشريف أَحْمد بمضارب نصبت بالمحصب وَأقَام قَرِيبا من شَهْرَيْن فَذكر مَوْلَانَا الشريف للأشراف أَن ابْن صويت جَاءَكُم بأَهْله وحلته وَقد دخل عَليّ فَإِن عفوتم فَأنْتم مَحل الْعَفو فها هُوَ قد استسلم فَأَجَابُوهُ بالسماح وَكَتَبُوا خطوطهم بالسماح عَن ابْن صويت عَن(4/567)
حذف(4/568)
حذف(4/564)
حذف(4/565)
جِنَايَته وَذَلِكَ ببركة سيد الْجَمِيع مَوْلَانَا الشريف أَحْمد نظر الله إِلَيْهِ بِعَين عنايته ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَألف فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر ربيع الثَّانِي مِنْهَا برز مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي موكب عَظِيم قَاصِدا الشرق وَمِنْه إِلَى بِلَاد عنزة فَأَقَامَ بالمنحنى ثَمَانِيَة أَيَّام وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور بعد شروق الشَّمْس توجه إِلَى حَيْثُ قصد فِي دعة الله وكلاءته وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشري ربيع الآخر وَقع بَيت بحارة الشامية لبَعض تجار المغاربة سَقَطت سقوفه فَهَلَك تَحْتَهُ عشرَة أنفس ذُكُور وإناث مِنْهُم الشَّرِيفَة سلمى بنت السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الشهير بالأسد وَسبب ذَلِك سُقُوط جِدَار لجاره على سطحه فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَفِي سَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل قَاصد من الديار الرومية يخبر بِأَن سُلَيْمَان مير أخور ولى الوزراة الْعُظْمَى وَمَعَهُ مِنْهُ إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله فرو عَظِيم من السمور بمقلب أَخْضَر وَكَانَ مَوْلَانَا الشريف بالمبعوث فَتوجه بِهِ إِلَيْهِ الرَّسُول فقابلته العساكر حِين وُصُوله إِلَى الْمَبْعُوث ولبسه مَوْلَانَا الشريف وَكتب لَهُ الْجَواب وَمضى وَفِي لَيْلَة السبت تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى توفّي الخواجا زين العابدين حميدان وَالِد الْوَزير عُثْمَان فَجْأَة بَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَأصْبح مَيتا فَدفن ضحى الْيَوْم الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى وأسبغ رضوانه عَلَيْهِ ووالى وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَ انْتِقَال مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد بن يعلى بن حَمْزَة كَذَلِك فَجْأَة بالخبت الْيَمَانِيّ فَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله وَفِي سادس عشري جُمَادَى الْآخِرَة سَطَا على بعض الأتراك عبد لَهُ بخنجر فَمَاتَ بعد خَمْسَة أَيَّام فَقطع الْغُلَام يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَبرئ وعاش وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شَوَّال وصل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى مَدِينَة جده
عَائِدًا من بِلَاد عنزة فَنزل بِالْمحل الْمَعْرُوف ببئر ميزَان بِالْقربِ مِنْهَا وَخرج إِلَيْهِ من أَهلهَا الْقُضَاة والأعيان فَقَالَ بِهِ يَوْمه ثمَّ وصل مِنْهُ إِلَى ضريح سيد الشُّهَدَاء عَم جده عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام فَبَاتَ بِهِ لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ(4/568)
ركب مِنْهُ فَدخل الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور فزار قبر جده وتملا بأنوار سعده وَفِي يَوْم الْأَحَد سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل قَاصد من الْوَزير الْمَذْكُور أَيْضا بهدية مِنْهَا فرو وَسيف لمولانا المرحوم الشريف وَوصل مَعَه قفطان لشيخ الْحرم النَّبَوِيّ دَاوُد أغا من الْوَزير الْمَذْكُور أَيْضا فلبسه شيخ الْحرم بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَاسْتمرّ مَوْلَانَا الشريف بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة إِلَى أَن برز مِنْهَا ثَانِي ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَدخل مَكَّة محرما بِالْعُمْرَةِ لَيْلَة هِلَال ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فَطَافَ لعمرته وسعى شكر الله سَعْيه ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه بالزاهر على عَادَة أسلافه الأكرمين ثمَّ دخل صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم فِي موكب يبهر الناظرين وَيسر البادين والحاضرين وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وصل إِلَى مَكَّة من الْأَبْوَاب الْعَالِيَة قفطان من السمور الملوكي عاليه صوف أَبيض يَصْحَبهُ مرسوم سلطاني ومرقوم خاقاني يفصح بالثناء على مَوْلَانَا الشريف بالنعت الأكرم الأمجد فألبسه بِالْحَطِيمِ وَقُرِئَ ذَلِك المنشور الْكَرِيم وَكَانَ الْوَاصِل بِهِ فَخر الأغوات الْعِظَام إِبْرَاهِيم أغا فَكَانَ أعظم موكب فِي ذَلِك الْمقَام وسر بِهِ الْخَاص وَالْعَام وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشري ذِي الْحجَّة مِنْهَا أَمر صَاحب جدة أَحْمد باشا بهدم كل خلْوَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فهدمت وَمَا لم يُمكن هَدمه مِنْهَا لكَونه من بنية الْمَسْجِد فِي نفس جِدَاره أَو لكَونه فَوْقه بِنَاء سَده بِبِنَاء مُدعيًا أَن لذَلِك سَببا هُوَ سَمَاعه بِحُصُول فسق فِي بَعْضهَا وَالله أعلم بالحقائق ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَتِسْعين وَكَانَ هلالها بالإثنين فَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع محرم الْحَرَام مِنْهَا كَانَت وَاقعَة من أَحْمد باشا الْمَذْكُور إِلَى الأفندي عبد الله عتاقي زَاده مفتي السَّادة الْحَنَفِيَّة ثار بِسَبَبِهَا الْخَاص وَالْعَام فاستدعى إِلَى الْحَاكِم الشَّرْعِيّ فَاعْتَذر عَن الْحُضُور خشيَة مَا لَا يخفى على الْعَاقِل من حوادث الْأُمُور ثمَّ استدعاه مَوْلَانَا الشريف لَيْلًا لذَلِك المرام وقبح عَلَيْهِ فعله وأوقر سَمعه بأليم الْكَلَام فاعترف بخطئه وخطله واستعفى طَالبا التجاوز عَن زيغه وزللَه وفيهَا أَوَاخِر الْمحرم الْحَرَام مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاء عمل الْحَائِط على الْمقْبرَة ابتدىء(4/569)
من أَعلَى ثنيتى الْحجُون يجدرين واصلين إِلَى الطَّرِيق بَين قبتي الشريف أبي نمي وَولده الشريف حسن منعطفين من ذَلِك الطَّرِيق أَحدهمَا صُعُدا يتَّصل إِلَى قرب حَائِط ابْن دُخان وَالْآخر سُفُلا إِلَى الْمحل الْمَعْرُوف بالحافظية فصلا بِأَبْوَاب مُرْتَفعَة الأعتاب صونا للمقبرة عَن انتهاك حُرْمَة قُبُور الْمُسلمين وَعَن التلويث والوقيد بنزول الْحجَّاج والمسافرين وَكَانَ هَذَا الْخَيْر مسطراً فِي صَحَائِف الْوَزير الْأَعْظَم سُلَيْمَان باشا ومتولي ذَلِك وَزِير مَكَّة عُثْمَان ابْن الخواجا زين العابدين حميدان وَتلك طرق خير رضى الله عَن قاصديها هَذَا مِمَّا أحدث فِي هَذِه السّنة نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ اللطف بِنَا وبالمسلمين فِيهَا وَفِيمَا يَليهَا وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء لأَرْبَع خلون من ربيع الآخر مِنْهَا كَانَت وَفَاة الشَّيْخ الصَّالح ذِي الْقدَم الراسخ الرابح الْعَلامَة الفهامة الراقي أوج المعزة فِي الْفضل والكرامة إِمَام الطَّرِيقَة والحقيقة والمتكلم على معانيهما بالإشارات الدقيقة شَاهد مشَاهد أهل الْعرْفَان عَاقد عقائد أكاليله الَّتِي يخرج مِنْهَا اللُّؤْلُؤ والمرجان منور الْبَصَر والبصيرة موصل الْحُضُور بِحَضْرَة القصيرة الَّتِي عَنْهَا يَد من سواهُ قَصِيرَة مَوْلَانَا وعزيزنا المرحوم بسحاب الرضْوَان المركوم مَوْلَانَا الشَّيْخ مُحَمَّد الشهير بالبخشى الدِّمَشْقِي رَحمَه الله برحمته الواسعة وَغفر لَهُ مغْفرَة جَامِعَة توفّي بِمَكَّة المشرفة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بالمعلاة أَمَام قبَّة السيدة خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ وَقد أناف على السِّتين وفيهَا يَوْم الْخَمِيس عشري جُمَادَى الأولى مِنْهَا وَقع النداء بِأَمْر مَوْلَانَا الشريف أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى أَن لَا يُقيم بِمَكَّة أحد من جنس التكرور وَمن وجد بعد ثَلَاث عُوقِبَ بالنكال فتهيأوا واجتمعوا فِي الْيَوْم الثَّالِث آخر النَّهَار بِطرف المعلاة وقرءوا الْفَاتِحَة ثمَّ توجهوا الْبَعْض إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَالْبَعْض الآخر إِلَى جدة وَالْبَعْض إِلَى قَرْيَة الطَّائِف وَسبب ذَلِك على مَا قيل أَنه بلغ مَوْلَانَا الشريف تَأتي مفاسد مِنْهُم مِنْهَا وُقُوع سرقات من بَعضهم وفشو عمل السحر مِنْهُم فِي أشرف بِلَاد الله فَكَانَ ذَلِك لذَلِك وَالله يتَوَلَّى السرائر(4/570)
وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشري رَجَب مِنْهَا وصل قَاصد من يَنْبع يخبر بورود مستلم مُحَمَّد بك الْمَعْزُول بِهِ أَحْمد باشا صَاحب جدة ثمَّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس غرَّة شعْبَان مِنْهَا وصل المستلم بِصُورَة أَمر سلطاني يعْزل أَحْمد باشا هَذَا صَاحب جدة وَشَيخ حرم مَكَّة والطلب الحثيث لَهُ بِسُرْعَة وعَلى الصُّورَة خطّ قَاضِي عَسْكَر مصر والعدول بِولَايَة السنجق مُحَمَّد بك مَكَانَهُ فَصَعدَ هُوَ ونائب الْحرم السَّيِّد مُحَمَّد وَقد فوض السنجق النِّيَابَة إِلَيْهِ إِلَى مَوْلَانَا الشريف المرحوم فألبسهما مَوْلَانَا الشريف قفطانين وَأقر مِنْهُمَا الخاطر وَالْعين ثمَّ نزل فسجله قَاضِي الشَّرْع وَأرْسل مَوْلَانَا الشريف إِلَى أَحْمد باشا يُخبرهُ بوصول المستلم وَمَا مَعَه وَأقَام المستلم يَوْمه بِمَكَّة وَصلى الْجُمُعَة ثَانِيه ثمَّ توجه إِلَيْهِ إِلَى جدة المعمورة فقابله الْمُقَابل الْحسن وَألبسهُ قفطاناً وَجعل لَهُ حَال دُخُوله موكباً عَظِيما وَمد لَهُ سماطاً ثمَّ فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شعْبَان وصل أَحْمد باشا إِلَى مَكَّة وتأهب للرحيل على غَايَة السرعة والتعجيل وقاد إِلَيْهِ مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد على طَرِيق الرِّعَايَة والمعونة نَحْو الْعشْرين من نَجَائِب الركائب الميمونة وَكَذَلِكَ قاد إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته ثنتى عشرَة من الركائب إِحْدَاهُنَّ مكملة الْآلَة بالشداد الْمحلى وَمَا يتبعهُ ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ عَاشر الشَّهْر الْمَزْبُور توجه خَارِجا من ثنية الْحجُون فِي خيل نَحْو الثَّلَاثِينَ إِذْ يُعدون مَشى مَعَه السَّيِّد عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ وَبَعض القواد إِلَى المأمن وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وصل إِلَى مَكَّة السنجق مُحَمَّد بك أَمِير اللِّوَاء الْمُتَقَدّم الذّكر فتُلقى بالآلاى والموكب الْعَظِيم فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْجُمُعَة مستهل رَمَضَان وَصلى الْجُمُعَة وَنزل جدة يَوْمه ذَاك وَفِي هَذَا الشَّهْر ورد الْخَبَر عَن قَرْيَة الطَّائِف بِأَن قد طَاف عَلَيْهَا من الدبى طائف فظل يتهافت على الْأَشْجَار والزروع وَعلا تِلْكَ الساحات والربوع يَأْكُل مَا دب عَلَيْهِ ودرج ويقرئ النَّاس كتاب الشدَّة بعد الْفرج وأناف على القمَّل والضفادع وبذل نَفسه لَهُم فِي المآكل والمشارب والمضاجع وَترك الْأَشْجَار عَارِية كَأَنَّهَا محروقة وَالْأَرْض من تِلْكَ الْبُقُول والقطاني مُجَرّدَة مطروقة(4/571)
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة الْحَرَام من السّنة المذكوره ورد مُبشر يخبر بنصرة سُلْطَان الْمُسلمين على الْكَفَرَة أَعدَاء الدّين وَأَنه قد قتل وَأسر مِنْهُم مَا ينيف على سبعين ألفا واسترد بعض مَا استولوا عَلَيْهِ من الْبِلَاد وَالْحَمْد لله على حُصُول المُرَاد وَأَن القاصد السلطاني وَاصل عقبه وَهُوَ بِالشَّام وَالله الْمُؤَيد لملة الْإِسْلَام ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَألف كَانَ هِلَال محرمها بِالْجمعَةِ فِيهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر محرمها تقلد منصب الوزارة المكية رفيع الْمحل والشان حَضْرَة يُوسُف أغاسنان وانفصل عَنهُ الخواجا عُثْمَان بن زين العابدين حميدان وفيهَا يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاء فتْنَة بَين مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد ومولانا الشريف أَحْمد بن غَالب متع الله بحياته لأمر جَار على الْقَوَاعِد نقمه عَلَيْهِ لم تطب بِهِ نَفسه طلب مِنْهُ نقضه فَامْتنعَ فَخرج مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته لَيْلَة الثُّلَاثَاء حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى مَحَله الْمَعْرُوف بالركاني من وَادي مر وانحاز إِلَيْهِ جُمْهُور السَّادة الْأَشْرَاف على مثل رَأْيه وَأَعْطوهُ مواثيقهم أَن الْعَصَا وَاحِدَة وَلم يرجع عَنهُ مِنْهُم إِلَّا اثْنَان وَأخذ أجلة خمسين يَوْمًا ثمَّ عشرَة ثمَّ رَحل هُوَ وَمن مَعَه قبل تَمامهَا أواسط ربيع الأول فتوجهوا مَعَ سَلامَة الله وكلاءته إِلَى جِهَة مصر ثمَّ فِي يَوْم سَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور سير مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد خَلفهم من الْعَسْكَر مِائَتَيْنِ وَخمسين اتِّفَاقًا ثمَّ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشري الشَّهْر أتبعهم بالسيد باز بن هَاشم فِي عشرَة من بني أَبِيه وبالسيد نَاصِر فِي عشرَة من ذَوي جود الله وبالسيد عبد المحسن فِي عشرَة من ذَوي باز وَفِي الْيَوْم الثَّامِن من ربيع الاَخر برزت رُتْبَة من الْعَسْكَر إِلَى بِلَاد الْفَرْع وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس غرَّة جُمَادَى الأولى مِنْهَا اتّفق بِمَكَّة اجْتِمَاع نسَاء لَيْلًا لفرح بِمحل قَرْيَة عشاش بِطرف شعب عَامر فشبت نَار ضَعِيفَة فِي بَعْضهَا فأطفئت فى الْحَال بِقَلِيل مَاء ثمَّ صرخت حُرْمَة كَأَنَّهَا بنت إِبْلِيس النَّار يَا نسَاء فَركب بَعضهنَّ بَعْضًا وازدحمن على الْخُرُوج مستبقات الْبَاب وَقد أغلق خوفًا على متاعهن من النهب فتحايلن عَلَيْهِ فَسقط فابتدرن الْخُرُوج وَكَانَ فِي عتبَة الْبَاب ارْتِفَاع فَوَقع بَعضهنَّ على بعض فَمَاتَ أَربع مِنْهُنَّ فِي الْحَال وتكسر نَحْو خمس وَعشْرين(4/572)
وبعضهن أَخذه الخبل من الروعة فَمَا شَاءَ الله كَانَ وفيهَا فِي السَّاعَة الثَّالِثَة من يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور انْتقل إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ الْكَرِيم مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ الشريفين حامي حمى المحلين المنيفين سلالة السَّادة القادة الْحَال مِنْهُم مَحل الْيَتِيمَة من القلادة مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا المرحوم الشريف أَحْمد ابْن المرحوم الشريف زيد تغمده الله برحمته ورضوانه وأحله أَعلَى فراديس جنانه وَتَوَلَّى غسله السَّيِّد مُحَمَّد النعمي وأعانه مَوْلَانَا السَّيِّد ثقبة بن قَتَادَة ومولانا السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ حنيف الدّين المرشدي ويوسف الملقب شيخ الْقُرَّاء وَمن لابد من الأتباع وَصلى عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعَصْر يَوْمه بعد فتح الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَدُعَاء الريس لَهُ وترحمه عَلَيْهِ بِأَعْلَى قبَّة زَمْزَم مَوْلَانَا الشَّيْخ أَحْمد ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد النخلي وَدفن على وَالِده المرحوم الشريف زيد بقبة الشريف أبي طَالب رَحِمهم الله تَعَالَى برحمته وأسكنهم فسيح جنته كَانَت مُدَّة ولَايَته بِاعْتِبَار تَوليته بالأبواب الْعَالِيَة ثَلَاث سنوات وَسَبْعَة أشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَبِاعْتِبَار وُرُود الْخَبَر إِلَى مَكَّة وجلوس ابْن أَخِيه السَّيِّد مساعد قَائِما عَنهُ ثَلَاث سنوات وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا رَحمَه الله تَعَالَى وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قَول صاحبنا الْفَاضِل الشَّيْخ سَالم بن أَحْمد بن إِدْرِيس اليمني الصعدي // (من الْكَامِل) //
(سمَحَ الزمانُ لنا بملكِ بني حَسَنْ ... فَلِذَا شهدْنَا أَنه زمَنٌ حَسَنْ)
(لله مِنْ زمنٍ صفَتْ أوقاتُهُ ... بدوامِ دولةِ مَنْ لَهُ الْعليا شجَنْ)
(ألمالكُ الملكُ المؤيَّدُ أحمدُ بْنُ ... المنتقَى زيد المليك المؤتمَنْ)
ْ
(رأسُ الملوكِ يمينُهُمْ زندُ الرعَّية ... كهفُهُمْ يومَ المخاوفِ والمحنْ)
(ملكٌ أَقَامَ السعْد يخدمُهُ على ... رَغْمِ الحسودِ أخي الضغائِنِ والإحَنْ)
(ملكٌ لَهُ العزُّ المخلدُ لم يزلْ ... عبدا يحفُّ ركابه طولَ الزمَنْ)
(ملكٌ غَدا المجدُ الأَثِيلُ أَلِيَّةً ... نعلا لأخمصه المصانةِ عَنْ دَرَنْ)
(ملكٌ لَهُ الفخْرُ المؤيَّدُ قد غَدا ... من جملةِ الأنصارِ والجُنْدِ العَوَنْ)
(ملكٌ تتوَّجَ بالسيادةِ والعلا ... وتدرَّعَ الفضْلَ الَّذِي لم يمتهَنْ)(4/573)
(ملكٌ لَهُ فِي الجودِ شهرةُ حاتمٍ ... وسماحَةُ الغيثِ الملثِّ إِذا هَتَنْ)
(ملكٌ إِذا نزلَ الفقيرُ بسوحِهِ ... أنساه تذكارَ الأقاربِ والوطَنْ)
(ملكٌ إِذا أمَّ الفقيرُ نوالَهُ ... أضحَى يطوِّقه أَعَاجِيب المِنَنْ)
(ملكٌ لَهُ يومَ العطاءِ طلاقةُ الوجهِ ... الَّذِي ماءُ الحياءِ بِهِ قطَنْ)
(ملكٌ لَهُ الخلُقُ الوسيمُ كَذَا لَهُ الخُلُقُ ... العظيمُ كَذَا لَهُ الفعْلُ الحسَنْ)
(مِنْ آل طه والبتولِ وحَيْدَرٍ ... مَنْ نخبةِ الأشرافِ أبناءِ الحسَنْ)
(مِنْ سادةٍ أضحَى حديثُ علاهم ... تالله يَطْوِى نشره عَنَّا الحَزَنْ)
(مِن قادةٍ قطعُوا ببيضِ سيوفِهِمْ ... تلكَ المواضى دَابِرَ القومِ الخوَنْ)
(مِن عُصبةٍ سَارُوا على سَنَنْ الْهدى ... قدماً فيا نُعْما بذَيَّاكَ السنَنْ)
(مِن فتيةٍ شُمِّ الأنوفِ القائمين ... بحَملِ أعباءِ الفرائضِ والسنَنْ)
(وسليل زيدِ الْملك هَذَا المرتضَى ... هُوَ خيرُهُمْ نفسا وأزكاهُمْ هدنْ)
(هَذَا الَّذِي مَلأ البِقَاعَ أمانُهُ ... فأراع جيْشَ الخوفِ بعد أَن اطمأَنّ)
(حَتَّى رَعَى ذئبُ الفلاةِ مَعَ الظبا ... وتكحَّلَ الجفنُ المسهدُ بالوسَنْ)
(هَذَا الذى طافَتْ مكارمُهُ بأرضِ ... الصينِ بالروم المعمرِ باليمنْ)
(هَذَا الَّذِي سارَتْ عوارفُهُ من البلدِ ... الحرامِ إِلَى العراقِ إِلَى عَدَنْ)
(وَإِلَى مآثِرِ طيبةَ الغَرَّا إِلَى ... أرضِ الْحجاز إِلَى الخبوتِ إِلَى قرَنْ)
(هَذَا الَّذِي بكمالِ وافرِ عدلِهِ ... خمدَتْ لظَى نارِ المظالمِ والفتنْ)
(صعبُ العزائمِ من فرى بصفاحِهِ ... ورماحه مَنْ شا ومَنْ شَا قد طَعَنْ)
(ثبتُ الجنانِ إِذا التقَى الصفَّانِ أثبت ... من كسا جُنن البسالة والمننْ)
(طلْقُ اللسانِ إِذا أَشَارَ إِلَى البيانِ ... أجَلُّ مَنْ وهب الفصاحَةَ والفطَنْ)
(يَابْنَ الكرامِ الأقدمينَ ومَنْ لَهُم ... غُرَرُ المعالِى لم تزلْ أبدا خدَنْ)
(يأيها الملكُ الَّذِي حَمِدَ الورَى ... أفعالَهُ اللَّاتِي بهَا الخيرُ اقترَنْ)
(خُذْهَا قصيدةَ مخلصٍ فِي ودِّهِ ... لكَ فِي حميدِ السرِّ مِنْهُ وَفِي العلَنْ)
(غَرّاء هذَّبَها الذكاءُ وصاغَهَا الفكْرُ ... الَّذِي هُوَ بالمتاعِبِ فِي وَهَنْ)
(هَذَا وَلَوْلَا صحبَةُ الصبْرِ الجميلِ ... لفارَقَ الأهلِينَ واصطَحَبَ الظعَنْ)
(فأَجِزْ منضِّدَهَا اللجين فَإِنَّهُ ... رجلٌ عَلَيْهِ الدهْرُ بالدينارِ ضَنّ)(4/574)
(واسلَم ودُمْ طولَ الزمانِ مكرماً ... مَا غرَّدَ القمرىْ الطروبُ على فَنَنْ)
(وغدَتْ جميعُ الخلقِ تنشدُ فرحةَ ... سَمَحَ الزمانُ لنا بملكِ بني حَسَنْ)
وَقَوْلِي رثاء فِيهِ وتأريخاً لوفاته مُخَاطبا نجله السعيد عبد المحسن من // (مخلع الْبَسِيط) //
(فاجأنا دهْرُنا المفاجِى ... سَطَا علينا بطُولِ أَيْدِى)
(طاشَ حجانا لما دهانا ... بمَنْ حجانا صُرُوف كَيْدِ)
(وَهَى عمادُ الوجودِ خرَّتْ ... سَمَّاهُ وانهَارَ كلُّ حَيْدِ)
(هدَّتْ رواسي ذُرَى المعالِى ... دُكَّتْ شناخيبُ كل طَوْدِ)
(لموتِ سلطانِنا المرجَّى ... أبي سليمانَ زَيْن أَيْدِى)
(ألملكُ النائفُ المراقي ... وشائدُ العزِّ أَيَّ شَيْدِ)
(حامي حِمَى الملكِ بالعوالِي ... وتاركُ الصِّيدِ شِبْهَ صَيْدِ)
(أكرمُ مَنْ نَحوه المطايا ... تُزْجى بهَا دلّها وهَيْدِ)
(قِيدَتْ إِلَيْهِ الأمورُ طَوْعًا ... يرسفُ فِي غُلِّهَا بقَيْدِ)
(قرتْ عيونٌ جفَتْ كراها ... بِهِ كَذَا الأرضُ بعد مَيْدِ)
(شبَّ فؤادٌ بِهِ فلمَّا ... أودَى بِهِ اعتاضَ شيْبَ فَوْدِ)
(ناحَتْ عَلَيْهِ بكلِّ صوتٍ ... مكَّةُ من ناشئٍ وعَوْدِ)
(فأعظمَ الله فِيهِ أجْرَ الجميعِ ... خُصِّصْتَ فضْلَ زَوْدِ)
(ألهمَكَ الصبْرَ فِي رضاهُ ... رَوَّى ثراه سحابُ جودِ)
(أسكنَهُ منزلا رفيعاً ... فِي جنَّةِ الخلدِ خَيْر فَيْدِ)
(دونَكَ بشرَى بفالِ خيرٍ ... تَارِيخ عامٍ بضبط جَيْدِ)
(دَار نعيمٍ حَبَى كريم ... قَرَّ بهَا أحمدُ بْنُ زَيْدِ)
ثمَّ وَليهَا الشريف سعيد ابْن الشريف سعد ابْن الشريف زيد ابْن الشريف محسن ابْن حُسَيْن بن حسن وَذَلِكَ أَنه لما توفّي مَوْلَانَا المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد تغمده الله بِالرَّحْمَةِ قبل الشُّرُوع فِي تَجْهِيزه أرسل مَوْلَانَا الشريف سعيد حفظه الله تَعَالَى إِلَى أَفَنْدِي الشَّرْع الشريف يطْلب مِنْهُ قفطاناً وَقد حضرت السَّادة الْفُقَهَاء وكبار العساكر عِنْد الأفندي فَقَالَ مَوْلَانَا الأفندي لَا بَأْس أَن تصبروا(4/575)
وتمهلوا نَحْو خَمْسَة أَيَّام نرسل لأكابر الْأَشْرَاف ونرى من يختارونه فَيكون هُوَ فَامْتنعَ أغاة الينكشارية وَقَالَ أَنا لَا أُرِيد مصلحَة لَا أُرِيد إِلَّا صَلَاح الْبِلَاد وَإِذا لم يتول هَذَا الرجل تلفت الْبِلَاد فتأثر الأفندي من كَلَامه وَفهم تعريضه بِهِ فَاعْتَذر الأغا إِلَى الأفندي فِي الْحَال فَأعْطَاهُ الأفندي القفطان على أَن يلْبسهُ الشريف قَائِم مقَام إِلَى أَن يرسلوا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية ويعرّفوا بِالْحَال فَأتوا بالقفطان إِلَى الشريف سعيد وَقَالُوا لَهُ مَا قَالَه الأفندي فَقَالَ لَا ألبسهُ إِلَّا اسْتِقْلَالا أَنا ابْن سعد بن زيد فلبسه وَأطلق مناديه بالبلاد وَمَعَهُ السَّيِّد عدنان بن حسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن سرُور وَغَيرهمَا ثمَّ أَمر بالزينة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أَمر بزينة يَوْمَيْنِ ثمَّ يَوْمَيْنِ إِلَى أَن كملت اثنى عشر يَوْمًا وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري الشَّهْر الْمَذْكُور شهر جُمَادَى الأولى وصل مُورق من يَنْبع من السَّيِّد عبد المحسن يخبر وَالِده على ظن حَيَاته بوصول قابجي يُسمى أَحْمد أغا صحبته مرسوم شرِيف سلطاني وقفطان وَسيف مرهف باسم وَالِده مَوْلَانَا الشريف أَحْمد وقفطان لسنجق جده الْأَمِير مُحَمَّد بك فَكَانَ وُصُول مورقه فِي الْيَوْم الْمَذْكُور بعد وَفَاة وَالِده بأَرْبعَة أَيَّام وفيهَا لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة وصل السَّيِّد مُحَمَّد مير أخور المرحوم الشريف أَحْمد الَّذِي كَانَ قد أرْسلهُ إِلَى الْأَبْوَاب تقدم عَن القابجى بيومين ثمَّ فى سادس الشَّهْر الْمَذْكُور دخلت القفاطين السُّلْطَانِيَّة وَاجْتمعت السَّادة والأعيان والكبار على الْعَادة فِي الْحطيم وَلبس القفطان الشريف سعيد وتمنطق بالصارم المجوهر نصابه من حجر اليشم المفتخر وَقُرِئَ المرسوم السلطاني المتوج بِالِاسْمِ الشريف السُّلَيْمَانِي بعد أَن حول خطابه إِلَى اسْم الشريف سعيد بن سعد فِيهِ التَّصْرِيح بِأَن ابْتِدَاء جُلُوس مَوْلَانَا السُّلْطَان سُلَيْمَان على تخت السلطنة كَانَ يَوْم السبت ثَانِي محرم الْحَرَام من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة تسع وَتِسْعين وَألف ثمَّ نُودي بالزينة سَبْعَة أَيَّام ثمَّ بعد مُدَّة يسيرَة نزل القابجي الْمَذْكُور إِلَى جدة بالقفطان السلطاني إِلَى حَضْرَة السنجق المكرم أَمِير اللِّوَاء الْأَمِير مُحَمَّد بك فألبسه القفطان الَّذِي هُوَ لَهُ وقابله من الْإِكْرَام بِمَا كَانَ أَهله وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً(4/576)
وفيهَا لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أعنى جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل مَكَّة السَّيِّد عبد المحسن وَابْن عَمه السَّيِّد مساعد وغالب الَّذين كَانُوا مَعَهُمَا وَفِي سَابِع عشره خرج على سَبْعَة عشر أَصْحَاب ركائب زوّار قصدُوا طَرِيق زقاقة بعد ركوبهم من الْمنزل الْمُسَمّى مستورة بساعة خمس مردفات مَعَهم خمس من البندق رموهم بِهن فأخدوهم مَا عدا ثَلَاثَة أنفس فروا رَاجِعين إِلَى مستورة فَخرجت عَلَيْهِم أَربع مردفات كَانَت كامنة فَأَخَذُوهُمْ فَرجع الْجَمِيع إِلَى مستورة فِي حَالَة لَيست بمستورة وَللَّه الْأَمر لَا راد لما أَرَادَ وَفِي تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَاقعَة السَّيِّد مُحَمَّد البرزنجي مَعَ السَّيِّد مَحْمُود الكرديين ادّعى على السَّيِّد مُحَمَّد ضربُ السَّيِّد مَحْمُود فَدَعَاهُ الْحَاكِم الشَّرْعِيّ أَولا وَثَانِيا ثمَّ أَتَاهُ قهرا على مَا سمع وَاجْتمعت العساكر من الْعَامَّة لسَمَاع الدَّعْوَى فَأنْكر السَّيِّد مُحَمَّد الْفِعْل وَوَقع بَينه وَبَين الأفندي حَال الله أعلم بحقيقته آل الْأَمر فِيهِ إِلَى حَبسه بِأَسْفَل الْقلَّة الْكَبِيرَة رَأس القلعة وَسَيَأْتِي ذكر تسحُّبه وخلوصه من ذَلِك الْمحل إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور كَانَ بروز الشَّيْخ سعيد ابْن المرحوم الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي صُحْبَة الْعرض إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فِي شَأْن تَوْلِيَة الشريف سعيد بن سعد مَكَّة وَطلب التأييد بِالْأَمر السلطاني فعيق عَن قَصده قبل مجاوزته الْمحل الْمُسَمّى بالمويلح وَأصْبح عذبه الْفُرَات مويلح وَفِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشري شعْبَان وصلت ثَلَاثَة نجاب من بني صَخْر من صَالح باشا صحبتهم مكاتيب من مَوْلَانَا الشريف سعد تَعْزِيَة لابنَة الشريف سعيد وتهنئة هَكَذَا أشيع وَالله أعلم بالحقائق وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء غرَّة رَمَضَان وصل الشَّيْخ سعيد ابْن المرحوم الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي بحراً إِلَى جدة ثمَّ إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا عشَاء اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة وَقصد إِلَى بَيت الْوَزير يُوسُف السَّقطِي وَكَانَ الشريف سعيد إِذْ ذَاك عِنْده فَأخْبرهُ بِمَا وَقع لَهُ فِي سفرته هَذَا وَأما الْخَبَر عَن مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فَإِنَّهُ لما سَار هُوَ وَمن مَعَه من السَّادة والأتبأع فِي شهر ربيع الأول مضى إِلَى أَن انْتهى بِهِ السّير إِلَى مَحل(4/577)
يُسمى بحراً بَين الْمحل الْمُسَمّى بالأزلم وَالْمحل الْمُسَمّى كفاف منزلتي الْحَاج الْمصْرِيّ فَأَقَامَ بِهِ وَوصل إِلَيْهِ بِهِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى القابجي أَحْمد أغا صَاحب القفطان الْمُتَقَدّم ذكره فقابله مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بغاية الْإِكْرَام وَنِهَايَة الإجلال والإعظام كَمَا هُوَ شَأْن طبعه الشريف ودأب خميه الزكي المنيف وَأقَام عِنْده يَوْمَيْنِ ثمَّ رَحل بِمَا أرسل بِهِ لمن أرسل إِلَيْهِ ثمَّ إِن مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته أرسل مَوْلَانَا السَّيِّد شبير ابْن السَّيِّد مبارك مَعَه السَّيِّد دراج الهجالي فِي جمَاعَة من الأتباع إِلَى محافظ مصر حسن باشا بلغه الله من الْخيرَات مَا شَاءَ بِعرْض يتَضَمَّن مَا أَرَادَهُ وَكَانَ رحيل السَّيِّد شبير وَمن مَعَه يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري الشَّهْر الْمَزْبُور أَعنِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ المرحوم الشريف أَحْمد فَدَخَلُوا مصر وأوصلوه الْعرض وَلما كَانَ يَوْم سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وصل إِلَى مصر خبر وَفَاة المرحوم الشريف أَحْمد فَحِينَئِذٍ أخرج لَهُم أمرا وقفطاناً باسم مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وسيره مَعَ كيخيته وَضم إِلَيْهِ أغوات البُلكات من كل بلك جوربجي فَخَرجُوا من مصر ثانى عشر شعْبَان الْمُعظم ثمَّ أعرض إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة لمولانا الشريف أَحْمد متع الله بحياته بالسير الشَّديد على خيل الْبَرِيد لتأييده بِالْأَمر السلطاني والقفطان الخاقاني ثمَّ إِن السَّيِّد شبير بعد خُرُوجه من مصر أرسل إِلَى مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته إِنَّا واصلون إِلَيْكُم عَن قريب صُحْبَة القفطان وَمن مَعَه فَأقبل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته هُوَ والسادة الْأَشْرَاف وخدامهم وأتباعهم إِلَى الينبع فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ مِنْهَا إِلَى قَرْيَة بدر وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا خَامِس عشري شهر شعْبَان الْمُعظم فَأَقَامَ بهَا ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر رَمَضَان وصل إِلَيْهِ القفطان وَمن مَعَه من الأغوات فألبسه بِمَسْجِد الغمامة مِنْهَا وَهُوَ الْموضع الَّذِي بني فِيهِ الْعَريش للنَّبِي
فَقعدَ فِيهِ يَوْم وقْعَة بدر الْمَشْهُورَة كَمَا ذكره المؤرخون الأقدمون ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا مُقْبِلين إِلَى مَكَّة زَادهَا الله شرفاً وَقد كَانَ جَاءَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر(4/578)
رَمَضَان الْمَذْكُور مُورق إِلَى مَكَّة من حَضْرَة السنجق مُحَمَّد بك صُحْبَة مَكْتُوب إِلَى حَضْرَة الأفندي وأكأبر عَسَاكِر مصر مضمونه أَنه قد جَاءَنِي صُورَة أَمر من باشا مصر بِولَايَة الشريف أَحْمد بن غَالب وَأَن يبرزوا لمقابلة القفطان وَمن مَعَه فَلَمَّا وصل ذَلِك الْمَكْتُوب طلعوا إِلَى الشريف سعيد وَأَخْبرُوهُ بِمَا فِيهِ وَكَانَ الشريف سعيد قد سمع بِأَن قد نُودي باسم الشريف أَحْمد فِي جدة فأجابهم بقوله إِن كَانَ بيد السَّيِّد أَحْمد بن غَالب أَو السنجق أَمر سلطاني فليأتوا بِهِ وَنحن مطيعون لِلْأَمْرِ السلطاني وَإِن كَانَ غير سلطاني فَحكم الباشا على مصر وصعيدها يعْزل فِيهِ ويولى من شَاءَ وَمَا دون مَكَّة إِلَّا السَّيْف فَقَالَ لَهُ الأفندي عِنْد ذَلِك يَا مَوْلَانَا هَذَا وَزِير مصر يعْزل ويولى فكذبه صَرِيحًا وَقَالَ يعْزل ويولى لمثلك ثمَّ قَالَ لكبار العساكر أَنا لَا أمنع من يُرِيد الْخُرُوج وَلَكِن اعلموا أَن أول خَارج أول من أَضَع فِيهِ السَّيْف وَإِلَّا فالزموا بُيُوتكُمْ لَا مَعنا وَلَا علينا ثمَّ سطر كتابا للسنجق قَالَ لَهُ فِيهِ مثل قَوْله الأول إِن كَانَ مَعَك أَمر سلطاني فَأقبل أَنْت وَمن مَعَك وَإِلَّا فَارْجِع من حَيْثُ جِئْت فوصل الْكتاب إِلَى السنجق وَهُوَ بِالْمحل الْمُسَمّى بحرة من طَرِيق جدة فَأَعَادَ السنجق الْجَواب لابد من الدُّخُول فَلَمَّا سمع الشريف سعيد هَذَا الْجَواب أَمر عساكره بصعود المنائر وشحنت بيُوت أَعلَى مَكَّة وأسفلها بالعسكر وانتقبوا فِي جدرها متارس حِصَار وَأرْسل بِنَحْوِ خمسين خيالاً وَعشْرين دباباً عَلَيْهِم السَّيِّد حسن بن عبد الْكَرِيم بن حسن بن عَليّ بن باز وَقَالَ أَيْنَمَا لقيتموه فَردُّوهُ فَإِن رَجَعَ وَإِلَّا فَكَذَا وَكَذَا فَخَرجُوا بعد صَلَاة الْعشَاء حَتَّى واجهوا مخيمه مُقبلا على أدنى مَحل إِلَى مَكَّة فردوهم ثمَّ سَارُوا هنيهة حَتَّى لاقوه فَتقدم إِلَيْهِ السَّيِّد حسن الْمَذْكُور وَقَالَ يَا سنجق يَقُول لَك الشريف ارْجع وَإِلَّا كَذَا فِي هَذَا الْمَكَان من حذر فقد أنذر ثمَّ قَالَ لمن فِي صُحْبَة السنجق من الْأَشْرَاف وهم السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد مساعد وَالسَّيِّد عبد الله بن أَحْمد الْحَارِث وَالسَّيِّد صَالح بن السَّيِّد مساعد يَقُول لكم الشريف مَا لكم دُخُول ديرتي ارْجعُوا من حَيْثُ جئْتُمْ فَرَجَعُوا ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد حسن فَوجدَ مورقا من الأفندى وكبار الْعَسْكَر إِلَى السنحق يَعْتَذِرُونَ عَن الْخُرُوج(4/579)
إِلَى ملاقاته ويأمرونه بِالدُّخُولِ لَيْلًا هُوَ وَمن مَعَه إِلَى مدرسة الأفندى ليَكُون أمرا بَيت بلَيْل فازداد بهم ريباً إِلَى ريب هَكَذَا أشيع فِي الْبِلَاد وَكَذَا أشيع لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ حادي عشري رَمَضَان أَن بعض عَسْكَر رُتْبَة الْفَرْع مقبل إِلَى مَكَّة لغَرَض لَهُ وجد مَكْتُوبًا مَعَ مُورق أرْسلهُ مُحَمَّد أغا الْبَغْدَادِيّ إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته فأوصله إِلَى الشريف سعيد فقرأه ودعا الْبَغْدَادِيّ بعد صَلَاة التَّرَاوِيح ووبخه فَقَالَ مَا وَقع منى شئ من هَذَا وَحلف بحياته أَنه مَا كَاتب فأظهر لَهُ الشريف ذَلِك الْمَكْتُوب ثمَّ أَمر بِهِ فضم وزنجر واستدعي بِعَبْدِهِ فَأخذ من الْحجر المطهر فإمر بضمه مَعَ سَيّده فَرمي برأسيهما من ليلتهما بأقصى أجياد أبي الْقَاسِم وَكسرت إبواب بيوته وَأخذ جَمِيع مَا فِيهَا وَكَانَ شَيْئا كثيرا من أَنْوَاع كَثِيرَة بعد أَن حاصر فِيهَا بالبندق أَرْبَعَة من عبيده رَأْسهمْ عبد حبشِي يُقَال لَهُ شاهين نَحْو الْمِائَتَيْنِ من عبد وعسكري إِلَى تذكير الصُّبْح وَكَمن شاهين خلف الْبَاب فَلَمَّا كسر ودُخل عَلَيْهِ طعن أول دَاخل فَقتله ثمَّ قتلته الْعَسْكَر عِنْد بَاب الشريف وَحمل قَتِيلا وَأُلْقِي فِي الواسعة وَلكُل أجل كتاب ثمَّ إِن حَضْرَة السنجق مُحَمَّد بك اسْتقْبل مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته وَمن مَعَه من السَّادة الْأَشْرَاف والأغوات بالآلاى والنوبة عِنْد انفصالهم من أدنى ملاوي وَادي مر فواجههم وحياهم ثمَّ دَخَلُوهُ مَعًا جَمِيعًا ثمَّ ورد عَلَيْهِم بِهِ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن السَّيِّد سعيد بن شنبر بن حسن فَركب إِلَيْهِ مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته وتلقاه من بُعد واعتنقا بخالص الصَّدَقَة والود وَأَتَاهُ من العنلة فى قريب من خمسين عنان كَانَ الله لَهُ حَيْثُ كَانَ وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري رَمَضَان الْمَزْبُور وصل الْخَبَر أَن مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته نزل بوادي مر هُوَ والسادة الْأَشْرَاف والسنجق وَمن مَعَهم فَأمر الشريف سعيد حِينَئِذٍ الفعلة بِبِنَاء متارس عديدة على رُءُوس جبال الزَّاهِر ومضايق ثنيتي كداء وكدى ورتب فِيهَا العساكر وَفِي غَالب الْأَمَاكِن المطلة على المنافذ وبرز فِي تِلْكَ اللَّيْلَة السَّيِّد مساعد ابْن الشريف سعد فِي عشرَة من السَّادة الْأَشْرَاف وَبَعض خيالة وَنَحْو سِتِّينَ بواردياً وبمدفعين اثْنَيْنِ سحبا بأكتاف الرِّجَال(4/580)
لإعواز أقتاب الْجمال وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة بالزاهر وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس مستهل شَوَّال لَيْلَة الْعِيد ورد الْخَبَر بوصول مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته إِلَى النوارية مَحل على نصف الْمسَافَة من وَادي مر وَأشيع أَن قَصده الدُّخُول وَذكر اسْمه فِي خطْبَة الْعِيد على مِنْبَر الْحرم الشريف فَأرْسل مَوْلَانَا الشريف سعيد مَوْلَانَا السَّيِّد باز بن هَاشم وَالسَّيِّد وَاصل بن أَحْمد إِلَى مَوْلَانَا الشريف أَحْمد متع الله بحياته يطْلب إرْسَال الْأَمر الَّذِي وصل إِلَيْهِ ليشرف عَلَيْهِ فَلَمَّا وصلا إِلَيْهِ لهَذَا الْغَرَض غضب السنجق مُحَمَّد بك الْمَذْكُور وَمن مَعَه من الأغوات وشرابجية البلكات وَقَالَ لَيْسَ الْأَمر ملعبة وَحصل بَينهم كَلَام فَقَالَ مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن سعيد بن شنبر يَا أَمِير نَحن رفاقة نصطلح ثمَّ أَخذ السيدين الْمَذْكُورين وَتكلم مَعَهُمَا بِكَلَام لم تبلغنَا حَقِيقَته الله أعلم بهَا فَرَجَعَا إِلَى الشريف سعيد فَأَخْبَرَاهُ فعزم حِينَئِذٍ على إخلاء مَكَّة وَالْخُرُوج مِنْهَا وَأمر العساكر بمفارقة المتارس والدور الَّتِي كَانُوا بهَا وَخرج نصف اللَّيْل من لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي شَوَّال وَخرج مَعَه أَخُوهُ السَّيِّد مساعد وَابْن عَمه السَّيِّد عبد المحسن وَغَيرهمَا وعبيدهما وأتباعهما توجهوا إِلَى قَرْيَة الطَّائِف ثمَّ طلب بعد ذَلِك من مَوْلَانَا الشريف إِقَامَة مُدَّة شَهْرَيْن بهَا فأعطيها وَفِي حَال خُرُوجهمْ دخل مَوْلَانَا السَّيِّد حسن بن غَالب فِي جمَاعَة من الْأَشْرَاف والأتباع لحفظ الْبِلَاد عَن الشغُور وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور وَكَانَت مُدَّة ولَايَته أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام من غير زِيَادَة وَلَا نقص يجمعها حُرُوف قَوْلك كل لَهُ مدا وَمِمَّا قيل فِيهِ من الشّعْر قولي وقدمتها لَهُ يَوْم الْجُمُعَة سلخ جُمَادَى الأولى من سنة تسع وَتِسْعين وَألف // (من الطَّوِيل) //
(سقَى معهداً بَين الأثيلِ وناجمِ ... سحوحُ العهاد الغادياتِ السواجِمِ)
(دريساً عفَتهُ الهوجُ مذ بَرِحَ النوَى ... بأهليه تكسُوهُ سمال السمائمِ)
(نظرْتُ إِلَى أطلالِهِنَّ ونؤيها ... مثلَّمة فى جنْبِ سُفْعٍ جواثمِ)
(كأنَّ الأثافي السودَ كَبِدِي قطعْنَهَا ... ظُبى البَيْنِ أَثلَاثًا كتقسيمِ قاسمِ)
(فدرَّتْ بمرآها شئون مدامِعِى ... وظَلْتُ وَإِيَّاهَا كَبَوٍّ ورائمِ)
(كأنْ لم تكنْ للغيد مأوىً وَلم تقمْ ... على دوحِهِ ألحانُ وُرْقِ الحمائمِ)(4/581)
(بلَى قَدْ عهدناه كذَاكَ فصوَّحَتْ ... نضارتَهُ طوحُ الزَّمَان المتاخِمِ)
(معاهدُ لمياءُ البديدِ تجرُّ فِي ... ثراها ذيولاً عاطراتِ النسائمِ)
(تميلُ كَمَا مالتْ غصونُ رياضها ... بنشآتِ خمرات الصِّبَا لَا المآثِمِ)
(على غُرَّةٍ كالشمسِ من تحتِ طُرَّةٍ ... تزينُ الضيا مِنْهَا بأسوَدَ فاحمِ)
(ومُقلة أدماء الجَوَازى مطفل ... أريعَتْ بقَنَّاسٍ من انمار ساغمِ)
(جَرَى فَوْقهَا قوسُ من النونِ موترٌ ... نبال رنا رِيشَتْ بأهدابِ رَائِمِ)
(لَهَا سلكُ دُرٍّ قفل فيروزج الوشام ... دَارَ بِهِ فى نصْفِ دورةِ خاتمِ)
(بِهِ الشهْدُ ممزوجاً بصهباءَ خامرَتْ ... مَعَ الصبْحِ مسكاً مستطابَ المناسمِ)
(ومهضوم كَشْح مخمص الْغَوْر رقةً ... بِعقد بريم فِيهِ حُلت برائمي)
(لَهَا الْجِسْم لما حلّه ضخر قَلبهَا ... كَذَاك أتانُ الضَّحْلِ أقسى الصلادمِ)
(براها إلهُ العرشِ عُقْلةَ عاقلٍ ... وفتنةَ نسِّيك وزلة عالمِ)
(إِذا وعَدَت ألوَتْ وإِن أوعَدتْ وفَتْ ... وَكم أشمتَتْ إِذْ خفتُ إشمات لائمِ)
(شُهِرْتُ بحبيها فصرْتُ كأنني ... كبيتِ قريضٍ من مديحِ ابْن هاشمِ)
(سعيدُ بنُ سعدٍ إبْن زيدِ بنِ محسنٍ ... خُلَاصَة خيرِ الخيرِ من وُلْدِ آدمِ)
(شريفٌ لَهُ من قبضةِ النورِ جوهرٌ ... تكون شخصا من علىٍّ وفاطمِ)
(مليكُ بلادِ الله وابْنُ مُلُوكهَا ... وحامي حماها قَبْلَ نوطِ التمائمِ)
(لَهُ منطقٌ مَاء النهَى مِنْهُ صيِّبٌ ... ورأْىٌ مصيبٌ فِي عظيمِ العظائمِ)
(أعز حمى مَنْ لاذَ مِنْهُ بذمَّةٍ ... ومَنْ قرَّبته مِنْهُ أدنى الملازمِ)
(محاسنُ ساداتٍ مضوا فِيهِ جمِّعَتْ ... كجمعِ الغديرِ القطرَ غب الغمائمِ)
(فَمن خلقه لم تلق أحسنَ مظْهرا ... سوَى مضمرٍ من خُلْقِهِ والعزائمِ)
(بنَتْ فِي مراقي الغرِّ آباؤُهُ الْعلَا ... لَهُ بَيْتَ مجدٍ فِي رفيع الدعائمِ)
(فَلم يرضَ حَتَّى شادَ مثلهم ومَنْ ... يشابِهْ أَبَاهُ فِي الْعلَا غَيْرُ ظالمِ)
(فهنيتَ ملكا لم تزلْ يَا سعيدَهُ ... مساعد سعدٍ فِي جميعِ المآزمِ)
(رزئْت عَظِيما إِذْ حبيتَ عَظِيمَة ... كذلكَ حالُ الدهرِ بَين العوالمِ)
(دهانا ببؤسى لَا يقاومُهَا الأسَى ... تقارنُ نُعْمَى مَا لَهَا من مقاومِ)
(ذوى زيد الأمجاد لَا فُضَّ جمعُكُمْ ... وعنكُمْ نبا بابُ الزمانِ المغاشمِ)(4/582)
(لكُم أنفسٌ ملكيةٌ تحتَ نبضها ... قلوبُ أسودٍ فِي شخوصِ أوادمِ)
(إِذا سيدٌ مِنْكُم خلا قامَ سيِّدٌ ... نهوضٌ بأعباءِ الْعلَا والمكارمِ)
(عليكَ كَشَفْنَا وجْهَ عذراءَ لَو عَدَتْ ... علاكَ لصينَتْ عَن مُلاَمسِ لائمِ)
(من الخفراتِ اللائي كنْتَ عظلتَهَا ... وآليْتَ أقساماً بحنْث ملازمِ)
(ولكنْ لودٍّ من أبيكَ اعتقدتَّهُ ... وَمن قَبْلُ من زيد جرى بالمراحمِ)
(لذاكَ رأيْتَ الخيرَ تكفيرَ حِنْثها ... وأَنَّ تَمَادى التركِ إِحْدَى الجرائمِ)
(وَمَا مَطْلَبى فِيهَا الإجازَةُ إِنَّمَا ... قبولُكَهَا وَالله أقصَى عزائمي)
(بقيتَ وَلَا أبقى الردَى لكَ حَاسِدًا ... فسعدُكَ فِي حالاتِهِ جِدُّ قائمِ)
وَقَالَ الأديب الشَّيْخ سَالم بن أَحْمد الصعدي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي // (من الطويلَ) //
(ورثْتَ كَلاَكَ الله مرتَبَةَ المُلْكِ ... فها هِىَ فِي كفَّيْكَ ثابِتَة الملْكِ)
(توارَثْتَهَا عنْ عمكَ الأشرفِ الَّذِي ... تمسَّكَ طفْلا بالعُلاَ أَيّمَا مَسْكِ)
(كذاكَ عَن الأجدادِ أكْرم سادةٍ ... رقوا رتباً للمجْدِ عالية السمكِ)
(وَلَا غَرْوَ مهما كنْتَ يَا سبْطَ سعدهم ... وريثاً لَهُم فِي العلْمِ والحلمِ والنسكِ)
(وَقد جَاءَ يسْعَى الملكُ نحوَكَ مسرعاً ... يجرُّ ذيولَ التيه والعُجْبَ والزمكِ)
(وقلَّدَكَ الأحكامَ فِي الناسِ كلِّهم ... وعَامَلَ كلا من ذَوي الحُكْم بالتركِ)
(فأصبَحْتَ فِيهِ خَالِيا عَن مشاركٍ ... لأنَّكَ قد أحللْتَ عَنهُ عرى الشركِ)
(فيا نجلَ مَنْ أعْطى الخلافَةَ حقَّها ... فأصبَحَ مِنْ جيشِ السعادةِ فِي حشْكِ)
(ليهنِكَ هَذَا المنصبُ الشامخُ الَّذِي ... أمنْتَ بِهِ كل الرعايا مِنَ الضنكِ)
(فعادوا كَمَا كانُوا مِنَ الأمْنِ بَعْدَمَا ... أرِيعُوا بفقدانِ الفتَى ماضِى الفتكِ)
(إِلَى أَن غَدا كُلٌّ يقولُ تأسفًا ... وخزنًا لندمانىْ جذيم قفا نبكِ)
(ولولاكَ مَعْ حكمِ القضاءِ وأمرِهِ ... مِنَ الله لم تحقنْ دماهُمْ عَن السفكِ)
(فها هُمْ بأمنٍ مِنْك أذهَبَ عنهُمُ ... مخاوفَ ذكرَاهَا يعدُّ من الإفْكِ)
(وَمَا الخوفُ إِلَّا بَين أفئدةِ الورَى ... ثوى مِنْك حتَّى مسَّها نصب النهكِ)
(وذلكَ لما أنْ تسنَّمْتَ تخته ... بعزْمٍ غدَتْ مِنْهُ القساورُ فِي رَبْكِ)
(ألسْتَ الَّذِي إنْ جُلْتَ والنقعُ ثائرٌ ... ومبيضُّ جوِّ الأفقِ فِي شدَّة الحلكِ)
(تظلُّ صناديدُ الرجالِ نواكساً ... إِلَى أَن يَذُوقُوا أكؤس الْحِين والهُلْكِ)(4/583)
(وَكُلُّ حديدِ القلبِ ثبتٍ مجرّبٍ ... صبورٍ على ضربِ القواضبِ والصَّكِّ)
(يهابُكَ مذ يلقاكَ فِي حومةٍ الوغى ... ويقفىٌ وَمِنْه القلْبُ مضطربٌ مُنْكِى)
(فَلَو أَنْكَ صادمْتَ الرواسِى لخلْتَهَا ... وحَقِّكَ إجلالاً لقدركَ فِي دَكِّ)
(وأمَّا السخا يابْنَ السخىِّ فَإِنَّهُ ... سجيتُكَ الغراءُ من غيرِ مَا شَكِّ)
(لهَذَا شذا عَرْف الثنا عنْكَ مثل مَا ... شذا عَرْف طيبِ العنبرِ الرَّطْبِ والمسكِ)
(وشاعَ حديثُ الفضلِ عَنْك مسلسلاً ... لَدَى العَرَبِ العرباءِ والفُرْسِ والتُّرْكِ)
(فيا بَدْرَ ملكٍ جلَّ فِي فلكِ الْعلَا ... وَيَا بَحْر جُودٍ كَمْ سَعَتْ فِيهِ من فُلْكِ)
(ويأيها الشَّهْمُ السعيدُ ابْن سَعْدنا ... وَيَا مَنْ بِهِ قد فَاء فِي الحَرَمِ الْمَكِّيّ)
(إليكَ من البحْرِ الطويلِ قصيدةً ... بعيدُ مداها لِى تدانَى على وَشْكِ)
(تهنِّيكَ بالملكِ الَّذِي قد ورثتَهُ ... عَن البطلِ الشطْبِ الخبثضمة الملكِ)
(مليكُ الندَى مردِى العدى طالما غَدا ... يردُّ إِلَى الشاكي الحقوقَ من المشْكِى)
(فَمَا زالَتِ الأيامُ تتلو تهانياً ... عليكَ وبشراً دَائِما غيرَ منفكِّ)
(كَمَا ظَلَّ ثغرُ الدهْرِ من جذلٍ بِمَا ... حُبِيتَ من السعْدِ المتممِ فِي ضحْكِ)
(فدُمْ رافلاً فِي ملبسِ العزِّ لَا يُرَى ... لكَ اليومَ فِي أحكامِكَ الغُرِّ من يَحْكِي)
ثمَّ وَليهَا مَوْلَانَا الشريف أَحْمد ابْن المرحوم السَّيِّد غَالب ابْن السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد بن مَسْعُود بن حسن دَخلهَا من أَعْلَاهَا صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة يَوْم الْجُمُعَة ثانى شَوَّال عِنْد الضحوة الْعَالِيَة بالآلاى الْكَبِير والنوبة وَجَمِيع عَسَاكِر مصر وَغَيرهم فِي موكب أتم مَا سَمِعت أذن من خبر وأبهى مَا لذ فِي عين ذِي نظر لابساً خلعة التبجيل والتكريم ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم فَنزل بداره السعيدة وَنُودِيَ باسمه فِي الْبِلَاد يسمعهُ الْحَاضِر والباد وبالزينة سَبْعَة أَيَّام وابتهجت الْقُلُوب بالفرح التَّام وسعت إِلَيْهِ الْخَاصَّة والأعيان مهنئين فرحين وهرعت الْعَامَّة لتقبيل أعتابه مستبشرين مرحين وَقد تشرفت بمديحه حبا ووداً وَرويت عَن بَحر أصبح مَد غَيره عِنْده جزراً وجزره عِنْد غَيره مدا فَقلت // (من الطَّوِيل) //
(سرَتْ نسمةٌ مِنْكُم تهْبُّ بإقبالِ ... شذا مِنْ شميمِ الرندِ والشيحِ والحالِ)
(تحدث عَن برقاء منجد فالقُصَى ... من الدوحِ فالعرجينِ فالوشْمِ فالخالِ)(4/584)
(مسارحُ آرام ملاعِبُ صِبْيَةٍ ... مطاردُ فرسانٍ معاطنُ أجمالِ)
(مواردها عدٌّ وعشبُ رياضِها ... أثيثٌ سقَاهُ الجودُ من فرغِهِ الدالِى)
(عفَتْ غيرَ رسْمٍ خافتِ الظلِّ قالصٍ ... ومثلومِ نُؤْىٍ تَحت أنضاءِ أطلالِ)
(وَسُفْعِ أثافٍ كالحماحِمِ جُثَّم ... وأَشْعَث مشجوج الْقَفَا نَاخِر بالي)
(ثلاثٌ تشكَّى أَرْبعا تنتهبنها ... وَحَيًّا وتكسوهُنَّ مغبر أسمالِ)
(خلَتْ دمنتاها عَن سوَى أرقطِ المِطا ... وجَيْئَلَ خمعاء وشَيْهَم عَسَّالِ)
(سَقَاهَا من الوسمىِّ صائبُ نوئه ... بمرتجسٍ داني النِّشَاصَيْن مسبالِ)
(وَلَا برحَتْ عَيْني يسحُّ وَلِيُّهَا ... بدَمْعٍ على تلكَ المناهِلِ مُنْهَالِ)
(منازلُ بَيْضَاء العوارضِ أرهفَتْ ... معاطفها واسْتُبْدِعَتْ حسنَ أجدالِ)
(تبدَّتْ مَعَ الأترابِ تُرجعُ لحظَهَا ... تَخَاوُصَ أدماءِ السوالِفِ مطفالِ)
(وبينَ الوشاحِ الملتوي غُصْن بانةٍ ... وثنى الْإِزَار المرتوي حقفه العالِي)
(وتحْتَ اللثامِ الجوْن دُرٌّ لثَاتُهَ ... أُسِفَّتْ بمرموقٍ سقى صرف جريالِ)
(أسالَتْ على الخدِّ الأسيلِ مدامعاً ... تعاتبني سِرًّا بهَا عتْبَ إدلالِ)
(وَقد قربَتْ يمنَى يَديهَا بضمِّها ... إِلَى صَدْرها الْخَالِي فزادَ بهَا حَالي)
(وعضَّتْ بدرِّ الثغر فِضَّة معصمٍ ... لَهَا كادَ يثنيه السوارُ عَلَى بالي)
(وَمَا أنْسَ لَا أنسى الهوَى ومعاهداً ... تذكِّرنيها فِكْرتى عَصْرَهَا الْخَالِي)
(فَمَالِي ووَصْل الغانياتِ وَإِنَّمَا ... مصايِدُهَا بَيْنَ الشبيبةِ والمالِ)
(تنعمْتُ فِي ليلِ الشبابِ فراعَنِى ... طلوعُ صباحِ الشيبِ من غَيْر إمهالِ)
(وَمَا كانَ إِلَّا وصلُهُ فجفاؤُهُ ... وَمَا كانَ إقبالٌ لَهُ غَيْر إجفالِ)
(تملَّصَ مني ثمَّ مَرًّ فَلَو يشا ... شريفُ الصَّفَا والركْنِ عَوَّدَ فِي الحالي)
(أَبَا غالِبٍ سلطانَ مكَّةَ أَحْمد بْن ... غَالِبَ راعيها الحفى الدَّائِل الدالي)
(تسنَّى ذُرَى العلياءِ قدماً وتالياً ... إِلَى أَن تَلا مِنْ ملكهَا السَّنَد العالي)
(فَسَارَ عَلَى عرضِ الفلاةِ مراوحاً ... فَمن سرجِ منقالٍ إِلَى كورِ مرقالِ)
(ووالَتْهُ من أبنا أبِيهِ عصائبٌ ... ذَوُو نجداتٍ صادقو الفِعْلِ والقالِ)
(مساعيرُ حَرْبٍ لَا يرجَّى طعينُهُمْ ... مساميعُ للداعِى مساميحُ بالنَّالِ)
(ميامينُ بَسَّامُونَ فِي السِّلْمِ والوغَى ... جحاجحةٌ قُحٌّ هُمُ خيرةُ الآلِ)(4/585)
(حِمَى الضَّيْم إِن ياطا مواطئ خَيْلهم ... من الأرضِ فاستوبى لَهُم قَالَةَ القالِ)
(فَمَا خِيطَتِ الأجفانُ منهُمْ عَلَى القذا ... وَلم يشْربُوا الترنيقَ من وِرْدِ أوشالِ)
(وَلم يبرحُوا فِي ثَبْتِ طَولٍ ومنعةٍ ... بأمرإِ عيشٍ فِي محلٍّ وترحالِ)
(فأولاه ملك الرومِ مُلْكَ جدودِهِ ... وَقمَّصَهُ للعزِّ أَشْرَف سربالِ)
(أصابَ بِهِ المغزَى كَمَا وَضَعَ الهنا ... على النقْبِ من جربائة الهانئ الطالِى)
(فَعبر عَنْ أسمائِهِ كُلُّ منبرٍ ... وأفصَحَ عَن آلائِهِ كُلُّ ذِي قَالَ)
(ليهنِكَ بلْ يهنى الخلافَةَ أَنَّهَا ... أَوَتْ مِنْك للبرِّ الرضى الْحَائِط الكالي)
(فَلَا نعمةٌ إِلَّا وأنْتَ وليُّهَا ... ومَكْرُمَةٌ إِلَّا وأنْتَ لَهَا وَالِي)
(فَللَّه حمْدٌ يملأُ اللوْحَ دائمٌ ... وشكْرٌ لَهُ فِي بَدْءِ نعماه والتالي)
(أُحِبُّكُمُ حُبَّيْن حبَّ فريضةٍ ... بِهِ ألزمَ الله الورَى أمرَهُ العالي)
(وحُبُّ صفاتٍ أنتَ مفردُ جمعهَا ... غدوْتُ بهَا فى حُبِّكَ المفرِطَ الغالي)
(إليكَ مِنَ الودِّ الصريحِ خَدِيمةً ... لَهَا فِي مثانِى الطِّرْسِ مِشْيَةُ مختال)
(جواهرُ أصدافٍ من الفكْرِ نضدَتْ ... فَمَا خانها سلكٌ وَلَا ريب إغلالِ)
(مخدَّرة حَرَّمْتُ رفعَ نقابها ... ففكَّرْتُ واستصْوَبْتُ بالمدحِ إحلالي)
(هَدِيَّة مَنْ يَدْعُو لمجدِكَ بالعلا ... وعيشك فِي سِتْرٍ من العزِّ ذَيَّالِ)
ثمَّ عزل فِي يَوْم دُخُوله الْمَذْكُور عَن تَدْبِير كرْسِي السياسة حاكمها الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر وقلد منصبها عَبده الْقَائِد سنبل فَقَامَ بهَا أتم قيام فِي أبهى مظهر وأبهج نظام وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور عزل عَن منصب الدوادرية أَحْمد بن مصطفى المولتاتي فعل متيقظ حَازِم فتي وقلد منصبها خادمه أَبَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد طَاهِر الشهير بالبربتي وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع شَوَّال ادَّعَت عَسَاكِر مصر على الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر سَبَبِيَّة قتل الْبَغْدَادِيّ مُحَمَّد أغا وَنهب بَيته فَدخل على مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد ابْن السَّيِّد سعيد ابْن شنبر فَمَنعهُمْ عَنهُ وَقَالَ إِن يكن لكم عَلَيْهِ وده فعلى يَد مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته فَحَضَرُوا فَلم يثبت لَهُم عَلَيْهِ وَجه فخلص ثمَّ أنفذت المكاتيب إِلَى أهل الْإِدْرَاك ومشايخ العربان فأطاع كل عَاص ودان من كل قاص ودان وَبعث الْجنُود ورتبها فِي كل وجهة ومخلاف فأمنت الْبِلَاد(4/586)
والطرق وَللَّه الْحَمد مِمَّا يحاذر وَيخَاف وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر الشَّهْر الْمَذْكُور تقلد منصب الوزارة المكية الحسنية الغالبية الخواجا إِبْرَاهِيم بن عَليّ حميدان وأفيض عَلَيْهِ فرو من السمور وفقنا الله وإياه للسداد فِي جَمِيع الْأُمُور وانفصل عَنْهَا يُوسُف بن عبد الله الشهير بالسقطي وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر الشَّهْر الْمَزْبُور أَمر متع الله بحياته بِكَسْر أواني المزور وَالْخُمُور وتشتيت العواهر من بَنَات الخطا والفجور وَمن رُؤِيَ بعد ثَلَاث صلب عل بَاب دَاره فترحل بَعضهنَّ عَن الْبِلَاد وانكمش بَعضهنَّ عَن ذَلِك التظاهر وَفَارق بَيته فتقاصر عَنهُ ترداد المرتاد فجزاه الله تَعَالَى خيرا عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وأيد بِهِ مِلَّة جده سيد الْمُرْسلين وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشري شَوَّال كَانَ حُصُول الْفرج مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمولانا السَّيِّد مُحَمَّد البزنجى وَذَلِكَ أَنه لما دخل عَلَيْهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ مَحْبُوس بذلك الْمحل الْمُتَقَدّم ذكره أخرج من آخِره إِلَى مَحل أروح وأنور فاستمر بِهِ ثمَّ إِنَّه عهد إِلَى بعض أحبائه أَن يُعِد لَهُ فِي ذِي الحليفة الْمحل الْمُسَمّى عِنْد الْعَامَّة أبيار على ناقتين بالأهبة وَأَن يحضر لَهُ تَحت القلعة حصاناً بعدته وسلاحه فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة تدلي من السُّور إِلَى خَارج وَركب الحصان وتقلد السَّيْف وتنكب الْقوس واعتقل الرمْح وَسَار إِلَى ذِي الحليفة ثمَّ مِنْهَا عَلَى الركائب سالكا طَرِيق الْفَرْع واتجه بولده فِي الطَّرِيق بقرية خليص وَكَانَ قد خرج من الْمَدِينَة قبله بِثَلَاثَة أَيَّام بأَمْره خشيَة أَن يمسك عوضه إِذا فقدوه فوصلا إِلَى مَكَّة تَاسِع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور وفيهَا يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة الْحَرَام أَمر بِقطع عبد أسود سَارِق فَقطع يَدَاهُ وَرجلَاهُ ثمَّ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ قطع سَارِق آخر حبشِي الْجِنْس يَده وَرجله من خلاف ثمَّ فِي يَوْم السبت ثامن الشَّهْر الْمَزْبُور كَانَ وُصُول القفطان والمراسيم السُّلْطَانِيَّة صُحْبَة سُلَيْمَان أغا سلخور فَدخل بالآلاى الْعَظِيم والمنظر الْبَهِي الوسيم وَوصل إِلَى مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بِالْحَطِيمِ وَقد فتح الْبَيْت السعيد وغص الْمجْلس بالسادة الْأَشْرَاف نخبة آل عبد منَاف(4/587)
وأفندي الشَّرْع وَشَيخ الْحرم والسادة الْعلمَاء والأعيان والأغوات والسرادير وكبار العساكر فألبس مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته القفطان السلطاني على فرو من السمور وَنشر المرسوم الخاقاني وقرئت مِنْهُ تِلْكَ السطور فِيهِ بعد تعداد نعوت مَوْلَانَا الحميدة وَالثنَاء عَلَى جميل مزاياه المجيدة التَّصْرِيح بِأَنا قد أنعمنا بِولَايَة الْحَرَمَيْنِ الشريفين عَلَيْكُم وأسندنا حماية المحلين المنيفين إِلَيْكُم والحث عَلَى الْقيام بِوَاجِب السَّادة الْأَشْرَاف الذابين عَن حمى هَذِه الأكناف وَالْوَصِيَّة بالعلماء والصلحاء والمجاورين وحماية الْحجَّاج وَالزُّوَّارِ والمسافرين والالتفات إِلَى تَأْمِين الطّرق والبلدان وقمع أشقياء العربان أهل العتو والطغيان مؤرخاً من السّنة الْمَذْكُورَة بأوائل شهر رَمَضَان الْمُعظم قدره ثمَّ ألبس مَوْلَانَا متع الله بحياته حَضْرَة أفندى الشَّرْع والقابجى السلطاني وكيخة الباشا أفرية من السمور ثَلَاثَة من غير تَأْخِير وَلَا ملاثة وألبس مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الشيبي وَابْنه الشَّيْخ الْأَجَل عبد الْمُعْطِي وَجَمِيع السرادير والشرابجة والجواويش وأرباب المناصب القفاطين عَلَى القانون وَالْعَادَة ثمَّ دعِي لمولانا السُّلْطَان الْأَعْظَم سُلَيْمَان خَان بن إِبْرَاهِيم خَان ولمولانا الشريف متع الله بحياته على بَاب الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ذَات السِّيَادَة وَكَانَ يَوْمًا فِي نِهَايَة الْحسنى وَزِيَادَة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور أَمر مَوْلَانَا الشريف متع الله بحياته بِحُضُور الْخَاصَّة والعامة عِنْد الْحطيم للدُّعَاء لنصرة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَعْظَم كل يَوْم إثنين وخميس بعد صَلَاة الْحَنَفِيّ عَامله الله تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفي وَكَانَ بِهِ نعم الحفي آمين(4/588)