خلدَة بن الْحَارِث بن سَواد وعصيمة حَلِيف لَهُم من أَشْجَع ووديعة بن عَمْرو حَلِيف لَهُم من جُهَيْنَة وثابت بن عَمْرو بن زيد بن عدي بن سَواد وَزَعَمُوا أَن أَبَا الْحَمْرَاء مولى الْحَارِث بن عفراء شهد بَدْرًا وَمن بني عَامر بن مَالك بن النجار وعامر مبذول ثمَّ من بني عتِيك بن عَمْرو بن مبذول ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن مُحصن بن عَمْرو الْعَتكِي وَسَهل بن عتِيك بن عَمْرو ابْن النُّعْمَان والْحَارث بن الصمَّة بن عَمْرو بن عتِيك كسر بِهِ فِي الروحاء فَضرب لَهُ رَسُول الله
بسهمه وأجره وَمن بني عَمْرو بن مَالك بن النجار وهم بَنو حديلة ثمَّ من بني قيس بن عبيد ابْن زيد مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مَالك بن النجار أبي بن كَعْب بن قيس وَأنس بن معَاذ بن أنس بن قيس وَمن بني عدي بن عَمْرو بن مَالك بن النجار أَوْس بن ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام ابْن عَمْرو بن زيد مَنَاة بن عدي وَأَبُو شيخ بن أبي ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام أَخُو حسان بن ثَابت وَأَبُو طَلْحَة وَهُوَ زيد بن سهل بن الْأسود بن حرَام وَمن بني عدي بن النجار ثمَّ من بني عدي بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار حَارِثَة بن سراقَة بن الْحَارِث بن عدي بن مَالك بن عدي بن عَامر وَعَمْرو بن ثَعْلَبَة ابْن وهب بن عدي وَهُوَ أَبُو حَكِيم وَأَبُو سليط وَهُوَ أسيرة بن قيس بن عَمْرو وَعَمْرو أَبُو خَارِجَة بن قيس بن مَالك بن عدي بن عَامر وثابت بن خنساء بن عَمْرو ابْن مَالك بن عدي بن عَامر وعامر بن أُميَّة بن زيد بن الحسحاس بن مَالك بن عدي ابْن عَامر ومحرز بن عَامر بن مَالك بن عدي وَسَوَاد بن غزيَّة بن أهيب حَلِيف لَهُم من بلي وَيُقَال سَواد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار أَبُو زيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء بن حرَام وَأَبُو الْأَعْوَر بن الْحَارِث بن ظَالِم بن عبس بن حرَام وسليم بن ملْحَان وَحرَام بن ملْحَان وَمن بني مَازِن بن النجار ثمَّ من بني عَوْف بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن ابْن النجار قيس بن أبي صعصعة وَاسم أبي صعصعة عَمْرو بن زيد بن عَوْف(2/91)
وَعبد الله بن كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف وعصيمة حَلِيف لَهُم من بني أَسد بن خُزَيْمَة وَمن بني خنساء بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن أَبُو دَاوُد عُمَيْر بن عَامر بن مَالك بن خنساء وسراقة بن عَمْرو بن عَطِيَّة بن خنساء وَمن بني ثَعْلَبَة بن مَازِن بن النجار قيس بن مخلد بن ثَعْلَبَة بن صَخْر بن حبيب ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة وَمن بني دِينَار بن النجار ثمَّ من بني مَسْعُود بن عبد الْأَشْهَل بن حَارِثَة بن دِينَار ابْن النجار النُّعْمَان بن عبد عَمْرو بن مَسْعُود وَالضَّحَّاك بن عبد عَمْرو بن مَسْعُود وسليم بن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن حَارِثَة بن دِينَار وَهُوَ أَخُو الضَّحَّاك والنعمان ابْني عبد عَمْرو لِأُمِّهِمَا وَجَابِر بن خَالِد بن عبد الْأَشْهَل بن حَارِثَة وَسعد بن سُهَيْل بن عبد الْأَشْهَل وَمن بني قيس بن مَالك بن كَعْب بن حَارِثَة بن دِينَار بن النجار كَعْب بن زيد بن قيس وبجير بن أبي بجير حَلِيف لَهُم من عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ثمَّ من بني جذيمة بن رَوَاحَة قَالَ ابْن إِسْحَاق فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا قَالَ ابْن هِشَام وَأكْثر أهل الْعلم يذكر فِي الْخَزْرَج ببدر فِي بني العجلان بن زيد ابْن غنم عتْبَان بن مَالك بن عَمْرو بن العجلان ومليل بن وبرة بن خَالِد بن العجلان وعصمة بن الْحصين بن وبرة بن خَالِد بن العجلان وَفِي بني حبيب بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج وهم من بني زُرَيْق وهلال بن الْمُعَلَّى بن لوذان بن حَارِثَة بن عدي بن زيد بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن حبيب قَالَ ابْن إِسْحَاق فَجَمِيع من شهد بَدْرًا من الْمُسلمين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن ضرب لَهُ بسهمه وأجره ثَلَاثمِائَة رجل وَأَرْبَعَة عشر رجلا ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ من الْمُهَاجِرين وَمن الْأَوْس وَاحِد وَسِتُّونَ وَمن الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين يَوْم بدر مَعَ رَسُول الله
من قُرَيْش ثمَّ من بني الْمطلب بن عبد منَاف عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب قَتله عتبَة بن ربيعَة قطع رجله فَمَاتَ بالصفراء(2/92)
وَمن بني زهرَة بن كلاب عُمَيْر بن أبي وَقاص بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة أَخُو سعد بن أبي وَقاص بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة وَذُو الشمالين بن عبد عَمْرو بن نَضْلَة حَلِيف لَهُم من خُزَاعَة وَمن بني عدي بن كَعْب بن لؤَي عَاقل بن البكير حَلِيف لَهُم من بني سعد بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وَمهجع مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَمن بني الْحَارِث بن فهر صَفْوَان بن بَيْضَاء وَمن الْأَنْصَار ثمَّ من بني عَمْرو بن عَوْف سعد بن خَيْثَمَة ومبشر بن عبد الْمُنْذر ابْن زبير وَيُقَال مرّة بن زنبر وَمن بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج يزِيد بن الْحَارِث وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن فسحم وَمن بني سَلمَة ثمَّ من بني حرَام بن كَعْب بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة عُمَيْر بن الْحمام وَمن بني حبيب بن عبد حَارِثَة رَافع بن الْمُعَلَّى وَمن بني النجار حَارِثَة بن سراقَة بن الْحَارِث وَمن بني غنم بن مَالك بن النجار عَوْف ومعوذ ابْنا الْحَارِث بن رِفَاعَة بن سَواد وهما ابْنا عفراء نقل صَاحب تَارِيخ الْخَمِيس الْعَلامَة حُسَيْن بن مُحَمَّد الديار بكري عَن الْجلَال الدواني عَن كبار مشايخه أَن الدُّعَاء مستجابٌ عِنْد ذكر أَصْحَاب بدر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ونفعنا بهم تسميةُ من قتل من الْمُشْركين يَوْم بدر من قُرَيْش ثمَّ من بني عبد شمس بن عبد منَاف حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان بن حَرْب(2/93)
ابْن أُميَّة بن عبد شمس قَتله زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله
وَيُقَال اشْترك فِيهِ حَمْزَة وَعلي وَزيد قَالَه ابْن هِشَام وَعتبَة بن ربيعَة بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس وَأَخُوهُ شيبَة بن ربيعَة وَابْنه الْوَلِيد بن عتبَة والْحَارث وعامر ابْنا الْحَضْرَمِيّ حليفان لَهُم قتل عَامِرًا عمارُ بن يَاسر وَقتل الْحَارِث النُّعْمَان بن عصر حَلِيف الْأَوْس فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وَعُمَيْر بن أبي عُمَيْر وَابْنه موليان لَهُم قتل عُمَيْرًا سَالم مولى أبي حُذَيْفَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعبيدَة بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس قَتله الزبير ابْن الْعَوام وَالْعَاص بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَعقبَة بن أبي معيط قَتله عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح أَخُو بني عَمْرو بن عَوْف صبرا قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ابْن إِسْحَاق وَعتبَة بن ربيعَة قَتله عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قَالَ ابْن هِشَام اشْترك فِيهِ هُوَ وَحَمْزَة وَعلي قَالَ ابْن إِسْحَاق وَشَيْبَة بن ربيعَة قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب والوليد بن عتبَة ابْن ربيعَة قَتله عَليّ بن أبي طَالب وعامر بن عبد الله حَلِيف لَهُم من بني أَنْمَار ابْن بغيض قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل قَتله فِيمَا يذكرُونَ خبيب بن أساف أَخُو بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَطعيمَة بن عدي بن نَوْفَل قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَيُقَال حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمن بني أَسد بن عبد الْعزي زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب بن أَسد قَالَ ابْن هِشَام قَتله ثَابت بن الْجذع أَخُو بني حرَام وَيُقَال اشْترك فِيهِ عَليّ وَحَمْزَة وثابت قَالَ ابْن إِسْحَاق والْحَارث بن زَمعَة قَتله عمار بن يَاسر فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وَعقيل بن الْأسود بن الْمطلب قَتله حَمْزَة وَعلي وَأَبُو البخْترِي العَاصِي بن هِشَام قَتله المجذر بن ذياد البلوي وَنَوْفَل بن خويلد بن أَسد وَهُوَ ابْن العدوية عدي خُزَاعَة أَخُو خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ من شياطين قُرَيْش وَهُوَ الَّذِي قرن أَبَا بكر الصّديق وَطَلْحَة بن عبيد الله حِين أسلما فَكَانَا يسميان القرينين(2/94)
لذَلِك قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَمن بني عبد الدَّار بن قصي النَّضر بن الْحَارِث بن كلدة بن عَلْقَمَة بن عبد منَاف ابْن عبد الدَّار قَتله عَليّ بن أبي طَالب صبرا عِنْد عود رَسُول الله
بالصفراء فِيمَا يذكرُونَ قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة بن كلدة وَزيد بن مليص مولي عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار قَتله بِلَال بن رَبَاح مولى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقيل قَتله الْمِقْدَاد بن عَمْرو قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن تيم بن مرّة عُمَيْر بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد ابْن تيم قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَيُقَال قَتله عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعُثْمَان بن مَالك بن عبيد الله بن عُثْمَان بن كَعْب قَتله صُهَيْب بن سِنَان وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة أَبُو جهل بن هِشَام واسْمه عَمْرو بن هِشَام ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم ضربه معَاذ بن عَمْرو بن الجموح فَقطع رجله وضربَ ابنُه عِكْرِمَة يَد معَاذ فطرحها ثمَّ ضربه معوذ بن عفراء حَتَّى أثْبته وَتَركه وَبِه رَمق ثمَّ ذفف عَلَيْهِ عبد الله بن مَسْعُود واحتز رَأسه حِين أَمر رَسُول الله
بن أَن يلْتَمس فِي الْقَتْلَى والعاصي بن هِشَام بن الْمُغيرَة قَتله عمر بن الْخطاب وَيزِيد بن عبد الله حَلِيف لَهُم من بني تَمِيم قَالَ ابْن هِشَام ثمَّ أحد بني عَمْرو ابْن تَمِيم وَكَانَ شجاعاً قَتله عمار بن يَاسر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَبُو مسافع الْأَشْعَرِيّ حَلِيف لَهُم قَتله أَبُو دُجَانَة السَّاعِدِيّ وحرملة بن عمر حَلِيف لَهُم قَتله خَارِجَة بن زيد بن أبي زُهَيْر أَخُو بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَيُقَال قَتله عَليّ بن أبي طَالب قالهما ابْن هِشَام وحرملة من بني الْأسد ومسعود بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَأَبُو قيس بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة قَتله عمار بن يَاسر وَيُقَال عَليّ بن أبي طَالب وَرِفَاعَة بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم قَتله سعد ابْن الرّبيع أَخُو بلحارث بن الْخَزْرَج فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام(2/95)
وَالْمُنْذر بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ قَتله معن بن عدي بن الْجد بن العجلان حَلِيف لَهُم وَعبد الله بن الْمُنْذر بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ قَتله عَليّ بن أبي طَالب والسائب ابْن أبي السَّائِب بن عَائِذ قَالَ ابْن هِشَام والسائب بن أبي السَّائِب شريك رَسُول الله
الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث فِيهِ عَن رَسُول الله
نعم الشريكُ السائبُ لَا يشاري وَلَا يُمَارِي وَكَانَ أسلم فَحسن إِسْلَامه فِيمَا بلغنَا قَالَ وَذكر ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن السَّائِب بن أبي السَّائِب بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم مِمَّن بَايع رَسُول الله
من قُرَيْش وَأَعْطَاهُ يَوْم الْجِعِرَّانَة من غَنَائِم حنين وَذكر غير ابْن إِسْحَاق أَن الَّذِي قَتله الزبير بن الْعَوام قَالَ ابْن إِسْحَاق وَالْأسود بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب وحاجب بن السَّائِب قَتله عَليّ بن أبي طَالب وعويمر بن السَّائِب بن عُوَيْمِر قَتله النُّعْمَان بن مَالك القوقلي مبارزة فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام وَعَمْرو بن سُفْيَان وَجَابِر بن سُفْيَان حليفان لَهُم من طيىء قتل عمرا يزِيد بن رُقَيْش وَقتل جَابِرا أَبُو بردة بن نيار وَمن بني سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي مُنَبّه بن الْحجَّاج بن عَامر ابْن حُذَيْفَة بن سعد بن سهم قَتله أَبُو الْيُسْر أَخُو بني سَلمَة وَابْنه العَاصِي بن مُنَبّه بن الْحجَّاج قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَنبيه بن الْحجَّاج قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَسعد بن أبي وَقاص اشْتَركَا فِيهِ فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام وَأَبُو الْعَاصِ بن قيس بن عدي ابْن سعد بن سهم قَتله عَليّ بن أبي طَالب وَيُقَال النُّعْمَان بن مَالك القوقلي وَيُقَال أَبُو دُجَانَة وَعَاصِم بن أبي عَوْف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم قَتله أَبُو الْيُسْر أَخُو بني سَلمَة وَمن بني جمح بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي أُميَّة بن خلف بن وهب(2/96)
ابْن حذاقة بن جمح قَتله رجل من الْأَنْصَار من بني مَازِن وَقيل قَتله معَاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشْتَركُوا فِيهِ وَابْنه عَليّ بن أُميَّة بن خلف قَتله عمار بن يَاسر وَأَوْس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح قَتله عَليّ ابْن أبي طَالب وَيُقَال قَتله الْحصين بن الْحَارِث بن الْمطلب وَعُثْمَان بن مَظْعُون اشْتَركَا فِيهِ فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام وَمن بني عَامر بن لؤَي مُعَاوِيَة بن عَامر حَلِيف لَهُم من عبد الْقَيْس قَتله عَليّ ابْن أبي طَالب وَيُقَال عكاشة بن مُحصن ومعبد بن وهب حَلِيف لَهُم من بني كلب بن عَوْف بن كَعْب بن عَامر بن لَيْث قَتله خَالِد وَإيَاس ابْنا البكير وَيُقَال أَبُو دُجَانَة قَالَ ابْن إِسْحَاق فَجَمِيع من أحصى لنا من قَتْلَى قُرَيْش يَوْم بدر خَمْسُونَ رجلا قَالَ ابْن هِشَام حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى عَن أبي عَمْرو أَن قَتْلَى بدر من الْمُشْركين كَانُوا سبعين رجلا والأسرى كَذَلِك وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَفِي كتاب الله عز وَجل ( {أوَ لمَا أَصابتكمُ مصِيبَة قد أَصَبتُم مثليها} يَقُول لأَصْحَاب أحد وَكَانَ من اسْتشْهد مِنْهُم سبعين رجلا يَقُول قد أصبْتُم يَوْم بدر مثلي من اسْتشْهد مِنْكُم بِأحد سبعين قَتِيلا وَسبعين أَسِيرًا قَالَ وأنشدني أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ لكعب بن مَالك // (من الْكَامِل) //
(فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ ... سَبْعُونُ عُتْبَةُ مِنْهُمُ وَالأّسْوَدُ)
قَالَ ابْن هِشَام يَعْنِي قَتْلَى بدر وَهَذَا الْبَيْت فِي قصيدة لَهُ فِي حَدِيث يَوْم أحد سأذكرها فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِمَّنْ لم يذكر ابْن إِسْحَاق من هَؤُلَاءِ السّبْعين الْقَتْلَى من بني عبد شمس بن عبد منَاف وهب بن الْحَارِث من بني أَنْمَار بن بغيض حَلِيف لَهُم وعامر بن زيد حَلِيف لَهُم من الْيمن وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى عقبَة بن زيد حَلِيف لَهُم من الْيمن وَعُمَيْر مولى لَهُم(2/97)
وَمن بني عبد الدَّار بن قصي نبيه بن زيد بن مليص وَعبيد بن سليط حَلِيف لَهُم من قيس وَمن بني تيم بن مرّة مَالك بن عبيد الله بن عُثْمَان أسر فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى فعد فِي الْقَتْلَى وَيُقَال وَعَمْرو بن عبد الله بن جُدعان وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة حُذَيْفَة بن أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة قَتله سعد بن أبي وَقاص وَهِشَام بن أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة قَتله صُهَيْب بن سِنَان وَزُهَيْر بن أبي رِفَاعَة قَتله أَبُو أسيد مَالك بن ربيعَة والسائب بن أبي رِفَاعَة قَتله عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وعائد بن السَّائِب بن عُوَيْمِر أسر ثمَّ افتدى فَمَاتَ فِي الطَّرِيق من جِرَاحَة جرحه إِيَّاهَا حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعُمَيْر حَلِيف لَهُم من طيىء وَخيَار حَلِيف لَهُم من القارة وَمن بني جمح بن عَمْرو سُبْرَة بن مَالك حَلِيف لَهُم وَمن بني سهم بن عَمْرو الْحَارِث بن مُنَبّه بن الْحجَّاج قَتله صُهَيْب بن سِنَان وعامر بن أبي عَوْف بن صبيرة أَخُو عَاصِم قَتله عبد الله بن سَلمَة الْعجْلَاني وَيُقَال أَبُو دُجَانَة تَسْمِيَة من أسر من الْمُشْركين يَوْم بدر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأسر من الْمُشْركين من قُرَيْش يَوْم بدر ثمَّ من بني هَاشم بن عبد منَاف عقيل بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب وَنَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَمن بني الْمطلب بن عبد منَاف السَّائِب بن عبيد بن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب ونعمان بن عَمْرو بن عَلْقَمَة بن الْمطلب وَمن بني عبد شمس بن عبد منَاف عَمْرو بن أبي سُفْيَان بن حَرْب والْحَارث بن أبي وجرة بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن عبد شمس وَيُقَال ابْن أبي وحرة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَأَبُو الْعَاصِ بن نَوْفَل بن عبد شمس وَأَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد الْعُزَّى ابْن عبد شمس وَمن حلفائهم أَبُو ريشة بن أبي عَمْرو وَعَمْرو بن الْأَزْرَق وَعقبَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْحَضْرَمِيّ(2/98)
وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف عدي بن الْخِيَار بن عدي بن نَوْفَل وَعُثْمَان بن عبد شمس ابْن أخي غَزوَان بن جَابر حَلِيف لَهُم من بني مَازِن بن مَنْصُور وَأَبُو ثَوْر حَلِيف لَهُم وَمن بني عبد الدَّار بن قصي أَبُو عَزِيز بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار وَالْأسود بن عَامر حَلِيف لَهُم وَيَقُولُونَ نَحن بَنو الْأسود بن عَامر بن عَمْرو بن الْحَارِث بن السباق وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي السَّائِب بن أبي حُبَيْش بن الْمطلب بن أَسد وَالْحُوَيْرِث بن عباد بن عُثْمَان بن أَسد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَسَالم بن شماخ حَلِيف لَهُم وَمن بني مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة خَالِد بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر ابْن مَخْزُوم والوليد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَعُثْمَان بن عبد الله بن الْمُغيرَة وَصَيْفِي ابْن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم وَأَبُو الْمُنْذر بن أبي رِفَاعَة بن عَائِذ وَأُميَّة بن أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة وَأَبُو عَطاء عبد الله بن أبي السَّائِب بن عَائِذ وَالْمطلب بن حنْطَب بن الْحَارِث بن عبيد بن عمر بن مَخْزُوم وخَالِد بن الأعلم حَلِيف لَهُم وَهُوَ فِيمَا يذكر كَانَ أول من ولى فَارًّا مُنْهَزِمًا وَهُوَ الَّذِي يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(لَسْنَا عَلَى الأّدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمُ)
قَالَ ابْن هِشَام ويروي ولسنا على الأعقاب وخَالِد بن الأعلم من خُزَاعَة وَيُقَال عقيلي قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب أَبُو ودَاعَة بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم كَانَ أول أَسِير افتدى من أُسَارَى بدر افتداه ابْنه الْمطلب بن أبي ودَاعَة وفروة بن قيس بن عدي بن حذاقة بن سعد بن سهم وحَنْظَلَة بن قبيصَة بن حذاقة وَالْحجاج بن الْحَارِث بن قيس بن عدى بن سعيد وَمن بني جمح بن عَمْرو بن هصيص عبد الله بن أبي خلف بن وهب بن حذاقة ابْن جمح وَأَبُو عزة عَمْرو بن عبد الله بن عُثْمَان بن أهيب بن حذاقة بن جمح والفاكه مولى أُميَّة بن خلف وَهُوَ يزْعم أَنه من بني الشماخ بن محَارب بن فهر(2/99)
ووهب بن عُمَيْر بن وهب وَرَبِيعَة بن دراج بن العنبس بن أهبان بن وهب وَمن بني عَامر بن لؤَي سُهَيْل بن عَمْرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسان بن عَامر بن أسره مَالك بن الدخشم أَخُو بني سَالم بن عَوْف وَعبد بن زَمعَة بن قيس بن عبد شمس وَمن بني الْحَارِث بن فهر الطُّفَيْل بن أبي قنيع وَعتبَة بن عَمْرو بن جحدم فَجَمِيع من حفظ لنا من الْأُسَارَى ببدر ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ رجلا قَالَ أبن هِشَام وَبَقِي من جملَة الْعدَد رجل لم أذكر اسْمه وَمِمَّنْ لم يذكر ابْن إِسْحَاق من الأسرى من بني هَاشم بن عبد منَاف عتبَة حَلِيف لَهُم من بني فهر وَمن بني الْمطلب بن عبد منَاف عقيل بن عَمْرو حَلِيف لَهُم وَأَخُوهُ تَمِيم بن عَمْرو وَابْنه وَمن بني عبد شمس بن عبد منَاف خَالِد بن أسيد بن أبي الْعيص وَأَبُو العريض يسَار مولى الْعَاصِ بن أُميَّة وَمن بني نَوْفَل بن عبد منَاف نَبهَان مولى لَهُم وَمن بني أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي عبد الله بن حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث وَمن بني عبد الدَّار عقيل حَلِيف لَهُم من الْيمن وَمن بني تيم بن مرّة مسافع بن عِيَاض بن صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم وَجَابِر بن الزبير حَلِيف لَهُم وَمن بني مَخْزُوم: قيس بن السَّائِب. وَمن بني جمح بن عَمْرو عَمْرو بن أبي بن خلف وَأَبُو رهم بن عبد الله حَلِيف لَهُم وحليف لَهُم آخر ذهب عني اسْمه وموليان لأمية بن خلف أَحدهمَا نسطاس وَأَبُو رَافع غُلَام أُميَّة بن خلف وَمن بني سهم بن عَمْرو أسلم مولى نبيه بن الْحجَّاج وَمن بني عَامر بن لؤَي حبيب بن جَابر والسائب بن مَالك(2/100)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَمن بني الْحَارِث بن فهر شَافِع وشفيع حليفان لَهُم من الْيمن قلت الْعجب من ابْن هِشَام أَنه لم يذكر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فِي جملَة الأسرى وَقد ذكر غَيره وَيدل لَهُ الحَدِيث الشريف
إِنِّي لم أَبَت من أَنِين الْعَبَّاس فاحللوا من وثَاقه أَو كَمَا قَالَ
وَكَانَ مِمَّا قيل فِي بدر من الشّعْر وترادَّ بِهِ الْقَوْم بَينهم لما كَانَ فِيهِ قَول حَمْزَة ابْن عبد الْمطلب يرحمه الله قَالَ ابْن هِشَام وَأكْثر أهل الْعلم بالشعر ينكرها ونقيضتها // (من الطَّوِيل) //
(أَلَمْ تَرَ أَمْراً مِنْ عَجَبِ الدَّهْرِ ... وَلِلْحَيْنِ أَسْبَابٌ مُبَيَّنَةُ الأَمْرِ)
(وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ قَوْماً أَفَادَهُمْ ... فَخَانُوا تَوَاصَوْا بِالْعٌ قُوقِ وبِالْكُفْرِ)
(عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُوناً لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ)
(وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إِلَيْنَا فالتقينا عَلَى قَدْرِ)
(فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيَّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالمثقَّفَةِ السُّمْرِ)
(وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِى الْهَامَ حَدُّهَا ... مُشَهَّرَةِ الأَلْوَانِ بَيِّنةِ الأَثْرِ)
(وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَىِّ ثَاوِياً ... وَشَيْبَةَ فِي قَتْلَى تَجَرْجَمَ فِي الْجَفْرِ)
(وَعَمْرٌ وثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِن حُمَاتِهِمْ ... فَشُقَّتْ جُيُوبُ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو)
(جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَىِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَام تَفَرَّعْنَ الْذَوَائِبَ مِنْ فِهْرِ)
(أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلالِهِمْ ... وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرِ)
(لِوَاءَ ضَلالٍ قَادَ إِبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ إِنَّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ)
(وَقَالَ لَهُمْ إِذْ عَايَنَ الأَمْرَ وَاضِحَاً ... بَرِئْتُ إِلَيْكُمْ مَا بِىَ الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ)
(فَإِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَإِنَّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ الله وَالله ذُو قَسْرِ)(2/101)
(فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتَّى تَوَرَّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرِ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ)
(فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفاً وَجَمْعُنَا ... ثَلاَثَ مِئِينٍ كالمُسَدَّمَةِ الزُّهْرِ)
(وَفِينَا جُنُودُ الله حِينَ يُمِدُّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثَمَّ مُسْتَوْضِح الذِّكْرِ)
(فَشَدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٌ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي)
فَأَجَابَهُ الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(أَلاَ يَالَقَوْمِي لِلصَّبَابَةِ والْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنِّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصَّدْرِ)
(وَلِلدَّمْعِ مِنْ عَيْنَيَّ جوداً كَأّنَّهُ ... فَرِيدٌ هَوى مِنْ سِلْك نَاظِمِهِ يَجْرِي)
(عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشَّمَائِلِ إِذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ)
(فَلاَ تَبْعَدّنْ يَا عَمْرَو مِنْ ذِي قَرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نِدّامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ)
(فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْكَ دَوْلّةً ... فَلاَ بُدَّ لِلأَيَّامِ مِنْ دوَل الدَّهْرِ)
(فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَاناً مِنْكَ ذَا سُبُلٍ وَعْرِ)
(فَإِنْ لاَ أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْكَ ثَائِراً ... وَلا أبْقِ بُقْيا فِي إِخَاءٍ وَلاَ صِهْرِ)
(وأَقْطَعُ ظَهْراً مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي)
(أَغَرَّهُمُ مَا جَمَّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصَّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْر؟ ! ِ)
(فَيَالَ لُوَيٍّ ذَبِّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لاَ تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ)
(تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمُ ... أَوَاسِيَّهَا والْبَيْتَ ذَا السَّقْفِ وَالسِّتْرِ)
(فَمَا لحليم قَدْ أَرَادَ هَلاَكَكُمْ ... فَلاَ تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبَ مِنْ عُذْرِ)
(وَجِدُّوا لِمَنْ عَادَيْتُمُ وَتَوازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعاً فِي التَّأَسِّي وَفِي الصَّبْرِ)
(لَعَلَّكُمُ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمُ ... وَلاَ شَيْء إِنْ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرو)
(بِمُطَّرِدّاتٍ فِي الأَكُفَّ كَأَنَّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيِّنَة الأَثْرِ)
(كَأَنْ مَدبَّ الذَّرِّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إِذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا لأَعْدَائِهَا الخُزْرِ)
قَالَ ابْن هِشَام أبدلنا فِي هَذِه القصيدة كَلمتين مِما رَوَى ابْن إِسْحَاق وهما الفَخر فِي آخر الْبَيْت الْعَاشِر وفَمَا لِحَلِيم فِي أول الْبَيْت الثَّانِي عشر لِأَنَّهُ نَالَ فيهمَا من النَّبِي(2/102)
قَالَ ابْن هِشَام وَلم أر أحدا من أهل الْعلم بالشعر يعرفهَا وَلَا نقيضتها وَإِنَّمَا كتبناها لِأَنَّهُ يُقَال إِن عَمْرو بن عبد الله بن جدعَان قتل يَوْم بدر وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْقَتْلَى وَذكره فِي هَذَا الشّعْر قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب // (من الطَّوِيل) //
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلاَءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وذِي فَضْلِ؟ !)
(بِمَا أَنْزَلَ الْكُفَّارَ دَارَ مَذَلَّةٍ ... فَلاَقَوْا هَوَانَاً مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتل)
ْ
(فَأَمْسَى رَسُولُ الله قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ الله أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ)
(فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنَ الله مُنْزِلٍ ... مُبَيَّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ)
(فَآمَنَ أَقْوامٌ بِذاكَ وَأيْقَنُوا ... فَأَمْسُوا بِحَمْدِ الله مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ)
(وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلاً عَلَى خَبْلِ)
(وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يُوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوْمَاً غِضَاباً فِعلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ)
(بأَيديهِمُ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالجلاَءِ وَبِالصَّقْلِ)
(فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِىء ذِي حَمِيَّةٍ ... صَرِيعاً وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمُ كَهْلِ)
(تَبِيتُ عُيُونُ النَّائِحَاتِ عَلَيْهِمُ ... تَجُودُ بِإِسْبَالِ الرَّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ)
(نَوَائِح تَنْعَى عُتْبَةَ الغَي وَابنَهُ ... وَشَيبَةَ تَنعَاهُ وَتَنعَى أَبا جَهلِ)
(وَذَا الرجلِ تَنعَى وابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمُ ... مُسَلَّبَة حَرَّى مُبَيَّنَةَ الُّثكْل)
(ثَوَى مِنْهُمُ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوُو نَجَداتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ)
(دَعَا الْغَيُّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيِّ أَسْبَابٌ مُرَمَّقَةُ الْوَصْلِ)
(فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بمعزَلٍ ... عَنِ الشغْبِ وَالعُدْوَانِ فِي أَشْغَلِ الشُّغْلِ)
فَأَجَابَهُ الْحَارِث بن هِشَام بن الْمُغيرَة فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(عَجِبْتُ لأَقْوَامٍ تَغَنَّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرِ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلِ)
(تَغَنَّى بِقَتْلَى يَوْمِ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَام الْمَسَاعِي مِنْ غُلاَمٍ وَمِنْ كَهْلِ)(2/103)
(مَصَالِيتُ بِيضٌ مِنْ ذُؤَابَةِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينُ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمُ فِي المَحْلِ)
(أُصيبُوا كِرَاماً لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمٍ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدَّارِ وَالأَصْلِ)
(كَمَا أَصْبَحَتْ غَسَّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلاً مِنَّا فَيَا لَكَ مِنْ فِعْلِ)
(عُقُوقًأ وَإِثَّمًا بَيِّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ)
(فَإِنْ يْكُ قَوْمٌ قَدْ مَضّوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنَ الْقَتْلِ)
(فَلاَ تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلاً مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ)
(فَإِنَّكُمُ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتاً هَوَاكُمْ غَيْرَ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ)
(بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فعَالُهُ ... وَعُتْبَةَ وَالْمَدْعُوِّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ)
(وَشَيْبَةُ فِيهِمْ وَالْوَلِيدُ وَفِيهِمُ ... أُمَيِّةُ مَأْوَى المُقْتِرِينَ وَذُو الرِّجْلِ)
(أُولئِكَ فَابْكِ ثُمَّ لاَ تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُوا بِالرِّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ)
(وَقُولُوا لأَهْلِ الْمَكَّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إِلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النَّخْلِ)
(جَمِيعاً وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبِّبُوا ... بِخَالِصَةِ الأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصَّقْلِ)
(وَإلاَّ فَبِيتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلَّ لِوَطءِ الْوَاطِئِينَ مِنَ النَّعْلِ)
(عَلَى أَنَّنِي وَاللاتِ يَا قَوْمِ فَاعلَمُوا ... بِكُمْ وَاثقٌ ألاَّ تقيمُوا عَلَى تَبْلِ)
(سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسَّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبِيضِ والْبِيضِ الْقَواطِعِ وَالنَّبْلِ)
وَقَالَ ضرار بن الْخطاب بن مرداس أَخُو بني محَارب بن فهر // (من الطَّوِيل) //
(عَجِبْتُ لِفَخْرِ الأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرُ ... عَلَيْهِمْ غَدّا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ)
(وَفَخْرِ بَنِي النَّجَّارِ أَنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَابِرُ)
(فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنَّا رِجَالاً بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ)
(وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وِسْطَكُمْ ... بَنِي الأَوْسِ حَتَّى يَشْفِيَ النَّفْسَ ثَائِرُ)
(وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدَّارِعِينَ زَوَافِرُ)
(فَنَتْرُك صَرْعَى تَعْصِبُ الطيرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ الأَمَانِيَّ نَاصِرُ)(2/104)
(وَتَبْكِيهِمُ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنَّ بِهَا لَيْلٌ عَنِ النَّوْمِ سَاهِرُ)
(وَذَلِكَ أَنَّا لاَ تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنَّ دَمٌ مِمَّا يُحَارِبْنَ ماثِرُ)
(فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهْوَ ظَاهِرُ)
(وَبالنَّفَرِ الأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي اللأْوَاءِ وَالمَوْتُ حَاضِرُ)
(يُعَدُّ أبُّو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهمُ ... ويُدْعَى عَلِيُّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ)
(أُولئِكَ لاَ مَنْ نَتَّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حِينَ تُفَاخِرُ)
(وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إِذَا عُدَّتِ الأَنْسَابُ كَعْبٌ وعَامِرُ)
(هُمُ الطَّاعَنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلِّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الأَطْيَبُونَ الأكابِرُ)
فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك أَخُو بني سَلمَة فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(عَجِبْتُ لأَمْرِ الله وَالله قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لله قاهِرُ)
(قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلاَقِي مَعْشَرًا ... بَغَوا وسَبِيلُ الْبَغْيِ بِالنَّاسِ جَائِرُ)
(وَقَدْ حَشَدُوا وَاستَنْفَرُوا مَنْ يَلِيهمُ ... مِنَ النَّاسِ حَتَّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثِرُ)
(وَسَارَتْ إِلَيْنَا لاَ تُحاوِلُ غَيْرَنا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرٌ)
(وَفِينَا رَسُولُ الله وَالأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ)
(وَجَمْعُ بَنِي النَّجَارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يَمِيسُونَ فِي الْمَاذِيَّ وَالنَّقْعُ ثَائِرُ)
(فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَكُلُّ مُجَاهِدٌ ... لأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ)
(شَهِدْنَا بأَنَّ الله لاَ رَبَّ غَيْرُهُ ... وأَنَّ رَسُولَ الله بِالْحَقِّ ظَاهِرُ)
(وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ خَفَافٌ كَأَنَّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَينيْكَ شَاهِرُ)
(بِهِنَّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدوا ... وَكَانَ يُلاَقِي الْحَين مَنْ هُوَ فَاجِرُ)
(فَكبَّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعاً لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهوَ عَاثِرُ)
(وشَيْبَةَ والتَّيْمِيَّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمُ إِلاَّ بِذِي الْعَرْشِ كافِرُ)(2/105)
(فَأَمْسَوْا وَقُودَ النَّارِ فِي مُسْتَقَرِّهَا ... وَكُلُّ كَفُورٍ فِي جَهَنَّمَ صَائِرُ)
(تَلَظَّى عَلَيْهِمْ وَهْيَ قَدْ شَبَّ حَمْيَهَا ... بِزُبْرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ)
(وَكَانَ رَسُولُ الله قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلَّوْا وَقَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ سَاحِرُ)
(لأَمْرٍ أَرَادَ الله أَن يَهْلِكُوا بهِ ... وَلَيْسَ لأَمْرٍ حَمَّهُ الله زَاجِرُ)
وَقَالَ عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي يبكي قَتْلَى بدر قَالَ ابْن هِشَام وتروى للأعشى بن زُرَارَة بن النباش أحد بني أسيد بني عَمْرو بن تَمِيم حَلِيف بني نَوْفَل بن عبد منَاف قَالَ بن إِسْحَاق حَلِيف بني عبد الدَّار // (من الْكَامِل) //
(مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... منْ فِتيةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامِ)
(تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ ومُنَبِّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَة خَيْرَ خَصْم فِئَامِ)
(والْحَارِثَ الْفَيَّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدرِ جَلَّى لَيْلَةَ الإِظْلاَم)
(وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبِّهٍ ذَا مِرَّةٍ ... رًمْحّا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ)
(تَنْمِي بِهِ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الأخْوَالِ وَالأَعْمَامِ)
(وَإِذَا بَكَى باكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرَّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَام)
(حَيَّا الإِلهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبُّ الأَنامِ وَخَصَّهُ بِسَلاَمِ)
فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(إِبْكِ بَكَتْ عَيْنَاكَ ثُمَّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمٍ يَعُلُّ غُرُوبَهَا سَجَّامِ)
(مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الَّذِينَ تَتَابَعُوا؟ { ... هَلاَّ ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الأَقْوَام} ِ)
(وَذَكَرْتَ مِنَّا مَاجِدًا ذَا هِمَّةٍ ... سَمْح الْخَلاَئِقِ صَادِق الإقْدَامِ)
(أَعْنِي النّ بِيَّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنَّدَى ... وَأَبَرَّ مَنْ يُولِي عَلَى الأَقْسَامِ)
(فَلَمِثْلُهُ وَلَمِثْلُ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الممدَّحَ ثَمَّ غَيْرَ كَهَامِ)
وَقَالَ حسان بن ثَابت أيضَاً // (من الْكَامِل) //
(تَبَلَتْ فُؤَادَكَ فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ ... تَشْفِي الضَّجِيعَ بِبَارِدٍ بَسَّامِ)(2/106)
(كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءٍ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ)
(نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بَوْصُهَا مُتَنَضِّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الأَقْسَامِ)
(بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمَّ كَأَنَّهُ ... فُضُلاً إِذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ)
(وَتَكَادُ تكْسَلُ أَنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ)
(أَمَّا النَّهَارَ فَلاَ أُفَتِّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللَّيْل تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلاَمِي)
(أَقْسَمْتُ أَنْسَاهَا وَأَترُكُ ذِكْرَهَا ... حَتَّى تُغَيَّبَ فِي الضَّرِيحِ عِظَامِي)
(يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الهَوَى لُوَّامِي)
(بَكَرَتْ عَلَي بِسُحْرَةً بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الأَيَّامِ)
(زَعَمَتْ بأَنَّ الْمَرْءَ يُكْربُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لَمُعْتَكِرٍ مِنَ الأَصْرَامِ)
(إِنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ)
(تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ وَلجامِ)
(يَذَرُ الْعَنَاجِيجَ الْجِيَادَ بِقَفْرَةٍ ... مَرَّ الدَّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ)
(مَلأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدَّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبَّتُهُ بِشَرِّ مُقَامِ)
(وَبَنُو أبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الإِلَهُ بِهِ ذَوِي الإِسْلاَمِ)
(طَحَنَتْهُمُ وَالله يُنْفِذُ أَمْرَهُ ... حَرْبٌ يُشَبُّ سَعِيرُها بِضِرَامِ)
(لَوْلاَ الإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السِّبَاعِ وَدُسْنَهُ بِحَوَامِ)
(مِنْ بَيْنِ مَأْسُورٍ يُشَدُّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إِذَا لاَقَى الأَسِنَّةَ حَامِي)
(ومُجَدَّلٍ لاَ يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتَّى تَزُولَ شَوَامِخُ الأَعْلاَمِ)
(بِالْعَارِ وَالذُّلِّ الْمُبَيَّنِ إِذْ رَأَى ... بِيضَ السُّيُوفِ تَسُوقُ كُلَّ هُمَامِ)
(بِيَدَيْ أَغَرَّ إِذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ مِقْدَام)
(بِيضٌ إِذَا لاَقَتْ حَدِيداً صَمَّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظلام كُلِّ غَمَامِ)
فَأَجَابَهُ الْحَارِث بن هِشَام فِيمَا ذكر ابْن هِشَام فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(الله أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُمْ ... حَتَّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ)(2/107)
(وَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلاَ يُنْكِي عَدُوِّي مَشْهدِي)
(فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبَّةُ فِيهِمُ ... طَمَعَا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق قَالَهَا الْحَارِث يعْتَذر من فراره يَوْم بدر وتركهِ أَخَاهُ أَبَا جهل بن هِشَام قلت رَأَيْت فِي كتاب ألف با للبلوي نقلا عَن الْأَصْمَعِي وجماعات أحسن مَا قيل فِي الِاعْتِذَار عَن الْفِرَار قَول الْحَارِث بن هِشَام هَذِه الثَّلَاثَة الأبيات وَخَالفهُ من أَئِمَّة اللُّغَة وَالْأَدب خلف الْأَحْمَر وَمن تبعه فَقَالَ أحسن مَا قيل فِي الِاعْتِذَار عَن ذَلِك قَول هُبَيْرَة بن أبي وهب المَخْزُومِي زوج أم هانىء بنت أبي طَالب حَيْثُ يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(لَعَمْرُكَ مَا وَلَّيْتُ ظَهْرِي مُحَمَّدًا ... وَأَصْحَابَهُ جُبْنًا وَلاَ خِيفَةَ الْقَتْلِ)
(وَلَكِنَّنِي قَلَّبْتُ طَرْفي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي مَصَالاً إِنْ ضَرَبْتُ وَلاَ نَبْلِي)
(وَقَفْتُ فَلَمَّا خِفْتُ ضَيْعَةَ مَوْقِفِي ... فَرَرْتُ لِعَوْدٍ كَالهِزَبْرِ إِلَى الشِّبْلِ)
ولعمري كلتا القطعتين غايتان فِي الْمَعْنى المُرَاد مَا لبليغ إِلَى أفضل مِنْهُمَا منتجع وَلَا مُرَاد إِلَّا أَن الَّذِي يحدوني إِلَيْهِ فكري وذوقي ويجذبني بِردني وطوقي هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَصْمَعِي فَهَل أَنْت أَيهَا النَّاظر معي فَإِن معي على ذَلِك شُهُودًا معدله تثبت لعبد الْملك الْفَخر لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت أَيْضا // (من الوافر) //
(لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشَّدِيدِ)
(بِأَنَّا حِينَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ)
(قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارَا ... إِلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ)
(وَفَرَّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النَّجَّارِ تَخْطِرُ كَالأُسُودِ)
(وَوَلَّتْ عِنْدَ ذَاكَ جُمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ بَعِيدِ)
(لَقَدْ لاَقَيْتُمُ ذَلاًّ وَقَتْلاً ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ)
(وَكُلُ الْقَوْمِ قَدْ وَلَّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التَّلِيدِ)(2/108)
وَقَالَ طَالب بن أبي طَالب يمدح رَسُول الله
ويبكي أَصْحَاب القليب // (من الطَّوِيل) //
(أَلاَ إِنَّ عَيْنِي أَنْفّدَتْ دَمْعَهَا سَكْبَا ... تُبَكِّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إِنْ تَرَى كَعْبَا)
(أَلاَ إِنَّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمُ ذَا الدَّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبَا)
(وَعَامرُ تَبْكِي لِلْمُلِمَّات غُدْوَةً ... فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبَا؟ !)
(هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدَّا لِغَيَّةٍ ... تُعَدُّ وَلَنْ يُسْتَامَ جَارُهمُا غَصْبَا)
(فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلاَ ... فِدًى لَكُمَا لاَ تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبَا)
(وَلاَ تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدِّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيها كُلُّكُمْ يَشْتَكِي النَّكْبَا)
(أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومَ إِذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا)
(فَلَوْلاَ دَفَاعُ الله لَا شَيْء غَيْرُهُ ... لأَصْبَحْتُمُ لاَ تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا)
(فَمَا إِنْ جَنَيْنَا فِي قُرَيْشٍ عَظِيمةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِىءَ الترْبَا)
(أَخَا ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ مُرَزَّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لاَ بَخِيلاً وَلاَ ذَرْبَا)
(يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمُّونَ نَهْرًا لاَ نَزُورًا وَلاَ صَرْبَا)
(فَوَالله لاَ تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمَلُ حَتَّى تَصَدُقُوا الْخَزْرَجَ الضَّرْبَا)
وَقَالَ ضرار بن الْخطاب الفِهري يرثي أَبَا جهل // (من الطَّوِيل) //
(أَلاَ مَنْ لِعَينٍ بَاتَتِ الليْلَ لَمْ تَنمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنَ الظُّلَمْ)
(كَأَنَّ قَذّى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذّى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدَّمْعِ تَنْسَجِمْ)
(فَبَلِّغْ قُرَيشاً أَنَّ خَيْر نَدِّيهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ)
(ثَوى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْن خَوصاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ المسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلاَ بَرَمْ)
(فَآلَيْتُ لاَ تَنْهَلُّ عَيْني بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِك بَعْدَ الرَّئِيس أَبِي الَحكمْ)
(عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيَّ بْنَ غَالبٍ ... أَتَتْهُ المَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يرِمْ)
(تَرَى كِسَرَ الخَطِّيِّ فِي نحر مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لحمِهِ بَيْنَهَا خذَمْ)
(وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بيشَة ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبطْحَاءَ فِي أَجَمْ)
(بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقُمَاقِمَةِ البُهُمْ)
(فَلاَ تَجزْعُوا آلَ المغيرَةِ واصْبِروا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَليْهِ فَلَمْ يُلَمْ)(2/109)
(وَجِدُّوا فإنَّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ)
(وَقَدْ قُلْتُ إِنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزَّ الْمقام غَيْرَ شَكٍّ لِذِي فَهَمْ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت يرثي من أُصِيب من قُرَيْش يَوْم بدر // (من مجزوء الْكَامِل) //
(أَلاَّ بَكَيْتَ عَلَى الْكِرَامِ ... بَنِي الْكِرَامِ أُولِي المَمَادِحْ)
(كَبُكَا الحَمَامِ عَلَى فُروعِ ... الأَيْكِ فِي الْغُصنِ الجَوانِحْ)
(يَبْكِينَ حَرَّى مُسْتَكِينَاتٍ ... يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ)
(أمْثَالُهُنَّ البَاكِيَاتُ ... المُعْولاَتُ مِنَ النَّوائِحْ)
(مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِي عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلُّ مَادحْ)
(مَاذَا بِبَدْرٍ والْعَقَنْقَلِ ... مِنْ مَرَازِيَةٍ جَحَاجِحْ)
(فَمَدَافِعِ البَرْقين فَالْحَنَّانِ ... مِنْ طَرْفِ الأَوَاشِحْ)
(شُمْطٍ وشُبَّانٍ بَهَالِيلٍ ... مَغَاوِيرٍ وَحَاوِحْ)
(أَلاَّ تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلِّ لاَمِحْ)
(أَن قَدْ تَغَيَّرَ بَطْنُ مَكْكَةَ ... فَهْيَ مُوحِشَةُ الأَبَاطِحْ)
(مِنْ كُلِّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ... نَقِيِّ اللَّوْنِ وَاضِحْ)
(دُعْموصِ أَبْوَابِ المُلُوكِ ... وَجَائِبٍ لِلْخَرْقِ فَاتحْ)
(مِنَ السِّرَاطمةِ الخلاَجِمَةِ ... المَلاَوثَةِ المنَاجِحْ)
(القَائلينَ الفَاعِلينَ ... الآمِرِينَ بِكُلِّ صَالِحْ)
(أَلْمُطْعِمِينَ الشَّحْمَ فَوْقَ الْخبز شحما كالأنافخ)
(نقل الجفان مَعَ الجفان ... إِلى جَفَانٍ كالمنَاضِحْ)
(لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لمَنْ ... يَعْفُوا وَلاَ رحٍّ رَحَارِحْ)
(لِلضَّيْفِ ثُمَّ الضَّيْفِ بَعْدَ ... الضَّيْفِ والْبُسُطِ السَّلاَطِحْ)
(وهُبِ المِئينَ مِنَ المِئينَ ... إِلَى المِئينَ مِنَ اللَّوَاقِحْ)(2/110)
(سَوقَ المُؤبَّلِ لِلمْؤبْبَلِ ... صَادِرَاتٍ عَنْ بَلادِحْ)
(لِكرامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَامِ ... مَزِيَّةٌ وَزْنَ الرَّوَاجِحْ)
(كَتَثَاقُلِ الأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ... فِي الأَيْدِي المْوَائِحْ)
(خَذَلتْهُمُ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الفَضَائِحْ)
(ألضاربين التقدمية ... بالمنهدة الصفَائِح)
(وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ)
(لله دَرُّ بَنِي عَلِيٍ ... أَيَّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ)
(إنْ لَمْ يُغِيروا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلَّ نَابِحْ)
(بالمُقْربَاتِ المُبْعِدَاتِ ... الطَّامِحَاتِ مَعَ الطَّوَامِحْ)
(مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إِلَى ... أُسُدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ)
(وَيُلاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ المُصَافِحِ لِلْمُصَافِح)
(بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمَّ ألفٍْ ... بَينَ ذِي بدَنٍ وَرَامِحْ)
وَقَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت يبكي زَمعَة بن الْأسود وقتلى بني أسدة // (من الْخَفِيف) //
(عَينُ بَكِّي بِالمُسْبِلاتِ أَبَا الْحَارِثِ ... لاَ تَذْخَرِي عَلَى زَمَعَهْ)
(إِبْكِي عَقيلَ بْنَ أَسْوَدٍ أَسَدَ الْبَأْسِ ... لِيَوْمِ الهِياجِ وَالدَّفعَهْ)
(فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِم خَوَت الجَوْزَاءُ ... لاَ خَانَةٌ ولاَ خَدَعَهْ)
(وَهُمُ الأُسْرَةُ الوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ)
(أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرٍ شَعَرَ الرَّأْسِ ... وَهُمْ أَلْحَقُوهُمُ الْمَنعَهْ)
(فَبَنُو عَمِّهِمْ إِذَا حَضَرُوا الْبَأْسِ ... عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ)
(وَهمُ المُطْعِمُونَ إِنْ قَحَطَ الَقَطْرُ ... وَحَالَتْ فَلاَ تَرَى قَزَعَهْ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أَبُو أُسَامَة مُعَاوِيَة بن زُهَيْر بن قيس بن الْحَارِث بن سعد بن ضبيعة بن مَازِن بن عدي بن جشم بن مُعَاوِيَة حَلِيف بني مخزون قَالَ ابْن هِشَام وَكَانَ مُشْركًا وَكَانَ مهر بهبيرة بن أبي رهم منهزمون يَوْم بدر وَقد أعيي هُبَيْرَة(2/111)
فَقَامَ وَألقى عَنهُ درعه وَحمله وَمضى بِهِ قَالَ ابْن هِشَام وَهَذِه أصح أشعار أهل بدر // (من الوافر) //
(وَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ القَومَ خفُّوا ... وَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ)
(وأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ القَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنَّ خيارهم أَذْبَاحُ عِتْرِ)
(وَكَانَتْ جمة وَافَتْ حِمامًا ... وَلُقَّينَا المنَايَا يَوْمَ بَدْرِ)
(نَصُدُّ عَنِ الطَّرِيقِ وأَدُرَكُونَا ... كَأَنَّ زُهَاءهُمْ غَطيَانُ بَحْرِ)
(وَقَالَ القَائِلُونَ مَنِ ابْنُ قَيْسٍ؟ ... فقُلْتُ أَبُو أُسَامَةَ غَيْرَ فَخْر)
(أَنَا الجُشَمِيُّ كَيْمَا يَعْرِفُوني ... أُبَيِّنُ نسبتى نَفرا بِنَقرِ)
(فإِن تَكُ فِي الغَلاَصِمِ مِنْ قُرَيْشِ فَإِني مِنْ مُعَاويَةَ بْنِ بَكْرِ)
(فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمَّا غُشِينَا ... وَعِنْدَكَ مالِ إِنْ نَبَّأْتَ خُبْرِي)
(وأَبْلِغْ إِنْ عَرَضْتَ القَوْمَ عَنَّا ... هُبَيْرةَ وَهْوَ ذُو عِلْم وَقَدْرِ)
(بِأَنِّي إِن دعيتُ إِلَى أُفَيْدٍ ... كَرَرْتُ وَلمْ يَضقْ بِالكَرِّ صَدْري)
(عَشِيَّةَ لَا يُكَرُّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلاَ ذِي هِمَّةٍ مِنْهُمْ وَصِهرِ)
(فَدُونَكُمُ بَنِي لأي أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمَّ عَمْرو)
(فَلَوْلاَ مَشْهَدي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوقَّفَةُ القَوَائِمِ أُمُّ أَجْرِ)
(دَفُوعٌ للقُبُورِ بمَنْكِبَيْهَا ... كأَنَّ بوَجْهها تَحْمِيمَ قِدْرِ)
(فَأُقْسِمُ بالذِي قَدْ كَانَ ربِّي ... وأَنْصَابٍ لَدَى الجمرَاتِ مُغْرِ)
(لَسَوفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبي إَذَا مَا ... تَبَدّلَتِ الجلودُ جُلُودَ نمْر)
(فَمَا إِنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْد تَرْج ... مُدِلٌّ عَنبسٌ فِي الغيل مجرِي)
(فَقَدْ أَحْمَى الأَبَاءة من كُلافٍ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بنفرٍ)
(بِخلٍّ تعجز الحُلَفَاء عَنْهُ ... يَوَاثِبُ كُلَّ هجهَجَةٍ وَزَجْرِ)(2/112)
(بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنِّي إِذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ)
(ببيضٍ كالأَسِنَّة مُرْهَفاتٍ ... كَأَنَّ ظُبَاتِهِنَّ جحيمُ جَمْرِ)
(وأكلف مجنإ من جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءِ البُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ)
(وأَبْيَضَ كالغدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بالمداوِسِ نصْف شَهْر)
(أُرَفِّلُ فِي حَمَائِلِهِ وأمشي ... كَمِشْيَةِ خَادرٍ لَيْثٍ سِبْطْرِ)
(يَقُولُ لِيَ الفَتَى سَعْدٌ هَدِيًّا ... فَقُلْتُ لَعَلَّه تقريب غدر)
(وَقُلْتُ أَبَا عَدِيِّ لاَ تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إِنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي)
(كَدَأْبِهِمُ بِفَرْوةَ إِذْ أَتَاهُمْ ... فَظَلَّ يُقَادُ مَكْتوفًا بضفرِ)
وَقَالَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة ترثي أَبَاهَا يَوْم بدر // (من المتقارب) //
(أعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ)
(تَدَاعَى لهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبْ)
(يُذيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهمْ ... يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ)
(يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَابِ ... عَلَي وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ)
(وَكَانَ لَنَا جَبَلاَ رَاسِيًا ... جَمِيلَ المَرَاةِ كَثِيرَ العُشُبْ)
(فأمَّا بُريٌّ فَلَمْ أَعْنه ... فَأوتيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ)
وَقَالَت هِنْد أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(يَريبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشيء يغالبهْ)
(أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِب ... يُرَاعُ امْرُؤٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ؟ !)(2/113)
(أَلاَ رُبَّ يَوْم قَدْ رزِئْتُ مُرَزًّأً ... تَرُوح وتَغْدُو بِالجزِيلِ مَوَاهِبُهْ)
(فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلقهُ يَوْمًا فَسَوفَ أُعاتبُهْ)
(فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الحرْبَ إِنَّهُ ... لِكُلِّ امْرِىء فِي النَّاس مَوْلى يُطَالِبُهْ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَت أَيْضا // (من مجزوء الْكَامِل) //
(لله عَيْنَا مَنْ رَأَى ... هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليَهْ)
(يَا رُبَّ بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النَّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ)
(كَمْ غَادَرُوا يَومَ الْقَلِيبِ ... غَدَاةَ تِلْكَ الوَاعِيَهْ)
(مِنْ كُلِّ غَيْثٍ فِي السِّنينَ ... إِذَا الْكَوَاكِبُ خَاويَهْ)
(قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَاليومَ حقَّ حِذَارِيَهْ)
(قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الغَداةَ مُوَامِيهْ)
(بل رُبَّ قائلةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمِّ مُعَاويهْ)
وَقَالَت أيضَاً // (من الرجز)
(يَا عَينُ بَكي عُتبَهْ ... شَيْخًا شَديد الرَّقَبَهْ)
(يُطعِمُ يومَ المسْغَبهْ ... يَدْفعُ يومَ المغلبهْ)
(إِني عَلَيْهِ حَربَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مسْتلبهْ)
(لنهبطنَّ يثربَهْ ... بغارة منثعبَهْ)
(فِيهَا الْخُيُول مقربهْ ... كل جواد سلهبه)
وَقَالَت صَفِيَّة بنت مُسَافر بن أبي عَمْرو بن أْمية بن عبد شمس تبْكي أهل القليب الَّذين أصيبوا يَوْم بدر من قُرَيْش // (من الْبَسِيط) //
(يَا مَنْ لِعين قَذَاهَا عَائِرُ الرَّمَدِ ... حَدَّ النَّهَارِ وَقرنُ الشَّمْسِ لَمْ يَقد)
(أُخْبرْتُ أَنَّ سَرَاةَ الأكْرَمِينَ مَعاً ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إِلَى أَمَدِ)
(وَفَرّض بالقَوْمِ أَصْحَابُ الرِّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ)
(قومِي صَفِيَّ وَلاَ تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ)(2/114)
كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْت فَانقصفتْ ... فَأَصْبَحَ السّقف مِنْهَا غَيْرَ ذِي عُمُدِ)
وَقَالَت صَفِيَّة أَيْضا // (من الهزج) //
(أَلاَ يَا مَنْ لعينٍ لِلتْتَبكِّي ... دَمْعها فانْ)
(كَغَرْبَيْ دالِجٍ يَسْقِي ... خِلالَ الغَيثِ الدَّانْ)
(وَمَا لَيْثُ غَريفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَان)
(أَبُو شِبْلَين وَثَّابٌ ... شَديد البَطْش غرثانْ)
(كَحِبِّي إِذْ تَوَلَّى وَوُجُوهُ ... القَوْمِ أَلْوَانْ)
(وَبالكَفِّ حسام صَارِمٌ ... أَبْيَضُ ذُكْرَانْ)
(وَأنْتَ الطَّاعِنُ النَّجْلاَءَ ... مِنْهَا مُزْبِدٌ آنْ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَت هِنْد بنت أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب ترثي عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب // (من الطَّوِيل) //
(لَقَدْ ضُمِّن الصَّفْراء مجْدًا وَسُؤدَدًا ... وَحِلْمًا أصيلاً وَافِرَ اللُّبِّ وَالعقلِ)
(عُبيدةَ فابْكِيهِ لأَضيافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرملةٍ تهْوي لأشعثَ كالجذلِ)
(وَبكِّيه للأَقوام فِي كُلِّ شَتْوَةٍ ... إِذَا احْمَرَّ آفاقُ السَّمَاءِ مِنَ الْمحل)
(وَبَكِّيه للأَيْتَامِ وَالرِّيحُ زفزفٌ ... وَتَشْبِيبِ قدْرٍ طالما أزبَدَتْ تَغْلِي)
فَإِنْ تُصبح النيرانُ قد مَاتَ ضَوْءهَا ... فقد كَانَ يذكيهنَّ بِالحطَبِ الجَزْلِ)
(لِطَارِقِ لَيْلٍ أوْ لمُلتَمِس الْقرى ... وَمُستنبحٍ أَضحى لَدَيْهِ على رسلِ)
وَقَالَت قتيلة بنت الْحَارِث أُخْت النَّضر بن الْحَارِث // (من الْكَامِل) //
(يَا رَاكِبًا إِن الأثيل مظنةٌ ... مِنْ صبح خامسةٍ وَأَنت موفقُ)
(أَبْلغ بهَا مَيتا بأنَّ تحيَّةً ... مَا إِن تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تخفقُ)
(مِنِّي إِلَيْكَ وَعَبرة مسفوحةً ... جَادَتْ بوَاكِفها وأُخرَى تخنُقُ)(2/115)
(هَل يسمعنِّي النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يسمعُ ميِّت لَا ينْطق؟)
(أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضنء كَريمَةٍ ... فِي قَومهَا والفحل فَحل مُعْرِقُ)
(مَا كَانَ ضرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَربَّمَا ... مَنَّ الفتَى وهُوَ المغيظُ المحنقُ)
(أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِديَةٍ فَلَيُنْفَقَنْ ... بأَعَزِّ مَا يغلو بِهِ مَا يُنفق)
(فالنَّضْرُ أقرب مَنْ أَسرْتَ قَرَابَةً ... وَأَحقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْق يعتقُ)
(ظَلَّتْ سُيُوفُ بني أبِيهِ تنوشُهُ ... لله أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشقَّقُ)
(صَبْرًا يُقَادُ إِلَى المنيَّة مُتْعباً ... رَسْفَ المُقيِّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ)
قَالَ ابْن هِشَام فَيُقَال وَالله أعلم إِن رَسُول الله
لما بلغه هَذَا الشّعْر قَالَ لَو بَلغنِي هَذَا قبل قَتله لمننت عَلَيْهِ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ فرَاغ رَسُول
من بدر عقب شهر رَمَضَان فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة لم يقم بهَا إِلَّا سبع لَيَال حَتَّى غزا بِنَفسِهِ يُرِيد بني سُليم قَالَ ابْن هِشَام وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة سِبَاع بن عرفطة الْغِفَارِيّ أَو ابْن أم مَكْتُوم قَالَ ابْن إِسْحَاق فَبلغ مَاء من مِيَاههمْ يُقَال لَهُ الكدر فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاث لَيَال ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَلم يلق كيداً فَأَقَامَ بهَا شَوَّال وَذَا الْقعدَة وأفدى فِي إِقَامَته تِلْكَ جلّ الْأُسَارَى من قُرَيْش(2/116)
(أَمر بني قينقاع
قينقاع بِضَم النُّون فِي الْأَشْهر وَيجوز فتحهَا وَكسرهَا بطن من الْيَهُود لَهُم شجاعة وصبر \ خرج
يَوْم السبت نصف شَوَّال على رَأس عشْرين شهرا من الْهِجْرَة حَاصَرَهُمْ خمس عشرَة لَيْلَة فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فنزلوا على حكمه
وعَلى أَن لَهُ أَمْوَالهم وَلَهُم النِّسَاء والذرية فَلَحقُوا بأذرعات وَأخذ من حصنهمْ سِلَاحا كثيرا وَقد كَانَت الْكفَّار بعد الْهِجْرَة مَعَ النَّبِي
على ثَلَاثَة أَقسَام
قسم وادعهم عَلَيْهِ السَّلَام على أَلا يحاربوه وَلَا يؤلبوا عَلَيْهِ عدوا وهم طوائف الْيَهُود الثَّلَاث قُرَيْظَة وَالنضير وَبَنُو قينقاع وَقسم حَارَبُوهُ ونصبوا لَهُ الْعَدَاوَة كقريش وَقسم تَرَكُوهُ وَانْتَظرُوا مَا يَئُول إِلَيْهِ أمره كطوائف من الْعَرَب فَمنهمْ من كَانَ يحب ظُهُوره فِي الْبَاطِن كخزاعة وَبِالْعَكْسِ كبني بكر وَمِنْهُم من كَانَ مَعَه ظَاهرا وَمَعَ عدوه بَاطِنا وهم المُنَافِقُونَ وَكَانَ أولَ من نقض الْعَهْد من الْيَهُود بَنو قينقاع فحاربهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي شَوَّال بعد وقْعَة بدر قَالَ الْوَاقِدِيّ بِشَهْر وَأغْرب الْحَاكِم فَزعم أَن إجلاء بني قينقاع وَبنى النَّضِير كَانَ فِي زمن وَاحِد وَلم يوافَقْ على ذَلِك لِأَن إجلاء بني النَّضِير كَانَ بعد بدر بِسِتَّة أشهر على قَول عُرْوَة أَو بعد ذَلِك بِمدَّة طَوِيلَة على قَول ابْن إِسْحَاق وَكَانَ من أَمر بني قينقاع أَن امْرَأَة من الْعَرَب جَلَست إِلَى صائغ يَهُودِيّ فَرَاوَدَهَا(2/117)
على كشف وَجههَا فَأَبت فَعمد إِلَى طرف ثوبها فعقده إِلَى ظهرهَا فَلَمَّا قَامَت انكشفت سوءَتها فضحكوا مِنْهَا فصاحت فَوَثَبَ رجل من الْمُسلمين على الصَّائِغ فَقتله فشدت الْيَهُود على الْمُسلم فَقَتَلُوهُ وَوَقع الشَّرّ بَين الْمُسلمين وَبَين بني قينقاع فَسَار إِلَيْهِم النَّبِي
بعد أَن اسْتخْلف أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر فَحَاصَرَهُمْ أَشد الْحصار خمس عشرَة لَيْلَة إِلَى هِلَال ذِي الْقعدَة وَكَانَ اللواءُ بيد حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَكَانَ أَبيض فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب ونزلوا على حكم رَسُول الله
على أَن لَهُ أَمْوَالهم وَلَهُم النِّسَاء والذرية فَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُنْذر بن قدامَة بتكتيفهم وكلم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يجلوا وتركهم من الْقَتْل وَأمر بِأَن يجلوا من الْمَدِينَة فَلَحقُوا بأذرعات فَمَا كَانَ أقل بقاءهم فِيهَا وَأخذ من حصنهمْ سِلَاحا وَآلَة كَثِيرَة وَكَانَت بَنو قينقاع حلفاءَ لعبد الله ابْن سلول وَعبادَة بن الصَّامِت فتبرأ عبَادَة بن الصَّامِت من حلفهم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَتَبرأ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله من حلفهم وأتولى الله وَرَسُوله على الْمُؤمنِينَ وَأَبْرَأ من حلف الْكفَّار وولايتهم ففيهم وَفِي عبد الله أنزل ( {يَا أَيهَا الذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذوْا اليهودَ والنَصَارى أوْلِياءَ بعْضُهُمُ أولياءَ بعضٍ} إِلَى قَوْله ( {فإنَ حِزْبَ الله هم الغالبون} ثمَّ غَزْوَة السويق سميت بذلك لِأَنَّهُ كَانَ أكثرَ زَاد الْمُشْركين وَتسَمى أَيْضا غَزْوَة الكُدر بِضَم الْكَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة اسْم لماء هُنَاكَ وهم مِائَتَا رَاكب فيهم أَبُو سُفْيَان خرج
لَهُم يَوْم الْأَحَد خَامِس ذِي الْحجَّة على رَأس اثْنَيْنِ وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي صفر فِي مِائَتي رجل من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَقيل فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا(2/118)
وَكَانَ سَبَب هَذِه الْغَزْوَة إِن أَبَا سُفْيَان حِين رَجَعَ بالعير من بدر إِلَى مَكَّة نذر أَلا يمس النِّسَاء والدهن حَتَّى يَغْزُو مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَخرج فِي مِائَتي رَاكب من قُرَيْش ليبر يَمِينه حَتَّى أَتَوا العريض نَاحيَة من الْمَدِينَة على ثَلَاثَة أَمْيَال فحرقوا نخلا وَقتلُوا رجلا من الْأَنْصَار فَرَأى أَبُو سُفْيَان أَن قد انْحَلَّت يَمِينه فَانْصَرف بقَوْمه رَاجِعين وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي طَلَبهمْ فِي مِائَتَيْنِ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَجعل أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه يلقون جرب السويق وَهِي عَامَّة أَزْوَادهم يتخففون للهرب فيأخذها الْمُسلمُونَ فَلم يلحقهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرجع إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت غيبته خَمْسَة أَيَّام وَفِي ذِي الْحجَّة صلى رَسُول الله
الْعِيد وَأمر بالأضحية وَفِيه مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون وفى هَذِه السّنة تزوج عَليّ بفاطمة رَضِي الله عَنْهُمَا
(حوادث السّنة الثَّالِثَة)
فِيهَا غَزْوَة غَطَفان وَهِي غَزْوَة ذِي أَمر بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وسماها الْحَاكِم غَزْوَة أَنْمَار وَهِي بِنَاحِيَة نجد وَكَانَت لثنتي عشرَة مَضَت من ربيع الأول على رَأس خَمْسَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة وسببها أَن جمعا من ثَعْلَبَة ومحارب تجمعُوا يُرِيدُونَ الإغارة جمعهم دعثور ابْن الْحَارِث الْمحَاربي وَسَماهُ الْخَطِيب غورث وَغَيره غورك وَكَانَ شجاعا فندب
الْمُسلمين وَخرج فِي أَرْبَعمِائَة وَخمسين فَارِسًا واستخلف على الْمَدِينَة(2/119)
عُثْمَان بن عَفَّان فَلَمَّا سمعُوا بمهبطه
هربوا فِي رُؤُوس الْجبَال فَأَصَابُوا رجلا مِنْهُم من بني ثَعلَبة فأُدخل على رَسُول الله
فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام وضمه إِلَى بِلَال وَأصَاب النَّبِي
مطر فَنزع ثوبيه ونشرهما على شَجَرَة ليجفّا واضطجع تحتهَا وهم ينظرُونَ فَقَالُوا لدعثور قد انْفَرد مُحَمَّد فَعَلَيْك بِهِ فَأقبل وَمَعَهُ سيف حَتَّى قَامَ على رَأسه
فَقَالَ من يمنعك مني الْيَوْم فَقَالَ
الله فَدفع جِبْرِيل فِي صَدره فَوَقع السَّيْف من يَده فَأَخذه النَّبِي
فَقَالَ من يمنعك منى قَالَ لَا أحد وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله ثمَّ أَتَى قومه فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام وَأنزل الله (يَا أَيُهَا اَلَذِين آمَنُوا اَذكُرُوا نِعمَتَ الله عَلَيْكُم إِذ هَم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم. .} الْآيَة وَيُقَال كَانَ ذَلِك فِي ذَات الرّقاع ثمَّ رَجَعَ
وَلم يلق كيداً وَكَانَت غيبته إِحْدَى عشرَة لَيْلَة وفيهَا غَزْوَة نَجْرَان وَتسَمى غَزْوَة بني سُليم من نَاحيَة الفرَع بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء كَمَا قَيده السُّهيْلي وَقَالَ فِي الْقَامُوس ونجران وتضم مَوضِع بِنَاحِيَة الْفَرْع كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ بِضَم الْفَاء لَا غير وسببها أَنه بلغه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن بهَا جمعا كثيرا من بني سُليم فَخرج فِي ثَلَاثمِائَة رجل من أَصْحَابه فوجدوهم قد تفَرقُوا فِي مِيَاههمْ فَرَجَعُوا وَلم يلق كيداً وَكَانَ قد اسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم كَمَا قَالَه ابْن هِشَام وَكَانَت غيبته عشر لَيَال وفيهَا سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى القَرْدة بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء كَمَا ضَبطه ابْن الْفُرَات اسْم مَاء من مياه نجد(2/120)
وسببها كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق أَن قُريْشًا خَافُوا من طرقهم الَّتِي يسلكون مِنْهَا إِلَى الشَّام حِين كَانَ من وقْعَة بدر مَا كَانَ فسلكوا طَرِيق الْعرَاق فَخرج مَعَهم تجار مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمَعَهُمْ فضَّة كَثِيرَة وَعند ابْن سعد بَعثه
لهِلَال جُمَادَى الْآخِرَة على رَأس ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة فِي مائَة رَاكب يعْتَرض عيرًا لقريش فِيهَا صَفْوَان بن أُميَّة وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى وَمَعَهُمْ مَال كثير وآنية فأصابوها وَقدمُوا بالعير على رَسُول الله
وخمسها فَبلغ الْخمس قيمَة عشْرين ألف دِرْهَم وَعند مغلطاي خَمْسَة وَعشْرين ألف دِرْهَم وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق قبل قتل ابْن الْأَشْرَف وَمن حوادثها سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسْلمة وَأَرْبَعَة مَعَه إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول على رَأس خَمْسَة وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه أَن كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ شَاعِرًا يهجو رَسُول الله
بالشعر فَلَمَّا أَبى كَعْب بن الْأَشْرَف أَن ينْزع عَن أَذَاهُ أَمر رَسُول الله
سعدَ بن معَاذ أَن يبْعَث رهطاً ليقتلوه وفى رِوَايَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من لنا بِابْن الْأَشْرَف وَفِي أُخْرَى من لكعب بن الْأَشْرَف أَي من ينتدب لقَتله فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا وَقد خرج إِلَى قُرَيْش وجمعهم إِلَى قتالنا وَقد أَخْبرنِي الله بذلك ثمَّ قَرَأَ على الْمُسلمين ( {أَلم تَرَ إِلَى اَلذينَ أُوتُوا نصَيباً مِّنَ اَلكتاب يُؤمِنوُنَ باَلجِبتِ والطاغوتِ وَيَقُولوُنَ لِلَذِينَ كَفَرُوا هؤلاءِ أَهدىَ مِنَ الَّذين آمنُوا سَبِيلا أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله} وَفِي الإكليل فقد آذَانا بِشعرِهِ وقوى الْمُشْركين(2/121)
وفى رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة أَخُو بني عبد الْأَشْهَل أَنا لَهُ يَا رَسُول الله أَنا أَقتلهُ قَالَ فافعل إِن قدرت على ذَلِك قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه لَا بدَ لنا أَن نقُول قَالَ قُولُوا مَا بدا لكم فَأنْتم فِي حل من ذَلِك فَاجْتمع فِي قَتله مُحَمَّد بن مسلمة وَأَبُو نائلة بنُون وَبعد الألفِ تَحْتَانِيَّة سلكان بن سَلامَة وَكَانَ أَخا كَعْب من الرضَاعَة وَعبادَة بن بشر والْحَارث بن أَوْس بن معَاذ وَأَبُو عبس بن جبر وَهَؤُلَاء الْخَمْسَة من الْأَوْس وَفِي رِوَايَة ابْن سعد فَلَمَّا قَتَلُوهُ وبلغوا بَقِيع الْغَرْقَد كَبروا وَقد قَامَ عَلَيْهِ السَّلَام تِلْكَ اللَّيْلَة يُصَلِّي فَلَمَّا سمع تكبيرهم كبر وَعرف أَنهم قد قَتَلُوهُ ثمَّ انْتَهوا إِلَيْهِ فَقَالَ أفلحت الْوُجُوه قَالُوا وَجهك يَا رَسُول الله ورموا بِرَأْسِهِ بَين يَدَيْهِ فَحَمدَ الله على قَتله وَفِي كتاب شرف الْمُصْطَفى إِن الَّذين قتلوا كَعْبًا حملُوا رَأسه فِي مخلاة إِلَى الْمَدِينَة فَقيل إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام وَأصَاب ذياب السَّيْف الْحَارِث بن أَوْس فجرح ونزفه الدَّم فتفل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على جرحه فَلم يؤذه بعد وفيهَا غَزْوَة أحد يَوْم السبت تَاسِع شَوَّال حِين جمعت قُرَيْش لقتاله ثَلَاثَة(2/123)
آلَاف فيهم سَبْعمِائة دارع وَمِائَتَا فَارس وَثَلَاثَة آلَاف بعير وَخمْس عشرَة امْرَأَة والمسلمون ألف رجل وَقَالَ
لِلرُماة لَا تتغيروا فَلَمَّا تغيرُوا انْهَزمُوا وَقتل من الْمُسلمين سَبْعُونَ وَمِنْهُم حَمْزَة وشج جَبينه
وَكسرت رَبَاعيته وَدخل فِي وجنته حلقتان من المغفر وَشقت شفته وَقتل من الْمُشْركين ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ وَثَبت
وَمَعَهُ أَرْبَعَة عشَرَ رجلا وَنَصره الله عَلَيْهِم فَرجع من يَوْمه آخر النَّهَار وَكَانَ سَببهَا كَمَا ذكره ابْن إِسْحَاق عَن شُيُوخه ومُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَأَبُو الْأسود عَن عُرْوَة وَابْن سعد قَالُوا وَمن قَالَ مِنْهُم مَا حَاصله إِن قُريْشًا لما رجعُوا من بدر إِلَى مَكَّة وَقد أُصِيب أَصْحَاب القليب وَرجع أَبُو سُفْيَان بِعيره قَالَ عبد الله بن أبي ربيعَة وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَجَمَاعَة مِمَّن أُصِيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يَوْم بدر يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد وتركم وَقتل خياركم فأعينونا بِهَذَا المَال على حربه يعنون عير أبي سُفْيَان وَمن كَانَت لَهُ فِي تِلْكَ العير تِجَارَة لَعَلَّنَا أَن ندرك مِنْهُ ثأراً فَأَجَابُوهُ لذَلِك فَبَاعُوهَا وَكَانَت ألف بعير وَالْمَال خمسين ألف دِينَار وَفِيهِمْ كَمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَغَيره أنزل الله تَعَالَى ( {إِن اَلَذين كَفَرُوا ينفِقُونَ أَموالَهُم ليصدوا عَن سَبيلِ الله فَسَيُنفقُونَهَا ثمَّ تكون عَلَيْهِم حسرة ثمَّ يغلبُونَ} وَاجْتمعت قُرَيْش لِحَرْب رَسُول الله
وَكتب الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كتابا يخبر رَسُول الله
بخبرهم وَسَار بهم أَبُو سُفْيَان حَتَّى نزل بهم بِبَطن الْوَادي من قبل أحد مُقَابل الْمَدِينَة وَكَانَ رجال من الْمُسلمين أسفوا على مَا فاتهم من مشْهد بدر وَأرى
لَيْلَة الْجُمُعَة رُؤْيا فَلَمَّا أصبح قَالَ وَالله لقد رَأَيْت خيرا رَأَيْت بقرًا تذبحُ وَرَأَيْت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا وَرَأَيْت إِنِّي أدخلت يَدي فِي درع حَصِينَة فَأَما الْبَقر فناس من أَصْحَابِي يقتلُون وَأما الثلم الَّذِي رَأَيْت فِي سَيفي فَهُوَ رجل من أهل بَيْتِي يقتل وَقَالَ ابْن عقبَة وَيَقُول رجال كَانَ الَّذِي بِسَيْفِهِ مَا قد أصَاب وَجهه فَإِن الْعَدو(2/123)
أَصَابُوا وَجهه الشريف يَوْمئِذٍ وكسروا رَباعيته وجرحوا شفته وفى رِوَايَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وأولت الدرْع الحصينة بِالْمَدِينَةِ فامكثوا فَإِن دخل الْقَوْم الْأَزِقَّة قاتلناهم ورُمُوا من فَوق الْبيُوت فَقَالَ أُولَئِكَ الْقَوْم يَا رَسُول الله كُنَّا نتمنى هَذَا الْيَوْم اخْرُج بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا لَا يرَوْنَ أَنا جبنا عَنْهُم فصلى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالنَّاسِ الْجُمُعَة ثمَّ وعظهم وَأمرهمْ بالجد وَالِاجْتِهَاد وَأخْبرهمْ أَن لَهُم النَّصْر مَا صَبَرُوا وَأمرهمْ بالتهيؤ لعدوهم ففرح النَّاس بذلك ثمَّ صلى بِالنَّاسِ الْعَصْر وَقد حشدوا وَحضر أهل العوالي ثمَّ دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَيته وَمَعَهُ صَاحِبَاه أَبُو بكر وَعمر فعمماه وألبساه وصف النَّاس ينتظرون خُرُوجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ لَهُم سعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير استكرهتم رَسُول الله
على الْخُرُوج فَردُّوا الْأَمر إِلَيْهِ فَخرج رَسُول الله
وَقد لبس لأمته وَهِي بِالْهَمْز وَقد يتْرك تَخْفِيفًا الدرْع وتقلد سَيْفه فَنَدِمُوا جَمِيعًا على مَا صَنَعُوا فَقَالُوا مَا كَانَ لنا أَن نخالفك فاصنَعْ مَا شِئْت فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا لبس لأمته أَن يَضَعهَا حَتَّى يحكم الله بَينه وَبَين عدوه وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم نَحْو حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَفِيه إِشَارَة النَّبِي
ألاَ يبرحوا من الْمَدِينَة وإيثارهم بِالْخرُوجِ لطلب الشَّهَادَة ولبسه اللأمة وندامتهم على ذَلِك وَقَوله
لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا لبس لأمته أَن يَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل وَفِيه إِنِّي رَأَيْت إِنِّي فِي درع حَصِينَة. . الحَدِيث وَعقد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاثَة ألوية لِوَاء لِلْأَوْسِ بيد أسيد بن الْحضير ولواء للمهاجرين بيد عَليّ بن أبي طَالب وَقيل بيد مُصعب بن عُمَيْر ولواء للخزرج بيد الْحباب بن الْمُنْذر وَقيل بيد سعد بن عبَادَة وَفِي الْمُسلمين مائَة(2/124)
دارع وَخرج السعدان أَمَامه يعدوان سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة دارعين وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وعَلى الحرس تِلْكَ اللَّيْلَة مُحَمَّد بن مَسلمة وأدلج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي السحر وَكَانَ قد رد جمَاعَة من الْمُسلمين لصغرهم مِنْهُم أُسَامَة وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ والنعمان ابْن بشير قَالَ مغلطاي وَفِيه نظر وَكَانَ المسلمونَ ألف رجل وَيُقَال تِسْعمائَة وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَة آلَاف رجل فيهم سَبْعمِائة دارع وَمِائَتَا فرس وَثَلَاثَة آلَاف بعير وَخمْس عشرَة امْرَأَة وَنزل عَلَيْهِ السَّلَام بِأحد وَرجع عَنهُ عبد الله بن أبي فِي ثَلَاثمِائَة مِمَّن تبعه من قومه من أهل النِّفَاق وَيُقَال إِن النَّبِي
أَمرهم بالانصراف لكفرهم بمكانٍ يُقَال لَهُ الشوطُ وَيُقَال بِأحد ثمَّ صف الْمُسلمُونَ بِأَصْل أحد وصف الْمُشْركُونَ بالسبخة قَالَ ابْن عقبَة وَكَانَ على ميمنة خيل الْمُشْركين خَالِد بن الْوَلِيد وعَلى ميسرتها عِكْرِمَة بن أبي جهل وَجعل
على الرُّمَاة وهم خَمْسُونَ رجلا عبد الله بن جُبَير وَقَالَ لَو رَأَيْتُمُونَا يتخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ هَذَا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم وَإِن رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القومَ ووطئناهم فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم كَذَا فِي البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم أَنه
أقامهم فِي مَوضِع ثمَّ قَالَ احموا ظُهُورنَا فَإِن رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تنصرونا وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد غنمنا فَلَا تشركونا وَقَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ رَسُول الله
من يَأْخُذ هَذَا السَّيْف بِحقِّهِ فَقَامَ إِلَيْهِ(2/125)
رجال فأمسكه عَنْهُم حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَة سماك فَقَالَ وَمَا حَقه يَا رَسُول الله قَالَ أَن تضرب بِهِ فِي وَجه الْعَدو حَتَّى ينحني قَالَ أَنا آخذه بِحقِّهِ يَا رَسُول الله فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَكَانَ رجلا شجاعاً يختال عِنْد الْحَرْب فَلَمَّا رَآهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتبختر قَالَ إِنَّهَا لمشية يبغضها الله إِلَّا فِي هَذَا الموطن قَالَ الزبير بن الْعَوام فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام فَقلت وَالله لأنظرن مَا يصنع أَبُو دُجَانَة فاتبعته فَأخذ عِصَابَة حَمْرَاء فعصب بهَا رَأسه فَقَالَت الْأَنْصَار أخرج عِصَابَة الْمَوْت فَخرج وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) //
(أَنَا الذِي عاهدَنِي خليلِي ... ونحْنُ بالسَّفْحِ لَدَى النَّخيلِ)
(ألاَّ أقومَ الدَّهْرَ فِي الكَيُّولِ ... أَضْرِبْ بسيفِ الله والرِّسولِ)
فَجعل لَا يلقى أحدا من الْمُشْركين إِلَّا قَتله وَقَوله الكَيول بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة مُؤخر الصُّفُوف وَهُوَ فيعول من كالَ الزند يكيلُ كَيْلا إِذا كبا وَلم يخرج نَارا فَشبه مُؤخر الصَّفّ بِهِ لِأَن من كَانَ فِيهِ لَا يُقَاتل قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَلم يسمع إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وَقتل شُرَحْبِيل بن هَاشم بن عبد منَاف والتقى حَنْظَلَة الغسيل وَأَبُو سُفْيَان(2/126)
فَضَربهُ شَدَّاد بن أَوْس فَقتله
إِن حَنْظَلَة لتغسله الْمَلَائِكَة فسألوا امْرَأَته جميلَة أُخْت عبد الله بن أبي فَقَالَت خرج وَهُوَ جُنُب فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لذَلِك غسلته الملائكةُ وَبِذَلِك تمسك من قَالَ من الْعلمَاء بِأَن الشَّهِيد يغسل إِذا كَانَ جنبَاً(2/127)
وَقتل عَليّ طَلْحَة بن أبي طَلْحَة صَاحب لِوَاء الْمُشْركين ثمَّ حمل لواءهم عُثْمَان ابْن أبي طَلْحَة فَحمل عَلَيْهِ حَمْزَة فَقطع يَده وكتفه ثمَّ أنزل الله نَصره على الْمُسلمين فحسوا الْكفَّار بِالسُّيُوفِ حَتَّى كشفوهم عَن الْعَسْكَر وَكَانَت الْهَزِيمَة فولى الْكفَّار لَا يلوون على شَيْء وَنِسَاؤُهُمْ يدعونَ بِالْوَيْلِ وتبعهم الْمُسلمُونَ حَتَّى أجهضوهم ووقعوا ينهبون الْعَسْكَر وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهِ من الْغَنَائِم وَفِي البُخَارِيّ قَالَ الْبَراء فَقَالَ أَصْحَاب عبد الله بن جُبَير أنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله
قَالُوا وَالله لنأتين فلنصيبن من الْغَنَائِم فَلَمَّا أتوهم صرفت وُجُوههم فَأَقْبَلُوا منهزمين وَفِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا لما كَانَ يَوْم أحد هزم الْمُشْركُونَ هزيمَة بَيِّنَة فصاح إِبْلِيس عباد الله أخراكم فَرَجَعت أولاهم فاجتلدت مَعَ أخراهم وَعند أَحْمد وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنهم لما رجعُوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فَلم يتميزا فَوَقع الْقَتْل فِي الْمُسلمين بَعضهم من بعض وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا وَنظر خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى خلاء الْجَبَل وَقلة أَهله فكَر بِالْخَيْلِ وَتَبعهُ عِكْرِمَة بن أبي جهل فحملوا على من بَقِي من النَّفر الرُّمَاة فَقَتَلُوهُمْ وأميرهم عبد الله بن جُبَير وَفِي البُخَارِيّ أَنهم لما اصطفوا لِلْقِتَالِ خرج سِبَاع فَقَالَ هَل من مبارز فَخرج إِلَيْهِ حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَشد عَلَيْهِ فَكَانَ كأمس الذَّاهِب وَكَانَ وَحشِي كامنا تَحت الصحرة فَلَمَّا دنا مِنْهُ رَمَاه بحربته حَتَّى خرجَت من بَين وركيه فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ انْتهى وَكَانَ مُصعب بن عُمَيْر قَاتل دون رَسُول الله
وَكَانَ الَّذِي قَتله ابْن قمئة وَهُوَ(2/128)
يَظُنّهُ أَنه رَسُول الله
فصاح ابْن قمئة إِن مُحَمَّدًا قتل وَيُقَال كَانَ ذَاك أزب الْعقبَة وَيُقَال بل إِبْلِيس لَعنه الله تصوَر فِي صُورَة جِعَال وَقَالَ أَي عباد الله أخراكم أَي احترزوا من جِهَة أخراكم فعطف الْمُسلمُونَ وَقتل بَعضهم بَعْضًا وهم لَا يَشْعُرُونَ وَانْهَزَمَ طَائِفَة مِنْهُم إِلَى جِهَة الْمَدِينَة وتفرق سَائِرهمْ وَوَقع الْقَتْل فيهم وَقَالَ ابْن عقبَة وَلما فقد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ رجل مِنْهُم إِن رَسُول الله
قد قتل فَارْجِعُوا إِلَى قومكم ليؤمنوكم قبل أَن يأتوكم فيقتلوكم فَإِنَّهُم داخلو الْبَيْت وَقَالَ رجل مِنْهُم إِن كَانَ رَسُول الله
قتل أَفلا تقاتلون على دينكُمْ وعَلى مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيكُم حَتَّى تلقوا الله عز وَجل شُهَدَاء مِنْهُم أنس بن مَالك بن النَّضر شهد لَهُ بهَا عِنْد رَسُول الله
سعد بن معَاذ قَالَ فِي عُيُون الْأَثر كَذَا وَقع فِي هَذَا الْخَبَر أنس بن مَالك وَإِنَّمَا هُوَ أنس بن النَّضر عَم أنس بن مَالك بن النَّضر انْتهى وَثَبت رَسُول الله
حِين انكَشفُوا عَنهُ وَثَبت مَعَه من أَصْحَابه أَرْبَعَة عشر رجلا من الْمُهَاجِرين فيهم أَبُو بكر الصّديق وَسَبْعَة من الْأَنْصَار وَفِي البُخَارِيّ لم يبْق مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا اثْنَا عشر رجلا فَأَصَابُوا منا سبعين وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه أصَاب من الْمُشْركين يَوْم بدر أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَسبعين أَسِيرًا وسبعينَ قَتِيلا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد ثَلَاث مَرَّات فنهاهم النَّبِي
أَن يُجِيبُوهُ ثمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْم ابْن أبي قُحَافَة ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْم ابْن الْخطاب ثَلَاث مَرَّات ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فقد قتلوا فَمَا ملك عمر نَفسه أَن قَالَ كذبتَ يَا عدُو الله إِن الَّذين عددت لأحياء كلهم وَقد بَقِي لَك مَا يسوءك فَقَالَ يَوْم بِيَوْم وَتوجه
يلْتَمس أَصْحَابه فَاسْتَقْبلهُ الْمُشْركُونَ فرموا وَجهه فأدموه وكسروا رباعيته وَالَّذِي جرح وَجهه عبد الله بن قمئة وَعتبَة بن أبي وَقاص أَخُو سعد هُوَ(2/129)
الَّذِي كسر رباعيته وَمن ثمَّ لم يُولد لَهُ ولد من نَسْله فَيبلغ الْحِنْث إِلَّا وَهُوَ أبخر أَو أهشَمُ أَي مكسور الثنايا من أَصْلهَا يعرف ذَلِك فِي عقبه وَقَالَ ابْن هِشَام فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ إِن عتبَة بن أبي وَقاص رمى رَسُول الله
يَوْمئِذٍ فَكسر رباعيته الْيُمْنَى السفلَى وجرح شفته السُّفْلى وَإِن عبد الله بن هِشَام الزُّهْرِيّ شجه فِي جَبهته وَإِن ابْن قمئة جرح وجنتة فدخلَتْ حلقتان من المغفر فِي وجنته وَوَقع
فِي حُفْرَة من الْحفر الَّتِي كَانَ أَبُو عَامر الْفَاسِق يكيد بهَا للْمُسلمين وَفِي رِوَايَة وهشموا الْبَيْضَة على رَأسه أَي كسروا الخوذة ورموه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى سقَطَ فِي حُفْرَة من الْحفر الَّتِي حفرهَا أَبُو عَامر فَأَخذه على بِيَدِهِ واحتضنه طَلْحَة بن عبيد الله حَتَّى اسْتَوَى قائمَاً ونشبتْ حلقتا المغفر فِي وجنته وامتص مَالك بن سِنَان وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ الدَّم من وجنته ثمَّ ازْدَردهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أصَاب دمي دَمه لم تصبه النَّار وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى حكم دَمه عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ رمى عبد الله بن أبي قمئة رَسُول الله
يَوْم أحد فشج وَجهه وَكسر رباعيته فَقَالَ خُذْهَا وَأَنا ابْن قمئة فَقَالَ رَسُول الله
أَقْمَأَك الله وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه فَسلط الله عَلَيْهِ تَيْس جبل فَلم يزل يَنْطَحُهُ حَتَّى قطعه قِطْعَة قِطْعَة وروى ابْن إِسْحَاق عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس قَالَ كسرت رباعيته
يَوْم أحد وشج وَجهه فَجعل الدَّم يسيل على وَجهه وَجعل يمسحه وَيَقُول كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله تَعَالَى (لَيسَ لَك مِنَ اَلأمرِ شَيء أَوْ يَتوبَ عَلَيهِم أَوْ يُعَذِبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمُونَ} وَرَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حميد(2/130)
وَعند ابْن عَائِذ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ بلغنَا أَنه لما جرح
يَوْم أحد أَخذ شَيْئا ينشف دَمه وَقَالَ لَو وَقع مِنْهُ شَيْء على الأَرْض لنزل عَلَيْهِم الْعَذَاب من السَّمَاء ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ ضُرِبَ وَجه النَّبِي
يَوْمئِذٍ بِالسَّيْفِ سبعين ضَرْبَة ووقاه الله شَرها كلهَا قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَهَذَا مُرْسل قوي وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بالسبعين حَقِيقَتهَا أَو الْمُبَالغَة انْتهى وقاتلت أم عمَارَة نسيبة بنت كَعْب المازنية يَوْم أحد فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام فَخرجت أول النَّهَار حَتَّى انْتَهَت إِلَى رَسُول الله
قَالَت فَقُمْت أباشر الْقِتَال وأذب عَنهُ بِالسَّيْفِ وأرمي عَن الْقوس حَتَّى خلصت الْجراحَة إِلَى أَن أصابني ابْن قمئة أقمأه الله لما ولى النَّاس عَن رَسُول الله
أقبل يَقُول دلوني على مُحَمَّد فَلَا نجوتُ إِن نجا قَالَت فاعترضْتُ لَهُ فضربني هَذِه الضَّرْبَة وَلَكِن(2/131)
ضَربته ضرباتٍ على ذَلِك وَلَكِن عَدو الله عَلَيْهِ دِرْعَانِ قَالَت أم سعد بن الرّبيع فَرَأَيْت على عاتقها جرحا أجوف لَهُ غور وترس دون رَسُول الله
فِيمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق أَبُو دُجَانَة بِنَفسِهِ يَقع النبل فِي ظَهره وَهُوَ ينحني عَلَيْهِ حَتَّى كثر عَلَيْهِ النبل وَهُوَ لَا يَتَحَرَّك وَرمى سعد بن أبي وَقاص دون رَسُول الله
قَالَ سعد فَلَقَد رَأَيْته يناولني النبل وَيَقُول ارْمِ سعد فَذَاك أبي وَأمي حَتَّى إِنَّه يناولني السهْم مَا لَهُ نصل فَيَقُول أرم بِهِ فَيَعُود منصلاً وَأُصِيبَتْ عين قَتَادَة بن النُّعْمَان حَتَّى وقعتْ على وجنته فَأتى بهَا إِلَى رَسُول الله
فَأَخذهَا رَسُول الله
بِيَدِهِ وردهَا إِلَى موضعهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ اكسه جمالاً فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ وَأَحَدهمَا نظرا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِنَحْوِهِ(2/132)
وَرمى أَبُو رهم الْغِفَارِيّ كُلْثُوم بن الحصبن بِسَهْم فَوَقع فِي نَحره فبصق عَلَيْهِ
فبرىء وَانْقطع سيف عبد الله بن جحش فَأعْطَاهُ
عرجوناً فَعَاد فِي يَده سَيْفا فقاتل بِهِ وَكَانَ ذَلِك السَّيْف يُسمى العرجون وَلم يزل يتوارثُ حَتَّى بيع من بُغا التركي من أُمَرَاء المعتصم بِاللَّه فِي بَغْدَاد بِمِائَتي دِينَار وَهَذَا نَحْو حَدِيث عكاشة السَّابِق فِي غَزْوَة بدر إِلَّا أَن سيف عكاشة كَانَ يُسمى العَوْن واشتغَلَ الْمُشْركُونَ بقتلى الْمُسلمين يمثلون بهم ويقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون الْبُطُون وهم يظنون أَنهم أَصَابُوا رَسُول الله
وأشراف أَصْحَابه وَكَانَ أول من عرف رَسُول الله
كَعْب بن مَالك قَالَ عرفت عَيْنَيْهِ تزهوان من تَحت المغفر فناديت بِأَعْلَى صوتي يَا معشر الْمُسلمين هَذَا رَسُول الله
فَلَمَّا عرفوه نهضوا ونهض مَعَهم نَحْو الشّعب مَعَه أَبُو بكر وَعمر وَعلي ورهط(2/133)
من الْمُسلمين فَلَمَّا أسْند رَسُول الله
فِي الشّعب أدْركهُ أبيّ بن خلف وَهُوَ يَقُول أَيْن مُحَمَّد لَا نجوت إِن نجا فَقَالُوا يَا رَسُول الله يعْطف عَلَيْهِ رجل منا فَقَالَ
دَعوه فَلَمَّا دنا تنَاول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الحربة من الْحَارِث بن الصمَّة فَلَمَّا أَخذهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انتفض بهَا انتفاضَةَ تطايروا عَنهُ تطاير الشّعْر عَن ظهر الْبَعِير إِذا انتفض ثمَّ استقبله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فطعنه طعنة وَقع بهَا عَن فرسه وَلم يخرج لَهُ دم فَكسر ضلعاً من أضلاعه فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْش قَالَ قتلني مُحَمَّد وَالله قَالُوا لَيْسَ عَلَيْك يَا أَبَا عَليّ من بَأْس فَقَالَ أَلَيْسَ كَانَ قد قَالَ لي بِمَكَّة أَنا أَقْتلك فوَاللَّه لَو بَصق على لَقَتَلَنِي قلت نعم قد كَانَ أبي هَذَا يلاقي النَّبِي
بِمَكَّة فَيَقُول لَهُ إِن معي فرسا أعلفه كل يَوْم فرقا من ذرة أَقْتلك عَلَيْهِ فَيَقُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَهُ بل أَنا أَقْتلك عَلَيْهِ فَذَلِك قَول أبيّ أَلَيْسَ قد قَالَ لي إِلَى آخِره فَمَاتَ عَدو الله بسرف وهم قافلون بِهِ إِلَى مَكَّة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَلم يذكر فَكسر ضلعاً من أضلاعه قَالَ الْوَاقِدِيّ وَكَانَ ابْن عمر يَقُول مَاتَ أبيّ بن خلف بِبَطن رابغ فَإِنِّي لأسير بِبَطن رابغ بعد هويّ من اللَّيْل إِذْ نَار تأجج لي فهبتها وَإِذا رجل يخرج مِنْهَا فِي سلسلة يجتذبها يَصِيح الْعَطش وَإِذا رجل يَقُول لَا تسقه فَإِن هَذَا قَتِيل رَسُول الله
هَذَا أبيُّ بن خلف وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَلما انْتهى رَسُول الله
إِلَى فَم الشّعب مَلأ عَليّ بن أبي طَالب درقته من المهراس وَهُوَ صَخْرَة منقورة تسع كثيرا من المَاء فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله
وَغسل عَن وَجهه الدَّم وصب على رَأسه وَهُوَ يَقُول اشْتَدَّ غضب الله على من أدْمى وَجه نبيه وَصلى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْمئِذٍ الظّهْر قَاعِدا من الْجراح(2/134)
الَّتِي أَصَابَته وَصلى الْمُسلمُونَ خَلفه قعُودا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَوَقعت هِنْد بنت عتبَة والنسوة اللَّاتِي مَعهَا يمثلنَ بالقتلى من أَصْحَاب رَسُول الله
يخلعنَ الآذان والأنوف وبقرت عَن كبد حَمْزَة فلاكتها فَلم تستطع أَن تسيغها فلفظتها وَلما أَرَادَ أَبُو سُفْيَان الانصرافَ أشرف على الْجَبَل ثمَّ صرخَ بِأَعْلَى صَوته أَنْعَمت فعال إِن الْحَرْب سِجَال يَوْم بِيَوْم بدر اعْلُ هُبل اعلُ هُبل وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حِين أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى أحد كتب على سهم نعم وعَلى الآخر لَا وأجالهما عِنْد هُبل فَخرج سهم نعم فَخرج إِلَى أحد وَلما قَالَ اعْل هُبل أَي زد علوا قَالَ رَسُول الله
لعمر أجبه فَقَالَ الله أَعلَى وَأجل لَا سَوَاء قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار فَقَالَ إِن لنا عُزى وَلَا عُزى لكم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قُولُوا الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم وَلما انْصَرف أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه نَادَى أَبُو سُفْيَان بِأَعْلَى صَوته إِن مَوْعدكُمْ بدر الْعَام الْقَابِل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لرجل من أَصْحَابه قل لَهُ نعم هُوَ بَيْننَا وَبَيْنكُم موعد وَذكر الطَّبَرَانِيّ أَنه لما انصر الْمُشْركُونَ خرج النِّسَاء إِلَى الصَّحَابَة يُعِنْهُمْ فَكَانَت فَاطِمَة فِيمَن خرج فَلَمَّا لقِيت النَّبِي
اعتنقته وَجعلت تغسل جراحاته بِالْمَاءِ فَيَزْدَاد الدَّم فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك أخذت شَيْئا من حَصِير فَأَحْرَقتهُ بالنَّار وكمدته بِهِ حَتَّى لصق بِالْجرْحِ فَاسْتَمْسك الدَّم ثمَّ أرسل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّد بن مَسلمة كَمَا ذكره الْوَاقِدِيّ فَنَادَى فِي الْقَتْلَى يَا سعد بن الرّبيع مرّة بعد أُخْرَى فَلم يجبهُ حَتَّى قَالَ إِن رَسُول الله
أَرْسلنِي أنظر مَا صنعت فَأجَاب بصوتٍ(2/135)
ضَعِيف فَوَجَدته جريحَاً فِي الْقَتْلَى وَبِه رَمق فَقَالَ سعد أبلغ رَسُول الله
مني السلامَ وَقل لَهُ يَقُول لَك جَزَاك الله عَنَّا خَيرَ مَا جزى نبيُّاً عَن أمته وأبلغْ قَوْمك عَنى السَّلَام وَقل لَهُم لَا عذر لكم عِنْد الله أَن يخلص إِلَى نَبِيكُم وَفِيكُمْ عين تطرف ثمَّ مَاتَ وَقتل أَبُو جَابر فَمَا عرف إِلَّا ببنانه أَي أَصَابِعه وَقيل أطرافها وأحدها بنانة وَخرج رَسُول الله
يلتمسُ حَمْزَة فَوَجَدَهُ بِبَطن الْوَادي قد بقر بَطْنه عَن كبده وَمثل بِهِ فجدع أَنفه وأذناه فَنظر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى شَيْء لم ينظر إِلَى شَيْء أوجع لِقَلْبِهِ مِنْهُ فَقَالَ رَحْمَة الله عَلَيْك لقد كنت فعولًا للخير وصُولا للرحم أما وَالله لَأُمَثِّلَن بسبعين مِنْهُم مَكَانك قَالَ فَنزلت عَلَيْهِ خَوَاتِيم سُورَة النَّحْل ( {وَإِن عَاقَبتم فَعَاقِبوُا} إِلَى آخر الْآيَة فَصَبر وَكفر(2/136)
عَن يَمِينه وَأمْسك عَمَّا أَرَادَ وَمِمَّنْ مثل بِهِ كَمَا مثل بِحَمْزَة عبد الله بن جحش ابْن أُخْت حَمْزَة وَلذَا يعرف بالمجدَّع فِي الله وَكَانَ حِين قتل ابْن بضع وَأَرْبَعين سنة وَدفن مَعَ حَمْزَة فِي قبر وَاحِد(2/137)
وَلما أشرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْقَتْلَى قَالَ أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ مَا من جريح يجرح فِي الله إِلَّا وَالله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة بدمى جرحه اللَّوْن لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك وَفِي رِوَايَة عبد الله بن ثَعْلَبَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقتلى أحد زملوهم بجراحهم وروى أَبُو بكر بن مرْدَوَيْه أَن رسولَ الله
قَالَ يَا جَابر أَلا أخْبرك مَا كلم الله أحدا قطّ إِلَّا من وَرَاء حجاب وَإنَّهُ كلم أَبَاك كفاحاً فَقَالَ سلني أعطك قَالَ أَسأَلك أَن أرد إِلَى الدُّنْيَا فأقتل فِيك ثَانِيَة فَقَالَ الرب عز وَجل إِنَّه سبق مني أنهمِ لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا قَالَ أَي رب فأبلغ من ورائي فَأنْزل الله ( {وَلا تحسَبَنَ الَذِينَ قُتِلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَحسن مقيلهم قَالُوا يَا لَيْت إخوانَنَا يعلمُونَ مَا صنع الله بِنَا لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب قَالَ الله تَعَالَى أَنا أبلغهم عَنْكُم فَأنْزل الله عز وَجل هَذِه الْآيَات ( {وَلا تَحسَبَنَ الَّذين قتلوا} رَوَاهُ أَحْمد(2/138)
قَالَ بعض من تكلم على هَذَا الحَدِيث قَوْله ثَم تأوي إِلَى قناديل مصداقه قَوْله ( {وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم لَهُم أجرهم وَنوُرُهُم} الْحَدِيد 19 وَإِنَّمَا تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل لَيْلًا وتسرح نَهَارا وَبعد دُخُول الْجنَّة فِي الْآخِرَة لَا تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل وَإِنَّمَا ذَلِك فِي البرزخ وَقَالَ مُجَاهِد الشُّهَدَاء يَأْكُلُون من ثمار الْجنَّة وَقد ورد هَذَا القَوْل وَيشْهد لَهُ مَا وَقع فِي مُسْند ابْن أبي شيبَة وَغَيره أَن رَسُول الله
قَالَ الشُّهَدَاء بنهر أَو على نهر يُقَال لَهُ بارق عِنْد بَاب الْجنَّة فِي قباب خضر يَأْتِيهم رزقهم مِنْهَا بكرَة وعشياً قَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير الشُّهَدَاء أَقسَام مِنْهُم من تسرح أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَمِنْهُم من يكون على هَذَا النَّهر بِبَاب الْجنَّة وَقد يحْتَمل أَن يكون مُنْتَهى سيرهم إِلَى هَذَا النَّهر فيجتمعون هُنَالك ويغدي عَلَيْهِم برزقهم هُنَاكَ وَيرَاح قَالَ وَقد روينَا فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد حَدِيثا فِيهِ بشرى لكل مُؤمن بِأَن روحه تكون فِي الْجنَّة أيضَا وتسرح فِيهَا وتأكل من ثمارها وَترى مَا فِيهَا من النضرة وَالسُّرُور وتشاهد مَا أعد الله لَهَا من الْكَرَامَة قَالَ وَهُوَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَزِيز عَظِيم اجْتمع فِيهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَصْحَاب الْمذَاهب المتسعة فَإِن الإِمَام أَحْمد رَوَاهُ عَن الشَّافِعِي عَن مَالك بن أنس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن ابْن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه يرفعهُ نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلقُ فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَقَوله تعلق أَي تَأْكُل وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن روح الْمُؤمن تكون على شكل طائرٍ فِي الْجنَّة وَأما أَرْوَاح الشُّهَدَاء فَفِي حواصل طير خضر فَهِيَ كالراكب بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْوَاح عُمُوم الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهَا تطير بأنفسها فنسأل الله الْكَرِيم المنان أَن يميتنا على الْإِيمَان(2/139)
وَقد اسْتشْهد يَوْم أحد من الْمُسلمين سَبْعُونَ فِيمَا قَالَه مغلطاي وَغَيره وَقيل خَمْسَة وَسِتُّونَ أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث أبي بن كَعْب قَالَ اسْتشْهد من الْأَنْصَار يَوْم أحد أَرْبَعَة وَسِتُّونَ وَمن الْمُهَاجِرين سِتَّة وَصَححهُ ابْن حبَان من هَذَا الْوَجْه وَقتل من الْمُشْركين ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ رجلا وقَتل عَلَيْهِ السَّلَام بِيَدِهِ أبيَّ بن خلف وَحَضَرت المَلائكة يَوْمئِذٍ فَفِي حَدِيث سعد بن أبي وَقاص عِنْد مُسلم فِي صَحِيحه أَنه رأَى عَن يَمِين رَسُول الله
وَعَن شِمَاله يَوْم أحد رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض قَالَ مَا رأيتهما قبل وَلَا بعد يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل يقاتلان كأشد الْقِتَال وَفِيه كَمَا قدمْنَاهُ فِي غَزْوَة بدر أَن قتال الْمَلَائِكَة مَعَه
لَا يخْتَص بِيَوْم بدر خلافًا لمن زَعمه كَمَا نَص عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم كَمَا قَدمته وَالله أعلم وَلما بَكَى الْمُسلمُونَ على قتلاهم سُر المُنَافِقُونَ وَظهر فسق الْيَهُود تَنْبِيه ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء عَن القَاضِي أبي عبد الله بن المرابط من الْمَالِكِيَّة أَنه قَالَ من قَالَ إِن النَّبِي
هزم يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل لِأَنَّهُ تنقصه إِذْ لَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِ فِي خاصته إِذْ هُوَ على بَصِيرَة من أمره ويقين عصمته انْتهى وَهَذَا مُوَافق لمذهبنا لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْبِسَاطِيّ من الْمَالِكِيَّة هَذَا الْقَاتِل إِن كَانَ يُخَالف فِي أصل الْمَسْأَلَة أَعنِي حكم التائب فَلهُ وَجه وَإِن وَافق على أَن التائب لَا تقبل تَوْبَته فمشكل انْتهى وَقد كَانَ فِي قصَّة أحد وَمَا أُصِيب بِهِ الْمُسلمُونَ من الْفَوَائِد وَالْحكم الربانية أَشْيَاء عَظِيمَة مِنْهَا تَعْرِيف الْمُسلمين سوء عَاقِبَة الْمعْصِيَة وشؤْمَ ارْتِكَاب الْمنْهِي لما وَقع من ترك الرُّمَاة موقفهم الَّذِي أَمرهم رَسُول الله
ألاَ يبرحوا مِنْهُ وَمِنْهَا عَادَة الرُّسُل أَن تبتلي وَتَكون لَهُم الْعَاقِبَة وَالْحكمَة أَن لَو انتصروا دَائِما(2/140)
لدخل فِي الْمُسلمين من لَيْسَ مِنْهُم وَلم يتَمَيَّز الصَّادِق من غَيره وَلَو انكسروا دَائِما لم يحصل الْمَقْصُود من الْبعْثَة فاقتضت الْحِكْمَة الْجمع بَين الْأَمريْنِ ليتميز الصَّادِق من الْكَاذِب وَذَلِكَ أَن نفاق الْمُنَافِقين كَانَ مخفياً عَن الْمُسلمين فَلَمَّا جرت هَذِه الْقِصَّة وَأظْهر أهل النِّفَاق مَا أظهرُوا من الْفِعْل وَالْقَوْل عَاد التَّلْوِيح تصريحَاً وَعرف الْمُسلمُونَ أَن لَهُم عدوا فِي دُورهمْ واستعدوا لَهُم وتحرزوا مِنْهُم وَمِنْهَا أَن فِي تَأْخِير النَّصْر فِي بعض المواطن هَضْماً للنَّفس وكسراً لشماختها فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ صَبَرُوا وجزع المُنَافِقُونَ وَمِنْهَا أَن الله تَعَالَى هيأ لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ منازلَ فِي دَار كرامته لَا تبلغها أَعْمَالهم فقيض لَهُم أسبابَ الابتلاءِ والمحنِ ليصلوا إِلَيْهَا وَمِنْهَا أَنه أَرَادَ هَلَاك أعدائه فقيض لَهُم الْأَسْبَاب الَّتِي يستوجبون بهَا ذَلِك من كُفرهم وبغيهم وطغيانهم فِي أَذَى أوليائه فمحص ذنُوب الْمُؤمنِينَ ومحق بذلك الْكَافرين وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي يَوْم أحد قَول هُبَيْرَة بن أبي وهب بن عَمْرو بن عَائِذ ابْن عبد بن عمرَان بن مَخْزُوم قَالَ ابْن هِشَام عَائِذ بن عمرَان بن مَخْزُوم // (من الْبَسِيط) //
(مَا بَالُ هَمٍّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقْنِي ... بِالْوُدِّ مِنْ هِنْدَ إِذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا)
(بَاتَتْ تُعَاتِبِنُنِي هِنْدٌ وَتَعْذِلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنِّي مَوَالِيهَا)
(مَهْلاً فَلاَ تَعْذِلِينِي إِنَّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْتِ وَمَا إِنْ لَسْتُ أُخْفِيهَا)
(مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمَّالُ عِبْءٍ وأَثْقَالٍ أُعَانِيهَا)
(وَقَدْ حَمَلْتُ سِلاَحِي فَوْقَ مُشْتَرِفٍ ... سَاطٍ سَبُوحٍ إِذَا يَجْرِي يُبَارِيهَا)
(كَأَنَّهُ إِذْ جَرَى عَيْرٌ بِفَدْفَدَةٍ ... مُكَدَّمٌ لاَحِقٌ بِالْعُونِ يَحْمِيهَا)
(مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النَّدِيَُ لَهُ ... كَجِذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ مَرَاقِيهَا)
(أَعْدَدْتُهُ وَرُقَاقَ الْحَدِّ مُنْتَخَلاً ... وَمَارِنًا لِخُطُوبٍ قَدْ أُلاَقِيهَا)(2/141)
(هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلَ النِّهْى مُحْكَمَةً ... لُطَّتْ عَلَيَّ فَمَا تَبْدُو مَسَاوِيهَا)
(سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضَ الْبِلاَدِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا)
(قالَتْ كِنَانَةُ أَنَّى تَذْهَبُونَ بِنَا؟ ... قُلْنَا النَّخِيلَ فَأَمُّوهَا وَمنْ فِيهَا)
(نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوَمَ الْجَرِّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدٌّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا)
(هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمَّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمَّتْ قَوَاصِيهَا)
(ثُمَّتَ رُحْنَا كَأَنَّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النَّجَّارِ يَبْكِيهَا)
(كَأَنِّ هَامَهُمُ عِنْدَ الوغى فلقٌ ... من قيض ربدٍ نفته عَن أداحيها)
(أَو حنظلٌ زعزعته الرِّيحُ فِي غُصُنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرُهُ مِنْهَا سَوَافِيهَا)
(قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحًّا لاَ حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعُنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيهَا)
(وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصُّ بِالنَّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا)
(وَلَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيَّةٍ قَدْ بِتُّ أَسْرِيهَا)
(لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدِةٍ ... مِنَ الْقَرِيسِ وَلاَ تَسْرِي أَفَاعِيهَا)
(أَوْقَدْتُ فِيَها لِذِي الضَّرَّاءِ جاحمةً ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الأَرْكَانِ أَحْمِيهَا)
(أَوْرَثَنِي ذَاكُمُ عَمْرٌ ووَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِهَا)
(كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النَّجُومِ فَمَا ... دَنَّتْ عَنِ السُّورَةِ الْعلْيَا مَسَاعِيهَا)
فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت فَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلاً مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إِلَى الرَّسُولِ فَجُنْدُ الله مُخْزِيهَا)
(أَوْرَدْتُمُوهَا حِيَاضَ المَوْتِ ضَاحِيَةً ... فَالنَّارُ مَوْعِدُهَا وَالْقَتْلُ لاَقِيهَا)
(جَمَعتُمُوهُمْ أَحَابِيشًا بِلاَ حَسَبٍ ... أَئِمَّةَ الْكُفْرِ غَرَّتْكُمْ طَوَاغِيهَا)
(أَلاَّ اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ الله إِذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ أَلْقَيْنَهُ فِيهَا؟ !)
(كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلاَ ثَمَنٍ ... وَجَزِّ نَاصِيَةٍ كُنَّا مَوَالِيهَا)
قَالَ ابْن هِشَام أنشدنيها أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ لكعب بن مَالك قَالَ وَبَيت هُبَيْرَة ابْن أبي وهب وَهُوَ // (من الْبَسِيط) //(2/142)
(وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصُّ بِالنَّقَرَى المُثْرِينَ دَاعِيهَا)
يرْوى لجنوب أُخْت عَمْرو ذِي الْكَلْب الْهُذلِيّ فِي أَبْيَات لَهَا فِي غير يَوْم أحد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب بن مَالك يُجيب هُبَيْرَة بن أبي وهب // (من الطَّوِيل) //
(أَلاَ هَلْ أَتَى غَسَّانَ عَنَّا وَدُنَهُمْ ... مِنَ الأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ؟)
(صَحَارٍ وَأَعْلاَمٌ كَأَنَّ قَتَامَهَا ... مِنَ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ مُتَقَطِّعُ)
(تَظَلُّ بِهِ البُزْلُ الْعَرَامِيسُ رُزَّحًا ... وَيَخْلُوا بِهِ غَيْثُ السِّنِينَ فَيُمْرِعُ)
(بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لاَحَ كَتَّانُ التِّجَارِ الْمُوَضَّعُ)
(بِهِ الْعِينُ وَالآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَبِيضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَفَلَّعُ)
(مَجَالِدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلُّ فَخْمَةٍ ... مُذَرَّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ)
(وَكُلُّ صَمُوتٍ فِي الصِّوَانِ كَأَنَّهَا ... إِذَا لُبِسَتْ نَهْيٌ مِنَ المَاءِ مُتْرَعُ)
(وَلَكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُوا مَنْ لَقِيتُمُ ... مِنَ النَّاسِ وَالأَبْنَاءُ بِالغَيْب تَنْفَعُ)
(وَإِنَّا بِأَرْضَ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجَلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا)
(إِذَا جَاءَ مِنَّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدُّوا لِمَا يُزجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ)
(فَمَهْمَا يُهِمُّ النَّاسَ مِمَّا يَكيِدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أَوْسَعُ)
(فَلُوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا تَكِيدُهُ الْبَرِيَّةُ ... قَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَوَرَّعُوا)
(نُجَالِدُ لاَ تَبْغِي عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنَ النَّاسِ إِلاَّ أَنْ يُهَانُوا وَيُفْظَعُوا)
(وَلَمَّا ابْتَنَوْا بِالْعِرْضِ قَالَ سَرَاتُنَا ... عَلاَمَ إِذَا لَمْ نَمْنَعِ الْعِرْضَ نَزْرَعُ؟ !)
(وفِينَا رَسُولُ الله نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إِذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لاَ نَتَظَلَّعُ)
(تَدَلَّى عَلَيْهِ الرُّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ... يُنَزَّلُ مِنْ جُوِّ السَّمَاءِ وَيُرْفَعُ)
(نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُريدُ وَقَصْرُنَا ... إِذَا مَا اشْتَهَى أَنَّا نُطِيعُ ونَسْمَعُ)
(وَقَالَ رَسُولُ الله لَمَّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمُ هَوْلَ الْمَنِيَّاتِ وَاطْمَعُوا)
(وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرُّبًا ... إِلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ)
(وَلَكِنْ خُذُوا مِيثَاقَكُمْ وَتَوَكَّلُوا ... عَلَى الله إِنَّ الأَمْرَ لله أَجْمَعُ)
(فَسِرْنَا إِلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالِهِمْ ... ضُحَيًّا عَلَيْنَا الْبيضُ لاَ نَتَخَشَّعُ)(2/143)
(بِمَلْمُومَةٍ فِيهَا السَّنَوَّرُ وَالْقَنَا ... إِذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لاَ تُوَرَّعُ)
(فَجِئنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ ... أَحَابيش مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ)
(ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَنَحْنُ نصيِّةً ... ثَلاَثُ مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ)
(نُغَاوِرُهُمْ تَجْرِي الْمَنِيَّةُ بَيْنَنَا ... نَشَارِعُهُمْ حَوْضَ الَمَنَايَا وَنَشْرَعُ)
(تَهَادَى قِسِيُّ النِّبْعِ فِينَا وَفِيهِمُ ... وَمَا هُوَ إِلاَّ الْيَثْرِبِيُّ المَقْطَّعُ)
(وَمَنْجُوفَةٌ حِرْمِيَّةٌ صَاعِدِيَّةٌ ... يُذَرُّ عَلَيْهَا السم سَاعَة تصنع)
(تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرجَالِ وَتَارَةً ... تمر بأَعْرَاضَ الْبِصَارِ تَقَعْقَعَ)
(وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا ... جَرَادُ صَبًا فِي قَرَّةِ يَتَرَيَّعُ)
(فَلَمَّا تَلاَقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَا ... وَلَيْسَ لأَمْرٍ حَمَّهُ الله مَدْفَعُ)
(ضَرَبْنَاهُمُ حَتَّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنَّهُمُ بِالْقَاعِ خُشْبٌ مُصَرَّعُ)
(لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى اسَتَفَقْنَا عَشِيَّة ... كَأَنَّ ذَكَانَا حَرُّ نَارٍ تَلَفَّعُ)
(وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجَعِينَ كَأَنَّهُمْ ... جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرِّيحُ مُقْلِعُ)
(وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْم بِبِيشَةَ ضُلَّعُ)
(فَنِلْنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنَّا وَرُبَّمَا ... فَعَلْنَا وَلكِنْ مَا لَدَى الله أَوْسَعُ)
(وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمُ ... وَقَدْ جَعَلُوا كُلٌّ مِنَ الشَّرِّ يَشْبَعُ)
(وَنَحْنُ أُنَاسٌ لاَ نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةٌ ... عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَمْنَعُ)
(جِلاَدٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لاَ نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدَّهْرَ تَدْمَعُ)
(بَنُو الْحَرْبِ لاَ نَعْيَا بِشَيْءٍ نَقُولُهُ ... وَلاَ نَحْنُ مِمَّا جَرَّتِ الْحَرْبُ نَجْزَعُ)
(بَنُو الْحَرْبِ إِنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحَّشٍ ... وَلاَ نَحْنُ من أظْفَارِهَا نتوجع)
(وَكُنَّا شِهَابًا يَتَّقِي النَّاسُ حَرَّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيسْفَعُ)
(فَخَرْتَ عَلَيَّ ابْنَ الزَّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبعُ)
(فَسَلْ عَنْكَ فِي عَلْيَا مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا ... مِنَ النَّاسِ مَنْ أَخْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعُ؟ {)
(وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا؟} ... وَمَنْ خَدُّهُ يَوْمَ الْكَرِيهةِ أَضْرَع؟ ! ُ)
(شدَدْنَا بِحَوْلِ الله والنَّصْرِ شَدَّةً ... عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ الأَسِنَّةِ شُرَّعُ)(2/144)
(فَكُرُّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنَّ فُرُوعَهَا ... عَزَالَى مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَزَّعُ)
(عَمَدْنَا إِلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللِّوَاءِ فَهْوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ)
(فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى الله إِلاَّ أَمْرَهُ وَهْوَ أَصْنَعُ)
قَالَ ابْن هِشَام وَكَانَ كَعْب قد قَالَ مجالدنا عَن جذمنا كل فخمة فَقَالَ رَسُول الله
أيصلح أَن تَقول مجالدنا عَن ديننَا فَقَالَ كَعْب نعم فَقَالَ رَسُول الله
فَهُوَ أحسن فَقَالَ كَعْب مجالدنا عَن ديننَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عبد الله بن الزبعري فِي يَوْم أحد // (من الرمل) //
(يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ ... إِنَّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ)
(إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ)
(والْعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَنَا ... وَسَوَاءٌ قَبْرُ مُثْرٍ وَمُقِلْ)
(كُلُّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلّ)
(أَبْلِغَا حَسَّانَ عَنِّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشِّعْرِ يَشْفِي ذَا الْغُلَلْ)
(كَمْ تَرَى بِالْجَرِّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفٍّ قَدْ أُتِرَّتْ وَرِجِلْ)
(وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ عَرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ)
(كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيِّدٍ ... مَاجِدِ الجَدِّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ)
(صَادِقِ النَّجْدةِ قَرْمٍ بَارعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الأَسَلْ)
(فَسَلِ الْمِهْرَاسَ مَا سَاكِنُهُ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ)
(لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الأَسَلْ)
(حِينَ حَكَّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا ... واسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الأَشَلْ)
(ثُمَّ خَفُّوا عِنْدَ ذَاكُمْ رُقَّصًا ... رَقَصَ الْحَفَّانِ يَعْلُو فِي الْجَبَلْ)
(فَقَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ)
(لاَ أَلُومُ النَّفْسَ إِلاَّ أَنَّنَا ... لَوْ كَرَرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ)(2/145)
(بسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عَلَلاً تَعْلُوهُمُ بَعْدَ نَهَلْ)
فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت // (من الرمل) //
(ذَهَبَتْ يَابْنَ الزِّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنَّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ)
(وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُمُ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ)
(نَضَعُ الأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نَهْوَى عَلَلاً بَعْدَ نَهَلْ)
(نُخْرِجُ الأَصْبَحَ مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسُلاَحِ النيبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ)
(إِذْ تُوَلُّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هَرَبًا فِي الشِّعْبِ أَشْبَاهَ الرَّسَلْ)
(إِذْ شَدَدْنَا شَدِّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأنَاكُمْ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلْ)
(بِخَنَاطِيلَ كَأَشْدَافِ المَلاَ ... مَنْ يُلاَقُوهُ مِنَ النَّاسِ يُهَلْ)
(ضَاقَ عَنَّا الشِّعْبُ إِذْ نَجْزَعُهُ ... وَمَلأْنَا الْفُرْطَ مِنْهُ وَالرِّجلْ)
(بِرِجَالٍ لَسْتُمُ أَمْثَالَهُمْ ... أُيِّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ)
(وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتُّقَى ... طَاعَة الله وَتَصْدِيق الرُّسُلْ)
(وَقَتَلْنَا كُلَّ رَأْسٍ مِنْهُم ... وَقَتَلْنَا كُلَ جَحْجَاحٍ رفل)
(وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْسٍ عَوْرةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمثل)
(وَرَسُولُ اللهِ حَقًّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ والتَّنَابِيلُ الهُبَلْ)
(فِي قُرَيْش مِنْ جُمُوعٍ جَمَّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الخِصْبِ الهمَلْ)
(نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ ولْد اسْتِهَا ... نَحْضُرُ البَأْسَ إِذَا البَأْسُ نَزَلْ)
قَالَ ابْن هِشَام وأنشدني أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ وَأَحَادِيث الْمثل وَالْبَيْت الَّذِي قبله وَقَوله فِي قُرَيْش من جموع جمعُوا عَن غير ابْن إِسْحَاق قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب بن مَالك يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب وقتلى أحد(2/146)
من الْمُسلمين // (من المتقارب) //
(نَشَجْتَ وَهَلْ لَكَ مِنْ مَنْشَجِ ... وَكُنْتَ مَتَى تَذَّكِرْ تَلْجَجِ)
(تَذَكُّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزَّمَنْ الأَعْوَجِ)
(فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنَ الشَّوْقِ والحُزُنِ المْنُضَجِ)
(وَقَتْلاَهُمُ فِي جِنَانِ النَّعِيمِ ... كِرَامُ المدَاخِلِ والمخرَجِ)
(بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلّ اللِّوَاءِ ... لواءِ الرَّسُولِ بِذي الأَضْوُجِ)
(غَدَاةَ أَجَابَتْ بأسْيَافها ... جَمِيعًا بَنُو الأَوْسِ والخزرجِ)
(وأَشياع أحْمَدَ إِذْ شايعوا ... عَلَى الْحق ذِي النُّورِ والمنْهج)
(فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي القَسْطَلِ المُرْهَجِ)
(كَذَلِكَ حَتَّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إِلَى جَنّةٍ دَوْحَةِ المَوْلجِ)
(فَكُلُّهُمُ مَاتَ حُرَّ البَلاَءِ ... عَلَى مِلَّةِ اللهِ لَمْ يَحْرَجِ)
(كَحَمْزَةَ لمّا وَفَى صَادِقًا ... بِذِي هَبَّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجِ)
(فَلاَقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كالجمَلِ الأَذْعَجِ)
(فأَوجَرَهُ حَرْبَةً كَالشِّهَابِ ... تَلَهَّبُ فِي اللهَبِ المُوهَجِ)
(وَنُعمانُ أوْفى بميثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الخيرِ لم يُحْنَجِ)
(عَن الحَقِّ حَتَّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إِلَى مَنْزِلٍ فَاخِرِ الزِّبْرِج)
(أولئكَ لاَ مَنْ ثوى مِنْكُمُ ... مِنَ النَّارِ فِي الدَّرَكِ المُرْتَجِ)
فَأَجَابَهُ ضرار بن الْخطاب الفِهري // (من المتقارب) //
(أَيجْزَعُ كَعْب لأشياعهِ ... ويبكي من الزَّمن الأعوج؟ !)
(عَجِيجَ المُذَكِّي رَأَى إِلْفَهُ ... تَرَوَّحَ فِي صَادِرٍ مُحْنَجِ)
(فَرَاحَ الرَّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعِجُ قَسْرًا وَلَمْ يُحْدَجِ)
(فَقُولاَ لِكَعْبٍ يُثَنِّ البُكَا ... وَللنيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضجِ)
(لِمَصْرَعِ إِخْوَانِهِ فِي مَكَرِّ ... مِنَ الْخَيل ذِي قَسْطَلٍ مُرْهجِ)
(فَيَا لَيْتَ عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمْعِنَا السَّوْرَجِ)
(فَيَشْفُوا النُّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصيبَتْ مِن الخَزْرَجِ)(2/147)
(وَقَتْلَى من الأوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصيبوا جَمِيعًا بِذِي الأضْوُجِ)
(وَمَقْتلِ حَمْزَةَ تَحْتَ اللِّوَاءِ ... بِمُطَّرِدٍ مَارِنٍ مُخْلَجِ)
(وَحَيْثُ انثنى مضعب ثاويا ... بضربة ذِي هبة سلجج)
(بِأُخدٍ وأَسْيَافُنَا فِيهمُ ... تَلَهَّبُ كَالّلَهَبِ المُوهِجِ)
(غَدَاةَ لقينَاكُمُ فِي الحَديدِ ... كَأُسْدِ البَرَاحِ فَلَمْ نُعنَجِ)
(بِكُلِّ مُجَلَّحَةٍ كَالعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةٍ مُسْرَجِ)
(فَدُسْنَاهُمُ ثَمَّ حَتَّى انثَنَوْا ... سِوَى زَاهِقِ النَّفْسِ أَوْ مُحْرَجِ)
قَالَ ابْن هِشَام وَبَعض أهل الْعلم بالشعر ينكرُ هَذَا لِضِرَار وَقَول كَعْب ذِي النُّور والمنهج عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عبد الله بن الزبعري فِي يَوْم أحد // (من الطَّوِيل) //
(ألاَ ذَرَفَتْ مِنْ مقلَتَيْكَ دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشَّبَابِ قُطُوعُ؟ !)
(وشَطَّ بِمَنْ تَهْوَى المزَارُ وَفَرَّقَتْ ... نَوَى الحيِّ دَارٌ بِالحَبِيب فَجُوعُ)
(وَلَيْسَ لِمَا وَلَّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طَالَ تَذْرَافُ الدُّمُوع رُجُوعُ)
(فَذَرْ ذَا وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمَّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي والحدِيثُ يشيعُ)
(وَمَجْنَبُنَا جُرْدًا إِلى أَهْلِ يثْرِبٍ ... عَنَاجِيجَ مِنْهَا مُتْلَدٌ وَنَزِيعُ)
(عَشيَّةَ سِرْنَا فِي لهامٍ يَقُودنا ... ضَرُورُ الأَعَادِي للصدِيقِ نَفُوعُ)
(نَشُّدُّ عَلَيْنَا كُلَّ زَعْفٍ كَأَنَّهَا ... غَدِيرٌ بِضَوْجِ الوَادِبَيْنِ نَقِيعُ)
(فَلَمَّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْر هَنَاكَ فَظِيعُ)
(وَوَدُّوا لَوَ انَّ الأَرْضَ يَنْشَقُّ ظَهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ القَوْمِ ثَمَّ جَزُوعُ)
(وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ كَأَنَّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقَّى فِي الأَبَاءِ سَرِيعُ)
(بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلَّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوّ ذَرِيعُ)
(فَغَادَرْنَ قَتْلَى الأَوْسِ عَاصِبَةً بِهِمْ ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَفِينَ وقُوعُ)
(وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ فِي كُلَّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ منْ وَقْعِهِنَّ نَجِيعُ)
(وَلَوْلاَ عُلُوُّ الشِّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدًا ... وَلَكِنْ عَلاَ والسَّمْهَرِيُّ شَرُوعُ)
(كَمَا غَادَرَتْ فِي الكرِّ حّمْزَةَ ثَاوِيًا ... وفِي صَدْرِهِ مَاضِي الشَّبَاةِ وَقِيعُ)(2/148)
(وَنُعْمَانَ قَدْ غَادرْنَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَحِفْنَ وُقُوعُ)
(بِأُحْدٍ وَأَرْمَاحُ الكُمَاةِ يُرُدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ الدِّلاَءِ نُزُوعُ)
فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(أَشَاقَكَ مِنْ أُمِّ الولِيدِ ربُوعُ ... بلاَقِعُ مَا منْ أَهْلِهِنَّ جَمِيعُ؟)
(عَفَاهُنَّ صَيْفِيُّ الرِّيَاحِ وَوَاكِفُ ... مِنَ الدَّلْوِ رَجَّافُ السِّحَابِ هَمُوعُ)
(فَلَمْ يَبْق إِلاَّ مَوْقِدُ النَّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمثَالُ الْحمام كنوعُ)
(فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بددتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتينَاتِ الحبَالِ قَطُوعُ)
(وَقُلْ إِنْ يَكُنْ يَوْمٌ بِأُحْدٍ يَعُدُّهُ ... سَفِيهٌ فَإِنَّ الحَقَّ سَوْفَ يَشيعُ)
(فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الأَوْسِ كُلُّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هَنَاكَ رَفِيعُ)
(وَحَامى بَنُو النَّجَّارِ فِيهِ وَصَابروُا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي اللقَاءِ جزوعُ)
(أَمَام رسُولِ اللهِ لَا يخذلُونه ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَشَفِيعُ)
(وَفَوْا إِذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبِّكُمْ ... وَلاَ يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى وَمُضِيعُ)
(بِأَيْدِيهمُ بِيضٌ إِذَا حَمِشَ الوَغَى ... فَلاَ بُدَّ أنْ يَرْدَى لَهُنَّ صَرِيعُ)
(كَمَا غَادَرَتْ فِي النَّقْعِ عُتْبَةَ ثَاوِيًا ... وسَعْدًا صَرِيعاً والوشِيجُ شُرُوعُ)
(وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ العَجَاجَةِ مُسْنَدًا ... أُبيًّا وَقَدْ بَلَّ القَمِيصَ نَجِيعُ)
(بِكَفِّ رَسُولِ الله حَيْثُ تَنصَّبَتْ ... عَلَى القَومِ مِمَّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوعُ)
(أُولئِكَ قَوْمٌ سَادَةٌ مِنْ فَرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلِّ قَوْمٍ سَادَةٌ وَفُرُوعُ)
(بِهِنَّ نُعِزُّ الله حَتَّى يُعِزَّنَا ... وَإِنْ كَانَ أَمْرٌ يَا سَخِينَ فظيعُ)
(فَلاَ تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهِمُ ... قَتِيلٌ ثَوَى لِلهِ وَهْوَ مُطِيعُ)
(فَإِنَّ جِنَانَ الخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الَّذِي يَقْضِي الأُمُورَ سَرِيعُ)
(وَقَتْلاَكُمُ فِي النَّارِ أَفْضَلُ رِزْقِهِمْ ... حَمِيمٌ مَعًا فِي جَوْفِهَا وضَرِيعُ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ فِي يَوْم أحد // (من الطَّوِيل) //
(خَرَجْنَا مِنَ الفيفا عَلَيْهِم كأّنَّنَا ... مَعَ الصُّبْحِ مِنْ رَضْوَى الحبيكُ المنطقُ)
(تَمَنَّتْ بَنُو النَّجَّارِ جَهْلاً لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبِ سَلْعٍ وَالأمَانيُّ تَصْدُقُ)(2/149)
(فَمَا رَاعَهُمْ بِالشَّرَّ إِلاَّ فُجَاءَةً ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الأَزِقَّةِ تَمْرُقُ)
(أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونَ القِبَابِ اليَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرِّقُ)
(وكانَتْ قِبَابًا أومنَتْ قَبْلَ مَا تَرَى ... إِذَا رَامَهَا قَوْم أُبِيحُوا وأُحْنِقُوا)
(كَأَن رُءُوس الخزرجيين غُدْوَةً ... وَأَيْمَانَهُمْ بِالمشَرفِيَّةِ بَرْوَقُ)
فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك فِيمَا ذكر ابْن هِشَام فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(أَلا أبلغا فهراً عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وعنْدَهُمُ مِنْ عِلْمنَا اليَوْمَ مَصْدَقُ)
(بِأُنَّا غَدَاةَ السَّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبٍ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ المَنيَّةِ تَخْفِقُ)
(صَبَرْنَا لَهُمْ والصَّبْر مِنَّا سَجِيَّةٌ ... إِذَا طَارَتِ الأَبْرَامُ نَسْمُو وَنَرْتُقُ)
(عَلَى عَادَةٍ تِلْكُمْ جَرَيْنَا بِصَبْرِنَا ... وَقِدْمًا لَدى الغَايَاتِ نَجْرِي فَنَسْبِقُ)
(لَنَا حَوْمَةٌ لاَ تُسْتَطَاعُ يَقُودُها ... نَبِيٌّ أَتى بِالحَقّ عَفٌّ مُصَدَّقُ)
(أَلاَ هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْن مَالِكٍ ... مُقَطَّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ مُفَلَّقُ)
وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ // (من مجزوء الْكَامِل) //
(لَمَّا رَأَيْتُ الحرْبَ يَنْزُو ... شَرّهَا بِالرَّضْفِ نَزْوَا)
(وَتَنَازَلَتْ شَهْبَاءُ تَلْحُو ... النَّاسَ بِالضَّرَّاءِ لحْوَا)
(أَيْقَنْتُ أَنَّ الموتَ حَقْق ... وَالحياةُ تَكُونُ لغْوَا)
(حَمَّلْتُ أَثْوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذُ الخيْلَ رَهْوَا)
(رَبِذٍ كَيَعْفُورِ الصَّرِيمةِ ... رَاعَهُ الرَّامُونَ دَحْوَا)
(شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إِرْخَاءً وَعَدْوَا)
(فَفِدًى لَهُمْ أُمِّي غَدَاةَ ... الرَّوْعِ إِذْ يَمْشُونَ قَطْوَا)
(سَيْرَا إِلَى كَبْشِ الْكَتيبَةِ ... إِذْ جَلَتْهُ الشَّمْسُ جَلْوَا)
قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأَجَابَهُ كَعْب بن مَالك فَقَالَ // (من الْبَسِيط) //(2/150)
(وَيَوْمَ بَدْرٍ لقينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكَالٌ وَجِبْرِيلُ)
(إِنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الحقِّ فِطْرَتُنَا ... والقتْلُ فِي الحقِّ عِنْدَ اللهِ تَفْضِيلُ)
(وَإِنْ تَرَوْا أمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الإسْلاَمَ تَضْلِيلُ)
(فَلاَ تَمَنَّوْا لِقَاحَ الحربِ واقْتَعِدُوا ... إِنَّ أَخَا الحربِ أَصْدى اللَّوْنِ مَشْغُولُ)
(إِنَّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تُرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضَّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلٌ)
(إنَّا بَنُو الحرْبِ نَمْرِيهَا وَنْنْتُجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذوِي الأَضَغَانِ تَنْكِيلُ)
(إِنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التَّرَاقِي وَأَمْرُ اللهِ مَفْعُولُ)
(فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوعظةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبٌّ وَمَعْقُولُ)
(وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السَّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ البَطْحَاءِ تَرعيلُ)
(تَلْقَاكُمُ عُصَبٌ حَوْلَ النَّبِيِّ لَهُمْ ... مِمَّا يُعِدّونَ لِلْهَيْجَا سَرَابِيلُ)
(مِنْ جَذْمِ غَسَّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لاَ جُبَنَاءُ وَلاَ ميلٌ مَعَازِيلُ)
(يَمْشُونَ تَحْتَ عَمَايَاتِ القِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي المصَاعِبةُ الأُدْمُ المَرَاسِيلُ)
(أَوْ مثْل مشْي أُسُود الطلِّ أَلثْقَهَا ... يَوْمُ رَذَاذٍ مِنَ الجَوْزَاءِ مَشْمُولُ)
(فِي كُلِّ سَابِغَةٍ كَالنِّهْي مُحْكَمَةٍ ... قِيَامُهَا فَلَجٌ كَالسَّيْفِ بُهْلُولُ)
(تَرُدُّ حَدَّ قِرَانِ النَّبْلِ خَاسِئةً ... وَيَرْجِعُ السَّيْفُ عَنْهَا وَهْوَ مَفْلُولُ)
(وَلَوْ قَذَفتمْ بِسَلْعٍ عَنْ ظُهُورِكُمُ ... وَلِلْحَيَاةِ وَدَفْعِ الموْتِ تَأْجِيلُ)
(مَا زَالَ فِي القَوْمِ وَتْرٌ منْكُمُ أَبدًا ... تَعْفُو السلاَمُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَطْلُولُ)
(عَبْدٌ وَحُرٌّ كَرِيمٌ مُوثَقٌ قَنَصًا ... شَطْرَ المَدينةِ مَأْسُورٌ وَمَقْتُولُ)
(كُنَّا نُؤمِّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعجَلَكُمْ ... مِنَّا فَوَارِسُ لاَ عُزْلٌ وَلاَ مِيلُ)
(إِذَا جَنَى فِيهِمُ الجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقَّا بِأَنَّ الَّذِي قَدْ جَرَّ مَحْمُولُ)
(مَا يَجْنِ لاَ يَجْنِ مِنْ إِثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلاَ مَلُومٌ وَلاَ فِي الغُرْمِ مَخْذُولُ)
وَقَالَ حسان بن ثَابت يذكر عدَّة أَصْحَاب اللِّوَاء يَوْم أحد // (من الْخَفِيف) //
(مَنَعَ النَّوْمَ بِالعشاءِ الهُمُومُ ... وخَيَالٌ إِذَا تَغُورُ النُّجُومُ)
(مِنْ حَبِيبٍ أَصَابَ قَلْبَكَ مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهْوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ)(2/151)
(يَالَقَوْمي هَلْ يَقْتُلُ المرءَ مِثْلي ... وَاهِنُ البَطْشِ والعِظَامِ سَئُومُ؟)
(لَوْ يَدِبُّ الحولِيُّ مِنْ وَلدِ الذّرْ ... رِعَلَيْهَا لأَنْدَبَتْهَا الكُلُومُ)
(شَأْنُهَا العِطْرُ والفِرَاشُ وَيَعْلُوهَا ... لجينٌ وَلُؤلُؤٌ مَنْظُومُ)
(لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النَّهَارِ بشيءٍ ... غَيْرَ أَنَّ الشَّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ)
(إِنَّ خَالِي خَطِيبُ جَابيَةِ الجولاَنِ ... عِنْدَ النُّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ)
(وأَنَا الصِّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانُ فِي الكُبُولِ سَقِيمُ)
(فَأُبي وَوَاقِدٌ أُطْلقَا لِي ... يَوْمَ رَاحَا وَكَبْلُهُ مَحْطُومُ)
(وَرَهَنْتَ اليَدَين عَنْهُم جَمِيعًا ... كُلُّ كَفّ جُزءٌ لَهَا مَقْسُومُ)
(وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذَّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلُّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ)
(وَأَبِي فِي سُمَيْحَة القَاتِلُ الْفَاصِلُ ... يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ الْخُصُومُ)
(تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزِّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ)
(رُبَّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ المَالِ ... وَجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ)
(إِنَّ دَهْرًا يَبُورُ فِيهِ ذَوُو الْعِلْمِ ... لَدَهْرٌ هُوَ الْعَتُوُّ الزَّنِيمُ)
(لاَ تَسُبَّنَّنِي فَلَسْتَ بِسِبِّي ... إِنَّ سِبِّي مِنَ الرِّجَالِ الْكَرِيم)
(مَا أُبَالِي أَنّبَّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ)
(وَلِيَ الْبَأْسُ مِنْكُمُ إِذْ رَحَلْتُمْ ... أُسْرَةٌ مِنْ بَنِي قُصَيِّ صَمِيمُ)
(تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللِّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رعَاعٍ مِنَ الْقَنَا مَخْزُومُ)
(وَأَقَامُوا حَتَّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلُّهُمْ مَذْمُومُ)
(بِدَمِ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقيمُوا إِنَّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ)
(وَأَقَامُوا حَتَّى أُزِيرُوا شَعُوبًا ... وَالْقَنَا فِي نُحُورِهِمْ مَحْطُومُ)
(وَقُرَيْشٌ تَفِرُّ مِنَّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفَّ مِنْهَا الْحُلُومُ)
(لَمْ تطِقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إِنَّمَا يَحْمِلُ اللوَاءَ النُّجُومُ)
قَالَ ابْن هِشَام وأنشدني أَبُو عُبَيْدَة للحجاج بن علاط السّلمِيّ يمدح عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَيذكر قَتله طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بن العَبْد الْعزي بن عُثْمَان بن عبد الدَّار صَاحب لِوَاء الْمُشْركين يَوْم أحد // (من الْكَامِل) //(2/152)
(لله أَيُّ مُذَبِّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعِمِّ الْمُخُوِلاَ)
(سَبَقَتْ يَدَاكَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدَّلاَ)
(وَشّدَدْتَ شَدَّةَ بَاسِلٍ فَهَزَمْتَهُمْ ... بِالْجَرِّ إِذْ يَهُوونَ أَخْوَلَ أَخُولاَ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمن أُصِيب من أَصْحَاب رَسُول الله
يَوْم أحد // (من مجزوء الْكَامِل) //
(يَامَيُّ قُومِي فَانْدُبْننَّ ... بِسُحْرَةٍ شَجْوَ النَّوَائِحْ)
(كَالْحَامِلاَتِ الْوَقْرَ بِالثْثِقْلِ ... الْمُلحَّاتِ الدَّوَالِحْ)
(أَلْمُعْولاَتِ الْخَامِشَاتِ ... وُجُوهَ حُرَّاتٍ صَحَائِحْ)
(وَكَأّنَّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الأَنْصَابُ ... تُخْضَبُ بِالذَّبَائِحْ)
(يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنَ ... هُنَاكَ بَادِيَةَ الْمَسَائِحْ)
(وَكَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ ... بالضُّحَى شُمْسٍ رَوَامِحْ)
(مِنْ بَيْنِ مَشْرُورٍ ومَجْزُورٍ ... يُذَعْذَعُ بِالْبَوَارِحْ)
(يَبْكِينَ شَجْوَ مُسَلَّبَاتٍ ... كَدَّحَتْهُنَّ الكَوَادِحْ)
(وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جُلَبٌ قَوَارِحْ)
(إِذْ أَقْصَدَ الْحِدْثَانُ مَنْ ... كُنَّا نُرجِّي إِذْ نُشَايِحْ)
(أَصْحَابَ أُحْدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمَّ لَهُ جَوَارِحْ)
(مَنْ كَانَ فَارِسَنَا وَحَامِيَنَا ... إِذَا بُعِثَ الْمَسَالِحْ)
(يَا حَمْزَ لاَ وَالله لاَ ... أَنْسَاكَ مَا صُرَّ اللقَائِحْ)
(لِمُنَاخِ أَيْتَامٍ وَأَضْيَافٍ ... وَأَْرمَلَةٍ تُلاَمِحْ)
(وَلَمَا يَنُوبُ الدَّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لحَرْبٍ وَهْيَ لاَقِحْ)
(يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزَ قَدْ كُنْتَ المُصَامِحْ)
(عَنَّا شَدِيدَاتِ الْخُطُوبِ ... إِذَا يَنُوبُ لَهُنَّ فَادِحْ)
(ذَكَّرْتَنِي أَسَدَ الرَّسُولِ ... وَذَاكَ مِدْرَهُنَا المُنَافِحْ)
(عَنَّا وَكَانَ يُعَدُّ إِذْ ... عُدَّ الشَّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ)(2/153)
(يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرَّ وَاضِحْ)
(لاَ طَائِشٌ رَعِشٌ وَلاَ ... ذُو عِلَّةٍ بِالْحَمْلِ آنِحْ)
(بَحْرٌ فَلَيْسَ يُغِبُّ جارًا ... مِنْهُ سَيْبٌ أَوْ مَنَادِحْ)
(أَوْدَى شَبَابُ أُولِي الْحَفَائِظِ ... وَالثُّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ)
(أَلْمُطْعِمُونَ إِذَا الْمَشَاتِي ... مَا يُصَفِّقُهُنَّ نَاضِحْ)
(لَحْمَ الْجَلاَدِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ)
(لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضِّغْنِ الْمُكَاشِحْ)
(لَهْفِي لشبَّانٍ رُزِئْنَاهُم ... كَأَنَّهُم الْمَصَابِحْ)
(شُمِّ بَطَارِقَةٍ غَطَارِفَةٍ ... خضَارِمَةٍ مَسَامِحْ)
(أَلْمُشْتَرُونَ الْحَمْدَ بِالأمْوَالِ ... إِنَّ الْحَمْدَ رَابِحْ)
(وَالْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إِذَا مَا صَاحَ صَائِحْ)
(مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنَّوَاقِرِ ... مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِحْ)
(مَا إِنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسَمنْ فِي غُبْرٍ صَحَاصِحْ)
(رَاحَتْ تَبَارَى وَهْوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمُ رَوَاشِحْ)
(حَتَّى تَئُوبَ لَهُ الْمَعَالِي ... لَيْسَ منْ فَوْزِ السَّفَائِحْ)
(يَا حَمْزَ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذَبَهُ الْكَوَافِحْ)
(أَشْكُو إِلَيْكَ وَفَوْقَك التتُرْبُ ... الْمُكَوَّرُ وَالصَّفَائِحْ)
(مِنْ جَنْدَلٍ يُلْقِيهِ فَوْقَكَ ... إِذْ أَجَادَ الضَّرْحَ ضَارِحْ)
(فِي وَاسِعٍ يَحْثُونَهُ ... بِالتُّرْبِ سَوَّتْهُ الْمَمَاسِحْ)
(فَعَزَاؤُنَا أَنَّا نَقُولُ ... وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحْ)
(مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهْوَ عَمْمَا ... أَوْقَعَ الْحِدثَانُ جَانِحْ)
(فَلْيَأَتِنَا فلتبك عَيناهُ ... لهلكنا النوافخ)
(ألقائلين الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السَّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحْ)
(مَنْ لاَ يَزَالُ نَدَى يَدَيْهِ ... لَهُ طِوَالَ الدَّهْرِ مَائِحْ)
قَالَ ابْن هِشَام وَأكْثر أهل الْعلم بالشعر ينكرها لحسان وبيته المطمعون إِذا المشاتي وبيته والجامزون بلحمهم وبيته من كَانَ يَرْمِي بالنواقر عَن غير(2/154)
ابْن إِسْحَاق قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ حسان بن ثَابت أيضَاً يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من السَّرِيع) //
(أَتَعْرِفُ الدَّارَ عَفَا رَسْمَهَا ... بَعْدَكَ صَوْبُ المُسْبِلِ الْهَاطِلِ)
(بَيْنَ السَّرَادِيحِ فأُدْمَانَةٍ ... فَمَدْفَعِ الرَّوْحَاءِ فِي حَائِلِ)
(سَأَلْتُهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السَّائِلِ)
(دَعْ عَنْكَ دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النَّائِلِ)
(أَلْمَالِىء الشِّيزَى إِذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشَّبِمِ الْمَاحِلِ)
(والتَّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذَابِلِ)
(وَاللاِّبِسِ الْخَيْلَ إَذَا أَحْجَمَتْ ... كَالليثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ)
(أَبْيَضُ فِي الذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمْرِ دُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ)
(مَالَ شَهِيداً بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شَلَّتْ يَدَا وَحْشِيِّ مِنْ قَاتِلِ)
(أَيَّ امْرِىء غَادَرَ فِي أَلَّةٍ ... مَطْرُورَةٍ مَارِنَةِ الْعَامِلِ)
(أَظْلَمَتِ الأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدَّ نُورُ الْقَمَرِ النَّاصِلِ)
(صلَّى عَلَيْهِ الله فِي جَنَّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةِ الدَّاخِلِ)
(كُنَّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ... فِي كُلِّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ)
(وَكَانَ فِي الإِسْلاَمِ ذَا تُدْرَإ ... يَكْفِيكَ فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ)
(لاَ تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَجْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ الثَّاكِلِ)
(وَابْكِي عَلَى عُتْبَةَ إِذْ قَطَّهُ ... بِالسَّيْفِ تَحْتَ الرَّهَجِ الْجَائِلِ)
(إِذْ خَرَّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمُ ... مِنْ كُلِّ عَاتٍ قَلْبُهُ جَاهِلِ)
(أَرْدَاهُمُ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ)
(غَدَاةَ جِبْرِيلُ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الفَارِسِ الْحَامِلِ)
وَقَالَ كَعْب بن مَالك يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من الْكَامِل) //
(طَرَقَتْ هُمُومُكَ فَالرُّقَادُ مُسَهَّدُ ... وَجَزِعْتَ أَنْ سُلِخَ الشَّبَابُ الأَغْيَدُ)(2/155)
(وَدَعَتْ فُؤَادَكَ لِلْهَوَى ضَمْرِيَّةٌ ... فَهَوَاكَ غَوْرِيٌّ وَصَحْبُكَ مُنْجِدُ)
(فَدَعِ التَّمَادِي فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْتَ فِي طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ)
(وَلَقَدْ أَنَى لَكَ أنْ تَنَاهَى طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقَ إِذَا نَهَاكَ الْمُرْشِدُ)
(وَلَقَدْ هُدِدْت لِفَقْدِ حَمْزَةً هَدَّةً ... ظَلَّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تُرْعَدُ)
(وَلَوَ انَّهُ فُجِعَتْ حِرَاءُ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْتَ رَاسِيَ صَخْرِهَا يَتَبَدَّدُ)
(قِرْمٌ تَمَكَّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النُّبُوَّةُ وَالنَّدَى وَالسُّؤْدَدُ)
(وَالْعَاقِرُ الْكُوَمِ الْجِلاَدِ إَذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ)
(وَالتَّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيَّ مُجَدَّلاً ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَفَصَّدُ)
(وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الْحَدِيدِ كَأَنَّهُ ... ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ الْبَرَاثِنِ أَرْبَدُ)
(عَمُّ النَّبِي مُحَمَّدٍ وَصَفِيُّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ)
(وَأَتَى الْمَنِيَّةَ مُعْلَمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النَّبِيَّ وَمِنْهُمُ الْمُسْتَشْهِدُ)
(وَلَقَدْ إِخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشِّرَتْ ... لِتُمِيتَ دَاخِلَ غُصَّةٍ لاَ تَبْرُدُ)
(مِمَّا صَبَحْنَا بِالْعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغَيَّبَ فِيهِ عَنْهَا الأَسْعَدُ)
(وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجَوهَهُمْ ... جَبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ)
(حَتَّى رَأَيْتُ لَدَى النَّبِيِّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ نَقْتُلُ مَنْ نَشَاءُ ونَطْرُدُ)
(فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطَّنِ مِنْهُمُ ... سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمُ وَالأَسْوَدُ)
(وَابْنَ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ... فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشَاشٌ مُزْبِدُ)
(وَأُمَيَّةُ الْجُمَحِيُّ قَوَّمَ مَيْلَهُ ... عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مُهَنَّدُ)
(فأَتَاكَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُمْ ... وَالْخَيْلُ تَثْفُنُهُمْ نَعَامٌ شُرَّدُ)
(شَتَّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنَّمَ ثَاوِيًا ... أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ مُخَلَّدُ)
وَقَالَ كَعْب أَيْضا يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من المتقارب) //
(صَفِيَّةُ قُومِي وَلاَ تَعْجِزِي ... وَبَكِّي النِّسَاءَ عَلَى حَمْزَةِ)
(وَلاَ تَسْأَمِي أَنْ تُطِيلي البُكَا ... عَلَى أَسَدِ الله فِي الْهِزَّةِ)
(فَقَدْ كَانَ عِزًّا لأَيْتَامِنَا ... وَلَيْثَ الْمَلاَحِمِ فِي الْبِزَّةِ)(2/156)
(
(يُرِيدُ بِذَاكَ رَضَا أَحْمَدٍ ... وَرِضْوَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْعِزَّةِ)
وَقَالَ كَعْب أَيْضا فِي يَوْم أحد // (من المتقارب) //
(إِنَّكِ عَمْرَ أَبِيكِ الْكَرِيمِ ... إِنْ تَسْأَلِي عَنْكِ مَنْ يَجْتَدِينَا)
(فَإِنْ تَسْأَلِي ثُمَّ لاَ تُكْذَبِي ... يُخَبِّرْكِ مَنْ قَدْ سَأَلْتِ الْيَقِينَا)
(بِأَنَّا لَيَالي ذَاتِ الْعِظَامِ ... كُنِّا ثِمَالاً لِمَنْ يَعْتَرِينَا)
(تَلُودُ النَّجُودُ بِأَذْرَائِنَا ... مِنَ الضُّرِّ فِي أَزَمَاتِ السِّنِينَا)
(بِجَدْوَى فَضُولِ أُولِي وُجْدِنَا ... وَبِالصَّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي الْمُعْدمِينَا)
(وَأَبْقَتْ لَنَا جَلَمَاتُ الْحُرُوبِ ... مِمَّا نُوَازِي لَدُنْ أَنْ بُرِينَا)
(مَعَاطِنَ تَهْوِي إِلَيْهَا الْحُقُوقُ ... يَحْسَبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا)
(تُخُيِّسُ فِيهَا عِتَاقُ الْجَمَالِ ... صُحْمًا دَوَاجِنَ حُمْرًا وَجُونًا)
(وَدُفَّاعَ رَجْلٍ كَمَوْجِ الْفُرَاتِ ... يَقْدُمُ جَأْوَاءَ جُولاً طَحُونَا)
(تَرَى لَوْنَهَا مِثْلَ لَوْنِ النَّجُّومِ ... رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ النَّاظِرِينَا)
(فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلاً ... فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمَّنْ يَلِينَا)
(بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إِنْ قَلَّصَتْ ... عَوَانًا ضَرُوساً عضُوضاً حَجُونَا)
(أَلَسْنَا نَشُدُّ عَلَيْهَأ الْعِصَابَ ... حَتَّى تَدِرَّ وَحَتَّى تَلِينَا)
(وَيَوْمٍ لَهُ رَهَجٌ دَائِمٌ ... شَدِيدِ التَّهَاوُلِ حَامِي الإِرِينَا)
(طَوِيلٍ شَدِيدِ أُوَارِ الْقِتَالِ ... تَنْفِي قَوَاحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا)
(تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ ... ثِمَالاً عَلَى لَذَّةٍ مُتْرِفِينَا)
(تَعَاوَرُ أَيْمَانُهُمْ بَيْنَهُمْ ... كُئُوسَ الْمَنَايَا بحَدِّ الظُّبِينَا)
(شَهِدْنَا فَكُنَّا أُولِي بَأْسِهِ ... وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ وَالْمُعْلَمِينَا)
(بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ ... وَبُصْريَّةٍ قَدْ أَجِمْنَ الْجُفُونَا)
(فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ ... وَمَا يَنْتَهِينَ إِذَا مَا نُهِينَا)
(كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ ... يُفَجِّعْنَ بِالظِّلِّ هَامًا سُكُونَا)
(وَعَلَّمَنَا الضَّرْبَ آبَاؤُنَا ... وَسَوْفَ نُعَلِّمُ أَيْضًا بَنِينَا)
(جِلاَدَ الْكُمَاةِ وَبَذْلَ التِّلاَدِ ... عَنْ جُلِّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا)(2/157)
(إِذَا مَرَّ قِرْنٌ كَفَى نَسْلَهُ ... وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا)
(نَشِبُّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا ... وَبَيْنَا نُرَبِّي بَنِينَا فَنِينَا)
(سأَلْتُ بِكَ ابْنَ الزِّبَعْرَى فَلَمْ ... أُنَبَّأْكَ فِي الْقَوْمِ إِلاَّ هَجِينَا)
(خَبِيثًا تُطِيفُ بِكَ الْمُنْدِيَاتُ ... مُقِيمًا عَلَى اللؤْمِ حِينًا فَحِينَا)
(تَبَجَّسْتَ تَهْجُو رَسُولَ الْمَلِيكِ ... قَاتَلَكَ الله جِلْفّا لَعِينَا)
(تَقُولُ الْخَنَا ثُمِّ تَرْمِي بِهِ ... نَقِيَّ الثِّيَابِ تَقِيًّا أَمِينَا)
قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني بَيته بِنَا كَيفَ نَفْعل وَالْبَيْت الَّذِي يَلِيهِ وَالْبَيْت الثَّالِث مِنْهُ وَصدر الرَّابِع مِنْهُ وَقَوله نشب وتهلك آبَاؤُنَا وَالْبَيْت الَّذِي يَلِيهِ وَالثَّالِث مِنْهُ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب بن مَالك أَيْضا فِي يَوْم أحد // (من الْبَسِيط) //
(سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السَّفْحِ من أُحُدٍ ... مَاذَا لَقِينَا وَمَا لاَقَوْا مِنَ الْهَرَب؟ ! ِ)
(كُنَّا الأُسُودَ وَكَانُوا النُّمْرَ إِذْ زَحَفُوا ... مَا إِنْ نُرَاقِبُ مِنْ إِلٍّ وَلاَ نَسَبِ)
(فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيد بَطَلٍ ... حَامِي الذَّمَارِ كَرِيمِ الْجَدِّ وَالْحَسَبِ)
(فِينَا الرَّسُولُ شِهَابٌ ثَمَّ نَتْبَعُهُ ... نُورٌ مُضِيءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الشُّهُبِ)
(أَلْحَقُّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ ... فَمَنْ يُجِبْهُ إِلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ)
(نَجْدُ الْمُقَدَّمِ مَاضِي الْهَمِّ مُعْتَزِمٌ ... حِينَ الْقُلُوبُ عَلَى رَجْفٍ مِنَ الرُّعُبِ)
(يَمْضِي وَيَذْمُرُنَا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ... كَأَنَّهُ الْبَدْرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ)
(بَدَا لَنَا فَاتَّبَعْنَاهُ نُصَدِّقُهُ ... وَكَذّبُوهُ فَكُنَّا أَسْعَدَ الْعَرَبِ)
(جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَلَا رَجَعُوا ... وَنَحْنُ نَثْفِنُهُمْ لَمْ نَأْلُ فِي الطَّلَبِ)
(لَيْسَا سَوَاءً وَشَتَّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا ... حِزْبُ الإِلَهِ وَأَهْلُ الشِّرْكِ وَالنُّصُبِ)
قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني من قَوْله نمضي ويذمرنا إِلَى آخرهَا أَبُو زيد قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ عبد الله بن رَواحة يبكي حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ ابْن هِشَام أنشدنيها أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ لكعب بن مَالك // (من الوافر) //
(بَكَتْ عَيْنِي وحقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلاَ العَوِيلُ)(2/158)
(علَى أَسَدِ الإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أَحَمْزَةُ ذَاكُمُ الرَّجُلُ الْقَتِيلُ)
(أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ)
(أَبَا يَعْلَى لَكَ الأَرْكَانُ هُدَّتْ ... وَأَنْتَ الْمَاجِدُ البَرُّ الْوَصُولُ)
(عَلَيْكَ سَلاَمُ رَبِّكَ فِي جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لاَ يَزُولُ)
(أَلاَ يَا هَاشِمُ الأَخْيَارُ صَبْرًا ... فَكُلُّ فَعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ)
(رَسُولُ الله مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ... بِأَمْرِ الله يَنْطِقُ إِذْ يَقُولُ)
(أَلاَ مَنْ مُبلِغٌ عَنِّي لُؤَيًّا ... فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ)
(وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ... وَقَائِعنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ)
(نَسِيتُمْ ضَرْبَنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أَتَاكُمُ الْمَوتُ الْعَجِيلُ)
(غَدَاةَ ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ حَائِمَةً تَجُولُ)
(وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرَّا جَمِيعًا ... وَشَيْبَةُ عَضَّهُ السَّيْفُ الصَّقِيلُ)
(وَمَتْرَكُنَأ أُمَيَّةَ مُجْلَعِبًّا ... وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلُ)
(وَهَامَ بَنِي رَبِيعَةَ سَائِلُوهَا ... فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فَلُولُ)
(أَلاَ يَا هِنْدُ لاَ تُبْدِي شَمَاتًا ... بِحَمْزَةَ إِنَّ عِزَّكُمُ ذَلِيلُ)
(أَلاَ يَا هِنْدُ فَابْكِي لاَ تَملِّي ... فَأَنْتِ الْوَالِهْ الْعَبْرَى الْهَبُولُ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ كَعْب أَيْضا // (من المتقارب) //
(أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَلَى نَأْيِهَا ... أَتَفْخَرُ مِنَّا بِمَا لَمْ تَلِ؟ {)
(فَخَرْتُمْ بِقَتْلَى أَصَابَتْهُمُ ... فَوَاضِلُ مِنْ نِعَمِ الْمُفْضِلِ)
(فَحَلُّوا جِنَانًا وَأَبْقَوْا لَكُمْ ... أُسُودًا تُحَامِي عَنِ الأَشْبُلِ)
(تُقَاتِلُ عَنْ دِينِهَا وَسْطَهَا ... نَبِيٌّ عَنِ الْحَقِّ لَمْ يَنْكُل)
(رَمَتْهُ مَعَدٌّ بِعُورِ الْكَلاَمِ ... وَنَبْلِ الْعَدَاوَةِ لاَ تأْتَلِي)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ ضرار بن الْخطاب فِي يَوْم أحد // (من الْبَسِيط) //
(مَا بَالُ عَيْنك قَدْ أَزْرَى بِهَا السُّهُدُ ... كَأّنَّمَا جَالَ فِي أَجْفَانِهَا الرَّمَدُ)
(أَمِنْ فِرَاقِ حَبِيبٍ كُنْتَ تَأْلَفُهُ ... قَدْ حَالَ مِنْ دُونِهِ الأَعْدَاءُ وَالْبُعُدُ؟} )(2/159)
(أَمْ ذَاكَ مِنْ شَغْبِ قَوْمٍ لاَ جَدَاءَ بِهِمْ ... إِذَا الْحُرُوبُ تَلَظَّتْ نَارُهَا تَقِدُ)
(مَا يَنْتَهُونَ عَنِ الْغَيِّ الَّذِي رَكِبُوا ... وَمَا لَهُمْ مِنْ لُؤَيِّ وَيْحَهُمْ عَضُدُ)
(وَقَدْ نَشَدْنَاهُمُ بِالله قَاطِبَةً ... فَمَا تَرُدُّهُمُ الأَرْحَامُ وَالنِّشَدُ)
(حَتَّى إِذَا مَا أَبَوْا إِلاَّ مُحَارَبَةً ... وَاسْتَحْصَدَتْ بَيْنَنَا الأَضْغَانُ وَالْحِقَدُ)
(سِرْنَا إِليْهِمْ بِجَيْشٍ فِي جَوَانِبِهِ ... قَوَانِسُ الْبيض وَالْمَحْبُوكَةُ السُّردُ)
(وَالْجُرْدُ تَرْفُلُ بِالأَبْطَالِ شَازِبَةً ... كَأَنَّهَا حِدَأ فِي سَيْرِهَا تُؤَدُ)
(جَيْشٌ يَقُودُهُمْ صَخْرٌ وَيَرْأَسُهُمْ ... كأَنَّهُ لَيْثُ غَابٍ هَاصِرٌ حَرْدُ)
(فأَبْرَزَ الْحَيْنُ قَوْمًا مِنْ مَنازِلِهِمْ ... فَكَانَ مِنَّا وَمِنْهُمْ مُلْتَقًى أُحُدُ)
(فَغُودِرَتْ مِنْهُمُ قَتْلَى مُجَدَّلَةً ... كَالْمَعْزِ أَصْرَدَهُ بِالصَّرْدَحِ الْبَرَدُ)
(قَتْلَى كِرَامٌ بَنُو النَّجَّارِ وَسْطَهُمُ ... وَمُصْعَبٌ مِنْ قَنَانَا حَوْلَهُ قِصَدُ)
(وَحَمْزَةُ الْقَرْمُ مَصْرُوعٌ تُطِيفُ بِهِ ... ثَكْلَى وَقَدْ حُزَّ مِنْهُ الأَنْفُ وَالْكَبِدُ)
(كَأَنَّهُ حِينَ يَكْبُو فِي جَدِيَّتِهِ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَفِيهِ ثَعْلَبٌ جَسِدُ)
(حُوَارُ نَابٍ وَقَدْ وَلَّى صَحَابَتُهُ ... كَمَا تَوَلَّى النَّعَامُ الْهَارِبُ الشُّرُدُ)
(مُجَلِّحِينَ وَلاَ يَلْوُونَ قَدْ مُلِئُوا ... رُعْبًا فَنَجَّتْهُمُ الْعَوْصَاءُ والْكُؤُدُ)
(تَبْكِي عَلَيْهِمْ نِسَاءٌ لاَ بُعُولَ لَهَا ... مِنْ كُلِّ سَالِبَةٍ أَثْوَابُهَا قِدَدُ)
(وَقَدْ تَرَكْنَاهُمُ لِلطَّيْرِ مَلْحَمَةً ... وَلِلضِّبَاعِ إِلَى أَجْسَادِهِمْ تَفِدُ)
وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب تبْكي أخاها حَمْزَة بن عبد الْمطلب // (من الطَّوِيل) //
(أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ)
(فَقَالَ الْخَبِيرُ إِنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ... وَزِيرُ رَسُولِ الله خَيْرُ وَزِيرِ)
(دَعَاهُ إِلَهُ الْحَقِّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ... إِلَى جَنَّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ)
(فَذَلِكَ مَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَرْتَجِي ... لَحمْزَةَ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرَ مَصِيرِ)
(فَوَالله لاَ أَنْسَاكَ مَا هَبَّتِ الصَّبَا ... بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَيْسِري)
(عَلَى أَسَدِ الله الَّذِي كَانَ مِدْرَهًا ... يَذُودُ عَنِ الإِسْلاَمِ كُلَّ كَفُورِ)
(فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ... لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ)
(أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النَّعِيَّ عَشِيرَتِي ... جَزَى اله خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِيرِ)(2/160)
قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني بعض أهل الْعلم بالشعر قَوْلهَا بكاء وحزنا محضري ومسيري وَقَالَت نعم امْرَأَة شماس بن عُثْمَان تبْكي شماساً وَأُصِيب يَوْم أحد فَقَالَت // (من الْبَسِيط) //
(يَا عَيْنُ جُودِي بِقَيْضٍ غَيْرِ إِبْسَاسِ ... عَلَى كَريمٍ مِنَ الْفِتْيَانِ لَبَّاسِ)
(صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ ... حَمَّالِ أَلْوِيَةٍ رَكَّابِ أَفْرَاسِ)
(أَقُولُ لَمَّا أَتَى النَّاعِي لَهُ جَزَعًا ... أَوْدَى الْجَوَادُ وَأَوْدَى الْمُطْعِمُ الْكَاسِي)
(وَقُلْتُ لَمَّا خَلَتْ مِنْهُ مَجَالِسُهُ ... لاَ يُبْعِدُ الله عَنَّا قُرْبَ شَمَّاسِ)
فاْجابها أَخُوهَا وَهُوَ أَبُو الحكم بن سعيد بن يَرْبُوع يعزيها فَقَالَ // (من الْبَسِيط) //
(إِقْنَىْ حَيَاءَكِ فِي سِتْرٍ وَفِي كَرَمٍ ... فَإِنَّمَا كَانَ شَمَّاسٌ مِنَ النَّاسِ)
(لاَ تَقْتُلِي النَّفْسَ إِذْ حَانَتْ مَنِيَّتُهُ ... فِي طَاعَةِ اله يَوْمَ الرَّوْعِ وَالْبَاسِ)
(قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثَ الله فَاصْطَبِرِي ... فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ كَأسِ شّمَّاسِ)
وَقَالَت هِنْد بنت عتبَة حِين انْصَرف الْمُشْركُونَ عَن أحد // (من الطَّوِيل) //
(رَجَعْتُ وَفِي نَفسِي بَلاَبِلُ جَمَّةٌ ... وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الَّذِي كَانَ مَطْلَبِي)
(مِنَ اصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ... بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبِ)
(وَلَكِنِّنِي قَدْ نِلْتُ شَيْئاً وَلَمْ يَكُنْ ... كَمَا كُنْتُ أَرْجُو فِي مَسِيري ومَرْكَبِي)
قَالَ ابْن هِشَام أَنْشدني بعض أهل الْعلم بالشعر قَوْلهَا وَقد فَاتَنِي بعض الَّذِي كَانَ مطلبي وَبَعْضهمْ ينكرها لهِنْد(2/161)
(وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد)
أَقَامَ بهَا يطْلب الْعَدو الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَرجع بعد خمس للمدينة وَهِي على ثَمَانِيَة أَمْيَال عَن الْمَدِينَة عَن يسَار الطَّرِيق إِذا أردْت الحليفة وَكَانَت صَبِيحَة يَوْم أحد لست عشرهَ مَضَت أَو لثمان خلون من شَوَّال على رَأس اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة لطلب عدوهم بالْأَمْس ونادى مُؤذن رَسُول الله
أَلا يخرج مَعنا أحد إِلَّا من حضر يَوْمنَا بالْأَمْس أَي من شهد أحدا وَإِنَّمَا خرج عَلَيْهِ السَّلَام مُرْهِبًا لِلْعَدو ليبلغهم أَنه خرج فِي طَلَبهمْ ليِظنوا بِهِ قوَة وَأَن الَّذِي أَصَابَهُم لم يُوهِنهُمْ عَن عدوهم وظفر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مخرجه ذَلِك بِمُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن أبي الْعَاصِ فَأمر بِضَرْب عُنُقه صبرا قَالَ الْحَافِظ مغلطاي وَحرمت الْخمر فِي شَوَّال وَيُقَال سنة أَربع انْتهى قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد حرمت الْخمر ثَلَاث مَرَّات قدم رَسُول الله
الْمَدِينَة وهم يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فسألوا رَسُول الله
عَنْهُمَا فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَنِ الخمرِ وَاَلمَيسِر قُل فِيهِمَا إِثمِ كَبِير وَمَناَفِعُ لِلنَّاسِ} إِلَى آخر الْآيَة الْبَقَرَة 219 فَقَالَ النَّاس مَا حرم علينا إِنَّمَا قَالَ فيهمَا إِثْم كَبِير وَكَانُوا يشربون الْخمر حَتَّى كَانَ يَوْمًا من الْأَيَّام صلى رجل من االمهاجرين أمَ أَصْحَابه فِي الْمغرب فخلط فِي قِرَاءَته فَأنْزل الله آيَة أغْلظ مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأنتُم سُكاَرَى حَتَّى تعلَمُوا مَا تقولونَ} النِّسَاء 43 وَكَانَ النَّاس يشربون ثمَّ نزلت اَية أغْلظ من ذَلِك {يَا أَيُهَا الذَينَ آمَنُوا إنمَا اَلخمُر وَاَلْمَيسِرُ} إِلَى {لَعَلكم تُفلِحُون} الْمَائِدَة 90 قَالُوا انتهينا رَبنَا وَالْميسر الْقمَار وَغَيره(2/162)
وَولد الْحسن بن على فِي هَذِه السّنة وَمِنْهَا سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسْلمة فِي أَرْبَعَة إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ الشَّاعِر رابعَ عَشَرَ ربيع فَقتله الله فِي دَاره لَيْلًا وسرية زيد بن حَارِثَة هِلَال جُمَادَى الْآخِرَة فِي مائَة رَاكب إِلَى القَردة يعْتَرض عيرًا لقريش فِيهَا صَفْوَان بن أُميَّة فأصابوها فَبلغ خمسها عشْرين ألف دِرْهَم(2/163)
(حوادث السّنة الرَّابِعَة)
فِيهَا غَزْوَة بني النَّضِير بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة المبسوطة قَبيلَة كَبِيرَة من الْيَهُود فِي ربيع الأول سنة أَربع وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي الثَّالِثَة قَالَ السُّهيْلي وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكرهَا بعد بدر لما روى عقيل بن خَالِد وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة مستدلاً بقوله تَعَالَى {وَأَنزَلَ الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم} الْأَحْزَاب 26 قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن حجر وَهُوَ استدلالْ واهٍ فَإِن الْآيَة نزلت فِي شَأْن بني قُرَيْظَة فَإِنَّهُم الَّذين ظاهروا الْأَحْزَاب وَأما بَنو النَّضِير فَلم يكن لَهُم فِي الْأَحْزَاب ذِكر بل كَانَ من أعظم الْأَسْبَاب فِي جمع الْأَحْزَاب مَا ذكر من إجلائهم فَإِنَّهُ كَانَ من رُءُوسهم حييّ بن أَخطب وَهُوَ الَّذِي حَسّنَ لبني قُرَيْظَة الْغدر وموافقة الْأَحْزَاب حَتَّى كَانَ من هلاكهم مَا كَانَ فَكيف يصير السابقُ لاحقاً انْتهى وَقد تقدم أَن عَامر بن الطُّفَيْل أعتَقَ عَمْرو بن أُميَّة لما قتل أهل بِئْر مَعُونَة عَن رَقَبَة عَن أمه فَخرج عَمْرو إِلَى الْمَدِينَة فصادف رجلَيْنِ من بني عَامر مَعَهُمَا عَقد وعهد من رَسُول الله
لم يشْعر بِهِ عَمْرو فَقَالَ لَهما عَمْرو من أَنْتُمَا فذكرا لَهُ أَنَّهُمَا من بني عَامر فَتَركهُمَا حَتَّى نَامَا فَقَتَلَهُمَا عَمْرو وظَن أَنه ظفر بِبَعْض ثأر أَصْحَابه فَأخْبر رَسُول الله
بذلك فَقَالَ لقد قتلتَ قَتِيلين لأَدِيَنهُمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى بني النَّضِير يَسْتَعِين بهم فِي دِيَة الْقَتِيلين اللَّذين قَتلهمَا عَمْرو بن أُميَّة للجوار الَّذِي كَانَ
عقده لَهما وَكَانَ بَين بني النَّضِير وَبَين بني عَامر عقد وَحلف فَلَمَّا أَتَاهُم عَلَيْهِ السَّلَام يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَتهمَا قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم نعينك على مَا أحببتَ مِمَّا استعنتَ بِنَا عَلَيْهِ ثمَّ خلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا إِنكم لن تَجِدُوهُ على مثل هَذَا الْحَال وَكَانَ رَسُول الله
إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم قَالُوا مَن رجل يَعْلُو هَذَا البيتَ فيلقي هَذِه الصَّخْرَة عَلَيْهِ فيقتله ويريحنا مِنْهُ فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بن جحاش بن كَعْب(2/164)
فَقَالَ أَنا لذَلِك فَصَعدَ ليلقي عَلَيْهِ الصَّخْرَة وَرَسُول الله
فِي نفر من أَصْحَابه فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم قَالَ ابْن سعد فَقَالَ سَلام بن مشْكم للْيَهُود لَا تَفعلُوا وَالله ليُخبَرَن بِمَا هممتم وَإنَّهُ لنقض للْعهد الَّذِي بَيْننَا وَبَينه قَالَ ابْن إِسْحَاق وأتى رَسُول الله
الخَبَرُ من السَّمَاء بِمَا أَرَادَ الْقَوْم فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مظْهرا أَنه يقْضِي حَاجَة وَترك أَصْحَابه فِي مجلسهم وَرجع مسرعاً إِلَى الْمَدِينَة واستبطأ النَّبِي
أَصْحَابه فَقَامُوا فِي طلبه حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ فَأخْبرهُم بِمَا أَرَادَت الْيَهُود من الْغدر بِهِ قَالَ ابْن عقبَة وَنزل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُهَا اَلَذِين آمَنُوا اَذكُرُوا نِعمَتَ الله عَلَيْكُم إِذ هَم قَوم أَن يبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم. .} الْآيَة الْمَائِدَة 11 قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالتهيؤ لحربهم والمسير إِلَيْهِم قَالَ ابْن هِشَام وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم ثمَّ سَار بِالنَّاسِ حَتَّى نزل بهم فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَال قَالَ ابْن إِسْحَاق فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ بالحصون فَقطع النّخل وحرقها وَخرب فَنَادَوْهُ يَا مُحَمَّد قد كنت تنهَى عَن الْفساد وتعيبه على من صنعه فَمَا بَال قطع النّخل وتخريبها قَالَ السُّهيْلي قَالَ أهل التَّأْوِيل وَقع فِي نفوس بعض الْمُسلمين من هَذَا الْكَلَام شَيْء حَتَّى أنزل الله {مَا قَطَعتُم مِن لينَةٍ} الْآيَة الْحَشْر 5 واللينة أَلْوَانُ التَّمْر مَا عدا الْعَجْوَة والبرني فَفِي هَذِه الْآيَة أَنه
لم يقطع من نَخْلهمْ إِلَّا مَا لَيْسَ بقوت للنَّاس وَكَانُوا يقتاتون الْعَجْوَة وَفِي الحَدِيث الْعَجْوَة من الْجنَّة وتمرها يغذو أحسن غذَاء والبرنيُ أَيْضا كَذَلِك فَفِي قَوْله تَعَالَى (مَا قطعْتُمْ من(2/165)
لينَة} الْحَشْر 5 وَلم يقل من نَخْلَة على الْعُمُوم تَنْبِيه على كَرَاهَة قطع مَا يقتات ويغذو من شجر الْعَدو إِذا رجى أَن يصل إِلَى الْمُسلمين قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد كَانَ رَهْط من بني عَوْف بن الْخَزْرَج مِنْهُم عبد الله بن أبي ابْن سلول بعثوا إِلَى بني النَّضِير أَن اثبتوا وتمنعوا فَإنَّا لن نسلمكم إِن قوتلتم قاتلنا مَعكُمْ وَإِن أخرجتم خرجنَا مَعكُمْ فتربصوا فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فَلم ينصروهم فسألوا رَسُول الله
أَن يجلبهم عَن أَرضهم ويكف عَن دِمَائِهِمْ وَعَن ابْن سعد أَنهم حِين هموا بغدره
وأعلمه الله بذلك بعث إِلَيْهِم مُحَمَّد ابْن مَسلمة أَن اخْرُجُوا من بلدي فَلَا تساكنوني بهَا وَقد هممتم بِمَا هممتم من الْغدر وَقد أجلتكم عشرا فَمن رئي مِنْكُم بعد ذَلِك ضربت عُنُقه فَمَكَثُوا على ذَلِك أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ وتكاروا من النَّاس إبِلا فَأرْسل إِلَيْهِم عبد الله بن أبي أَن لَا تخْرجُوا من دِيَارهمْ وَأقِيمُوا فِي حصونكم فَإِن معي أَلفين من قومِي من الْعَرَب يدْخلُونَ حصنكم وتمدكم قُرَيْظَة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حُيَي بِمَا قَالَ ابْن أبي فَأرْسل إِلَى رَسُول الله
إِنَّا لَا نخرج من دِيَارنَا فَاصْنَعْ مَا بدا لَك فأظهر
التَّكْبِير وكَبر الْمُسلمُونَ بتكبيره وَسَار إِلَيْهِم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَصْحَابه فصلى الْعَصْر بفِناء بني النَّضِير وَعلي يحمل رايته فَلَمَّا رَأَوْا رَسُول الله
قَامُوا على حصونهم مَعَهم النبل وَالْحِجَارَة واعتزلهم ابْن أبي وَلم يُعِنْهُمْ وَكَذَا حفاؤهم من غطفان فيئسوا من نَصرهم فَحَاصَرَهُمْ
وَقطع نَخْلهمْ وَقَالَ لَهُم عَلَيْهِ السَّلَام اخْرُجُوا مِنْهَا وَلكم دماؤكم وَمَا حملَتِ الإبلُ إِلَّا الحلْقَةَ وَهِي بِإِسْكَان اللَّام قَالَ فِي الْقَامُوس الدرْع فَنزلت الْيَهُود على ذَلِك وَكَانَ حَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَكَانُوا يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم ثمَّ أجلاهم عَن الْمَدِينَة قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة وحملوا النِّسَاء وَالصبيان وتحملوا على سِتّمائَة بعير فَلَحقُوا بِخَيْبَر وحزن المُنَافِقُونَ عَلَيْهِم حزنا شَدِيدا وَقبض
الْأَمْوَال وَوجد من الْحلقَة خمسين درعاً وَخمسين بَيْضَة وثلاثمائة وَأَرْبَعين سَيْفا وَكَانَت بَنو النَّضِير(2/166)
صفيا لرَسُول الله
حبسا لنوائبه وَلم يسهمْ مِنْهَا لأحد من الْمُسلمين لأَنهم لم يوجفوا عَلَيْهَا بخيل وَلَا ركاب وَإِنَّمَا قذف الله فِي قُلُوبهم الرعب وجلوا من مَنَازِلهمْ إِلَى خَيْبَر وَلم يكن ذَلِك عَن قتال من الْمُسلمين لَهُم فَقَسمهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَين الْمُهَاجِرين ليرْفَع بذلك مؤنتهم عَن الْأَنْصَار إِذْ كَانُوا قد قاسموهم الْأَمْوَال والديار غير أَنه أعطَى أَبَا دُجَانَة وَسَهل بن حنيف لحاجتهما وَفِي الإكليل وَأعْطى سعد بن معَاذ سيفَ ابْن أبي الْحقيق وَكَانَ سَيْفا لَهُ ذِكرٌ عِنْدهم
(غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة)
وهى الصُّغْرَى وَتسَمى بدر الْموعد وَكَانَت فِي شعْبَان بعد ذَات الرّقاع كَذَا فِي الْمَوَاهِب قَالَ الْحَافِظ شرف الدّين الْبرمَاوِيّ هِلَال ذِي الْقعدَة وَذَلِكَ أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ يَوْم أحد الموعدُ بَيْننَا وَبَيْنكُم رَأس الْحول فَقَالَ النَّبِي
نعم فَخرج وَمَعَهُ ألف وَخَمْسمِائة فأقاموا بهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَبَاعُوا مَا مَعَهم من التِّجَارَة فَرَبِحُوا الدِّرْهَم درهمَيْنِ وَخرج أَبُو سُفْيَان إِلَى مَر الظهْرَان فَرجع لِأَنَّهُ كَانَ عَام جَدب فَنزل فِي حق الْمُؤمنِينَ {فَاَنقَلَبُوا بِنِعمَة مِنَ اَللهِ وَفَضلٍ} الْآيَة آل عمرَان 174 قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قدم رَسُول الله
الْمَدِينَة من غَزْوَة ذَات الرّقاع أَقَامَ بهَا جُمَادَى الأولى إِلَى آخر رَجَب ثمَّ رَجَعَ فِي شعْبَان إِلَى بدر لميعاد أبي سُفْيَان وَيُقَال كَانَت فِي هِلَال ذِي الْقعدَة فَخرج عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ ألف وَخَمْسمِائة من أَصْحَابه وَعشرَة أَفْرَاس واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن رَواحة وَأَقَامُوا على بدر ينتظرون أَبَا سُفْيَان وَخرج أَبُو سُفْيَان حَتَّى نزل مَجَنة من نَاحيَة مر(2/167)
الظهْرَان وَيُقَال عسفان ثمَّ بدا لَهُ الرُّجُوع فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّه لَا يصلحكم إِلَّا عَام خصبٌ ترعونَ فِيهِ الشّجر وتشربون فِيهِ اللَّبن وَإِن عامكم هَذَا عامُ جَدب وَإِنِّي رَاجع فَارْجِعُوا فَرجع النَّاس فسماهم أهل مَكَّة جَيش السويق يَقُولُونَ إِنَّمَا خَرجْتُمْ تشربون السويق وَأقَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببدرٍ ثَمَانِيَة أَيَّام وَبَاعُوا مَا مَعَهم من التِّجَارَة فَرَبِحُوا الدِّرْهَم دِرْهَمَيْنِ وَأنزل الله فِي الْمُؤمنِينَ ( {اَلَذِينَ اَستَجَابوُا لِلهِ وَاَلرًسُولِ} إِلَى قَوْله ( {فَاَنقَلَبوُا بِنِعْمَة مِنَ الله وَفضلٍ لَم يمسسهم سوءٌ} الْآيَة آل عمرَان 172 - 174 والصحيحُ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي حَمْرَاء الْأسد كَمَا نصَّ عَلَيْهِ الْعِمَاد بن كثير وفيهَا غَزْوَة ذَات الرّقاع عَاشر الْمحرم لما بلغه
أَن أَنْمَار جمعُوا الجموع فَخرج فِي أَرْبَعمِائَة فوجدوا أعراباً هربوا فِي الْجبَال وَغَابَ خَمْسَة يَوْمًا وَصلى بهَا صَلَاة الْخَوْف وَاخْتلف فِيهَا مَتى كانَت فَعِنْدَ ابْن إِسْحَاق بعد بني النَّضِير سنة أَربع فِي شهر ربيع وَبَعض جُمَادَى وَعند ابْن سعد وَابْن حبَان فِي الْمحرم سنة خمس وَجزم أَبُو معشر بِأَنَّهَا بعد بني قُرَيْظَة فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس فتكونُ ذَات الرّقاع فِي آخر السّنة وَأول الَّتِي تَلِيهَا وَقد جنح البُخَارِيّ إِلَى أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر وَاسْتدلَّ لذَلِك بِأُمُور وَمَعَ ذَلِك ذكرهَا قبل خَيْبَر فَلَا أَدْرِي هَل تعمد ذَلِك تَسْلِيمًا لأَصْحَاب الْمَغَازِي أَنَّهَا كَانَت قبلهَا أَو أَن ذَلِك من الروَاة عَنهُ وَأَشَارَ إِلَى احْتِمَال أَن تكون ذَات الرّقاع اسْما لغزوتَين مختلفتين كَمَا أَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَيْهِ(2/168)
على أَن أَصْحَاب الْمَغَازِي مَعَ جزمهم بِأَنَّهَا كانَتْ قبل خَيْبَر مُخْتَلفُونَ فِي زمانها انْتهى وَالَّذِي جزم بِهِ ابْن عقبَة تقدمها لَكِن تردد فِي وَقتهَا فَقَالَ لَا نَدْرِي كَانَت قبل بدر أَو بعْدهَا أَو قبل أحد أَو بعْدهَا وَهَذَا التَّرَدُّد لَا حَاصِل لَهُ بل الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْم بِهِ أَنَّهَا بعد غَزْوَة بني قُرَيْظَة إِذْ صَلَاة الْخَوْف فِي غَزْوَة الخَنْدَق لم تكن شرعت وَقد ثَبت وُقُوع صَلَاة الْخَوْف فِي ذَات الرّقاع فَدلَّ على تَأْخِيرهَا بعد الخَنْدَق ثمَّ قَالَ عِنْد قَول البُخَارِيّ وَهِي بعد خَيْبَر لِأَن أَبَا مُوسَى جَاءَ بعد خَيْبَر وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَثَبت أَن أَبَا مُوسَى شهد غَزْوَة ذَات الرّقاع لزم أَنَّهَا كَانَت بعد خَيْبَر قَالَ وَعَجِيب من ابْن سيد النَّاس كَيفَ قَالَ جعل البُخَارِيّ حَدِيث أبي مُوسَى هَذَا حجَّة فِي أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع مُتَأَخِّرَة عَن خَيْبَر قَالَ وَلَيْسَ فِي خَيْبَر أبي مُوسَى مَا يدل على شَيْء من ذَلِك انْتهى كَلَام ابْن سيد النَّاس قَالَ وَهَذَا النَّفْي مَرْدُود وَالدّلَالَة من ذَلِك وَاضِحَة قَالَ وَأما الدمياطى فَادّعى غلط الحَدِيث الصَّحِيح وَأَن جَمِيع أهل السّير على خِلَافه وَقد تقدم أَنهم مُخْتَلفُونَ فِي زمانها فَالْأولى الِاعْتِمَاد على مَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَأما قَول الْغَزالِيّ إِنَّهَا آخر الْغَزَوَات فَهُوَ غلطٌ وَاضح وَقد بَالغ ابْن الصّلاح فِي إِنْكَاره وَقَالَ بعض من انتصر للغزالي لعلَه أَرَادَ آخر غَزْوَة صليت فِيهَا صَلَاة الْخَوْف وَإِنَّمَا أسلم أَبُو بكرَة بعد غَزْوَة الطَّائِف بالِاتِّفَاقِ انْتهى وَأما تَسْمِيَتهَا بِذَات الرّقاع فلأنهم رقعوا فِيهَا راياتهم قَالَه ابْن هِشَام وَقيل الشَّجَرَة فِي ذَلِك الْموضع يُقَال لَهَا ذَات الرّقاع وَقيل الأَرْض الَّتِي نزلُوا بهَا فِيهَا بقع سود وبقع بيض كَأَنَّهَا مرقعة برقاعٍ مختلفةٍ فسميتْ ذَات الرّقاع لذَلِك وَقيل إِن خيلهم كَانَ بهَا سوادٌ وَبَيَاض قَالَه ابْن حبَان(2/169)
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ سميت بجبل هُنَاكَ فِيهِ بقع قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَهَذَا لَعَلَّه مُسْتَند ابْن حبَان وَيكون قد تصحف عَلَيْهِ بخيل قَالَ وَأغْرب الدَّاودِيّ فَقَالَ سميت ذَات الرّقاع لوُقُوع صَلَاة الْخَوْف فِيهَا فسميت بذلك لترقيع الصَّلَاة فِيهَا انْتهى قَالَ السُّهيْلي وأصحُّ من هَذِه الْأَقْوَال كلهَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله
فِي غَزْوَة وَنحن سِتَّة نفر بَيْننَا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قَدَمَايَ وَسَقَطت أظفاري فَكُنَّا نلف على أَرْجُلنَا الْخرق فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع لما نعصب من الْخرق على أَرْجُلنَا وَكَانَ من خبر هَذِه الْغَزْوَة كَمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق أَنه
غزا نجداً يُرِيد بني محَارب وَبني ثَعْلَبَة بِالْمُثَلثَةِ من غطفان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بلغه أَنهم جمعُوا الجموع فَخرج فِي أَرْبَعمِائَة من أَصْحَابه وَقيل سَبْعمِائة وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة عُثْمَان بن عَفَّان وَقيل أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ حَتَّى نزلَ نخلا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة موضعا من نجد من أَرَاضِي غطفان قَالَ ابْن سعد فَلم يجد فِي محالهم إِلَّا نسْوَة فأخذهن وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فلقي جمعا مِنْهُم فتقارب النَّاس وَلم يكن بَينهم حَرْب وَقد أَخَاف النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صلى رَسُول الله
بِالنَّاسِ صَلَاة الْخَوْف ثمَّ انْصَرف النَّاس قَالَ ابْن سعد وَكَانَ ذَلِك أول مَا صلاهَا وَقد رويت صَلَاة الْخَوْف من طرق كَثِيرَة وَسَيَأْتِي الْكَلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى على مَا تيَسّر مِنْهَا وَكَانَت غيبته
فِي هَذِه الْغَزْوَة خمس عشرَة لَيْلَة(2/170)
وَفِي البُخَارِيّ عَن جَابر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي
بِذَات الرّقاع فَإِذا أَتَيْنَا على شَجَرَة ظليلة تركناها للنَّبِي
فجَاء رجل من الْمُشْركين وَسيف النَّبِي
مُعَلّق بِالشَّجَرَةِ فاخترطه يَعْنِي سَلَهُ من غمده فَقَالَ تخافني قَالَ لَا قَالَ من يمنعك مني قَالَ الله وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان عِنْد البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد قَالَ من يمنعك مني ثَلَاث مَرَّات وَهُوَ اسْتِفْهَام إنكاري أَي لَا يمنعك مني أحد وَكَانَ الْأَعرَابِي قَائِما على رَأسه وَالسيف فِي يَده وَالنَّبِيّ
جَالس لَا سيف مَعَه وَيُؤْخَذ من مُرَاجعَة الْأَعرَابِي لَهُ فِي الْكَلَام أَن الله سُبْحَانَهُ منع نبيه وَإِلَّا فَمَا الَّذِي أحوجه إِلَى مُرَاجعَته مَعَ احْتِيَاجه إِلَى الحظوة عِنْد قومه بقتْله وَفِي قَوْله
الله يَمْنعنِي مِنْك إِشَارَة إِلَى ذَلِك وَلذَلِك لما أَعَادَهَا الْأَعرَابِي لم يزده على ذَلِك الْجَواب وَفِي ذَلِك غَايَة التَهَكُمِ وَعدم المبالاة بِهِ وَذكر الْوَاقِدِيّ فِي نَحْو هَذِه الْقِصَّة أَنه أسلم وَرجع إِلَى قومه فاهتدى بِهِ خلق كثير وَقَالَ فِيهِ إِنَّه رمي بالزُلَّخة حِين هم بقتْله
فندر السَّيْف من يَده وَسقط إِلَى الأَرْض والزُلَّخَة بِضَم الزَّاي الْمُشَدّدَة وَتَشْديد اللَّام وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وجع يَأْخُذ فِي الصلب وَقَالَ البُخَارِيّ قَالَ مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر اسْم الرجل غورث بن الْحَارِث أَي على وزن جَعْفَر وَحكى الْخطابِيّ فِيهِ غويرث بِالتَّصْغِيرِ وَقد تقدم فِي غَزْوَة غطفان وَهِي غَزْوَة ذِي أَمر بِنَاحِيَة نجد مثل هَذِه الْقِصَّة لرجلِ اسْمه دعثور وَأَنه قَامَ على رَأسه
بِالسَّيْفِ فَقَالَ من يمنعك مني فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الله وَدفع جِبْرِيل صَدره فَوَقع السَّيْف من يَده وَأَنه أسلم قَالَ فِي عُيُون الْأَثر وَالظَّاهِر أَن الْخَبَرَيْنِ واحدٌ وَقَالَ غَيره من الْمُحَقِّقين وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا قصتان فِي غزوتين وَفِي هَذِه الْقِصَّة فرط شجاعته وَقُوَّة يقينه وَصَبره على الْأَذَى وحلمه على(2/171)
الْجُهَّال وَفِي انْصِرَافه
من هَذِه الْغَزْوَة أَبْطَأَ جمل جَابر بن عبد الله فنخسه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَانْطَلق مُتَقَدما بَين يَدي الركاب ثمَّ قَالَ أتبيعنيه فابتاعه مِنْهُ وَقَالَ لَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا وَصلهَا أعطَاهُ الثّمن وأرجح ووهب لَهُ الْجمل والْحَدِيث أَصله فِي البُخَارِيّ وَلَا حجَّة فِيهِ لجَوَاز بيع وَشرط لما وَقع فِيهِ من الِاضْطِرَاب وَقيل غير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره وفيهَا غَزْوَة دومة الجندل لخمس بَقينَ من ربيع الأول لما بلغه أَن بهَا جمعا كثيرا يظْلمُونَ النَّاس فَلم يَجدوا بهَا إِلَّا نعما وَشاء فَأصَاب من ذَلِك وَأقَام أَيَّامًا وَهِي بِضَم الدَّال مَدِينَة بَينهَا وَبَين دمشق خمس لَيَال وبُعدها من الْمَدِينَة خمس عشرَة أَو سِتّ عشرَة لَيْلَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة والبكري سُمِّيَتْ بدوم بن إِسْمَاعِيل كَانَ نزلها وَكَانَت على رَأس تسعين وَأَرْبَعين شهرا من الْهِجْرَة وَكَانَ سَببهَا أَنه بلغه
أَن بهَا جمعا كثيرا يظْلمُونَ من مرَ بهم فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لخمس لَيَال بَقينَ من ربيع فِي ألف من أَصْحَابه فَكَانَ يسير اللَّيْل ويكمن النَّهَار واستخلف على الْمَدِينَة سِبَاع بن عرفطة فَلَمَّا دنا مِنْهُم لم يجد إِلَّا النعم وَالشَّاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فَأصَاب من أصَاب وهرب من هرب فِي كل وَجه وَجَاء الْخَبَر أهل دومة فَتَفَرَّقُوا وَنزل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسَاحَتِهِمْ فَلم يلق بهَا أحدا فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَبث السَّرَايَا وفرقها فَرَجَعُوا(2/172)
وَلم يصب مِنْهُم أحد وَدخل الْمَدِينَة فِي الْعشْرين من ربيع الآخر وفيهَا سَرِيَّة أبي سَلمَة هِلَال الْمحرم إِلَى قطن فِي مائَة وَخمسين يطْلب طليحة وَسَلَمَة ابْني خويلد فَلم يجدوهما ووجدوا إبِلا وَشاء فَأَصَابُوا مِنْهَا وَلم يلق كيداً وَعبد الله بن أنيس وَجهه إِلَى سُفْيَان بن خَالِد الْهُذلِيّ بعرنة وَهُوَ وَادي عَرَفَة خَامِس الْمحرم لما بلغه
أَنه يجمع لحربه فَقَالَ لَهُ عبد الله جئْتُك لأَكُون مَعَك ثمَّ اغترهُ فَقتله وَالْمُنْذر بن عَمْرو إِلَى بِئْر مَعُونَة فِي صفر وَمَعَهُ الْقُرَّاء وهم سَبْعُونَ فَقَتلهُمْ رِعل وذكوان وَعصيَّة فقنت
يَدْعُو عَلَيْهِم شَهراً ومرثد بن أبي مرْثَد الغنوي إِلَى الرجيع بَين مَكَّة وَعُسْفَان فِي صفر فِي عشر أَو سِتَّة على الْخلاف لما سَأَلَهُ عضل والقارة أَن يُرْسل مَعَهم من يعلمهُمْ شرائع الْإِسْلَام فَأرْسل مرثداً وَعَاصِم بن ثَابت وخبيب ابْن عدي وَزيد بن الدثنة وخَالِد بن أبي البكير وَعبد الله بن طَارق وأخاه لأمه مغيث بن عبيد فغدروا بهم فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا خبيب بن عدي وَزيد بن الدثنة فأسروهما وباعوهما فِي مَكَّة فَقَتَلُوهُمَا وَصلى خبيب قبل أَن يقتل رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ أول من سنّ ذَلِك وفيهَا رجم الْيَهُودِيّ واليهودية اللَّذين زَنَيَا(2/173)
وَقصرت الصَّلَاة إِن قُلْنَا كَانَ فَرضهَا أَرْبعا وَفرض التَّيَمُّم لَكِن نَص الشافعيُ فِي الْأُم أَنه فِي المصطلق وَذَلِكَ إِمَّا فِي الْخَامِسَة أَو السَّادِسَة أَو الرَّابِعَة وَخسف الْقَمَر وزلزلت الْمَدِينَة الْمَدِينَة وسابق بَين الْخَيل(2/174)
(حوادث السّنة الْخَامِسَة)
فِيهَا غَزْوَة الْمُريْسِيع وَهِي غَزْوَة بني المصطلق ثَانِي شعْبَان خرج
وَمَعَهُ كثير بشر وَثَلَاثُونَ فرسا فحملوا على الْقَوْم حَملَة وَاحِدَة فَمَا انْفَكَّ مِنْهُم إِنْسَان بل قتل عشرَة وَأسر سَائِرهمْ وَغَابَ ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا وَكَانَ فِيهَا قصَّة الْإِفْك وَالنَّهْي عَن الْعَزْل قَالَ فِي الْمَوَاهِب والمُصْطَلِق بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء المشالة الْمُهْملَة وَكسر اللَّام بعْدهَا قَاف وَهُوَ لقب واسْمه جذيمة بن سعد ابْن عَمْرو بطن من خُزَاعَة وَكَانَت يَوْم الِاثْنَيْنِ لليلتين خلتا من شعْبَان سنة خمس وَفِي البُخَارِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق سنة سِتّ وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة سنة أَربع انْتهى وسببها أَنه بلغه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن رئيسهم الْحَارِث بن أبي ضرار سَار فِي قومه وَمن قدر عَلَيْهِ من الْعَرَب فَدَعَاهُمْ إِلَى حَرْب رَسُول الله
فَأَجَابُوهُ وتهيئوا للمسير فَبعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بُرَيْدَة بن الخصيب الْأَسْلَمِيّ يعلم علم ذَلِك فَأَتَاهُم وَلَقي الْحَارِث بن أبي ضرار فكلَمه وَرجع إِلَى رَسُول الله
وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسرعاً فِي بشر كثير من الْمُنَافِقين لم يخرجُوا فِي غَزْوَة قَط مثلهَا واستخلف على الْمَدِينَة زيد بن حَارِثَة وقادوا الْخَيل وَكَانَت ثَلَاثِينَ فرسا وَخرجت عَائِشَة وَأم سَلمَة وَبلغ الْحَارِث وَمن مَعَه مسيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فسيء بذلك هُوَ وَمن مَعَه وخافوا خوفًا شَدِيدا وتفرق عَنْهُم من كَانَ مَعَهم من الْعَرَب وَبلغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمُريْسِيع وصف أَصْحَابه وَدفع راية الْمُهَاجِرين إِلَى أبي بكر وَرَايَة الْأَنْصَار إِلَى سعد بن عبَادَة وتراموا بِالنَّبلِ سَاعَة ثمَّ أَمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فحملوا حَملَة رجل وَاحِد وَقتلُوا عشرَة وأسروا سَائِرهمْ وَسبوا النِّسَاء وَالرِّجَال والذرية وَالنعَم وَالشَّاء وَلم يقتل من(2/175)
الْمُسلمين إِلَّا رجل وَاحِد كَذَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَالَّذِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عمر يدل على أَنه أغار عَلَيْهِم على حِين غَفلَة مِنْهُم فأوقع بهم وَلَفظه أغار على بني المصطلق وهم غَارونَ وأنعامهم تسقى على المَاء فَقتل مقاتلهم وسبى ذَرَارِيهمْ وهم على المَاء فيحتملُ أَن يكون حِين الْإِيقَاع بهم سبوا قَلِيلا فَلَمَّا كثر عَلَيْهِم الْقِتَال انْهَزمُوا بِأَن يكون لما دهمهم وهم على المَاء وتصافوا ووفع الْقِتَال بَين الطَّائِفَتَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك وَقعت الْغَلَبَة عَلَيْهِم قيل وَفِي هَذِه الْغَزْوَة نزلت آيَة التَيَمُمِ قَالَ فِي فتح الْبَارِي قَوْله فِي بعض أَسْفَاره قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد يُقَال إِنَّه كَانَ فِي غَزْوَة المصطلق وَجزم بذلك فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن سعد وَابْن حبَان وغزوة المصطلق هِيَ غَزْوَة الْمُريْسِيع وفيهَا كَانَت قصَّة الْإِفْك لعَائِشَة وَكَانَ ابْتِدَاء ذَلِك بِسَبَب وُقُوع عقدهَا أَيْضا فَإِن كَانَ مَا جزموا بِهِ ثَابتا حمل على أَنه سقط مِنْهَا فِي تِلْكَ السفرة مرَّتَيْنِ لاخْتِلَاف الْقصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ بَين فِي سياقهما قَالَ واستبعد بعض شُيُوخنَا ذَلِك لِأَن الْمُريْسِيع من نَاحيَة مَكَّة بَين قُديد والساحِل وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت من نَاحيَة خَيْبَر لقولها فِي الحَدِيث حَتَّى إِذا كُنَّا فِي الْبَيْدَاء أَو بِذَات الْجَيْش وهما بَين الْمَدِينَة وخيبر كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ(2/176)
قَالَ وَمَا جزم بِهِ مُخَالف لما جزم بِهِ ابْن التِّين فَإِنَّهُ قَالَ الْبَيْدَاء هُوَ ذُو الحليفة بِالْقربِ من الْمَدِينَة من طَرِيق مَكَّة وَذَات الْجَيْش وَرَاء ذِي الْخَلِيفَة وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه أدني إِلَى مَكَّة من ذِي الحليفة ثمَّ سَاق حَدِيث عَائِشَة هَذَا ثمَّ قَالَ وَذَات الْجَيْش من الْمَدِينَة على بريد قَالَ وَبَينهَا وَبَين العقيق سَبْعَة أَمْيَال والعقيق من طَرِيق مَكَّة لَا من طَرِيق خَيْبَر فاستقام مَا قَالَه ابْن التِّين وَقد قَالَ قوم بِتَعَدُّد ضيَاع العقد وَمِنْهُم مُحَمَّد بن حبيب الإخباري فَقَالَ سقط عقد عَائِشَة فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع وَفِي غَزْوَة بني المصطلق وَاخْتلف أهل الْمَغَازِي فِي أَي هَاتين الغزوتين كَانَت أَولا قَالَ الدَّاودِيّ كَانَت قصَّة التَّيَمُّم فِي غزَاة الْفَتْح ثمَّ تردد فِي ذَلِك وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ لما نزلت آيَة التَّيَمُّم لم أدرِ كَيفَ أصنعُ فَهَذَا يدلُ على تأخرها عَن غَزْوَة بني المصطلق لِأَن إِسْلَام أبي هُرَيْرَة كَانَ فِي السّنة السَّابِعَة وَهِي بعْدهَا بِلَا خلاف وَكَانَ البُخَارِيّ يرى أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع كَانَت بعد قدوم أبي مُوسَى وقدومه كَانَ وَقت إِسْلَام أبي هُرَيْرَة وَمِمَّا يدلُ على تَأَخّر الْقِصَّة أَيْضا عَن قصَّة الْإِفْك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت لما كَانَ من أَمر عقدي مَا كَانَ وَقَالَ أهل الْإِفْك مَا قَالُوا خرجت مَعَ رَسُول الله
فِي غَزْوَة أُخْرَى فَسقط عقدي حَتَّى حبس النَّاس على التماسه فَقَالَ لي أَبُو بكر يَا بنية فِي كل سفرة تكونين عناءً وبلاءً على النَّاس فَأنْزل الله الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّك لمباركة وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ وَفِيه مقَال وَفِي سِيَاقه من الْفَوَائِد بَيَان عتاب أبي بكر الَّذِي أبهم فِي حَدِيث الصَّحِيح وَالتَّصْرِيح بِأَن ضيَاع العقد كَانَ مرَّتَيْنِ فِي غزوتين انْتهى(2/177)
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة قَالَ ابْن أبي لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَسَمعهُ زيد بن أَرقم ذُو الْأَذَان الواعية فَحدث رَسُول الله
بذلك فَأرْسل إِلَى ابْن أبي وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَأنْزل الله تَعَالَى {إِذا جاءكَ المُنَافِقُونَ} المُنَافِقُونَ 1 فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
إِن الله صدقك يَا زيد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَكَانَت غيبته فِي هَذِه الْغَزْوَة ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ قَالَ حسان بن ثَابت يعْتَذر من الَّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا // (من الطَّوِيل) //
(حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوافِلِ)
(عَقِيلةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ المَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ)
(مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ الله خِيمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلِ)
(فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ الَّذِي قَدْ زَعَمْتُمُ ... فَلاَ رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَىِّ أَنّامِلِي)
(وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لآِلِ رَسُولِ الله زَيْنِ المحافِلِ)
(لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ كُلُّهِمْ ... تَقَاصَر عَنْهُ سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ)
(فَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلاَئِطٍ ... وَلَكِنَّهُ قَوْلُ امْرِىءٍ بِيَ مَاحِلِ)
قَالَ ابْن هِشَام بَيته عقيلة حَيّ وَالْبَيْت الَّذِي بعده وبيته لَهُ رتب عَال عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ وحَدثني أَبُو عُبَيْدَة أَن امْرَأَة مدحت بنت أَو بِبَيْت حسان بن ثَابت عِنْد عَائِشَة فَقَالَت // (من الطَّوِيل) //
(حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لحُومِ الغَوَافِلِ)
فَقَالَت عَائِشَة لَكِن أَبوهَا فَمن روى بِبَيْت حسان يَقُول أَبوهَا أَي أَبَوا هَذِه الصّفة أَن يقولوها(2/178)
حِينَئِذٍ وَمن روى بنت حسان فَمَعْنَى أَبوهَا أَنه لَيْسَ مثلهَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ قَائِل من الْمُسلمين فِي ضرب حسان وَأَصْحَابه فِي فريتهم على عَائِشَة // (من الطَّوِيل) //
(لَقَدْ ذَاقَ حَسَّانُ الَّذِي كَانَ أَهْلَهُ ... وَحَمْنَةُ إِذْ قَالُوا هَجِيراً وَمِسْطَحُ)
(تَعَاطُوا بِرَجْم الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيِّهِمْ ... وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيم فَأُبْرِحُوا)
(وَآذَوْا رَسُولَ الله فِيهاَ فَجُلِّلُوا ... مَخَازِيَ تَبْقَى عَمَّمُوهَا وَفُصِّحُوا)
(وَصُبَتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأّنَّهَأ ... شَآبِيبُ قَطْرٍ مِنْ ذُرَى المُزْنِ تَسْفَحُ)
وفيهَا غَزْوَة الخَنْدَق وَهِي الْأَحْزَاب فِي ذِي الْقعدَة كَانَ الْمُسلمُونَ ثَلَاثَة آلَاف وَالْمُشْرِكُونَ عشرَة آلَاف مَعَ أبي سُفْيَان فحفر
وَأَصْحَابه الخَنْدَق بِإِشَارَة سلمَان الْفَارِسِي على عَادَة بِلَاده وتداعوا للبراز نَحْو أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَأرْسل الله ريحًا هزمت الْكفَّار فَلَمَّا انْصَرف جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ إِن الْمَلَائِكَة مَا وضعت السِّلَاح بعدُ وَإِن الله يَأْمُرك أَن تسير إِلَى بني قُرَيْظَة فَمضى فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا فنزلوا على حكم سعد بن معَاذ وَكَانَ ضَعِيفا فَحكم بقتل الرِّجَال وَسبي الذَّرَارِي وَالنِّسَاء فَقَالَ
حكمت فيهم بِحكم الله وَفرغ من ذَلِك خَامِس ذِي الْحجَّة وفيهَا فرض الْحَج أَو فِي السَّادِسَة وَرجح أَو فِي الثَّامِنَة أَو التَّاسِعَة أَو الْعَاشِرَة أَو قبل الْهِجْرَة أَو غير ذَلِك أَقْوَال وفيهَا نزلت آيَة الْحجاب قَالَ فِي الْمَوَاهِب هِيَ الْأَحْزَاب جمع حزب أَي طَائِفَة فَأَما تَسْمِيَتهَا بالخندق فلأجل الخَنْدَق الَّذِي حفر حول الْمَدِينَة بأَمْره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يكن اتِّخَاذ الخَنْدَق من شَأْن الْعَرَب وَلكنه من مكايد الْفرس وَكَانَ الَّذِي أَشَارَ(2/179)
بذلك سلمَان الْفَارِسِي فَقَالَ يَا رَسُول اللله إِنَّا كُنَّا بِفَارِس إِذا حُصِرْنَا خندقنا علينا فَأمر النَّبِي
بحفره وَعمل فِيهِ بِنَفسِهِ ترغيباً للْمُسلمين فَأَما تَسْمِيَتهَا بالأحزاب فلاجتماع طوائف الْمُشْركين على حَرْب الْمُسلمين وهم قُرَيْش وغَطَفَان وَالْيَهُود وَمن مَعَهم وَقد أنزل الله فِيهِ هَذِه الْقِصَّة صَدرا من سُورَة الْأَحْزَاب وَاخْتلف فِي تاريخها فَقَالَ مُوسَى بن عقبَة كَانَت فِي شَوَّال سنة أَربع وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي شَوَّال سنة خمس وَبِذَلِك صرح غَيره من أهل الْمَغَازِي وَمَال البُخَارِيّ إِلَى قَول مُوسَى بن عقبَة وَقواهُ بقول ابْن عمر إِن رَسُول الله
عرضه يَوْم أحد وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة فَلم يجزه وَعرضه يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة فَأَجَازَهُ فَيكون بَينهمَا سنة وَاحِدَة وأُحدٌ كَانَت سنة ثَلَاث فَيكون الخَنْدَق سنة أَربع وَلَا حجَّة فِيهِ إِذا ثَبت لنا أَنَّهَا كَانَت سنة خمس لاحْتِمَال أَن يكون ابْن عمر فِي أحد كَانَ أول مَا طعن فِي الرَّابِعَة عشرَة وَكَانَ فِي الْأَحْزَاب اسْتكْمل الْخمس عشرَة وَبِهَذَا أجَاب الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الشَّيْخ ولي الدّين بن الْعِرَاقِيّ والمشهرو أَنَّهَا فِي السّنة الرَّابِعَة وَكَانَ من حَدِيث هَذِه الْغَزْوَة أَن نَفرا من يهود خَرجُوا حَتَّى قدمُوا على قُرَيْش مَكَّة وَقَالُوا إِنَّا سنكون مَعكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نستأصله فَاجْتمعُوا لذَلِك واستعدوا لَهُ(2/180)
ثمَّ خرج أُولَئِكَ الْيَهُود حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ من قيس عيلان فدعوهم إِلَى حربه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وخبروهم أَنهم سيكونون مَعَهم عَلَيْهِم وَأَن قُريْشًا قد بايعوهم على ذَلِك واجتمعوا مَعَهم فَخرجت قُرَيْش وقائدها أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَخرجت غطفان وقائدها عُيينة بن حصن فِي فَزَارَةَ والْحَارث بن عَوْف المريّ فِي مرّة وَكَانَت عدتُهُم فِيمَا ذكره ابْن إِسْحَاق عشرَة آلَاف والمسلمون ثَلَاثَة آلَاف وَقيل غير ذَلِك وَذكر ابْن سعد أَنه كَانَ مَعَ الْمُسلمين سِتّ وَثَلَاثُونَ فرسا وَلما سمع رَسُول الله
بالأحزاب وَبِمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ من الْأَمر ضرب على الْمُسلمين الخَنْدَق فَعمل فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ترغيباً لِلْأجرِ وَعمل مَعَه الْمُسلمُونَ فدأب ودأبوا وَأَبْطَأ على رَسُول الله
وعَلى الْمُسلمين فِي عَمَلهم ذَلِك ناسٌ من الْمُنَافِقين وَجعلُوا يورون بالضعف عَن الْعَمَل وَفِي البُخَارِيّ عَن سهل بن سعد قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي
فِي الخَنْدَق وهم يحفرون وَنحن ننقل التُّرَاب على أكتادنا فَقَالَ رَسُول الله
(اللهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِر للأَنْصَارِ والمهَاجِرَهْ)
والأكتاد بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة جمع كَتِد بِفَتْح أَوله وَكسر الْمُثَنَّاة وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ أكبادنا بموحدة وَهُوَ موجه على أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا يَلِي الكبد من الْجنب وَفِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن أنس فَإِذا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار يحفرون فِي غَدَاة بَارِدَة فَلم يكن لَهُم عبيد يعْملُونَ ذَلِك لَهُم فَلَمَّا رأى مَا بهم من النصب والجوع قَالَ
(اللهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ للأَنْصَارِ والمهَاجِرَهْ)
فَقَالُوا مجيبين لَهُ // (من الرجز) //
(نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا ... عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدا)(2/181)
قَالَ ابْن بطال وَقَوله اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة هُوَ من قَول ابْن رَوَاحَةَ تمثل بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة من مُرْسل طَاوس زِيَادَة فِي آخر الرجز // (من الرجز) //
(وَالْعَنْ إِلَهِي عُضَلاً والقَارهْ ... هُمْ كَلَّفُونَا ثِقَلَ الحجَارَهْ)
وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء قَالَ لما كَانَ يَوْم الْأَحْزَاب وَخَنْدَق
رَأَيْته ينْقل من تُرَاب الخَنْدَق حَتَّى وارى عني الْغُبَار جلدَة بَطْنه وَكَانَ كثير الشَّعْرِ فَسَمعته يرتجز بِشعر ابْن رَواحة وَهُوَ ينْقل التُّرَاب وَيَقُول // (من الرجز) //
(اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... )
(وَلاَ تَصَدَّقْنَا ولاَ صَلَّيْنَا ... )
(فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... )
(وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... )
قَالَ يمد بهَا صَوته فِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا
(إِنَّ الأُلى قَدْ بَغَوا عَلَيْنَا ... )
(إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... )
وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَنه
حِين ضرب فِي الخَنْدَق قَالَ
(بِسْمِ الإِلَهِ وَبِهِ بَدِينَا ... )
(وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا ... )
(حَبَّذَا رَبَّا وَحَبَّذَا دِينَا ... )
قَالَ فِي النِّهَايَة يُقَال بَدِيت بالشَّيْء بِكَسْر الدَّال أَي ابتدأتُ بِهِ فَلَمَّا(2/182)
خففت الْهمزَة كُسِرَت الدَّال فَانْقَلَبت الْهمزَة يَاء وَلَيْسَت من بَنَات الْيَاء انْتهى وَقد وَقع فِي حفر الخَنْدَق آيَات من أَعْلَام نبوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيح عَن جَابر قَالَ إِنَّا فِي يَوْم الخَنْدَق نحفر فعرضت كدية شَدِيدَة وَهِي بِضَم الْكَاف وَتَقْدِيم الدَّال الْمُهْملَة على التَّحْتَانِيَّة وَهِي الْقطعَة الصلبة فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي
فَقَالُوا هَذِه كدية عرضت فِي الخَنْدَق فَقَامَ وبطنُه مشدود بِحجر وَلنَا ثَلَاثَة أَيَّام لَا نذوق ذواقا فَأخذ النَّبِي
الْمعول فَضرب فَعَاد كثيباً أهيل أَو أهيم كَذَا بِالشَّكِّ من الرَّاوِي وفى رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بِاللَّامِ من غير شكّ وَالْمعْنَى أَنه صَار رملاً يسيل فَلَا يتماسك وأهيم بِمَعْنى أهيل وَقد قيل فِي قَوْله {فَشَاربوُنَ شُرب اَلهِيم} الواقعه 55 المُرَاد الرمال الَّتِي لَا يَرْوِيهَا المَاء وَقد وَقع عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة زِيَادَة بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث الْبَراء قَالَ لما أمرنَا رَسُول الله
بِحَفر الخَنْدَق عرضت لنا فِي بعض الخَنْدَق صخرهً لَا تَأْخُذ مِنْهَا المعاول فاشتكينا ذَلِك لرَسُول الله
فجَاء فَأخذ الْمعول فَقَالَ باسم الله فَضرب ضَرْبَة فنثر ثلثهَا وَقَالَ الله أكبر أَعْطَيْت مَفَاتِيح الشَّام وَالله إِنِّي لَأبْصر قُصُورهَا الْحمر السَّاعَة ثمَّ ضرب الثَّانِيَة فَقطع ثلثا آخر فَقَالَ الله أكبر أَعْطَيْت مَفَاتِيح فَارس وَإِنِّي وَالله لَأبْصر قصر الْمَدَائِن الْأَبْيَض الْآن ثمَّ ضرب الثَّالِثَة فَقَالَ باسم الله فَقطع بَقِيَّة الْحجر فَقَالَ الله أكبر أَعْطَيْت مَفَاتِيح الْيمن وَالله إِنِّي لَأبْصر أَبْوَاب صنعاء من مَكَاني السَّاعَة وَمن أَعْلَام نبوته
مَا ثَبت فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث جَابر من تَكْثِير الطَّعَام الْقَلِيل يَوْم حفر الخَنْدَق كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد وَقع عِنْد مُوسَى بن عقبَة أَنهم أَقَامُوا فِي عمل الخَنْدَق قَرِيبا من عشْرين(2/183)
لَيْلَة وَعند الْوَاقِدِيّ أَرْبعا وَعشْرين وفى الرَّوْضَة للنووي خَمْسَة عشر يَوْمًا وفى الْهَدْي النَّبَوِيّ لِابْنِ الْقيم أَقَامُوا شهرا وَلما فرغ رَسُول الله
من الخَنْدَق أَقبلت قُرَيْش حَتَّى نزلت بمجمع السُّيُول فِي عشرَة آلَاف من أحابيشهم وَمن تَبِعَهُمْ من بني كنَانَة وتهامة وَنزل عُيَيْنَة بن حصن فِي غَطَفان وَمن تَبِعَهُمْ من أهل نجد إِلَى جَانب أحد وَخرج رَسُول الله
والمسلمون حَتَّى جعلُوا ظُهُورهمْ إِلَى سلع وَكَانُوا ثَلَاثَة آلَاف رجل وَضرب هُنَالك عسكره والخندقُ بَينه وَبَين الْقَوْم وَكَانَ لِوَاء الْمُهَاجِرين بيد زيد بن حَارِثَة ولواء الْأَنْصَار بيد سعد بن عبَادَة وَكَانَ
يبْعَث الحرس إِلَى الْمَدِينَة خوفًا على الذَّرَارِي من بني قُرَيْظَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَخرج عَدو الله حُيي بن أَخطب حَتَّى أَتَى كعبَ بن أَسد الْقرظِيّ صَاحب عقد بني قُرَيْظَة وَعَهْدهمْ وَكَانَ وادع رَسُول الله
على قومه وعاقده فأغلق كَعْب دونه بَاب حصنه وأبى أَن يفتح لَهُ وَقَالَ وَيحك يَا حييّ إِنَّك امْرُؤ مشئوم وإنى قد عَاهَدت مُحَمَّدًا فلستُ بناقض مَا بيني وَبَينه فَإِنِّي لم أر مِنْهُ إِلَّا وَفَاء وصدقاً فَقَالَ وَيلك افْتَحْ فَلم يزل بِهِ حَتَّى فتح لَهُ فَقَالَ يَا كَعْب جئْتُك بعز الدَّهْر جئْتُك بِقُرَيْش حَتَّى أنزلتهم بمجتمع الأسيال وَمن دونهم غطفان وَقد عاهدوني على أَلا يبرحوا حَتَّى يستأصلوا مُحَمَّدًا وَمن مَعَه فَلم يزل بِهِ حَتَّى نقض عَهده وَبرئ مِمَّا كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله
وَعَن عبد الله بن الزبير قَالَ كنتُ يَوْم الْأَحْزَاب أَنا وَعَمْرو بن أبي سَلمَة مَعَ النِّسَاء فِي أَطَم حسان فنظرتُ فَإِذا الزبير على فرسه يخْتَلف إِلَى بني قُرَيْظَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلَمَّا رجعت قلت يَا أَبَت رَأَيْتُك تخْتَلف قَالَ رَأَيْتنِي يَا بني قلت نعم قَالَ كَانَ رَسُول الله
قَالَ من يَأْتِي بني قُرَيْظَة فيأتيني بخبرهم فانطلقتُ فَلَمَّا رجعتُ جمع لي رَسُول الله
أَبَوَيْهِ فَقَالَ فدَاك أبي وَأمي // (أخرجه الشَّيْخَانِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن) //(2/184)
وَفِي رِوَايَة أَصْحَاب الْمَغَازِي فَلَمَّا انْتهى الْخَبَر إِلَى رَسُول الله
بعث سعد بن معَاذ وَسعد بن عبادهَ ومعهما ابْن رَوَاحَة وخوات بن جُبَير ليعرفوا الْخَبَر فوجدوهم على أَخبث مَا بَلغهُمْ عَنْهُم نالوا من رَسُول الله
وتبرءُوا من عقده وَعَهده ثمَّ أقبل السعدان وَمن مَعَهُمَا على رَسُول الله
وَقَالُوا عضل والقارة أَي كغدرهما بأصحاب الرجيع فَعظم عِنْد ذَلِك البلاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْف وأتاهم عدوهم من فَوْقهم وَمن أَسْفَل مِنْهُم حَتَّى ظن الْمُؤْمِنُونَ كل ظن وَنجم النِّفَاق من بعض الْمُنَافِقين وَأنزل الله تَعَالَى {وَإِذ يقُولُ المُنَافِقُونَ وَاَلّذَينَ فِي قُلوُبِهِم مَّرَض مَا وعَدَنَا اَللهُ وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا} الْأَحْزَاب 12 وَقَالَ رجال مِمَّن مَعَه {يَا أهلَ يَثرِبَ لَا مُقامَ لَكم فَاَرجِعُوا} الْأَحْزَاب 13 وَقَالَ أَوْس بن قيظي إِن بُيُوتنَا عَورَة من الْعَدو فَأذَنْ لنا نرْجِع إِلَى دِيَارنَا فَإِنَّهَا خَارج الْمَدِينَة قَالَ ابْن عَائِذ وَأَقْبل نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي على فرس لَهُ ليوثبه الخَنْدَق فَوَقع فِي الخَنْدَق فَقتله الله وَكبر ذَلِك على الْمُشْركين فأرسلوا إِلَى رَسُول الله
إِنَّا نعطيكم الدِّيَة على أَن تدفعوه إِلَيْنَا فندفنه فَرد إِلَيْهِم
إِنَّه خَبِيث الدِّيَة فلعنه الله وَلعن دِيَته وَلَا نمنعكم أَن تدفنوه وَلَا أَرَبَ لنا فِي دِيَته وَأقَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والمسلمون وعدوهم يحاصرهم وَلم يكن بَينهم قتال إِلَّا مراماة بِالنَّبلِ لَكِن كَانَ عَمْرو بن عبد ود العامري اقتحم هُوَ وَنَفر مَعَه بخيولهم من نَاحيَة ضيقَة من الخَنْدَق حَتَّى صَارُوا بالسبخة فبارزه عَليّ فَقتله وبرز نَوْفَل بن عبد الله بن الْمُغيرَة فَقتله الزبير وَقيل قَتله عَليّ وَرجعت بَقِيَّة الْخُيُول منهزمةً ورُمى سعد بن معَاذ بِسَهْم فَقطع مِنْهُ الأكحل وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة والمهملة بَينهمَا كَاف سَاكِنة عِرق فِي وسط الذِّرَاع قَالَ الْخَلِيل هُوَ عرق الْحَيَاة يُقَال إِن فِي كل عُضْو مِنْهُ شُعْبَة فَهُوَ فِي الْيَد الأكحل وفى الظّهْر الْأَبْهَر وفى الْفَخْذ النسا إِذا قطع لم يرقأ الدَّم وَكَانَ الَّذِي رَمَى سَعْدا ابنُ العرقة(2/185)
أحد بني عَامر بن لؤَي قَالَ خُذْهَا وَأَنا ابْن العرقة فَقَالَ لَهُ سعد عرق الله وَجهك فِي النَّار ثمَّ قَالَ سعد اللَّهُمَّ إِن كنت أبقيتَ من حربِ قريشٍ فأبقني لَهَا فَإِنِّي لَا قَوْمَ أحب إِلَيّ أَن أجاهد من قوم آذوا رَسُولك وكذبوه وأخرجوه وَأقَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بضع عشرَة لَيْلَة فَمشى نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ وَهُوَ مخف إِسْلَامه فثبط قوما عَن قوم وأوقع بَينهم شرا لقَوْله لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْحَرْب خدعة فاختلفت كلمتهم وروى الْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ لقد رَأَيْتنَا لَيْلَة الْأَحْزَاب وَأَبُو سُفْيَان وَمن مَعَه من قَومنَا وَقُرَيْظَة أَسْفَل منا نخافهم على ذرارينا وَمَا أَتَت علينا لَيْلَة أَشد ظلمَة وَلَا ريحًا مِنْهَا فَجعل المُنَافِقُونَ يستأذنون وَيَقُولُونَ بُيُوتنَا عَورَة فَمر بِي النَّبِي
وَأَنا جاثٍ على ركبتي وَلم يبْق مَعَه إِلَّا ثَلَاثمِائَة فَقَالَ اذْهَبْ فَأتِني بِخَبَر الْقَوْم قَالَ فَدَعَا لي فأذهبَ الله عَنى القر والفزع فَدخلت عَسْكَرهمْ فَإِذا الرّيح فِيهِ تجَاوز شبْرًا فَلَمَّا رجعت رَأَيْت فوارسَ فِي طريقى فَقَالُوا أخبر صَاحبك أَن الله كَفاهُ الْقَوْم وفى رِوَايَة أَن حُذَيْفَة لما أرْسلهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ليَأْتِيه بالْخبر سمع أَبَا سُفْيَان يَقُول يَا معشر قُرَيْش إِنَّكُم وَالله مَا أَصْبَحْتُم بدار مقَام وَلَقَد هلك الْخُف والكُراع واختلفنا وَبَنُو قُرَيْظَة ولقينا من هَذِه الرّيح مَا ترَوْنَ فارتحلوا فَإِنِّي مرتحل ووثب على جمله فَمَا حل عقال يَده إِلَّا وَهُوَ قَائِم(2/186)
وَوَقع فِي البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب من يأتينا بِخَبَر الْقَوْم فَقَالَ الزبير أَنا ثمَّ قَالَ من يأتينا بِخَبَر الْقَوْم فَقَالَ الزبير أَنا قَالَهَا ثَلَاثًا وَقد أشكل ذكر الزبير فِي هَذِه فَقَالَ ابْن الملقن وَقع هُنَا أَن الزبير هُوَ الَّذِي ذهب وَالْمَشْهُور أَنه حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر هَذَا الْحصْر مَرْدُود فَإِن الْقِصَّة الَّتِي ذهب الزبير لكشفها غير الْقِصَّة الَّتِي ذهب حُذَيْفَة لكشفها فقصة الزبير كَانَت لكشف بني قُرَيْظَة هَل نقضوا الْعَهْد بَينهم وَبَين الْمُسلمين ووافقوا قُريْشًا على محاربة الْمُسلمين وقصة حُذَيْفَة كَانَت لما اشْتَدَّ الْحصار على الْمُسلمين بالخندق وتمالأت عَلَيْهِ الطوائف ثمَّ وَقع بَين الْأَحْزَاب الِاخْتِلَاف وحذرت كل طَائِفَة من الْأُخْرَى وَأرْسل الله عَلَيْهِم الرّيح وَاشْتَدَّ الْبرد تِلْكَ اللَّيْلَة فَانْتدبَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من يَأْتِيهِ بِخَبَر قُرَيْش فَانْتدبَ لَهُ حُذَيْفَة بعد تكراره طلبَ ذَلِك وقصته فِي ذَلِك مَشْهُورَة لما دخل بَين قُرَيْش فِي اللَّيْل وَعرف قصتهم وفى البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى قَالَ دَعَا رسولُ الله
على الْأَحْزَاب فَقَالَ اللَّهُمَّ منزل الْكتاب سريعَ الْحساب اهزم الْأَحْزَاب اللَّهُمَّ اهزمهم وزلزلهم وروى أَحْمد عَن أبي سعيد قَالَ قُلْنَا يَوْم الخَنْدَق يَا رَسُول الله هَل من شَيْء تَقوله فقد بلغت القلوبُ منا الْحَنَاجِر قَالَ نعم اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتنا وآمن(2/187)
روعاتنا قَالَ وَضرب الله وجوهَ أَعْدَائِنَا بِالرِّيحِ وَفِي ينبوع الْحَيَاة لِابْنِ ظفر قيل إِنَّه
دَعَا فَقَالَ يَا صريخَ المكروبين يَا مجيبَ الْمُضْطَرين اكشف هَمي وغمي وكربي فَإنَّك ترى مَا نزل بِي وبأصحابي فَأَتَاهُ جِبْرِيل فبشره بِأَن الله يُرْسل عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً فَأعْلم أَصْحَابه وَرفع يَدَيْهِ قَائِلا شكرا شكرا وهبت ريح الصِّبَا لَيْلًا فَقلعت الْأَوْتَاد وَأَلْقَتْ عَلَيْهِم الْأَبْنِيَة وكفأت الْقُدُور وَسَفتْ عَلَيْهِم التُّرَاب ورمتهم بالحصباء وسمعوا فى أرجاء عَسْكَرهمْ التَّكْبِير وقعقة السِّلَاح فارتحلوا هرباً فِي ليلتهم وَتركُوا مَا استثقلوه من مَتَاعهمْ قَالَ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَأَرسَلنا عَليهِم رِيحاً وَجُنوداً لم تَرَوْهَا} الْأَحْزَاب 9 وفى البُخَارِيّ عَن عَليّ أَن رَسُول الله
قَالَ يَوْم الخَنْدَق مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا كَمَا شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس وَمُقْتَضى هَذَا أَنه اسْتمرّ اشْتِغَاله بِقِتَال الْمُشْركين حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس ويعارضه مَا فِي // (صَحِيح مُسلم) // عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ حبس الْمُشْركُونَ(2/188)
رَسُول الله
عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْس أَو اصْفَرَّتْ فَقَالَ رَسُول الله
شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى الحَدِيث وَمُقْتَضى هَذَا أَنه لم يخرج الْوَقْت بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد مُشِيرا إِلَى الْجمع بَين مَا فِي البُخَارِيّ وَمَا فِي مُسلم فَلَا تعَارض الْحَبْس انْتهى ذَلِك الْوَقْت إِلَى الْحمرَة وَلم تقع الصَّلَاة إِلَّا بعد الْمغرب انْتهى وفى البُخَارِيّ عَن عمر بن الْخطاب أَنه جَاءَ يَوْم الخَنْدَق بَعْدَمَا غربت الشَّمْس فَجعل يسب كفار قُرَيْش وَقَالَ مَا كدتُ أصلى الْعَصْر حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب فَقَالَ رَسُول الله
وَالله مَا صليتها فنزلنا مَعَ النَّبِي
بطحان فَتَوَضَّأ للصَّلَاة وتوضئنا لَهَا فصلى الْعَصْر بعد مَا غربت الشَّمْس ثمَّ صلى بعْدهَا الْمغرب وَقد يكون ذَلِك للاشتغال بِأَسْبَاب الصَّلَاة وَغَيرهَا وَمُقْتَضى هَذِه الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة أَنه لم يفت غير الْعَصْر وَفِي الْمُوَطَّأ الظّهْر وَالْعصر وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن الْمُشْركين شغلوا رَسُول الله
عَن أَربع صلوَات يَوْم الخَنْدَق وَقَالَ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْس إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة لم يسمع من عبد الله فَمَال ابْن الْعَرَبِيّ إِلَى التَّرْجِيح وَقَالَ الصَّحِيح أَن الَّتِي اشْتغل عَنْهَا(2/189)
وَاحِدَة هِيَ الْعَصْر وَقَالَ النَّوَوِيّ طَرِيق الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات أَن وقْعَة الخَنْدَق بقيت أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بعض الْأَيَّام وَهَذَا فِي بَعْضهَا قَالَ وَأما تَأْخِيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس فَكَانَ قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف قَالَ الْعلمَاء يحْتَمل أَنه آخرهَا نِسْيَانا لَا عمدا وَكَانَ السَّبَب فِي النسْيَان الِاشْتِغَال بِأَمْر الْعَدو وَيحْتَمل أَنه آخرهَا عمدا للاشتغال بالعدو فَكَانَ هَذَا عذرا فِي تَأْخِير الصَّلَاة قبل نزُول صَلَاة الْخَوْف وَأما الْيَوْم فَلَا يجوز تَأْخِير الصَّلَاة عَن وَقتهَا بِسَبَب الْعَدو والقتال بل يُصَلِّي صَلَاة الْخَوْف على حسب الْحَال وَقد اخْتلف فِي المُرَاد بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَجمع الْحَافِظ الدمياطي فِي ذَلِك مؤلفاً مُفردا سَمَّاهُ كشف المغطى عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَبلغ تِسْعَة عشر قولا وهى الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب أَو جَمِيع الصَّلَوَات وَهُوَ يتَنَاوَل الْفَرَائِض والنوافل وَاخْتَارَهُ ابْن عبد الْبر وَالْجُمُعَة وَصَححهُ القَاضِي حُسَيْن فِي صَلَاة الْخَوْف من تعليقته وَالظّهْر فِي الْأَيَّام وَالْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة وَالْعشَاء لِأَنَّهَا بَين صَلَاتَيْنِ لَا تقصران وَالصُّبْح وَالْعشَاء أَو الصُّبْح وَالْعصر لقُوَّة الْأَدِلَّة فَظَاهر الْقُرْآن الصُبْح وَنَصّ السّنة الْعَصْر وَصَلَاة الْجَمَاعَة أَو الْوتر وَصَلَاة الْخَوْف أَو صَلَاة عيد الْأَضْحَى أَو الْفطر أَو صَلَاة الضُّحَى أَو وَاحِدَة من الْخمس غير مُعينَة أَو الصُّبْح أَو الْعَصْر على الترديد وَهُوَ غير القَوْل السَّابِق أَو التَّوْفِيق انْتهى(2/190)
وَانْصَرف
من غَزْوَة الخَنْدَق يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَكَانَ قد أَقَامَ بالخندق خَمْسَة عشر يَوْمًا وَقيل أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاه وَالسَّلَام لن تغزوكم بعد عامكم هَذَا وفى ذَلِك علم من أَعْلَام النُّبُوَّة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اعْتَمر فِي السّنة السَّادِسَة فصدته قُرَيْش عَن الْبَيْت وَوَقعت الْهُدْنَة بَينهم إِلَى أَن نقضوها وَكَانَ ذَلِك سَبَب فتح مَكَّة فَوَقع الْأَمر كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وسيأتى ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد أخرج الْبَزَّار من حَدِيث جَابر بِإِسْنَاد حسن شَاهدا لهَذَا وَلَفظه أَن النَّبِي
قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب وَقد جمعُوا لَهُ جموعاً كَثِيرَة لَا يغزونكم بعْدهَا أبدا وَلَكِن أَنْتُم تغزونهم وَلما دخل
الْمَدِينَة يَوْم الْأَرْبَعَاء هُوَ وَأَصْحَابه وَوَضَعُوا السِّلَاح جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام معتجراً بعمامة من إستبرق على بغلة عَلَيْهَا قيطفة ديباج وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة أَنه لما رَجَعَ
وَوضع السِّلَاح اغْتسل وَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ قد وضعت السِّلَاح وَالله مَا وضعناه اخْرُج إِلَيْهِم وَأَشَارَ إِلَى بني قُرَيْظَة وَعند ابْن إِسْحَاق إِن الله يَأْمُرك يَا مُحَمَّد بِالْمَسِيرِ إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِنِّي عَامِد إِلَيْهِم فمزلزلَ بهم فَأمر رَسُول الله
مُؤذنًا فأذّن فِي النَّاس من كَانَ سَامِعًا مُطيعًا فَلَا يصلين الْعَصْر إِلَّا ببني قُرَيْظَة وَعند ابْن عَائِذ قُم فَشد عَلَيْك سِلَاحك فوَاللَّه لأذقنهم دق الْبيض على الصَّفَا وَبعث يَوْمئِذٍ منادياً يُنَادي يَا خيل الله ارْكَبِي(2/191)
وَعند الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَبعث عليا على الْمُقدمَة وَخرج
فِي أَثَره وَعند ابْن سعد ثمَّ سَار إِلَيْهِم فِي الْمُسلمين وهم ثَلَاثَة آلَاف وَالْخَيْل سِتَّة وَثَلَاثُونَ فرسا قَالَ وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم على مَا قَالَه ابْن هِشَام وَنزل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على بِئْر من آبار بني قُرَيْظَة وتلاحق بِهِ النَّاس فَأتى رجال بعد الْعشَاء الْآخِرَة وَلم يصلوا الْعَصْر لقَوْله
لَا يصلين أحد الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة فصلوا الْعَصْر بهَا بعد الْعشَاء الْآخِرَة فَمَا عابهم الله تَعَالَى بذلك وَلَا عنفهم بِهِ رَسُول الله
وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أدْرك بَعضهم الْعَصْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لَا نصلي حَتَّى نأتيها وَقَالَ بَعضهم بل نصلي لم يرد منا ذَلِك فَذكر ذَلِك للنَّبِي
فَلم يعنف وَاحِدًا مِنْهُم كَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ من البُخَارِيّ أَنَّهَا الْعَصْر واتفقَ جَمِيع أهل الْمَغَازِي وَوَقع فِي مُسلم أنهَا الظهرُ مَعَ اتفَاقِ البُخَارِيّ وَمُسلم على رِوَايَته عَن شيخِ وَاحِد بِإِسْنَاد وَاحِد وَوَافَقَ مُسلما أَبُو يعلى وَآخَرُونَ وَجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال أَن يكون بَعضهم قبل الْأَمر كَانَ صلى الظّهْر(2/192)
وَبَعْضهمْ لم يصلها فَقيل لمن لم يصلها لَا يصلين أحد الظّهْر وَلمن صلاهَا لَا يصلين أحد الْعَصْر وَجمع بَعضهم بِاحْتِمَال أَن تكون طَائِفَة مِنْهُم راحت بعد طَائِفَة فَقيل للطائفة الأولى الظّهْر وللطائفة الَّتِي بعْدهَا الْعَصْر وَالله أعلم قَالَ ابْن إِسْحَاق وحاصرهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خمْسا وَعشْرين لَيْلَة حَتَّى أجهدهم الْحصار وَعند ابْن سعد خمس عشرَة وَعند ابْن عقبَة بضع عشرهَ لَيْلَة وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فَعرض عَلَيْهِم رئيسهم كَعْب بن أَسد أَن يُؤمنُوا فَقَالَ لَهُم يَا معشر يهود قد نزل بكم من الْأَمر مَا ترَوْنَ وَإِنِّي أعرض إِلَيْكُم خلالاً ثَلَاثًا فَخُذُوا أَيهَا شِئْتُم قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ نُبَايِع هَذَا الرجل ونصدقه فوَاللَّه لقد تبين أَنه نَبِي مُرْسل وَأَنه الَّذِي تجدونه فِي كتابكُمْ فتأمنون بِهِ على دمائكم وَأَمْوَالكُمْ وأبنائكم ونسائكم فَأَبَوا قَالَ فَإِذا أَبَيْتُم عَليّ هَذِه فَهَلُم نقْتل أبناءنا وَنِسَاءَنَا ثمَّ نخرج إِلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه رجَالًا مصلتين بِالسُّيُوفِ لم نَتْرُك وَرَاءَنَا ثقلاً حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَبَين مُحَمَّد فَإِن يهْلك نهلك وَلم نَتْرُك وَرَاءَنَا مَا نخشى عَلَيْهِ فَقَالُوا أَي عَيْش لنا بعد أَبْنَائِنَا ونسائنا قَالَ فَإِن أَبَيْتُم عَليّ هَذِه فَإِن اللَّيْلَة لَيْلَة السبت وَعَسَى أَن يكون مُحَمَّد وَأَصْحَابه قد أمنُوا فِيهَا فانزلوا لَعَلَّنَا نصيب من مُحَمَّد وَأَصْحَابه غرَّة قَالُوا نفسد سبتنا ونحدث فِيهِ مَا لم يحدث فِيهِ من كَانَ قبلنَا إِلَّا من علمت فَأَصَابَهُ مَا لم يخف عَلَيْك من المسخ وَأَرْسلُوا إِلَى رَسُول الله
أَن ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لبَابَة وَهُوَ رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر نستشره فِي أمرنَا فَأرْسلهُ إِلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَال وجهش إِلَيْهِ النِّسَاء وَالصبيان يَبْكُونَ فِي وَجهه فرق لَهُم وَقَالُوا يَا أَبَا لبَابَة أَتَرَى أَن ننزل على حكم مُحَمَّد قَالَ نعم وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنه الذّبْح(2/193)
قَالَ أَبُو لبَابَة فوَاللَّه مَا زَالَت قَدَمَايَ من مكانهما حَتَّى عرفت أَنِّي خُنْت الله وَرَسُوله ثمَّ انْطلق أَبُو لبَابَة على وَجهه فَلم يَأْتِ رَسُول الله
حَتَّى ارْتبط فِي الْمَسْجِد إِلَى عَمُود من عمده وَقَالَ لَا أَبْرَح من مَكَاني هَذَا حَتَّى يَتُوب الله عَليّ مِمَّا صنعت وَعَاهد الله أَلا يطَأ بني قُرَيْظَة أبدا وَلَا أرى فِي بلد خنتُ الله وَرَسُوله فِيهِ أبدا فَلَمَّا بلغ رَسُول الله
خبرُه وَكَانَ قد اسْتَبْطَأَهُ قَالَ أما لَو جَاءَنِي لاستغفرتُ لَهُ وَأما إِذْ فعل مَا فعل فَمَا أَنا بِالَّذِي أطلقهُ من مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوب الله عَلَيْهِ قَالَ وَأقَام أَبُو لبَابَة وَقَالَ أَبُو عمر وروى وهب عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر أَن أَبَا لبَابَة ارْتبط بسلسلة ثَقيلَة بضع عشرَة لَيْلَة حَتَّى ذهب سَمعه فكاد لَا يسمع وَكَاد يذهب بَصَره وَكَانَت ابْنَته تحله إِذا حضرت الصَّلَاة أَو أَرَادَ أَن يذهب لحاله فَإِذا فرغ أعادته وَعَن عبد الله بن قسط أَن تَوْبَة أبي لبَابَة نزلت على رَسُول الله
وَهُوَ فِي بَيت أم سَلمَة قَالَت أم سَلمَة فَسمِعت رَسُول الله
من السحر وَهُوَ يضْحك قَالَت فَقلت ممَّ تضحك أضْحك الله سنك قَالَ تيب على أبي لبَابَة قَالَت أَفلا أُبَشِّرهُ يَا رَسُول الله قَالَ بلَى إِن شِئْت قَالَ فَقَامَتْ على بَاب حُجْرَتهَا وَذَلِكَ قبل أَن يضْرب الْحجاب فَقَالَت يَا أَبَا لبَابَة أبشر فقد تَابَ الله عَلَيْك قَالَت فثار النَّاس إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَالله حَتَّى يكون رَسُول الله
هُوَ الَّذِي يُطلقنِي بِيَدِهِ فَلَمَّا مر عَلَيْهِ خَارِجا إِلَى صَلَاة الصُّبْح أطلقهُ وروى الْبَيْهَقِيّ فِي دلائله بِسَنَدِهِ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى (اعْتَرَفُوا(2/194)
بِذُنوبِهِم} التَّوْبَة 102 قَالَ هُوَ أَبُو لبَابَة إِذْ قَالَ لقريظة مَا قَالَ وَأَشَارَ إِلَى حلقه بِأَن مُحَمَّدًا يذبح إِن نزلتم على حكمه وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس مَا دلّ على أَن ارتباطه بِسَارِيَة الْمَسْجِد كَانَ بتخلفه عَن غَزْوَة تَبُوك كَمَا قَالَ ابْن الْمسيب قَالَ وَفِي ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة وَلما اشْتَدَّ الْحصار ببني قُرَيْظَة أذعنوا أَن ينزلُوا على حكم رَسُول الله
فحكَم فيهم سعد بن معَاذ وَكَانَ قد جعله فِي خيمةٍ فِي الْمَسْجِد الشريف لامْرَأَة من أسلم يُقَال لَهَا رفيدة وَكَانَت تداوي الْجَرْحى فَلَمَّا حكَمه أَتَاهُ قومُه فَحَمَلُوهُ على حمارة وَقد وطئوا لَهُ بوسادة من أَدَم وَكَانَ رجلا جسيماً ثمَّ أَقبلُوا مَعَه إِلَى رَسُول الله
فَلَمَّا انْتهى سعد إِلَى رَسُول الله
وَالْمُسْلِمين قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قومُوا إِلَى سيدكم فَأَما الْمُهَاجِرُونَ من قُرَيْش فَيَقُولُونَ إِنَّمَا أَرَادَ رَسُول الله
الْأَنْصَار وَأما الْأَنْصَار فَيَقُولُونَ عَم بهَا رَسُول الله
المسلمن فَقَالُوا إِن رَسُول الله
قد ولاك أَمر مواليك لتَحكم فيهم فَقَالَ سعد فَإِنِّي أحكم فيهم أَن يقتل الرِّجَال وتقسم الْأَمْوَال وتسبى الذَّرَارِي وَالنِّسَاء فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقد حكمت فيهم بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أَرقعَة والرقيع السَّمَاء سميت بذلك لِأَنَّهَا رُقعت بالنجوم وَوَقع فِي البُخَارِيّ قَالَ قضيتَ فيهم بِحكم الله وَرُبمَا قَالَ بِحكم الملِكِ بِكَسْر اللَّام وفى رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح لقد حكمت الْيَوْم فيهم بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات وفى حَدِيث جَابر عَن ابْن عَائِذ فَقَالَ احكم فيهم يَا سعد فَقَالَ الله(2/195)
وَرَسُوله أَحَق بالحكم قَالَ قد أَمرك الله أَن تحكم فيهم وفى هَذِه الْقِصَّة جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي زَمَنه
وَهِي مَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا أهل أصُول الْفِقْه وَالْمُخْتَار الْجَوَاز سَوَاء كَانَ فِي حَضرته أم لَا وَإِنَّمَا استبعد الْمَانِع وُقُوع الِاعْتِمَاد على الظَّن مَعَ إِمْكَان الْقطع وَلَا يضر ذَلِك لِأَنَّهُ بالتقرير يصير قَطْعِيا وَقد ثَبت وُقُوع ذَلِك بِحَضْرَتِهِ
كَمَا فِي هَذِه الْقِصَّة وَغَيرهَا وَانْصَرف
يَوْم الْخَمِيس لسبع لَيَال كَمَا قَالَه الدمياطي أَو لخمس كَمَا قَالَه مغلطاي خلون من ذِي الْحجَّة وَأمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببني قُرَيْظَة فأدخلوا الْمَدِينَة وحفر لَهُم أخدُود فِي السُّوق وَجلسَ
وَمَعَهُ أَصْحَابه وأُخرجوا إِلَيْهِ فَضربت أَعْنَاقهم فَكَانُوا مَا بَين سِتّمائَة إِلَى سَبْعمِائة وَقَالَ السُّهيْلي المكثر يَقُول إِنَّهُم مَا بَين الثَّمَانمِائَة إِلَى التسْعمائَة وفى حَدِيث جَابر عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان بِإِسْنَاد صَحِيح إِنَّهُم كَانُوا أَرْبَعمِائَة مقَاتل فَيحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع أَن يُقَال إِن البَاقِينَ كَانُوا أتباعا وَاصْطفى
لنَفسِهِ الْكَرِيمَة رَيْحَانَة فَتَزَوجهَا وَقيل كَانَ يَطَؤُهَا بِملك الْيَمين وَأمر بالغنائم فَجمعت فَأخْرج الْخمس من الْمَتَاع والسبي ثمَّ أَمر بِالْبَاقِي فَبيع مِمَّن يُريدهُ وقسمه بَين الْمُسلمين فَكَانَت على ثَلَاثَة آلَاف واثنين وَسبعين سَهْما للْفرس سَهْمَان ولصاحبه سهم وَصَارَ الْخمس إِلَى محمية بن جُزْء الزبيدِيّ فَكَانَ النَّبِي
يعْتق مِنْهُ ويهب ويُخدم مِنْهُ من أَرَادَ وَكَذَلِكَ بِمَا صَار إِلَيْهِ من الرثة وَهُوَ السقط من الْمَتَاع وانفجر جرج سعد بن معَاذ فَمَاتَ شَهِيدا وفى البُخَارِيّ أَنه دَعَا اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنه لَيْسَ أحد أحب إِلَيّ أَن أجاهدهم فِيك من قوم كذبُوا رَسُولك اللَّهُمَّ إِني(2/196)
أَظن أَنَّك قد وضعتَ الْحَرْب فافجرها وَاجعَل موتِي فِيهَا فانفجرت من ليلته فَلم يرعهم إِلَّا الدَّم يسيل إِلَيْهِم فَقَالُوا يَا أهل الْخَيْمَة مَا هَذَا الَّذِي يأتينا من قبلكُمْ فَإِذا جرح سعد يغذو أَي يسيل يُقَال غذا الْجرْح إِذا سَالَ مَا فِيهِ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا وَقد كَانَ ظن سعد مصيباً ودعاؤه فِي هَذِه الْقِصَّة مجاباً وَذَلِكَ أَنه لم يَقع بَين الْمُسلمين وَبَين قُرَيْش من بعد وقْعَة الخَنْدَق حربٌ يكون ابْتِدَاء الْقَصْد فِيهَا من الْمُشْركين فَإِنَّهُ
تجهز إِلَى الْعمرَة فصدوه عَن دُخُول مَكَّة وَكَاد الْحَرْب أَن يَقع بَينهم فَلم يَقع كَمَا قَالَ تَعَالَى {وهُوَ اَلذي كَفَّ أيديَهُم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عنهُم بِبَطنِ مَكَةَ من بَعدِ أَن أَظْفَرَكم عَلَيْهِم} ثمَّ وَقعت الْهُدْنَة وَاعْتمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قَابل وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى أَن نقضوا الْعَهْد فَتوجه إِلَيْهِم غازياً ففتحت مَكَّة فعلى هَذَا فَالْمُرَاد بقوله أَظن أَنَّك قد وضعت الْحَرْب أَي لن يقصدونا محاربين وَهُوَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تغزونهم وَلَا يغزونكم كَمَا تقدم وَقد بَين سَبَب انفجار جرح سعد فِي مُرْسل حميد بن هِلَال عِنْد ابْن سعد وَلَفظه أَنه مرت بِهِ عنز وَهُوَ مُضْطَجع فَأصَاب ظلفُها موضعَ النَّحْر فانفجرت حَتَّى مَاتَ وَحضر جنَازَته سَبْعُونَ ألف ملك واهتز لمَوْته عرش الرَّحْمَن // (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) // قَالَ النَّوَوِيّ اخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيله فَقَالَت طَائِفَة هُوَ على ظَاهره واهتزاز الْعَرْش تحركه فَرحا بقدوم روح سعد وَجعل الله تَعَالَى فِي الْعَرْش تمييزاً حصل بِهِ هَذَا وَلَا مَانع مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإن مِنهَا لَمَا يهبِطُ من خَشْيَة الله} وَهَذَا القَوْل هُوَ ظَاهر الحَدِيث وَهُوَ الْمُخْتَار قَالَ الْمَازرِيّ قَالَ بَعضهم وَهُوَ على حَقِيقَته وَإِن الْعَرْش تحرّك لمَوْته قَالَ(2/197)
وَهَذَا لَا يُنكر من جِهَة الْعقل لِأَن الْعَرْش جسم من الْأَجْسَام يقبل الْحَرَكَة والسكون قَالَ لَكِن لَا تحصل فَضِيلَة سعد بذلك إِلَّا أَن يُقَال إِن الله تَعَالَى جعل حركته عَلامَة للْمَلَائكَة على مَوته وَقَالَ آخَرُونَ المُرَاد بالاهتزاز الاستبشار وَالْقَبُول ومِنْهُ قَول الْعَرَب فلَان يَهْتَز للمكارم لَا يُرِيدُونَ اضطرابَ جِسْمه وحركته وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارتياحه إِلَيْهَا وإقباله عَلَيْهِ قَالَ الْحَرْبِيّ وَهُوَ كِنَايَة عَن تَعْظِيم شأنِ وَفَاته وَالْعرب تنسبُ الشَّيْء الْمُعظم إِلَى أعظم الْأَشْيَاء فَيَقُولُونَ أظلمت لمَوْت فلَان الأَرْض وَقَامَت لَهُ الْقِيَامَة وَقَالَ جمَاعَة المُرَاد اهتزاز سَرِير الْجِنَازَة وَهُوَ النعش وَهَذَا القَوْل بَاطِل يردهُ صَرِيح الرِّوَايَات الَّتِي ذكرهَا مُسلم وَالله أعلم انْتهى وَقيل المُرَاد باهتزاز الْعَرْش اهتزاز حَمَلة الْعَرْش وَصحح الترمذيُ من حَدِيث أنس قَالَ لما حملت جَنَازَة سعد بن معَاذ قَالَ المُنَافِقُونَ مَا أخف جنَازَته فَقَالَ النَّبِي
إِن الملائكةَ كَانَت تحمله وَعَن الْبَراء قَالَ أهديت لرَسُول الله
حلَّة حَرِير فَجعل أَصْحَابه يمسونها ويعجبون من لينها فَقَالَ
أتعجبون من لين هَذِه لمَنَاديلُ سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة خير مِنْهَا وألين هَذَا لفظ رِوَايَة أبي نعيم فِي مستخرجه على مُسلم والمناديل جمع منديل بِكَسْر الْمِيم فِي الْمُفْرد وَهُوَ مَعْرُوف قَالَ الْعلمَاء هَذِه إِشَارَة إِلَى عظم منزلَة سعد فِي الْجنَّة وَأَن أدنى ثِيَابه فِيهَا خير من هَذِه لِأَن المناديل أدنى الثِّيَاب لِأَنَّهُ معد للوسخ والامتهان فَغَيره أفضل مِنْهُ انْتهى وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قَالَ قبض إِنْسَان يَوْمئِذٍ من تُرَاب قَبره قَبْضَة فَذهب بهَا ثمَّ(2/198)
نظر إِلَيْهَا بعد ذَلِك فَإِذا هِيَ مسك قَالَ فَقَالَ رَسُول الله
سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله حَتَّى عُرِفَ ذَلِك فِي وَجهه فَقَالَ الْحَمد لله لَو كَانَ أحد ناجياً من ضمة الْقَبْر لنجا مِنْهَا ضُم ضَمّة ثمَّ فرج الله عَنهُ وَأخرج ابْن سعد عَن أبي سعيد قَالَ كنت فِيمَن حفر لسعد قَبره فَكَانَ يفوح علينا الْمسك كلما حفرنا قَالَ الْحَافِظ مغلطاي وَغَيره فِي هَذِه السّنة فُرِضَ الْحَج وَقيل سنة سِتّ وَصَححهُ غير وَاحِد وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَقيل سنة سبع وَقيل سنة ثَمَان وَرجحه جمَاعَة من الْعلمَاء وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى(2/199)
(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)
فِيهَا غَزْوَة بني لحيان فِي ربيع الأول انْتهى فِيهَا
إِلَى غران وادٍ عِنْد عسفان فِي مِائَتي رجل فَهَرَبُوا فَأَقَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ يبْعَث السَّرَايَا لكل نَاحيَة فَلم يَجدوا أحدا فَرجع للمدينة بعد تِسْعَة عشر يَوْمًا قَائِلا آيبون تائبون لربنا حامدون وفى الْمَوَاهِب لحيان بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا لُغَتَانِ فِي ربيع الأول سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي جُمَادَى الأولى فِي رَأس سِتَّة أشهر من قُرَيْظَة قَالَ ابْن حزم الصَّحِيح أَنَّهَا فِي الْخَامِسَة قَالُوا وجد رَسُول الله
على عَاصِم بن ثَابت وَأَصْحَابه وَجْداً شَدِيدا فأظهر أَنه يُرِيد الشَّام وعسكر فِي مِائَتي رجل وَمَعَهُمْ عشرُون فرسا واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن أم مَكْتُوم ثمَّ أسْرع الْمسير حَتَّى انْتهى إِلَى بطن غران وَاد بَين أمج وَعُسْفَان وَبَينهَا وَبَين عسفان خَمْسَة أَمْيَال حَيْثُ مصاب أَصْحَاب الرجيع الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة فترحم عَلَيْهِم ودعا لَهُم فَسمِعت بِهِ بَنو لحيان فَهَرَبُوا فِي رُءُوس الْجبَال فَلم يقدر مِنْهُم على أحد فَأَقَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ يبْعَث السرايَا فِي كل ناحيةِ ثمَّ خرج حَتَّى أَتَى عسفان فَبعث أَبَا بكر فِي عشرَة فوارس لتسمع بِهِ قُرَيْش فيذعرهم فَأتوا كرَاع الغميم ثمَّ رجعُوا وَلم يلْقوا أحدا وَانْصَرف
وَلم يلق كيداً وَهُوَ يَقُول آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون وَغَابَ عَن الْمَدِينَة أَربع عشرَة لَيْلَة وَقيل سَبْعَة عشرَة لَيْلَة وفيهَا غَزْوَة الغابة وَهِي غَزْوَة ذِي قَرَدٍ فِي ربيع الأول فِي خَمْسمِائَة(2/200)
غَابَ خمس لَيَال وَصلى صَلَاة الْخَوْف أَيْضا وقَرَد بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وبالدال الْمُهْملَة وَهُوَ مَاء على بَرِيد من الْمَدِينَة قبل الْحُدَيْبِيَة وَعند البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت قبل خَيْبَر بِثَلَاثَة أَيَّام وفى مُسلم نَحوه قَالَ مغلطاي وفى ذَلِك نظر لإِجْمَاع أهل السّير على خلَافهَا انْتهى قَالَ الْقُرْطُبِيّ شَارِح مُسلم لَا يخْتَلف أهل السّير أَن غَزْوَة ذِي قرد كَانَت قبل الْحُدَيْبِيَة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر مَا فِي الصَّحِيح من التَّارِيخ لغزوة ذِي قرد أصح مِمَّا ذكره أهل السّير انْتهى وسببها أَنه كَانَ لرَسُول الله
عشرُون لقحة وَهِي ذَوَات اللَّبن الْقَرِيبَة الْعَهْد بِالْولادَةِ ترعى بِالْغَابَةِ وَكَانَ ابْن أبي ذَر فِيهَا فَأَغَارَ عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الفِزَاري لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فاستاقوها وَقتلُوا ابْن أبي ذَر وَقَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ فيهم رجل من غفار وَامْرَأَة فَقتلُوا الرجل وَسبوا الْمَرْأَة فركبت نَاقَة لَيْلًا حِين غفلتهم تُرِيدُ النَّبِي
ونذرت لَئِن نجت لتنحرنها فَلَمَّا قدمت على النَّبِي
أخْبرته بذلك فَقَالَ لَا نذر فِي مَعْصِيّة وَلَا لأحد فِيمَا لَا يملك وَنُودِيَ يَا خيل الله ارْكَبِي وَكَانَ أول مَا نُودي بهَا وَركب رَسُول الله
فِي خَمْسمِائَة وَقيل سَبْعمِائة واستخلف على الْمَدِينَة(2/201)
ابْن أم مَكْتُوم وَخلف سعد بن عبَادَة فِي ثَلَاثمِائَة يَحْرُسُونَ الْمَدِينَة وَقد كَانَ عقد لِلْمِقْدَادِ بن عَمْرو لِوَاء فِي رمحه وَقَالَ لَهُ امْضِ حَتَّى تلحقك الْخُيُول وَأَنا على أثرك فَأدْرك أخريات الْعَدو وَقتل أَبُو قَتَادَة مسْعدَة فَأعْطَاهُ رَسُول الله
فرسه وسلاحه وَقتل عكاشة بن مُحصن أبان بن عَمْرو وَقتل من الْمُسلمين مُحرز بن نَضْلَة قَتله مسْعدَة وَأدْركَ سَلمَة بن الْأَكْوَع الْقَوْم وَهُوَ على رجلَيْهِ فَجعل يرميهم بِالنَّبلِ وَيَقُول // (من الرجز) //
(خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع ... وَالْيَوْم يَوْم الرضع)
يَعْنِي يَوْم هَلَاك اللئام من قَوْلهم لئيم راضع أَي رضع اللؤم فِي بطن أمه وَقيل مَعْنَاهُ الْيَوْم يعرف من أَرْضَعَتْه الْحَرْب من صغره وتدرب بهَا وَيعرف غَيره وَلحق رَسُول الله
النَّاس والخيول عشَاء قَالَ سَلمَة فَقلت يَا رَسُول الله إِن الْقَوْم عطاش فَلَو بعثتني فِي مائَة رجل استنقذتُ مَا فِي أَيْديهم من السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم فَقَالَ
ملكتَ فَأَسْجِحْ وَهِي بِهَمْزَة قطع ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ جِيم مَكْسُورَة ثمَّ حاء مُهْملَة أَي فارفق وَأحسن والسجَاحة السهولة أَي لَا تَأْخُذ بالشدة بل ارْفُقْ فقد حصلت النكاية فِي الْعَدو وَللَّه الْحَمد ثمَّ قَالَ إِنَّهُم الْآن ليقرون فِي غطفان وَذهب الصَّرِيخ إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف فَجَاءَت الأمداد فَلم تزل الْخَيل تَأتي وَالرِّجَال على أَقْدَامهم وعَلى الْإِبِل حَتَّى انْتَهوا إِلَى رَسُول الله
بِذِي قرد فاستنقذوا عشر لقاح وأفلت الْقَوْم بِمَا بَقِي وَهِي عشر وَصلى رَسُول الله
بِذِي قرد صَلَاة الْخَوْف وَأقَام يَوْمًا وَلَيْلَة وَرجع وَقد غَابَ خمس لَيَال وَقسم فِي كل مائَة من أَصْحَابه جَزوراً ينحرونها(2/202)
وفيهَا غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة هِلَال ذِي الْقعدَة فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَبَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت حِين أرسل عُثْمَان فحبسوه فِي مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو فِي الصُّلْح فواعدهم
عشر سِنِين فَأَقَامَ بضعَة عشر يَوْمًا هُنَاكَ وَهُوَ مُعْتَمر فتحلَل من عمرته وَرجع فَنزلت عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق سُورَة الْفَتْح وَفِي الْمَوَاهِب الْحُدَيْبِيَة بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها بِئْر سمي الْمَكَان بهَا وَقيل شَجَرَة وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ قَرْيَة قريبَة من مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحرم وَهِي على تِسْعَة أَمْيَال من مَكَّة خرج عَلَيْهِ السَّلَام من الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ هِلَال ذِي الْقعدَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة للْعُمْرَة وَأخرج مَعَه زَوجته أم سَلمَة فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَيُقَال وَخَمْسمِائة وَقيل ألف وثلاثمائة وَالْجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال أَنهم كَانُوا أَكثر من ألف وَأَرْبَعمِائَة فَمن قَالَ ألف وَخَمْسمِائة جبر الْكسر وَمن قَالَ وَأَرْبَعمِائَة ألغاه وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْبَراء ألف وَأَرْبَعمِائَة أَو أَكثر وَاعْتمد على هَذَا الْجمع النَّوَوِيّ وَأما رِوَايَة ألف وثلاثمائة فَيمكن حَمْلُها على مَا اطلع عَلَيْهِ واطلع غَيره على زِيَادَة مِائَتَيْنِ لم يطلع هُوَ عَلَيْهِم وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة وَأما قَول ابْن إِسْحَاق إِنَّهُم كَانُوا سَبْعمِائة فَلم يُوَافقهُ أحد عَلَيْهِ قَالَه استنباطاً من قَول جَابر نحرنا الْبَدنَة عَن عشرَة وَكَانُوا نحرُوا سبعين بَدَنَة وَهَذَا لَا يدل على أَنهم لم ينحروا غير الْبدن مَعَ أَن بَعضهم لم يكن أحرم أصلا وَجزم مُوسَى بن عقبَة أَنهم كَانُوا ألفا وسِتمِائَة وَعند ابْن أبي شيبَة من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع ألف وَسَبْعمائة(2/203)
وَحكى ابْن سعد ألفا وَخَمْسمِائة وَخَمْسَة وَعشْرين واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وَلم يخرج مَعَه بسلاحِ إِلَّا سلَاح الْمُسَافِر السيوف فِي الْقرب وَفِي البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَ خرج رَسُول الله
عَام الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة قلد الْهدى وأشعر وَأحرم مِنْهَا وَفِي رِوَايَة أحرم مِنْهَا بِعُمْرَة وَبعث عينا لَهُ من خُزَاعَة وَسَار النَّبِي
حَتَّى إِذا كَانَ بغدير الأشطاط أَتَاهُ عينه فَقَالَ إِن قُريْشًا جمعُوا لَك جموعاً وَقد جمعُوا لَك الْأَحَابِيش وهم مقاتلوك وصادُوك عَن الْبَيْت ومانعوك فَقَالَ أَشِيرُوا عَليّ أَيهَا النَّاس أَتَرَوْنَ أَن أميل إِلى عِيَالهمْ وذراري هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يصدونا عَن الْبَيْت فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله خرجت عَامِدًا لهَذَا الْبَيْت لَا تُرِيدُ قتال أحد وَلَا حَرْب أحد فَتوجه لَهُ فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امضوا على اسْم الله وروى أَحْمد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول مَا رَأَيْت أحدا قطّ كَانَ أَكثر مُشَاورَة لأَصْحَابه من رَسُول الله
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ النَّبِي
إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم فِي خيل لقريش طَلِيعَة فَخُذُوا ذَات الْيَمين فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هم بقترة الْجَيْش فَانْطَلق يرْكض نذيراً لقريش وَسَار النَّبِي
حَتَّى إِذا كَانَ بالثَّنية الَّتِي يهْبط عَلَيْهِم مِنْهَا بَركت رَاحِلَته فَقَالَ النَّاس حل حل فألحت يَعْنِي تمادتْ على عدم الْقيام فَقَالُوا خلأت القصوى خلأت القصوى فَقَالَ النَّبِي
مَا خلأت القصوى وَمَا ذَاك لَهَا بِخلق وَلَكِن(2/204)
حَبسهَا حَابِس الْفِيل أَي حَبسهَا الله عَن دُخُول مَكَّة كَمَا حبس الْفِيل عَن دُخُولهَا ومناسبة ذَلِك أَن الصَّحَابَة لَو دخلُوا مَكَّة على تِلْكَ الصُّورَة وصدهم قُرَيْش لوقع بَينهم الْقِتَال المفضى إِلَى سفك الدِّمَاء وَنهب الْأَمْوَال كَمَا لَو قدر دُخُول الْفِيل لَكِن سبق فِي علم الله أَنه سيدخل فِي الْإِسْلَام مِنْهُم خَلْق كثير وسيخرج من أصلابهم نَاس يسلمُونَ ويجاهدون ثمَّ قَالَ
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إياهَا ثمَّ زجرها فَوَثَبت قَالَ فَعدل عَنْهُم حَتَّى نزل بأقصى الْحُدَيْبِيَة على ثَمد قَلِيل المَاء يَعْنِي حُفْرَة فِيهَا مَاء قَلِيل يتبرضه النَّاس تبرضاً أَي يأخذونه قَلِيلا قَلِيلا فَلم يلبث النَّاس حَتَّى نَزَحُوهُ وشكي إِلَى رَسُول الله
الْعَطش فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته ثمَّ أَمرهم أَن يَجْعَلُوهُ فِيهِ فوَاللَّه مَا زَالَ يَجِيش بِالريِّ حَتَّى صدرُوا عَنهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نَفَرٍ من قومه من خُزَاعَة وَكَانُوا عَيْبَة نصح لرَسُول الله
من أهل تهَامَة فَقَالَ إِنِّي تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة مَعَهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادُوك عَن الْبَيْت والعُوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة جمع عَائِذ وَهِي النَّاقة ذَات اللَّبن والمطافيل الْأُمَّهَات الَّتِي مَعهَا أطفالُهَا يُرِيد أَنهم خَرجُوا لَهُم بذوات الألبان من الْإِبِل ليروو بألبانها وَلَا يرجِعوا حَتَّى يمنعوه أَو كني بذلك عَن النِّسَاء مَعَهُنَّ الْأَطْفَال وَالْمرَاد أَنهم خَرجُوا بنسائهم وَأَوْلَادهمْ لإِرادة طول الْمقَام ليَكُون أدعى إِلى عدم الْفِرَار فَقَالَ رَسُول الله
إِنَّا لم نأت لقِتَال أحدٍ وَلَكنَّا جِئْنَا معتمرين وَإِن قُريْشًا قد نهكتهم الْحَرْب فأضرت بهم فإِن شَاءُوا ماددتهم مُدَّة ويخلوا بيني وَبَين النَّاس فإِن أظهر فَإِن شَاءُوا أَن يدخلُوا فِيمَا دخل فِيهِ النَّاس فعلوا وَإِلَّا فقد جموا يعْنى استراحوا وَإِن أَبَوا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأقاتلنهم على أَمْرِي حَتَّى تنفرد سالفتي أَي صفحة الْعُنُق كنى بذلك عَن الْقَتْل أَو لينفذن الله أمره فَقَالَ بديل سأبلغهم مَا تَقول فَانْطَلق حَتَّى أَتَى(2/205)
قُريْشًا فَقَالَ إِنَّا قد جئناكم من عِنْد هَذَا الرجل وسمعناه يَقُول قولا فإِن شِئْتُم أَن نعرضه عَلَيْكُم فعلنَا فَقَالَ سفهاؤهم لَا حَاجَة لنا أَن تخبرنا عَنهُ بِشَيْء وَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُم هَات مَا سمعته فَقَالَ سمعته يَقُول كَذَا وَكَذَا فَحَدثهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِي
فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود فَقَالَ أَي قوم ألستم بالوالد قَالُوا بلَى قَالَ أولست بِالْوَلَدِ قَالُوا بلَى قَالَ فَهَل تتهموني قَالُوا لَا قَالَ ألستم تعلمُونَ أَنِّي استنفرت أهل عكاظ فَلَمَّا بلحوا عليّ أَي تمنعوا من الْإِجَابَة جِئتُكُمْ بأهلي وَوَلَدي وَمن أَطَاعَنِي قَالُوا بلَى قَالَ إِن هَذَا قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد أَي خصْلَة خير وَصَلَاح اقبلوها ودعوني آته فَأَتَاهُ فَجعل يكلم النَّبِي
فَقَالَ النَّبِي
نَحوا من قَوْله لبديل فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك أَي مُحَمَّد أَرَأَيْت إِن استأصلتَ قَوْمك هَل سمعتَ بأحدٍ من الْعَرَب اجتاح أَصله قبلك وِإن تكن الْأُخْرَى فَإِنِّي وَالله لَا أرى وُجُوهًا وَإِنِّي لأرى أشواباً يعْنى أخلاطاً من النَّاس خليقاً أَن يفرُّوا ويدَعوك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ امصص بظر اللات أَنَحْنُ نفر عَنهُ أَو ندعه قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا مُبَالغَة من أبي بكر فِي سَب عُرْوَة فإِنه أَقَامَ معبود عُرْوَة وَهُوَ صنمه مقَام أمه وَحمله على ذَلِك مَا أغضبهُ بِهِ من نِسبته الْفِرَار إِليهم والبَظر بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَة والظاء الْمُعْجَمَة الساكنة قِطْعَة تبقى بعد الْخِتَان فِي فرج الْمَرْأَة وَاللات اسْم صنم وَالْعرب تطلق هَذَا اللَّفْظ فِي معرض الذَّم انْتهى فَقَالَ عُرْوَة من هَذَا فَقَالُوا أَبُو بكر فَقَالَ أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد كَانَت لَك عِنْدِي لم أجزك بهَا لأجبتك قَالَ وَجعل يكلم النَّبِي
فَكلما تكلم أَخذ بلحيته
والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم على رَأس النَّبِي وَمَعَهُ السَّيْف وَعَلِيهِ المغفر فَكلما أَهْوى عُرْوَة بِيَدِهِ إِلَى لحية النَّبِي
ضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ اكفف يدك عَن لحية النَّبِي
قَالَ الْعلمَاء وَقد كَانَت عادةُ الْعَرَب أَن يتَنَاوَل الرجل لحية من يكلمهُ لَا سِيمَا عِنْد الملاطفة وَفِي الْغَالِب إِنما يصنع ذَلِك النظير بالنظير فَكَانَ النَّبِي
يُفْضِي(2/206)
لعروة استمالةً وتأليفاً والمغيرة يمنعهُ إجلالاً للنَّبِي
وتعظيماً قَالَ فَرفع عُرْوَة رَأسه فَقَالَ من هَذَا قَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غُدَر أَلَسْت أسعى فِي غدرتك وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة وَأخذ أَمْوَالهم ثمَّ جَاءَ فَأسلم فَقَالَ النَّبِي
أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق أَصْحَاب النَّبِي
بِعَيْنِه فَيرى أَنهم مَا تنخم رَسُول الله
نخامة إِلَّا وقعتْ فِي يَد رجل مِنْهُم فَذَلِك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم أمرا ابتدروا لأَمره وإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدُّون إِليه النّظر تَعْظِيمًا لَهُ قَالَ فِي فتح الْبَارِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى الرَّد على مَا خشيه من فرارهم فكأنهم قَالُوا بِلِسَان الْحَال من يُحِبهُ هَذِه الْمحبَّة ويعظمه هَذَا التَّعْظِيم كَيفَ يظنّ بِهِ أَنه يفر عَنهُ ويسلمه لعَدوه بل هم أَشد اغتباطاً بِهِ وبدينه وَنَصره من هَذِه الْقَبَائِل الَّتِي تداعى بَعْضهَا لمُجَرّد الرَّحِم وَالله أعلم انْتهى قَالَ فَرجع عُروة إِلى أَصْحَابه فَقَالَ أَي قوم وَالله لقد وفدت على الْمُلُوك ووفدت على قَيْصر وكسرى وَالنَّجَاشِي وَالله إنْ رأيتُ ملكا قطّ يعظمه أَصْحَابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا وَالله إِن يتنخم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا توضَأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدُّون إِليه النّظر تَعْظِيمًا لَهُ وِإنه قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها فَقَالَ رجل من بني كنَانَة دَعونِي آته فَقَالُوا ائته فَلَمَّا أشرف على النَّبِي
قَالَ رَسُول الله
هَذَا فلَان وَهُوَ من قوم يعظمون البُدنَ فابعثوها لَهُ فبعثوها لَهُ واستقبله النَّاس يلبون فَلَمَّا رأى ذَلِك قَالَ سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لهَؤُلَاء أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه قَالَ رَأَيْت الْبدن قد أعلمت وأشعرت فَمَا أرى أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مِكرَزُ بن حَفْص بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَفتح الرَّاء بعْدهَا زَاي فَقَالَ دَعونِي آته فَلَمَّا أشرف عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي
هَذَا مكرز وَهُوَ رجل فَاجر فَجعل يكلم النَّبِي
فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْل(2/207)
ابْن عَمْرو قَالَ معمر فَأَخْبرنِي أَيُّوب عَن عِكْرِمَة أَنه لما جَاءَ سُهَيْل قَالَ النَّبِي
إِنَّه قد سهل من أَمركُم مَا صَعب وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَأرْسلت قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَت اذْهَبْ إِلى هَذَا الرجل فَصَالحه فَقَالَ النَّبِي
قد أَرَادَت قُرَيْش الصُّلْح حِين بعثت هَذَا فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي
جرى بَينهمَا القَوْل حَتَّى وَقع بَينهمَا الصلحُ على أَن تُوضَع الحربُ بَينهم عشر سِنِين وَأَن يَأْمَن بَعضهم بَعْضًا وَأَن يرجع عَنْهُم عَامهمْ هَذَا وَقَالَ معمر قَالَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه فجَاء سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ هَات اكْتُبْ بَيْننَا وَبَيْنك كتابا فَدَعَا النَّبِي
عليا وَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ سُهَيْل أما الرَّحْمَن الرَّحِيم فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كنت تكْتب فَقَالَ الْمُسلمُونَ وَالله لَا نكتبها إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ النَّبِي
اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ثمَّ قَالَ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَفِي حَدِيث عبد الله بن مُغفل عِنْد الْحَاكِم فَكتب هَذَا مَا صَالح مُحَمَّد رسولُ الله أهل مَكَّة ... الحَدِيث فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رسولُ الله مَا صَدَدْنَاك وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ النَّبِي
وَالله إِنِّي لرَسُول الله وِإن كذبتموني وَفِي رِوَايَة لَهُ يعْنى البُخَارِيّ وَلمُسلم فَقَالَ النَّبِي
لعَلي امحه فَقَالَ مَا أَنا بِالَّذِي أمحاه وَهِي لُغَة فِي أمحوه قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا الَّذِي فعل عَليّ من بَاب الْأَدَب وَالْمُسْتَحب لِأَنَّهُ لم يفهم من النَّبِي
تحتم محو عَليّ نَفسه وَلِهَذَا لم يُنكر عَلَيْهِ وَلَو حتم محوه لنَفسِهِ لم يجز لعَلي تَركه انْتهى ثمَّ قَالَ
أَرِنِي مَكَانهَا فَأرَاهُ مَكَانهَا فمحاها(2/208)
وَكتب ابْن عبد الله وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي فَأخذ رَسُول الله
الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله
هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَقد تَمسك بِظَاهِر هَذِه الرِّوَايَة أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَادّعى أَن النَّبِي
كتب بِيَدِهِ بعد أَن لم يكن يُحْسن أَن يكْتب فشنع عَلَيْهِ عُلَمَاء الأندلس فِي زَمَانه ورموه بالزندقة وَأَن الَّذِي قَالَه يُخَالف الْقُرْآن حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ شعرًا // (من الْبَسِيط) //
(بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بِآخِرَةٍ ... وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ كَتَبَا)
فَجَمعهُمْ الْأَمِير فاستظهر الْبَاجِيّ عَلَيْهِم بِمَا لَدَيْهِ من الْمعرفَة وَقَالَ هَذَا لَا يُنَافِي الْقُرْآن بل يُؤْخَذ من مَفْهُوم الْقُرْآن أَنه قيد النَّفْي بِمَا قبل وُرُود الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى {وَمَا كنتَ تَتلُوا مَن قَبله مِن كِتابِ وَلَا تَخُطهُ بيمِينِك} وَبعد أَن تحققت أمْنِيته وتقررت بذلك معجزته وَأمن الارتياب فِي ذَلِك لَا مَانع من أَن يعرف الْكِتَابَة بعد ذَلِك من غير تَعْلِيم فَتكون معْجزَة أُخْرَى وَذكر ابْن دحْيَة أَن جمَاعَة من الْعلمَاء وافقوا الْبَاجِيّ على ذَلِك مِنْهُم شَيْخه أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي وَآخَرُونَ من عُلَمَاء إفريقية وَاحْتج بَعضهم لذَلِك بِمَا أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق مُجَالد عَن عون بن عبد الله مَا مَاتَ رَسُول الله
حَتَّى كتب وَقَرَأَ قَالَ مُجَاهِد فَذَكرته لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ صدق قد سَمِعت من يذكر ذَلِك وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَردت آثارٌ تدل على مَعْرفَته حُرُوف الْخط وَحسن تصورها كَقَوْلِه لكَاتبه تضع الْقَلَم على أُذُنك فَإِنَّهُ أذكر لَك وَقَوله لمعاوية ألق الدواة وحرف الْقَلَم وَفرق السِّين وَلَا تعور الْمِيم إِلَى غير ذَلِك قَالَ وَهَذَا وَإِن لم يثبت أَنه كتب فَلَا يبعد أَن يرْزق علم وضع الْكِتَابَة فإِنه أُوتِيَ علم كل شَيْء وَأجَاب الْجُمْهُور بِضعْف هَذِه الْأَحَادِيث وَعَن قصَّة الْحُدَيْبِيَة بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة(2/209)
وَالْكَاتِب فِيهَا هُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَقد صرح فِي حَدِيث الْمسور بن مخرمَة بِأَن عليا هُوَ الَّذِي كتب فَيحمل على أَن النُّكْتَة فِي قَوْله فَأخذ الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب لبَيَان أَن قَوْله أَرِنِي إِيَّاهَا أَنه إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى أَن يرِيه مَوضِع الْكَلِمَة الَّتِي امْتنع عليّ من محوها لكَونه كَانَ لَا يحسن الْكِتَابَة وعَلى أَن قَوْله بعد ذَلِك فَكتب فِيهِ حذف تَقْدِيره فمحاها فَأَعَادَهَا لعَلي فَكتب أَو أطلق كتب بِمَعْنى أَمر بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ كثير كَقَوْلِه كتب إِلى كسْرَى وَقَيْصَر وعَلى تَقْدِير حمله على ظَاهره فَلَا يلْزم من كِتَابَة اسْمه الشريف فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ لَا يحسن الْكِتَابَة أَن يصير عَالما بِالْكِتَابَةِ وَيخرج عَن كَونه أميَّاً ككثير من الْمُلُوك وَيحْتَمل أَن يكون جرب يَده بِالْكِتَابَةِ حِينَئِذٍ وَهُوَ لَا يحسن فَخرج الْمَكْتُوب على وفْق المُرَاد فَيكون معْجزَة أُخْرَى فِي ذَلِك الْوَقْت خَاصّا وَلَا يخرج بذلك عَن كَونه أُمِّيا وَبِهَذَا أجَاب أَبُو جَعْفَر السمناني أحد أَئِمَّة الْأُصُول من الأشاعرة وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَتعقب ذَلِك السُّهيْلي وَغَيره بِأَن هَذَا وَإِن كَانَ مُمكنا وَيكون آيَة أُخْرَى لكنه يُنَاقض كَونه أُمِّيا لَا يكْتب وَهِي الْآيَة الَّتِي قَامَت بهَا الْحجَّة وأفحم الجاحد وانحسمت الشُّبْهَة فَلَو جَازَ أَن يصير يكْتب بعد ذَلِك لعادت الشُّبْهَة وَقَالَ المعاند كَانَ يحسن يكْتب لكنه كَانَ يكتم ذَلِك قَالَ السُّهيْلي والمعجزات يستحيلُ أَن يدْفع بَعْضهَا بَعْضًا وَالْحق أَن معنى قَوْله فَكتب أَمر عليا أَن يكْتب انْتهى قَالَ وَفِي دَعْوَى أَن كِتَابَة اسْمه الشريف فَقَط على هَذِه الصُّورَة يسْتَلْزم مناقضة المعجزة وَيثبت كَونه غير أُمِّي نظر كَبِير وَالله أعلم انْتهى وَأما قَوْله اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَوله أما الرَّحْمَن الرَّحِيم فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ. . إِلَى آخِره فَقَالَ الْعلمَاء وافقهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ترك كِتَابَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ وَكَذَا وافقهم فِي مُحَمَّد بن عبد الله وَترك كِتَابَة رَسُول الله(2/210)
للْمصْلحَة المهمة الْحَاصِلَة بِالصُّلْحِ مَعَ أَنه لَا مفْسدَة فِي هَذِه الْأُمُور أما الْبَسْمَلَة وباسمك اللَّهُمَّ فمعناها واحدْ وَكَذَا قَوْله مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ أَيْضا رَسُوله وَلَيْسَ فِي ترك وصف الله تَعَالَى فِي هَذَا الْموضع بالرحمن الرَّحِيم مَا يَنْفِي ذَلِك وَلَا فِي ترك وَصفه
هَذَا بالرسالة مَا ينفيها فَلَا مفْسدَة فِيمَا طلبوه وَإِنَّمَا كَانَت الْمفْسدَة تكون لَو طلبُوا أَن يكْتب مَا لَا يحل من تَعْظِيم آلِهَتهم وَنَحْو ذَلِك انْتهى قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَكتب هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ
على أَن يخلوا بَيْننَا وَبَين الْبَيْت فنطوف بِهِ فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَا تتحدَث الْعَرَب؛ أَنا أخدنا ضغطة، وَلَكِن ذَلِك من الْعَام الْمقبل فَكتب فَقَالَ سُهَيْل: وعَلى أَنه لَا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلينا قَالَ الْمُسلمُونَ سُبْحَانَ الله كَيفَ يرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جَاءَ مُسلما الضغطة بِالضَّمِّ قَالَ فِي الْقَامُوس الضّيق وَالْإِكْرَاه انْتهى فَإِن قلت مَا الْحِكْمَة فِي كَونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَافق سهيلاً على أَنه لَا يَأْتِيهِ مِنْهُم رجل وَإِن كَانَ على دين الْإِسْلَام إِلَّا يردهُ إِلى الْمُشْركين فَالْجَوَاب أَن الْمصلحَة المترتبة على هَذَا الصُّلْح مَا ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده الظَّاهِرَة الَّتِي كَانَت عَاقبَتهَا فتح مَكَّة وَإِسْلَام أَهلهَا كلهم وَدخُول النَّاس فِي دين الله أفواجَاً وَذَلِكَ أَنهم قبل الصُّلْح لم يَكُونُوا يختلطون بِالْمُسْلِمين وَلَا تتظاهر عِنْدهم أُمُور النَّبِي
كَمَا هِيَ وَلَا يخلون بِمن يعلمهُمْ بهَا مفصَّلة فَلَمَّا حصل صلح الْحُدَيْبِيَة اختلطوا بِالْمُسْلِمين وَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة وَذهب الْمُسلمُونَ إِلى مَكَّة وخلوا بأهليهم وأصدقائهم وَغَيرهم مِمَّن يستنصحونه وسمعوا مِنْهُم أَحْوَال النَّبِي
ومعجزاته الظَّاهِرَة وأعلام نبوته المتظاهرة وَحسن سيرته وَجَمِيل طَرِيقَته وعاينوا بِأَنْفسِهِم كثيرا من ذَلِك فمالت نفوسُهم إِلى الْإِيمَان حَتَّى بَادر خلق كثير مِنْهُم إِلى الْإِسْلَام قبل فتح مَكَّة فأسلموا بَين صلح الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة وازداد الْآخرُونَ ميلًا إِلى الْإِسْلَام فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَسْلمُوا كلهم لما كَانَ قد تمهد لَهُم من الْميل وَكَانَت الْعَرَب غير قُرَيْش فِي(2/211)
الْبَوَادِي قَالَ الله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نصرُ الله وَالفَتحُ وَرَأيت الناسَ يَدخلوُنَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا} فَالله وَرَسُوله أعلم انْتهى قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فبينماهم كَذَلِك إِذْ دخل أَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو يُوسُف فِي قيوده قد خرج من أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رمى بِنَفسِهِ بَين أظهر الْمُسلمين فَقَالَ سُهَيْل هَذَا يَا مُحَمَّد أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ أَن ترده إِلَيّ فَقَالَ
إِنَّا لم نمض الْكتاب بعد قَالَ فوَاللَّه إِذن لَا أصالحك على شَيْء أبدا قَالَ النَّبِي
فأجزه إِلي قَالَ مَا أَنا بمجيزه لَك قَالَ بلَى فافعل قَالَ مَا أَنا بفاعلِ قَالَ مكرز بلَى قد أجزنا ذَلِك قَالَ أَبُو جندل أَي معشر الْمُسلمين أُرَدُ إِلى الْمُشْركين وَقد جِئْت مُسلما إِلَّا ترَوْنَ مَا قد لقِيت وَكَانَ عُذبَ فِي الله عذَابا شَدِيدا زَاد ابْن إِسْحَاق فَقَالَ النَّبِي
يَا أَبَا جندل اصبر واحتسب فإِنا لَا نغدر وَإِن الله جَاعل لَك فرجا ومخرجاً ووثب عمر يمشي إل جنبه وَيقرب مِنْهُ قَائِم السَّيْف وَيَقُول اصبر فإِنما هم الْمُشْركُونَ وَإِن دم أحدهم كَدم الْكَلْب يعرض لَهُ بقتل أَبِيه فَلَمَّا لم يفعل قَالَ عمر ضنَّ الرجل بِأَبِيهِ قَالَ الخطَابي تأوَّل العلماءُ مَا وَقع فِي قصَّة أبي جندل على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الله قد أَبَاحَ التقية للْمُسلمِ إِذا خَافَ الْهَلَاك وَرخّص لَهُ أَن يتَكَلَّم بالْكفْر مَعَ إِضْمَار الإِيمان إِن لم يُمكنهُ التورية فَلم يكن رده إِليهم إسلاماً لأبي جندل إِلى الْهَلَاك مَعَ وجود السَّبِيل إِلى الْخَلَاص من الْمَوْت بالتقية وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه إِنَّمَا رده إِلى أَبِيه وَالْغَالِب أَن أَبَاهُ لم يبلغ بِهِ إِلى الْهَلَاك وَإِن عذبه أَو سجنه فَلهُ مندوحة بالتقية أَيْضا وَأما مَا يخَاف عَلَيْهِ من الْفِتْنَة فإِن ذَلِك امتحان من الله يَبْتَلِي بِهِ صَبر عباده الْمُؤمنِينَ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل يجوز الصُّلْح مَعَ الْمُشْركين على أَن يرد إِلَيْهِم من جَاءَ مُسلما من عِنْدهم أم لَا(2/212)
فَقيل نعم على مَا دلّت عَلَيْهِ قصَّة أبي جندل وَأبي بَصِير وَقيل لَا وَأَن الَّذِي وَقع فِي الْقِصَّة مَنْسُوخ وَأَن ناسخه حَدِيث أَنا بَرِيء من مُسلم بَين الْمُشْركين وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة تفصل بَين الْعَاقِل وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَلَا يُرَدان وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة منَاط جَوَاز الرَّد أَن يكون الْمُسلم بِحَيْثُ لَا تجب عَلَيْهِ الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَالله أعلم قَالَ فِي فتح الْبَارِي قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَقَالَ عمر بن الخطَاب فَأتيت النَّبِي
فَقلت ألستَ نَبِي الله حَقًا قَالَ بلَى قلت ألستَ على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت فَلم نعطي الدَنية فِي ديننَا إِذن قَالَ إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه وَهُوَ ناصري قلت أَو لست كنت تحدثنا أَنا نأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى فأخبرتك أَنا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ قَالَ فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا أَبَا بكر أَلَيْسَ هَذَا نبيَّ الله حَقًا قَالَ بلَى قلت أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت فَلم نعطي الدَنية فِي ديننَا إِذن قَالَ أَيهَا الرجل إِنَّه رَسُول الله
وَلَيْسَ يَعْصِي ربه وَهُوَ ناصره فَاسْتَمْسك بغرزه فوَاللَّه إِنَّه على الْحق قلت أَو لَيْسَ كَانَ يحدثنا أَنا سنأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى أفأخبرك أَنا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ إِنَّك آتيه فمطوف بِهِ قَالَ الْعلمَاء لم يكن سُؤال عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَلَامه الْمَذْكُور شَكاً بل طلبا لكشف مَا خَفِي عَلَيْهِ وحثاً على إِذلال الْكفَّار وَإِظْهَار الإِسلام كَمَا عرف فِي خلقه وقوته فِي نصرته الدّين وإِذلال المبطلين وَأما جَوَاب أبي بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بِمثل جَوَاب النَّبِي
فَهُوَ من الدَّلَائِل الظَّاهِرَة على عظم فَضله(2/213)
وبارع علمه وَزِيَادَة عرفانه ورسوخه وزيادته فِي كل ذَلِك على غَيره وَكَانَ الصُّلْح بَينهم مُدَّة عشر سِنِين كَمَا فِي السّير وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر وَلأبي نعيم فِي مُسْند عبد الله بن دِينَار كَانَت أَربع سِنِين وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي البيع من الْمُسْتَدْرك وَالْأول أشهر وَكَانَ الصُّلْح على وضع الْحَرْب بِحَيْثُ يَأْمَن النَّاس ويكف بَعضهم عَن بعض وَألا يدْخل الْبَيْت إِلَّا الْعَام الْقَابِل ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يدخلوها إِلَّا بجلبان السِّلَاح وَهُوَ القراب بِمَا فِيهِ والجلبان بِضَم الْجِيم وَسُكُون اللَّام شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغموداً وَرَوَاهُ القتيبي بِضَم الْجِيم وَاللَّام وَتَشْديد الْبَاء وَقَالَ هِيَ أوعية السِّلَاح بِمَا فِيهَا وَفِي بعض الرِّوَايَات إِلَّا بجلبان السِّلَاح السَّيْف والقوس وِإنما اشترطوا ذَلِك ليَكُون علما وأمارة السّلم إِذْ كَانَ دُخُولهمْ صلحا وَقَالَ مكي بن أبي طَالب القيرواني فِي تَفْسِيره وَبعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْكتاب إِلَيْهِم مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان وَأمْسك سُهَيْل بن عَمْرو عِنْده فَأمْسك الْمُشْركُونَ عُثْمَان فَغَضب الْمُسلمُونَ وَقَالَ مغلطاي فاحتبسته قُرَيْش عِنْدهَا فَبلغ النَّبِي
أَن عُثْمَان قد قتل فَدَعَا النَّاس إِلَى بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت وَقيل على أَلا يَفروا انْتهى وَوضع النَّبِي
شِمَاله فِي يَمِينه وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان وَفِي البُخَارِيّ فَقَالَ
بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِه بيعَة عُثْمَان فَضرب بهَا على يَده ... الحَدِيث(2/214)
وَلما سمع الْمُشْركُونَ بِهَذِهِ خَافُوا فبعثوا بعثمان وَجَمَاعَة من الْمُسلمين وَفِي هَذِه الْبيعَة نزل قَوْله تَعَالَى {إنَ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنمَا يُبَايِعُونَ الله يَد الله فَوق أَيْديهم} 10 وَقَوله تَعَالَى {لقد رَضِي اللهُ عَنِ المُؤمنِينَ} وَحلق النَّاس مَعَ النَّبِي
ونحروا هداياهم بِالْحُدَيْبِية قَالَ مغلطاي وَأرْسل الله ريحًا فَحملت شُعُورهمْ فألقتها فِي الْحرم وَأقَام
بِالْحُدَيْبِية بضعَة عشر يَوْمًا وَقيل عشْرين يَوْمًا ثمَّ قفل وَفِي نفوس بَعضهم شَيْء فَأنْزل الله تَعَالَى سُورَة الْفَتْح يسليهم بهَا وَيذكرهُمْ نعْمَة الله فَقَالَ تَعَالَى {إنّا فَتحَنَا لَكَ فتحا مُبينًا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَأنس والبراء بن عَازِب الْفَتْح هُنَا فتح الْحُدَيْبِيَة وَوُقُوع الصُّلْح بعد أَن كَانَ المُنَافِقُونَ يظنون أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول والمؤمنون إِلى أَهْليهمْ أبدا أَي حسبوا إِلَّا يرجِعوا بل يقتلُون كلهم وَأما قَوْله تَعَالَى {وأثابهم فتحا قَرِيبا} فَالْمُرَاد فتح خَيْبَر على الصَّحِيح فَإِنَّهَا وَقعت فِيهَا الْمَغَانِم الْكَثِيرَة للْمُسلمين وَقد روى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن مجمع بن حَارِثَة قَالَ شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة فَلَمَّا انصرفنا وجدنَا رَسُول الله
وَاقِفًا عِنْد كرَاع الغميم وَقد جمع النَّاس قَرَأَ عَلَيْهِم {إنَا فَتحَنَا لَكَ فَتحاً مُبينَاً} الْحُدَيْبِيَة وَغفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وتبايعوا بيعَة الرضْوَان وأطعموا نخيل خَيْبَر وَظَهَرت الرّوم على فَارس وَفَرح الْمُسلمُونَ بنصر الله وَأما قَوْله تَعَالَى {إذَا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} وَقَوله
لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح فَفتح مَكَّة بالِاتِّفَاقِ(2/215)
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فَبِهَذَا يرْتَفع الإِشكال وتجتمع الْأَقْوَال وَالله أعلم ثمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمَدِينَة وَفِي هَذِه السّنة كسفت الشَّمْس وظَاهَرَ أَوْس بن الصَّامِت من امْرَأَته خَولَةَ وفيهَا استسقى فِي رَمَضَان ومطر النَّاس فَقَالَ النَّبِي
أصبح من النَّاس مُؤمن بِاللَّه وَكَافِر بالكواكب قَالَه مغلطاي وَجزم الدمياطي فِي سيرته بِأَن تَحْرِيم الْخمر كَانَ فِي سنة الْحُدَيْبِيَة وَذكر ابْن إِسْحَاق أَنه كَانَ فِي وقْعَة بني النَّضِير وَهِي بعد أحد وَذَلِكَ سنة أَربع على الرَّاجِح وَفِيه نظرا لِأَن أنسا كَانَ الساقي يَوْم حرمت وَأَنه لما سمع الْمُنَادِي بتحريمها بَادر فأراقها وَلَو كَانَ سنة أَربع لَكَانَ أنس يصغر عَن ذَلِك وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بسندٍ صحيحٍ عَن ابْن عَبَّاس إِنما نزل تَحْرِيم الْخمر فِي قبيلتين من الْأَنْصَار شربوا فَلَمَّا ثمل الْقَوْم عَبث بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا أَن صحوا جعل الرجل يرى فِي وَجهه وَرَأسه الْأَثر فَيَقُول صنع هَذَا أخي فلَان وَكَانُوا إخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهم ضغائن فَيَقُول وَالله لَو كَانَ بِي رحِيما مَا صنع بى هَذَا حَتَّى وَقعت فِي قُلُوبهم الضغائن فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة {يَا أَيُهَا الذَينَ آمَنُوا إنمَا اَلخمُر وَاَلْمَيسِرُ} إِلَى {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ نَاس من المتكلفين هِيَ رِجْس وَهِي فِي بطن فلَان وَفُلَان وَقد قتل يَوْم أحد فَأنْزل الله {لَيسَ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالحاتِِ جنَاح فِيمَا طَعمُوا} إِلَى {الْمُحْسِنِينَ} وَآيَة تَحْرِيم الْخمر نزلت فِي عَام الْفَتْح قبل الْفَتْح وَالله أعلم(2/216)
وفيهَا سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسلمة فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلى القرظاء من بني بكر بن كلاب بضرية وَهِي على سبع لَيَال من الْمَدِينَة عَاشر الْمحرم فَلَمَّا أَغَارُوا عَلَيْهِم هربوا فعنم وَجَاء آخر الْمحرم وَمَعَهُ ثُمَامَة بن أَثَال أَسِيرًا وعكاشة بن مُحصن الْأَسدي فِي ربيع الأول إِلَى مَاء لبني أَسد يُقَال لَهُ عمْرَة مَرْزُوق فِي أَرْبَعِينَ فغنم وَلم يلق كيداً وَمُحَمّد بن مسلمة أَيْضا إِلَى ذِي القصَة فِي ربيع الأول مَعَه عشرَة إِلى بني ثَعْلَبَة وهم مائَة فَقتلُوا إِلَّا ابْن مسلمة فَبعث إِلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة فِي ربيع الآخر بِأَرْبَعِينَ رجلا فغنموا نعما وَشاء وأسروا رجلا فَأسلم وَزيد بن حَارِثَة فِي ربيع الآخر إِلى بني سليم بالجموع فغنموا نعما وَشاء ثمَّ إِلى الْعيص فِي جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ مائَة وَسَبْعُونَ رَاكِبًا يعْتَرض عيرًا لِصَفْوَان بن أُميَّة فَأسر مِنْهُم نَاسا مِنْهُم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فَأَجَارَتْهُ زَوجته زَيْنَب ابْنة رَسُول الله
ثمَّ إِلى الطَرَف مَاء على سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا من الْمَدِينَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة بِخَمْسَة عشر لبني ثَعْلَبَة فَأصَاب نعما وَشاء ثمَّ إِلَى حسمى وَرَاء وَادي الْقرى فِي جُمَادَى الْآخِرَة إِلى قوم من جذام قطعُوا الطَّرِيق على دحْيَة فَقتل مِنْهُم قتلا ذريعاً وَأصَاب مَغَانِم كَثِيرَة ثمَّ ردهَا عَلَيْهِم
جَمِيعهَا لما جَاءَهُ زيد بن رِفَاعَة وَسَأَلَهُ فِي ذَلِك وَأسلم(2/217)
ثمَّ إِلَى وادى الْقرى فِي رَجَب فَقتل من الْمُسلمين قَتْلَى وَارْتثَّ زيد ثمَّ إِلَى أم قرفة فَاطِمَة بنت ربيعَة الفزارية بِنَاحِيَة وَادي الْقرى فربطها بَين بَعِيرَيْنِ حَتَّى مَاتَت وَفِي مُسلم أَن أَمِير هَذِه السّريَّة أَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَى دومة الجندل فِي شعْبَان يَدْعُو أَهلهَا إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم كثير بن الْأَصْبَغ بن عمر الْكَلْبِيّ وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَتزَوج عبد الرَّحْمَن ابْنَته تماضر فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَضرب الْجِزْيَة على من لم يسلم وَعلي بن أبي طَالب إِلَى بني سعد بِفَدَكَ فغنم نعما وَشاء وَعبد الله بن عتِيك لقِتَال أبي رَافع عبد الله أَو سَلام ابْن أبي الْحقيق على الْخلاف فِيهِ فِي رَمَضَان وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر فَقَتَلُوهُ فِي دَاره بِخَيْبَر وَعبد الله بن رَواحة فِي ثَلَاثِينَ رجلا إِلَى أَسِير بن رزام الْيَهُودِيّ بِخَيْبَر فَقتل وَقتل مَعَه نَحْو الثَّلَاثِينَ وكرز بن جَابر فِي عشْرين رجلا إِلَى العرنيين الَّذين اجتووا الْمَدِينَة فَأمر النَّبِي
أَن يشْربُوا من لقاحه ويتداووا فَلَمَّا أَصْبحُوا قتلوا راعي النَّبِي
يساراً النوبي وَاسْتَاقُوا اللقَاح فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وسمل أَعينهم وَكَانُوا ثَمَانِيَة وَنزل {إِنمَا جزاؤا الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} وَعَمْرو بن أُميَّة الضمرِي انْظُر وَمَعَهُ سَلمَة بن أسلم ليصادفا غرَّة من أبي سُفْيَان(2/218)
بن حَرْب فيقتلاه فَفطن لذَلِك وهرب وَسبب ذَلِك أَن أَبَا سُفْيَان أرسل إِلَى النَّبِي
من يقْتله غدراً فَأقبل الرَّسُول وَمَعَهُ خنجر ليغتاله فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي
قَالَ إِن هَذَا ليريدُ غدراً فَجَذَبَهُ أسيد بن الْحضير بداخلة إزَاره فَإِذا بالخنجر فَسقط فِي يَده فَقَالَ
اصدقنى مَا أَنْت قَالَ وَأَنا آمن قَالَ نعم فَأخْبرهُ بِخَبَرِهِ فخلى عَنهُ
وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَمَعَهُ سَلمَة بن أسلم وَيُقَال جَبَّار بن صَخْر إِلَى أبي سُفْيَان وَقَالَ إِن أصبْتُمَا مِنْهُ غرَّة فاقتلاه وَمضى عَمْرو بن أُميَّة يطوف بِالْبَيْتِ لَيْلًا فَرَآهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَأخْبر قُريْشًا بمكانه فخافوا وطلبوه وَكَانَ فاتكاً فِي الْجَاهِلِيَّة فحشد لَهُ أهل مَكَّة وتجمعوا فهرب عَمْرو وَسَلَمَة فلقي عَمْرو عبيد الله بن مَالك التَّمِيمِي فَقتله وَقتل آخر وَلَقي رسولَين لقريش بعثا يتجسسان الْخَبَر فَقتل أَحدهمَا وَأسر الآخر فَقدم بِهِ الْمَدِينَة فَجعل عَمْرو يخبر رَسُول الله
وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يضْحك(2/219)
(حوادث السّنة السَّابِعَة)
فِيهَا غَزْوَة خَيْبَر فِي جُمَادَى الأولى وَقَاتل بهَا
أَشد الْقِتَال وَقتل من أَصْحَابه خَمْسَة وَمن الْيَهُود ثَلَاثَة وَتسْعُونَ وَفتحهَا الله عَلَيْهِ حصناً حصناً وفيهَا حرم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَنهى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وَعَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم وَألا تُوطأ جَارِيَة حَتَّى تستبرأ وَعَن مُتْعَة النِّسَاء وَوضعت لَهُ السم فِي الشَّاة زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم فَأَخْبَرته الذِّرَاع بذلك وَفتح وَادي الْقرى فِي جُمَادَى الْآخِرَة بعد مَا حَاصَرَهُمْ أَرْبعا أَو أَكثر وَصَالَحَهُ أهل تيماء على الْجِزْيَة قَالَ فِي الْمَوَاهِب هِيَ مَدِينَة كَبِيرَة ذَات حصون ومزارع على ثَمَانِيَة برد من الْمَدِينَة إِلَى جِهَة الشَّام قَالَ ابْن إِسْحَاق خرج
فِي بَقِيَّة الْمحرم سنة سبع فَأَقَامَ يحاصرها بضع عشرَة لَيْلَة إِلَى أَن فتحهَا وَقيل كَانَت فِي آخر سنة سِتّ وَهُوَ مَنْقُول عَن مَالك وَبِه جزم ابْن حزم قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَالرَّاجِح مَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَيُمكن الْجمع بِأَن من أطلق سنة سِتّ بناه على أَن ابْتِدَاء السّنة من شهر الْهِجْرَة الْحَقِيقِيّ وَهُوَ ربيع الأول وَأغْرب ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة فرويا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ خرجنَا مَعَ رَسُول الله
إِلَى خَيْبَر لثمان عشرَة من رَمَضَان وَإِسْنَاده حسن لكنه خطأ ولعلها كَانَت إِلَى حنين فتصحفت(2/220)
وتوجيهه بِأَن غَزْوَة خَيْبَر كَانَت ناشئة عَن غَزْوَة الْفَتْح وغزوة الْفَتْح خرج
فِيهَا فِي رَمَضَان جزما قَالَ وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التعليقة أَنَّهَا كَانَت سنة خمس وَهُوَ وهم وَلَعَلَّه انْتِقَال من الخَنْدَق إِلَى خَيْبَر وَكَانَ مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ألف وَأَرْبَعمِائَة راجل وَمِائَتَا فَارس وَمَعَهُ أم سَلمَة زَوجته وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي
إِلَى خَيْبَر فسرنا لَيْلًا فَقَالَ رجل من الْقَوْم لعامر يَا عَامر هَل تسمعنا من هنيهاتك وَكَانَ عامرٌ رجلا شَاعِرًا فَنزل يَحْدُو بالقوم يَقُول
(اللهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا)
(فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا أبقينَا ... وَثَبِّت الأقدامَ إِنْ لاَقَيْنَا)
(وَأَلْقِينْ سَكِينةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنّا أَتَيْنَا)
(وَبالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا ... )
وَفِي رِوَايَة إِيَاس بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أَحْمد فِي هَذَا الرجز زِيَادَة
(إِنّ الذِينّ قَدْ بَغُوا عَلَيْنَأ ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا)
(وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسَتغنَيْنَا ... )
فقَال رَسُول الله
كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر بن الاكوع قَالَ يرحمه الله قَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت يَا نَبِي الله لَوْلَا أمتعتنا بِهِ ... الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أَحْمد فَجعل عَامر يرتجز ويسوق الركاب وَهَذِه كَانَت عَادَتهم إِذا أروادوا تنشيط الْإِبِل فِي السّير ينزل بَعضهم فيسوقها ويحدو فِي تِلْكَ الْحَال وَقَوله اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا كَذَا الرِّوَايَة قَالُوا وَصَوَابه فِي الْوَزْن لاهم أَو تَالله كَمَا فِي الحَدِيث الآخر(2/221)
وَقَوله فدَاء لَك قَالَ الْمَازِني هَذِه اللَّفْظَة مشكلة فَإِنَّهُ لَا يُقَال للباري سُبْحَانَهُ فديتك لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي مَكْرُوه يتَوَقَّع حُلُوله بالشخص فيختار شخص آخر أَن يحل ذَلِك بِهِ ويفديه مِنْهُ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا وَقع من غير قصد إِلَى حَقِيقَة مَعْنَاهُ كَمَا يُقَال قَاتله الله وَلَا يُرِيد بذلك حَقِيقَة الدُّعَاء عَلَيْهِ وَكَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تربتْ يداك وتربت يمينُكَ وَفِيه كُله ضرب من الِاسْتِعَارَة لِأَن المفادِيَ مبالغ فِي طلب رضَا المفادَى حِين بذل نَفسه عَن نَفسه للمكروه فَكَأَن مُرَاد الشَّاعِر إِنِّي أبذل نَفسِي فِي رضاك وعَلى كل حالٍ فَإِن الْمَعْنى وَإِن أمكن صرفه إِلَى جِهَة صَحِيحَة فإطلاق اللَّفْظ واستعارته والتجوز فِيهِ يفْتَقر إِلَى وُرُود الشَّرْع بِالْإِذْنِ فِيهِ قَالَ وَقد يكون المُرَاد بقوله فدَاء لكَ رجلا يخاطبه وَفصل بَين الْكَلَام بذلك ثمَّ عَاد إِلَى تَمام الأول فَقَالَ مَا أبقينا قَالَ وَهَذَا تَأْوِيل يصحُ مَعَه اللَّفْظ وَالْمعْنَى لَوْلَا أَن فِيهِ تعسفاً اضطررنا إِلَيْهِ لتصحيح الْكَلَام انْتهى فَقيل إِنَّه يُخَاطب بِهَذَا الشّعْر النَّبِي
وَالْمعْنَى لَا تُؤَاخِذنَا بتقصيرنا فِي حَقك ونصرك وعَلى هَذَا فَقَوله اللَّهُمَّ لم يقْصد بهَا الدُّعَاء وَإِنَّمَا افْتتح بهَا الْكَلَام والمخاطب بقول الشَّاعِر لَوْلَا أَنْت النَّبِي
لَكِن يعكرُ عَلَيْهِ بعد ذَلِك
(فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَأ ... وثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا)
فَإِنَّهُ دُعَاء لله تَعَالَى وَيحْتَمل أَن يكون فاسأل رَبك أَن ينزل وَيثبت وَالله أعلم وَقَوله إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا أَي إِذا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوه من المكاره وَفِي رِوَايَة أَبينَا بِالْمُوَحَّدَةِ بدل الْمُثَنَّاة أَي أَبينَا الْفِرَار وَقَوله وبالصياح عولوا علينا أَي اسْتَغَاثُوا بِنَا واستفزعونا لِلْقِتَالِ وَقيل هُوَ من التعويل على الشَّيْء وَهُوَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ وَقيل هُوَ من العويل وَهُوَ الصَّوْت وَقَوله من هَذَا السَّائِق قَالُوا عَامر قَالَ يرحمه الله قَالَ رجل من الْقَوْم وَجَبت أَي ثبتَتْ لَهُ الشَّهَادَة وستقع قَرِيبا وَكَانَ مَعْلُوما عِنْدهم أَن من دَعَا لَهُ النَّبِي
هَذَا الدُّعَاء فِي هَذَا الموطن استشهدَ فَقَالُوا هلا أمتعتنا بِهِ أَي وَدِدْنَا(2/222)
أَنَّك أخرت الدُّعَاء لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقت اخر لنتمتع بمصاحبته ورؤيته مُدَّة وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أنس أَنه
أَتَى خَيْبَر لَيْلًا وَكَانَ إِذا أَتَى قوما بلَيْل لم يغزهم حَتَّى يصبح فَلَمَّا أصبح خرجت الْيَهُود بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي
خرجت خيبرُ إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين وَفِي رِوَايَة فَرفع يَده وَقَالَ الله أكبر خرجت خَيْبَر وَالْخَمِيس الْجَيْش سمى بِهِ لِأَنَّهُ مقسوم بِخَمْسَة أَقسَام الْمُقدمَة والساقة والميمنة والميسرة وَالْقلب وَمُحَمّد خبر مُبْتَدأ أَي هَذَا مُحَمَّد قَالَ السُّهيْلي وَيُؤْخَذ من هَذَا الحَدِيث التفاؤُلُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما رأى آلَة الْهدم تفاؤل أَن مدينتهم ستخرب انْتهى وَيحْتَمل كَمَا قَالَه فِي فتح الْبَارِي أَن يكون قَالَ خربَتْ خَيْبَر بطرِيق الْوَحْي وَيُؤَيِّدهُ قَوْله بعد ذَلِك إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين وَفِي رِوَايَة أَنه
صلى الصُّبْح قَرِيبا من خَيْبَر بِغَلَس ثمَّ قَالَ الله أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين وَقَالَ مغلطاي وَغَيره وَفرق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الرَّايَات وَلم تكنِ الراياتُ إِلَّا بِخَيْبَر وَإِنَّمَا كَانَت الألوية وَقَالَ الدمياطي وَكَانَت راية النَّبِي
السَّوْدَاء من برد لعَائِشَة وَفِي البُخَارِيّ وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب تخلَفَ عَن النَّبِي
وَكَانَ رمداً فلحق فَلَمَّا بتنا اللَّيْلَة قَالَ لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا أَو ليأخذن الرَّايَة غَدا رجلا يحبُّ الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يفتح الله عَلَيْهِ فَلَمَّا أصبح النَّاس غدوا على رَسُول الله
كلهم يَرْجُو أَن يعطاها فَقَالَ أَيْن عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا هُوَ يَا رَسُول الله يشتكي عَيْنَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهِ فَأتى بِهِ فبصق رَسُول الله
فِي عَيْنَيْهِ ودعا لَهُ فبرأ حَتَّى كَأَن لم يكن بِهِ وجع فَأعْطَاهُ الرَّايَة فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول(2/223)
الله أقاتلهم حَتَّى يَكُونُوا مثلنَا فَقَالَ ائتد على رسلك حَتَّى تنزل بِسَاحَتِهِمْ ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ بِمَا يجب عَلَيْهِم من حق الله فِيهِ فوَاللَّه لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من أَن يكون لَك حمر النعم ... الحَدِيث وَلما أَن تصاف الْقَوْم كَانَ سيف عَامر قَصِيرا فَتَنَاول سَاق يَهُودِيّ ليضربه فَرجع ذُبَاب سَيْفه فَأصَاب عين ركبة عَامر فَمَاتَ مِنْهُ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلمَة قلت يَا رَسُول الله فدَاك أبي وَأمي زَعَمُوا أَن عَامِرًا حبطَ عمله عَلَيْهِ قَالَ
كذب من قَالَ وَإِن لَهُ أَجْرَيْنِ وَجمع بَين إصبعيه إِنَّه لجاهد مُجَاهِد رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا وَعَن يزِيد بن أبي عُبَيْدَة قَالَ رَأَيْت ضَرْبَة بساق سَلمَة فَقلت مَا هَذِه الضَّرْبَة قَالَ هَذِه ضَرْبَة أصابنيها يَوْم خَيْبَر فَأتيت النَّبِي
فنفث فِيهَا ثَلَاث نفثات فَمَا اشتكيتها حَتَّى السَّاعَة أخرجه البُخَارِيّ وَعِنْده أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة شَهِدنَا خَيْبَر فَقَالَ رَسُول الله
لرجل مِمَّن مَعَه يدعِي الْإِسْلَام هَذَا من أهل النَّار فَلَمَّا حضر الْقِتَال قَاتل الرجل أَشد الْقِتَال حَتَّى كثرت فِيهِ الْجراحَة فكاد بعض النَّاس يرتاب فَوجدَ الرجل ألم الْجراحَة فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَى كنَانَة فاستخرج مِنْهَا سَهْما فَنحر نَفسه فَاشْتَدَّ رجال من الْمُسلمين فَقَالُوا يَا رَسُول الله صدَّقَ الله حَدِيثك انتحر فلَان فَقتل نَفسه فَقَالَ قُم يَا فلَان فَأذن لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَإِن الله يُؤَيّد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر وَفِي رِوَايَة فَقَالَ رَسُول الله
عِنْد ذَلِك إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل الْجنَّة(2/224)
وَقَاتل النَّبِي
أهل خَيْبَر وقاتلوه أَشد الْقِتَال وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين خَمْسَة عشرَة وَقتل من الْيَهُود ثَلَاثَة وَتسْعُونَ وَفتحهَا الله عَلَيْهِ حصناً حصناً وَهِي النطاة وحصن الصعب وحصن ناعم وحصن قلعة الزبير والشق وحصن أبي وحصن الْبَراء والقموص والوطيح والسلالم وَهُوَ حصن بني الْحقيق الَّذِي كَانَ لَهُم بِهِ كنز فِي مسك الْحمار وَكَانُوا قد غيبوه فِي خربة فَدلَّ الله رَسُوله عَلَيْهِ فاستخرجه وَقلع عَليّ بَاب خَيْبَر وَلم يحركه سَبْعُونَ رجلا إِلَّا بعد جهد وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق سَبْعَة وَأخرجه من طَرِيقه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَعنهُ الْبَيْهَقِيّ من جِهَة لَيْث بن أبي سليم عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن جَابر أَن عليا حمل الْبَاب يَوْم خَيْبَر وَأَنه جرب بعد ذَلِك وَلم يحملهُ أَرْبَعُونَ رجلا وَلَيْث ضَعِيف وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ أَن عليا لما انْتهى إِلَى الْحصن اجتبذ أحد أبوابه فَأَلْقَاهُ فِي الأَرْض فَاجْتمع عَلَيْهِ بعده منا سَبْعُونَ رجلا وَكَانَ جهداً أَن أعادوا الْبَاب مَكَانَهُ قَالَ شَيخنَا وَكلهَا واهية وَلذَا أنكرهُ بعض الْعلمَاء انْتهى وَفِي البُخَارِيّ وَتزَوج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بصفية بنت حُيي بْنِ أَخطب وَكَانَ قد قتل زَوجهَا كنانهْ بن الرّبيع بن أبي الْحقيق وَكَانَت عروساً فَذكر لَهُ جمَالهَا فاصطفاها لنَفسِهِ فَخرج بهَا حَتَّى إِذا بلغت سد الضهباء حلت لَهُ يَعْنِي طهرت من الْحيض فَبنى بهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَصنعَ حَيْسًا فِي نطع صَغِير ثمَّ قَالَ لأنس آذن من حولك فَكَانَت وليمته على صَفِيَّة قَالَ ثمَّ خرجنَا إِلَى الْمَدِينَة فَرَأَيْت النَّبِي
يحوي لَهَا وَرَاءه بعباءة ثمَّ يجلس عِنْد بعيره فَيَضَع ركبته وتضع صَفِيَّة رجلهَا على رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تركب وَفِي رِوَايَة فَقَالَ الْمُسلمُونَ إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ أَو مَا ملكَت يَمِينه قَالُوا إِن حجبها فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَإِن لم يحجبها فَهِيَ مَا ملكت يَمِينه فَلَمَّا(2/225)
ارتحل وطأ لَهَا وَمد الْحجاب وَفِي رِوَايَة أَنه
قتل الْمُقَاتلَة وسبى الذُّرِّيَّة وَكَانَ فِي السَّبي صَفِيَّة فَصَارَت إِلَى دحْيَة الْكَلْبِيّ ثمَّ صَارَت إِلَى النَّبِي
فَجعل عتقهَا صَدَاقهَا وَفِي رِوَايَة فَأعْتقهَا وَفِي رِوَايَة قَالَ
لدحية خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا وَفِي رِوَايَة لمُسلم أَنه
اشترَى صَفِيَّة مِنْهُ بسبعة أرؤس وَإِطْلَاق الشِّرَاء على ذَلِك على سَبِيل الْمجَاز وَلَيْسَ فِي قَوْله بسبعة أرؤس مَا يُنَافِي قَوْله فِي رِوَايَة البُخَارِيّ خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا إِذْ لَيْسَ هُنَا دلَالَة على نفي الزِّيَادَة وَالله أعلم وَإِنَّمَا أَخذ
صَفِيَّة لِأَنَّهَا بنت ملك من مُلُوكهمْ وَلَيْسَت مِمَّن توهب لدحية لِكَثْرَة من كَانَ من الصَّحَابَة مثل دحْيَة وفوقه وَقلة من كَانَ فِي السَّبي مثل صَفِيَّة فِي نقاستها فَلَو خصّه بهَا لأمكن تغير خاطر بَعضهم فَكَانَ من الْمصلحَة الْعَامَّة ارتجاعها مِنْهُ واختصاصُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بهَا فإنَّ فِي ذَلِك رضَا الجميعِ وَلَيْسَ ذَلِك من الرُّجُوع فِي الْهِبَة فِي شَيْء انْتهى وَقَالَ مغلطاي وَغَيره كَانَت صَفِيَّة قبل رأتْ أَن القمَرَ سقَطَ فِي حجرها فتؤول بذلك قَالَ الْحَاكِم وَكَذَا جرى لجويرية وفيهَا حرم
لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة كَمَا فِي البُخَارِيّ وَلَفظه فَلَمَّا أَمْسَى النَّاس مسَاء الْيَوْم الَّذِي فتحت عَلَيْهِم يعْنى خَيْبَر أوقدوا نيراناً كَثِيرَة فَقَالَ
مَا هَذِه النيرَان على أَي شَيْء توقدون قَالُوا على لحم قَالَ على أَي لحم قَالُوا لحم الْحمر الأنسية فَقَالَ النَّبِي
أهريقوها واكسروها فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أَو نهريقها ونغلسها قَالَ أَو ذَاك وَالْمَشْهُور فِي الإنسية كسر(2/226)
الْهمزَة منسوبة إِلَى الْإِنْس وهم بَنو آدم وَحكى ضم الْهمزَة ضد الوحشية وَيجوز فتحهَا وَالنُّون أَيْضا مصدر أنست بِهِ آنس أنسا وأنسة وَفِي رِوَايَة نهى يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَرخّص فِي الْخَيل قَالَ ابْن أبي أوفى فتحدثنا أَنه إِنَّمَا نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا لم تخمس وَقَالَ بَعضهم نهى عَنْهَا أَلْبَتَّة لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل الْعذرَة قَالَ الْعلمَاء وَإِنَّمَا أَمر بإراقتها لِأَنَّهَا نَجِسَة مُحرمَة وَقيل إِنَّمَا نهى عَنْهَا للْحَاجة إِلَيْهَا وَقيل لأخذها قبل الْقِسْمَة وَهَذَانِ التأويلان لِلْقَائِلين بِإِبَاحَة لحومها وَالصَّوَاب مَا قدمنَا وَأما قَوْله
اكسروها فَقَالَ رجل أَو نهريقها ونغسلها قَالَ أَو ذَاك فَهَذَا مَحْمُول على أَنه
اجْتهد فِي ذَلِك فَرَأى كسرهَا ثمَّ تغير اجْتِهَاده وَأوحى إِلَيْهِ بغسلها وَأما لُحُوم الْخَيل فَاخْتلف الْعلمَاء فِي إباحتها فمذهب الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف أَنه مُبَاح لَا كَرَاهَة فِيهِ وَبِه قَالَ عبد الله بن الزبير وَأنس بن مَالك وَأَسْمَاء بنت أبي بكر وَفِي صَحِيح مُسلم عَنْهَا نحرنا فرسا على عهد رَسُول الله
فأكلناه وَنحن بِالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فأكلناه نَحن وَأهل بَيت النَّبِي
قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَيُسْتَفَاد من قَوْلهَا وَنحن بِالْمَدِينَةِ أَن ذَلِك بعد فرض الْجِهَاد فَيرد على من اسْتدلَّ فِي منع أكلهَا لعِلَّة أَنَّهَا من آلَة الْجِهَاد وَقَوْلها وَأهل بَيت النَّبِي
رد على من زعم أَنه لَيْسَ فِيهِ أَن النَّبِي
اطلع على ذَلِك مَعَ أَن ذَلِك لَو لم يرد لم يظنَ بآل أبي بكر أَنهم يقدمُونَ على فعل شَيْء فِي زَمَنه
إِلَّا وَعِنْدهم الْعلم بِجَوَازِهِ لشدَّة اختلاطهم بِهِ عَلَيْهِ الصلاهَ وَالسَّلَام وَعدم(2/227)
مفارقتهم لَهُ وَهَذَا مَعَ توفر دَاعِيَة الصَّحَابَة إِلَى سُؤَاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الْأَحْكَام وَمن ثمَّ كَانَ الرَّاجِح أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ كُنَّا نَفْعل كَذَا على عهد رَسُول الله
كَانَ لَهُ حكم الرّفْع لِأَن الظَّاهِر اطِّلَاعه
على ذَلِك وَتَقْرِيره وَإِذا كَانَ ذَلِك فِي مُطلق الصَّحَابِيّ فَكيف بآل أبي بكر وَقَالَ الطَّحَاوِيّ ذهب أَبُو حنيفَة إِلَى كَرَاهَة أكل الْخَيل وَخَالفهُ صَاحِبَاه وَغَيرهمَا وَاحْتَجُّوا بالأخبار المتواترة فِي حلهَا انْتهى وَقد نقل بعض التَّابِعين الْحل عَن الصَّحَابَة مُطلقًا من غير اسْتثِْنَاء أحد فَأخْرج ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ عَن عَطاء قَالَ لم يزلْ سلفك يأكلونها قَالَ ابْن جريج قلت أَصْحَاب رَسُول الله
فَقَالَ نعم وَأما مَا نقل فِي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس من كراهتها فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة وَعبد الرَّزَّاق بِسَنَدَيْنِ ضعيفين وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير أكره لُحُوم الْخَيل فَحَمله أَبُو بكر الرَّازِيّ على التَّنْزِيه وَقَالَ لم يُطلق أَبُو حنيفَة فِيهِ التَّحْرِيم وَلَيْسَ هُوَ عِنْده كالحمار الأهلي وَصحح أَصْحَاب الْمُحِيط وَالْهِدَايَة والذخيرة عَنهُ التَّحْرِيم وَهُوَ قَول أَكْثَرهم وَقَالَ القرطبى فِي شرح مُسلم مَذْهَب مَالك الْكَرَاهَة وَقَالَ الفاكهي الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة الْكَرَاهَة وَالصَّحِيح عِنْد الْمُحَقِّقين مِنْهُم التَّحْرِيم وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن أبي جَمْرَة الدَّلِيل على الْجَوَاز مُطلقًا وَاضح لَكِن سَبَب كَرَاهَة مَالك لأكلها كَونهَا تسْتَعْمل غَالِبا فِي الْجِهَاد فَلَو انْتَفَت الْكَرَاهَة لكثر اسْتِعْمَالهَا وَلَو كثر لأفضى إِلَى فنائها فيئول إِلَى النَّقْص من إرهاب الْعَدو الَّذِي وَقع الْأَمر بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِن رِبَاطِ آلخَيل تُرهِبُونَ بِه} فعلى هَذَا فالكراهة لسَبَب خَارج وَلَيْسَ الْبَحْث فِيهِ فَإِن الْحَيَوَان الْمُتَّفق على(2/228)
إِبَاحَته لَو حدث أَمر يَقْتَضِي أَن لَو ذبح لأفضى إِلَى ارْتِكَاب مَحْذُور لامتنع وَلَا يلْزم من ذَلِك القَوْل بِتَحْرِيمِهِ انْتهى وَأما قَول بعض المانعين لَو كَانَت حَلَالا لجازت الْأُضْحِية بهَا فمنتقض بحيوان الْبر فَإِنَّهُ مَأْكُول وَلم تشرع الْأُضْحِية بِهِ وَأما حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ نهى رَسُول الله
عَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير فَإِنَّهُ ضَعِيف وَلَو سلم لَا ينْهض مُعَارضا لحَدِيث جَابر الدَّال على الْجَوَاز وَقد وَافقه حَدِيث أَسمَاء وَقد ضعف حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ والخطابى وَابْن عبد الْبر وَعبد الْحق وَآخَرُونَ وَزعم بَعضهم أَن حَدِيث جَابر دَال على التَّحْرِيم لقَوْله رخص لِأَن الرُّخْصَة اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور مَعَ قيام الْمَانِع فَدلَّ على أَنه رخص لَهُم بِسَبَب المخمصة الَّتِي أَصَابَتْهُم بِخَيْبَر فَلَا يدل ذَلِك على الْحل الْمُطلق وَأجِيب بِأَن أَكثر الرِّوَايَات جَاءَ بِلَفْظ الْإِذْن كَمَا رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة لَهُ أكلنَا زمن خَيْبَر الْخَيل وحمر الْوَحْش ونهانا النَّبِي
عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة وَأمر بلحوم الْخَيل فدلَ على أَن المُرَاد بقله رخص أذن ونوقض أَيْضا بِالْإِذْنِ فِي أكل الْخَيل وَلَو كَانَت رخصَة لأجل المخمصة لكَانَتْ الْحمر الْأَهْلِيَّة أولى بذلك لكثرتها وَعزة الْخَيل حِينَئِذٍ فدلَ على أَن الْإِذْن فِي كل الْخَيل إِنَّمَا كَانَ للْإِبَاحَة لَا لخُصُوص الضَّرُورَة وَقد نقل عَن مَالك وَغَيره من الْقَائِلين بِالتَّحْرِيمِ أَنهم احْتَجُّوا للْمَنْع بقوله تَعَالَى {والخيلَ وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} وقرروا ذَلِك بأوجه أَحدهَا أَن اللَّام للتَّعْلِيل فَدلَّ على أَنَّهَا لم تخلق لغير ذَلِك لِأَن الْعلَّة(2/229)
المنصوصة تفِيد الْحصْر فإباحة أكلهَا تَقْتَضِي خلاف ظَاهر الْآيَة ثَانِيهَا عطف البغال وَالْحمير فَدلَّ على اشتراكها مَعَهُمَا فِي حكم التَّحْرِيم فَيحْتَاج من أفرد حكم مَا عطف عَلَيْهَا إِلَى دَلِيل ثَالِثهَا أَن الْآيَة سيقت مساق الامتنان فَلَو كَانَ ينْتَفع بهَا فِي الْأكل لَكَانَ الامتنان بِهِ أعظم والحكيم لَا يمتن بِأَدْنَى النعم وبترك أَعْلَاهَا لَا سِيمَا وَقد وَقع الامتنان بِالْأَكْلِ فِي الْمَذْكُورَات قبلهَا رَابِعهَا لَو أُبِيح أكلهَا لفاتت الْمَنْفَعَة بهَا فِيمَا وَقع بِهِ الامتنان من الرّكُوب والزينة وَأجِيب بِأَن آيَة النَّحْل مَكِّيَّة اتِّفَاقًا وَالْإِذْن فِي أكل الْخَيل كَانَ بعد الْهِجْرَة من مَكَّة بِأَكْثَرَ من سِتّ سِنِين فَلَو فهم النَّبِي
من الْآيَة الْمَنْع لما أذن فِي الْأكل وَأَيْضًا فآية النَّحْل لَيست نصا فِي منع الْأكل والْحَدِيث صَرِيح فِي جَوَازه وَأَيْضًا فَلَو سلمنَا أَن اللَّام للتَّعْلِيل لم نسلم إِفَادَة الْحصْر فِي الرّكُوب والزينة فَإِنَّهُ ينْتَفع بِالْخَيْلِ فِي غَيرهَا وَفِي الْأكل اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ذكر الرّكُوب والزينة لِكَوْنِهِمَا أغلب مَا تطلب لَهُ الْخَيل وَنَظِيره حَدِيث الْبَقَرَة الْمَذْكُور فِي الصَّحِيحَيْنِ خاطبت راكبها فَقَالَت لم أخلق لهَذَا وَإِنَّمَا خلقت للحرث فَإِنَّهُ مَعَ كَونه أصرح فِي الْحصْر مَا يقْصد بِهِ إِلَّا الْأَغْلَب وَإِلَّا فَهِيَ تُؤْكَل وَينْتَفع بهَا فِي أَشْيَاء غير الْحَرْث اتِّفَاقًا وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ وَاسْتدلَّ بهَا أَي بِآيَة النَّحْل على حُرْمَة لحومها وَلَا دَلِيل فِيهَا إِذْ لَا يلْزم من تَعْلِيل الْعقل بِمَا يقْصد مِنْهُ غَالِبا إِلَّا يقْصد مِنْهُ غَيره أَيْضا انْتهى وَأَيْضًا فَلَو سلم الِاسْتِدْلَال للَزِمَ منع حمل الأثقال على الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَلَا قَائِل بِهِ وَأما عطف البغال وَالْحمير فدلالة الْعَطف إِنَّمَا هِيَ وضعية وَهِي ضَعِيفَة وَأما أَنَّهَا سيقت مساق الامتنان فالامتنان إِنَّمَا قصد بِهِ غَالب مَا يَقع بِهِ انتفاعهم بِالْخَيْلِ فَخُوطِبُوا بِمَا ألفوا وَعرفُوا وَلم يَكُونُوا يعْرفُونَ أكل الْخَيل لعزتها فِي بِلَادهمْ بِخِلَاف الْأَنْعَام فَإِن أَكثر انتفاعهم بهَا كَانَ بِحمْل الأثقال وَالْأكل فاقتصر فِي كل من إلصنفين على الامتنان بأغلب مَا ينْتَفع بِهِ فَلَو لزم من ذَلِك الْحصْر فِي هَذَا الشق لأضر(2/230)
وَأما قَوْلهم لَو أُبِيح أكلهَا لفاتت الْمَنْفَعَة بهَا. . إِلَى آخِره فَأُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَو لزم من الْإِذْن فِي أكلهَا أَن تفنى للَزِمَ مثله فِي الْبَقر وَغَيرهَا مِمَّا أُبِيح أكله وَوَقع الامتنان بِهِ وَإِنَّمَا أطلت فِي ذَلِك لأمر اقْتَضَاهُ وَالله أعلم وفيهَا أَيْضا نهى النَّبِي
عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وَعَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم وَألا تُوطأ جَارِيَة حَتَّى تستبرأ(2/231)
وفيهَا سمت النَّبِي
زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم كَمَا فِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَفظه لما فتحت خَيْبَر أهديت لرَسُول الله
شَاة فِيهَا سم فَقَالَ رَسُول الله
اجْمَعُوا لي من كَانَ هَاهُنَا من الْيَهُود فَجمعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله
إِنِّي سَائِلكُمْ عَن شَيْء فَهَل أَنْت صادقوني عَنهُ(2/232)
فَقَالُوا نعم يَا أَبَا الْقَاسِم فَقَالَ لَهُم رَسُول الله
من أبوكم قَالُوا أَبونَا فلَان فَقَالَ لَهُم رَسُول الله
كَذبْتُمْ بل أبوكم فلَان فَقَالُوا صدقت وبررت قَالَ هَل أَنْتُم صادقوني عَن شَيْء إِن سألتكم فَقَالُوا نعم يَا أَبَا الْقَاسِم وَإِن كذبناك عرفت كذبنَا كَمَا عَرفته فِي أَبينَا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله
من أهل النَّار فَقَالُوا نَكُون فِيهَا يَسِيرا ثمَّ تخلفوننا فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله
اخْسَئُوا فِيهَا وَالله لَا نخلفكم فِيهَا أبدا ثمَّ قَالَ هَل أَنْتُم صادقوني عَن شَيْء إِن سألتكم عَنهُ فَقَالُوا نعم فَقَالَ هَل جعلتم فِي هَذِه الشَّاة سُماً فَقَالُوا نعم فَقَالَ مَا حملكم على ذَلِك فَقَالُوا أردنَا إِن كنت كذابا أَن نستريح مِنْك وَإِن كنت نَبيا لم يَضرك وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد أبي دَاوُد أَن يهوديةَ من أهل خَيْبَر سمت شَاة مصلية ثمَّ أَهْدَتْهَا إِلَى رَسُول الله
فَأَخذهَا رَسُول الله
يَأْكُل مِنْهَا وَأكل رَهْط من أَصْحَابه مَعَه فَقَالَ رَسُول الله
ارْفَعُوا أَيْدِيكُم وَأرْسل إِلَى الْيَهُودِيَّة فَقَالَ سممت هَذِه الشَّاة فَقَالَت من أخْبرك قَالَ أَخْبَرتنِي هَذِه فِي يَدي لِلذِّرَاعِ قَالَت نعم قلت إِن كَانَ نَبيا فَلم يضرّهُ وَإِن لم يكن نَبيا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَعَفَا عَنْهَا
وَلم يُعَاقِبهَا وَتُوفِّي أَصْحَابه الَّذين أكلُوا من الشَّاة وَاحْتَجَمَ رَسُول الله
على كَاهِله من أجل الَّذِي أكل من الشَّاة وَفِي رِوَايَة جعلت زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم تسْأَل أَي الشَّاة أحب إِلَى مُحَمَّد فَيَقُولُونَ الذِّرَاع فعمدت إِلَى عنز لَهَا فذبحتها وصلتها ثمَّ عَمَدت إِلَى سم لَا يطني يَعْنِي لَا يلبث أَن يقتل من سَاعَته وَقد شاورت يهود فِي سموم فَاجْتمعُوا لَهَا على هَذَا السم بِعَيْنِه فسمَت الشَّاة وَأَكْثَرت فِي الذراعين والكتف فَوضعت بَين يَدَيْهِ وَمن حضر من أَصْحَابه وَفِيهِمْ بشر بن الْبَراء وَتَنَاول
الذِّرَاع وانتهش مِنْهَا وَتَنَاول بشر بن الْبَراء عظما آخر فَلَمَّا ازدرد
لقمته ازدرد بشر بن الْبَراء مَا فِي فِيهِ وَأكل الْقَوْم فَقَالَ
ارْفَعُوا أَيْدِيكُم فَإِن هَذَا الذِّرَاع تُخبرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة وَفِيه أَن بشر بن الْبَراء مَاتَ وَفِيه أَنه
دَفعهَا إِلَى أَوْلِيَاء بشر بن الْبَراء(2/233)
فَقَتَلُوهَا رَوَاهُ الدمياطي وَقد اخْتلف هَل عاقبها
فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَمَا عرض لَهَا وَمن طَرِيق أبي نَضرة عَن جَابر نَحوه قَالَ فَلم يُعَاقِبهَا وَفِيه قَول صَاحب الهمزية // (من الْخَفِيف) //
(وبخلْقٍ من النَّبِيِّ كريمٍ ... لم تُقَاصَصْ بِجُرْحِهَا العَجْمَاءُ)
وَقَالَ الزُّهْرِيّ أسلمت فَتَركهَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ يحْتَمل أنَه تَركهَا أَولا ثمَّ لما مَاتَ بشر بن الْبَراء من الْأكلَة قَتلهَا وَبِذَلِك أجَاب السُّهيْلي وَزَاد أَنه تَركهَا لِأَنَّهُ كَانَ لَا ينْتَقم لنَفسِهِ ثمَّ قَتلهَا ببشر قصاصا وَيحْتَمل أَن يكون تَركهَا لكَونهَا أسلمت وَإِنَّمَا أخر قَتلهَا حَتَّى مَاتَ بشر لِأَن بِمَوْتِهِ يتَحَقَّق وجوب الْقصاص بِشَرْطِهِ وَفِي مغازي سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أَنَّهَا قَالَت إِن كنت كَاذِبًا أرحت النَّاس مِنْك وَقد استبان لي الْآن أَنَّك صَادِق وَأَنا أشهدك وَمن حضر أَنِّي على دينك وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ فَانْصَرف عَنْهَا حِين أسلمت وَفِيه مُوَافقَة الزُّهْرِيّ على إسْلَامهَا فَالله أعلم وفيهَا أَيْضا نَام
عَن صَلَاة الْفجْر لما وكل بِهِ بِلَالًا كَمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم أَن رَسُول الله
حِين قفل من غَزْوَة خَيْبَر سَار ليله حَتَّى إِذا أدْركهُ الْكرَى عرس وَقَالَ لِبلَال اكلاً لنا اللَّيْل فصلى بِلَال مَا قدر لَهُ ونام
وَأَصْحَابه فَلَمَّا قَارب الْفجْر اسْتندَ بِلَال إِلَى رَاحِلَته مواجة الْفجْر فَغلبَتْ بِلَالًا عَيناهُ وَهُوَ مُسْتَند إِلَى رَاحِلَته فَلم يَسْتَيْقِظ
وَلَا بِلَال وَلَا أحد من أَصْحَابه حَتَّى ضربتهم الشَّمْس فَكَانَ
أَوَّلهمْ استيقاظاً فَقَالَ أَي بِلَال فَقَالَ بِلَال أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله قَالَ اقتادوا فاقتادوا رواحلهم شَيْئا ثمَّ تَوَضَّأ
وَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاة فصلى بهم الْفجْر فَلَمَّا(2/234)
قضى الصَّلَاة قَالَ من نسي الصَّلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَأًقِمِ الصَّلَاة لذكري} وفيهَا قدم جَعْفَر وَمن مَعَه من الْحَبَشَة وَاخْتلف فِي فتح خَيْبَر هَل كَانَ عنْوَة أَو صلحا وَفِي حَدِيث عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب وَعَن أنس التصريحُ بِأَنَّهُ كَانَ عنْوَة وَبِه جزم ابْن عبد الْبر ورد على من قَالَ فتحت صلحا قَالَ وَإِنَّمَا دخلت الشُّبْهَة على من قَالَ فتحت صلحا(2/235)
بالحصنين اللَّذين أسلمهما أهلهما لتحقن دِمَاؤُهُمْ وَهُوَ ضرب من الصُّلْح لَكِن لم يَقع ذَلِك إِلَّا بحصار وقتال وفيهَا سَرِيَّة أبي بكر إِلَى بني كلاب فسبى مِنْهُم وَقتل وَبشير بن سعد إِلَى بني مرّة بِفَدَكَ فِي شعْبَان فِي ثَلَاثِينَ فَقتلُوا وَارْتثَّ بشير وأيضَا إِلَى يمن وجبار فِي شَوَّال وَمَعَهُ ثَلَاثمِائَة فَهَرَبُوا وغنم مِنْهُم وَأسر رجلَيْنِ فَأَسْلمَا والأخرم بن أبي العوجاء السّلمِيّ إِلَى بني سليم فِي ذِي الْحجَّة وَمَعَهُ خَمْسُونَ رجلا فأحدق بهم الْكفَّار فَقَتَلُوهُمْ وَخرج ابْن أبي العوجاء وغالب بن عبد الله الليثى إِلَى الْمِيفَعَة نَاحيَة نجد فِي رَمَضَان فَقتل أُسَامَة نهيك بن مرداس بعد قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله وَقيل إِنَّمَا كَانَ ذَلِك سنة ثَمَان استاقوا نعما وَشاء إِلَى الْمَدِينَة وفيهَا عمْرَة الْقَضِيَّة وَيُقَال الْقَضَاء وَالْقصاص هِلَال ذِي الْحجَّة وَمَعَهُ
أَلفَانِ وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَبنى بميمونة بسرف قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَتسَمى عمْرَة الْقَضَاء لِأَنَّهُ قاضى فِيهَا قُريْشًا لَا لِأَنَّهَا قَضَاء عَن الْعمرَة الَّتِي صد عَنْهَا لِأَنَّهَا لم تكن فَسدتْ حَتَّى يجب قَضَاؤُهَا بل كَانَت عمْرَة(2/236)
تَامَّة وَلِهَذَا عدوا عمر النَّبِي
كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ آخَرُونَ بل كَانَت قَضَاء عَن الْعمرَة الأولى وعدوا عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فِي الْعُمر لثُبُوت الْأجر فِيهَا لَا لِأَنَّهُمَا كملت وَهَذَا الْخلاف مَبْنِيّ على الِاخْتِلَاف فِي وجوب الْقَضَاء على من اعْتَمر فصد عَن الْبَيْت فَقَالَ الْجُمْهُور يجب عَلَيْهِ الْهَدْي وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَعَن أبي حنيفَة عَكسه وَعَن أَحْمد رِوَايَة أَنه لَا يلْزمه هدي وَلَا قَضَاء وَأُخْرَى يلْزمه الْقَضَاء وَالْهَدْي فحجة الْجُمْهُور قَوْله تَعَالَى {فَإنْ أحصرتُم فَمَا أستَيسَرَ مِنَ الهديَ} الْبَقَرَة 196 وَحجَّة أبي حنيفَة أَن الْعمرَة تلْزم بِالشُّرُوعِ فَإِذا حصر صَار لَهُ تَأْخِيرهَا فَإِذا زَالَ الْحصْر أَتَى بهَا وَلَا يلْزم من التَّحَلُّل بَين الإحرامين سُقُوط الْقَضَاء وَحجَّة من أوجبهَا مَا وَقع للصحابة فَإِنَّهُم نحرُوا الْهَدْي حَيْثُ صدوا فاعتمروا من قَابل وَسَاقُوا الْهَدْي وَحجَّة من لم يُوجِبهَا أَن تحللهم بالحصر لم يتَوَقَّف على نحر الْهَدْي بل أَمر من مَعَه هدي أَن ينحره وَمن لَيْسَ مَعَه هدي أَن يحلوا انْتهى قَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار أَنه
لما أهل ذُو الْقعدَة يَعْنِي سنة سبع أَمر أَصْحَابه أَن يعتمروا قَضَاء لعمرتهم الَّتِي صدهم الْمُشْركُونَ عَنْهَا بِالْحُدَيْبِية وَألا يتَخَلَّف أحد مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة فَلم يتَخَلَّف مِنْهُم إِلَّا رجال اسْتشْهدُوا بِخَيْبَر وَرِجَال مَاتُوا وَخرج مَعَه
من الْمُسلمين أَلفَانِ واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا رهم الْغِفَارِيّ وسَاق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سِتِّينَ بَدَنَة وَحمل السِّلَاح وَالْبيض والدروع والرماح وقاد مائَة فرس فَلَمَّا انْتهى إِلَى ذِي الحليفة قدم الْخَيل أَمَامه عَلَيْهَا مُحَمَّد ابْن مسلمة وَقدم السِّلَاح وَاسْتعْمل عَلَيْهِ بشر بعد وَأحرم
ولبى والمسلمون يلبون مَعَه وَمضى مُحَمَّد بن مسلمة فِي الْخَيل إِلَى مر الظهْرَان فَوجدَ بهَا نَفرا من قُرَيْش فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا هَذَا رَسُول الله
يصبحُ هَذَا الْمنزل غَدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَأتوا قُريْشًا فَأَخْبرُوهُمْ ففزعوا وَنزل رَسُول الله
بمر الظهْرَان وَقدم السِّلَاح إِلَى بطن يأجج كيسمع وينصر وَيضْرب مَوضِع بِمَكَّة حَيْثُ ينظر إِلَى(2/237)
أنصاب الْحرم وَخلف عَلَيْهِ أَوْس بن خولى الْأنْصَارِيّ فِي مِائَتي رجل وَخرجت قُرَيْش من مَكَّة إِلَى رُءُوس الْجبَال وَقدم رَسُول الله
الْهَدْي أَمَامه فحبس بِذِي طوى وَخرج
على رَاحِلَته القصوى والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برَسُول الله
يلبون فَدخل من الثَّنية الَّتِي تطلعه على الْحجُون وَابْن رَوَاحَة آخذ بزمام رَاحِلَته وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس أَنه
دخل مَكَّة فِي عمْرَة الْقَضَاء وَابْن رَوَاحَة يمشي بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) //
(خَلُّوا بَنِي الكُفَّار عَنْ سَبِيلِهِ ... )
(أليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... )
(ضَرْبًأ يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... )
(ويُذْهِلُ الخَليِلَ عَنْ خَلِيلِهِ ... )
فَقَالَ لَهُ عمر يَا بن رَوَاحَة بَين يَدي رَسُول الله
وَفِي حرم الله تَقول شعرًا فَقَالَ
خَلِّ عَنهُ يَا عمر فلهى أسْرع فيهم من نضح النبل وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث أنس أَيْضا من وَجْهَيْن بِلَفْظ // (من الرجز) //
(خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ)
...
(قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ ... )
(بِأَنَّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ ... )
(نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... )
(ضَربًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... )
(ويُذْهِلُ الخَلِيلَ عنْ خَلِيلِهِ ... )
(يَا رب إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... )
وَعند ابْن عقبَة فِي الْمَغَازِي بعد قَوْله
(قَدْ أنزَلَ الرَّحْمنُ فِي تَنْزِيلِه ... )(2/238)
(فِي صُحُفِ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ ... )
وَزَاد ابْن إِسْحَاق بعد قَوْله // (من الرجز) //
(يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... )
(إِنِّي رَأَيْتُ الحَقَّ فِي قَبُولِهِ ... )
وَقَالَ ابْن هِشَام إِن قَوْله نَحن ضربناكم على تَنْزِيله إِلَى آخر الشّعْر من قَول عمار بن يَاسر قَالَه يَوْم حنين قَالُوا وَلم يزل رَسُول الله
يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلم الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ مضطبعاً بِثَوْبِهِ وَطَاف على رَاحِلَته والمسلمون يطوفون مَعَه وَقد اضطبعوا بثيابهم وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْمُشْركُونَ إِنَّه يقدم عَلَيْكُم وَفد قد وهنتهم حمى يثرب فَأَمرهمْ
أَن يرملوا الأشواط الثَّلَاثَة وَأَن يمشوا بَين الرُّكْنَيْنِ وَلم يمنعهُ أَن يرملوا الأشواط كلهَا إِلَّا الْإِبْقَاء عَلَيْهِم وَفِي رِوَايَة قَالَ ارملوا ليرى الْمُشْركُونَ قوتكم وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعيقعان وَمعنى قَوْله الْإِبْقَاء عَلَيْهِم أَي لم يمنعهُ من أَمرهم بالرمل فِي جَمِيع الْأَوْقَات إِلَّا(2/239)
الرِّفْق بهم والإشفاق عَلَيْهِم ثمَّ طَاف رَسُول الله
بَين الصَّفَا والمروة على رَاحِلَته فَلَمَّا كَانَ الطّواف السَّابِع عِنْد فَرَاغه وَقد وقف الْهَدْي عِنْد الْمَرْوَة قَالَ هَذَا المنحر وكل فجاج مَكَّة منحر فَنحر عِنْد الْمَرْوَة وَحلق هُنَاكَ وَكَذَلِكَ فعل الْمُسلمُونَ وَأمر رَسُول الله
نَاسا مِنْهُم إِلَى أَصْحَابهم بِبَطن يأجج فيقيموا على السِّلَاح وَيَأْتِي الْآخرُونَ فيقضوا نسكهم فَفَعَلُوا فَأَقَامَ رَسُول الله
بِمَكَّة ثَلَاثًا وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث الْبَراء فَلَمَّا دَخلهَا يعْنى مَكَّة وَمضى الْأَجَل أَتَوا عليا وَقَالُوا قل لصاحبك يخرج عَنَّا فقد مضى الْأَجَل فَخرج النَّبِي
فتبعته ابْنة حَمْزَة تنادي يَا عَم يَا عَم فَتَنَاولهَا عَليّ فَأخذ بِيَدِهَا وَقَالَ لفاطمة دُونك بنت عمك فحملتها فختصم فِيهَا على زيد وجعفر قَالَ عَليّ أَنا أَخَذتهَا وَهِي ابْنة عمي وَقَالَ جَعْفَر ابْنة عمي وخالتها تحتي وَقَالَ زيد بنت أخي فَقضى بهَا النَّبِي
لخالتها وَقَالَ الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم الحَدِيث وَإِنَّمَا أقرهم النَّبِي
على أَخذهَا مَعَ اشْتِرَاط الْمُشْركين إِلَّا يخرج بِأحد من أَهلهَا أَرَادَ الْخُرُوج لأَنهم لم يطلبوها وَقَوله الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم أَي فِي هَذَا الحكم الْخَاص لِأَنَّهَا تقرب مِنْهَا فِي الحنية والشفقة والاهتداء إِلَى مَا يصلح الْوَلَد(2/240)
وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْخَالَة فِي الْحَضَانَة مُقَدّمَة على الْعمة لِأَن صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب كَانَت مَوْجُودَة حِينَئِذٍ وَإِذا قدمت على الْعمة مَعَ كَونهَا أقرب من الْعَصَبَات من النِّسَاء فَهِيَ مُقَدّمَة على غَيرهَا وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَقْدِيم أقَارِب الْأُم على أقَارِب الْأَب انْتهى قَالَ ابْن عَبَّاس وَتزَوج
مَيْمُونَة وَهُوَ محرم وَبنى بهَا وَهُوَ حَلَال وَقد استدرك ذَلِك على ابْن عَبَّاس وعُدَ من وهمه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَهِلَ ابْن عَبَّاس وَإِن كَانَت خَالَته مَا تزوَجها
إِلَّا بعد مَا حل ذكره البُخَارِيّ وَهِلَ بِكَسْر الْهَاء أَي غلط وَقَالَ يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة تزَوجنِي رَسُول الله
وَنحن حلالان بسرف رَوَاهُ مُسلم وسيأتى فِي الخصائص أَن لَهُ
النكاحَ فِي حالِ الْإِحْرَام على أصح الْوَجْهَيْنِ عِنْد الشَّافِعِيَّة وَفِي هَذِه السّنة قدم حَاطِب من عِنْد الْمُقَوْقس ملك مصر جريج بن مينا وَمَعَهُ الْهَدَايَا وفيهَا رد رَسُول الله
ابْنَته زَيْنَب على زَوجهَا أبي الْعَاصِ بن الرّبيع وَأخرج عمَارَة أَو فَاطِمَة أَو غير ذَلِك على الْخلاف فِي اسْمهَا بنت حَمْزَة من عِنْد الْمُشْركين أَو على بِإِذْنِهِ فاختصم فِيهَا زيد وجعفر وَعلي فِي الحَدِيث الْمَشْهُور وَأرْسل الرُّسُل إِلَى الْمُلُوك أول الْمحرم وَقيل آخر سنة سِتّ عبد الله ابْن حذافة السَّهْمِي إِلَى كسْرَى فمزق كِتَابه فَدَعَا عَلَيْهِ بتمزيق ملكه فملكهم لَا يزَال ممزقاً وَعَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ملكَي عُمَان عبد وجيفر ابْني الجلندي فَأَسْلمَا وسليط بن عَمْرو إِلَى هَوْذَة بن عَليّ بِالْيَمَامَةِ وشجاع بن وهب إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء والْعَلَاء الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى بِالْبَحْرَيْنِ فأسِلم وَأَبا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمعَاذًا إِلَى الْيمن وعمراً الضمرِي إِلَى مُسَيْلمَة(2/241)
وَعَيَّاش بن الربيعة إِلَى الْحَارِث ومسروح ونعيم بن عبد كلال ودحية الْكَلْبِيّ بكتابه إِلَى هِرقل ليدفعه إِلَى عَظِيم بصرى ليدفعه إِلَى هِرقل وَحَدِيثه الصَّحِيح مَشْهُور إِلَى جمَاعَة كَثِيرَة وفيهَا لبس الْخَاتم أَو فِي آخر السَّادِسَة(2/242)
(حوادث السّنة الثَّامِنَة)
فِيهَا غَزْوَة مُؤْتَةَ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بِغَيْر همز لأكْثر الروَاة وَبِه جزم الْمبرد وَجزم ثَعْلَب والجوهري وَابْن فَارس بِالْهَمْز وَحكى غَيرهم الْوَجْهَيْنِ وَهِي من عمل البلقاء بِالشَّام فِي جُمَادَى الأولى وَهِي سَرِيَّة أَمر فِيهَا
زيد بن حَارِثَة على ثَلَاثَة آلَاف رجل وَقَالَ إِن قتل فجعفر فَإِن قتل فعبد الله بن رَواحة فَإِن قتل فليرتض الْمُسلمُونَ بِرَجُل مِنْهُم فَقتلُوا كَذَلِك فَأخذ الرَّايَة ثَابت بن أقرم الْعجْلَاني إِلَى أَن اصْطَلحُوا على خَالِد فَفتح الله بِهِ وَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأخذ غنيمَة كَثِيرَة وَذَلِكَ أَن رَسُول الله
كَانَ أرسل الْحَارِث بن عُمَيْر الْأَزْدِيّ بِكِتَاب إِلَى ملك بصرى فَلَمَّا نزل مُؤْتَة عرض لَهُ شُرَحْبِيل الغساني فَقتله وَلم يقتل لرَسُول الله
رَسُول غَيره فَأمر رَسُول الله
زيد بن حَارِثَة على ثَلَاثَة آلَاف وَقَالَ إِن قتل. . إِلَى آخر مَا تقدم وَفِي حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح إِن قتل زيد فأميركم جَعْفَر ... الحَدِيث قَالُوا وَعقد لَهُم
لِوَاء أَبيض وَدفعه إِلَى زيد بن حَارِثَة وأوصاهم أَن يَأْتُوا مقتل الْحَارِث بن عُمَيْر وَأَن يدعوا من هُنَاكَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أجابوا وَإِلَّا استعانوا عَلَيْهِم بِاللَّه وقاتلوهم وَخرج مشيعاً لَهُم حَتَّى بلغ ثنية الْوَدَاع فَوقف فودعهم فَلَمَّا سَارُوا نَادَى والمسلمون دفع الله عَنْكُم وردكم سَالِمين غَانِمِينَ فَقَالَ ابْن رَوَاحَة // (من الْبَسِيط) //
(لَكنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا)
فَلَمَّا فصلوا من الْمَدِينَة سمع الْعَدو بمسيرهم فَجمعُوا لَهُم وَقَامَ فيهم شُرَحْبِيل ابْن عَمْرو فَجمع أَكثر من مائَة ألف وَقدم الطَّلَائِع أَمَامه وَقد نزل الْمُسلمُونَ مَعَان بِفَتْح الْمِيم مَوضِع من أَرض الشَّام وَبلغ النَّاس كَثْرَة الْعَدو وتجمعهم(2/243)
وَأَن هِرقل نزل بِأَرْض البلقاء فِي مائَة ألف من الْمُشْركين فأقاموا لَيْلَتَيْنِ لينظروا فِي أَمرهم وَقَالُوا نكتب إِلَى رَسُول الله
فنخبره الْخَبَر فشجعهم عبد الله بن رَوَاحَة على الْمُضِيّ فَمَضَوْا إِلَى مُؤْتَة ووافاهم الْمُشْركُونَ فجَاء مِنْهُم مَا لَا قِبَلَ لأحد بِهِ من الْعدَد وَالسِّلَاح والكراع والديباج وَالْحَرِير وَالذَّهَب والتقى الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فقاتل الْأُمَرَاء يَوْمئِذٍ على أَرجُلهم فَأخذ اللِّوَاء زيد بن حَارِثَة فقاتل وَقَاتل الْمُسلمُونَ مَعَه على صفوفهم حَتَّى قتل طَعنا بِالرِّمَاحِ ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فَنزل عَن فرس لَهُ شقراء وَقَاتل حَتَّى قتل ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ فَوجدَ فِي أحد نصفيه بضعَة وَثَمَانُونَ جرحا وَفِيمَا أقبل من بدنه اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ ضَرْبَة بِسيف وطعنة بِرُمْح قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَوجدنَا فِي جسده بضعاً وَتِسْعين من طعنة ورمية وَفِي رِوَايَة أَن ابْن عمر وَقَفَ على جَعْفَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ قَتِيل قَالَ فعددت بِهِ خمسين بَين طعنة وضربة لَيْسَ فِيهَا شَيْء فِي دبره وَذكر ابْن إِسْحَاق بِإِسْنَاد حسن وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد من طَرِيقه عَن رجل من مرّة قَالَ وَالله لكَأَنِّي أنظر إِلَى جَعْفَر بن أبي طَالب حِين اقتحم عَن فرس لَهُ شقراء فعقرها ثمَّ تقدَم فقاتل حَتَّى قتل قَالُوا ثمَّ أَخذ اللِّوَاء عبد الله بن رَوَاحَة فقاتل حَتَّى قتل فَأخذ اللِّوَاء ابْن أقرم الْعجْلَاني إِلَى أَن اصْطلحَ النَّاس على خَالِد بن الْوَلِيد فَأخذ اللِّوَاء وانكشف النَّاس فَكَانَت الْهَزِيمَة فَتَبِعهُمْ الْمُشْركُونَ فَقتل من قتل من الْمُسلمين وَقَالَ الْحَاكِم قَاتلهم خَالِد بن الْوَلِيد فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأصَاب غنيمَة وَقَالَ ابْن سعد إِنَّمَا انهزم بِالْمُسْلِمين وَقَالَ ابْن إِسْحَاق انْحَازَتْ كل طَائِفَة من غير هزيمَة(2/244)
وَرفعت الأَرْض لرَسُول الله
حَتَّى نظر إِلَى معترك الْقَوْم وَعَن عبد الله بن الزبير قَالَ حَدثنِي أبي الَّذِي أرضعني وَكَانَ أحد بني مرّة قَالَ شهِدت مُؤْتَة مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه فَرَأَيْت جعفراً حِين التحم الْقِتَال اقتحم عَن فرس لَهُ شقراء ثمَّ عقرهَا وَقَاتل الْقَوْم حَتَّى قتل خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَقطعت فِي تِلْكَ الْوَقْعَة يَدَاهُ جَمِيعًا ثمَّ قتل فَقَالَ رَسُول الله
إِن الله أبدله بيدَيْهِ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ خرجه أَبُو عَمْرو وَفِي البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لما جَاءَ قتل ابْن رَوَاحَة وَابْن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب جلس رَسُول الله
يعرف مِنْهُ الْحزن الحَدِيث وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ قَالَ رَسُول الله
هَنِيئًا لَك أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
قَالَ رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم // (وَفِي إِسْنَاده ضعف) // لَكِن لَهُ شَاهد من حَدِيث عَليّ عِنْد ابْن سعد وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَيْضا عَن النَّبِي
قَالَ مرّ بِي جَعْفَر اللَّيْلَة فِي ملاً من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مخضب الجناحين بِالدَّمِ أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ على شَرطه وَأخرج أَيْضا هُوَ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا دخلت البارحة الْجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة وَفِي طَرِيق أُخْرَى عَنهُ(2/245)
أَن جعفراً يطير مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل لَهُ جَنَاحَانِ عوضه الله من يَدَيْهِ وَإسْنَاد هَذَا جيد فقد عوّضه الله عَن قطع يَدَيْهِ فِي هَذِه الْوَقْعَة حَيْثُ أَخذ اللِّوَاء بِيَمِينِهِ فَقطعت ثمَّ أَخذه بِشمَالِهِ فَقطعت ثمَّ احتضنه فَقتل قَالَ السُّهيْلي لَهُ جَنَاحَانِ لَيْسَ كَمَا يسْبق إِلَى الْفَهم كجناحي الطير وريشه لِأَن الصُّورَة الْآدَمِيَّة أشرف الصُّور كلهَا فَالْمُرَاد بالجناحين صفة ملكية وَقُوَّة روحانية وَقَالَ الْعلمَاء فِي أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة إِنَّهَا صِفَات ملكية لَا تفهم إِلَّا بالمعاينة فقد ثَبت أَن لجبريل سِتّمائَة جنَاح وَلَا يعْهَد للطير ثَلَاثَة أَجْنِحَة فضلا عَن أَكثر من ذَلِك وَإِذا لم يثبت خبر فِي بَيَان كيفيتها فنؤمنُ بهَا من غير بحث عَن حَقِيقَتهَا قَالَ حَافظ ابْن حجر وَهَذَا الَّذِي جزم بِهِ فِي مقَام الْمَنْع وَالَّذِي حَكَاهُ عَن الْعلمَاء لَيْسَ صَرِيحًا فِي الدّلَالَة على مَا ادَّعَاهُ وَلَا مَانع من الْحمل على الظَّاهِر إِلَّا من جِهَة مَا ذكره من الْمَعْهُود وَهُوَ قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَهُوَ ضعيفٌ وَكَون الصُّور البشرية أشرف الصُّور لَا يمنعُ من حَمْلِ الْخَبَر على ظَاهره لِأَن الصُّور بَاقِيَة وَقد روى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من مُرْسل عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن جناحي جَعْفَر من ياقوت وَجَاء فِي جناحي جِبْرِيل أَنَّهُمَا من لُؤْلُؤ أخرجه ابْن مَنْدَه فِي تَرْجَمَة ورقة وَذكر مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي أَن يعلى بن أُميَّة قدم بِخَبَر أهل مُؤْتَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
إِن شئتَ فَأَخْبرنِي وَإِن شئتَ فأخبرتك قَالَ أَخْبرنِي فَأخْبرهُ خبرهم فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تركتَ من حَدِيثهمْ حرفا لم تذكره وَعند الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الْيُسْر الْأنْصَارِيّ أَن أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ هُوَ الَّذِي أخبر النَّبِي
بمصابهم وفيهَا فتح مَكَّة فِي رَمَضَان لنقض قُرَيْش الْعَهْد فَخرج
وَمَعَهُ عشرَة(2/246)
آلَاف يَوْم الْأَرْبَعَاء بعد الْعَصْر لعشر مضين من رَمَضَان فَفَتحهَا صلحا أَو عنْوَة على الْخلاف وَخرج سادس شَوَّال إِلَى حنين فَهَزَمَهُمْ وَقتل من الْمُشْركين أَكثر من سبعين وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين أَرْبَعَة ونادى مناديه من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَأخذ مِنْهَا غَنَائِم فَقَسمهَا بالجعرانة وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي زَاد الْمعَاد الْفَتْح الْأَعْظَم الْمُبين الَّذِي أعز الله بِهِ دينه وَرَسُوله وجنده وَحرمه الْأمين واستنقذ بِهِ بَلَده وبيته الَّذِي جعله هدى للْعَالمين من أَيدي الْكفَّار وَالْمُشْرِكين وَهُوَ الْفَتْح الَّذِي استبشر بِهِ أهل السَّمَاء وَضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء وَدخل النَّاس بِهِ فِي دين الله أَفْوَاجًا وأشرَقَ بِهِ وَجه الأَرْض ضِيَاء وابتهاجا خرج لَهُ
بكتائب الْإِسْلَام وجنود الرَّحْمَن لنقض قُرَيْش الْعَهْد الَّذِي وَقع بِالْحُدَيْبِية لِأَنَّهُ كَانَ قد وَقع الشَّرْط أَن من أحب أَن يدْخل فِي عقد رَسُول الله
وَعَهده فعل وَمن أحب أَن يدْخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ فعل فَدخلت بَنو بكر فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ وَدخلت خُزَاعَة فِي عقد رَسُول الله
وَعَهده وَكَانَ بَين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى فِي الْجَاهِلِيَّة فتشاغلوا عَن ذَلِك لما ظهر الْإِسْلَام فَلَمَّا كَانَت الْهُدْنَة خرج نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلِي من بني بكر فِي بني الديل حَتَّى بيَّتَ خُزَاعَة وهم على مَاء لَهُم يُقَال لَهُ الْوَتِير فَأصَاب مِنْهُم رجلا يُقَال لَهُ مُنَبّه واستيقظت لَهُم خُزَاعَة فَاقْتَتلُوا إِلَى أَن دخلُوا الْحرم وَلم يتْركُوا الْقِتَال وأمدت قُرَيْش بني بكر بِالسِّلَاحِ وَقَاتل بَعضهم مَعَهم لَيْلًا فِي خُفْيَة وَخرج عَامر الْخُزَاعِيّ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا من خُزَاعَة فقدموا على رَسُول الله
يخبرونه بِالَّذِي أَصَابَهُم ويستنصرونه فَقَامَ وَهُوَ يجر رِدَاءَهُ وَيَقُول لَا نصرت إِن لم أَنْصُركُمْ بِمَا أنْصر بِهِ نَفسِي(2/247)
وَفِي المعجم الصَّغِير للطبراني من حَدِيث مَيْمُونَة أَنَّهَا سمعته
يَقُول فِي متوضئه لَيْلًا لبيْك لبيْك ثَلَاثًا نصرت نصرت ثَلَاثًا فَقَالَت كَأَنَّك تكلم إنْسَانا فَهَل كَانَ مَعَك أحد فَقَالَ
هَذَا راجز بني كَعْب يستصرخني وَيَزْعُم أَن قُريْشًا أعانَتْ عَلَيْهِم بني بكر ثمَّ خرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأمر عَائِشَة أَن تجهزه وَلَا تُعْلِم أحدا قَالَت فَدخل عَلَيْهَا أَبُو بكر فَقَالَ يَا بنية مَا هَذَا الجهاز فَقَالَت مَا أَدْرِي فَقَالَ وَالله مَا هَذَا زمَان غَزْو بني الْأَصْفَر فَأَيْنَ يُرِيد رَسُول الله
قَالَت وَالله لَا علم لي قَالَت فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا ثمَّ صلى الصُّبْح بِالنَّاسِ فَسمِعت الراجز ينشد // (من الرجز) //
(يَا رّبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... )
(حِلْفَ أَبِينَا وَأبِيهِ الأَتْلَدَا ... )
(إِنَّا وَلَدْنَاكَ فَكُنْتَ الوَلَدَا ... )
(ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِع يَدَا ... )
(إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا ... )
(وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤّكَّدَا ... )
(وزعَمُوا أنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... )
(فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نصْرًا أَيّدَا ... )
(وادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا ... )
(فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... )
(أَبْيَضَ كَالْبَدْرِ تَنَمَّى صُعُدَا ... )
(إِن سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا ... )
قَالَ فِي الْقَامُوس وَتَربد بالراء تغير انْتهى وَزَاد ابْن إِسْحَاق
(هُمْ بَيَّتُونَا بالْوَتيرِ هُجَّدَا ... )(2/248)
(وقَتَّلُونَا رُكَّعًأ وَسُجَّدا ... )
(وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا ... )
(وَهمْ أذَلُ وَأقَل عَدَدَا)
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
نصرت يَا عَمْرو بن سَالم فَكَانَ ذَلِك مَا هاج فتح مَكَّة وَقد ذكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بعض الأبيات وَقدم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب على رَسُول الله
الْمَدِينَة يسْأَله أَن يجدد الْعَهْد وَيزِيد فِي الْمدَّة فَدخل على ابْنَته رَملَة زوج النَّبِي
فَذهب ليجلس على فرَاش رَسُول الله
فَقَالَت مَكَانك فطوته عَنهُ وَقَالَت إِنَّك رِجْس فَقَالَ لَهَا لقد أَصَابَك بعدِي شَر يَا بنية فَلَمَّا أَتَى رَسُول الله
سَأَلَهُ فِيمَا جَاءَ لصدده فَأبى عَلَيْهِ وَلم يجبهُ فَكلم أَبَا بكر ثمَّ عمر ثمَّ عليا فَلم يجبهُ أحد مِنْهُم فَدخل بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله
فَقَالَ لَهَا يَا بنة مُحَمَّد إِنِّي دَاخل على ابْنك الْحسن أَن يجير بَين النَّاس فَقَالَت مَا بلغ ابْني أَن يجير بَين النَّاس فَقَالَ لعَلي إِنَّك أمسُ الْقَوْم بِي رحما فَمَا تُشِير بِهِ عَليّ فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنَّك سيد كنَانَة وَمَا أرى لَك إِلَّا أَن تقوم فتجير بَين النَّاس وَمَا أرَاهُ مجديَاً شَيْئا فغدا على النَّاس فِي الْمَسْجِد فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت بَين النَّاس ثمَّ ركب نَاقَته فَعَاد إِلَى مَكَّة فَقَالُوا مَاذَا صنعت فَأخْبرهُم بِمَا كَانَ فَقَالُوا أفأجاز ذَلِك مُحَمَّد وَأَبُو بكر وَعمر فَقَالَ لَا فَقَالُوا مَا زِدْت على أَن لعب بك ابْن أبي طَالب وتجهزَ رسولُ الله
من غير إِعْلَام أحد بذلك فَكتب حَاطِب كتابا وأرسله إِلَى مَكَّة يخبر بذلك فَأطلع الله نبيه على ذَلِك فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر والمقداد انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا أَخْرِجِي الْكتاب قَالَت مَا معي كتاب فَقُلْنَا لتخْرجن الْكتاب أَو لنلقين الثِّيَاب قَالَ فَأَخْرَجته من عقاصها فأتينا بِهِ رَسُول الله
فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى نَاس من الْمُشْركين بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول الله
فَقَالَ يَا حَاطِب مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُول الله لَا تعجَل عَليّ إِنِّي كنت امْرأ مُلْصقًا فِي(2/249)
قُرَيْش يَقُول كنت حليفاً وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قَرَابَات يحْمُونَ أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا يحْمُونَ قَرَابَتي وَلم أَفعلهُ ارْتِدَادًا عَن ديني وَلَا رِضاً بالْكفْر بعد الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله
أما إِنَّه قد صدقكُم فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ إِنَّه قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على من شهد بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أيُها الذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدوي وَعَدُوكُم أوَلياءَ تُلقُون إلَيهِم بِالمَوَدةِ} إِلَى قَوْله {فقد ضل سَوَاء السَّبِيل} قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَإِنَّمَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق مَعَ تَصْدِيق رَسُول الله
لحاطب فِيمَا اعتذر بِهِ لما كَانَ عِنْد عمر من الْقُوَّة فِي الدّين وبغض الْمُنَافِقين فَظن أَن من خَالف مَا أَمر بِهِ النَّبِي
اسْتحق القتلَ لكنه لم يجْزم بذلك فَلذَلِك اسْتَأْذن فِي قَتله وَأطلق عَلَيْهِ منافقَاً لكَونه أبطن خلاف مَا أظهر وَعذر حَاطِب مَا ذكره فَإِنَّهُ صنع ذَلِك متأولاً أَن لَا ضَرَر فِيهِ وَعند الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْحَارِث عَن على فِي هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فأرشد إِلَى عِلّة ترك قَتله وَعند الطَّبَرِيّ أَيْضا عَن عُرْوَة فَإِنِّي غَافِر لكم وَهَذَا يدل على أَن المُرَاد بقوله غفرت أَغفر على طَرِيق التَّعْبِير عَن الْآتِي بالواقع مُبَالغَة فِي تحَققه قَالَ وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا الْخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أَن هَؤُلَاءِ حصلت لَهُم حَالَة غفرت بهَا ذنوبهم السالفة وتأهلوا أَن يغْفر لَهُم مَا يسْتَأْنف من الذُّنُوب اللاحقة وَقد أظهر الله صدق رَسُوله فِي كل مَا أخبر عَنهُ بِشَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُم لم يزَالُوا على أَعمال أهل الْجنَّة إِلَى أَن فارقوا الدُّنْيَا وَلَو قدر صُدُور شَيْء من أحدهم لبادر إِلَى التَّوْبَة ولازم الطَّرِيقَة المثلى يعلم ذَلِك من أَحْوَالهم بِالْقطعِ من اطلع على سيرهم قَالَه الْقُرْطُبِيّ(2/250)
وَذكر بعض أهل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي تَفْسِير يحيى بن سَلام أَن لفظ الْكتاب الَّذِي كتبه حَاطِب أما بعد يَا معشر قُرَيْش فَإِن رَسُول الله
جَاءَكُم بِجَيْش كالليل يسير كالسيل فوَاللَّه لَو جَاءَكُم وَحده لنصره الله وأنجز لَهُ فانظروا لأنفسكم كَذَا حَكَاهُ السُّهيْلي وروى الْوَاقِدِيّ بِسَنَد مُرْسل أَن حاطبَاً كتب إِلَى سُهَيْل بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة وَعِكْرِمَة أَن رَسُول الله
أذنَ فِي النَّاس بالغزو لَا أرَاهُ يُرِيد غَيْركُمْ فَأَحْبَبْت أَن تكون لي عنْدكُمْ يَد انْتهى وَبعث رَسُول الله
إِلَى من حوله من الْعَرَب فجلبهم أسلم وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة وَأَشْجَع وسليم فَمنهمْ من وافاه بِالْمَدِينَةِ وَمِنْهُم من لحقه بِالطَّرِيقِ فَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي غَزْوَة الْفَتْح عشرَة آلَاف وَفِي الإكليل وَشرف الْمُصْطَفى اثْنَا عشر ألفا وَيجمع بَينهمَا بِأَن الْعشْرَة آلَاف خرج بهَا من نفس الْمَدِينَة ثمَّ تلاحق بِهِ الألفان واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وَقيل أَبَا رهم الْغِفَارِيّ وَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر خلون من رَمَضَان بعد الْعَصْر فِي ثَمَان من الْهِجْرَة قَالَه الْوَاقِدِيّ وَعند أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي سعيد قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله
عَام الْفَتْح لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان فَمَا قَالَه لَيْسَ بِقَوي لمُخَالفَته مَا هُوَ أصحُ وَفِي تعْيين هَذَا التَّارِيخ أَقْوَال أخر مِنْهَا عِنْد مُسلم لست عشرَة وَلأَحْمَد ثَمَانِي عشرَة وَفِي أُخْرَى لثنتي عشرَة وَالَّذِي فِي الْمَغَازِي لِابْنِ عقبَة لتسْع عشرَة مَضَتْ وَهُوَ مَحْمُول على الِاخْتِلَاف فِي أول الشَّهْر وَوَقع فِي أُخْرَى تسع عشرَة أَو سبع عشرَة على الشَّك وَلما بلغ
الكدِيد بِفَتْح الْكَاف المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان أفطر فَلم(2/251)
يزل مُفطرا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَفِي أُخْرَى لَهُ أفطر وأفطروا ... الحَدِيث وَكَانَ الْعَبَّاس قد خرج قبل ذَلِك بأَهْله وَعِيَاله مُسلما مُهَاجرا فلقي رَسُول الله
بِالْجُحْفَةِ وَكَانَ قبل ذَلِك مُقيما بِمَكَّة على سقايته وَرَسُول الله
عَنهُ رَاض وَكَانَ مِمَّن لقِيه بِالطَّرِيقِ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث ابْن عَمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَخُوهُ من إِرْضَاع حليمة السعدية وَمَعَهُ وَلَده جَعْفَر بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَبُو سُفْيَان يألف رَسُول الله
فَلَمَّا بعث عَادَاهُ وهجاه وَكَانَ لقاؤهما لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالأبواء وأسلما قبل دُخُول مَكَّة وَقيل بل لقِيه هُوَ وَعبد الله بن أبي أُميَّة ابْن عمته عَاتِكَة بنيت عبد الْمطلب بَين السقيا وَالْعَرج فَأَعْرض
عَنْهُمَا لما كَانَ يلقى مِنْهُمَا من شدَّة الأذَى والهَجوِ فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة لَا يكنِ ابْن عمك وَابْن عَمَّتك أَشْقَى الناسِ بك وَقَالَ عَليّ لأبي سُفْيَان فِيمَا حَكَاهُ ابْن عَمْرو وَصَاحب ذخائر العقبى ائْتِ رَسُول الله
من قبل وَجهه فَقل لَهُ مَا قَالَ إخْوَة يُوسُف ليوسف {تَاللهِ لَقَد آثَرَكَ الله علينا وَإِن كُنَّا لخاطئين} فَإِنَّهُ لَا يرضى أَن يكون أحد أحسن مِنْهُ قولا فَفعل ذَلِك أَبُو سُفْيَان فَقَالَ
{لَا تَثْرِيب عَلَيكمٌ اليوَمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} وَيُقَال إِنَّه مَا رفع رَأسه إِلَى رَسُول الله
مُنْذُ أسلم حَيَاء مِنْهُ قَالُوا ثمَّ سَار رَسُول الله
فَلَمَّا كَانَ بِقديد عقد الألوية والرايات وَدفعهَا إِلَى الْقَبَائِل ثمَّ نزل مر الظهْرَان عشَاء فَأمر أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَلم يبلغ قُريْشًا مسيره وهم مغتمون لما يخَافُونَ من غَزوه إيَّاهُم فبعثوا أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَقَالُوا إِن لقِيت مُحَمَّدًا فَخذ لنا مِنْهُ أَمَانًا فَخرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء حَتَّى أَتَوا مر الظهْرَان فَلَمَّا رَأَوْا الْعَسْكَر أفزعهم قَالَ البُخَارِيّ فَإِذا هم بنيران كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا هَذِه كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ بديل بن وَرْقَاء نيران بني عَمْرو فَقَالَ أَبُو سُفْيَان بَنو عَمْرو أقَل من ذَلِك فَرَآهُمْ نَاس من حَرَسِ رَسُول الله
فأدركوهم فَأَخَذُوهُمْ(2/252)
فَأتوا بهم إِلَى رَسُول الله
فَأسلم أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا سَار قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان عِنْد حطم الْخَيل حَتَّى ينظر إِلَى الْمُسلمين فحبسه الْعَبَّاس فَجعلت الْقَبَائِل تمر مَعَ النَّبِي
كَتِيبَة كَتِيبَة على أبي سُفْيَان فمرت كَتِيبَة فَقَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه قَالَ هَذِه غفار قَالَ مَا لي وَلِغفار ثمَّ مرت جُهَيْنَة فَقَالَ مثل ذَلِك حَتَّى أَقبلت كَتِيبَة لم ير مثلهَا قَالَ من هَذِه قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار عَلَيْهِم سعد بن عبَادَة مَعَه الرَّايَة فَقَالَ سعد بن عبَادَة يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَا عَبَّاس حبذا يَوْم الذمَار بِالْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَة أَي الْهَلَاك قَالَ الْخطابِيّ تمنى أَبُو سُفْيَان أَن يكون لَهُ يَد فيحمي قومه وَيدْفَع عَنْهُم وَقيل هَذَا يَوْم الْغَضَب للحريم والأهل والانتصار لَهُم مِمَّن قدر عَلَيْهِ وَقيل هَذَا يَوْم يلزمك فِيهِ حفظي وحمايتي من أَن ينالني مَكْرُوه وَقَالَ ابْن إِسْحَاق زعم بعض أهل الْعلم أَن سَعْدا قَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة فَسَمعَهَا رجل من الْمُهَاجِرين فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا آمنُ أَن يكون لسعد فِي قُرَيْش صولة فَقَالَ لعَلي أدْركهُ فَخذ الرَّايَة مِنْهُ فكنْ أنْتَ الَّذِي تدخلُ بهَا وَقد روى الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي
لما حاذاه أمرتَ بقتل قَوْمك قَالَ لَا فَذكر لَهُ مَا قَالَ سعد بن عبَادَة ثمَّ ناشده الله والرَحِمَ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم المرحمة ن الْيَوْم يَوْم يعز الله قُريْشًا وَأرْسل إِلَى سعد فَأخذ الرَّايَة مِنْهُ فَدَفعهَا إِلَى ابْنه قيس وَعند ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ لما قَالَ سعد بن عبَادَة ذَلِك عارضت امْرَأَة من قُرَيْش رَسُول الله
فَقَالَت // (من الْخَفِيف) //
(يَا نبيَّ الهُدَى إِلَيْك لَجَا ... حَتى قُرَيشٍ وَلاتَ حِينَ لجاءِ)
(حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ سَعَةُ الأَرْضِ ... وَعَادَاهُمُ إلهُ السَّمَاءِ)
(التقَتْ حَلْقَتَا البِطَانِ عَلَى القَوْمِ ... ونُودُوا بالصَّيْلَمِ الصَّلْعَاءِ)
(إِنَّ سَعْداً يُرِيدُ قاصمة الظَّهْرِ ... بأَهْلِ الحجُونِ والبطحاءِ)(2/253)
(خَزْرَجِيٌّ لَوْ يَسْتَطِيعُ مِنَ الغَيْظِ ... رَمَانَا بِالنَّسْرِ والعوَّاءِ)
(وَغِرُ الصَّدْرِ لَا يَهِمُّ بِشَيءٍ ... غَيْرِ سَفْكِ الدما وسَبْىِ النِّسَاءِ)
(قد تلظَّى عَلَى البِطَاحِ وجاءَتْ ... عِنْدَ هِنْدٍ بالسَّوْأَةِ السَّوْدَاءِ)
(إِذْ يُنَادِي بِذُلٍّ حَيٍّ قُريشٍ ... وابنُ حَرب بِذَا مِنَ الشُهَدَاءِ)
(فَلَئِنْ أقحَمَ اللوَاء ونَادَى ... يَا حمَاةَ اللِّواءِ أَهْلَ اللِّواءِ)
(ثمَّ ثابَتْ إِليه مَنْ بهمُ الخَزْرجُ ... والأوسُ أَنْجُمُ الهَيْجَاءِ)
(لتَكُونن بالبِطَاحِ قُرَيْشٌ ... فقعة القَاعِ فِي أَكُفِّ الإِمَاءِ)
(فَانْهَيَنْهُ فإِنهُ أَسَدُ الأُسْد ... لَدَى الغَابِ والغاً فِي الدّمَاءِ)
(إِنَّهُ مُطْرِقٌ يُدِيِرُ لَنَا الأَمْرَ ... سكوناً كالحيَّةِ الصَّمَّاءِ)
قلت وَفِي سيرة ابْن سيد النَّاس عزوا هَذَا الشّعْر لِضِرَار بن الْخطاب الفِهري فَلَمَّا سمع هَذَا الشّعْر دَخلته رأفة لَهُم وَرَحْمَة فَأمر بالراية فأخذَتْ من سعد وَدفعت إِلَى ابْنه قيس وَعند أبي يعلى من حَدِيث الزبير أَن النَّبِي
دَفعهَا إِلَيْهِ فَدخل مَكَّة بلواءين وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا لكنْ جزم مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ أَنه دَفعهَا إِلَى الزبير بن الْعَوام فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِيمَن دفعت إِلَيْهِ الرَّايَة الَّتِي نزعت من سعد وَالَّذِي يظْهر فِي الْجمع أَن عليا أرسل بهَا لينزعها وَيدخل بهَا ثمَّ خشِي تغير خاطر سعد فَأمر بدفعها إِلَى ابْنه قيس ثمَّ إِن سَعْدا خشِي أَن يَقع من ابْنه شَيْء يُنكره
فَسَأَلَ النَّبِي
أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ فَأَخذهَا الزبير حِينَئِذٍ(2/254)
قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ ثمَّ جاءَتْ كَتِيبَة فِيهَا رَسُول الله
وَأَصْحَابه وَرَايَة النَّبِي
مَعَ الزبير فَلَمَّا مر رَسُول الله
بِأبي سُفْيَان قَالَ ألم تعلم مَا قَالَ سعد بن عبَادَة قَالَ مَا قَالَ قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كذب سعد وَلَكِن هَذَا يَوْم يعظم الله فِيهِ الْكَعْبَة وَيَوْم تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَة قَالَ وَأمر رَسُول الله
أَن تركز رايته بالحجون قَالَ وَقَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول للزبير بن الْعَوام يَا أَبَا عبد الله هَا هُنَا أَمرك رَسُول الله
أَن تركز الرَّايَة قَالَ نعم وَأمر رَسُول الله
خَالِد بن الْوَلِيد أَن يدْخل من أَعلَى مَكَّة من كَدَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَدخل النَّبِي
من كُدى بِالضَّمِّ وَالْقصر فَقتل من خيل خَالِد يَوْمئِذٍ رجلَانِ حُبَيْش بن الْأَشْقَر وكرز بن جَابر الفِهري قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَهَذَا مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْآتِيَة أَن خَالِدا دخل من أَسْفَل مَكَّة وَالنَّبِيّ
من أَعْلَاهَا يعْنى حَدِيث ابْن عمر أَنه
أقبل يَوْم الْفَتْح من أَعلَى مَكَّة على رَاحِلَته مردفاً أُسَامَة بن زيد وَحَدِيث عَائِشَة أَنه
دخل عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة وَغَيرهمَا قَالَ وَقد سَاق ذَلِك مُوسَى بن عقبَة سياقاً وَاضحا فَقَالَ وَبعث رَسُول الله
الزبير بن الْعَوام على الْمُهَاجِرين وخيلهم وأمرهن يدخلنَ من كداء من أَعلَى مَكَّة وَأمره أَن يغرز رايته بالحجون وَلَا يبرح حَتَّى يَأْتِيهِ وَبعث خَالِد بن الْوَلِيد فِي قبائل قضاعة وسُلَيم وَغَيرهم وَأمره أَن يدْخل من أَسْفَل مَكَّة وَأَن يغرز رايته عِنْد أدنى الْبيُوت وَبعث سعد بن عبَادَة فِي كَتِيبَة الْأَنْصَار فِي مُقَدّمَة رَسُول الله
وَأمرهمْ أَن يكفوا أَيْديهم عَن الْقِتَال وَلَا يقاتلوا إِلَّا من قَاتلهم واندفع خَالِد بن الْوَلِيد حَتَّى دخل من أَسْفَل مَكَّة وَقد تجمع بَنو بكر وَبَنُو الْحَارِث بن عبد منَاف وناس من هُذَيْل وَمن الْأَحَابِيش الَّذين استنصرت بهم قُرَيْش فَقَاتلُوا خَالِدا فَقَاتلهُمْ فَانْهَزَمُوا وَقتل من بني بكر نَحْو من عشْرين رجلا وَمن هُذَيْل ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة حَتَّى انْتهى بهم الْقَتْل إِلَى الْحَزْوَرَة إِلَى بَاب الْمَسْجِد حَتَّى دخلُوا الدّور فارتفعت طَائِفَة مِنْهُم على الْجبَال وَصَاح أَبُو سُفْيَان من دخل دَار(2/255)
أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن فَقَالَت لَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة وَأخذت بشاربه اقْتُلُوا الحميت الدسم الأحمش قُبحتَ من طَلِيعَة قوم وَمَا تغني دَارك ثمَّ قَالَ وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق بَابه وكف يَده فَهُوَ آمن قَالَ وَنظر رَسُول الله
إِلَى البارقة فَقَالَ مَا هَذَا وَقد نهيت عَن الْقِتَال فَقَالُوا نظن أَن خَالِدا قوتل وبدىء بِالْقِتَالِ فَلم يكن لَهُ بُد من أَن يقاتلهم قَالَ وَقَالَ رَسُول الله
بعد أَن اطْمَأَن لخَالِد بن الْوَلِيد لم قاتلتَ وَقد نهيتك عَن الْقِتَال فَقَالَ هم بدءونا بِالْقِتَالِ وَقد كَفَفْت يَدي مَا استطعتُ فَقَالَ قَضَاء الله خير وَعند ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا نزل
مر الظهْرَان رقت نفس الْعَبَّاس لأهل مَكَّة فَخرج لَيْلًا رَاكِبًا بغلة النَّبِي
لكَي يجد أحدا فَيعلم أهل مَكَّة بمجيء النَّبِي
فيستأمنوه فَلَمَّا بلغ الْأَرَاك سمع الصَّوْت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام يتناجيان فَقَالَ الْعَبَّاس أَبَا حَنْظَلَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان أَبَا الْفضل فتلاقيا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان واصباح قُرَيْش إِن دَخلهَا عَلَيْهِم عنْوَة فَأرْدف أَبَا سُفْيَان خَلفه وأتى بِهِ النَّبِي
وَانْصَرف الْآخرَانِ ليعلما أهل مَكَّة روى أَن عمر بن الْخطاب لما رأى أَبَا سُفْيَان رَدِيف الْعَبَّاس قَالَ أَبُو سُفْيَان عَدو الله الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك من غير عقد وَلَا عهد قَالَ الْعَبَّاس ثمَّ عدا فركضتُ البغلة فسبقته بِمَا تسبق البغلة الرجل البطيء فَدخل بِهِ على رَسُول الله
فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد أجرته فَقَالَ
اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاس إِلَى رحلك فَإِذا أَصبَحت فَأتني بِهِ فَذهب فَلَمَّا أصبح غَدا بِهِ على رَسُول الله
فَوقف عمر بن الْخطاب على رَأسه وَقَالَ دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عُنُقه فَقَالَ الْعَبَّاس أما إِنَّه لَو كَانَ من آل الْخطاب لما قلت هَذَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمَكَ وأكرمك وأوصَلَكَ قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم إِنِّي رَسُول الله فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمَكَ وأكرمك وأوصَلَكَ أما هَذِه فَفِي النَّفس مِنْهَا شَيْء فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس وَيحك أسلم واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قبل أَن تضرب عُنُقك فَأسلم وَشهد شَهَادَة الْحق وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي(2/256)
حِينَئِذٍ فَمَا أصنع بالعُزى فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ تخرأ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان إِنَّك يَا ابْن الْخطاب رجل فَاحش وَلم أخاطبك إِنَّمَا أخاطب ابْن عمي فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله
إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا قَالَ نعم وَأمر
فَنَادَى مناديه من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن إِلَّا المستثنين وهم كَمَا قَالَه مغلطاي وَغَيره عبد الله بن سعد بن أبي سرح أسلم وَابْن خَطَلٍ قَتله أَبُو بَرزَة وقينتاه وهما فَرتَنَا بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَة وَالرَّاء الساكنة والمثناة الْفَوْقِيَّة وَالنُّون وقُلَيبَة بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَة مُصَغرًا أسلمت إِحْدَاهمَا وَقتلت الْأُخْرَى وسَارَة مولاة لبني الْمطلب وَيُقَال كَانَت مولاة عمر بن ضبع بن هِشَام وأرْنَب علم امْرَأَة وقرينة قتلت وَعِكْرِمَة بن أبي جهل أسلم والْحَارث بن نفَيْل قَتله عَليّ وَمقيس بن صُبَابة بِمُهْملَة مَضْمُومَة وموحدتين الأولى خَفِيفَة قَتله نميلَة اللَّيْثِيّ وَهَبَّار بن الْأسود أسلم وَهُوَ الَّذِي عرض لِزَيْنَب بنت رَسُول الله
حِين هَاجَرت فَنَخَسَ بَعِيرهَا حَتَّى سقطَت على صَخْرَة وأسقطت جَنِينهَا وَكَعب بن زُهَيْر أسلم وَهِنْد بنت عتبَة أسلمت وَوَحْشِي بن حَرْب أسلم انْتهى وَابْن خَطَلٍ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَابْن نُقَيدٍ بِضَم النُّون وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة آخِره دَال مُهْملَة وَقد جمع الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه أَسمَاء من لم يُؤمن يَوْم الْفَتْح وَأمر بقتل عشرَة أنفس سِتَّة رجال وَأَرْبع نسْوَة روى أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أقبل رَسُول الله
وَقد بعث على إِحْدَى المجنبتين خَالِد بن الْوَلِيد وَبعث الزبير على الْأُخْرَى وَبعث أَبَا عُبَيْدَة على الحُسر بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة أَي الَّذين بِغَيْر سلَاح فَقَالَ لي يَا أَبَا هُرَيْرَة اهتف لي بالأنصار فهتفت بهم فَجَاءُوا فطافوا بِهِ فَقَالَ لَهُم ترَوْنَ إِلَى أوباش قُرَيْش وأتباعهم فَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى احصدوهم حصداً حَتَّى توافوني بالصفا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَانْطَلَقْنَا فَمَا نشَاء أَن نقْتل أحدا مِنْهُم إِلَّا قَتَلْنَاهُ فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ يَا رَسُول الله أُبيحت خضراء قُرَيْش لَا قّريشَ بعد الْيَوْم فَقَالَ
من أغلق بَابه(2/257)
فَهُوَ آمن قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَقد تمسك بِهِ من قَالَ إِن مَكَّة فتحت عنْوَة وَهُوَ قَول الْأَكْثَر وَعَن الشَّافِعِي وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد إِنَّهَا فتحت صلحا لما وَقع من هَذَا التَّأْمِين ولإضافة الدّور إِلَى أَهلهَا لِأَنَّهَا لم تقسم وَلِأَن الْغَانِمين لم يملكُوا دورها وَإِلَّا لجَاز إِخْرَاج أهل الدّور مِنْهَا وَحجَّة الْأَوَّلين مَا وَقع التَّصْرِيح بِهِ من الْأَمر بِالْقِتَالِ ووقوعه بِخَالِد بن الْوَلِيد وبتصريحه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَنَّهَا أحلتْ لَهُ سَاعَة من نَهَار وَنَهْيه عَن التأسي بِهِ فِي ذَلِك وَأَجَابُوا عَن ترك الْقِسْمَة بِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم عدم الْقِسْمَة وَقد تفتح الْبَلَد عنْوَة ويمن على أَهلهَا وتترك لَهُم دُورهمْ قَالَ وَأما قَول النَّوَوِيّ وَاحْتج الشَّافِعِي بالأحاديث الْمَشْهُورَة أَن النَّبِي
صَالحهمْ على مر الظهْرَان قبل دُخُول مَكَّة فَفِيهِ نظر لِأَن الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِن كَانَ مُرَاده مَا وَقع من قَوْله
من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن كَمَا تقدم وَكَذَا من دخل الْمَسْجِد كَمَا عِنْد ابْن إِسْحَاق فَإِن ذَلِك لَا يُسمى صلحا إِلَّا إِذا الْتزم من أَشَارَ إِلَيْهِ بذلك الْكَفّ عَن الْقِتَال وَالَّذِي ورد فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ظَاهر فِي أَن قُريْشًا لم يلتزموا ذَلِك لأَنهم اسْتَعدوا للحرب وَإِن كَانَ مُرَاده بِالصُّلْحِ وقوعَ عقده فَهَذَا لم ينْقل وَمَا أَظُنهُ عَنى إِلَّا الِاحْتِمَال الأول وَفِيه مَا ذكرته انْتهى ثمَّ دخل
فِي كتيبته الخضراء وَهُوَ على نَاقَته الْقَصْوَاء بَين أبي بكر وَأسيد بن حضير فَرَأى أَبُو سُفْيَان مَا لَا قبل لَهُ بُد فَقَالَ للْعَبَّاس يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح مَالك ابْن أَخِيك عَظِيما فَقَالَ الْعَبَّاس وَيحك إِنَّه لَيْسَ بملكٍ وَلكنهَا النُّبُوَّة قَالَ نعم روى أَنه
وضع رَأسه تواضعاً لله لما رأى مَا أكْرمه الله بِهِ من الْفَتْح حَتَّى إِن رَأسه ليكاد يُمْسِي مقدم رَحْله شكرا وخضوعاً لعظمته إِذْ أحل لَهُ بَلَده وَلم يحله(2/258)
لأحد قبله وَلَا لأحد بعده وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي
دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وعَلى رَأسه المِغْفَرُ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرَّأْس وَفِي الْمُحكم هُوَ مَا يَجْعَل من فضل درع الْحَدِيد على الرَّأْس مثل القلنسوة فَلَمَّا نَزعه جَاءَهُ رجل فَقَالَ ابْن خطل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَالَ اقتله وَفِي حَدِيث سعيد بن يَرْبُوع عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم أَن رَسُول الله
قَالَ أَرْبَعَة لَا نؤمنهم لَا فِي حل وَلَا فِي حرم الْحُوَيْرِث بن نُقيد وهلال بن خطل وَمقيس بن صُبَابة وَعبد الله بن أبي سرح قَالَ فَأَما هِلَال بن خطل فَقتله الزبير ... الحَدِيث وَحَدِيث سعد بن أبي وَقاص عِنْد الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل نَحوه قَالَ أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَانِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَذكره لَكِن قَالَ عبد الله بن خطل بدل هِلَال وَقَالَ عِكْرِمَة بدل الْحُوَيْرِث وَلم يسم الْمَرْأَتَيْنِ وَقَالَ فَأَما عبد الله بن خطل فَأدْرك وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَاسْتَبق إِلَيْهِ سعيد بن حُرَيْث وعمار بن يَاسر فَسبق سعيد عماراً وَكَانَ أشب الرجلَيْن فَقتله الحَدِيث وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَن أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قتل ابْن خطل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة // (وَإِسْنَاده صَحِيح مَعَ إرْسَاله) // وَرَوَاهُ أَحْمد من وَجه آخر وَهُوَ أصح مَا ورد فِي تعْيين قَاتله وَبِه جزم البلاذري وَغَيره من أهل الْأَخْبَار وَتحمل بَقِيَّة الرِّوَايَات على أَنهم ابتدروا قَتله وَكَانَ الْمُبَاشر لَهُ مِنْهُم أَبُو بَرزَة وَيحْتَمل أَن يكون غَيره شَاركهُ فِيهِ فقد جزم ابْن هِشَام فِي السِّيرَة بِأَن سعيد بن حُرَيْث(2/259)
وَأَبا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِيهِ وَإِنَّمَا أَمر بقتل ابْن خطل لِأَنَّهُ كَانَ مُسلما فَبَعثه
مُصدقا يعْنى لأخذ الصَّدقَات وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَه مولى يَخْدمه وَكَانَ مُسلما وَنزل منزلا فَأمر الْمولى أَن يذبح تَيْسًا ويصنع لَهُ طَعَاما ونام فَاسْتَيْقَظَ وَلم يصنع لَهُ شَيْئا فَعدا عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله
وَأما الْجمع بَين الْأَقْوَال فِي اسْمه أَنه كَانَ يُسمى عبد الْعُزَّى فَلَمَّا أسلم سمى عبد الله وَأما من قَالَ هِلَال فألبس عَلَيْهِ بِأَخ لَهُ اسْمه هِلَال وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من حَدِيث مُصعب لما كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمن رَسُول الله
النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر فَذكرهمْ ثمَّ قَالَ وَأما ابْن أبي سرح فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله
النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ على رَسُول الله
فَقَالَ يَا نَبِي الله بَايع عبد الله فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ثَلَاث ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ أما كَانَ رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين كَفَفْت عَن بيعَته يقْتله فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا قَالَ إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين. . الحَدِيث قَالَ مَالك كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلم يكن رَسُول الله
فِيمَا نرى يَوْمئِذٍ محرما انْتهى وَقَول مَالك هَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك جَازِمًا بِهِ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَرِيب وَيشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر
يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سوداءُ بِغَيْر إحرامِ وروى ابْن أبي شيبَة // (بِإِسْنَاد صَحِيح) // عَن طَاوس قَالَ لم يدْخل النَّبِي
مَكَّة إِلَّا محرما إِلَّا يَوْم فتح مَكَّة(2/260)
وَقد اخْتلف الْعلمَاء هَل يجبُ على من دخل مَكَّة الْإِحْرَام أم لَا فَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي أَن من قَصدهَا لغير النّسك لَا يجبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَام مُطلقًا وَفِي قَول يجب إِن لم يتَكَرَّر دُخُوله كحطاب وحشاش وصياد وَالْمَشْهُور عَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة الْوُجُوب وَفِي رِوَايَة عَن كل مِنْهُم لَا يجب وَجزم بِهِ الْحَنَابِلَة باستثناء ذوى الْحَاجَات المتكررة وَاسْتثنى الْحَنَفِيَّة من كَانَ دَاخل الْمِيقَات وَالله أعلم وَقد زعم الْحَاكِم فِي الإكليل أَن بَين حَدِيث أنس فِي المغفر وَبَين حَدِيث جَابر فِي الْعِمَامَة السَّوْدَاء مُعَارضة وتعقبوه بِاحْتِمَال أَن يكون أول دُخُوله كَانَ على رَأسه المغفر ثمَّ أزاله وَلبس الْعِمَامَة بعد ذَلِك فَحكى كل مِنْهُمَا مَا رَآهُ وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث أَنه خطب النَّاس وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء أخرجه مُسلم أَيْضا وَكَانَت الْخطْبَة عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَذَلِكَ بعد تَمام الدُّخُول وَهَذَا الْجمع للْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ غَيره يجمع بِأَن الْعِمَامَة السَّوْدَاء كَانَت ملفوفة فَوق المغفر وَكَانَت تَحت المغفر وقاية لرأسه الشريف من صدأ الْحَدِيد فَأَرَادَ أنس بِذكر المغفر كَونه دخل متأهباً للحرب وَأَرَادَ جَابر بِذكر الْعِمَامَة كَونه دخل غير محرم وَفِي البُخَارِيّ عَن أُسَامَة بن زيد أَنه قَالَ زمن الْفَتْح يَا رَسُول الله أَيْن تنزل بِنَا غَدا قَالَ
وَهل ترك لنا عَقِيلٌ من منزل وَفِي رِوَايَة هَل ترك لنا عَقِيلٌ من رباع أَو دور وَكَانَ عقيلٌ ورث أَبَا طَالب وطالباً وَلم يرثْ عَليّ وَلَا جَعْفَر شَيْئا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسلمين وَكَانَ عقيل وطالب كافرينِ إِذْ ذَاك فَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لَا يَرث الْكَافِر الْمُؤمن وَلَا الْمُؤمن الْكَافِر وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام منزلنا إِن شَاءَ الله إِذا فتح(2/261)
الله الْخيف حَيْثُ تقاسموا على الْكفْر يعْنى بِهِ المحصب وَذَلِكَ أَن قُريْشًا وكنانة تحالفت على بني هَاشم وَالْمطلب أَلا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم حَتَّى يسلمُوا إِلَيْهِم النَّبِي
كَمَا تقدم وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ أَن يَوْم فتح مَكَّة اغْتسل فِي بَيت أم هانىء ثمَّ صلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات قَالَت لم أره صلى صَلَاة أخف مِنْهَا غير أَنه يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وأجارت أم هانىء حموين لَهَا فَقَالَ النَّبِي
قد أجرنا من أجرت يَا أم هانىء وَالرجلَانِ الْحَارِث بن هِشَام وَزُهَيْر بن أُميَّة بن الْمُغيرَة كَمَا قَالَ ابْن هِشَام وَقد كَانَ أَخُوهَا عَليّ بن أبي طَالب أَرَادَ أَن يقتلهما فأغلقتْ عَلَيْهِمَا بَاب بَيتهَا وَذَهَبت إِلَى النَّبِي
وَلما كَانَ الْغَد من يَوْم الْفَتْح قَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَطِيبًا فِي النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ومجده بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن لله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات والأرضَ فهى حرَام بِحرْمَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يحل لامرىء يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يسفك بهَا دَمًا أَو يَعضُدَ بهَا شَجَرَة فَإِن أحد ترخص فِيهَا لقِتَال فَقولُوا إِن الله أذن لرَسُوله وَلم يَأْذَن لكم وَإِنَّمَا أحلَّتْ لي سَاعَة من نَهَار وَقد عَادَتْ حرمتهَا الْيَوْم كحرمتها بالْأَمْس فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش مَا ترَوْنَ أَنِّي فَاعل فِيكُم قَالُوا خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء أَي الَّذين أطْلقُوا فَلم يسترقوا وَلم يؤسروا والطليق الْأَسير إِذا أطلق وَالْمرَاد بالساعة الَّتِي أحلتْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا بَين أول النَّهَار وَدخُول الْعَصْر كَذَا قَالَه فِي فتح الْبَارِي قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَلَقَد أَجَاد الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد السَّرقسْطِي حَيْثُ يَقُول فِي قصيدته الْمَشْهُورَة // (من الْبَسِيط) //
(وَيَوْم مكَّة إذْ أشرفْتَ فِي أممٍ ... يضيقُ عَنْهَا فِجَاجُ الوَعْثِ والسهلِ)(2/262)
(خوافقٌ ضَاقَ ذَرْعُ الخافقَيْنِ بهَا ... فِي قائمٍ من عَجَاجِ الخَيْلِ والإِبلِ ... )
(وَجَحْفَلٍ قَذَفَ الأرْجَاءَ ذِي لَجَبٍ ... عَرَمرَمٍ كَزُهَاءِ الليلِ مُنْسَجِلِ)
(وأنتَ صلَّى عليكَ الله تقدمُهُمْ ... فِي بَهْوِ إشراقِ نورٍ مِنْك مُكْتَمِلِ)
(تنيرُ فوقَ أغرِّ الوجهِ منتجبٍ ... متوِّجٍ بعزيزِ النَّصْرِ مُقْتبلِ)
(تسمو أمامَ جنودِ الله مُرْتدياً ... ثوبَ الوَقَارِ لأمرِ اللهِ ممتثلِ)
(خَشَعْتَ تحْتَ بهاء العزِّ حِين سمَتْ ... بكَ المهابةُ فعلَ الخائفِ الوَجِلِ)
(وَقد تباشرْنَ أملاكُ السماءِ بِمَا ... مَلَكْتَ إِذْ نلْتَ مِنْهُ غايةَ الأملِ)
(والأرضُ تَرْجِفُ من زَهْوٍ وَمن فَرَقٍ ... والجوُّ يُزْهِرُ إشراقاً من الجَذَلِ)
(والخيلُ تَخْتَألُ زهواً فِي أَعِنَّتها ... والعيشُ يَنْثَالُ زَهْواً فِي ثنى الجدلِ)
(لَوْلَا الَّذِي خطَّتِ الأقلامُ من قدرٍ ... وسابقٍ مِنْ قضاءٍ غيرِ ذِي حولِ)
(أهلِّ ثهلانُ بالتهليلِ من طربٍ ... وذابَ يذبلُ تهليلاً من الذبلِ)
(المُلكُ لله هَذَا عزَ من عقدَتْ ... لَهُ النبوَّةُ فوقَ العرشِ فِي الأزلِ)
(شعبتَ صدْعَ قريشٍ بعد مَا قذفَتْ ... بهمْ شعوبٌ شعابَ السهلِ والقللِ)
(قَالُوا محمدُ قد زارَتء كتائبُه ... كالأسْدِ تزأرُ فِي أنيابِهِ العصلِ)
(فويلَ مكَّةَ من آثارِ وطأتِهِ ... وويلَ أم قريشٍ من جوى الهبلِ)
(فجدت عفوا بفضلِ العفوِ منكَ ولمْ ... تلممْ وَلَا بأليمِ اللومِ والعذلِ)
(ضربْتَ بالصفحِ صفحاً عَن غوائِلِهِمْ ... طولا أطالَ مقيل النومِ فِي المقلِ)
(رحمتَ واشج أرحامٍ أتيحَ لَهَا ... تحتَ الوشيجِ نَسِيج الروعِ والوجلِ)
(عاذوا بظلِّ كريمِ الْعَفو ذِي لطفٍٍ ... مباركِ الوجْهِ بالتوفيقِ مشتملِ)
(أزكى الخليقةِ أَخْلَاقًا وأظْهرها ... وأَكْرَم الناسِ صفحاً عَن ذوى الزلل)
(وطفْت بِالْبَيْتِ محبوراً وطافَ بِهِ ... مَنْ كانَ عَنهُ قبيل الفتحِ فِي شغلِ)
والجحفل الْجَيْش الْعَظِيم قذف الأرجاء أَي متباعدها واللجب بِالْجِيم الضجة من كَثْرَة الْأَصْوَات والعرمرم الضخم الْكثير الْعدَد وَقَوله كزهاء اللَّيْل شبهه بِاللَّيْلِ فِي سَده الْأُفق واسوداده بِالسِّلَاحِ والمنسحل بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَاضِي فِي سيره يتبع بعضه بَعْضًا قَوْله فِي بهو إشراق نور شبه(2/263)
الَّذِي يَغْشَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببهو أحَاط بِهِ والبهو الْبناء العالي كالإيوان وَنَحْوه والمنتجب المتخير من أصل نجيب كريم المقتبل الْمُسْتَقْبل ترجف تهتز والزهو الخفة من الطَّرب يَعْنِي أَن الأَرْض اهتزت فَرحا بِهَذَا الْجَيْش وفرقاً من صولته أَي كَادَت تهتز قَالَ تَعَالَى {إِذ جَاءُوكم مِن فَوقكِم وَمِن أسفَلَ مِنكُم وَإِذ زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الحنجر} أَي كَادَت تبلغ الجدل جمع جديل وَهُوَ الزِّمَام المضفور وَثني الجدل مَا انثنى على أَعْنَاق الْإِبِل أَي انعطف وثهلان جبل مَعْرُوف وأهَلَ رفع صَوته ويذبلُ جبل أَيْضا والذبل الرماح الذوابل وَهِي الَّتِي لم تقطع من منابتها حَتَّى ذبلت أَي جَفتْ ويبست وتهليلاً أَي جبنا وفزعاً يَعْنِي لَوْلَا مَا سبق من تَقْدِير الله أَن الْجبَال لَا تنطق لرفع ثهلان صَوته وَهَلل من الطَّرب ولذاب يذبل من الْجزع وَالْفرق وَقَوله شعبت أَي جمعت وأصلحت وقذفت أَي فرقت بهم مَخَافَة شعوب وشعوب اسْم للمنية لِأَنَّهَا تفرق الْجَمَاعَات من شعبت أَي فرقت وَهُوَ من الأضداد والشعاب الطّرق فِي الْجبَال والسهل خلاف الْجَبَل والقلل رُءُوس الْجبَال يَعْنِي أَنه
عَفا عَنْهُم بَعْدَمَا تصدعوا أَي تفَرقُوا وهربوا من خَوفه إِلَى كل سهل وجبل وَقَوله كالأسد تزأر فِي أنيابها العصل أَي المعوجة وَالله أعلم وَلما فتح الله مَكَّة على رَسُوله
قَالَ الْأَنْصَار فِيمَا بَينهم أتَرَوْنَ أَن رَسُول الله
إِذْ فتح الله عَلَيْهِ أرضه وبلده يقيمُ بهَا وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَدْعُو على الصَّفَا رَافعا يَدَيْهِ فَلَمَّا فرغ من دُعَائِهِ قَالَ مَاذَا قُلْتُمْ قَالُوا لَا شَيْء يَا رَسُول الله فَلم يزل بهم حَتَّى أَخْبرُوهُ فَقَالَ
معَاذ الله الْمحيا محياكم والمماتُ مماتكم وهَم فضَالة بن عُمَيْر بن الملوح أَن يقتل رَسُول الله
وَهُوَ(2/264)
يطوف بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دنا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُول الله
أفضالة قَالَ نَعَمْ يَا رَسُول الله قَالَ مَاذَا كنت تحدَّثُ بِهِ نَفسك قَالَ لَا شَيْء كنت أذكر الله فَضَحِك رَسُول الله
ثمَّ قَالَ اسْتغْفر الله ثمَّ وضع يَده على صَدره فسكن قلبه وَكَانَ فضَالة يَقُول وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا خلق الله شَيْئا أحب إِلَيّ مِنْهُ وَطَاف
بِالْبَيْتِ يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من رَمَضَان وَكَانَ حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنماً فَكلما مر بصنم أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَضِيبِهِ وَهُوَ يَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً فَيَقَع الصَّنَم لوجهه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي رِوَايَة أبي نعيم قد ألزقها الشَّيَاطِين بالرصاص والنحاس وَفِي تَفْسِير الْعَلامَة ابْن النَّقِيب الْمَقْدِسِي أَن الله تَعَالَى لما أعلمهُ بِأَنَّهُ قد أنْجز لَهُ وعده بالنصر على أعدائه وفتحه مَكَّة وإعلائه كلمة دينه أمره إِذا دخل مَكَّة أَن يَقُول وَقل جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَصَارَ
يطعن الْأَصْنَام الَّتِي حول الْكَعْبَة بِمِحْجَنِهِ وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فيخر الصَّنَم سَاقِطا مَعَ أَنَّهَا كَانَت كلهَا مثبتة بالحديد والرصاص وَكَانَت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً بِعَدَد أَيَّام السّنة قَالَ وَفِي معنى الْحق وَالْبَاطِل لعلماء التَّفْسِير أَقْوَال قَالَ قَتَادَة جَاءَ الْحق الْقُرْآن وَذهب الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن جريج جَاءَ الْجِهَاد وَذهب الشّرك وَقَالَ مقَاتل جَاءَت عبَادَة الله وَذَهَبت عبَادَة الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن عَبَّاس وجد رَسُول الله
يَوْم الْفَتْح حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً كَانَت لقبائل الْعَرَب يحجون إِلَيْهَا وينحرون لَهَا فَشَكا الْبَيْت إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ أَي ربِّ حَتَّى مَتى تعبد هَذِه الْأَصْنَام حَولي دُونك فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي(2/265)
سأحدث لَك نوبَة جَدِيدَة يدفُّونَ إِلَيْك دفوف النسور ويحنون إِلَيْك حنين الطير إِلَى بيضها لَهُم عجيج حولك بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ وَلما نزلت الْآيَة يَوْم الْفَتْح قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لرَسُول الله
خُذ مخصرتك ثمَّ ألقها فَجعل يَأْتِي الصَّنَم فيطعن فِي عينه أَو بَطْنه بمخصرته وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَينكب الصَّنَم لوجهه حَتَّى أَلْقَاهَا جَمِيعًا وَبَقِي صنم خُزَاعَة فَوق الْكَعْبَة وَكَانَ من قَوَارِير صفر فَقَالَ يَا عَليّ ارمِ بِهِ فَحَمله عَليّ حَتَّى صعد ورمَى بِهِ وكسره فَجعل أهل مَكَّة يتعجبون مِنْهُ انْتهى وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما قدم
أَبى أَن يدْخل الْبَيْت وَفِيه الْآلهَة فَأمر بهَا فأخرجَتْ فأخرجوا صُورَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل فِي أَيْدِيهِمَا الأزلام يَعْنِي القداح الَّتِي كَانُوا يستقسمون بهَا فَقَالَ رَسُول الله
قَاتلهم الله أما وَالله لقد علمُوا أَنَّهُمَا لم يستقسما بهَا قطّ فَدخل الْبَيْت وَكبر فِي نواحيه وَلم يصل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَعَن ابْن عمر قَالَ أقبل رَسُول الله
عَام الْفَتْح على نَاقَته القَصْوَاء وَهُوَ مردف أُسَامَة حَتَّى أَنَاخَ بِفنَاء الْكَعْبَة ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن طَلْحَة فَقَالَ ائْتِنِي بالمفتاح فَذهب إِلَى أمه فَأَبت أَن تعطيه فَقَالَ لتعطينه أَو ليخرجن هَذَا السَّيْف من صلبي فَأَعْطَتْهُ إِيَّاه فجَاء بِهِ إِلَى النَّبِي
فَدفعهُ إِلَيْهِ فَفتح الْبَاب رَوَاهُ مُسلم وروى الفاكهي من طَرِيق ضَعِيفَة عَن ابْن عمر أَيْضا قَالَ كَانَ بَنو طَلْحَة يَزْعمُونَ أَنه لَا يَسْتَطِيع أحد فتح الْكَعْبَة غَيرهم فَأخذ رَسُول الله
الْمِفْتَاح فَفَتحهَا بِيَدِهِ وَعُثْمَان الْمَذْكُور هُوَ عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بن عبد الْعزي وَيُقَال لَهُ الحَجَبي بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْجِيم وَبَنوهُ يعْرفُونَ الْآن بالشيبيين نِسْبَة إِلَى شيبَة بن عُثْمَان ابْن أبي طَلْحَة وَهُوَ ابْن عَم عُثْمَان وَعُثْمَان هَذَا لَا وَلَدَ لَهُ وَله صُحْبَة وَرِوَايَة وَاسم أم عُثْمَان سُلآفَة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء(2/266)
وَفِي الطَّبَقَات لِابْنِ سعد عَن عُثْمَان بن طَلْحَة قَالَ كُنَّا نفتح الْكَعْبَة فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأقبل النَّبِي
يَوْمًا يُرِيد أَن يدْخل الْكَعْبَة مَعَ النَّاس فأغلطت لَهُ ونلت مِنْهُ فحلم عَليّ ثمَّ قَالَ يَا عُثْمَان لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شئتُ فَقلت لقد هلكَتْ قُرَيْش يَوْمئِذٍ وذلَتْ قَالَ بل عمرت وعزت يَوْمئِذٍ وَدخل الْكَعْبَة فوَقعت كَلمته مني موقعاً ظَنَنْت أَن الْأَمر يَوْمئِذٍ سيصير إِلَى مَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح قَالَ يَا عُثْمَان ائْتِنِي بالمفتاح فَأَتَيْته بِهِ فَأَخذه منى ثمَّ دَفعه إِلَيّ وَقَالَ خذوها خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم يَا عُثْمَان إِن الله استأمنكم على بَيته فَكُلُوا مِمَّا يصل إِلَيْكُم من هَذَا الْبَيْت بِالْمَعْرُوفِ فَلَمَّا وليت ناداني فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقَالَ ألم يكن الَّذِي قلت لَك قَالَ فَذكرت قَوْله فِي بِمَكَّة قبيل الْهِجْرَة لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت قلت بلَى أشهد أَنَّك رَسُول الله وَفِي التفسر أَن هَذِه الْآيَة {إِن اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} نزلت فِي عُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يَأْتِيهِ بمفتاح الْكَعْبَة فَأبى عَلَيْهِ وأغلق بَاب الْبَيْت وَصعد إِلَى السَّطْح وَقَالَ لَو علمت أَنه رَسُول الله
لم أمْنَعهُ فَلوى عَليّ يَده وَأخذ مِنْهُ الْمِفْتَاح وَفتح الْبَاب قلت يتَعَيَّن أَن يكون المُرَاد بِالْبَيْتِ فِي وأغلق بَاب الْبَيْت بيتَ نفسِهِ إِذْ لَو كَانَ المُرَاد بِالْبَيْتِ الْكَعْبَة لَا يُمكن عليا كرم الله وَجهه لَيُ يَده وَأما فِي بَيت نَفسه فَيمكن ذَلِك بِنَحْوِ قلع الْبَاب أَو كَسره وَالله أعلم فَدخل
الْبَيْت فَلَمَّا خرج سَأَلَهُ الْعَبَّاس أَن يُعْطِيهِ الْمِفْتَاح وَيجمع لَهُ بَين السِّقَايَة والسدانة فَأنْزل الله الْآيَة وَأمر
عليا أَن يرد الْمِفْتَاح إِلَى عُثْمَان وَيعْتَذر إِلَيْهِ فَفعل ذَلِك عَليّ فَقَالَ أكرهت وَآذَيْت ثمَّ جِئْت ترفق فَقَالَ عَليّ لقد أنزل الله فِي شَأْنك وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة فَقَالَ عُثْمَان أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فجَاء جِبْرِيل فَقَالَ مَا دَامَ هَذَا الْبَيْت أَو لبنة من لبنَاته قَائِمَة فَإِن الْمِفْتَاح والسدانة فِي أَوْلَاد عُثْمَان فَكَانَ الْمِفْتَاح مَعَه فَلَمَّا مَاتَ دَفعه إِلَى شيبَة فالمفتاح والسدانة فِي(2/267)
أَوْلَادهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ ابْن ظفر فِي ينبوع الْحَيَاة قَوْله وَلَو أعلم أَنه رَسُول الله لم أمْنَعهُ هَذَا وهم لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن أسلم فَلَو قَالَ هَذَا كَانَ مُرْتَدا وَعَن الْكَلْبِيّ لما طلب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمِفْتَاح من عُثْمَان مد بِهِ يَده إِلَيْهِ فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله اجْعَلْهَا مَعَ السِّقَايَة فَقبض عُثْمَان يَده بالمفتاح فَقَالَ لَهُ
إِن كنت يَا عُثْمَان تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فهاته فَقَالَ هاكه بالأمانة فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَنزلت الْآيَة قَالَ ابْن ظفر وَهَذَا أولى بِالْقبُولِ وَفِي رِوَايَة لمُسلم دخل رَسُول الله
هُوَ وَأُسَامَة بن زيد وبلال وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي فأغلقوا عَلَيْهِم الْبَاب قَالَ ابْن عمر فَلَمَّا فتحُوا كنت أول من ولج فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلته هَل صلى فِيهِ رَسُول الله
قَالَ نعم بَين العمودين اليمانيين وَذهب عني أَن أسأله كم صلى وَفِي رِوَايَات البُخَارِيّ جعل عموداً عَن يسَاره وعموداً عَن يَمِينه وَثَلَاثَة أعمدة وَرَاءه وَلَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالفَة لَكِن قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ على سِتَّة أعمدة كَأَنَّهُ يشْعر بِكَوْن مَا عَن يَمِينه أَو يسَاره كَانَ اثْنَيْنِ وَلِهَذَا أعقبه البُخَارِيّ بِرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس الَّتِي قَالَ فِيهَا عمودين عَن يَمِينه وَيُمكن الْجَمِيع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ حَيْثُ ثَنَّى أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْبَيْت فِي زَمَنه
وَحَيْثُ أفرد أَشَارَ إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ بعد ذَلِك ويرشد إِلَيْهِ قَوْله وَكَانَ الْبَيْت يومئد لِأَن فِيهِ إشعاراً بِأَنَّهُ تغير عَن هَيئته الأولى وَيحْتَمل أَن يُقَال لم تكن الأعمدة الثَّلَاثَة على سمت وَاحِد بل اثْنَان على سمت وَالثَّالِث على غير سمتهما وَلَفظ الْمُتَقَدِّمين فِي إِحْدَى رِوَايَات البُخَارِيّ مشْعر بذلك وَفِي رِوَايَة لمُسلم جعل عمودين عَن يسَاره وعموداً عَن يَمِينه عكس رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي وَبشر بن عَمْرو فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَجمع بعض الْمُتَأَخِّرين بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال تعدد الْوَاقِعَة وَهُوَ بعيد(2/268)
لِاتِّحَاد مخرج الحَدِيث وَقد جزم الْبَيْهَقِيّ بترجيح رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ والقعنبي وَأَبُو مُصعب وَمُحَمّد بن الْحسن وَأَبُو حذافة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي وَابْن مهْدي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا انْتهى مخلصا من فتح الْبَارِي وَقد بَين مُوسَى بن عقبَة فِي رِوَايَته عَن نَافِع أَن بَين موقفه
وَبَين الْجِدَار الَّذِي استقبله قريب من ثَلَاثَة أَذْرع وَجزم بِرَفْع هَذِه الزِّيَادَة مَالك عَن نَافِع فِيمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَزْو وَلَفظه وَصلى بَينه وَبَين الْقبْلَة ثَلَاثَة أَذْرع وَفِي كتاب مَكَّة للفاكهي والأزرقي أَن مُعَاوِيَة سَأَلَ ابْن عمر أَيْن صلى رَسُول الله
فَقَالَ اجْعَل بَيْنك وَبَين الْجِدَار ذراعين أَو ثَلَاثَة فعلى هَذَا يَنْبَغِي لمن أَرَادَ الِاتِّبَاع فِي ذَلِك أَن يَجْعَل بَينه وَبَين الْجِدَار ثَلَاثَة أَذْرع فَإِنَّهُ تقع قدماه فِي مَكَان قَدَمَيْهِ
إِن كَانَ ثَلَاثَة سَوَاء وَتَقَع ركبتاه أَو يَدَاهُ أَو وَجهه فِي مَحلهمَا إِن كَانَ أقل من ثَلَاثَة أَذْرع وَالله أعلم وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَخْبرنِي أُسَامَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما دخل البَيتَ دَعَا فِي نواحيه كلهَا وَلم يصل فِيهِ حَتَّى خرج فَلَمَّا خرج ركع قبل الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ هَذِه الْقبْلَة // (رَوَاهُ مُسلم) // وَالْجمع بَينه وَبَين حَدِيث ابْن عمر أَن أُسَامَة أخبرهُ أَن النَّبِي
صلى فِي الْكَعْبَة كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِأَن أُسَامَة حَيْثُ أثبتها اعْتمد فِي ذَلِك على غَيره وَحَيْثُ نفاها أَرَادَ مَا فِي علمه لكَونه لم يره حِين صلى وبكون ابْن عمر ابْتَدَأَ بِلَالًا بالسؤال ثمَّ أَرَادَ زِيَادَة الاستثبات فِي مَكَان الصَّلَاة فَسَأَلَ أُسَامَة أَيْضا وَقَالَ النَّوَوِيّ قد أجمع أهل الحَدِيث على الْأَخْذ بِرِوَايَة بِلَال لِأَنَّهُ مُثبت فمعه زِيَادَة علم فَوَجَبَ تَرْجِيحه قَالَ وَأما نفي أُسَامَة فَيُشبه أَنهم لما دخلُوا الْكَعْبَة أغلقوا الْبَاب وَاشْتَغلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأى أُسَامَة النَّبِي
يَدْعُو ثمَّ اشْتغل أُسَامَة فِي نَاحيَة من نواحي الْبَيْت(2/269)
وَالنَّبِيّ
فِي نَاحيَة أُخْرَى وبلال قريبٌ مِنْهُ ثمَّ صلى النَّبِي
فَرَآهُ بِلَال لقُرْبه مِنْهُ وَلم يره أُسَامَة لبعده واشتغاله وَكَانَت صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَفِيفَة فَلم يرهَا أُسَامَة لإغلاق الْبَاب مَعَ بعده واشتغاله بِالدُّعَاءِ وَجَاز لَهُ نَفيهَا عملا بظنه وَأما بِلَال فتحققها وَأخْبر بهَا انْتهى وتعقبوه بِمَا يطول ذكره وَأقرب مَا قيل فِي الْجمع أَنه
صلى فِي الْكَعْبَة لما غَابَ عَنهُ أُسَامَة من الْكَعْبَة لأمر نَدبه إِلَيْهِ وَهُوَ أَن يَأْتِي بِمَاء يمحو بِهِ الصُّور الَّتِي كَانَت فِي الْكَعْبَة فَأثْبت الصَّلَاة بِلَال لرُؤْيَته لَهَا ونفاها أُسَامَة لعدم رُؤْيَته وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ دخلت على رَسُول الله
فِي الْكَعْبَة وَرَأى صُورَة فَدَعَا بِدَلْو من مَاء فَأَتَيْته بِهِ فَجعل
يمحوها وَيَقُول قَاتل الله قوما يصورُونَ مَا لَا يخلقون وَرِجَاله ثِقَات وَأفَاد الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة أَن خَالِد بن الْوَلِيد كَانَ على بَاب الْكَعْبَة يذب عَنهُ
النَّاس وَفِي البُخَارِيّ أَنه
أَقَامَ خمس عشرَة لَيْلَة وَفِي رِوَايَة تسع عشرَة وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد سبع عشرَة وَعند التِّرْمِذِيّ ثَمَانِي عشرَة وَفِي الإكليل أَصَحهَا بضع عشرَة يقصر الصَّلَاة وَقَالَ الفاسي فِي تَارِيخ مَكَّة كَانَ فتح مَكَّة لعشر لَيَال بَقينَ من شهر رَمَضَان وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي ذَلِك قَول حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ // (من الوافر) //
(عَفَتْ ذَاتُ الأَصَابعِ فَالْجِوَاءُ ... إِلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلاَءُ)
(دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ)
(وَكَانَتْ لاَ يَزَالُ بِهَأ أَنِيسٌ ... خِلاَلَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ)
(فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ ... يُؤَرِّقُنِي إِذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ)
(لِشَعْثَاءَ الَّتِي قد تَيَّمْتُه ... فَلَيْسَ لِقَلْبِه منْهَا شِفَاءُ)
(كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ)(2/270)
(عَلَى أنيابها أَو طعم غض ... من التفاحِ هصَّره الجناء)
(إِذَا مَا الأشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ... فَهُنَّ لِطَيِّبِ الرَّاحِ الْفِدَاءُ)
(نولِّيهَا الْمَلاَمَةَ إِنْ أَلَمْنَا ... إِذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحاءُ)
(وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكنَا مُلُوكًا ... وَأُسْداً مَا يُنْهْنِهُنَا اللِّقَاءُ)
(عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّفْعَ مَوْعِدُهَأ كَدَاءُ)
(يُنَازِعْنَ الأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الأسَلُ الظِّمَاءُ)
(تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ)
(فَإِمَّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ)
(وَإِلاَّ فَاصْبِروا لِجِلاَدِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ الله فِيهِ مَنْ يَشَاءُ)
(وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ الله فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ)
(وَقَالَ الله قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ إِنْ نَفَعَ الْبَلاَءُ)
(شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ ... فَقُلْتُمْ لاَ نَقُومُ وَلاَ نَشَاءُ)
(وَقَالَ الله قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الأنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ)
(لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قَتَالٌ أوْ هِجَاءُ)
(فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافي مَنْ هَجَانَا ... وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ)
(أَلاَ بلِّغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي ... مُغَلْغَلةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ)
(بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْداً ... وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الإِمَاءُ)
(هَجَوْتَ مُحَمَّداً وَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِندَ اللِه فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ)
(أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيركُمَا الْفِدَاءُ)
(هَجَوْتَ مُبَارَكاً بَرًّا حَنِيفًا ... أَمِينَ الله شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ)
(أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ)
(فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ)
(لِسَانِي صَارِمٌ لاَ عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ)
قَالَ ابْن هِشَام قَالَهَا حسان قبل الْفَتْح وَبَلغنِي عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله
لما رأى النِّسَاء يلطمنَ الْخَيل بِالْخمرِ تَبَسم إِلَى أبي بكر الصّديق(2/271)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أنس بن زنيم الديلِي يعْتَذر إِلَى رَسُول الله
مِمَّا كَانَ قَالَ فيهم عَمْرو بن سَالم الْخُزَاعِيّ // (من الطَّوِيل) //
(أأنْتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بِأَمْرِهِ ... بَلِ اللهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَكَ اشْهَدِ)
(وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحمَّدِ)
(أَحَثَّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلاً ... إِذَا رَاحَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ الْمُهَنَّدِ)
(وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ المُتجَرِّدِ)
(تَعَلَّمْ رَسُولَ الله أَنَّكَ مُدْرِكِي ... وَأَنَّ وَعِيداً مِنْكَ كَالأخْذِ بِالْيَدِ)
(تَعَلَّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قَادِرٌ ... عَلَى كُلِّ صِرْم مُتْهِمِينَ ومُنْجِدِ)
(تَعَلَّمْ بِأَنَّ الرَّكْبَ رَكْبَ عُوَيْمِرٍ ... هُمُ الْكَاذِبُونَ المُخْلِفُو كُلِّ مَوْعِدِ)
(وَنَبَّوْا رَسُولَ الله أَنِّي هَجَوتُهُ ... فَلاً حَمَلَتْ سَوطِي إِلَى إِذَن يَدِي)
(سِوَى أننِي قَد قلت ويل أم فتية ... أصيبوا بنحس لَا بِطَلقٍ وَأسْعُدِ)
(أصَابَهُمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً فَعَزَّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلُّدِي)
(فَإِنَّكَ قَدْ أَخْفَرْتَ إِنْ كُنْتَ سَاعِياً ... بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنَةَ مَهْوَدِ)
(ذُوَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا ... جَمِيعاً فَإِلاَّ تَدْمَعِ الْعَيْنِ أَكْمَدِ)
(وَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيٌّ كَمِثْلِهِ ... وَإِخْوتُهُ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ)
(فَإِنّي لاَ دِينًا فَتَقْتُ وَلاَ دَمًا ... هَرَقْتُ تَبَيَّن عَالِمَ الْحَقِّ وَاقْصدِ)
فَأَجَابَهُ بُدَيل بن عبد منَاف بن أم أَصْرَم فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَزَهُ الْبُكَا ... فَأَلاَّ عَدِيًّا إِذْ تُطَلُّ وَتَبْعُدُ)
(بَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا ... فَتُعْذِرَ إِذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ مُوقِدُ)
(أَصَابَهُمُ يَومَ الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ ... كِرامٌ فَسَلْ مِنْهُمْ نُفَيْلٌ وَمَعْبَدُ)
(هُنَالِكَ إِنْ تُسْفَحْ دُمُوعُكَ لاَ تُلَمْ ... عَلَيْهِمْ وَإِن لَمْ تَدْمَعِ الْعَيْن فَاكْمَدُوا)
قَالَ ابْن هِشَام وَهَذِه الأبيات فِي قصيدة لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ بُجَيرُ بن زُهَيْر بن أبي سلمى فِي يَوْم الْفَتْح // (من الوافر) //
(نَفَى أَهْلَ الْحَبلَّقِ كُلَّ فَجٍّ ... مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِ)(2/272)
(ضَرَبْنَاهُمُ بمَكَّةَ يَوْمَ فَتْح النْنَبِيِّ ... الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ)
(صَبحنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ ... وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافى)
(نَطَا أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا ... وَرَشْقًا بِالْمُرَيَّشَةِ اللِّطَافِ)
(تَرَى بَيْنَ الصُّفُوفِ لَهَا حَفِيفًا ... كَما انْصَاعَ الْفُواقُ مِنَ الرِّصَافِ)
(فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ ... بِأَرْمِاح مُقَوَّمَةِ الثِّقَافِ)
(فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا ... وَآبُوا نَادِمينَ عَلَى الْخِلاَفِ)
(وَأعْطَيْنَا رَسُولَ اللهِ مِنَّا ... مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التَّصَافِي)
(وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمُّوا ... غَدَاةَ الرَّوْعِ مِنَّا بِانْصِرافِ)
وفيهَا غَزْوَة حُنَين بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ وَاد فَوق ذِي الْمجَاز وَقيل بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاث لَيَال قرب الطَّائِف وَتسَمى غَزْوَة هوَازن وَذَلِكَ أَن النَّبِي
لما فرغ من فتح مَكَّة وتمهيدها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا مشت أَشْرَاف هوَازن وَثَقِيف بَعضهم إِلَى بعض وحشدوا وقصدوا محاربة الْمُسلمين وَكَانَ رئيسهم مَالك بن عَوْف النصري فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله
من مَكَّة يَوْم السبت لست لَيَال خلون من شَوَّال فِي اثْنَي عشر ألفا من الْمُسلمين عشرَة آلَاف من أهل الْمَدِينَة وَأَلْفَانِ مِمَّن أسلم من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء يَعْنِي الَّذين خلى عَنْهُم يَوْم فتح مَكَّة وأطلقهم فَلم يسترقَهم واحدهم طليق فعيل بِمَعْنى مفعول وَهُوَ الْأَسير إِذا أطلق سَبيله كَمَا تقدم وَاسْتعْمل
على مَكَّة عتاب بن أسيد وَخرج مَعَه
ثَمَانُون من الْمُشْركين مِنْهُم صَفْوَان بن أُميَّة وَكَانَ
اسْتعَار مِنْهُ مائَة درع بأداتها فوصل إِلَى حنين لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال خلون من شَوَّال فَبعث مَالك بن عَوْف ثَلَاثَة نفر يأتونه بِخَبَر أَصْحَاب رَسُول الله
فَرَجَعُوا إِلَيْهِ وَقد تفرقَت أوصالهم من الرعب وَوجه رَسُول الله
عبد الله بن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ فَدخل عَسْكَرهمْ فَطَافَ بِهِ وَجَاء بخبرهم(2/273)
وَفِي حَدِيث سهل بن الحنظلية عِنْد أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن أَنهم سَارُوا مَعَ رَسُول الله
فأطنبوا السّير فجَاء رجل فَقَالَ انْطَلَقت بَين أَيْدِيكُم حَتَّى طلعت جبل كَذَا وَكَذَا فَإِذا أَنا بهوزان عَن بكرَة أَبِيهِم بظعنهم ونعمهم وشياههم اجْتَمعُوا إِلَى حنين فَتَبَسَّمَ
وَقَالَ تِلْكَ غنيمَة الْمُسلمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله عَن بكرَة أَبِيهِم كلمة للْعَرَب يُرِيدُونَ بهَا الْكَثْرَة وتوفر الْعدَد وَلَيْسَ هُنَاكَ بكرَة فِي الْحَقِيقَة وَهِي الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء فاستعيرَتْ هُنَا وَقَوله بظعنهم أَي بنسائهم واحدتها ظَعِينَة وأصل الظعينة الرَّاحِلَة الَّتِي ترحل ويظعن عَلَيْهَا أَي يسَار وَقيل للْمَرْأَة ظَعِينَة لِأَنَّهَا تظعن مَعَ زَوجهَا حَيْثُ مَا ظعن أَو لِأَنَّهَا تحمل على الرَّاحِلَة إِذا ظعنت وَقيل الظعينة الْمَرْأَة فِي الهودج ثمَّ قيل للْمَرْأَة بِلَا هودج وللهودج بِلَا امْرَأَة ظَعِينَة انْتهى روى يُونُس بن بكير فِي زِيَادَة الْمَغَازِي عَن الرّبيع قَالَ قَالَ رجل يَوْم حنين لن نُغلب الْيَوْم من قِلة فشق ذَلِك على النَّبِي
ثمَّ ركب
بغلته الْبَيْضَاء الدلْدل وَلبس درعين والمغفر والبيضة فَاسْتَقْبَلَهُمْ من هوزان مَا لم يرَوا مثله قَط من السوَاد وَالْكَثْرَة وَذَلِكَ فِي غبش الصُّبْح وَخرجت الْكَتَائِب من مضيق الْوَادي فحملوا حَملَة وَاحِدَة فَانْكَشَفَتْ خيل بني سليم مولية وتبعهم أهل مَكَّة وَالنَّاس فَقَالَ أَخُو صَفْوَان بن أُميَّة غلبت هوَازن لَا يرد هاربهم إِلَّا الْبَحْر فَقَالَ لَهُ صَفْوَان أَخُوهُ بفيكَ الكِثْكِثُ لأنْ يَرُبني رجل من قُرَيْش خير لي من أَن يربنِي رجل من هوَازن رئيسهم مَالك بن عَوْف وَلم يثبت مَعَه
يَوْمئِذٍ إِلَّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وعَلى بن أبي طَالب وَالْفضل بن الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَأَبُو بكر وَعمر وَأُسَامَة بن زيد فِي أنَاس من أهل بَيته وَأَصْحَابه قَالَ الْعَبَّاس وَأَنا آخذ لجام بغلته أكُفها مَخَافَة أَن تصل إِلَى الْعَدو لِأَنَّهُ
كَانَ يتَقَدَّم فِي نحر الْعَدو وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بركابه وَجعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول للْعَبَّاس نَاد يَا معشر الْأَنْصَار يَا أَصْحَاب السمُرَةِ يَعْنِي شَجَرَة بيعَة الرضْوَان الَّتِي بَايعُوهُ تحتهَا إِلَّا يَفروا عَنهُ فَجعل يُنَادي تَارَة يأهل السمرَة(2/274)
وَتارَة يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة وَكَانَ الْعَبَّاس رجلا صيتًا فَلَمَّا سمع الْمُسلمُونَ نِدَاء الْعَبَّاس أَقبلُوا كَأَنَّهُمْ الْإِبِل إِذا حنت على أَوْلَادهَا يَقُولُونَ يَا لبيْك يَا لبيْك فتراجعوا إِلَى رَسُول الله
حَتَّى إِن الرجل مِنْهُم إِذا لم يطاوعه بعيره على الرُّجُوع انحدر عَنهُ وأرسله فَرجع بِنَفسِهِ إِلَى رَسُول الله
فَأَمرهمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الحملة فَاقْتَتلُوا مَعَ الْكفَّار فَأَشْرَف رَسُول الله
فَنظر إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ الْآن حَمِيَ الوَطِيسُ وَهُوَ التنورُ وَلم تسمع من أحد قبل النَّبِي
وَتَنَاول
حَصَيَات من الأَرْض ثمَّ قَالَ شَاهَت الْوُجُوه أَي قبحت وَرمى بهَا فِي وَجه الْمُشْركين فَمَا خلق الله مِنْهُم إنْسَانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ من تِلْكَ القبضة وَفِي رِوَايَة مُسلم قَبْضَة من تُرَاب من الأَرْض فَيحْتَمل أَنه رمى بذا مرّة وبالأخرى أُخْرَى وَيحْتَمل أَن يكون أَخذ قَبْضَة وَاحِدَة مخلوطة من حَصى وتراب وَلأَحْمَد وأبى دَاوُد والدارمي من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري فِي قصَّة حنين فولى الْمُسلمُونَ مُدبرين كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ وليتم مُدبرين} فَقَالَ رَسُول الله
أَنا عبد الله أَنا عبد الله وَرَسُوله ثمَّ اقتحَمَ عَن فرسه وَأخذ كَفاً من تُرَاب قَالَ فَأَخْبرنِي الَّذِي كَانَ أدنى إِلَيْهِ مني أَنه ضرب وُجُوههم وَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى قَالَ يعلى بن عَطاء رِوَايَة عَن أبي همام عَن أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم قَالُوا لم يبْق منا أحد إِلَّا امتلأتْ عَيناهُ وفمه تُرَابا وَسَمعنَا صلصلةَ من السَّمَاء كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد بِالْجِيم قَالَ فِي النِّهَايَة وصف الطست وَهِي مُؤَنّثَة بالجديد وَهُوَ مُذَكّر إِمَّا لِأَن تأنيثها غير حَقِيقِيّ فأوله على الْإِنَاء والظرف أَو لِأَن فعيلاً يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث بِلَا عَلامَة تَأْنِيث كَمَا يُوصف بِهِ الْمُذكر نَحْو امْرَأَة قَتِيل انْتهى وَلأَحْمَد وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود فحادت بِهِ
بغلته فَمَال السرج(2/275)
فَقلت ارْتَفع ارتفعك رفعَكَ الله فَقَالَ ناولني كَفاً من تُرَاب فَضرب وُجُوههم وامتلأت أَعينهم تُرَابا وَجَاء الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار سيوفهم بأيمانهم كَأَنَّهَا الشهب فولى الْمُشْركُونَ الأدبار وروى أَبُو جَعْفَر بن جرير بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن مولى أم برثن عَن رجل كَانَ فِي الْمُشْركين يَوْم حنين قَالَ لما الْتَقَيْنَا نَحن وَأَصْحَاب رَسُول الله
يَوْم حنين لم يقومُوا لنا حلب شَاة فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ جعلنَا نسوقهم فِي آثَارهم حَتَّى انتهينا إِلَى صَاحب البغلة الْبَيْضَاء فَإِذا هُوَ رَسُول الله
قَالَ فتلقانا عِنْده رجال بيض الْوُجُوه حسان فَقَالُوا لنا شَاهَت الْوُجُوه ارْجعُوا قَالَ فَانْهَزَمْنَا وركبوا أكتافنا وَفِي سيرة الدمياطي كَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم حنين عمائم حَمْرَاء أرخَوهَا بَين أكتافهم وَفِي البُخَارِيّ عَن الْبَراء سَأَلَهُ رجل من قيس أَفَرَرْتُم عَن رَسُول الله
فَقَالَ لَكِن رَسُول الله
لم يفر كَانَ هوَازن رُمَاة وَإِنَّا لما حملنَا عَلَيْهِم انكشفوا فأكببنا على الْغَنَائِم فَاسْتقْبلنَا بِالسِّهَامِ وَلَقَد رَأَيْت النَّبِي
على بغلته الْبَيْضَاء وَإِن أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بزمامها يوكلها فيدفعها فِي نحر الْعَدو وَهُوَ يَقُول // (من مجزوء الرجز) //
(أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)
وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن صفة النُّبُوَّة يَسْتَحِيل مَعهَا الْكَذِب فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنا النبيُ والنبيُ لَا يكذب فلستُ بكاذب فِيمَا أَقُول حَتَّى انْهَزمُوا بل أَنا مُتَيَقن أَن الَّذِي وَعَدَني الله بِهِ من النَّصْر حق فَلَا يجوز عَليّ الْفِرَار وَأما مَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع من قَوْله فَارْجِع مُنْهَزِمًا إِلَى قَوْله مَرَرْت على رَسُول الله
مُنْهَزِمًا فَقَالَ لقد رأى ابْن الْأَكْوَع فَزعًا فَقَالَ(2/276)
الْعلمَاء قَوْله مُنْهَزِمًا حَال من ابْن الْأَكْوَع كَمَا صرح أَولا بانهزامه وَلم يرد أَن النَّبِي
انهزَمَ وَقد قَالَت الصَّحَابَة كلهم إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا انهزم وَلم ينْقل أحد قطّ أَنه انهزم فِي موطن من المواطن وَقد نقلوا إِجْمَاع الْمُسلمين على أَنه لَا يجوز أَن يعْتَقد انهزامه
وَلَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِ بل كَانَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذين ببغلته يَكُفَّانها عَن إسراع التَّقَدُّم إِلَى الْعَدو وَقد تقدم فِي غَزْوَة أحد مَا نسب لِابْنِ المرابط من الْمَالِكِيَّة مِمَّا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء أَن من قَالَ إِن النَّبِي
هزم يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وغلا قتل وَإِن الْعَلامَة الْبِسَاطِيّ تعقبه بِمَا لَفظه هَذَا الْقَائِل إِن كَانَ يُخَالف فِي أصل الْمَسْأَلَة يَعْنِي حكم الساب فَلهُ وَجه وَإِن وَافق على أَن الساب لَا تقبل تَوْبَته فمشكل انْتهى قَالَ بَعضهم وَقد كَانَ ركُوبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام البغلة فِي هَذَا الْمحل الَّذِي هُوَ مَوضِع الْحَرْب والطعن وَالضَّرْب تَحْقِيقا لنبوته لما كَانَ الله تَعَالَى خصّه بِهِ من مزِيد الشجَاعَة وَتَمام الْقُوَّة وَإِلَّا فالبغال عَادَة من مراكب الطُّمَأْنِينَة وَلَا يصلح لموطن الْحَرْب فِي الْعَادة إِلَّا الْخَيل فَبين عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الْحَرْب عِنْده كالسلم قوةَ قلب وشجاعة نَفسِ وثقة وتوكلاً على الله تَعَالَى وَقد ركبت الْمَلَائِكَة فِي الْحَرْب مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْخَيل لَا غير لِأَنَّهَا بصدد ذَلِك عرفا دون غَيرهَا من المركوبات وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ فِي الْحَرْب إِلَّا للخيل والسر فِي ذَلِك أَنَّهَا المخلوقة للكر والفر بِخِلَاف البغال وَالْإِبِل انْتهى وَعند ابْن أبي شيبَة من مُرْسل الحكم بن عتيبة لم يبْق مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا أَرْبَعَة نفر ثَلَاثَة من بني هَاشم ورجلاً من غَيرهم عَليّ وَالْعَبَّاس بَين يَدَيْهِ وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بالركاب وَابْن مَسْعُود من الْجَانِب الآخر وَلَيْسَ يقبل نَحوه أحد إِلَّا قتل وَفِي التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث ابْن عمر لقد رَأَيْتنَا يَوْم حنين وَإِن النَّاس لمولون وَمَا مَعَ رَسُول الله
مائَة رجل(2/277)
وَفِي شرح مُسلم للنووي إِنَّه ثَبت مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اثْنَا عشر رجلا وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَول ابْن إِسْحَاق وَوَقع فِي شعر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَن الَّذين ثبتوا مَعَه كَانُوا عشرَة فَقَط وَذَلِكَ لقَوْله // (من الطَّوِيل) //
(نَصَرْنَا رَسُولَ اللهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً ... وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا)
(وَعَاشِرُنَا لآقَى الحِمَامَ بِنَفْسِهِ ... لِمَا مَسَّهُ فِي الله لاَ يَتَوَجُّعُ)
وَقد قَالَ الطَّبَرَانِيّ الانهزام المنهيُّ عَنهُ هُوَ مَا وَقع على غير نِيَّة الْعود وَأما الاستطراد للكرة فَهُوَ كالتحيز إِلَى فِئَة وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام // (من مجزوء الرجز) //
(أَنَّا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَّا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)
فَقَالَ الْعلمَاء إِنَّه لَيْسَ بِشعر لِأَن الشَّاعِر إِنَّمَا سمي شَاعِرًا لوجوه مِنْهَا أَنه شعر الْمَقُول وقصده واهتدى إِلَيْهِ وأتى بِهِ كلَاما مَوْزُونا على طَريقَة الْعَرَب مقفُّى فَإِن خلا من هَذِه الْأَوْصَاف أَو بَعْضهَا لم يكن شعرًا وَلم يكن قَائِله شَاعِرًا وَالنَّبِيّ
لم يقصدْ بِكَلَامِهِ ذَلِك الشّعْر وَلَا أَرَادَهُ فَلَا يعد شعرًا وَإِن كَانَ مَوْزُونا وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا ابْن عبد الْمطلب وَلم يقل أَنا ابْن عبد الله فَأُجِيب بِأَن شهرته بجده كَانَت أَكثر من شهرته بِأَبِيهِ لِأَن أَبَاهُ توفّي فِي حَيَاة أَبِيه عبد الْمطلب قبل مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَ عبد الْمطلب مَشْهُورا شهرة ظَاهِرَة شائعة وَكَانَ سيد قُرَيْش وَكَانَ كثير من النَّاس يدعونَ النَّبِي
ابْن عبد الْمطلب ينسبونه إِلَى جده لشهرته وَمِنْه حَدِيث ضمام بن ثَعْلَبَة فِي قَوْله أَيّكُم ابْن عبد الْمطلب وَقيل غير هَذَا وَأمر النَّبِي
أَن يقتل من قدر عَلَيْهِ وأفضى الْمُسلمُونَ فِي الْقَتْل إِلَى الذُّرِّيَّة فنهاهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن ذَلِك وَقَالَ من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه واستلبَ طَلْحَة وَحده ذَلِك اليومَ عشرينَ رجلا(2/278)
قَالَ ابْن الْقيم فِي الْهَدْي النَّبَوِيّ كَانَ الله تَعَالَى وعد رَسُوله إِذا فتح مَكَّة دخل النَّاس فِي دين الله أَفْوَاجًا ودانت لَهُ الْعَرَب بأسرها فَلَمَّا تمّ الْفَتْح الْمُبين اقْتَضَت حكمته أَن أمسك قُلُوب هوَازن وَمن تبعها عَن الْإِسْلَام وَأَن يتجمعوا ويتألبوا لحربه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ليظْهر أمره تَعَالَى وَتَمام إعزازه لرَسُوله وَنَصره لدينِهِ ولتكون غنائمهم شكراناً لأهل الْفَتْح وليظهر الله تَعَالَى رَسُوله وعباده وقهره لهَذِهِ الشَّوْكَة الْعَظِيمَة الَّتِي لم يلق الْمُسلمُونَ قبلهَا مثلهَا وَلَا يقاومهم بعدُ أحَد من الْعَرَب فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أَن أذاق الْمُسلمُونَ أَولا مرَارَة الْهَزِيمَة والكسرة مَعَ كَثْرَة عَدَدِهْم وعددهم وَقُوَّة شوكتهم ليطامن رُءُوسًا رفعت بِالْفَتْح وَلم تدخل بَلَده وَحرمه كَمَا دخل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاضِعا رَأسه منحنياً على مركوبه تواضعاً لرَبه وخضوعاً لعظمته أَن أحل لَهُ بَلَده وَلم يحله لأحد قبله وَلَا لأحد بعده ليبينَ سُبْحَانَهُ لمن قَالَ لن نُغلب الْيَوْم من قلَّة أَن النَّصْر إِنَّمَا هُوَ من عِنْد الله تَعَالَى وَأَنه من ينصره فَلَا غالبَ لَهُ وَمن يَخْذُلهُ فَلَا نَاصِر لَهُ وَأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تولى نصر رَسُوله وَدينه لَا كثرتكم الَّتِي أَعجبتكُم فَإِنَّهَا لن تغني عَنْكُم شَيْئا فوليتم مُدبرين فَلَمَّا انكسرَتْ قلوبهمِ أرْسلت خلِع الْجَبْر من بريد {أنزَلَ اللهُ سَكيِنتَه عَلىَ رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وَأنزل جُنُودا لم تَرَوْهَا} وَقد اقْتَضَت حكمته تَعَالَى أَن خِلَعَ النصرِ وجوائزه إِنَّمَا تفاض على أهل الانكسار {وَنرُيد أَن نمُنَّ عَلَى الَذِينَ أستُضعِفُوا فيِ الأرضِ} قَالَ وبهاتين الغزاتين أَعنِي حنيناً وبدراً قَاتَلت الْمَلَائِكَة بأنفسها مَعَ الْمُسلمين وَرمى رَسُول الله
وَجه الْمُشْركين فيهمَا انْتهى وَأمر
بِطَلَب الْعَدو فَانْتهى بَعضهم إِلَى الطَّائِف نَحْو نَخْلَة وَقوم مِنْهُم إِلَى أَوْطَاس اسْم مَكَان وَقتل من الْمُشْركين أَكثر من سبعين قَتِيلا وَمِمَّا قيل من الشّعْر فِي غَزْوَة حنين قَول الْعَبَّاس بن مرداس يذكر قَارب بن الْأسود وفراره من بني أَبِيه وَذَا الْخمار وحبسه قومه للْمَوْت // (من الوافر) //
(أَلاَ منْ مُبْلِغ غَيْلاَنَ عَنِّي ... وَسَوْفَ إِخَالُ يَأْتِيهِ الْخَبِيرُ)
(وَعُرْوَةَ إِنَّمَا أُهْدِي جَوَاباً ... وَقَوْلاَ غَيْرَ قَوْلَكُمَا يَسِيرُ)(2/279)
(بِأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدٌ رَسُولٌ ... لِرَبٍّ لاَ يَضِلُّ وَلاَ يَجُورُ)
(وَجَدْنَاهُ نَبِيًّا مِثْلَ مُوسى ... فَكُلُّ فَتًى يُخَايِرُهُ مَخِيرُ)
(وَبِئْسَ الأَمْرُ أَمْرُ بَنِي قَسِيٍّ ... بِوَجٍّ إِذْ تُقُسِّمَتِ الأُمُورُ)
(أَضَاعُوا أَمْرَهُمْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ ... أَمِيرٌ وَالدَّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ)
(فَجِئْنَا أُسْدَ غَابَاتٍ إلَيْهِمْ ... جُنُودُ الله ضَاحِيَةً تَسِيرُ)
(نَؤُمُّ الْجَمْعَ جَمعَ بَنِي قَسيٍّ ... عَلَى حَنَقٍ نَكَادُ لَهُ نَطِيرُ)
(وَأُقْسِمُ لَوْ هُمُو مَكَثُوا لَسِرْنَا ... إِلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ ولَمْ يَغُورُوا)
(فَكُنَّا أُسْدَ لِيَّةَ ثَمَّ حَتَّى ... أَبَحْنَاهَا وأُسْلمتِ النُّصُورُ)
(وَيَومٌ كَانَ قَبْلُ لَدَى حُنَيْنٍ ... فَأَقْلَعَ وَالدَّمَاءُ بِهِ تَمُورُ)
(مِنَ الأَيَّامِ لَمْ تَسْمَعْ كَيَوْمٍ ... وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ قَوْمٌ ذُكُورُ)
(قَتَلْنَا فِي الْغُبَارِ بَنِي حُطَيْطٍ ... عَلَى رَايَاتِهَا والْخَيْلُ زُورُ)
(وَلَمْ يَكُ ذُو الْخِمَارِ رَئيسَ قَوْمٍ ... لَهُمْ عَقْلٌ يُعَاتَبُ أَوْ نَكِيرُ)
(أَقَامَ بِهِمْ عَلَى سَنَنِ الْمَنَايَا ... وَقَد بَانَتْ لمبْصِرِهَا الأُمُورُ)
(فَأفْلَتَ مَنْ نَجَا مِنْهُمْ جَرِيضاً ... وَقُتِّلَ مِنْهُمُ بَشَرٌ كَثِيرُ)
(وَلاَ يُغْنِي الأُمُور أَخُو التَّوَانِي ... وَلاَ الْغَلِقُ الصُّرَيِّرَةُ الْحَصُورُ)
(أَحَانَهُمُ وَحَانَ وَمَلَّكُوهُ ... أُمُورَهُمُ وَأفْلَتَتِ الصُّقُورُ)
(بَنُو عَوْفٍ تَمِيحُ بِهِم جِيَادٌ ... أُهِينَ لَها الْفَصَافِصُ وَالشَّعِيرُ)
(فَلَوْلاَ قَاربٌ وَبَنُو أبِيهِ ... تُقُسِّمَتِ الْمَزَارِعُ والْقُصُورُ)
(وَلكِنَّ الرِّيَاسَةَ عُمِّمُوهَا ... عَلَى يُمْنٍ أشَارَ بِهِ الْمُشِيرُ)
(أطَاعُوا قارِبًا وَلَهُمْ جُدُودٌ ... وَأَحْلاَمٌ إلَى عِزٍّ تَصِيرُ)
(فَإِنْ يُهْدَوْا إِلَى الإِسْلاَمِ يُلْفَوْا ... أُنُوفَ النَّاسِ مَا سَمَرَ السَّمِيرُ)
(وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَهُمُ أَذَانٌ ... بِحَرْبِ اللهِ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيرُ)
(كَمَا حَكَّتْ بَنِي سَعْدٍ وَحَرْبٌ ... بِرهْطِ بَنِي غَزِيَّةَ عَنْقَفِيرُ)
(كَأّنَّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ ... إِلَى الإسْلاَمِ ضَائِنَةٌ تَخُورُ)
(فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ ... وَقَدْ بَرِئَتْ مَنَ الإِحَنِ الصدُورُ)(2/280)
(كَأّنَّ الْقَومَ إِذْ جَاءُوا إِلَيْنَا ... مِنَ الْبَغْضَاءِ بَعْدَ السِّلْمِ عُورُ)
قَالَ ابْن هِشَام غيلَان غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ وَعُرْوَة عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَلما انهزم الْمُشْركُونَ أَتَوا الطَّائِف وَمَعَهُمْ مَالك بن عَوْف وعسكر بَعضهم بأوطاس وَتوجه بَعضهم نَحْو نَخْلَة وَلم يكن فِيمَن توجه نَحْو نَخْلَة إِلَّا بَنو غيرَة من ثَقِيف وتبعت خيل رَسُول الله
من سلك فِي نَخْلَة من النَّاس وَلم تتبع من سلك الثنايا فَأدْرك ربيعةُ بن رفيع بن أهبان بن ثَعْلَبَة بن ربيعَة ابْن يَرْبُوع بن سماك بن عَوْف بن امرىء الْقَيْس وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الدغنة وَهِي أمه فَغلبَتْ على اسْمه وَيُقَال ابْن لذغة فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام دُرَيْد ابْن الصمةِ فَأخذ بِخِطَام جمله وَهُوَ يظنّ أَنه امْرَأَة وَذَلِكَ أَنه فِي شجار لَهُ فَإِذا هُوَ بِرَجُل فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذا شيخ كَبِير فَإِذا هُوَ دُرَيْد بن الصمَّة فتعرفه الْغُلَام فَقَالَ لَهُ دُرَيْد مَاذَا تُرِيدُ بى قَالَ أَقْتلك قَالَ وَمن أَنْت قَالَ أَنا ربيعَة بن رفيع السّلمِيّ ثمَّ ضربه بِسَيْفِهِ فَلم يُغْنِ فِيهِ شَيْئا فَقَالَ بئْسَمَا سلحتك أمك خُذ سَيفي هَذَا من مُؤخر الرحل ثمَّ اضْرِب بِهِ وارفع عَن الْعِظَام واخفض عَن الدِّمَاغ فَإِنِّي كَذَلِك كنت أضْرب الرِّجَال ثمَّ إِذا أتيت أمك فَأَخْبرهَا أَنَّك قد قتلت دُرَيْد بن الصمَّة فَرُب يَوْم قد منعت فِيهِ نِسَاءَك فَزعم بَنو سليم أَن ربيعَة قَالَ لما ضَربته فَوَقع تكشف فَإِذا عجانه وبطون فَخذيهِ مثل القرطاس من ركُوب الْخَيل إعراء فَلَمَّا رَجَعَ ربيعَة إِلَى أمه أخْبرهَا بقتْله إِيَّاه فَقَالَت أما وَالله لقد أعتَقَ أمهاتٍ لكَ ثَلَاثًا وَقَالَت عمْرَة بنت دُرَيْد فِي قتل ربيعَة دريداً // (من الوافر) //
(لَعَمْرُكَ مَا خَشِيتُ عَلَى دُرَيْدٍ ... بِبَطْنِ سُمَيْرَةٍ جَيْشَ الْعَنَاقِ)
(جَزَى عَنهُ الإِلَهُ بَنِي سُلَيْمٍ ... وَعَقَّتْهُمْ بِمَا فَعَلُوا عَقَاقِ)
(وأَسْقَانَا إِذَا قُدْنَا إِلَيْهِمْ ... دِمَاءَ خِيَارِهِمْ عِنْدَ التَّلاقِي)
(فَرُبَّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ ... وَقَدْ بَلَغَتْ نُفُوسُهُمُ التراقِي)
(وَرُبَّ كَرِيمَةٍ أَعْتَقْتَ مِنْهُمْ ... وَأُخْرَى قَدْ فَكَكْتَ مِنْ الْوَثَاقِ)(2/281)
(وَرُبَّ مُنَوِّهٍ بِكَ مِنْ سُلَيْمٍ ... أَجَبْتَ وَقَدْ دَعَاكَ بِلاَ رِمَاقِ)
(فَكَانَ جَزَاؤُنَا مِنْهُمْ عُقُوقًا ... وَهَمَّا مَاعَ مِنْهُ مُخُّ سَاقِي)
(عَفَتْ آثَارُ خَيْلِكَ بَعْدَ أَيْنٍ ... بِذِي بَقَرٍ إلَى فَيْفِ النُّهَاقِ)
وَقَالَ عَبَّاس بن مرداس // (من الطَّوِيل) //
(تَقَطَّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمِّ مُؤَمِّلٍ ... بِعَاقِبَةٍ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيَّةً خُلْفَا)
(وَقَدْ حَلَفَتْ بِاللهِ لاَ تَقْطَعُ الْقُوَى ... فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلاَ بَرَّتِ الْحَلْفَا)
(خَفَافِيَّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا ... وَتَحْتَلُّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا)
(فإِنْ تَتْبَعِ الْكُفَّارَ أمُّ مُؤَمَّلٍ ... فَقَدْ زَوَّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا)
(وَسَوْفَ يُنَبِّيهَا الْخَبِيرُ بأَنَّنَا ... أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبِّنَا حِلْفَا)
(وأنَّا مَعَ الْهَادِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... وَفِيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا)
(بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أعزَّةٍ ... أَطَاعُوا فمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا)
(خُفَافٌ وَذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ ... مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طُرُوقَتِهَا كُلْفَا)
(كَأَنَّ النَّسِيجَ الشُّهْب وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ ... اُسُودًا تلاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا)
(بِنَا عَزَّ دِينُ الله غَيرَ تَنَحُلٍ ... وَزِدْنَا عَلَى الْحَيِّ الَّذِي مَعَهُ ضِعْفَا)
(بِمَكَّةَ إِذْ جِئْنَا كَأّنَّ لِوَاءَنَا ... عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا)
(عَلَى شُخَّصِ الأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا ... إِذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا)
(غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ ... لأَمْرِ رَسُولِ اللهِ عَدْلاً وَلاَ صِرْفَا)
(بِمُعْتَرَكٍ لاَ يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ ... لَنَا زَحمَةً إِلاَّ التَّذَامُرَ والنَّفْقَا)
(بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرَّهَا ... وَنَقْطِفُ أعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا)
(وَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحَّبٍ ... وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا)
(رِضَا اللهِ نَنْوِي لاَ رِضَا النَّاسِ نَبْتَغِي ... وَللهِ مَا يَبْدُو جَمِيعاً وَمَا يَخْفَى)
وَقَالَ مَالك بن عَوْف يعْتَذر من فراره يَوْمئِذٍ // (من الْكَامِل) //
(مَنَعَ الرُّقَادَ فَمَا أُغَمِّضُ سَاعَةً ... نَعَمٌ بِأَجْزَاعِ الطَّرِيقِ مُخَضْرَمُ)(2/282)
(سَائِلْ هَوَازِنَ هَلْ أَضُرَّ عَدُوَّهَا ... وَأُعِينُ غَارِمَهَا إِذَا مَا يَغْرَمُ)
(وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتِبَةٍ ... فِئَتَيْنِ مِنْهَا حَاسِرٌ وَمُلأَّمُ)
(وَمُقَدَّم تَعْيَا النُّفُوسُ لِضيقِهِ ... قَدَّمْتُهُ وَشُهُودُ قَوْمِي أعْلَمُ)
(فَوَرَدْتُهُ وَتَرَكْتُ إِخْوَاناً لَهُ ... يَرِدُونَ غَمْرَتَهُ وَغَمْرَتُهُ الدَّمُ)
(فَإِذَا انْجَلَتْ غَمَراتُهُ أَوْرَثْنَنِي ... مَجْدَ الْحَيَاةِ وَمَجْدَ غُنْمٍ يُقْسَمُ)
(كَلَّفْتُمُونِي ذَنْبَ آلِ مُحَمَّدٍ ... وَالله أَعْلَمُ مَنْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ)
(وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ أُقَاتِلُ وَاحِداً ... وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ تُقَاتِلُ خَثْعَمُ)
(وَإِذَا بَنَيْتُ الْمَجْدَ يَهْدِمُ بَعْضُكُمْ ... لاَ يَستَوِي بَانٍ وَآخَرُ يَهْدِمُ)
(وَأَقَبَّ مَخْمَاصِ الشِّتَاءِ مُسَارِعٍ ... فِي الْمَجْدِ يُنْمَى لِلْعُلاَ مُتَكَرِّمُ)
(أَكْرَهْتُ فِيهِ أَلَّةً يَزَنِيَّةً ... سَحْمَاءَ يَقْدُمُهَا سِنَانٌ سَلْجَمُ)
(وَتَرَكْتُ حَنَّتَهُ تَرُدُّ وَلِيَّهُ ... وَتَقُولُ لَيْسَ عَلَى فُلاَنَهَ مُقْدَمُ)
(وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ مُدَجَّجًا ... مِثْلَ الدريئَةِ تُسْتَحَلُّ وَتُشْرَمُ)
وفيهَا غَزْوَة الطَّائِف خرج
فِي شَوَّال فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا أَو ثَلَاثِينَ بل فِي مُسلم عَن أنس حَاصَرَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين اثْنَا عشر وَقَاتل بِنَفسِهِ وَلم يُؤذن لَهُ فِي فَتحه فَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعد غيبَة شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا فَقدم عَلَيْهِ بَعْدُ وفْدُهُمْ فأسلموا وَلما أجمع رَسُول الله
السّير إِلَى الطَّائِف حِين فرغ من حنين قَالَ كَعْب بن مَالك // (من الوافر) //
(قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَمْنَا السُّيُوفَا)
(نُخَبِّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا)
(فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَم تَرَوْهَا ... بِسَاحَةِ دارِكُمْ مِنَّا أُلوفا)
(وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وَجٍّ ... وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا)
(وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرْعَانُ خَيْلٍ ... يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا)
(إِذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ ... لَهَا مِمَّا أَنَاخَ بِهَا رَجِيفَا)(2/283)
(بِأَيْدِيهِمْ قَوَاضِبُ مُرْهَفَاتٌ ... يُزِرْنَ الْمُسْطَلِينَ بِهَا الْحُتُوفَا)
(كَأَمْثَالِ العقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا ... قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تُضْرَبْ كَتِيفَا)
(تَخَالُ جَدِيَّةَ الأَبْطَالِ فِيهَا ... غَدَاةَ الزَّحْفِ جَادِيًّا مَدُوفَا)
(أَجَدَّهُمُ ألَيْسَ لهُمْ نَصِيحٌ ... مِنَ الأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا)
(يُخَبِّرُهُمْ بِأَنَّا قَدْ جَمَعْنَا ... عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنُّجُبَ الطُّرُوفَا)
(وَأَنَّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ ... يُحِيط بِسُورِ حِصْنِهِمُ صُفُوفَا)
(رَئِيسُهُمُ النَّبِيُّ وَكَانَ صُلْبًا ... نَقِيُّ الْقَلْبِ مُصْطَبِرّا عَزُوفًا)
(رَشيدَ الأَمْرِ ذَا حُكْمٍ وَعِلْمٍ ... وَحِلْمِ لَمْ يَكُنْ نَزِقًا خَفِيفَا)
(نُطيِعُ نَبِيَّنَا ونُطِيعُ رَبًّاً ... هُوَ الرَّحْمنُ كَانَ بِنَا رَءُوفَا)
(فإِنْ تُلْقُوا إِلَيْنَا السِّلْمَ نَقْبَلْ ... وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُدًا وَرِيفاَ)
(وَإِنْ تَأْبَوْا نُجَاهدْكُمْ وَنَصْبِرْ ... وَلاَ يَكُ أمْرُنَا رَعِشًا ضَعِيفَا)
(نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أوْ تُنِيبُوا ... إِلَى الإسْلاَمِ إِذْعَانًا مُضِيفَا)
(نُجَاهِدُ مَا نُبَالِي مَنْ لَقِينَا ... أأهْلَكْنَا التِّلاَدَ أمِ الطَّرِيفَا)
(وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا ... صَمِيمَ الْجِذْمِ مِنْهُمْ وَالْحلِيفَا)
(أتَوْنَا لاَ يَرَوْنَ لَهُمْ كِفَاءً ... فَجَدَّعْنَا الْمَسَامِعَ وَالأنُوفَا)
(بِكُلِّ مُهَنَّدٍ لَيْنٍ صَقِيلٍ ... نَسُوقُهُمُ بِهَا سَوْقاً عَنِيفَا)
(لأَمْرِ اللهِ وَالإِسْلاَمِ حَتَّى ... يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلاً حَنِيفَا)
(وَتُنْسَى اللاتُ وَالْعُزَّى وَوَدٌّ ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلائِد وَالشُّنُوفَا)
(فَأَمْسَوْا قَدْ أقرُّوا وَاطمَأَنُّوا ... وَمَنْ لاَ يَمْتَنِعْ يَقْبَلْ خُسُوفَا)
قَالَ فِي الْمَوَاهِب بعد ذكر أَن الطَّائِف على ثَلَاث مراحل أَو اثْنَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق كثير الأعناب والفواكه قيل إِن أصبها أَن جِبْرِيل اقتلع الْجنَّة الَّتِي كَانَت لأَصْحَاب الصريم فَسَار بهَا إِلَى مَكَّة فَطَافَ بهَا حول الْبَيْت ثمَّ أنزلهَا هُنَاكَ فَسمى الْموضع بهَا وَكَانَت أَولا بنواحي صنعاء وَاسم الأَرْض وَج بتَشْديد الْجِيم(2/284)
وَسَار إِلَيْهَا النَّبِي
فِي شَوَّال سنة ثَمَان حِين خرج من حنين وَحبس الْغَنَائِم بالجعرانة وقدَم خَالِد بن الْوَلِيد على مقدمته وَكَانَت ثَقِيف لما انْهَزمُوا من أَوْطَاس دخلُوا حصنهمْ بِالطَّائِف وأغلقوه عَلَيْهِم بعد أَن أدخلُوا فِيهِ مَا يصلحهم لسنة وتهيئوا لِلْقِتَالِ وَلما سَار
مرَ فِي طَرِيقه بِقَبْر أبي رِغَال وَهُوَ أَبُو ثَقِيف فِيمَا يُقَال فاستخرج مِنْهُ غصناً من ذهب وَنزل قَرِيبا من الْحصن وعسْكَرَ هُنَاكَ فرموا الْمُسلمين بِالنَّبلِ رمياً شَدِيدا كَأَنَّهُ رَجل جَراد حَتَّى أُصِيب نَاس من الْمُسلمين بجراحة وَقتل مِنْهُم اثْنَا عشر رجلا فيهم عبد الله بن أبي أُميَّة وَرمى عبد الله بن أبي بكر الصّديق يَوْمئِذٍ بِجرح فاندمل ثمَّ نقض عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَمَاتَ مِنْهُ فِي خلَافَة أَبِيه وارتفع
إِلَى مَوضِع مَسْجِد الطَّائِف الْيَوْم وَكَانَ مَعَه من نِسَائِهِ أم سَلمَة وَزَيْنَب فَضرب لَهما قبتين وَكَانَ يُصَلِّي بَين القبتين حِصَار الطَّائِف كُله فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَيُقَال خَمْسَة عشر يَوْمًا وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق وَهُوَ أول منجنيق رمي بِهِ فِي الْإِسْلَام وَكَانَ قدم بِهِ الطُّفَيْل الدوسي مَعَه لما رَجَعَ من سَرِيَّة ذِي الْكَفَّيْنِ وَوضع الْمُسلمُونَ الرَّايَات بِأَصْل الْحصن فَأرْسلت عَلَيْهِم ثَقِيف سِكَك الْحَدِيد المحماة وَهِي أخشاب متسعة الأجواف تدفع فِي جِدَار الْحُصُون فيدخلها الرِّجَال لنقب جدارها فرمتهم ثَقِيف بِالنَّبلِ فَقتل مِنْهُم رجال فَأمر
بِقطع أَعْنَاقهم وَتَحْرِيقهَا فقطعها الْمُسلمُونَ قطعا ذريعاً ثمَّ سَأَلُوهُ أَن يَدعهَا لله وللرحم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنِّي أدعها لله وللرحم ثمَّ نَادَى مناديه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيّمَا عبد نزل من الْحصن وَخرج إِلَيْنَا فَهُوَ حر قَالَ الدمياطي فَخرج مِنْهُم بضعَة عشر رجلا مِنْهُم أَبُو بكرَة وَعند مغلطاي ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ عبدا وَفِي البُخَارِيّ عَن عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ سَمِعت سَعْدا وَأَبا بكرَة عَن النَّبِي
قَالَ عَاصِم لقد شهد عِنْدِي رجلَانِ أما أَحدهمَا فَأول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله
وَأما الآخر فَنزل إِلَى النَّبِي
ثَالِث ثَلَاثَة وَعشْرين من الطَّائِف ... الحَدِيث(2/285)
وَأعْتق
من نزل مِنْهُم وَدفع كل رجل مِنْهُم إِلَى رجل من الْمُسلمين يمونه فشق ذَلِك على أهل الطَّائِف مشقة شَدِيدَة وَلم يُؤذن لَهُ
فِي فتح الطَّائِف وَأمر عمر بن الْخطاب فَأذن فِي النَّاس بالرحيل فَضَجَّ النَّاس من ذَلِك وَقَالُوا نرحل وَلم تفتح علينا الطَّائِف فَقَالَ
فاغدوا على الْقِتَال فَغَدوْا فَأصَاب الْمُسلمين جراحات فَقَالَ
إِنَّا قافلون غَدا إِن شَاءَ الله فسروا بذلك وأذعنوا وَجعلُوا يرحلون وَرَسُول الله
يضْحك قَالَ النَّوَوِيّ قصد
الشَّفَقَة عَلَيْهِم والرفق بالرحيل عَن الطَّائِف لصعوبة أمره وَشدَّة الْكفَّار الَّذين فِيهِ وتقويهم بحصنهم مَعَ أَنه
علم أَو رجا أَنه سيفتحه بعد هَذَا بِلَا مشقة فَلَمَّا حرص الصَّحَابَة على الْمقَام وَالْجهَاد أَقَامَ وجدّ فِي الْقِتَال فَلَمَّا أَصَابَتْهُم الْجراح رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ قَصده أَولا من الرِّفْق وفرحوا بذلك لما رَأَوْا من الْمَشَقَّة الظَّاهِرَة ووافقوا على الرحيل فَضَحِك
تَعَجبا من تغير رَأْيهمْ وفقئت عين أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب يَوْمئِذٍ فَذكر ابْن سعد أَن النَّبِي
قَالَ لَهُ وَهِي فِي يَده
أَيهمَا أحب إِلَيْك عين فِي الْجنَّة أَو أَدْعُو الله أَن يردهَا عَلَيْك فَقَالَ بل عين فِي الْجنَّة فَرمى بهَا وَشهد اليرموك فقاتل وفقئت عينه الْأُخْرَى يَوْمئِذٍ ذكره الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي شرح التَّقْرِيب وَقَالَ
للصحابة قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فَلَمَّا ارتحلوا قَالَ قُولُوا آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فَانْظُر كَيفَ كَانَ
إِذا خرج للْجِهَاد يعْتد لذَلِك بِجمع الصَّحَابَة واتخاذ الْخَيل وَالسِّلَاح وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من آلَات الْجِهَاد وَالسّفر ثمَّ إِذا رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتعرى من ذَلِك وَيرد الْأَمر كُله لمَوْلَاهُ عز وَجل لَا لغيره لقَوْله آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده(2/286)
وَانْظُر إِلَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فنفى
مَا تقدم ذكره وَهَذَا هُوَ معنى الْحَقِيقَة لِأَن الْإِنْسَان وَفعله خلق لرَبه عز وَجل فَهُوَ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي خلق ودبر وأعان وأجرى الْأُمُور على يَد من شَاءَ وَمن اخْتَار من خلقه فَكل مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَلَو شَاءَ الله أَن يبيد أهل الْكفْر من غير قتال لفعل قَالَ تَعَالَى {ذَلِك وَلَو يشاءُ اللهُ لانتصَرَ مِنهُم وَلَكِن ليبلُوَا بَعضَكم بِبَعض} مُحَمَّد 4 ليثبت الصابرين وَيجْزِي الثَّوَاب للشاكرين قَالَ تَعَالَى {وَلَنَبلُوَنكُم حَتى نَعلَمَ المجاَهِدِينَ مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم} فعلى الْمُكَلف الِامْتِثَال فِي الْحَالَتَيْنِ أَي امْتِثَال تعاطى الْأَسْبَاب تأدباً مَعَ الربوبية كَمَا فعل ذَلِك
أَولا تأدباً مَعَ الربوبية وتشريعاً لأمته ثمَّ يظْهر الله مَا يَشَاء من قدرته الغامضة الَّتِي ادخرها لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه ابْن الْحَاج فِي الْمدْخل وَلما قيل لَهُ يَا رَسُول الله ادْع على ثَقِيف قَالَ اللَّهُمَّ اهد ثقيفاً وائت بهم وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أَمر أَن يجمع السَّبي والغنائم مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله يَوْم حنين فَجمع ذَلِك كُله إِلَى الجعرَانة فَكَانَ بهَا إِلَى أَن انْصَرف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الطَّائِف وَكَانَ السَّبي سِتَّة آلَاف رَأس وَالْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير وَالْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألف شَاة وَأَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة فضَّة واستأنى
بهوازن أَي انْتظر وتربص أَن يقدموا عَلَيْهِ مُسلمين بضع عشرَة ثمَّ بَدَأَ يقسم الْأَمْوَال وَفِي البُخَارِيّ وطفق
يُعْطي رجَالًا الْمِائَة من الْإِبِل مِنْهُم أَبُو سُفْيَان وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ والأقرع بن حَابِس التَّمِيمِي وَأعْطى الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ سِتِّينَ فسخطها ثمَّ أَتَى إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَنْشد // (من المتقارب) //
(أتجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العَبِيدِ ... بَين عُيَيْنَةَ والأَقْرَع)
(فَمَا كَانَ حِصْنٌ ولاَ حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ)(2/287)
(ومَا كُنْتُ دُونَ امرِىءٍ مِنْهُمَا ... ومَنْ تَضَعِ اليَوْمَ لاَ يُرْفَعِ)
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي اقْطَعْ لِسَانه عني فأكمل لَهُ مائَة فَقَالَ نَاس من الْأَنْصَار يغْفر الله لرَسُول الله يعْطى قُريْشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دِمَائِهِمْ قَالَ أنس فَحدث رَسُول الله
بمقالتهم فَأرْسل إِلَى الْأَنْصَار فَجَمعهُمْ فِي قبَّة من أَدَم ثمَّ قَالَ لَهُم أما ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بالأموال وَالشَّاء وَالْبَعِير وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رحالكُمْ فوَاللَّه لما تنقلبون بِهِ خير مِمَّا يَنْقَلِبُون بِهِ قَالُوا يَا رَسُول الله قد رَضِينَا وَعَن جُبَير بن مطعم قَالَ بَيْنَمَا أَنا مَعَ النَّبِي
وَمَعَهُ النَّاس مقفلون من حنين علقت برَسُول الله
الْأَعْرَاب حَتَّى اضطرته إِلَى سَمُرَة فخطفت رِدَاءَهُ فَوقف
فَقَالَ أعطوني رِدَائي فَلَو كَانَ لي عدد العضاه نعما لقسمته بَيْنكُم ثمَّ لَا تجدوني بَخِيلًا وَلَا كذوباً وَلَا جَبَانًا رَوَاهُ ابْن جرير فِي تهذيبه وَذكر مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه لما قدم رَسُول الله
من الطَّائِف نزل الْجِعِرَّانَة فقسم الْغَنَائِم ثمَّ اعْتَمر مِنْهَا وَذَلِكَ لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال قَالَ ابْن سيد النَّاس وَهَذَا ضَعِيف وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل السّير أَن النَّبِي
انْتهى إِلَى الْجِعِرَّانَة لَيْلَة الْخَمِيس لخمس لَيَال خلون من ذِي الْقعدَة فَأَقَامَ بهَا ثَلَاث عشرَة لَيْلَة فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف إِلَى الْمَدِينَة خرج لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة لَيْلًا فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة وَفِي تَارِيخ الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أحرم من وَرَاء الْوَادي حَيْثُ الْحِجَارَة المنصوبة وَعند الْوَاقِدِيّ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي تَحت الْوَادي بالعدوة القصوى من الْجِعِرَّانَة فَكَانَت صلَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا كَانَ بالجعرانة بِهِ والجعرَانة موضعَ بَينه وَبَين مَكَّة بريد يَعْنِي اثْنَي عشر ميلًا كَمَا قَالَه الفاكهي وَقَالَ الْبَاجِيّ ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَسمي بِامْرَأَة تلقب بالجعرانة كَمَا ذكره السُّهيْلي أَخذهَا السَّيْل فوصل بهَا(2/288)
إِلَى هَذَا الْمحل فَوجدت ثمَّة فَسمى الْمحل بهَا قَالُوا وَقدم
الْمَدِينَة وَقد غَابَ عَنْهَا شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا قَالَ ابْن هِشَام وَلما أعْطى رَسُول الله
مَا أعْطى فِي قُرَيْش وقبائل الْعَرَب وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا قَالَ حسان بن ثَابت يعاتبه فِي ذَلِك // (من الْبَسِيط) //
(زار الهُمُومُ فماءُ العَيْنِ مُنْحَدِرُ ... سَحًّا إِذا حَفَّلَتْهُ عَبْرَةٌ دررُ)
(وجدا بِشّيْماءَ إِذْ شَيْماءُ بَهْكَنَةٌ ... هَيْفَاءُ لاَ دَنَسٌ فِيهَا وَلَا خَوَرُ)
(دَعْ عَنْكَ شيماء إِذْ كانَتْ مَوَدَّتُهَا ... نَزْرًا وَشَرٌّ وِصَالِ الوَاصِلِ النَّزْرُ)
(وائتِ الرَّسُولَ فَقَلْ يَا خَيْرَ مُؤتَمن ... للمُؤْمنينَ إِذَا مَا عُدَّدَ البَشَرُ)
(عَلامَ تُدْعَى سُلَيْمٌ وَهْيَ نَازِحَةٌ ... قُدَّامَ قَوْمٍ هَمُ آووا وَهُم نَصَرُوا)
(سمَّاهُمُ اللهُ أَنْصَارًا بِنَصْرِهِمُ ... ديِنَ الهُدّى وعَوَانُ الحَرْبِ تَسْتَعِرُ)
(وسَارَعُوا فِي سَبيلِ الله واعْتَرَفُوا ... للنَّائِباتِ ومَا خَامُوا ومَا ضَجرُوا)
(والناسُ إلْبٌ عيناَ فيكَ لَيْسَ لَنَا ... إِلاَّ السيُوف وأطْرَافُ القَنَا وزرُ)
(نجالد النَّاسَ لَا نُبقِي عَلَى أحَدِ ... وَلا نُضَيِّعُ مَا تُوحِي بِهِ السُّوَرُ)
(وَلا تهرُّ جُنَاةُ الحرْبِ ناديناَ ... ونحْنُ حينَ تلظَّى نَارُهَا سعر)
(كَمَا رَدَدْنَا ببدرِ دَونَ مَا طَلَبُوا ... أَهْلَ النِّفَاقِ وَفينَا يَنْزِلُ الظِّفَرُ)
(ونَحنُ جُنْدُكَ يَوْم النَّعْفِ من أُحُدٍ ... إِذ حَزَّبَتْ بَطَرًا أَحْزَابَهَا مُضَرُ)
(فَمَا وَنَيْنَا ومَا خَمْنَا وَمَا خبرُوا ... منَّا عَثَارًا وكل النِّاسِ قَدْ عَثَرُوا)(2/289)
(حوادث السّنة التَّاسِعَة)
فِيهَا غَزْوَة تَبُوك وَهِي الْعسرَة والفاضحة فِي رَجَب لما بلغه أَن الرّوم تجمعت فِي الشَّام مَعَ هِرقل وَقد اشْتَمَلت على أُمُور لِلْمُنَافِقين فضحوا بهَا وفيهَا تَابَ الله على الثَّلَاثَة الَّذين خُلفوا كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة وَأقَام
بضع عشرَة لَيْلَة وَانْصَرف وَلم يلق كيداً قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَكَانَت يَوْم الْخَمِيس فِي رَجَب سنة تسع من الْهِجْرَة بِلَا خلاف وذكرُ البُخَارِيّ لَهَا بعد حجَّة الْوَدَاع لَعَلَّه خطأ من النساخ وَكَانَ يَوْمئِذٍ حر شَدِيد وجدب فَلذَلِك لم يُوَر عَنْهَا كعادته فِي سَائِر الْغَزَوَات وَفِي تَفْسِير عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ خَرجُوا فِي قلَّة من الظّهْر وَفِي حر شَدِيد حَتَّى كَانُوا ينحرون الْبَعِير فيشربون مَا فِي كرشه من المَاء فَكَانَ ذَلِك عسرة فِي المَاء وَفِي الظّهْر وَالنَّفقَة فسميت غَزْوَة الْعسرَة وسببها أَنه بلغه
من الأنباط الَّذين يقدمُونَ بالزيت من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة أَن الرّوم تجمعت بِالشَّام مَعَ هِرقل فندب
النَّاس إِلَى الْخُرُوج وأعلمهم بِالْمَكَانِ الَّذِي يُرِيد لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمرَان بن الْحصين قَالَ كَانَت نَصَارَى الْعَرَب كتبت إِلَى هِرقل إِن هَذَا الرجل الَّذِي خرج يَدعِي النُّبُوَّة قد أَصَابَتْهُم سنُون فَهَلَكت أَمْوَالهم فَبعث رجلا من عظمائهم وجهز مَعَه أَرْبَعِينَ ألفا فَبلغ ذَلِك النَّبِي
وَلم يكن للنَّاس قُوَّة وَكَانَ عُثْمَان قد عير إِلَى الشَّام فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذِه مِائَتَا بعير بأقتابها وأحلاسها وَمِائَتَا أُوقِيَّة قَالَ فَسَمعته يَقُول لَا يضر عُثْمَان مَا عمل بعْدهَا وروى عَن قَتَادَة أَنه قَالَ حمل عُثْمَان فِي(2/290)
جَيش الْعسرَة على ألف بعير وَسبعين فرسا وَعَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان بن عَفَّان بِأَلف دِينَار فِي كمه حِين جهز جَيش الْعسرَة فنثرها فِي حجره
فرأيته
يقلبها فِي حجره وَيَقُول مَا ضرّ عُثْمَان مَا عمل بعد الْيَوْم أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب وَعند الفضائلي والملا فِي سيرته كَمَا ذكره الطَّبَرِيّ فِي الرياض النضرة من حَدِيث حُذَيْفَة بعث عُثْمَان يعْنى فِي جَيش الْعسرَة بِعشْرَة آلَاف دِينَار إِلَى رَسُول الله
فَكَانَ
يَقُول بِيَدِهِ ويقلبها ظهرا بِبَطن وَيَقُول غفر الله لَك يَا عُثْمَان مَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَا يُبَالِي مَا عمل بعْدهَا وَلما تأهب
لِلْخُرُوجِ قَالَ قوم من الْمُنَافِقين لَا تنفرُوا فِي الْحر فَنزل قَوْله تَعَالَى {لَا تنَفِرُوا فِي الْحر قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ} وَأرْسل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى مَكَّة وقبائل الْعَرَب يستنفرهم وَجَاء البكاءون يستحملونه فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ وهم سَالم بن عُمَيْر وعلبة بن زيد وَأَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب الْمَازِني والعرباض بن سَارِيَة وهرم بن عبد الله وَعَمْرو بن عتمة وَعبد الله ابْن مُغفل وَعبد الله بن عَمْرو الْمُزنِيّ وَعَمْرو بن الْحمام ومغفل الْمُزنِيّ وحضرمي بن مَازِن والنعمان وسُويد وَمَعْقِل وَعقيل وَسنَان وَعبد الرَّحْمَن وَهِنْد بَنو مقرن وهم الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم {تَوَلوَا وأعيُنُهُم تفيض من الدمع حزنا أَلا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ} قَالَه مغلطاي وَفِي البُخَارِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ أَرْسلنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُول الله
أسأله الحملان لَهُم فَقلت يَا نَبِي الله إِن أَصْحَابِي أرسلوني إِلَيْك لتحملهم فَقَالَ وَالله لَا أحملكم على شَيْء فَرَجَعت حَزينًا من منع النَّبِي
وَمن مَخَافَة أَن يكون النَّبِي(2/291)
وجد فِي نَفسه عَليّ فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرتهمْ الَّذِي قَالَ النَّبِي
فَلم ألبث إِلَّا سويعة إِذْ سَمِعت بِلَالًا يُنَادي أَيْن عبد الله بن قيس فأجبته فَقَالَ أجب رَسُول الله
يَدْعُوك فَلَمَّا أَتَيْته قَالَ خُذ هَاتين القرينتين وَهَاتين القرينتين لسِتَّة أَبْعِرَة ابتاعها حِينَئِذٍ من سعد فَانْطَلق بهما إِلَى أَصْحَابك فَقل إِن الله وَإِن رَسُول الله يحملكم على هَؤُلَاءِ فاركبوهن ... الحَدِيث وَقَامَ علبة بن زيد فصلى من اللَّيْل وَبكى وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك أمرت بِالْجِهَادِ ورغبتَ فِيهِ ثمَّ لم تجْعَل عِنْدِي مَا أتقوى بِهِ مَعَ رَسُولك وَلم تجْعَل فِي يَد رَسُولك
مَا يحملني عَلَيْهِ وَإِنِّي أَتصدق على كل مُسلم بِكُل مظْلمَة أصابني فِي مَال أَو جَسَد أَو عرض ثمَّ أصبح مَعَ النَّاس فَقَالَ النَّبِي
أَيْن الْمُتَصَدّق فَليقمْ فأقوم إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ
أبشر فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لقد كتبت فِي الزَّكَاة المتقبلة رَوَاهُ يُونُس كَمَا ذكره السُّهيْلي فِي الرَّوْض وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب ليؤذن لَهُم فِي التَّخَلُّف فَأذن لَهُم وهم اثْنَان وَثَمَانُونَ رجلا وَقعد الَّذين كذبُوا الله وَرَسُوله واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ الدمياطي وَهُوَ عندنَا أثبت مِمَّن قَالَ غَيره انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي طَالب من شرح التَّقْرِيب لم يتَخَلَّف عَن الْمشَاهد إِلَّا فِي تَبُوك فَإِن النَّبِي
خَلفه على الْمَدِينَة وعَلى عِيَاله وَقَالَ لَهُ يَوْمئِذٍ أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص وَرجحه ابْن عبد الْبر وَقيل اسْتخْلف سِبَاع بن عرفطة وتخلف نفر من الْمُسلمين من غير شكّ وَلَا ارتياب مِنْهُم كَعْب بن مَالك ومرارة ابْن الرّبيع وهلال بن أُميَّة وَفِيهِمْ نزل {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا}(2/292)
وَأَبُو ذَر وَأَبُو خَيْثَمَة ثمَّ لحقاه بعد ذَلِك وَلما رأى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نزل فِي بعض الطَّرِيق قَالَ يمشي وَحده ويعيش وَحده وَيَمُوت وَحده فَكَانَ كَذَلِك وَأمر
لكل بطن من الْأَنْصَار والقبائل من الْعَرَب أَن يتخذوا لِوَاء وَرَايَة وَكَانَ مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاثُونَ ألفا وَعند أبي زرْعَة سَبْعُونَ ألفا وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَيْضا أَرْبَعُونَ ألفا وَكَانَت الْخَيل عشرَة آلَاف فرس وَلما مر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْحجرِ بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْجِيم بديار ثَمُود قَالَ لَا تشْربُوا من مَائِهَا شَيْئا وَلَا يخْرجن أحد مِنْكُم إِلَّا وَمَعَهُ صَاحب لَهُ فَفعل النَّاس إِلَّا أَن رجلَيْنِ من بني سَاعِدَة خرج أَحدهمَا لحَاجَة وَخرج الآخر لطلب بعيره فَأَما الَّذِي خرج لِحَاجَتِهِ فخنق على مذْهبه وَأما الَّذِي خرج لطلب بعيره فاحتملته الرّيح حَتَّى طرحته بجبل طَيء فَأخْبر بذلك رَسُول الله
فَقَالَ ألم أنهكم ثمَّ دَعَا للَّذي خنق على مذْهبه فشفي وَأما الآخر فأهدته طَيء لرَسُول الله
حِين قدم الْمَدِينَة وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي حميد انْطَلَقت حَتَّى قدمنَا تَبُوك فَقَالَ رَسُول الله
تهب اللَّيْلَة عَلَيْكُم ريح شَدِيدَة فَلَا يقم أحد مِنْكُم فَمن كَانَ لَهُ بعير فليشد رَحْله فَهبت ريح شَدِيدَة فَقَامَ رجل فَحَملته الرّيح حَتَّى ألقته بجبل طيىء وروى الزُّهْرِيّ لما مر رَسُول الله
بِالْحجرِ سَجى ثَوْبه على وَجهه واستحث رَاحِلَته ثمَّ قَالَ لَا تدْخلُوا بيُوت الَّذين ظلمُوا أنفسهم إِلَّا وَأَنْتُم باكون خوفًا أَن يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلما كَانَ
بِبَعْض الطَّرِيق ضلت نَاقَته فَقَالَ زيد بن لصيب وَكَانَ منافقاً أَلَيْسَ مُحَمَّد يزْعم أَنه نَبِي وَيُخْبِركُمْ عَن خبر السَّمَاء وَهُوَ لَا يدْرِي أَن نَاقَته فَقَالَ رَسُول الله
إِن رجلا يَقُول مقَالَة وَإِنِّي وَالله لَا أعلم إِلَّا مَا عَلمنِي الله(2/293)
وَقد دلَّنِي الله عَلَيْهَا وَهِي فِي هَذَا الْوَادي فِي شعب كَذَا وَكَذَا وَقد حبستها شَجَرَة بزمامها فَانْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بهَا فَانْطَلقُوا فَجَاءُوا بهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث معَاذ بن جبل أَنهم وردوا عين تَبُوك وَهِي تبض بِشَيْء من مَاء وَأَنَّهُمْ غرفوا مِنْهَا قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى اجْتمع فِي شَيْء ثمَّ غسل
وَجهه وَيَديه ثمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فجرت بِمَاء كثير فاستقى النَّاس ... الحَدِيث وَلما انْتهى
إِلَى تَبُوك أَتَاهُ صَاحب أَيْلَة فَصَالحه وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَة وَأَتَاهُ أهل جربا بِالْجِيم وأذراح بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء والحاء الْمُهْملَة بلدين بِالشَّام بَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام فَأَعْطوهُ الْجِزْيَة وَكتب لَهُم
كتابا وَوجد هِرقل بحمص فَأرْسل خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر بن عبد الْملك النَّصْرَانِي وَكَانَ ملكا عَظِيما بدومة الجندل فِي أَرْبَعمِائَة وَعشْرين فَارِسًا فِي رَجَب سَرِيَّة وَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّك ستجده لَيْلًا يصيد الْبَقر فَانْتهى إِلَيْهِ خَالِد وَقد خرج من حصنه فِي لَيْلَة مق 4 مرّة إِلَى بقر يطاردها هُوَ وَأَخُوهُ حسان فشدت عَلَيْهِ خيل خَالِد فاستأسر أكيدر وَقتل أَخُوهُ حسان وهرب من كَانَ مَعَهُمَا فَدخل الْحصن ثمَّ أَجَارَ خَالِد أكيدر من الْقَتْل حَتَّى يَأْتِي بِهِ رَسُول الله
على أَن يفتح لَهُ دومة الجندل فَفعل وَصَالَحَهُ على ألفي بعير وَثَمَانمِائَة فرس وَأَرْبَعمِائَة درع وَأَرْبَعمِائَة رمح وَفِي هَذِه كتب
كتابا فِي تَبُوك إِلَى هِرقل يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فقارب الْإِجَابَة وَلم يجب رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أنس وَفِي مُسْند أَحْمد أَن هِرقل كتب من تَبُوك إِلَى النَّبِي
إِنِّي مُسلم فَقَالَ النَّبِي
كذب هُوَ على نصرانيته وَفِي كتاب الْأَمْوَال لأبي عُبَيْدَة بِسَنَد صَحِيح من مُرْسل بكر بن(2/294)
عبد الله نَحوه وَلَفظه فَقَالَ كذب عَدو الله لَيْسَ بِمُسلم ثمَّ انْصَرف
من تَبُوك بعد أَن أَقَامَ بضع عشرَة لَيْلَة وَقَالَ الدمياطي وَمن قبله ابْن سعد عشْرين لَيْلَة يُصَلِّي بهَا رَكْعَتَيْنِ وَلم يلق بهَا كيداً وَبنى فِي طَرِيقه مَسَاجِد وَأَقْبل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى إِذا نزل بِذِي أَوَان بِفَتْح الْهمزَة بِلَفْظ الأوان للحين وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سَاعَة جَاءَهُ خبر مَسْجِد الضرار من السَّمَاء فَدَعَا مَالك بن الدخشم ومعن بن عدي الْعجْلَاني فَقَالَ انْطَلقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهله فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ فَخَرَجَا فَحَرقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَذَلِكَ بعد أَن أنزل الله فِيهِ {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} الْآيَة قَالَ الواحدي قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة وَعَامة أهل التَّفْسِير إِن الَّذين اتَّخذُوا مَسْجِد الضرار قَالُوا نقِيل فِيهِ فَلَا نحضر خلف مُحَمَّد قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَلما بنوا ذَلِك لأغراضهم الْفَاسِدَة عِنْد ذهَاب رَسُول الله
إِلَى تَبُوك قَالُوا يَا رَسُول الله بنينَا مَسْجِدا لذِي الْعلَّة وَاللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَنحن نحب أَن تصلي فِيهِ وَتَدْعُو لنا بِالْبركَةِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنِّي على جنَاح سفر وَإِذا قدمنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى صلينَا فِيهِ فَلَمَّا قفل من غَزْوَة تَبُوك سَأَلُوهُ إتْيَان الْمَسْجِد فَنزلت هَذِه الْآيَة وَلما دنا
خرج النَّاس لتلقيه وَخرج النِّسَاء وَالصبيان والولائد يقلن // (من مجزوء الرمل) //
(طَلَعَ البَدرُ علينَا ... منْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع)
(وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا ... مَا دَعَا للهِ دَاع)
وَقد وهم بعض الروَاة كَمَا قَدمته إِذْ قَالَ إِنَّمَا كَانَ هَذَا عِنْد مقدمه الميدنة وَهُوَ وهم ظَاهر لِأَن ثنيات الْوَدَاع إِنَّمَا هِيَ من نَاحيَة الشَّام لَا يَرَاهَا القادم من مَكَّة(2/295)
إِلَى الْمَدِينَة وَلَا يَرَاهَا إِلَّا إِذا توجه إِلَى الشَّام وَفِي البُخَارِيّ لما رَجَعَ
من غَزْوَة تَبُوك فَدَنَا من المدينهَ قَالَ إِن بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مسيرًا وَلَا قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ حَبسهم الْعذر وَهُوَ يُؤَيّد معنى مَا روى نِيَّة الْمَرْء خير من عمله فَإِن نِيَّة هَؤُلَاءِ أبلغ من عَمَلهم فَإِنَّهَا بلغت بهم مبلغ أُولَئِكَ العاملين بأبدانهم وهم على فرشهم فِي بُيُوتهم والمسابقة إِلَى الله تَعَالَى إِلَى الدَّرَجَات الْعلَا بِالنِّيَّاتِ والهمم لَا بِمُجَرَّد الْأَعْمَال وَلما أشرف
على الْمَدِينَة قَالَ هَذِه طابة وَهَذَا أحد جبل يحبنا ونحبه وَلما دخل قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي أمتدحك قَالَ قل لَا يفضض الله فَاك وَقد تقدم ذكرهَا وَتبين غَرِيب ألفاظها ومعانيها وجاءه
من كَانَ تخلف عَنهُ فعذرهم واستغفر لَهُم وأرجأ أَمر كَعْب وصاحبيه حَتَّى نزلت تَوْبَتهمْ فِي قَوْله تَعَالَى {لقد تَابَ اللهُ عَلىَ النبيِ والمهاجرينَ وَالأنصارِ} إِلَى {إنَ الله هُوَ التواب الرَّحِيم} وَالثَّلَاثَة هم كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن ربيعَة وَعند الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من مُرْسل سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا لبَابَة لما أَشَارَ لبني قُرَيْظَة بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح فَأخْبر عَنهُ رَسُول الله
بذلك فَقَالَ لَهُ
أحسبت أَن الله غفل عَن يدك حَيْثُ تُشِير إِلَيْهِم بهَا إِلَى حلقك فَلبث حينا وَرَسُول الله عَاتب عَلَيْهِ ثمَّ غزا تَبُوكا فَتخلف عَنهُ أَبُو لبَابَة فِيمَن تخلف فَلَمَّا قفل رَسُول الله
مِنْهَا جَاءَ أَبُو لبَابَة يسلم عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله
فَفَزعَ أَبُو لبَابَة فَارْتَبَطَ(2/296)
بِسَارِيَة التَّوْبَة سبعا وَقَالَ لَا يزَال هَذَا مَكَاني حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا أَو يَتُوب الله عَليّ ... الحَدِيث وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس من قَوْله تَعَالَى {وآخَرُونَ اعتَرَفوُا بِذُنوبِهِم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ كَانُوا عشرَة تخلفوا عَن النَّبِي
فِي غَزْوَة تَبُوك فَلَمَّا رَجَعَ
أوثق سَبْعَة مِنْهُم أنفسهم بِسوَارِي الْمَسْجِد وَكَانَ ممر النَّبِي
إِذا رَجَعَ فِي الْمَسْجِد عَلَيْهِم فَقَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا أَبُو لبَابَة وَأَصْحَاب لَهُ تخلفوا عَنْك يَا رَسُول الله حَتَّى تُطْلِقهُمْ وَتَعْذُرهُمْ قَالَ أقسم بِاللَّه لَا أطلقهُم وَلَا أَعْذرهُم حَتَّى يكون الله الَّذِي يُطْلِقهُمْ رَغِبُوا عني وتخلفوا عَن الْغَزْو فَأنْزل الله تَعَالَى {وَآخَرون اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} 102 فَلَمَّا نزلت أرسل إِلَيْهِم النَّبِي
فأطقوا وعذروا ... الحَدِيث قَالُوا وَلما قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من تَبُوك وجد عُوَيْمِر الْعجْلَاني امْرَأَته حُبْلَى فلاعن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَينهمَا وَكَانَت تَبُوك آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله
وَقَالَ حسان بن ثَابت يعدد أَيَّام الْأَنْصَار مَعَ رَسُول الله
وَيذكر مواطنهم مَعَه فِي أَيَّام غَزوه // (من الْبَسِيط) //
(أَلسْتَ خَيْرَ مَعَدٍّ كلِّهَا نَفرا ... ومَعْشَرًا إنْ هُم عُمُّوا وإِنْ حُصِلُوا)
(قومٌ هُمُ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرَّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا)
(وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... منهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إِيِمَانِهِمْ دَخَلُ)
(ويومَ صَبَّحَهُمْ فِي الشَّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ... ضرْبٌ رَصِينٌ كَحَرِّ النَّأرِ مُشْتَعِلُ)
(وَيَوْم ذِي قَرَدٍ يومَ استثَارَ بهمْ ... عَلَى الجِيادِ فَماَ خَامُوا وَمَا نَكَلُوا)
(وذَا العُشَيرةِ جاسُوها بخَيْلِهمُ ... مَعَ الرسولِ عيلهَا البيضُ والأسَلَ)
(ويومَ ودَّانَ أَجْلَوا أهلَهُ رَقَصًا ... بالخَيْلِ حتَّى نَهَانَا الحزنُ والجبلُ)
(وليلَةً طلَبُوا فِيهَا عدُوَّهُمُ ... لله واللهُ يجْزِيهمْ بِمَا عَمِلُوا)
(وغزوةَ يَومَ نَجْدٍ ثمَّ كانَ لَهُمْ ... مَعَ الرَّسُولِ بهَا الأسْلابُ والنَّفَلُ)(2/297)
(وَلَيْلَة بحنينٍ جَالدُوا معهُ ... فِيهَا يعلهم بالحْربِ إذْ نَهَلُوا)
(وغَزْوةَ القَاعِ فرقْنَا العدوِّ بهِ ... كَمَا تَفرَّقَ دون المشربِ الرَّسلُ)
(ويومَ بُويعَ كانُوا أَهْلَ بيعَتِهِ ... عَلى الجِلاَدِ فآسَوْهُ ومَا عَدَلُوا)
(وغزوةَ الفتْحِ كانُوا فِي سريَّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَمَا طاشُوا ومَا عَجِلُوا)
(ويومَ خَيْبرَ كانُوا فِي كَتيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كلُّهُمُ مسْتبسِلٌ بَطَلُ)
(بالبيضِ عُرعَشُ تُرعَشُ فِي الأيمَانِ عَارِيةً ... تعوجُ فِي الضِّربِ أَحْيَانًا وتعتَدلُ)
(ويومَ سارَ رَسولُ اللهِ محتَسِبًا ... إِلَى تبوكَ وهمْ راياتُهُ الأولُ)
(وسَاسَةُ الحربِ إنْ حربٌ بدَتْ لهمُ ... حتَّى بَدَا لهُمُ الإقْبَالُ والقَفَلُ)
(أولئكَ القومُ أنصَارُ النبيِّ وهم ... قوْمِي أَصِيرُ إِلَيْهِم حينَ أتَّصِلُ)
(ماتُوا كِرامًا ولمْ تُنْكَثْ عهُودُهمُ ... وقَتْلُهم فِي سَبِيل الله إِذْ قتلُوا)
وَقَالَ حسان بن ثَابت أَيْضا // (من الطَّوِيل) //
(وكنَّا ملوكَ الناسِ قبلَ محمَّدٍ ... فلمَّا أَتى الإسَلامُ كانَ لَنا الفضْلُ)
(وأكرمنَا الله الَّذِي ليسَ غيرُه ... إِلَه بأيامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ)
(بنصرِ الإلَهِ والرَّسولِ ودينِهِ ... وألبسنَاهُ اسْما مَضَى مَا لَهُ مثْلُ)
(أُولَئِكَ قومِي خيرُ قَومٍ بأسرِهم ... فَمَا عُدِّ من خَيْرٍ فقومِي لهُ أهلُ)
(يَرُبُّونَ بالمعروفِ معروفَ من مَضَى ... وليسَ عَلَيْهِم دُونَ معروفِهم قفلُ)
(إِذا اختُبطُوا لمْ يفْحِشُوا فِي نديِّهم ... وليسَ عَلَى سُؤالهم عِنْدهم بخلُ)
(وإنْ حارَبُوا أَوْ سَالموا لَمْ يشبهُوا ... فحربُهُمُ حتْفٌ وسَلْمُهُمُ سَهْلُ)
(وَجَارَهُمُ موفٍ بعلْيَاء بَيْتُهُ ... لَهُ مَا ثوى فينَا الكَرامةُ والبَذْلُ)
(وحامِلُهم موفٍ بكلِّ حَمَالةٍ ... تحمَّل لَا غرمٌ عَلَيْهِ وَلَا خذْلُ)
(وقائلهُم بالحقِّ إِن قَال قَائِلٌ ... وحِلْمُهُمُ عَوْدٌ وحكْمُهُمُ عَدْلُ)
(ومنَّا أمينُ المسلِمينَ حياتَهُ ... وَمنْ غسلتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرّسْلُ)
وَقَالَ أَيْضا // (من المتقارب) //
(قَوْمى أولئِكَ إِنْ تَسْألِي ... كرامٌ إِذا الضّيفُ يَوْمًا ألَم)(2/298)
(عِظَامُ القُدُورِ لأيْسِارِهم ... يكبُّونَ فِيهَا السَّمِينَ السَّنِمْ)
(يُواسُوانَ جَارهُمُ فِي الغِنَى ... ويَحْمُونَ مَوْلاَهُمُ إِن ظُلِمْ)
(فكَانُوا مُلُوكًا بَأَرضيهِمُ ... ينادونَ غُضبًا بِأمْرٍ غشمْ)
(مُلوكًا عَلَى النَّاسِ لَمْ يُملَكُوا ... مِنَ الدَّهْرِ يَوْمًا كحِلِّ القَسَمْ)
(فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وأَشْيَاعها ... ثَمُود وَبَعض بَقَايَا إرَمْ)
(بيثْربَ قَدْ شيدُوا فِي النَّخِيل ... حُصونًا ودُجنَ فِيهَا النَّعَمْ)
(نَواضِحَ قَدْ علَّمَتْهَا اليهودُ ... علَّ إليكَ وَقَوْلاً هَلمّ)
(وفيهَا اشْتَهوا مِنْ عصِير القِطَافِ ... وعيش رخى عَلَى غيرِهمْ)
(فَسِرْنَا إِليْهِم بأثْقَالِنَا ... عَلَى كلِّ فَحْلٍ هِجَانٍ قِطمْ)
(جَنَبْنَا بِهن جِيَادَ الخيولِ ... والزحفُ مِنْ خَلْفِهِم قَدْ دهَمْ)
(فَطَارُوا سَرَاعاً وقَدْ أُفْزِعُوا ... وجِئْنَا إِليْهِمْ كَأُسْدِ الأَجَمْ)
(عَلَى كُلِّ سَلْهَبَةٍ فِي الصِّيَان ... لاَ تَسْتَكينَ لطوُلِ السِّأَمْ)
(وكل كميت مُطَارِ الفُؤَاد ... أمينِ الفُصوصِ كمِثْل الزُّلَمْ)
(عَلَيْهَا فوارسُ قَدْ عوِّدُوا ... قِرَاعَ الكمَاةِ وضرْبَ البُهَمْ)
(ملوكٌ إِذا غَشَمُوا فِي البِلادِ ... لاَ يَنْكلُونَ ولكِنْ قُدُمْ)
(فأُبْنَا بِسَادَاتهم والنِّسَاء ... وَأولادهُم فيهمُ تقْتَسمْ)
(ورِثنا مسَاكنُهم بعدَهُم ... وكنَّا ملوكاً بِهَا لم نرِمْ)
(فلمَّا أتانَا الرسولُ الرشيدُ ... بالحقِّ والنُّورِ بعْدَ الظُّلَمْ)
(فَقُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ المليكِ ... هلُم إِلَيْنَا وفينَا أَقِمْ)(2/299)
(فَنَشْهَدُ أنَّكَ عبدُ الإِله ... أُرْسِلتَ نورا بدِينِ قيمْ)
(فَإِنَّا وَأْولادنَا جُنَّةٌ ... نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فاحْتَكِمْ)
(فَنَحْنُ ولاتكَ إِنْ كذبُوك ... فَنَادِ نِدَاء وَلَا تَحتشِمْ)
(ونادِ بِمَا كنتَ أخفَيْتَهُ ... نِدَاء جهاراً وَلَا تَكتتِمْ)
(فَسَار الغواةُ بأسيَافِهم ... إِلَيْهِ يظنُّونَ أَن يخْتَرمْ)
(فقُمْنَا إِلَيْهِم بأسْيَافِنَا ... نجالدُ عَنهُ بُغَاةَ الأممْ)
(بكلِّ صقيلٍ لهُ مَيْعَةٌ ... رَقِيق الذُبابِ عَضُوضٍ خّذِمْ)
(إِذا مَا يُصادفُ صمَّ العظَامِ ... لَمْ ينبُ عَنْهَا وَلم ينثَلِمْ)
(فَذلك مَا وَرَّثَتْنَأ القرومُ ... مَجْداً تليدَاً وعزُّا أَشمّ)
(إِذا مرِّ نَسْلٌ كَفَى نسلَهُ ... وغَادرَ نَسْلاً إِذا مَا انفصمْ)
(فَمَا إِنْ من النَّاسِ إِلَّا لَنَا ... عَلَيْهِ وإنْ خَاسَ فضل النَعَمْ)
وفيهَا بنى
فِي طَرِيقه مَسَاجِد حِين رَجَعَ من تَبُوك وَقدم فِي رَمَضَان وَأمر بِمَسْجِد الضرار أَن يحرق وَاشْترى
جمل جَابر مرجعه فَلَمَّا قدمُوا إِلَى الْمَدِينَة أعطَاهُ الْجمل وَالثمن كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وفيهَا بعث المصدقين لأخذ الصَّدقَات عُيَيْنَة بن حصن إِلَى بني تَمِيم كغيرهم والوليد بن عقبَة إِلَى بني المصطلق ليَأْخُذ الصَّدَقَة فَخَرجُوا بِالسِّلَاحِ فَرحا بِهِ فولى رَاجعا وَأخْبر بمنعهم فهم
أَن يبْعَث لَهُم جَيْشًا فَنزل {إِن جَاءَكمُ فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وفيهَا سَرِيَّة عبد الله بن عَوْسَجَة إِلَى بني حَارِثَة مستهل صفر يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فرقعوا بالصحيفة أَسْفَل دلوهم وأبوا الْإِجَابَة فَدَعَا
عَلَيْهِم بذهاب عقلهم فهم إِلَى الْيَوْم فِي رعدة وعجلة واختلاط كَلَام وَقُطْبَة بن عَامر إِلَى خثعم بِنَاحِيَة بيشة من مخاليف مَكَّة فِي صفر فِي عشْرين رجلا فَقتلُوا مِنْهُم وغنموا(2/300)
وعلقمة بن مُحرز المدلجي إِلَى الْحَبَشَة فِي ثَلَاثمِائَة لما ترَاءى أهل جدة نَاسا من الْحَبَشَة فَخَاضَ إِلَيْهِم فَهَرَبُوا فَلَمَّا رجعُوا وَكَانَ أمره على من تعجل فِي الرُّجُوع وَمَعَهُ عبد الله بن حذافة السَّهْمِي أَو هُوَ الْأَمِير كَمَا فِي بعض الرِّوَايَات فأجج نَارا وأرادهم على الْوُثُوب ثمَّ كف عَن ذَلِك فَبَلغهُ
ذَلِك فَقَالَ من أَمركُم بِمَعْصِيَة فَلَا تطيعوه وعليا إِلَى القلس صنم لطيىء فِي مائَة وَخمسين أَو مِائَتَيْنِ فهدمه وغنم غَنَائِم من آل حَاتِم ثمَّ لما ظفروا بهدمه هرب عدي بن حَاتِم إِلَى الشَّام وكلم النَّبِي
أُخْت عدي سفانة بنت حَاتِم أَن يمن عَلَيْهِ فَمن عَلَيْهِ ثمَّ قدم وَأسلم وعكاشة بن مُحصن إِلَى الْحباب أَرض عذرة وبلي وغَطَفَان أَو فزارهَ وكلب ولعذرة فِيهَا شركَة وَأَبا سُفْيَان والمغيرة لهدم الطاغية وَغَيرهَا فهدماها وأخذا مَالهَا وفيهَا قدم وَفد بني أَسد فَقَالُوا جِئْنَا قبل أَن ترسل إِلَيْنَا فَنزل {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} وَتَتَابَعَتْ الْوُفُود تَمِيم وَعَبس وفزارة وَغَيرهم مِمَّا لَا ينْحَصر وفيهَا حج أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بِالنَّاسِ فِي ثَلَاثمِائَة رجل وَمَعَهُ عشرُون بَدَنَة وَبعث عليا خَلفه بِسُورَة بَرَاءَة لينبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده وَألا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان فأدركه عَليّ بالعرج مبلغا لَا أَمِيرا وَكَانَ حجهم فِي ذَلِك الْعَام فِي ذِي الْقعدَة وفيهَا مَاتَ النَّجَاشِيّ فَخرج
إِلَى الْمصلى وَالنَّاس مَعَه فصلوا عَلَيْهِ وَمَات عبد الله بن أبي الْمُنَافِق فصلى عَلَيْهِ فَنزل {وَلَا تُصَلِّ على أحَدٍ منهُم مَاتَ أبدا} وآلى من نِسَائِهِ شهرا وَلَا عَن بَين عُوَيْمِر الْعجْلَاني أَو هِلَال ابْن أُميَّة وَامْرَأَته خَوْلَة بنت عَاصِم أَو بنت قيس أَو غير ذَلِك على الِاخْتِلَاف لما رَمَاهَا بِشريك بن السحماء فِي شعْبَان عِنْد قدومه من تَبُوك فَوَجَدَهَا حُبْلَى وَنزلت(2/301)
حِينَئِذٍ آيَة اللّعان قَالَ فِي الْمَوَاهِب حجَّة أبي بكر الصّديق سنة تسع فِي ذِي الْقعدَة كَمَا ذكره ابْن سعد وَغَيره بِسَنَد صَحِيح عَن مُجَاهِد وَوَافَقَهُ عِكْرِمَة بن خَالِد فِيمَا أخرجه الْحَاكِم فِي الإكليل وَقَالَ قوم فِي ذِي الْحجَّة وَبِه قَالَ الدَّاودِيّ والثعلبي وَالْمَاوَرْدِيّ وَيُؤَيِّدهُ أَن ابْن إِسْحَاق صرح بِأَن النَّبِي
أَقَامَ بَعْدَمَا رَجَعَ من تَبُوك رَمَضَان وشوالاً وَذَا الْقعدَة ثمَّ بعث أَبَا بكر أَمِيرا على الْحَج فَهُوَ ظَاهر فِي أَن بعث أبي بكر كَانَ بعد انسلاخ ذِي الْقعدَة فَيكون حجه فِي ذِي الْحجَّة على هَذَا وَالله أعلم وَكَانَ مَعَ أبي بكر ثَلَاثمِائَة رجل من الْمَدِينَة وَعِشْرُونَ بَدَنَة وَفِي البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَبَا بكر بعث فِي الْحجَّة الَّتِي أمره رَسُول الله
قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤذن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِلَّا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ثمَّ أرْدف النَّبِي
بعلي بن أبي طَالب وَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة فَأذن مُعْلنا فِي أهل منى بِبَرَاءَة وَألا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان قَالَ فنبذ أَبُو بكر إِلَى النَّاس فِي ذَلِك الْعَام فَلم يحجّ فِي الْعَام الْقَابِل الَّذِي حج فِيهِ رَسُول الله
حجَّة الْوَدَاع مُشْرك فَأنْزل الله تَعَالَى فِي الْعَام الَّذِي نبذ فِيهِ أَبُو بكر إِلَى الْمُشْركين {يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا إِنَمَا المُشركوُن نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجدَ الحَرَامَ بعد عَامهمْ هَذَا} الْآيَة وَقد دلّت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة على نَجَاسَة الْمُشرك يعْنى نَجَاسَة اعْتِقَاده وَأما نَجَاسَة بدنه فالجمهور على أَنه لَيْسَ بِنَجس الْبدن والذات وَذهب بعض الظَّاهِرِيَّة إِلَى نَجَاسَة أبدانهم وَهَذَا ضَعِيف لِأَن أعيانهم لَو كَانَت نَجِسَة كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير لما طهرهم الْإِسْلَام ولاستوى فِي النَّهْي عَن دُخُول الْمُشْركين المسجدُ الْحَرَام وَغَيره من الْمَسَاجِد فَالْمُرَاد نَجَاسَة الْخبث لما فيهم من خبث الظَّاهِر بالْكفْر وخبث الْبَاطِن بالعداوة قَالَه مقَاتل(2/302)
وروى النَّسَائِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي
لما رَجَعَ من عمْرَة الْجِعِرَّانَة بعث أَبَا بكر على الْحَج فأقبلنا مَعَه حَتَّى إِذا كُنَّا بالعرج ثوَّب بالصبح فَلَمَّا اسْتَوَى للتكبير سمع الرغوة وَرَاء ظَهره فَوقف عَن التَّكْبِير فَقَالَ هَذِه رغوة نَاقَة رَسُول الله
الجدعاء لقد بدا لرَسُول الله
فِي الْحَج فَلَعَلَّهُ أَن يكون رَسُول الله
فنصلي مَعَه فَإِذا عَليّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أَمِير أم رَسُول قَالَ رَسُول أَرْسلنِي رَسُول الله
بِبَرَاءَة أقرأها على النَّاس فِي مَوَاقِف الْحَج فقدمنا مَكَّة فَلَمَّا كَانَ قبل التَّرويَة بِيَوْم قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فَحَدثهُمْ عَن مناسكهم حَتَّى إِذا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا ثمَّ إِذا كَانَ يَوْم النَّحْر فأفضنا قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فَحَدثهُمْ عَن إفاضتهم وَعَن نحرهم وَعَن مناسكهم فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فقرأعلى النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر فأفضنا قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فَحَدثهُمْ كَيفَ ينفرون وَكَيف يرْمونَ وَيُعلمهُم مناسكهم فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا وَهَذَا السِّيَاق فِيهِ غرابة من جِهَة أَن أَمِير الْحَج سنة الْجِعِرَّانَة إِنَّمَا هُوَ عتاب بن أسيد فَأَما أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّمَا كَانَ سنة تسع وَاسْتدلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّة على أَن فرض الْحَج كَانَ قبل حجَّة الْوَدَاع وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك شهيرة كَثِيرَة وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن حج أبي بكر هَذَا لم يسْقط عَنهُ الْفَرْض بل كَانَ تَطَوّعا قبل فرض الْحَج وَلَا يخفي ضعفه وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ عبد الله بن أبي ابْن مسلول فجَاء ابْنه عبد الله بن عبد الله إِلَى رَسُول الله
فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكفن فِيهِ أَبَاهُ فَأعْطَاهُ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ عمر رَضِي الله عَنهُ فَأخذ بِثَوْب رَسُول الله
فَقَالَ يَا رَسُول الله تصلي عَلَيْهِ وَقد نهاك رَبك أَن تصلي عَلَيْهِ فَقَالَ
إِنَّمَا خيرني الله عز وَجل قَالَ {أستَغفِر لَهُم أَو لَا تستَغْفِر لهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سبعين مرّة} وسأزيد على السّبْعين قَالَ إِنَّه مُنَافِق فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تُصَلِّ على أحَدٍ منهُم مَاتَ أبدا وَلَا تَقُم عَلىَ قَبرهِ إنَّهُم كفرُوا باللهِ وَرَسُوله وماتوا وهم فَاسِقُونَ} // (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) //(2/303)
وفيهَا آلى من نِسَائِهِ
شهرا وجحش شقَّه أَي خدش وَجلسَ فِي مشربَة لَهُ لَهَا درج من جُذُوع فَأَتَاهُ أَصْحَابه يعودونه فصلى بهم جَالِسا وهم قيام فَلَمَّا سلم قَالَ إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ فَإِذا صلى قَائِما فصلوا قيَاما وَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا وَلَا تركعوا حَتَّى يرْكَع وَلَا تَرفعُوا حَتَّى يرفع وَنزل لتسْع وَعشْرين فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك آلَيْت شهرا فَقَالَ إِن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين(2/304)
(حوادث السّنة الْعَاشِرَة)
فِيهَا سَرِيَّة خَالِد فِي ربيع الأول إِلَى بني عبد المدان بِنَجْرَان فأسلموا وجريز ابْن عبد الله البَجلِيّ فِي رَمَضَان فِي مائَة وَخمسين إِلَى ذِي الخلصة بَيت أصنام لدوس وخثعم وبجيلة وَمن ببلادهم وَحَدِيثه فِي البُخَارِيّ قَالَ جرير فكسرناه وقتلنا من وَجَدْنَاهُ عِنْده فَدَعَا
لنا ولأحمس وفيهَا حجَّة الْوَدَاع وَتسَمى حجَّة الْبَلَاغ وَحجَّة الْإِسْلَام خرج يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ أَو يَوْم الْجُمُعَة أَو يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ
تسعون ألفا أَو مائَة وَأَرْبَعَة عشر ألفا ووقف فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة وَنزل {اليومَ أكمَلتُ لكم دينكُمْ} الْآيَة وَرجع من حجَّة الْوَدَاع لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة وفيهَا نزل {يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا ليستئذنكم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} الْآيَة وَكَانُوا لَا يَفْعَلُونَهُ قبل ذَلِك وَقدم وَفد نَجْرَان فِي اثْنَي عشر رَاكِبًا أَمِيرهمْ العاقب عبد الْمَسِيح وَالسَّيِّد إمَامهمْ واسْمه الْأَيْهَم وَأَبُو حَارِثَة أسقفهم صالحوه عَن أهل نَجْرَان قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَكره ابْن عَبَّاس أَن يُقَال حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ
قد أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ يُضحي كل عَام ويغزو الْمَغَازِي فَلَمَّا كَانَ فِي ذِي الْقعدَة سنة عشر من الْهِجْرَة أجمع الْخُرُوج إِلَى الْحَج قَالَ ابْن سعد وَلم يحجّ غَيرهَا مُنْذُ تنبأ إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى وَفِي البُخَارِيّ عَن زيد بن أَرقم أَن النَّبِي
حج بعد مَا هَاجر حجَّة وَاحِدَة لم يحجّ بعْدهَا وَهِي حجَّة الْوَدَاع قَالَ ابْن إِسْحَاق وبمكة أُخْرَى قيل حج(2/305)
بِمَكَّة حجَّتَيْنِ هَذَا بعد النُّبُوَّة وَقبلهَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَخرج
من الْمَدِينَة يَوْم السبت لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَجزم ابْن حزم بِأَن خُرُوجه كَانَ يَوْم الْخَمِيس وَفِيه نظر لِأَن أول ذِي الْحجَّة كَانَ يَوْم الْخَمِيس قطعا لما ثَبت وتواتر أَن وُقُوفه بِعَرَفَة كَانَ يَوْم الْجُمُعَة لَكِن ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس صلينَا مَعَ النَّبِي
الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا وَالْعصر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ فَدلَّ على أَن خُرُوجهمْ لم يكن يَوْم الْجُمُعَة وَيحمل قَول من قَالَ لخمس بَقينَ أَي إِن كَانَ الشَّهْر ثَلَاثِينَ فاتفق أَن جَاءَ تسعا وَعشْرين فَيكون يَوْم الْخَمِيس أول ذِي الْحجَّة بعد مُضِيّ أَربع لَيَال لَا خمس وَبهَا الْأَخْبَار هَكَذَا جمع الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير الرِّوَايَات وقوى هَذَا الْجمع بقول جَابر إِنَّه خرج لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة أَو أَربع وَصرح بِهِ الْوَاقِدِيّ بِأَن خُرُوجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَوْم السبت لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَكَانَ خُرُوجه من الْمَدِينَة بَين الظّهْر وَالْعصر وَكَانَ دُخُوله مَكَّة صبح رابعه كَمَا ثَبت فِي حَدِيث عَائِشَة وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد وَهَذَا يُؤَيّد أَن خُرُوجه من الْمَدِينَة كَانَ يَوْم السبت كَمَا تقدم فَيكون مكث فِي الطَّرِيق ثَمَان لَيَال وَهِي الْمسَافَة(2/306)
الْوُسْطَى وَخرج مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تسعون ألفا وَيُقَال مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا وَيُقَال أَكثر من ذَلِك كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَرجع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من حجَّة الْوَدَاع لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة(2/307)
(حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة)
فِيهَا سَرِيَّة أُسَامَة بن زيد إِلَى أهل أُبنى بالسراة نَاحيَة البلقاء يَوْم الِاثْنَيْنِ لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من صفر لغزو الرّوم مَكَان قتل أَبِيه زيد وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَغَيرهمَا فَمَرض
فعوقهم ذَلِك وَثقل
فَجعل يَقُول أنفذوا بعث أُسَامَة وَدخل عَلَيْهِ أُسَامَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقد أصبح مفيقاً فَقَالَ لَهُ اغْدُ على بركَة الله فودعه وَخرج ثمَّ تَأَخّر حَتَّى توفّي رَسُول الله
فَخرج حَتَّى وصل إِلَى أهل أبنى فِي عشْرين لَيْلَة فشن عَلَيْهِم الْغَارة وَكَانَ شعارهم يَا مَنْصُور أمت فَقتل وَحرق وغنم وَقبل وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسبع لَيَال أَو ثَلَاث لَيَال أَو ثَلَاث سَاعَات أَو بِأحد وَثَمَانِينَ يَوْمًا أَو عشْرين أَو غير ذَلِك على الْخلاف نزل قَوْله تَعَالَى {وَاتقُوا يَوْمًا ترُجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} الْبَقَرَة 281 فَهِيَ آخر آيَة نزلت وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس إِن آيَة الرِّبَا آخر آيَة نزلت وَالْجمع مُمكن وَفِي آخر مَا نزل أَقْوَال غير ذَلِك وَأما أول مَا نزل ف {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} العلق 1 الْآيَات الْخمس قَالَ الْقشيرِي ثمَّ نون والقلم ثمَّ المزمل ثمَّ المدثر ثمَّ ثَبت ثمَّ كَذَا إِلَى آخر مَا ذكر من التَّرْتِيب ولبسط ذَلِك وتمييز الْمدنِي من الْمَكِّيّ تأليف مَخْصُوصَة لسنا بصددها
(فصل فِي صِفَاته الحسية
)
كَانَ ربعَة بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أَبيض اللَّوْن مشرباً بحمرة رجل الشّعْر(2/308)
أسوده يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ إِذا طَال وَنصف ذَلِك إِذا قصر لم يبلغ الشيب فِي رَأسه ولحيته عشْرين شَعْرَة وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب فِي غير قرن أدعج الْعَينَيْنِ أقنى الْعرنِين سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان حُلْو الْمنطق يتلألأ وَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر حسن الْخلق معتدله عريض الصَّدْر مَوْصُول مَا بَين لبته وسرته بِشعر يجْرِي كالخط أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصَّدْر عالي الْيَدَيْنِ والبطن فِيمَا سوى ذَلِك أجل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وَأحسنه وأحلاه من قريب إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما وعلاه الْبَهَاء بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة مثل بَيْضَة الْحَمَامَة لَونه لون جسده عَلَيْهِ خيلان روى أَنه مَكْتُوب فِي بَاطِنه الله وَحده لَا شريك لَهُ وَفِي ظَاهره توجه حَيْثُ شِئْت فَإنَّك مَنْصُور ويروى أَيْضا أَن الْمَكْتُوب فِيهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَقيل غير ذَلِك يَقُول واصفه
لم أر قبله مثله وَلَا بعده مثله
(فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه
)
قَالَت عَائِشَة كَانَ خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه وَكَانَ أحلم النَّاس قيل لَهُ أَلا تَدْعُو على الْمُشْركين قَالَ إِنَّمَا بعثت رَحْمَة وَلم أبْعث عذَابا وَكَانَ أَشْجَع النَّاس قَالَ عَليّ كُنَّا إِذا حمي الْبَأْس والتقى الْقَوْم اتقينا برَسُول الله
وَأَعْدل النَّاس الْقَرِيب والبعيد وَالْقَوِي والضعيف عِنْده سَوَاء(2/309)
وأعف النَّاس وأسخاهم لَا يسْأَل شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ لَا يبيت عِنْده دِينَار وَلَا دِرْهَم فَإِن فضل وَلم يجد من يُعْطِيهِ وفجأه اللَّيْل لم يأو إِلَى منزله حَتَّى يبرأ مِنْهُ إِلَى من يحْتَاج إِلَيْهِ لَا يَأْخُذ مِمَّا أعطَاهُ الله إِلَّا قوت عَامه فَقَط من أيسر مَا يجد وَيَضَع سَائِر ذَلِك فِي سَبِيل الله ثمَّ يعود على قوت عَامه فيؤثر مِنْهُ وَكَانَ أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها لَا يثبت نظره فِي وَجه أحد غاض الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أطول من نظره إِلَى السَّمَاء جلّ نطره الملاحظ وَأكْثر تواضعاً يخصف النَّعْل ويرقع الثَّوْب ويفليه قلت معنى يفليه لَيْسَ من الْقمل كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر لِأَن الْقمل لَا يلْحق جسده الشريف وَإِنَّمَا المُرَاد بالتفلية التنقية من نَحْو قشة أَو غُبَار وَمَا أشبههَا ويخيطه ويخدم فِي مهنة أَهله وَيقطع اللَّحْم مَعَهُنَّ ويجيب دَعْوَة الْحر وَالْعَبْد وَيقبل الْهَدِيَّة وَإِن قلت ويكافىء عَلَيْهَا ويأكلها وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة تستتبعه الْأمة والمسكين فيتبعهما حَيْثُ دَعْوَاهُ ويجيب الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ويجالسهم ويواكلهم وأصدق النَّاس لهجة وأوفاهم ذمَّة وألينهم عَرِيكَة وَأكْرمهمْ عشرَة وأرحمهم يصغي الْإِنَاء للهرة فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا وأشدهم إِكْرَاما لأَصْحَابه لَا يمد رجله بَينهم ويوسع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمجْلس ويتفقدهم وَيسْأل عَنْهُم من مرض عَاده وَمن غَابَ دَعَا لَهُ وَمن مَاتَ اسْترْجع وأتبع ذَلِك بِالدُّعَاءِ لَهُ وَمن تخوف أَنه وجد فِي نَفسه انْطلق حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله وَيقبل معذرة المعتذر وَيخرج إِلَى بساتين أَصْحَابه وَيَأْكُل من ضيافتهم وَلَا يطوي بشره عَن أحد وَلَا يدع أحدا يمشي خَلفه وَيَقُول خلوا ظَهْري للْمَلَائكَة وَلَا يدع أحد يمشي مَعَه وَهُوَ رَاكب حَتَّى يحملهُ فَإِن أَبى قَالَ تقدمني إِلَى الْمَكَان الَّذِي تُرِيدُ وَأمر فِي سَفَره باصلاح شَاة فَقَالَ رجل عَليّ ذَبحهَا وَآخر عليَّ سلخها وَآخر عليَّ طبخها فَقَالَ
وعليَّ جمع الْحَطب فَقَالُوا نَحن نكفيك قَالَ قد علمت وَلَكِن اكره أَن أتميز عَلَيْكُم فَإِن الله يكره من عبد أَن يرَاهُ متميزاً بَين أَصْحَابه وَقَامَ بِجمع الْحَطب يخْدم من خدمه مَا ضرب قطّ خادمه وَلَا امْرَأَة وَلَا شَيْئا إِلَّا فِي جِهَاد وَلَا(2/310)
يترفع على عبيده وإمائه فِي مأكل وَلَا ملبس قَالَ أنس خدمته عشر سِنِين فَمَا قَالَ لي قطّ أُفٍّ وَلَا لِمَ فعلت وَلَا أَلا فعلت أَكثر النَّاس تبسماً وَأَحْسَنهمْ بشرا لَا يهوله شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا لَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يلبس مَا وجد من مُبَاح ويركب مَا تيَسّر من فرس أَبُو بعير أَو بغلة أَو حمَار ويردف خَلفه عَبده أَو غَيره وَقد روى فِيمَن أردفه أَكثر من ثَلَاثِينَ يمسح وَجه فرسه بِطرف كمه أَو طرف رِدَائه يحب الفأل وَيكرهُ الطَّيرَة إِن جَاءَ مَا يحب قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين أَو مَا يكره قَالَ الْحَمد لله على كل حَال يحب الطّيب وَيكرهُ الرِيح الرَّديئَة يمزح وَلَا يِقول إِلَّا حَقًا يبْدَأ من لقِيه بِالسَّلَامِ لَا يجلس وَلَا يقوَم إِلَّا على ذكر يجلس حَيْثُ انْتهى بِهِ الْمجْلس وَيَأْمُر بذلك وَلَا يقوم عَمَّن يجالسه حَتَّى يقوم إِلَّا أَن يتعجله أَو يَسْتَأْذِنهُ وَلَا يُقَابل أحدا بِمَا يكره وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو ويصفح لَا يذم شَيْئا قطّ وَمَا عَابَ طَعَاما قطّ إِن اشتهاه أكله وَإِلَّا تَركه يحفظ جَاره وَيكرم ضَيفه وَمَا خير بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا أَو قطيعة رحم فَيكون أبعد النَّاس مِنْهُ أَكثر جُلُوسه للقباة آتَاهُ الله مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض فَلم يقبل وَاخْتَارَ الْآخِرَة يعصب الْحجر على بَطْنه من الْجُوع يبيت هُوَ وَأَهله اللَّيَالِي طاوين وَلم يشْبع من خبز بر ثَلَاثًا تباعا وَلَا من خبز الشّعير حَتَّى لَقِي الله عز وَجل إيثاراً على نَفسه لَا فقرا وَلَا بخلا يَأْتِي على أَهله الشَّهْر والشهران لَا يُوقد فِي بَيت من بيوته نَار وَلَا يَأْكُل مُتكئا وَلَا على خوان فرَاشه من أَدَم وحشوة لِيف يلبس الصُّوف وينتعل المخصوف أحب اللبَاس إِلَيْهِ الْحبرَة من برود الْيمن فياه حمرَة وَبَيَاض يلبس الْإِزَار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طَرفَيْهِ بَين كَتفيهِ ويلبس يَوْم الْجُمُعَة برده الْأَحْمَر ويعتم وَكَانَ يلبس خَاتمًا فضَّة نقش فصه مُحَمَّد رَسُول الله فِي خِنْصره الْأَيْمن وَرُبمَا لبسه فِي الْأَيْسَر وَيكثر دهن رَأسه ولحيته ويتبخر بِالْعودِ والكافور ويكتحل بالإثمد ويتطيب بالغالية والمسك أَو بالمسك وَحده(2/311)
(فصل فِي خَصَائِصه
)
فَمن الْوَاجِبَات الْمُشَاورَة فِي الْأُمُور وتخيير نِسَائِهِ بَين أَن يبْقين فِي عصمته أَو لَا ومصابرة الْعَدو الْكثير وتغيير الْمُنكر من غير قيد عدم الْخَوْف وَقَضَاء دين الْمَيِّت الْمُعسر الْمُسلم وَلَيْسَ مِنْهَا وجوب الضُّحَى وَلَا الْأَضْحَى وَلَا الْوتر وَلَا السِّوَاك وَلَا التَّهَجُّد وَنَحْو ذَلِك خلافًا لمن زَعمه وَمن الْمُحرمَات أَخذ الصَّدَقَة وَاجِبَة كَانَت أَو تَطَوّعا وَالشعر والخط وَالْأكل مُتكئا وَأكل ذِي ريح كريه فِي رَأْي قوي وَنزع لأمته إِذا لبسهَا حَتَّى يلقى الْعَدو ومدّ عَيْنَيْهِ لما متع بِهِ النَّاس وخائنة الْأَعْين بِأَن يومىء إِلَى مُبَاح على خلاف مَا يظْهر والمن ليستكثر وإمساك من كرهت نِكَاحه وَمن الْمُبَاحَات مُوَاصلَة الصَّوْم واصطفاء مَا يخْتَار من الْغَنِيمَة كأخذه صَفِيَّة وسيفه ذَا الفقار وَكَانَ لَهُ خمس الْخمس من الْفَيْء وَالْغنيمَة وَأَرْبَعَة أَخْمَاس من الْفَيْء وَدخُول مَكَّة بِلَا إِحْرَام وَإِن اخْتلف فِي غَيره وأبيح لَهُ الْقِتَال بهَا سَاعَة يَوْم الْفَتْح وَكَانَت من ضحوة إِلَى بعد الْعَصْر وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ قطعا ولنفسه وَلَو كره وَيشْهد أَيْضا لنَفسِهِ وَولده وَيقبل من يشْهد لَهما وَيحيى الْموَات لنَفسِهِ وَيَأْخُذ الطَّعَام وَالشرَاب من الْمَالِك الْمُحْتَاج لَهما وَيمْكث بِالْمَسْجِدِ جنبا وَمن يختاره مَعَه فِي ذَلِك كَمَا أشركه مَعَه فِي ذَلِك وَلَا ينْتَقض وضوؤه بنومه // (من الْبَسِيط) //
( ... ... ... ... فالعين نَائِمَة وَالْقلب يقظان)
وَله أَن يُزَوّج من نَفسه وَمِمَّنْ شَاءَ بِلَا إِذن ويتولى الطَّرفَيْنِ وَيزِيد على أَربع زَوْجَات بل وعَلى تسع اللَّاتِي اتّفق اجتماعهن وَهُوَ الْعدَد الَّذِي مَاتَ عَنهُ أَيْضا وينكح بِلَا ولي وَلَا شُهُود وَفِي حَالَة إِحْرَامه وبلفظ الْهِبَة من الْمَرْأَة وَبلا مهر لَا حَالا وَلَا مَآلًا وَأكْثر الْمُبَاح لَهُ لم يَقع مِنْهُ
وَمن الْفَضَائِل والكرامات تَحْرِيم أَزوَاجه اللَّاتِي دخل بِهن وفارقهن بِمَوْت أَو غَيره على من سواهُ وَإِنَّمَا هن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك وَفِي احترامهن لَا فِي نَحْو نظر وخلوة وَتَحْرِيم بناتهن وأخواتهن وَكَذَا من لم يدْخل بِهن على مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي لظَاهِر الْقُرْآن ونساؤه أفضل النِّسَاء وأفضلهن خَدِيجَة وَعَائِشَة وَأمته خير الْأُمَم وَلَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة وصفوفهم كَصُفُوف الْمَلَائِكَة(2/312)
وَأَصْحَابه خير الْقُرُون ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وشرعه مؤبد نَاسخ لما خَالفه من الشَّرَائِع وَكتابه معجز يحفظ من التحريف والتبديل مُسْتَمر بعد نبوته ومعجزات غَيره من الْأَنْبِيَاء انقرضت وَنصر بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَجعلت لَهُ الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَأحلت لَهُ الْغَنَائِم وَأعْطِي الشَّفَاعَة وَالْمقَام الْمَحْمُود وَله خمس شفاعات وَأكْثر مِنْهَا فَلهُ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى فِي فصل الْموقف وَهِي الأولى فَيفزع الْكل إِلَيْهِ بعد دلَالَة الرُّسُل عَلَيْهِ وَلَو بتوسط الدّلَالَة على من دلّ عَلَيْهِ إِظْهَارًا لعلو مقَامه وانفراده بِتَمَامِهِ والشفاعة فِي قوم يدْخلُونَ النَّار فَلَا يدْخلُونَهَا وَهِي الثَّالِثَة وَفِي نَاس دخلوها فَيخْرجُونَ مِنْهَا وَهِي الرَّابِعَة وَفِي رفع الدَّرَجَات فِي الْجنَّة وَهِي الْخَامِسَة وَله غَيْرهنَّ شَفَاعَته لمن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَفِي جمع من صلحاء الْمُؤمنِينَ أَن يتَجَاوَز عَنْهُم مَا لَعَلَّهُم قصروا فِيهِ وَفِي تَخْفيف الْعَذَاب عَن بعض هَل النَّار كَمَا فِي عَمه أبي طَالب وَفِي تَخْفيف عَذَاب الْقَبْر كَمَا فِي حَدِيث غرز الجريدتين فِي القبرين وَفِي فتح بَاب الْجنَّة وَالْجَوَاز على الصِّرَاط وَغير ذَلِك وَأرْسل إِلَى النَّاس كَافَّة وَهُوَ سيد ولد آدم وَأول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَأول شَافِع وَأول مُشَفع وَأول من يقرع بَاب الْجنَّة وَأكْثر النَّاس تبعا وَأعْطِي جَوَامِع الْكَلم وَكَانَ لَا ينَام قلبه وَيرى من وَرَاء ظَهره كَمَا يرى من قدامه وتطوعه بِالصَّلَاةِ قَاعِدا كتطوعه قَائِما وَإِن لم يكن لَهُ عذر وَلَا يحل لأحد رفع صَوته فَوق صَوته وَلَا نداؤه من وَرَاء الْحُجْرَة وَلَا باسمه بل يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله وَنَحْو ذَلِك ومخاطبة الْمُصَلِّي بِالسَّلَامِ عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَلَو خَاطب غَيره بطلت وَيجب على الْمُصَلِّي إجَابَته إِذا دَعَاهُ وَلَا تبطل صلَاته وَتحل لَهُ الْهَدِيَّة دون غَيره من الْحُكَّام وَلَا يجوز عَلَيْهِ وَلَا على غَيره من الْأَنْبِيَاء جُنُون وَلَا احْتِلَام وَمن استهان بِأحد مِنْهُم كفر وَلَا يُورث أحد مِنْهُم بل مَاله
صَدَقَة على الْمُسلمين وَأَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ وَيجب بذل المهج لِسَلَامَةِ مهمته فالنبي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَمن رغب فِيهَا وَهِي مُزَوّجَة وَجب على زَوجهَا طَلاقهَا(2/313)
وفاتته رَكْعَتَانِ بعد الظّهْر فقضاهما بعد الْعَصْر ثمَّ واظب عَلَيْهِمَا وَقَالَ تسموا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي فَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لأحد أَن يكنى بِأبي الْقَاسِم وَحمل نَصه على حَال حَيَاته
وَمن رَآهُ فِي الْمَنَام فقد رَآهُ حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صورته وَالْأَرْض لَا تَأْكُل لَحْمه وَلَا لحم أحد من الْأَنْبِيَاء وكل نسب وَسبب وصهر مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبه وَسَببه وصهره وَله غير ذَلِك مِمَّا لَا ينْحَصر
(فصل فِي معجزاته
)
مِنْهَا وَهُوَ أعظمها الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي عجز الْجِنّ وَالْإِنْس أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ بل بِعشر سور مِنْهُ بل بِسُورَة بل بِحَدِيث مثله وانشقاق الْقَمَر ونبع المَاء من بَين أَصَابِعه فَشرب مِنْهُ أهل الْعَسْكَر وَتَوَضَّئُوا كل ذَلِك من قدح وَلَا مَاء فِيهِ فَجَاشَ بِالْمَاءِ حَتَّى شرب الْجَيْش وَرووا وهم أُلُوف وفاضت إِلَى الْيَوْم وبالحديبية مرّة بالبئر فأروتهم وهم ألف وَأَرْبَعمِائَة أَو أَكثر وَأطْعم جَيش الخَنْدَق وهم ثَلَاثَة آلَاف من تمرٍ أَتَت بِهِ ابْنة بشير بن سعد إِلَى أَبِيهَا وخالها لم يمْلَأ كفيه فَأَكَلُوا مِنْهُ حَتَّى شَبِعُوا وفضلت فضلَة وَرمى يَوْم حنين جَيش الْكفَّار بقبضة من تُرَاب فعميت عيونهم وحن إِلَيْهِ الْجذع الَّذِي كَانَ يخْطب إِلَيْهِ حِين عمل لَهُ الْمِنْبَر وَكَلمه الذِّرَاع المسموم بِالشَّاة كَمَا سبق وَكَانَ يخبر بالغيوب كَقَوْلِه إِن عمارا تقتله الفئة الباغية وَإِن عُثْمَان تصيبه بلوى تكون بعْدهَا الْجنَّة وَإِن الْحسن بن عَليّ سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ إخْبَاره بقتل الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب وَهُوَ بِصَنْعَاء وبمن قَتله وبموت النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ وبترتيب المقتولين فِي غَزْوَة مُؤْتَة كَمَا مضى وإخباره بقتل ابْن خلف ومصارع صَنَادِيد قُرَيْش فَكَانَ كَمَا قَالَ وَخرج وعَلى بَابه قوم ينتظرونه ليؤذوه فَوضع التُّرَاب على رؤوسهم فَلم يروه ودعا شجرتين فأتتاه فاجتمعتا ثمَّ أَمرهمَا فافترقتا وزويت لَهُ الأَرْض(2/314)
فَرَأى مشارقها وَمَغَارِبهَا وَأخْبر ببلوغ ملك أمته مَا زوى لَهُ مِنْهَا فَكَانَ كَذَلِك فَبلغ ملكهم من أول الْمشرق إِلَى آخر الْمغرب وَلم يتسعوا فِي الْجنُوب وَالشمَال كَمَا أخبر سَوَاء بِسَوَاء وَمسح ضرع شَاة لم ينز عَلَيْهَا الْفَحْل فَدرت وندرت عين قَتَادَة فَسَقَطت فَردهَا بِيَدِهِ الْكَرِيمَة فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ وأحسنهما وَأَحَدهمَا وَكَانُوا يسمعُونَ تَسْبِيح الطَّعَام بَين يَدَيْهِ والحصى بيدَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ الْحجر وَالشَّجر ليَالِي بعث وَغَيرهمَا وكلمته الْحَيَوَانَات الْبَعِير وَغَيره فِي حاجاتها وَمِنْهَا إنبات النَّخْلَة فِي سَنَام الْبَعِير وَإِدْرَاك ثَمَرهَا فِي الْحَال ففرقه على الْحَاضِرين فَمن علم الله أَن سيؤمن كَانَت التمرة فِي فَمه تَمْرَة كَمَا هِيَ وَمن علم عدم إيمَانه عَادَتْ التمرة فِي فِيهِ حجرا ذكر ذَلِك الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى وَقد بلغ بمعجزاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعض الْأَئِمَّة ثَلَاثَة آلَاف وَزِيَادَة غير الْقُرْآن الْعَظِيم إِذْ كل حرف مِنْهُ معجز فمعجزاته
لَا يدْرك حصرها قَالَ ابْن اسحق فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بكر أقبل النَّاس على جهاز رَسُول الله
يَوْم الثُّلَاثَاء فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا أَن عَليّ بن أبي طَالب وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَالْفضل بن الْعَبَّاس وَقثم بن الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران مولى رَسُول الله
هم الَّذين توَلّوا غسله وَأَن أَوْس بن خولى أحد بني عَوْف بن الْخَزْرَج قَالَ لعَلي بن أبي طَالب أنْشدك الله يَا عَليّ وحظنا من رَسُول الله
وَكَانَ أَوْس من أَصْحَاب رَسُول الله
وَأهل بدر قَالَ ادخل فَدخل وَجلسَ وَحضر غسل رَسُول الله
فأسنده عَليّ بن أبي طَالب إِلَى صَدره وَكَانَ الْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم يقلبونه مَعَه وَكَانَ أُسَامَة بن زيد وشقران موليَاهُ اللَّذَان يصبَّانِ المَاء عَلَيْهِ وَعلي يغسلهُ قد أسْندهُ إِلَى صَدره وَعَلِيهِ قَمِيص يدلكه بِهِ من وَرَائه وَلَا يُفْضِي بِيَدِهِ إِلَى رَسُول الله
وَعلي يَقُول بِأبي أَنْت وَأمي مَا أطيبك حَيا وَمَيتًا وَلم يُر من رَسُول الله
شَيْء مِمَّا يرى من الْمَيِّت(2/315)
قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عباد عَن عَائِشَة قَالَت لما أَرَادوا غسل رَسُول الله
اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالُوا وَالله مَا ندي أنجرد رَسُول الله
من ثِيَابه كَمَا نجرد مَوتَانا أَو نغسله وَعَلِيهِ ثِيَابه قَالَت فَلَمَّا اخْتلفُوا ألْقى الله عَلَيْهِم النّوم حَتَّى مَا مِنْهُم من رجل إِلَّا ذقنه فِي صَدره ثمَّ كَلمهمْ مُكَلم من نَاحيَة الْبَيْت لَا يَدْرُونَ من هُوَ أَن غسلوا النَّبِي
وَعَلِيهِ ثِيَابه قَالَت فَقَامُوا إِلَى رَسُول الله
فغسلوه وَعَلِيهِ قَمِيصه يصبون المَاء فَوق الْقَمِيص ويدلكونه والقميص دون أَيْديهم قَالَ فَلَمَّا فرغ من غسل رَسُول الله
كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب ثَوْبَيْنِ صحاريين وبردة حبرَة أدرج فِيهِ إدراجاً كَمَا حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن وحَدثني حُسَيْن بن عبد الله عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أَرَادوا أَن يحفروا لرَسُول الله
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح يصْرخ كحفر أهل مَكَّة وَكَانَ أَبُو طَلْحَة زيد بن سهل هُوَ الَّذِي كَانَ يحْفر لأهل الْمَدِينَة وَكَانَ يلْحد فَدَعَا الْعَبَّاس رجلَيْنِ فَقَالَ لأَحَدهمَا اذْهَبْ إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح وَقَالَ للْآخر اذْهَبْ إِلَى أبي طَلْحَة اللَّهُمَّ خره لرَسُول الله
فَلَمَّا فرغ من جهاز رَسُول الله
يَوْم الثُّلَاثَاء وضع على سَرِيره فِي بَيته وَقد كَانَ الْمُسلمُونَ اخْتلفُوا فِي دَفنه فَقَالَ قَائِل ندفنه فِي مَسْجده وَقَالَ قَائِل بل ندفنه مَعَ أَصْحَابه فَقَالَ أَبُو بكر إِنِّي سَمِعت رَسُول الله
يَقُول مَا قبض نَبِي إِلَّا دفن حَيْثُ قبض فَرفع فرَاش رَسُول الله
الَّذِي توفّي عَلَيْهِ فحفر لَهُ تَحْتَهُ ثمَّ دخل النَّاس على رَسُول الله
يصلونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا فَدخل الرِّجَال حَتَّى إِذا فرغوا(2/316)
دخل النِّسَاء حَتَّى إِذا فرغن دخل الصّبيان وَلم يؤم النَّاس على رَسُول الله
أحد ثمَّ دفن رَسُول الله
من وسط اللَّيْل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن أبي بكر عَن امْرَأَته فَاطِمَة بنت عمَارَة عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة عَن عَائِشَة قَالَت مَا علمنَا بدفن رَسُول الله
حَتَّى سمعنَا صَوت الْمساحِي من جَوف اللَّيْل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَكَانَ الَّذين نزلُوا فِي قبر رَسُول الله
عَليّ بن أبي طَالب وَالْفضل بن عَبَّاس وَقثم بن عَبَّاس وشقران مولى رَسُول الله
وَقد قَالَ أَوْس بن خولى لعَلي بن أبي طَالب أنْشدك الله وحظنا من رَسُول الله
فَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَنزل مَعَ الْقَوْم وَقد كَانَ شقران حِين وضع رَسُول الله
فِي حفرته وَبنى عَلَيْهِ قد أَخذ قطيفة قد كَانَ رَسُول الله
يلبسهَا ويفترشها فدفنها فِي الْقَبْر وَقَالَ وَالله لَا يلبسهَا أحد بعْدك أبدا فدفنت مَعَ رَسُول الله
وسيأتى ذكر بَدْء مَرضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أول خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِمَّا قيل من الرثاء لرَسُول الله
قَول أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ // (من الوافر) //
(أجدكَ مَا لعينِكَ لَا تنامُ ... كأنَّ جفونَهَا فِيهَا كلامُ)
(بوقْعِ مصيبةٍ عظُمَتْ وجلَّتْ ... فدمعُ العينِ أهونُهُ انسجامُ)
(فُجعنا بالنبيِّ وَكَانَ فِينَا ... مقدَّمنا وَسَيِّدنَا الإمامُ)
(وَكَانَ قوامنا وَالرَّأْس فِينَا ... فنحنُ اليومَ لَيْسَ لنا قوامُ)
(ننوحُ ونشتكِى مَا قد لَقِينا ... ويشكُو فقدَهُ البلدُ الحرامُ)
(كأّنَّ أنوفنا لاقينَ جدعاً ... لفقدِ محمدٍ فِيهَا اصطلامُ)
(لفقدِ أغرَّ أبيضَ هاشميٍّ ... إِمَام نبوَّةٍ وَبِه الختامُ)(2/317)
(أمينٌ مصطفًى للخيرِ يَدْعُو ... كضوءِ البدرِ زايله الظلامُ)
(سأتبعُ هديهُ مَا دمْتُ حَيا ... طوالَ الدهرِ مَا سجع الحمامُ)
(كأنَّ الأرضَ بعْدك طارَ فِيهَا ... فَأَشْعَلَهَا لساكنها ضرامُ)
(وفقد الوَحْي إِذ وليت عَنَّا ... وودعنا مِنَ اللهِ الكلامُ)
(سوَى أَن قد تَرَكْت لنا سِرَاجًا ... تواريه القراطيسُ الكرامُ)
(لقد ورثتنا مِرآةَ صدقٍ ... عليكَ بِهِ التحيةُ والسلامُ)
(من الرحمنِ فِي أعلَى جنانٍ ... من الفردوسِ طابَ بهَا المقامُ)
(رَفِيق أبيكَ إبراهيمَ فِيهِ ... وَمَا فِي مِثل صحبتِهِ ندامُ)
(وَإِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل فِيهِ ... بِمَا صَلُّوا لربهمُ وصاموا)
وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يرثي رَسُول الله
// (من الْكَامِل) //
(مَا زلتُ مذ وضع الفِرَاشَ لجنبه ... وَثوَى مَرِيضا خَائفًا أتوقَّعُ)
(شفقاً عَلَيْهِ أَن يزولَ مَكَانَهُ ... عنَّا فنبقَى بعْدَهُ نتوجَّعُ)
(وَإِذا تحدثنا الحوادثُ منْ لَنَا ... بالوحْيِ من ربِّ رحيمِ يسمعُ)
(ليتَ السماءَ تفطَّرَتْ أكنافُهَا ... وتناثَرَتْ فِيهَا النجومُ الطلعُ)
(لما رأيتُ الناسَ هدَّ جمعيهم ... صوتٌ يُنَادي بالنَّعِيِّ فيسمعُ)
(وسمعْتُ صوتَا قبلَ ذَلِك هدَّني ... عَبَّاس ينعاه بصوتٍ يقطعُ)
(فليبكِهِ أهلُ المدائنِ كلّها ... والمسلمونَ بكُلِّ أرضٍ تجدعُ)
وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه // (من الطَّوِيل) //
(أَلا طرق الناعِي بلَيْلٍ فراعَنِي ... وأرَّقني لما استقلَّ منادياً)
(فقلتُ لَهُ لما رأيتُ الَّذِي أَتَى ... أغَيْرَ رسولِ اللهِ إنْ كنتَ نَاعِيا)
(فحققْت مَا أشفقْتُ منهُ وَلم ينلْ ... وَكَانَ خليلي عدَّةً وجماليَا)
(فواللهِ مَا أنساكَ أحمَدُ مَا مَشَتْ ... بِيَ العيسُ فِي أرضٍ وجاوزْتَ واديَا)(2/318)
(وكنتُ مَتى أهبطْ من الأرضِ بقْعَة ... أرَى أثرا مِنْهُ جَدِيدا وعافيَا)
(مِنَ الأسدِ قد أخْفى العرين مَخَافَة ... تهادي سباعُ الطيرِ مِنْهُ تَعَادِيا)
(شَدِيد حوى الصَّدرِ مِنهُمْ مشددٌ ... هُوَ المَوْتُ معدياً عَلَيْهِ وَعَادِيا)
وَقَالَ حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ // (من الطَّوِيل) //
(بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلَّرَسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وَتَهْمُدُ)
(وَلاَ تَنْمَحي الآياتُ مِنْ دَارِ حرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَد)
(وَوَاضِحُ آثارٍ وَبَاقِي مَعَالِمٍ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ)
(بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنَ اللهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ)
(مَشَاهِدُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالآيُ مْنهَا تَجَدَّدُ)
(عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مُلْحِدُ)
(ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلاَهَا مِنَ الْجَفْن تُسْعِدُ)
(يُذَكِّرْنَ آلاءَ الرَّسُولِ وَمَا أرَى ... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ)
(مُفَجَعةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أحْمَدٍ ... فَظَلَّتْ لآلاَءِ الرَّسُولِ تُعدِّدُ)
(وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عشيرهُ ... وَلكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ)
(أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْن جَهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أحْمَدُ)
(فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلاَدٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ الْمُسَدَّدُ)
(وَبُورِكَ لحدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طَيِّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مْن صَفِيحٍ مُنَضَّدُ)
(تَهَيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ وَأعْين ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أسْعُدُ)
(لَقَدْ غَيَّبُوا حِلمًا وَعِلْمًا وَحكْمَةً ... عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لاَ يُوَسَّدُ)(2/319)
(وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ)
(يُبَكُّونَ مَنْ تَبْكِي السَّمواتُ يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ)
(وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ ... رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ)
(تَقَطَّعَ فِيهِ منْزلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنْجِدُ)
(يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ)
(إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِداً ... مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا)
(عَفُوٌّ عنِ الزَّلاَّتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنْ يُحْسِنَوا فَاللهُ بِالْخَيْرِ أجْوَدُ)
(وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدَّدُ)
(فَبَيْنَا هُمُ فِي نِعْمَةِ اللهِ بَيْنهُمْ ... دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ)
(عَزِيزٌ عَلَيْهِ أنْ يَزِيغُوا عَنِ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا)
(عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لاَ يُثَنِّي جَنَاحَهُ ... إِلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ)
(فَبَيْنَا هُمُ فِي ذلِكَ النُّورِ إِذْ غَدَا ... إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوِتِ مُقْصِدُ)
(فَأَصْبَحَ مَحْمُوداً إِلَى اللهِ رَاجِعًا ... يُبَكِّيهِ جَفْنُ الْمُرْسَلاَتِ وَيَحْمَدُ)
(وَأَمْسَتْ بِلاَدُ الحُرْمِ وَحْشاً بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ الْوَحي تعْهَدُ)
(قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلاَطٌ وَغَرْقَدُ)
(وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلاَءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ)
(وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَيْعٌ وَمَوْلِدُ)
(فَبَكَّى رَسُولَ اللهِ يَا عَيْن عَبْرَةً ... وَلاَ أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرِ دَمْعُكِ يَجْمُدُ)
(وَمَالَكِ لاَ تَبْكِينَ ذَا النَّعْمَةِ الَّتِي ... عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمَّدُ)
(فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلي ... لِفَقْدِ الَّذِي لاَ مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ)
(وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ... وَلاَ مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيامَة يُفْقَدُ)
(أَعَفَّ وَأوْفَى ذِمَّةٌ بَعْد ذِمَّة ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلاً لاَ يُنَكَّدُ)
(وَأَبْذَلَ مِنْهُ للطَّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلِدُ)
(وَأَكْرَمَ صِيتاً فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ)
(وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلاَ ... دَعَائِمَ عِزٍّ شَامِخَاتٍ تُشَيَّدُ)(2/320)
(وَأثْبَتَ فَرْعًا فِي الفُرُوعِ وَمَنْبِتًا ... وَعُودًا غَدَاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَعْيَدُ)
(رَبَاهُ وَلِيداً فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ)
(تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ ... فَلاَ الْعِلْمُ مَحبُوسٌ وَلا الرَّأْيُ يُفْنَدُ)
(أَقُولُ وَلاَ يلْفَى لِقَوْلِيَ عَائِبٌ ... مِنَ النَّاسِ إلاَّ عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ)
(وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أخْلُدُ)
(مَعَ المُصْطَفَى أرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أسْعَى وأَجْهَدُ)
وَقَالَت السيدة فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا // (من الْكَامِل) //
(مَاذَا علَى مَنْ شمُّرْبَةَ أَحْمَدٍ ... أَلاَّ يشَمَّ من الزَّمَانِ غَوَالِيَا)
(صُبَّتْ عليَّ مَصَائبٌ لَو أنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ ليالِيَا)
وَقَالَت عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا // (من الْبَسِيط) //
(عينيَّ جُودَا طوالَ الدَّهْرِ وانَهِرَا ... سَكبًا وسَحَّا بدمْعٍ غيرِ تَقْدِيرِ)
(يَا عينُ واستَحْسِرِي بالدمعِ واحتَفِلِي ... حتَّى الممَاتِ بسَجْلٍ غيرِ مَنْزورِ)
(يَا عين وانهملِي بالدمْعِ واجتهِدِي ... للمصطفَّى دونَ خَلْقِ اللهِ بِالنُّورِ)
(بمستهلِّ من الشؤْبُوبِ ذِي سَبَلٍ ... فقدْ رُزِئْت نبيَّ العدلِ والخيرِ)
(وكنتُ من حَذَرٍ للموتِ مشفقةَ ... وللذي خُطَّ مِن تلكَ المقاديرِ)
(من فَقْدِ أزهَرَ ذِي خلْقٍ وَذي فخرٍ ... صافٍ من العَيْبِ والعاهاتِ والزورِ)
(فاذهَبْ حَمِيداً جزاكَ الله مَغْفِرَةً ... يومَ القيامةِ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ)
وَقَالَت أروى أُخْتهَا بنت عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا // (من الوافر) //
(أَلا يَا عينُ ويحِكِ أسْعِدِيني ... بدمْعٍ مَا بقيتُ وطَاوِعِينِي)
(أَلا يَا عَين ويحكِ واستَهِلِّي ... على غيْثِ البلادِ وأسعِدِينِي)
(فَإِن عَذَلَتْكِ عَاذِلةٌ فقولِي ... عَلامَ وفيمَ ويحَكِ تعذليني)(2/321)
(عَلى نُور البلادَ مَعًا جَمِيعًا ... رَسُولِ اللهِ أحمَد فاتْرُكِينِي)
(وَإِنْ لاَ تَقْصرِي بالعَذلْ عنِّي ... فَلُومي مَا بَدَا لَكِ أَو دَعِينِي)
(لأمرٍ هَدَّنِي وأَدَكَّ رُكْنِي ... وشَيَّبَ بَعْدَ جِدَّتها قُرُونِي)
وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا // (من الْخَفِيف) //
(لهفَ قَلْبِي وبتُّ كالمسلوبِ ... أرق اللَّيلُ مُقْلَةَ المحرُوبِ)
(مِنْ همومٍ وحَسْرةٍ وَقَذَتْنِي ... ليتَ أنِّي سَبقْتُهَا لِشَعُوبِ)
(حينَ قَالُوا إِنَّ الرسُولَ قد امْسَى ... وافَقَتْهُ مَنِيَّةُ المكتوبِ)
(إذْ رَأينَا أنَّ النبيَّ صَرِيعٌ ... فأَشَابَ القَذَالَ أَي مَشِيبِ)
(إذْ رَأينا بيوتَهُ مُوحِشَاتٍ ... لَيْسَ فيهنَّ بعد عَيْش حبيبِ)
(أَورَثَ القلبَ ذاكَ حزنا طَويلا ... خالَطَ القلبَ فَهْوَ كالمرعُوبِ)
(ليتَ شِعْرِي وكْيفَ أُمسي صحيحَاً ... بعد أنْ بِينَ بالرَّسُولِ القريبِ)
(أعظم الناسِ فِي البريَّةِ حَقًّا ... سيِّدُ الناسِ حبه فِي القُلُوبِ)
(فَإِلى اللهِ ذاكَ أشكُو وحَسْبِي اللهُ ... مولى وحوْبتِي ونَحِيبِي)
وَقَالَت أَيْضا // (من المتقارب) //
(أفاطمُ فابْكِي وَلَا تَسْأَمِي ... بصَحْبِكِ مَا طَلَعَ الكوكَبُ)
(هُوَ المرءُ يبكي بحقٍّ البكا ... هُوَ الماجدُ السيِّدُ الطيبُ)
(فأوحشَتِ الأرضُ من فقْدِهِ ... وإِنَّ البريةَ لَا تنكبُ)
(فَمَا ليَ بَعْدَك حَتَّى الْمَمَات ... إِلَّا الجَوَى الدَّاخِل المُنْصِبُ)(2/322)
(فَبَكَّى الرسولَ وحقَّتْ لَهُ ... شُهُودُ المدينةِ والغُيَّبُ)
(لِتَبْكِكَ شَمْطَاءُ مَضْرُورةٌ ... إِذا حُجِبَ الناسُ لَا تحجَبُ)
(ليبكِكَ شيخٌ أَبُو ولدةٍ ... يطوفُ بعقوتِهِ أشْهَبُ)
(ويبكك رَكْبٌ إِذا أرمَلُوا ... فَلم يكْفِ مَا طلبِ المطلبُ)
(وتبكي الأباطِحُ مِنْ فقدِهِ ... وتبكيه مَكَّةُ والأَخْشَبُ)
(وتبكي وُعَيْرَةُ مِنْ فَقْدِهِ ... بُحزْنٍ ويُسْعِدُهَا المِثيبُ)
(أَعْيَنيَّ مَا لَكِ لَا تَدْمَعِين ... وحقَّ لدمْعِكِ مَا يَسْكُبُ)
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه إِلَى يَوْم الدّين وَسلم وَقَالَ أَبُو الْفَتْح فيا لَهُ فِي مثل ذَلِك خطب جلّ عَن الخطوب ومصاب عَلم دمع الْعين كَيفَ يصوب ورزء غربت لَهُ النيرات وَلَا تعلل بشروقها بعد الْغُرُوب وَجَاءَت هجمة الْمَوْت فَلَا نجاء مِنْهُ لهارب وَلَا فرار مِنْهُ لمطلوب وَلَا صباح لَهُ فيجلو غياهبه الملمة ودياجيه المدلهمة وَلكُل ليل إِذا دجى صباح يئوب وَمن سر أهل الأَرْض ثمَّ بَكَى سأبكي بعيون سرها وَقُلُوب فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون من نَار طويت عَلَيْهَا الأضالع لَا تخبو وَلَا تخمد ومصيبة تستك مِنْهَا المسامع فَلَا يبْلى على مر الجديدين حزنها المجدد(2/323)
(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
قَالَ ابْن إِسْحَاق ابتدىء رَسُول الله
بشكواه الَّتِي قَبضه الله تَعَالَى فِيهَا إِلَى مَا أَرَادَ بِهِ من كرامته وَرَحمته فِي لَيَال بَقينَ من صفر أَو فِي أول شهر ربيع الأول فَكَانَ أول مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُول الله
من ذَلِك فِيمَا ذكر لي أَنه خرج إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد من جَوف اللَّيْل فَاسْتَغْفر لَهُم ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَلَمَّا أصبح ابتدىء بوجعه من يَوْمه ذَلِك قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن عمر عَن عبيد الله بن جُبَير مولى الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن أبي مويهبة مولى رَسُول الله
قَالَ بعث إِلَيّ رَسُول الله
من جَوف اللَّيْل فَقَالَ يَا أَبَا مويهبة إِنِّي قد أمرت أَن أسْتَغْفر لأهل البقيع فَانْطَلق معي فَانْطَلَقت مَعَه فَلَمَّا وقف بَين أظهرهم قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْمَقَابِر لِيهن لكم مَا أَصْبَحْتُم فِيهِ مِمَّا أصبح النَّاس فِيهِ أَقبلت الْفِتَن كَقطع اللَّيْل المظلم تتبع أخراها أولاها الْآخِرَة شَرّ من الأولى ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ يَا أَبَا مويهة إِنِّي قد أُوتيت مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة فخيرت بَين ذَلِك وَبَين لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة قَالَ أَبُو مويهة فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي فَخذ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة قَالَ لَا وَالله يَا أَبَا مويهبة لقد اخْتَرْت لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ثمَّ اسْتغْفر لأهل البقيع وَانْصَرف فَبَدَأَ بِهِ فِي صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم وَجَعه الَّذِي قَبضه الله فِيهِ وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من البقيع وجدني وَأَنا أجد صداعَاً فِي رَأْسِي وَأَنا أَقُول وارأساه فَقَالَ بل أَنا وَالله(2/324)
وارأساه يَا عَائِشَة ثمَّ قَالَ لي وَمَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ودفنتك قَالَت فَقلت وَالله لكَأَنِّي بك لَو قد فعلتَ ذَلِك لقد رجعتَ إِلَى بَيْتِي فأعرست فِيهِ بِبَعْض نِسَائِك قَالَت فَتَبَسَّمَ رَسُول الله
وتتام بِهِ وَجَعه وَهُوَ يَدُور على نِسَائِهِ حَتَّى استعزَّ بِهِ مَرضه يَعْنِي اشْتَدَّ وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة فَدَعَا نِسَاءَهُ فاستأذنهن فِي أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَين رجلَيْنِ من أَهله أَحدهمَا الْفضل بن الْعَبَّاس وَرجل آخر هُوَ عَليّ بن أبي طَالب عاصباً رَأسه تخط قدماه حَتَّى دخل بَيْتِي وَلما غمره الوجع قَالَ أريقوا عليّ من سبع قرب من آبار شَتَّى حَتَّى أخرج إِلَى النَّاس فأعهد إِلَيْهِم قَالَت فأقعدناه فِي مخضب لحفصة بنت عمر فصببنا عَلَيْهِ المَاء حَتَّى طفق يَقُول حسبكم حسبكم وَقَالَ الزُّهْرِيّ حَدثنِي أَيُّوب بن بشر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خرج عاصباً رَأسه حَتَّى جلس على الْمِنْبَر ثمَّ كَانَ أول مَا تكلم بِهِ أَن صلى على أَصْحَاب أحد واستغفر لَهُم وَأكْثر الصَّلَاة عَلَيْهِم وَقَالَ إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْد الله قَالَ ففهمها أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَعرف أَنه يُرِيد نَفسه فَبكى وَقَالَ بل نَحن نفديك بِأَنْفُسِنَا وأبنائنا فَقَالَ على رسلك يَا أَبَا بكر ثمَّ قَالَ انْظُرُوا هَذِه الْأَبْوَاب اللافظة فِي الْمَسْجِد فسدوها إِلَّا بَاب أبي بكر ثمَّ استبطأ النَّاس فِي بعث أُسَامَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس أنفذوا بعث أُسَامَة(2/325)
بن زيد فلعمري إِن قُلْتُمْ فِي إمارته لقد قُلْتُمْ فِي إِمَارَة أَبِيه من قبله وَكَانَ قد سمع قَول النَّاس فِي إِمَارَة أُسَامَة أمَّر غُلَاما حَدثا على جلة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَإنَّهُ لخليق بالإمارة وَإِن كَانَ أَبوهُ لخليقاً بهَا ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر وانكمش النَّاس فِي جهازهم واستُعزَّ أَي اشْتَدَّ برَسُول الله
وَجَعه فَخرج أُسَامَة وَخرج جَيْشه مَعَه حَتَّى نزلُوا الجرف من الْمَدِينَة على فَرسَخ فَضرب بِهِ عسكره وتتام النَّاس وَثقل رَسُول الله
فَأَقَامَ أُسَامَة وَالنَّاس ينتظرون مَا الله قَاض فِي رَسُوله ثمَّ اجْتمع إِلَى رَسُول الله
من نِسَائِهِ أم سَلمَة ومَيْمُونَة وَنسَاء من نسَاء الْمُسلمين مِنْهُنَّ أَسمَاء بنت عُمَيْس وَعِنْده الْعَبَّاس عَمه فَأَجْمعُوا أَن يلدُّوه واللد رفع اللِّسَان وَإِدْخَال المسعط فِي الْحلق من وسط الْفَم فَإِن كَانَ من أحد الشقين فَهُوَ الْإِيجَار وَأما اللدود فَهُوَ الدَّوَاء نَفسه فَلَمَّا أَفَاق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ من وضع هَذَا بِي قَالُوا يَا رَسُول الله عمك قَالَ هَذَا دَوَاء أَتَى بِهِ نسَاء جئن من نَحْو هَذِه الأَرْض وَأَشَارَ نَحْو أَرض الْحَبَشَة قَالَ وَلم فَعلْتُمْ ذَلِك قَالَ عَمه خشينا يَا رَسُول الله أَن يكون بك دَاء الْجنب فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن ذَلِك لداء مَا كَانَ الله ليقذفني بِهِ أَو ليعذبني وَفِي رِوَايَة إِنَّهَا لم تسلط عَليّ لَا يبْقى أحد فِي الْبَيْت إِلَّا لد إِلَّا عَمي فَلَقَد لدت مَيْمُونَة وَإِنَّهَا لصائمة لقسم رَسُول الله
عُقُوبَة لَهُم بِمَا صَنَعُوا وَلما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الَّذِي قبض فِيهِ رَسُول الله
خرج عاصباً رَأسه إِلَى الصُّبْح وَأَبُو بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا خرج تفرج النَّاس فَعرف أَبُو بكر أَنه رَسُول الله
فنكص عَن مُصَلَّاهُ فَدفع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ظهر أبي بكر وَقَالَ صل بِالنَّاسِ وَجلسَ رَسُول الله
إِلَى جنبه فصلى قَاعِدا عَن يَمِين أبي بكر(2/326)
فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة أقبل على النَّاس فَكَلَّمَهُمْ رَافعا صَوته حَتَّى خرج صَوته من بَاب الْمَسْجِد يَقُول أَيهَا النَّاس سعرت النَّار وَأَقْبَلت الْفِتَن كالليل المظلم إِنِّي وَالله مَا تمسكون عَليّ بِشَيْء وَإِنِّي لم أحل إِلَّا مَا أحل الْقُرْآن وَلم أحرم إِلَّا مَا حرم الْقُرْآن فَلَمَّا فرغ رَسُول الله
من كَلَامه قَالَ لَهُ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِنِّي أَرَاك قد أَصبَحت بِنِعْمَة من الله وَفضل كَمَا تحب وَالْيَوْم يَوْم بنت خَارِجَة يَعْنِي زَوجته أفآتيها قَالَ نعم ثمَّ دخل رَسُول الله
وَخرج أَبُو بكر إِلَى أَهله بالسنح بِالسِّين الْمُهْملَة المضمومة والحاء الْمُهْملَة آخر الْحُرُوف اسْم مَكَان بِالْعَالِيَةِ قَالَ وَخرج عَليّ بن أبي طَالب يَوْمئِذٍ على النَّاس من عِنْد رَسُول الله
فَقَالَ لَهُ النَّاس يَا أَبَا الْحسن كَيفَ رَسُول الله
فَقَالَ أصبح بِحَمْد اله بارئاً قَالَ فَأخذ الْعَبَّاس بيد عَليّ ثمَّ قَالَ لَهُ أَنْت وَالله عبد الْعَصَا بعد ثَلَاث أَحْلف بِاللَّه لقد رَأَيْت الْمَوْت فِي وَجه رَسُول الله
كَمَا كنت أعرفهُ فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب فَانْطَلق بِنَا إِلَى رَسُول الله
فَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِينَا عَرفْنَاهُ وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا النَّاس فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنِّي وَالله لَا أفعل ذَلِك وَالله لَئِن منعناها لَا يؤتيناها أحد بعده فَتوفي رَسُول الله
حِين اشْتَدَّ الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة قَالَ قَالَت عَائِشَة لما رَجَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذَلِك الْيَوْم من الْمَسْجِد دخل إليَّ فاضطجع فِي حجري فَدخل عَليّ رجل من آل أبي بكر وَفِي يَده سواك أَخْضَر فَنظر رَسُول الله
إِلَيْهِ نظرا عرفت أَنه يُريدهُ فَقلت أَتُحِبُّ أَن أُعْطِيك هَذَا السِّوَاك قَالَ نعم قَالَت فَأَخَذته فمضغته حَتَّى لينته ثمَّ أَعْطيته إِيَّاه فاستن كأشد مَا رَأَيْته اسْتنَّ بسواك قطّ ثمَّ وَضعه وَوَجَدته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يثقل فِي حجري فَذَهَبت أنظر(2/327)
فِي وَجهه فَإِذا بَصَره قد شخص وَهُوَ يَقُول بل الرفيق الْأَعْلَى من الْجنَّة قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول مَاتَ رَسُول الله
بَين سحرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي لم أظلم فِيهِ أحدَاً فَمن سفهي وحداثة سني أَن رَسُول الله
قبض وَهُوَ فِي حجري ثمَّ وضعت رَأسه على وسَادَة ثمَّ قُمْت مَعَ النِّسَاء ألتدم وأضرب وَجْهي وَعَن سَالم بن عبيد الْأَشْجَعِيّ قَالَ لما مَاتَ رَسُول الله
صَار عُثْمَان يضْرب على وَجهه كالنساء وأقعد عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخذ عمر رَضِي الله عَنهُ بقائم سَيْفه وَقَالَ لَا أسمع أحدا يَقُول مَاتَ رَسُول الله
إِلَّا ضربت عُنُقه بسيفي وَيَقُول إِنَّمَا أرسل إِلَيْهِ كَمَا أرسل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلبث عَن قومه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَالله إِنِّي لأرجو أَن يقطع أَيدي رجال وأرجلهم فَقَالَ النَّاس يَا سَالم اطلب صَاحب رَسُول الله
قَالَ فَخرجت من الْمَسْجِد فَإِذا بِأبي بكر فَلَمَّا رَأَيْته أجهشت بالبكاء فَقَالَ مَالك يَا سَالم أمات رَسُول الله
فَقلت إِن هَذَا عمر بن الْخطاب يَقُول لَا أسمع أحدا يَقُول مَاتَ رَسُول الله
إِلَّا ضربت عُنُقه بسيفي هَذَا فَأقبل أَبُو بكر حَتَّى دخل فَلَمَّا رَآهُ النَّاس سعوا إِلَيْهِ فَدخل على النَّبِي
وَهُوَ مسجى بِبُرْدَةٍ فَرفع الْبردَة عَن وَجهه وَوضع فَاه على فِيهِ فَقبله فاستنشأ الرّيح ثمَّ سجاه ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ إِن كَانَ مُحَمَّد إِلَهكُم الَّذِي تعبدونه فَإِن إِلَهكُم قد مَاتَ وَإِن كَانَ إِلَهكُم الَّذِي فِي السَّمَاء فَإِن إِلَهكُم حَيّ لَا يَمُوت ثمَّ تَلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَد خلت مِن قَبْلِهِ الرسُل} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} قَالَ الزُّهْرِيّ فَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب قَالَ وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن تَلَاهَا أَبُو بكر حَتَّى عقرت وَأَنا قَائِم وخررت إِلَى الأَرْض وَأثبت حِينَئِذٍ أَن رَسُول الله
قد مَاتَ قَالَ فوَاللَّه لكأن النَّاس لم يعلمُوا أَن هَذِه الْآيَة نزلت حَتَّى(2/328)
تَلَاهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْمئِذٍ فَأَخذهَا النَّاس عَن أبي بكر فَإِنَّمَا هِيَ فِي أَفْوَاههم وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عمر حَدثهُ قَالَ أقبل أَبُو بكر من السنح منزله بِالْعَالِيَةِ حِين بلغه الْخَبَر إِلَى بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأَذنت لَهُ فَدخل فكشف عَن وَجه رَسُول الله
فَجعل يقبله ويبكي وَيَقُول توفّي والذى نَفسِي بِيَدِهِ صلوَات الله عَلَيْك يَا رَسُول اله مَا أطيبك حَيا وَمَيتًا وَفِي رِوَايَة عَن عَائِشَة فَوضع فَاه بَين عَيْنَيْهِ وَوضع يَدَيْهِ على صدغيه وَقَالَ وانبياه واخليلاه واصفياه أخرجه ابْن عَرَفَة الْعَبْدي ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ عمر يكلم النَّاس وَيَقُول وَهُوَ شاهر سَيْفه من قَالَ إِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ ... إِلَى آخِره فَقَالَ لَهُ على رسلك يَا عمر أنصت فَأبى عمر إِلَّا أَن يتَكَلَّم فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر لَا ينصت جَاءَ إِلَى الْمِنْبَر فَقَامَ عَلَيْهِ ونادى أَيهَا النَّاس اجلسوا وأنصتوا فجلسوا وأنصتوا فَتشهد شَهَادَة الْحق ثمَّ قَالَ إِن الله تَعَالَى نعى إِلَيْكُم نَبِيكُم وَهُوَ حَيّ بَين أظْهركُم ونعى لكم أَنفسكُم وَهُوَ الْمَوْت حَتَّى لَا يبقي أحدا أَلا إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَد خلت مِن قبلِهِ الرسُل} إِلَى قَوْله {الشاكرِين} آل عمرَان 144 وَقَالَ {إِنك مَيتُ وَإِنَّهُم ميتُونَ} الزمر 30 وَقَالَ {كل نَفسٍ ذائقَةُ الْمَوْت} آل عمرَان 185 وَقَالَ {وَلَا تَدعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لَا إلَهَ إِلَّا هُو كل شَيءٍ هَالِك إِلَّا وَجهَهُ} الْقَصَص 88 وَقَالَ {كُلُ مَنْ عَلَيْهَا فَانِ وَيبقى وَجهُ رَبِك ذوُ الجَلاَلِ وَالإكرامِ} الرَّحْمَن 26، 27 ثمَّ قَالَ إِن الله عز وَجل عمّر مُحَمَّدًا وأبقاه حَتَّى أَقَامَ دين الله وَأظْهر أَمر الله وَبلغ رِسَالَة الله وجاهد أَعدَاء الله حَتَّى توفاه الله على ذَلِك وترككم على الطَّرِيقَة فَلَا يهْلك هَالك إِلَّا بعد التنبه والشفاء والنور فَمن كَانَ الله ربه فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت فليعبده وَمن كَانَ يعبد مُحَمَّدًا أَو يرَاهُ إلهَاً فقد هلك إلهه فَأَقْبَلُوا أَيهَا النَّاس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكُم فَإِن دين الله قَائِم وكلمته بَاقِيَة وَإِن الله نَاصِر دينه ومعز أَهله وَإِن كتاب الله بَين أظْهركُم وَهُوَ النُّور والشفاء وَبِه هدى الله مُحَمَّدًا
وَفِيه حَلَال الله وَحَرَامه(2/329)
وَلَا وَالله مَا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إِن سُيُوفنَا مسلولة مَا وضعناها بعد ونجاهد من خَالَفنَا كَمَا جاهدنا مَعَ رَسُول الله
فَلَا يبْقين أحد إِلَّا على نَفسه قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انحاز هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار بأجمعهم إِلَى سَقِيفَة بني سَاعِدَة منزل سعد بن عبَادَة وَاعْتَزل عَليّ بن أبي طَالب وَبَنُو هَاشم وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة بن عبيد الله وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وعمار بن يَاسر والمقداد بن عَمْرو والبهراني وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَجَمَاعَة آخَرُونَ فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله
وانحاز الْمُهَاجِرُونَ مَا عدا أُولَئِكَ إِلَى أبي بكر الصّديق وانحاز مَعَهم أسيد بن حضير فِي بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار فانحازت إِلَى أبي بكر وَعمر فَقَالَ إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار مَعَ سعد بن عبَادَة قد انحازوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ لكم بِأَمْر النَّاس حَاجَة فأدركوا النَّاس قبل أَن يَتَفَاقَم الْأَمر وَرَسُول الله
فِي بَيته لم يفرغ عَن أمره وَقد أغلق دونه الْبَاب أَهله قَالَ عمر فَقلت لأبي بكر انْطلق بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا حَتَّى نَنْظُر مَا هم عَلَيْهِ فَانْطَلَقْنَا نؤمهم حَتَّى لقيَنا رجلَانِ صالحان فذكرا لنا الَّذِي صنع الْقَوْم وَقَالا أَيْن تُرِيدُونَ يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت نُرِيد إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار فَقَالَا لَا عَلَيْكُم أَن تقربوهم واقضوا أَمركُم يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت وَالله لنأتينهم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جئناهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة فَإِذا هم مجتمعون وَإِذا بَين ظهرانيهم رجل مزمل فَقلت مَا هَذَا قَالُوا سعد بن عبَادَة فَقلت مَا لَهُ قَالُوا وجع فَلَمَّا جلسنا قَامَ خطيبهم فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله وَقَالَ أما بعد فَنحْن أنصار الله وكتيبة الْإِسْلَام وَأَنْتُم يَا معشر الْمُهَاجِرين رَهْط منا وَقد دفت دافة مِنْكُم أَي دبّ قوم مِنْكُم بالاستعلاء والترفع علينا تُرِيدُونَ أَن تختزلونا من أصلنَا وتحضنونا من الْأَمر أَي تنحونا عَنهُ وتستبدوا بِهِ دُوننَا فَلَمَّا سكت أردْت أَن أَتكَلّم وَقد كنت زوّرت مقَالَة أعجبتني أردْت أَن أقولها بَين يَدي أبي بكر فَقَالَ لي أَبُو بكر على رسلك فَكرِهت أَن أعصيه وَكَانَ أعلم مني ثمَّ تكلم فوَاللَّه مَا ترك من كلمة أعجبتني فِي تزويري إِلَّا قَالَهَا فِي بديهته وَأفضل(2/330)
قَالَ أما بعد فَمَا ذكرْتُمْ من خير فَإِنَّكُم أَهله وَلم تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب نسبا وداراً وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن أَيهمَا شِئْتُم وَأخذ بيَدي وَيَد أبي عُبَيْدَة فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا وَكَانَ وَالله أَن أقدَّم فَتضْرب عنقِي لَا يقربنِي ذَلِك من إِثْم أحبَّ إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر من الْأَنْصَار أَنا جُذيلها المحكَك وعُذَيقها المرجب وَقَامَ يحجل بِهَذِهِ الْكَلِمَة منا أَمِير ومنكم أَمِير يَا معشر قُرَيْش وَقَامَ رجل آخر مِنْهُم فَقَالَ إِن رَسُول الله
كَانَ إِذا اسْتعْمل الرجل مِنْكُم يقرن مَعَه رجلا منا فنرى أَن يَلِي هَذَا الْأَمر رجلَانِ مِنْكُم وَمنا وَتَتَابَعَتْ خطباؤهم على ذَلِك وَكثر اللَّغط وَارْتَفَعت الْأَصْوَات حَتَّى خشيت الِاخْتِلَاف فَقَامَ زيد بن ثَابت فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار تعلمُونَ أَن رَسُول الله
كَانَ من الْمُهَاجِرين وخليفته من الْمُهَاجِرين وَنحن كُنَّا أنصار الله فنكون أنصار خَلِيفَته ثمَّ أَخذ بيد أبي بكر فَقَالَ هَذَا صَاحبكُم فَبَايعهُ عمر ثمَّ بَايعه الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فَقَالَ قَائِل قتلتم سَعْدا فَقَالَ عمر قتل الله سَعْدا قَالَ عَطاء بن السَّائِب لما اسْتخْلف أَبُو بكر أصبح وعَلى رقبته أَثوَاب يتجر فِيهَا فَلَقِيَهُ عمر وَأَبُو عُبَيْدَة فَكَلمَاهُ فَقَالَ من أَيْن أطْعم عيالي قَالَا انْطلق حَتَّى نفرض لَك قَالَ ففرضوا لَهُ كل يَوْم شطر شَاة وماكسوه فِي الرَّأْس والبطن قَالَ فِي الرياض قَالَ ابْن قُتَيْبَة بُويِعَ أَبُو بكر الصّديق بالخلافة يَوْم قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وبويع بيعَة الْعَامَّة على الْمِنْبَر فِي الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء قَالَ أَبُو عمر وتخلف عَن بيعَته سعد بن عبَادَة وَطَائِفَة من قومه الْخَزْرَج وَطَائِفَة من قُرَيْش ثمَّ بَايعُوهُ بعد غير سعد بن عبَادَة فَإِنَّهُ لم يبايعه وَلم يُبَايع بعده عمر إِلَى أَن مَاتَ بحوران فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنْهُمَا(2/331)
قَالَ ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ وَغَضب رجال من الْمُهَاجِرين فِي بيعَة أبي بكر مِنْهُم عَليّ وَالزُّبَيْر فدخلا فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله
ومعهما السِّلَاح فجَاء عمر بن الْخطاب فِي عِصَابَة من الْمُسلمين مِنْهُم أسيد بن حضير وَسَلَمَة بن وقش وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي وَمُحَمّد بن مَسْلمة وَيُقَال كَانَ فيهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فكلموهما فَأخذ أحدهم سيف الزبير فَضرب بِهِ الْحجر حَتَّى كَسره والضارب بِسيف الزبير هُوَ مُحَمَّد بن سَلمَة أخرجه مُوسَى بن عقبَة قَالَ فِي الرياض وَهُوَ مَحْمُول على تَقْدِير صِحَّته على تسكين نَار الْفِتْنَة وإغماد سيفها لَا على قصد إهانة الزبير قلت بل التحريك فِي هَذَا التسكين تخلف عَن بيعَة أبي بكر يَوْمئِذٍ سعد بن عبَادَة وَطَائِفَة من الْخَزْرَج وعَلى بن أبي طَالب وابناه وَالزُّبَيْر وَالْعَبَّاس عَم رَسُول الله
وَبَنوهُ من بني هَاشم وَطَلْحَة وسلمان وعمار وَأَبُو ذَر والمقداد وَغَيرهم وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ثمَّ إِنَّهُم بَايعُوا كلهم فَمنهمْ من أسْرع بيعَته وَمِنْهُم من تَأَخّر حينا إِلَّا مَا روى عَن سعد بن عبَادَة فَإِنَّهُ لم يُبَايع أَبَا بكر وَلَا عمر إِلَى أَن مَاتَ كَمَا تقدم آنِفا وَقَالَ ابْن سعد أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عمر حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح عَن الزبير بن الْمُنْذر بن أبي أسيد السَّاعِدِيّ أَن أَبَا بكر بعث إِلَى سعد بن عبَادَة أَن أقبل فَبَايع فقد بَايع النَّاس فَقَالَ لَا وَالله لَا أبايع حَتَّى أراميكم بِمَا فِي كِنَانَتِي وأقاتلكم بِمن معي قَالَ فَقَالَ بشير بن سعد يَا خَليفَة رَسُول الله إِنَّه أبي ولجّ وَلَيْسَ بمبايعكم أَو يقتل وَلنْ يقتل حَتَّى يقتل مَعَه وَلَده وعشيرته وَلنْ يقتلُوا حَتَّى تقتل الْخَزْرَج فَلَا تحركوه فقد استقام لكم الْأَمر وَلَيْسَ بضاركم وَإِنَّمَا هُوَ رجل وَاحِد مَا تُرك فَقبل أَبُو بكر نصيحة بشير قَالَ فَلَمَّا ولي عمر لقِيه ذَات يَوْم فَقَالَ إيه يَا سعد فَقَالَ إيه يَا عمر فَقَالَ عمر أَنْت صَاحب مَا أَنْت صَاحبه قَالَ نعم وَقد أفضي إِلَيْك هَذَا الْأَمر وَقد كَانَ وَالله صَاحبك أحب إِلَيْنَا مِنْك وَقد وَالله أَصبَحت كَارِهًا لجوارك فَقَالَ عمر إِنَّه من كره جوَار جَاره تحوّل عَنهُ قَالَ أما إِنِّي غير مستسر بذلك وَأَنا متحول إِلَى(2/332)
جوَار من هُوَ خير مِنْك فَلم يلبث أَن خرج مُهَاجرا إِلَى الشَّام فَمَاتَ بحوران لِسنتَيْنِ وَنصف من خلَافَة عمر سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر حَدثنَا يحيى بن عبد الْعَزِيز بن سعد بن عبَادَة عَن أَبِيه قَالَ مَا علم بِمَوْت سعد حَتَّى سمع بِالْمَدِينَةِ غلْمَان فِي بِئْر ممية أَو بِئْر سكنهم يقتحمون نصف النَّهَار قَائِلا من الْبِئْر // (من الهزج) //
(قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَرْزَجِ ... سَعْدَ بْنَ عُبَادَهُ)
(رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ ... فَلَمْ نُخْطِىءْ فُؤَادَهْ)
فذعر الغلمان فحفظ ذَلِك الْيَوْم فوجدوه الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَإِنَّمَا جلس يَبُول فِي ثقب فَقتل سَاعَته ووجدوه قد اخضر جلده رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَكَانَ سعد لَا يُصَلِّي بصلاتهم وَلَا يَصُوم بصومهم وَإِذا حج لم يفض بإفاضتهم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين لما بُويِعَ أَبُو بكر وتخلف عَليّ كرم الله وَجهه عَن مبايعته وَجلسَ فِي بَيته بعث إِلَيْهِ أَبُو بكر مَا أَبْطَأَ بك عني أكرهت إمارتي قَالَ عَليّ مَا كرهت إمارتك ولكنى آلَيْت أَلا أرتدي بردائي إِلَى الصَّلَاة حَتَّى أجمع الْقُرْآن قَالَ ابْن سِيرِين فبلغني أَنه كتبه عَليّ على تَنْزِيله وَلَو أُصِيب ذَلِك الْكتاب لوجد فِيهِ علم كثير وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن عليا مكث سِتَّة أشهر حَتَّى توفيت فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ثمَّ بَايع أَبَا بكر وَلم يُبَايع أحد من بني هَاشم حَتَّى بَايع عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة أَن فَاطِمَة أرْسلت إِلَى أبي بكر تسأله مِيرَاثهَا من رَسُول الله
قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة إِن فَاطِمَة سَأَلت أَبَا بكر بعد وَفَاة رَسُول الله
أَن يقسم لَهَا مِيرَاثهَا مِمَّا ترك رَسُول الله
مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من الْمَدِينَة وفَدك وسهمه من خَيْبَر فَقَالَ لَهَا إِن رَسُول الله(2/333)
قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَغضِبت وهجرت أَبَا بكر فَلم تكَلمه حَتَّى توفيت ودفنها عَليّ لَيْلًا وَلم يؤْذِن بهَا أَبَا بكر وَأرْسل أَزوَاج
إِلَى أبي بكر يسألنه ميراثهن مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله حَتَّى كنت أَنا رددتهن فَقلت لَهُنَّ أَلا تتقين الله ألم تسمعن من رَسُول الله
يَقُول لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال كفافاً وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ أَن رَسُول الله
قَالَ لَا يقتسم ورثتي دِينَارا وَلَا درهما مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عيالي فَهُوَ صَدَقَة وَعَن أبي صَالح مولى أم هانىء أَن فَاطِمَة دخلت على أبي بكر فَقَالَت يَا أَبَا بكر أَرَأَيْت لَو مت الْيَوْم من كَانَ يرثك قَالَ أَهلِي وَوَلَدي فَقَالَت مَالك تَرث رَسُول الله
دون أَهله وَولده قَالَ مَا فعلت يَا بنة رَسُول الله قَالَت بلَى قد عَمَدت إِلَى فدك وَقد كَانَت صَافِيَة لرَسُول الله فَأخذت وعمدت إِلَى مَا أنزل الله من السَّمَاء فَرَفَعته منا فَقَالَ لم أفعل حَدثنِي رَسُول الله
أَن الله يطعم النَّبِي الطعمة مَا كَانَ حَيا فَإِذا قبض رَفعهَا قَالَت أَنْت وَرَسُول الله أعلم مَا أَنا بسائلتك بعد مجلسي هَذَا وَعَن أبي الطُّفَيْل لما قبض النَّبِي
أرْسلت فَاطِمَة إِلَى أبي بكر أَنْت ورثتَ رَسُول الله
أم أَهله قَالَ لَا بل أَهله قَالَت فَأَيْنَ سَهْمه قَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله
يَقُول إِن الله إِذا أطْعم نَبيا طعمة ثمَّ قَبضه جعلهَا للَّذي يقوم من بعده فَرَأَيْت أَن أرده على الْمُسلمين قَالَت أَنْت وَمَا سَمِعت من رَسُول الله أعلم رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن فَاطِمَة أَتَت أَبَا بكر فَقَالَت قد علمنَا الَّذِي(2/334)
خلقنَا عَنهُ من الصَّدقَات أهل الْبَيْت ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ {وَاعلَمُوا أنْما غَنِمتُم مِّن شَيء فَإنَ لِلهِ خُمسَهُ وَللرسُولِ} الانفال 41 إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ لَهَا بِأبي وَأمي أَنْت ووالدك وعَلى السّمع وَالْبَصَر كتاب الله وَحقّ رَسُول الله وَحقّ قرَابَته أَنا أَقرَأ من كتاب الله مثل الَّذِي تقرئين وَلَا يبلغ علمي فِيهِ أَن لذِي قرَابَة رَسُول الله
هَذَا السهْم كُله من الْخمس يجْرِي بجملته عَلَيْهِم قَالَت أَفَلَك هُوَ ولقرابتك قَالَ لَا وَأَنت عِنْدِي أمينة مصدقة فَإِن كَانَ رَسُول الله
عهد إِلَيْك فِي ذَلِك عهدا أَو وَعدك موعداً أوجبه لكم حَقًا صدقتك وسلمته إِلَيْك قَالَت لَا إِلَّا أَن رَسُول الله
حِين أنزل عَلَيْهِ ذَلِك قَالَ أَبْشِرُوا آل مُحَمَّد فقد جَاءَكُم الْغنى قَالَ أَبُو بكر صدقت فلك الْغنى وَلم يبلغ علمي فِيهِ وَلَا لهَذِهِ الْآيَة سهم أَن يسلم هَذَا السهْم كُله كَامِلا وَلَكِن لكم الْغنى الَّذِي يغنيكم ويفضل عَنْكُم فانظري هَل يوافقك على ذَلِك أحد مِنْهُم فَانْصَرَفت إِلَى عمر فَذكرت لَهُ كَمَا ذكرت لأبي بكر فَقَالَ لَهَا مثل الَّذِي رَاجعهَا بِهِ أَبُو بكر فعجبت فظنت أَنَّهُمَا قد تذاكرا ذَلِك واجتمعا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَمْزَة العسكري عَن ابْن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ لما مَرضت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أَتَاهَا أَبُو بكر فَاسْتَأْذن فَقَالَ عَليّ يَا فَاطِمَة هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن عَلَيْك فَقَالَت أَتُحِبُّ أَن آذن لَهُ قَالَ نعم فَأَذنت لَهُ فَدخل عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا فَقَالَ وَالله مَا تركتُ الدَّار وَالْمَال والأهل وَالْعشيرَة إِلَّا ابْتِغَاء مرضاة الله وَرَسُوله ومرضاتكم أهل الْبَيْت ثمَّ ترضاها حَتَّى رضيت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي من سمع من ابْن عَبَّاس يَقُول كَانَ عمر عرض علينا أَن يُعْطِينَا من الْفَيْء مَا يرى أَنه لنا من الْحق فرغبنا عَن ذَلِك وَقُلْنَا لَهُ مَا سمى الله من حق ذِي الْقُرْبَى وَهُوَ خمس الْخمس فَقَالَ عمر لَيْسَ لكم مَا تدعون لكم حق إِنَّمَا جعل الله الْخمس لأصناف سماهم أسعدهم فِيهِ حظاً أَشَّدهم فاقة وَأَكْثَرهم(2/335)
عيالاً قَالَ فَكَانَ عمر يُعْطي من قبل منا من الْخمس والفيء مَا يرى أَنه لنا فَأخذ منا نَاس وَترك نَاس وَذكر أَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان النضري قَالَ كنت عِنْد عمر رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ حَاجِبه يرفأ فَقَالَ هَل لَك فِي عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد يستأذنون قَالَ نعم فَدَخَلُوا وسلموا وجلسوا ثمَّ لبث يرفأ قَلِيلا ثمَّ قَالَ لعمر هَل لَك فِي عَليّ وَالْعَبَّاس قَالَ نعم فَلَمَّا دخلا سلما فَجَلَسَا فَقَالَ الْعَبَّاس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بيني وَبَين هَذَا الظَّالِم الْفَاجِر الغادر الخائن قلت الْعلم أَمَانَة وَلَوْلَا أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَذْكُورَة فِي فتح الْبَارِي وَغَيره لما ذكرتها رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وأرضاهما فاستبّا فَقَالَ عُثْمَان وَغَيره يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بَينهمَا وأرح أَحدهمَا من الآخر فَقَالَ أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان أَن رَسُول الله
قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قَالَا قد قَالَ ذَلِك قَالَ فَإِنِّي أحدثكُم عَن هَذَا الْأَمر إِن الله كَانَ قد خص رَسُوله فِي هَذَا الْفَيْء بِشَيْء لم يُعْطه غَيره فَقَالَ تَعَالَى {وَما أَفَاء اللهُ عَلى رَسُولِه مِنهم فَمَا أوجَفتُم عَلَيهَ مِن خَيلِ وَلا رِكابٍ وَلَكنَّ الله يَسُلطُ رُسُلَه عَلىَ مَن يَشَاء وَأللهُ عَلى كل شَيء قَدِير} الْحَشْر 6 فَكَانَت هَذِه خَالِصَة لرَسُول الله
وايمُ الله مَا اخْتَارَهَا دونكم وَلَا اسْتَأْثر بهَا عَلَيْكُم لقد أعطاكموها وبثها فِيكُم حَتَّى بَقِي مِنْهَا هَذَا المَال فَكَانَ رَسُول الله
ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتهمْ من هَذَا المَال ثمَّ يَجْعَل مَا بقى مجعل مَال الله أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان ذَلِك قَالَا نعم قَالَ ثمَّ توفى الله نبيه فَقَالَ أَبُو بكر أَنا ولي رَسُول الله
وخليفته فقبضها وَعمل فِيهَا بِمَا عمل بِهِ رَسُول الله
وأنتما تزعمان أَن أَبَا بكر فِيهَا كَاذِب فَاجر غادر وَالله يعلم إِنَّه فِيهَا لصَادِق بار رَاشد ثمَّ توفاه الله فَقلت أَنا ولي رَسُول الله
وَولي أبي بكر فقبضتها سنتَيْن من إمارتي أعمل فِيهَا بِعَمَلِهِ وأنتما حِينَئِذٍ وَأَقْبل على عَليّ وَالْعَبَّاس تزعمان إِنِّي فِيهَا كَاذِب فَاجر غادر وَالله يعلم إِنِّي فِيهَا لصَادِق بار رَاشد تَابع للحق ثمَّ جئتماني وكلمتكما وَاحِدَة وأمركما جَمِيع فجئتني تَسْأَلنِي عَن نصيبك يَا عَبَّاس من ابْن أَخِيك وَجَاءَنِي هَذَا يُشِير إِلَى عَليّ يسألنى عَن نصيب امْرَأَته من أَبِيهَا(2/336)
فَقلت لَكمَا إِن رَسُول الله
قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَلَمَّا بدا لي أَن أدفعها إلَيْكُمَا قلت إِذا شِئْت دفعتها إلَيْكُمَا على أَن عَلَيْكُمَا عهد الله وميثاقه لتعملان فِيهَا بِمَا عمل فِيهَا رَسُول الله
وَبِمَا عمل فِيهَا أَبُو بكر وَإِلَّا فَلَا تكلماني فقلتما ادفعها إِلَيْنَا بذلك فدفعتها إلَيْكُمَا أنشدكما بِاللَّه هَل دفعتها إلَيْكُمَا بذلك قَالَا نعم قَالَ أفتلتمسان منى قَضَاء غير ذَلِك فوالذي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض لَا أَقْْضِي فِيهَا غير ذَلِك حَتَّى تقوم السَّاعَة فَإِن عجزتما عَنْهَا فادفعاها إِلَيّ أكفيكماها فانصرفا فَكَانَت هَذِه الصَّدَقَة بيد عَليّ غلب عَلَيْهَا الْعَبَّاس ثمَّ كَانَت بيد الْحُسَيْن ثمَّ بيد عَليّ بن الْحُسَيْن وَالْحسن المثني ابْن الْحسن السبط يتداولانها ثمَّ بيد زيد وَهِي صَدَقَة رَسُول الله
حَقًا قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لما توفّي رَسُول الله
اشرأب النِّفَاق وارتدت الْعَرَب وانحازت الْأَنْصَار وَاخْتلفُوا أَيْن يدْفن رَسُول الله
فَمَا وجد عِنْد أحد من ذَلِك علم فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول مَا من نَبِي يقبض إِلَّا دفن تَحت مضجعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاثه فَمَا وجدوا عِنْد أحد علما من ذَلِك فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله
يَقُول نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا أول اخْتِلَاف وَقع بَين الصَّحَابَة وَلما اشتهرت وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالنواحي وارتدت طوائف من الْعَرَب وَمنعُوا الزَّكَاة نَهَضَ أَبُو بكر الصّديق إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ عمر فتر عَن قِتَالهمْ فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا أَو عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله
لقاتلتهم على منعهَا فَقَالَ عمر كَيفَ نقاتلهم وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَمن قَالَهَا عصم مني مَاله وَدَمه إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابه على الله فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن الزَّكَاة حق المَال وَقد قَالَ إِلَّا(2/337)
بِحَقِّهَا قَالَ عمر فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لِلْقِتَالِ فَعرفت أَنه الْحق وَذكر جمَاعَة من المؤرخين وَغَيرهم أَن رَسُول الله
كَانَ وَجه أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي سَبْعمِائة رجل إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل بِذِي خشب قبض رَسُول الله
وارتدت الْعَرَب فاجتمعت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَقَالُوا للصديق ردّ هَؤُلَاءِ يعْنى أُسَامَة وَأَصْحَابه فَقَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو جرت الْكلاب بأرجل أَزوَاج النَّبِي
مَا رددت جَيْشًا جهزه رَسُول الله
وَلَا حللت لِوَاء عقده رَسُول الله
وَأمر أُسَامَة أَن يمْضِي لوجهه وَقَالَ أَبُو بكر أَرَأَيْت أَن تَأذن لعمر رَضِي الله عَنهُ بالْمقَام عِنْدِي أستأنس بِهِ وأستعين بِرَأْيهِ فَقَالَ أُسَامَة رَضِي الله عَنهُ قد فعلت وَسَار أُسَامَة فَجعل لَا يمر بقبيلة تُرِيدُ الارتداد إِلَّا قَالُوا لَوْلَا أَن لهَؤُلَاء قُوَّة مَا خرج مثل هَذَا الْجَيْش من عِنْدهم فَلَقوا الرّوم فقاتلوهم وهزموهم وَرَجَعُوا سَالِمين وَكَانَ لعَلي من النَّاس وَجه حَيَاة فَاطِمَة فَلَمَّا توفيت استنكر عَليّ وُجُوه النَّاس فالتمس مصالحة أبي بكر وَلم يكن بَايع تِلْكَ الْأَشْهر فَأرْسل ابْنه الْحسن إِلَى أبي بكر أَن ائتنا وَلَا يأتنا أحد مَعَك وَكره أَن يَأْتِيهِ عمر لما علم من شدته فَقَالَ عمر وَالله لَا تدخل عَلَيْهِم وَحدك فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لآتينهم وحدي وَمَا عَسى أَن يصنعوا بى فَانْطَلق أَبُو بكر حَتَّى دخل على عَليّ وَقد جمع بني هَاشم عِنْده فَقَامَ عَليّ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنَّهُ لم يمنعنا أَن نُبَايِعك إِنْكَار لفضيلتك لَا نفاسة عَلَيْك بِخَير سَاقه الله إِلَيْك وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فاستبديتم بِهِ علينا ثمَّ ذكر قرَابَته مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحقه فَلم يزل عَليّ يذكر ذَلِك حَتَّى بَكَى أَبُو بكر فَلَمَّا صمت على رَضِي الله عَنهُ تشهد أَبُو بكر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فوَاللَّه لقرابة رَسُول الله
أحب إِلَيّ أَن أصلهم من قرابتى وَالله(2/338)
مَا آلوكم فِي هَذِه الْأَحْوَال الَّتِي كَانَت بيني وَبَيْنكُم من الْخَيْر وَلَكِنِّي سَمِعت من رَسُول الله
يَقُول لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال ... إِلَى آخر مَا تقدم وَفِي رِوَايَة أما بعد فوَاللَّه مَا فعلت ذَلِك إِلَّا أَنِّي خشيت الْفِتْنَة. . إِلَى آخر مَا تقدم من قَوْله لفاطمة فِي السَّابِق وَإِنِّي وَالله لَا أذكر صَنِيعه فِيهِ إِلَّا صَنعته إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ عَليّ موعدك العشية لِلْبيعَةِ فَلَمَّا صلى أَبُو بكر الظّهْر أقبل على النَّاس ثمَّ عذر عليا بِبَعْض مَا اعتذر بِهِ لَهُ ثمَّ قَامَ عَليّ فَعظم من حق أبي بكر فَذكر فضيلته وسابقته ثمَّ مضى إِلَى أبي بكر فَبَايعهُ وَأَقْبل النَّاس على عَليّ فَقَالُوا أصبت وأحسنت هَذَا حَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ فِي الرياض قَوْله استبديتم أَو استبددتم أَي انفردتم بِهِ دُوننَا وَقَوله كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا المُرَاد بِالْأَمر الْخلَافَة وَيُؤَيِّدهُ أَن عليا بعث إِلَى أبي بكر ليبايعه فَقدم الْعذر فِي تخلفه أَولا فَقَالَ لم نمتنع نفاسة عَلَيْك وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فَعلم بِالضَّرُورَةِ أَن الْأَمر الْمشَار إِلَيْهِ بلام الْعَهْد هُوَ مَا تضمنه الْكَلَام الأول فَالْمُرَاد بِهِ حق فِي الْخلَافَة إِمَّا بِمَعْنى الأحقية أَي كُنَّا نظن أَنا أَحَق مِنْكُم بِهَذَا الْأَمر بقرابتنا من رَسُول الله
مُضَافا إِلَى مَا اجْتمع فِينَا من أَهْلِيَّة الْإِمَامَة مِمَّا ساوينا فِيهِ غَيرنَا وَإِمَّا بِمَعْنى إِنِّي أستحق استحقاقاً مُسَاوِيا لاستحقاقكم على تَقْدِير انضمام الْقَرَابَة إِلَيْهِ إِذْ الْقَرَابَة معنى تحصل بِهِ الراجحية وَإنَّهُ لَيْسَ بِأَحَق وَلَا يلْزم من تخلفه تِلْكَ الْمدَّة عدم صِحَة خلَافَة أبي بكر وَلَا من سُكُوته عَن الْإِنْكَار الْإِقْرَار على الْبَاطِل لأَنا نقُول إِن تخلفه لرُؤْيَته الأحقية لَهُ كَانَ أول وهلة وَغَابَ عَنهُ إِذْ ذَاك مَا كَانَ يُعلمهُ من حق أبي بكر وَفِيه من قَول رَسُول الله
مِمَّا سَيذكرُ فِي فضائله من الْأَرْبَعَة عشر الحَدِيث الدَّالَّة على خِلَافَته ظَاهرا بل وصريحاً إِن صحت زِيَادَة قَوْله فِي الحَدِيث وَهُوَ الْخَلِيفَة من بعدى فَلَمَّا اجْتمع الجم الْغَفِير على ولَايَة أبي بكر اتهمَ(2/339)
نظره فِي حق نَفسه ثمَّ إِنَّه لم ير الْمُبَادرَة إِلَى إِظْهَاره والمطالبة بِمُقْتَضَاهُ حَتَّى بذل جهده فِي التنقير وَالنَّظَر وإمحاص الْفِكر فَإِن ذَلِك من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين وَفِيه تَفْرِيق كلمة من أجمع من الْمُسلمين فَلم يقنع فِيهِ بتبادر النّظر خشيَة استمالة الْهوى الْجبلي وَحب الرياسة الطبيعي وَلَا رأى الْمُوَافقَة لما اسْتَقر فِي ذهنه من رُؤْيَة أحقيته فِيمَا يسْتَحق بِهِ الْإِمَامَة وَتعين وجوب الْقيام بِالْأَمر عَلَيْهِ لكَونه أَحَق وَكَانَ ذَلِك فِي بَادِي النّظر قبل الإمعان فِيهِ فَتخلف عَن الْأَمريْنِ سالكاً فِي ذَلِك الطَّرِيق الْوَرع وَالِاحْتِيَاط فِيمَا عِنْده باذلاً جهده فِي الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر تِلْكَ الْمدَّة مُجْتَهدا فَلَمَّا تبين لَهُ أحقية أبي بكر وفضيلته بتذكر مقتضيات الْأَفْضَلِيَّة وَوَافَقَ ذَلِك موت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أرسل إِلَى أبي بكر وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ استبان أحقيته وَسِيَاق هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن تِلْكَ الرُّؤْيَة قد زَالَت وَلم يكن ذكره الْقَرَابَة إِقَامَة للحجة على أبي بكر فَإِنَّهُ يعْتَذر وَلَا تلِيق المحاجة بالمعتذر وَإِنَّمَا كَانَ إِظْهَارًا لمستند تخلفه وبياناً لمعتمد تمسكه لكيلاً يظنّ فِيهِ أَن تخلفه كَانَ لهوى مُتبع بِغَيْر هدى من الله تَعَالَى لَا عَن اجْتِهَاد وَنظر وَإِن لم يكن صَحِيحا إِذْ الْمُجْتَهد مَعْذُور وَإِن أَخطَأ وَلذَلِك كَانَ لَهُ أجر وَهَذَا التَّأْوِيل مِمَّا يجب اعْتِقَاده وَيَنْبَغِي الْمصير إِلَيْهِ وَمَا قَالَه بَعضهم من أَنه رَضِي الله عَنهُ إِمَّا أَن يعْتَقد صِحَة خلَافَة أبي بكر مَعَ أحقيته فَيكون تخلفه عَن الْبيعَة ومفارقة الْجَمَاعَة وَنزع ربقة الطَّاعَة عُدُولًا عَن الْحق وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَهُوَ مبرأ عَن ذَلِك ومنزه عَنهُ أَو لَا يعْتَقد صِحَّتهَا فَيكون قد أقرّ على الْبَاطِل لِأَنَّهُ رَضِي الله عَنهُ قد أقرّ الطير على مَكَانهَا وَلم يظْهر مِنْهُ نَكِير على فعلهم لَا بقول وَلَا بِفعل مَعَ قُوَّة إيمَانه وَشدَّة بأسه وَكثر ناصره وَكفى بفاطمة وَالْعَبَّاس عَمه وَبنى هَاشم بأجمعهم وَمن مَعَه من الصَّحَابَة ظهيراً ونصيراً مَعَ مَا أسس لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْقَوَاعِد فِي العقائد وَأَن موالاته ومحبته من محبته وَالدُّعَاء لمن وَالَاهُ وعَلى من عَادَاهُ وَمَعَ ذَلِك كُله لم يظْهر مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ حَال مثله من إِنْكَار الْبَاطِل بِحَسب طاقته فَلَو كَانَ(2/340)
بَاطِلا لزم تَقْرِيره الْبَاطِل وَاللَّازِم بَاطِل كَذَلِك فالملزوم كَذَلِك فقد تقدم الْجَواب عَنهُ آنِفا وَالْقَوْل الَّذِي تدعيه الروافض وَمن نحا نحوهم أَن سُكُوته كَانَ تقية بَاطِل غريق فِي الْبطلَان فَإِن مُقْتَضى ذَلِك إِمَّا ضعف فِي الدّين أَو فِي الْحَال فَالْأول بَاطِل إِجْمَاعًا وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لما قَررنَا آنِفا وَيُؤَيِّدهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْحسن الْبَصْرِيّ المتضمن نفي الْعَهْد إِلَيْهِ بالخلافة وَفِيه لَو كَانَ عِنْدِي عهد من النَّبِي
فِي ذَلِك مَا تركت أَخا بني تيم بن مرّة وَعمر بن الْخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيَدي وَلَو لم أجد إِلَّا بردتي هَذِه الحَدِيث وَهَذَا أدل دَلِيل على أَنه لم يسكت تقية إِذْ لَو علم بطلَان ذَلِك وَأَنه المتصف بهَا دونه لتعين عَلَيْهِ الْقيام وَكَانَ كالعهد إِلَيْهِ وَقد أخبر رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو تعين عَلَيْهِ بالعهد إِلَيْهِ لقَاتل وَلَقَد أحسن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حَيْثُ قَالَ لبَعض الروافض لَو كَانَ الْأَمر كَمَا تَقولُونَ أَن النَّبِي
اخْتَار عليا لهَذَا الْأَمر وَالْقِيَام على النَّاس بعده كَانَ عَليّ أعظم النَّاس جرما وخطيئة إِذْ ترك أَمر رَسُول الله
أَن يقوم بِهِ ويُعذر إِلَى النَّاس فَقَالَ لَهُ الروافض ألم يقل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن أما وَالله لَو يَعْنِي بهَا رَسُول الله
الْأَمر وَالسُّلْطَان لأفصح بِهِ كَمَا أفْصح بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج وَالصِّيَام ولقال أَيهَا النَّاس إِنَّه الْوَلِيّ بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة فَإِن قيل أَلا يجوز أَن يكون المُرَاد بِالْأَمر فِي قَول عَليّ الْمِيرَاث وبالحق حق الْمِيرَاث فَيكون تَقْدِير الْكَلَام كُنَّا نظن أَن لنا قسما خَلفه رَسُول الله
حَقًا وَأَنَّك منعتنا إِيَّاه وأصررت على الْمَنْع فَلم تصح لذَلِك خلافتك فَلذَلِك تخلفنا عَن الْبيعَة وَيدل على هَذَا جَوَاب أبي بكر بِنَفْي الْمِيرَاث على الرِّوَايَة الأولى وَإِلَّا(2/341)
لما كَانَ جَوَابا فَوَجَبَ الْمصير إِلَى هَذَا الْمَعْنى صونا لكَلَام هَذَا الفصيح عَن الزلل وَهُوَ من أفْصح الْعَرَب وأعرفهم بِمَا يَقُول قُلْنَا صُورَة الْحَال وَسِيَاق الْمقَال يَشْهَدَانِ بِخِلَافِهِ ويتبرآن مِنْهُ فَإِن اعتذار عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا كَانَ عَن تخلفه عَن الْبيعَة فَقَالَ لم يمنعنا أَن نُبَايِعك يَا أَبَا بكر إِنْكَار لفضيلتك وَلَا نفاسة لخير سَاقه الله إِلَيْك. . إِلَى آخِره وَلم يجر فِي حَدِيثه ذكر الْمِيرَاث والمبادر مِنْهُ إِلَى الْفَهم عِنْد سَماع هَذَا اللَّفْظ لَيْسَ إِلَّا الْخلَافَة وَجَوَاب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مَحْمُول على تقدم كَلَام آخر تَركه الرَّاوِي وَيكون لما فرغ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من قَوْله كُنَّا نظن أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا تعرض لذكر الْمِيرَاث ثمَّ اعتذر عَن الْمُبَايعَة فأغنى أَبَا بكر عَن الْجَواب عَن قَوْله كُنَّا نرى إِذْ يَقْتَضِي أَن تكون تِلْكَ الرُّؤْيَة سَابِقَة ثمَّ انْقَطَعت وَأَن رُؤْيَته الْآن غير تِلْكَ هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم من سِيَاق لَفظه كرم الله وَجهه فَمَا عَسى أَن يَقُول لَهُ أَبُو بكر وَقد دلّ كَلَامه على تغير نظره والإجابة على مبايعته ورؤية الْحق فِي ذَلِك فاستغنى أَبُو بكر عَن جَوَاب فصل الْبيعَة وَعدل إِلَى جَوَاب فصل الْمِيرَاث أَو نقُول لم يجر للميراث فِي هَذَا الْمجْلس ذكر إِلَّا أَنه كَانَ قد ذكر قبل ذَلِك وَجرى فِي حَدِيث فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حِين جَاءَت إِلَى أبي بكر فطلبت الْمِيرَاث فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْمجْلس الْمَعْقُود لإِزَالَة صُورَة الوحشة الظَّاهِرَة وَالدُّخُول فِيمَا دخلت فِيهِ الْجَمَاعَة وَاعْتذر عَليّ بِمَا اعتذر بِهِ وَقبل أَبُو بكر عذره ثمَّ أنشأ أَبُو بكر ذكر الْمِيرَاث معتذراً مِمَّا توهم فِيهِ أَولا نافياً لَهُ حَالفا على الاتصاف بِخِلَافِهِ محتجاً بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره وَقصد بذلك إِزَالَة بقايا الوحشة إِن كَانَت حَتَّى لَا يبْقى لَهَا أثر وَأما منع أبي بكر فَاطِمَة عَن الْإِرْث فادعت الرافضة أَن فِي ذَلِك مِنْهُ احتجاجاً بِخَبَر الْوَاحِد مَعَ معارضته لآيَة الْمَوَارِيث الَّتِي استدلت بهَا فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَلَيْسَ ادعاؤهم صَحِيحا إِذْ هُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يحكم بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي هُوَ مَحل الْخلاف وَإِنَّمَا حكم بِمَا سَمعه من رَسُول الله
وَهُوَ عِنْده قَطْعِيّ فيساوي آيَة الْمَوَارِيث فِي قَطْعِيَّة الْمَتْن وَأما حمله على مَا فهم مِنْهُ فلانتفاء الِاحْتِمَالَات الَّتِي يُمكن تطرقها إِلَيْهِ بِقَرِينَة(2/342)
الْحَال فَصَارَ عِنْده دَلِيلا قَطْعِيا مُخَصّصا لعُمُوم تِلْكَ الْآيَات مَعَ أَن أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم ينْفَرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث فقد رَوَاهُ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَعلي نَفسه وَالْعَبَّاس وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وَسعد كلهم كَانُوا يعلمُونَ ذَلِك وَإِنَّمَا انْفَرد أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ باستحضاره أَولا ثمَّ استحضره الْبَاقُونَ وَعَلمُوا أَنهم سَمِعُوهُ مِنْهُ
فالصحابة فِي موافقتهم أَبَا بكر على حكمه لم يعملوا بِرِوَايَة أبي بكر وَحدهَا وَإِن كَانَت كَافِيَة أَي كَافِيَة فِي ذَلِك وَإِنَّمَا عمِلُوا بهَا وَبِمَا انْضَمَّ إِلَيْهَا من علم أفاضلهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ وَأما عذر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فِي طلبَهَا مَعَ رِوَايَته لَهَا الحَدِيث فَيحْتَمل أَنه لكَونهَا رَأَتْ أَن خبر الْوَاحِد لَا يخصص الْقُرْآن كَمَا قيل بِهِ فاتضح عذره فِي الْمَنْع وعذرها فِي الطّلب فَلَا يشكل عَلَيْك ذَلِك قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر قلت قد تقدم فِيمَا نَقله الذَّهَبِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِرِوَايَة صَالح مولى أم هانىء أَن فَاطِمَة قَالَت لأبي بكر بعد رِوَايَته الحَدِيث لَهَا أَنْت وَرَسُول الله أعلم مَا أَنا بسائلتك بعد مجلسي هَذَا فَهجرَته فَلم تكمله حَتَّى مَاتَت صَرِيح كَمَا ترى فِي أَنَّهَا لم تسأله بعد رِوَايَته الحَدِيث فَلَا حَاجَة إِلَى الِاعْتِذَار عَنهُ بِمَا ذكره وَالله أعلم فَعلم بِمَا ذَكرْنَاهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ على حَقِيقَة خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف وَلم يرد نَص عَلَيْهَا بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ وَمفَاده ظَنِّي وَحكى النَّوَوِيّ بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من أبي بكر فقد خطأ أَبَا بكر وَعمر والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرْتَفع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه فَإِن قيل الحَدِيث الأول يدل على أَن سَبَب التَّخَلُّف الألية على أَنه لَا يرتدى رِدَاءَهُ إِلَّا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى يجمع الْقرَان وَحَدِيث الْحسن فِي دُعَائِهِ أَبَا بكر يدل على أَن التَّخَلُّف كَانَ لما رَآهُ من أَن لَهُ حَقًا فَكيف يجمع بَينهمَا أم كَيفَ تكون الألية يعْنى الْقسم عذرا فِي التَّخَلُّف عَن الْأَمر الْوَاجِب الْمُتَعَيّن والحنث لأَجله وَاجِب(2/343)
كَنَظِيرِهِ فِي التَّخَلُّف عَن الصَّلَاة الْوَاجِبَة قُلْنَا الْجمع يُمكن بِأَن يكون سَبَب الِامْتِنَاع عَن الْبيعَة وتخلفه أَولا مَا ذكره من قَوْله كُنَّا نظن ثمَّ خطر لَهُ كرم الله وَجهه جمع الْقرَان وَهُوَ فِي مهلة النّظر الْمُتَقَدّم ذكره فآلى تِلْكَ الألية ثمَّ أرسل إِلَى أبي بكر ثمَّ لقِيه عمر فَقَالَ لَهُ تخلفت عَن بيعَة أبي بكر فَقَالَ إِنِّي آلَيْت ... إِلَى آخِره ووافى ذَلِك ظُهُور أحقية أبي بكر عِنْده فَأرْسل إِلَيْهِ معتذرَاً فِي التَّخَلُّف وَاقْتضى نظره لَهُ إِذْ ذَاك أَن هَذَا الْقدر كَاف فِي الطواعية والانقياد وَالدُّخُول فِيمَا دخل فِيهِ الْجَمَاعَة فَلم ير الْحِنْث مَعَ الْبيعَة خشيَة أَن ينْقل عَنهُ وينقسم نظره عِنْد مُلَابسَة النَّاس ومخالطتهم فَأَقَامَ إِظْهَار عذره مقَام حُضُوره إِلَّا أَنه رأى الْيَمين عذرا وَلَا أَنه بَقِي على مَا كَانَ عَلَيْهِ من رُؤْيَة أحقيته كَذَا فِي الرياض رِسَالَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَاتِّبَاع سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه مَعَ سيدنَا أبي عُبَيْدَة عَامر بن الْجراح رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجَوَاب سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه عَن ذَلِك ومبايعته لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ عَن أبي حَيَّان عَليّ بن مُحَمَّد التوحيدي الْبَغْدَادِيّ قَالَ سمرنا لَيْلَة عِنْد القَاضِي أبي حَامِد أَحْمد بن بشر المروروزي العامري فِي دَار أبي حبشان فِي شَارِع المازبان فتصرف إِلَى الحَدِيث كل متصرف وَكَانَ أَبُو حَامِد وَالله مفنَاً مِخْلطاً مزيلاً معنياً غزير الرِّوَايَة لطيف الدِّرَايَة لَهُ فِي كل جو متنفس وَمن كل نَار مقتبس فَجرى حَدِيث السَّقِيفَة وشأن الْخلَافَة فَركب كل منا متْنا وَقَالَ قولا وَعرض بِشَيْء وَنزع إِلَى فن فَقَالَ هَل فِيكُم من يحفظ رِسَالَة سيدنَا أبي بكر الصّديق إِلَى سيدنَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَجَوَاب عَليّ لَهُ ومبايعته إِيَّاه عقب تِلْكَ المناظرة فَقَالَت الْجَمَاعَة الَّتِي بَين يَدَيْهِ لَا وَالله قَالَ هِيَ من بَنَات الحقاق ومخبآت الصناديق فِي الخزائن ومذ حَفظتهَا مَا رويتها إِلَّا للمهلبي أبي مُحَمَّد فِي وزارته وكتبها عني بعده فِي خلْوَة وَقَالَ لَا أعرف على وَجه الأَرْض رِسَالَة أَعقل مِنْهَا وَلَا أبين وَإِنَّهَا لتدل على حكم وَعلم وفصاحة وفقاهة ودهاء وَدين وَبعد غور وَشدَّة غوص فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر الْعَبادَانِي أَيهَا القَاضِي لَو أتممت الْمِنَّة(2/344)
بروايتها سمعناها وَنحن أوعى لَهَا عَنْك من المهلبى وَأوجب ذماماً عَلَيْك فَانْدفع فَقَالَ حَدثنَا الخزاعى بِمَكَّة حَدثنَا ابْن أبي ميسرَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فليح أَنبأَنَا عِيسَى بن دأب أَنبأَنَا صَالح بن كيسَان وَيزِيد بن رُومَان وَكَانَ معلم عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ أَنبأَنَا هِشَام بن عُرْوَة قَالَ أنبأنى أَبُو النفاخ مولى أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح وروى هَذَا الحَدِيث وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ جَرَاءَة ظَاهِرَة وَكَانَ من محفوظاته الْقَدِيمَة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بدهر ذاكرنا بأحرف من هَذِه الرسَالَة ابْن هَارُون وَكَانَ نَسِيج وَحده حفظا وبياناً واتباعاً فعرفناه اْن الحَدِيث عندنَا من جِهَة أبي حَامِد فَزعم أَن أستاذه ابْن شَجَرَة أَحْمد بن كَامِل القاضى سرده وَلم يكن فِيهِ صَالح بن كيسَان وَذكر مولى أبي عُبَيْدَة أَبَا النفاخ بالنُّون وَالْفَاء وحالف فِي أحرف وَأَنا أكرر عَلَيْهِ الرسَالَة والْحَدِيث بعد ذكرهمَا وأسمى حرفا حرفا مِمَّا وَقع فِيهِ الْخلاف على جِهَة التَّصْحِيف أَو على جِهَة التحريف على أننى مَا سَمِعت بِحَدِيث فِي طوله وغرابته بِأَحْسَن سَلامَة مِنْهُ وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّهُ صَار إِلَيْنَا من رِوَايَة هذَيْن الشَّيْخَيْنِ العلامتين وَكَانَ سَمَاعنَا من أبي حَامِد سنة سِتِّينَ وَمن أبي مَنْصُور سنة خمس وَسبعين قَالَ أَبُو حَامِد قَالَ أَبُو النفاخ سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح يَقُول لما اسْتَقَرَّتْ الْخلَافَة لأبى بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ولحظ بِعَين الهيبة وَالْوَقار وَإِن كَانَ لم يزل كَذَلِك بعد هنيَّة كَاد الشَّيْطَان بهَا فَدفع الله شَرها ورحض عرها وَيسر خَيرهَا وأزاح ضيرها ورد كيدها وقصم ظهر النِّفَاق والفسوق من أَهلهَا بلغ سيدنَا أَبَا بكر الصّديق عَن سيدنَا عَليّ بن أبي طَالب تلكؤ وشماس وتهمهم ونفاس وَكره اْن يتمادى الْحَال وتبدو الْعَدَاوَة وتنفرج ذَات الْبَين وَيصير ذَلِك دريئة لجَاهِل مغرور أَو عَاقل ذِي وَهن أَو صَاحب سَلامَة ضَعِيف الْقلب خوار الْعَنَان دعانى فحضرته وَعِنْده سيدنَا عمر بن الْخطاب وَحده وَكَانَ يُدمن أرضه بالسرجين وَكَانَ عمر قباله ظهيرَا مَعَه يقتبس بِرَأْيهِ ويستملي على لِسَانه فَقَالَ لي أَبُو بكر الصّديق يَا أَبَا عُبَيْدَة مَا أَيمن ناصيتك وَأبين الْخَيْر بَين عَيْنَيْك وعارضيك وَلَقَد كنت من رَسُول الله
بِالْمَكَانِ المحوط وَالْمحل المغبوط وَلَقَد قَالَ فِيك فِي يَوْم مشهود أَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة وَطَالَ(2/345)
مَا أعز الله بك الْإِسْلَام وَأصْلح فَسَاده على يَديك وَلم تزل للدّين ملْجأ وَلِلْمُؤْمنِينَ دوحاً ولأهلك ركنا ولاخوانك ردْءًا قد أردتك لأمر لَهُ مَا بعده خطره مخوف وصلاحه مَعْرُوف وَإِن لم يندمل جرحه بمسبرك وَلم تستجب حيته لرقيتك فقد وَقع الْيَأْس وأعضل الْبَأْس واحتيج بعد ذَلِك إِلَى مَا هُوَ أَمر من ذَلِك وأعلق وأعسر مِنْهُ وأغلق وَالله أسأَل تَمَامه بك ونظامه على يَديك فتأت لَهُ يَا أَبَا عُبَيْدَة وتلطف فِيهِ وانصح لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ
ولهذه الْعِصَابَة غير آل جهدا وَلَا قَالَ جدا وَالله كالئك وناصرك وهاديك ومبصرك وَبِه الْحول والتوفيق امْضِ إِلَى عَليّ واخفض جناحك لَهُ واغضض من صَوْتك عِنْده وَاعْلَم أَنه سلالة أبي طَالب ومكانه مِمَّن فقدناه بالْأَمْس
مَكَانَهُ وَقل لَهُ الْبَحْر مغرقه وَالْبر مفرقه والجو أكلف وَاللَّيْل أغلف وَالسَّمَاء جلواء وَالْأَرْض صلعاء والصعود مُتَعَذر والهبوط متعسر وَالْحق رءوف عطوف وَالْبَاطِل شنوف عنوف والضغن رائد الْبَوَار والتعريض شجار الْفِتْنَة القعة ثقوب الْعَدَاوَة وَهَذَا الشَّيْطَان متكىء على شِمَاله متحبل بِيَمِينِهِ نافج حضنيه لأَهله ينْتَظر بهم الشتات والفرقة ويدب بَين الْأمة بالشحناء والعداوة عنادَا لله عز وَجل وَلِرَسُولِهِ
ولدينه ناكباً يوسوس بِالْفُجُورِ ويُدلى بالغرور ويمنى أهل الشرور ويزجى إِلَى أوليائه بِالْبَاطِلِ دأباً لَهُ مذ كَانَ على عهد أَبينَا آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وعاده مِنْهُ مُنْذُ أهانه الله عز وَجل فِي سالف الدَّهْر لَا يُنجى مِنْهُ إِلَّا عض الناجذين على الْحق وغض الطّرف عَن الْبَاطِل والعاجل وَوَطْء هَامة عَدو الله وعدو الدّين بالأشد فالأشد والأحد فالأحد واسلام النَّفس لله عز وَجل فِيمَا حَاز رِضَاهُ وجنب سخطه وَلَا بُد الْآن من قَول ينفع إِذا ضرّ السُّكُوت وَخيف غبه وَلَقَد أرشدك من أَفَادَ ضالتك وصادقك من أَحْيَا مودته لَك بعتابك وَأَرَادَ الْخَيْر بك من آثر الْبَقَاء مَعَك مَا هَذَا الَّذِي تسول لَك نَفسك ويدوى بِهِ قَلْبك ويلتوى بِهِ عَلَيْك رَأْيك ويتخاوص دونه طرفك ويسرى فِيهِ ظعنك ويتراد مَعَه نَفسك وتكثر مَعَه صعداؤك وَلَا يفِيض بة لسَانك أعجمة بعد إفصاح أم تلبيس بعد أيضاًح أدين غير دين الله عز وَجهه أخُلق غير خُلق الْقرَان أهْدى غير هدى النَّبِي
أمثلى يمشى إِلَيْهِ الضراء أَو تدب إِلَيْهِ الخمراء أم مثلك ينقبض عَلَيْهِ الفضاء(2/346)
أَو تكسف فِي عينه القمراء مَا هَذِه القعقعة بالشنان وَمَا هَذِه الوعوعة بالشنآن إِنَّك جد عَارِف باستجابتنا لله عز وَجل وَلِرَسُولِهِ وخروجنا عَن أوطاننا وَأَمْوَالنَا وَأَوْلَادنَا وأحبتنا هِجْرَة إِلَى الله تَعَالَى ذكره ولنصرة نبيه
فِي زمَان أَنْت فِيهِ فِي كن الصِّبَا وخدر الغرارة غافل عَمَّا يشبب ويربب لَا تعي مَا يُرَاد ويشاد وَلَا تحصل مَا يساق ويقاد سوى مَا أَنْت جَار عَلَيْهِ إِلَى غايتك الَّتِي إِلَيْهَا عدى بك وَعِنْدهَا حط رحلك غير مَجْهُول الْقدر وَلَا مجحود الْفضل وَنحن فِي أثْنَاء ذَلِك نعاني أحوالاً تزيل الرواسِي ونقاسي أهوالاً تشيب النواصي خائضين غمارها راكبين تيارها نتجرع صابها ونشرح عيابها ونكرع عبابها ونحكم أساسها ونبرم أمراسها والعيون تحدج بالجد والأنوف تعطس بالنكد والصدور تستعر بالغيظ والأعناق تتطاول بالفخر والشفار تشحذ بالمكر وَالْأَرْض تميدُ بالخوف وَلَا نَنْتَظِر عِنْد الْمسَاء صباحاً وَلَا عِنْد الصَّباح مسَاء وَلَا ندفع فِي نحر أَمر إِلَّا أَن نحسو الْمَوْت دونه وَلَا نبلغ إِلَى شَيْء إِلَّا بعد جرع الْغصَص مَعَه، وَلَا نقوم منآداً إِلَّا بعد الْيَأْس من الْحَيَاة عِنْده فادين فِي كل ذَلِك لرَسُول الله
بِالْأَبِ وَالأُم وَالْخَال وَالْعم والنشب والسبد واللبد والهلة والبلة والأهل وَالْولد بِطيب نفس وقرور عين ورحب أعطان وثبات عزائم وَصِحَّة عقول وطلاقة وَجه وذلاقة ألسن هَذَا إِلَى خفيات أسرار ومكنونات أَخْبَار كنت عَنْهَا غافلاً وَلَوْلَا حَدَاثَة سنك لم تكن عَن شَيْء مِنْهَا ناكلاً كَيفَ وفؤادك مشهوم وعودك معجوم وغيبك مخبور وَالْقَوْل فِيك كثير والآن قد بلغ الله بك وأرهص الْخَيْر لَك وَجعل لَك مرادك بَين يَديك وعقلك بَين عَيْنَيْك وَعَن علم أَقُول مَا تسمع فَارْتَقِبْ زَمَانك وقلص إِلَيْهِ أردانك ودع التعبيس والنحبيس بِمن لَا يظلع لَك إِذا خطا وَلَا يتزحزح عَنْك إِذا عطا وَالْأَمر غض والنفوس فِيهَا مض وَإنَّك أَدِيم هَذِه الْأمة فَلَا تحلم لجاجاً وسيفها العضب فَلَا تنبو اعوجاجاً وماؤها العذب فَلَا تحل أجاجا وَالله لقد سَأَلت رَسُول الله
عَن هَذَا الْأَمر فَقَالَ لي يَا أَبَا بكر هُوَ لمن يرغب عَنهُ لَا لمن يرغب فِيهِ ويجاحش عَلَيْهِ وَلمن يتضاءل لَهُ لَا لمن ينتفجُ إِلَيْهِ وَلمن يُقَال لَهُ هُوَ لَك لَا لمن يَقُول هُوَ لي(2/347)
وَالله لقد شاورني رَسُول الله
فِي الصهر فَذكر فتياناً من قُرَيْش فَقلت لَهُ أَيْن أَنْت من عَليّ فَقَالَ إِنِّي لأكْره لفاطمة ضيق شبابه وحداثة سنه فَقلت لَهُ مَتى كنفته يدك ورعته عَيْنك حفت بهما الْبركَة وأسبغت عَلَيْهِمَا النِّعْمَة مَعَ كَلَام كثير خطبت بِهِ عَنْك ورغبت فِيك وَمَا كنت عرفت مِنْك فِي ذَلِك حوجاء وَلَا لوجاء فَقلت مَا قلت وَأَنا أرى مَكَان غَيْرك وَأَجد رَائِحَة سواك وَكنت لَك إِذْ ذَاك خيرا مِنْك الْآن لي وَلَئِن كَانَ عرض بك رَسُول الله
فقد كنى عَن غَيْرك وَإِن كَانَ قَالَ فِيك فَمَا سكت عَن سواك وَإِن يختلج فِي نَفسك شَيْء فَهَلُمَّ فَالْحكم مرضِي وَالصَّوَاب مسموع وَالْحق مُطَاع وَلَقَد نُقل رَسُول الله
إِلَى مَا عِنْد الله عز وَجل وَهُوَ عَن هَذِه الْعِصَابَة رَاض وَعَلَيْهَا حدب يسره مَا يسرها ويكيده مَا يكيدها ويرضيه مَا يرضيها ويسخطه مَا أسخطها ألم تعلم أَنه لم يدع أحدا من أَصْحَابه وخلطائه وأقاربه وشجرائه إِلَّا أبانه بفضيلة وَخَصه بمكرمة وأفرده بجلالة لَو أصفقت الْأمة عَلَيْهِ لَكَانَ عِنْده إيالتها وكفالتها وكرامتها وغزارتها أتظن أَنه
ترك الْأمة نشرا سدى بَين عدا عباهل سباهل طلاحى مباهل مَفْتُونَة بِالْبَاطِلِ مغبونة عَن الْحق لَا رائد وَلَا ذائد وَلَا سائق وَلَا قَائِد وَلَا حَائِط وَلَا واقي وَلَا هادي وَلَا حادي كلا وَالله مَا اشتاق إِلَى ربه وَلَا سَأَلَهُ الْمصير إِلَى رضوانه حَتَّى ضرب الصوى وأوضح الْهدى وَأمن المهالك والمطاوح وَسَهل الْمُبَارك والمهايع وَإِلَّا بعد أَن شدخ يَا فوخ الشّرك بِإِذن الله عز وَجل وشرم أنف النِّفَاق لوجه الله تَعَالَى جدُّه وجدع أنف الْفِتْنَة فِي ذَات الله تبَارك اسْمه وتفل فِي وَجه الشَّيْطَان بعون الله جلّ ذكره وصدع بملء فِيهِ وَيَده أَمر الله عز وَجل وَبعد فَهَؤُلَاءِ الْأَنْصَار والمهاجرون عنْدك ومعك فِي دَار وَاحِدَة وبقعة جَامِعَة إِن استقاموا بِي لَك وأشاروا عِنْدِي بك فَأَنا أول وَاضع يَدي فِي يدك وصاير إِلَى رَأْيهمْ فِيك وَإِن تكن الْأُخْرَى فَادْخُلْ فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ وَكن العون على مصالحهم والفاتح لمغالقهم والمرشد لضالهم والرادع لغاويهم فقد أَمر الله عز وَجل بالتعاون على الْبر وأهاب إِلَى التناصر على الْحق وَدعنَا نقض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا بصدور بريئة من الغل ونلقى الله عز وَجل بقلوب(2/348)
سليمَة من الضغن وَبعد فَالنَّاس ثُمَامَة فارفق بهم واحن عَلَيْهِم وَلنْ لَهُم وَلَا تشق نَفسك بِنَا خَاصَّة فيهم واترك ناجم الحقد حصيدا وطائر الشد وَاقعا وَبَاب الْفِتْنَة غلقاً فَلَا قَالَ وَلَا قيل وَلَا لوم وَلَا تبيع وَالله عز وَجل على مَا نقُول شَهِيد وَبِمَا نَحن عَلَيْهِ بَصِير قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا تهيأت للنهوض قَالَ لي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كن لَدَى الْبَاب هُنيهة فلي مَعَك ذوق من القَوْل فوقفت وَلَا أَدْرِي مَا كَانَ بعدِي إِلَّا أَنه لَحِقَنِي وَوَجهه يَبْدُو متهللاً وَقَالَ قل لعَلي الرقاد محلمة واللجاج ملحمة والهوى مقحمة وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم وَحقّ مشَاع أَو مقسوم ونبأ ظَاهر أَو مَكْتُوم وَإِن أَكيس الْكيس من منح الشارد تألفاً وقارب الْبعيد تلطفا وَوزن كل امرىء بميزانه وَلم يخلط خَبره بعيانه وَلم يَجْعَل فتره مَكَان شبره وَلَا خَيره مَكَان شَره وَلَا خير فِي معرفَة مشوبة بنكرة وَلَا علم معتل فِي جهل // (من المتقارب) //
(وَلَسْنَا كَجِلْدَةِ رفْع الْبَعِيرِ ... بَيْنَ الْعِجَانِ وَبَيْنَ الذَّيَبْ)
وكل صال فبناره وكل سيل فَإلَى قراره وَمَا كَانَ سكُوت هَذِه الْعِصَابَة إِلَى هَذِه الْغَايَة لِعي وَلَا سي وَلَا كَلَامهَا الْيَوْم لفتق وَلَا رتق وَلَا فرق وَلَا رهق قد جدع الله لمُحَمد
أنف كل ذِي كبر وقصم ظهر كل جَبَّار وَقطع لِسَان كل كذوب فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال مَا هَذِه الخنزوانة الَّتِي فِي فرَاش رَأسك وَمَا هَذَا الشجى الْمُعْتَرض فِي مدارج أنفاسك وَمَا هَذِه الوحرة الَّتِي أكلت شراسيفك والقذاة الَّتِي أعشت ناظريك وَمَا هَذَا الدحس والداسُ اللَّذَان يدلان على ضيق الباع وخور الطباع وَمَا هَذَا الَّذِي لبست بِسَبَبِهِ جلد النمر واشتملت عَلَيْهِ بالشحناء والنكر شَذَّ مَا استسعيت إِلَيْهَا وسريت سرى ابْن أنقد إِلَيْهَا إِن الْعوَان لَا تعلم الْخمْرَة وَإِن الحصان لَا تكلم لخبرة مَا أحْوج الصلعاء إِلَى خَال وَمَا اْحوج الفرعاء إِلَى فال لقد خرج رَسُول الله
وَالْأَمر معبد محبس لَيْسَ لأحد فِيهِ ملمس وَلَا مأنس لم يسير فِيك قولا وَلم يسْتَنْزل فِيك قُرْآنًا وَلَا عرف فِي شَأْنك حكما ولسنا فِي كسروية كسْرَى وَلَا قيصرية قَيْصر وَلَا أخذان فَارس وَأَبْنَاء الْأَصْفَر قوما جعلهم(2/349)
الله جزراً لسيوفنا وأرماحنا ومزعاً لطعاننا وتبعاً لسلطاتنا بل نَحن فِي نور نبوة وضياء رِسَالَة وَثَمَرَة حِكْمَة وَأثر رَحْمَة وعنوان نعْمَة وظل عصمَة بَين أمة مهدية بِالْحَقِّ والصدق مَأْمُونَة على الفتق والرتق لَهَا من الله عز وَجل قلب أبي وساعد قوي وَيَد ناصرة وَعين باصرة أتظن ظنا أَن أَبَا بكر الصّديق وثب على هَذَا الْأَمر مفتئتا على الْأمة خادعاً لَهَا متسلطاً عَلَيْهَا أتراه امتلخ أحلامها وأزاغ أبصارها وَحل عقدهَا وأحال عقولها واستلب من صدروها حميتها وانتزع من أكبادها عصبيتها وانتكث رشاها وانتضب ماءها وأضلها عَن هُداها وساقها إِلَى رداها وَجعل نَهَارهَا لَيْلًا ووزنها كَيْلا ويقظتها رقاداً وصلاحها فَسَادًا إِن كَانَ هَكَذَا إِن سحره لمبين وَإِن كَيده لمتين كلا وَالله بِأَيّ خيل وَرجل وَبِأَيِّ سِنَان ونصل وَبِأَيِّ قُوَّة ومنة وَبِأَيِّ ذخر وَبِأَيِّ أيد وَشدَّة وَبِأَيِّ عشيرة وأسرة وَبِأَيِّ تدرع وبسطة لقد أصبح عنْدك بِمَا وسمته منيع الرَّقَبَة رفيع العتبة لَا وَالله وَلَكِن سلا عَنْهَا فولهت بِهِ وتطامن لَهَا فلصقت بِهِ وَمَال عَنْهَا فمالت إِلَيْهِ واشتمل دونهَا فاشتملت عَلَيْهِ حبوة حباه الله بهَا وعاقبة بلغه الله إِيَّاهَا ونعمة سربله الله جمَالهَا وَيَد أوجب الله عَلَيْهِ شكرها وَأمة نظر الله بِهِ إِلَيْهَا ولطالما حلقت فَوْقه فِي أَيَّام رَسُول الله
وَهُوَ لَا يلْتَفت لفتها وَلَا يرتصد وَقتهَا وَالله أعلم بخلقه وأرأف بعباده يخْتَار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة وَإنَّك بِحَيْثُ لَا يجهل موضعك من بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وكهف الْحِكْمَة وَلَا يجْحَد حَقك فِيمَا أَتَاك رَبك وَلَكِن لَك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك وقربى أمس من قرابتك وَسن أَعلَى من سنك وَشَيْبَة أروع من شيبتك وسيادة بهَا عرق من الْجَاهِلِيَّة وَفرع من الْإِسْلَام والشريعة ومواقف لَيْسَ لَك فِيهَا من جمل وَلَا نَاقَة وَلَا تذكر مِنْهَا فِي مُقَدّمَة وَلَا ساقة وَلَا تضرب فِيهَا بِذِرَاع وَلَا إِصْبَع وَلَا تخرج مِنْهَا ببازل وَلَا هُبع فَإِن عذرت نَفسك فِيمَا تهدر بِهِ شقشقتك من صاغيتك فاعذرنا فِيمَا تسمع منا فِي لين وسكوت مِمَّا لَا تبعده مِنْهُ وَلَا تناصله عَلَيْهِ وَلَئِن حدبت بِهَذَا نَفسك(2/350)
لينتحين عَلَيْك مَا ينسيك الأولى ويلهيك عَن الْآخِرَة وَلَو علم من ضننا بِهِ مَا فِي أَنْفُسنَا لَهُ وَعَلِيهِ لما سكت وَلَا اتَّخذت أَنْت وليجة إِلَى بعض الأرب فَأَما أَبُو بكر الصّديق فَلم يزل حَبَّة سويداء قلب رَسُول الله
وعلاقة همه وعيبة سره ومثوى حربه ومفزع رَأْيه ومشورته وراحة كَفه ومرمق طرفه وَذَلِكَ كُله بِمحضر الصَّادِر والوارد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار شهرته مغنية عَن الدّلَالَة عَلَيْهِ ولعمري إِنَّك أقرب إِلَى رَسُول الله
قرَابَة لكنه أقرب قربَة والقرابة لحم وَدم والقربة روح وَنَفس وَهَذَا فرق وَقد عرفه الْمُؤْمِنُونَ وَلذَلِك صَارُوا أَجْمَعِينَ وَمهما شَككت فِيهِ فَلَا تشك أَن يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة ورضوانه لأهل الطَّاعَة فَادْخُلْ فِيمَا هُوَ خير لَك الْيَوْم وأنفع لَك غَدا والفظ من فِيك مَا تعلق بلهاتك وانفث سخيمة صدرك عَن ثفاتك فَإِن يَك فِي الأمد طول وَفِي الْأَجَل فسحة فستأكله مريئاً أَو غير مريء وستشربه هَنِيئًا أَو غير هنيء حِين لَا راد لِقَوْلِك إِلَّا من كَانَ مِنْك وَلَا تَابع لَك إِلَّا من كَانَ طامعاً فِيك يمض إهابك ويفري قادمتك ويزري على هديك هُنَاكَ تقرع السن من نَدم وتجرع المَاء ممزوجاً بِدَم وَحِينَئِذٍ تيأس على مَا مضى من عمرك ودارج قَوْمك فتود أَن لَو سقيت بالكأس الَّتِي أبيتها ورددت إِلَى الْحَال الَّتِي استبريتها وَللَّه تَعَالَى فِينَا أَمر هُوَ بالغه وغيب هُوَ شَاهده وعاقبة هُوَ المرجو لضرائِها وَهُوَ الْوَلِيّ الحميد الغفور الْوَدُود قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فمشيت متزملاً أتوجأ كَأَنَّمَا أخطو على أم رَأْسِي فرقا من الْفرْقَة وشفقاً على الْأمة حَتَّى وصلت إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي خلاء فأبثثته الْكَلَام كُله وبرئت إِلَيْهِ مِنْهُ ورفقت بِهِ فَلَمَّا سَمعهَا ووعاها وسرت فِي أوصاله حمياها قَالَ حلت معلوطة وَوَلَّتْ مخروطة حل لَا حليت التعبيس أدنى لَهَا من قَول لعا
(إحْدَى لَيَالِيكَ فَهيسِي هيسي ... لَا تَنْعَمِي بالنومِ والتَّعْرِيسِ)
نعم يَا أَبَا عُبَيْدَة أكل هَذَا فِي أنفس الْقَوْم يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ ويصطفقون قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فَقلت لَا جَوَاب لَك عِنْدِي إِلَّا السُّكُوت إِنَّمَا أَنا قَاض حق الدّين(2/351)
وراتق فتق الْإِسْلَام وساد ثلمة الْأمة يعلم الله ذَلِك من خلجان قلبِي وقرارة نَفسِي قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَالله مَا كَانَ قعودي فِي كسر هَذَا الْبَيْت قصدا للخلافة وَلَا إنكاراً للمعرفة وَلَا زراية على مُسلم بل لما وقذني بِهِ رَسُول الله
بِفِرَاقِهِ وأودعني من الْحزن بفقده وَذَلِكَ إِنِّي لم أشهد بعده مشهدا إِلَّا جدد لي حزنا وذكرني شجواً وَإِن الشوق إِلَى اللحاق بِهِ كَاف عَن الطمع فِي غَيره فقد عكفت على عهد الله أنظر فِيهِ وَأجْمع مَا تفرق مِنْهُ رَجَاء ثَوَاب معد لمن أخْلص عمله وَنِيَّته لرَبه على إِنِّي مَا علمت أَن التظاهر عليَّ وَاقع وَلَا لي عَن الْحق الَّذِي سيق إليَّ دَافع وَإِذا كَانَ قد أفعم الْوَادي لي وحشد النادي من أَجلي فَلَا مرْحَبًا بِمَا سَاءَ أحدا من الْمُسلمين وَفِي النَّفس كَلَام لَوْلَا سَابق قَول وسالف عهد لشفيت غيظي بخنصري وبنصري وخضت لجتي بأخمصي ومفرقي لكني ملجم إِلَى أَن ألْقى رَبِّي عز وَجل وَعِنْده أحتسب مَا نزل بِي وَأَنا عَادل إِلَى جماعتكم ومبايع لصاحبكم وصابر على مَا سَاءَنِي وسركم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَكَانَ الله على كل شَيْء شَهِيدا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فعدت إِلَى أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فقصصت القَوْل على غره وَلم اختزل شَيْئا من حلوه ومره فَلَمَّا كَانَ صباح يَوْمئِذٍ وافى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فخرق إِلَى أبي بكر الصُّفُوف وَبَايَعَهُ وَقَالَ خيرا وَوصف جميلاً وَجلسَ زَمنا وَاسْتَأْذَنَ فِي الْقيام ونهض فَتَبِعَهُ عمر تكرمة لَهُ واستئثاراً لما عِنْده فَقَالَ لَهُ عَليّ مَا قعدت عَن صَاحبكُم كَارِهًا لَهُ وَلَا أَتَيْته فرقا مِنْهُ وَإِنَّمَا أَقُول مَا أَقُول تعلة وإنى لأعرف مُسَمّى طرفِي ومخطي قدمي ومنزع قوسي وموقع سهمي وَلَكِنِّي قد أزمت على فاسي ثِقَة بِاللَّه فِي الأدالة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كفكف غربك واستوقف سربك ودع الْعَصَا بلحائها والدلاء برشائها فَإنَّا من خلفهَا وورائها إِن قدحنا أورينا وَإِن متحنا أروينا وَإِن جرحنا أدمينا وَإِن نصحنا أربينا وَلَقَد سَمِعت أمانيك الَّتِي لغوت بهَا عَن صدر مَقْصُور بالجوى وَلَو شِئْت لَقلت على مَقَالَتك مَا إِذا سمعته نَدِمت على مَا قلته(2/352)
زعمت أَنَّك قعدت فِي كسر بَيْتك لما وقذك بِهِ رَسُول الله
بِفِرَاقِهِ أفراق رَسُول الله
وقذك وَحدك وَلم يقذ سواك بل مصابه أعظم وأعز من ذَلِك فَإِن من حق مصابه أَلا يصدع شَمل الْجَمَاعَة بِكَلِمَة لَا عِصَام لَهَا وَلَا يزرى على اخْتِيَارهَا بِمَا لَا يُؤمن كيد الشَّيْطَان فِي عقباها هَذِه الْعَرَب حولنا وَالله لَو تداعت علينا فِي مصبح يَوْم لم نلتق فِي ممساه وَزَعَمت أَن الشوق بك إِلَى اللحاق بِهِ كَاف عَن الطمع فِي غَيره فَمن الشوق إِلَيْهِ نصْرَة دينه ومؤازرة أَوْلِيَاء الله تَعَالَى جده ومعاونتهم فِيهِ وَزَعَمت أَنَّك عكفت على عهد الله تجمع مَا تبدد مِنْهُ فَمن العكوف على عَهده النَّصِيحَة لِعِبَادِهِ والرأفة على خلقه وبذل مَا يصلحون بِهِ ويرشدون إِلَيْهِ وَزَعَمت أَنَّك لم تعلم أَن التظاهر عَلَيْك وَاقع وَلَك عَن الْحق الَّذِي سبق إِلَيْك دَافع فَأَي تظاهر وَقع عَلَيْك وَأي حق لَك ليطردونك قد علمت مَا قَالَت الْأَنْصَار لَك بالْأَمْس سرا وجهراً وَمَا تقلبت عَلَيْهِ بَطنا وظهراً فَهَل ذكرتك أَو أشارت بك أَو وجدنَا رِضَاهَا عنْدك هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ من الَّذِي قَالَ مِنْهُم بِلِسَانِهِ تصلح لهَذَا الْأَمر أَو أَوْمَأ بِعَيْنِه أَو هَمهمْ فِي نَفسه أتظن أَن النَّاس قد ضلوا من أَجلك وعادوا كفَّارًا زهداً فِيك وَبَاعُوا الله عز وَجل وَرَسُوله
تحاملاً عَلَيْك لَا وَالله وَلَكِنَّك اعتزلت تنْتَظر الْوَحْي وتتوكف مُنَاجَاة الْملك لَك ذَاك أَمر طواه الله عز وَجل بعد نَبينَا مُحَمَّد
أَكَانَ الْأَمر معقوداً بأنشوطة أَو مسدوداً بأطراف ليطة كلا وَالله إِن الْعِنَايَة لمحلقة وَإِن الشَّجَرَة لمورقة وَلَا عجماء بِحَمْد الله إِلَّا وَقد أفصحت وَلَا عجفاء إِلَّا وَقد سمنت وَلَا شوكاء إِلَّا وَقد لقحت وَمن أعجب شَأْنك قَوْلك لَوْلَا سَابق قَول وسالف عهد لشفيت غيظي وَهل ترك الدّين لأحد من أَهله أَن يشفي غيظه بِيَدِهِ وَلسَانه تِلْكَ جَاهِلِيَّة قد استأصل الله شأفتها وَدفع عَن النَّاس آفتها واقتلع جرثومتها وهور لَيْلهَا وغور سيلها وأبدل مِنْهَا الرّوح وَالريحَان وَالْهدى والبرهان وَزَعَمت أَنَّك ملجم فلعمري إِن من اتَّقى الله عز وَجل وآثر رِضَاهُ وَطلب مَا عِنْده أمسك لِسَانه وأطبق فَاه وَجعل سَعْيه لما وَرَاءه(2/353)
فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَالله مَا بذلت مَا بذلت وَأَنا أُرِيد نكثه وَلَا أَقرَرت بِمَا أَقرَرت وَأَنا أبغي حولا عَنهُ وَإِن أخسر النَّاس صَفْقَة عِنْد الله من آثر النِّفَاق واحتضن الشقاق وَبِاللَّهِ سلوة من كل كارث وَعَلِيهِ التَّوَكُّل فِي جَمِيع الْحَوَادِث ارْجع إِلَى مَنْزِلك يَا أَبَا حَفْص ناقع الْقلب مبرود الغليل فسيح البال فَلَيْسَ وَرَاء مَا سمعته وقلته إِلَّا مَا شدّ الأزر وَيَضَع الإصر والوزر وَيجمع الألفة وَيرْفَع الكلفة ويوقع الزلفة بمعونة الله عز وَجل وَحسن توفيقه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فَانْصَرف عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا أصعب مَا مر بناصيتي بعد فِرَاق رَسُول الله
قَالَ أَبُو حَيَّان وروى لنا هَذَا كُله أَبُو حَامِد ثمَّ أخرج لنا أَصله فقابلناه بِهِ فَمَا كَانَ غادر مِنْهُ إِلَّا مَا لَا بَال لَهُ فَأَما مَا رَوَاهُ أَبُو مَنْصُور الْكَاتِب فَإِنَّهُ خَالف فِي أحرف فِي حَوَاشِي الْكتاب كل حرف بِإِزَاءِ نَظِيره الَّذِي هُوَ مبدل مِنْهُ وَقد كَانَ أَبُو مَنْصُور بلغَة الْعَرَب أبْصر وَفِي غرائبها أنفذ وَإِنَّمَا قدمت رِوَايَة أبي حَامِد لِأَنَّهُ بشأن الشَّرِيعَة أعلم ولأعاجيبها أحفظ وَفِيمَا أشكل مِنْهَا أفقه فَكَانَ إِسْنَاد الحَدِيث من جِهَته وَقَالَ لنا أَبُو مَنْصُور الْكَاتِب فِي حَدِيثه وَلما حضر عَليّ إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِن عِصَابَة أَنْت فِيهَا لمعصومة وَإِن أمة أَنْت فِيهَا لمرحومة وَلَقَد أَصبَحت عَزِيزًا علينا كَرِيمًا لدينا نَخَاف الله إِذا سخطت ونرجوه إِذا رضيت وَلَوْلَا إِنِّي شدهت لما أجبْت لما دعيت إِلَيْهِ وَلَقَد حط الله عَن ظهرك مَا أثقل بِهِ كاهلي وَمَا أسعد من نظر الله إِلَيْهِ بالكفاية وَإِنَّا إِلَيْك محتاجون وبفضلك عالمون وَإِلَى الله عز وَجل بك فِي جَمِيع الْأَحْوَال راغبون
(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)
المفن الَّذِي يتَصَرَّف فِي كل فن المخلط الَّذِي يخلط بعض الْأُمُور بِبَعْض المزيل الَّذِي يفصل بَعْضهَا عَن بعض الْمَعْنى الَّذِي يتَصَرَّف فِي الْمعَانِي الجوى الْهوى الجواء النَّاحِيَة المتنفس الاسْتِرَاحَة والاتساع السَّقِيفَة سَقِيفَة بني سَاعِدَة الَّتِي اجْتمع فِيهَا الْأَنْصَار عِنْد موت النَّبِي
الْفَنّ النَّوْع(2/354)
يجمع على فنون الْمَتْن فِي الحَدِيث نَصه على وَجهه وَهُوَ من كل شَيْء ظَهره الحقاق جمع حقة وَهُوَ وعَاء يَجْعَل فِيهِ الطَّبِيب والأعلاق والغوص الدُّخُول فِي الشَّيْء الغامض نَسِيج وَحده أَي فريد مَا لَهُ نَظِير وَأَصله فِي الثَّوْب الرفيع الَّذِي لَا مِثَال لَهُ يصنع لَهُ منسج وَحده لَا ينسج عَلَيْهِ غَيره فاستعير ذَلِك للرجل الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي فنه سرد الحَدِيث نَصه وَوصل إِسْنَاده الهنة اللَّطِيف من كل شَيْء رخص عرها أَزَال مكروهها وَأَصله من العر وَهُوَ دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فيكوي غير الْمُصَاب بِهِ فيشفي قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //
( ... ... ... . . ... كَذِي العرِّ يكْوى غَيْره وَهْوَ رَاتِعُ)
التلكؤ التَّأَخُّر الشماس النفار التهمهم والهمهمة كَلَام لَا يُصَرح بِهِ النّفاس المنافسة والحسد ذَات الْبَين الْحَال الْمُتَّصِلَة من قَوْله تَعَالَى {لقد تقطع بَيْنكُم} الْأَنْعَام 94 الظهير الْمعِين الَّذِي يشد بِهِ الظّهْر يُدمن أرضه بالسرجين أَي يصلحها بِهِ مثاءة والثأي الْفساد وَأَصله فِي الخرز وَهُوَ أَن يثقب الخرزة فَيصير الاثنتين وَاحِدَة يُقَال أثأت الخرز فَهُوَ مُثأَى المغبوط الَّذِي يتنافس فِيهِ خوار الْعَنَان يُقَال فرس خوار الْعَنَان إِذا كَانَ رَاكِبه يصرفهُ حَيْثُمَا أَرَادَ فَضرب مثلا الدوح الشّجر الْعَظِيم الردء العون يندمل يبرأ السبر إِدْخَال فتيل فِي الْجرْح ليرى قدر عمقه غير آل أَي مقصر من الألو وَهُوَ التَّقْصِير الْجهد بِالضَّمِّ الطَّاقَة وبالفتح الْغَايَة وَقد يسوى بَينهمَا القالى الْمُبْغض الكاره الْجد التشمير وَالِاجْتِهَاد مغرقة أَي يغرق فِيهِ مفرقة من الْفرق وَهُوَ الْفَزع والروع يَقُول يفزع من السّير فِيهِ الجو الْهَوَاء أكلف أغبر أغلف شَدِيد الظلمَة جلواء ظَاهِرَة النُّجُوم صلعاء لَا نَبَات فِيهَا الصعُود الْمُرْتَفع وبضم الصَّاد الْمصدر وَكَذَلِكَ الهبوط بِالْفَتْح الْمَكَان المنحدر وبالضم الْمصدر الشنوف الْمُبْغض العنوف الشَّديد الثالب الطاعن الضغن الْعَدَاوَة رائد الْبَوَار قَائِد الْهَلَاك شجار الْفِتْنَة الشجار خشب الهودج ضربه مثلا يدلى بالغرور الإدلاء الإدخال فِي الْأَمر وَأَصله إِدْخَال الدَّلْو فِي الْبِئْر القعة التَّأَخُّر وَالْقعُود عَن الْأَمر وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم وَقع الرجل فَهُوَ وَقع إِذا اشْتَكَى لحم قَدَمَيْهِ وَلم يقدر على الْمَشْي الثقوب النَّاقة(2/355)
الغريرة اللَّبن قَالَ وَالصَّوَاب ثقوب الْعَدَاوَة والثقوب الْحَطب وَمَا يهيج بِهِ النَّار يزجى يسير الناجذ آخر الأضراس أقاد ضالتك ردهَا الحوص بِالْحَاء الْمُهْملَة ضيق فِي الْعين وبالمعجمة غور فِيهَا الصعداء النَّفس العالي وَالْغَضَب والهم وَلَا يغيص أَي مَا يبين وَلَا يفهم الْهدى الطَّرِيق الْمُسْتَقيم الضراء من الشّجر وَكَذَلِكَ الْخمر يُقَال يمشي فلَان لفُلَان الضراء إِذا كَانَ يخفي لَهُ الْعَدَاوَة حَتَّى يجد فرْصَة قَالَ الشَّاعِر
(يمشى الضراء وَيَتَّقِي ... )
وَأَصله أَن يسْتَتر الصَّائِد من الصَّيْد حَتَّى يرميه ينقبض أَي يضيق الفضاء المتسع من الأَرْض الشنان جمع شنة وَهِي الْقرْبَة البالية الْيَابِسَة القعقعة صَوتهَا إِذا حركت للبعير الشارد سكن يضْرب مثلا لمن يهدد بِمَا لَا حَقِيقَة لَهُ الوعوعة صَوت الذِّئْب الشنآن الْعَدَاوَة يربب ويشبب وَأَصله من شب النَّار إِذا أوقدها الغمار المَاء الْكثير وَهُوَ جمع غمرة لغمره من يدْخل فِيهِ الأمراس الحبال الَّتِي يستسقى بهَا الصاب الصَّبْر نكرع نشرب العُباب الموج العِياب جمع عَيْبَة وعَاء كَبِير تحدج تنظر تشحذ تحد النشب الضّيَاع السبد الْوَبر يَعْنِي الْإِبِل اللبد الصُّوف يَعْنِي الْغنى تَقول الْعَرَب مَا لَهُ سبد وَلَا لبد الهلة الفرحُ وَمَا يسر بِهِ الرجل البلة أَصْلهَا الرُّطُوبَة ثمَّ اسْتعْمل بِمَعْنى الصِّلَة الرحب السعَة الذلاقة الفصاحه المكنونات المستورات الأعطان مبارك الْإِبِل بعد الْورْد عِنْد المَاء المخبور المجرب أرهص قدم وأصل قلص شمر الأردان الأكمام يظلع يعرج عطا تنَاول المض والمضض والمضاضة الحرقة واللجاجة فِي الْأَمر الأجاج ضد العذب وَلَا تحلم يُقَال حلم الْأَدِيم إِذا وَقع فِيهِ السوس والعضب الْقَاطِع نبا ينبو إِذا ضرب فَلم يقطع يجاحش يدافع يتضاءل يتصاغر ينتفج أَي يتفرشح الحوجاء الْحَاجة اللوجاء إتباع وتداخل فِي الْأَمر التَّعْرِيض ضد التَّصْرِيح الْكِنَايَة كَذَلِك يختلج يضطرب الْعِصَابَة الْجَمَاعَة حدب مُشفق الشجراء جمع شجير وَهُوَ الصّديق أصفقت اجْتمعت الإيالة السياسة نشرا النشر أَن تَنْتَشِر الْغنم فِي المرعى فتعدو عَلَيْهَا الذئاب السدى الشَّيْء(2/356)
المهمل العدا الْأَعْدَاء العرى الْعُرْيَان العباهل الْإِبِل الَّتِي لَا حَافظ لَهَا الطلاحي الَّتِي كلت فَلم تقدر على النهوض المباهل الْإِبِل الَّتِي لَا تمنع أخلافها فيحلبها كل من أَرَادَ صدع بملء فِيهِ أظهر بِكَلَامِهِ ودفاعه بِيَدِهِ أَي الذائد الدَّافِع الْحَائِط الْحَافِظ الَّذِي يحوط وَكَذَلِكَ الواقي الْهَادِي الَّذِي يمشي إِلَى الْأَمر الأسدّ الْحَادِي الَّذِي يمشى وَرَاء الْإِبِل اليافوخ أصل الدِّمَاغ الصوى عَلامَة تجْعَل فِي الطَّرِيق يهتدى بهَا أوضح بَين الرادع القامع الغاوي الضال الْمُفْسد الضغن الْعَدَاوَة الغل البغض الثمام شجر ضَعِيف هنيهة أَي سَاعَة ذوق من القَوْل أَي طرف المحلمة أَن يحلم فِي أَشْيَاء لَا حَقِيقَة لَهَا الملحمة مَوضِع الْقِتَال المقحمة دُخُول الْإِنْسَان فِيمَا لَا يَنْبَغِي التَّأْلِيف التعطيف والتسكين الفتر مَا بَين السبابَة والإبهام مشوبة أَي ممزوجة معتل أَي مستضعف الرفغ أصل الْفَخْذ الصالي المتسخن بالنَّار الْقَرار الْمَكَان الَّذِي يسْتَقرّ بِهِ المَاء لعيّ وسي السي إتباع العي كَقَوْلِهِم حسن بسن وَشَيْطَان ليطان وجائع بَائِع الرتق ضد الفتق الرهق فَسَاد الشَّيْء الخنزوانة التكبر الْفراش عِظَام رقاق الشجا مَا يغص بِهِ من عود وَعظم وَشبهه الوحرة الحقد الشراسيف أَطْرَاف الضلوع الدحس ورم يُصِيب الدَّابَّة فِي حافرها شبه بِهِ الانتفاخ من الْغَضَب الداس الْبَحْث عَن الْأَخْبَار والتجسس الخور الضعْف لبست بِسَبَبِهِ جلد النمر يُقَال لبس فلَان لفُلَان جلد النمر إِذا تنكر وتهيأ لحربه الشحناء العداوه السرى سير اللَّيْل ابْن أنقد بِالدَّال الْمُهْملَة الْقُنْفُذ الْعوَان الَّتِي كَانَ لَهَا زوج الْخمْرَة شدّ الْخمار على الرَّأْس الحَصان الْمَرْأَة العفيفة الْخِبْرَة الاختبار الفرعاء الْكَثِيرَة الشّعْر الْخَال الحديدة الَّتِي يفرق بهَا الشّعْر محتبس مُقَيّد معبد مذلل ملمس أَي مَا يلمس مانس أَي تَأْثِير المزع الْقطع الأثرة أَي مَا يُؤثر بِهِ الرجل دون غَيره أَي يخص مَأْمُونَة على الرتق والفتق يَعْنِي الْإِصْلَاح وَالْفساد مفتئتا يعْنى بِغَيْر اختيارهم الحمية الأنفة انتكث رشاها نقض حبلها انتضب مَاؤُهَا يُقَال نضب المَاء إِذا جف وأنضبته أَنا وانتضبته الأيد الْقُوَّة بِأَيّ تدرع من الدرْع ولهت أَي حنت تطامن انخفض الحبوة الْعَطِيَّة سربله ألبسهُ سربالها قربى(2/357)
أمس أَي ألصق الْعرق الأَصْل البازل الْجمل المسن الهبع الصَّغِير من أَوْلَاد الْإِبِل وَهُوَ الَّذِي يُولد فِي آخر زمن النِّتَاج فَإِن ولد فِي أَوله فَهُوَ ربع تهدر بِهِ شقشقتك يُقَال هدر الْبَعِير إِذا صَاح والشقشقة مَا يخرج من حلقه عِنْد هديره الصاغية الْقَرَابَة المناضلة المراماة بِالسِّهَامِ حدبت أَي أنفت وَقيل خضعت وَهُوَ لَا معنى لَهُ هُنَا وَالصَّوَاب الأول الْفظ اطرَح السخيمة الْعَدَاوَة النفاث مَا ينفث بِهِ يمض إهابك أَي يشق جِلْدك ويفري قادمتك أَي يقطع والقادمة ريش مقدم الْجنَاح جمعهَا قوادم استبرأتها أَي تَخَيَّلت مِنْهَا التزمل الالتفاف أتوجى أتعارج حلت معلوطة أَي نزلت والمعلوطة النَّاقة وسم عُنُقهَا بالنَّار وَاسم تِلْكَ السمة العلاط مخروطة أَي دقيقة الْمُؤخر وَهُوَ مَكْرُوه فِي الْإِبِل وَيُقَال للناقة إِذا زجرت حل حل يُقَال حلحلت بِالْإِبِلِ إِذا قلت لَهَا حل حل فَإِذا لم تزدجر يُقَال حل لَا حليت أَي لَا ظَفرت وَلَا فزت فهيسى هيسى يضْرب مثلا لمن وَقع فِي داهية وَأمر عَظِيم يحْتَاج إِلَى الانزعاج وَترك الإخلاد إِلَى الرَّاحَة وَفِي الْقَامُوس هيسى هيسى على الْكسر يضْرب للتمكن من الْأَمر والإغراء بِهِ انْتهى والهيس السّير الشَّديد وأصل هَذَا الْمثل أَن طمسا أوقعت بجديس وأبادتها بِسَبَب قصَّة أمرهَا يطول جرت بَينهمَا فَقَالَ فِي ذَلِك بعض الرِّجَال هَذَا الْمثل الَّذِي ضرب عليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَذِه الرسَالَة لعَا هَذِه كلمة تقال عِنْد الْعَرَب للعاثر إِذا عثر دُعَاء لَهُ مَعْنَاهَا انْتَعش وقم على غره يُقَال طويت الثَّوْب على غره بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء الْمُهْملَة وَالْهَاء أَي على طيه الأول يضْرب مثلا لِلْأَمْرِ الَّذِي لم يُغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مخطي قدمي حَيْثُ تخطو قدمي أزمت على فاسي فاس اللجام مَا يدْخل مِنْهُ فِي فَم الْفرس يُقَال أزم الْفرس على فاس اللجام إِذا عض عَلَيْهِ اسْتِعَارَة للسكوت الأدالة هِيَ انقلاب الْأُمُور الغرب الْحَد اللحاء القشر الرشاء الْحَبل أورينا من أورى الزند إِذا ظهر مِنْهُ النَّار الماتح فِي قَوْله وَإِن متحنا الَّذِي يخرج الدَّلْو وَمن أمثالهم أعرف من الماتح باست المائح مَقْصُور مقروح الجوى دَاء يعترى فِي الْجوف العصام حَبل الْقرْبَة يضْرب بِهِ مثلا المؤازرة المعاونة تداعت أَي دَعَا بَعْضهَا بَعْضًا(2/358)
الْعَهْد هُنَا الْقرَان الهمهمة كَلَام لَا يُصَرح بِهِ الأنشوطة الْعقْدَة الَّتِي تجبذ بطرفها فتنحل الليطة قشر الْبَيْضَة الغيابة مَا أظل الْإِنْسَان فَوق رَأسه كالسحابة أَو الغبرة محلقة أَي مستديرة استأصلها انتزعها من أَصْلهَا الشأفة قرحَة تخرج فِي الْقدَم فتكوى يضْرب بهَا مثلا الجرثومة بِضَم الْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة الأَصْل وجرثومة كل شَيْء أَصله والجرثومة مَا يجْتَمع فِي أصل الشّجر هوَّر لَيْلهَا أَصله من هور الرجل الْبُنيان إِذا هَدمه فيريد أذهب لَيْلهَا النكث النَّقْض حولا أَي تحولاً احتضن أَي تأبط والحضن الْإِبِط الشقاق الْخلاف ناقع الْقلب أَي يرتوي مبرود الغليل الغليل حرقة الْعَطش الفسيح الْوَاسِع اللبان الصَّدْر الأزر الْقُوَّة الْوزر الثّقل وَأَرَادَ هُنَا الْإِثْم الإصر الثّقل شدهت أَي تحيرت الْكَاهِل أَعلَى الْمَنْكِبَيْنِ انْتَهَت الرسَالَة وَقد نقلتها من كتاب المسامرة للشَّيْخ الْأَكْبَر الْعَارِف بربه سَيِّدي محيي الدّين بن عَرَبِيّ وَقد بالغت فِي تصحيحها وضبطها وبذلت فِي ذَلِك وسعي وجهدي وقابلتها بنسخة أُخْرَى فَصحت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَللَّه الْحَمد والْمنَّة قلت هَذِه الرسَالَة وَإِن أوردهَا الإِمَام الْمَذْكُور فِي كِتَابه الْمَزْبُور فعندي فِي صِحَة اتصالها لمن رويت عَنهُ وَهُوَ أَبُو النفاخ مولى أبي عُبَيْدَة عَن أبي عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ وَهم بِلَا شكّ إِذْ فِيهَا أَلْفَاظ نسبت إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ تحيل الْعَادة نطقه بهَا فِي حق مثل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا خُصُوصا قَوْله مَا هَذِه الخنزوانة الَّتِي فِي فرَاش رَأسك وَمَا هَذَا الشجا وَمَا هَذِه الوحرة وَمَا هَذَا الدحس والدلس وَمَا هَذَا الَّذِي لبست وَقَوله يمض إهابك ويفري قادمتك وَقَوله تقرع السن من نَدم وتشرب المَاء ممزوجاً بِدَم إِلَى غير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الفاضحة والكلمات الْجَارِحَة فحمى الله تَعَالَى عمر أَن يَقُول مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فِي حق مثل عليّ الَّذِي يَقُول هُوَ فِيهِ لَوْلَا عَليّ لهلك عمر إِذْ مثل هَذِه الْأَلْفَاظ مَا صدرت من بَعضهم لبَعض فِي زمن الْجَاهِلِيَّة الجهلاء فَكيف بعد الْإِسْلَام وامتلاء قُلُوبهم وأسماعهم بأنوار النُّبُوَّة وأخبار السَّمَاء وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا من قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حلت معلوطة ... إِلَى آخر مَا رَوَاهُ عَن عَليّ مِمَّا يشْعر بل يُصَرح بِعَدَمِ رِضَاهُ بالبيعة لأبي بكر وسكوته(2/359)
وتمثيله بقوله أزمت على فاسي وَالتَّصْرِيح بِأَن التظاهر وَاقع عَلَيْهِ أَنه إِنَّمَا ترك شِفَاء غيظه لسابق قَول وسالف عهد يَعْنِي من النَّبِي
بِالْوَصِيَّةِ لَهُ بترك الْقِتَال كَمَا تدعيه الروافض وَقَوله وَإِنِّي عَادل إِلَى جماعتكم ومبايع لصاحبكم وصابر على مَا سَاءَنِي وسركم وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الَّتِي نسبت إِلَيْهِ مِمَّا تدل تعريضاً وَتَصْرِيحًا على عدم رِضَاهُ بالبيعة لأبي بكر وَأَنه مقهور عَلَيْهَا مضطهد فِيهَا معدول عَنهُ بهَا مخذول فِي أمرهَا كَمَا هُوَ عقدَة عقيدة الروافض فَإِنَّهُم اعتقدوا ذَلِك وَلم يفطنوا لما يلْزم على ذَلِك من نِسْبَة القبائح والرذائل إِلَى الإِمَام الْمَعْصُوم فِي زعمهم الَّتِي لَا تُضَاف إِلَى من لَهُ أدنى شهامة وَلَا يرضى بهَا كريم وَلَا ذُو كَرَامَة من اتصافه بالجبن والذلة مَعَ اتصافه بضدهما عِنْد كل أهل مِلَّة بل وَجَمِيع بني هَاشم وَمن يليهم من جملَة الْمُهَاجِرين وَمن السُّكُوت عَن الْحق وَالْإِقْرَار على الظُّلم والعق وَمن تواطؤ الصَّحَابَة جَمِيعهم على الحيف وَالظُّلم والجهالة الْمَنْفِيّ ذَلِك عَنْهُم بِشَهَادَة لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضلاله فَلَا تغتر بِمَا حوته هَذِه الرسَالَة المجهولة رجال الْإِسْنَاد فتعدل إِلَيْهَا عَمَّا تقدم مِمَّا روته أَئِمَّة الحَدِيث الخبراء النقاد وَكَانَ الصَّوَاب أَلا تثبت فِي إصدار وَلَا إِيرَاد وَلَكِن جرى قلم التَّقْدِير بِمَا أَرَادَ وَقد اطَّلَعت على قصيدة فِي تَفْصِيل مَا يلْزم من قَالَ بِعَدَمِ أَهْلِيَّة أبي بكر للخلافة وَأَن عليا منع عَنْهَا قهرا فَسكت عَجزا وبابع قسراً وَهِي للعلامة الفهامة الشَّيْخ عبد الْحَيّ الشَّامي نظمها فِي ذيل كتاب صنفه الإِمَام عبد الله بن أسعد اليافعي نفع الله بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنى فاستكتب الشَّيْخ الْمَذْكُور الْكتاب الْمَذْكُور رجل من السَّادة الْأَشْرَاف فَكتب لَهُ وَكتب هَذِه القصيدة فِي ذيله من نظمه وَهِي // (من الرجز) //
(محاسنٌ لنَشْرها أَشّمٌّ ... إلاَّ طَيِّها طَوْدُ العُلَى الأشمُّ)
(معارجٌ ليسَ إِلَى سَنَامِهَا ... إِلَّا قَوى العزمَاتِ يَسمُو)
(أُقْعِدّ عَنْهَا قصراً أمثالُنَا ... ونَالَهَا حَرُّ الأديمِ شَهْمُ)
(صَاحبَهُ التوفيقُ فِي سُلُوكِهِ ... فهَمُّهُ الأهمُّ فَالأهمُّ)
(ونحنُ لَا هَذَا وَلَا تِلْكَ وَلَا ... لنا بِمَا تَحْتَ النقابِ عِلْمُ)
(كأنْما المقصودُ مِنْ وجودنا ... نفسٌ تطاعُ وَهوى يؤمُّ)(2/360)
(نَقْرَأ آثارَ الألى بهم عَلاَ ... عنِ الحضيضِ فِي الحظوظِ عَزْمُ)
(فنتمنَّى أَن نفوزَ فوزَهُمْ ... بأنفسٍ بالفوزِ لَا تهمُّ)
(تلكَ الأمانِي المصْدرات أَهْلها ... بالغُرْم مِنْ حيثُ يرجَّى الغُنْمُ)
(سبحانَكَ اللهُمَّ يَا أولى بِنَا ... هَبْنَا لكَ اللهُمَّ يعْفُو الْجُرمُ)
(لَا حولَ إِلَّا بكَ أَي مَهْرَبٍ ... للعبْدِ عَن حكمٍ قَضَاهُ خَتْمُ)
(رُحْمَاكَ يَا ذَا الطولِ نرجو أبدَاً ... فِي كُلِّ مَا يخصُّ أَو يعمُّ)
(فَلَا تَكلنَا للقوَى واسلُكْ بِنَا ... مَسْلَكَ قومٍ لرضاكَ أَمُّوا)
(ألقومُ خيرُ القومِ لَا يشقى بهمْ ... جليسُهُمْ وَلَا يهيه هَمُّ)
(ألسادةُ الطهرُ مصابيحُ الدجَى ... بلِ الهدَى والجَهْل مُدْلهمُّ)
(ألتائبونَ العابدونَ الحامِدُون ... الراكعونَ الساجدُونَ الرحْمُ)
(ألعارفونَ بالإلَهِ الغارفونَ ... من عطاهُ الخائفونُ الكتْمُ)
(هُمُ الغياثُ للعبادِ وبهمْ ... تحيا البلادُ ويزولُ الغَمُّ)
(وهم محلُّ نظرِ الْإِلَه مِنْ ... عبادِهِ هم الرُّقى والسّمُّ)
(طوبَى لِمَنْ صفَتْ لَهُ قلوبُهُمْ ... وويْحَ مَنْ لَهُ بسوءٍ هَمُّوا)
(إِذْ هُمْ على بينةٍ مِنْ ربِّهِمْ ... وَمَنْ عداهُمْ هَمجٌ وبَهْمُ)
(سارَتْ بهم نجائبُ القصْدِ على ... منهجِ صدقٍ مَا نحاه فدْمُ)
(فمنهمُ أهْلُ القبابِ والألَى ... خاضو العبابَ حيْثُ ضَلِّ الفهْمُ)
(ومنهمُ الأفرادُ لم يعرِّجُوا ... على سوى التفريدِ مذ أَلَمُّوا)
(ومنهُمُ أهُل الخفاءِ والفنا ... ومنهُمُ مَنْ بالظهورِ يَنْمُو)
(وَمِنْهُمُ أهلُ السطا مُظَاهرا ... جلالَ عدلٍ يَقْتَضِيهِ الحكمُ)
(ومنهمُ مظاهرُ الرحمةِ والجمالِ ... فضلا عَمَّ فِيهِ الحلْمُ)
(كُلاًّ نمدُّ هَؤُلَاءِ وهَؤُلاَءِ ... مِنْ عطاهُ وعطاهُ الجَمُّ)
(وكَلُّهُمْ على افتراقِ حالِهِمْ ... يجمعُهُمْ مِنَ التصوُّفِ اسْمُ)
(فليتَ شعري مَا الَّذِي ينكرُهُ ... مِنْ أمرِهِمْ قومٌ عَمُوا وصَمُّوا)
(أينكرونَ رفْضَهُمْ لذاتِهِمْ ... فِي اللهِ حَتَّى مَا بهَا مُلِمُّ)(2/361)
(أم قَطْعَهُمْ مألوفَهُمْ أم زهدهُمْ ... فِي الجاهِ والرتبةِ مهما تَسمو)
(أم دَفْنَهُم وجودَهُم فِي تربةِ الخُمُولِ ... عافٍ اسمُهُمْ والرسْمُ)
(أم صَبْرهم على الأَذى أم صفْحُهُمْ ... مَعَ اقتدارٍ إنْ رُمُوا أَن يُصْمُوا)
(أم كونَهُمْ مذ بايَعُوا اللهَ على ... نفوسِهِمْ بشأنها مَا اهتَمُّوا)
(قد استوَى عندهُم فِي جَنْبِ مَرْضاة ... الإلهِ مَدْحُهُمْ والذَمُّ)
(تراهُمُ كالأرضِ يُلْقَى فَوْقهَا الْقُبْحُ ... فيبدى الحسنَ مِنْهَا الكتْمُ)
(مآثرٌ حباهُم الله بهَا ... مِنْ دونِ عليا مستماها النجْمُ)
(مَاذَا عسَى يُحْصى المديح مِنْ ثَنَا ... قوْمٍ لَهُم فِي الذكْرِ ذكْرٌ ضَخْمُ)
(أَعَزَّهُمْ ذُو العِزِّ أَن يعرفَهُمْ ... مَنْ لَا لَهُ مِنَ اليقينِ سَهْمُ)
(فهُمْ خبايا فِي زَوَايَا غَيْرَةِ اللهِ ... وفِي طرزِ الوجودِ رَقْمُ)
(حياهُمُ الله وَأَحْيَانا بِهِمْ ... لَعَلَّنَا إليهمُ نُضَمَّ)
(وقَدِّسِ اللهُمَّ رُوحَ ... اليافعيِّ إِنَّه بمثلِهِ يُؤْتَمُّ)
(جزاه مَوْلَانَا الرِّضَا فَإِنَّهُ ... مُصَنِّف بَحر حجى خِضَمُّ)
(قد قامَ بِاللَّه وقالَ الْحق فِي ... تأليفِهِ والحقُّ لَا يغمُّ)
(فَهُوَ كتابٌ قد حوَى مباحثَاً ... يُلْقَمُ أحجاراً لَدَيْهَا الخصْمُ)
(وَمن يكُنْ قِيَامه لله لَا ... لنفْسِهِ فَدَسْتُهُ الأتمُّ)
(حبرته برسْمِ مولى أصلُهُ ... أزكَى الأصولِ فَهُوَ عَنهُ يَسْمُو)
(فَرْعُ الذينَ هُمْ أَئِمَّة الورَى ... وهُمْ معاقلُ الهُدّى والعصْمُ)
(بيتُ النبيِّ وَالَّذين حُبُّهُمْ ... دِينِي وإيماني بِهِ يتمُّ)
(كُلُّ كمالٍ فِي الورَى فَإِنَّمَا ... هم روحُهُ والعالمونَ جِسْمُ)
(تَوارَثُوا ملكَ المعالِي خلفا ... عنْ سلفٍ كل أَتَاهُ قسمُ)
(مَا نَالَ مِنْ قربِ الإلهِ نائلٌ ... إِلَّا بهمْ وَمَا مقالِي زَعْمُ)
(مدينةُ العلْمِ عليٌّ بابُهَا ... نَص بِهِ لَدَى الجدالِ حسْمُ)
(يَأَهْلَ بيتٍ لاَ يضامُ جارُهُمْ ... إِنِّي بكُمْ يَا قومُ مستذمُّ)
(وليسَ إِلَّا أنْتُمُ وَسِيلَتِي ... يَوْمَ عَنِ الرضيعِ تسلو الأُمُّ)(2/362)
(أنتُمْ لخيرِ عدةٍ وعدة ... إِذا نبا السيفُ وطاش السهْمُ)
(أعظِمْ بكُمْ غوثاً إِذا عظيمةٌ ... توهن الجِلْد لَهَا والعظْمُ)
(أنتمْ ضياءُ الكونِ كلَّ زمنٍ ... تنيرُهُ مِنْكُم بُدُور تِمٌّ)
(كيفَ وشمسُ الفلواتِ جدكمْ ... لكُمْ تسامى عربها والعُجْمُ)
(لَا وَالَّذِي أَعلَى بِهِ أقدارَكُمْ ... لأنتُمُ الأعلَوْنَ حَقًا فاسموا)
(هَذَا هُوَ الْفَخر الَّذِي لَا يُدَّعَى ... حسْبُ الدَّعِيِّ خزيُهُ والإثْمُ)
(وَمَا جرَى مِنَ العظائِمِ الَّتِي ... من كَيِّهَا على القلوبِ وسْمُ)
(تلكَ بأمْرِ اللهِ وَالله لَهُ ... مشيئةٌ فِي خلقِهِ وحُكْمُ)
(مَا كانَ فِي أمِّ الكتابِ مبرمَاً ... فمستحيلٌ حَلُّهُ والبرمُ)
(ومَنْ بِهَذَا الفضْلِ أولَى منكُمُ ... والأمثلُونَ لِلأشدِّ سمُّوا)
(على لسانٍ صادقٍ مُنَبأ ... بالغيْبِ وحيَا لَيْسَ فِيهِ رَجْمُ)
(هَذَا على أَنِّي كنْتُ لم أطِق ... سماعَ مجْرى الطّفِّ أَو أصمُّ)
(كأنَّ وقْعَ ذكرِهِ فِي مسمعِي ... وقْعُ الحسامِ بالحشا يحمُّ)
(حتَّى أريتُ مَا بِهِ من حُكْمٍ ... عَن رُتَبٍ لأَهْلهَا تتمُّ)
(سَعَادَة قَعْسَاء دُونَ بَعْضهَا ... يَهُونُ كُلُّ كارثٍ يهمُّ)
(نالَ بهَا حَهْدَ الشقاءِ أهلُهُ ... وفَازَ بالزلفَى ذووها العظْمُ)
(وَهَذِه الدُّنْيَا أَقَلُّ خطراً ... مِنْ أَن تكونَ للحَبِيبِ قسْمُ)
(وأنتمُ الأحبابُ والحبُّ وَمَا ... للفضْلِ غَيْرِ بيتكُمْ ملمُّ)
(بحبِّكُمْ قُدِّمَ من قدَّمه الله ... على الأمَّةِ فَهُوَ القدْمُ)
(برغْمِ أنفِ رافضيٍّ مُفْرِطٍ ... مفرِّطٍ فِيمَا عَلَيْهِ الجّمُّ)
(عجبْتُ من عصبَة إفْكٍ أبغضوا ... حبيبَ مَنْ إِلَى هَوَاهُ انضمُّوا)
(وهْو أحبُّ صاحبٍ إِلَى الإمامِ ... حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ العِلْمُ)
(قد نسبوا إِلَى عليٍّ نِسْبَة ... يجلُّ عَنْهَا قدرُهُ وَيْسمُو)
(إِذْ يزعمونَ غَصْبَ قومٍ حقَّهُ ... وهْوَ كَمَا علمْتُ ذَاك القرْمُ)(2/363)
(فأيُّ وجهٍ لسكوتِ مثلِهِ ... عَنْ مِثْلِها إِن صَحَّ هَذَا الزعْمُ)
(كيفَ نقُول يَا غلاة الأمْر فِي ... قَضيَّةٍ مَا جَاءَ فِيهَا حُكْمُ)
(أجاهلاً كانَ عليٌّ أَن مَا ... قَدْ تَمَّ بَغْيٌ ولديْكُمْ علْمُ)
(حاشا جنابَ بَاب حصْنِ العلمِ أنْ ... يجهَلَ أمرا ضرُّهُ أَعَمُّ)
(أَو قيلَ أغضَى عَالما يلزمَكُمْ ... إقرارُهُ الظالمُ وَهُوَ ظُلْمُ)
(وَهَذِه أدهَى من الألى استَحوا ... مِنَ الإمامِ ويْحَكُمْ وزمُّوا)
(أعاجزاً كَانَ عنِ الدفاعِ أَمْ ... خافَ المماتَ وَهُوَ ذاكَ الشهْمُ)
(رأتْ بَنو هاشِمَ حَقًا دونه ... حيلَ وعَنْ صاحِبِهِمْ لم يَحْمُوا)
(جُبْنٌ بهم أم بالسيوفِ فللٌ ... أم بالرقَى قد حُلَّ مِنْهُم عَزْمُ)
(أم أجْمَعَ الكلُّ على الباطِلِ مِنْ ... أَجْلِ أبي بَكْرٍ لبئسَ الزعْمُ)
(أهكذا مَنْ حَبَّ قومَاً ينتحِي ... تنقيصَهُمْ أينَ الذكا والفهْمُ)
(كَيفَ يقالُ فِي الصحابةِ الكِرام ... إنهُمْ بغَيْرِ حقٍّ هَمُّوا)
(وهُمْ أجَلُّ رُتْبَة مِمَّا إِلَى ... جنابِهِمْ فِي ضمْنِ ذَا ينضمُّ)
(حاشا قلوباً أرضعَتْ ثدْي الهُدَى ... فِي مهْدِ قربِ الوحْيِ مِمَّا نمُّوا)
(لَو علمُوا حَقِّيَةَ الأمْرِ لَمَا ... خِيفَ لديهمْ فِي الْإِلَه خَصْمُ)
(بل عصبَةُ الجهلِ بحمْقِ رأيِهمْ ... قد حاولوا أَن يَمْدَحُوا فذمُّوا)
(عزَوْا إِلى الكاملِ فِي مِدْحتِهِمْ ... نقائصاً سماعُها يُصِمُّ)
(نبرأ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ جملَة ... إِلَى الَّذِي إلَيْه فِيهِ الحُكْمُ)
(ونرتجي مِنْهُ هِدَايَةً إِلى ... مناهِجِ الحقِّ لَهَا نَؤُمُّ)
(وبالرسولِ والذينَ مَعَهُ ... لقدْ تشفَّعْنَا لما يهمُّ)
(أوفِرْ لنا اللهُمَّ من حُبهِمُ ... حظَّا بهمْ لِشَمْلنَا يَلُمُّ)
(واجعلْ لنا هَذَا الكتابَ حُجَّةً ... ومشرعاً لَهُ رضَاكَ خَتْمُ)
(وارحَمْ بِهِ مؤلفاً وكاتبَاً ... وقارئاً وسامعَاً يأتمُّ)
(واجْزِ الجزاءَ الأوفر الأوفَى لِمَنْ ... بكتبه استَخْدَمَنَا لتَسْمُو)
(السَّيِّد ابْن السَّيِّد ابْن سيدٍ ... عقْد فخارٍ لم يشنهُ فَصْمُ)(2/364)
(عبد الْكَرِيم ابْن الكَرِيم صِنوه ... فَخُلُقٌ ومَحْتِدٌ وإسْمُ)
(بِجَدِّهِ وجِدِّهِ وجُودِهِ ... لُذْ واعتصِمْ واغْنَ عَدَاكَ العُدْمُ)
(خدمْتُ علياه بِهِ ممتثلاً ... لأمْرِهِ وهْوَ عليَّ حَتْمُ)
(أعملْتُ أقلامي بِهِ قامَتْ على ... أُمِّ الرءوسِ طاعَة تَؤُمُّ)
(لَا بِدْعَ أَن طابَتْ فَمن تاريخِهِ ... محاسنٌ لنَشْرِها أَشَمُّ)
(مَعَ اعترافِي بالقصُورِ راجياً ... مِنْهُ الَّذِي عَوَّدِنيهِ الحلْمُ)
(حسْبُ الطروسِ مفخراً أَن نالها ... بسَعْيها فِي راحَتَيْكُمْ لَثْمُ)
(أَو قصر المَدْح فَفِي تاريخِهِ ... محامدٌ لُحسْنِهِ تَتِمُّ)
وَالْحَاصِل أَنه وَردت الْأَحَادِيث فِي شَأْن خلَافَة أبي بكر الصّديق وَهِي الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة عشر الْآتِيَة الْمُسْتَدلّ على حقية خِلَافَته وأحقيته بهَا الْمصدر بهَا الْأَحَادِيث الْآتِيَة فَإِنَّهَا تَنْبِيه سَابق مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَتَقْرِير لَاحق من الصَّحَابَة وَشَهَادَة مِنْهُم بِصِحَّة خِلَافَته وَأَنَّهَا لم تكن إِلَّا بِحَق إِذْ بَعْضهَا مُصَرح بخلافته على التَّرْتِيب الْوَاقِع مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَارَة من فهم الصَّحَابَة خُصُوصا أَحَادِيث مرائيه
فَإِنَّهَا أَحَادِيث مُتَّفق على صِحَّتهَا وَكَذَلِكَ حَدِيث الْأَمر بالاقتداء بِأبي بكر وَفهم الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم من ذَلِك التَّنْبِيه على الْخلَافَة وَحَدِيث استخلافه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما ذهب
ليصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف بقباء وَحَدِيث استخلافه عَلَيْهَا أَيْضا فِي مرض(2/365)
وَفَاته وَهُوَ من أوضح الْأَدِلَّة وَعَلِيهِ اعْتمد عمر وَعلي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فِي الِاسْتِدْلَال على خِلَافَته وعَلى أحقيته بهَا وَوَجهه أَنه كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد تأهب للنقلة إِلَى ربه فعين أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ للْإِمَامَة ثمَّ عورض بِعرْض غَيره عَلَيْهِ لذَلِك فَمنع مِنْهُ ثمَّ لما تقدم غَيره كره ذَلِك وَصرح بِالْمَنْعِ ثمَّ أكده بكرار الْمَنْع فَقَالَ لَا لَا لَا ثمَّ أرْدف ذَلِك بِمَا فِيهِ تَعْرِيض بالخلافة بل تَصْرِيح بقوله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر فَذكر ذَلِك بتكرار كل ذَلِك مَعَ علمه
بِأَن ذَلِك مَظَنَّة الْخلَافَة فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إمَامهمْ فِي الصَّلَاة وَالْحَاكِم عَلَيْهِم فَلَمَّا أَقَامَ أَبَا بكر ذَلِك الْمقَام مَعَ توفر هَذِه الْقَرَائِن الحالية والمقالية علم أَنه أَرَادَ ذَلِك وَفِي قَوْله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر إِشَارَة بل أفْصح عبارَة وَلَوْلَا اعْتِمَاده
على تِلْكَ الْإِشَارَة المصرحة بِإِرَادَة الْخلَافَة لما أهمل أمرهَا وَأَشَارَ إِلَى أَن الْعُدُول عَن أبي بكر إِلَى غَيره من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين بقوله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَإِنَّمَا كَانَ عدم التَّصْرِيح بهَا مِنْهُ
اكْتِفَاء بنصبه إِمَامًا عِنْد إِرَادَة الِانْتِقَال عَنْهُم وإحالته على فهم ذَلِك عَنهُ وَلم يُصَرح بالتنصيص عَلَيْهَا لِأَنَّهُ ممتثل لما يُوحى إِلَيْهِ لَا ينفذ شَيْئا إِلَّا بِأَمْر ربه بالتنصيص لينفذ قَضَاؤُهُ وَقدره سُبْحَانَهُ فِي ابتلاء قوم عميت أَبْصَارهم بِمَا ابْتَلَاهُم بِهِ وَلَيْسَ فضل من انْقَادَ للحق بزمام الْإِشَارَة ودله نور بصيرته عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ فَإِن من لم يعْتَقد ذَلِك بعد بُلُوغ هَذِه الْأَحَادِيث وَالْعلم بِتِلْكَ الْقَرَائِن الحالية والمقالية فَالظَّاهِر عناده ورده للحق بعد تبينه وَمِنْهَا حَدِيث الْحِوَالَة يَعْنِي الْمَرْأَة الَّتِي تَعْنِي الْمَوْت فَقَالَ ائتي أَبَا بكر وَهُوَ من أَدِلَّة الْأَدِلَّة وأوضحها وحديثها من أصح الْأَحَادِيث وَإِن صحت الزِّيَادَة على مَا رَوَاهُ مُسلم وَهِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ الْخَلِيفَة بعدِي(2/366)
كَانَ ذَلِك نصا فِي الْبَاب وكحديث إِرَادَة كتب الْعَهْد وَقَوله
فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن أَو يَقُول قَائِل أَنا أولى وَفِي رِوَايَة كَيْلا يطْمع فِي الْأَمر طامع أَو يتَمَنَّى متمن ثمَّ قَالَ ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَفِي رِوَايَة أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْهِ وَهَذَا صَرِيح فِي الْبَاب أَنه نَص على إِمَامَته بتوليه من جِهَته
وَأَنه لم يكْتب بل عرف بِأَنَّهُ يكون الْخَلِيفَة بعده فَجعل الله سُبْحَانَهُ ذَلِك بِإِجْمَاع الْمُسلمين فَعلم بِمَا تقرر إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ على حقية خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف لَو لم يرد نَص عَلَيْهَا بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ ومفادها ظَنِّي وَحكى بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من أبي بكر فقد خطأ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرتقع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه كَيفَ والنصوص القرآنية والسنية ظَاهِرَة أما نُصُوص السّنة الدَّالَّة على خِلَافَته الْوَارِدَة عَنهُ
فقد ذكرنَا بَعْضهَا هُنَا إِجْمَالا وَسَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي فِي شَأْن أبي بكر وَهِي الْأَرْبَعَة عشر حَدِيثا الَّتِي فِي أَولهَا الْمُسْتَدلّ بهَا عَلَيْهَا وَأما النُّصُوص القرآنية فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا مَن يَرتَدَ مِنكُم عَن دينه فسوفَ يَأتِي اللهُ بِقَوم يُحُبهُم وَيُحِبونَه} إِلَى قَوْله {واسِع عَلِيمُ} الْمَائِدَة 54 وَذَلِكَ أَنه لما ارْتَدَّت الْعَرَب بعد مَوته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جاهدهم أَبُو بكر وَالصَّحَابَة حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام كَمَا سَيَأْتِي شرح ذَلِك قريبَاً وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {قل للمخالفين مِنَ الأعرإبِ سَتدعَونَ إِلىَ قَومٍ أولي بَأسِ شَدِيدِ} إِلَى {أليمَاً} الْفَتْح 16(2/367)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جوَيْرِية أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم هم بَنو حنيفَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم وَابْن قُتَيْبَة وَغَيرهمَا هَذِه الْآيَة حجَّة على خلَافَة الصّديق لِأَنَّهُ الَّذِي دَعَا إِلَى قِتَالهمْ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ سَمِعت الإِمَام أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج يَقُول خلَافَة الصّديق فِي الْقُرْآن فِي هَذِه الْآيَة قَالَ لِأَن أهل الْعلم أَجمعُوا على أَنه لم يكن بعد نُزُولهَا قتال دعوا إِلَيْهِ إِلَّا دُعَاء أبي بكر لَهُم وَلِلنَّاسِ إِلَى قتال أهل الرِّدَّة وَمن منع الزَّكَاة قَالَ فَدلَّ ذَلِك على وجوب خلَافَة أبي بكر الصّديق وافتراض طَاعَته إِذْ أخبر الله أَن الْمُتَوَلِي عَن ذَلِك يعذبه عذابَاً أليمَاً قَالَ ابْن كثير وَمن فسر الْقَوْم بِأَنَّهُم فَارس وَالروم فالصديق هُوَ الَّذِي جهز الجيوش إِلَيْهِم وَتَمام أَمرهم كَانَ على عهد عمر وَعُثْمَان وهما فرعا الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَإِن قلت يُمكن أَن يُرَاد بالداعي فِي الْآيَة النَّبِي
أَو عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت لَا يُمكن ذَلِك مَعَ قَوْله لن تتبعونا وَمن ثمَّ لم يدعوا إِلَى محاربة لأولئك فِي حَيَاته
إِجْمَاعًا وَأما عَليّ فَلم يتَّفق لَهُ فِي خِلَافَته قتال لطلب الْإِسْلَام أصلا بل لطلب الْإِمَامَة ورعاية حُقُوقهَا وَأما من بعده فهم عندنَا ظلمَة وَعند غَيرنَا كفار فَتعين أَن ذَلِك الدَّاعِي الدَّاعِي الَّذِي يجب باتباعه الْأجر الْحسن الْمَوْعُود بِهِ فِي الْآيَة وبعصيانه الْعَذَاب الْأَلِيم الْمَوْعُود بِهِ فِيهَا أَيْضا أحد الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم عَلَيْهِ خلَافَة أبي بكر على كل تَقْدِير لِأَن حقية خلَافَة الْأَخيرينِ فرع عَن حقية خِلَافَته إِذْ هما فرعاها الناشئان عَنْهَا المترتبان عَلَيْهَا وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللهُ الذَينَ آمَنُوا مِنكم وَعمِلوُا الصالحاتِ ليستَخلِفَنهُم فِي الأرضِ} إِلَى قَوْله {لَا يشركِوُنَ بيِ شَيئاً} النُّور 55 قَالَ الْعَلامَة ابْن كثير هَذِه الْآيَة منطبقة على خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الحميد الْمهرِي قَالَ إِن خلَافَة أبي بكر وَعمر فِي كتاب الله بقوله تَعَالَى {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا} النُّور 55 الْآيَة وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {للِفُقَراء الْمُهَاجِرين} إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ هم الصادقون}(2/368)
الْحَشْر 8 وَجه الدّلَالَة تَسْمِيَة الله إيَّاهُم صَادِقين وَمن شهد لَهُ الله سُبْحَانَهُ بِالصّدقِ لَا يكذب فَعلم أَن مَا أطبقوا عَلَيْهِ من قَوْلهم لأبي بكر يَا خَليفَة رَسُول الله هم صَادِقُونَ فَحِينَئِذٍ كَانَت الْآيَة شاهدة على خِلَافَته أخرجه الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن الإِمَام أبي بكر بن عَيَّاش وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {اهدِنَا الصِّرَاط المُستَقِيم صرَاط الَّذين أنعمتَ عليهِم} الفاتحه 6، 7 قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ هَذِه الْآيَة تدل على خِلَافَته أبي بكر لِأَن تَقْدِير الْآيَة اهدنا صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم وَالله تَعَالَى بَين فِي الْآيَة الْأُخْرَى الَّذين أنعم عَلَيْهِم بقوله {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النبين وَالصدِيقِينَ وَالشُهَداء وَالصالِحينَ} النِّسَاء 69 وَلَا شكّ أَن رَأس الصديقين وَرَئِيسهمْ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَكَانَ معنى الْآيَة أَن الله أَمر أَن نطلب الْهِدَايَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَبُو بكر وَسَائِر الصديقين وَلَو كَانَ أَبُو بكر ظالمَاً لما جَازَ الِاقْتِدَاء بِهِ فَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ دلَالَة الْآيَة على إِمَامَة أبي بكر وحقيتها وَاعْلَم أَنه
لم ينص بالخلافة على أحد بِعَيْنِه عِنْد الْمَوْت وَإِنَّمَا وَردت مِنْهُ ظواهر تدل على أَنه علم بإعلام الله تَعَالَى لَهُ أَنَّهَا لأبي بكر فَأخْبر بِتِلْكَ الظَّوَاهِر وَلم يُؤمر بالتنصيص على أحد بِعَيْنِه وَقد مرت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِيمَا تقدم قَرِيبا وَلَو وَجب على الْأمة مبايعة غير أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لبالغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي تَبْلِيغ ذَلِك الْوَاجِب إِلَيْهِم بِأَن ينص عَلَيْهِ نصا جلياً بِنَقْل شهير حَتَّى يبلغ الْأمة مَا لَزِمَهُم فَلَمَّا لم ينْقل ذَلِك مَعَ توفر الدَّوَاعِي إِلَى نَقله دلّ على أَنه لَا نَص وتوهم أَن عدم تبليغه للْأمة لعلمه بِأَنَّهُم لَا يأتمرون بأَمْره فَلَا فَائِدَة فِي التَّبْلِيغ بَاطِل فَإِن ذَلِك غير مسْقط عِنْد وجوب التَّبْلِيغ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلا ترى أَنه بلغ سَائِر التكاليف للآحاد الَّذين علم مِنْهُم أَنهم لَا يأتمرون فَلم يسْقط الْعلم بِعَدَمِ ائتمارهم التَّبْلِيغ عَنهُ وَاحْتِمَال أَنه بلغ أَمر الْإِمَامَة سرا للْوَاحِد والاثنين وَأَنه نقل كَذَلِك لَا يُفِيد لِأَن سَبِيل مثل هَذِه الشُّهْرَة لصيرورته بِتَعَدُّد التَّبْلِيغ وَكَثْرَة المبلغين أمرا مَشْهُورا إِذْ هُوَ من أهم الْأُمُور لما يتَعَلَّق بِهِ من مصَالح الدّين وَالدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهِ من دفع مَا قد يتَوَهَّم فِيهِ من إثارة الْفِتْنَة وَاحْتِمَال أَنه بلغ ذَلِك مشتهراً وَلم ينْقل(2/369)
أَو نقل وَلم يشْتَهر فِيمَا بعد عصره بَاطِل أَيْضا إِذْ لَو اشْتهر لَكَانَ سَبيله أَن ينْقل نقل الْفَرَائِض لتوفر الدَّاعِي على نقل مهمات الدّين فالشهرة هُنَا لَازِمَة لوُجُود النَّص فَحَيْثُ لَا شهرة وَلَا نَص بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم يَعْنِي على التَّعْيِين لوَاحِد بِعَيْنِه لَا لعَلي وَلَا لغيره فَلَزِمَ من ذَلِك بطلَان مَا تنقله الروافض وَغَيرهم من الأكاذيب يسوّدون بِهِ أوراقهم من نَحْو أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي مُخَاطبا بِهِ عليا كرم الله تَعَالَى وَجهه وَمن خبر سلمُوا على عَليّ بإمرة الْمُؤمنِينَ مِمَّا لَا وجود لَهُ فضلا عَن اشتهاره كَيفَ وَمَا نقلوه من هذَيْن الْحَدِيثين وَمَا شابههما مِمَّا يرونه حَدِيثا من قَوْله
لعَلي أَنْت قَاضِي دِيني بِكَسْر الدَّال وَمَا يرونه حَدِيثا أَيْضا من قَوْله
عَليّ خير الْبشر فَمن أبي فقد كفر فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كذب بَاطِلَة مَوْضُوعَة مفتراة عَلَيْهِ
أَلا لعنة الله على الْكَاذِبين وَلم ينْقل أحد من أَئِمَّة الحَدِيث أَن شَيْئا من هَذِه الْأَحَادِيث بلغ مبلغ الْآحَاد المطعون فِيهَا بل كلهم مجمعون على أَنَّهَا افتراء وَكذب مَحْض وَبِنَاء مرفض من أَبنَاء رفض فَإِن زعم هَؤُلَاءِ الجهلة الكذبة على الله وَرَسُوله وعَلى أَئِمَّة الْإِسْلَام ومصابيح الظلام أَن هَذِه الْأَحَادِيث صحت عِنْدهم قُلْنَا لَهُم هَذَا محَال إِذْ كَيفَ تنفردون بِصِحَّة تِلْكَ الْأَخْبَار مَعَ أَنكُمْ لم تتصفوا قطّ بِرِوَايَة وَلَا بِصُحْبَة مُحدث ويجهل تِلْكَ الْأَحَادِيث مهرَة الحَدِيث وسُياقه الَّذين أفنوا أعمارهم فِي الرحلات والأسفار الْبَعِيدَة وبذلوا جهدهمْ فِي طلبه وَفِي السَّعْي إِلَى كل من ظنُّوا عِنْده قَلِيلا مِنْهُ حَتَّى جمعُوا الْأَحَادِيث ونقبوا عَنْهَا وَعَلمُوا صحيحها من سقيمها ودونوها فِي كتبهمْ على غَايَة من الِاسْتِيعَاب وَنِهَايَة من التَّحْرِير وَكَيف لَا وَالْأَحَادِيث الموضوعات جَاوَزت مئات الألوف وهم مَعَ ذَلِك يعْرفُونَ وَاضع كل حَدِيث مِنْهَا وَسبب وَضعه وَالْحَامِل لواضعه على الْكَذِب والافتراء(2/370)
على رَسُول الله
فجزاهم الله خير الْجَزَاء إِذْ لَوْلَا حسن صنعهم لاستولى المبطلون والمتمردة المفسدون على الدّين وغيروا معالمه وخلطوا الْحق بكذبهم حَتَّى لَا يتَمَيَّز عَنهُ فضلوا وأضلوا ضلالا مُبينًا لَكِن لما حفظ الله تَعَالَى على نبيه شَرِيعَته من الزيغ والتبديل وَجعلُوا من أكَابِر عُلَمَاء أمته فِي كل عصر طَائِفَة على الْحق لَا يضرهم مَن خذلهم لم يبال الدّين بهؤلاء الكذبة المبطلين الجهلة فَلذَلِك قطعت الْعَادة المطردة القطيعة بكذبهم واختلاقهم فِيمَا زعموه من نَص على عَليّ صَحَّ عِنْدهم دون غَيرهم إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق نَعُوذ بِاللَّه من مثله وَأما قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة لَكِن وقى الله شَرها فَمن عَاد إِلَى مثلهَا فَاقْتُلُوهُ فَهَذِهِ اللَّفْظَة مِمَّا تشبث بِهِ الروافض وَقَالُوا إِنَّهَا قادحة فِي حقية خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذَلِكَ من غباوتهم وجهالاتهم إِذْ لَا دلَالَة فِي ذَلِك لما زعموه لِأَن مَعْنَاهُ أَن الْإِقْدَام على مثل ذَلِك من غير مشورة الْغَيْر وَمن غير حُصُول الِاتِّفَاق عَلَيْهِ مَظَنَّة للفتنة فَلَا يقدمن أحد على مثل ذَلِك على أَنِّي أقدمت عَلَيْهِ فَسلمت على خلاف الْعَادة ببركة صِحَة النِّيَّة وَخَوف الْفِتْنَة لَو حصل توان فِي هَذَا الْأَمر لَا أَنَّهَا فلتة بِمَعْنى على غير الْحق وَالصَّوَاب فَهَذَا شَيْء عُجاب وَهَذَا أحد متعلقاتهم الَّتِي يعتمدونها وعقائدهم الَّتِي يعتقدونها وَسَيَأْتِي بَيَانهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قيل مَا ذكرتموه مِمَّا أوردتموه فِي حق أبي بكر واستدللتم بِهِ على أَنه الْخَلِيفَة بعد رَسُول الله
معَارض بِمَا جَاءَ فِي حق عَليّ رَضِي الله عَنهُ فقد وَردت أَحَادِيث تدل على أَنه الْخَلِيفَة بعد رَسُول الله
فَمِنْهَا حَدِيث سعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي قَالَ لَهُ ذَلِك وَقد اسْتَخْلَفَهُ لما ذهب إِلَى غَزْوَة تَبُوك // (أخرجه الشَّيْخَانِ) // وَأحمد فِي مُسْنده والحافظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الموافقات وَغَيرهم وَجه الدّلَالَة أَن(2/371)
مُوسَى اسْتخْلف هَارُون عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه فَمُقْتَضى التنظير بَينهمَا أَن يكون خَلِيفَته عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه كَمَا كَانَ هَارُون من مُوسَى وَذَلِكَ ظَاهر جلي وَمِنْهَا حَدِيث يَوْم غَدِير خُم مَن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ إِلَى آخر الحَدِيث // (أخرجه أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ) // وَفِي بعض طرقه ألستم تعلمُونَ إِنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ من كنت مَوْلَاهُ فَإِن هَذَا يَعْنِي عليا مَوْلَاهُ وَجه الدّلَالَة أَن الْمولى فِي اللُّغَة الْعَتِيق وَالْمُعتق وَابْن الْعم والعصبة وَمِنْه {خفت الْمولى من وراءى} مَرْيَم 5 وَسموا بذلك لأَنهم يلونه فِي النّسَب من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب ويطاق على الحليف وَالْجَار والناصر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين ءامنوا وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم} مُحَمَّد 11 وَفِي قَول ابْن عَرَفَة وَالْوَلِيّ وَمِنْه الْآيَة قَالَ بَعضهم أَي وليهم والقائم بأمرهم وَأما الْكَافِر فقد خذله وعاداه وَمِنْه أَيْضا قَوْله
أَي امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا فنكاحها بَاطِل فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أوجه لَا يَصح الْحمل على شَيْء من الْأَرْبَعَة الأول مِنْهَا إِذْ لَا معنى لَهُ فِي الحَدِيث وَكَذَا لَا يَصح على الْمَعْنى الْخَامِس إِلَّا على وَجه بعيد فَإِنَّهُ يُرَاد بالحليف النَّاصِر والمتبادر إِلَى الذِّهْن خِلَافه إِذْ الحليف من وجدت مِنْهُ صُورَة المحالفة حَقِيقَة وَالْمجَاز خلاف الظَّاهِر وَكَذَا لَا يَصح الْحمل على الْمَعْنى السَّادِس وَهُوَ الْجَار إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ المجير بِمَعْنى النَّاصِر وَمِنْه وَإِنِّي جَار لكم أَي مجير فَرجع إِلَى معنى النَّاصِر فَتعين أحد الْمَعْنيين النَّاصِر وَالْمولى بِمَعْنى الْمُتَوَلِي وأيا مَا كَانَ أَفَادَ الْمَقْصُود إِذْ مَعْنَاهُ من كنت مُتَوَلِّي أمره والناظر فِي مصْلحَته وَالْحَاكِم عَلَيْهِ فعلي فِي حَقه كَذَلِك ويقابل هَذَا الْمَعْنى بقوله ألستم تعلمُونَ إِنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم(2/372)
وَمَا ذَاك إِلَّا لما ذَكرْنَاهُ من النّظر فِيمَا يصلحهم وَفِي الْأَحْكَام عَلَيْهِم أَو يكون مَعْنَاهُ من كنت ناصره ومنصفه مِمَّن ظلمه والآخذ لَهُ بِحقِّهِ وبثأره فعلي من حَقه كَذَلِك وَقد تعذر وَصفه بذلك فِي حَيَاة النَّبِي
فَتعين أَن يكون المُرَاد بِهِ بعد وَفَاته وَمِنْهَا وَهُوَ أقواها سنداً ومتناً حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي // (أخرجه أَحْمد) // وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم وَحَدِيث بُرَيْدَة لاتقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي أخرجه أَحْمد وَحَدِيثه الآخر من كنت وليه فعلي وليُّه وَجه الدّلَالَة أَن الْوَلِيّ فِي اللُّغَة الْمولى قَالَه الْفراء وَالْمُتوَلِّيّ وَمِنْه {أنَتَ ولي فيِ آلدُنيَا وَالآخِرةَ} يُوسُف 101 أَي متولى أمرى فيهمَا وضد الْعَدو يعبي الْمُحب والناصر وَلَا يتَّجه حمله على الْمُحب وَلَا على الْمُتَوَلِي إِذْ لَا يكون لتقييده بالبعدية معنى فِي الْحَدِيثين الْأَوَّلين فَإِنَّهُ رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى كَانَ محباً مُتَوَلِّيًا للْمُؤْمِنين حَيَاة الْمُصْطَفى
وَبعد وَفَاته والْحَدِيث الثَّالِث مَحْمُول على الْأَوَّلين فِي إِرَادَة البعدية حملا للمطلق على الْمُقَيد فَتعين أحد الْمعَانِي الثَّلَاثَة وأيا مَا كَانَ أَفَادَ الْمَقْصُود أما بِمَعْنى النَّاصِر فقد تقدم تَوْجِيهه فِي الحَدِيث قبله وَأما معنى الأول فَإِن حمل الْمولى على معنى الْمُحب فَلَا تصح إِرَادَته بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فَظَاهر فِي الْمَقْصُود بل صَرِيح وَالله أعلم قُلْنَا الْجَواب من وَجْهَيْن أما الأول فَإِن الْأَحَادِيث الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مُتَّفق على صِحَّتهَا وَهَذِه الْأَحَادِيث غايتها أَن تكون حَسَنَة وَإِن صَحَّ مِنْهَا شَيْء عِنْد بَعضهم فَلَا يصلح معارضَاً لما اتّفق عَلَيْهِ(2/373)
وَمن عَجِيب أَمر هَؤُلَاءِ الجهلة أَنا إِذا استدللنا عَلَيْهِم بالأحاديث الصَّحِيحَة الدَّالَّة صريحَاً على خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَخَبَر اقتدوا باللذين من بعدِي وَغَيره من الْأَخْبَار الناصة على خِلَافَته قَالُوا هَذَا خبر وَاحِد وَلَا يُغني فِيمَا يطْلب فِيهِ الْيَقِين وَإِذا أَرَادوا أَن يستدلوا على مَا زعموه من النَّص على خلَافَة عَليّ أَتَوا بأخبار لَا تدل على زعمهم كَخَبَر من كنت مَوْلَاهُ وَخبر أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى مَعَ أَنَّهَا آحَاد وَإِمَّا بأخبار بَاطِلَة كَاذِبَة متيقنة الْبطلَان وَاضِحَة الْوَضع والبهتان لَا تصل إِلَى دَرَجَة الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي هِيَ أدنى مَرَاتِب الْآحَاد كَخَبَر أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي وَمَا بعده مِمَّا تقدم ذكره آنِفا فَتَأمل هَذَا التَّنَاقُض الصَّرِيح وَالْجهل الْقَبِيح لكِنهمْ لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عَن الْحق يَزْعمُونَ التَّوَاتُر فِيمَا يُوَافق مَذْهَبهم الْفَاسِد وَإِن أجمع أهل الحَدِيث والأثر على أَنه كذب مَوْضُوع مختلق ويزعمون فِيمَا يُخَالف مَذْهَبهم أَنه آحَاد بل وباطل وَإِن اتّفق أُولَئِكَ على صِحَّته وتواتر رِوَايَته تحكماً مِنْهُم وعناداً أَو زيغاً عَن الْحق فقوتلوا وَبِكُل شَرّ قوبلوا الْوَجْه الثَّانِي من وَجْهي الْجَواب تَسْلِيم صِحَّتهَا مَعَ بَيَان أَن لَا دَلِيل لَهُم فِيهَا أما قَوْله فِي الحَدِيث الأول إِن مُوسَى اسْتخْلف هَارُون عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه إِلَى آخر مَا قيل قُلْنَا الْجَواب من وَجْهَيْن الأول نقُول هَذَا عدُول عَمَّا نطق بِهِ لِسَان الْحَال والمقال فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لعلى تِلْكَ الْمقَالة حِين اسْتَخْلَفَهُ لما توجه إِلَى غَزْوَة تَبُوك وَذَلِكَ اسْتِخْلَاف حَال الْحَيَاة فَلَمَّا رأى تألمه بِسَبَب التَّخَلُّف إِمَّا أسفا مِنْهُ على الْجِهَاد أَو بِسَبَب مَا عرض لَهُ من أَذَى الْمُنَافِقين على مَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَرِيبا قَالَ لَهُ تِلْكَ الْمقَالة إِيذَانًا لَهُ بعلو مكانته مِنْهُ إِلَى إِقَامَته مقَام نَفسه فالتنظير بَينه وَبَين هَارُون إِنَّمَا كَانَ من اسْتِخْلَاف مُوسَى لَهُ مُنْضَمًّا إِلَى الْأُخوة وَشد الأزر والعضدية وَكَانَ ذَلِك كُله حَال الْحَيَاة مَعَ قيام مُوسَى فِيمَا اسْتَخْلَفَهُ بعد يشْهد بذلك صُورَة الْحَال فَلْيَكُن الحكم فِي عَليّ(2/374)
كَذَلِك مُنْضَمًّا إِلَى مَا ثَبت لَهُ من أخوة النَّبِي
وَشد أزره وعضده بِهِ غير أَنه لَا يُشَارِكهُ فِي النُّبُوَّة كَمَا شَارك هَارُون مُوسَى فَلذَلِك قَالَ
إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أَو بعد بعثتي على سَبِيل التنظير وَلَا إِشْعَار فِي ذَلِك بِمَا بعد الْوَفَاة لَا بِنَفْي وَلَا بِإِثْبَات بل نقُول وَلَو حمل على مَا بعد الْوَفَاة لم يَصح تَنْزِيل عَليّ من النَّبِي
منزلَة هَارُون من مُوسَى لانْتِفَاء ذَلِك فِي هَارُون فَإِنَّهُ لم يكن الْخَلِيفَة بعد مُوسَى هَارُون وَإِنَّمَا كَانَ الْخَلِيفَة بعده يُوشَع بن نون وَأما هَارُون فقد مَاتَ فِي حَيَاة مُوسَى فَعلم قطعا أَن المُرَاد بِهِ الِاسْتِخْلَاف حَال الْحَيَاة لمَكَان التشابه وَلَا يوحد إِلَّا فِي حَال الْحَيَاة لَا يُقَال عدم اسْتِخْلَاف مُوسَى هَارُون بعد وَفَاته إِنَّمَا كَانَ لفقد هَارُون حِينَئِذٍ وَلَو كَانَ هَارُون حَيا لاستخلفه وَلم يسْتَخْلف غَيره بِخِلَاف عَليّ مَعَ النَّبِي
وَإِنَّمَا يتم دليلكم أَن لَو كَانَ هَارُون حَيا بعد وَفَاته واستخلف غَيره لأَنا نقُول الْكَلَام مَعكُمْ فِي تَبْيِين أَن المُرَاد بِهَذَا القَوْل الِاسْتِخْلَاف فِي حَال الْحَيَاة لمَكَان التَّنْزِيل منزلَة هَارُون من مُوسَى ومنزلة هَارُون من مُوسَى فِي الِاسْتِخْلَاف لم تتَحَقَّق إِلَّا فِي حَال الْحَيَاة فَثَبت أَن المُرَاد بِهِ مَا تحقق لَا أَمر آخر وَرَاء ذَلِك وَإِنَّمَا يتم متعلقكم مِنْهُ أَن لَو حصل اسْتِخْلَاف هَارُون بعد وَفَاة مُوسَى ثمَّ نقُول هَب أَن المُرَاد الِاسْتِخْلَاف عِنْد الذّهاب إِلَى الرب فَلم قُلْتُمْ إِن ذَلِك بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يكون ذَلِك كَذَلِك أَن لَو لم يكن إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَمْنُوع إِذْ الذّهاب المُرَاد إِلَى الرب سُبْحَانَهُ فِي الْحَيَاة أَيْضا وَهل كَانَ ذهابُ مُوسَى إِلَى ربه إِلَّا فِي حَال حَيَاته وَالصَّلَاة مُنَاجَاة وَالدُّعَاء كَذَلِك وَالْحجاج والعمار وفدُ الله تَعَالَى فَهَل الذّهاب إِلَى شَيْء من ذَلِك إِلَّا ذَهَابًا إِلَى الرب حَقِيقَة ومطابقتها أوقع من مُطَابقَة الذّهاب بِالْمَوْتِ فَكل ذَاهِب إِلَى طَاعَة ربه ذَاهِب إِلَى ربه لِأَنَّهُ مُتَوَجّه إِلَيْهِ بهَا وَإِن كَانَ فِي بعض التَّوَجُّه أوقع مِنْهُ فِي غَيره وَهَذِه كالأنواع مِنْهُ(2/375)
فَيكون النَّبِي
اسْتخْلف عليا وَهُوَ ذَاهِب إِلَى ربه بِالْخرُوجِ إِلَى طَاعَته فِي الْجِهَاد كَمَا اسْتخْلف مُوسَى هَارُون فِي حَال حَيَاته ذَاهِبًا إِلَى ربه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم الْوَجْه الثَّانِي أَن سِيَاق هَذَا القَوْل خبر وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ مَا بعد الْوَفَاة لوقع لَا محَالة كَمَا وَقع كل مَا أخبر بِوُقُوعِهِ فَإِن خَبره
حق وَصدق {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهوى إِن هُوَ إِلا وَحي يوحَى} النَّجْم 3، 4 وَلما لم يَقع عُلم قطعا أَنه لم يرد ذَلِك وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن أذهب إِلَّا وَأَنت خليفتي على أَهلِي فَإِنَّهُ
لم يستخلفه إِلَّا عَلَيْهِم والقرابةُ مُنَاسبَة لذَلِك وَأما على الْمَدِينَة فالمستخلف مُحَمَّد بن سَلمَة وَقيل سِبَاع بن عرفطة وَذكره ابْن إِسْحَاق فَقَالَ خلف رَسُول الله
فِي غَزْوَة تَبُوك عليا على أَهله وَأمره بِالْإِقَامَةِ فيهم فأرجفَ المُنَافِقُونَ وَقَالُوا مَا خَلفه إِلَّا استثقالاً قَالَ فَأخذ عَليّ سلاحه وَخرج حَتَّى لحق برَسُول الله
وَهُوَ نَازل بالجرف فَقَالَ يَا نَبِي الله زعم المُنَافِقُونَ أَنَّك مَا خلفتني إِلَّا أَنَّك استثقلتني فتخففت مني فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كذبُوا وَلَكِنِّي خلفتك لما تركت ورائي فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي وَأهْلك أَلا ترْضى يَا عَليّ أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أَو يكون الْمَعْنى إِلَّا وَأَنت خليفتي فِي أَهلِي فِي هَذِه الْقَضِيَّة على تَقْدِير عُمُوم استخلافه فِي الْمَدِينَة إِن صَحَّ ذَلِك وَيكون ذَلِك لِمَعْنى اقْتَضَاهُ فِي تِلْكَ الْمدَّة عَلِمَهُ رَسُول الله
وجهله غَيره يدل عَلَيْهِ أَنه
اسْتخْلف غَيره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا كَثِيرَة ومرات عديدة أَو يكون الْمَعْنى الَّذِي يَقْتَضِيهِ حالك وأمرك أَلا أذهب فِي جهةٍ إِلَّا وَأَنت خليفتي لِأَنَّك مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى لمَكَان قربك وأخذك عني لَكِن قد يكون شخوصُكَ معي فِي وَقت أَنْفَع لي من استخلافك أَو يكونُ الْحَال يَقْتَضِي أَن(2/376)
المصلحةَ فِي استخلافِ غَيْرك فيتخلف حكم الِاسْتِخْلَاف عَن مُقْتَضَاهُ بمعارض أقوى مِنْهُ يَقْتَضِي خِلَافه وَلَيْسَ فِي شيءِ من هَذَا كُله دَلِيل على أَنه الْخَلِيفَة بعد مَوته
وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَقَوله فِيهِ فَتعين أحد مَعْنيين إِمَّا النَّاصِر وَإِمَّا الْمولى بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فَنحْن نقُول بِمُوجبِه لَا بالتقدير الَّذِي قدروه وَالْمعْنَى الَّذِي عَلَيْهِ نزلوه لَا بل يكون التَّقْدِير من كنتُ ناصرَهُ فعلي ناصرهُ لِأَن عليا جلَّى من الكروب فِي الحروب مَا لم يجله غَيره وَفتح الله على يَدَيْهِ فِي زَمَنه
مَا لم يفتح على يَد غَيره وشهرةُ ذَلِك تغني عَن الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ والتطويل فِيهِ وَإِذا كَانَ بِهَذِهِ المثابة كَانَ ناصراً من كَانَ النَّبِي
ناصره لما أشاد الله بِهِ من دعائم الْإِسْلَام المثبتة لِرَبِّهَا مِنْهُ فِي عنق الْخَاص وَالْعَام بنصرة الْمُسلمين وإشادة منار الدّين وَيكون الْمَعْنى من كنت ناصرَهُ فعلي ناصره وَإِن كَانَ ذَلِك وَاجِبا على كل وَاحِد من الصَّحَابَة بل من الْأمة لَكِن أثبت بذلك لعَلي نوع اختصاصٍ لِأَنَّهُ أقربهم إِلَيْهِ وأولاهم بالانتصار لمن نَصره وَهَذَا أولى من حمل النَّاصِر على الْمَعْنى الَّذِي ذَكرُوهُ لما يسْتَلْزم ذَلِك من الْمفْسدَة الْعَظِيمَة والوصمة الفظيعة فِي جلة أَصْحَاب رَسُول الله
من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على مَا سنقرره فِي الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث الَّذِي أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن مِمَّا يدل على أَنه لَا يجوز حمله على معنى الِاسْتِخْلَاف بعده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا على معنى الْمُتَوَلِي ليَكُون التَّقْدِير فعلي وليه أَي مُتَوَلِّي أمره بعده فَلَا يَصح ذَلِك إِذْ الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه لم يرد
ذَلِك فِي الْحَالة الراهنة فَيكون هَذَا الحَدِيث الثَّانِي كالحديث الثَّالِث الَّذِي سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي قَرِيبا على أَنا نقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد الْوَلِيّ الْمُنعم اسْتِعَارَة من مولى الْعتْق التفاتاً إِلَى الْمَعْنى الْمُتَقَدّم آنِفا فِي معنى النَّاصِر فَيكون التَّقْدِير من أنعم الله عَلَيْهِ بالهداية على يَدي نبيه إِلَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان حَتَّى اتّصف النَّبِي
بِأَنَّهُ مَوْلَاهُ فقد أنعم الله عَلَيْهِ أَيْضا باستقامة أَمر دينه وأمانه من أَعدَاء الدّين وخذلانهم وَقُوَّة الْإِسْلَام وإشادة دعائمه على يَد عَليّ بن أبي طَالب بِمَا(2/377)
اخْتصَّ بِهِ من دون غَيره مِمَّا تقدم بَيَانه مِمَّا يصحح الاتصاف بِأَنَّهُ مولى لَهُ أَيْضا وَقد حكى الْهَرَوِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَن معنى الحَدِيث من أَحبَّنِي وتولاني فليحب عليا وليتولهُ قَالَ فِي الرياض النضرة وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعدْ يَعْنِي مَا حَكَاهُ الْهَرَوِيّ إِذْ كَانَ قياسهُ على هَذَا التَّقْدِير أَن يَقُول من كَانَ مولَايَ فَهُوَ مولى عَليّ وَيكون الْمولى بِمَعْنى الْوَلِيّ ضد الْعَدو فَلَمَّا كَانَ الْإِسْنَاد إِلَى اللَّفْظ على الْعَكْس من ذَلِك بَطل هَذَا الْمَعْنى وَلَو قَالَ مَعْنَاهُ من كنت أتولاه وأحبه فعلي يَتَوَلَّاهُ وَيُحِبهُ كَانَ أنسبَ للفظ الحَدِيث وَهُوَ ظَاهر لمن تَأمله نعم يتَّجه مَا ذكره الْهَرَوِيّ من وَجه آخر بِتَقْدِير حذفٍ فِي الْكَلَام على وَجه الِاخْتِصَار تَقْدِيره من كنت مَوْلَاهُ فسبيلُ الْمولى يَعْنِي وَحقه أَن يحب ويتولى فعلي أَيْضا مَوْلَاهُ لقُرْبه مني ومكانته من تأييد الْإِسْلَام فَيُحِبهُ وليتوله كَذَلِك وَأما الحَدِيث الثَّالِث فَقَوْلهم فَيتَعَيَّن حمل الْوَلِيّ على النَّاصِر أَو الْمُتَوَلِي ... إِلَى آخر مَا قَالُوهُ قُلْنَا الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَيْضا الأول القَوْل بِالْمُوجبِ على الْمَعْنيين مَعَ الْبَيَان بِأَنَّهُ لَا دَلِيل لكم فِيهِ أما على معنى النَّاصِر فَلَمَّا بَيناهُ فِي الحَدِيث قبله وَأما بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فقد كَانَ ذَلِك إِذْ قد تولى عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَمر الْأمة بالخلافة وَإِن كَانَ بعده من كَانَ بعده فقد صدق عَلَيْهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه تولى الْأمة بعده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَقِيقَة وَمثل هَذَا قد ورد وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِب عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه النَّبِي
رأى فِي مَنَامه حوريةَ فَقَالَ لَهَا لمن أَنْت فَقَالَت للخليفة من بعْدك عُثْمَانُ وَحِينَئِذٍ فَتكون فَائِدَة ذكره
ذَلِك للتّنْبِيه على فَضِيلَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والتمرنِ على محبته فَإِنَّهُ سيلي عَلَيْكُم ويتولى أَمركُم وَمن تتَوَقَّع إمرته فَالْأولى أَن يمرن القلبُ على مودته ومحبته ومجانبة بغضه ليَكُون أدعى إِلَى الانقياد وأسرع للطواعية وَأبْعد(2/378)
عَن الْخلف وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى وَغَيره حثه
فِي هَذِه الْخطْبَة على أهل بَيته عُمُوما وعَلى عَليّ خُصُوصا ويرشد إِلَيْهِ أَيْضا مَا ابْتَدَأَ بِهِ
هَذَا الحَدِيث وَلَفظه عِنْد الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح أَنه
خطب بغدير خم ثامن عشر ذِي الْحجَّة مرجعه من حجَّة الْوَدَاع تَحت شجرات بُرِّح لَهُ مَا تحتهَا بعد صَلَاة الظّهْر فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه قد نَبَّأَنِي اللطيفُ الْخَبِير أَنه لم يُعَمر نَبِي إِلَّا نصف عمر الَّذِي يَلِيهِ من قبله وَإِنِّي لأَظُن أَنِّي يُوشك أَن أدعى فَأُجِيب وَإِن مستول وَإِنَّكُمْ مسؤولون فَمَاذَا أَنْتُم قَائِلُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك قد بلغت وجهدت وَنَصَحْت فجزاك الله خيرا فَقَالَ ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن جنته حق وناره حق وَأَن الْمَوْت حق وَأَن الْبَعْث بعد الْمَوْت حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور قَالُوا بلَى نشْهد بذلك قَالَ اللَّهُمَّ أشهد ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الله مولَايَ وَأَنا مولى الْمُؤمنِينَ وَأَنا أولى بهم من أنفسهم وَفِي رِوَايَة ألستم تعلمُونَ أَنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى قَالَ فَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله وأدر الْحق مَعَه أَيْنَمَا دَار ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي فَرَطُكم وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ على الْحَوْض حوضاً عرضه كَمَا بَين بُصرى إِلَى صنعاء فِيهِ عدد نُجُوم السَّمَاء قِدحانٌ من فضَّة وَإِنِّي سَائِلكُمْ حِين تردون عَليّ وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا الثّقل الْأَكْبَر كتاب الله عز وَجل سببٌ طرفه بيد الله وطرفه بِأَيْدِيكُمْ فاستمسكوا بِهِ لَا تضلوا وَلَا تبدلوا وعترتى أهل بَيْتِي فَإِنَّهُ قد نَبَّأَنِي اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُمَا لن يفترقا حَتَّى يردا على الْحَوْض وَيشْهد لَهُ أَيْضا أَن سبَب ذَلِك كَمَا نَقله الْحَافِظ شمس الدّين بن الْجَوْزِيّ(2/379)
عَن ابْن إِسْحَاق أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تكلم فِيهِ بعضُ من كَانَ مَعَه فِي الْيمن فَلَمَّا قضى
حجه خطب هَذِه الْخطْبَة تَنْبِيها على قدره وردا على من تكلم فِيهِ كبريدة بن الْحصيب كَمَا فِي البُخَارِيّ أَنه كَانَ يبغضه وَسبب ذَلِك مَا صَححهُ الذَّهَبِيّ أَنه خرج مَعَه إِلَى الْيمن فَرَأى مِنْهُ جفوة فنقصه للنَّبِي فَجعل وَجه النَّبِي
يتَغَيَّر فَقَالَ يَا بريده لَا تقع فِي عليّ فَإِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي وَلَا يجوز حمله على أَنه الْمولى عقب وَفَاته
فِي الْأَحَادِيث كلهَا لوجوه الأول أَن لفظ الحَدِيث لفظ الْخَبَر مِمَّن لَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ كَذَلِك لوقع لَا محَالة كَمَا وَقع كل مَا أخبر عَنهُ فَلَمَّا لم يَقع ذَلِك دَلَّ على أَن المُرَاد بِهِ غَيره لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِلَفْظ الْخَبَر الْأَمر لأَنا نقُول يلْزم على ذَلِك محذوران الأول صرف اللَّفْظ عَن ظَاهره وَذَلِكَ مَرْجُوح وَالظَّاهِر رَاجِح فَوَجَبَ الْعَمَل بِهِ الثَّانِي أَن ذَلِك يعْنى أَمر الْخلَافَة أَمر عَظِيم مُهِمّ فِي الدّين تتوفر عَلَيْهِ دواعي الْمُسلمين وَمثل ذَلِك لَا يكْتَفى فِيهِ بالألفاظ المجملة بل يجب فِيهِ التَّصْرِيح بِنَصّ الظَّاهِر الْوَجْه الثَّانِي لُزُوم مفْسدَة عَظِيمَة فِي الْحمل على ذَلِك هِيَ نسبةُ الْأمة إِلَى الِاجْتِمَاع على الضَّلَالَة واعتقادُ خطأ جَمِيع الصَّحَابَة باجتماعهم على تَوْلِيَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَذَلِكَ منفي بقوله
لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة وَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمصير إِلَيْهِ دفع لهَذَا الْمَحْذُور وَنفي للظلم وَالْخَطَأ(2/380)
عَن الجم الْغَفِير الْمَشْهُود لَهُم بِأَنَّهُم كَالنُّجُومِ من اقْتدى بِأَيِّهِمْ اهْتَدَى خُصُوصا من أمَرَ
بالاقتداء بِهِ من بعده وَشهد بِالرشد لمن أطاعه وَمَا تدعيه الرافضة من أَن عليا وَمن تَابعه فِي ترك الْمُبَادرَة إِلَى بيعَة أبي بكر إِنَّمَا بَايعُوهُ بعد ذَلِك تقية فَلَا إِجْمَاع على بيعَة أبي بكر فِي نفس الْأَمر فَهَذَا غايةُ الْفساد لما يلْزم عَلَيْهِ من نِسْبَة القبائح والرذائل وَقد قدمنَا بَيَان ذَلِك وَكَيْفِيَّة مبايعته من إرْسَال ابْنه الْحسن إِلَى أبي بكر وخطبة عَليّ كرم الله وَجهه واعتذاره بالعذر الْحسن الْجَمِيل فَانْظُرْهُ فِي أول خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الثَّالِث أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أبي بكر دلّت على أَنه الخليفةُ عقيب وَفَاته
وَقد بَين وَجه دلالتها كَمَا ستراها قَرِيبا على خِلَافَته مصدرا بهَا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي شَأْنه وَأَحَادِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مترددةٌ بَين احْتِمَالَيْنِ فِي الْحمل على أحدِهما توفيق بَين الْأَحَادِيث كلهَا وَنفى للمحذور اللَّازِم فِي حق الصَّحَابَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي الْحمل على الثَّانِي إِلْغَاء لبعضها وَتَقْرِير لذَلِك الْمَحْذُور فَكَانَ الْحمل على مَا يحصل بِهِ التَّوْفِيق وينفي بِهِ الْمَحْذُور أولى عملا بالأحاديث كلهَا وَكَيف يتَطَرَّق خلافُ ذَلِك إِلَى الْوَهم وَقد روى عَن عَليّ وَغَيره من الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم مَا يشْهد بِصِحَّتِهِ وتتبادر الأفهام عِنْد سَمَاعه إِلَى أَنه مَانع من تطرق تِلْكَ الأوهام أم كَيفَ يحل اعْتِقَاد غير ذَلِك والإجماعُ على خِلَافه فالإجماع على خلَافَة أبي بكر قاضِ بِالْقطعِ بحقيتها لِأَن مفَادَ الْإِجْمَاع القطعُ ومفاد خبر الْوَاحِد ظَنِّي وَلَا تعَارض بَين قَطْعِيّ وظني بل يعْمل بالقطعي ويلغي الظني على أَن الظني لَا عبرةَ بِهِ جملَة كَافِيَة عِنْد الشِّيعَة فَإِن قيل أَي إجماعِ انْعَقَد مَعَ تخلف مثل عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَبني هَاشم أجمع والمقداد وخَالِد بن سعد بن الْعَاصِ وَابْن عَبَّاس وَأبي ذَر وعمار بن يَاسر وَهَؤُلَاء من جِلةِ أهل العقد والحل قُلْنَا كَانَ تأخرهُم إِمَّا لتأثر خواطرهم بترك الْمُشَاورَة فِي أَمر الْبيعَة والاستبداد بهَا دونهم فَإِن الزبير وَطَلْحَة قد أفصحا بذلك وبادرا بالبيعة فِي الْيَوْم الثَّانِي وَإِمَّا للتروي اجْتِهَادًا مِنْهُم فَلَمَّا ظهر لَهُم الْأَمر بَايعُوا وَالله أعلم بالحقائق سُبْحَانَهُ(2/381)
الْوَجْه الثَّالِث من أوجه الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث لم لَا يجوز أَن يكون الْوَلِيّ هُنَا بِمَعْنى الْمُحب الموَالِي ضد الْعَدو وَالتَّقْدِير وَهُوَ متوليكم ومحبكم بعدِي وَيكون المُرَاد بالبعدية هُنَا البعدية فِي الرُّتْبَة لَا بعدية وَفَاته
أَي الْمُتَقَدّم فِي تولي الْمُسلمين ومحبتهم أَنا ثمَّ على فِي الدرجَة الثَّانِيَة لمكانته مني وقربه ومناسبته فَهُوَ أولى بمحبة من أحبه وتولي من أتولاه ونصرة من أنصره وإحارة من أجيره وَالْحَاصِل أَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث من كتب مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا على إِمَامَة عَليّ كرم الله وَجهه وَكَيف يكون نصا وَلم يحْتَج بِهِ هُوَ وَلَا الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَا غَيرهمَا وَقت الْحَاجة إِلَى الِاحْتِجَاج وَإِنَّمَا احْتج بِهِ عَليّ فِي خِلَافَته يَقُول رَاوِي ذَلِك أَبُو الطُّفَيْل كَمَا عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار جمع عَليّ النَّاس بالرحبة يَعْنِي بالعراق لما آلتْ إِلَيْهِ الخلافةُ فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُم أُشهد الله من شهد يَوْم غَدِير خم إِلَّا قَامَ وَلَا يقوم رجل يَقُول نبئت وَبَلغنِي إِلَّا رجل سمعتْ أذنَاهُ ووعى قلبه فَقَامَ سبعةَ عشرَ صحابياً وَفِي رِوَايَة ثَلَاثُونَ فَقَالَ هاتوا مَا سَمِعْتُمْ فَذكرُوا الحَدِيث الْمُتَقَدّم وَمن جملَته من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ صَدقْتُمْ وَأَنا عَلَى ذَلِك من الشَّاهِدين فَلَو كَانَ نصا لاحتج بِهِ وَمنع غَيره كَمَا منع أَبُو بكرِ الْأَنْصَار بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فأطاعوه مَعَ كَونه خبرَ واحدٍ وَتركُوا الْإِمَامَة وادعاءها(2/382)
لأَجله فَكيف حِينَئِذٍ يتَصَوَّر وجود نَص جلي يقيني لعَلي وَهُوَ بَين قوم لَا يعصون خبرَ الْوَاحِد فِي أَمر الْإِمَامَة وهم من الصلابة فِي الدّين بِالْمحل الأرفع بِشَهَادَة بذلهِمُ الأنفسَ والأموالَ ومهاجرتهم الْأَهْل والأوطانَ وقتلهم الْأَوْلَاد والآباءَ فِي نصرةِ الدّين وَلم يحْتَج عَليّ عَلَيْهِم بذلك النَّص الْجَلِيّ بل وَلَا قَالَ أحد مِنْهُم عَنهُ طلع النزاع فِي أَمر الْإِمَامَة لم يتنازعون فِيهَا وَالنَّص الْجَلِيّ قد عين فلَانا لَهَا فَإِن زعم زاعم أَن عليا قَالَ لَهُم ذَلِك فَلم يطيعوه كَانَ جَاهِلا ضَالًّا مفترياً مُنْكرا للضروريات فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يقلهُ كرم الله وَجهه إِلَّا عِنْدَمَا آلت إِلَيْهِ الْخلَافَة بِشَهَادَة رَاوِيه أبي الطُّفَيْل وَلم يحْتَج بِهِ عِنْد وَفَاته
فسكوتُه عَن الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَى أَيَّام خِلَافَته قَاض على من عِنْده أدنى فهم وعقل بِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَنه لَا نَص فِيهِ على خِلَافَته عقيب وَفَاته(2/383)
على أَن عليا نَفسه صرح بِأَنَّهُ
لم ينص عَلَيْهِ وَلَا على غَيره كَمَا سَيَأْتِي عَنهُ وَفِي البُخَارِيّ وَغَيره حَدِيث خُرُوج عَليّ وَالْعَبَّاس من عِنْد النَّبِي
وَقَول الْعَبَّاس وَقد أَخذ بيد عَليّ إِنَّك بعد ثَلَاث عبدُ الْعَصَا وَالله لأرى أَن رَسُول الله
متوفي فِي وَجَعه هَذَا وَإِنِّي لأعرف الْمَوْت فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب فلنذهب إِلَى رَسُول الله
نَسْأَلهُ فِيمَن يكون هَذَا الْأَمر فَإِن كَانَ فِينَا علمنَا ذَلِك وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا فَقَالَ عَليّ وَالله إِن سألناها رَسُول الله
فَمَنَعَنَاهَا لَا يعطيناها الناسُ أبدا فَهَذَا صَرِيح فِيمَا ذَكرْنَاهُ من أَنه
لم ينص على أحد عِنْد مَوته وكل عَاقل يجْزم بِأَنَّهُ حَدِيث من كنت مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا فِي إِمَامَة عَليّ وَإِلَّا لَم يَحتج هُوَ وَالْعَبَّاس إِلَى مُرَاجعَته
الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث البُخَارِيّ مَعَ قرب الْعَهْد جدا بيومئذ بَينهمَا نَحْو الشَّهْرَيْنِ وتجويز النسْيَان على سَائِر الصَّحَابَة السامعين لخَبر يَوْم الغدير مَعَ قرب الْعَهْد وهم من هم فِي الْحِفْظ والذكاء والفطنة وَعدم التَّفْرِيط والغفلة فِيمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ
محَال عادي يجْزم الْعَاقِل بِأَدْنَى بديهة أَنهم لم يَقع مِنْهُم نِسْيَان وَلَا تَفْرِيط وبأنهم حالَ بيعتهم لأبي بكر كَانُوا ذاكرين لذَلِك الحَدِيث عَالمين بِهِ وَبِمَعْنَاهُ فَزعم الشِّيعَة والرافضة أَن الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم علمُوا هَذَا النَّص وَلم ينقادوا لَهُ عناداً أَو مُكَابَرَة بِالْبَاطِلِ وَقَوْلهمْ إِنَّمَا تَركهَا عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ تقية كذب وافتراء أَيْضا لما قدمْنَاهُ فِيمَا مر وَمِنْه إِنَّمَا كَانَ فِي مَنْعَة من قومه وعشيرته مَعَ كثرتهم وشجاعتهم وَأَنه احْتج أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْأَنْصَار لما قَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فَكيف سلمُوا لَهُ هَذَا الِاسْتِدْلَال ولأي شَيْء لم يَقُولُوا ورد النَّص على إِمَامَة عَليّ فَكيف تحتج أَنْت بِمثل هَذَا الْعُمُوم وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ أصل عقيدة الشِّيعَة تضليل الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَإِنَّمَا نبه عَليّ الشِّيعَة لأَنهم أقل فحشاً فِي عقائدهم من الرافضة وَذَلِكَ لِأَن الرافضة يَقُولُونَ بتكفير الصَّحَابَة لأَنهم عاندوا بترك النَّص على إِمَامَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ(2/384)
بل زَاد أَبُو كَامِل وَهُوَ من رؤوسهم الْمُتَقَدِّمين فَكفر عليا زاعما أَنه أعَان الكفارَ على كفرهم وأيدهم على كتمان ذَلِك وعَلى ستر مَا لَا يتم الدّين إِلَّا بِهِ لِأَنَّهُ لم يرو عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه احْتج بِالنَّصِّ على إِمَامَته بل تَوَاتر عَنهُ إِن أفضلَ الْأمة أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُ قبل من عمر إِدْخَاله إِيَّاه فِي الشورى وَقد اتخذ الْمُلْحِدُونَ كَلَام هَؤُلَاءِ السفلة الكَذَبة ذَرِيعَة لطعنهم فِي الدّين وَالْقُرْآن وَقد تصدى بعض الْأَئِمَّة للرَّدّ عَلَيْهِم وَمن جملَة مَا قَالَه أُولَئِكَ الْمُلْحِدُونَ كَيفَ يَقُول الله {كنُتُم خيرَ أُمةٍ أُخرِجَت لِلناسِ} آل عمرَان 110 وَقد ارْتَدُّوا بعد وَفَاة نَبِيّهم إِلَّا نَحْو سِتَّة أنفس مِنْهُم لامتناعهم من تَقْدِيم أبي بكر وَعدم رضاهم ببيعته فَانْظُر إِلَى حجَّة الملحد تجدها عينَ حجَّة الرافضة قَاتلهم الله تَعَالَى أَنِّي يؤفكون بل هم أَشد ضَرَرا على الدّين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر فرق الضلال كَمَا صرح بِهِ عَليّ رَضِي الله عَنهُ بقوله تفترق الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة شَرها من ينتحل حبنا وَيُفَارق أمرنَا وَوَجهه مَا اشتملوا عَلَيْهِ من افترائهم قبائحَ الْبدع وغاياتِ العناد والكذبَ حَتَّى تسلطت الملاحدةُ بِسَبَب ذَلِك على الطعْن فِي الدّين وأئمة الْمُسلمين بل قَالَ القاضى أَبُو بكر الباقلاني إِن فِيمَا ذهبت إِلَيْهِ الرافضةُ مِمَّا ذكر إبطالاً لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إِذا أمكن اجتماعُ الصَّحَابَة على الكتم للنصوص أمكن فيهم الكذبُ والتواطؤ عَلَيْهِ لغَرَض فَيمكن أَن سَائِر مَا نقلوه من الْأَحَادِيث زور وَيُمكن أَن الْقُرْآن عُورضَ بِمَا هُوَ أفْصح مِنْهُ كَمَا تدعيه الْيَهُود وَالنَّصَارَى فكتمته الصَّحَابَة وَكَذَا مَا نَقله سَائِر الْأُمَم عَن جَمِيع الرُّسُل يجوز(2/385)
الْكَذِب فِيهِ والزور والبهتان لأَنهم أقرُّوا ذَلِك فِي هَذِه الْأمة الَّتِي قد جَاءَ الْقُرْآن بِأَنَّهَا خير أمة أخرجت للنَّاس فادعاؤهم إِيَّاه فِي بَاقِي الْأُمَم أَحْرَى وَأولى فَتَأمل الْمَفَاسِد الَّتِي ترتبت على مَا أصَّلَهُ هَؤُلَاءِ وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا من أهل الْأَهْوَاء أَشد زوراً من الرافضة وَكَانَ إِذا ذكرهم عابهم بالرذالة والسقاطة وَأَنَّهُمْ لَا يتَوَجَّه مَعَهم خطاب وَلَا يرجعُونَ إِلَى رشد وَلَا إِلَى صَوَاب وَعَن الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ لما قدم عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْبَصْرَة فِي أثر طَلْحَة وَالزُّبَيْر يُرِيد قِتَالهمْ قَالَ لَهُ ابْن الْكواء وَقيس بن عباد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا تخبرنا عَن مسيرك هَذَا الَّذِي سرت فِيهِ ستتولى على الْأمة وتضرب النَّاس بَعضهم بِبَعْض أَعهد من رَسُول الله
إِلَيْك فحدثنا بِهِ فَأَنت الموثوق بِهِ الْمَأْمُون على مَا سَمِعت قَالَ أما أَن يكون عِنْدِي من رَسُول الله
عهد فَلَا وَالله لَئِنْ كنت أولَ من صدق بِهِ لَا أكونُ أول من كذب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ عِنْدِي من النَّبِي
عهد بذلك مَا تركت أخوي تيم وعدي يقومان على منبره ولقاتلتهما لَو لم أجد إِلَّا بردى وَلَكِن رَسُول الله
لم يُقتل قتلا وَلم يمت فَجْأَة مكث فِي مَرضه أَيَّامًا وليالي يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن فيؤذنه بِالصَّلَاةِ فيأمر أَبَا بكر فَيصَلي بِالنَّاسِ وَهُوَ يرى مَكَاني وَلَقَد أرادتِ امْرَأَة من نِسَائِهِ صرفَهُ عَن أبي بكر فَأبى وَغَضب وَقَالَ أنتن صواحبُ يُوسُف يظهرن خلاف مَا يبدين مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَلَمَّا قبض الله نبيه
وقعنا فِي أمورنا ثمَّ اخترنا لدنيانا من رضيه رَسُول الله
لديننا وَكَانَت الصلاةُ أعظمَ أَرْكَان الْإِسْلَام وقواعِد الدّين فبايَعنا أَبَا بكر فَكَانَ لذَلِك أَهلا لم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديتُ إِلَى أبي بكر حَقه وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الحدودَ بسوطي فَلَمَّا قبض ولاها عمر فَأخذ بِسنة صَاحبه وَمَا يعرف من أمره فَبَايَعْنَاهُ وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديتُ إِلَى عمر حَقه وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الحدودَ بسوطي فَلَمَّا قبض تذكرتُ فِي نفس قَرَابَتي وسابقتي وفضلي وَأَنا أَظن أَن لَا يعدل بِي(2/386)
وَلَكِن خَشِي أَلا يعملُ الخليفةُ بعده ذَنبا إِلَّا لحقه فِي قَبره فَأخْرج مِنْهَا نَفسه وَولده وَلَو كَانَت مُحَابَاة مِنْهُ لآثر وَلَده وَلَكِن برِئ مِنْهَا إِلَى ستةِ نفر من قُرَيْش أَنا أحدهم فَلَمَّا اجْتمع الرهطُ تذكرتُ فِي نَفسِي قَرَابَتي وسابقتي وَأَنا أَظن أَن لن يعدلُوا بِي فَأخذ عبدُ الرَّحْمَن بن عَوْف مواثيقَ على أَن نسْمع ونطيع لِمَنْ ولاه الله عز وَجل أمرنَا ثمَّ أَخذ بيد عُثْمَان فَضرب يَده على يَده فَنَظَرت فِي أَمْرِي فَإِذا طَاعَتي قد سبقت بيعتي وَإِذا ميثاقي قد أُخِذَ لغيري فَبَايعْنَا عُثْمَان فأديتُ لَهُ حقهُ وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ بسوطي فَلَمَّا أُصِيب عُثْمَان نظرتُ فِي أَمْرِي فَإِذا الخليفتان اللَّذَان أخذاها بِعَهْد رَسُول الله
إِلَيْهِمَا فِي الصَّلَاة قد مضيا وَهَذَا الَّذِي أَخذ لَهُ مِيثَاق قد أصيبَ فبايعني أهلُ الْحَرَمَيْنِ وأهلُ هذَيْن المصرين أخرجه أَبُو أَحْمد حَمْزَة بن الْحَارِث وَأَبُو الْفضل ابْن خيرون وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عَسَاكِر والذهبي وَغَيرهم وَابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَزَاد بعد قَوْله وَأهل هذَيْن المصرين قَوْله ثمَّ إِن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان جَاءَ يضربني بِأَهْل الشَّام فَكنت وَالله أَحَق بهَا مِنْهُ وَالله لَو أَن أَبَا بكر حِين بُويِعَ نازعوه لقَاتل وَلَو أَن عمر نوزع حِين بُويِعَ لقَاتل فَقَالَا صدقت يَا أَبَا الْحسن وبررت واحتججت وَكنت أَحَق بهَا مِنْهُ وَفِي رِوَايَة عَبدة أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ أخبرنَا عَن قتالك هذَيْن الرجلَيْن يعنيان طَلْحَة وَالزُّبَيْر وهما صاحباك فِي الْهِجْرَة وَفِي بيعَة الرضْوَان وَفِي الشورى قَالَ بايعاني بِالْمَدِينَةِ وخلعاني بِالْبَصْرَةِ وَلَو أَن رجلا بَايع أَبَا بكر ثمَّ خلعه قَاتَلْنَاهُ أَلا وَلَو أَن رجلا بَايع عمر ثمَّ خلعه قَاتَلْنَاهُ قلت كَأَنِّي أنظر وأسمع رَافِضِي الِاعْتِقَاد يُنكر هَذِه الروايةَ وَيبْطل إسنادها وينقض مبناها ويقوض عمادها إِلَّا قَوْله فِيهَا وَأَنا أَظن أَن لَا يعدلُوا بِي ... إِلَى قَوْله فَبَايعْنَا عُثْمَان فَإِنَّهُ يتَّخذ ذَلِك شبهةَ دليلٍ وبرهانٍ لما يَعْتَقِدهُ من الْكَذِب وَالْبَاطِل والبهتان عَلَيْهِ من الله مَا يسْتَحق قلت وَمن جملَة زعم الرافضة أَن عليا إِنَّمَا سكت عَن النزاع والثيار فِي أَمر(2/387)
الْخلَافَة وطلبها لِأَن النَّبِي
أوصاه أَلا يُوقع بعده فتْنَة وَلَا يسل سَيْفا وَسمعت من بعض غُلاتِهِم أَن عليا كَانَ يتحدث مَعَ فَاطِمَة فِي شَأْن الْخلَافَة وَكَأَنَّهَا تلومه فِي سُكُوته فَأذن الْمُؤَذّن حِينَئِذٍ فَقَالَ لَهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَوْلَا خوفي انْقِطَاع هَذَا الصَّوْت أَو الذّكر مُشِيرا إِلَى الْأَذَان لجعلتُ أرْضهَا سماءها فَإِن صَحَّ كَلَام هَذَا الغالي فقد اخْتلفت العلتان عَلَيْهِم الْوَصِيَّة فِي الأول وَالْخَوْف فِي الثَّانِي وكلا العلتين معلولٌ بِأَنَّهُ افتراء وَكذب وضلالة وحمق وغباوة وجهالة عَمَّا يَتَرَتَّب على ذَلِك إِذْ كَيفَ يعقل مَعَ هَذَا الَّذِي زعموه أَنه جعله إِمَامًا والياً على الْأمة بعده وَمنعه من سل السَّيْف على من امْتنع من قبُول الْحق وَلَو كَانَ مَا زعموه صَحِيحا لما سل كرم الله وَجهه السيفَ فِي حَرْب صفّين وَغَيرهَا وَقَاتل بِنَفسِهِ وَأهل بَيته وشيعته وبارز الألوفَ مِنْهُم وَحده أَعَاذَهُ الله من مُخَالفَة وَصِيَّة رَسُول الله
وَأَيْضًا فَكيف يتعقلون أَنه
يوصيه بِعَدَمِ سل السَّيْف على من يَزْعمُونَ فيهم أَنهم مجاهرون بأقبح أَنْوَاع الْكفْر من مُخَالفَة أمره
وَدفع من نَصَ على أَنَّهَا لَهُ والتمالؤِ والاجتماعِ على إعطائها لغير من هِيَ لَهُ وَمنع فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إرثها بِغَيْر دَلِيل فهما وَمن نحا نَحْوهمَا عِنْدهم مرتدون حماهم الله من ذَلِك وَرَضي الله عَنْهُم فجهادُ مثل هَؤُلَاءِ حتم على الْأمة عُمُوما وعَلى الْخَلِيفَة خُصُوصا قَالَ بعض أَئِمَّة أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ من العترة الطاهرة وَقد تأملتُ كلماتِهم يَعْنِي الرافضة فَرَأَيْت قوما أعْمَى اللهُ بصائرهم فَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب على مقالتهم من الْمَفَاسِد أَلا ترى إِلَى قَوْلهم إِن عمر رَضِي الله عَنهُ قاد عليا بحمائل سَيْفه وَحصر فَاطِمَة فهابت فَأسْقطت ولدا اسْمه المحسن فقصدوا بِهَذِهِ الْفِرْيَة القبيحة والغباوة الَّتِي أورثتهم الْعَار والبوار والفضيحة إيغارَ الصُّدُور على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب وَيلْزم على ذَلِك من نسبةِ عَليّ إِلَى الذلة وَالْعجز والخَوَر بل نِسْبَة جَمِيع بني هَاشم وهم أهل النجدة والنخوة والأنفة إِلَى ذَلِك الْعَار الَّذِي لَا أقبحَ مِنْهُ عَلَيْهِم بل نِسْبَة جَمِيع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم إِلَى ذَلِك مَعَ مَا استفاض وتواتر عَنْهُم من غيرتهم لنبيهم وَدينهمْ وَشدَّة غضبهم عِنْد(2/388)
انتهاك حرماته حَتَّى قَاتلُوا فَقتلُوا الآباءَ والأبناءَ فِي طَلَبهمْ مرضاة الله تَعَالَى ومرضاة رَسُوله لَا يُتَوَهَّمُ إلحاقُ أدنى نقصِ أَو السُّكُوت على بَاطِل من هَؤُلَاءِ الْعِصَابَة الكمل الَّذين طهرهم الله من كل رِجْس ودنس وَنقص على لِسَان نبيه فِي الْكتاب وَالسّنة كَمَا تقدم بِوَاسِطَة صحبتهم لَهُ
وَمَوته وَهُوَ رَاض عَنْهُم وبسبب صدقهم فِي محبته واتباعه إِلَّا عبد أضلّهُ الله وخذله فباء مِنْهُ تَعَالَى بعظيم الخسار والبوار وأحله نَار جَهَنَّم وَبئسَ الْقَرار نسْأَل الله السَّلامَة من الموبقات فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات آمين ولهذه الطائفةِ الرذلة شبه لَا حاجةَ لنا إِلَى إيرادها وتسويد الطِّرْس بسوادها فقد ردهَا الْأَئِمَّة المتقدمون والمتأخرون فِي غير مَا كتاب وأماطوا عَن مشوهاتها الْخمار والنقاب وَقد رَوَتْ أقاويلَ الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الْبَيْت فِي الترضي عَن الشَّيْخَيْنِ وتوليهما وَالثنَاء عَلَيْهِمَا الأئمةُ الحفاظُ الَّذين عَلَيْهِم المعوّل فِي معرفَة الحَدِيث والْآثَار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم الْمُتَّصِلَة فَمِنْهَا مَا أخرجه أَبُو نعيم عَن الإِمَام الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط أَنه لما قيل لَهُ ذَلِك أَي أَن خبر من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ نصُّ فِي إِمَامَة عليِّ قَالَ أما وَالله لَو يَعْنِي بذلك الإِمارة وَالسُّلْطَان لأفصح لَهُم بِهِ فَإِن رَسُول الله
كَانَ أنصح للْمُسلمين ولقال لَهُم ياأيها النَّاس هَذَا ولي أَمْرِي والقائم عَلَيْكُم بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا كَانَ من هَذَا شَيْء فوَاللَّه لَئِن كانَ الله ورسولهُ اختارَا عليَّاً لهَذَا الْأَمر والقيامِ بِهِ للْمُسلمين من بعده ثمَّ تَرَكَ عَليّ أَمر الله وَرَسُوله أنْ يقومَ بِهِ أَو يعْذر فِيهِ إِلَى الْمُسلمين إنْ كانَ أعظم النَّاس خطيئةَ لَعَلي إِذْ ترك أَمر الله وَرَسُوله وحاشاه من ذَلِك وَفِي رِوَايَة عَنهُ وَلَو كَانَ هَذَا الْأَمر كَمَا تَقول وَأَن الله اخْتَار عليا للْقِيَام على النَّاس لَكَانَ أعظم النَّاس خَطِيئَة أَن ترك أَمر رَسُول الله
وَلم يقم بِهِ فَقَالَ الرجل ألم يقل رَسُول الله
من كنت مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن مَا تقدم ذكره وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه لما قدم(2/389)
الْمَدِينَة سألَ أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد الباقر عَن أبي بكر وَعمر فترحم عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة إِنَّهُم يَقُولُونَ عندنَا بالعراق إِنَّك تتبرأ مِنْهُمَا فَقَالَ معَاذ الله كذبُوا وَرب الْكَعْبَة ثمَّ ذكر لأبي حنيفَة تزويجَ عَليّ ابنتَه أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه لَو لم يكن لَهَا أَهلا لما زوجه إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة لَو كتبت إِلَيْهِم فَقَالَ لَا يطيعونني بالكتب وتزويج عَليّ أم كُلْثُوم لعمر رَضِي الله عَنهُ يقطع بِبُطْلَان مَا زعمته الرافضة فِيهِ قلت وَجه الْقطع مَا يلْزم أَن عليا زوج ابْنَته أم كُلْثُوم من كافرٍ على زعمهم الْفَاسِد معلومٍ كفرُه وسببُ كفره فيبطلوا أصلَهم فِي اعْتِقَاد العصمةِ لواجبها إِذْ تَزْوِيج الْكَافِر بالمسلمة حرَام بِنَصّ {لَا هُنَ حِل لَهم وَلَا هُم يحلوُنَ لَهنُ} الممتحنة 10 وَهَذِه الرِّوَايَة عَن الْحسن وأشباههُا من الرِّوَايَات زور عِنْدهم وافتراء وَكذب صراح لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا مراء لِأَنَّهَا تَفُت فِي أعضادهم وتنكث قواهم وتبت قوتهم وَتحل عراهم وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمُتَقَدّم ذكره لقب بالمحض لِأَنَّهُ أول من جمع ولادَة الْحسن والحشين وَالْحُسَيْن لِأَن أمه فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكَانَ شيخَ بني هَاشم وَرَئِيسهمْ أَنه سُئِلَ أتمسح على الْخُفَّيْنِ فَقَالَ أَمسَح عَلَيْهِمَا قد مسح عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ لَهُ السَّائِل إِنَّمَا أَسأَلك أنتَ أتمسح عَلَيْهِمَا قَالَ ذَلِك أعجزُ لَك أخبر عَن عمر وتسألني عَن رَأْيِي فعمر خيرٌ مني وملء الأَرْض من مثلي فَقيل لَهُ هَذَا تقية فَقَالَ نَحن بَين الْقَبْر والمنبر اللَّهُمَّ هَذَا قولي فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَلَا يسمع قولي أحد بعدِي ثمَّ قَالَ من هَذَا الَّذِي يزْعم أَن عليا كَانَ مقهورا وَأَن النَّبِي
أمره بِأَمْر فَلم ينفذهُ فَكفى بِهَذَا إزراء ومنقصة وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن ولد عبد الله الْمَحْض وَهُوَ السَّيِّد مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية أَنه قَالَ لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ لَهُمَا عِنْدِي أفضلُ من عَليّ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن مُحَمَّد الباقر أَنه قَالَ أجمع بَنو فَاطِمَة على أَن نقُول فِي الشَّيْخَيْنِ أحسنَ مَا يكون من القَوْل(2/390)
وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر أَن رجلا جَاءَ إِلَى أَبِيه زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن أبي بكر فَقَالَ عَن الصّديق فَقَالَ الرجل وتسميه الصّديق فَقَالَ لَهُ ثكلتك أمك وَقد سَمَّاهُ صديقا رَسُول الله
والمهاجرون وَالْأَنْصَار وَمن لم يسمه صديقَاً فَلَا صدق الله قولَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة فَأحب أَبَا بكر وَعمر وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن عُرْوَة عَن عبد الله سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّدًا الباقر عَن حلية السَّيْف فَقَالَ لَا بَأْس بهَا قد حلي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَيْفه قَالَ قلت وَتقول الصّديق قَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق فَمن لم يقل الصّديق فَلَا صدق الله قولَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأخرجه ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة وَزَاد فَوَثَبَ وثبةً واستقبل فَقَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قَالَ مَا أَرْجُو من شَفَاعَة عَليّ شَيْئا إِلَّا وَأَنا أَرْجُو من شَفَاعَة أبي بكر مثله وَلَقَد ولدني مرَّتَيْنِ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن زيد بن عَليّ أَنه قَالَ لمن تَبرأ مِنْهُمَا أعلم وَالله أَن البراءةَ من الشَّيْخَيْنِ البراءةُ من عَليّ فَتقدم أَو تَأَخّر وَمِنْهَا مَا أخرجه الْحَافِظ عمر بن شبة أَن زيدا هَذَا قيل لَهُ إِن أَبَا بكر انتزع من فاطمةَ فَدكَ فَقَالَ إِنَّه كَانَ رحِيما وَكَانَ يكره أَن يُغير شَيْئا تَركه رَسُول الله
فَأَتَتْهُ فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَت لَهُ إِن رَسُول الله
أَعْطَانِي فدك فَقَالَ هَل لَك بَينه فَشهد لَهَا عَليّ وَأم أَيمن فَقَالَ لَهَا فبرجل وَامْرَأَة تستحقينها ثمَّ قَالَ زيد وَالله لَو رَجَعَ الأمرُ فِيهَا إِلَيّ لقضيتُ بِقَضَاء أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا قَالَ انطلقتِ الْخَوَارِج فبرئت مِمَّن دون أبي بكر وَعمر وَلم يستطيعوا أَن يَقُولُوا فيهمَا شَيْئا وانطلقتم أَنْتُم فطفرتم أَي وثبتم فَوق ذَلِك فبرئتم مِنْهُمَا فَمن بَقِي فوَاللَّه مَا بَقِي أحد إِلَّا برئتم مِنْهُ يُخَاطب بذلك الرافضة لما قَالُوا لَهُ ابرأ من الشَّيْخَيْنِ وَنحن نُبَايِعك فَأبى فَقَالوا إِنَّا نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فَمن حِينَئِذٍ سموا الرافضة وسيمت(2/391)
شيعتهُ بالزيدية وَمِنْهَا مَا أخرجه ابْن عَسَاكِر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قلت لمُحَمد ابْن الْحَنَفِيَّة هَل كَانَ أَبُو بكر أولَ الْقَوْم إسلاماً قَالَ لَا قلت فَبِمَ علا أَبُو بكر وَسبق حَتَّى لَا يذكر أحد غير أبي بكر قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ أفضلَهم إسلاماً حِين أسلم حَتَّى لحق بربه وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن سَالم بن أبي حَفْصَة وَهُوَ شيعي لكنه ثِقَة قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن على وجعفر بن مُحَمَّد عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَا يَا سَالم تولهما وابرأ من عدوهما فَإِنَّهُمَا كَانَا إمامَي هدَى وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ قَالَ دخلت على أبي جَعْفَر فَقَالَ وَأرَاهُ قَالَ ذَلِك من أَجلي اللَّهُمَّ إِنِّي أتولى أَبَا بكر وَعمر وأحبهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد
يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ دخلتُ على جَعْفَر بن مُحَمَّد وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحب أَبَا بكر وَعمر وأتولاهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد
وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا قَالَ قَالَ لي يَا سَالم أيسب الرجل جَدَهُ أَبُو بكرٍ جدي لَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد إِن لم أكن أتولاهما وَأَبْرَأ من عدوهما وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا يزْعم أَنَّك تتبرأ من أَبى بكر وَعمر فَقَالَ برىء الله من فلَان إِنِّي لأرجو أَن يَنْفَعنِي الله بِقَرَابَتِي من أبي بكر وَلَقَد مَرضت فأوصيت إِلَى خَالِي عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمِنْهَا مَا أخرجه هُوَ والحافظ عمر بن شبة عَن كثير قلت لأبى جَعْفَر وَمُحَمّد ابْن عَليّ أَخْبرنِي أظَلَمَكم أَبُو بكر وَعمر من حقكم شَيْئا فَقَالَ ومُنزلِ القرآنِ على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيراً مَا ظلمنَا من حَقنا مَا يزن حَبَّة خَرْدَل قَالَ قلت أفأتولاهما جعلني الله فدَاك قَالَ نعم يَا كثير تولهما فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ(2/392)
وَجعل يصك عنق نَفسه وَيَقُول مَا أصابكَ فبعنقي ثمَّ قَالَ برىء الله ورسولهُ من الْمُغيرَة بن سعيد وَأبي زَيْنَب فَإِنَّهُمَا كذبا علينا أهلَ الْبَيْت وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن بسام الصَّيْرَفِي قلت لأبي جَعْفَر مَا تَقول فِي أبي بكر وَعمر فَقَالَ وَالله إِنِّي لأتولاهما وَأَسْتَغْفِر لَهما وَمَا أدْركْت أحدا من أهل بَيْتِي إِلَّا وَهُوَ يتولاهما وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن إِمَام الْمَذْهَب مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن جَعْفَر بن أبي طَالب قَالَ وَليَنا أَبُو بكر خيرُ خَليفَة وأرحَمُه لنا وأحنَاهُ علينا وَفِي رِوَايَة فَمَا وَليَنا أحد من النَّاس مثله وَفِي أُخْرَى فَمَا رَأينَا قطّ مَنْ كَانَ خيرَاً مِنْهُ وَمِنْهَا مَا أخرجه يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا حَدثنِي أَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صدروهم مِّن غِلٍّ} الْحجر 47 نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي قَالَ وَالله فيهم نزلت ففيمن نزلت إِلَّا فيهم قيل فَأَي غل هُوَ قَالَ غل الْجَاهِلِيَّة إِن بني تيم وَبني عدي وَبني هَاشم كَانَ بَينهم شَيْء فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أسلم هَؤلاءِ القومُ تحَابوا فأخذتْ أبَا بكر الخاصرةُ فَجعل عَليّ يسخن يَده ويكمد بهَا خاصرةَ أبي بكر فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن على أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي هَذِه الْبُطُون الثَّلَاثَة تيم وعدي وَبني هَاشم وَقَالَ مِنْهُم أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد الباقر وَأَنه قيل لَهُ هَل كَانَ أحد من أهل الْبَيْت يسب أَبَا بكر وَعمر قَالَ معَاذ الله بل يتولونهما وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهما وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِمَا وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر أَيْضا عَن أَبِيه عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَنه قَالَ لجَماعَة خَاضُوا فِي أبي بكر وَعمر ثمَّ فِي عُثْمَان أَلا تخبروني أَنْتُم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ {الذِينَ أُخْرِجُوأ مِن دِياَرِهِم وَأموَالِهِم يبتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللهِ ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هُمُ الصّاَدِقوُنَ} الْحَشْر 8 قَالُوا لَا / قَالَ فَأنْتم (وَالَّذين تبوءو الدَّارَ وَالإيمانَ مِن قبلِهم يحبِونَ مَن هَاجَرَ إِلَيْهِم وَلَا(2/393)
يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهم) {إِلَى} (المُفلحُونَ} الْحَشْر 9 قَالُوا لَا قَالَ أما أَنْتُم فقد برئتم أَن تَكُونُوا فِي أحد هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ وَأَنا أشهد أَنكُمْ لَسْتُم من {وَالَّذين جَاءُوا مِن بعدهمِ يَقُولونَ رَبًنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الذينَ سَبَقُونَا بالإيمانِ} {إِلَى} (رَءوف رَحيِم} الْحَشْر 10 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْحسن ابْن الْحسن أَخا عبد الله بن الْحسن يَقُول وَالله قد مَرَقَت علينا الرافضة كَمَا مرقت الحرورية عَلَى عَلِيً وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا سَمِعت الْحسن بن الْحسن يَقُول لرجل من الرافضة لَئِن أمكن الله مِنْكُم لنقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف وَلَا نقبل مِنْكُم تَوْبَة وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ ذكر عُثْمَان عِنْد الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَي عَليّ أَتَاكُم الْآن يُخْبِركُمْ عَنهُ إِذْ جَاءَ عَليّ قَالَ الزُّهْرِيّ مَا أَدْرِي أسمعهم يذكرُونَ عُثْمَان أم سَأَلُوهُ عَنهُ فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عُثْمَان من الَّذين {اتقَوا وآمَنُوا ثُمَ اتقوأ وأحسَنُوأ وَالله يُحِبُ المحسنِينَ} الْمَائِدَة 93 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب من طرق قَالَ دخلتُ عَلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أردْت الْحجاز وَإِن النَّاس يَسْأَلُونِي فَمَا تَقول فِي قتل عُثْمَان وَكَانَ عَليّ مُتكئا فَجَلَسَ فَقَالَ يَا بن حَاطِب وَالله إِنِّي لأرجو أَن أكونَ أَنا وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّن غِلٍّ} الْحجر 47 الْآيَة وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ كنت جَالِسا عِنْد مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَذكرُوا عُثْمَان فنهانا مُحَمَّد وَقَالَ كفوا فغدونا يَوْمًا آخر فنلنا مِنْهُ أَكثر مِمَّا كَانَ قبل فَقَالَ ألم أنهكم عَن هَذَا الرجل قَالَ وَابْن عَبَّاس جَالس عِنْده فَقَالَ يَابْنَ عَبَّاس أَتَذكر عَشِيَّة الْجمل وَأَنا عَن يَمِين عَليّ وَفِي يَدي الرَّايَة وَأَنت عَن يسَاره إِذْ سمع هدة فِي المربد فَأرْسل رَسُولا فجَاء الرَّسُول فَقَالَ هَذِه عَائِشَة تلعن قتلةَ عُثْمَان فِي المربد فَرفع عَليّ يَدَيْهِ حَتَّى بلغ(2/394)
بهما وَجهه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَقَالَ أَنا ألعن قتلة عُثْمَان لعنهم الله فِي السهل والجبل قَالَ فَصدقهُ ابْن عَبَّاس ثمَّ أقبل علينا فَقَالَ فيّ وَفِي هَذَا لَكُم شاهدُ عدل وَأخرج عَن مَرْوَان بن الحكم أَنه قَالَ مَا كَانَ أحد أدفعَ عَن عُثْمَان من عَليّ قيل لَهُ فَمَا بالكم تسبونه على المنابر قَالَ إِنَّه لَا يَسْتَقِيم لنا الْأَمر إِلَّا بذلك وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ يأهل الْكُوفَة اتَّقوا الله عز وَجل وَلَا تَقولُوا فِي أبي بكر وَعمر مَا ليسَا لَهُ بِأَهْل وَأخرج أَيْضا عَن جُنْدُب الْأَسدي أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن آتاهُ قوم من أهل الْكُوفَة والجزيرة فَسَأَلُوهُ عَن أبي بكر وَعمر فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ انْظُر إِلى أهل بلدك يَسْأَلُونِي لَهُما عِنْدِي أفضل من عَليّ وَأخرج آدم عَن عبد الله بن الْحسن أَنه قَالَ وَالله لَا يَقبَلُ الله توبةَ عبد تَبرأ مِنْهُمَا وإنهما ليعرضان على قلبِي فأدعو الله عز وَجل لَهما أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله عز وَجل وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي أَن جعفراً الصادقَ أَتَاهُم وهم يُرِيدُونَ أَن يرتحلوا من الْمَدِينَة فَقَالَ إِنَّكُم إِن شَاءَ الله من صالحي مصركم فأبلغوني عني من زعم إِنِّي إِمَام مفترَضُ الطَّاعَة فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيء وَمن زعم إِنِّي بَرِيء من أبي بكر وَعمر فَأَنا مِنْهُ بَرِيء وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِن الخبثاء من أهل الْعرَاق يَزْعمُونَ أَنا نقع فِي أبي بكر وَعمر وهما وَالِدَايَ أَي لِأَن أمه أم فَرْوَة ابنةُ الْقَاسِم الْفَقِيه ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر وأمهما أَسمَاء بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَمن ثمَّ سبق لَهُ قَوْله ولدني أَبُو بكر مرَّتَيْنِ وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر قَالَ من لم يعرف فضلَ أبي بكر وَعمر فقد جهل بِالسنةِ قَالَ بعض الْأَئِمَّة صدق وَالله إِنَّمَا نَشأ من الشِّيعَة والرافضة وَغَيرهمَا مَا نَشأ من الْبدع والضلالات من جهلهم بِالسنةِ وَفِي الطيوريات بِسَنَدِهِ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رجل لعَلي رَضِي الله عَنهُ نسمعك تَقول فِي الْخطْبَة اللَّهُمَّ أَصْلحنَا بِمَا أصلحت بِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين فمَن هم فاغرورقت عَيناهُ فَقَالَ هما حبيبا نبيي أَبُو بكر(2/395)
وَعمر إِمَامًا الْهدى وشيخَا الْإِسْلَام ورَجُلا قُرَيْش المقتدى بهما بعد رَسُول الله
مَنِ اقْتدى بهما عُصِم وَمن اتبع آثارهما هُدِيَ الصراطَ الْمُسْتَقيم وَمن تمسك بهما فَهُوَ من حزب الله قلت وَمِنْهَا مَا رَأَيْته فِي شرح الْمَقَاصِد للعلامة السعد التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله وَنَصه نعم مَا قَالَ الْمَأْمُون العباسي وجدت أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة الزّهْد فِي الْمُعْتَزلَة وَالْكذب فِي الرافضة والمروءة فِي أَصْحَاب الحَدِيث وَحب الرياسة فِي أَصْحَاب الرَّأْي ثمَّ قَالَ أَوْلَاد الوَصيً الموسومون بالدراية المعتصمون بالرواية لم تكن مَعَهم هَذِه التعصبات والأحقاد وَلَا هَذِه البواطن الخبيثة فِي سوء الِاعْتِقَاد وَلم يذكرُوا عَن الصَّحَابَة إِلَّا الكمالات والترضي عَنْهُم والترحم عَلَيْهِم فِي سَائِر الْحَالَات وَلم يسلكوا مَعَ رُؤَسَاء الْمذَاهب من عُلَمَاء الْإِسْلَام إِلَّا طَرِيق الإجلال والإعظام وَهَا هُوَ الإِمَام عَليّ الرضي ابْن الإِمَام مُوسَى الكاظم مَعَ جلالة قدره ونباهة ذكره وَكَمَال علمه وهداه وورعه وتقاه قد كتب على ظهر كتاب عهد الْمَأْمُون لَهُ بالخلافة مَا يُنبئ عَن قبُول عَهده ووفور شكره وحمده والتزام مَا شَرط عَلَيْهِ فَكتب فِي أثْنَاء سطور الْعَهْد تَحت قَول الْمَأْمُون وسميته الرضي رَضِي الله تَعَالَى عَنْك وأرضاك وَتَحْت قَوْله وَتَكون لَهُ الإمرة الْكُبْرَى بعدِي بل جُعلتُ فدَاك وَفِي مَوضِع آخر وصلتك رحم وجزيت خيرا قَالَ وَهَذَا الْعَهْد بخطهما مَوْجُود إِلَى الْآن فِي المشهد الرضوي بخراسان وآحادُ الشيعةِ فِي هَذَا الزَّمَان لَا يسمحون بالترضي عَن كبار الصَّحَابَة فضلا عَن بني الْعَبَّاس فقد رَضوا مِنْهُم رَأْسا بِرَأْس وَمن الْبَين الْوَاضِح فِيمَا أوردنا هَذِه الرِّوَايَات فِي شَأْنه مَا كتبه أميرُ الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب قد جعلتُ هَكَذَا لآل بني كاكلة على كَافَّة بَيت مَال الْمُسلمين كل عَام مِائَتي مِثْقَال ذَهَبا عينا إبريزاً كتبه عمر بن الْخطاب فَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ {للهِ الْأَمر من قبل وَمن بعد ويَومَئِذٍ يفرح المُؤمنونَ بِنَصر الله} الرّوم 4 أَنا أول من اتبع أمرَ من أعز الْإِسْلَام وَنصر الدّين وَالْأَحْكَام ورسمتُ بِمثل مَا رسم لآل بني كاكلة فِي كل عَام مِائَتي مِثْقَال ذَهَبا عينا إبريزا واتبعث أَثَره وَجعلت لَهُم مثل مَا رسم عمر إِذْ(2/396)
وَجب عَليّ وعَلى جَمِيع الْمُسلمين اتِّبَاع ذَلِك كتبه عَليّ بن أبي طَالب وَهَذَا بخطهما مَوْجُود الْآن فِي ديار الْعرَاق فَهَذِهِ أقاويل الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الْبَيْت رَوَاهَا عَنْهُم الأئمةُ الحفاظُ الَّذين عَلَيْهِم المعوّل فِي معرفَة الحَدِيث والْآثَار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم الْمُتَّصِلَة فَكيف يسع المتمسكَ بِحَبل أهل الْبَيْت الزاعمَ حبهم أَن يعدل عَمَّا قَالُوهُ من تَعْظِيم أبي بكر وَعمر واعتقادهم خِلَافَتهمَا وَمَا كَانَا عَلَيْهِ وَقد صَرَّحُوا بتكذيب من نقل عَنْهُم خِلَافه وَمَعَ ذَلِك ينْسب إِلَيْهِم مَا تبرءوا مِنْهُ ورأوه ذماً فِي حَقهم حَتَّى قَالَ الإِمَام زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم يأيها النَّاس أحبونا حب الْإِسْلَام فوَاللَّه مَا برح بِنَا حبكم حَتَّى صَار علينا عاراً وَفِي رِوَايَة حَتَّى بغضتمونا إِلَى النَّاس أَي بِسَبَب مَا نسبوه إِلَيْهِم مِمَّا هم برَاء مِنْهُ فلعن الله مَنْ كَذَبَ على هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَرَمَاهُمْ بالزور والبهتان
(أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رَضِي الله عَنهُ)
اعْلَم أَن الَّذِي أطبق عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأمة واْجمع عَلَيْهِ عُظَمَاء الْأَئِمَّة أَن أفضل هَذِه الْأمة أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر ثمَّ اخْتلفُوا فالأكثرون على أَن الْأَفْضَل عُثْمَان ثمَّ عَليّ وَهُوَ الْمَشْهُور عَن الإِمَام مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجزم الْكُوفِيُّونَ وَمِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ بتفضيل عَليّ على عُثْمَان وَقيل بِالْوَقْفِ عِنْد التَّفَاضُل بَينهمَا وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك فقد حكى أَبُو عبد الله الْمَازِني عَن الْمُدَوَّنَة أَن مَالِكًا سُئِلَ أَي النَّاس أفضل بعد نَبِيّهم فَقَالَ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ قَالَ أَو فِي ذَلِك شكّ فَقيل وَعلي وَعُثْمَان فَقَالَ مَا أدْركْت أحدا ممَنْ يُقْتدي بِهِ يفضل أَحدهمَا على الآخر وَمَال إِلَى الْوَقْف إمامُ الْحَرَمَيْنِ عبد الْملك بن أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فَقَالَ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالإرشاد مَا نَصه لم يقم عندنَا دَلِيل قَاطع على تَفْضِيل بعض الْأَئِمَّة على بعض إِذْ الْعقل لَا يشْهد على ذَلِك وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي فضائلهم متعارضة وَلَا يُمكن تَلَقي التَّفْضِيل من مَنعِ إمامةِ المفضولِ وَلَكِن الغالبَ على الظَّن أَن أَبَا بكر أفضل الْخَلَائق بعد رَسُول الله
ثمَّ عمر أفضلهم بعده وتتعارض الظنون(2/397)
فِي عُثْمَان وَعلي انْتهى وَنقل الوقفَ ابنُ عبد الْبر عَن جمَاعَة من السّلف وَيحيى الْقطَّان وَابْن معِين وَأما حِكَايَة أبي مَنْصُور الإجماعَ على أَفضَلِيَّة عُثْمَان عَلَى عَلِي فمدخولة وَإِن نقل ذَلِك عَنهُ بعضُ الْحفاظ لما بَيناهُ من الْخلاف ثمَّ الَّذِي مَال إِلَيْهِ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِمَام الأشاعرة أَن تفضيلَ أبي بكر على من بعده قَطْعِيّ وَخَالفهُ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني فَقَالَ إِنَّه ظَنِّي وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي إرشاده وَجزم بِهِ صَاحب الْمُفْهم فِي شرح مُسلم وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب ذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ لَو أَن رجلا قَالَ عَليّ عِنْدِي أفضل من أبي بكر وَعمر لم أعنفه إِذا ذكر فضل الشَّيْخَيْنِ وأحبهما وَأثْنى عَلَيْهِمَا بِمَا هما لَهُ أهل فذكرتُ ذَلِك لوكيع فأعجبه واشتهاه انْتهى وَلَيْسَ ملحظُ عدمِ تعنيفهِ قَائِل ذَلِك إِلَّا أَن التفضيلَ المذكورَ ظَنِّي لَا قَطْعِيّ فَإِن قلت قد نقل ابْن عبد الْبر أَن السّلف اخْتلفُوا فِي تَفْضِيل أبي بكر على عَلِي فقد رُوِيَ عَن سلمَان وَأبي ذَر والمقداد بن عبمرو وخباب بن الْأَرَت وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَزيد بن أَرقم وعمار بن يَاسر أَن عليا أول من أسلم وفضله هَؤُلَاءِ على غَيره فَكيف يَصح الْإِجْمَاع مَعَ خلاف هَؤُلَاءِ وهم من أَعْيَان الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ قيل فِي جَوَاب ذَلِك أما عَن الأول وَهُوَ قَوْله إِن السّلف اخْتلفُوا فبأن الْأَئِمَّة إِنَّمَا أَعرضُوا عَن هَذِه الْمقَالة يعْنى قَوْله اخْتلفُوا لشذوذها ذَهَابًا إِلَى أَن شذوذ الْمُخَالف لَا يقْدَح فِيهِ أَو رَأَوْا أَنَّهَا حَادِثَة بعد انْعِقَاد الْإِجْمَاع فَكَانَت تِلْكَ المقالةُ فِي حيّز الطرح وَالرَّدّ وَأما عَن الثَّانِي فَلَا يَقْتَضِي من تَفْضِيلهمْ عليا أَنهم قَائِلُونَ بأفضليته على أبي بكر مُطلقًا بل إِمَّا من حَيْثُ تقدمه عَلَيْهِ إسلاماً بِنَاء على القَوْل بذلك أَو مُرَادهم بتفضيل عَليّ عَلَى غَيره من عدا الشَّيْخَيْنِ لقِيَام الْأَدِلَّة الصَّرِيحَة الصَّحِيحَة على أفضليتهما على من عداهما فَإِن قلت مَا مُسْتَند الْإِجْمَاع على أَفضَلِيَّة أبي بكر عَلَى عَليّ فَان كَانَت من أَدِلَّة(2/398)
الْكتاب أَو السّنة فقد قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وناهيك بِهِ علما وزهداً وورعاً وديناً لم يرد فِي حق أحدٍ من الْآيَات وَالْأَحَادِيث مَا ورد فِي حق عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِن كَانَت من غَيرهمَا من الْأَشْيَاء الَّتِي يسْتَحق بهَا أَصْحَاب رَسُول الله
الْفضل فقد قَالَ الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن على المَسْعُودِيّ مُبينًا لذَلِك بقوله الْأَشْيَاء الَّتِي يسْتَحق بهَا أَصْحَاب رَسُول الله
الْفضل هِيَ السَّبق إِلَى الْإِيمَان وَالْهجْرَة والنصرة لرَسُول الله
والقربى مِنْهُ والقناعة وبذل النَّفس لَهُ وَالْعلم بِالْكتاب والتنزيل وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله والورع والزهد وَالْقَضَاء والحلم وَالْفِقْه وَالْعلم وكل ذَلِك فلعلي مِنْهُ النَّصِيب الْأَكْبَر والحظ الأوفر إِلَى مَا انْفَرد بِهِ من قَوْله أَنْت أخي وَهُوَ
لَا ضد لَهُ وَلَا ند وَقَوله أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى وَقَوله من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ وَقَوله فِي حَدِيث الطَّائِر اللَّهُمَّ أَدخل إِلَيّ أحب خلقك إِلَيْك يَأْكُل معي من هَذَا الطَّائِر فَدخل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَهَذَا وَغَيره من فضائله وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْخِصَال مِمَّا تفرق فِي غَيره قلت قد صَرَّحُوا بِأَن الْإِجْمَاع حجَّة على كل أحد وَإِن لم يعرف مُسْتَنده لِأَن الله عصم هَذِه الْأمة من أَن تَجْتَمِع على ضَلَالَة وَيدل على ذَلِك بل يُصَرح بِهِ قولهُ تَعَالَى {وَمَن يشاقِقِ الرَسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَين لَهُ الهُدَى وَيَتبع غيرَ سَبِيلِ المُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وسَاءَت مَصِيراً} النِّسَاء 115 على أَنا نقُول كَثْرَة وُرُود الْآيَات وَالْأَحَادِيث لَا يسْتَلْزم أفضليةَ من وَردت فِي حَقه على من ورد دونهَا فِي حَقه إِذْ قد تكون الْآيَة الْوَاحِدَة والْحَدِيث الْوَاحِد(2/399)
يدلان على مجامعِ فضائلَ ومزايا مناقبَ لَا تدل عَلَيْهَا آيَات كَثِيرَة وَأَحَادِيث كَذَلِك فَلَا شَاهد لكم فِي قَول الإِمَام أَحْمد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَحَدِيث مَا فَضلكُمْ أَبُو بكر بِصَلَاة وَلَا وَلَا إِنَّمَا فَضلكُمْ بِشَيْء وقر فِي صَدره وأمثال هَذَا الحَدِيث يرد تنميقاتِ المَسْعُودِيّ وتصنيفاته وَالْحق أَن فِي كَون الْإِجْمَاع حجَّة قَطْعِيَّة خلافًا فالذى عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنه حجَّة قَطْعِيَّة مُطلقًا فَيقدم على الْآحَاد كلهَا وَلَا يُعَارضهُ دليلٌ أصلا وَيكفر أَو يبدعُ ويضلِّل مخالفُه وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ والآمدي إِنَّه ظَنِّي مُطلقًا وَالْحق فِي ذَلِك التَّفْصِيل فَمَا اتّفق عَلَيْهِ المعتبرون حجَّة قَطْعِيَّة وَمَا اخْتلفُوا فِيهِ كالإجماع السكوتي وَالْإِجْمَاع الَّذِي ندر مخالفه فَهُوَ ظَنِّي وَقد علمت بِمَا قَرّرته لَك أَن لهَذَا الْإِجْمَاع مُخَالفا نَادرا وهم الْجَمَاعَة المذكورون سلمَان وَمن بعده فَهُوَ وَإِن لم يعْتد بِهِ فِي الْإِجْمَاع لكنه يورثه انحطاطاً عَن الْإِجْمَاع الَّذِي لَا مُخَالف لَهُ فَالْأول ظَنِّي وَهَذَا قَطْعِيّ وَكَانَ الْأَشْعَرِيّ من الْأَكْثَرين الْقَائِلين بِأَنَّهُ قَطْعِيّ مُطلقًا كَمَا تقدم ذَلِك عَنهُ وَمِمَّا يُؤَيّد أَنه ظَنِّي أَن المجمعينَ أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية الْمَذْكُورَة وَإِنَّمَا ظنوها فَقَط كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من عباراتهم وإشاراتهم وَسبب ذَلِك أَن الْمَسْأَلَة اجتهادية وَقد وَردت فِي أبي بكر وَعلي نُصُوص ظَاهِرَة فِي تَفْضِيل كل وَهِي لَا تفِيد الْقطع لِأَن غالبها فِي المحلين آحادْ والآحاد ظنية الدّلَالَة فَكيف تفِيد الْقطع وَلَيْسَ الاختصاصُ بكثرةِ أَسبَاب الثَّوَاب مُوجبا الزيادةَ المستلزمةَ للأفضلية قطعا بل ظنا لِأَنَّهُ تفضُّلٌ من الله تَعَالَى وثبوتُ الْإِمَامَة لأبي بكر وحقيتها وَإِن كَانَ قَطْعِيا للْإِجْمَاع عَلَيْهَا لَا يُفِيد الْقطع بأفضليته على عَليّ بل غَايَته الظَّن كَيفَ وَلَا قَاطع على بطلَان إِمَامَة المفضولِ مَعَ وجود الْفَاضِل بل صِحَّتهَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لكننا وجدنَا السّلف فضلوهما على من عداهما وَحسن ظننا بهم قاضٍ بِأَنَّهُم(2/400)
لَو لم يطلعوا على دَلِيل فِي ذَلِك لما أطبقوا عَلَيْهِ فلزمنا اتباعهم فِيهِ ظنا وتفويض مَا هُوَ الْحق فِيهِ يَقِينا إِلَى الله تَعَالَى بل وجدنَا أَنه ورد عَن على نَفسه أَن أَبَا بكر أفضل الْأمة قَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ وَقد تَوَاتر عَنهُ ذَلِك فِي خِلَافَته وكرس مَمْلَكَته وَبَين الجم الْغَفِير ثمَّ بسط الْأَسَانِيد الصَّحِيحَة فِي ذَلِك قَالَ وَرَوَاهُ عَن عليّ نَيف وَثَمَانُونَ نفسا وعَددَ مِنْهُم جمَاعَة ثمَّ قَالَ فقبح الله الرافضة مَا أجهلهم وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَا أجد أحدا فضلني على أبي بكر وَعمر إِلَّا حددته حدَّ المفتري وَصَحَّ عَن مَالك عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه الباقر أَن عليا وقف على عمر بن الْخطاب وَهُوَ مسجى بعد مَوته فَقَالَ مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء أحدا أحب إِلَيّ أَن ألْقى الله بصحيفتِه مِنْ هَذَا المسجى ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْك يَا عمر ودعا لَهُ وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَبَا جُحَيْفَة كَانَ يرى أَن عليا أفضل الْأمة فَسمع أَقْوَامًا يخالفونه فَحزن حزنا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ عَليّ بعد أَن أَخذه بِيَدِهِ مَا أحزنك يَا أَبَا جُحَيْفَة فَذكر لَهُ الْخَبَر فَقَالَ لَهُ إِلَّا أخْبرك بِخَير الْأمة خَيرهَا أَبُو بكر وَعمر قَالَ أَبُو جُحَيْفَة فأعطيتُ الله عهدا أَلا أكتم هَذَا الحديثَ بعد أَن شافهني بِهِ عَليّ مَا بقيت وَقَول الشِّيعَة والرافضة إِنَّمَا ذكر ذَلِك عَلِيٌّ تِقَيَّة كذبٌ وافتراء على الله إِذْ كَيفَ يَتَوهم ذَلِك مَنْ لَهُ أدنى عقل أَو فهم مَعَ ذكره لَهُ فِي زمن خِلَافَته على مِنْبَر الْكُوفَة وَهُوَ لم يدخلهَا إِلَّا بعد فَرَاغه من حَرْب أهل الْبَصْرَة وَذَلِكَ أقوى مَا كَانَ أمرا وأنفذ أحكاماً وَذَلِكَ بعد مُدَّة مديدة من موت أبي بكر وَعمر فَكيف يتعقل وُقُوع مثل(2/401)
هَذِه التقية المشئومة عَلَيْهِم الَّتِي أفسدوا بهَا غَالب عقائد أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ لإظهارهم لَهُم كمالَ الْمحبَّة والتعظيم فمالوا إِلَى تقليدهم حَتَّى قَالَ بَعضهم من أعز الْأَشْيَاء فِي الدُّنْيَا شرِيف سني فَلَقَد عظمت مُصِيبَة أهل الْبَيْت بهؤلاء الفَسَدَة الأراذل وَمَا أحسن مَا أبطل بِهِ الباقر هَذِه التقية المشئومة لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ إِنِّي أتولاهما فَقيل لَهُ إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَن ذَلِك مِنْك تقية فَقَالَ إِنَّمَا نَخَاف الْأَحْيَاء لَا نَخَاف الْأَمْوَات فعل الله بِهِشَام بن عبد الْملك كَذَا وَكَذَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره فَانْظُر مَا أبين هَذَا الِاحْتِجَاج وأوضحه فقد صرح لَهُ بِبُطْلَان تِلْكَ التقية المشئومة عَلَيْهِم وَاسْتدلَّ لَهُم على ذَلِك بِأَن اتقاء الشَّيْخَيْنِ بعد مَوْتهمَا لَا وَجه لَهُ إِذْ لَا سطوةَ لَهما حِينَئِذٍ ثمَّ بَين لَهُم بدعائه على هِشَام بن عبد الْملك الَّذِي هُوَ وَالِي زَمَنه وشوكتُه قَائِمَة أَنه إِذْ لم يتقه مَعَ أَنه يُخاًف ويُخشَى لسطوته وَملكه وقوته وقهره فَكيف مَعَ ذَلِك يَتَّقِي الأمواتَ الَّذين لَا شَوْكَة لَهُم وَلَا سطوة
وَإِذا كَانَ هَذَا حالُ الباقر فَمَا ظَنك بِحَال عَليّ الَّذِي هُوَ أعظم إقداماً وشجاعة وشدةَ بَأْس وَكَثْرَة عَدَدٍ وعُدَدٍ وَأَنه لَا يخَاف فِي الله لومة لائم مَعَ ذَلِك فقد صَحَّ بل تَوَاتر عَنهُ مَا مر من مدح الشَّيْخَيْنِ وَالثنَاء عَلَيْهِمَا وأنهما أفضل الْأمة وَمر أَيْضا الأثرُ الصحيحُ عَن مَالك عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه الباقر أَن عليا وقف على عمر وَهُوَ مسجى بِثَوْبِهِ فَقَالَ مَا تقدم فَمَا أحْوج عليا أَن يَقُول ذَلِك تقية وَمَا أحْوج الباقر أَن يرويهِ لِابْنِهِ الصَّادِق تقية وَمَا أحْوج الصَّادِق أَن يرويهِ لمَالِك تقية فَكيف يَسَعُ العاقلَ أَن يتْرك مثلَ هَذَا الْإِسْنَاد الصَّحِيح ويحمله على التقية المنقوضِ أساسُها المنكوث أمراسُها وَمَا أحسن مَا سلكه بعض الشِّيعَة المنصفين كَعبد الرَّزَّاق فَإِنَّهُ قَالَ أفضل الشَّيْخَيْنِ بتفضيل عَليّ إيَّاهُمَا على نَفسه وَإِلَّا لما فضلتهما عَلَيْهِ كفى بِي زوراً أَن أحبه ثمَّ أخالفه وَمِمَّا يكذبهم فِي دَعْوَى التقية المشئومة عَلَيْهِم مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب قَالَ لعَلي بِأَعْلَى صَوته لما بَايع النَّاس أَبَا بكر غَلَبَكُمْ على هَذَا الْأَمر أذلّ بَيت فِي قُرَيْش يَعْنِي قَبيلَة أبي بكر وَهِي تيم فَإِنَّهَا أَضْعَف قَبيلَة فِي قُرَيْش وَإِنَّمَا عزت بِكَوْن أبي بكر وَطَلْحَة مِنْهَا أما وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْهِ خيلاً(2/402)
ورَجِلاً إِن شِئْت فَقَالَ لَهُ عَليّ لَا يَا عَدو الْإِسْلَام وَأَهله فَمَا ضرّ ذَلِك الإسلامَ وأهلَهُ إِذا تقرر هَذَا فَالْوَاجِب على كل مُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله عُمُوما وعَلى أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ خُصُوصا اتِّبَاع سلفهم فِي ذَلِك والإعراض عَمَّا يرشد إِلَيْهِ الروافض من قَبِيح الْجَهْل والعناد وَالْخَطَأ الَّذِي يكون لَهُم أوخمُ زَاد يَوْم الْمعَاد فالحذرَ الحذرَ مِمَّا يُلقونه من أَن مَنِ اعْتقد تَفْضِيل أبي بكر على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ كَافِرًا لِأَن مُرَادهم بذلك أَن يقرروا عِنْد من يلقون إِلَيْهِ تكفيرَ الْأمة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ومَن بعدهمْ من أَئِمَّة الدّين وعلماء الشَّرِيعَة وعوامهم وَأَنه لَا مؤمنَ غَيرهم وَهَذَا وَالْعِيَاذ بِاللَّه يُؤَدِّي إِلَى هدم قَوَاعِد الشَّرِيعَة من أَصْلهَا وإلغاء الْعَمَل بكتب السّنة وَبِمَا جَاءَ عَن النَّبِي
وَعَن أهل بَيته وصحابته إِذْ الرَّاوِي لجَمِيع آثاره وأخباره بأسرها بل والناقلُ لِلْقُرْآنِ فِي كل عصر من عصر النَّبِي
وهلم جرا الصحابةُ والتابعون وعلماء الدّين إِذْ لَيْسَ لنحوِ الرافضي رِوَايَة وَلَا دراية يدورن بهَا فروع الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا غَايَة أَمرهم أَن يَقع فِي خلال بعض الْأَسَانِيد من هُوَ رَافِضِي وَالْكَلَام فِي قبُوله مَعْرُوف عِنْد أَئِمَّة الْأَثر ونقاد الحَدِيث فَإِذا قَدَحُوا فيهم قَدَحُوا فِي الْكتاب وَالسّنة وأبطلوا الشَّرِيعَة رَأْسا وَصَارَ الْأَمر كَمَا فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء فلعنة الله وأليمُ عقابِه وعظيمُ نقمته عَلَى من يفتري على الله وعَلى نبيه بِمَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال مِلَّته وَهدم شَرِيعَته وَكَيف يسع الْعَاقِل أَن يعْتَقد كفرَ السوَاد الْأَعْظَم من أمة مُحَمَّد
من غير مُوجب للتكفير مَعَ إقرارهم بِالشَّهَادَتَيْنِ وقبولهم لشريعة نَبِيّهم وهب أَن عليا أفضلُ من أبي بكر فِي نفس الْأَمر أَلَيْسَ الْقَائِلُونَ بأفضلية أبي بكر معذورين لأَنهم إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك لأدلة صرحت بِهِ وهم مجتهدون والمجتهد إِذا أَخطَأ فَلهُ أجر فَكيف يُقَال حِينَئِذٍ بالتكفير وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بإنكار مجمعٍ عَلَيْهِ مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ عناداً كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة وَأما مَا يحْتَاج إِلَى نظر واستدلال فَلَا كفر بإنكاره وَانْظُر إِلَى إنصافنا معشر أهل السّنة فإننا لم نكفر الْقَائِلين بأفضلية عَليّ عَلَى أبي بكر وَإِن كَانَ ذَلِك عندنَا خلافَ مَا أجمعنا عَلَيْهِ فِي كل عصر منا إِلَى النَّبِي(2/403)
بل أَقَمْنَا لَهُم الْعذر الْمَانِع من التَّكْفِير ومَن كفرهم فلأمور أخر من قبائحهم انضمت إِلَى ذَلِك فالحذر الحذر من اعْتِقَاد كفر من قلبه مَمْلُوء بِالْإِيمَان بِغَيْر مقتضٍ تقليداً للجهال الضلال الغلاة الغواة وتأملْ مَا صَحَّ وَثَبت عَن عَليّ وَأهل بَيته من تصريحهم بتفضيل الشَّيْخَيْنِ عَلَى عَليّ خلافًا لهَؤُلَاء الطَّائِفَة الحمقاء وَإِن حمل عَليّ التقية الْبَاطِلَة المشئومة عَلَيْهِم فَلَا أقل من أَن يكون عذرا لأهل السنهَ فِي اتباعهم لعليّ وَأهل بَيته فِيمَا نقل عَنْهُم فَإِنَّهُم لم يكشفوا عَن قلب عَليّ حَتَّى يعلمُوا أَن ذَلِك مِنْهُ تقية بل قَرَائِن أحوالِه وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من الشجَاعَة والإقدام وَأَنه لَا يهاب أحدا وَلَا يخْشَى فِي الله لومة لائم إِذْ قد استفاض عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ لَا يُبَالِي بأحدٍ حَتَّى قيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا نفر النَّاس عَن عَليّ إِلَّا أَنه كَانَ لَا يُبَالِي بِأحد فَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنَّه كَانَ زاهداً والزاهد لَا يُبَالِي بالدنيا وَأَهْلهَا وَكَانَ عَالما والعالمُ لَا يُبَالِي بِأحد شجاعاً والشجاع لَا يُبَالِي بِأحد وشريفاً والشريف لَا يُبَالِي بِأحد أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَهِي أَدِلَّة قَاطِعَة بِعَدَمِ التقية فَلَا أقل أَن يجْعَلُوا ذَلِك مِنْهُ شُبْهَة لأهل السّنة مَانِعَة من اعْتِقَادهم كفرَهم سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم قلت هَاهُنَا وَاقعَة عَجِيبَة وَآيَة باهرة وكائنة غَرِيبَة وكرامة ظَاهِرَة ذكرهَا الشَّيْخ الْأُسْتَاذ الإِمَام الْعَارِف قدوة الْمُحَقِّقين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى مِصْبَاح الظلام فِي المستغيث بِسَيِّد الْأَنَام فِي الْيَقَظَة والمنام قَالَ أخبرنَا الشَّيْخَانِ الإمامان الْحَافِظ زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْمُنْذِرِيّ إِذْنا ورشيد الدّين أَبُو الْحُسَيْن يحيى بن عَليّ الْقرشِي سَمَاعا قَالَا أَنبأَنَا القَاضِي الْفَقِيه المكين جمال الدّين أَبُو طَالب أَحْمد ابْن القَاضِي المكين أبي الْفضل عبد الله بن أبي عَليّ الْحُسَيْن بن حَدِيد الْكِنَانِي سَمَاعا أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم السلَفِي أَنبأَنَا الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار بانتحالي عَلَيْهِ أَنبأَنَا عبد الْعَزِيز أَنبأَنَا أَبُو بكر الْمُفِيد حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْأَعْلَى الأجيادي حَدثنِي صَالح بن عبد الله الْقرشِي حَدثنِي عبيد الله بن سُلَيْمَان عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ كنت أخرج إِلَى(2/404)
الْجَبانَة وأصلي على الْجَنَائِز إِلَى أَن أيأس من مَجِيء الْجَنَائِز فَأدْخل فَخرجت ذاتَ يَوْم فلقيتُ رجلَيْنِ قد تواثبا وَعَلَيْهِمَا ثِيَاب صوف وَقد أدْمى أَحدهمَا صَاحبه فَدخلت لأفرق بَينهمَا وَقلت أرى ثبابكما ثيابَ الأخيار وفعالكما فعال الأشرار فَقَالَ لي الَّذِي أدْمى صَاحبه دَعْنِي مَا تَدْرِي مَا يَقُول قلت مَا يَقُول قَالَ يَقُول خير النَّاس بعد رَسُول الله
عَليّ بن أبي طَالب وَإِن أَبَا بكر وَعمر كفرا بعد إسلامهما فارتدا عَن الْإِسْلَام وقاتلا الْمُسلمين ويكذبُ الْقدر وَيرى رأىَ الْخَوَارِج ويبتدع فِي الدّين فَقلت لَهُ هَكَذَا تَقول قَالَ نعم فَقلت لصَاحبه دَعه فَإِن لَك وَله رَباً بالمرصاد فَقَالَ لَا أَدَعهُ أَو يحكم الله بني وَبَينه فَقلت بِمَاذَا وَقد مَاتَ النَّبِي
وَانْقطع الْوَحْي فَنظر إِلَى أتون بحذائه وَقد أوقده صَاحبه وَيُرِيد أَن يطبق عَلَيْهِ فَقَالَ لي ندخل جَمِيعًا إِلَى هَذَا الأتون فَمن كَانَ منا على حق نجا وَمن كَانَ على بَاطِل احْتَرَقَ فَقلت للْآخر أتفعل ذَلِك قَالَ نعم فَتَقَدما إِلَى صَاحب الأتون متلببين وَقَالا لَا تطبق الْبَاب فَإنَّا نُرِيد أَن ندخله فمنعهما فَقَالَا لَا بُد لنا أَن ندخله فَقَالَ مَا شأنكما وَمَا الَّذِي حملكما على هَذَا فحدثاه بالقصة فناشدهما الله أَلا يفعلا فأبيا فَقَالَ السّني للبدعي أتتقدم أَو أتقدم فَقَالَ لَهُ البدعي بل تقدم أَنْت فَتقدم السّني فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَن ديني واعتقادي أَن خير النَّاس بعد رَسُولك أَبُو بكر الصّديق الَّذِي نصر رَسُولك وواساه بِنَفسِهِ وَمَاله حَيْثُ كَانَ أول من أسلم ووازره على أمره وآمن بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ حَيْثُ لَيْسَ أحد غَيره {ثَانِي اثنينِ إِذ هُما فِي الغارِ} التَّوْبَة 40 فَذكر من فضائله ثمَّ عمر بن الْخطاب الَّذِي أعززت بِهِ الْإِسْلَام وَفرقت بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان زوج ابْنَتي رَسُولك
الَّذِي جهز جَيش الْعسرَة وَقَامَ بِأَمْر النَّبِي
فِي نوائبه وَذكر فضائله ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَم رَسُولك وَزوج ابْنَته فَاطِمَة الزهراء أعز الْخلق وَأَبُو ولديه الْحسن وَالْحُسَيْن وَكَاشف الكروب عَن وَجه رَسُولك وَذكر فضائله وَإِنِّي أُؤْمِن بِالْقدرِ خَيره وشره وَبِمَا آمن بِهِ رَسُولك وَمَا نهى عَنهُ وَلَا أرى رَأْي الْخَوَارِج وَأُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ والنشور وَأَنَّك الْحق الْمُبين لَيْسَ كمثلك شَيْء وَإنَّك تبْعَث من فِي الْقُبُور وأتبع وَلَا أبتدع ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا ديني واعتقادي فَإِن كنتُ على الْحق فبرد عليّ(2/405)
هَذِه النَّار كَمَا بردتها إِلَى إِبْرَاهِيم واصرف عني حرهَا ولهبها وأذاها بحولك وقوتك فَإِنِّي إِنَّمَا أفعل هَذَا غيرةَ لدينك وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُولك وَأُؤْمِنُ بِاللَّه ثمَّ دخل الأتون وَتقدم البدعي فَحَمدَ الله مثل حَمده ثمَّ قَالَ الَّذِي أدين بِهِ أَن خير النَّاس بعد رَسُول الله
عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ ذكر من فضائله مثل مَا ذكر السّني وَلَا أعرف لأحد غَيره حَقًا لِأَن أَبَا بكر كفر بعد إِسْلَامه وَقَاتل الْمُسلمين وارتد عَن الدّين وَكَذَلِكَ عمر ثمَّ ذكر مَا يذهب إِلَيْهِ من الْبِدْعَة ويكذب بِهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا ديني واعتقادي وَقَالَ كَمَا قَالَ صَاحبه وَدخل فأطبق صَاحب الأتون عَلَيْهِمَا وَانْصَرف على أَنَّهُمَا محترقان قد جنيا على أَنفسهمَا وبقيتُ وحدي لَا أُرِيد الانصرافَ حَتَّى يتَبَيَّن لي أَمرهمَا فَلم أزل أنتقل من فَيْء إِلَى فَيْء وعيني إِلَى الأتون حَتَّى زَالَت الشَّمْس فَسقط الطابق وَخَرَجَ عَليّ السّني وجبينه يعرق فَقُمْت إِلَيْهِ وَقبلت وَجهه وَقلت لَهُ كَيفَ كنت فَقَالَ بِخَير أدخلت إِلَى مجْلِس مفروش بأنواع الْفرش وَفِيه أَنْوَاع الرياحين والخدم فنومت على الْفراش إِلَى السَّاعَة ثمَّ جَاءَنِي جاءِ فَقَالَ قُم فقد حَان لَك أَن تخرج من هَاهُنَا وَقت الصَّلَاة قُم فصل فَخرجت قَالَ فَسَأَلته عَن غَرِيمه فَقَالَ مَا أعلم حَاله ووجهنا خلف صَاحب الأتون فجَاء وَمَعَهُ حَدِيدَة فَلم يزل يَطْلُبهُ بهَا حَتَّى وَقعت فِي مَوضِع من بدنه فجره وَأخرجه وَقد صَار حممة إِلَّا جَبهته فَإِنَّهَا بلونها الْأَصْلِيّ عَلَيْهَا سطران مكتوبان يقرؤهما الصَّادِر والوارد هَذَا عبد طَغى وبغى وَكفر بِأبي بكر وَعمر آيس من رَحْمَة الله فأغلق النَّاس دكاكينهم ثَلَاثَة أَيَّام لم يفتحوها يتناوبونه فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ويسمعون من السّني حَدِيثه وَتَابَ من كَانَ يشْتم أَبَا بكر وَعمر هُنَالك وَكَانُوا نَحْو أَرْبَعَة آلَاف نفس انْتهى اللَّهُمَّ ارْض عَنْهُم وعنا بهم وَلَا تجْعَل لأحد مِنْهُم فِي عنقنا ظلامة بجودك وكرمك تَنْبِيه حكى الْخطابِيّ عَن بعض مشايخه أَنه كَانَ يَقُول أَبُو بكر خير من عَليّ وَعلي أفضل من أبي بكر فَقَالَ بعض الْعلمَاء إِن هَذَا تهافت من القَوْل لِأَنَّهُ لَا معنى للخيرية إِلَّا الْأَفْضَلِيَّة فَإِن أُرِيد أَن خيرته أبي بكر من وَجه وأفضلية عَليّ من وَجه لم يكن ذَلِك من مَحل الْخلاف وَلم يكن الْأَمر فِي ذَلِك خَاصّا بِأبي بكر وَعلي بل أَبُو بكر وَأَبُو عُبَيْدَة مثلا يُقَال فيهمَا ذَلِك فَإِن الْأَمَانَة الَّتِي فِي أبي عُبَيْدَة خصّه(2/406)
رَسُول الله
بهَا بقوله أَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة وَلم يخص أَبَا بكر بِمِثْلِهَا فَيكون أَبُو عُبَيْدَة خيرا من أبي بكر فِيهَا فَحسب وَمن جِهَتهَا فَقَط لما تقرر فِي الْأُصُول أَن الْمَفْضُول قد تُوجد فِيهِ مزايا لَا تُوجد فِي الْفَاضِل فَلَا يكون وجودهَا مقتضياً لتفضيله على الْفَاضِل عَلَيْهِ بل وَلَا مساواته فَإِن أَرَادَ شيخ الْخطابِيّ أَن أَبَا بكر أفضل مُطلقًا إِلَّا أَن عليا وجدت فِيهِ مزايا لم تُوجد فِي أبي بكر مثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقضاكم عَليّ فَكَلَامه صَحِيح وَإِلَّا فَكَلَامه فِي غَايَة التهافت والسقوط خلافًا لمن انتصر لَهُ وَوَجهه بِمَا لَا يجدي بل لَا يفهم وَقد سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام الإِمَام أَبُو زرْعَة الْعِرَاقِيّ عَمَّن اعتقدِ فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة على التَّرْتِيب الْمَعْلُوم وَلكنه أحب أحدهم أَكثر هَل يَأْثَم أم لَا فَأجَاب بِأَن الْمحبَّة قد تكون لأمر ديني وَقد تكون لأمر دُنْيَوِيّ فالمحبة الدِّينِيَّة لَازِمَة للأفضلية فَمن كَانَ أفضل كَانَت محبتنا الدِّينِيَّة لَهُ أَكثر فَمَتَى اعتقدنا فِي وَاحِد مِنْهُم أَنه أفضل ثمَّ أحببنا غَيره من جِهَة الدّين أَكثر كَانَ ذَلِك تناقضاً نعم إِن أحببنا غير الْأَفْضَل أَكثر من محبَّة الْأَفْضَل لأمر دُنْيَوِيّ كقرابة أَو إِحْسَان أَو نَحْوهمَا فَلَا تنَاقض فِي ذَلِك وَلَا امْتنَاع فَلَا إِثْم فَمن اعْترف بِأَن أفضل هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ لكنه أحب عليا أَكثر من أبي بكر مثلا فَإِن كَانَ يَدعِي محبها أَنَّهَا الْمحبَّة الدِّينِيَّة فَلَا معنى لذَلِك إِذْ الْمحبَّة الدِّينِيَّة اعتقادها لَازم لاعتقاد الْأَفْضَلِيَّة كَمَا تقدم فَهَذَا الْمُحب لعَلي أَكثر محبَّة دينية على دَعْوَاهُ مَعَ اعْتِقَاده أَفضَلِيَّة أبي بكر عَلَيْهِ لم يعْتَقد أَفضَلِيَّة أبي بكر حَقِيقَة وَإِنَّمَا هُوَ معترف بهَا بِلِسَانِهِ فَقَط وَأما بِالْقَلْبِ فَلَا إِذْ هُوَ مفضل لعَلي بِقَلْبِه لُزُوما لكَونه أحبه محبَّة دينية زَائِدَة على محبَّة أبي بكر وَهَذَا لَا يجوز أما إِذا كَانَت محبَّة(2/407)
الْمُحب أَكثر محبَّة دنيوية لكَونه من ذُرِّيَّة على أَو لإحسان الْإِحْسَان من عَليّ أَو من بنيه إِلَيْهِ أَو لغير ذَلِك من الْمعَانِي فَلَا امْتنَاع فِي ذَلِك انْتهى قلت لَا يظْهر صِحَة دَعْوَى التلازم فعلى مدعيها بَيَان الْمُلَازمَة ليعتمد فيعتقد ودونه خرط القتاد وَأما قَوْله وَهَذَا لَا يجوز أَقُول فِيهِ هَذَا لَا يجوز إِذْ قد صرح عُلَمَاؤُنَا بِأَن من اعْترف لِلشَّيْخَيْنِ بحقهما وفضلهما ثمَّ أحب عليا أَكثر لاتصال نسبه بِهِ
وقربه مِنْهُ الْقرب الَّذِي لَا يشابه وكشف الكروب عَن وَجهه فِي المضايق وَنَحْوهمَا كَانَ ذَلِك الْحبّ قربَة إِلَى الله مثاباً صَاحبه مأجوراً لَا آثِما مأزوراً وَلَو لم يكن لَهُ بعلي نِسْبَة اتِّصَال وَلَا إِحْسَان وَلَا نَحْوهمَا مِمَّا جعله مسوغاً لجَوَاز ذَلِك هَذَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فالعجب من هَذَا الْمُجيب فِيمَا أجَاب وأعجب مِنْهُ إِقْرَار الْعَلامَة ابْن حجر عَلَيْهِ فى الْكتاب فِي تَارِيخ ابْن الْجَوْزِيّ الْمُسَمّى بالمنتظم فِي أَخْبَار الْأُمَم وَالْعرب والعجم قصيدة الإِمَام الْعَلامَة يحيى بن سَلامَة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل الحصنكي نِسْبَة إِلَى حصن كيفا أَحْبَبْت إِيرَاد شَيْء مِنْهَا قَالَ // (من الرجز) //
(تقاسموُا يومَ الوداعِ كَبِدِي ... فَليْسَ لي مُنْذُ تَوَلَّوْا كَبِدُ)
(على الجفونِ رَحَلُوا وَفِي الحشاءِ ... قَيَّلوا وماءَ عَيْني وَرَدُوا)
(وأدمُعي مسفوحةٌ وَكبِدِي ... مقروحةٌ وغلَّتي مَا تبردُ)
(وصَبْوَتِي دائمةٌ ومُقْلَتي ... داميَةٌ ونَوْمُهَا مشرَّدُ)
(تيمني منهُمْ غزالٌ أغيدُ ... يَا حَبَّذَا ذاكَ الغزَالُ الأغيَدُ)
(حُسَامُهُ مجرَّدٌ وصرحُهُ ... ممرَّدٌ وخدُّهُ مورَّدُ)
(وصُدْغُهُ فوقَ احمرارِ خَدِّهِ ... مبلبلٌ مُعَقْربٌ مجعَّدُ)
(كَأَنَّمَا نكْهتُهُ وريقُهُ ... مسك وخمر الثنايا بَرَدُ)
(يقعدُهُ عِنْد القيامِ ردفُهُ ... وَفِي الحشا مِنْهُ المقيمُ المقعدُ)
(لَهُ قوامٌ كقضيبِ بانةٍ ... يهتزُّ قصدا لَيْسَ فيهِ أَودُ)
قَالَ وَهِي طَوِيلَة جدا ثمَّ خرج من التغزل إِلَى مدح أهل الْبَيْت وَذكر الْأَئِمَّة الاثْنَي عشر رَحِمهم الله تَعَالَى فَقَالَ
(يَا سائِلي عَنْ حُبِّ أهل البيتِ هَلْ ... أقرّ إِيمَانًا بِهِ أم أجْحَدُ)
(هيهاتَ ممزوجٌ بلحْمي ودَمِي ... حُبُّهُمُ وهْوَ الهدَى والرِّشَدُ)(2/408)
(حيدَرَةٌ والحَسَنانِ بعدَهُ ... ثمَّ عليٌّ وابْنُهُ محمَّدُ)
(وجعفَرُ الصادقُ وابْنُ جعفرٍ ... موسَى ويتلوُه عليُّ السَّيدُ)
(أَعنِي الرِّضَا ثمَّ ابنُهُ محمَّدٌ ... ثمَّ عليٌّ وابنُهُ المسَددُ)
(والحسنُ الثَّانِي ويتلُو تلوهُ ... محمَّدُ بن الحسَنِ المنتقدُ)
(فإنهُمْ أئمتي وسَادَتِى ... وإنْ لحاني معشَر وقيَّدُوا)
(أئِمَّةٌ أكرِم بهم أَئِمَّة ... أسماؤُهُمْ مسرودَةٌ تَطَّرِدُ)
(هم حُجَجُ اللهِ على عبادِهِ ... وهُمْ إِلَيْهِ منهجٌ ومقصدُ)
(قومٌ لَهُم فضْلٌ ومجدٌ باذخٌ ... يعرفُهُ المشركُ والموحِّدُ)
(قومٌ لَهُم فِي كلِّ أرضٍ مشهدٌ ... لَا بَلْ لَهُم فِي كلِّ قَلْبٍ مشهَدُ)
(قومٌ مِنى والمشعرانِ لَهُمُ ... والمروتَانِ لَهُم والمسجِدُ)
(قومٌ لَهُم مكَّةُ والأبطَحُ ... والْخيفُ وجَمْعٌ والبقيعُ الغرقَدُ)
ثمَّ ذكر مقتل الْحُسَيْن إِلَى أَن قَالَ
(ولستُ أهواكُمْ ببغْضِ غَيركم ... إنِّى إِذن أشْقى بكُمْ لَا أسعَدُ)
(فَلَا يظنُّ رافضيٌّ أنني ... وافَقْتُهُ أَو خارجيٌّ مفسدُ)
(محمدٌ والخلفاءُ بعدَهُ ... أفضَلُ خَلقِ اللهِ فِيمَا أَجدُ)
(هُمْ أسَّسُوا قَوَاعِد الدّين لنا ... وهُمْ بَنَوا أركانَهُ وشَيَّدوا)
(ومَنْ يخُنْ أحمَدَ فِي أصحابِهِ ... فخَصْمُهُ يومَ المعادِ أحمَدُ)
(هَذَا اعتقادي فالزمُوهُ تفلحُوا ... هَذَا طريقي فاسلُكُوهُ تَهْتَدُوا)
(والشافِعِيُّ مذهبي مذهَبُهُ ... لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ مؤيَّدُ)
(إِنِّي بإذْنِ الله ناجٍ سابقٌ ... إِذا أتَى الظالمُ والمفَنّدُ)
(نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
هُوَ أَبُو بكر الصّديق ابْن أبي قُحافة عُثْمَان بن عَمْرو بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان الْقرشِي التَّيْمِيّ(2/409)
يلتقي مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مرّة وَبَينه وَبَين مرّة كَمَا بَينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَين مرّة سِتَّة آبَاء فَهَذِهِ مُوَافقَة اتّفقت بَينهمَا فِي النّسَب كَمَا اتّفقت فِي الْعُمر على أصح الْأَقْوَال أمه أم الْخَيْر لفظا وَمعنى سلمى بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بنت عَم أَبِيه هَكَذَا ذكره جمهوره أهل النّسَب وَمن شَذَّ فَقَالَ بنت صَخْر بن عَامر بن عمر بن كَعْب فَجَعلهَا ابنةَ عَمه فَلَيْسَ بِصَحِيح أسلم أَبوهُ أَبُو قُحَافَة عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب يَوْم الْفَتْح وَبَايع رَسُول الله
وعاش مُدَّة حَيَاته
وَمُدَّة خلَافَة وَلَده وَمَات فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ
عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَت لما وقف رَسُول الله
بِذِي طوى حَال دُخُوله مَكَّة عَام الْفَتْح قَالَ أَبُو قُحَافَة لابنةِ لَهُ من أَصْغَر وَلَده أَي بنية أظهري بِي على أبي قبيس قَالَت وَالْحَال أَنه قد كف بَصَره قَالَت فَأَشْرَفت بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ أَي بُنية مَاذَا تَرين قَالَت أرى سواداً مجتمعاً قَالَ تِلْكَ الْخَيل قَالَت وَأرى رجلا يسْعَى بَين يَدي السوَاد مُقبلا ومدبراً قَالَ أَي بنية ذَاك الْوَازِع الَّذِي يؤم الْخَيل ويتقدم إِلَيْهَا ثمَّ قَالَت قد وَالله انْتَشَر بالوادي فَقَالَ وَالله لقد دفعت الْخَيل فأسرعي بِي إِلَى بَيْتِي فانحطت بِهِ وَتَلَقَّتْهُ الْخَيل قبل أَن يصل إِلَى بَيته وَفِي عنق الْجَارِيَة طوق من فضَّة فتلقاها رجل فاقتلعه من عُنُقهَا قَالَت فَلَمَّا دخل رَسُول الله
مَكَّة وَدخل وَالْمَسْجِد أَتَاهُ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَبِيهِ يَقُودهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله
قَالَ هلا تركت الشيخَ(2/410)
فِي بَيته حَتَّى أكون أَنا آتيه فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هُوَ أَحَق أَن يَأْتِي إِلَيْك من أَن تَأتي إِلَيْهِ قَالَ فأجلسه رَسُول الله
بَين يَدَيْهِ ثمَّ مسح صَدره ثمَّ قَالَ لَهُ أسلم فَأسلم وَكَانَ رَأسه كالثغامة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام غيروا هَذَا عَن شعره ثمَّ قَامَ أَبُو بكر فَأخذ بيد أُخْته فَقَالَ أنْشد الله والإسلامَ طوق أُخْتِي فَقَالَ يَا أُخْتِي احتسبي طوقك فوَاللَّه إِن الْأَمَانَة اليومَ فِي النَّاس لقَلِيل // (أخرجه أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَابْن إِسْحَاق) // وفى رِوَايَة بعد قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هلا تركت الشَّيْخ حَتَّى أكون أَنا آتيه فَقَالَ أَبُو بكر أردْت رَسُول الله أَن يأجره الله عز وَجل فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لأَنا كنت أَشد فَرحا بِإِسْلَام أبي طَالب مني بِإِسْلَام أبي ألتمس بذلك قُرَّة عَيْنك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صدقت وَقَوله الْوَازِع هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم الصَّفّ فَيُصْلِحهُ وَيقدم وَيُؤَخر فِي الْجَيْش وَمِنْه قَول الْحسن لَا بُد للنَّاس من وازع أَي سُلْطَان يكف بَعضهم عَن بعض والثغامة وَاحِدَة الثغام نبت أَبيض يشبه الشيب بِهِ وَأسْلمت أمه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أم الْخَيْر سلمى بنت صَخْر قَدِيما فى دَار الأرقم بن أبي الرقم وبايعت النَّبِي
ذكره الْحَافِظ الدِّمَشْقِي وَصَاحب الصفوة ولد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعد مولده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِسنتَيْنِ وَأشهر بِمَكَّة وَكَانَ منشأه بِمَكَّة لَا يخرج مِنْهَا إِلَّا لتِجَارَة وَكَانَ ذَا مَال جزيل فِي(2/411)
قومه وثروة تَامَّة وإحسان وتفضل فيهم وَكَانَ من رُؤَسَاء قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وَأهل مشورتهم ومحبباً فيهم وَلما جَاءَ الْإِسْلَام أكره على مَا سواهُ وَلم يفعل وَدخل فِي الْإِسْلَام أكمل دُخُول وَكَانَ من أعف النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لقد ترك هُوَ وَعُثْمَان شرب الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر بِسَنَد صَحِيح
(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
كَانَ نحيفا أَبيض حسن الْقَامَة خَفِيف العارضين أجنأ لَا يسْتَمْسك إزَاره فِي حقْوَيْهِ معروق الْوَجْه غائر الْعَينَيْنِ ناتئ الْجَبْهَة عاري الأشاجع رَوَاهُ ابْن سعد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَقَوله أجنأ بِالْجِيم والهمز أَي منحنياً يُقَال مِنْهُ جنأ يجنو بِالْقصرِ جنوءاً وَمِنْه يُسمى الترس مجنأً لانحنائه وَيُقَال أحنا بِالْحَاء غير مَهْمُوز بِمَعْنَاهُ والأشاجع جمع أَشْجَع بِوَزْن إِصْبَع هِيَ أصُول الْأَصَابِع الَّتِي تتصل بأصول ظَاهر الْكَفّ كَانَ رَضِي الله عَنهُ يلقب بِالصديقِ فِي الْجَاهِلِيَّة لما عرف مِنْهُ الصدْق قَالَ ابْن إِسْحَاق عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَأول مَا اشْتهر بِهِ صَبِيحَة لَيْلَة الْإِسْرَاء وروى الْحَاكِم قَالَ حَمَّاد عَنهُ عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ قُلْنَا لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أخبرنَا عَن أبي بكر قَالَ ذَاك امْرُؤ سَمَّاهُ الله الصّديق على لِسَان جِبْرِيل وعَلى لِسَان مُحَمَّد
خَليفَة رَسُول الله
على الصَّلَاة رضيه لديننا فنرضاه لدنيانا وسمى بعتيق لِأَن أَبَا قُحَافَة كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد عتيقاً ومعتقاً ومعيتقاً وروى عَن ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن مُوسَى بن طَلْحَة قلت(2/412)
لأبى طَلْحَة لم سمي أَبُو بكر عتيقاً قَالَ كَانَت أمّه لَا يعِيش لَهَا ولد فَلَمَّا وَلدته اسْتقْبلت بِهِ الْبَيْت الشريف ثمَّ قَالَت اللَّهُمَّ إِن هَذَا عَتيق الْبَيْت فهبه لَهُ وروى ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت اسْم أبي بكر الَّذِي سَمَّاهُ أَهله بِهِ عبد الله وَلَكِن غلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق وَفِي لفظ وَلَكِن النَّبِي
سَمَّاهُ عتيقاً وَاخْتلف فِي أَي وَقت لقب عتيقاً فروى أَبُو يعلى فِي مُسْنده وَابْن سعد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت وَالله إِنِّي لفي بَيْتِي ذَات يَوْم وَرَسُول الله فِي الفناء والستر بيني وَبَينه إِذْ أقبل أَبُو بكر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من سره أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر وَإِن اسْمه الَّذِي سَمَّاهُ أَهله لعبد الله فغلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق وروى التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَنْهَا أَن أَبَا بكر دخل على رَسُول الله
فَقَالَ لَهُ أَنْت عَتيق الله من النَّار فَيَوْمئِذٍ سمي عتيقاً وروى الطَّبَرِيّ وَالْبَزَّار بِسَنَد جيد عَن عبد الله بن الزبير قَالَ كَانَ اسْم أبي بكر عبد الله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
أَنْت عَتيق الله من النَّار قَالَ فِي الرياض النضرة وَلَا تضَاد بَين هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا إِذْ يَصح أَن يكون أحد الْأَبَوَيْنِ لقبه بذلك ثمَّ تَابعه الآخر عَلَيْهِ أَو لِمَعْنى آخر ثمَّ استعملته قُرَيْش وأقرته عَلَيْهِ ثمَّ أقرّ عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة من قَوْلهَا فَمن يَوْمئِذٍ سمي عتيقاً فَمَعْنَاه وَالله أعلم(2/413)
فَمن ذَلِك الْيَوْم اشْتهر بِهِ حَتَّى لَا يعرف لَهُ اسْم سواهُ
(الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
الْآيَة الأولى قَوْله تَعَالَى {وَسَيُجَنَبُها الأتقَى الَذِي يُؤتى مالَه يَتَزكى} اللَّيْل 17، 18 إِلَى آخر السُّورَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَجمعُوا أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر فَفِيهَا التَّصْرِيح بِأَنَّهُ أتقى من سَائِر الْأمة والأتقى هُوَ الأكرم عِنْد الله بِدَلِيل {إِنَّ أكرَمَكم عِندَ اللهِ أتقاكُم} الحجرات 13 والأكرم عِنْد الله هُوَ الْأَفْضَل وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ أَن أَبَا بكر أعتق سَبْعَة كلهم يعذب فِي الله فَأنْزل الله قَوْله {وَسَيُجَنَبُهاً الأتقى} اللَّيْل 17 الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى {واليلِ إِذا يغشَى والنَهارِ إِذا تجلى وَما خَلقَ الذّكر والأُنثَى إِنَّ سَعيَكم لَشَتى} اللَّيْل 1، 4 أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَن أَبَا بكر اشْترى بِلَالًا من أُميَّة بن خلف وأبى بن خلف بِبُرْدَةٍ وَعشرَة أَوَاقٍ فَأعْتقهُ لله تَعَالَى فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة إِشَارَة إِلَى أَن سعي أبي بكر وَأُميَّة وَأبي مفترق فرقاناً عَظِيما فشتان بَينهمَا الْآيَة الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى {ثانيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تحزن إِن اللهَ مَعنا} إِلَى قَوْله {لم تَروها} التَّوْبَة 40 أجمع الْمُسلمُونَ على أَن المُرَاد بالصاحب هُنَا أَبُو بكر وَمن ثمَّ من أنكر صحبته كفر إِجْمَاعًا وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَن الضَّمِير فِي {فأنزَلَ الله سكينَة عَلَيْهِ} التَّوْبَة 40 لأبى بكر أَي وَلَا يُنَافِيهِ {وأيده بجُنود} التَّوْبَة 40 إرجاعاً للضمير فِي كل بِمَا يَلِيق بِهِ وجلالة ابْن مَسْعُود قاضية بِأَنَّهُ لَوْلَا علم فِي ذَلِك نصا لما حمل الْآيَة عَلَيْهِ مَعَ مُخَالفَة ظَاهرهَا لَهُ الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {والذيِ جَاءَ بِالصدِقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هم المُتَّقُونَ} الزمر 33 أخرج الْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فى(2/414)
تَفْسِيرهَا الذى جَاءَ بِالْحَقِّ هُوَ مُحَمَّد
وَصدق بِهِ هُوَ أَبُو بكر قَالَ ابْن عَسَاكِر هَكَذَا الرِّوَايَة بِالْحَقِّ ولعلها قِرَاءَة لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْآيَة الْخَامِسَة قَوْله تَعَالَى {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} الرَّحْمَن 46 أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى {وَشاوِرهُم فِي الأمرِ} آل عمرَان 159 أخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَيُؤَيِّدهُ الْخَبَر الْآتِي فِي الْأَحَادِيث
إِن الله أَمرنِي أَن أستشير أَبَا بكر وَعمر الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى {فإنَّ الله هُوَ مَولاه وَجِبرِيلُ وَصالِحُ المُؤمنِينَ} التَّحْرِيم 4 أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهَا نزلت فيهمَا الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى {وَوَصَينا الْإِنْسَان بِوَالِدَيهِ إِحسَاناً حَمَلَتهُ أُمُهُ كرها} إِلَى قَوْله {يوُعَدونَ} الْأَحْقَاف 15، 16 أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن ذَلِك جَمِيعه نزل فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن تَأمل ذَلِك وجد فِيهِ من عَظِيم المنقبة لَهُ والْمنَّة عَلَيْهِ مَا لم يُوجد لأحد من الصَّحَابَة(2/415)
رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى {وَلا يأتَلِ أُولوُا الفَضلِ مِنكُم والسَّعَةِ أَن يُؤتوا أُولِي القُربىَ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَالله غَفور رَحِيم} النُّور 22 نزلت فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا فِي البُخَارِيّ وَغَيره لما حلف لَا ينْفق على مسطح بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب بن هَاشم لكَونه كَانَ من جملَة من رمى عَائِشَة بالإفك الَّذِي تولى سُبْحَانَهُ براءتها مِنْهُ بِالْآيَاتِ الْعشْر الَّتِي أنزلهَا سُبْحَانَهُ فِي شَأْنهَا أول سُورَة النُّور وَلما نزلت قَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله يَا رَبنَا إِنَّا لنحب أَن تغْفر لنا وَأعَاد لمسطح مَا كَانَ يُنْفِقهُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي حَدِيث الْإِفْك الطَّوِيل فَلَمَّا أنزل الله هَذَا فِي براءتي قَالَ أَبُو بكر الصّديق وَكَانَ ينْفق على مسطح بن أَثَاثَة لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقره وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا بعد الَّذِي قَالَ لعَائِشَة مَا قَالَ فَأنْزل الله قَوْله {وَلا يأتَلِ أُولوُا الفَضلِ} النُّور 22 وَذكر الْآيَة السَّابِقَة ثمَّ قَالَت قَالَ أَبُو بكر بلَى وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله لي فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ بنفقها عَلَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا أَنْزعهَا أبدا تَنْبِيه علم من حَدِيث الْإِفْك الْمشَار إِلَيْهِ أَن من نسب عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا إِلَى الزِّنَا كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مَا قد صرح بِهِ أَئِمَّتنَا وَغَيرهم لِأَن فِي ذَلِك تَكْذِيب النُّصُوص القرآنية ومكذبها كَافِر بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَبِه يُعلم الْقطع بِكفْر كثيرين من غلاة الروافض لأَنهم ينسبونها إِلَى ذَلِك قَاتلهم الله أَنى يؤفكون الْآيَة الْعَاشِرَة قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكم وَمَلائكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُلُماَتِ إِلَى النُّور} الْآيَة الْأَحْزَاب 43 أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد لما نزلت {إِن الله وَملائكته} الْأَحْزَاب 56 قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا أنزل الله عَلَيْك خير إِلَّا أشركنا فِيهِ فَنزلت {هُوَ الَّذِي يِصلي عَليكم} الْآيَة(2/416)
الْآيَة الْحَادِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الذِينَ قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} الْأَحْقَاف 13 عَن ابْن عَبَّاس نزلت فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذكره الإِمَام الواحدي الْمُفَسّر الْمَشْهُور الْآيَة الثَّانِيَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {أفمَن يُلقَى فِي النارِ خير أم من يَأْتِي آمِناً يومَ القِيامَةِ} فصلت 40 عَن ابْن عَبَّاس هَذَا أبوجهل وَهَذَا أَبُو بكر حَكَاهُ الإِمَام الثعالبي الْآيَة الثَّالِثَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {حَتى إِذا بَلَغَ أشده وَبلغَ أربَعِينَ سنة} إِلَى {وَإِنِّي مِنَ الْمُسلمين} الْأَحْقَاف 15 عَن ابْن عَبَّاس نزلت فِي أبي بكر فَاسْتَجَاب الله لَهُ فَأسلم وَالِده وَأَوْلَاده كلهم رَوَاهُ عقيل بن خَالِد الأربلي الْآيَة الرَّابِعَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {لَا يستوَي مِنكم مَن أنفَقَ مِن قَبل الفَتحِ وَقاتل} الْحَدِيد 10 قَالَ الْكَلْبِيّ نزلت فِي أبي بكر ذكره الواحدي الْآيَة الْخَامِسَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {لَا تَجدُ قوما يؤمَنوُنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ} المجادلة 22 عَن ابْن جريج أَن أَبَا قُحَافَة سبّ النَّبِي
فَصَكَّهُ أَبُو بكر صَكَّة شَدِيدَة فَسقط مِنْهَا ثمَّ ذكر للنَّبِي
قَالَ أَو فعلته قَالَ نعم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَا تعد إِلَيْهِ فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لَو كَانَ السَّيْف قَرِيبا مني لقتلته فَنزلت هَذِه الْآيَة أخرجه الواحدي وَالْإِمَام أَبُو الْفرج الْآيَة السَّادِسَة عشرَة قَوْله تَعَالَى {إِلَّا تنصُرُوه فَقَد نَصَرَهُ اللهُ} الْآيَة التَّوْبَة 40 أخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ عَاتب الله الْمُسلمين كلهم فِي رَسُول الله
إِلَّا أَبَا بكر وَحده فَإِنَّهُ خرج من المعاتبة ثمَّ قَرَأَ {إِلَّا تنصُرُوهُ فَقَد نَصرهُ الله} الْآيَة(2/417)
(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
مِنْهَا صَافِيَة الدّلَالَة على خِلَافَته وهى أَرْبَعَة عشر حَدِيثا الحَدِيث الأول أخرج الشَّيْخَانِ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أَتَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي
فَأمرهَا أَن ترجع إِلَيْهِ فَقَالَت أَرَأَيْت إِن جِئْت وَلم أجدك كَأَنَّهَا تَقول الْمَوْت قَالَ إِن لم تجديني فَأتى أَبَا بكر وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي
تسأله شَيْئا فَقَالَ لَهَا تعودين فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن عدت فَلم أجدك تعرض بِالْمَوْتِ فَقَالَ إِن جئتني وَلم تجديني فَأتي أَبَا بكر فَإِنَّهُ الْخَلِيفَة بعدِي
الحَدِيث الثَّانِي أخرج أَبُو الْقَاسِم البغوى بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول يكون خَلْفي اثْنَا عشر خَليفَة أَبُو بكر لَا يلبث إِلَّا قَلِيلا قَالَ الْأَئِمَّة هَذَا صدر حَدِيث مجمع على صِحَّته وَارِد من طرق عدَّة أخرجه الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا فَمن تِلْكَ الطّرق لَا يزَال هَذَا الْأَمر عَزِيزًا ينْصرُونَ على من ناوأهم عَلَيْهِ إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش رَوَاهُ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل // (بِسَنَد صَحِيح) // وَمِنْهَا لَا يزَال هَذَا الْأَمر صَالحا وَمِنْهَا لَا يزَال مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا وَمِنْهَا لَا يزَال(2/418)
أَمر أمتِي قَائِما حَتَّى يمْضِي اثْنَا عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش زَاد أَبُو دَاوُد فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى منزله أَتَتْهُ قُرَيْش فَقَالُوا ثمَّ يكون مَاذَا قَالَ ثمَّ يكون الْهَرج وَعَن ابْن مَسْعُود // (بِسَنَد حسن) // أَنه سُئِلَ كم يملك هَذِه الْأمة من خَليفَة فَقَالَ سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله
فَقَالَ اثْنَا عشر كعدة نقباء بني إِسْرَائِيل قَالَ القَاضِي عِيَاض لَعَلَّ المُرَاد بالاثني عشر فِي هَذِه الْأَحَادِيث أَنهم يكونُونَ فِي مُدَّة عزة الْخلَافَة وَقُوَّة الْإِسْلَام واستقامة أُمُوره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وَقد وجد هَذَا فِيمَن اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس إِلَى أَن اضْطربَ أَمر بني أُميَّة وَوَقعت بَينهم الْفِتَن زمن الْوَلِيد بن يزِيد فاتصلت تِلْكَ الْفِتَن إِلَى أَن قَامَت الدولة العباسية فاستأصلوا أَمرهم قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي فتح الْبَارِي فِي شرح البُخَارِيّ كَلَام القَاضِي عِيَاض هَذَا أحسن مَا قيل فِي هَذَا الحَدِيث فرجحه لتأيده بقوله فِي بعض طرقه الصَّحِيحَة كلهم يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس وَالْمرَاد باجتماعهم انقيادهم لبيعته وَالَّذِي اجْتَمعُوا عَلَيْهِ الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة ثمَّ على عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَن وَقع أَمر الْحكمَيْنِ فِي صفّين وَتسَمى مُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ بالخلافة ثمَّ اجْتَمعُوا على مُعَاوِيَة عِنْد صلح الْحسن ونزوله عَن الْخلَافَة ثمَّ على ابْنه يزِيد وَلم يَنْتَظِم للحسين رَضِي الله عَنهُ أَمر بل قتل ثمَّ لما مَاتَ يزِيد اجْتَمعُوا على عبد الْملك بن مَرْوَان بعد قتل عبد الله بن الزبير ثمَّ على أَوْلَاده الْأَرْبَعَة الْوَلِيد فسليمان فيزيد فهشام وتخلل بَين سُلَيْمَان وَيزِيد عمر بن عبد الْعَزِيز فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة بعد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين الْأَرْبَعَة فجملتهم أحد عشر وَالثَّانِي عشر هُوَ الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك فَاجْتمعُوا عَلَيْهِ لما مَاتَ عَمه هِشَام فولى نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وانتشرت(2/419)
الْفِتَن وتغيرت الْأَحْوَال من يَوْمئِذٍ وَلم يتَّفق أَن تَجْتَمِع النَّاس على خَليفَة بعد ذَلِك لوُقُوع الْفِتَن بَين من بَقِي من بني أُميَّة ولخروج الْمغرب عَن العباسيين باستيلاء عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن هِشَام بن عبد الْملك الملقب بالداخل عَلَيْهِ وانفرط الْأَمر إِلَى أَن لم يبْق من الْخلَافَة إِلَّا الِاسْم بعد أَن كَانَ يخْطب لعبد الْملك فِي جَمِيع أقطار الأَرْض شرقاً وغرباً يَمِينا وَشمَالًا مِمَّا غلب عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا يتَوَلَّى أحد فِي بَلْدَة إِمَارَة فِي شَيْء إِلَّا بِأَمْر الْخَلِيفَة وَقيل اثْنَا عشر خَليفَة فِي مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى الْقِيَامَة يعْملُونَ بِالْحَقِّ وَإِن لم يتوالوا وَيُؤَيِّدهُ قَول أبي الْجلد كلهم يعْمل بِالْهَدْي وَدين الْحق مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت مُحَمَّد
فَعَلَيهِ المُرَاد بالهرج الْفِتَن الْكِبَار كالدجال وَمَا بعده وَقيل المُرَاد بالاثني عشر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن وَمُعَاوِيَة وَابْن الزبير وَعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الأمويين قيل وَيحْتَمل أَن يضم إِلَيْهِم الْمُهْتَدي العباسي لِأَنَّهُ فِي العباسيين كعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الأمويين وَالظَّاهِر العباسي أَيْضا لما أوتيه فِي الْعدْل وَيبقى الِاثْنَان المنتظران أَحدهمَا الْمهْدي من آل بَيت مُحَمَّد قلت لَعَلَّ هَذَا القَوْل الثَّانِي أقرب إِلَى المُرَاد من كَلَام سيد الْعباد
الحَدِيث الثَّالِث أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود وروى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي(2/420)
صَحِيحه عَن حُذَيْفَة إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قدر بقائي فِيكُم فاقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وتمسكوا بِهَدي عمار وَمَا حَدثكُمْ بِهِ ابْن مَسْعُود فصدقوه وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَالرُّويَانِيّ عَن حُذَيْفَة وَابْن عدي عَن أنس اقتدوا باللذين من بعدِي من أَصْحَاب أبي بكر وَعمر وَاقْتَدوا بِهَدي عمار وتمسكوا بِعَهْد ابْن مَسْعُود
الحَدِيث الرَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ خطب رَسُول الله
النَّاس فَقَالَ إِن الله تعلى خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ ذَلِك العَبْد مَا عِنْد الله فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ بل نفديك بأبائنا وَأُمَّهَاتنَا فعجبنا لبكائه أَن أخبر رَسُول الله
بذلك فَكَانَ رَسُول الله
هُوَ الْمخبر عَنهُ وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا فَقَالَ رَسُول الله
إِن من أَمن النَّاس على فِي صحبته وَمَاله أَبَا بكر وَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام ومودته لَا يبْقين بَاب إِلَّا سُد إِلَّا بَاب أبي بكر وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ وَمُسلم لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا خوخة أبي بكر قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر الهيتمي فِي هَذِه الْأَحَادِيث إِشَارَة إِلَى خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه لِأَن الْخَلِيفَة يحْتَاج إِلَى الْقرب من الْمَسْجِد لشدَّة احْتِيَاج النَّاس إِلَى ملازمته لَهُ للصَّلَاة وَغَيرهَا
الحَدِيث الْخَامِس أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي بَنو المصطلق إِلَى رَسُول الله
أَن سَله إِلَى من ندفع صَدَقَاتنَا بعْدك(2/421)
فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ إِلَى أبي بكر قَالَ ابْن حجر وَمن لَازم دفع الصَّدقَات إِلَيْهِ كَونه هُوَ الْخَلِيفَة إِذْ هُوَ مُتَوَلِّي قبض الصَّدقَات
الحَدِيث السَّادِس أخرج مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله
فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ ادعِي لي أَبَاك وأخاك حَتَّى أكتب كتابا فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن أَو يَقُول قَائِل أَنا أولى ويأبى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر أخرجه أَحْمد وَغَيره من طرق عَنْهَا وَفِي بَعْضهَا قَالَ لي رَسُول الله
فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ ادعِي لي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف عَلَيْهِ أحد ثمَّ قَالَ دعيه مَعاذ الله أَن يخْتَلف الْمُؤْمِنُونَ فِي أبي بكر وَفِي رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْك يَا أَبَا بكر
الحَدِيث السَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ مرض النَّبِي
فَاشْتَدَّ مَرضه فَقَالَ مُروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ قَالَت عَائِشَة يَا رَسُول الله إِنَّه رجل رَقِيق إِذا قَامَ مقامك لم يسْتَطع أَن يصلى بِالنَّاسِ فَقَالَ مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَعَادَت فَقَالَ مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِب يُوسُف فَأَتَاهُ الرَّسُول فصلى بِالنَّاسِ فِي حَيَاة رَسُول الله
وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا لما راجعته فَلم يرجع لَهَا قَالَت لحفصة قولي لَهُ يَأْمر عمر فَقَالَت لَهُ فَأبى حَتَّى غضب فَقَالَ (وَكانَ الْإِنْسَان أكثرَ شَيءٍ جَدَلا} الْكَهْف 54 أنتن أَو إنكن لأنتن صَوَاحِب يُوسُف يظهرن خلاف مَا يخفين قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر رَحمَه الله تَعَالَى وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث // (متواتر) // فَإِنَّهُ ورد فِي حَدِيث عَائِشَة وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعبد الله بن زَمعَة وأبى سعيد الْخُدْرِيّ وعَلى بن أبي طَالب وَحَفْصَة وَفِي بعض طرقه عَن عَائِشَة قد(2/422)
راجعت رَسُول الله
فِي ذَلِك يَوْمًا حَملَنِي على كَثْرَة مُرَاجعَته أَنه لم يَقع فِي قلبِي أَن يجب النَّاس بعده رجلا قَامَ مقَامه أبدا وَكنت أرى أَنه لن يقوم مقَامه أحد إِلَّا تشاءم النَّاس بِهِ فَأَرَدْت أَن يعدل بذلك رَسُول الله
عَن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي حَدِيث ابْن زَمعَة أَن رَسُول الله
أَمرهم بِالصَّلَاةِ وَكَانَ أَبُو بكر غَائِبا فَتقدم عمر فصلى فَقَالَ رَسُول الله
لَا لَا يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه
قَالَ لَهُ اخْرُج وَقل لأبي بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخرج فَلم يجد على الْبَاب إِلَّا عمر فِي جمَاعَة لَيْسَ فيهم أَبُو بكر فَقَالَ يَا عمر صل بِالنَّاسِ فَلَمَّا كبر وَكَانَ صيتًا سمع رَسُول الله
صَوته قَالَ يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر يَأْبَى الله والمسلمون إِلَّا أَبَا بكر قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر قَالَ الْعلمَاء فِي هَذَا أوضح دلَالَة على أَن الصّديق أفضل الصَّحَابَة على الْإِطْلَاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم قَالَ الْأَشْعَرِيّ قد علم بِالضَّرُورَةِ أَن رَسُول الله
أَمر الصّديق أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ مَعَ حُضُور الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمَعَ قَوْله يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله(2/423)
فَدلَّ على أَنه أقرؤهم أَي أعلمهم بالقران انْتهى وَقد اسْتدلَّ الصَّحَابَة أنفسهم بِهِ على أَنه أَحَق بالخلافة مِنْهُم مِنْهُم عمر وَقد مر كَلَامه فِي الْمُبَايعَة وَمِنْهُم عَليّ فقد أخرج ابْن عَسَاكِر عَنهُ قَالَ لقد أَمر رَسُول الله
أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَإِنِّي لشاهد وَمَا أَنا بغائب وَمَا بِي مرض فرضينا لدنيانا من رضيه النَّبِي
لديننا قَالَ الْعلمَاء وَكَانَ مَعْرُوفا بأهلية الْإِمَامَة فِي زمَان النَّبِي
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا عَن سهل بن سعد قَالَ كَانَ قتال بَين بني عَمْرو بن عَوْف فَبلغ النَّبِي
فَأَتَاهُم بعد الظّهْر ليصلح بَينهم قلت بَنو عَمْرو بن عَوْف هم أهل قبَاء من الْأَنْصَار فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِبلَال يَا بِلَال إِن حضرت الصَّلَاة وَلم آتِ فَمر أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَلَمَّا حضرت صَلَاة الْعَصْر أَقَامَ بِلَال الصَّلَاة ثمَّ أَمر أَبَا بكر فصلى وَوجه مَا تقرر أَن الْأَمر بتقدمته للصَّلَاة كَمَا ذكر فِيهِ الْإِشَارَة أَو التَّصْرِيح بأحقيته للخلافة إِذْ الْقَصْد الذاتي من نصب الإِمَام إِقَامَة شَعَائِر الدّين على الْوَجْه الْمَأْمُور بِهِ من أَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات وإحياء السّنَن وإماتة الْبدع وَأما الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وتدبيرها كإستيفاء الْأَمْوَال من وجوهها وإيصالها لمستحقيها وَدفع الظُّلم وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ مَقْصُودا بِالذَّاتِ بل ليتفرغ النَّاس لأمور دينهم إِذْ لَا يتم تفرغهم لَهُ إِلَّا إِذا انتظمت أُمُور مَعَايشهمْ بِنَحْوِ الْأَمْن على الْأَنْفس وَالْأَمْوَال ووصول كل ذِي حق إِلَى حَقه فَلذَلِك رَضِي
لأمر الدّين وَهِي الْإِمَامَة الْعُظْمَى أَبَا بكر الصّديق بتقديمه للْإِمَامَة فِي الصَّلَاة كَمَا ذكر وَمن ثمَّ اجْتَمعُوا على ذَلِك كَمَا مر(2/424)
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ قَالَ لي الرشيد يَا أَبَا بكر كَيفَ اخْتَار النَّاس أَبَا بكر الصّديق قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سكت الله وَسكت رَسُوله وَسكت الْمُؤْمِنُونَ قَالَ الرشيد وَالله مَا زدتني إِلَّا عماء قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مرض النَّبِي
ثَمَانِيَة أَيَّام فَدخل عَلَيْهِ بِلَال فَقَالَ يَا رَسُول الله من يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ مروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فصلى أَبُو بكر بِالنَّاسِ ثَمَانِيَة أَيَّام وَالْوَحي ينزل على النَّبِي
فَسكت رَسُول الله
لسكوت الله عز وَجل وَسكت الْمُؤْمِنُونَ لسكوت رَسُول الله
فأعجبه وَقَالَ بَارك الله فِيك
الحَدِيث الثَّامِن أخرج ابْن حبَان عَن سفينة لما بنى رَسُول الله
الْمَسْجِد وضع فِي أسّ الْبناء حجرا وَقَالَ لأبي بكر ضع حجرك إِلَى جنب حجري ثمَّ قَالَ لعمر ضع حجرك إِلَى جنب حجر أبي بكر ثمَّ قَالَ لعُثْمَان ضع حجرك إِلَى جنب حجر عمر ثمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء بعدِي قَالَ أَبُو زرْعَة // (إِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ) // وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَغَيرهمَا
الحَدِيث التَّاسِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن النَّبِي
قَالَ رَأَيْت كَأَنِّي أنزع بِدَلْو بَكرة بِسُكُون الْكَاف على قليب فجَاء أَبُو بكر فَنزع ذَنوباً ممتلئة مَاء أَو قريبَة من ممتلئة أَو ذنوبين نزعاً ضَعِيفا وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ جَاءَ عمر فاستقى فاستحالت غرباً أَي دلوا عَظِيما فَلم أر عبقرياً يفري فَريَهُ أَي رجلا قَوِيا شَدِيدا يعْمل عمله حَتَّى روى النَّاس وضربوا بِعَطَن والعطن مناخ الْإِبِل إِذا رويت قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا الْمَنَام مِثَال لما جرى للخليفتين من ظُهُور آثارهما الصَّالِحَة وانتفاع الْمُسلمين بهما وكل ذَلِك مَأْخُوذ من النَّبِي
لِأَنَّهُ صَاحب(2/425)
الْأَمر فَقَامَ بذلك أكمل قيام وَقرر قَوَاعِد الدّين ثمَّ خَلفه أَبُو بكر فقاتل أهل الرِّدَّة وَقطع دابرهم ثمَّ خَلفه عمر فَامْتنعَ الْإِسْلَام فِي زَمَنه وَكَثُرت الفتوحات فَشبه أَمر الْمُسلمين بقليب فِيهِ المَاء الَّذِي فِيهِ حياتهم وصلاحهم وَشبه أَمِيرهمْ بالمستقى لَهُم مِنْهَا وَلَيْسَ فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيغْفر الله لَهُ نقص وَلَا إِشَارَة إِلَى أَنه وَقع مِنْهُ ذَنْب وَإِنَّمَا هِيَ كلمة كَانَت الْعَرَب تَقُولهَا عِنْد الاعتناء بِالْأَمر
الحَدِيث الْعَاشِر أخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات وَابْن عَسَاكِر عَن حَفْصَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله
إِذا أَنْت اعتللت قدمتَ أَبَا بكر قَالَ لست أَنا أقدمه وَلَكِن الله قدمه
الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج أَحْمد عَن سفينة وَأخرجه أَيْضا صَاحب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان وَغَيره قَالَ سَمِعت النَّبِي
يَقُول الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ عَاما ثمَّ تكون ملكا عَضُوضًا قَالَ الْعلمَاء لم يكن فِي الثَّلَاثِينَ بعده إِلَّا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَأَيَّام الْحسن وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه حكم بحقية الْخلَافَة عَنهُ فِي أَمر الدّين هَذِه الْمدَّة دون مَا بعْدهَا وَحِينَئِذٍ فَيكون هَذَا دَلِيلا وَاضحا فِي حقية خلَافَة كل من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَقيل لسَعِيد بن جمْهَان أَن بني أُميَّة يَزْعمُونَ أَن الْخلَافَة فيهم فَقَالَ كذب بَنو الزَّرْقَاء بل هم مُلُوك من شَرّ الْمُلُوك فَإِن قلت يُنَافِي هَذَا خبر الاثْنَي عشر خَليفَة السَّابِق قلت لَا يُنَافِيهِ لِأَن هَذَا للكمال فَيكون المُرَاد بِهَذَا الْخلَافَة الْكَامِلَة ثَلَاثُونَ سنة وَهِي منحصرة فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَالْحسن لِأَن مدَّته هِيَ المكملة للثلاثين وَالْمرَاد فِيمَا تقدم مُطلق الْخلَافَة الَّتِي فِيهَا كَمَال وَغَيرهَا لما مر أَن من جُمْلَتهمْ(2/426)
نَحْو يزِيد بن مُعَاوِيَة على القَوْل الثَّانِي السَّابِق فَلَيْسَ الْخُلَفَاء المذكورون على هَذَا القَوْل حاوين من الْكَمَال مَا حواه الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة هُنَا
الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله
سَأَلت الله أَن يقدمك ثَلَاثًا فَأبى إِلَّا تَقْدِيم أبي بكر
الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا أزالُ أَرَانِي أَطَأ فِي غُدْرَان النَّاس قَالَ لتكونن من النَّاس بسبيل قَالَ وَرَأَيْت فِي صَدْرِي كالرقمتين قَالَ سنتَيْن
الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج الْبَزَّار // (بِسَنَد حسن) // عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَمِين هَذِه الْأمة أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن أول دينكُمْ بَدَأَ نبوة وَرَحْمَة ثمَّ يكون خلَافَة وَرَحْمَة ثمَّ يكون ملكا وَجَبْرِيَّة وَجه الدّلَالَة مِنْهُ أَنه أثبت لخلافة أبي بكر أَنَّهَا خلَافَة إِذْ هِيَ الَّتِي وليت مُدَّة النُّبُوَّة وَالرَّحْمَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم حقيتها وَيلْزم من حقيتها حقية خلَافَة بَقِيَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن الزبير قَالَ أَرْسلنِي عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ أسأله عَن أَشْيَاء فَجِئْته فَقلت لَهُ اشفني فِيمَا اخْتلف فِيهِ النَّاس هَل كَانَ رَسُول الله
اسْتخْلف أَبَا بكر فَقَالَ أَو فِي هَذَا شكّ أَي وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد اسْتَخْلَفَهُ وَلَهو كَانَ أعلم بِهِ وَأتقى لَهُ وَأَشد لَهُ مَخَافَة من أَن يثبت عَلَيْهَا لَو لم يَأْمُرهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي اسْتدلَّ بهَا على حقية خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الحَدِيث الْخَامِس عشر روى الديلمي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَقلت يَا جِبْرِيل من يُهَاجر معي قَالَ أَبُو بكر(2/427)
وَهُوَ يَلِي أَمر أمتك من بعْدك
الحَدِيث السَّادِس عشر روى تَمام عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله
قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أَمرك أَن تستشير أَبَا بكر
الحَدِيث السَّابِع عشر روى الإِمَام أَحْمد بِرِجَال الصَّحِيح عَن أبي البخْترِي قَالَ قَالَ عمر لأبي عُبَيْدَة أمسك يدك حَتَّى أُبَايِعك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله
يَقُول أَنْت أَمِين هَذِه الْأمة فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَا كنت لأتقدم بَين يَدي رجل أمره رَسُول الله
أَن يؤمنا فأمنا حَتَّى مَاتَ
الحَدِيث الثَّامِن عشر روى ابْن سعد عَن موهب مولى أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
قَالَ قلت لجبريل لَيْلَة أسرى بِي إِن قومِي لَا يصدقونني فَقَالَ يصدقك أَبُو بكر وَهُوَ الصّديق
الحَدِيث التَّاسِع عشر روى الديلمي عَن أم هانىء رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله
إِن الله بَعَثَنِي إلَيكم فقلتم كذبت فَقَالَ أَبُو بكر صدقت وواساني بِنَفسِهِ وَمَاله فَهَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي
الحَدِيث الْعشْرُونَ روى الْخَطِيب والديلمي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ دعوا لي صَاحِبي فَإِنِّي بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة فَلم يبْق أحد إِلَّا قَالَ كذبت إِلَّا أَبُو بكر الصّديق فَإِنَّهُ قَالَ صدقت صدقت
الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله
قَالَ مَا كلمت فِي الْإِسْلَام أحدا إِلَّا أَبى عَليّ وراجعني فِي الْكَلَام إِلَّا ابْن أبي قُحَافَة
الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ روى عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه(2/428)
والديلمي عَن ابْن عَبَّاس وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن كَعْب بن مَالك وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر وَالْإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن الزبير وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس والشيرازي فِي الألقاب عَن سعد وَمُسلم عَن ابْن مَسْعُود وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي وَاقد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن رَسُول الله
قَالَ أَبُو بكر صَاحِبي ومؤنسي فِي الْغَار فاعرفوا لَهُ قدره وَفِي لفظ مَا من أحد أَمن عَليّ فِي بَدْء صحبته وَذَات يَده من أبي بكر زَوجنِي ابْنَته وَخرج معي إِلَى دَار الْهِجْرَة وَفِي لفظ مَا لأحد علينا يَد إِلَّا وَقد كافأناه عَلَيْهَا مَا خلا أَبَا بكر فَإِن لَهُ عندنَا يدا يُكَافِئهُ الله تَعَالَى بهَا يَوْم الْقِيَامَة
الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ روى الشَّيْخَانِ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَالتِّرْمِذِيّ(2/429)
وَقَالَ حسن // (صَحِيح غَرِيب) // وَابْن مَاجَه عَن أنس أَن رَسُول الله
قَالَ أحب النَّاس إِلَيّ عَائِشَة وَمن الرِّجَال أَبوهَا
الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ روى أَبُو دَاوُد وَأَبُو نعيم وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَأخذ بيَدي فَأرَانِي بَاب الْجنَّة الَّذِي تدخل مِنْهُ أمتِي قَالَ أَبُو بكر وددت أَنِّي كنت مَعَك حَتَّى أنظر إِلَيْهِ قَالَ أما إِنَّك يَا أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي
الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ روى ابْن عَسَاكِر عَن أبي الْمِقْدَاد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله
رأى رجلا يمشي أَمَام أبي بكر فَقَالَ أتمشي أَمَام من هُوَ خير مِنْك إِن أَبَا بكر خير من طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت
الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة أَن رَسُول الله
قَالَ أتمشي أَمَام من هُوَ خير مِنْك ألم تعلم أَن الشَّمْس لم تشرق على أحد أَو تغرب خير من أبي بكر إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ
الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ روى الديلمي عَن عرْفجَة بن صَرِيح أَن رَسُول الله
قَالَ أَنا سيف الْإِسْلَام وَأَبُو بكر سيف الرِّدَّة
الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل أَبَا بكر معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة
الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ روى الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق بِسَنَدِهِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله
قَالَ إِن النَّاس كلهم يحاسبون إِلَّا(2/430)
أَبَا بكر
الحَدِيث الثَّلَاثُونَ روى الديلمي عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ تَأتي الْمَلَائِكَة بِأبي بكر مَعَ النَّبِيين وَالصديقين تزفه إِلَى الْجنَّة زفاً
الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ روى الإِمَام أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
مَا نَفَعَنِي مَال قطّ إِلَّا مَال أبي بكر
الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ روى عَبْدَانِ الْمروزِي وَابْن قَانِع عَن بهزاد قَالَ قَالَ رَسُول الله
ياأيها النَّاس احْفَظُونِي فِي أبي بكر فَإِنَّهُ لم يَسُؤْنِي مُنْذُ صحبني
الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ روى ابْن مردوية وَأَبُو نعيم والخطيب وَابْن عَسَاكِر أَن رَسُول الله
قَالَ للْعَبَّاس يَا عَم رَسُول الله إِن الله جعل أَبَا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فَاسْعَوْا لَهُ تُفْلِحُوا وَأَطيعُوا ترشدوا
الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ روى ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس وَالْحَاكِم عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا أَبَا بكر إِن الله أَعْطَاك الرضْوَان الْأَكْبَر قَالَ أَبُو بكر وَمَا رضوانه الأكبَرُ قَالَ إِن الله سيتجلى لِلْخلقِ عَامَّة ويتجلى لَك خَاصَّة(2/431)
الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
عرج بِي إِلَى السَّمَاء فَمَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وجدت فِيهَا اسْمِي مَكْتُوبًا مُحَمَّد رَسُول الله وَأَبُو بكر الصّديق خَلْفي أخرجه ابْن عَرَفَة الْعَبْدي والثقفي والأصفهاني
الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج صَاحب الصفوة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول مَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي بكر من سره أَن ينظر إِلَى مثل عِيسَى فِي الزّهْد فَلْينْظر إِلَيْهِ
الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الملا فِي سيرته وَأَبُو نعيم فِي فضائله عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ هَبَط جِبْرِيل إِلَى النَّبِي
فَوقف مَلِيًّا يناجيه فَمر أَبُو بكر الصدْق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَا مُحَمَّد هَذَا ابْن أبي قُحَافَة فَقَالَ يَا جِبْرِيل أوتعرفونه فِي السَّمَاء فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَهو فِي السَّمَاء أشهر مِنْهُ فِي الأَرْض وَإِن اسْمه فِي السَّمَاء الْحَلِيم(2/432)
الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ اخْرُج ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ أَبُو بكر وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يزوران قبر النَّبِي
بعد وَفَاته بِسِتَّة أَيَّام فَقَالَ عَليّ لأبي بكر تقدم يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت رَسُول الله
يَقُول فِيهِ عَليّ مني بمنزلتي من رَبِّي فَقَالَ عَليّ مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت النَّبِي
يَقُول فِيهِ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كَذبَنِي غير أبي بكر وَمَا مِنْكُم من أحد يصبح إِلَّا على بَابه ظلمَة إِلَّا بَاب أبي بكر فَقَالَ أَبُو بكر سمعتَ النَّبِي
يَقُوله قَالَ نعم فَأخذ أَبُو بكر بيد عَليّ فدخلا جَمِيعًا
الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أخرج الْمهرِي فِي مشيخته عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله
الْيَوْم الرِّهَان وَغدا السباق والغاية الْجنَّة والهالك فِي النَّار حل النَّار وَأَنا الأول وَأَبُو بكر الْمُصَلِّي وَعمر الثَّالِث وَالنَّاس بعدُ على السّنَن الأول فَالْأول
الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الْحَرْبِيّ السكرِي من حَدِيث أبي بن كَعْب أَنه قَالَ إِن أحدث عهدي بنبيكم
قبل وَفَاته بِخمْس لَيَال دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يقلب يَدَيْهِ وَيَقُول إِنَّه لم يكن من نَبِي إِلَّا وَقد اتخذ من أمته خَلِيلًا وَإِن خليلي من أمتِي أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة أَلا وَإِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا قَالَ فِي الرياض النضرة وَالْأَحَادِيث النافية للخلة أصح وَأثبت فَإِنَّهُ قد ورد وأوردته فِيمَا تقدم حَدِيث لَو كنت متخذاً خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا الحَدِيث وَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي أورته الان الْمُثبت للخلة فَيكون الله تَعَالَى قد أذن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِنْد تبريه(2/433)
من خلة غير الله تبَارك وَتَعَالَى مَعَ تشوقه لخلة أبي بكر لَوْلَا خلة الله فِي اتِّخَاذ أبي بكر خَلِيلًا مُرَاعَاة لجنوحه إِلَيْهَا وتعظيماً لشأن أبي بكر وَلَا يكون ذَلِك انصرافاً عَن خلة الله عز وَجل بل الخلتان ثابتتان كَمَا تضمنه الحَدِيث إِحْدَاهمَا لتشريف الْمُصْطَفى
وَالْأُخْرَى لتشريف أبي بكر
الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ السلَفِي عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ رَسُول الله
أَبُو بكر أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رحم الله أَبَا بكر وجزاه عَن رَسُول الله خيرا
الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ ابْن عبيد وَصَاحب الصفوة عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كنت عِنْد النَّبِي
وَعِنْده أَبُو بكر عَلَيْهِ عباءة قد خلها فِي صَدره بخلال فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ جِبْرِيل يَا مُحَمَّد مَا لي أرى أَبَا بكر عَلَيْهِ عباءة قد خلها فِي صَدره بخلال قَالَ يَا جِبْرِيل أنْفق مَاله عَليّ قبل الْفَتْح قَالَ فَإِن الله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك قل لَهُ أراضٍ عني أَنْت فِي فقرك هَذَا أم ساخط فَقَالَ أَبُو بكر أَسخط على رَبِّي أَنا عَن رَبِّي رَاض أَنا عَن رَبِّي رَاض أَنا عَن رَبِّي رَاض
الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَغوِيّ فِي المصابيح عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي رِوَايَة عَن أبي أُمَامَة أرْحم هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر خرجه فِي الْفَضَائِل(2/434)
الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج الْحَافِظ الْخَطِيب أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي
فَقَالَ يطلع عَلَيْكُم رجل لم يخلق الله بعدِي أحدا خيرا مِنْهُ وَلَا أفضل وَله شَفَاعَة مثل شَفَاعَة النَّبِيين فَمَا برحنا حَتَّى طلع أَبُو بكر فَقَالَ النَّبِي
وَقَبله وَالْتَزَمَهُ
الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
خير أَصْحَابِي أَبُو بكر
الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ أخرج صَاحب الْفَضَائِل عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا عِنْد بَاب النَّبِي
نقُول فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار نتذاكر الْفَضَائِل فارتفعت أصواتنا فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام علينا وَقَالَ فيمَ أَنْتُم قُلْنَا نتذاكر الْفَضَائِل قَالَ لَا تقدمُوا على أبي بكر أحدا فَإِنَّهُ أفضلكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَبُو نعيم الْبَصْرِيّ والغيلاني عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ بَلغنِي أَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا نظرت إِلَى النَّبِي
فَقَالَت يَا سيد الْعَرَب فَقَالَ أَنا سيد ولد آدم وَأَبُوك سيد كهول الْعَرَب ووعلي سيد شباب الْعَرَب
الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ أخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ قَالَ رَسُول الله
رَأَيْت كَأَنِّي فِي غنم سود فِيهَا غنم بيض فَلم أستبن السود من كَثْرَة الْبيض فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق يَا رَسُول الله هَذِه الْعَرَب ولدتَ فِيهَا ثمَّ تدخل الْعَجم فَلَا تستبين الْعَرَب من كثرتهم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَلِك عبرها الْملك بسحره(2/435)
الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج تَمام فِي فَوَائده وَأَبُو سعيد النقاش عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت النَّبِي
يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَأْمُرك أَن تستشير بِأبي بكر
الحَدِيث الْخَمْسُونَ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله
لَا يزَال يسمر عِنْد أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اللَّيْلَة فِي الْأَمر من أَمر الْمُسلمين وَإنَّهُ سمر عِنْده ذَات لَيْلَة وَأَنا مَعَه فَخرج رَسُول الله
وَخَرجْنَا مَعَه فَإِذا بِرَجُل قَائِم يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ فَقَامَ رَسُول الله
يستمع قِرَاءَته فَمَا كدنا نعرفه فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من سره أَن يقْرَأ الْقُرْآن رطبا كَمَا أنزل فليقرأه على قِرَاءَة ابْن أم عبد
الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن الله كره من السَّمَاء أَن يخطأ أَبُو بكر فِي الأَرْض
الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِي
أَنا أول من تَنْشَق عَن الأَرْض ثمَّ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ آتى البقيع فيحشرون معي ثمَّ أنْتَظر أهل مَكَّة حَتَّى يحْشرُوا بَين الْحَرَمَيْنِ
الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ أخرج الملا فِي سيرته عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ(2/436)
رَسُول الله
أول من يرد على الْحَوْض يَوْم الْقِيَامَة أَبُو بكر الصّديق
الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو الغطريف عَن ابْن عمر أَن النَّبِي
قَالَ لكل نَبِي رَفِيق ورفيقي أَبُو بكر وَعَن الزبير بِلَفْظ اللَّهُمَّ إِنَّك جعلت أَبَا بكر رفيقي فِي الْغَار فاجعله رفيقي فِي الْجنَّة
الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ أخرج الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ والملا بِمَعْنَاهُ عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نصب لإِبْرَاهِيم مِنْبَر أَمَام الْعَرْش وَنصب لي مِنْبَر أَمَام الْعَرْش وَنصب لأبي بكر كرْسِي فيجلس عَلَيْهِ ثمَّ يُنَادي مُنَاد يَا لَك من صديق بَين خَلِيل وحبِيب
الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو الْحسن العتيقي وَصَاحب الديباج وَصَاحب الْفَضَائِل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
قلت لجبريل حِين أسرى بى إِلَى السَّمَاء يَا جِبْرِيل هَل على أمتِي حِسَاب قَالَ كل أمتك عَلَيْهَا حِسَاب مَا خلا أَبَا بكر فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل لَهُ يَا أَبَا بكر أَدخل فَيَقُول مَا أَدخل حَتَّى يدْخل معي كل من أحبنى فِي الدُّنْيَا
الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله
رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي مَكْتُوبًا حول الْعَرْش فِي فرندة خضراء بقلم من نور لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق قلت الفرندة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء الْمُهْملَة ثوب مَعْرُوف مُعرب(2/437)
الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ أخرج أَبُو حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي
حِين رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة من عمْرَة الْجِعِرَّانَة بعث أَبَا بكر أَمِيرا على الْحَج فحج بِالنَّاسِ وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي مؤذنين بَعثهمْ يَوْم النَّحْر يُؤذنُونَ بمنى أَلا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان
الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ عَن عبد الله بن عمر اللَّيْثِيّ أَن النَّبِي
أَمر أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصُّبْح وَأَن أَبَا بكر كبر فَوجدَ النَّبِي
بعض الخفة فَقَامَ فَفرج الصُّفُوف قَالَ فَكَانَ أَبُو بكر لَا يلْتَفت فَلَمَّا سمع الْحسن من وَرَائه عرف أَنه لَا يتَقَدَّم إِلَى ذَلِك الْمقَام إِلَّا رَسُول الله
فخنس وَرَاءه فِي الصَّفّ فَرده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَكَانَهُ وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَدفع فِي ظَهره وَقَالَ صل بِالنَّاسِ وَجلسَ رَسُول الله
إِلَى جنب أبي بكر فصلى قَاعِدا عَن يَمِين أبي بكر وَقَوله خنس أَي انقبض وَتَأَخر
الحَدِيث السِّتُّونَ أخرج الإِمَام أَحْمد وَمُسلم فِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
من أصبح مِنْكُم الْيَوْم صَائِما قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن تبع مِنْكُم جَنَازَة قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن أطْعم الْيَوْم مِسْكينا قَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ فَمن عَاد مِنْكُم الْيَوْم مَرِيضا قَالَ أَبُو بكر أَنا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا اجْتمعت فِي امرىء إِلَّا دخل الْجنَّة وفى رِوَايَة أَن رَسُول الله
صلى الصُّبْح فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ أَيّكُم الْيَوْم أصبح صَائِما فَقَالَ عمر أما أَنا يَا رَسُول الله بت لَا أحدث نَفسِي بِالصَّوْمِ فَأَصْبَحت مُفطرا فَقَالَ أَبُو بكر أَنا يَا رَسُول الله بت اللَّيْلَة أحدث نَفسِي بِالصَّوْمِ فَأَصْبَحت صَائِما قَالَ فَأَيكُمْ الْيَوْم عَاد مَرِيضا فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله إِنَّا صلينَا السَّاعَة وَلم نَبْرَح فَكيف نعود الْمَرِيض فَقَالَ أَبُو بكر(2/438)
أَنا يَا رَسُول الله أخبروني أَن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وجع فَجعلت طريقي عَلَيْهِ فَسَأَلت عَنهُ ثمَّ أتيت الْمَسْجِد فَقَالَ رَسُول الله
فَأَيكُمْ الْيَوْم تصدق بِصَدقَة فَقَالَ عمر مثل مَا قَالَ أَولا فَقَالَ أَبُو بكر أَنا يَا رَسُول الله لما جِئْت من عِنْد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف دخلت الْمَسْجِد وَإِذا بسائل يسْأَل وَابْن لعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر مَعَه كسرة خبز فأخذتها مَعَه فناولتها السَّائِل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبى بكر أبشر بِالْجنَّةِ أبشر بِالْجنَّةِ مرَّتَيْنِ
الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ أخرج ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة عَن صلَة بن زفر قَالَ كَانَ أَبُو بكر إِذا ذكر عِنْد عَليّ قَالَ السباق وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا استبقنا إِلَى خير قطّ إِلَّا سبقنَا إِلَيْهِ أَبُو بكر
الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أخرج الشَّيْخَانِ وَالْإِمَام أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم عَن رَسُول الله
أَنه قَالَ من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي إِلَى الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعى من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعى من بَاب يُسمى الريان فَقَالَ أَبُو بكر بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله هَل يدعى أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم قلت فسر بعض الْعلمَاء قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زَوْجَيْنِ فَقَالَ قريبان أَو عَبْدَانِ وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ شَيْئَانِ متغايران دِرْهَم ودينار دِرْهَم وثوب وخف ولجام وَقَالَ الْعَلامَة الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد بذلك الْعَمَل من صَلَاتَيْنِ أَو صِيَام يَوْمَيْنِ وَالْأَصْل فِي الزَّوْج الصِّنْف وَالنَّوْع من(2/439)
كل شَيْء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَزْوَاجًا مِن نَباتٍ شَتى} طه 53 أَي أصنافاً وكل شَيْئَيْنِ مثلين كَانَا أَو غير مثلين فهما زوجان وكل وَاحِد مِنْهُمَا زوج وَالْمرَاد وَأنْفق نَوْعَيْنِ من مَاله فِي سَبِيل الله
الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ أخرج الإِمَام أَحْمد عَن أنس أَن النَّبِي
قَالَ إِن طير الْجنَّة كأمثال البخت ترى من شجر الْجنَّة قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِن هَذِه لطير ناعمة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أكلهَا أنعم مِنْهَا قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات وَإِنِّي لأرجو أَن تكون مِمَّن يَأْكُل مِنْهَا
الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن فِي الْجنَّة حوراً خَلقهنَّ الله من الْورْد يُقَال لَهُنَّ الورديات لَا يتَزَوَّج بِهن إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَإِن لأبي بكر مِنْهُنَّ أَرْبَعمِائَة
الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله
يدْخل رجل الْجنَّة فَلَا يبْقى أهل دَار وَلَا أهل غرفَة إِلَّا قَالُوا مرْحَبًا إِلَيْنَا إِلَيْنَا قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا توى على هَذَا الرجل فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ أجل وَأَنت هُوَ يَا أَبَا بكر خرجه أَبُو حَاتِم هَكَذَا بِالتَّاءِ معدّى ب عَليّ والتوى بِالْقصرِ الْهَلَاك
الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ عَن عبد خير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
الْخَيْر ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ خصْلَة إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعل فِيهِ وَاحِدَة مِنْهُنَّ فأُدْخل بهَا الْجنَّة قَالَ فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هَل فِي شَيْء مِنْهُنَّ قَالَ نعم جمع من كل خرجه فِي الْفَضَائِل وَأخرجه ابْن البهلول من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار وَقَالَ // (حَدِيث حسن) //(2/440)
الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ أخرج الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي
قَالَ لأبي بكر يَوْم بدر وَقد أَرَادَ أَن يتَقَدَّم فِي أول الْجند فَمَنعه وَقَالَ أما تعلم أَنَّك عِنْدِي بِمَنْزِلَة سَمْعِي وبصري
الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ أخرج الملا فِي سيرته عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت رَسُول الله
إِذا أقبل أَبُو بكر صافحه النَّبِي
وعانقه وَقبل فَاه فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أتقبل فا أبي بكر فَقَالَ
يَا أَبَا الْحسن منزلَة أبي بكر عِنْدِي كمنزلتي من رَبِّي
الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ أخرج الخلعي والملا وَصَاحب فضائله عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول لأبي بكر يَا أَبَا بكر إِن الله قد أَعْطَانِي ثَوَاب من آمن بِهِ مُنْذُ خلق الله آدم إِلَى أَن بَعَثَنِي وَإِن الله أَعْطَاك ثَوَاب من آمن مُنْذُ بَعَثَنِي إِلَى أَن تقوم السَّاعَة قلت تَأمل مَا يدل عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث الْعَظِيم من الْمحبَّة والتكريم وَالْفضل العميم
الحَدِيث السبعون أخرج الْحَافِظ السلَفِي فِي مشيخته عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
حب أبي بكر وَاجِب على أمتِي
الحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ خرج رَسُول الله
فَقَالَ يَا عمر إِنِّي أشتاق إِلَى إخْوَانِي فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله أفلسنا إخوانك قَالَ لَا أَنْتُم أَصْحَابِي وَلَكِن إخْوَانِي قوم آمنُوا بِي وَلم يروني قَالَ فَدخل أَبُو بكر على بَقِيَّة ذَلِك فَقَالَ لَهُ عمر يَا أَبَا بكر إِن رَسُول الله
قَالَ إِنِّي أشتاق إِلَى إخْوَانِي فَقلت لَهُ أَلسنا إخوانك قَالَ لَا أَنْتُم أَصْحَابِي وَلَكِن إخْوَانِي قوم آمنُوا بِي وَلم يروني فَقَالَ رَسُول الله
يَا أَبَا بكر أَلا تحب قوما(2/441)
بَلغهُمْ أَنَّك تحبني فأحبوك بحبك إيَّايَ فأحببهم أحبهم الله أخرجه ابْن فَيْرُوز
الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ خرج ابْن السمان عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ التقى أَبُو بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب فَتَبَسَّمَ أَبُو بكر فِي وَجه عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ عَليّ مَالك تتبسم فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله
يَقُول لَا يجوز أحد الصِّرَاط إِلَّا من كتب لَهُ عَليّ بن أبي طَالب الْجَوَاز فَضَحِك عَليّ وَقَالَ أَلا أُبَشِّرك يَا أَبَا بكر قَالَ رَسُول الله
لَا يكْتب عَليّ الْجَوَاز إِلَّا لمن أحب أَبَا بكر
الحَدِيث الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ عَن أنس أَن يَهُودِيّا أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ وَالَّذِي بعث مُوسَى كليما إِنِّي لَأحبك فَلم يرفع أَبُو بكر إِلَيْهِ رَأسه تهاونا باليهودى قَالَ فهبط جِبْرِيل على النَّبِي
فَقَالَ يَا مُحَمَّد الْعلي الْأَعْلَى يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك قل لِلْيَهُودِيِّ الَّذِي قَالَ لأبى بكر إِنِّي أحبك إِن الله عز وَجل قد حاد عَنهُ فِي النَّار خلتين لَا تُوضَع الأنكال فِي قَدَمَيْهِ وَلَا الغل فِي عُنُقه بحبه لأبي بكر قَالَ فَبعث النَّبِي
فَأحْضرهُ وَأخْبرهُ الْخَبَر فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك مُحَمَّد رَسُول الله حَقًا والذى بَعثك بِالنُّبُوَّةِ لَا ازددت لأبي بكر إِلَّا حبا فَقَالَ رَسُول الله
هَنِيئًا هَنِيئًا
الحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخرج ابْن بَشرَان وَصَاحب الْفَضَائِل عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله
قَالَ يُنَادي مُنَاد أَيْن السَّابِقُونَ الْأَولونَ فَيُقَال(2/442)
من فَيَقُول أَيْن أَبُو بكر الصّديق فيتجلى الله لأبي بكر الصّديق خَاصَّة وَلِلنَّاسِ عَامَّة
الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر كُنَّا نقُول وَرَسُول الله
حَيّ أفضل أمته بعده أَبُو بكر ثمَّ عمر فَيبلغ ذَلِك النَّبِي
فَلَا يُنكره وَفِي البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قلت لأبي يَعْنِي عليا رَضِي الله عَنهُ أَي النَّاس خير بعد رَسُول الله
فَقَالَ أَبُو بكر قلت ثمَّ مَنْ قَالَ عمر وخشيت أَن يَقُول عُثْمَان قلت ثمَّ أَنْت قَالَ مَا أَنا إِلَّا رجل من الْمُسلمين قَالَ ذَلِك فِي تمكنه وَقُوَّة ولَايَته على مِنْبَر الْكُوفَة وَأَبُو بكر وَعمر قد مَاتَا فَأَي تقية تكون إِذْ ذَاك وَأي طعم يبْقى لَهَا وَأي نتيجة فِيهَا وَأي عقل لمدعيها
الحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أسعد بن زُرَارَة أَن رَسُول الله
قَالَ إِن روح الْقُدس جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن خير أمتك بعْدك أَبُو بكر
الحَدِيث السَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخرج ابْن مهْدي وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
أَبُو بكر خير النَّاس إِلَّا أَن يكون نَبِي
الحَدِيث الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ أخرج الديلمي عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله
قَالَ أَبُو بكر مني وَأَنا مِنْهُ وَأَبُو بكر أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الحَدِيث التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ أخرج الديلمي عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله
قَالَ أُمرت أَن أولي الرُّؤْيَا أَبَا بكر(2/443)
الحَدِيث الثَّمَانُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي
قَالَ لأبي بكر أَنْت عَتيق من النَّار
الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي
قَالَ لأبي بكر أَنْت صَاحِبي على الْحَوْض وصاحبي فِي الْغَار
الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ أخرج أَبُو يعلى فِي مُسْنده وَأَبُو سعيد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت إِنِّي لفي بَيْتِي ذَات يَوْم وَرَسُول الله
وَأَصْحَابه فِي الفِناء والستر بيني وَبينهمْ إِذْ أقبل أَبُو بكر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من سره أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر وَإِن اسْمه الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهله عبد الله فغلب عَلَيْهِ اسْم عَتيق
الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ أخرج الْحَاكِم بِسَنَد جيد أَن عَائِشَة قَالَت جَاءَ الْمُشْركُونَ إِلَى أبي بكر فَقَالُوا هَل لَك إِلَى صَاحبك يزْعم أَنه أسرى بِهِ اللَّيْلَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ أَبُو بكر أَو قَالَ ذَلِك قَالُوا نعم فَقَالَ لقد صدق قَالُوا فَأَنت تصدقه يَا أَبَا بكر فَقَالَ إِنِّي لَأُصَدِّقهُ بأبعد من ذَلِك أصدقه بِخَبَر السَّمَاء فِي غدْوَة أَو رَوْحَة
الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ أَن رَسُول الله
قَالَ رَأَيْت إِنِّي وضعت فِي كفة فعدلتها ثمَّ وضع أَبُو بكر فِي كفة وَأمتِي فِي كفة فعدلها وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّة اقتصرت مِنْهَا على مَحل الشَّاهِد
الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه والضياء عَن سعيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ عشرَة فِي الْجنَّة أَبُو بكر فِي الْجنَّة الحَدِيث وَله تَتِمَّة ستأتي(2/444)
الحَدِيث السَّادِس وَالثَّمَانُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ رحم الله أَبَا بكر زَوجنِي ابْنَته وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة وَأعْتق بِلَالًا من مَاله وَمَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر وَقَوله وحملني إِلَى دَار الْهِجْرَة يُنَافِيهِ حَدِيث البُخَارِيّ أَنه
لم يَأْخُذ الرَّاحِلَة الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا من أبي بكر إِلَّا بِالثّمن إِلَّا أَن يجمع بِأَنَّهُ أَخذهَا مِنْهُ أَولا بِالثّمن ثمَّ أَبْرَأ أَبُو بكر ذمَّته من الثّمن انْتهى قلت تَعْلِيل أَئِمَّة الحَدِيث امْتِنَاعه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْأَخْذ إِلَّا بِالثّمن يقْصد أَن تكون الْهِجْرَة تَامَّة خَالِصَة لله تَعَالَى من سَائِر وجوهها لَا مشركية لمخلوق فِيهَا وَلَا منَّة يُنَافِي هَذَا الْجمع إِذْ بِالْإِبْرَاءِ تتَحَقَّق الشّركَة وَالله تَعَالَى أعلم
الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْمِقْدَاد قَالَ استب عقيل بن أبي طَالب وَأَبُو بكر وَكَانَ أَبُو بكر نساباً غير أَنه تحرج من قرَابَة عقيل من النَّبِي
فَأَعْرض عَنهُ وشكاه إِلَى النَّبِي
فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّاس فَقَالَ أَلا تدعوا لي صَاحِبي مَا شَأْنكُمْ وشأنه فوَاللَّه مَا مِنْكُم رجل إِلَّا على بَاب قلبه ظلمَة إِلَّا بَاب أبي بكر فَإِن على بَابه النُّور وَلَقَد قُلْتُمْ كذبت وَقَالَ أَبُو بكر صدقت وأمسكتم الْأَمْوَال وجاد لي بِمَالِه وخذلتموني وواساني واتبعني
الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ أخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله
من جر ثَوْبه خُيَلاء لم ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِن أحد شقي ثوبي يسترخي إِلَّا أَن أتعاهد ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة(2/445)
وَالسَّلَام إِنَّك لست تصنع ذَلِك خُيَلَاء
الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير لما نزلت {وَلَو أَنا كتبا عَلَيهم أنِ اقتُلُوا أنفُسَكُم} النِّسَاء 66 قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله لَو أَمرتنِي أَن أقتل نَفسِي لفَعَلت فَقَالَ
صدقت
الحَدِيث التِّسْعُونَ أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قُرِئت عِنْد النَّبِي
{يَا أيتها النفسُ المُطمَئِنَةُ} الْفجْر 27 فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِن هَذَا لحسن فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أما إِن الْملك سيقولها لَك عِنْد الْمَوْت
الحَدِيث الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن شاهين فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا قَالَ دخل رَسُول الله
غديراً فَقَالَ ليسبح كل رجل إِلَى صَاحبه فسبح كل رجل مِنْهُم إِلَى صَاحبه حَتَّى بَقِي رَسُول الله
وَأَبُو بكر فسبح رَسُول الله
إِلَى أبي بكر حَتَّى اعتنقه
الحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مجمع الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه قَالَ إِن كَانَت حَلقَة رَسُول الله
لتشبك حَتَّى تصير كالأسوار وَإِن مجْلِس أبي بكر مِنْهَا لفارغ لَا يطْمع فِيهِ أحد من النَّاس فَإِذا جَاءَ أَبُو بكر جلس ذَلِك الْمجْلس عَن يَمِينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَقْبل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِوَجْهِهِ وَألقى إِلَيْهِ حَدِيثه وَسمع النَّاس قلت تأملها فيا لَهَا منقبة حلت من يفاع الْمجد أَعلَى مرقبة
الحَدِيث الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله
حب أبي بكر وشكره وَاجِب على كل أمتِي وَأخرج مثله من حَدِيث سهل(2/446)
ابْن سعد
الحَدِيث الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر أَنه قيل لأبي بكر فِي مجمع هَل شربت الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ أعوذ بِاللَّه فَقيل لَهُ وَلم قَالَ كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي فَإِن من شرب الْخمر كَانَ مضيعاً عرضه ومروءته فَبلغ ذَلِك رَسُول الله
فَقَالَ صدق أَبُو بكر صدق أَبُو بكر
الحَدِيث الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ أخرج الْحَاكِم فِي الكنى وَابْن عدي فِي الْكَامِل والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
قَالَ أَبُو بكر وَعمر خير الْأَوَّلين والآخرين وَخير أهل السَّمَوَات وَخير أهل الْأَرْضين إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ
الحَدِيث السَّادِس وَالتِّسْعُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا حَبل الله الْمَمْدُود من تمسك بِهِ فقد تمسك بالعروة الوثقى الَّتِي لَا انفصام لَهَا
الحَدِيث السَّابِع وَالتِّسْعُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد أَن النَّبِي
قَالَ مَا من نَبِي إِلَّا وَله وزيران من أهل السَّمَاء ووزيران من أهل الأَرْض فَأَما وزيراي من أهل السَّمَاء فجبريل وَمِيكَائِيل وَأما وزيراي من أهل الأَرْض فَأَبُو بكر وَعمر
الحَدِيث الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ أخرج أَحْمد والشيخان وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول بَيْنَمَا رَاع فِي غنمه عدا عَلَيْهِ الذِّئْب فَأخذ مِنْهُ شَاة فَطَلَبه الرَّاعِي فَالْتَفت إِلَيْهِ الذِّئْب فَقَالَ استنقذها مني فَمن لَهَا يَوْم السَّبع يَوْم(2/447)
لَا راعي لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله ذِئْب يتَكَلَّم فَقَالَ النَّبِي
فَإِنِّي أُؤْمِن بذلك وَأَبُو بكر
الحَدِيث التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر أَن النَّبِي
قَالَ إِن أهل الدَّرَجَات الْعلَا ليراهم من هُوَ أَسْفَل مِنْهُم كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي أفق السَّمَاء وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم
الحَدِيث الْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله
قَالَ إِن أهل عليين ليشرف واحدهم على الْجنَّة فيضيء وَجهه لأهل الْجنَّة كَمَا يضيء الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأنعما
الحَدِيث الْحَادِي وَالْمِائَة أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن حنْطَب أَن رَسُول الله
رأى أَبَا بكر وَعمر فَقَالَ هَذَانِ السّمع وَالْبَصَر
الحَدِيث الثَّانِي وَالْمِائَة أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس والخطيب عَن جَابر وَأَبُو يعلي أَن رَسُول الله
قَالَ أَبُو بكر وَعمر مني بِمَنْزِلَة السّمع وَالْبَصَر من الرَّأْس
الحَدِيث الثَّالِث وَالْمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن لكل نَبِي خَاصَّة من أصحابة وَإِن خاصتي من أَصْحَابِي أَبُو بكر(2/448)
وَعمر
الحَدِيث الرَّابِع وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله
قَالَ لكل نَبِي وزيران ووزيراي وصاحباي أَبُو بكر وَعمر
الحَدِيث الْخَامِس وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ وَالزُّبَيْر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي
قَالَ خير أمتِي بعدِي أَبُو بكر وَعمر
الحَدِيث السَّادِس وَالْمِائَة أخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه أَن رَسُول الله
قَالَ سيد كهول أهل الْجنَّة أَبُو بكر وَعمر وَإِن أَبَا بكر فِي الْجنَّة مثل الثريا فِي السَّمَاء
الحَدِيث السَّابِع وَالْمِائَة أخرج ابْن النجار عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله
مَا قدمت أَبَا بكر وَعمر وَلَكِن الله قدمهما
الحَدِيث الثَّامِن وَالْمِائَة أخرج ابْن قَانِع عَن الْحجَّاج التَّيْمِيّ أَن رَسُول الله
قَالَ من رَأَيْتُمُوهُ يذكر أَبَا بكر وَعمر بِسوء فَإِنَّمَا يزِيل الْإِسْلَام
الحَدِيث التَّاسِع وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي
قَالَ الْقَائِم بعدِي فِي الْجنَّة وَالَّذِي يقوم بعده فِي الْجنَّة وَالثَّالِث وَالرَّابِع فِي الْجنَّة
الحَدِيث الْعَاشِر وَالْمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس أَن رَسُول الله
قَالَ أَرْبَعَة لَا يجْتَمع حبهم فِي قلب مُنَافِق وَلَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي(2/449)
الحَدِيث الْحَادِي عشر وَالْمِائَة أخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
قَالَ نعم الرجل أَبُو بكر نعم الرجل عمر وَعدد أشخاصاً سِتَّة
الحَدِيث الثَّانِي عشر وَمِائَة أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله
كَانَ يخرج على أَصْحَابه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وهم جُلُوس فيهم أَبُو بكر وَعمر فَلَا يرفع إِلَيْهِ أحد مِنْهُم بَصَره إِلَّا أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا كَانَا ينْظرَانِ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِمَا ويتبسمان إِلَيْهِ ويتبسم إِلَيْهِمَا
الحَدِيث الثَّالِث عشر وَمِائَة أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله
خرج ذَات يَوْم فَدخل الْمَسْجِد وَأَبُو بكر وَعمر أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله وَهُوَ آخذ بأيديهما وَقَالَ هَكَذَا نبعث يَوْم الْقِيَامَة
الحَدِيث الرَّابِع عشر وَمِائَة أخرج الْبَزَّار عَن أبي أروى الدوسي قَالَ كنت عِنْد النَّبِي
فَأقبل أَبُو بكر وَعمر فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أيدني بكما
الحَدِيث الْخَامِس عشر وَمِائَة أخرج عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد عَن أنس مَرْفُوعا أَن رَسُول الله
قَالَ إِنِّي أَرْجُو لأمتي فِي حبهم لأبى بكر وَعمر مَا أَرْجُو لَهُم فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله(2/450)
الحَدِيث السَّادِس عشر وَمِائَة أخرجه أَبُو يعلى عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَالَ رَسُول الله
أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا فَقلت يَا جِبْرِيل حَدثنِي بفضائل عمر فَقَالَ لَو حدثتك بفضائل عمر مُدَّة مَا لبث نوح فِي قومه مَا نفدت فضائله وَإنَّهُ لحسنة من حَسَنَات أبي بكر
الحَدِيث السَّابِع عشر وَمِائَة أخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَن رَسُول الله
قَالَ لأبي بكر وَعمر لَو اجتمعتما فِي مشورة مَا خالفتكما
الحَدِيث الثَّامِن عشر وَمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل قَالَ لما قدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من حجَّة الْوَدَاع صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن أَبَا بكر لم يَسُؤْنِي قطّ فاعرفوا لَهُ ذَلِك أَيهَا النَّاس إِنِّي رَاض عَن أبي بكر
الحَدِيث التَّاسِع عشر وَمِائَة أخرج ابْن سعد عَن بسطَام بن مُسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله
لأبي بكر وَعمر لَا يتأمر عَلَيْكُمَا أحد بعدِي
الحَدِيث الْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر مَرْفُوعا حب أبي بكر وَعمر إِيمَان وبغضهما كفر
الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج ابْن عَسَاكِر أَيْضا أَن رَسُول الله
قَالَ حب أبي بكر وَعمر من السّنة
الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج مُحَمَّد بن يحيى فِي الزهريات عَن أبي ذَر قَالَ هجرت يَوْمًا من الْأَيَّام فَإِذا النَّبِي
قد خرج من بَيته فَسَأَلت عَنهُ(2/451)
الْخَادِم فَأَخْبرنِي أَنه بِبَيْت عَائِشَة فَأَتَيْته وَهُوَ جَالس لَيْسَ عِنْده أحد من النَّاس وَكَانَ حِينَئِذٍ أرى أَنه فِي وَحي فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام ثمَّ قَالَ مَا جَاءَ بك قلت الله وَرَسُوله فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست إِلَى جنبه لَا أسأله عَن شَيْء إِلَّا ذكره لي فَمَكثَ غير كثير فجَاء أَبُو بكر يمشى مسرعاً فَسلم فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ مَا جَاءَ بك قَالَ الله وَرَسُوله فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى ربوة مُقَابل النَّبِي
أَن اجْلِسْ فَجَلَسَ ثمَّ جَاءَ عمر ثمَّ جَاءَ عُثْمَان فَجَلَسَا إِلَى جَانب أبي بكر ثمَّ قبض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سبع أَو تسع حَصَيَات فسبحن حَتَّى سمع لَهُنَّ حنين كحنين النَّحْل فِي كف رَسُول الله
ثمَّ ناولهن أَبَا بكر وجاوزني فسبحن فِي كف أبي بكر ثمَّ أخذهنَ مِنْهُ فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن ثمَّ ناولهن عمر فسبحن فِي كَفه ثمَّ أخذهن فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن ثمَّ ناولهن عُثْمَان فسبحن فِي كَفه ثمَّ أخذهن فوضعهن فِي الأَرْض فخرسن قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر تَأمل سر إِعْطَاء النَّبِي
إياهن لأبي بكر من يَده قبل وضعهن فِي الأَرْض بِخِلَافِهِ فِي عمر وَعُثْمَان فَعلم أَن ذَلِك لمزيد قرب أبي بكر حَتَّى صير يَده لَيست أَجْنَبِيَّة من يَد النَّبِي
فَلم يفصل بَينهمَا بِزَوَال حبات تِلْكَ الحصيات بِخِلَافِهِ فِي عمر وَعُثْمَان
الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وَالْمِائَة أخرج الملا فِي سيرته أَنه
قَالَ إِن الله افْترض عَلَيْكُم حب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي كَمَا افْترض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج فَمن أنكر فَضلهمْ فَلَا تقبل مِنْهُ الصَّلَاة وَلَا الزَّكَاة وَلَا الصَّوْم وَلَا الْحَج
الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الشَّيْخَانِ وَأحمد وَغَيرهم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه خرج إِلَى الْمَسْجِد فَسَأَلَ عَن النَّبِي
فَقَالُوا وَجه هَاهُنَا فَخرجت فِي أَثَره حَتَّى دخل بِئْر أريس فَجَلَست عِنْد الْبَاب وبابها من جريد حَتَّى قضى رَسُول الله
حَاجته فَتَوَضَّأ فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس على بِئْر أريس وتوسط قفها فَجَلَست عِنْد الْبَاب فَقلت لأكونن بوابا للنَّبِي
الْيَوْم(2/452)
فجَاء أَبُو بكر فدق الْبَاب فَقلت من هَذَا قَالَ أَبُو بكر فَقلت على رسلك ثمَّ ذهبت إِلَى رَسُول الله
فَقلت هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ وَهَكَذَا حِين جَاءَ عمر وَهَكَذَا حِين جَاءَ عُثْمَان وَزَاد بعد بشره الْجنَّة قَوْله إِلَى بلوى تصيبه
الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الْحَافِظ عمر بن مُحَمَّد بن خضر الملا فِي سيرته أَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ روى بِسَنَدِهِ أَنه
قَالَ كنت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي أنواراً على يَمِين الْعَرْش قبل أَن يخلق الله آدم بِأَلف عَام فَلَمَّا خلق أسكنا ظَهره وَلم نزل ننتقل فِي الأصلاب الطاهرة حَتَّى نقلني الله إِلَى صلب عبد الله وَنقل أَبَا بكر إِلَى صلب أبي قُحَافَة وَنقل عمر إِلَى صلب الْخطاب وَنقل عُثْمَان إِلَى صلب عَفَّان وَنقل عليا إِلَى صلب أبي طَالب ثمَّ اخْتَارَهُمْ لي أصحاباً فَجعل أَبَا بكر صديقا وَعمر فاروقاً وَعُثْمَان ذَا النورين وعلياً وَصِيّا فَمن سبّ أَصْحَابِي فقد سبني وَمن سبني فقد سبّ الله وَمن سبّ الله أكبه فِي النَّار على مَنْخرَيْهِ
الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي الرياض النضرة أَنه
قَالَ أخبرنى جِبْرِيل أَن الله تَعَالَى لما خلق آدم وَأدْخل الرّوح فِي جسده أَمرنِي أَن آخذ تفاحة من الْجنَّة فأعصرها فِي حلقه فعصرتها فِي فِيهِ فخلق الله من النقطة الأولى أَنْت يَا مُحَمَّد وَمن الثَّانِيَة أَبَا بكر وَمن الثَّالِثَة عمر وَمن الرَّابِعَة عُثْمَان وَمن الْخَامِسَة عليا فَقَالَ آدم يَا رب من هَؤُلَاءِ الَّذين أكرمتهم فَقَالَ تَعَالَى هَؤُلَاءِ خَمْسَة أَشْيَاخ من ذريتك وهم أكْرم عِنْدِي من جَمِيع خلقي قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر أَي أَنْت أكْرم الْأَنْبِيَاء وَالرسل وهم أكْرم أَتبَاع الرُّسُل فَلَمَّا عصى آدم ربه قَالَ يَا رب بِحرْمَة أُولَئِكَ الْأَشْيَاخ الْخَمْسَة الَّذين(2/453)
فضلتهم إِلَّا تبت عَليّ فَتَابَ عَلَيْهِ
الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ لما اشْتَكَى أَبُو طَالب شكواه الَّتِي مَاتَ فِيهَا قَالَت لَهُ قُرَيْش أرسل إِلَى ابْن أَخِيك يُرْسل إِلَيْك من الْجنَّة الَّتِي ذكرهَا مَا يكون لَك شِفَاء فجَاء رَسُوله إِلَى رَسُول الله
وَأَبُو بكر جَالس مَعَه فَقَالَ إِن عمك يَقُول لَك إِنِّي ضَعِيف سقيم فَأرْسل إِلَيّ من جنتك مَا يكون شِفَاء فَقَالَ أَبُو بكر إِن الله حرمهَا على الْكَافرين فَرجع الرَّسُول فَأخْبرهُم بمقالة أبي بكر فحملوا عَلَيْهِ بِأَنْفسِهِم ثمَّ أَرْسلُوهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي
مثل مَا قَالَ أَبُو بكر إِن الله حرمهَا على الْكَافرين
الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرج فِي الْفَضَائِل وَقَالَ حسن صَحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي
قَالَ لحسان لَا تعجل وأتِ أَبَا بكر فَإِنَّهُ أعلم قُرَيْش بأنسابها حَتَّى يمحض لَك نسبي
الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة عَن ابْن عمر لما كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا أَبُو بكر الصّديق أقبل ربكُم على جنَّة عدن فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أدْخلك إِلَّا من أحب هَذَا الْمَوْلُود أخرجه الديلمي قَالَ فِي بَحر الْأَنْسَاب وَنَقله فِي الرياض عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ حَدثنِي عَليّ بن أبي طَالب من فِيهِ قَالَ لما أَمر الله تبَارك وَتَعَالَى رَسُوله
أَن يعرض نَفسه على قبائل الْعَرَب يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام خرج وَأَنا مَعَه وَأَبُو بكر فدفعنا إِلَى مجْلِس من مجَالِس الْعَرَب فَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ مقدما فِي كل خير وَكَانَ رجلا نسابة فَتقدم وَقَالَ مِمَّن الْقَوْم فَقَالُوا من ربيعَة فَقَالَ أَي ربيعَة أَنْتُم من هامتها أم لهزمتها فَقَالُوا بل من الهامة الْعُظْمَى فَقَالَ أَبُو بكر وَأي هامتها الْعُظْمَى قَالُوا من ذهل الْأَكْبَر فَقَالَ أفيكم عَوْف الَّذِي يُقَال فِيهِ لَا(2/454)
حر بوادي عَوْف قَالُوا لَا قَالَ أفيكم جساس بن مرّة حامي الذمار ومانع الْجَار قَالُوا لَا قَالَ أفيكم بسطَام بن قيس أَبُو اللِّوَاء ومنتهى الْأَحْيَاء قَالُوا لَا قَالَ أفيكم الحوفزان قَاتل الْمُلُوك وسالبها أَنْفسهَا قَالُوا لَا قَالَ أفيكم المزدلف صَاحب العيافة والندوة قَالُوا لَا قَالَ أفمنكم أخوال الْمُلُوك من كِنْدَة قَالُوا لَا قَالَ أفمنكم أَصْهَار الْمُلُوك من لخم قَالُوا لَا قَالَ أَبُو بكر فلستم ذهل الْأَكْبَر أَنْتُم ذهل الْأَصْغَر فَقَالَ إِلَيْهِ غُلَام من بني شَيبَان حِين بقل وَجهه يُقَال لَهُ دَغْفَل فَقَالَ // (من الرجز) //
(إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهْ ... وَالعِبْءَ لاَ تَعْرِفُهُ أَوْ تَحْمِلُهْ)
يَا هَذَا إِنَّك قد سألتنا فأخبرناك وَلم نكتمك شَيْئا من أمرنَا فَمن الرجل فَقَالَ أَبُو بكر من قُرَيْش فَقَالَ الْفَتى بخ بخ أهل الشّرف والرياسة فَمن أَي القرشيين أَنْت قَالَ من ولد تيم بن مرّة قَالَ الْفَتى أمكنت وَالله من سَوَاء الثغرة أمنكم قصي الَّذِي جمع الْقَبَائِل من فهر وَكَانَ يدعى فِي قُرَيْش مجمعا قَالَ لَا قَالَ أفمنكم هَاشم الَّذِي هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ وَأهل مَكَّة مسنتون عجاف قَالَ لَا قَالَ أفمنكم شيبَة الْحَمد عبد الْمطلب مطعم طير السَّمَاء الَّذِي كَانَ وَجهه كَالْقَمَرِ فِي اللَّيْلَة الداجية قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل السِّقَايَة أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الْإِفَاضَة بِالنَّاسِ أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الحجابة أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الندوة أَنْت قَالَ لَا قَالَ فَمن أهل الرفادة أَنْت قَالَ لَا فاجتذب أَبُو بكر زِمَام نَاقَته رَاجعا إِلَى رَسُول الله
فَقَالَ الْغُلَام // (من الرجز) //
(صَادَفَ درُُّ السَّيْلِ درًّا يَدْفَهُهْ ... يَهِيضُهُ طَوْراً وطَوْرًا يَصْدَعُهْ)
أما وَالله لَو ثَبت لأخبرتك من أَي قُرَيْش أَنْت قَالَ فَتَبَسَّمَ رَسُول الله
قَالَ عَليّ فَقلت يَا أَبَا بكر لقد وَقعت من الْأَعرَابِي على باقعة أجل يَا أَبَا(2/455)
حسن مَا من طامة إِلَّا وفوقها طامة وَالْبَلَاء مُوكل بالْمَنْطق قَالَ ثمَّ دفعنَا إِلَى مجْلِس آخر عَلَيْهِ السكينَة وَالْوَقار فَتقدم أَبُو بكر وَسلم وَقَالَ مِمَّن الْقَوْم قَالُوا من شَيبَان بن ثَعْلَبَة فَالْتَفت أَبُو بكر إِلَى رَسُول الله
وَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي هَؤُلَاءِ غرر النَّاس وَفِيهِمْ مفروق بن عَمْرو وهانىء بن قبيصَة والمثنى من حَارِثَة والنعمان بن شريك وَكَانَ مفروق أدنى الْقَوْم مَجْلِسا فَقَالَ أَبُو بكر كَيفَ المنعة فِيكُم فَقَالَ مفروق علينا الْجهد وَلكُل قوم جهد قَالَ أَبُو بكر فَكيف الْحَرْب بَيْنكُم وَبَين عَدوكُمْ فَقَالَ إِنَّا لأشد مَا نَكُون غَضبا حِين نلقى وَأَشد مَا نَكُون لِقَاء حِين نغضب وَإِنَّا لنؤثر الْجِيَاد على الْأَوْلَاد وَالسِّلَاح على اللقَاح والنصر من عِنْد الله يديلنا مرّة ويديل علينا آخرى ثمَّ الْتفت إِلَى رَسُول الله
فَقَالَ لَعَلَّك أَخُو قُرَيْش قَالَ أَبُو بكر لقد بَلغَكُمْ أَنه رَسُول الله
أَلا هُوَ ذَا فَقَالَ مفروق بلغنَا أَنه يذكر ذَلِك فإلام تدعونا يَا أَخا قُرَيْش فَتقدم رَسُول الله
وَجلسَ فَقَامَ أَبُو بكر يظله بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُول الله
أدعوكم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَالِي أَن تعزروني وتنصروني فَإِن قُريْشًا قد ظَاهَرت على أَمر الله وكذبت رَسُوله واستغنت بِالْبَاطِلِ عَن الْحق وَالله هُوَ الْغَنِيّ الحميد فَقَالَ مفروق بن عَمْرو وإلام تدعونا يَا أَخا قُرَيْش فوَاللَّه مَا سَمِعت كلَاما أحسن من هَذَا فَتلا رَسُول الله
{قُل تَعالوا أتلُ مَا حَرَمَ رَبكُم عَليكُم} إِلَى قَوْله {فَتَفَرَقَ بِكم عَن سبيلِه ذَلِكم وَصاكُم بِهِ لَعَلَكم تَتَقونَ} الْأَنْعَام 151 - 153 فَقَالَ مفروق وإلام تدعونا يَا أَخا قُرَيْش قَالَ فَتلا رَسُول الله
{إِنَ الله يأمُرُ بِالعَدِل والإحسَانِ} النَّحْل 9 الْآيَة قَالَ مفروق دَعَوْت وَالله يَا أَخا قُرَيْش إِلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال وَلَقَد أفك قوم كَذبُوك وظاهروا عَلَيْك وَكَأَنَّهُ أحب أَن يشركهُ فِي الْكَلَام هانىء بن قبيصَة فَقَالَ وَهَذَا هانىء بن قبيصَة شَيخنَا وَصَاحب ديننَا فَقَالَ هانىء قد سَمِعت مَقَالَتك يَا أَخا قُرَيْش وَإِنِّي أرى أَن تركنَا ديننَا واتباعك على دينك(2/456)
لمجلس جلسنا إِلَيْك لَيْسَ لَهُ أول وَلَا آخر زلَّة فِي الرَّأْي وَقلة نظر فِي الْعَاقِبَة وَإِنَّمَا تكون الزلة مَعَ العجلة وَمن وَرَائِنَا قوم نكره أَن نعقد عَلَيْهِم عقدا وَلَكِن ترجع وَنَرْجِع وَتنظر وَنَنْظُر وَكَأَنَّهُ أحب أَن يُشْرك الْمثنى بن حَارِثَة فَقَالَ وَهَذَا الْمثنى بن حَارِثَة شَيخنَا وَصَاحب حربنا فَقَالَ الْمثنى بن حَارِثَة قد سَمِعت مَقَالَتك يَا أَخا قُرَيْش وَالْجَوَاب فِيهَا جَوَاب هانىء بن قبيصَة فِي تركنَا ديننَا ومتابعتك على دينك وَإِنَّا نزلنَا بَين صريين الْيَمَامَة والسماوة فَقَالَ رَسُول الله
مَا هَذَانِ الصريان فَقَالَ أَنهَار كسْرَى ومياه الْعَرَب فَأَما مَا كَانَ من أَنهَار كسْرَى فذنب صَاحبه غير مغْفُور وعذره غير مَقْبُول وَإِنَّا إِنَّمَا نزلنَا على عهد أَخذه علينا أَلا نُحدث حَدثا وَلَا نؤوي مُحدثا وَإِنِّي أرى هَذَا الْأَمر الَّذِي تدعونا إِلَيْهِ يَا أَخا قُرَيْش مِمَّا تكرههُ الْمُلُوك فَإِن أَحْبَبْت أَن نؤويك مِمَّا يَلِي مياه الْعَرَب فعلنَا فَقَالَ رَسُول الله
مَا أسأتم فِي الرَّد إِذْ أفصحتم بِالصّدقِ وَإِن دين الله لم ينصره إِلَّا من حاطه من جَمِيع جوانبه أَرَأَيْتُم إِن لم تلبثوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يورثكم الله أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ ويفرشكم نِسَاءَهُمْ أتسبحون الله وتقدسونه قَالَ النُّعْمَان بن شريك اللَّهُمَّ فلك ذَلِك فَتلا رَسُول الله
{يَا أيّها النَّبِي إِنّاً أرسَلناكَ شاهِداً وَمُبَشراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى الله بِإِذنِهِ وَسِراجاً مُّنِيراً} الْأَحْزَاب 45، 46 ثمَّ نَهَضَ رَسُول الله
قَابِضا على يَد أبي بكر وَهُوَ يَقُول أَيَّة أَخْلَاق فِي الْجَاهِلِيَّة مَا أشرفها بهَا يدْفع الله بَأْس بَعضهم عَن بعض وَبهَا يتحاجزون فِيمَا بَينهم قَالَ فدفعنا إِلَى مجْلِس الْأَوْس والخزرج فَمَا نهضنا حَتَّى بَايعُوا رَسُول الله
قَالَ فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله
وَقد سُر بِمَا كَانَ من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم هَذَا مَا ظَفرت بِهِ من الْأَحَادِيث الْخَاصَّة بِهِ وَأما مَا ورد مُشْتَركا بَينه وَبَين عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فشيء كثير لم أورد مِنْهُ إِلَّا شَيْئا وَمَا ورد فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ من الصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح من الْآثَار والمناقب من زهده وتقواه وورعه وهداه وحياطته للدّين وَالْقِيَام بِأَمْر(2/457)
الْمُسلمين ومصالحهم والشفقة على الْأمة والنصح لَهَا واقتفاء مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله
بِحَضْرَة النَّبِي
وسماعه لتِلْك وَفِي غير حصنه لم أورد مِنْهُ شَيْئا أصلا وَإِلَّا لاستوعب الْكتاب أجمع وَلما اشتهرت وَفَاة النَّبِي
بالنواحي ارْتَدَّت طوائف من الْعَرَب عَن الْإِسْلَام وَمنعُوا الزَّكَاة فَخرج أَبُو بكر فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ لَهُ عمر ألف النَّاس وارفق بهم فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أجبار فِي الْجَاهِلِيَّة وخوار فِي الْإِسْلَام إِنَّه قد انْقَطع الْوَحْي وَتمّ الدّين أينقص وَأَنا حَيّ ثمَّ خرج لقتالهم حَتَّى بلغ نقعاء بحذاء نجد وهربت الْأَعْرَاب بذراريهم فَكلم النَّاس أَبَا بكر وَقَالُوا ارْجع إِلَى الْمَدِينَة وَأمر على الْجَيْش رجلا فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ وَبعث خَالِدا وَأمره أَن يُقَاتل النَّاس على خمس من ترك وَاحِدَة مِنْهُنَّ قَاتله كَمَا يُقَاتل من ترك الْخمس جَمِيعًا على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَالْحج إِلَى الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَأمر على الْأَنْصَار خَاصَّة ثَابت بن قيس بن شماس وَأمر خَالِدا أَن يصمد لقِتَال طليحة الْأَسدي فَسَار وعدة من مَعَه أَلفَانِ وَسَبْعمائة إِلَى ثَلَاثَة آلَاف وَوجه عكاشة ابْن مُحصن الْأَسدي وثابت بن أقرم الْأنْصَارِيّ إِلَى طليحة فَانْتَهَيَا إِلَى قطن فصادفا بِهِ ابْنا لطليحة مُتَوَجها إِلَى أَبِيه بثقله فقتلاه وأخذا مَاله فساق وَرَاءَهُمْ طليحة بعد أَن علم بِمَا فعلاه هُوَ وَأَخُوهُ سَلمَة فقتلا عكاشة وثابتاً فَسَار خَالِد فقاتل طليحة فَهَزَمَهُ الله تَعَالَى وَكَانَ طليحة بطلاً شَدِيد الْبَأْس فِي الْقِتَال وَقَالَ طليحة فِي قَتله عكاشة وثابت بن أقرم // (من الطَّوِيل) //
(فَمَا ظَنُّكُم بِالقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لم يُسْلِمُوا بِرِجَالِ)
(أقمْتُ لَهُمُ صَدْرَ الحِمَالَةِ إِنَّهَا ... مُعَوَّدةٌ قَتْلَ الكُمَاةِ نَزَالِ)
(فَيوْمًا تَرَاها فِي الجلاَلِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذاتِ جِلاَلِ)
(فَإِنْ يَكُ أَوْلاَدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا فَرغًا بِقَتْلِ حبَالِ)(2/458)
(عَشِيَّةَ غَادَرْتُ بنَ أَقْومَ ثَاوِيًا ... وَعُكَّاشَةَ الغَنْمِيَّ عِنْدَ مجَالِي)
وَكَانَ من شَأْن طليحة أَنه تنبأ على عهد رَسُول الله
وَكَانَ يَقُول إِن ذَا النُّون يَأْتِيهِ فَقَالَ
لقد ذكر ملكا عَظِيما فَلَمَّا كَانَ زمن أبي بكر فِيمَن ارْتَدَّ فَبعث أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَيْهِ فَلَمَّا انْتهى إِلَى عسكره ووجده قد ضربت لَهُ قبَّة من أَدَم وَأَصْحَابه حوله فَقَالَ خَالِد ليخرج إِلَيّ طليحة فَقَالُوا لَا تصغر نَبينَا هُوَ طَلْحَة فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ خَالِد إِن من عهد خليفتنا أَن يَدْعُوك إِلَى أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ يَا خَالِد أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَلَمَّا سمع خَالِد ذَلِك انْصَرف عَنهُ وعسكر بِالْقربِ مِنْهُ على ميل فَقَالَ عُيَيْنَة بن حصن لطليحة لَا أَبَا لَك هَل أَنْت مرينا بعض نبوتك قَالَ نعم وَكَانَ قد بعث عيُونا لَهُ حِين سَار خَالِد من الْمَدِينَة مُقبلا إِلَيْهِم فعرفوا خبر خَالِد فَقَالَ لَئِن بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين أَتَوْكُم من الْقَوْم بِعَين فهيئوا لَهُ فارسين فبعثوهما فَخَرَجَا يركضان فلقيا عينا لخَالِد مُقبلا إِلَيْهِم فَقَالَا مَا خبر خَالِد وَقَالا مَا وَرَاك قَالَ هَذَا خَالِد بن الْوَلِيد فِي الْمُسلمين قد أقبل فَزَادَهُم فتْنَة وَقَالَ ألم أقل لكم فَلَمَّا كَانَ السحر نَهَضَ خَالِد إِلَى طليحة فِيمَن مَعَه من أَصْحَاب رَسُول الله
فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ تزمل طليحة فِي كسَاء لَهُ زاعماً انْتِظَار الْوَحْي فَلَمَّا طَال ذَلِك على أَصْحَابه وألح عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ بِالسَّيْفِ قَالَ لَهُ عُيَيْنَة بن حصن هَل أَتَاك بعد فَقَالَ من تَحت الكساء لَا وَالله مَا جَاءَ بعدُ فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَة تَبًّا لَك آخر الدَّهْر ثمَّ جذبه جذبة جلس مِنْهَا وَقَالَ قبح الله هَذِه من نبوة فَجَلَسَ طليحة ثمَّ قَالَ لَهُ عُيَيْنَة مَا قيل لَك قَالَ قيل لي إِن لَك مرجى كمرجاه وأمراً لَا تنساه فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَة أَظن قد علم الله تَعَالَى أَن سَيكون لَك أَمر لَا ننساه هَذَا كَذَّاب مَا بورك لنا وَلَا لَهُ فِيمَا(2/459)
نطلب ثمَّ هرب عُيَيْنَة وَأَخُوهُ فأدركوه وأسروه وأفلت أَخُوهُ وهرب طليحة مُنْهَزِمًا وأسلمه شَيْطَانه حَتَّى قدم الشَّام فَأَقَامَ عِنْد بني حنيفَة الغسانيين حَتَّى فتح الله تَعَالَى أجنادين وَتُوفِّي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَذَا فِي المحاسن والمساوي ثمَّ أسلم طليحة وَحسن إِسْلَامه قَالَ ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة قَالَ لما سَار خَالِد وَكَانَ سَيْفا من سيوف الله وَرَسُوله فأسرع الْمسير حَتَّى نزل ببزاخة وَجمع لَهُ هُنَاكَ الْعَدو بَنو أَسد وغَطَفَان فَاقْتَتلُوا حَتَّى قتل من الْعَدو خلقا كثيرا وَأسر مِنْهُم أسَارِي فَأمر خَالِد بالحضر أَن تبنى ثمَّ أوقد فِيهَا النيرَان وَألقى الأساري فِيهَا وَقتل فِي ذَلِك الْوَجْه مَالك بن نُوَيْرَة التميمى قَالَ ابْن إِسْحَاق أَتَى خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ لمَالِك بن نُوَيْرَة فِي رَهْط من قومه بنى حَنْظَلَة فَضرب أَعْنَاقهم وَسَار فِي أَرض بني تَمِيم فَلَمَّا غشوا قوما مِنْهَا أخذُوا السِّلَاح وَقَالُوا نَحن مُسلمُونَ فَقيل لَهُم ضَعُوا السِّلَاح فوضعوه ثمَّ صلى الْمُسلمُونَ فصلوا فروى سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه قَالَ قدم أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ على أبي بكر فَأخْبرهُ بقتل مَالك بن نُوَيْرَة وَأَصْحَابه فجزع لذَلِك ثمَّ ودى مَالِكًا ورد السَّبي وَالْمَال وَهُوَ مَالك بن نُوَيْرَة بن شَدَّاد اليربوعى التَّمِيمِي فَارس ذِي الْخمار وَذُو الْخمار فرسه كَانَ فَارِسًا شجاعاً مُطَاعًا فِي قومه وَفِيه خُيلاء كَانَ يُقَال لَهُ الجفول لِكَثْرَة سَفَره وَكَانَ من فرسَان الْعَرَب وشجعانهم وَذَوي الرَّأْي والردافة فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَت لبني يَرْبُوع أَيَّام آل الْمُنْذر وَمعنى الردف أَن يجلس مجْلِس الْملك إِذا غَابَ وَعَن يَمِينه إِذا جلس فَإِذا شرب الْملك شرب الردف بعده وللردف إتاوة تُؤْخَذ مَعَ إتاوة الْملك وَفِي ذَلِك يَقُول راجزهم
(وَمَنْ يُنَافِرْ آلَ يَرْبوعٍ يَجِدْ ... ألمَجْلِسَ الأَيْمَنَ وَالرِّدَف النَّجدْ)
قدم على النَّبِي
فولاه صَدَقَة قومه بني يَرْبُوع ثمَّ ارْتَدَّ فَلَمَّا نازله خَالِد بعد(2/460)
وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ أَنا آتِي بِالصَّلَاةِ دون الزَّكَاة فَقَالَ لَهُ أعلمت أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة مَعًا لَا تقبل وَاحِدَة دون الْأُخْرَى فَقَالَ قد كَانَ صَاحبك يَقُول ذَلِك قَالَ خَالِد وَمَا ترَاهُ لَك صاحباً وَلَقَد هَمَمْت أَن أضْرب عُنُقك ثمَّ تجَاوز طَويلا فصمم خَالِد على قَتله فَكَلمهُ أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ وَابْن عمر فكره كَلَامهمَا وَقَالَ لِضِرَار بن الْأَزْوَر اضْرِب عُنُقه فَجَاءَت امْرَأَته ليلى بنت سِنَان كاشفة وَجههَا فَأَلْقَت نَفسهَا عَلَيْهِ فَالْتَفت مَالك إِلَى زَوجته وَقَالَ أَنْت الَّتِي قتلتيني وَكَانَت فِي غَايَة الْجمال قَالَ خَالِد بل الله قَتلك برجوعك عَن الْإِسْلَام فَقَالَ أَنا على الْإِسْلَام قَالَ اضْرِب عُنُقه فَضرب عُنُقه وَجعل رَأسه إِحْدَى أثافي الْقدر وطبخ فِيهَا طَعَام فَقَالَت امْرَأَة من قومه حِين رَأَتْهُ اصرفوا وَجه مَالك عَن النَّار فوَاللَّه لقد كَانَ حَدِيد الطّرف فِي الغارات غضيض الطّرف عَن الجارات لَا يشْبع لَيْلَة يُضَاف وَلَا ينَام لَيْلَة يخَاف ثمَّ تزوج خَالِد بِالْمَرْأَةِ فَقَالَ أَبُو زُهَيْر السَّعْدِيّ من أَبْيَات // (من الطَّوِيل) //
(قَضَى خَالدٌ بَغْيًا عَلَيْهِ لعِرْسِهِ ... وَكَانَ لَهُ فِيهَا هَوًى قَبْلَ ذَلِكَ)
وَيذكر أَن أَخا مَالك بن نُوَيْرَة متمم بن نُوَيْرَة قدم الْمَدِينَة فَأَنْشد أَبَا بكر مندبة ندب بهَا أَخَاهُ وَنَاشَدَهُ فِي دم أَخِيه مِنْهَا قَوْله مُخَاطبا لِضِرَار بن الْأَزْوَر // (من الْكَامِل) //
(نِعْمَ القَتِيلُ إِذَا الرِّيَاحُ تَنَوَّحَتْ ... خَلْفَ البُيُوتِ قَتَلْتَ يَابْنَ الأَزْوَرِ)
ثمَّ توجه إِلَى أبي بكر فَقَالَ // (من الْكَامِل) //
(وَدَعَوْتَهُ بِالله ثُمَّ عَدَرْتَهُ ... لَو هُوْ دَعَاكَ بِذِمَّة لَمْ يَغْدِرِ)
فَقَالَ أَبُو بكر وَالله مَا دَعوته وَلَا غدرته فَقَالَ أَخُوهُ متمم بَقِيَّة أبياته الْمَشْهُورَة وانحط على فرسه وَكَانَ أَعور فَمَا زَالَ يبكي حَتَّى دَمَعَتْ عينه العوراء فَقَامَ إِلَيْهِ عمر بن الْخطاب فَقَالَ وددت لَو رثيت أخي زيدا بِمثل مَا رثيت بِهِ أَخَاك فَقَالَ متمم وَالله لَو علمت أَن أخي صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ أَخُوك لم أرثه وَلم أَحْزَن عَلَيْهِ يعْنى الْجنَّة قلت وَهَذَا الْجَواب من متمم يُؤَيّد صِحَة الرِّوَايَة بارتداده وَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْمًا حَدثنَا عَن أَخِيك فَقَالَ أسرت مرّة فِي حَيّ عَظِيم من أَحيَاء الْعَرَب فَأقبل أخي مَالك فَمَا هُوَ إِلَّا أَن طلع على(2/461)
الْحَاضِرَة فَمَا كَانَ أحد قَاعِدا إِلَّا قَامَ وَلَا بقيت امْرَأَة إِلَّا تطلعت من خلال الْبيُوت فَمَا نزل عَن جمله حَتَّى تلقَوه بِي فِي رمتي قلت الرمة بِضَم الرَّاء وَشد الْمِيم الخطام من الليف أطلقت هَهُنَا على الْحَبل الَّذِي ربط بِهِ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِن هَذَا لَهو الشّرف وَمن شعر مَالك قَوْله // (من الْكَامِل) //
(ولقَدْ عَلِمْتُ وَلَا مَحَالةَ أَنَّنِي ... لِلْحَادِثَاتِ فَهَل تَرَيْنِي أَجْزَعُ)
(أفْنَيْنَ عاداً ثمَّ آلَ مُحَرِّقٍ ... فَتَرَكْنَهُمْ بَدَداً ومَا قَدْ جمعُوا)
(وعَددتُ أيَّامِي إِلَى عِرْق الثِّرَى ... وَدَعَوتُهُمْ فعلمتُ أَنْ لَمْ يسمَعُوا)
(ذَهبُوا فَلَمْ أدركْهُمُ ودَهَتْهُمُ ... غَوْلُ اللَّيالِي والطَّريقُ المَهْيَعُ)
وَمِنْه قَوْله // (من الطَّوِيل) //
(وقَالُوا لي اسْتَأْسِر فَإِنَّكَ آمِنٌ ... فَقُلتُ إنِ اسْتَأْسَرتُ إِنِّي لخائِنُ)
(عَلامَ تَرَكْتُ المشْرفيَّ مضَاجِعي ... ومطرداً فِيهِ المنَايَا كَوامِنُ)
(فإنْ تَقْتلوني بَعْدَ ذَاك فَإِنني ... أَمُوتُ بمقْدَارٍ وَتبْقَى الضَّغَائِنُ)
ثمَّ كَلمه فِي السَّبي وَالْمَال فَرد إِلَيْهِ أَبُو بكر السَّبي وَالْمَال وَله مندبة أُخْرَى يَقُول فِيهَا // (من الطَّوِيل) //
(وَكُنَّا كَنَدْمَاني جُذيْمَةَ حقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حتَّى قيل لَنْ يَتَصَدَّعَا)
(فَلَمَّا تَفَرَّقنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا)
(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
كَانَ لَهُ سِتَّة ثَلَاثَة بَنِينَ وَثَلَاث بَنَات أما البنون فعبد الله أكبر أَوْلَاده الذُّكُور أمه قتيلة بِالتَّصْغِيرِ وَقيل بِالتَّكْبِيرِ من بني عَامر بن لؤَي شهد فتح مَكَّة وحنيناً والطائف مَعَ النَّبِي
مُسلما وجرح بِالطَّائِف وَبَقِي إِلَى خلَافَة أَبِيه وَمَات فِيهَا رَمَاه فِي وقعته بِسَهْم أَبُو محجن الثَّقَفِيّ فبرىء مِنْهُ ثمَّ انْتقض عَلَيْهِ الْجرْح فَمَاتَ بِهِ وَترك سَبْعَة دَنَانِير فاستكثرها أَبوهُ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم يعقب وَالثَّانِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر يكنى أَبَا عبد الله أسلم فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة وَكتب للنَّبِي
وَكَانَ من الشجعان لَهُ مَوَاقِف فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مَشْهُورَة وأبلى فِي فتوح الشَّام بلَاء حسنا وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ(2/462)
الْمُشْركين ثمَّ من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بِمَا من على أمه أم رُومَان بنت الْحَارِث من بني فراس بن غنم بن كنَانَة أسلمت وَهَاجَرت مَاتَ فَجْأَة سنة ثَلَاث وَخمسين بعد وَفَاة مُعَاوِيَة قبل أَن تتمّ الْبيعَة ليزِيد بِحَبل قرب مَكَّة فأدخلته أُخْته شقيقته عَائِشَة الْحرم ودفنته وأعتقت عَنهُ وَكَانَ شهد الْجمل مَعهَا وَله عقب مروياته ثَمَانِيَة أَحَادِيث وَمُحَمّد بن أبي بكر ويكنى أَبَا الْقَاسِم كَانَ من نساك قُرَيْش أمه أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية وَكَانَت من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَكَانَت تَحت جَعْفَر بن أبي طَالب وَهَاجَرت مَعَه إِلَى الْحَبَشَة وَلما اسْتشْهد جَعْفَر بمؤته من أَرض الشَّام تزَوجهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا بذى الحليفة لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة عشر من الْهِجْرَة وَلما توفّي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنها تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب وَنَشَأ مُحَمَّد بن أبي بكر هَذَا فِي حجر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ على رَاحِلَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجمل وَشهد مَعَه صفّين وولاه عُثْمَان فِي أَيَّامه مصر وَكتب لَهُ الْعَهْد ثمَّ اتّفق مَقْتَله يَعْنِي عُثْمَان قبل وُصُوله يَعْنِي مُحَمَّدًا إِلَيْهَا وولاه عَليّ كرم الله وَجهه مصر بعد رُجُوعه من صفّين فَوَقع بَينه وَبَين عَمْرو بن الْعَاصِ حَرْب فَهزمَ مُحَمَّد بن أبي بكر وَقتل وَأكْثر المؤرخين على أَنه أحرق فِي جَوف حمَار ميت يُقَال كَانَ ذَلِك قبل قَتله وَقيل بعد الْقَتْل وَأما الْبَنَات فعائشة أم الْمُؤمنِينَ شَقِيقَة عبد الرَّحْمَن وَقد تقدم ذكرهَا فِي زَوْجَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَسْمَاء بنت أبي بكر شَقِيقَة عبد الله وَهِي أكبر بَنَاته وَهِي ذَات النطاقين وَتقدم ذكر سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك عِنْد ذكر الْهِجْرَة تزَوجهَا الزبير بِمَكَّة وَولدت لَهُ عدَّة أَوْلَاد الْمُنْذر وَعُرْوَة أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة وَالْمُهَاجِر وَعبد الله وَخَدِيجَة وَأم الْخَيْر وَعَائِشَة ثمَّ طَلقهَا فَكَانَت مَعَ وَلَدهَا عبد الله حَتَّى قتل وَعَاشَتْ بعده خَمْسَة أَيَّام وَكَانَت من المُعَمرين بلغ عمرها مائَة سنة وعميت وَكَانَ مَوتهَا بِمَكَّة وَسَيَأْتِي لَهَا مزِيد ذكر عِنْد خلَافَة ابْنهَا عبد الله بن الزبير وَأم كُلْثُوم وَهِي أَصْغَر بَنَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهِي الَّتِي تَركهَا أَبُو بكر فِي بطن بنت خَارِجَة كَانَ أَبُو بكر قد نزل عَلَيْهِ وَتزَوج ابْنَته وَتُوفِّي عَنْهَا وتكرها(2/463)
حُبْلَى فَولدت بعده أم كُلْثُوم فاحتالت لَهُ حَتَّى أمسك عَنْهَا فَتَزَوجهَا طَلْحَة بن عبيد الله ذكر هَذَا ابْن قُتَيْبَة وَغَيره وَابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الصفوة
(ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
قَالَ فِي الرياض قَالَ أهل السّير توفّي أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَذكره فِي الصفوة الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ وَقَالَ فِي الْخَمِيس قَالَ ابْن إِسْحَاق توفّي يَوْم الْجُمُعَة لتسْع بَقينَ من الشَّهْر الْمَذْكُور وَذكر أَبُو عَمْرو وَالْأول أصح لما رَوَت عَائِشَة قَالَت لما ثقل أَبُو بكر قَالَ أَي يَوْم هَذَا قُلْنَا يَوْم الِاثْنَيْنِ قَالَ وَأي يَوْم قبض رَسُول الله
قَالَ يَوْم الِاثْنَيْنِ قَالَ فَإِنِّي أَرْجُو فِيمَا بيني وَبَين اللَّيْل فَإِن مت فِي لَيْلَتي فَلَا تنتظروا بِي الْغَد فَإِن أحب الْأَيَّام والليالي إِلَيّ أقربها من رَسُول الله
خرجه الإِمَام أَحْمد بِسَنَدِهِ كَذَا فِي الرياض قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب فِيهِ ردغ من زغفران أَو مِشق بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَهِي الْمغرَة قَالَ فَإِذا أَنا مت فَاغْسِلُوا لي ثوبي هَذَا وضموا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جديدين وكفنوني فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَالُوا أَلا نَجْعَلهَا كلهَا جدداً قَالَ إِنَّمَا هِيَ للمهلة وَهِي بِضَم الْمِيم وَقَالَ بَعضهم بِكَسْرِهَا الصديد والقيح وَحكى بعض الْعِرَاقِيّين فِيهَا الْفَتْح وَلما مَاتَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ غسلته زَوجته أَسمَاء بنت عُمَيْس بِوَصِيَّة مِنْهُ وصب عَلَيْهَا المَاء ابْنه عبد الرَّحْمَن وَلما كفن حمل على السرير الَّذِي كَانَ ينَام عَلَيْهِ رَسُول الله
وَهُوَ سَرِير عَائِشَة من خشب الساج منسوج بالليف وَبيع فِي مِيرَاث عَائِشَة فَاشْتَرَاهُ رجل من موَالِي مُعَاوِيَة بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فَجعله للنَّاس يحملون عَلَيْهِ موتاهم بِالْمَدِينَةِ وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب فِي مَسْجِد رَسُول الله
تجاه الْمِنْبَر وَكبر أَرْبعا وَدفن إِلَى جنب قبر النَّبِي
وألصق لحده بلحده وَنزل فِي(2/464)
قَبره عمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَدفن لَيْلًا وَكَانَ آخر مَا تكلم بِهِ رَضِي الله عَنهُ رب توفني مُسلما وألحقني بالصالحين وروى اللَّيْث بن سعد عَن علوان عَن صَالح بن كيسَان عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف عَن أَبِيه قَالَ دخلت على أبي بكر أعوده فِي مَرضه فَسلمت عَلَيْهِ وَسَأَلته كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ بِحَمْد الله بارئاً أما إِنِّي على مَا ترى وجع وجعلتم لي شغلاً مَعَ وجعي جعلت لكم عهدا بعدِي واخترت لكم أحبكم لنَفْسي فكلكم وَرِمَ لذَلِك أَنفه رَجَاء أَن يكون الْأَمر لَهُ ثمَّ قَالَ أما إِنِّي لَا آسي على شَيْء إِلَّا على ثَلَاث فعلتهن وَثَلَاث لم أفعلهن وَثَلَاث وددت أَنِّي سَأَلت رَسُول الله
عَنْهُن وددت إِنِّي لم أكن كشفت بَيت فَاطِمَة وَتركته وَإِن أغلق على الحزب وددت أَنِّي يَوْم سَقِيفَة بني سَاعِدَة قذفت الْأَمر فِي عنق عمر وَأبي عُبَيْدَة ووددت أَنِّي لما كنت وجهت خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أهل الرِّدَّة أَقمت بِذِي الْقِصَّة فَإِن ظفر الْمُسلمُونَ وَإِلَّا كنت لَهُم مدَدا وردءاً ووددت إِنِّي يَوْم أتيت بالأشعث أَسِيرًا ضربت عُنُقه فَإِنَّهُ يخيل إِلَى أَنه لَا يكون شَرّ إِلَّا طَار إِلَيْهِ وودت أَنِّي يَوْم أتيت بالعجاج الْأَسْلَمِيّ لم أكن حرقته وقبلته وأطلقته ووددت أَنِّي حَيْثُ وجهت خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الشَّام وجهت عمر إِلَى الْعرَاق فَأَكُون قد بسطت يَمِيني وشمالي فِي سَبِيل الله ووددت أَنِّي سَأَلت رَسُول الله
فِيمَن هَذَا الْأَمر وَلَا ننازعه أَهله وَأَنِّي سَأَلته هَل للْأَنْصَار فِي هَذَا الْأَمر شَيْء وَأَنِّي سَأَلته عَن الْعمة وَبنت الْأَخ فَإِن فِي نَفسِي مِنْهُمَا حَاجَة رَوَاهُ هَكَذَا أَو أطول من هَذَا ابْن وهب عَن اللَّيْث بن سعد إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وروى الْقَاسِم عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر حِين حَضَره الْمَوْت قَالَ إِنِّي لَا أعلم عِنْد آل أبي بكر غير هَذِه اللقحة وَغير هَذَا الْغُلَام الصيقل وَكَانَ يعْمل سيوف الْمُسلمين ويخدمنا فَإِذا مت فادفعيهما إِلَى عمر قَالَ فَلَمَّا دفعتهما قَالَ عمر رحم الله أَبَا بكر لقد أتعب من بعده حكى ابْن عمر قَالَ كَانَ سَبَب موت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كمداً(2/465)
على موت النَّبِي
مَا زَالَ يذيبه حَتَّى مَاتَ والكمد الْحزن المكتوم وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ أول مَرضه أَنه اغْتسل يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من جُمَادَى الْأُخْرَى وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا فَحم خَمْسَة عشر يَوْمًا لَا يخرج إِلَى الصَّلَاة وَكَانَ يَأْمر عمر بن الْخطاب يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَدخل عَلَيْهِ النَّاس يعودونه وَكَانَت عَائِشَة لما ثقل تتمثل بقول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //
(أعادِلُ مَا يُعْنِي الحذَارُ عَنِ الفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَومًا وضَاقَ بَها الصَّدْرُ)
فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر لَا تقولي هَذَا وَلَكِن قولي {وَجاءت سكرةُ المَوتِ بِالحَقَّ ذَلِكَ مَا كنتَ مِنهُ تحيدُ} ق 19 ثمَّ إِنَّهَا تمثلت بقول أبي طَالب // (من الطَّوِيل) //
(وأبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوجْهِهِ ... ثمَالِ اليتَامَى عِصْمَةٍ لِلأََرَامِل)
فَقَالَ لَهَا ذَاك رَسُول الله
وَقَالَ النَّاس لَهُ لما دخلُوا عَلَيْهِ يعودونه أَلا نَدْعُو لَك طَبِيبا ينظر إِلَيْك فَقَالَ قد نظر إِلَيّ فَقَالُوا مَا قَالَ لَك قَالَ قَالَ لي إِنِّي فعال لما أُرِيد قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة أسلم وَهُوَ ابْن سبع وَثَلَاثِينَ وعاش فِي الْإِسْلَام سِتا وَعشْرين سنة وَمُدَّة خِلَافَته سنتَانِ وَثَلَاثَة أشهر واثنتا عشرَة لَيْلَة من متوفي رَسُول الله
وَأوصى أَن يدْفن إِلَى جَانب رَسُول الله
كَمَا تقدم ذكر ذَلِك قَالَ جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فَانْطَلَقْنَا ودفعنا الْبَاب وَقُلْنَا هَذَا أَبُو بكر فَفتح الْبَاب وَلم ندر من فَتحه لنا وَلَيْسَ فِي الْبَيْت أحد وَقَالَ ادخُلُوا فادفنوه وَلَا نرى شخصا قَالَ فِي شَوَاهِد النُّبُوَّة سمعُوا صَوتا يَقُول ادفنوا الحبيب إِلَى حَبِيبه وَلما توفّي أَبُو بكر كَانَ أَبوهُ حَيا بِمَكَّة وعاش بعده سِتَّة أشهر وأياماً مروياته فِي كتب الحَدِيث مِائَتَان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة منقلبه ومثواه ونفعنا بِهِ آمين(2/466)
(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ)
أخرج الْوَاقِدِيّ من طرق أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لما ثقل دَعَا عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر بن الْخطاب فَقَالَ مَا تَسْأَلنِي عَن أَمر إِلَّا وَأَنت أعلم بِهِ مني فَقَالَ أَبُو بكر وإنْ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف هُوَ وَالله أفضل من رَأْيك فِيهِ ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر بن الْخطاب فَقَالَ أَنْت أخبرنَا بِهِ فَقَالَ وَإِن فَقَالَ اللَّهُمَّ علمي بِهِ أَن سَرِيرَته خير من عَلَانِيَته وَأَنه لَيْسَ فِينَا مثله وشاور مَعَهُمَا سعيد بن زيد وَأسيد بن الْحضير وَغَيرهمَا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ أسيد اللَّهُمَّ أعلمهُ الْخيرَة بعْدك يرضى للرضا ويسخط للسخط الَّذِي يسره خير من الَّذِي يعلن وَلنْ يَلِي هَذَا الْأَمر أحد أقوى عَلَيْهِ مِنْهُ ثمَّ دخل عَلَيْهِ بعض الصَّحَابَة فَقَالَ قَائِل مِنْهُم مَا أَنْت قَائِل لِرَبِّك إِذا سَأَلَك عَن تَوْلِيَة عمر علينا فقد ترى غلظته فَقَالَ أَبُو بكر أجلسوني فأجلس فَقَالَ أبالله تخوفني خَابَ من يَزَوَد من أَمركُم بظُلْم أَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتخْلفت عَلَيْهِم خير أهلك أبلغ عني من وَرَاءَك مَا قلت ثمَّ دَعَا عُثْمَان فَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا عهد أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة فِي آخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا وَعند أول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا حَيْثُ يُؤمن الْكَافِر ويوقن الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب إِنِّي قد اسْتخْلفت عَلَيْكُم بعدِي عمر بن الْخطاب فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَإِنِّي لم آل الله وَرَسُوله وَدينه وَنَفْسِي وَإِيَّاكُم إِلَّا خيرا فَإِن عدل فَذَلِك ظَنِّي فِيهِ وَعلمِي بِهِ وَإِن بدل فَلِكُل امرىء مَا اكْتسب وَالْخَيْر أردْت وَلَا أعلم الْغَيْب وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله ثمَّ أَمر بِالْكتاب فختمه ثمَّ أَمر عُثْمَان فَخرج بِالْكتاب مَخْتُومًا فَبَايع النَّاس لمن فِيهِ وَرَضوا بِهِ(2/467)
وَرَأَيْت فِي الْجمع الْغَرِيب مَا نَصه بعد قَوْله فَبَايع النَّاس لمن فِيهِ حَتَّى مر الْكتاب بعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ بَايعنَا لمن فِيهِ وَإِن كَانَ عمر بِزِيَادَة الْوَاو قبل إِن وَفِي رِوَايَة أُخْرَى بِحَذْف الْوَاو قلت يُؤَيّد رِوَايَة عدم الْوَاو مَا ذكره فِي الرياض النضرة وَعبارَته روى أَن أَبَا بكر لما ثقل أشرف على النَّاس من كوه فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد عهِدت عهدا أفترضون بِهِ قَالَ النَّاس رَضِينَا يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ عَليّ لَا نرضى إِلَّا أَن يكون عمر قَالَ فَإِنَّهُ عمر انْتهى ثمَّ دَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ خَالِيا فَأَوْصَاهُ بِمَا أوصاه بِهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَرفع أَبُو بكر يَده فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أرد بذلك إِلَّا صَلَاحهمْ وَخفت عَلَيْهِم الْفِتْنَة فَعمِلت فيهم بِمَا أَنْت بِهِ أعلم وَاجْتَهَدت لَهُم رَأْيِي فوليت عَلَيْهِم خَيرهمْ وَأَقْوَاهُمْ وأحرصهم على مَا أرشدهم فقد حضرني من أَمرك مَا حضر فأخلفني فيهم فهم عِبَادك وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك أصلح ولايتهم واجعله من خلفائك الرَّاشِدين وَأصْلح لَهُ رَعيته وَفِي الصفوة أول مَا تكلم بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حِين صعد الْمِنْبَر أَن قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيد فليني وَإِنِّي ضَعِيف فقوني وَإِنِّي بخيل فسخني وَعَن الْحسن أول خطْبَة خطبهَا حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي ابْتليت بكم وابتليتم بِي فَمَا كَانَ بحضرتنا باشرنا وَمهما غَابَ عَنَّا وليناه أهل الْقُوَّة وَالْأَمَانَة فَمن يحسن نزده حسنى وَمن يسىء نعاقبه ثمَّ قَالَ بَلغنِي أَن النَّاس قد هابوا شدتي وخافوا غلطتي وَقَالُوا قد كَانَ عمر يشدد علينا وَرَسُول الله
بَين أظهرنَا فَكيف الْآن وَقد صَارَت الْأُمُور إِلَيْهِ ولعمري من قَالَ ذَلِك فقد صدق كنت مَعَ رَسُول الله
فَكنت عَبده وخادمه حَتَّى قَبضه الله وَهُوَ رَاض عني وَللَّه الْحَمد وَأَنا أسعد النَّاس بذلك ثمَّ ولي أَبُو بكر فَكنت خادمه وعونه أخلط شدتي بلينه فَأَكُون سَيْفا مسلولاً حَتَّى يغمدني فَمَا زلت مَعَه كَذَلِك حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى وَهُوَ عني رَاض وَللَّه الْحَمد وَأَنا أسعد النَّاس بذلك ثمَّ إِنِّي وليت الْآن(2/468)
أُمُوركُم اعلموا أَن تِلْكَ الشدَّة قد تضاعفت وَلكنهَا إِنَّمَا تكون على أهل الظُّلم والتعدي على الْمُسلمين وَأما أهل السَّلامَة فِي الدّين وَالْقَصْد فَإِنَّمَا اللين لَهُم من بَعضهم لبَعض وَلست أدع أحدا يَظْلمه أحد أَو يتَعَدَّى عَلَيْهِ حَتَّى أَضَع خَدّه بِالْأَرْضِ وأضع قدمي على الخد الآخر حَتَّى يذعن للحق وَلكم عَليّ أَيهَا النَّاس أَلا أخبأ عَنْكُم شَيْئا من خراجكم وَإِذا وَقع عِنْدِي أَلا يخرج إِلَّا بِحقِّهِ وَلكم عَليّ أَلا ألقيكم فِي المهالك وَإِذا غبتم فِي الْبعُوث فَأَنا أَبُو الْعِيَال حَتَّى ترجعوا أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم قَالَ سعيد بن الْمسيب ولي عمر فَزَاد فِي الشدَّة فِي موَاضعهَا واللين فِي موَاضعه وَكَانَ أَبَا للعيال حَتَّى أَنه يمشي إِلَى المغيبات وَيَقُول ألكن حَاجَة حَتَّى أشتريها لَكِن فَإِنِّي أكره أَن تخدعن فِي البيع وَالشِّرَاء فيرسلن مَعَه بجواريهن وَمن كَانَ لَيْسَ لَهَا شَيْء اشْترى لَهَا من عِنْده وَهُوَ أول من قَالَ أَطَالَ الله بَقَاءَك قَالَهَا لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد قَالَ مر عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ على الْمَسَاجِد فِي رَمَضَان وفيهَا الْقَنَادِيل فَقَالَ نور الله على عمر فِي قَبره كَمَا نور علينا مَسَاجِدنَا وأوليات عمر مُفْردَة بالتأليف وَذكر هَذَا الْعَلامَة جلال الدّين السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي المنتظم روى أَن أَبَا طَلْحَة خرج فِي لَيْلَة مُقْمِرَة فَرَأى عمر رَضِي الله عَنهُ قد دخل بَيْتا ثمَّ خرج مِنْهُ فَلَمَّا أصبح أَبُو طَلْحَة ذهب إِلَى ذَلِك الْبَيْت فَإِذا فِيهِ عَجُوز عمياء مقعدة فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَة مَا بَال هَذَا الرجل يَأْتِيك فَقَالَت إِنَّه يتعاهدني مُنْذُ كَذَا وَكَذَا بِمَا يصلحني وَيخرج عني الْأَذَى والقذى وَلما رَجَعَ رَضِي الله عَنهُ من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة انْفَرد عَن النَّاس ليتعرف أَخْبَار(2/469)
رَعيته فَمر بِعَجُوزٍ لَهَا خباء فقصدها فَقَالَت يَا هَذَا مَا فعل عمر قَالَ قد أقبل من الشَّام سالما فَقَالَت لَا جزاه الله عني خيرا قَالَ لَهَا وَلم قَالَت لِأَنَّهُ مَا فَاتَنِي من عطائه مُنْذُ ولي أَمر الْمُسلمين دِينَار وَلَا دِرْهَم فَقَالَ وَمَا يدْرِي عمر بحالك وَأَنت فِي هَذَا الْموضع فَقَالَت سُبْحَانَ الله مَا ظَنَنْت أَن أحدا يَلِي على النَّاس وَلَا يدْرِي مَا بَين مشرقها وَمَغْرِبهَا فَبكى عمر فَقَالَ واعمراه بك أتدافعه مِنْك حَتَّى الْعَجَائِز ثمَّ قَالَ لَهَا يَا أمة الله بكم تبيعيني ظلامتك من عمر فَإِنِّي أرحمه من النَّار فَقَالَت لَا تهزأ بِي يَرْحَمك الله فَقَالَ عمر لست بهزاء فَلم يزل بهَا حَتَّى اشْترى ظلامتها بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَا السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَوضعت الْعَجُوز يَدهَا على رَأسهَا وَقَالَت واسوأتاه شتمت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي وَجهه فَقَالَ لَا عَلَيْك يَرْحَمك الله ثمَّ طلب وَفَاء فَلم يجده فَقطع قِطْعَة من مرقعته وَكتب فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا اشْترى عمر ظلامتها مُنْذُ ولي إِلَى يَوْم كَذَا بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا فَمَا تدعيه عِنْد وُقُوفه فِي الْمَحْشَر بَين يَدي الله تَعَالَى فَهُوَ مِنْهُ بَرِيء شهد على ذَلِك من فُلَانَة عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود قَالَ أَبُو طَلْحَة ثمَّ دفع الْكتاب إِلَيّ وَقَالَ إِذا مت فاجعله فِي كفني ألْقى بِهِ رَبِّي عز وَجل وأخباره فِي مثل هَذَا كَثِيرَة جدا وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا مِنْهَا لما جر إِلَيْهِ ذكره بالشدة واللين والرفق والشفقة على الْمُسلمين
(ذكر نسبه رَضِي الله عَنهُ)
هُوَ عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابْن عدى بن كَعْب بن لؤَي يلتقي مَعَ رَسُول الله
فِي كَعْب بن لؤَي أمه حنتمة بنت هَاشم بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَقَالَ طَائِفَة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة وَمن قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ وَلَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ أُخْت أبي جهل بن هِشَام والْحَارث(2/470)
ابْن هِشَام وَإِنَّمَا هِيَ بنت هَاشم وهَاشِم وَهِشَام أَخَوان
(ذكر إِسْلَامه)
قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ إِسْلَام عمر بعد خُرُوج من خرج من أَصْحَاب رَسُول الله
إِلَى الْحَبَشَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت أتعرض رَسُول الله
فَوَجَدته سبقني إِلَى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت أعجب من تأليف الْقُرْآن فَقلت هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ {إِنَّهُ لَقَولُ رَسُول كرَيم وَما هُوَ بِقولِ شاعِر قَلِيلأً مَا تؤمنوُنَ} الحاقة 40، 41 قَالَ فَقلت كَاهِن فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ يقْرَأ {وَلا بِقَولِ كاهِن قَلِيلاً مَا تذَكَرونَ تَنْزِيل من رب الْعَالمين وَلَو تَقول عَلَينا بَعضَ الأقاوِيلِ} إِلَى {حَاجِزين} الحاقة 42، 47 قَالَ فَوَقع الْإِسْلَام من قلبِي كل موقع خرجه أَحْمد وَفِي طَرِيق آخر عَن أنس بن مَالك قَالَ خرج مُتَقَلِّدًا السَّيْف فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ أَيْن تعمد يَا عمر قَالَ أُرِيد أَن أقتل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من بني هَاشم وَمن بني زهرَة وَقد قتلت مُحَمَّدًا فَقَالَ لَهُ عمر مَا أَرَاك إِلَّا قد صَبَأت وَتركت دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ فَقَالَ الرجل لَا تلمني وَلم أختك وخَتنك إِن كنت تلوم فَإِنَّهُمَا قد صبآ فَمشى عمر حَتَّى أتاهما وَعِنْدَهُمَا رجل من الْمُهَاجِرين يُقَال لَهُ خباب بن الْأَرَت فَلَمَّا سمع خباب حس عمر توارى فِي الْبَيْت فَدخل عَلَيْهِمَا وَكَانُوا يقرءُون سُورَة طه فَسَكَتُوا فَقَالَ مَا هَذِه الهمهمة الَّتِي سَمعتهَا عنْدكُمْ فَقَالَ مَا عدا حَدِيثا تحدثناه بَيْننَا قَالَ فلعلكما قد صبأتما فَقَالَ لَهُ خَتنه أَرَأَيْت يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك فَوَثَبَ عمر على ختنه فوطئه وطأً شَدِيدا فَجَاءَتْهُ أُخْته فَدَفَعته عَنهُ فنفحها نفحة بِيَدِهِ فدمى وَجههَا فَقَالَت غَضَبي ويلي(2/471)
يَا عمر أَرَأَيْت أَن الْحق فِي غير دينك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَلَمَّا تبين عمر قَالَ أعطوني هَذَا الْكتاب الَّذِي عنْدكُمْ فَأَقْرَأهُ وَكَانَ عمر يقْرَأ الْكتب فَقَالَت لَهُ أُخْته إِنَّك رِجْس وَلَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ فاغتسل أَو تَوَضَّأ فَقَامَ فَتَوَضَّأ ثمَّ أَخذ الْكتاب فَقَرَأَ طه إِلَى قَوْله {إِنني أَنا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أناَ فاعبدني وأقم الصَّلَاة لِذِكرِي} طه 14 فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد فَلَمَّا سمع الْخَبَّاب قَول عمر خرج من الْبَيْت فَقَالَ أبشر يَا عمر فإنى أَرْجُو أَن تكون دَعْوَة رَسُول الله
لَك لَيْلَة الْخَمِيس
اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بِأحد العمرين عمر بن الْخطاب أَو عَمْرو بن هِشَام ثمَّ قَالَ إِن رَسُول الله
فِي الدَّار الَّتِي فِي أصل الصَّفَا فَانْطَلق عمر حَتَّى أَتَى الدَّار قَالَ وعَلى الْبَاب حَمْزَة وَطَلْحَة وناس من أَصْحَاب رَسُول الله
فَقَالُوا عمر فَلَمَّا رأى حَمْزَة وَجل الْقَوْم من عمر قَالَ حَمْزَة نعم هَذَا عمر وَإِن يرد الله بِهِ خيرا يسلم وَإِن يرد غير ذَلِك يكن قَتله علينا هيناً قَالَ وَالنَّبِيّ دَاخل يُوحى إِلَيْهِ فَخرج رَسُول الله
حَتَّى أَتَى عمر فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه وحمائل سَيْفه فَقَالَ مَا أَنْت بمنته عني يَا عمر حَتَّى ينزل الله بك من الخزي والنكال مَا لم ينزل بالوليد بن الْمُغيرَة اللَّهُمَّ اهد عمر بن الْخطاب اللَّهُمَّ أعز الدّين بعمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر أشهد أَنَّك رَسُول الله فَأسلم عمر فَكبر النَّبِي
وَأهل الْبَيْت تَكْبِيرَة سَمِعت من أَعلَى مَكَّة فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله علام نخفي ديننَا وَنحن على الْحق قَالَ يَا عمر إِنَّا قَلِيل قَالَ عمر وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا يبْقى مجلسْ جَلَست فِيهِ بالْكفْر إِلَّا جَلَست فِيهِ بِالْإِيمَان ثمَّ خرج وَطَاف بِالْبَيْتِ ثمَّ مر بِقُرَيْش وهم ينظرونه فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل ابْن هِشَام وَهُوَ عَم والدته حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي زعم فلَان أَنَّك صبوت فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَوَثَبَ عَلَيْهِ(2/472)
الْمُشْركُونَ ووثب عمر على عتبَة بن ربيعَة فبرك عَلَيْهِ وَجعل يضْربهُ وَأدْخل إصبعيه فِي عَيْنَيْهِ فَجعل عتبَة يَصِيح فَتنحّى النَّاس عَنهُ فَقَامَ عمر فَجعل لَا يدنو مِنْهُ أحد إِلَّا أَخذ شرِيف من دنا مِنْهُ حَتَّى أحجم النَّاس عَنهُ وَاتبع الْمجَالِس الَّتِي كَانَ يجلس فِيهَا بالْكفْر فأظهر الْإِسْلَام فِيهَا ثمَّ انْصَرف إِلَى النبى
وَهُوَ ظَاهر عَلَيْهِم فَقَالَ مَا يحبسك بِأبي أَنْت وَأمي فوَاللَّه مَا بَقِي مجْلِس جَلَست فِيهِ بالْكفْر إِلَّا أظهرت فِيهِ الْإِسْلَام غير هائب وَلَا خَائِف فَخرج عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي صفّين من أَصْحَابه عمر بن الْخطاب فِي يمينهما وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب فِي يسارهما حَتَّى طَاف بِالْبَيْتِ وَصلى الظّهْر مُعْلنا ثمَّ انْصَرف إِلَى دَار الأرقم هُوَ وَمن مَعَه أخرجه أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الْأَرْبَعين الطوَال وَعَن ابْن مَسْعُود مَا زلنا أعزة مُنْذُ أسلم عمر أخرجه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم وَعنهُ أَيْضا قَالَ كَانَ إِسْلَام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمارته رَحْمَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا نستطيع أَن نصلي بِالْبَيْتِ حَتَّى أسلم عمر فَلَمَّا أسلم عمر قَاتلهم حَتَّى تركونا وَصلى عِنْد الْكَعْبَة وصلينا مَعَه أخرجه الْحَافِظ السلَفِي وَخرج الخلعي طرفا من هَذِه الْقِصَّة وَقَالَ فَقَالَ عمر لَا نعْبد الله سرا بعد الْيَوْم فَأنْزل الله {يَا أيَها النبيُ حَسبُكَ الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} الْأَنْفَال 64 وَكَانَ ذَلِك أول مَا نزل من الْقُرْآن فِي تَسْمِيَة الصَّحَابَة مُؤمنين وَكَانَ عمر عِنْد ذَلِك ينصب راية للحرب بِمَكَّة ويحاربهم على الْحق فَيَقُول لأهل مَكَّة وَالله لَو بلغت عدتنا ثَلَاثمِائَة رجل لتركتموها لنا أَو لتركناها لكم(2/473)
وَعَن صُهَيْب قَالَ لما أسلم عمر جلسنا حول الْبَيْت حلقا حلقا وانتصفنا مِمَّن غلظ علينا وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا سمينا مُؤمنين حَتَّى أسلم عمر خرجه فِي الْفَضَائِل وَعَن ابْن مَسْعُود لما أسلم عمر أظهر الْإِسْلَام ودعا إِلَى الله عَلَانيَة وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أسلم عمر قَالَ الْمُشْركُونَ انتصف الْقَوْم مِنا وَهُوَ أول من مصر الْأَمْصَار كالكوفة وَالْبَصْرَة وحقق كَلمته فِي إعلاء كلمة الله فَفتح الفتوحات الْعَظِيمَة فِي الْمَوَاضِع العديدة فتح مصر وَالشَّام ثمَّ الرّوم ثمَّ الْقَادِسِيَّة ثمَّ انْتهى الْفَتْح إِلَى حمص وحلوان والرقة والرُها وحرّان وَرَأس الْعين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وَمَا يَليهَا من السواحل وَبَيت الْمُقَدّس وبيسان واليرموك والأهواز وقيسارية وتستر ونهاوند والري وَمَا يَليهَا وأصفهان وبلاد فَارس وَغَيرهَا وَمَعَ هَذَا كُله بقى على حَاله كَمَا كَانَ قبل الْولَايَة فِي لِبَاسه وزيه وأفعاله وتواضعه يسير مُنْفَردا فِي سَفَره وحضره من غير حرس وَلَا حجاب لم تغيره الْأُمُور وَلم يستطل على مُسلم بِلِسَانِهِ وَلَا يحابي أحدا فِي الْحق وَكَانَ لَا يطْمع الشريف فِي حيفه وَلَا يشفق الضَّعِيف من عدله وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَينزل نَفسه من مَال الله منزلَة رجل من أوساط الْمُسلمين وَجعل فَرْضه كفرض رجل من الْمُهَاجِرين وَكَانَ يَقُول أَنا ومالكم كولي الْيَتِيم إِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ أَرَادَ أَنه يَأْكُل مَا تقوم بِهِ بنيته لَا يتعداه قَالَ مُجَاهِد تَذَاكر النَّاس فِي مجْلِس ابْن عَبَّاس فَأخذُوا فِي فضل أبي بكر ثمَّ فِي فضل عمر فَلَمَّا سمع ابْن عَبَّاس ذكر عمر بَكَى بكاء شَدِيدا حَتَّى أُغمي عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يرحم الله عمر قَرَأَ الْقُرْآن وَعمل بِمَا فِيهِ فَأَقَامَ حُدُود الله كَمَا أَمر لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم لقد رَأَيْت عمر أَقَامَ الْحَد على وَلَده فَقتله قلت قصَّة إِقَامَة الْحَد على وَلَده ذكرهَا فِي رياض النضرة وَبَعضهَا عَن عَمْرو ابْن الْعَاصِ قَالَ بَيْنَمَا أَنا بمنزلي بِمصْر إِذْ قيل هَذَا عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو ابْن الْخطاب وَأَبُو سرعَة يستأذنان عَلَيْك فَقلت يدخلَانِ فدخلا وهما متنكران فَقَالَا أقِم علينا الْحَد فَإنَّا أصبْنَا البارحة شرابًا وسكرنا قَالَ فزبرتهما وطردتهما فَقَالَ لي عبد الرَّحْمَن إِن لم تفعل خبرت وَالِدي عمر إِذا قدمت عَلَيْهِ قَالَ عَمْرو فَقلت إِنِّي إِن لم أقِم عَلَيْهِمَا الْحَد غضب عَليّ عمر وعزلني قَالَ فأخرجتهما إِلَى صحن الدَّار فضربتهما الْحَد وأدخلت عبد الرَّحْمَن نَاحيَة إِلَى بَيت من الدَّار فحلق رَأسه وَكَانُوا يحلقون مَعَ الْحُدُود وَالله مَا كتبت لعمر بِحرف مِمَّا كَانَ حَتَّى إِذا كَانَ كِتَابه جَاءَنِي فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله عمر إِلَى عَمْرو الْعَاصِ عجبت لَك وجوابك عَلي وخلافك عهدي فَمَا أَرَانِي إِلَّا عاذلك تضرب عبد الرَّحْمَن فِي بَيْتك وَقد عرفت إِن هَذَا ليخالفني إِنَّمَا عبد الرَّحْمَن رجل من رعيتك تصنع بِهِ مَا تصنع بِغَيْرِهِ من الْمُسلمين وَلَكِن قلتَ هُوَ ولد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد عرفت إِنِّي لَا هوادة لأحد من النَّاس عِنْدِي فِي حق فَإِذا جَاءَك كتابي فَابْعَثْ بِهِ فِي عباءة على قتب حَتَّى يعرف سوء مَا صنع وَالسَّلَام فَبعثت بِهِ كَمَا قَالَ أَبوهُ وكتبت إِلَى عمر أعْتَذر إِلَيْهِ بِأَنِّي ضَربته فِي صحن دَاري فبالله الَّذِي لَا يحلف بأعظم مِنْهُ إِنِّي لأقيم الْحُدُود فِي صحن دَاري على الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَبعثت بِالْكتاب مَعَ عبد الله بن عمر فَقدم عبد الرَّحْمَن على أَبِيه عمر فَدخل وَعَلِيهِ عباءة لَا يَسْتَطِيع الْمَشْي من سوء مركبه فَقَالَ لَهُ عمر يَا عبد الرَّحْمَن فعلت وَفعلت فَكَلمهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أقيم عَلَيْهِ الْحَد فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَأمر بِإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ فَجعل عبد الرَّحْمَن يَقُول إِنِّي مَرِيض وَأَنت قاتلي فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد ثَانِيًا وحبسه فَمَرض وَمَات انْتهى قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَأَبُو عمر وَصَاحب الصفوة كَانَ عمر بن الْخطاب من الْمُهَاجِرين السَّابِقين مِمَّن صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَشهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله
وَهَاجَر عَلَانيَة(2/474)
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ عَليّ مَا علمت أَن أحدا من الْمُهَاجِرين هَاجر إِلَّا متخفيا إِلَّا عمر بن الْخطاب فَإِنَّهُ لما هم بِالْهِجْرَةِ تقلد سَيْفه وتنكب قوسه وانتضى فِي يَده سَهْما واحتضن عنزته وَمضى قبل الْكَعْبَة وَالْمَلَأ من قُرَيْش بفنائها فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا مُتَمَكنًا ثمَّ أَتَى الْمقَام فصلى مُتَمَكنًا ثمَّ وقف على حلقهم وَاحِدَة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُم شَاهَت الْوُجُوه لَا يرغم الله إِلَّا هَذِه المعاطس من أَرَادَ أَن تثكله أمه أَو يؤتم وَلَده أَو يرمل زَوجته فليلقني وَرَاء هَذَا الْوَادي ثمَّ مضى خرجه ابْن السمان فى الْمُوَافقَة وَتوفى رَسُول الله
وَهُوَ عَنهُ رَاض وبشره بِالْجنَّةِ وَأخْبرهُ أَن الله جعل الْحق على لِسَانه وَقَلبه وَأَن رِضَاهُ وغضبه عدل وَأَن الشَّيْطَان يفر مِنْهُ وَأَن الله أعز بِهِ الْإِسْلَام واستَبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَامِهِ وَسَماهُ عبقرياً ومحدثاً وسراج أهل الْجنَّة وَدعَاهُ صَاحب رَحا وافرة الْعَرَب يعِيش حميدا وَيَمُوت شَهِيدا وَإنَّهُ رجل لَا يحب الْبَاطِل وَلَو كَانَ بعده نَبِي لَكَانَ عمر وكل هَذَا وَغَيره يَأْتِي فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة مَعَ الْآيَات فِي شَأْنه قَالَ صَاحب الصفوة وَهُوَ أول من عس بِنَفسِهِ فِي عمله وَحمل الدرة وأدب بهَا وَكَانَت أهيب من سيف الْحجَّاج وَكَانَت تخافه مُلُوك الرّوم وَفَارِس وَغَيرهمَا وَكَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا كَانَ فِي سفر نَادَى النَّاس فِي الْمنزل عِنْد الرحيل ارحلوا أَيهَا النَّاس فَيَقُول الْقَائِل يأيها النَّاس هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد ناداكم تقدمُوا فاستقوا وارحلوا ثمَّ يُنَادي الثَّانِيَة الرحيل فَيَقُول النَّاس اركبوا فقد نَادَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الثَّانِيَة فاذا استقلوا قَامَ فَرَحل بعيره وَعَلِيهِ غِرَارَتَانِ إِحْدَاهمَا فِيهَا سويق وَالْأُخْرَى فِيهَا تمر وَبَين يَدَيْهِ قربَة وَخَلفه جفنهَ فَكلما نزل جعل فِي الْجَفْنَة من السويق وصب عَلَيْهِ من المَاء وسط شنارة قَالَ والشنارة مثل النطع الصَّغِير من جَاءَهُ لحَاجَة أَو يستقضى قَالَ لَهُ كل من هَذَا السويق وَالتَّمْر ثمَّ يرحل فَيَأْتِي الْمَكَان الَّذِي رَحل النَّاس مِنْهُ فَإِن وجد مَتَاعا سَاقِطا أَخذه وَإِن(2/475)
وجد أحدا فِيهِ عرج أَو عرض لدابته أَو بعيره يكارى لَهُ ويسوق بِهِ فَيتبع آثَار النَّاس فَإِذا أصبح النَّاس من الْغَد لم يفقد أحد مَتَاعا لَهُ سقط مِنْهُ إِلَّا قَالَ حَتَّى يَأْتِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَيطلع عمر وَإِن جمله مثل المشجب مِمَّا عَلَيْهِ من الْمَتَاع للنَّاس فَيَأْتِي الرجل وَيَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إداوتي فَيَقُول هَل يغْفل الرجل الْحَلِيم عَن إداوته الَّتِي يشرب فِيهَا وَيتَوَضَّأ للصَّلَاة مِنْهَا أَو كل سَاعَة أبْصر أَو كل اللَّيْل أكلأ عَيْني من النّوم ثمَّ يدْفع إِلَيْهِ إداوته وَيَقُول الآخر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قوسي وَيَقُول آخر رشائي أَو مَا وَقع مِنْهُم فيصفونه فيدفعه إِلَيْهِم وَلما بلغ الشَّام تلقوهُ ببرذون وَثيَاب فكلموه أَن يركب البرذون ليراه الْعَدو فَيكون ذَلِك أرهب بلباس الْبيَاض ويطرح الفرو الَّذِي عَلَيْهِ أَبى فألحوا عَلَيْهِ فَركب البرذون بفروته وثيابه فهملج بِهِ البرذون وخطام نَاقَته بعد فِي يَده فَنزل وَركب رَاحِلَته وَقَالَ لقد غرني هَذَا حَتَّى خفت أَن أنكر نَفسِي ذكر هَذَا كُله أَبُو حذيفهَ إِسْحَاق بن بشر فِي فتوح الشَّام قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ لما بعث عمر بن الْخطاب سعد بن أبي وَقاص لِحَرْب الْقَادِسِيَّة كتب إِلَيْهِ وَهُوَ بالقادسية أَن وَجه نَضْلَة الْأنْصَارِيّ إِلَى حلوان الْعرَاق فيغزو أَهلهَا فَبعث سعد بن أبي وَقاص نَضْلَة الْأنْصَارِيّ فِي ثَلَاثمِائَة فَارس فَسَارُوا حَتَّى أَتَوا حلوان فَأَغَارُوا على أَهلهَا وَأَصَابُوا غنيمَة وسببا وأثقلوا بذلك حَتَّى أرهقتهم صَلَاة الْعَصْر وكادت الشَّمْس أَن تغرب فألجأ نَضْلَة السَّبي وَالْغنيمَة إِلَى سفح جبل وَقَامَ فَأذن فَقَالَ الله أكبر الله أكبر فَأَجَابَهُ مُجيب من الْجَبَل كبرتَ كَبِيرا يَا نَضْلَة ثمَّ قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ كلمة الْإِخْلَاص يَا نَضْلَة ثمَّ قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ هُوَ الَّذِي بشرنا بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم وعَلى رَأس أمته تقوم الْقِيَامَة ثمَّ قَالَ حَيّ على الصَّلَاة فَقَالَ طُوبَى لمن سعى إِلَيْهَا وواظب عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ حَيّ على الْفَلاح فَقَالَ قد أَفْلح من أجَاب دَاعِي الله ثمَّ قَالَ الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ أخلصت الْإِخْلَاص كُله يَا نَضْلَة حرم الله تَعَالَى بهَا جسدك على النَّار فَلَمَّا فرغ نَضْلَة من أَذَانه قَامَ فَقَالَ من أَنْت يَرْحَمك الله أملك أم طائف من الْجِنّ(2/477)
أم من عباد الله قد سمعنَا صَوْتك فأرنا صُورَتك وشخصك فَإِن الْوَفْد وَفد رَسُول الله ووفد عمر بن الْخطاب فانفلق الْجَبَل عَن هَامة كالرحى أَبيض الرَّأْس واللحية عَلَيْهِ طمران من صوف فَقَالَ أَنا زريب بن برتمك وَصِيّ العَبْد الصَّالح عِيسَى بن مَرْيَم أسكنني هَذَا الْجَبَل ودعا لي بطول الْبَقَاء إِلَى حِين نُزُوله من السَّمَاء قَالَ فَسَأَلَ نَضْلَة والخلق الَّذين مَعَه عَن النَّبِي
فَقَالُوا قد قبض فَسَأَلَ عَن أبي بكر فَقَالُوا قد قبض ثمَّ سَأَلَهُمْ عَن عمر فَقَالُوا حَيّ وَنحن جَيْشه فَقَالَ أقرئوه مني السَّلَام وَقُولُوا لَهُ يَا عمر سدد وقارب فقد وُفيَّ الْأَمر وَأَخْبرُوهُ بِهَذِهِ الْخِصَال الَّتِي أخْبركُم بهَا يَا عمر إِذا ظَهرت هَذِه الْخِصَال فِي أمة مُحَمَّد فالهرب الْهَرَب إِذا اسْتغنى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء وانتسبوا إِلَى غير مناسبهم وانتموا إِلَى غير مواليهم وَلم يرحم كَبِيرهمْ صَغِيرهمْ وَلم يوقر صَغِيرهمْ كَبِيرهمْ وَترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَلم يُؤمر بِهِ وَترك النَّهْي عَن الْمُنكر فَلم ينْه عَنهُ وَيعلم عالمهم الْعلم ليجلب بِهِ الدُّنْيَا وَيَأْتِي الْمَطَر فيضاً وَالْولد غيظاً وطولوا المنارات وفضضوا الْمَصَاحِف وزخرفوا الْمَسَاجِد وأظهروا الرشا وشيدوا الْبَنَّا وَاتبعُوا الْهوى وَبَاعُوا الدّين بالدنيا وَقطعت الْأَرْحَام وبيعت الْأَحْكَام وأكلوا الرِّبَا وَصَارَ الْغنى عزا والفقر ذُلاً وَخرج الرجل من بَيته فَقَامَ إِلَيْهِ من هُوَ خير مِنْهُ وَسلم عَلَيْهِ وَركبت الْفروج السُّرُوج قَالَ ثمَّ غَابَ عَنْهُم فَلم يروه فَكتب بذلك نَضْلَة إِلَى سعد وَكتب بِهِ سعد إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَكتب عمر إِلَى سعد أَن سر أَنْت بِنَفْسِك وَمن مَعَك من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار حَتَّى تنزلوا ذَلِك الْجَبَل فَإِن لَقيته فأقرئه مني السَّلَام فَخرج سعد فِي أَرْبَعَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ حَتَّى نزلُوا ذَلِك الْجَبَل وَمكث سعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُنَادي بِالصَّلَاةِ فَلم يجد جَوَابا وَلم يسمع خطابا فَكتب بذلك إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ
(صفته رَضِي الله عَنهُ)
عَن زر بن حُبَيْش رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَبيض أبهق يشبه لون الجص بَيَاضًا لَا يكون لَهُ دم ظَاهر وَكَانَ طوَالًا أصلع أَبْلَج(2/478)
شَدِيد حمرَة الْعَينَيْنِ كث اللِّحْيَة خَفِيف عارضيها سلتا كثير الشّعْر فِي أَطْرَافه صهبة أعْسر أيسر يَعْنِي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ أروح كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس مشَاة قَالَ الْجَوْهَرِي الأروح هُوَ الَّذِي يتباعد صُدُور قَدَمَيْهِ ويتدانى عقباه وَكَانَ لَا يُغير شَيْبه فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا تغيره فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول من شَاب شيبَة فِي الْإِسْلَام كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة وَمَا لنا نغيره
(الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة)
فَمِنْهَا اتِّخَاذ مقَام إِبْرَاهِيم مصلى عَن طَلْحَة بن مصرف قَالَ قَالَ عمر يَا رَسُول الله أَلَيْسَ هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم قَالَ بلَى قِال عمر فَلَو اتخذته مصلى فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى {وَاتَّخذُوا مِن مَقامِ إِبرَاهيمَ مُصَلى} الْبَقَرَة 125 وَمِنْهَا مشورته فِي أسَارِي بدر عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر قَالَ رَسُول الله
مَا تَقولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله بَنو الْعم وَالْعشيرَة والإخوان أرى أَن نَأْخُذ مِنْهُم الْفِدَاء فَيكون لنا قُوَّة على الْمُشْركين وَعَسَى الله أَن يهْدِيهم إِلَى الْإِسْلَام فيكونون لنا عضداً قَالَ فَمَا ترى يَا بن الْخطاب قلت يَا رَسُول الله مَا أرى الَّذِي يرَاهُ أَبُو بكر وَلَكِن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكفْر وصناديده فَقَدمهُمْ لنا نضرب أَعْنَاقهم قَالَ فهوى رَسُول الله
مَا قَالَ أَبُو بكر وَلم يَهو مَا قلته وَقَالَ مثلك يَا أَبَا بكر كَمثل عِيسَى إِذْ قَالَ {إِن تعُذِّبهم فإنَهُم عِبادُك وَإِن تَغفِر لَهُم فإنَكَ أنتَ العَزيِزُ الْحَكِيم} الْمَائِدَة 118 وَمثلك يَا عمر كَمثل(2/479)
نوح إِذْ قَالَ {وَقالَ نوُح رَب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين دَياراً إِنَّكَ إِن تَذَرهُم} الْآيَة نوح 26، 27 ثمَّ أَخذ رَسُول الله
مِنْهُم الْفِدَاء فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت على رَسُول الله
فَإِذا هُوَ وَأَبُو بكر قاعدان يَبْكِيَانِ قلت يَا نَبِي الله أَخْبرنِي من أَي شَيْء تبْكي أَنْت وَصَاحِبك فَإِن وجدت بكاء وَإِلَّا تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ لقد عرض عَليّ عذابكم أدنى من هَذِه الشَّجَرَة لشَجَرَة قريبَة مِنْهُ فَأنْزل الله {مَا كَانَ لِنبَيٍ أَن يَكوُنَ لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُنيا واللهُ يُرِيدُ الآخِرَة واللهُ عَزيزُ حَكِيم لَولا كِتاب مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمسَّكم فِيما أخَذْتم عَذابٌ عَظِيمٌ} الْأَنْفَال 67، 68 أخرج هَذَا الحَدِيث مُسلم فِي صَحِيحه وَعند البُخَارِيّ مَعْنَاهُ بِزِيَادَة قَوْله إِنَّه قتل من الْمُشْركين سبعين وَأسر سبعين وَبِزِيَادَة وَلَكِن أَن تمكن عليا من عقيل فَيضْرب عُنُقه وَحَمْزَة من فلَان أَخِيه فَيضْرب عُنُقه وَفُلَانًا من فلَان حَتَّى يعلم الله أَن لَيْسَ فِي قُلُوبنَا هوادة للْمُشْرِكين ثمَّ ذكر معنى مَا بعده وَزَاد فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد من الْعَام الْقَابِل عوقبوا بِمَا صَنَعُوا يَوْم بدر من أَخذهم الْفِدَاء فَقتل مِنْهُم سَبْعُونَ وفر أَصْحَاب رَسُول الله
وَكسرت رباعيته وشج وَجهه وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه وسال الدَّم على وَجهه وَأنزل الله عز وَجل {أوَ لمَا أَصابتكمُ مصِيبَة قد أصبْتُم مِثلَيها قُلْتُمْ أنىَّ هَذا قُل هوَ مِنْ عِندِ أنفُسِكُم إنَ اللهَ عَلىَ كلِ شَيْء قدير} آل عمرَان 165 وروى أَنه
قَالَ لعمر لقد كَاد يصيبا بخلافك شَرّ يَا ابْن الْخطاب وَفِي(2/480)
رِوَايَة لَو نزل بِنَا عَذَاب رَبِّي وَفِي رِوَايَة لَو عذبنا فِي هَذَا الْأَمر يَعْنِي عذَابا ظَاهرا فَلَا يُنَافِي مَا وَقع لَهُم يَوْم أحد لما نجا مِنْهُ غير عمر خرجها القلعي وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَسَى ربه إِن طَلَقَكنّ أَن يُبدِله أَزْوَاجًا خَيراً مِنكنُ} التَّحْرِيم 5 وَذَلِكَ أَنه لما بلغه رَضِي الله عَنهُ شَيْء فِي معاتبة أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ للنَّبِي
فَقَالَ لَهُنَّ لتكففن عَن رَسُول الله
أَو ليبدلنه أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن فَقَالَت لَهُ إِحْدَاهُنَّ يَا عمر أما فِي رَسُول الله
مَا يعظ نِسَاءَهُ حَتَّى تعظهن أَنْت فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة الْمَذْكُورَة {عَسَى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا} الْآيَة أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم وَمِنْهَا أَنه لما أَمر نسَاء رَسُول الله
أَن يحتجبن قَالَت لَهُ زَيْنَب وَإنَّك علينا يَا بن الْخطاب وَالْوَحي ينزل فِي بُيُوتنَا فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حجِاب} الْآيَة الْأَحْزَاب 53 أخرجه أَحْمد وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت كنت آكل مَعَ النَّبِي
حَيْسًا فِي قَعْب فَمر عمر رَضِي الله عَنهُ فَدَعَاهُ فَأكل مَعنا فأصابت أُصْبُعِي أُصْبُعه فَقَالَ حس وَهَذِه كلمة يَقُولهَا الْإِنْسَان من الْعَرَب إِذا أَصَابَهُ مَا مَضه أَو أحرقه كالجمرة والضربة وَنَحْوهمَا كَذَا فِي الصِّحَاح أوهٍ لَو أطَاع فيكُن مَا رَأَتْكُنَّ عين فَنزلت آيَة الْحجاب وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى (فَإِن الله هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصاَلِحُ المُؤْمنِينَ وَالْمَلَائِكَة بَعدَ ذَلِك(2/481)
ظَهِير} التَّحْرِيم 4 عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر حَدثهُ قَالَ لما اعتزل رَسُول الله
نِسَاءَهُ وَكَانَ لَهُ وجد عَلَيْهِنَّ فاعتزلهن فِي مشربَة من خزانته قَالَ عمر فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس ينكثون بالحصى وَيَقُولُونَ طلق رَسُول الله
نِسَاءَهُ فَقلت لأعلمهن هَذَا الْيَوْم وَذَلِكَ قبل الْأَمر بالحجاب فَدخلت على عَائِشَة بنت أبي بكر فَقلت يَا بنة أبي بكر بلغ من أَمرك أَن تؤذي رَسُول الله
قَالَت مَا لي وَمَالك يَا بن الْخطاب عَلَيْك بِنَفْسِك فَأتيت حَفْصَة بنت عمر فَقلت يَا حَفْصَة لَو علمت أَن رَسُول الله
لَا يحبك وَلَوْلَا أَنا لطلقك قَالَ فَبَكَتْ أَشد بكاء قَالَ فَقلت لَهَا أَيْن رَسُول الله
قَالَت هُوَ فِي خزانته قَالَ فَذَهَبت فَإِذا أَنا برباح غُلَام رَسُول الله
قَاعِدا على أُسْكُفَّة الغرفة مدلياً رجلَيْهِ على نقير يَعْنِي جذعاً منقوراً فَقلت يَا رَبَاح اسْتَأْذن على رَسُول الله
فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة ثمَّ نظر إِلَيّ وَسكت قَالَ فَرفعت صوتي فَقلت اسْتَأْذن يَا رَبَاح على رَسُول الله
فَإِنِّي أَظن أَن رَسُول الله
يظنّ بِي رُبمَا جِئْت من أجل حَفْصَة وَالله لَئِن أَمرنِي أَن أضْرب عُنُقهَا الْآن لضَرَبْت عُنُقهَا قَالَ فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة وَنظر إِلَيّ ثمَّ قَالَ هَكَذَا يَعْنِي أَشَارَ بِيَدِهِ أَن أَدخل فَدخلت فَإِذا هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُضْطَجع على حَصِير وَعَلِيهِ إزَاره فَجَلَسَ وَإِذا الْحَصِير قد أثر فِي جسده وقلبت عَيْني فِي الخزانة فَإِذا لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الدُّنْيَا غير قبضتين من شعير وقبضة من قرص نَحْو صَاعَيْنِ وَإِذا أفِيق مُعَلّق أَو أفيقان قَالَ فابتدرت عَيْنَايَ فَقَالَ رَسُول الله
مَا يبكيك فَقلت يَا رَسُول الله مَا لي لَا أبْكِي وَأَنت صفوة الله وَرَسُوله وَخيرته من خلقه وَهَذِه الْأَعَاجِم كسْرَى وَقَيْصَر فِي الثِّمَار والأنهار وَأَنت هَكَذَا فَقَالَ يَا بن الْخطاب أما ترْضى أَن تكون لنا الْآخِرَة وَلَهُم الدُّنْيَا فَقلت بلَى يَا رَسُول الله فَأَحْمَد الله فَمَا تَكَلَّمت فِي شَيْء إِلَّا أنزل الله تَصْدِيق قولي من السَّمَاء قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله إِن كنت طلقت نِسَاءَك أَو تظاهرن عَلَيْك فَإِن الله عز وَجل وَجِبْرِيل مَعَك وَأَنا وَأَبُو بكر وَصَالح الْمُؤمنِينَ فَأنْزل الله عز وَجل {وَإِن تَظاهَرا عَلَيهِ فإنَّ الله هُوَ مَولاه وَجِبرِيلُ وَصالِحُ المُؤمنِينَ} الْآيَة التَّحْرِيم 4 قَالَ فَمَا أخْبرت بذلك نَبِي الله وَأَنا أعرف الْغَضَب فِي وَجهه حَتَّى رَأَيْت وَجهه يَتَهَلَّل وكشر فَرَأَيْت ثغره وَكَانَ أحسن(2/482)
النَّاس ثغرا
فَقَالَ إِنِّي لم أطلقهن فَقلت يَا نَبِي الله فَإِنَّهُم قد أشاعوا أَنَّك طلقت نِسَاءَك أفأخبرهم أَنَّك لم تطلق قَالَ إِن شِئْت فَقُمْت على بَاب الْمَسْجِد فَقلت أَلا إِن رَسُول الله
لم يُطلق نِسَاءَهُ فَأنْزل الله فِي الَّذِي كَانَ من شأني وشأنهم {وَإِذا جاءهُم أَمر من االأمن أَو الخوفِ أذاعُوا بهِ وَلَو رَدوُه إِلَى الرَسُولِ وَإلى أُولي الأمرِ منِهم لعَلِمَهُ الذَينَ يستَنبِطونه مِنهُم} النِّسَاء 83 قَالَ عمر فَأَنا الَّذِي استنبطه مِنْهُم خرجه أَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم أَيْضا قَالَ لَهُ عمر لَو اتَّخذت يَا رَسُول الله فراشا أوبر من هَذَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا عمر مَا لي وللدنيا أَو مَا للدنيا وَمَا لي إِنَّمَا مثلي وَمثل الدُّنْيَا كراكب سَائِر فِي يَوْم صَائِف فاستظل تَحت شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا خرجها الثَّقَفِيّ فِي الْأَرْبَعين وَمِنْهَا مَنعه رَضِي الله عَنهُ للنَّبِي
من الصَّلَاة على الْمُنَافِقين عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما مَاتَ عبد الله بن أبي ابْن سلول جَاءَ إِلَيْهِ عبد الله بن عبد الله وَكَانَ قد أسلم إِلَى النَّبِي
فَقَالَ إِن أبي قد مَاتَ وَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكَفِّنهُ فِيهِ وَأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ النَّبِي
ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ عمر فَأخذ بِثَوْبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ لَا تصل عَلَيْهِ وَقد قَالَ يَوْم كَذَا وَكَذَا وَشرع يعدد عَلَيْهِ قَوْله فَتَبَسَّمَ
وَقَالَ أخر عني يَا عمر فَقَالَ لَهُ عمر ألم ينهك الله أَن تستغفر لَهُم فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ قَالَ إِنَّمَا خُيرت يَعْنِي قَوْله {أستَغفِر لَهُم أَو لَا تستَغْفِر لهُم إِن تستَغفِر لَهم سَبعِينَ مَرة} التَّوْبَة 80 فاخترت وَلَو علمت إِنِّي إِذا زِدْت على السّبْعين يغْفر لَهُم لزدت عَلَيْهَا فصلى رَسُول الله
ثمَّ انْصَرف فَلم يمْكث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أنزل الله الْآيَتَيْنِ فِي سُورَة بَرَاءَة {وَلَا تصلِّ عَلَى أحد منهُم ماتَ أبدا وَلا تقُم على قَبرِه} إِلَى {وَهُم فاَسِقُونَ} التَّوْبَة 84 قَالَ عمر فعجبت من جرأتي على رَسُول الله
وَقَالَ لما نزلت (استَغفِر لَهم أَو لَا(2/483)
تستَغْفِر لهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مرّة فَلَن يَغفِرَ الله لَهم} التَّوْبَة 80 قَالَ فلأزيدن على السّبْعين وَاحِدًا فِي الاسْتِغْفَار فَقَالَ لَهُ عمر وَالله لَا يغْفر لَهُم سَوَاء استغفرت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم وَمِنْهَا مُوَافَقَته فِي قَوْله {فَتَبارَكَ اللهُ أحسنُ الْخَالقِينَ} الْمُؤْمِنُونَ 14 عَن أنس بن مَالك لما نزل قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا الإنسانَ مِن سُلالة مِّن طِينِ} إِلَى قَوْله {ثُمَ أنشأًنَاهُ خلقا آخَرَ} الْمُؤْمِنُونَ 12 - 14 فَقَالَ عمر فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ فَنزلت {فَتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالقِينَ} الْمُؤْمِنُونَ 14 أخرجه الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول وَفِي رِوَايَة فَقَالَ
قبل نُزُولهَا أتزيد فِي الْقُرْآن يَا عمر فَنزل جِبْرِيل بِمَا قَالَ عمر {فَتَبارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} وَمِنْهَا مُوَافَقَته لقَوْله تَعَالَى {سُبحانك هَذَا بهتان عَظِيم} النُّور 16 وَذَلِكَ أَنه
اسْتَشَارَ عمر فِي قصَّة الْإِفْك فِي أَمر عَائِشَة حِين قيل فِيهَا من الْإِفْك مَا قيل فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله من زوجكها قَالَ الله تَعَالَى فَقَالَ عمر أفتظن أَن رَبك دلّس عَلَيْك فِيهَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم فَأنْزل الله على وفْق مَا قَالَ عمر {سُبحَانك هَذَا بهتان عظِيم} وَمِنْهَا مُوَافقَة معنوية وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن عمر انْطلق إِلَى الْيَهُود فَقَالَ إِنِّي أَسأَلكُم بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى هَل تَجِدُونَ وصف مُحَمَّد فِي كتابكُمْ قَالُوا نعم قَالَ فَمَا يمنعكم من اتِّبَاعه قَالُوا إِن الله لم يبْعَث رَسُولا إِلَّا كَانَ لَهُ من الْمَلَائِكَة كَفِيل وَإِن جِبْرِيل هُوَ الَّذِي يكفل مُحَمَّدًا وَهُوَ الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ عدونا من الْمَلَائِكَة وَمِيكَائِيل سلمنَا فَلَو كَانَ هُوَ الَّذِي يَأْتِيهِ اتبعناه قَالَ عمر فَإِنِّي أشهد أَنه مَا كَانَ مِيكَائِيل ليعادي سلم جِبْرِيل وَبِأَن جِبْرِيل مَا كَانَ يسالم عَدو مِيكَائِيل قَالَ فَمر رَسُول الله
فَقَالُوا هَذَا صَاحبك يَا بن(2/484)
الْخطاب فَقَامَ إِلَيْهِ وَقد أنزل الله عَلَيْهِ {قُل مَن كانَ عَدُوّاً لجِبرِيلَ فَإِنَّهُ نَزله عَلى قَلبِكَ} إِلَى قَوْله {عَدُو للكافِرِينَ} الْبَقَرَة 97، 98 فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا جِئْت إِلَّا لأخبرك بقول الْيَهُود فَإِذا اللَّطِيف الْخَبِير قد سبقني بِالْوَحْي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَذِه الْآيَة وَقَالَ لَهُ قد وَافَقَك رَبك يَا عمر وَمِنْهَا تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر وَذَلِكَ أَن عمر كَانَ حَرِيصًا على تَحْرِيمهَا وَكَانَ يَقُول اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر فَإِنَّهُ يذهب المَال وَالْعقل فَنزل قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَنِ الخمرِ وَاَلمَيسِر قُل فِيهِمَا إِثمِ كَبِير} الْبَقَرَة 219 الْآيَة فَدَعَا رَسُول الله
عمر فَتلا بهَا عَلَيْهِ فَلم ير فِيهَا بَيَانا فَقَالَ اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أيُها الذِينَ آمَنُوا إنَما الخمرُ والميسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجسٌ من عَمَلِ الشَيطانِ فاجَتنبُوه} إِلَى قَوْله {فَهَل أنتمُ منَتهُونَ} الْمَائِدَة 90، 91 فَدَعَاهُ رَسُول الله
فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ عمر عِنْد ذَلِك انتهينا يَا رَبنَا انتهينا وَمِنْهَا آيَة الاسْتِئْذَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله
أرسل غُلَاما من الْأَنْصَار إِلَى عمر بن الْخطاب وَقت الظّهْر فَدخل على عمر فوافاه على حَالَة كره عمر رُؤْيَته عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُول الله وددت لَو أَن الله أمرنَا ونهانا فِي حَال الاسْتِئْذَان فَنزلت {يَا أيُّها الذَين آمَنُوا ليسَتئذنكم الذينَ مَلَكَت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الحكم مِنكم} النُّور 58 خرجه أَبُو الْفرج وخرجه صَاحب الْفَضَائِل وَزَاد بعد قَوْله فَدخل عَلَيْهِ وَكَانَ نَائِما وَقد انْكَشَفَ بعض جسده(2/485)
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {ثُلة منَ الأولينَ وَقَلِيل مِنَ الآخِريِنَ} الْوَاقِعَة 13، 14 بَكَى عمر وَقَالَ يَا رَسُول الله وَقَلِيل من الآخِرين آمنا بِاللَّه وصدقنا برَسُول وَمن ينجو منا قَلِيل فَأنْزل الله {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} الْوَاقِعَة 39، 40 فَدَعَا رَسُول الله
عمر وَقَالَ لقد أنزل الله كَمَا قلت {ثُلة مِنَ الأوَلينَ وَثُلَه مِنَ الآخِرينَ} وَمِنْهَا مُوَافَقَته فِي التَّوْرَاة عَن طَارق بن شهَاب قَالَ دخل يَهُودِيّ إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى {وَسارِعُوا إِلىَ مَغْفِرَة من ربكُم وَجنَةٍ عَرضها السمَاواتُ والأرضُ} آل عمرَان 133 فَأَيْنَ النَّار فَقَالَ للصحابة أَجِيبُوهُ فَلم يكن عِنْدهم فِيهَا شَيْء فَقَالَ لَهُ عمر أَرَأَيْت النَّهَار إِذا جَاءَ مَلأ السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ بلَى قَالَ فَأَيْنَ اللَّيْل قَالَ حَيْثُ شَاءَ الله قَالَ عمر فَالنَّار حَيْثُ شَاءَ الله عز وَجل قَالَ الْيَهُودِيّ وَالَّذِي نَفسك بِيَدِهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّهَا لفي كتاب لله الْمنزل على مُوسَى كَمَا قلت وَمِنْهَا الْإِشَارَة فِي الْخُرُوج إِلَى بدر وَذَلِكَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْخُرُوج إِلَى غَزْوَة بدر فَأَشَارَ عمر رَضِي الله عَنهُ بِالْخرُوجِ فَنزل قَوْله تَعَالَى {كَما أخرَجَكَ رَبكَ مِن بَيتك باَلحق وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلمُؤمنِينَ لَكارِهُونَ} الْأَنْفَال 5 وَكَانَ عمر من المحبين لِلْخُرُوجِ وَهُوَ المشير بِهِ وَمِنْهَا قصَّته فِي الصّيام لما جَامع زَوجته بعد الانتباه فِي اللَّيْل وَكَانَ ذَلِك محرما فِي أول الْإِسْلَام فَنزل قَوْله تَعَالَى {أحل لُكم ليلَةَ الصِيامِ الرفَثُ إِلَى نسائكن} الْبَقَرَة 187 أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده(2/486)
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ( {فَلا وَرَبك لَا يؤمِنوُنَ حَتى يُحَكِموُكَ} النِّسَاء 65 أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْأسود قَالَ اخْتصم رجلَانِ إِلَى النَّبِي
فَقضى بَينهمَا فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ ردنا إِلَى عمر بن الْخطاب فَأتيَا إِلَيْهِ فَقَالَ الرجل قضى لي رَسُول الله
على هَذَا فَقَالَ ردنا إِلَى عمر فَقَالَ لَهُ عمر أَكَذَلِك كَانَ قَالَ نعم فَقَالَ عمر مَكَانكُمَا حَتَّى أخرج إلَيْكُمَا فَدخل ثمَّ خرج مُشْتَمِلًا على السَّيْف فَضرب بِهِ عنق الَّذِي قَالَ ردنا إِلَى عمر فَقتله وَأدبر الآخر فَأتى النَّبِي
فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه قتل عمر وَالله صَاحِبي فَقَالَ رَسُول الله
مَا كنت أَظن أَن يجترىء عمر على قتل مُؤمن فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى {فَلا وَرَبك لَا يؤمِنونَ حَتَى يُحَكَموُكَ فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت وَيسُلِموُا تسلِيماً} النِّسَاء 65 فأهدر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دم الرجل لإخبار الله بِكُفْرِهِ وبرىء عمر رَضِي الله عَنهُ من قَتله وأثيب عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا أخرجه عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله أَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ ويل لملك الأَرْض من ملك السَّمَاء فَقَالَ عمر إِلَّا من حاسب نَفسه فَقَالَ كَعْب وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا محبرة فِي التَّوْرَاة كَمَا قلت فَخر عمر سَاجِدا لله سُبْحَانَهُ وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن عمر ليقول القَوْل فَينزل الْقرَان بتصديقه وَعنهُ أَيْضا كُنَّا نقُول إِن فِي الْقُرْآن لكلاماً من كَلَام عمر ورأياً من رَأْيه رَضِي الله عَنهُ وأرضاه(2/487)
(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ)
الحَدِيث الأول عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي
قَالَ اللَّهُمَّ أعز الدّين بِأحب الرجلَيْن إِلَيْك بعمر بن الْخطاب أَبُو بِعَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل فَكَانَ عمر أحبهما إِلَيْهِ أخرجه الإِمَام أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ
الحَدِيث الثَّانِي مَا أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب وروى مثله ابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَغَيرهمَا
الحَدِيث الثَّالِث أخرج أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ والحلقي وَالْبَغوِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أسلم عمر أَتَى جِبْرِيل النَّبِي
فَقَالَ يَا مُحَمَّد لقد استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر قَالَ ابْن عَبَّاس وَكَيف لَا يكون ذَلِك وَلم يصعد للْمُسلمين صَلَاة ظَاهِرَة وَلَا نسك مَعْرُوف إِلَّا بعد إِسْلَامه حِين قَالَ وَالله لَا نعْبد الله سرا بعد هَذَا الْيَوْم
الحَدِيث الرَّابِع عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر بن الْخطاب أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ(2/488)
الحَدِيث الْخَامِس مَا أخرجه البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله
قد يكون فِي الْأُمَم محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي أحد فَهُوَ عمر ابْن الْخطاب وَتَفْسِير محدَّثون ملهمون أَي يُلْهمُون الصَّوَاب
الحَدِيث السَّادِس عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ دخل عمر بن الْخطاب على رَسُول الله
وَعِنْده نسْوَة من قُرَيْش يسألنه ويستكثرنه رافعات أصواتهن فَلَمَّا اسْتَأْذن عمر انقمعن وسكتن وابتدرن للحجاب فَدخل وَرَسُول الله
يضْحك فَقَالَ عمر أضْحك الله سنك يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله
عجبت من هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كن عِنْدِي لما سمعن صَوْتك ابتدرن الْحجاب فَقَالَ عمر يَا عدوات أَنْفسهنَّ أتهابنني وَلَا تهابن رَسُول الله
فَقُلْنَ أَنْت أفظ وَأَغْلظ من رَسُول الله
فَقَالَ رَسُول الله
يَا بن الْخطاب إِن الشَّيْطَان مَا لقيك سالكاً فجاً إِلَّا سلك فجاً غير فجك أخرجه الشَّيْخَانِ وَأحمد وَالنَّسَائِيّ قلت أفعل هُنَا لَيْسَ على وَصفه من الزِّيَادَة بل هُوَ مُسْتَعْمل لأَفْعَل الْفِعْل كَمَا فِي {وبعولتهم أَحَق بردهن} الْبَقَرَة 228 النَّاقِص واراشح أحد لَا نَبِي الله
الحَدِيث السَّابِع أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله
بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي فِي الْجنَّة فَإِذا امْرَأَة تتوضأ إِلَى جَانب قصر قلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لعمر بن الْخطاب فَذكرت غيرتك فوليت مُدبرا فَبكى عمر وَقَالَ أمنك أغار يَا رَسُول الله
الحَدِيث الثَّامِن أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله
قَالَ بَيْنَمَا أَنا نَائِم شربت لَبَنًا حَتَّى إِنِّي أنظر إِلَى الرّيّ يجرى فِي أظفاري ثمَّ ناولته عمر قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الْعلم
الحَدِيث التَّاسِع أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ(2/489)
سَمِعت رَسُول الله
يَقُول بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس عرضوا على وَعَلَيْهِم قُمص فَمِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ الرّكْبَة وَمِنْهَا مَا يبلغ أَنْصَاف السَّاقَيْن وَعرض عَليّ عمر وَعَلِيهِ قَمِيص يجره قَالُوا فَمَا أولته يَا رَسُول الله قَالَ الدّين وَفِي رِوَايَة للحكيم التِّرْمِذِيّ بِالدّينِ إِن الْقَمِيص يستر الْعَوْرَة فِي الدُّنْيَا وَالدّين يَسْتُرهَا فِي الْآخِرَة ويحجبها عَن كل مَكْرُوه وَالْأَصْل فِيهِ {وَلباسُ التَّقْوَى ذَلِك خير} الْأَعْرَاف 26 وَاتفقَ المعبرون على ذَلِك أَعنِي تَعْبِير الْقَمِيص بِالدّينِ وَإِن ذَلِك يدل على بَقَاء آثَار صَاحبه من بعده قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ إِنَّمَا أول الْقَمِيص بِالدّينِ لِأَنَّهُ يستر عَورَة الْجَهْل كَمَا أَن الْقَمِيص يستر عَورَة الْبدن وَأما غير عمر فَمَا يبلغ ثديه هُوَ مَا يستر قلبه عَن الْكفْر وَإِن عصى وَمَا يبلغ أَسْفَل مِنْهُ وفرجه باد هُوَ من لم يستر رجله عَن الْمَشْي للمعصية وَالَّذِي يستر رجله هُوَ الَّذِي احتجب بالتقوى من جَمِيع الْوُجُوه وَالَّذِي يجر قَمِيصه زَاد على ذَلِك بِالْعَمَلِ الصَّالح الْخَالِص وَقَالَ الْعَارِف ابْن أبي حَمْزَة المُرَاد بِالنَّاسِ فِي الحَدِيث مؤمنو هَذِه الْأمة وَالْمرَاد بِالدّينِ امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي وَكَانَ لعمر فِي ذَلِك الْمقَام العالي وَيُؤْخَذ من الحَدِيث أَن كل مَا يرى فِي الْقَمِيص من حسن أَو غَيره عبر بدين لابسه ونقصه إِمَّا بِنَقص الْإِيمَان أَو الْعَمَل وَفِي الحَدِيث أَن أهل الدّين يتفاضلون فِي الدّين بالقلة وَالْكَثْرَة وبالقوة والضعف وَهَذَا من أَمْثِلَة مَا يحمد فِي الْمَنَام ويذم فِي الْيَقَظَة شرعا أَعنِي جر الْقَمِيص لما ورد من الْوَعيد فِي جَرّه خُيَلَاء(2/490)
الحَدِيث الْعَاشِر أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر وَأَبُو دَاوُد والحاكَم عَن أبي ذَر وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن بِلَال وَمُعَاوِيَة أَن رَسُول الله
قَالَ إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه
الحَدِيث الْحَادِي عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله
قَالَ إِنِّي أنظر إِلَى شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس قد فروا من عمر وَأخرج ابْن عدي عَنْهَا رَأَيْت شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ فروا من عمر
الحَدِيث الثَّانِي عشر أخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله
أول من يصافحه الْحق عمر وَأول من يَأْخُذ كِتَابه بِيَمِينِهِ عمر لَهُ شُعَاع كشعاع الشَّمْس فَيدْخل الْجنَّة عمر والمصافحة هُنَا كِنَايَة عَن مزِيد الإنعام والاتصال وَهُوَ أَن أَبَا بكر أول من يدْخل الْجنَّة فَيجمع بِحمْل الأولية على التَّشْبِيه أَي أول من يدخلهَا بعد أبي بكر
الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة والصعب بن جثامة أَن رَسُول الله
قَالَ عمر سراج أهل الْجنَّة(2/491)
الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج الْبَزَّار عَن قدامَة بن مَظْعُون عَن عَمه عُثْمَان بن مَظْعُون قَالَ قَالَ رَسُول الله
هَذَا غلق العتبة وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عمر لَا يزَال بَيْنكُم وَبَين الْفِتْنَة بَاب شَدِيد الغلق مَا عَاشَ هَذَا بَين أظْهركُم
الحَدِيث الْخَامِس عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي
فَقَالَ أقرىء عمر السَّلَام وَأخْبرهُ أَن غَضَبه عز وَرضَاهُ حكم وَفِي رِوَايَة أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ اقرىء عمر السَّلَام وَقل لَهُ إِن رِضَاهُ حكم وَإِن غَضَبه عز
الحَدِيث السَّادِس عشر أخرج ابْن عَسَاكِر وَابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
مَا فِي السَّمَاء ملك إِلَّا وَهُوَ يوقر عمر وَلَا فِي الأَرْض شَيْطَان إِلَّا وَهُوَ يفرق من عمر
الحَدِيث السَّابِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة إِن الله باهى بِأَهْل عَرَفَة عَامَّة وباهى بعمر خَاصَّة
الحَدِيث الثَّامِن عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ والديلمي عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
الْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ يَدُور مَعَه حَيْثُ دَار(2/492)
الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سديسة قَالَت قَالَ رَسُول الله
إِن الشَّيْطَان لم يلق عمر مُنْذُ أسلم إِلَّا خر لوجهه
الحَدِيث الْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله
قَالَ لي جِبْرِيل ليبكين الْإِسْلَام على موت عمر رَضِي الله عَنهُ
الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
من أبْغض عمر فقد أبغضني وَمن أحب عمر فقد أَحبَّنِي وَإِن الله باهى بِالنَّاسِ عَشِيَّة عَرَفَة عَامَّة وباهى بعمر خَاصَّة وَإنَّهُ لم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا كَانَ فِي أمته محدَث وَإِن يكن فِي أمتِي مِنْهُم أحد فَهُوَ عمر قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ مُحدث قَالَ تَتَكَلَّم الْمَلَائِكَة على لِسَانه
الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج أَبُو دَاوُد عَن عمر أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ لَا تَنسَنا يَا أخي من دعائك وَفِي رِوَايَة قَالَ لَهُ يَا أخي أشركنا فِي صَالح دعائك وَلَا تَنسَنا
الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخرج النجار عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله
قَالَ الصدْق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ
الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أنس والشيخان عَن جَابر وَأحمد عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب أَن رَسُول الله
قَالَ(2/493)
دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بقصر من ذهب فَقلت لمن هَذَا الْقصر قَالُوا لرجل من قُرَيْش فَظَنَنْت إِنِّي أَنا هُوَ فَقلت وَمن هُوَ قَالُوا عمر بن الْخطاب فلولا مَا علمت من غيرتك لدخلته
الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدى أَن رَسُول الله
قَالَ عمر معي وَأَنا مَعَ عمر وَالْحق بعدِي مَعَ عمر حَيْثُ كَانَ
الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي
قَالَ مَا طلعت الشَّمْس على خير من عمر قلت المُرَاد بعد أبي بكر جمعا بَينه وَبَين مَا ورد من مثله فِي حق أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا
الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج ابْن سعد عَن أَيُّوب بن مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن الله جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه وَعمر الْفَارُوق فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل
الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عصمَة بن مَالك أَن رَسُول الله
قَالَ كَذَا وَيحك إِذا مَاتَ عمر فَإِن اسْتَطَعْت أَن تَمُوت فمت
الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخرج فِي المصابيح عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله
قَالَ أَشد أمتِي فِي أَمر الله عمر
الحَدِيث الثَّلَاثُونَ عَن الْحسن الفردوسي قَالَ لَقِي عمر أَبَا ذَر فَأخذ بِيَدِهِ(2/494)
فعصرها فَقَالَ أَبُو ذَر دع يَدي يَا قفل الْفِتْنَة وَعرف عمر أَن لكلمته أصلا فَقَالَ يَا أَبَا ذَر مَا قفل الْفِتْنَة فَقَالَ أَبُو ذَر جئتَ يَوْمًا وَنحن عِنْد النَّبِي
فكرهتَ أَن تَتَخَطَّى رِقَاب النَّاس فَجَلَست فِي أدبارهم فَقَالَ
لَا تصيبكم فتْنَة مَا دَامَ هَذَا مَعكُمْ خرجه المخلص الذَّهَبِيّ والرازي والملا فِي سيرته وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيح من حَدِيث حُذَيْفَة وَلَفظه قَالَ كُنَّا عِنْد عمر فَقَالَ أَيّكُم يحفظ حَدِيث رَسُول الله
فِي الْفِتْنَة قَالَ حُذَيْفَة قلت أَنا فَقَالَ هَات فَقلت سَمِعت من رَسُول الله
يَقُول فتْنَة الرجل فِي أَهله وَمَاله وَنَفسه وَولده وجاره يكفرهَا الصّيام وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَقَالَ عمر لَيْسَ هَذَا أُرِيد أُرِيد الَّتِي تموج كموج الْبَحْر قَالَ قلت مَالك وَلها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن بَيْنك ويبنها بَابا مغلقاً فَقَالَ يكسر الْبَاب أَو يفتح قَالَ لَا بل يكسر قَالَ ذَلِك أَحْرَى أَلا يغلق قَالَ قُلْنَا لِحُذَيْفَة هَل كَانَ عمر يعلم من الْبَاب قَالَ نعم كَمَا يعلم أَن دون غَد اللَّيْلَة فَإِنِّي حدثته حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط قَالَ فهبنا أَن نسْأَل حُذَيْفَة من الْبَاب فَقُلْنَا لمسروق سَله فَسَأَلَهُ فَقَالَ عمر أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن سَلام أَنه مر بِعَبْد الله بن عمر وَهُوَ نَائِم فحركه بِرجلِهِ وَقَالَ من قَالَ أَنا عبد الله بن عمر فَقَالَ قُم يَا بن قفل جَهَنَّم فَقَامَ عبد الله وَقد تغير وَجهه حَتَّى أَتَى وَالِده عمر فَقَالَ لَهُ مَا سَمعه من عبد الله بن سَلام فَقَالَ عمر الويل لعمر إِن كَانَ بعد عبَادَة أَرْبَعِينَ سنة ومصاهرة النَّبِي
وقضاياه فِي الْمُسلمين بالاقتصاد أَن يكون مصيره إِلَى جَهَنَّم قَالَ فَقَامَ عمر وتقنع بطيلسانه وَألقى الدرة على عَاتِقه فَاسْتَقْبلهُ عبد الله بن سَلام فَقَالَ لَهُ عمر بَلغنِي عَنْك أَنَّك قلت لِابْني يَا بن قفل جَهَنَّم قَالَ ابْن سَلام نعم قَالَ فَكيف قلت إِنِّي فِي جَهَنَّم حَتَّى أكون قفل جَهَنَّم قَالَ معَاذ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تكون فِي جَهَنَّم وَلَكِنَّك قفل جَهَنَّم قَالَ كَيفَ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن آبَائِهِ عَن مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ(2/495)
السَّلَام عَن جِبْرِيل أَنه قَالَ يكون فِي أمة مُحَمَّد رجل يُقَال لَهُ عمر بن الْخطاب أحسن النَّاس دينا وَأَحْسَنهمْ يَقِينا مَا دَامَ فيهم فالدين عَال وَالْيَقِين فَاش فَاسْتَمْسك بالعروة الوثقى من الدّين فجهنم مقفلة فَإِذا مَاتَ عمر فرق الدّين وافترق النَّاس على فرق عَن أهواء وَفتحت أقفال جَهَنَّم فَيدْخل فِيهَا
الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَحشر النَّاس جَاءَ عمر بن الْخطاب حَتَّى يقف فِي الْموقف فيأتيه شَيْء أشبه شَيْء بِهِ فَيَقُول لَهُ جَزَاك الله خيرا فَيَقُول لَهُ من أَنْت فَيَقُول أَنا الْإِسْلَام جَزَاك الله عني يَا عمر خيرا ثمَّ يُنَادى مُنَاد أَلا لَا يدفعن لأحد كتاب حَتَّى يدْفع لعمر بن الْخطاب ثمَّ يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ وَيُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة قَالَ فَبكى عمر وَأعْتق جَمِيع مَا يملكهُ وهم إِذْ ذَاك تِسْعَة عشر
الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا نظر رَسُول الله
إِلَى عمر ذَات يَوْم وَتَبَسم ثمَّ قَالَ أَتَدْرِي يَا بن الْخطاب لم تبسمت إِلَيْك قَالَ الله وَرَسُوله أعلم قَالَ إِن الله عز وَجل نظر إِلَيْك بالشفقة وَالرَّحْمَة لَيْلَة عَرَفَة وجعلك مِفْتَاح الْإِسْلَام
الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي
قَالَ عمر بن الْخطاب أول من يسلم عَلَيْهِ الْحق يَوْم الْقِيَامَة وكل أحد مَشْغُول بِأخذ الْكتاب وقراءته أخرجه فِي الْفَضَائِل
الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله
عمر بن الْخطاب من أهل الْجنَّة أخرجه أَبُو حَاتِم
الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ عَن زيد بن أبي أوفى أَن رَسُول الله
قَالَ لعمر(2/496)
ابْن الْخطاب أَنْت معي فِي الْجنَّة ثَالِث ثَلَاثَة
الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي
قَالَ يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة أَيْن الْفَارُوق فَيُؤتى فَيَقُول مرْحَبًا بك يَا أَبَا حَفْص هَذَا كتابك إِن شِئْت فاقرأه وَإِن شِئْت فَلَا فقد غفرت لَك وَيَقُول الْإِسْلَام يَا رب هَذَا عمر أعزني فِي دَار الدُّنْيَا فأعزه فِي عرصات الْقِيَامَة فَعِنْدَ ذَلِك يحمل على نَاقَة من نور وَقد كسى حلتين لَو نشرت إِحْدَاهُنَّ لغطت الْخَلَائق ثمَّ يسير بَين يَدَيْهِ سَبْعُونَ ألف لِوَاء ثمَّ يُنَادي مُنَاد يأهل الْموقف هَذَا عمر فَاعْرِفُوهُ خرجه الفضائلي
الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن أنس أَن رَسُول الله
قَالَ من أحب عمر عمر الله قلبه بِالْإِيمَان أخرجه الفضائلي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ أصَاب النَّاس قحط فِي زمن عمر فجَاء رجل إِلَى قبر النَّبِي
فَقَالَ يَا رَسُول الله استسق لأمتك فَإِنَّهُم قد هَلَكُوا قَالَ فَأَتَاهُ رَسُول الله
فِي الْمَنَام فَقَالَ ائْتِ عمر ومره أَن يَسْتَسْقِي للنَّاس فَإِنَّهُم يسقون وَقل لَهُ عَلَيْك الْكيس الْكيس فَأتى الرجل عمر فَأخْبرهُ فَبكى عمر وَقَالَ يَا رب مَا آلو إِلَّا مَا عجزت عَنهُ خرجه الْبَغَوِيّ فِي الْفَضَائِل وَأَبُو عَمْرو
الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ عَن عَليّ بَين أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
اتَّقوا غضب عمر فَإِن الله يغْضب لغضبه خرجه الملا فِي سيرته وَصَاحب النزهة(2/497)
وَفِي رِوَايَة لَا تغضبوا عمر فَإِن الله يغْضب إِذا غضب
الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رأى النَّبِي
ثوبا أَبيض على عمر فَقَالَ أجديد قَمِيصك أم غسيل فَقَالَ عمر بل جَدِيد فَقَالَ
البس جَدِيدا وعش حميدا ومت شَهِيدا قَالَ عبد الرَّزَّاق وَافقه الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد ويعطيك الله قُرَّة الْعين فِي الدُّنْيَا والاخرة أخرجه أَبُو حَاتِم وَعَن عمر وَقد قَرَأَ يَوْمًا على الْمِنْبَر {جنَّات عدت يدخُلونها} الرَّعْد 23 هَل تَدْرُونَ مَا جنَّات عدن قصر فِي الْجنَّة لَهُ خَمْسَة آلَاف بَاب على كل بَاب عشرُون ألفا من الْحور الْعين لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي وهنيئاً لصَاحب هَذَا الْقَبْر وَأَشَارَ إِلَى قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو صديق وَأَشَارَ إِلَى قبر أبي بكر الصّديق أَو شَهِيد وأنى لعمر الشَّهَادَة وَهُوَ بِجَزِيرَة الْعَرَب ثمَّ قَالَ إِن الَّذِي أخرجني عَن حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة يعْنى أمه قَادر أَن يَسُوقهَا إِلَى قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فساقها الله إِلَيْهِ على يَد شَرّ خلقه مَجُوسِيّ عبد مَمْلُوك للْمُغِيرَة بن شُعْبَة كَمَا سَيَأْتِي ذكر هَذَا بالأثر عِنْد ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله
قَالَ كَيفَ بك يَا بن الْخطاب إِذا جَاءَك مُنكر وَنَكِير وهما ملكان فظان غليظان أسودان أزرقان ألوانهما كالليل الدامس أصواتهما كالرعد القاصف عيونهما كالشهب الثواقب أسنانهما كالرماح يسحبان شعورهما على الأَرْض بيد كل مِنْهُمَا مطرقة لَو اجْتمع الثَّقَلَان لم يقدروا على حملهَا يسألانك عَن رَبك وَعَن(2/498)
نبيك فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ أيأتياني وَأَنا ثَابت كَمَا أَنا قَالَ نعم قَالَ عمر فسأكفيهما وَفِي رِوَايَة بفيهما الْحجر فَقَالَ رَسُول الله
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبيا لقد أَخْبرنِي جِبْرِيل أَنَّهُمَا يأتيانك ويسألانك فَتَقول أَنْت الله ربى فَمن رَبكُمَا وَمُحَمّد نَبِي فَمن نبيكما وَالْإِسْلَام ديني فَمَا دينكما فَيَقُولَانِ واعجباه مَا نَدْرِي نَحن أرسلنَا إِلَيْك أم أَنْت أرْسلت إِلَيْنَا خرجه عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه التَّبْصِرَة
الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ روى الْحَاكِم فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله
قَالَ رضَا الله رضَا عمر ورضا عمر رضَا الله تبَارك وَتَعَالَى
الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ عَن أبي هُرَيْرَة لَو لم أبْعث فِيكُم لبعث عمر إِن الله عز وَجل أيد عمر بملكين يوفقانه ويسددانه فَإِذا أَخطَأ صرفاه حَتَّى يكون صَوَابا أخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس أَقُول هَذَا مَا ظَفرت بِهِ من الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي شَأْنه خَاصَّة وَمَا ورد مُشْتَركا بَينه وَبَين أبي بكر أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فَهِيَ كثير لم أورد مِنْهُ شَيْئا وَكَذَلِكَ مَا ورد فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ من الصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح من المناقب والكرامات والصلابة فِي الدّين والزهد وَالْخَوْف من الله وَغير ذَلِك من أَوْصَافه الجميلة ومزاياه الجليلة فَهِيَ كثير مَبْسُوط مسطر لم أورد مِنْهُ شَيْئا طلبا للاختصار واعتماداً على مَا ذكره المؤلفون فِي محاله
(ذكر وَفَاته شَهِيدا رَضِي الله عَنهُ)
قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ سعيد بن الْمسيب إِن عمر لما نفر من مني أَنَاخَ بِالْأَبْطح ثمَّ كوم كومة من بطحاء ثمَّ اسْتلْقى وَرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ كَبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إِلَيْك غير مضيع وَلَا مفرط ثمَّ رَجَعَ(2/499)
إِلَى الْمَدِينَة فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة حَتَّى طعن وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لما كَانَ آخر حجَّة حَجهَا عمر بأمهات الْمُؤمنِينَ مَرَرْت بالمحصب فَسمِعت رجلا على رَاحِلَة رفع عقيرته فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //
(أبعد قَتِيلٍ بِالْمَدِينَةِ أَظْلَمَتْ ... لَهُ الأرضُ تهتزُّ العِضَاهُ بأسوقِ)
(جزى الله خيرا من إمامٍ وباركتْ ... يَدُ الله فِي ذَاك الأدِيمِ الممزَّقِ)
(فَمن يَسْعَ أَو يركبْ جناحي نعامةٍ ... ليدركَ مَا قدمتَ بالْأَمْس يُسْبَقِ)
(قَضيْتَ أموراً ثمَّ غادرتَ بَعْدهَا ... بَوَائِقَ فِي أكمَامِهَا لم تُفَتَّقِ)
(ومَا كنْت أخْشَى أنْ تكونَ وفاتُهُ ... بكفِّي سَبَنْتَى أهرتِ الشِّدقِ أزْرقِ)
قَالَت فَلم ندر ذَا الركب من هُوَ وَكُنَّا نتحدث أَنه من الْجِنّ فَرجع عمر من تِلْكَ الْحجَّة وَطعن فِي ذِي الْحجَّة وَقَوْلها لما كَانَ آخر حجَّة وَذَلِكَ لِأَن سيدنَا عمر رَضِي الله عَنهُ حج عشر سِنِين مُتَوَالِيَات بِأَزْوَاج النَّبِي
آخِرهنَّ سنة ثَلَاث وَعشْرين من الْهِجْرَة حج بِهن فِي الهوادج عَلَيْهِنَّ الستور ووصى عَلَيْهِنَّ ابْنه عبد الرَّحْمَن فَكَانَ ينزلهن فِي الشّعب لَا منفذ لَهُ صونا لَهُنَّ وَينزل هُوَ عِنْد بَابه وَرُوِيَ عَن سيدنَا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه لما وصل إِلَى الْمَدِينَة قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني شَهَادَة فِي سَبِيلك وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك كَذَا فِي البُخَارِيّ وَقَالَ معدان بن أبي طَلْحَة الْيَعْمرِي خطب عمر بعد رُجُوعه إِلَى الْمَدِينَة يَوْم جُمُعَة فَذكر نَبِي الله وَأَبا بكر ثمَّ قَالَ رَأَيْت كَأَن ديكاً نقرني نقرة أَو نقرتين وَإِنِّي لَا أرَاهُ إِلَّا لحضور أَجلي وَإِن قوما يأمرونني أَن أستخلف وَإِن الله لم يكن لِيُضيع دينه وَلَا خِلَافَته فَإِن عجل بى أَمْرِي فالخلافة شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي(2/500)
رَسُول الله
وَهُوَ عَنْهُم رَاض عُثْمَان وَعلي وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَسعد وَقَالَ الزُّهْرِيّ كَانَ عمر لَا يَأْذَن لسبي قد احْتَلَمَ فِي دُخُول الْمَدِينَة حَتَّى كتب إِلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَهُوَ عَامله على الْكُوفَة يذكر لَهُ أَن عِنْده غُلَاما عِنْده صنائع ويستأذنه أَن يدْخل الْمَدِينَة وَيَقُول إِن عِنْده أعمالاً كَثِيرَة يحسنها فِيهَا مَنَافِع للنَّاس إِنَّه حداد نقاش حجار فَأذن لَهُ أَن يُرْسل بِهِ وَضرب عَلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة مائَة دِرْهَم فِي الشَّهْر فجَاء إِلَى عمر فَشَكا كَثْرَة الْخراج عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عمر مَا خراجك بِكَثِير وَأَنت تحسن هَذِه الصَّنَائِع فَانْصَرف ساخطاً يتذمر وَيَقُول وسع عدل عمر الْعَالمين غَيْرِي فَمَكثَ عمر ليالٍ ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ ألم أخبر أَنَّك لَو تشَاء لصنعت رحى تطحن بِالرِّيحِ فَالْتَفت إِلَى عمر عَابِسا وَقَالَ لأصنعن لَك رحى يتحدث النَّاس بهَا فَلَمَّا ولى قَالَ عمر لأَصْحَابه توعدني العَبْد آنِفا ثمَّ اشْتَمَل العَبْد واسْمه فَيْرُوز وكنيته أَبُو لؤلؤة على خنجر ذِي رَأْسَيْنِ فَقَبضهُ فِي وَسطه فكمن لَهُ فِي زَاوِيَة من زَوَايَا الْمَسْجِد فِي الْغَلَس وَكَانَ عمر يَقُول للنَّاس حَال الْقيام للصَّلَاة أقِيمُوا صفوفكم قبل أَن يكبر فجَاء هَذَا الْغُلَام الْمَجُوسِيّ فَيْرُوز أَبُو لؤلؤة وَقَامَ حذاءه فِي الصَّفّ فَلَمَّا كبر عمر للصَّلَاة ضربه بَين كَتفيهِ وَفِي خاصرته فَسقط قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون إِنِّي لقائم فِي الصَّلَاة وَمَا بيني وَبَين عمر إِلَّا ابْن عَبَّاس فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كبر بعد أَن ضرب فَسَمعته رَضِي الله عَنهُ يَقُول قتلني الْكَلْب وطار العلج لَا يمر على أحد يَمِينا وَلَا شمالاً إِلَّا طعنه حَتَّى طعن ثَلَاثَة عشر رجلا مَاتَ مِنْهُم سَبْعَة أَو تِسْعَة فَطرح رجل عَلَيْهِ برنساً وضمه فَلَمَّا علم عَدو الله أَنه مَأْخُوذ نحر نَفسه ثمَّ قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل ميتتي على يَد أحد يَدعِي الْإِسْلَام(2/501)
قَالَ ابْن خلكان ذكر أَنه لما طعن عمر اخْتَار من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم السِّتَّة النَّفر الَّذين تقدم ذكرهم وَكَانَ سعد غَائِبا فَأرْسل إِلَيْهِ فَجعل أمره إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَمَا سأذكره وَجعل ابْنه عبد الله بن عمر مُشِيرا وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء وَأمر الْمسور بن مخرمَة وَفِي رِوَايَة أَمر أَبَا طَلْحَة الْأنْصَارِيّ أَن يكون فِي خمسين رجلا يكونُونَ مَعَ هَؤُلَاءِ النَّفر أهل الشورى قَالَ فَإِنَّهُم فِيمَا أَحسب يَجْتَمعُونَ فِي بَيت فَقُمْ أَنْت فِي أَصْحَابك على بَابه فَلَا تتْرك أحدا يدْخل عَلَيْهِم ثمَّ إِن اتَّفقُوا على وَاحِد إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَإِلَّا فاضربوا أَعْنَاق الْكل فَلَا خير للْمُسلمين فيهم وَلَو افْتَرَقُوا فرْقَتَيْن فالفرقة الَّتِي فِيهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأوصى أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ صُهَيْب بن سِنَان الرُّومِي فِي تِلْكَ الثَّلَاثَة الْأَيَّام عَن أبي الْحُوَيْرِث قَالَ لما مَاتَ عمر وَوضع ليصلى عَلَيْهِ أقبل عَليّ وَعُثْمَان أَيهمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهما عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِن هَذَا لَهو الْحِرْص على الْإِمَارَة لقد علمتما مَا هَذَا إلَيْكُمَا وَقد أوصى بِهِ إِلَى غيركما يَا صُهَيْب تقدم فصل عَلَيْهِ قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ سَالم بن عبد الله بن عمر دخل أَصْحَاب الشورى مَا عدا سَعْدا فَإِنَّهُ كَانَ غَائِبا على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَنظر إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ إِنِّي نظرت لكم فِي أَمر النَّاس فَلم أجد عِنْد أحد شقاقاً إِلَّا أَن يكون فِيكُم ثمَّ قَالَ مُخَاطبا عُثْمَان وعلياً وَابْن عَوْف إِن قومكم لن يدَعوا أَن يؤمروا أحدكُم أَيهَا الثَّلَاثَة فَإِن كنتَ على شَيْء من أَمر النَّاس يَا عُثْمَان فَلَا تحملن بني أبي معيط على رِقَاب النَّاس وَإِن كنت يَا بن عَوْف على شَيْء من أَمر النَّاس فَلَا تحملن بني زهرَة على رِقَاب النَّاس وان كنت يَا بن أبي طَالب على شَيْء من أَمر النَّاس فَلَا تحملن بني هَاشم على رِقَاب النَّاس قومُوا فتشاوروا وَأمرُوا أحدكُم فَقَامُوا يتشاورون قَالَ ابْن عمر فدعانى عُثْمَان ليدخلني فِي هَذَا الْأَمر فَقلت لَهُ لم يدخلنى أَمِير(2/502)
الْمُؤمنِينَ مَعكُمْ وَقلت وَكَيف تؤمرنى وأمير الْمُؤمنِينَ حَيّ فَكَأَنَّمَا أيقظتهم فَقَالَ عمر أمهلوا فَإِذا حدث بِي حَادث فَأمروا قَالَ الذَّهَبِيّ فَلَمَّا دفن اجْتمع هَؤُلَاءِ الرَّهْط أهل الشورى فَقَالَ عبد الرَّحْمَن لعُثْمَان خلْوَة إِن لم أُبَايِعك فبمن تُشِير عَليّ فَقَالَ أُشير عَلَيْك بعلي وَقَالَ لعَلي إِن لم أُبَايِعك فبمن تُشِير عَليّ فَقَالَ بعثمان ثمَّ قَالَ لطلْحَة أما أَنا وَأَنت فَلَا نريدها فبمن تُشِير عَليّ فَقَالَ أُشير بعثمان ثمَّ إِن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ اجعلوا أَمركُم إِلَى ثَلَاثَة فَقَالَ الزبير قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ وَقد كَانَ سعد جعل أمره إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقَالَ طَلْحَة قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان فَخَلا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعلي وَعُثْمَان فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أَنا لَا أريدها فأيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر لصَاحبه فَيَجْعَلهُ لله وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرن أفضلهم وليحرصن على صَلَاح الْأمة فَسكت الشَّيْخَانِ عَليّ وَعُثْمَان فَقَالَ عبد الرَّحْمَن اجعلاه إِلَيّ وَالله عَليّ لَا آلوكم عَن أفضلكم قَالَا نعم فَخَلا بعلي وَقَالَ لَهُ لَك من الْقدَم فِي الْإِسْلَام والقرابة مَا قد علمت الله عَلَيْك وَعَهده لَئِن أَمرتك لتعدلن وَلَئِن أمرتُ عَلَيْك لتسمعن وتطيعن قَالَ عَليّ نعم ثمَّ خلا بعثمان فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ نعم فَلَمَّا أَخذ ميثاقهما نُودي فِي النَّاس الصَّلَاة جَامِعَة فَخرج عبد الرَّحْمَن عَلَيْهِ عِمَامَة النَّبِي
الَّتِي عممه إِيَّاهَا مُتَقَلِّدًا سَيْفه وَصعد الْمِنْبَر فَوقف طَويلا يَدْعُو سرا ثمَّ قَالَ يأيها النَّاس إِنِّي قد سألتكم سرا وجهراً ثَنَا ووحدانا على أمانتكم فَلم أَجِدكُم تعدلون عَن أحد هذَيْن الرجلَيْن عَليّ وَعُثْمَان قُم إِلَيّ يَا عَليّ فَقَامَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ ووقف جنب الْمِنْبَر فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ تبايعني على كتاب الله وَسنة رَسُوله
وَفعل أبي بكر فَقَالَ عَليّ اللَّهُمَّ لَا وَلَكِن على جهدي من ذَلِك وطاقتي ثمَّ قَالَ عبد الرَّحْمَن يَا عُثْمَان قُم فَقَامَ فَأخذ بِيَدِهِ فِي موقف عَليّ وَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لعَلي فَقَالَ عُثْمَان اللَّهُمَّ نعم فَرفع عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَأسه إِلَى(2/503)
سقف الْمَسْجِد وَيَده فِي يَد عُثْمَان ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ إِنِّي جعلت مَا فِي رقبتي فِي رَقَبَة عُثْمَان قَالَ فازدحم النَّاس على عُثْمَان يبايعونه حَتَّى غشوه عِنْد الْمِنْبَر فَأقْعدَ على الدرجَة الثَّانِيَة من الْمِنْبَر وَعبد الرَّحْمَن قَاعد فى مقْعد النبى
من الْمِنْبَر فَوْقه قَالَ وتلكأ عَليّ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن {فَمَن نكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلى نَفسِه} الْفَتْح 10 فَرجع عَليّ وشق النَّاس حَتَّى وصل إِلَى عُثْمَان وَبَايَعَهُ وَهُوَ يَقُول خدعة وَأي خدعة وَبَقِي عمر رَضِي الله عَنهُ بعد طعنه ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ طعنه يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين من الْهِجْرَة قَالَ الْعَلامَة الشَّامي فِي سيرته أرسل عمر رَضِي الله عَنهُ وهوجريح ابْنه عبد الله إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ لَهُ قل لَهَا يقْرَأ عمر عَلَيْك السَّلَام وَلَا تقل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي الْيَوْم لست أَمِيرهمْ وَقل يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ فجَاء إِلَيْهَا عبد الله بن عمر فَسلم وَاسْتَأْذَنَ فَدخل فَوَجَدَهَا تبْكي فَقَالَ لَهَا فَأَذنت وَقَالَت كنت أردته تَعْنِي مَكَان الْقَبْر لنَفْسي ولأوثرنه الْيَوْم على نَفسِي فَلَمَّا أقبل عبد الله من عِنْدهَا قيل لعمر هَذَا عبد الله قَالَ ارفعوني فأسنده رجل فَقَالَ لعبد الله مَا لديك فَقَالَ عبد الله الَّذِي تحب أَذِنت عَائِشَة قَالَ الْحَمد لله مَا كَانَ شَيْء أهم إِلَيّ من ذَلِك فَإِذا أَنا قبضت فاحملوني ثمَّ سلم وَقل يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب فَإِن أَذِنت لي فأدخلوني وَإِن ردَّتْ فردوني إِلَى مَقَابِر الْمُسلمين(2/504)
وأوصاهم أَن يقصدوا فِي كَفنه وَلَا يتغالوا وغسله ابْنه عبد الله وَحمل على سَرِير رَسُول الله
وَصلى عَلَيْهِ صُهَيْب فى مَسْجده
وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَدفن يَوْم الْأَحَد هِلَال الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة عَليّ الصَّحِيح فَنزل فِي قَبره ابْنه عبد الله وَعُثْمَان بن عَفَّان وَسَعِيد بن زيد كَانَت مُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَخمْس لَيَال قَالَ الذَّهَبِيّ لما توفّي عمر أظلمت الأَرْض فَجعل الصَّبِي يَقُول يَا أُمَّاهُ أَقَامَت الْقِيَامَة فَتَقول لَا يَا بني وَلَكِن قتل عمر
(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله عَنهُ)
كَانَ لَهُ ثَلَاثَة عشر تِسْعَة ذُكُور وَأَرْبع إناث الأول عبد الله وَكَانَ يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن أسلم مَعَ أَبِيه صَغِيرا بِمَكَّة وَصَاحب مَعَ أَبِيه وَأمه وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَشهد الْمشَاهد كلهَا بعد أحد قَالَ الدارقطنى استصغره النبى
يَوْم أحد وَشهد الخَنْدَق وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة فَشهد الْمشَاهد كلهَا كَانَ عَالما مُجْتَهدا عابداً لُزُوما للسّنة فَارًّا من الْبِدْعَة ناصحاً للْأمة رؤى فِي الْكَعْبَة سَاجِدا يَقُول فِي سُجُوده يَا رب مَا يَمْنعنِي من مزاحمة قُرَيْش على هَذِه الدُّنْيَا إِلَّا خوفك أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله
فَقَالَ إِن عبد الله رجل صَالح قَالَ نَافِع أعتق ألف نسمَة أَو زَاد عَاشَ إِلَى زمَان عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ أَبُو الْيَقظَان زَعَمُوا أَن الْحجَّاج دس لَهُ رجلا قد سم زج رمحه فزحمه فِي الطَّرِيق وطعنه فِي ظهر قدمه فَدخل عَلَيْهِ الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن من أَصَابَك قَالَ أَنْت أصبتني قَالَ وَلم تَقول هَذَا يَرْحَمك الله قَالَ حملت(2/505)
السِّلَاح فِي بلد لم يكن يحمل السِّلَاح فِيهِ فَمَاتَ فَصلي عَلَيْهِ عِنْد الرَّدْم وَدفن فِي حَائِط أم خرمان قلت هَذَا الْحَائِط لَا يعرف الْيَوْم بِمَكَّة وَلَا حولهَا وَإِنَّمَا بِالْأَبْطح مَوضِع يُقَال لَهُ الخرمانية فَلَعَلَّهُ نسب إِلَى أم خرمان وَقَالَ غير أبي الْيَقظَان دفن بفخ وَهُوَ مَوضِع مَشْهُور وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَله عقب مِنْهُم عبد الرَّحْمَن وَسَالم وَكَانَ عبد الله هَذَا من الصّلاح وَالدّين وَالْعقل عَن أَحْوَال الدُّنْيَا على الْجَانِب الْأَعْظَم فَمن ذَلِك مَا نَقله الْعَلامَة الصَّفَدِي فِي تَذكرته فَقَالَ هجت عَاتِكَة بنت عبد الرَّحْمَن زَوجهَا ابْن أبي عَتيق بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ // (من الْكَامِل) //
(ذَهّبَ الإلهُ بِمَا تعيشُ بِهِ ... وَقَمَرْتَ لبد أيمَا قَمَرِ)
(أنفقتَ مَالَكَ غير مُحْتَشِمٍ ... فِي كُلِّ زانِيَةٍ وَفِي الخَمْرِ)
وَكَانَ ابْن أبي عَتيق هَذَا صَاحب دعابة وفكاهة فَأخذ الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين فِي رقْعَة وَخرج فَإِذا هُوَ بِعَبْد الله بن عمر الْمشَار إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن اقْرَأ هَذِه وأشر عَليّ بِرَأْيِك فَلَمَّا قَرَأَهَا قَالَ لَهُ مَا ترى فِيمَن هجاني بِهَذَا قَالَ لَهُ ابْن عمر أرى أَن تَعْفُو عَنهُ وتصفح فَقَالَ ابْن عَتيق وَالله لَئِن لقِيت قَائِلهَا لأ. . كنه فأربد لون عبد الله بن عمر وأخذته رعدة واختلاط فَقَالَ لِابْنِ لأبى عَتيق مَا هَذَا غضب الله عَلَيْك فَقَالَ لَهُ هُوَ مَا قلت لَك وَالله لأفعلنها وافترقا فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام لقِيه عبد الله بن عمر فَأَعْرض عَنهُ موليا فَقَالَ ابْن أَبى عَتيق علمت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنِّي لقِيت قَائِل ذَلِك الشّعْر ف. . كته فَصعِقَ ابْن عمر وليط بِهِ فَلَمَّا رأى ابْن أبي عَتيق مَا ناله دنا مِنْهُ وسارَّه فِي أُذُنه وَقَالَ وَالله إِن الشّعْر لامرأتي وَهِي الَّتِي فعلتُ بهَا فَقَامَ ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا وَقبل بَين عَيْنَيْهِ انْتهى مَا ذكره الصَّفَدِي(2/506)
قلت رَأَيْت فِي كتاب أَنْسَاب قُرَيْش للزبير بن بكار ابْن أبي عَتيق هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُم وَقَرِيب من هَذِه مَا وَقع لوَلَده سَالم بن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ مَا رَأَيْته بِخَط الْعَلامَة نجم الدّين بن عمر بن فَهد الْقرشِي مَا نَصه أخبرنَا أَبُو البركات عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَذكر سنداً انْتهى فِيهِ إِلَى الزبير بن بكار قَاضِي مَكَّة قَالَ حَدثنِي عمي عَن أشعب الطماع قَالَ كَانَ عبد الله بن عَمْرو ابْن عُثْمَان بن عَفَّان شفعني وبسخني ويدعوني فأحدثه وألهيه فَمَرض ولهوت عَنهُ فِي بعض جرياتي أَيَّامًا ثمَّ جِئْت منزلي فَقَالَت لي زَوْجَتي بنت رُومَان وَيحك أَيْن كنت عبد الله بن عَمْرو كَانَ ينفعك مرض فَهُوَ يقلق بِالنَّهَارِ ويسهر بِاللَّيْلِ أرسل إِلَيْك تلهيه وتعلله فَلم يجدك قلت إِنَّا لله ثمَّ فَكرت سَاعَة ثمَّ قلت هَات لي قَارُورَة دهن خلوفية ومنديل الْحمام فَفعلت وَخرجت أُرِيد الْحمام فمررت بسالم بن عبد الله بن عمر فَقَالَ لي يَا أشعب هَل لَك فِي هريس أهديتْ إِلَيّ قلت نعم جعلني الله فدَاك فَدَعَا بهَا فَأتى بصحفة كَبِيرَة فَأكلت حَتَّى شبعت فَجعلت أتكاره عَلَيْهَا فَقَالَ وَيحك يَا أشعب لَا تقتل نَفسك فَإِن مَا فضل عَنْك نبعث بِهِ إِلَى بَيْتك قلت وَتفعل قَالَ مَا أردْت إِلَّا ذَاك فكففت يَدي فَبعث بهَا إِلَى بَيْتِي وَخرجت فَدخلت الْحمام فاطليت ثمَّ صببت عَليّ دهن الخلوفية ثمَّ سكبت عَليّ مَاء وَخرجت وَعلي صفرَة الدّهن وَقد صَار لوني أصفر كَأَنَّهُ الزَّعْفَرَان قَالَ فَلبِست أطماري وعصبت رَأْسِي وَأخذت معي وصبة ثمَّ خرجت أَمْشِي مُتكئا عَلَيْهَا حَتَّى جِئْت بَاب عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان فَلَمَّا رأني حَاجِبه قَالَ وَيحك يَا أشعب ظَلَمْنَاك وغضضنا مِنْك وَأَنت قد بلغتَ مَا أرى من الْعلَّة قَالَ قلت أدخلني على سَيِّدي أخبرهُ فَأَدْخلنِي عَلَيْهِ فَإِذا عِنْده سَالم بن عبد الله بن عمر أَتَى إِلَيْهِ يعودهُ وَعبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان الْمَذْكُور ابْن أُخْت سَالم بن عبد الله الْمَذْكُور فَقَالَ لي عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان وَيحك يَا أشعب ظَلَمْنَاك وغضضنا عَلَيْك وَقد بلغتَ من الْعلَّة مَا أرى قَالَ فتضاعفت ثمَّ قلت أَي سَيِّدي كنت عِنْد بعض من أغشاه فأصابنى قئ وبطن فَمَا حملت إِلَى(2/507)
منزلي إِلَّا جَنَازَة فبلغني عَنْك فَخرجت أدب إِلَيْك قَالَ أشعب فَنظر إِلَيّ سَالم ثمَّ قَالَ لي أشعب قلت أشعب قَالَ ألم تكن عِنْدِي آنِفا قلت وَمن أَيْن أكون عنْدك جعلني الله فدَاك وَأَنا أَمُوت فَجعل سَالم يمسح عَيْنَيْهِ ثمَّ يَقُول ألم تَأْكُل الهريس آنِفا عِنْدِي فَأَقُول هَل بِي آكل جعلني الله فدَاك مَعَ الْعلَّة قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه يَا أشعب إِنِّي لأرى الشَّيْطَان يتَمَثَّل على صُورَتك وَمَا أرى مجالستك تحل قَالَ أشعب وفطن بِي عبد الله بن عَمْرو فَقَالَ لى يَا أشعب أتخدع خَالِي اصدقني خبرك قَالَ قلت بالأمان قَالَ بالأمان فَحَدَّثته حَدِيثي فَضَحِك ضحكاً شَدِيدا طَويلا انْتهى والْحَدِيث شجون يجر الْفَنّ مِنْهُ إِلَى فنون والثانى من أَوْلَاده الذُّكُور رَضِي الله عَنهُ عبد الرَّحْمَن الْأَكْبَر شقيقه أمهما زَيْنَب بنت مَظْعُون أُخْت عُثْمَان بن مَظْعُون الجُمَحِي وَالثَّالِث زيد الْأَكْبَر أمه أم كُلْثُوم بنت عَليّ بن أبي طَالب من فَاطِمَة بنت رَسُول الله
رمي بِحجر فَمَاتَ وَقد تقدم ذكره عِنْد ذكر أمه أم كُلْثُوم هَذِه رَضِي الله عَنْهَا وَالرَّابِع عَاصِم أمه أم كُلْثُوم جميلَة بنت عَاصِم بن ثَابت بن أبي الْأَفْلَح حمى الدبر وَهِي الَّتِي كَانَ اسْمهَا عاصية فسماها عمر جميلَة فَذَهَبت إِلَى النبى
ليغير لَهَا اسْمهَا فسماها كَمَا سَمَّاهَا عمر جميلَة وَقد تقدم ذكر ذَلِك وَالْخَامِس زيد الْأَصْغَر وَالسَّادِس عبيد الله أمهما مليكَة بنت جَرْوَل الْخُزَاعِيَّة كَانَ عبيد الله شَدِيد الْبَطْش وَلما قتل عمر قتلَ الهرمزان وَقتل جفينة وَهُوَ رجل نصرانى وَقتل ابتة صَغِيرَة لأبى لؤلؤة فَأخذ عُثْمَان عبيد الله ليقتص مِنْهُ فَاعْتَذر بِأَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أخبرهُ أَنه رأى أَبَا لؤلؤة والهرمزان وجفينة وَهُوَ الرجل النَّصْرَانِي من أهل الْحيرَة يدْخلُونَ يتشاورون وَبينهمْ خنجر لَهُ رأسان مقبضه فِي وَسطه فَقتل عمر صَبِيحَة تِلْكَ اللَّيْلَة فاستدعى عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَسَأَلَهُ فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى السكين فَإِن كَانَت ذاتَ طرفين فَمَا أرى الْقَوْم إِلَّا قد(2/508)
اجْتَمعُوا على قَتله فنظروا إِلَيْهَا فوجدوها كَمَا وصف عبد الرَّحْمَن فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ بالْأَمْس وَيقتل ابْنه الْيَوْم وَالله هَذَا لَا يكون أبدا فَترك عُثْمَان قَتله ثمَّ لحق عبيدُ الله بِمُعَاوِيَة حِين أفضت الْخلَافَة إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه خشيَة أَن يُقَيِّدهُ على بالهرمزان وَصَاحبه والبنتِ وَلما كَانَ يومُ صفّين خرج مَعَ مُعَاوِيَة فَقتل يَوْمئِذٍ وَالسَّابِع عبد الرَّحْمَن الْأَوْسَط أمه أم ولد اسْمهَا لهية وَهُوَ المكنى بأبى شحمة الْمَحْدُود فِي الْخمر الميتِ بِهِ جزم بذلك الدَّارَقُطْنِيّ وَالثَّامِن عبد الرَّحْمَن الْأَصْغَر أمه أم ولد وَالتَّاسِع عِيَاض بن عمر أمه عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهِي أُخْت سعد بن زيد أحد الْعشْرَة زوج أُخْت عمر فَاطِمَة بنت الْخطاب وهى الَّتِي قتل عَنْهَا رَضِي الله عَنهُ فَتَزَوجهَا بعده الزبيرُ بن الْعَوام وَأما الْبَنَات الْأَرْبَع فحفصة زوج النَّبِي
وَقد تقدم ذكرهَا فِي بَاب أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهِي شَقِيقَة عبد الله وَعبد الرَّحْمَن الْأَكْبَر وَالثَّانيَِة رقية بنت أم كُلْثُوم وهى شَقِيقَة زيد الْأَكْبَر وَالثَّالِثَة فَاطِمَة أمهَا أم حَكِيم بنت الْحَارِث بن هِشَام وَالرَّابِعَة زَيْنَب أمهَا أم ولد اسْمهَا فكيهة ذكر ذَلِك كُله ابْن قُتَيْبَة وَصَاحب الصفوة وَهَهُنَا حِكَايَة ظريفة وَقعت لسيدنا عمر مَعَ عَمْرو بن معدي كرب الزبيدِيّ أَحْبَبْت إيرادها وهى مَا ذكره المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه مروج الذَّهَب وَمِنْه نقلت قَالَ بعث عمر بن الْخطاب إِلَى عَمْرو بن معدي كرب أَن أرسلْ إليَّ سيفَك الَّذِي(2/509)
تحضر بِهِ الحروب الْمُسَمّى بالصمصامة فَأرْسل إِلَيْهِ بِهِ فِي قرَاب خَلقٍ بالٍ فَأَخذه عمر ثمَّ ضربَ بِهِ فِي الضريبة فَلم يَحكِ فَرَمَاهُ من يَده ثمَّ بعث إِلَى عَمْرو يستدعيه فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ عمر إِن هَذَا سَيْفك ضربت بِهِ فَلم يحك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك أرْسلت تطلب السَّيْف فَأرْسلت إِلَيْك بِالسَّيْفِ وَلم أرسل إِلَيْك بالزند الَّذِي تضرب بِهِ فعلاه عمر بالدرّة فَقَالَ عَمْرو الْحمى أضرعتني بِهِ ثمَّ قَالَ لَهُ عمر أَخْبرنِي عَن السِّلَاح قَالَ مَا تُرِيدُ مِنْهُ فَقَالَ عمر مَا تَقول فِي الرمْح فَقَالَ أَخُوك وَرُبمَا خانك فانقصف قَالَ فَمَا تَقول فِي السِّهَام قَالَ رسل المنايا فَمِنْهَا طائش وَمِنْهَا مُصِيب قَالَ فَمَا تَقول فِي الدروع قَالَ لَا ترد أَََجَلًا قد حضر وَإِنَّهَا لحصن حُصَيْن قَالَ فَمَا تَقول فِي الترس قَالَ نِعْمَ الجُنة وَعَلِيهِ تَدور الدَّوَائِر قَالَ فَمَا تَقول فِي السَّيْف قَالَ عده تبكيك أمك قَالَ صف لي الْحَرْب فَقَالَ الْحَرْب مرّة المذاق إِذا كشفت عَن سَاق من صَبر فِيهَا عرف وَمن تهور فِيهَا تلف ثمَّ أنْشد // (من الْكَامِل) //
(ألْحَرْبُ أَوَّلَ مَا تَكُونُ فتيَّةٌ ... تَسْعَى بِزِينَتها لِكُلِّ جَهُولِ)
(حَتَّى إِذَا حَمِيَتْ وشَبَّ ضِرَامُهَا ... عَادَتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ خَلِيلِ)
(شَمْطَاءَ جَرَّتْ شَعْرَهَا وَتَنَكَّرَتْ ... مَكْرُوهَةٌ لِلَّثْمِ وَالتَّقْبِيلِ)
ثمَّ قَالَ إِنِّي سَائِلك يَا عَمْرو هَل انصرفت عَن فَارس قطّ فَقَالَ عَمْرو لأحدثنك حَدِيثا لم أحدث بِهِ أحدا غَيْرك خرجت فِي خيل بني زبيد أُرِيد بني كنَانَة فأتينا قوما سراة فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ كَيفَ علمت أَنهم سراة قَالَ رَأَيْت مرابط خيل وقدروا تكفأ وقباباً حمراً جَدِيدَة وَنِعما كَثِيرَة وَشاء قَالَ عَمْرو فَأَهْوَيْت إِلَى أعظمها قبَّة بعد مَا حوينا السَّبي وَكَانَ بَيْتا منتبذاً من الْبيُوت فَنَظَرت إِلَيْهِ واذا بِامْرَأَة بادية الْجمال على فرش لَهَا قَالَ فَلَمَّا نظرت إِلَيّ والى الْخَيل استعبرت فَقلت مَا يبكيك قَالَت وَالله مَا أبْكِي على نَفسِي وَلَكِن أبْكِي حسداً لبنات عمي سلمن وابتلى أنَاس دونهن فَقلت أَنا فِي ظَنِّي وَالله إِنَّهَا لصادقة فَقلت لَهَا وَأَيْنَ هِيَ قَالَت فِي هَذَا الْوَادي وَرَاءَك فَقلت(2/510)
لِأَصْحَابِي لَا تحدثُوا شَيْئا حَتَّى آتيكم ثمَّ همزت فرسي حَتَّى عَلَوْت كثيبا فَإِذا غُلَام أصهب الشّعْر أهدب أقنى يخصف نعلا لَهُ وسيفه بَين يَدَيْهِ وفرسه عِنْده فَلَمَّا نظر إِلَيّ نبذ النَّعْل من يَده ثمَّ أَخذ سلاحه وأشرف على الْكَثِيب فَلَمَّا نظر إِلَى الْخَيل مُحِيطَة ببيته أقبل نحوي ثمَّ حمل عَليّ يَقُول // (من الرجز) //
(أَقُولُ لمَّا مَنَحَتْنِي فَاهَا ... )
(وَأَلْبَسَتْنِي بُكْرَةً رِدَاهَا ... )
(إِذَنْ سَأَجْوي الْيَوْمَ مَنْ جَوَاهَا ... )
(فَلَيْتَ شِعْري اليَوْمَ مَا دَهَاهَا ... )
(أَلخيْلُ تَبغِيهَا عَلَى خَوَاهَا ... )
(حَتَّى إذَا خَلاَ بِهَا خَوَاهَا ... )
قَالَ عَمْرو فَقدمت عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول // (من الرجز) //
(عَمْرو عَلَى طُولِ الوِجَا دَهاها ... )
(بِالخيْلِ يَبْغِيهَا عَلَى خَوَاهَا ... )
(حَتَّى إِذَا خَلاَ بِهَا خَوَاهَا ... )
وحملت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ أروع من نهر فرَاغ عني ثمَّ حمل عَليّ فضربني بِسَيْفِهِ ضَرْبَة صرعني بهَا فَلَمَّا أَفَقْت من صرعتي حملت عَلَيْهِ فرَاغ عني ثمَّ حمل عَليّ فصرعني وَاسْتَاقَ مَا فِي أَيْدِينَا من الْغَنِيمَة ثمَّ أفقتُ واستويت على فرسي فَلَمَّا رَآنِي أقبل وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) //
(أَنَا ابْنُ عَبْدِ اللهِ مَحْمُودُ الشِّيَمْ ... )
(وَخَيْرُ مَنْ يَمْشي بِسَاقٍ وَقَدَمْ ... )
(عَدّوُّهُ يَفْدِيهِ مِنْ كُلِّ السِّقَمْ ... )
قَالَ عَمْرو فَحملت عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول // (من الرجز) //
(أَنَا ابْنُ ذِي التَقْلِيدِ فِي الشَّهْرِ الأَصَمْ ... )
(أَنَا ابْنُ ذِي الإكْلِيل قتَّال البُهَمْ ... )(2/511)
(مَنْ يَلْقَنِي يَرْدَى كَمَا أَرْدَتْ إِرَمْ ... )
(أُنْزِلُهُ لَحْمًا عَلَى ظَهْرٍ وَضَمْ ... )
فرَاغ وَالله عني ثمَّ ضَرَبَنِي ثمَّ صرخَ صرخة فَرَأَيْت الْمَوْت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ دونه شَيْء وَخِفته خوفًا لم أخف أحدا قطّ قبله مثله فَقلت لَهُ من أَنْت فوَاللَّه مَا اجترأ عَليّ أحد قطّ إِلَّا عَامر بن الطُّفَيْل لإعجابه بِنَفسِهِ وعمرُو بن كُلْثُوم لسنه وتجربته قَالَ بل من أَنْت أَخْبرنِي وَإِلَّا قتلتك قَالَ عَمْرو فَقلت أَنا عَمْرو بن معدي كرب فَقَالَ وَأَنا ربيعَة بن مكدم ثمَّ قلت اختر مني إِحْدَى ثَلَاث إِن شِئْت اجتلدنا بِالسَّيْفِ حَتَّى يَمُوت أعجزنا وَإِن شِئْت اصطرعنا وَإِن شِئْت السّلم فَإنَّك حدث وبقومك إِلَيْك حَاجَة فَقَالَ بل هَذِه الثَّلَاث إِلَيْك قَالَ عَمْرو فاخترت السّلم فَقَالَ لي ألق سَيْفك وَانْزِلْ عَن فرسك قَالَ عَمْرو فَقلت يَا بن أخي قد جرحتني جرحين وَلَا يزَال بِي فوَاللَّه مَا كف حَتَّى نزلت عَن فرسي فَأخذ بعناية ثمَّ أَخذ بيَدي فِي يَده فانصرفنا إِلَى الْحَيّ وَأَنا أجر رجْلي حَتَّى طلعنا على الْخَيل فَلَمَّا رأوني همزوا خيولهم إِلَى نحوي وَأَرَادُوا ربيعَة فناديتهم إِلَيْكُم عَنهُ فَمضى وَالله كَأَنَّهُ لَيْث حَتَّى شقهم ثمَّ أقبل إِلَيّ وَقَالَ كَأَن أَصْحَابك يُرِيدُونَ غير الَّذِي أردْت فصمتَ وَالله الْقَوْم لم يتَكَلَّم أحد وأعظموا مَا رَأَوْا فَقلت يَا ربيعَة بن مكدم لَا يُرِيدُونَ إِلَّا خيرا وَإِنَّمَا سميته ليعرفه الْقَوْم ومضينا مَعَه حَتَّى نزل فَقَامَتْ إِلَيْهِ صاحبته وهى ضاحكة فمسحت وَجهه ثمَّ أقبل بِإِبِل فنحرت وَضرب علينا القباب فَأَقَمْنَا عِنْده يَوْمَيْنِ وانصرفنا قَالَ عَمْرو ثمَّ غزوت بعد زمَان فِي صَنَادِيد قومِي بني كنَانَة فأخذنا عِيَالهمْ وَمِنْهُم امْرَأَة ربيعَة بن مكدم وَكَانَ غَائِبا فَبَلغهُ ذَلِك فَأقبل فِي الطّلب على فرس عري وَمَعَهُ رمح بِلَا سِنَان فَلَمَّا لحق بِنَا قَالَ لي يَا عَمْرو خل عَن الظعينة وَمَا مَعَك فَلم ألتفت إِلَيْهِ ثمَّ أَعَادَهَا فَلم ألتفت إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا عَمْرو إِمَّا تقف لي أَو أَقف لَك فوقفت وَقلت قد أنصف القارة من راماها فقف لي يَا ابْن أخي فَوقف فَحملت عَلَيْهِ وَأَنا أَقُول // (من الرجز) //
(أَنَا ابنُ ثوْرٍ ثمَّ فَتَّاق الدَّلَقْ ... )(2/512)
(لستُ بمأمونٍ وَلَا فِي حَرَقْ ... )
(وأًستُرُ القومَ إِذا احمرَّ الحَدَقْ ... )
(إِذا الرجالُ عَضَّهُمْ فَوق التَّرَقْ ... )
(وَجَدتني بِالسَّيْفِ فَتَّاَق الحلقْ ... )
حَتَّى إِذا ظن أَن قد خالطه السنان إِذا هُوَ نقب لفرسه وَمر السنان على ظهر الْفرس ثمَّ وقفت لَهُ فَحمل عَليّ وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) //
(أَنَا الكِنَانِيُّ الغُلامُ لاَ برحْ ... كم من هِزَبْرٍ رَامَني قَدِ انْشَرَحْ ... )
فقرع رَأْسِي بِالرُّمْحِ ثمَّ قَالَ إِلَيْك يَا عَمْرو فلولا إِنِّي أكره قَتلك لقتلتك فَقلت لَا ينْصَرف إِلَّا أَحَدنَا فَحملت عَلَيْهِ حَتَّى إِذا ظن أَن قد خالطه السنان إِذا هُوَ حزَام لفرسه ثمَّ إِنَّه حمل عَليّ فقرع رَأْسِي بِالرُّمْحِ ثَانِيَة وَقَالَ خُذْهَا إِلَيْك ثَانِيَة وَإِنَّمَا الْعَفو مَرَّتَانِ فصاحت بِهِ امْرَأَته السنان لَهُ دَرك فَأخْرج سِنَانًا من بَين إزَاره كَأَنَّهُ شعار نَار فَرَكبهُ على رمحه فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ وَذكرت طعنته بِغَيْر سِنَان قلت لَهُ خُذ الظعينة فَقَالَ دعها وانج بِنَفْسِك فَقَالَت بَنو زيبد تتركها لغلام فَقلت وَالله لقد رَأَيْت الْمَوْت الْأَحْمَر فِي سنانه وَسمعت صريره فِي تركيبه فانصرفنا وَرجع بِالظَّعِينَةِ وَالْغنيمَة وَمثلهَا مَا رَأَيْته فِي كتاب المحاسن والمساوى قَالَ وَفَدَ على أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب أَعْرَابِي يستحمله فَقَالَ لَهُ خُذ بَعِيرًا من إبل الصَّدَقَة فَنظر إِلَى بعير مِنْهَا استحسنه وَاخْتَارَهُ فَتعلق بِذَنبِهِ ونازعه الْبَعِير نَفسه ونقر فاقتلع ذَنبه فِي يَده فَقَالَ لَهُ عمر يَا أَخا الْعَرَب هَل رَأَيْت أَشد مِنْك قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خرجت بِامْرَأَة من أَهلِي أُرِيد بهَا زَوجهَا فَنزلت منزلا أَهله خلوف فأنخت بهَا إِلَى جَانب ودنوت من الْحَوْض فَإِذا رجل قد أقبل مَعَه ذود لَهُ فصرف ذوده إِلَى(2/513)
الْحَوْض وَأَقْبل نَحْو الْمَرْأَة لَا أَدْرِي مَا يُرِيد فَلَمَّا قرب مِنْهَا ساورها فنادتني فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَيْهِ إِذا هُوَ قد خالطها فَجئْت لأدفعه فَأخذ رَأْسِي وَوَضعه بَين ذراعه وجنبه فَمَا اسْتَطَعْت أَن أتحرك حَتَّى قضى مَا أَرَادَ ثمَّ قَامَ عَنْهَا فأطلقني بعد ثمَّ احتلب من ذوده فروى ثمَّ ذهب فاضطجع وَقَالَت الْمَرْأَة نعم الْفَحْل هَذَا لَو كَانَت لنا مِنْهُ سخلة فأمهلته حَتَّى امْتَلَأَ نوماً قُم قُمْت إِلَيْهِ فَضربت سَاقه بِالسَّيْفِ فَقطعت فَوَثَبَ فهربت وَعَلِيهِ الدَّم فَرَمَانِي بساقه فأصابت بَعِيري فَقتلته فَقَالَ عمر فَمَا فعلت الْمَرْأَة فَقَالَ الرجل الْأَعرَابِي هَذَا حَدِيث الرجل فكرر عَلَيْهِ عمر السُّؤَال مرَارًا فِي كلهَا يَقُول هَذَا حَدِيث الرجل
(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رَضِي الله عَنهُ)
هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي العبشمي يجْتَمع مَعَ رَسُول الله
فِي جده عبد منَاف فَهُوَ أقربهم إِلَى رَسُول الله
بعد عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أمه أروَى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف أسلمت رَضِي الله عَنْهَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن مخلد وَأمّهَا الْبَيْضَاء أم حَكِيم بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله
اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عُثْمَان ويكنى أَبَا عَمْرو وَأَبا عبد الله وَالْأولَى أشهر قيل إِنَّه ولدت لَهُ رقية ولدا أسماه عبد الله فاكتنى بِهِ فَمَاتَ وَولد لَهُ عَمْرو فاكتنى بِهِ إِلَى أَن مَاتَ ويدعى بِذِي النورين لِأَنَّهُ تزوج بِابْنَتي رَسُول الله
رقية وَأم كُلْثُوم وَلم يعلم أحد تزوج بإبنتي نَبِي غَيره وَقيل إِنَّه إِذا دخل الْجنَّة زفت لَهُ برقيتين وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ يجمع الْقُرْآن فِي الْوتر فالقران نور وَقيام اللَّيْل نور وَقيل غير ذَلِك وَهُوَ من السَّابِقين الْأَوَّلين وَصلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر الهجرتين وَهُوَ أول من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فَارًّا بِدِينِهِ وَمَعَهُ زَوجته رقية رَضِي الله عَنْهُمَا وعد من الْبَدْرِيِّينَ وَمن أهل بيعَة الرضْوَان وَلم يحضرهما وَكَانَ سَبَب غيبته عَن بدر أَن زَوجته رقية بنت رَسُول الله
مَرضت فَأذن لَهُ رَسُول الله
فِي الْجُلُوس(2/514)
ليمرضها وَقَالَ لَهُ لَك أجر رجل شهد بَدْرًا وَضرب لَهُ بسهمه من غنيمتها وَأما غيبته عَن بيعَة الرضْوَان فَبَعثه رَسُول الله
من الْحُدَيْبِيَة إِلَى مَكَّة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لما أرسل رَسُول الله
عُثْمَان إِلَى أهل مَكَّة دَعَا رَسُول الله أَصْحَابه إِلَى الْبيعَة وَقَالَ إِن عُثْمَان فِي حَاجَة لله وَرَسُوله فَضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان فَكَانَت يَد رَسُول الله
لَهُ خيرا من أَيْديهم لأَنْفُسِهِمْ خرجه التِّرْمِذِيّ وَإِنَّمَا أرْسلهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعزته فيهم وَلَو كَانَ أحد أعز بِبَطن مَكَّة من عُثْمَان لبعثه لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْش محبَّة وَعزة لَا توصفان حَتَّى ضربوا بذلك الْمثل فَقَالُوا أحبك الرَّحْمَن حب قُرَيْش عُثْمَان وَتُوفِّي رَسُول الله
وَهُوَ عَنهُ راضٍ وبشره بِالْجنَّةِ ودعا لَهُ بالخصوص غير مرّة فأثرى وَكثر مَاله وَكَانَت لَهُ شَفَقَة وَرَحْمَة ورأفة على الْمُسلمين فَلَمَّا ولي زَادَت رَحمته وتواضعه ورأفته برعيته وَكَانَ يطعم طَعَام الْإِمَارَة وَيَأْكُل الْخلّ وَالزَّيْت وجهزة جَيش الْعسرَة بتسعمائة وَخمسين بَعِيرًا بأحلاسها وأقتابها وَأتم الْألف بِخَمْسِينَ فرسا وَقَالَ قَتَادَة حمل على ألف بعير وَسبعين فرسا وَاشْترى بِئْر رومة بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا وسبَّلها وَله من أَفعَال الْخَيْر وأنواع الْبر مَا يطول ذكره ولد بِمَكَّة قلت لم أظفر بِتَعْيِين مَوضِع وِلَادَته فِي كَلَام أحد مِمَّن يتَعَمَّد كَلَامه افْتتح فِي أَيَّامه الْإسْكَنْدَريَّة وسابور وافريقية وقبرص وسواحل الرّوم واصطخر الْآخِرَة وَفَارِس الأولى وخوزستان وطبرستان وكرمان وسجستان وساحل الْأُرْدُن ومرو والأساورة
(ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
قَالَ فِي الرياض النضرة فِي مَنَاقِب الْعشْر عَن عَمْرو بن عُثْمَان رَضِي الله(2/515)
عَنْهُمَا قَالَ كَانَ إِسْلَام عُثْمَان أبي فِيمَا حَدثنَا عَن نَفسه قَالَ كنت رجلا مشتهراً بِالنسَاء وَإِنِّي ذَات لَيْلَة بِفنَاء الْكَعْبَة قَاعد فِي رَهْط من قُرَيْش إِذْ أَتَيْنَا فَقيل لنا إِن مُحَمَّدًا أنكح عتبَة بن أبي لَهب رقية وَكَانَت رقية ذَات جمال رائع قَالَ عُثْمَان فدخلتني الْحَسْرَة لم لَا أكون أَنا سبقت إِلَى ذَلِك فَلم ألبث أَن انصرفت إِلَى منزلي فَأَصَبْت خَالَة لي قَاعِدَة وهى سعدى بنت كريز وَكَانَت قد ظرفت وتكهنت عِنْد قَومهَا فَلَمَّا رأتني قَالَت // (من الرجز) //
(أَبْشِرْ وحُيِّيتَ ثَلاثًا تَتْرَى ... أتَاكَ خيرٌ ووُقِيتَ شرَّا)
(أُنْكِحْتَ وَالله حَصَانًا زَهْرَا ... وأنتَ بَكْرٌ ولَقِيتَ بِكْرَا)
(وافيتهَا بنتَ عَظِيمٍ قَدْرَا ... لله أمْرٌ قَدَ أشاد ذِكْرَا)
قَالَ عُثْمَان فعجبت من قَوْلهَا فَقلت يَا خَالَة مَا تَقُولِينَ فَقَالَت يَا عُثْمَان // (من الرجز) //
(لَكَ الجَمَالُ ولَكَ اللِّسَانُ ... هَذَا نَبيٌّ مَعَه البُرْهانُ)
(أَرْسَلَهُ محبُّه الدَّيَّانُ ... فَاتْبَعْهُ لَا يعبأْ لَكَ الأوثَانُ)
قَالَ قلت يَا خَالَة إِنَّك لتذكرين شَيْئا مَا وَقع ذكره فِي بلدنا فأبينيه لي قَالَت مُحَمَّد بن عبد الله رَسُول الله من عِنْد الله جَاءَ بتنزيل الله يَدْعُو إِلَى الله ثمَّ قَالَت مصباحه مِصْبَاح وَدينه فلاح وَأمره نجاح وقرنه نطاح دَانَتْ لَهُ البطاح مَا ينفع الصياح لَو وَقع الذباح وسلت الصفاح ومدت الرماح قَالَ ثمَّ انصرفت وَوَقع كَلَامهَا فِي قلبِي فَجعلت أفكر فِيهِ وَكَانَ لي مجْلِس عِنْد أبي بكر فَأَتَيْته فَأَصَبْته فِي مجْلِس لَيْسَ عِنْده أحد فَجَلَست إِلَيْهِ فرآني منكسراً فَسَأَلَنِي عَن أَمْرِي وَكَانَ رجلا شايباً فَأَخْبَرته بِمَا سَمِعت من خَالَتِي فَقَالَ يَا عُثْمَان وَيحك إِنَّك رجل حَازِم لَا يخفى عَلَيْك الْحق من الْبَاطِل مَا هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي يَعْبُدهَا قَومنَا أليست من حِجَارَة لَا تضر وَلَا تَنْفَع صم لَا تبصر وَلَا تسمع قلت بلَى وَالله إِنَّهَا كَذَلِك فَقَالَ وَالله صدقتك خالتك هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله قد بَعثه الله برسالته إِلَى خلقه فَهَل لَك أَن تَأتيه فَتسمع مِنْهُ قلت بلَى فوَاللَّه مَا كَانَ بأسرع من أَن مر رَسُول الله
وَمَعَهُ عَليّ بن أبي طَالب يحمل ثوبا فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر قَامَ فسارَّه فِي أُذُنه بِشَيْء فجَاء رَسُول الله
فَقعدَ ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ يَا عُثْمَان أجب الله إِلَى(2/516)
جنته فَإِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَالِي خلقه قَالَ فوَاللَّه مَا تمالكتُ حِين سَمِعت قَوْله أَن أسلمت وَشهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ لم ألبث أَن أَتزوّج رقية بنت رَسُول الله
وَفِي إِسْلَام عُثْمَان تَقول خَالَته سعدى الْمَذْكُورَة // (من الطَّوِيل) //
(هَدَى اللهُ عثماناً بِقَولي إِلَى الهُدَى ... وأرشَدَهُ واللهُ يَهْدِي إِلَى الحقِّ)
(فَتَابَع بالرَّأْي السَّدِيدِ مُحَمَّدًا ... وَكَانَ بِرَأْي لَا يحيدُ عَن الصِّدْقِ)
(وأنكَحَهُ المبعوثُ بالحقِّ بِنتُه ... فَكَانَ كَبَدْرٍ مَازَجَ الشَّمْسَ فِي الأُفْقِ)
(فِدًى لَكَ يَا بْنَ الهاشِمِيِّيين مُهْجتي ... فأَنْتَ أمينُ اللهِ أُرْسِلْتَ للخَلْقِ)
وَأسْلمت أُخْت عُثْمَان آمِنَة بنت عَفَّان وَأسلم إخْوَته لأمه الْوَلِيد وخَالِد وَعمارَة أَسْلمُوا يَوْم الْفَتْح خرجه الفضائلي
(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
كَانَ رَضِي الله عَنهُ رجلا مربوعاً لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل حسن الْوَجْه بوجنته نكات جدري أقنى الْأنف من أجمل النَّاس رَقِيق الْبشرَة خَفِيف الْجِسْم عَظِيم اللِّحْيَة طويلها أسمر اللَّوْن كثير الشّعْر ذُو جمة أَسْفَل من أُذُنَيْهِ ضخم الكراديس بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أصلع وبكثرة شعر رَأسه ولحيته كَانَ أعداءه يسمونه نعثلاً كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله
بصحفة فِيهَا لحم إِلَى عُثْمَان فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس مَعَ رقية مَا رَأَيْت زوجا أحسن مِنْهُمَا فَجعلت مرّة أنظر إِلَى عُثْمَان وَمرَّة أنظر إِلَى رقية فَلَمَّا رجعت إِلَى رَسُول الله
قَالَ دخلت عَلَيْهِمَا قلت نعم قَالَ هَل رَأَيْت زوجا أحسن مِنْهُمَا قلت لَا خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه والحافظ الدِّمَشْقِي(2/517)
وفى سيرة الشَّامي لما بُويِعَ عُثْمَان رقى الْمِنْبَر بعد الْعَصْر أَو قبل الزَّوَال يومئذٍ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على رَسُوله ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم فِي بَقِيَّة آجالكم فبادروا آجالكم بِخَير مَا تقدرون عَلَيْهِ وَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور واعتبروا بِمن مضى من الْقُرُون وانقضى ثمَّ جدوا وَلَا تغفلوا أَيْن أَبنَاء الدُّنْيَا وإخوانها أَيْن الَّذين شيدوها وعمروها وتمتعوا بهَا طَويلا ألم تلفظهم ارموا بالدنيا خير رمي واطلبوا الْآخِرَة حَيْثُ رغب الله عز وَجل فِيهَا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ضرب لكم مثلا فَقَالَ {واضرِب لَهُم مثل الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَمَاءِ} إِلَى {مُقتَدرِاً} الْكَهْف 45 فَاتَّقُوا الله إِن تقوى الله غنم وَإِن أَكيس النَّاس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت إِن الله أَعْطَاكُم الدُّنْيَا لتطلبوا بهَا الْآخِرَة وَلم يعطكموها لتركنوا إِلَيْهَا إِن الدُّنْيَا تفنى وَالْآخِرَة تبقى فَلَا تشتغلوا بالفانية عَن الْبَاقِيَة فَإِن الدُّنْيَا مُنْقَطِعَة والمصير إِلَى الله تَعَالَى وَاتَّقوا الله فَإِن تقواهُ جنَّة من سَأَلَهُ ووسيلة عِنْده {واذْكُرُوا نعمَتَ اللهِ عليكُم إِذْ كُنتم أَعدَاء} آل عمرَان 103 الْآيَة ثمَّ نزل أخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ ولي عُثْمَان اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَلم ينقم النَّاس عَلَيْهِ شَيْئا مُدَّة سِتّ سِنِين بل كَانَ أحب إِلَى قُرَيْش من عمر لِأَن عمر كَانَ شَدِيدا عَلَيْهِم فَلَمَّا ولي عُثْمَان لَان لَهُم ووصلهم ثمَّ توانى فِي أُمُورهم وَاسْتعْمل أَقَاربه وَأهل بَيته فِي السِّت السنين الْأَوَاخِر وَأَعْطَاهُمْ المَال متأولاً فِي ذَلِك الصِّلَة الَّتِي أَمر الله بهَا وَقَالَ إِن أَبَا بكر وَعمر تركا من ذَلِك مَا هُوَ لَهما وَإِنِّي أَخَذته فقسمته فِي أقربائي فَكَانَ ذَلِك مِمَّا نقم عَلَيْهِ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قلت لسَعِيد بن الْمسيب هَل أَنْت مخبري كَيفَ كَانَ قتل عُثْمَان مَا كَانَ شَأْن النَّاس وشأنه وَلم خذله أَصْحَاب مُحَمَّد
فَقَالَ ابْن الْمسيب قتل عُثْمَان مَظْلُوما وَمن قَتله كَانَ ظَالِما وَمن خذله كَانَ مَعْذُورًا قلت كَيفَ قَالَ لِأَنَّهُ لما ولي كره ولَايَته نفر من الصَّحَابَة لِأَنَّهُ كَانَ يحب(2/518)
قومه وَكَانَ كثيرا مَا يولي بنى أُميَّة مِمَّن لم يكن لَهُ صُحْبَة وَكَانَ من أمرائه مَا يُنكره الصَّحَابَة فَكَانَ يستعتب فيهم فَلَا يعزلهم فَلَمَّا كَانَ فِي السِّت الْأَوَاخِر اسْتَأْثر ببني عَمه فولاهم دون غَيرهم وَأمرهمْ بتقوى الله وَلما كَانَت سنة خمس وَثَلَاثِينَ خرج المصريون وَغَيرهم على عُثْمَان قَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد لما نزل أهل مصر الْجحْفَة وَأتوا يعاتبون عُثْمَان فِي هَذِه الْأَشْيَاء صعد عُثْمَان الْمِنْبَر فَقَالَ أَيّكُم يذهب إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم فيسألهم مَا نقموا منا وَمَا يُرِيدُونَ وَكَانَ الْقَوْم الَّذين من مصر نَحْو أَرْبَعمِائَة فَقَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ نَحن نَذْهَب فَلَمَّا وصلا إِلَيْهِم ردوهما أقبح رد فَقَامَ عَليّ فَقَالَ أَنا أذهب إِلَيْهِم فَذهب فَقَالَ مَا الَّذِي نقمتم على عُثْمَان فَذكرُوا الْأُمُور السِّتَّة عشرَة الْمَذْكُورَة فأجابهم عَن الأول بِأَن دَعوَاهُم إسرافه فِي بَيت المَال فَإِنَّمَا كَانَ من مَال نَفسه وَأما عَن الثَّانِي وَهُوَ الْحمى فَأجَاب بِأَنِّي إِنَّمَا حميته لإبل الصَّدَقَة كَمَا حمى رَسُول الله
لذَلِك فَقَالُوا إِنَّك زِدْت فَقَالَ إِنَّمَا زِدْت لإبل الصَّدَقَة لما زَادَت وَلم أحم بإبلي وَلَا لغنمي وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا ينقم على الإِمَام وَأما الثَّالِث وَهُوَ حمى سوق الْمَدِينَة فَأجَاب بِأَنَّهُ افتراء عَلَيْهِ وَلَا أصل لَهُ وَأما الرَّابِع وَهُوَ حمى الْبَحْر فَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا لما كَانَ متسعاً فِي المَال منبسطاً فِي التِّجَارَات حمى سَفِينِهِ أَن يُحمل فِيهَا مَتَاع غير مَتَاعه وَأما الْخَامِس وَهُوَ ضربي لِابْنِ مَسْعُود فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ للأدب حِين امْتنع من إِتْيَانه بالمصحف ليجتمع النَّاس على مصحف وَاحِد فَكَانَ لي ذَلِك فأحرقت مصحفه وَكَانَ من أكبر الْمصَالح فَإِنَّهُ لَو بَقِي فِي أَيدي النَّاس أدّى ذَلِك إِلَى فتْنَة كَبِيرَة فِي الدّين لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الشذوذ ولحذفه المعوذتين مَعَ شهرتهما وَأما هجري لَهُ فَلم تزل هَذِه سيمة الْخُلَفَاء قبلي قلت وهجره إِيَّاه لَيْسَ بأعظم من هجر عَليّ أَخَاهُ عقيلاً وَأَبا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ حِين فارقاه بعد انْصِرَافه من صفّين وَذهب إِلَى مُعَاوِيَة وَلم يُوجب ذَلِك طَعنا عَلَيْهِ وَلَا عَيْبا فِيهِ وَقد روى عَن أَعْرَابِي من هَمدَان دخل الْمَسْجِد فَرَأى ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَأَبا مُوسَى يطعنون على عُثْمَان فَقَالَ أنْشدكُمْ الله لَو أَن عُثْمَان ردكم إِلَى(2/519)
أَعمالكُم وعطاياكم أَكُنْتُم ترْضونَ قَالُوا اللَّهُمَّ نعم فَقَالَ الهمذاني اتَّقوا الله يَا أَصْحَاب مُحَمَّد وَلَا تطغوا على أئمتكم وَلما كَانَ تلقيه بِهِ مِمَّا يكره فَإِن منصب الْخلَافَة لَا يحْتَمل ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا بأعظم من ضَربِ عُمَرَ سَعدَ بن أبي وَقاص بِالدرةِ على رَأسه حِين لم يقم لَهُ وَقَالَ لَهُ إِنَّك لم تهب الْخلَافَة فأردتُ أَن تعرف أَن الْخلَافَة لم تهبك وَلم يُغير ذَلِك سَعْدا وَلَا رَآهُ عَيْبا وَكَذَلِكَ ضرب أبي بن كَعْب حِين رَآهُ يمشي وَخَلفه قوم وَقَالَ إِن هَذِه مذلة للتابع وفتنة للمتبوع وَأما السَّادِس وَهُوَ قصَّة عبَادَة فَهِيَ دَعْوَى بَاطِلَة وَكذب مختلق وَأما السَّابِع وَهُوَ قَوْلهم إِن عبد الرَّحْمَن نَدم على تَوليته فكذب صَرِيح وَلَو كَانَ كَذَلِك لصرح بخلعه إِذْ لَا مَانع لَهُ فَإِن أَعْيَان الصَّحَابَة على زعمهم منكرون ناقمون أحداثه وَالنَّاس تبع لَهُم فَلَا مَانع من خلعه فَكيف يَصح مَا وصفوا بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي حق الآخر وَإِنَّمَا الَّذِي صَحَّ فِي قصَّته أَن عُثْمَان استوصى مِنْهُ فَإِن عبد الرَّحْمَن كَانَ يبسط عَلَيْهِ من القَوْل لَا يُبَالِي مَا يَقُول ويروى أَن عُثْمَان قَالَ لَهُ إِنِّي أَخَاف يَا بن عَوْف أَن يبسط من دمي وَأما الثَّامِن وَهُوَ ضرب عمار فقد حلف أَنه لم يكن ذَلِك عَن أمره وَذَلِكَ أَن عماراً جَاءَ هُوَ وَسعد إِلَى الْمَسْجِد وأرسلا إِلَيّ أَن ائتنا فَإنَّا نُرِيد أَن نذاكرك أَشْيَاء فعلتها فَأرْسلت إِلَيْهِمَا إِنِّي عَنْكُم الْيَوْم مَشْغُول فانصرفا وموعدكما يَوْم كَذَا وَكَذَا فَانْصَرف سعد وَأبي عمار أَن ينْصَرف فَأَعَدْت إِلَيْهِ الرَّسُول فَأبى فتناوله رَسُولي بِغَيْر أَمْرِي وَالله مَا أَمرته وَلَا رضيت بضربه وَهَذِه يَدي لعمَّار فليقتض مني إِن شَاءَ وَأما التَّاسِع وَهُوَ انتهاك حُرْمَة كَعْب ابْن عَبدة الفِهري قَالَ فقد استرضيته إِذْ كتبت إِلَيْهِ فَلَمَّا دخل عَليّ قلت يَا كَعْب كتبت إِلَيْك كتابا غليظاً وَلَقَد كتبت إِلَى بعض الَّذِي هتكت مشورتك وَلَكِنَّك خدشتني وأغضبتني حَتَّى نلْت مِنْك مَا نلْت ونزعت قَمِيصِي ودعوت بِسَوْط ودفعته إِلَيْهِ وَقلت قُم فاقتص مني مَا ضربتك فَقَالَ كَعْب أما إِذْ فعلت فَأَنا أَدَعهُ لله لَا أكون أول من اقْتصّ من الْأَئِمَّة ثمَّ صَار بعد من خواصِّي وَأما الْعَاشِر وَهُوَ تركي إِقَامَة الْحَد على عبيد الله بن عمر فَمَا ذَاك إِلَّا بخوفي ثوران فتْنَة عَظِيمَة من قبله لِأَنَّهُ كَانَ بَنو تَمِيم وَبَنُو عدي مانعين من قَتله ودافعين(2/920)
عَنهُ وَكَانَ بَنو سهم أَيْضا مانعين من ذَلِك حَتَّى قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ بالْأَمْس فَيقْتل ابْنه الْيَوْم لَا يكون وإلله هَذَا أبدا وَمَال فِي بني سهم فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك اغتنمت تسكين الْفِتْنَة وَقلت أمره إِلَيّ وسأرضي أهل الهرمزان مِنْهُ وَأما الْحَادِي عشر وَهُوَ انفرادي بأقوال شَاذَّة فَلم يزل أَصْحَاب رَسُول الله
على نَحْو ذَلِك ينْفَرد الْوَاحِد مِنْهُم بِمَا يَقُول وَيُخَالِفهُ الْبَاقُونَ وَهَذَا عَليّ بن أبي طَالب فِي مَسْأَلَة بيع أم الْوَلَد على مثل ذَلِك وَفِي الْفَرَائِض عدَّة مسَائِل على هَذَا النَّحْو لكثير من الصَّحَابَة فَلم أنفرد بِهَذَا الْمَعْنى وَأما الثَّانِي عشر فَهُوَ هتكي حُرْمَة الأشتر فَهَل أثار الْفِتْنَة فِي هَذِه الْقِصَّة إِلَّا فعل الأشتر بِالْكُوفَةِ من هتك حرمتي وتسليط الْعَامَّة على ضرب عَامِلِي بِلَا اعتذار عَن الْأَمر بنفيه بل ذَلِك أقل مَا يسْتَوْجب ثمَّ لم يَنْفَعهُ ذَلِك حَتَّى سَار من الشَّام إِلَى الْكُوفَة وأضرم نَار الْفِتْنَة وَأما الثَّالِث عشر وَهُوَ إتمامي الصَّلَاة بمنى فعذري فِي ذَلِك ظَاهر لِأَن مِمَّن لَا يُوجب الْقصر فِي السّفر وَأَنا أبيحه فِيهِ وَأَيْضًا هِيَ مَسْأَلَة اجتهادية فَقولِي لَا يُوجب تكفيراً وَلَا فسقاً وَأما الرَّابِع عشر وَهُوَ نفيي لأبي ذَر فلتجاسره عَليّ وتجبيهي بالْكلَام الخشن ومفسدة عَليّ وإثارة الْفِتْنَة وتأدية ذَلِك التجاسر لإذهاب هيبتي وتقليل حرمتي فَفعلت مَا فعلت صِيَانة لمنصب الشَّرِيعَة وإصابة لحُرْمَة الدّين قلت كَانَ عذر أبي ذَر فِيمَا كَانَ يَدْعُو عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ صَاحِبَاه من التجرد عَن الدُّنْيَا والزهد فِيهَا مُخَالفَة عُثْمَان إِلَى أُمُور مُبَاحَة من اقتنائه الْأَمْوَال وَجمعه الغلمان الَّذين يستعان بهم على الحروب وكل مِنْهُمَا على هدى من الله تَعَالَى وَأما الْخَامِس عشر وَهُوَ ردي الحكم فقد اسْتَأْذَنت النَّبِي
فِي رده إِلَى الْمَدِينَة فوعدني بذلك فَلَمَّا ولي أَبُو بكر سَأَلته فِي ذَلِك فَقَالَ كَيفَ أرده إِلَيْهَا وَقد نَفَاهُ رَسُول الله
فَقلت لَهُ بوعد رَسُول الله
إيَّايَ بذلك فَقَالَ أَبُو بكر لم أسمعهُ يَقُول لَك ذَلِك وَلم يكن لي أَنا بَيِّنَة على ذَلِك ثمَّ لما ولي عمر سَأَلته ذَلِك فَأبى وَلم يردده بقول الْوَاحِد فَلَمَّا وليت قضيت بعلمي وَكَانَ قد تَابَ وَأصْلح عَمَّا(2/521)
كَانَ طرد لأَجله مِمَّا تقدم ذكره وإغاثة التائب مِمَّا يحمد وَأما السَّادِس عشر وَهُوَ عزل ابْن مَسْعُود وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَنَحْوهمَا فَأَما عَمْرو ابْن الْعَاصِ فَإِنَّمَا عزلته لِأَن أهل مصر أَكْثرُوا شكايته وَأما ابْن مَسْعُود فَلَمَّا بَلغنِي عَنهُ وَلم تزل الْأَئِمَّة على مثل ذَلِك وَلم يكن قصدي من منع عطائه حرمانه ألبتهَ وَإِنَّمَا التَّأْخِير إِلَى غَايَة اقْتضى نَظَرِي التَّأْخِير إِلَيْهَا فَكَانَ لما قضى الله وصلت بِهِ ورثته وَلَعَلَّه كَانَ أَنْفَع لَهُم فأزال عَنْهُم وعثتهم وَأرْسل إِلَى ابْن أبي سرح يتهدده وَرَجَعُوا إِلَى أوطانهم قلت وَأحسن مَا يُقَال فِي الْجَواب عَن جَمِيع مَا ذكر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أخبر عَن وُقُوع فتْنَة عُثْمَان وَأَنه على الْحق فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة كَمَا سَيَأْتِي وَفِي رِوَايَة على الْهَوَاء أخرجهَا أَحْمد وَأخْبر أَنه يقتل ظلما كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر الْآتِي أَيْضا وَأمر باتباعه عِنْد ثوران الْفِتْنَة كَمَا فِي حَدِيث مرّة بن كَعْب كَمَا يَأْتِي فَمن شهد لَهُ عَلَيْهِ الصلاهَ وَالسَّلَام أَنه على الْحق وَأَنه يقتل ظلما وَأمر باتباعه كَيفَ يتَطَرَّق الْوَهم إِلَى أَنه على الْبَاطِل ثمَّ قد ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أخبرهُ أَن الله يقمصه بقميص وَأَن الْمُنَافِقين يريدونه على خلعه فَأمره أَلا يخلعه وَأمره بِالصبرِ فامتثل أمره
وصبر على مَا ابتلى بِهِ وَهَذَا من أدل دَلِيل على أَنه كَانَ على الْحق فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال فَمن خَالفه يكون على الْبَاطِل فَكيف وَقد وصف النَّبِي
الَّذين أَرَادوا خلعه بالنفاق فَعلم بِالضَّرُورَةِ أَن كل مَا رُوِيَ عَنهُ مِمَّا يُوجب الطعْن عَلَيْهِ أَمر بَين مفتري عَلَيْهِ مختلق وَبَين مَجْهُول وعَلى تَقْدِير صِحَّته يحمل على أحسن الْحَالَات فَيكون مَعَه على الْحق تَصْدِيقًا لخَبر النُّبُوَّة الْمَقْطُوع بصدقه وَلما بلغ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَول عُثْمَان فِيهِ مَا قَالَ أرسل إِلَى عُثْمَان يَقُول مَا تخلفت عَن بدر وَلَا فَرَرْت يَوْم أحد وَلَا خَالَفت سنة عمر فَأرْسل إِلَيْهِ عُثْمَان تخلفت عَن بدر لِأَن بنت رَسُول الله
شغلتني بمرضها أما يَوْم أحد فقد عَفا الله عني وَأما سنة عمر فوَاللَّه مَا استطعتها أَنا وَلَا أَنْت(2/522)
ثمَّ لما كَانَ شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة خَرجُوا كالحجاج حَتَّى نزلُوا بِقرب الْمَدِينَة فَخرج أهل مصر فِي سَبْعمِائة وأمراؤهم عبد الرَّحْمَن بن عديس البلوي وكنانة ابْن بشر اللَّيْثِيّ وسودان بن حمْرَان السكونِي وقتيرة السكونِي والغافقي بن حَرْب العكي وَمَعَهُمْ ابْن السَّوْدَاء وَخرج أهل الْكُوفَة فِي مِائَتَيْنِ فيهم زيد بن صوحان الْعَبْدي وَالْأَشْتَر النَّخعِيّ وَزِيَاد بن النَّضر المسمعي وَزِيَاد بن النَّضر الْحَارِثِيّ وَعبد الله بن الْأَصَم وَهُوَ مقدمهم وَخرج أهل الْبَصْرَة فِي نَحْو مائَة وَخمسين فيهم حُكيم بن جبلة وذَريح بن عباد الْعَبْدي وَبشر بن شُرَيْح الْقَيْسِي وَعَلَيْهِم حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ فَأَما أهل مصر فَكَانُوا يشتهون عليا وَأما أهل الْبَصْرَة فَكَانُوا يشتهون الزبير وَأما أهل الْكُوفَة فَكَانُوا يشتهون طَلْحَة فَخَرجُوا وَلَا تشك كل فرقة أَن أمرهَا يتم دون الْأُخْرَى حَتَّى كَانُوا من الْمَدِينَة على ثَلَاث فَقدم نَاس من أهل الْبَصْرَة فنزلوا ذَا خشب وتقدَم نَاس من أهل الْكُوفَة فنزلوا الأعوص وَجَاء زِيَاد بن النَّضر وَعبد الله بن الْأَصَم ليكشفا خبر الْمَدِينَة فدخلا فلقيا أَزوَاج النَّبِي
وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعلياً فَقَالَ إِنَّمَا نَؤُم هَذَا الْبَيْت ونستعفي من بعض عمالنا واستأذنوهم للنَّاس فكلهم أَبى وَنهى فَرَجَعَا فَاجْتمع من أهل مصر نفر فَأتوا عليا وَمن أهل الْبَصْرَة نفر فَأتوا الزبير وَمن أهل الْكُوفَة نفر فَأتوا طَلْحَة وَقَالَ كل فريق مِنْهُم إِن بَايعنَا صاحبا وَإِلَّا كدناهم وفرقنا جَمَاعَتهمْ ثمَّ كررنا حَتَّى نبغتهم فَأتى المصريون عليا وَهُوَ فِي عَسْكَر عِنْد أَحْجَار الزَّيْت وَقد سرح ابْنه الْحسن إِلَى عُثْمَان واجتمعوا عَلَيْهِ فَسلم المصريون على عَليّ وعرضوا لَهُ فصاح بهم وطردهم وَقَالَ لقد علم الصالحون أَنكُمْ ملعونون فَارْجِعُوا لَا صحبكم الله تَعَالَى فانصرفوا وَفعل طَلْحَة وَالزُّبَيْر نَحْو ذَلِك وأزال عُثْمَان شكواهم وعزل عَنْهُم ابْن أبي سرح وَكتب لمُحَمد على مصر بعد أَن اختاروه فَذهب القَوم وأظهروا أَنهم رَاجِعُون إِلَى بِلَادهمْ فَذهب أهل الْمَدِينَة إِلَى مَنَازِلهمْ فَلَمَّا بلغ الْقَوْم إِلَى عساكرهم كروا بهم وفجأوا أهل الْمَدِينَة فَدَخَلُوهَا وضجوا بِالتَّكْبِيرِ ونزلوا فِي مَوَاضِع عساكرهم وَأَحَاطُوا بعثمان وَقَالُوا من كف يَده فَهُوَ آمن وَلزِمَ النَّاس بُيُوتهم فَأتى عَليّ رَضِي الله عَنهُ(2/523)
وَقَالَ مَا ردكم بعد ذهابكم قَالُوا وجدنَا مَعَ بريد كتابا بقتلنا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ والبصريون نَحن نمْنَع إِخْوَاننَا المصريين وننصرهم فَعلم النَّاس أَن ذَلِك مكر مِنْهُم وَكتب عُثْمَان إِلَى أهل الْأَمْصَار يستمد بهم فَسَارُوا إِلَيْهِ على الصعب والذلول فَبعث مُعَاوِيَة إِلَيْهِ حبيب بن مسلمة الفِهري وَبعث إِلَيْهِ ابْن أبي سرح مُعَاوِيَة بن خديج وَسَار إِلَيْهِ من الْكُوفَة الْقَعْقَاع بن عَمْرو فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة صلى عُثْمَان بِالنَّاسِ وخطب فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ اتَّقوا الله فوَاللَّه إِن أهل الْمَدِينَة ليعلمون أَنكُمْ ملعونون على لِسَان مُحَمَّد
فامحوا الْخَطَأ بِالصَّوَابِ فَإِن الله لَا يمحو السيء إِلَّا بالْحسنِ فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ أَنا أشهد بذلك فأقعده حَكِيم بن جبلة فَقَامَ زيد بن ثَابت فَقَامَ إِلَيْهِ من نَاحيَة أُخْرَى مُحَمَّد بن أبي قتيرة فأقعده وَتكلم فأفظع وثار الْقَوْم بأجمعهم فحصبوا النَّاس حَتَّى أخرجوهم من الْمَسْجِد وحصبوا عُثْمَان حَتَّى صرع نَحْو الْمِنْبَر فَغشيَ عَلَيْهِ فَاحْتمل وَأدْخل الدَّار وَكَانَ المصريون لَا يطمعون فِي أحد من أهل الْمَدِينَة أَن ينصرهم إِلَّا ثَلَاثَة فَإِنَّهُم كَانُوا يراسلونهم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَمُحَمّد بن جَعْفَر وعمار بن يَاسر قَالَ وأستقبل أُنَاسًا مِنْهُم زيد بن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة وَسعد بن مَالك وَالْحسن بن عَليّ فنهضوا لنصرة عُثْمَان فَبعث إِلَيْهِم عُثْمَان يحلف عَلَيْهِم أَن ينصرفوا فانصرفوا وَأَقْبل عَليّ حَتَّى دخل على عُثْمَان هُوَ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر يعودونه من صرعته ثمَّ رجعُوا إِلَى مَنَازِلهمْ قَالَ الْوَاقِدِيّ وَقَوْلهمْ وجدنَا بريداً مَعَه كتاب بقتلنا هُوَ أَنهم لما كَانُوا بالبويب وَفِي رِوَايَة ب ذِي خشب رَأَوْا جملا عَلَيْهِ ميسم الصَّدَقَة فَأَخَذُوهُ فَإِذا عَلَيْهِ غُلَام أسود لعُثْمَان ففتشوا مَتَاعه بعد أَن سَأَلُوهُ فَتَارَة يَقُول أَنا عبد لمروان وَتارَة لفُلَان فَلَمَّا فتشوه وجدوا قَصَبَة من رصاص فِيهَا كتاب فِي جَوف الْإِدَاوَة فِي المَاء ففتحوه فَإِذا هُوَ إِلَى عبد الله بن أبي سرح أَن افْعَل بفلان كَذَا واقتل فلَانا واقطع رجل فلَان وَيَده وَعدد جمَاعَة من الْقَوْم واثبت فِي عَمَلك حَتَّى يَأْتِيك(2/524)
أَمْرِي وعَلى الْكتاب ختم بِخَاتم عُثْمَان قَالَ الْوَاقِدِيّ فَحَدثني عبد الله بن الْحَارِث عَن أَبِيه لما رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة أَتَوا عليا فَقَالُوا لَهُ ألم تَرَ إِلَى عَدو الله فَقُمْ مَعنا قَالَ وَالله مَا أقوم مَعكُمْ قَالُوا فَلم كتبت إِلَيْنَا قَالَ وَالله مَا كتبت إِلَيْكُم فَنظر بَعضهم إِلَى بعض وَخرج عَليّ من الْمَدِينَة فَانْطَلقُوا إِلَى عُثْمَان فَقَالُوا كتبت فِينَا بِكَذَا فَقَالَ إِنَّمَا هما اثْنَتَانِ تقيمون رجلَيْنِ من الْمُسلمين يَعْنِي شَاهِدين أَو يَمِيني بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا كتبت وَلَا علمت قَالُوا كَيفَ يخرج غلامك بعيرك بِكِتَاب عَلَيْهِ خاتمك وَلَا تعلم بِهِ وَزَعَمُوا أَنه خطّ مَرْوَان وسألوه أَن يَدْفَعهُ إِلَيْهِم فَأبى وَعَلمُوا أَنه لم يحلف كَاذِبًا ولزموا بُيُوتهم فَقَالَ عُثْمَان قد يكْتب الْكتاب على لِسَان الرجل وينقش الْخَاتم على الْخَاتم فَقَالُوا قد أحل الله دمك وَنقض الْعَهْد والميثاق وحصروه فِي الدَّار وروى بشر بن شغَاف عَن عبد الله بن سَلام قَالَ بَيْنَمَا عُثْمَان يخْطب إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجل فنال مِنْهُ فوذأته فاتذأ فَقَالَ رجل لَا يمنعك مَكَان ابْن سَلام أَن تسب نعثلاً فَإِنَّهُ من شيعته فَقلت لَهُ لقد قلت عَظِيما فِي الْخَلِيفَة من بعد نوح أَقُول وذأته زجرته وقمعته وَقَالُوا لعُثْمَان نعثلاً تَشْبِيها لَهُ بِرَجُل مصري اسْمه نعثل كَانَ طَوِيل اللِّحْيَة والنعثل فِي اللُّغَة ذكر الضباع وَكَانَ عمر بشبه بِنوح فِي الشدَّة وَلما أخذت من يَد عُثْمَان الْعَصَا وَهُوَ قَائِم يخْطب وَكَانَ الْآخِذ لَهَا جَهْجَاه بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وَكسرهَا بركبته وَقعت الآكلة فِي ركبته وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى ثمَّ إِنَّهُم أحاطوا بِالدَّار وحصروه قَالَ الزبير بن بكار حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ لما كثر الطعْن على عُثْمَان تنحى عَليّ إِلَى مَاله بِالبَقِيعِ فَكتب عُثْمَان أما بعد فقد بلغ الحزام الطُّبيين وَجَاوَزَ(2/525)
السَّيْل الزبى وَبلغ الْأَمر فَوق قدره وطمع فِي الْأَمر من لَا يدْفع عَن نَفسه // (من الطَّوِيل) //
(فَإَنْ كُنْتَ مأْكُولاً فَكُنْ خَيْرَ آكِلٍ ... وَإِلاَّ فَأَدْرِكْني وَلَمَّا أُمزَّقِ)
وَعَن أبان بن عُثْمَان لما ألحوا على عُثْمَان بِالرَّمْي خرجت حَتَّى أتيت عليا فَقلت يَا عَم أهلكتنا الْحِجَارَة فَقَامَ معي فَلم يزل يَرْمِي حَتَّى فتر كتفه ثمَّ قَالَ يَا بن أخي اجْمَعْ حشمك ثمَّ يكون هَذَا شَأْنك وَعَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ أَنه قَالَ أرسل عُثْمَان إِلَى سعد فَأَتَاهُ فَكَلمهُ فَقَالَ لَهُ سعد أرسل إِلَى عَليّ فَإِن أَتَاك وَرَضي صلح الْأَمر قَالَ فَأَنت رَسُولي إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَامَ مَعَه عَليّ فمرا بِمَالك الأشتر فَقَالَ الأشتر لأَصْحَابه أَيْن يُرِيد هَذَا قَالُوا يُرِيد عُثْمَان فَقَالَ وَالله لَئِن دخل عَليّ عُثْمَان لتقتلن عَن آخركم فَقَامَ إِلَيْهِ فِي أَصْحَابه حَتَّى اختلجه عَن سعد وَأَجْلسهُ فِي أَصْحَابه وَأرْسل إِلَى أهل مصر إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ قَتله فَأَسْرعُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَعَن أبي حَبِيبَة لما اشْتَدَّ الْحصار على عُثْمَان قَالُوا لَهُ يَعْنِي الَّذين عِنْده فِي الدَّار فَكَانُوا قَرِيبا من سِتّمائَة فيهم مَرْوَان بن الحكم ائْذَنْ لنا فِي الْقِتَال قَالَ أعزم على من كَانَت لي عَلَيْهِ طَاعَة أَن لَا يُقَاتل أَيّمَا عبد من عَبِيدِي أغمد سَيْفه فَهُوَ حر وَعَن دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعث عُثْمَان الْمسور بن مخرمَة إِلَى مُعَاوِيَة أَنه مَحْصُور ويأمره أَن يُجهز لَهُ جَيْشًا سَرِيعا فَلَمَّا قدم على مُعَاوِيَة ركب مُعَاوِيَة لوقته هُوَ وَسَالم بن عقبَة وَمُعَاوِيَة بن خديج فَسَارُوا من دمشق إِلَى عُثْمَان عشرا فَدخل نصف اللَّيْل على عُثْمَان وَقبل رَأسه وَقَالَ لَهُ عُثْمَان أَيْن الْجَيْش قَالَ مَا جِئْت إِلَّا ثَالِث ثَلَاثَة فَقَالَ عُثْمَان لَا وصل الله رَحِمك وَلَا أعز بعيرك وَلَا جَزَاك خيرا فوَاللَّه لَا أقتل إِلَّا فِيك وَلَا ينقم على إِلَّا من أَجلك فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي لَو بعثت إِلَيْك جَيْشًا فَسَمِعُوا عاجلوك بِالْقَتْلِ وَلَكِن معي(2/526)
نَجَائِب فَاخْرُج معي فَمَا شعر بِي أحد فوَاللَّه مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاث حَتَّى ترى معالم الشَّام فَقَالَ بئْسَمَا أَشرت بِهِ وَإِنِّي لن أحسمه فأسرع مُعَاوِيَة رَاجعا وَورد الْمسور يُرِيد الْمَدِينَة وَلَقي مُعَاوِيَة ذِي الْمَرْوَة فَقدم على عُثْمَان وَهُوَ رام لمعاوية غير عاذر لَهُ فَلَمَّا كَانَ فِي آخر حصره بعث الْمسور ثَانِيًا إِلَى مُعَاوِيَة يستنجده فَقَالَ مُعَاوِيَة إِن عُثْمَان أحسن فَأحْسن الله بِهِ ثمَّ غير فَغير الله بِهِ فَشدد الْمسور عَلَيْهِ فَقَالَ مُعَاوِيَة تركْتُم عُثْمَان حَتَّى إِذا كَانَت نَفسه فِي حنجرته قُلْتُمْ اذْهَبْ فادفع عَنهُ الْمَوْت وَلَيْسَ ذَاك بيَدي ثمَّ أنزلهُ فِي مشربَة على رَأسه فَمَا دخل عَلَيْهِ دَاخل حَتَّى قتل عُثْمَان وَلما أنكر عُثْمَان وَحلف بعد أَن أحضروا الْكتاب ونصوه بِمحضر من الصَّحَابَة فيهم طَلْحَة وَعلي وَالزُّبَيْر وَسعد لم يبْق أحد إِلَّا حنق على عُثْمَان وَزَاد ذَلِك غَضبا وحنقاً أعوان أَي ذَر بِمَا فعله بِأبي ذَر وقبيلة هُذَيْل بِمَا فعله فِي ابْن مَسْعُود وَبني مَخْزُوم بِمَا فعله بِعَمَّار بن يَاسر قلت قد تقدم ذكر مَا فعله مَعَ أبي ذَر وَابْن مَسْعُود وعمار وَأرْسل عَليّ بالحسنين وَأرْسل الزبير بِابْنِهِ عبد الله وَطَلْحَة بِابْنِهِ وَأَبْنَاء غَيرهم وَأمرُوهُمْ وهم شاكوا السِّلَاح أَن يحرسوا عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دخلُوا على عُثْمَان قَالَ لَهُم أعزم عَلَيْكُم إِلَّا مَا رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بُيُوتكُمْ فَقَالَ ابْن الزبير نَحن نعزم على أَنْفُسنَا أَلا نَبْرَح قَالَ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَنى مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مَرْوَان أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة دخل على عُثْمَان فَقَالَ إِنَّك إِمَام الْعَامَّة وَقد نزل بك مَا ترى وَإِنِّي أعرض عَلَيْك خِصَالًا إِمَّا أَن تخرج فَنُقَاتِلهُمْ فَإِن مَعَك عددا وَقُوَّة وَإِمَّا أَن تخرق لَك بَابا آخر فتقعد على ركائبك فتلحق ب مَكَّة فَإِنَّهُم لن يستحلوا دمك وَأَنت بهَا وَإِمَّا أَن تلْحق بِالشَّام فَفِيهَا مُعَاوِيَة فَقَالَ عُثْمَان أما أَن ألحق بِالشَّام فَلَنْ أُفَارِق دَار هجرتي وَأما أَن أقَاتل فَلَنْ أكون أول من خلف رَسُول الله
بسفك الدِّمَاء وَأما أَن أخرج إِلَى مَكَّة فَإِنِّي سَمِعت من رَسُول الله
يَقُول يلْحد رجل من قُرَيْش بِمَكَّة يكون عَلَيْهِ نصف عَذَاب الْعَالم(2/527)
وروى نَافِع عَن ابْن عمر أصبح عُثْمَان يحدث النَّاس أَنه رأى النَّبِي
فِي الْمَنَام يَقُول لَهُ أفطر عندنَا فَأصْبح صَائِما وَقتل يَوْمه وَقَالَ ثُمَامَة بن حزن الْقشيرِي يَوْم الدَّار وأشرف عَلَيْهِم عُثْمَان فَقَالَ ائْتُونِي بصاحبيكم اللَّذين ألباكم فدعيا لَهُ كَأَنَّهُمَا جملان أَو حماران فَقَالَ أنْشدكُمْ الله هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله
قدم الْمَدِينَة وَلَيْسَ فِيهَا مَاء عذب غير بِئْر رومة فَقَالَ من يَشْتَرِيهَا فَيكون دلوه كدلاء الْمُسلمين وَله فِي الْجنَّة خير مِنْهَا فاشتريتها وَأَنْتُم الْيَوْم تَمْنَعُونِي أَن أشْرب مِنْهَا حَتَّى أشْرب من المَاء المالح قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ أنْشدكُمْ الله وَالْإِسْلَام هَل تعلمُونَ أَن الْمَسْجِد ضَاقَ بأَهْله فَقَالَ رَسُول الله
من يَشْتَرِي بقْعَة بِخَير لَهُ مِنْهَا فِي الْجنَّة فاشتريتها وزدتها فِي الْمَسْجِد وَأَنْتُم تَمْنَعُونِي الْيَوْم أَن أُصَلِّي فِيهِ قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ أنْشدكُمْ الله هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله
كَانَ على ثبير بِمَكَّة فَتحَرك وَعَلِيهِ أَبُو بكر وَعمر وَأَنا فَقَالَ اسكن ثبير فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي وصديق وشهيدان قَالُوا اللَّهُمَّ نعم فَقَالَ الله أكبر شهدُوا وَرب الْكَعْبَة أَنِّي شَهِيد ثمَّ قَالَ وَلَكِن طَال عَلَيْكُم أَمْرِي واستعجلتم وأردتم خلع سربال سربلنيه الله وَإِنِّي لَا أخلعه حَتَّى أَمُوت أَو أقتل ثمَّ أشرف عَلَيْهِم ذَات يَوْم قَالَ ابْن عمر فَقَالَ عَلامَ تقتلونني فَإِن رَسُول الله
قَالَ لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر بعد إِسْلَام أَو زنا بعد إِحْصَان أَو رجل قتل نفسا فوَاللَّه مَا زَنَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام وَلَا قتلت نفسا وَلَا كفرت قَالَ الْحسن حَدثنِي وثاب قَالَ بَعَثَنِي عُثْمَان فدعوت لَهُ الأشتر فَقَالَ مَا يُرِيد النَّاس قَالَ ثَلَاثًا يخيرونك بَين الْخلْع وَبَين أَن يقْتَصّ مِنْك فَإِن أَبيت فَإِنَّهُم قاتلوك فَقَالَ مَا كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله وبدني مَا يقوم بقصاص ثمَّ حاصره أُولَئِكَ الْقَوْم حَتَّى منعُوهُ المَاء فَأَشْرَف عَلَيْهِم يَوْمًا فَقَالَ أفيكم عَليّ قَالُوا لَا قَالَ أفيكم سعد قَالُوا لَا فَسكت ثمَّ قَالَ أَلا أحد(2/528)
يسقينا مَاء فَبلغ ذَلِك عليا فَبعث إِلَيْهِ بِثَلَاث قرب فجرح بِسَبَبِهَا جمَاعَة من موَالِي بني هَاشم حَتَّى وصلت إِلَيْهِ وَبلغ عليا أَن عُثْمَان يُرَاد قَتله فَقَالَ إِنَّمَا أردنَا مِنْهُ مَرْوَان فَأَما عُثْمَان فَإنَّا لَا نَدع أحدا يصل إِلَيْهِ وَرمى النَّاس عُثْمَان بِالسِّهَامِ حَتَّى خضب بالدماء على بَابه فَأصَاب مَرْوَان سهم وخضب مُحَمَّد بن طَلْحَة وشج قنبر مولى عَليّ فخشي مُحَمَّد بن أبي بكر أَن يغْضب بَنو هَاشم لشأن الْحسن فَلَا يتم لَهُم مَا أرادوه فاتفق هُوَ وصاحباه وتسوروا من دَار حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ وَلَا يعلم أحد لأَنهم كَانُوا فَوق الْبيُوت وَلم يكن مَعَ عُثْمَان إِلَّا امْرَأَته فَدخل مُحَمَّد فَأخذ بلحيته ثمَّ قَالَ بهَا حَتَّى سمع وَقع أَضْرَاسه وَقَالَ يَا نعثل قد أخزاك الله فَقَالَ لست بنعثل وَلَكِنِّي عبد الله وأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا أغْنى عَنْك مُعَاوِيَة مَا أغْنى عَنْك عبد الله بن عَامر مَا أغْنى عَنْك فلَان وَفُلَان فَقَالَ لَهُ عُثْمَان أرسل لحيتي فوَاللَّه لَو يراك أَبوك لساءه مَكَانك مني فَقَالَ إِن مَا يُرَاد بك أَشد من ذَلِك وَطعن جنبه بمشقص وَقيل إِنَّه أطلق لحيته وتراخت يَده فَرجع وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك إِنِّي بَرِيء من دم عُثْمَان وَكَذَلِكَ قالته امرأتة نائلة وَقَالَت لكنه هُوَ الَّذِي أدخلهما يَعْنِي الرجلَيْن كنَانَة بن بشر وسودان بن حمْرَان وَرفع كنَانَة مشاقص فوجأ بهَا فِي أذن عُثْمَان فمضت حَتَّى دخلت حلقه ثمَّ علاهُ بِالسَّيْفِ وَضرب جَبينه بعمود حَدِيد وضربه سودان بن حمْرَان الْمرَادِي فَقتله ووثب عَلَيْهِ عَمْرو بن الْحمق وَبِه رَمق فطعنه تسع طعنات وَقَالَ ثَلَاث لله وست لما فِي نَفسِي عَلَيْهِ وَعَن رَيطة مولاة أسَامَه قَالَت جَاءَ رجل من خلف عُثْمَان بسعفة فَضرب بهَا جَبهته فَرَأَيْت الدَّم يسيل وَهُوَ يمسحه وَيَقُول اللَّهُمَّ لَا يطْلب بدمي غَيْرك وَجَاء آخر فَضَربهُ بِالسَّيْفِ على صَدره فأفقصه وتعاوروه بِأَسْيَافِهِمْ فرأيتهم ينتهبون بَيته وَقَالَ الشّعبِيّ جَاءَ رجل من تُجيب من المصريين وَالنَّاس حول عُثْمَان فأسبل سَيْفه ثمَّ قَالَ أفرجوا ففرجوا لَهُ فَوضع ذُبَاب سَيْفه فِي بطن عُثْمَان فَأَمْسَكت(2/529)
زَوجته نائلة بنت الفرافصة السَّيْف لتمنع عَنهُ فجز السَّيْف أصابعها وَقيل الَّذِي قَتله رجل يُقَال لَهُ حمَار ووجدوه وَعِنْده زَوجته نائلة وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف صَائِما وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ قتل عِنْد صَلَاة الْعَصْر وَشد عبد لعُثْمَان على كنَانَة بن بشر فَقتله فَشد سودان بن حمْرَان على العَبْد فَقتله وَقَالَ أَبُو نَضرة عَن أبي سعيد ضربوه فَجرى الدَّم فِي الْمُصحف على قَوْله {فَسَيَكفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَمِيع العَلِيم} الْبَقَرَة 137 قَالَ فَإِنَّهَا فِي الْمُصحف مَا حكت فَإِن أَبَا خريت ذكر أَنه ذهب هُوَ وَسُهيْل المري فأخرجوا إِلَيْهِمَا الْمُصحف فَإِذا قطر الدَّم على الْآيَة الْمَذْكُورَة وَعَن الزُّهْرِيّ قلت لسَعِيد بن الْمسيب هَل أَنْت مخبري كَيفَ كَانَ قتل عُثْمَان قَالَ قتل مَظْلُوما وَمن خذله كَانَ مَعْذُورًا وَمن قَتله كَانَ ظَالِما إِنَّه لما اسْتخْلف كره ذَلِك نَاس من الصَّحَابَة الَّذِي يحب قومه ويوليهم وَكَانَ يكون مِنْهُم مَا يكره الصَّحَابَة فيستعتب فيهم فَلَا يعزلهم فَلَمَّا كَانَ فِي السِّت السنين الْأَوَاخِر اسْتَأْثر ببني عَمه فولاهم وَمَا اشْترك مَعَهم فولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فَمَكثَ عَلَيْهَا فجَاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون مِنْهُ وَقد كَانَ قبل ذَلِك مِنْهُ هَنَات إِلَى ابْن مَسْعُود وَأبي ذَر وعمار فحنق عَلَيْهِ قَومهمْ قلت قد ذكرت فِيمَا تقدم أَسبَاب ذَلِك انْتهى وَجَاء المصريون يَشكونَ ابْن أبي سرح فَكتب إِلَيْهِ يتهدده فَأبى أَن يقبل وَضرب بعض من أَتَاهُ مِمَّن شكا فَقتله فَخرج من أهل مصر سِتّمائَة رجل وَقيل سَبْعمِائة فنزلوا الْمَسْجِد وَشَكوا إِلَى الصَّحَابَة صنع ابْن أبي سرح بهم فَقَامَ طَلْحَة فَكلم عُثْمَان بِكَلَام شَدِيد وَأرْسلت إِلَيْهِ عَائِشَة تَقول أنصفهم عَن عاملك وَدخل عَلَيْهِ عَليّ وَكَانَ مُتَكَلم الْقَوْم فَقَالَ إِنَّمَا يَسْأَلُونَك رجلا مَكَان رجل وَقد ادعوا فتكه دَمًا فاعزله واقض بَينهم فَقَالَ اخْتَارُوا رجلا أوليه عَلَيْكُم فأشاروا عَلَيْهِ بِمُحَمد بن أبي بكر فَكتب عَهده وَخرج مَعَه عدد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ينظرُونَ فِيمَا بَين أهل مصر وَبَين ابْن أبي(2/530)
سرح فَلَمَّا كَانَ مُحَمَّد وَمن مَعَه على مسيرَة ثَلَاث من الْمَدِينَة وَقيل بعد أَن وصلوا إِلَى عقبَة أَيْلَة إِذا هم بِغُلَام أسود على بعير مسرعاً فَسَأَلُوهُ فَقَالَ وجهني أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى عَامل مصر فَقَالُوا هَذَا عَامل مصر يَعْنِي مُحَمَّد بن أبي بكر ففتشوه فَإِذا إداوة تقلقل فشقوها فَإِذا فِيهَا كتاب عُثْمَان إِلَى ابْن أبي سرح فَجمع مُحَمَّد من عِنْده من الصَّحَابَة ففكوا الْكتاب بِمحضر مِنْهُم فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ مَا كَانَ فِيمَا تقدم ذكره انْتهى ثمَّ لما قَتَلُوهُ هربوا من حَيْثُ دخلُوا ثمَّ صرخت الْمَرْأَة فَلم يسمع صراخها لما فِي الدَّار من الجلبة فَصَعدت إِلَى النَّاس وَأَخْبَرتهمْ فَدخل الْحسن وَالْحُسَيْن وَابْن الزبير وَغَيرهم فوجدوه مذبوحاً وَبلغ عليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر الْخَبَر فَجَاءُوا وَقد ذهبت عُقُولهمْ ودخلوا عَلَيْهِ فرأوه مذبوحاً فَقَالَ عَليّ كَيفَ قتل وَأَنْتُم على الْبَاب وَلَطم الْحسن وَضرب صدر الْحُسَيْن وَشتم ابْن الزبير وَابْن طَلْحَة فَقَالُوا لم يُؤْت من جهتنا بل تسور عَلَيْهِ من الدَّار وَخرج عَليّ غضباناً إِلَى منزله فجَاء النَّاس يهرعون إِلَيْهِ ليبايعوه فَقَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيْكُم إِنَّمَا ذَاك إِلَى أهل بدر فَمن رضوه فَهُوَ خَليفَة فَلم يبْق أحد من الْبَدْرِيِّينَ إِلَّا أَتَى عليا ثمَّ خرج إِلَى المسحد فَصَعدَ الْمِنْبَر فَكَانَ أول من صعد إِلَيْهِ طَلْحَة فَبَايعهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَانَت شلاء لِأَنَّهُ وقى بهَا رَسُول الله
من سهم يَوْم أحد فشلت فَكَانَت كالفأل السوء لخلافة عَليّ فَإِنَّهُ لم يتهن فِيهَا بل من حَرْب إِلَى حَرْب إِلَى أَن قتل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا سَيذكرُ جَمِيع ذَلِك فِيمَا يَأْتِي قَرِيبا ثمَّ بَايعه الزبير وَسعد وَالصَّحَابَة جَمِيعًا ثمَّ نزل فَدَعَا النَّاس وَطلب مَرْوَان فهرب مِنْهُ هُوَ وأقاربه قَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه دوَل الْإِسْلَام كَانَ قَاتلُوا عُثْمَان يدا وَاحِدَة فِي الشَّرّ وَكَانَ حثالة من النَّاس قد ضووا إِلَيْهِم وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي
الَّذين خذلوه كَرهُوا الْفِتْنَة فظنوا أَن الْأَمر لَا يبلغ قَتله فَلَمَّا قتل ندموا على مَا صَنَعُوا فِي أمره ولعمري لَو قَامُوا أَو قَامَ بَعضهم فَحَثَا فِي وُجُوه أُولَئِكَ التُّرَاب لانصرفوا خَاسِئِينَ لَكِن الْفِتَن لَهَا أَسبَاب نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا وَمن أَسبَابهَا وَعَن الشّعبِيّ قَالَ مَا سَمِعت فِي مراثي عُثْمَان أحسن من قَول كَعْب بن مَالك(2/531)
// (من الطَّوِيل) //
(فَكَفَّ يَدَيْهِ ثمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ ... وأَيْقَنَ أَنَّ اللهَ ليسَ بِغَافِلِ)
(وقالَ لأَهْلِ الدَّار لاَ تَقْتلوهُمُ ... عَفَا الله عَن كل امرىءٍ لم يُقَاتلِ)
(فَكَيْفَ رأيتَ اللهَ صَبَّ عليهمُ الْعَدَاوَةَ ... والبَغْضَاءَ بَعْد التَّوَاصُلِ)
وَقَالَ حسان يرثيه // (من الْخَفِيف) //
(خَذَلَتْهُ الأَنْصَارُ إِذْ حَضَر المَوْتُ ... وَعَابَتْ وُلاتهُ الأَنْصَارُ)
(مَن عذيري مِنَ الزُّبَيْرِ وَمن طَلْحَةَ ... هَاجَا أمرا لَهُ مِقْدَارُ)
(فَوَلِيُّهْ محمدٌ بْنُ أبي بَكْرٍ ... عيَانًا وخَلفهُ عَمَّارُ)
وَقَالَ أَيْضا // (من الْبَسِيط) //
(مَنْ سَرَّهُ الموتُ صِرْفًا لاَ مِزَاجَ لهُ ... فَلْيَاْتِ مَأْسَدةً فِي دارِ عثمانَا)
(ضَحَّوْا بأشمَط عُنْوانُ السجودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنَا)
(صَبْرًا فِدًى لَكُمُ أُمِّي وَمَا وَلَدتْ ... قَدْ ينفعُ الصبرُ فِي المَكْروهِ أَحْيَانًا)
(لَتَسْمَعُنَّ وَشِيكًا فِي دِيارِكُمُ ... الله أَكَبر يَا ثَارَاتِ عثمانَا)
ورثته زَوجته بنت الفرافصة الَّتِي كفها قطعت بِالسَّيْفِ // (من الطَّوِيل) //
(أَلاَ إِنَّ خيرَ النَّاسِ بَعْدَ ثلاثةٍ ... قَتيِلُ التُّجِيبيِّ الَّذي جَاء مِنْ مِصْرِ)
(فَمَا لِيَ لاَ أَبْكْي وَتَبْكِي قَرَابَتِي ... وَقَدْ غَيَّبُوا عَنَّا فَضُولَ أَبي عَمْرِو)
وَقَالَ الْوَلِيد بن عقبَة // (من الطَّوِيل) //
(بَنِى هَاشِمٍ إِنا وَمَا كَانَ بيننَا ... كَصَدْعِ الصَّفَا مَا يرمض الدَّهْر شَائِبُهْ)
(بني هاشمٍ كيْفَ المودَّةُ بَيْنَنَا ... وسيفُ ابنِ أَرْوَى عِندكم وَخَزائِنُهْ)
(بني هَاشم رُدُّوا سِلاَحَ ابْن اُخْتكُمْ ... وَلاَ تَنْهَبُوه لَا تَحِلُّ نَهَائِبُهْ)(2/532)
(غَدَرْتُمْ بِهِ كَيْمَا تَكُونُوا مَكَانه ... كَمَا غَدَرَتْ يَوْمًا بكِسْرَى مَرازِبُهْ)
فَأَجَابَهُ عتبَة بن أبي لَهب رَضِي الله عَنهُ // (من الطَّوِيل) //
(فَإِن تسألونا سيفَكُمْ إنَّ سيفَكُمْ ... أُضِيعَ وَأَلْقَاه لَدَى الرَّوْعِ صاحِبُهْ)
(سَلُوا أهلَ مصرٍ عَن سلاَحِ ابْن أُختِنا ... فَهُمْ سَلَبُوهُ سَيْفَهُ وخَزَائِبُهْ)
(وكَانَ وليَّ الأمرِ بَعْدَ محمدٍ ... عليناَ وَفِي كُلِّ المواطن صَاحِبُهْ)
(عليٌّ إِلى أَنْ أَظْهَرَ الله دِينَهُ ... وَأَنْتَ مَعَ الأَشْقَين فيمَنْ يحاربُهْ)
(وَأَنت امرؤٌ من أهل صنوانَ نازحٌ ... فَمَا لَكَ فِينَا من حَمِيم تُعَاتِبُهْ)
(وَقَدْ أنزلَ الرَّحْمَنُ أَنَّكَ فاسِقٌ ... فَمَا لَك فِي الإِسلام سَهْمٌ تُطَالِبُهْ)
قَالَ ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ بَلغنِي أَن الركب الَّذين سَارُوا إِلَى عُثْمَان عامتهم جُنّوا وَالْعِيَاذ بِاللَّه وروى عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه قَالَ قَالَ مَرْوَان مَا كَانَ فِي الْقَوْم أدفَع عَن صاحبنا من صَاحبكُم يَعْنِي عليا عَن عُثْمَان قَالَ فَقلت مَا بالكم تسبونه على المنابر قَالَ لَا يَسْتَقِيم الْأَمر إِلَّا بذلك رَوَاهُ ابْن خَيْثَمَة بِإِسْنَاد قوي عَن عمر وَكَانَ لعُثْمَان عِنْد خازنه يَوْم قتل ثَلَاثُونَ ألف ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ وَمِائَة وَألف دِينَار وَقَالَ اللَّيْث بن أبي سليم عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس سمع عليا يَقُول وَالله مَا قتلت عُثْمَان وَلَا أمرت وَلَكِن غلبت يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا وَجَاء نَحوه عَن عَليّ من طرق وَجَاء عَنهُ أَنه لعن قتلة عُثْمَان وَقَالَ قَتَادَة ولي عُثْمَان ثنتى عشرَة سنة غير اثْنَي عشر يَوْمًا وَقَالَ السّديّ قتل يَوْم الْجُمُعَة لثمان خلون من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ بعد الْعَصْر وَدفن ب البقيع بَين العشائين لَيْلَة السبت وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة(2/533)
وَهُوَ الصَّحِيح وَقيل سِتّ وَثَمَانِينَ وَاخْتلف فِي مُدَّة الْحصار فَقيل أَكثر من عشْرين يَوْمًا وَعَن عبد لله بن فروخ شهدته دفن فِي ثِيَابه بدمائه وَلم يغسل رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي زيادات الْمسند وخرجته نائلة وهى تصرخ وَمَعَهَا سراج فَقَالَ لَهَا جُبَير بن مطعم أطفِئي السراج لَا يُفطن لنا ثمَّ انْتَهوا إِلَى البقيع فصلى عَلَيْهِ جُبَير بن مطعم وَخَلفه أَبُو جهم بن حُذَيْفَة ونيار بن مكرم وزوجتاه نائلة وَأم الْبَنِينَ وهما دلياه فِي حفرته على الرِّجَال الَّذين نزلُوا فِي قَبره ولحدوا لَهُ وغيبوا قَبره وَتَفَرَّقُوا وَالْمَكَان الَّذِي دفن فِيهِ يُقَال لَهُ حش كَوْكَب أَي بُسْتَان رجل يُسمى كوكباً خَارج البقيع أَو فِي طرفه الْأَقْصَى وروى أَن نائلة بنت الفرافصة كَانَت مليحة الثغر جدا فَكسرت ثناياها بِحجر وَقَالَت وَالله لَا يجتليكن أحد بعد عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ حسان بن ثَابت // (من الْبَسِيط) //
(يَا لَلرِّجَالِ لأَمرٍ هَاجَ لِي حُزْنًا ... لَقَدْ عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى الدِّمَن)
(إِنِّي رَأَيْتُ وَلِيَّ اللهِ مُضْطَهَدًا ... عُثْمَانَ يَهْوي إِلَى الأَجْدَاثِ فِي كَفَنِ)
// (وَمن المتقارب) //
(لَعَمْرُ أَبِيكَ فَلاَ تَكْذِبَنْ ... لَقَدْ ذَهَبَ الخَيْرُ إِلاَّ قَلِيلاً)
(لَقَدْ سَفِهَ النَّاسُ فِي دِينهِمْ ... وَخَلَّى ابْنُ عَفَّانَ شَرًّا طَوِيلاَ)
قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمُنْتَخب قَالَ شُعْبَة أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن سَمِعت أبي يَقُول سَمِعت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول قتل الله عُثْمَان وَأَنا مَعَه قَالَ أَبُو حَمْزَة فَذَكرته لِابْنِ عَبَّاس فَقَالَ صدق عَليّ يَقُول الله قتل عُثْمَان ويقتلني مَعَه(2/534)
وَقد روى شُعْبَة عَن حبيب بن الزبير عَن عبد الرَّحْمَن بن الشرود أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِنِّي لأرجو أَن أكون أَنا وَعُثْمَان مِمَّن قَالَ الله تَعَالَى فيهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا علىَ سُرُر متقابليِنَ} الْحجر 43 وَقَالَ عبد الله بن شَوْذَب حَدثنِي زَهْدَم الحرمي قَالَ كنت فِي سمر عِنْد ابْن عَبَّاس فَقَالَ لأحدثنكم حَدِيثا إِنَّه لما كَانَ من أَمر هَذَا الرجل يَعْنِي عُثْمَان مَا كَانَ قلت لعَلي اعتزل هَذَا الْأَمر فوَاللَّه لَو كنت فِي جُحر لأتاك النَّاس حَتَّى يبايعوك وأيم الله ليتأمرن عَلَيْهِ مُعَاوِيَة ذَلِك بِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً} الْإِسْرَاء 33 الْآيَة كَمَا قَالَ فِي الرياض وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله أَن الحكم بن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ لما قتل عُثْمَان ألقِي على المزبلة قَالَ سهم بن حُبَيْش وَكَانَ مِمَّن شهد مقتل عُثْمَان فَلَمَّا أمسينا قلت لَئِن تركْتُم صَاحبكُم حَتَّى يصبحَ مثلُوا بِهِ فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل أَتَاهُ اثْنَا عشر رجلا مِنْهُم حويطب بن عبد الْعُزَّى وَحَكِيم بن حزَام وَجبير بن مطعم وَعبد الله بن الزبير وجدي مَرْوَان بن الحكم فاحتملوه فَلَمَّا سَارُوا بِهِ إِلَى الْمقْبرَة ليدفنوه فَإِذا هم بِقوم من بني مَازِن فَقَالُوا وَالله لَئِن دفنتموه هُنَا لنخبرن النَّاس غَدا فاحتملوه وَكَانَ على الْبَاب وَإِن رَأسه يَقُول طق طق حَتَّى صَارُوا بِهِ إِلَى حش كَوْكَب فاحتفروا لَهُ فَلَمَّا أَخْرجُوهُ ليدفنوه صرخت ابْنَته عَائِشَة وَكَانَ مِصْبَاح فِي حق فَقَالَ لَهَا ابْن الزبير لَئِن لم تسكتي لَأَضرِبَن الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك فَسَكَتَتْ فدفنوه خرجه القلعي قَالَ وَلما حملناه وسرنا غشينا سَواد من خلفنا فهبناهم حَتَّى كدنا نفر مِنْهُم فَإِذا مُنَاد لَا روع عَلَيْكُم اثبتوا فَإنَّا جِئْنَا نشهده مَعكُمْ وَكَانَ ابْن خُنَيْس يَقُول هم الْمَلَائِكَة أخرجه ابْن الضَّحَّاك وَعَن هَارُون بن يحيى أَن عُثْمَان جعل يَقُول حِين ضرب والدماء تسيل على لحيته لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين اللَّهُمَّ إِنِّي أستعينك وأستعيذك على جَمِيع أموري وَأَسْأَلك الصَّبْر على بليتي(2/535)
(الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ)
مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {الذينَ يُنفِقُونَ أموَالهُم فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَ لَا يتبِعُونَ مَا أنفَقُوا مَناً وَلا أَذَى} الْبَقَرَة 262 الْآيَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنَّهَا نزلت فِي عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إنَ الذَّين سبَقَت لَهُم منا الْحسنى} الْأَنْبِيَاء 101 الْآيَة عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ سَمِعت عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول {إنَ الذَينَ سبَقَت لَهُم مِنا الْحسنى} الْأَنْبِيَاء 101 عُثْمَان خرجه الحاكمي وَمِنْهَا عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَل يستَوِي هُوَ وَمَن يَأمُر بالعَدل وَهُوَ عَلى صِرَاط مُّستَقِيم} النَّحْل 76 هُوَ عُثْمَان خرجه البُخَارِيّ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أمَن هُو قَانِت آنَاء اليلِ ساجِداً وَقائماً يحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجوا رَحمَةَ رَبه} الزمر 9 عَن ابْن عمر قَالَ إِنَّهَا نزلت فِي عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خرجه الواحدي فِي الْفَضَائِل
(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
الحَدِيث الأول عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَخرج مَعَه بابنة رَسُول الله
رقية فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ خبرهما جعل يتوكف الْأَخْبَار فَقدمت امْرَأَة من قُرَيْش من الْحَبَشَة فَسَأَلَهَا رَسُول الله
عَنْهُمَا فَقَالَت أَنا رأيتهما فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على أَي حَال رأيتهما قَالَت رأيتهما وَقد حملهَا على حمَار وَهُوَ يَسُوق بهَا فَقَالَ النَّبِي
صحبهما الله إِن كَانَ عُثْمَان أول من هَاجر إِلَى الله عز وَجل أخرجه خَيْثَمَة بن(2/536)
سُلَيْمَان والملا فِي سيرته
الحَدِيث الثَّانِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن الله أوحى إِلَيّ أَن أزوج كَرِيمَتي عُثْمَان بن عَفَّان خرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِي رِوَايَة بِنْتي يَعْنِي رقية وَأم كُلْثُوم
الحَدِيث الثَّالِث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لَقِي الني
عُثْمَان بن عَفَّان عِنْد بَاب الْمَسْجِد فَقَالَ يَا عُثْمَان هَذَا جِبْرِيل أَخْبرنِي أَن الله قد أَمرنِي أَن أزَوجك أم كُلْثُوم بِمثل صدَاق رقية وعَلى مثل صحبتهَا أخرجه ابْن ماجة الْقزْوِينِي وَأَبُو سعيد النقاش وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن عِنْدِي مائَة تَمُوت وَاحِدَة بعد وَاحِدَة زَوجتك أُخْرَى حَتَّى لَا يبْقى من الْمِائَة شَيْء
الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ دخلت على رقية بنت رَسُول الله
امْرَأَة عُثْمَان وَفِي يَدهَا مشط فَقَالَت خرج من عِنْدِي رَسُول الله
آنِفا رجلت رَأسه فَقَالَ كَيفَ تجدين أَبَا عبد الله قلت خير الرِّجَال قَالَ أكرميه فَإِنَّهُ من أشبه أَصْحَابِي بِهِ خلقا
الحَدِيث الْخَامِس أخرج الملا عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن عُثْمَان بن عَفَّان أشبهُ النَّاس بِي خلقا وخلقاً وديناً وسمتاً وَهُوَ ذُو النورين زَوجته ابْنَتي وَهُوَ معي فِي الْجنَّة كهاتين وحرك السبابَة وَالْوُسْطَى(2/537)
الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله
عُثْمَان أحيى أمتِي وأكرها
الحَدِيث السَّابِع عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله
مُضْطَجعا فِي بَيته كاشفاً عَن فَخِذَيهِ أَو عَن سَاقيه فَاسْتَأْذن أَبُو بكر فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال فحدثه ثمَّ اسْتَأْذن عمر فآذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَالة فحدثه ثمَّ اسْتَأْذن عُثْمَان فَجَلَسَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسوى ثِيَابه فَدخل فَتحدث فَلَمَّا خَرجُوا قلت يَا رَسُول الله دخل أَبُو بكر فَلم تهش لَهُ وَلم تبال بِهِ ثمَّ دخل عمر فَلم تهش لَهُ وَلم تبال بِهِ ثمَّ دخل عُثْمَان فَجَلَست وسويت ثِيَابك فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلا أستحي من رجل تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة أخرجه أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم
الحَدِيث الثَّامِن عَنْهَا أَيْضا قَالَت قَالَ رَسُول الله
فِي مَرضه وددت لَو أَن عِنْدِي بعض أَصْحَابِي قَالَت فَقلت يَا رَسُول الله أَلا نَدْعُو لَك أَبَا بكر فَسكت قَالَت فَقُلْنَا عمر فَسكت قَالَت فَقُلْنَا عُثْمَان قَالَ نعم فَأَرْسَلنَا إِلَى عُثْمَان خرجه التِّرْمِذِيّ
الحَدِيث التَّاسِع عَن عبد الرَّحْمَن بن خباب قَالَ شهِدت رَسُول الله
وَهُوَ يحث على جَيش الْعسرَة فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ يَا رَسُول الله عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله ثمَّ حض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْجَيْش فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ يَا رَسُول الله مِائَتَا بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله ثمَّ حض على الْجَيْش فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ ثَلَاثمِائَة بعير بأحلاسها وأقتابها فِي سَبِيل الله فَأَنا رَأَيْت رَسُول الله
عِنْد الْمِنْبَر وَهُوَ يَقُول مَا على عُثْمَان مَا فعل بعدهن مَا على عُثْمَان مَا فعل بعدهن خرجه التِّرْمِذِيّ(2/538)
وَقَالَ أَبُو عمر جهز عُثْمَان جَيش الْعسرَة بتسعمائة وَخمسين بَعِيرًا وَأتم الْألف بِخَمْسِينَ فرسا وَفِي رِوَايَة عَن قَتَادَة حمل على ألف بعير وَسبعين فرسا
الحَدِيث الْعَاشِر عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان بِعشْرَة آلَاف دِينَار فِي كمه حِين جهز جَيش الْعسرَة فصبها فِي حجره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فرأيته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يقلبها فِي حجره وَيَقُول مَا ضرّ عُثْمَان مَا فعل بعد الْيَوْم خرجه التِّرْمِذِيّ وَأحمد
الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن بشر بن بشير السّلمِيّ عَن أَبِيه قَالَ لما قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة استنكروا المَاء وَكَانَ لرجل من بنى غفار بِئْر يُقَال لَهَا رومة يَبِيع الْقرب مِنْهَا بِمد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
تبيعها ببئر فِي الْجنَّة فَقَالَ يَا رَسُول الله لَيْسَ لي وَلَا لِعِيَالِي بِئْر غَيرهَا وَلَا أَسْتَطِيع ذَلِك قَالَ فَبلغ ذَلِك عُثْمَان فاشتراها مِنْهُ بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم ثمَّ أَتَى النَّبِي
فَقَالَ اجْعَل لي مثل الَّذِي جعلت لَهُ عينا فِي الْجنَّة فَإِنِّي قد اشْتَرَيْتهَا وجعلتها للْمُسلمين
الحَدِيث الثَّانِي عشر عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ انْطَلَقت حَاجا فمررت بِالْمَدِينَةِ فَبَيْنَمَا نَحن بمنزلنا إِذا جَاءَنَا جاءٍ فَقَالَ النَّاس مجتمعون فِي الْمَسْجِد فَانْطَلَقت أَنا وصاحبي فَإِذا النَّاس مجتمعون على نفر فِي الْمَسْجِد قَالَ الْأَحْنَف فتخللتهم حَتَّى قُمْت عَلَيْهِم وَإِذا عَليّ بن أبي طَالب وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد فَلم يكن أسْرع مِمَّا جَاءَ عُثْمَان عَلَيْهِ ملاءة صفراء قد قنع بهَا رَأسه فَقَالَ أههنا عَليّ قَالُوا نعم قَالَ أههنا الزبير قَالُوا نعم قَالَ أههنا طَلْحَة قَالُوا نعم قَالَ أههنا سعد قَالُوا نعم قَالَ أنْشدكُمْ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أتعلمون أَن رَسُول الله
قَالَ من يبْتَاع مربد بني فلَان غفر الله لَهُ فابتعته بِعشْرين ألفا فَأتيت النَّبِي
فَقلت قد ابتعته فَقَالَ اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدنَا وأجره لَك فَقَالُوا اللَّهُمَّ نعم ثمَّ قَالَ(2/539)
أنْشدكُمْ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أتعلمون أَن رَسُول الله
قَالَ من يبْتَاع بِئْر رومة غفر الله لَهُ فابتعتها بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا فَقَالَ اجْعَلْهَا سِقَايَة الْمُسلمين وأجرها لَك فَقَالُوا اللَّهُمَّ نعم ثمَّ قَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أتعلمون أَن رَسُول الله
نظر فِي وُجُوه الْقَوْم فَقَالَ من يُجهز هَؤُلَاءِ غفر الله لَهُ يَعْنِي جَيش الْعسرَة فجهزتهم حَتَّى لم يفقدوا عقَالًا وَلَا خطاماً قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأحمد
الحَدِيث الثَّالِث عشر أخرج أَحْمد أَن رَسُول الله
كَانَ على حراء وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَتحَرك الْحَبل حَتَّى سَقَطت حجارته بالحضيض فركضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِرجلِهِ وَقَالَ اسكن حراء فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي وصديق وشهيدان وَمثله فِي التِّرْمِذِيّ إِلَّا أَنه ذكر ثبيراً مَكَان حراء
الحَدِيث الرَّابِع عشر أخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ لما أَمر رَسُول الله
ببيعة الرضْوَان كَانَ عُثْمَان بَعثه رَسُول الله
إِلَى أهل مَكَّة فَبَايع النَّاس بيعَة الرضْوَان فَقَالَ النَّبِي
إِن عُثْمَان فِي حَاجَة الله وَفِي حَاجَة رَسُوله فَضرب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان فَكَانَت يَد رَسُول الله
لعُثْمَان خيرا من أَيْديهم لأَنْفُسِهِمْ وَنسبَة الْحَاجة إِلَى الله تَعَالَى على طَرِيق الِاسْتِعَارَة والتمثيل الْمَعْرُوف فِي علم الْبَيَان
الحَدِيث الْخَامِس عشر عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله
قومُوا بِنَا نعود عُثْمَان قُلْنَا عليل يَا رَسُول الله قَالَ نعم فَقَامَ
واتبعناه حَتَّى أَتَى منزل عُثْمَان فَاسْتَأْذن فَأذن لَهُ فَدخل ودخلنا فَوَجَدنَا عُثْمَان مكبوباً على وَجهه فَقَالَ لَهُ مَالك يَا عُثْمَان لَا ترفع رَأسك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أستحي يَعْنِي من الله تَعَالَى قَالَ وَلم ذَاك قَالَ إِنِّي أَخَاف أَن يكون عَليّ غَضْبَان فَقَالَ عَلَيْهِ(2/540)
الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلَسْت صَاحب بِئْر رومة ومجهز جَيش الْعسرَة وَالزَّائِد فِي مَسْجِدي وباذل المَال فِي رضَا الله ورضائي وَمن تَسْتَحي مِنْهُ مَلَائِكَة السَّمَاء هَذَا جِبْرِيل يُخْبِرنِي عَن الله عز وَجل أَنَّك نور أهل السَّمَاء ومصباح أهل الأَرْض وَأهل الْجنَّة خرج المُلاَّ عَن عُثْمَان بن موهب قَالَ جَاءَ رجل من أهل مصر وَحج الْبَيْت فَرَأى قوما فَقَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا هَؤُلَاءِ قُرَيْش قَالَ فَمن الشَّيْخ فيهم قَالُوا عبد الله بن عمر فَقَالَ الرجل يَا بن عمر إِنِّي سَائِلك فَحَدثني هَل تعلم أَن عُثْمَان فر يَوْم أحد قَالَ نعم قَالَ تعلم أَنه تغيب عَن بدر قَالَ نعم قَالَ هَل تعلم أَنه تغيب عَن بيعَة الرضْوَان فَلم يشهدها قَالَ نعم قَالَ الرجل الله أكبر وَقَامَ فَقيل لِابْنِ عمر إِن هَذَا يَقُول إِنَّك وَقعت فِي عُثْمَان قَالَ أَو قد فعل ذَلِك قَالُوا إِنَّه يَقُول ذَلِك قَالَ فَردُّوهُ فَردُّوهُ فَقَالَ أعقلت مَا قلت لَك قَالَ الرجل نعم سَأَلتك أشهد عُثْمَان بيعَة الرضْوَان فَقلت لَا وَسَأَلْتُك أشهد بَدْرًا فَقلت لَا وَسَأَلْتُك أَكَانَ مِمَّن استزله الشَّيْطَان فَقلت نعم فَقَالَ ابْن عمر أبين لَك أما فراره يَوْم أحد فَأشْهد أَن الله تَعَالَى عَفا عَنهُ وَغفر لَهُ قلت يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى {إنَ الذِينَ تَوَلَوا مِنكم يَومَ التقى الْجَمْعَانِ} إِلَى قَوْله {وَقد عَفا اللَهُ عَنهُم} آل عمرَان 155 وَأما تغيبه عَن بدر فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ ابْنة رَسُول الله
رقية وَكَانَت مَرِيضَة فَتخلف ليمرضها بأَمْره
وَقَالَ لَهُ إِن لَك أجر رجل مِمَّن شهد بَدْرًا وسهمه وَأما تغيبه عَن بيعَة الرضْوَان فَلَو كَانَ أحد أعز بِمَكَّة مِنْهُ لبعثه مَكَانَهُ فَكَانَت بيعَة الرضْوَان بعد مَا ذهب عُثْمَان إِلَى مَكَّة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد أَن وضع إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى هَذِه يَمِيني عني وشمالي عَن عُثْمَان قَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ كَانَت بيعَة الرضْوَان فِي وَضرب
عني بِشمَالِهِ على يَمِينه وشمال رَسُول الله
خير من يَمِيني قلت وَقَول عُثْمَان كَانَت بيعَة الرضْوَان فِي أَي بيميني وَذَلِكَ أَنه قد ورد أَن(2/541)
سَببهَا أَنه أشيع أَن عُثْمَان قتل بِمَكَّة قَتله الْمُشْركُونَ فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي أَن دعاهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الْمُبَايعَة فَمَعْنَى الظَّرْفِيَّة هُنَا السَّبَبِيَّة مثل دخلت النَّار امْرَأَة فِي هرة
(وَزَيدَ والظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ ببا ... وَفى وَقَدْ يبينَانِ السَّبَبَا)
فَدخل فِي جوَار أبان بن سعد بن الْعَاصِ ابْن عَمه وَحمله على السرج وَأَرْدَفَ خَلفه فَلَمَّا قدم بِهِ إِلَى مَكَّة قَالَ لَهُ طف يَا بن عَم فَقَالَ عُثْمَان يَا بن عَم إِن لنا صاحبنا لَا نبتدع أمرا حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يعمله فنتبع أَثَره
الحَدِيث السَّادِس عشر عَن إِيَاس عَن أَبِيه أَن النَّبِي
لما بَايع لعُثْمَان بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى قَالَ النَّاس هَنِيئًا لأبي عبد الله الطّواف بِالْبَيْتِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَو مكث عُثْمَان كَذَا وَكَذَا مَا طَاف حَتَّى أَطُوف أخرجه ابْن الضَّحَّاك قلت قد أَشَارَ إِلَى ذَلِك البوصيري صَاحب الهمزية بقوله // (من الْخَفِيف) //
(وَأَبَى أَنْ يَطُوفَ بالبيْتِ إِذْ لَمْ ... يَدْنُ مِنْهُ إِلَى النَّبيِّ فِنَاءُ)
(فَجزتهُ عَنْهَا ببيعةِ رضْوَانَ ... يَدٌ مِنْ نبيِّهِ بَيْضَاءُ)
(أَدَبٌ عِنْدَهُ تَضَاعَفتِ الأعْمَالُ ... بالتَّركِ حَبَّذَا الأُدَبَاءُ)
الحَدِيث السَّابِع عشر عَن فَاطِمَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن أمهَا أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة وأرسلها عمرها فَقَالَت إِن أحد بنيك يُقْرِئك السَّلَام ويسألك عَن عُثْمَان فَإِن النَّاس قد شتموه فَقَالَت عَائِشَة لعن الله من لَعنه وَالله لقد كَانَ قَاعِدا عِنْد نَبِي الله
وَإِن رَسُول الله
مُسْند ظَهره إِلَيّ وَإِن جِبْرِيل ليوحي إِلَيْهِ الْقُرْآن وَإِنِّي لأمسح الْعرق عَن جبين رَسُول الله
وَإنَّهُ يَقُول لَهُ اكْتُبْ يَا عثيم فَمَا كَانَ الله لينزل تِلْكَ الْمنزلَة إِلَّا كَرِيمًا على الله وَرَسُوله أخرجه أَحْمد وَالْحَاكِم
الحَدِيث الثَّامِن عشر روى ابْن عَسَاكِر وَأَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله
قَالَ اللَّهُمَّ ارْض عَن عُثْمَان ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَة رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ وَفِي لفظ غفر الله لَك يَا عُثْمَان مَا قدمت(2/542)
وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا كَانَ مِنْك وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
الحَدِيث التَّاسِع عشر أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله
قَالَ إِنَّا وَالله لنشبه عُثْمَان بأبينا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
الحَدِيث الْعشْرُونَ روى ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله
قَالَ وَالله ليشفعن عُثْمَان فِي سبعين ألفا من أمتِي قد استوجبوا النَّار حَتَّى يدخلهم الله الْجنَّة
الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ روى أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ عُثْمَان وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَضِي الله عَنهُ
الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ: ((عُثْمَان فِي الْجنَّة)) الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين أخرج التِّرْمِذِيّ عَن طَلْحَة وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي
قَالَ لكل نَبِي رَفِيق فِي الْجنَّة ورفيقي فِيهَا عُثْمَان بن عَفَّان
الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن(2/543)
مرّة بن كَعْب قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يذكر فتْنَة فقرَّ بهَا فَمر رجل مقنع فِي ثوب فَقَالَ هَذَا يَوْمئِذٍ على الْهدى فَقُمْت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان فَأَقْبَلت إِلَيْهِ بوجهي فَقلت هَذَا قَالَ نعم
الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت رَسُول الله
فِي الْمَنَام مُتَعَلقا بالعرش ثمَّ رَأَيْت أَبَا بكر آخِذا بحقوى رَسُول الله
ثمَّ رَأَيْت عمر آخِذا بحقوي أبي بكر ثمَّ رَأَيْت عُثْمَان آخِذا بحقوي عمر ثمَّ رَأَيْت الدَّم منصباً من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَحدث الْحسن بِهَذَا الحَدِيث وَعِنْده نَاس من الشِّيعَة فَقَالُوا مَا رَأَيْت عليا قَالَ مَا كَانَ أحد أحب إِلَيّ أَن أرَاهُ آخِذا بحقوى النَّبِي
من عَليّ وَلَكِن إِنَّمَا هى رُؤْيا فَقَالَ لَهُم أَبُو مَسْعُود عقبَة ابْن عَمْرو إِنَّكُم لتجدون على الْحسن فِي رُؤْيا رَآهَا لقد كنت مَعَ رَسُول الله
فِي غزَاة وَأصَاب الْمُسلمين جهد حَتَّى عرفت الكآبة فِي وُجُوه الْمُسلمين والفرح فِي وُجُوه الْمُنَافِقين فَلَمَّا رأى ذَلِك رَسُول الله
قَالَ وَالله لَا تغيبن حَتَّى يأتيكم الله برزق فَعلم عُثْمَان أَن الله وَرَسُوله تصدقاً فَوجه رَاحِلَته فَإِذا هُوَ بأَرْبعَة عشر رَاحِلَة فاشتراها وَمَا عَلَيْهَا من الطَّعَام فَوجه مِنْهَا سبعا إِلَى رَسُول الله
وَوجه سبعا إِلَى أَهله فَلَمَّا رأى الْمُسلمُونَ العير قد جَاءَت عرف الْفَرح فِي وُجُوههم والكآبة فِي وُجُوه الْمُنَافِقين فَقَالَ رَسُول الله
مَا هَذَا فَقَالُوا أرسل بِهِ عُثْمَان هَدِيَّة إِلَيْك قَالَ أَبُو مَسْعُود فرأيته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو لعُثْمَان بِدُعَاء مَا سمعته يَدْعُو لأحد قبله وَلَا بعده مثله اللَّهُمَّ أعْط لعُثْمَان وَافْعل لعُثْمَان رَافعا يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ خرجه الْقزْوِينِي الحاكمي
الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ رمقت رَسُول الله
من أول اللَّيْل إِلَى أَن طلع الْفجْر يَدْعُو لعُثْمَان اللَّهُمَّ إِنِّي رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ فَمَا زَالَ رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو حَتَّى طلع الْفجْر(2/544)
الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مكث آل مُحَمَّد
أَرْبَعَة أَيَّام مَا يطْعمُون شَيْئا حَتَّى تضاغوا صبياننا فَدخل رَسُول الله
فَقَالَ يَا عَائِشَة هَل أصبْتُم شَيْئا بعدِي فَقلت من أَيْن إِن لم يأتنا الله عز وَجل بِهِ على يَديك فَتَوَضَّأ وَخرج مستخفياً يُصَلِّي هَهُنَا مرّة وَهَهُنَا مرّة قَالَت فَأتى عُثْمَان من آخر النَّهَار فَاسْتَأْذن فهممت أَن أحجبه ثمَّ قلت هُوَ رجل من مكاثير الصَّحَابَة لَعَلَّ الله عز وَجل إِنَّمَا سَاقه إِلَيْنَا ليجري على يَدَيْهِ خيرا فَأَذنت لَهُ فَقَالَ يَا أُمَّاهُ أَيْن رَسُول الله
فَقلت يَا بني مَا طعم آل مُحَمَّد مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام شَيْئا دخل عَليّ رَسُول الله
متغيرا ضامر الْبَطن فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ لي وَمَا رددت عَلَيْهِ قَالَت فَبكى عُثْمَان وَقَالَ مقتاً للدنيا ثمَّ قَالَ يَا أم الْمُؤمنِينَ مَا كنت بحقيق أَن ينزل بك بعض الْأَمر ثمَّ لَا تذكرينه لي ولعَبْد الرَّحْمَن بن عَوْف ولثابت بن قيس ثمَّ خرج فَبعث إِلَيْنَا بأحمال من دَقِيق وأحمال من حِنْطَة وأحمال من التَّمْر وبملوح وثلاثمائة دِرْهَم فِي صرة ثمَّ قَالَ يبطىء هَذَا عَلَيْكُم ثمَّ بعث بِخبْز وشواء كثير فَقَالَ كلوا أَنْتُم واصنعوا لرَسُول الله
حَتَّى يَجِيء ثمَّ أقسم على أَن لَا يكون مثل هَذَا إِلَّا أعلمته بِهِ قَالَت وَدخل رَسُول الله
فَقَالَ يَا عَائِشَة هَل أصبْتُم بعدِي شَيْئا قلت يَا رَسُول الله قد علمت أَنَّك إِنَّمَا خرجت تَدْعُو إِلَى الله عز وَجل وَقد علمت أَن الله لَا يرد سؤالك فَقَالَ مَا أصبْتُم قلت كَذَا وَكَذَا حمل بعير دَقِيقًا وَكَذَا وَكَذَا حمل بعير حِنْطَة وَكَذَا وَكَذَا حمل بعير تَمرا وثلاثمائة دِرْهَم فِي صرة وخبزاً وشواء كثيرا قَالَ مِمَّن قلت عُثْمَان بن عَفَّان قلت قد بَكَى وَذكر الدُّنْيَا بالمقت وَأقسم عَليّ أَن لَا يكون مثل هَذَا إِلَّا كَلمته فَلم يجلس رَسُول الله
حَتَّى خرج إِلَى الْمَسْجِد فَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ قد رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ وكررها ثَلَاثًا ودعا لَهُ كثيرا أخرجة الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الْأَرْبَعين
الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ عَن جَابر قَالَ أَتَى رَسُول الله
بِجنَازَة رجل ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَلم يصل عَلَيْهِ فَقيل يَا رَسُول الله مَا رَأَيْنَاك تركت الصَّلَاة على أحد قبل هَذَا قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يبغض عُثْمَان فَأَبْغضهُ الله عز وَجل خرجه التِّرْمِذِيّ(2/545)
الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول يَوْم يَمُوت عُثْمَان تصلي عَلَيْهِ مَلَائِكَة السَّمَاء قلت يَا رَسُول الله عُثْمَان خَاصَّة أَو النَّاس عَامَّة قَالَ عُثْمَان خَاصَّة خرجه الْحَافِظ الدِّمَشْقِي
الحَدِيث الثَّلَاثُونَ أخرج الْحَافِظ ابْن بَشرَان عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله من أول من يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو بكر قلت ثمَّ من قَالَ عمر قلت ثمَّ من قَالَ أَنْت يَا عَليّ قلت يَا رَسُول الله أَيْن عُثْمَان قَالَ إِنِّي سَأَلت عُثْمَان حَاجَة سرا فقضاها سرا فَسَأَلت الله أَن لَا يُحَاسب عُثْمَان إِلَّا سرا عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ كَانَ لعُثْمَان شَيْئَانِ ليسَا لأبى بكر وَلَا لعمر صَبر نَفسه حَتَّى قتل ظلما وَجمعه النَّاس على مصحف عَن أنس بن مَالك أَن حُذَيْفَة قدم على عُثْمَان وَكَانَ يتمارى أهل الشَّام فِي فتح أرمينية وأذربيجان مَعَ أهل الْعرَاق فأفزع حُذَيْفَة اخْتلَافهمْ فِي الْقِرَاءَة فَقَالَ حُذَيْفَة لعُثْمَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أدرِك هَذِه الْأمة قبل أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْكتاب اخْتِلَاف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَأرْسل إِلَى حَفْصَة أَن أرسلي بالصحف ننسخها فِي الْمُصحف ثمَّ نردها إِلَيْك فَأرْسلت بهَا إِلَيْهِ فَأمر زيد بن ثَابت وَعبد الله بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الْحَارِث بن هِشَام فنسخوها فِي الْمَصَاحِف وَقَالَ عُثْمَان للرهط القرشيين إِذا اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت فِي شَيْء من الْقُرْآن فاكتبوه بِلِسَان قُرَيْش فَإِنَّمَا أنزل بلسانهم فَفَعَلُوا وَأرْسل إِلَى كل أفق مُصحفا وَأمر بِمَا سوى ذَلِك من الْقُرْآن على كل صحيفَة أَو مصحف أَن يحرق خرجه البُخَارِيّ
الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
لما أسرى بِي دخلت جنَّات عدن فناولني جِبْرِيل تفاحة فانفلقت عَن حوراء عيناء مرضية كَأَن مقادم عينيها أَجْنِحَة النسور فَقلت لمن أَنْت فَقَالَت للخليفة(2/546)
الْمَقْتُول ظلما عُثْمَان بن عَفَّان خرجه خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان والحاكمي
الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ عَن مرّة بن كَعْب النمري قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله
فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة إِذْ قَالَ كَيفَ تَصْنَعُونَ فِي فتْنَة تثور فِي أقطار الأَرْض كَأَنَّهَا صياصي الْبَقر قَالُوا فنصنع مَاذَا يَا رَسُول الله قَالَ عَلَيْكُم بِهَذَا وَأَصْحَابه فاتبعوا هَذَا وَأَصْحَابه قَالَ فأسرعت حَتَّى عقلت الرجل فَقلت هَذَا يَا نَبِي الله قَالَ هَذَا فَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان خرجه أَبُو حَاتِم وَأحمد وَقَالَ فِيهِ فأسرعت حَتَّى غبت فلحقت بِالرجلِ فَقلت هَذَا يَا نَبِي الله ثمَّ ذكر مَا بَقِي
الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي حَبِيبَة قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة وَعُثْمَان مَحْصُور يسْتَأْذن فِي الْكَلَام فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول إِنَّهَا تكون فتْنَة وَاخْتِلَاف قُلْنَا يَا رَسُول الله فَمَاذَا تَأْمُرنَا قَالَ عَلَيْكُم بالأمير وَأَصْحَابه وَأَشَارَ إِلَى عُثْمَان ابْن عَفَّان خرجه الْقزْوِينِي الحاكمي
الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن زيد بن أبي أوفى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَا عُثْمَان وَقَالَ ادن يَا أَبَا عَمْرو فَلم يزل يدنو مِنْهُ حَتَّى ألصق رُكْبَتَيْهِ بركبتيه ثمَّ نظر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى السَّمَاء وَقَالَ سُبْحَانَ الله ثَلَاث مَرَّات ثمَّ نظر إِلَى عُثْمَان وَكَانَت أزراره محلولة فزرها
بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ اجْمَعْ عِطْفَى ردائك على نحرك قَالَ إِن لَك لشأناً فِي أهل السَّمَاء أَبَا عَمْرو وَترد عَليّ الْحَوْض وأوداجك تشخب دَمًا فَأَقُول لَك من فعل بك هَذَا فَتَقول فلَان وَفُلَان وَذَلِكَ كَلَام جِبْرِيل خرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي وَأَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي
الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ أخرج الصُّوفِي عَن عبد الله بن عمر أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لعُثْمَان يَا عُثْمَان إِن كساك الله قَمِيصًا وأرادك المُنَافِقُونَ(2/547)
على خلعه فَلَا تخلعه فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن خلعته لَا ترى الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سمِّ الْخياط
الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله
يشفع عُثْمَان يَوْم الْقِيَامَة فِي مثل ربيعَة وَمُضر خرجه الحاكمي الْقزْوِينِي
الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بعثمان وأوداجه تشخب دَمًا اللَّوْن لون الدَّم والرائحة رَائِحَة الْمسك يكسى حلتين من نور فينصب لَهُ مِنْبَر على الصِّرَاط فَيجوز الْمُؤْمِنُونَ بِنور وَجهه وَلَيْسَ لمبغضه مِنْهُ نصيب خرجه المُلاَّ فِي سيرته
الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله
وضع يَده على كتف عُثْمَان فَقَالَ كَيفَ أَنْتُم إِذا قتلتم إمامكم وتجالدتم بأسيافكم وَورث دهاءكم شِرَاركُمْ فويل لأمتي إِذا فَعَلُوهُ خرجه الحاكمي
الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ عَن أبي سهلة قَالَ قَالَ عُثْمَان يَوْم الدَّار إِن رَسُول الله
عهد إِلَى عهدا وَإِنِّي صابر عَلَيْهِ أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح خرجه أَحْمد فَزَاد قَالَ قيس فَكَانُوا يرونه ذَلِك الْيَوْم
الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ أتيت عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُور أسلم عَلَيْهِ فَقَالَ مرْحَبًا بأخي مرْحَبًا بأخي أَفلا أحَدثك مَا رَأَيْت اللَّيْلَة فِي الْمَنَام قلت نعم قَالَ رَأَيْت رَسُول الله
فَقَالَ حصروك فَقلت نعم فَقَالَ عطشوك فَقلت نعم فأدلى دلوا من مَاء فَشَرِبت حَتَّى رويت فَإِنِّي لأجد بردا بَين كَتِفي وَبَين قدمي فَقَالَ إِن شِئْت نصرت عَلَيْهِم وَإِن شِئْت أفطرت عندنَا قَالَ ابْن سَلام فَأصْبح صَائِما وَقتل من يَوْمه رَضِي الله عَنهُ(2/548)
الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن أبي ذَر عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ لعُثْمَان كَيفَ أَنْت يَا عُثْمَان إِذا جئتني وأوداجك تشخب دَمًا فَأَقُول من فعل هَذَا بك فَتَقول بَين خاذل وآمر إِذْ نَادَى مُنَاد من تَحت الْعَرْش إِن الله تَعَالَى قد حكم عُثْمَان فِي الْقَاتِل والخاذل أخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس قلت هَذَا مَا ظَفرت بِهِ مِمَّا ورد فِي شَأْنه خَاصَّة وَأما مَا ورد فِي شَأْنه مَعَ الِاثْنَيْنِ أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فَلم أورد مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَا ورد فِي نَعته ومناقبه من الْأَحْوَال الجميلة والمناقب الجليلة وَصلَاته وصيامه وإعتاقه الألوف رجَالًا وَنسَاء وختمه الْقُرْآن فِي رَكْعَة وَاحِدَة وَغير ذَلِك فَلم أورد مِنْهُ شَيْئا وَكَذَا مَا قيل فِيهِ من الثَّنَاء من الصَّحَابَة وَالسَّلَف فَلم أورد مِنْهُ شَيْئا لكثرته وشهرته فِي مَوْضِعه من الْكتب المفردة لذَلِك
(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله عَنهُ)
كَانَ لَهُ من الْوَلَد سِتَّة عشر تِسْعَة ذُكُور وَسبع إناث أما الذُّكُور فعبد الله الْأَكْبَر أمه فَاخِتَة بنت غَزوَان وَبِه كَانَ يكنى وَعبد الله الْأَصْغَر أمه رقية بنت رَسُول الله
هلك صَغِيرا وَقيل بلغ سِتّ سِنِين فنقره ديك فِي عينه فَكَانَ سَبَب مَوته وَعَمْرو وَكَانَ أسنهم وَبِه كَانَ يكنى بعد عبد الله الْأَكْبَر وَهُوَ يَعْنِي عمرا أَكْثَرهم عقبا وَتُوفِّي بمنى وخَالِد وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ الْمُصحف الَّذِي قطر عَلَيْهِ دم عُثْمَان حِين قتل وَأَبَان شهد الْجمل مَعَ عَائِشَة وعقبه كثير وَعَمْرو لَهُ عقب أَيْضا أمّهم بنت جُنْدُب بن الأزد وَسَعِيد والوليد أمهما فَاطِمَة بنت الْوَلِيد وَعبد الْملك أمه أم الْبَنِينَ بنت عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وَأما الْإِنَاث فمريم أُخْت عَمْرو لأمه وَأم سعيد أُخْت سعيد لأمه وَعَائِشَة فَأم أبان وَأم عَمْرو وأمهن رَملَة بنت شيبَة بن ربيعَة وَمَرْيَم أمهَا نائلة بنت الفرافصة وَأم الْبَنِينَ وَأمّهَا أم ولد وفى دوَل الْإِسْلَام كَانَت مُدَّة خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَأحد عشر يَوْمًا أَو أَرْبَعَة عشر يَوْمًا(2/549)
وَقَالَ فِي الرياض قَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا اثْنَي عشر يَوْمًا وَقيل وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَقيل ثَمَانِينَ سنة وَقيل سِتّ وَثَمَانِينَ سنة قَالَ قَتَادَة وَقيل ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل ابْن تسعين قَالَ الْوَاقِدِيّ لَا خلاف عندنَا فِي القَوْل الأول أَنه الْأَصَح رَضِي الله عَنهُ(2/550)
(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ)
هُوَ عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم أقربهم إِلَى رَسُول الله
نسبا يجْتَمع مَعَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي عبد الْمطلب الْجد الْأَدْنَى وينسب إِلَى هَاشم فَيُقَال الْقرشِي الْهَاشِمِي ابْن عَم رَسُول الله
لِأَبَوَيْهِ وَأَخُوهُ بالمؤاخاة وصهره على ابْنَته وَأَبُو السبطين وَأول هاشمى ولد بَين الهاشمين وَأول خَليفَة من بني هَاشم وَأحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وَأحد السِّتَّة أَصْحَاب الشورى وَأحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَأحد الْعلمَاء الربانيين والشجعان الْمَشْهُورين والزهاد الْمَذْكُورين والسابقين إِلَى الْإِسْلَام لم يسْجد لصنم قطّ وَبَات لَيْلَة الْهِجْرَة على فرَاشه
يَقِيه بِنَفسِهِ وَخَلفه بِمَكَّة ليرد الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده
وَكَانَ يحمل راية رَسُول الله
الْعُظْمَى فِي الْقِتَال فيتقدم بهَا فِي نحر الْعَدو وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وأبلى فِيهَا بلَاء حسنا وَبَايَعَهُ على الْمَوْت وَكَانَ أَشْجَع النَّاس مَا بارز أحدا قطّ إِلَّا قَتله وَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ مَال لم يتْرك مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يقسمهُ وَكَانَ يكنس بَيت المَال ليصلى فِيهِ وَلَا يخص بالولايات إِلَّا أهل الديانَات وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا لم يغز بِنَفسِهِ لم يُعْط سلاحه إِلَّا عليا وَشهد لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالشَّهَادَةِ فِي تَحْرِيك حِراء روى أَن مُعَاوِيَة قَالَ لِضِرَار يَا ضرار صف لي عليا قَالَ أعفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مُعَاوِيَة لتصفنه قَالَ ضرار أما إِذْ لَا بُد من وَصفه كَانَ وَالله بعيد المدى شَدِيد القوى يَقُول فصلا وَيحكم عدلا وتتفجر ينابيع الْعلم من جوانبه وتنطق الْحِكْمَة من نواحيه يستوحش من الدُّنْيَا وزهرتها ويأنس إِلَى اللَّيْل ووحشته كَانَ غزير الدمعة طَوِيل الفكرة يُعجبهُ من اللبَاس مَا قصر وَمن الطَّعَام مَا خشن كَانَ فِينَا كأحدنا يجيبنا إِذا سألناه وينبئنا إِذا استنبأناه وَنحن وَالله مَعَ تقريبه إيانا وقربه منا لَا نكاد نكلمه هَيْبَة لَهُ يعظم أهل الدّين وَيقرب الْمَسَاكِين لَا يطْمع الْقوي فِي باطله وَلَا ييأس الضَّعِيف من عدله وَأشْهد لقد رَأَيْته فِي بعض(2/551)
مرافقه وَقد أرْخى اللَّيْل سدوله وَغَارَتْ نجومه قَابِضا على لحيته يتململ تململ السَّلِيم ويبكي بكاء الحزين وَيَقُول يَا دنيا غري غَيْرِي إِلَيّ تعرضت أم إِلَيّ تشوقت يَا صفراء اصفري وَيَا بَيْضَاء بيضي هَيْهَات قد طَلقتك ثَلَاثًا لَا رَجْعَة لي فِيك فعمرك قصير وخطرك حقير آه آه من قلَّة الزَّاد وَبعد السّفر ووحشة الطَّرِيق قَالَ فَبكى مُعَاوِيَة وَقَالَ رحم الله أَبَا حسن كَانَ وَالله كَذَلِك فَكيف حزنكم عَلَيْهِ يَا ضرار قَالَ حزن من ذبح وَاحِدهَا فِي حجرها أخرج الدولابي وَأَبُو عَمْرو قَالَ ابْن عَبَّاس أعْطى عَليّ تِسْعَة أعشار الْعلم وَوَاللَّه لقد شاركهم فِي الْعشْر الْبَاقِي وَإِذا ثَبت لنا الشَّيْء عَن عَليّ لم نعدل عَنهُ إِلَى غَيره روى ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بعجة بن عبد الله الْجُهَنِىّ قَالَ تزوج رجل امْرَأَة فَولدت لَهُ غُلَاما لسِتَّة أشهر فاتهمها فَأمر عُثْمَان برجمها فَبلغ ذَلِك عليا رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مَا تصنع قَالَ عُثْمَان ولدت غُلَاما لسِتَّة أشهر وَهل يكون ذَلِك فَقَالَ لَهُ عَليّ أما سَمِعت الله يَقُول {وَحَملهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً} الْأَحْقَاف 15 وَقَالَ {حَوْلَيْنِ كامِلَين لِمَن أرادَ أَن يُتِمَ الرضاعَةَ} الْبَقَرَة 233 فَلم نجده بَقِي إِلَّا سِتَّة أشهر فَقَالَ عُثْمَان وَالله مَا فطنت لهَذَا عَليّ بِالْمَرْأَةِ فَوَجَدَهَا قد فرغ مِنْهَا وَكَانَ من قَوْلهَا لأختها يَا أخية لَا تحزني فوَاللَّه مَا كشفت ثوبي لأحد قطّ غَيره وَقَالَ فشب الْغُلَام بعد فاعترف بِهِ الرجل وَكَانَ أشبه النَّاس بِهِ قَالَ فَرَأَيْت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا عياذاً بِاللَّه قَالَ سعيد بن الْمسيب لم يكن أحد يَقُول سلوني غير عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أول من أسلم وَأول من صلى وَأَجْمعُوا أَنه صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر وَلم يزل اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عليا وَكَانَ يكنى أَبَا حسن(2/552)
وَسَماهُ رَسُول الله
صديقا وَكَانَ يكنى أَبَا قثم وَأَبا تُرَاب كناه النبى
بهما وَكَانَت أحب الكنى إِلَيْهِ وَمَا أحسن قَول بَعضهم // (من الوافر) //
(إِذَا مَا رَمِدَتْ عَيْنى فَكُحلى ... تُرَابٌ مَسَّ نَعْلَ أَبى تُرَابِ)
(هُوَ البَكَّاءُ فِى المِحرابِ لَيْلاً ... هُوَ الضَّحَّاكُ فِى يَوْمِ الضِّرَابِ)
أمه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف قَالَ أَبُو عَمْرو هِيَ أول هاشمية ولدت هاشمياً أسلمت ودفنت بِالْمَدِينَةِ وشهدها رَسُول الله
وَتَوَلَّى دَفنهَا وأشعرها قَمِيصه وأضجعها فِي قبرها وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِرِجَال الصَّحِيح عَن أنس بن مَالك قَالَ مَاتَت فَاطِمَة بنت أَسد أم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَدَخَل عَلَيْهَا رَسُول الله
فَجَلَسَ عِنْد رَأسهَا فَقَالَ رَحِمك الله يَا أُمِّي كنت أُمِّي بعد أُمِّي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نَفسك طيبا وتطعميني تريدين بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة ثمَّ أَمر أَن تغسل ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلم بلغ المَاء الَّذِي فِيهِ الكافور سكبه رَسُول الله
بِيَدِهِ ثمَّ خلع رَسُول الله
قَمِيصه فألبسها إِيَّاه وكفنها بِبرد فَوْقه ثمَّ دَعَا أُسَامَة بن زيد وَأَبا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَعمر بن الْخطاب وَغُلَامًا أسود يحفرون قبرها فَلَمَّا بلغُوا اللَّحْد حفر رَسُول الله
فَأخْرج ترابه ثمَّ لما فرغ اضْطجع فِيهِ ثمَّ قَالَ الله الَّذِي يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت اغْفِر لأمي فَاطِمَة بنت أَسد ولقنها حجتها ووسع عَلَيْهَا مدخلها بِحَق نبيك والأنبياء الَّذين من قبلي فَإنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ وَكبر عَلَيْهَا أَرْبعا وأدخلها اللَّحْد هُوَ وَالْعَبَّاس وَأَبُو بكر الصّديق قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَمَّا سوى عَلَيْهَا التُّرَاب قيل يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك صنعت شَيْئا لم نرك صَنعته لأحد فَقَالَ إِنِّي ألبستها قَمِيصِي لتلبس من ثِيَاب الْجنَّة واضطجعت فِي قبرها لأخفف عَنْهَا من ضغطة الْقَبْر إِنَّهَا كَانَت أحسن خلق الله إِلَيّ صنعا بعد أبي طَالب(2/553)
ولد رَضِي الله عَنهُ وَأَبوهُ غَائِب فَسَمتْهُ أمه حيدرة وَهُوَ اسْم الْأسد فَلَمَّا قدم أَبوهُ كره هَذَا الِاسْم وَسَماهُ عليا صفته رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَوق الربعة من الرِّجَال أدعج الْعَينَيْنِ عظيمهما حسن الْوَجْه كَأَنَّهُ قمر لَيْلَة الْبَدْر ضخم الْبَطن عَظِيم المشاش ضخم الذراعين عَظِيم اللِّحْيَة قد مَلَأت صَدره إِن عاينته من قريب قلت أسمر أصلع شَدِيد الصلع عَن أبي سعيد الرسمي قَالَ كُنَّا نبيع الثِّيَاب على عواتقنا فِي السُّوق فَإِذا رَأينَا عليا قد أقبل قُلْنَا بُزُرك شكم فَيَقُول عَليّ مَا تَقولُونَ قُلْنَا نقُول عَظِيم الْبَطن قَالَ أجل أَعْلَاهُ علم وأسفله طَعَام وَكَانَ عَظِيم الْمَنْكِبَيْنِ لمنكبيه مشاش كمشاش السَّبع الضاري لَا يبين عضده من ساعده قد أدمج إدماجاً شثن الْكَفَّيْنِ عَظِيم الكراديس أصلع لَيْسَ فِي رَأسه شعر إِلَّا من خَلفه وَعَن أبي لبيد قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب يتَوَضَّأ فحسر الْعِمَامَة عَن رَأسه فَرَأَيْت رَأسه مثل راحتي عَلَيْهِ مثل خطّ الْأَصَابِع من الشّعْر وَعَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب وَرَأسه ولحيته قطنة بَيْضَاء وَكَانَ إِذا مَشى تكفأ وَإِذا أمسك بِذِرَاع رجل أمسك بِنَفسِهِ فَلم يسْتَطع أَن يتنفس وَهُوَ قريب إِلَى السّمن شَدِيد الساعد وَالْيَد وَإِذا مَشى إِلَى الْحَرْب هرول ثَبت الْجنان مَا صارع قطّ أحد إِلَّا صرعه مَا اعتلى ضريبة إِلَّا قد وَلَا اعْترض إِلَّا قطّ شُجَاع مَنْصُور على من لاقاه رَضِي الله عَنهُ عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَنه بلغه أَن عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر أسلما وهما ابْنا ثَمَان سِنِين وَقَالَ ابْن إِسْحَاق أسلم وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَعَن الْحسن أسلم عَليّ وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقيل أَربع عشرَة وَهُوَ يخْتَلف إِلَى الْكتاب لَهُ ذؤابة حَكَاهُ(2/554)
الجندري عَن عَاصِم بن عمر قَالَ لَقِي عمر بن الْخطاب عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن نشدتك بِاللَّه هَل كَانَ رَسُول الله
ولاك الْأَمر قَالَ إِن قلت لَك فَمَاذَا تصنع أَنْت وَصَاحِبك فَقَالَ أما صَاحِبي فقد مضى وَأما أَنا فوَاللَّه لأخلعنها من عنقِي فِي عُنُقك فَقَالَ عَليّ جدع الله أنف من أبعدك من هَذَا وَلَكِن رَسُول الله
جعلني عَلماً فَإِذا أَنا مت فَمن خالفني ضل أخرجه السمان فِي الْمُوَافقَة عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ أَتَى رجل وَعُثْمَان مَحْصُور فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مقتول السَّاعَة قَالَ فَقَامَ عَليّ قَالَ مُحَمَّد فَأخذت بوسطه تخوفاً فَقَالَ حل لَا أم لَك قَالَ فَأتى على الدَّار وَقد قتل الرجل فَأتى دَاره فَدَخلَهَا وأغلق بَابه فَأَتَاهُ النَّاس فَضربُوا على الْبَاب ودخلوا فَقَالُوا إِن هَذَا الرجل قد قتل وَلَا بُد للنَّاس من خَليفَة وَإنَّهُ لم نَرَ أحدا أَحَق بهَا مِنْك فردد فَأَبَوا قَالَ فَإِذا أَبَيْتُم عَليّ فَإِن بيعتي لَا تكون سرا وَلَكِن ائْتُوا الْمَسْجِد فَمن شَاءَ أَن يبايعني بايعني فَخرج إِلَى الْمَسْجِد فَبَايعهُ النَّاس وَعَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ قتل عُثْمَان وَعلي فِي الْمَسْجِد فَمَال النَّاس إِلَى طَلْحَة قَالَ فَانْصَرف عَليّ يُرِيد منزله فَلَقِيَهُ رجل من قُرَيْش عِنْد مَوضِع الْجَنَائِز فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى رجل قتل ابْن عَمه وسلب ملكه قَالَ فولى عَليّ رَاجعا لرقي الْمِنْبَر فَقيل ذَاك عَليّ على الْمِنْبَر فَمَال النَّاس إِلَيْهِ فَبَايعُوهُ وَتركُوا طَلْحَة أخرجه فِي المناقب وَغَيره وَلَا تضَاد بَين هَذَا وَمَا قبله بل يحمل على أَن طَائِفَة من النَّاس أَرَادوا بيعَة طَلْحَة وَالْجُمْهُور أَتَوا عليا فِي دَاره وسألوه فأجابهم على مَا تقدم تَقْرِيره فَخرج بعد انصرافهم عَنهُ فِي بعض شئونه فَلَمَّا سمع كَلَام ذَلِك الرجل خشِي الْخلف بَين النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فِي وقته ذَلِك وبادر إِلَى الْبيعَة لهَذَا الْمَعْنى لَا لحب المملكة وخشية فَوَاتهَا فَإِنَّهُ الزَّاهِد فِيمَا سوى الله وَلَا قيمَة لسَمَاع كَلَام ذَلِك الرجل(2/555)
قَالَ ابْن إِسْحَاق إِن عُثْمَان لم اقْتُل بُويِعَ عَليّ بن أبي طَالب بيعَة الْعَامَّة فى مَسْجِد رَسُول الله
وَبَايع أهل الْبَصْرَة وَبَايع لَهُ أهل الْيمن وبالمدينة طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وتخلف عَن بيعَته نفر فَسئلَ عَنْهُم فَقَالَ أُولَئِكَ قوم قعدوا عَن الْحق وَلم يقومُوا مَعَ الْبَاطِل بُويِعَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام من سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة قَالَ الْعَلامَة الْحَافِظ الذهبى وروى عَن أبي حَارِثَة وَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَا لما أَتَى مُعَاوِيَة الْخَبَر أرسل إِلَى حبيب بن مسلمة الفِهري فَقَالَ أشر عَليّ بِرَجُل ينفذ بأَمْري وَلَا يقصر قَالَ مَا أعرف لذَلِك غَيْرِي قَالَ أَنْت لَهَا وَجعل على مقدمته يزِيد بن شجعة الْحِمْيَرِي فِي ألف وَقَالَ إِن قدمت يَا حبيب وَقد قتل فَلَا تدعن أحدا أَشَارَ إِلَيْهِ وَلَا أعَان عَلَيْهِ إِلَّا قتلته وَإِن أَتَاك الْخَبَر قبل أَن تصل فأقم حَتَّى أنظر وَبعث يزِيد بن شجعة فِي ألف على البغال يقودون الْخَيل مَعَهم الْإِبِل عَلَيْهِم الروايا فأغذ السّير فَأَتَاهُ خبر قَتله بِقرب خَيْبَر ثمَّ أَتَاهُ النُّعْمَان بن بشير مَعَه الْقَمِيص الَّذِي قَتَلُوهُ فِيهِ بالدماء وأصابع نائلة امْرَأَة عُثْمَان قد قطعهَا السَّيْف حِين أَرَادَت الدفاع عَنهُ والخصلة الشّعْر من لحية عُثْمَان أرْسلت ذَلِك أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان ابْن حَرْب زَوجته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرَجَعُوا فلفه مُعَاوِيَة فِي الْقَمِيص على مِنْبَر دمشق والأصابع معلقَة فِيهِ فآلى رجال من أهل الشَّام لَا يأْتونَ النِّسَاء وَلَا يمسِون الْغسْل إِلَّا من حلم وَلَا ينامون على فرَاش حَتَّى يقتلُوا قتلة عُثْمَان أَو تفنى أَرْوَاحهم وبكوه سنة فَلَمَّا كَانَت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ كَانَت فتْنَة الْجمل قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى مروج الذَّهَب ومعادن الْجَوْهَر قَالَ ابْن عَبَّاس قدمت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة بعد قتل عُثْمَان بِخَمْسَة أَيَّام فَجئْت لأدخل على عَليّ فَقيل لي عِنْده الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَجَلَست بِالْبَابِ سَاعَة فَخرج الْمُغيرَة عَليّ وَقَالَ مَتى قدمت قلت السَّاعَة فَدخلت عَلَى عَليّ فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ لي أَيْن لقِيت الزبير وَطَلْحَة قلت بالمراصف وَكَانَا قد استأذنا عليّاً فِي الْعمرَة(2/556)
فَقَالَ لَهما لعلكما تريدان الْبَصْرَة أَو الشَّام فأقسما أَنَّهُمَا لَا يقصدان غير مَكَّة للْعُمْرَة وَكَانَت عَائِشَة بهَا قد خرجت من قبل حَاجَة ثمَّ قَالَ عَليّ وَمن مَعَهُمَا قلت أَبُو مَسْعُود بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي فِي فتية من قُرَيْش فَقَالَ عَليّ أما إِنَّهُم لن يدعوا أَن يخرجُوا يَقُولُونَ نطلب بِدَم عُثْمَان وَالله يعلم إِنَّهُم قتلة عُثْمَان فَقلت لَهُ أَخْبرنِي عَن شَأْن الْمُغيرَة ودخوله عَلَيْك فَقَالَ جَاءَنِي بعد مقتل عُثْمَان بيومين فَقَالَ إِنَّنِي نَاصح لَك وَإِنِّي أُشير عَلَيْك بإبقاء عُمَّال عُثْمَان فأكتب إِلَيْهِم بإبقائهم على أَعْمَالهم فَإِذا بايعوك وَاطْمَأَنَّ أَمرك عزلت من كرهت وأبقيت من أَحْبَبْت فَقلت وَالله لَا أداهن فِي ديني وَلَا أعطي الرِّيَاء فِي أَمْرِي قَالَ فَإِن كنت قد أَبيت فانزع من شِئْت وَأثبت مُعَاوِيَة فَإِن لَهُ جرْأَة وَهُوَ فِي أهل الشَّام مسموع مِنْهُ وَلَك حجَّة فِي إبقائه فقد كَانَ عمر ولاه الشَّام كلهَا وَعُثْمَان بعده فَقلت وَالله لَا أسْتَعْمل مُعَاوِيَة يَوْمَيْنِ فَخرج من عِنْدِي على إِشَارَته ثمَّ عَاد إِلَيّ بعد يَوْم فَقَالَ إِنِّي أَشرت عَلَيْك بِمَا علمت فَنَظَرت فِي الْأَمر فَإِذا أَنْت مُصِيب لَا يَنْبَغِي أَن تَأْخُذ أَمرك بخدعة وَلَا يكون لَك فِيهِ دُلْسَة قَالَ ابْن عَبَّاس فَقلت لعَلي أما أول مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْك فقد نصحك وَأما الآخر فقد غشك وَإِنِّي أُشير عَلَيْك بتثبيت مُعَاوِيَة فَإِن بَايع لَك فلك على أَن أنقله من منزله فَقَالَ عَليّ وَالله لَا أعطي مُعَاوِيَة إِلَّا السَّيْف حَتَّى يدْخل فِي الْحق وتمثل بقول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //
(فَمَا مِيْتَةٌ إنْ مِتهَا غَيْرَ عَاجِزٍ ... بِعَارٍ إِذَا مَا غَالَتِ النَّفْسُ غَوْلَهَا)
فَقلت وَهُوَ وَالله لَا يعطيك إِلَّا السَّيْف حَتَّى يغلب بباطله حَقك قَالَ عَليّ وَكَيف ذَاك قلت إِنَّك تطاع الْيَوْم وتعصى غَدا وَإنَّهُ يطاع وَلَا يعْصى فَلَمَّا انْتَشَر عَليّ على أَصْحَابه وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذْ ذَاك بِالْبَصْرَةِ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لله در ابْن عَبَّاس كَأَنَّهُ ينظر إِلَى الْغَيْب من ستر رَقِيق وَفِي رِوَايَة فَقلت لَهُ بعد تمثله بِالْبَيْتِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت رجل شُجَاع أما سَمِعت قَوْله
الْحَرْب خدعة قَالَ بلَى فَقلت أما وَالله لَئِن أطعتنى(2/557)
لأصدرن لَهُم بعد ورد ولأتركنهم ينظرُونَ فِي أدبار الْأُمُور كَمَا لَا يَدْرُونَ مَا كَانَ وَجههَا فِي غير نقض وَلَا إِثْم فَقَالَ لي يَا بن عَبَّاس لست من هناتك وَلَا هَنَات مُعَاوِيَة فِي شَيْء تُشِير عَليّ بِرَأْي فِيهِ فَإِذا عصيتك فأطعني فَقلت فَأَنا أفعل وأيسر مَالك عِنْدِي الطَّاعَة فَقَالَ سر إِلَى الشَّام فقد وليتكها قلت مَا هَذَا بِرَأْي يضْرب عنقِي بعثمان وَأدنى مَا هُوَ صانع أَن يخلصني قَالَ عَليّ ولمَ قلت لقرابتي مِنْك فَإِن كل من حمل عَلَيْك حمل عَليّ وَلَكِن اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَة فَمِنْهُ وعِدهُ فَأبى عَليّ وَقَالَ وَالله لَا كَانَ هَذَا أبدا ثمَّ تَلا {وَما كنُتُ مُتخَذَ المُضِلِينَ عضداً} الْكَهْف 51 وروى الْوَاقِدِيّ عَن رِجَاله قَالَ كَانَ يعلى بن منية التَّمِيمِي عَامل عُثْمَان على الْيمن فَوَافى الْمَوْسِم عَام قتل عُثْمَان فجَاء إِلَى عَائِشَة وَهِي بِمَكَّة لِلْحَجِّ فَقَالَ قد قتل خليفتك الَّذِي كنت تحرصين عَلَيْهِ فَقَالَت بَرِئت إِلَى الله من قَاتله وَعَن الْوَلِيد بن عبد الله قَالَ قَالَ يعلى بن منية أَيهَا النَّاس من خرج يطْلب بِدَم عُثْمَان فعلي جهازه وَكَانَ مَعَهم بِمَكَّة عبد الله بن عَامر بن كريز عَامل عُثْمَان على الْبَصْرَة فهرب مِنْهَا لما أَخذ الْبيعَة بهَا لعَلي على النَّاس جَارِيَة بن قدامَة السَّعْدِيّ وَأعْطى يعلى بن مُنَبّه عَائِشَة أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وَقَالَ هَذِه من عين مالى أقوى بهَا من طلب بِدَم عُثْمَان فَبلغ عليا قَوْله فَقَالَ من أَيْن لَهُ سرق الْيمن ثمَّ جَاءَ وَأَعْطَاهَا كُرَاعًا وسلاحاً والجمل الَّذِي عَلَيْهِ هودجها واسْمه عَسْكَر فَلَمَّا انكشفوا يَوْم الْجمل هرب يعلى الْمَذْكُور قَالَ الذَّهَبِيّ لما قتل عُثْمَان سقط فِي أَيدي أَصْحَاب النبى
فَبَايعُوا عليا رَضِي الله عَنهُ ثمَّ إِن طَلْحَة وَالزُّبَيْر ومروان وَعَائِشَة وَمن تَابعهمْ من بني أُميَّة رَأَوْا أَنهم لَا يخلصهم مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ من توانيهم فِي نصْرَة عُثْمَان إِلَّا أَن يقومُوا فِي الطّلب بدمه وَالْأَخْذ بثأره مِمَّن قَتله فَسَار طَلْحَة وَالزُّبَيْر من الْمَدِينَة واستأذنا عليا فِي الْعمرَة فَقَالَ لَهما مَا تقدم فأقسما أَنَّهُمَا يُريدَان مَكَّة للْعُمْرَة وَكَانَت عَائِشَة بِمَكَّة حَاجَة فَاجْتمعُوا وَمَعَهُمْ يعلى بن منية عَامل الْيمن(2/558)
وَعبد الله بن عَامر عَامل الْبَصْرَة فأرادوا الشَّام فصدهم عبد الله بن عَامر وَقَالَ إِن مُعَاوِيَة لَا ينقاد إِلَيْكُم وَلَا يعطيكم من نَفسه الظنة لَكِن هَذِه الْبَصْرَة لي بهَا صنائع وعدة فجهزهم بِأَلف ألف دِرْهَم وَسَار الْقَوْم نَحْوهَا فِي نَحْو سِتّمائَة رَاكب فَانْتَهوا بِاللَّيْلِ إِلَى مَاء لبني كلاب يعرف بالحوأب فعوت كلابه على الركب فَسَأَلت عَائِشَة عَن اسْم هَذَا المَاء فَقيل لَهَا الحوأب فَذكرت قَوْله
لنسائه وَعَائِشَة مَعَهُنَّ أيتكن صَاحِبَة الْجمل الْأَدَب أَو الأديب تنبحها كلاب الحوأب تنجو بعد مَا كَادَت فاسترجعت وَقَالَت ردوني إِلَى حرم رَسُول الله
لَا حَاجَة لي فِي الْمسير هَذَا فَقَالَ لَهَا الزبير تالله مَا هَذَا بالحوأب وَأَشَارَ إِلَى جبل هُنَاكَ وَلَقَد غلط من أخْبرك فَأتوا إِلَى الْبَصْرَة فَخرج إِلَيْهِم عُثْمَان بن حنيف الْأنْصَارِيّ عَامل على عَلَيْهَا فمانعهم وَجرى بَينهم قتال ثمَّ اصْطَلحُوا على ترك الْحَرْب إِلَى قدوم عَليّ فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيَالِي أَسرُّوا عُثْمَان ونتفوا لحيته وَقتلُوا سبعين رجلا فهم أول من قتل فِي الْإِسْلَام ظلما وتشاح الزبير وَطَلْحَة فِي الصَّلَاة بِالنَّاسِ ثمَّ اتَّفقُوا لهَذَا يَوْم وَللْآخر يَوْم وَسَار عَليّ رَضِي الله عَنهُ من الْمَدِينَة بعد أَرْبَعَة أشهر مَعَه أَرْبَعَة آلَاف حَتَّى انْتهى إِلَى الربذَة وَفَاته طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَكَانَ أَرَادَهُم فَانْصَرف حِين فاتوه إِلَى الْعرَاق وَأرْسل ابْنه الْحسن وعمار بن يَاسر إِلَى الْكُوفَة يستنفران لَهُ النَّاس وَكتب من الربذَة إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ ولاه على الْكُوفَة فَقَالَ أَبُو مُوسَى إِنَّمَا هِيَ فتْنَة(2/559)
فثبط النَّاس فَبلغ ذَلِك عليا فولى على الْكُوفَة بدله قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ وَكتب إِلَى أبي مُوسَى اعتزل عَملنَا يَا بن الحائك مذموماً مَدْحُورًا فَمَا هَذَا أول يَوْمنَا مِنْك وَخرج مَعَ الْحسن وعمار نَحْو سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتُّونَ رجلا فيهم الأشتر النَّخعِيّ وَقَالَ عمار لأهل الْكُوفَة أما وَالله إِنِّي لأعْلم أَنَّهَا يَعْنِي عَائِشَة زَوْجَة نَبِيكُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَكِن الله ابتلاكم بهَا لينْظر أتبغونه أم إِيَّاهَا فَخرج الْقَوْم مَعَ الْحسن وعمار حَتَّى قدمُوا على عَليّ بِذِي قار اسْم مَكَان فَسَار فِي نَحْو عشرَة آلَاف حَتَّى أَتَى الْبَصْرَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَانَ على خيل عَليّ يَوْم الْجمل عمار بن يَاسر وعَلى الرجل مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وعَلى الميمنة عَليّ بن الْهَيْثَم السدُوسِي وَيُقَال عبد الله بن جَعْفَر وعَلى الميسرة الْحُسَيْن بن عَليّ وعَلى الْمُقدمَة عبد الله بن عَبَّاس وَدفع اللِّوَاء إِلَى ابْنه مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ على خيل طَلْحَة وَالزُّبَيْر طليحة وعَلى الرجل عبد الله بن الزبير وعَلى الميمنة عبد الله بن عَامر بن كريز وعَلى الميسرة مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ اللِّوَاء مَعَ عبد الله بن حَكِيم بن حزَام المَخْزُومِي وَقَالَ الْمطلب بن زِيَاد عَن السّديّ شهد مَعَ عَليّ يَوْم الْجمل مائَة وَثَلَاثُونَ بَدْرِيًّا وَسَبْعمائة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قلت وَرَأَيْت نقلا عَن الشّعبِيّ أَنه بَالغ فَقَالَ لم يشْهد الْجمل من الصَّحَابَة إِلَّا عَليّ وعمار وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَهُوَ مُخَالف لما نَقله الثِّقَات غَيره وَذكر عَن الْمُنْذر ابْن أبي الْجَارُود فِيمَا حدث بِهِ الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي عَن ابْن عَائِشَة عَن معن ابْن عِيسَى أَنه لما قدم على الْبَصْرَة دخل مِمَّا يَلِي الطف قَالَ ابْن الْجَارُود فَخرجت أنظر إِلَيْهِ فورد فِي موكب عَظِيم وَله ألف فَارس يقدمهم فَارس على فرس أَشهب عَلَيْهِ قلنسوة وَثيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا مَعَه راية وَإِذا تيجان الْقَوْم الْأَغْلَب عَلَيْهَا الْبيَاض مدججين فِي الْحَدِيد وَالسِّلَاح فَقلت من هَذَا فَقيل لى(2/560)
هَذَا أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ خَالِد بن زيد وَقيل ابْن زيد صَاحب رَسُول الله
الَّذِي نزل عَلَيْهِ مقدمه الْمَدِينَة وَأقَام فِي بَيته إِلَى أَن عمر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وبيوت نِسَائِهِ وَهَؤُلَاء الْأَنْصَار مَعَه ثمَّ تلاه فَارس آخر عَلَيْهِ عِمَامَة صفراء وَثيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا متنكباً قوساً مَعَه راية على أشقر فِي نَحْو ألف فَارس فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا حُذَيْفَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس كميت معتماً بعمامة صفراء من تحتهَا قلنسوة بَيْضَاء وَعَلِيهِ قبَاء أَبيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا متنكباً قوساً فِي نَحْو ألف فَارس من النَّاس وَمَعَهُ راية فَقلت من هَذَا فَقيل أَبُو قَتَادَة بن ربعي الْأنْصَارِيّ ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس أدهم عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة سَوْدَاء قد مد لَهَا بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه شَدِيد الأدمة عَلَيْهِ سكينَة ووقار رَافعا صَوته بالقران مَعَه راية فِي ألف فَارس من النَّاس مختلفي الألوان والتيجان من شُيُوخ وكهول وشيب وشباب عَلَيْهِم السكينَة وَالْوَقار كَأَنَّمَا أوقفوا ليَوْم الْحساب وَأثر السُّجُود فِي جباههم فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا عمار بن يَاسر المَخْزُومِي فِي عدَّة من الصَّحَابَة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ ثمَّ تلاه فَارس على فرس أشقر وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا تخط رِجْلَاهُ فِي الأَرْض طولا فِي ألف من النَّاس الْغَالِب على تيجانهم الصُّفْرَة وَالْبَيَاض مَعَه راية صفراء فَقلت من هَذَا فَقيل هَذَا قيس بن سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي فِي عدَّة من الْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ وَغَيرهم من قحطان ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس أشكل مَا رَأينَا أحسن مِنْهُ عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة سَوْدَاء أسدلها بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَبِيَدِهِ لِوَاء فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا عبيد الله بن الْعَبَّاس أَخُو عبد الله ثمَّ تلاه موكب آخر فِيهِ فَارس أشبه النَّاس بالأولين قبله فَقلت من هَذَا قيل هَذَا قثم بن الْعَبَّاس ثمَّ أَقبلت الرَّايَات والمواكب يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا واشتبكت الرماح ثمَّ ورد موكب فِيهِ خلق من النَّاس عَلَيْهِم السِّلَاح وَالْحَدِيد مختلفي الرَّايَات فِي أَوله راية عَظِيمَة فِي أَوله فَارس كَأَنَّهُ قد كسر وجبر نظره إِلَى الأَرْض أَكثر من نظره إِلَى فَوق حوله أُمَم كَأَنَّمَا على رُءُوسهم الطير عَن يَمِينه شَاب حسن الْوَجْه وَبَين يَدَيْهِ شَاب مثلهمَا قلت من هَؤُلَاءِ فَقيل لي هَذَا عَليّ بن أبي طَالب وَأما من عَن يَمِينه فالحسن وَعَن شِمَاله الْحُسَيْن وَهَذَا مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة بَين يَدَيْهِ مَعَه الرَّايَة(2/561)
الْعُظْمَى وَهَذَا الَّذِي خَلفه عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَهَؤُلَاء أَوْلَاد عقيل وَغَيرهم من فتيَان بني هَاشم وَهَؤُلَاء الْمَشَايِخ من أهل بدر الَّذين شهدوها مَعَ النَّبِي
من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَسَار عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَتَّى نزل بالموضع الْمَعْرُوف بالزاوية فصلى أَربع رَكْعَات وعفر خديه فِي التُّرَاب وَقد خلط ذَلِك بدموعه ثمَّ رفع يَدَيْهِ يَدْعُو ثمَّ بعث رجلا من أَصْحَابه يُقَال لَهُ مُسلم مَعَه مصحف يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَرَمَوْهُ بِسَهْم فَقَتَلُوهُ فَحمل إِلَى عَليّ فَقَالَت أم مُسلم // (من الرجز) //
(يَا رَبِّ إنَّ مُسْلِماً أَتَاهُمْ ... يَتْلُو كِتَابَ اللهِ لاَ يَخْشَاهُمْ)
(فَخَضَّبُوا مِنْ دَمِهِ لِحَاهُمْ ... وَأُمُّهُ قَائِمَةٌ تَرَاهُمْ)
ثمَّ إِن عليا رَضِي الله عَنهُ راسل الْقَوْم وناشدهم فَأَبُو إِلَّا الْقِتَال فَكَانَت وقْعَة الْجمل قَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه اصطف الْفَرِيقَانِ وَلَيْسَ لطلْحَة وَلَا لعَلي رَأْسِي الْفَرِيقَيْنِ قصد فِي الْقِتَال بل ليتكلما فِي اجْتِمَاع الْكَلِمَة فترامى أوباش الطَّائِفَتَيْنِ وشبت نَار الْحَرْب وثارت النُّفُوس وَبَقِي طَلْحَة يَقُول أَيهَا النَّاس أنصِتوا والفتنة تغلى فَقَالَ أُفٍّ فرَاش النَّار وذباب طمع وَقَالَ اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني الْيَوْم حَتَّى ترْضى إِنَّا داهنا فِي أَمر عُثْمَان كُنَّا بالْأَمْس يدا على من سوانا وأصبحنا الْيَوْم جبلين من حَدِيد يزحف أَحَدنَا إِلَى صَاحبه وَقد كَانَ مني فِي أَمر عُثْمَان مَا لَا أرى كَفَّارَته إِلَّا بسفك دمي وَعَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما كَانَ عَليّ بالربذة مُتَوَجها إِلَى الْبَصْرَة لِلْقِتَالِ قَامَ إِلَيْهِ ابْنه الْحسن فَبكى بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لي فأتكلم قَالَ تكلم ودع عَنْك أَن تحن حنين الْأمة فَقَالَ لقد كنت أشرتُ عَلَيْك بالْمقَام وَأَنا أُشير بِهِ عَلَيْك الْآن إِن للْعَرَب جَوْلَة وَلَو رجعت إِلَيْهَا عوازب أحلامها لضربوا إِلَيْك آباط الْإِبِل حَتَّى يستخرجوك وَلَو كنت فِي مثل جُحر الضَّب(2/562)
فَقَالَ عَليّ أَترَانِي لَا أَبَا لَكَ كنتُ منتظراً كَمَا ينْتَظر الضبع اللدم وَعَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عَم لَهُ أَنه لما كَانَ يَوْم الْجمل نَادَى عَليّ فِي النَّاس لَا تراموا أحد بِسَهْم وكلوا الْقَوْم فَإِن هَذَا مقَام من فلج فِيهِ فلج يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِن الْقَوْم نادوا بأجمعهم يَا ثَارَاتِ عُثْمَان قَالَ وَابْن الْحَنَفِيَّة أمامنا برتوة مَعَه اللِّوَاء فَمد عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ كب قتلة عُثْمَان لوجوههم ثمَّ إِن الزبير قَالَ لأساورة مَعَه ارموهم وَلَا تبلغوا فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن ينشب الْقِتَال فَلَمَّا نظر أَصْحَاب عَليّ إِلَى النشاب لم ينتظروا أَن يَقع إِلَى الأَرْض وحملوا عَلَيْهِم فهزموهم وَخرج عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِنَفسِهِ حاسراً على بغلة رَسُول الله
فَنَادَى يَا زبير اخْرُج إِلَيّ فَخرج شاكي السِّلَاح حَتَّى الْتَقت أَعْنَاق دَوَابِّهِمَا فَقيل ذَلِك لعَائِشَة فَقَالَت واخفرتك يَا أَسمَاء فَقيل لَهَا الزبير شاكي السِّلَاح وَعلي حاسر فاطمأنت قَلِيلا فَقَالَ لَهُ عَليّ وَيحك يَا زبير مَا الَّذِي أخرجك قَالَ دم عُثْمَان فَقَالَ عَليّ قتل الله أولانا بِدَم عُثْمَان ثمَّ قَالَ لَهُ أَتَذكر يَا زبير يَوْم لقِيت رَسُول الله
وضحكتُ إِلَيْهِ وَأَنت مَعَه فَقلت مَا يدع ابْن أبي طَالب زهوه فَقَالَ لَك لَيْسَ بِهِ زهو أَتُحِبُّهُ يَا زبير فَقلت وَالله إِنِّي لَأحبهُ فَقَالَ لَك إِنَّك ستقاتله وَأَنت لَهُ ظَالِم(2/563)
فَقَالَ الزبير أسْتَغْفر الله لَو ذكرتها مَا خرجت فَكيف أرجع الْآن وَقد الْتَقت حلقتا البطان هَذَا وَالله الْعَار الَّذِي لَا يغسل أبدا فَقَالَ عَليّ يَا زبير ارْجع بالعار قبل أَن يُجْمَعَ الْعَار وَالنَّار فَرجع الزبير وَهُوَ يَقُول // (من الْبَسِيط) //
(إِخْتَرتُ عَاراً عَلَى نَارٍ تُؤَجِّجْه ... أَنَّى يَقُومُ بِهَا خَلْقٌ مِنَ الطِّينِ)
(نَادَى عَليٌّ بِأَمْر لَسْتُ أَجْهَلُهُ ... عَارٌ لَعَمْرُكَ فِي الدُّنْيا وَفى الدِّينِ)
(فَقُلْتُ حَسْبُكَ مِنْ عَذْلٍ أَبَا حَسَنٍ ... فَبَعْضُ هَذَا الَّذِى قَدْ قُلْتَ يَكْفِينى)
فَقَالَ لَهُ ابْنه عبد الله بن الزبير إِلَى أَيْن تذْهب فَقَالَ أذكرني عَليّ أمرا كنت نَسِيته قَالَ لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لَكِن فَرَرْت من سيوف بني هَاشم فَإِنَّهَا حداد يحملهَا فتية أنجاد فَقَالَ رَاوِيه قَالَ لَهُ جبنا جبنا فَقَالَ لَا وَالله وَلكنه أذكرني أمرا أنسانيه الدَّهْر فاخترت الْعَار على النَّار أباِلجبن تعيرني لَا أَبَا لَك ثمَّ قلع سِنَان رمحه وَسَار فِي ميمنة عَليّ فَقَالَ عَليّ أفرجوا لَهُ فقد هاجوه ثمَّ رَجَعَ فَشد فِي الميسرة ثمَّ رَجَعَ فَشد فِي الْقلب ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لِابْنِهِ أيفعل هَذَا جبان ثمَّ مضى منصرفاً بوادي السبَاع والأحنف بن قيس التَّمِيمِي منحاز فِي قومه من بني تَمِيم فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ هَذَا الزبير مار فَقَالَ مَا أصنع بالزبير وَقد جمع بَين جيشين عظيمين يقتل بَعضهم بَعْضًا وَهَا هُوَ صَار إِلَى منزله سالما فَلحقه عَمْرو بن جرموز بوادي السبَاع وَقد نزل الزبير للصَّلَاة فَأَتَاهُ من خَلفه فطعنه وَهُوَ فِي الصَّلَاة ثمَّ استسقى الزبير لَبَنًا فشربه فَخرج من جرحه فَمَاتَ رَحمَه الله فاحتز رَأسه وأتى بِهِ وسيفه إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عَليّ يَا أَعْرَابِي تبوأ مَقْعَدك من النَّار سَمِعت رَسُول الله
يَقُول قَاتل ابْن صَفِيَّة فِي النَّار(2/564)
وَقَالَ عَليّ طالما جلا الكروب عَن وَجه رَسُول الله
وَلَكِن حُلُول الْحِين وَمِقْدَار السوء وَقَالَ قَاتله لما قَالَ لَهُ عَليّ مَا قَالَ // (من المتقارب) //
(أَتَيْتُ عَلِيَّا بِرَأْسِ الزُّبَيْرِ ... وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو بِهِ الزُّلفَهْ)
(فَبَشَّرَ بِالنَّارِ قَبْلَ العِيَانِ ... وَلَيْسَتْ بِشَارَة ذِى التُّحفَه)
(لَسيَّانِ عِنْدِىَ قَتْلُ الزُّبَيْرِ ... وَضَرْطَةُ عيْرٍ بِذِى الْجُحفَهْ)
وَقَالَ حسان بن ثَابت يرثيه // (من الطَّوِيل) //
(أَقَامَ عَلَى هَدْىِ النَّبِيِّ وَهَدْيِهِ ... حَوَارِيُّهُ وَالقوْلُ بِالْفِعْلِ يَكْمُلُ)
(أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَريقِهِ ... يُوَالِى وَلِىَّ الحَقِّ وَالْحَقُّ أَعْدَلُ)
(هُوَ الفَارِسُ المَشْهُورُ وَالْبَطَلُ الَّذِى ... يَصُولُ إِذا مَا كَانَ يَوْمٌ محَجَّلُ)
(إِذَا كَشَّفْتْ عَن سَاقِهَا الحَرْبُ حَثَّهَا ... بِأَبْيَضَ سَبَّاقٍ إِلى الموتِ يَرْفُلُ)
(فَمَا مِثْلُه فيهِمْ وَلاَ كَانَ قَبْلَهُ ... وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَا دَامَ يَذْبُلُ)
(ثَنَاؤُكَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِ مَعَاشِرٍ ... وَفِعْلُكَ يَابْنَ الهَاشميةِ أَفْضَلُ)
(فَكَمْ كرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ ... عَنِ المُصْطَفَى وَاللهُ يُعْطِى فَيُجْزِلُ)
وَفِيه يَقُول بعض بني آل الزبير // (من الْكَامِل) //
(جَدِّى ابْنُ عمَّة أحمدٍ وَوَزِيرُهُ ... عِنْدَ البَلاءِ وَفَارِسُ الشُّعَرَاءِ)
(وَغَدَاةَ بَدْرٍ كَانَ أوَّلَ فَارِسٍ ... شَهِدَ الوَغَى فِي اللأَّمةِ الصَّفْرَاءِ)
(نَزَلَتْ بِسيمَاهُ المَلائِكُ نُصْرَةً ... بِالحَوْضِ يَوْم تأَلُّبِ الأَعْداءِ)
وَقَالَ جرير يرثيه // (من الْكَامِل) //
(إنَّ الرزيَّةَ مَنْ تَضَمَّنَ قَبْرَهُ ... وَادِى السباعِ لِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ)(2/565)
(لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزبيرِ تَواضَعَتْ ... سُورُ المَدِينَةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ)
وَقَالَت زَوجته عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أُخْت سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة الْكِرَام رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم // (من الْكَامِل) //
(غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسٍ مُهْجَةٍ ... يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَذِّرِ)
(يَا عَمْرو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدتهُ ... لاَ طَائِشاً رَعِشَ البَنَانِ وَأَبْتَرِ)
ونادى عَليّ رَضِي الله عَنهُ بعد رُجُوع الزبير طَلْحَة فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا الَّذِي أخرجك قَالَ الطّلب بِدَم عُثْمَان قَالَ عَليّ قتل الله أولانا بِدَم عُثْمَان أما سمعته
يَقُول اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَأَنت أول من بايعني ثمَّ نكثت وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَمَن نكث فَإِنَّمَا يَنكث علَىَ نَفسِه} الْفَتْح 10 فَقَالَ طَلْحَة أسْتَغْفر الله ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ مَرْوَان رَجَعَ الزبير وَيرجع طَلْحَة وَالله لَا أطلب ثَأْرِي بعد الْيَوْم فَرمى مَرْوَان طَلْحَة بِسَهْم شكّ سَاقه بِجنب فرسه فَمَا زَالَ ينشج حَتَّى مَاتَ وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ هَذَا مِمَّن أعَان على قتل عُثْمَان والتفت إِلَى أبان بن عُثْمَان وَقَالَ لَهُ قد كَفَيْنَاك بعض قتلة أَبِيك ثمَّ اقْتَتَلُوا فَقطعت على خطام الْجمل سَبْعُونَ يدا مختمة كُلما أَخذ رجل بخطامه قطعت يَده وَكلهمْ من بني ضبة وهم يرتجزون بقَوْلهمْ
(نَحْنُ بَنُو ضَبَّةَ أَصْحَابُ الجَمَلْ ... لاَ نَرْهَبُ المَوْتَ إِذَا المَوْتُ نَزَلْ)
(رَدُّوا عَلَيْنا شَيْخنا ثمَّ بجلْ ... عُثْمَان رُدُّوهُ بِأَطْرَافِ الأَسَلْ)
قَالَ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم البيهقى فى كِتَابه المحاسن والمساوى لما سَارَتْ عَائِشَة(2/566)
أَقبلت فِي هودج من حَدِيد وهى تنظر من ينظر قد صير لَهَا فِيهِ فَقَالَت لرجل من ضبة وَهُوَ آخذ بِخِطَام جملها أَيْن ترى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لَهَا هُوَ ذَاك رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فَنَظَرت عَائِشَة إِلَيْهِ ثمَّ قَالَت مَا أشبهه بأَخيه فَقَالَ الضَّبِّيّ وَمن أَخُوهُ قَالَت رَسُول الله
فنبذ خطام جملها من يَده وَمَال إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يَوْم الْجمل يَا أم الْمُؤمنِينَ هَل عهد إِلَيْك رَسُول الله
هَذَا الْمسير قَالَت اللَّهُمَّ لَا فَقَالَ هَل وجدتيه فِي كتاب الله تَعَالَى قَالَت مَا نَقْرَأ إِلَّا مَا تقرءون قَالَ فَهَل رَأَيْت رَسُول الله
اسْتَعَانَ بِشَيْء من نِسَائِهِ إِذا كَانَ فِي قلَّة وَالْمُشْرِكُونَ فِي كَثْرَة قَالَت اللَّهُمَّ لَا قَالَ الْأَحْنَف فَإِذن مَا هُوَ ذنبنا وَحمل أَصْحَاب الْجمل على ميمنة على وميسرته فكشفوها فَأتى عليا بعض ولد عقيل وَهُوَ يخْفق نعاساً فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا النعاس فَقَالَ لَهُ عَليّ اسْكُتْ يَا بن أخي إِن لعمك يَوْمًا لَا يعدوه وَالله مَا يُبَالِي عمك أوقع على الْمَوْت أَو الْمَوْت وَقع عَلَيْهِ ثمَّ بعث إِلَى وَلَده مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ صَاحب رايته كَمَا تقدم ذكره وَقَالَ لَهُ احْمِلْ على الْقَوْم فَأَبْطَأَ مُحَمَّد بالحملة وَكَانَ بإزائه قوم من الرُّمَاة ينْتَظر نفاد سِهَامهمْ فَأَتَاهُ عَلِي فَقَالَ هلاَّ حملت على الْقَوْم فَقَالَ مَا أجد مُتَقَدما إِلَّا على سِنَان وَإِنِّي أنْتَظر نفاد سِهَامهمْ فَقَالَ لَهُ عَليّ احْمِلْ بَين الأسنة فَإِن للْمَوْت عَلَيْك جنَّة فَحمل مُحَمَّد فَشك بِالرِّمَاحِ والنبل فَأَتَاهُ عَليّ فَضَربهُ بقائم سَيْفه وَقَالَ لَهُ أذرعك عرق سوء أمك وَأخذ الرَّايَة من يَده وَحمل وَحمل النَّاس مَعَه فَمَا كَانَ الْقَوْم إِلَّا كرماد اشْتَدَّ بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف وَرمى الهودج بالنشاب حَتَّى صَار كَأَنَّهُ قنفد وصرخ صارخ اعقروا الْجمل فعقره رجل اخْتلف فِي اسْمه وَكَانَ(2/567)
الهودج ملبساً بالدروع وداخله أم الْمُؤمنِينَ وَهِي تشجع النَّاس الَّذين حول الْجمل فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِنَّهَا نَدِمت وَنَدم عَليّ عَلَى مَا وَقع ثمَّ أَتَى عَليّ كرم الله وَجهه إِلَى الهودج فَضرب أَعْلَاهُ بقضيب فِي يَده فَقَالَ أَبِهَذَا أَمرك رَسُول الله
يَا حميراء وَالله مَا أنصفك الَّذين أخرجوك إِذْ أبرزوك وصانوا حلائلهم فسُمِعَ صَوت من الهودج ملكت فَأَسْجِحْ وَلما سقط الْجمل بعد الْوَقْعَة أَتَى مُحَمَّد بن أبي بكر فحط هودجها عَن الْجمل فَأدْخل يَده فَقَالَت مَن قَالَ أقرب النَّاس إِلَيْك قرَابَة وأبغضهم إِلَيْك مُحَمَّد بن أبي بكر يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل أَصَابَك شَيْء فَقَالَت مَا أصابني إِلَّا سهم لم يضر فِي شَيْئا والتقى الأشتر مَالك بن الْحَارِث النخعى من فرسَان على هُوَ وَعبد الله بن الزبير من فرسَان الْجمل فاعتركا وسقطا عَن فرسيهما وَطَالَ اعتراكهما فعلاه الأشتر وَلم يجد سَبِيلا إِلَى قَتله وَالنَّاس يجولون وَعبد الله بن الزبير يُنَادي وَيَقُول // (من مجزوء الْخَفِيف) //
(أُقْتُلُونِى وَمَالِكاً ... وَاقْتُلُوا مَالِكَا مَعِى)
فَلَا يسمعهُ أحد لشدَّة الصياح وَوَقع الْحَدِيد على الْحَدِيد وَلَا يراهما رَاء لظلمة النَّقْع وترادف العجاج وكلم خُزَيْمَة بن ثَابت عليا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ينكس الْيَوْم بِرَأْس مُحَمَّد واردد إِلَيْهِ الرَّايَة فَدَعَا بِهِ ورد إِلَيْهِ الرَّايَة ثمَّ قَالَ لَهُ // (من الرجز) //
(إِطْعَنْ بِهَا طَعْنَ أَبِيكَ تُحْمَدِ ... )
(لاَ خيْر فِى الْحَرْبِ إِذَا لَمْ تُوقَدِ ... )
(بِالمَشْرَفِيِّ وَالْقَنَا المُسَدَّدِ ... )
ثمَّ استسقى عَليّ فَأتى بِعَسَل وَمَاء فحسا حسوة فَقَالَ هَذَا الطائفى وهوغريب بِهَذَا الْبَلَد فَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر أما يشغلك مَا نَحن فِيهِ عَن علم هَذَا فَقَالَ وَالله يَا بني مَا مَلأ صدر عمك شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا(2/568)
ثمَّ جهز عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَائِشَة وَبعث مَعهَا أخاها عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَثَلَاثِينَ رجلا وَعشْرين امْرَأَة من ذَوَات الدّين والشرف من نسَاء عبد الْقَيْس وهمدان وألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وَقَالَ لَا تعلمن عَائِشَة أنكن نسْوَة فَكُن هن اللَّاتِي يلين جملها وَخدمتهَا وَبعث على ابْن عَبَّاس إِلَى عَائِشَة يأمرها بِالْخرُوجِ إِلَى الْمَدِينَة مَعَ من هيأهم لِلْخُرُوجِ بهَا فَدخل عَلَيْهَا ابْن عَبَّاس بِغَيْر إِذْنهَا وَأخذ وسَادَة فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَقَالَت يَا بن عَبَّاس أَخْطَأت السّنة دخلت بِغَيْر إذننا وَجَلَست على رحلنا بِغَيْر أمرنَا فَقَالَ لَهَا لَو كنت فِي الْبَيْت الَّذِي خَلفك
فِيهِ مَا دَخَلنَا إِلَّا بإذنك وَلَا جلسنا إِلَّا بِأَمْرك إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُرك بِسُرْعَة الأوبة وَالتَّأَهُّب للرُّجُوع للمدينة ثمَّ خرج ابْن عَبَّاس من عِنْدهَا ثمَّ أَتَاهَا عَليّ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَمَعَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن وَبَاقِي أَوْلَاده وَأَوْلَاد إخْوَته وَنسَاء من بنى هَاشم وَغَيرهم من شيعته من هَمدَان فَلَمَّا بصرن بِهِ النِّسَاء صحن فِي وَجهه يَا قَاتل الْأَحِبَّة فَقَالَ لَو كنت قَاتل الْأَحِبَّة لقتلت من فِي الْبَيْت وَأَشَارَ إِلَى بَيت من الْبيُوت كَانَ قد اختفى فِيهِ مَرْوَان بن الحكم وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَامر وَغَيرهم فَضرب من كَانَ مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِأَيْدِيهِم إِلَى قَوَائِم سيوفهم لما علمُوا أَن فِي الْبَيْت نَاسا حذرا من الاغتيال فَقَالَت لَهُ عَائِشَة بعد كَلَام طَوِيل كَانَ بَينهمَا إِنِّي أُرِيد أَن أكون مَعَك فأسير إِلَى قتال عَدوك عِنْد مسيرك فَقَالَ ارجعي إِلَى الْبَيْت الَّذِي تَركك فِيهِ رَسُول الله
فَسَأَلته تَأْمِين ابْن أُخْتهَا عبد الله بن الزبير لِأَنَّهُ ابْن أَسمَاء بنت أبي بكر أُخْت عَائِشَة وَتكلم الْحسن وَالْحُسَيْن فِي مَرْوَان فَأَمنهُ وَأمن الْوَلِيد بن عقبَة وَولده عُثْمَان وَغَيرهم من بني أُميَّة وَأمن النَّاس جَمِيعًا وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من دخل دَاره فَهُوَ آمن وَمن ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن ثمَّ ارتحلت عَائِشَة فَلَمَّا وصلت الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَت كنت بِخَير فِي مسيري وَقد أعْطى ابْن أبي طَالب فَأكْثر وَلكنه بعث معي رجَالًا أنكرتهم فعرفها النسْوَة(2/569)
حالهن حِينَئِذٍ فَقَالَت مَا ازددت وَالله يَا ابْن أبي طَالب إِلَّا كرماً وددت إِنِّي لم أخرج هَذَا الْمخْرج وَأَنِّي أصابني كَيْت وَكَيْت من أُمُور شاقة ذكرتها وَإِنِّي قيل لي تخرجين فتصلحين بَين الْمُسلمين فَكَانَ مَا كَانَ ثمَّ ولى على الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس وَسَار إِلَى الْكُوفَة ثمَّ بعث إِلَى الْأَشْعَث بن قيس فَعَزله عَن أذربيجان وأرمينية وَكَانَ عَاملا لعُثْمَان عَلَيْهَا وَصرف جَرِيرًا عَن هَمدَان وَكَانَ عَاملا لعُثْمَان عَلَيْهَا وَكَانَ فِي نفس الْأَشْعَث عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء فَكَانَ مِنْهُ الْميل إِلَى خديعة عَمْرو بن الْعَاصِ قد أَرَادَ بِهِ تحكيم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَمَا سيأتى روى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ بَين الْعَبَّاس وعَلى بن أبي طَالب مباعدة فَلَقِيت عليا فَقلت لَهُ إِن كَانَ لَك فِي النّظر إِلَى عمك حَاجَة فَإِنَّهُ وجع وَمَا أَرَاك تَلقاهُ فَوَجَمَ لَهَا على وَأَقْبل على يَده وَرجله يقبلهَا وَيَقُول يَا عَم ارْض عني رَضِي الله عَنْك قَالَ قد رضيت عَنْك ثمَّ قَالَ يَا بن أخي كنت قد أَشرت عَلَيْك بأَشْيَاء فَلم تقبل مني فَرَأَيْت فِي عَاقبَتهَا مَا كرهت وَهَا أَنا الْآن أُشير عَلَيْك بِرَأْي آخر فَإِن قَبلته وَإِلَّا نالك مَا نالك فَقَالَ عَليّ وَمَا الَّذِي أَشرت بِهِ عَليّ يَا عَم قَالَ أَشرت عَلَيْك لما مرض عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن تسأله فَإِن كَانَ الْأَمر فِينَا أعطاناه وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أوصى بِنَا فقلتَ إِنْ منعناها لم يعطناها أحد فمضت تِلْكَ فَلَمَّا قُبِضَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَتَانَا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب تِلْكَ السَّاعَة فدعوناك إِلَى أَن نُبَايِعك فقلتُ ابْسُطْ يدك لنبايعك فَإنَّا إِن بايعناك لم يخْتَلف عَلَيْك منافي وَإِن بَايَعَك بَنو عبد منَاف لم تخْتَلف عَلَيْك قُرَيْش وَإِن بَايَعْتُك قُرَيْش لم يخْتَلف عَلَيْك أحد من الْعَرَب فقلتَ فِي جهاز النَّبِي شغل وَلَيْسَ على ثوب فَلم نَلْبَث أَن سمعنَا التَّكْبِير من سَقِيفَة بني سَاعِدَة فقلتَ مَا هَذَا يَا عَم قلت هَذَا مَا دعوناك إِلَيْهِ فأبيت فَقلت سُبْحَانَ الله وَيكون هَذَا قلت وَهل يرد مثل هَذَا ثمَّ أَشرت عَلَيْك حِين طعن عمر أَلا تدخل نَفسك فِي الشورى فَإنَّك إِن اعتزلتهم قدموك وَإِن ساويتهم تقدموك فَدخلت مَعَهم فَكَانَ مَا رَأَيْت(2/570)
وَهَا أَنا أَقُول لَك أرى هَذَا الرجل يعْنى عُثْمَان بن عَفَّان يَأْخُذ فِي أُمُور وَكَأَنِّي بالعرب وَقد سَارَتْ إِلَيْهِ حَتَّى ينْحَر كَمَا تنحر الْجَزُور وَالله لَئِن كَانَ ذَلِك وَأَنت بِالْمَدِينَةِ ليرمينك النَّاس بدمه وَلَئِن فعلوا لَا تنَال من هَذَا الْأَمر شَيْئا إِلَّا بعد شَرّ لَا خير مَعَه انْتهى قَالَ ابْن عَبَّاس فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ أبي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَعَن عبد الله بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ كَانَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة لي صديقا فَدَخَلْنَا على عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَعِنْده جمَاعَة يتذاكرون السّلف ففضل قوم أَبَا بكر وَقوم عمر وَقوم عليا رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ إِيَاس إِن عليا يرى أَنه كَانَ أَحَق النَّاس بِالْأَمر فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بكر وَرَأى أَنهم قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وَأَن ذَلِك قد أصلح الْعَامَّة اشْترى صَلَاح الْعَامَّة بِنَقْض رَأْي الْخَاصَّة يَعْنِي بني هَاشم ثمَّ لما ولي عمر فعل مثل ذَلِك بِهِ وبعثمان فَلَمَّا قتل عُثْمَان وَاخْتلف النَّاس وفسدت الْخَاصَّة والعامة وجد أعواناً فَقَامَ بِالْحَقِّ ودعا إِلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه كَذَا فِي المحاسن للبيهقي قَالَ المَسْعُودِيّ وَكَانَت وقْعَة الْجمل يَوْمًا وَاحِدًا وَقتل من أهل الْبَصْرَة وَغَيرهم ثَلَاثَة عشر ألفا وَمن أَصْحَاب على سَبْعَة آلَاف وَقيل خَمْسَة آلَاف وَقَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ قتل بَينهمَا ثَلَاثُونَ ألفا وَكَانَت يَوْم الْخَمِيس لعشرِ خلون من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ الْمَذْكُورَة قتل فِيهَا الْمَشَاهِير طَلْحَة بن عبيد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة المبشرة وَهُوَ أول قَتِيل يَوْم الْجمل بعد مُسلم الْجُهَنِيّ الَّذِي أمره على أَن يَدْعُو الْقَوْم بالمصحف إِلَى مَا فِيهِ فَرمي بِسَهْم فَقتل وَقد ذكرنَا أَن مَرْوَان من جَيش طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَأَنه الْقَاتِل لَهُ بِسَهْم رَمَاه بِهِ وَقَالَ مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ رأى عَليّ رَضِي الله عَنهُ طَلْحَة ملقى قَتِيلا فَنزل فَمسح التُّرَاب عَن وَجهه(2/571)
ولحيته وَهُوَ يترحم عَلَيْهِ وَيَقُول لَيْتَني مت قبل هَذَا الْيَوْم بِعشْرين سنة ثمَّ قَالَ عَزِيز عَليّ أَبَا مُحَمَّد أَن أَرَاك مجدلاً فِي الْأَدْوِيَة ثمَّ قَالَ إِلَى الله أَشْكُو عُجَري وبُجري وَقَالَ الْأَصْمَعِي مَعْنَاهُ سرائري وأحزاني وَلها معانٍ أخر مَذْكُورَة فِي اللُّغَة وَقَالَ اللَّيْث عَن طَلْحَة بن مصرف فدفنا طَلْحَة على شاطىء الكلاء بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَهُوَ مرسى المراكب فَرَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام يَقُول لَهُ أَلا ترى نجوني من هَذَا المَاء قد غرقت ثَلَاث مَرَّات يَقُولهَا فنبشوه فَإِذا هُوَ أَخْضَر كَأَنَّهُ السلق فنزحوا عَنهُ المَاء فاستخرجوه فَإِذا مَا يَلِي الأَرْض من لحيته وَوَجهه قد أَكلته الأَرْض فاشتروا لَهُ دَارا من دور أبي بكرَة بِعشْرَة آلَاف فدفنوه بهَا ومِمن قتل فِيهَا مُحَمَّد بن طَلْحَة وَكَانَ زاهداً عابداً صَالحا دينا قواماً ذكر ابْن سعد أَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبيد الله تقدم فَأخذ بِخِطَام الْجمل فَحمل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ لَهُ أذكرك حَامِيم فطعنه فَقتله ثمَّ قَالَ // (من الطَّوِيل)
(وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآياتِ رَبِّهِ ... قَلِيلِ الأّذَى فِيمَا تَرَى العَين مُسْلِم)
(هَتَكْتَ لَهُ بالرَّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعاً لليدّيْنِ وَلِلْفَمِ)
(يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ والرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)
(عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعاً ... عَلِيًّا وَمَنْ لاَ يَتْبَعِ الْحَقِّ يَنْدَمِ)
فَسَار على ليلته فِي الْقَتْلَى مَعَه النيرَان فَمر بِمُحَمد بن طَلْحَة هَذَا قَتِيلا فَقَالَ لِابْنِهِ الْحسن يَا حسن مُحَمَّد السَّجَّاد وَرب الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ أَبوهُ صرعه هَذَا المصرع وَلَوْلَا بره بِأَبِيهِ مَا خرج فَقَالَ لَهُ الْحسن مَا كَانَ أَغْنَاك عَن هَذَا يَا أَبَت فَقَالَ مَا لي وَلَك يَا حسن(2/572)
وَمِمَّنْ قتل حُكيم بن جبلة العبدى كَانَ متدينا عابدا وشريفا مُطَاعًا بطلاً وَهُوَ أحد من سَار إِلَى الْفِتْنَة وألب على عُثْمَان وَهُوَ من جمَاعَة عَليّ وَلم يزل يُقَاتل حَتَّى قطعت رجله فَأَخذهَا وَضرب بهَا الَّذِي قطعهَا فَقتله ثمَّ أَخذ يُقَاتل وَهُوَ يَقُول // (من منهوك الرجز) //
(يَا سَاقُ لَنْ تُرَاعِي ... إِنَّ مَعَي ذِرَاعِي)
(أَحْمِي بِهِ كُرَاعِي ... )
حَتَّى نزفه الدَّم فاتكأ على الْمَقْتُول الَّذِي قطع رجله فَمر بِهِ رجل فَقَالَ من قطع رجلك فَقَالَ وِسَادَتِي هَذِه ثمَّ أَتَاهُ سحيم الْحدانِي فَقتله وَذكر الْمَدَائِنِي أَنه رأى رجلا مصلم الْأُذُنَيْنِ فَسَأَلَهُ عَن قصَّته فَذكر أَنه خرج يَوْم الْجمل ينظر الْقَتْلَى فَنظر إِلَى رجل مِنْهُم يخْفق رَأسه وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(لَقَدْ أَوْرَدتْنَا أُمُّنَا حَوْمةَ الرَّدَى ... فَلَمْ نَنْصَرِفْ إِلاَّ وَنَحْنُ رِوَاءُ)
(أَطَعْنَا بَنِي تَيْمٍ لِشِقْوَةِ جَدِّنَا ... وَمَا تَيْمُ إِلاَّ أَعْبُدٌ وَإِمَاءُ)
فَقلت سُبْحَانَ الله تَقول هَذَا عِنْد الْمَوْت قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ يَا بن اللخناء أتأمرني بالجزع عِنْد الْمَوْت فوليت عَنهُ مُتَعَجِّبا فَقَالَ ادن مني لقني الشَّهَادَة فصرتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا قربت مِنْهُ استدناني ثمَّ الْتَقم أُذُنِي فَذهب بهَا فَجعلت ألعنه وأدعو عَلَيْهِ فَقَالَ إِذا صرت إِلَى أمك فَقَالَت لَك من فعل هَذَا بك فَقل عُمَيْر بن الأهلب الضَّبِّيّ مخدوع الْمَرْأَة الَّتِي أَرَادَت أَن تكون أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ كَانَت فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وقْعَة صفّين اسْم مَكَان كَانَت بِهِ الْوَقْعَة وَذَلِكَ أَن سيدنَا عليا كرم الله وَجهه ورضى الله عَنهُ وَجَه جرير بن عبد الله
وَهُوَ الْمَقُول فِيهِ // (من الرجز) //
(لَوْلاَ جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَهْ ... نِعْمَ الفَتَى وَبِئْسَتِ الْقَبِيلَهْ)
إِلَى مُعَاوِيَة وَقد كَانَ الأشتر النَّخعِيّ حذر عليا من إرْسَاله جَرِيرًا وخوفه من(2/573)
ذَلِك فَقَالَ جرير ابعثني فَإِنَّهُ لم يزل بِي مستنصحاً وداداً فآتيه فأسأله أَن يسلم إِلَيْك هَذَا الْأَمر وأدعو الشَّام إِلَى طَاعَتك فَقَالَ الأشتر لسيدنا عَليّ لَا تبعثه فوَاللَّه لأَظُن هَوَاهُ هواهم وَنِيَّته نيتهم فَقَالَ عَليّ دَعه حَتَّى نَنْظُر مَا يَأْتِي إِلَيْنَا بِهِ فَبعث بِهِ وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُعلمهُ بمبايعة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار واجتماعهم عَلَيْهِ ونكث الزبير وَطَلْحَة وَمَا أوقع الله بهما وَأمره بِالدُّخُولِ فِي طَاعَته وأعلمه أَنه من الطُّلَقَاء الَّذين لَا تحل لَهُم الْخلَافَة فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ جرير دافعه وَسَأَلَهُ الْإِقَامَة أَيَّامًا وَقد كَانَ كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ فَقدم إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مصر طعمة فَأَشَارَ عَمْرو بِالْبَعْثِ إِلَى وُجُوه الشَّام وَأَن يلْزم عليا دم عُثْمَان ومقاتلته فَقدم جرير على عَليّ فَأخْبرهُ خبرهم واجتماع أهل الشَّام مَعَ مُعَاوِيَة على قِتَاله وَأَنَّهُمْ يَبْكُونَ على عُثْمَان وَيَقُولُونَ إِن عليا قَتله وَإِنَّهُم لَا بُد لَهُم من قِتَاله حَتَّى ينفوه وَمن مَعَه أَو يعينهم فَقَالَ الأشتر لعَلي قد كنت أَخْبَرتك بعداوته وغشه يعْنى جَرِيرًا وَلَو أرسلتني لَكُنْت خيرا من هَذَا الَّذِي أرْخى جنَاحه وَأقَام حَتَّى لم يدع بَابا يَرْجُو مُعَاوِيَة فَتحه إِلَّا فَتحه وَلَا بَابا يخلفه إِلَّا غلقه فَقَالَ لَهُ جرير لَو كنت ثمَّ لقتلوك لقد ذكرُوا أَنَّك من قتلة عُثْمَان فَقَالَ لَو رَأَيْتهمْ وَالله يَا جرير لم يعيني جوابهم وَلَا ثقل عَليّ خطابهم ولحملت مُعَاوِيَة على خطة أعجلته فِيهَا من الْفِكر وَلَو أَطَاعَنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فحَبَسك وأشباهك فِي مجْلِس فَلَا تخرجُونَ مِنْهُ حَتَّى تستقيم هَذِه الْأُمُور فَخرج جرير إِلَى الرحبة من شاطىء الْفُرَات وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُعلمهُ بِمَا نزل بِهِ وَأَنه أحب مجاورته فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يَأْمُرهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة يَقُول لَهُ قد ظهر من رَأْي ابْن أبي طَالب وَمَا كَانَ تقدم من توعده لَك فِي طَلْحَة وَالزُّبَيْر فَمَا الَّذِي بَقِي من رَأْيه فِينَا
وَذكر يحيى بن عبيد قَالَ قَالَ أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ وَجَمَاعَة لمعاوية أَأَنْت تنَازع عليا أم أَنْت مثله فَقَالَ لَا وَالله إِنِّي لأعْلم أَن عليا أفضل مني وأحق بِالْأَمر وَلَكِن ألستم تعلمُونَ أَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما وَأَنا ابْن عَمه وَإِنَّمَا أطالب بدمه فَأتوا عليا فَقولُوا لَهُ فليدفع إِلَيّ قتلة عُثْمَان وَأسلم لَهُ فَأتوا عليا فكلموه بذلك فَلم يدفعهم إِلَيْهِ(2/574)
وَحدث يحيى الْجعْفِيّ أَن مُعَاوِيَة قَالَ لجرير بن عبد الله البَجلِيّ الْمَذْكُور اكْتُبْ إِلَى عَليّ أَن يَجْعَل لي الشَّام وَأَنا أُبَايِعهُ وَقَالَ وَبعث الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى مُعَاوِيَة يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(مُعَاوِيَ إنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ ... بِشَامِكَ لاَ تُدْخِلْ عَلَيْنَا الأَفَاعِيَا)
(وَحَامِ عَلَيْهَا بِالْقَنَابِلِ وَالْقَنَا ... وَلاَ تَكُ مَحْبُوسَ الذِّرَاعَيْنِ دَانِيَا)
(فَإِنَّ عَلِيًّا نَاظرٌ مَا لِجَيْشِهِ ... فَأَهْدِ لَهُ حَرْبًا تُشِيبُ النَّوَاصِيَا)
وَعَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ لما ظهر أَمر مُعَاوِيَة دَعَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ رجلا وَأمره أَن يسير إِلَى دمشق فيعقل رَاحِلَته على بَاب الْمَسْجِد وَيدخل بنية السّفر فَفعل الرجل فَسَأَلُوهُ من أَيْن جِئْت قَالَ من الْعرَاق قَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ تركت عليا قد حشد إِلَيْكُم ونهد فِي أهل الْعرَاق فَلَمَّا بلغ الْخَبَر مُعَاوِيَة نُودي الصَّلَاة جَامِعَة وامتلأ الْمَسْجِد فَصَعدَ مُعَاوِيَة الْمِنْبَر فَتشهد ثمَّ قَالَ إِن عليا قد نهد إِلَيْكُم فِي أهل الْعرَاق فَمَا الرأى فَضرب النَّاس بأذقانهم إِلَى صُدُورهمْ وَلم يرفع أحد طرفه إِلَيْهِ فَقَامَ ذُو الكلاع الْحِمْيَرِي فَقَالَ عَلَيْك امْرأي يَعْنِي الرَّأْي وعلينا امفِعالُ يَعْنِي الفعال فَنزل مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النَّاس اخْرُجُوا إِلَى عسكركم وَمن تخلف بعد ثَلَاث أخل بِنَفسِهِ فَخرج رَسُول عَليّ حَتَّى وافاه فَأخْبرهُ بذلك فَأمر عَليّ فَنَادَى الصَّلَاة جَامِعَة فَاجْتمع النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن رَسُولي الَّذِي أَرْسلتهُ إِلَى الشَّام قد قدم عَليّ وَأَخْبرنِي أَن مُعَاوِيَة قد نهد إِلَيْكُم فِي أهل الشَّام فَمَا الرَّأْي فَقَالَ أهل الْمَسْجِد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الرَّأْي كَذَا الرَّأْي كَذَا فَلم يفهم عَليّ كَلَامهم من كَثْرَة من تكلم وَكَثْرَة اللَّغط فَنزل وَهُوَ يَقُول إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بهَا ابْن أكالة الأكباد يَعْنِي مُعَاوِيَة فَسَار عَليّ وَكَانَ مسيره من الْكُوفَة إِلَى صفّين لخمس خلون من شَوَّال سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ واستخلف على الْكُوفَة أَبَا مَسْعُود عقبَة بن عمر الْأنْصَارِيّ واجتاز عَليّ الْمَدَائِن ثمَّ الأنبار ثمَّ سَار حَتَّى نزل الرقة وَسَار مُعَاوِيَة من الشَّام فَسبق عليا إِلَى صفّين فَالْتَقوا بصفين فَكَانَت وقْعَة صفّين لسبع بَقينَ(2/575)
من الْمحرم من سنة سبع وَثَلَاثِينَ وشبت الْحَرْب بَينهم أول صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على ميمنة عَليّ الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ وعَلى الميسرة عبيد الله بن الْعَبَّاس وعَلى الرجالة عبد الله بن بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فَقتل يَوْمئِذٍ وَمن أُمَرَاء عَليّ الْأَحْنَف بن قيس التَّمِيمِي وعمار بن يَاسر وعدي بن حَاتِم الطَّائِي وَالْأَشْتَر مَالك بن الْحَارِث النَّخعِيّ وَعَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ وشبث ابْن ربعي الريَاحي وَسَعِيد بن قيس الْهَمدَانِي فَكَانَ رَئِيس هَمدَان وَالْمُهَاجِر بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي وَغَيرهم فَكَانَ عَليّ فِي خمسين ألفا وَقيل تسعين ألفا وَقيل مائَة ألف وَكَانَ على ميمنة مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ وعَلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفِهري وعَلى الْخَيل عبيد الله بن عمر بن الْخطاب وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي وَمن أمرائه أَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ وَزفر بن الْحَارِث وَذُو الكلاع الْحِمْيَرِي ومسلمة بن مخلد وَبسر بن أَرْطَاة العامري وحابس بن سد الطَّائِي وَيزِيد بن أبي هُبَيْرَة السكونِي وَغَيرهم وَكَانَ مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفا وَقيل فِي مائَة ألف وَعشْرين ألفا فَاقْتَتلُوا أَيَّامًا وَوَقع الْقِتَال وَعلي على بغلة رَسُول الله
وَهُوَ يَقُول رَضِي الله عَنهُ // (من الرجز) //
(مِنْ أَيِّ يَوْمَيَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرّ ... أَيومَ لَمْ يُقَدَّرَ امْ يَوْمَ قُدِرْ)
وَحمل وحملوا مَعَه فَلم يبْق لأهل الشَّام صف إِلَّا انْتقض وعَلى لَا يمر بِفَارِس إِلَّا قده وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) //
(أَضْرِبُهُمْ وَلاَ أَرَى مُعَاوِيَهْ ... )
(الأَمْرَهَ الْعَيْنِ الْعَظِيمَ الْحَاوِيَهْ ... )
(تَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ أُمٌّ هَاوِيَهْ ... )
وَقيل إِن الشّعْر لبديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ اقْتَتَلُوا أَيَّامًا حَتَّى قتل خلق كثير قتل من أهل الشَّام خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَمن أهل الْعرَاق خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا واقتتلوا قتالاً لم تقتَتِل هَذِه الْأمة مثله(2/576)
قطّ وَغلب أهل الْعرَاق على قَتْلَى حِمص وَغلب أهل الشَّام على قَتْلَى أهل الْعَالِيَة وَفِي كتاب المحاسن والمساوىء كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ يَوْم صفّين إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان مَا لَك تقتل النَّاس بَيْننَا ابرز إِلَيّ فَإِن قتلتني استرحت مني وَإِن قتلتك استرحت مِنْك فَقَالَ لَهُ عَمْرو أنصفك الرجل فابرز إِلَيْهِ قَالَ كلا يَا عَمْرو أردْت أَن أبرز إِلَيْهِ فَيَقْتُلنِي وتثب على الْخلَافَة بعدِي قد علمت قُرَيْش أَن ابْن أبي طَالب أَشدّهَا وأسدها ثمَّ أنشأ يَقُول // (من الْكَامِل) //
(يَا عَمْرُو قَدْ أَسْرَرْتَ تُهْمَةَ غَادِرٍ ... بِرِضَاكَ لِي تَحْتَ العَجَاجِ بِرَازِي)
(مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرازِ وَإِنّمَا ... حَتْفُ المُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِي)
(إِنَّ الَّذِي سَوَّلْتَ نَفْسَكَ طَالِبًا ... قَتْلِي جَزَاكَ بِمَا نَوَيْتَ الْجَازِي)
(فَلَقَدْ كَشَفْتَ قِنَاعَهَا مَذْمُومةً ... وَلَقَدْ لَبِسْتَ لَهَا ثِيَابَ الحَازي)
فَأَجَابَهُ عَمْرو بقوله // (من الوافر) //
(مُعاوِيَ إِنَّنِي لَمْ أَجْنِ ذَنْبًا ... وَمَا أَنَا بِالَّذِي يُدْعَى بِحَازِي)
(فَمَا ذَنْبِي بِأَنْ نَادَى عَلِيٌّ ... وَكَبْشُ الْقَوْمِ يُدْعَى لِلْبِرَازِ)
(فَلَوْ بَارَزْتَهُ لَلَقِيتَ قِرْنًا ... حَدِيدَ النَّابِ سَهْمًا ذَا اعْتِزَازِ)
(أَجَبْنَا فِي العَشِيرَةِ يَا بن هِنْدٍ ... وَعِنْدَ البَاهِ كَالتَّيْسِ الحِجَازِي)
ثمَّ إِن مُعَاوِيَة أقسم على عَمْرو بمبارزة عَليّ فبرز فَلَمَّا التقيا سل عَليّ سَيْفه فكشف عَمْرو ثَوْبه عَن عَوْرَته وَقَالَ مكره أَخَاك لَا بَطل فحول عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَجهه عَنهُ وَقَالَ قبحت قَالَ السُّهيْلي جَاءَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ إِن عمار بن يَاسر قد قتل قَالَ مُعَاوِيَة فَمَاذَا قَالَ عَمْرو سَمِعت رَسُول الله
يَقُول لعمَّار تقتلك الفئة الباغية فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو رخصت فِي بولك أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتله الَّذِي أخرجه فَبلغ قَوْله عليا فَقَالَ إِذا مَا قتل حَمْزَة إِلَّا النَّبِي
لِأَنَّهُ الَّذِي أخرجه(2/577)
وَاخْتَلَطَ النَّاس بِالنَّاسِ وَبَطل النبل وقصفت الرماح وأجنهم اللَّيْل وتنادوا بالشعار وتكادم الْقَوْم فَكَانَ يعتنق الفارسان فيقعان فِي الأَرْض جَمِيعًا عَن فرسيهما قلت التكادم التعاضض من الكدم وَهُوَ العض وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَهِي لَيْلَة الهرير كَانَ جملَة من قَتله عَليّ فِي يَوْمهَا وليلتها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَعشْرين رجلا أَكْثَرهم فِي الْيَوْم وَكَانَ إِذا قَاتل رجلا لم يكن يضْرب إِلَّا قتل وانكشفت الشَّمْس وتقطعت الألوية والرايات وَلم يعرفوا مَوَاقِيت الصَّلَاة فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو هَات مخبآتك وأدركنا مِمَّا نَحن فِيهِ وَلَك مصر طعمة فَقَالَ نَاد فِي الْعَسْكَر بِرَفْع الْمَصَاحِف فَنُوديَ فَوجدَ فِي الْعَسْكَر أَكثر من خَمْسمِائَة مصحف فَأمر برفعها على الرماح وَأَن ينادوا بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله وَفِي ذَلِك يَقُول النَّجَاشِيّ بن الْحَارِث // (من الطَّوِيل) //
(فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ رَفَعُوا القَنَا ... عَلَيْهَا كِتَابُ اللهِ خَيْرُ قرَانِ)
(وَنَادَوْا عَلِيًّا يَابن عَمِّ مُحُمَّدٍ ... أَمَا تَتَّقِي أَنْ يَهْلِكَ الثُّقَلاَنِ)
فَلَمَّا رأى أهل الْعرَاق ذَلِك قَالُوا نجيب إِلَى كتاب الله وَأحب الْقَوْم الْمُوَادَعَة وَقَالَ لعَلي كثير من أَصْحَابه قد أَعْطَاك مُعَاوِيَة الْحق دعَاك إِلَى كتاب الله فاقبل مِنْهُ وَكَانَ أَشد الْقَوْم فِي ذَلِك الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ فَقَالَ عَليّ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لم ينزل بِي من أَمركُم مَا أحب حِين قدحتكم الْحَرْب وَقد وَالله أخذت مِنْكُم وَتركت وَإِنِّي كنت بالْأَمْس الْأَمِير فَأَصْبَحت الْيَوْم مَأْمُورا وَقد أَحْبَبْتُم الْبَقَاء قَالَ الْأَعْمَش حَدثنِي من رأى عليا يَوْم صفّين يصفق بيدَيْهِ ويعض على إبهامه وَيَقُول يَا عجبا أعصى ويطاع مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ الأشتر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن مُعَاوِيَة لَا خلف لَهُ من رِجَاله وَلَك بِحَمْد الله الْخلف وَلَو كَانَ لَهُ مثل رجالك لما كَانَ لَهُ مثل صبرك وَلَا نصرك فاقرع الْحَدِيد بالحديد واستعن بِاللَّه فَقَالَ الْأَشْعَث يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا لَك الْيَوْم على مَا كُنَّا بالْأَمْس وَلَيْسَ نَدْرِي كَيفَ(2/578)
يكون غَدا وَقد وَالله فل الْحَدِيد وكلت البصائر وَتكلم بِكَلَام كثير وَلَكِن إِن شِئْت أتيتُ مُعَاوِيَة فَسَأَلته مَا يُرِيد قَالَ عَليّ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة نرْجِع نَحن وَأَنْتُم إِلَى مَا أَمر الله فِي كِتَابه تبعثون رجلا مِنْكُم ترْضونَ بِهِ وتختارونه ونبعث رجلا منا ونأخذ عَلَيْهِمَا الْعَهْد والميثاق أَن يعملا بِكِتَاب الله فصوب الْأَشْعَث قَوْله وَذهب إِلَى عَليّ فَقَالَ أَكثر الْقَوْم رَضِينَا وَسَمعنَا وأطعنا فَاخْتَارَ أهل الشَّام عَمْرو بن الْعَاصِ وَقَالَ الْأَشْعَث وَمن ارْتَدَّ بعد ذَلِك إِلَى رأى الْخَوَارِج رَضِينَا نَحن بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ عَليّ عصيتموني أَولا فَلَا تعصوني الْآن إِنِّي لَا أرتاح إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ الْأَشْعَث لَا نرضى إِلَّا أَبَا مُوسَى قَالَ عَليّ وَيحكم وَلَيْسَ هُوَ بِثِقَة فعل كَذَا وَكَذَا وَقد فارقني وخذل النَّاس عني ثمَّ هرب شهرا حَتَّى أمنته وَلَكِن هَذَا عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَ الْأَشْعَث وَأَصْحَابه وَالله لَا يحكم فِينَا مضريان قَالَ عَليّ فالأشتر فَقَالُوا وَهل أشعل مَا نَحن فِيهِ إِلَّا الأشتر فَقَالَ عَليّ فَاصْنَعُوا مَا أردتم وافعلوا مَا بدا لكم فبعثوا إِلَى أبي مُوسَى وأفهموه بالقضية وَقيل لأبي مُوسَى قد اصْطلحَ النَّاس فَقَالَ الْحَمد لله قيل وَقد جعلوك حكما فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فافترقوا بعد أَن صيروا الْأَجَل إِلَى شهر رَمَضَان من الْعَام الْقَابِل على اجْتِمَاع الْحكمَيْنِ فِي مَوضِع عدل بَين الْكُوفَة وَالشَّام يُسمى دومة الجندل وَكَانَ الْوَقْت الَّذِي كتبت فِيهِ الصَّحِيفَة بِالرِّضَا بالحكمين لأيام بَقينَ من صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَقَرَأَ الْأَشْعَث الصَّحِيفَة على النَّاس ماراً بهَا فَرحا وسروراً فَقَالَ عُرْوَة بن أدية أتحكمون يَا أشعب فِي دين الله وَأمره وَنَهْيه الرِّجَال لَا حكم إِلَّا لله وَهُوَ أول من قَالَهَا ونبذ سَيْفه على الْأَشْعَث فهمز فرسه عَن الضَّرْبَة فأصابت عجز الْفرس وَنَجَا الْأَشْعَث وَفِي فعل عُرْوَة بالأشعث يَقُول رجل من تَمِيم // (من الْخَفِيف) //
(عْروُ يَا عروَ كُل فِتْنَة قَوْمٍ ... سَلَفَتْ إِنَّمَا تَكُونُ فُتَيْنَه)
(ثَمَّ تَنْمُو وَيَعْظُمُ الَخطْبُ فِيهَا ... فَاحْذَرَنْ غِبَّ مَا صَنَعْتَ عريَّهْ)
(أَعَلَى الأَشْعَثِ المعصبِ بِالتّاجِ ... حَمَلْتَ السِّلاَح يَابْنَ أديَّهْ)(2/579)
(فانْظُرِ اليَوْمَ مَا يَقُولُ عليٌّ ... واتَّبِعْهُ فَذَاكَ خَيْرُ البَرِيهْ)
عَن صعصعة بن صوحان قَالَ خرج يَوْم صفّين رجل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ كريز بن الصَّباح الْحِمْيَرِي فَوقف بَين الصفين وَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل من أَصْحَاب عَليّ فَقتله فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ آخر من أَصْحَاب عَليّ فَقتله وألقاه على الأول فَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ الثَّالِث فَقتله وألقاه على الْأَوَّلين وَقَالَ من يبارز فأحجم النَّاس عَنهُ وَأحب من كَانَ فِي الصَّفّ الأول أَن يكون فِي الآخر فَخرج إِلَيْهِ عَليّ على بغلة رَسُول الله
الْبَيْضَاء فشق الصُّفُوف فَلَمَّا انْفَصل مِنْهَا نزل عَنِ البغلة وسعى إِلَيْهِ فَقتله وَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل آخر فَقتله وألقاه على الأول ثمَّ قَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل فَقتله وألقاه على الْأَوَّلين ثمَّ قَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ آخر فَقتله وألقاه على الثَّلَاثَة ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الله عز وَجل يَقُول {الشهرُ الحرامُ بِالشهرِ الْحَرَام والحُرماتُ قِصاص} الْبَقَرَة 194 وَلَو لم تبتدئوا هَذَا مَا ابتدأناه ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ عَن ابْن عَبَّاس وَقد سَأَلَهُ رجل أَكَانَ عَليّ يُبَاشر الْقِتَال يَوْم صفّين فَقَالَ ابْن عَبَّاس وَالله مَا رَأَيْت رجلا أطرح لنَفسِهِ فِي متْلف من عَليّ وَلَقَد كنت أرَاهُ يخرج حاسر الرَّأْس بِيَدِهِ السَّيْف إِلَى الرجل الدارع فيقتله أخرجهَا الواحدي ذكر أَبُو مخنف لوط بن يحيي عَن ابْن الْأَغَر التَّمِيمِي قَالَ بَينا أَنا وَاقِف بصفين إِذْ مر الْعَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن الْمطلب مكمل فِي سلاحه وَعَيناهُ تبرقان من تَحت المغفر كَأَنَّهُمَا شعلتا نَار أَو عينا أَرقم وَبِيَدِهِ صفيحة يَمَانِية يقلبها والمنايا تلوح فِي شفرتيها وَهُوَ على فرس صَعب فَبَيْنَمَا هُوَ يَبْعَثهُ ويلين من عريكته إِذْ هتف بِهِ هَاتِف من صف مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ عزاز بن أَرقم لزهل الشَّامي يَا عَبَّاس هَلُمَّ إِلَى النُّزُول قَالَ فَنزل الْعَبَّاس إِلَى الشَّامي وَهُوَ يَقُول // (من الْبَسِيط) //
(الله يَعْلَمُ أنَّا لاَ نُحِبُّكُمُ ... وَلا نَلُومُكُم إِذْ لَمْ تُحِبُّونَا)
ثمَّ زحف كل مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه وكف الْفَرِيقَانِ عَنْهُمَا ينظرُونَ مَا يكون من الرجلَيْن فتكافحا بسيفهما نهارهما لَا يصل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه لكَمَال لأمته(2/580)
إِلَى أَن لحظ الْعَبَّاس فتقاً فِي درع الشَّامي فَأَهوى إِلَيْهِ بِيَدِهِ وهتكه إِلَى ثندوته ثمَّ عَاد لمجاولته وَقد انفرج لَهُ بعض الدرْع فَضَربهُ الْعَبَّاس ضَرْبَة انتظم بهَا جوائح صَدره فحول وَجهه وَكبر النَّاس تَكْبِيرَة ارتجت الأَرْض من تَحْتهم بهَا فَإِذا قَائِل يَقُول {قاتِلُوهُم يعُذِبهُمُ الله بأيدِيكم} التَّوْبَة 14 الْآيَة قَالَ ابْن الْأَغَر فَالْتَفت فَإِذا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لي يَا بن الْأَغَر من المبارز لعدونا قلت ابْن أخيكم هَذَا الْعَبَّاس بن ربيعَة فَقَالَ عَليّ للْعَبَّاس ألم أَنْهَك وَعبد الله بن عَبَّاس أَن تحلا بمركز كَمَا لَو تناشر آخِرنَا قَالَ الْعَبَّاس إِن ذَلِك كَمَا قلت قَالَ عَليّ فَمَا عدا مِمَّا بدا قَالَ الْعَبَّاس أفأدعى إِلَى البرَاز باسمي فَلَا أُجِيب فَقَالَ عَليّ طَاعَتك إمامك أولى من إِجَابَة عَدوك وتغيظ واستطار ثمَّ تطامن وَسكت وَرفع يَدَيْهِ مبتهلاً وَقَالَ اللَّهُمَّ اشكر للْعَبَّاس واغفر ذَنبه وتأسف مُعَاوِيَة على عزاز بن أَرقم ثمَّ قَالَ أَلا رجل شري نَفسه يطْلب بِدَم عزاز فَانْتدبَ لَهُ رجلَانِ من لخم من أهل الْبَأْس من صَنَادِيدهمْ قَالَ فاذهبا فأيكما قتل الْعَبَّاس فَلهُ مائَة أُوقِيَّة من التبر وَمثلهَا من اللجين وبعددها من برود الْيمن فَأتيَاهُ فدعواه للبراز وصاحا بَين الصفين يَا عَبَّاس اخْرُج إِلَى الدَّاعِي فَقَالَ الْعَبَّاس إِن لي سيداً أُرِيد أوامره فَأتى عليا وَهُوَ فِي جنَاح الميمنة يَخُوض النَّاس فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ عَليّ وَالله لود مُعَاوِيَة أَنه مَا بَقِي من بني هَاشم نافخ ضرمة إِلَّا طعن فِي بَطْنه إطفاءً لنُور الله ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس ناقلني سِلَاحك بسلاحي فناقله عَليّ ووثب على فرس الْعَبَّاس وَقصد اللخميين فَلم يشكا أَنه الْعَبَّاس فَقَالَا لَهُ أذن لَك صَاحبك فحرج أَن يَقُول نعم فَقَالَ {أُذِنَ لِلَذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنهُم ظُلِمُوا} الْحَج 39 الْآيَة وَكَانَ الْعَبَّاس أشبه النَّاس فِي جِسْمه وركوبه بعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فبرز لَهُ أَحدهمَا فكأنهما أَخطَأ رَأسه ثمَّ برز الآخر فألحقه بِالْأولِ ثمَّ أقبل يَقُول {الشهرُ الحرامُ بِالشهرِ الْحَرَام} الْبَقَرَة 194 الْآيَة ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس خُذ سِلَاحك وهات سلاحي فَإِن عَاد لَك أحد فعد لي ونمى الْخَبَر إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ قبح الله اللجاج وَمَا ركبته قطّ إِلَّا خذلت فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ المخذول وَالله اللخميان فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة اسْكُتْ أَيهَا الرجل فَلَيْسَ هَذَا من شَأْنك قَالَ عَمْرو فَإِن لم يكن الله رحم اللخميين وَلَا أرَاهُ يفعل قَالَ مُعَاوِيَة ذَاك(2/581)
وَالله أضيق لحجتك وأخسر لصفقتك قَالَ عَمْرو قد علمت ذَلِك وَلَوْلَا مصر وولايتها لركبت المسحاة عَنْهَا فَإِنِّي أعلن أَن ابْن أبي طَالب على الْحق وَأَنا على هَذِه فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مصر وَالله أعمتك وَلَوْلَا مصر لألفيت بَصيرًا وَكَانَ مَعَ عَليّ من الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة قتل مِنْهُم خَمْسَة وَعِشْرُونَ صحابياً وَلما تفَرقُوا عَليّ إِلَى الْكُوفَة وَمُعَاوِيَة إِلَى الشَّام كثر اخْتِلَاف الْكَلِمَة بَين أَصْحَاب عَليّ وتفاوت الرَّأْي وَعدم انتظام الْأُمُور وتبرأ الْأَخ من أَخِيه وتضارب الْقَوْم بنعال السيوف وَقيل بالنعال وتسابوا وَلَام كل الآخرَ وَلما وصل عَليّ الْكُوفَة انحاز عَنهُ سِتَّة آلَاف وَقيل اثْنَا عشر ألفا من الْقَوْم وَغَيرهم فنزلوا حَرَوراء قَرْيَة من قرى الْكُوفَة وَجعلُوا شبيب بن ربعي التَّمِيمِي عَلَيْهِم فَخرج إِلَيْهِم عَليّ وأدخلهم جَمِيعًا الْكُوفَة فَجعلُوا ينادون عليا وَهُوَ على الْمِنْبَر جزعت من البلية ورضيت بالقضية وَقبلت الدنية لَا حكم إِلَّا لله فَقَالَ عَليّ حكم الله انتظم فِيكُم فَيَقُولُونَ {وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الذَينَ مِن قَبلِكَ لئين أشركَت ليحبطن عمُلُكَ} الزمر 65 الْآيَة فَيَقُول عَليّ رَضِي الله عَنهُ {إنَ وَعدَ الله حق وَلَا يستخفنك الَّذين لَا يُؤمنُونَ} الرّوم 60 انْتهى بِحَمْد الله(2/582)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)
قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ عِكْرِمَة بن عمار حَدثنِي أَبُو زميل قَالَ حَدثنِي ابْن عَبَّاس قَالَ لما اجْتمعت الْخَوَارِج قلت لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أبرد بِالصَّلَاةِ لعَلي آتى الْقَوْم قَالَ فَإِنِّي أَخَافهُم عَلَيْك قلت كلا فَقَالَ أَنْت وَذَاكَ فَلبس حلتين من أحسن الْحلَل وَكَانَ جهيراً جميلا قَالَ فَأتيت الْقَوْم فَلَمَّا رأواني قَالُوا مرْحَبًا بِابْن عَبَّاس فَمَا هَذِه الْحلَّة قلت وَمَا تنكرون من ذَلِك لقد رَأَيْت على رَسُول الله
حلَّة من أحسن الْحلَل قَالَ ثمَّ تَلَوت عَلَيْهِم {قل مَن حرم يؤمنونَ اللهِ الَّتِي أخرج لِعبَاده} الْأَعْرَاف 32 الْآيَة قَالُوا فَمَا جَاءَ بك قلت جِئتُكُمْ من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن عِنْد أَصْحَاب رَسُول الله
وصهره فَأقبل بَعضهم على بعض وَقَالُوا لَا تُكَلِّمُوهُ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {بَل هُم قَوم خَصِمونَ} الزخرف 58 وَقَالَ بَعضهم وَمَا يمنعنا من كَلَام ابْن عَم رَسُول الله
يَدْعُونَا إِلَى كتاب الله فَقَالُوا ننقم عَلَيْهِ خلالا ثَلَاثًا أَحدهَا أَنه حكم الرِّجَال فِي دين الله وَمَا للرِّجَال وَحكم الله الثَّانِيَة أَنه قَاتل وَلم يسب وَلم يغنم فَإِن كَانَ قد حل قِتَالهمْ فقد حل سَبْيهمْ وَإِلَّا فَلَا الثَّالِثَة أَنه محا نَفسه من إمرة الْمُؤمنِينَ فَإِن لم يكن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهُوَ أَمِير الْمُشْركين قَالَ ابْن عَبَّاس هَل غير هَذَا فَقَالُوا حَسبنَا هَذَا فَقَالَ لَهُم أَرَأَيْتُم إِن خرجت لكم من كتاب الله وَسنة رَسُوله
أراجعون أَنْتُم قَالُوا وَمَا يمنعنا قَالَ أما قَوْلكُم إِنَّه حكم الرِّجَال فِي أَمر الله تَعَالَى فَإِنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {يحكُمُ بِهِ ذوَا عَدل مِنكُم} الْمَائِدَة 95 وَذَلِكَ فِي ثمن صيد أرنب وَنَحْوه قِيمَته ربع دِرْهَم فوض الله تَعَالَى فِي الحكم إِلَى الرِّجَال وَلَو شَاءَ أَن يحكم لحكم وَقَالَ {وَإِن خِفتم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَاَبعَثُوا حَكَمَاً مِن أهلِه وَحَكَمَاً مِّن أهلِهَا} الْآيَة النِّسَاء 35 أخرجت من هَذِه قَالُوا نعم قلت وَأما قَوْلكُم قَاتل وَلم يسب فَإِنَّهُ قَاتل أمكُم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وأزواجه أمَهاتهم} الْأَحْزَاب 6 فَإِن زعمتم أَنَّهَا لَيست بأمكم فقد كَفرْتُمْ وَإِن زعمتم أَنَّهَا أمكُم فَمَا حل سباؤها فَأنْتم بَين ضلالتين أخرجت من هَذِه قَالُوا نعم قلت وَأما(3/3)
قَوْلكُم إِنَّه محا سمه من إمرة الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أنبئكم عَن ذَلِك أما تعلمُونَ أَن رَسُول الله
يَوْم الْحُدَيْبِيَة جرى الْكتاب بَينه وَبَين سُهَيْل بن عَمْرو كتاب الصُّلْح والهدنة فَقَالَ يَا عَليّ اكْتُبْ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ سُهَيْل لَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك الدُّخُول وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ اسْمك وَاسم أَبِيك فَقَالَ
اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي رَسُولك ثمَّ أَخذ الصَّحِيفَة فمحاها بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ يَا عَليّ اكْتُبْ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله إِلَخ فوَاللَّه مَا أخرجه ذَلِك عَن النُّبُوَّة أخرجت من هَذِه قَالُوا نعم قَالَ فَرجع ثلثهم وَانْصَرف ثلثاهم وَقتل سَائِرهمْ على الضَّلَالَة يَوْم النهروان كَمَا يَأْتِي قَرِيبا ذكره قَالَ عَوْف حَدثنَا أَبُو نَضرة عَن أبي سعيد تفترق أمتِي فرْقَتَيْن تمرق بَينهمَا مارقة تقتلهم أولى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَهَكَذَا رَوَاهُ قَتَادَة وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن أبي نَضرة قاْل المَسْعُودِيّ فَاجْتمع الثُّلُث الْبَاقِي من الْخَوَارِج فِي أَرْبَعَة آلَاف قلت ظهر أَن المَسْعُودِيّ رجح رِوَايَة أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر ألفا فَكَانَ الثُّلُث أَرْبَعَة آلَاف وَبَايَعُوا عبد الله بن وهب الرَّاسِبِي وَلَحِقُوا بِالْمَدَائِنِ وَقتلُوا عَامل عَليّ عَلَيْهَا عبد الله بن خباب ذبحوه ذبحا وبقروا بَطْنه وبطن امْرَأَته وَكَانَت حَامِلا وَقتلُوا غَيرهَا من النِّسَاء وَكَانَ عَليّ قد انْفَصل عَن الْكُوفَة فِي خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا ثمَّ سَارُوا إِلَى النهروان وأتى إِلَى عَليّ من قبل عَامله على الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس ثَلَاثَة آلَاف فيهم الْأَحْنَف بن قيس وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فَنزل عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى الأنبار والتأمت عَلَيْهِ العساكر فَسَار حَتَّى أَتَى إِلَى النهروان فَبعث إِلَيْهِم عَليّ بِالْحَارِثِ بن مرّة الْعَبْدي رَسُولا يَدعُوهُم إِلَى الرُّجُوع فَقَتَلُوهُ وبعثوا إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن تبتَ من حكومتك وَشهِدت على نَفسك بالْكفْر بايعناك(3/4)
وَإِن أَبيت فاعتزلنا حَتَّى نَخْتَار لأنفسنا إِمَامًا فَإنَّا مِنْك بُرَآء فَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه سِيرُوا إِلَى الْقَوْم فَإِنَّكُم تجدونهم قد عسكروا بالرملة فوَاللَّه لَا يفلت مِنْهُم عشرَة وَلَا يقتل مِنْكُم عشرَة فَأَشْرَف عَلَيْهِم وَقد عسكروا بالرملة على حسب مَا قَالَه لأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ أَتَى عَلَيْهِم فَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا سَبْعَة وَلم يقتل من أَصْحَاب على إِلَّا تِسْعَة فَقَالَ الله أكبر لقد صدق رَسُول الله
فقد أَخْبرنِي بذلك ثمَّ أَمر ينظر المخدج من بَين الْقَتْلَى وَهُوَ ذُو الثدية لحم مُجْتَمع على مَنْكِبه كثدي الْمَرْأَة عَلَيْهِ شَعرَات سود إِذا مدت اللحمة امتدت حَتَّى تحاذي بطن يَده ثمَّ تتْرك فتعود إِلَى مَنْكِبه فَلَمَّا وجدوه بَين الْقَتْلَى ثني عَليّ رَضِي الله عَنهُ رجله وَنزل فَخر سَاجِدا وَمر بهم وهم صرعى فَقَالَ لقد صرعكم من غركم قَالُوا وَمن غرهم قَالَ الشَّيْطَان
(التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل)
لما كَانَ رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وصل من قبل عَليّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي أَرْبَعمِائَة أَمِيرهمْ شُرَيْح بن هَانِئ وَوصل من قبل مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي أَرْبَعمِائَة كَذَلِك أَمِيرهمْ شُرَحْبِيل بن السمط فَلَمَّا تدانى الْقَوْم من الْموضع الَّذِي كَانَ الِاجْتِمَاع فِيهِ قَالَ ابْن عَبَّاس لأبي مُوسَى إِن عليا لم يرض بك حكما لفضل عنْدك والمقدمون عَلَيْك كَثِيرُونَ وَإِنَّمَا النَّاس أَبَوا غَيْرك وَإِنِّي أَظن لشر يُرَاد بهم وَقد ضم داهية الْعَرَب مَعَك فمهما نسيت فَلَا تنس أَن عليا بَايعه الَّذين بَايعُوا أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَلَيْسَت فِيهِ خصْلَة تباعده عَن الْخلَافَة وَلَيْسَ فِي مُعَاوِيَة خصْلَة تقربه من الْخلَافَة وَكَانَ مُعَاوِيَة قد وصّى عمرا فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله إِن أهل الْعرَاق قد أكْرهُوا عليا على أبي مُوسَى وَإِن أهل الشَّام راضون بك وَقد ضم إِلَيْك رجل طَوِيل اللِّسَان قصير الرَّأْي فأجد الحز وطبق الْمفصل وَلَا تلقه بِرَأْيِك كُله فَلَمَّا اجْتمعَا قَالَ عَمْرو لأبي مُوسَى تكلم وَلَا تقل إِلَّا خيرا فَقَالَ أَبُو مُوسَى بل تكلم أَنْت فَقَالَ عَمْرو مَا كنت لأَفْعَل وَلَا أقدم نَفسِي عَلَيْك وَلَك حُقُوق(3/5)
كلهَا وَاجِبَة السنك وصحبتك رَسُول الله
وَأَنت حقيق فَتكلم أَبُو مُوسَى فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر الْحَدث الَّذِي حل بِالْإِسْلَامِ ثمَّ قَالَ يَا عَمْرو هَلُمَّ إِلَى أَمر يجمع الله بِهِ الألفة ويلم الشعث وَذَات الْبَين فجزاه عَمْرو خيرا ثمَّ قَالَ عَمْرو إِن للْكَلَام أولاًَ وآخراً وَمَتى تنازعنا الْكَلَام خطباً لم يبلغ آخِره حَتَّى ينسى أَوله فَاجْعَلْ مَا كَانَ من كَلَام يتصادق عَلَيْهِ فِي كتاب يصير إِلَيْهِ أمرنَا قَالَ أَبُو مُوسَى فَاكْتُبْ فَدَعَا عَمْرو بِصَحِيفَة وَغُلَام لَهُ كَاتب فَتقدم إِلَيْهِ أَن يبْدَأ بِهِ أَولا دون أبي مُوسَى لما أَرَادَ من الْمَكْر ثمَّ قَالَ لَهُ بِحَضْرَة الْجَمَاعَة اكْتُبْ فَإنَّك شَاهد علينا وَلَا تكْتب شَيْئا يَأْمُرك بِهِ أَحَدنَا حَتَّى تستأمر فِيهِ الآخر فَإِذا أَمرك فَاكْتُبْ وَإِذا نهاك عَنهُ فانته حَتَّى يجْتَمع رَأينَا اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا تقاضى عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان فَكتب وَبَدَأَ بِعَمْرو فَقَالَ لَهُ عَمْرو لَا أم لَك تقدمني قبله كَأَنَّك جَاهِل حَقه فَبَدَأَ باسم أبي مُوسَى عبد الله بن قيس وَكتب تقاضيَا على أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى الْآيَة ثمَّ قَالَ عَمْرو نشْهد أَن أَبَا بكر خَليفَة رَسُول الله عمل بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ وَقد أدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مُوسَى اكْتُبْ ثمَّ ذكر فِي عمر مَا ذكر فِي أبي بكر ثمَّ قَالَ اكْتُبْ وَإِن عُثْمَان ولي هَذَا الْأَمر باجتماع الْمُسلمين وشورى من أَصْحَاب رَسُول الله
وَرَضي عَنْهُم وَإنَّهُ كَانَ مُؤمنا فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَيْسَ هَذَا مِمَّا قعدنا لَهُ فَقَالَ عَمْرو وَالله لَا بُد أَن يكون مُؤمنا أَو كَافِرًا فَقَالَ أَبُو مُوسَى مُؤمنا فَقَالَ عَمْرو فمره يكْتب فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ فَكتب فَقَالَ عَمْرو ظَالِما قتل أَو مَظْلُوما فَقَالَ أَبُو مُوسَى بل قتل مَظْلُوما قَالَ عَمْرو أَو لَيْسَ قد جعل الله لوَلِيّ الْمَظْلُوم سُلْطَانا يطْلب بدمه قَالَ أَبُو مُوسَى بلَى قَالَ عَمْرو فعلى ذَلِك قَاتله يقتل أَيْنَمَا وجد قَالَ أَبُو مُوسَى نعم قَالَ عَمْرو فَهَل تعلم لعُثْمَان وليا أقرب من مُعَاوِيَة قَالَ لَا قَالَ عَمْرو أفليس لمعاوية أَن يطْلب قَاتله حَيْثُ وجد حَتَّى يقْتله أَو يعجزه قَالَ أَبُو مُوسَى بلَى قَالَ عَمْرو قل لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ فَأمره أَبُو مُوسَى فَكتب فَقَالَ عَمْرو فَإنَّا نُقِيم الْحجَّة الْبَيِّنَة أَن عليا(3/6)
قتل عُثْمَان قَالَ أَبُو مُوسَى هَذَا أَمر قد حدث فِي الْإِسْلَام وَإِنَّمَا اجْتَمَعنَا لغيره فَهَلُمَّ إِلَى أَمر يصلح الله بِهِ أَمر أمة مُحَمَّد
فَقَالَ عَمْرو وَمَا هُوَ قَالَ أَبُو مُوسَى قد علمت أَن أهل الْعرَاق لَا يحبونَ مُعَاوِيَة وَأهل الشَّام لَا يحبونَ عليا فَهَلُمَّ نخلَعهما ويستخلف عبد الله ابْن عمر وَكَانَ زوج بنته فَقَالَ عَمْرو وَيفْعل ذَلِك عبد الله قَالَ أَبُو مُوسَى نعم إِذا حمله النَّاس عَلَيْهِ فعزم عَمْرو إِلَى كل مَا مَال إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى فصوبه فَقَالَ عَمْرو هَل لَك فِي سعد وَعدد جمَاعَة فَأبى أَبُو مُوسَى إِلَّا عبد الله بن عمر فَجعل عَمْرو الصَّحِيفَة بعد أَن ختماها تَحت قدمه وَقَالَ أَرَأَيْت إِن رَضِي أهل الْعرَاق بِعَبْد الله بن عمر وأباه أهل الشَّام أنقاتلهم قَالَ لَا فَإِن رَضِي أهل الشَّام بِهِ وأباه أهل الْعرَاق أنقاتل أهل الْعرَاق قَالَ لَا قَالَ عَمْرو وَأما إِذا رَأَيْت الصّلاح فِي هَذَا الْأَمر وَالْخَيْر للْمُسلمين فَقُمْ واخطب النَّاس واخلع صاحبينا جَمِيعًا وَتكلم باسم هَذَا الرجل الَّذِي يسْتَخْلف فَقَالَ أَبُو مُوسَى بل أَنْت قُم فاخطب فَأَنت أَحَق بذلك فَقَالَ عَمْرو مَا أحب أَن أتقدمك وَمَا قولي وقولك للنَّاس إِلَّا قَول وَاحِد فَقُمْ راشداً فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه
ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّا نَظرنَا فِي أمرنَا فَرَأَيْنَا أقرب مَا يحضرنا فِي الْأَمْن وَالصَّلَاح وَلم الشعث وحقن الدِّمَاء وَجمع الألفة خلعنا عليا وَمُعَاوِيَة وَقد خلعت عليا كَمَا خلعت عمامتي هَذِه ثمَّ أَهْوى إِلَى عمَامَته فحولها عَن رَأسه واستخلفنا رجلاَ صحب رَسُول الله
بِنَفسِهِ وَصَحب أَبوهُ النَّبِي فبرز فِي سابقته وَهُوَ عبد الله بن عمر فأطراه فَرغب النَّاس فِيهِ ثمَّ نزل فَقَامَ عَمْرو فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه
ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن أَبَا مُوسَى قد خلع عليا وَأخرجه من الْأَمر الَّذِي يطْلب وَهُوَ أعلم بِهِ أَلا وَإِنِّي قد خلعت عليا مَعَه وَأثبت مُعَاوِيَة عَليّ وَعَلَيْكُم وَإِن أَبَا مُوسَى قد كتب فِي الصَّحِيفَة أَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما شَهِيدا وَأَن لوَلِيِّه سُلْطَانا يطْلب بدمه وَله طاعتنا وبيعتنا(3/7)
على الطّلب بِدَم عُثْمَان فَقَالَ أَبُو مُوسَى كذب عَمْرو لم اسْتخْلف مُعَاوِيَة وَلَكنَّا خلعناه وعلياً فَقَالَ عَمْرو بل كذب أَبُو مُوسَى قد خلع عليا وَلم يخلع مُعَاوِيَة قلت وَرَأَيْت وَجها آخر فِي كَيْفيَّة ذَلِك ذكره المطرزي شَارِح المقامات فِي شرحها فَقَالَ إِن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لأبي مُوسَى بعد أَن أظهر لَهُ عَمْرو الْمُوَافقَة على تَوْلِيَة عبد الله بن عمر وَصوب رَأْيه فِي ذَلِك قُم فاخلع عليا ثمَّ انْزِلْ فَإِذا نزلت قُمْت أَنا فخلعت صَاحِبي مُعَاوِيَة وأقمت عبد الله بن عمر كَمَا أَشرت فَإِن تَكُ وثبة من الشِّيعَة قوبلت بهَا دُونك فَلَمَّا قَامَ عَمْرو بعد أبي مُوسَى فعل مَا فعل ثمَّ نزل قَائِلا إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَن قُتِلَ مَظلُومُاً فَقد جَعلنا لِوليهِ سُلطانَاً فَلا يسرِف فِي القَتل إنهُ كاَنَ مَنصُوراً} الْإِسْرَاء 33 وَوجدت فِي مروج الذَّهَب وَجها آَخر فِي ذَلِك هُوَ أَنَّهُمَا لما اتفقَا على خلع عَليّ ومعاويةّ اتفقَا على أَن يجعلا الْأَمر شُورَى بعد ذَلِك يخْتَار النَّاس لَهُم رجلا صَالحا يصلح فَفعل عَمْرو مَا فعل وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا مُوسَى قَالَ لَهُ حِينَئِذٍ لعنك الله غدرت وفجرت إِنَّمَا مثلك كَمثل الْكَلْب ثمَّ ركله فَأَلْقَاهُ لجنبه على الأَرْض وارتحل أَبُو مُوسَى وَلحق بِمَكَّة حَيَاء وَلم يعد إِلَى الْكُوفَة وَقد كَانَ بهَا أَهله وَولده وآلى أَلا ينظر إِلَى وَجه عَليّ أبدا مَا بَقِي وَمضى عَمْرو وَسعد بن أبي وَقاص إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ المَسْعُودِيّ قَالَ ابْن عَبَّاس يُخَاطب أَبَا مُوسَى من // (الوافر) //)
(أَبَا موسَى بُليتَ وكُنْت شَيخا ... قريبَ الْعَفو مخزونَ اللسانِ)
(وَمَا عَمْرو صفاتكَ يَا بْنَ قيسٍ ... فيا للِه مِنْ شيخٍ يماني)
)
فأمسيت العشيةَ ذَا اعتذارٍ ... ضعيفَ الرأْيِ منكوب الْجنان)
(فغضَّ الكفَّ من ندمٍ وماذا ... يَرُدُّ عليكَ عضُّكَ للبنانِ)
وَفِي مثل هَذَا الْمَعْنى يَقُول خُزَيْمَة بن مَالك الْأَسدي من // (الْبَسِيط) //
(لَو كَانَ للقومِ رأيٌ يُعْصَمُونَ بِهِ ... عِنْدَ الخطوبِ رمُوْكُمْ بِابْن عباسِ)(3/8)
(لكنْ رموكمْ بِوغَدٍ مِنْ ذَوي يمَنِ ... لم يدر مَا ضرْبُ أخْمَاسٍ بأَسْداسِ)
وَلما انْصَرف الْفَرِيقَانِ من حَيْثُ كَانَا إِلَى حَيْثُ جَاءَ دخل عَمْرو بن الْعَاصِ سترا لَهُ وَلم يَأْتِ مُعَاوِيَة فَأرْسل مُعَاوِيَة يَدعُوهُ فَقَالَ عَمْرو إِنَّمَا كنت آتِيك إِذْ كَانَت لي إِلَيْك حَاجَة فَأَما إِذا كَانَت الْحَاجة إِلَيْنَا فَأَنت أَحَق أَن تَأْتِينَا فَعلم مُعَاوِيَة مَا قد دفع إِلَيْهِ فخمر الرَّأْي وأعمل الْحِيلَة فَأمر بِطَعَام كثير يصنع ثمَّ دَعَا الْخَاصَّة ومواليه فَقَالَ لَهُم إِنِّي سأغدوا إِلَى هَذَا فَإِذا دَعَوْت بِالطَّعَامِ قدمُوا موَالِيه وَأَهله فليجلسوا قبلكُمْ فَإِذا شبع الرجل مِنْهُم فَقَامَ فليجلس رجل مِنْكُم مَكَانَهُ فَإِذا خَرجُوا وَلم يبْق فِي الْبَيْت غَيْركُمْ فأغلقوا الْبَاب واحذروا أَن يدْخل مِنْهُم أحد إِلَّا أَن آمركُم وغدَا عَلَيْهِ مُعَاوِيَة وَعَمْرو جَالس على فرشه فَلم يقم لَهُ عَنهُ وَلَا دَعَاهُ إِلَيْهِ فجَاء مُعَاوِيَة فَجَلَسَ على الأَرْض واتكأ على نَاحيَة الْفراش وَذَلِكَ أَن عمرا كَانَ عِنْد نَفسه أَنه ملك الْأَمر وَإِلَيْهِ التصريف حَيْثُ يَشَاء بندب الْخلَافَة من يرى فَخرج بَينهمَا كَلَام كثير فَكَانَ فِيمَا قَالَه عَمْرو لمعاوية هَذَا لكتاب وَأَشَارَ إِلَى صَحِيفَته التحاكم بَينه وَبَين أبي مُوسَى السَّابِق ذكرهَا عَلَيْهِ خَاتمِي وخاتمه قد أقرّ بِأَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما وَأخرج عليا من هَذَا الْأَمر وَعرض عَليّ رجَالًا هم لهَذَا الْأَمر أهل وَبِهَذَا الْأَمر إِلَيّ اسْتخْلف عَلَيْهِ من شِئْت فقد أَعْطَانِي أهل الشَّام عَهدهم ومواثيقهم على الرِّضَا بِمن أختاره فجَاء مُعَاوِيَة وضاحكه وداعبه يحوله عَمَّا كَانَ فِيهِ ثمَّ قَالَ يَا أَبَا عبد الله هَل من غداء فَقَالَ عَمْرو أما شَيْء يسع مَا ترى فَلَا وَالله فَقَالَ مُعَاوِيَة هَلُمَّ غدائي فجيء بِالطَّعَامِ الْمعد فَوضع فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا عبد الله ادْع مواليك وَأهْلك فَدَعَاهُمْ فَقَالَ عَمْرو فَادع أَصْحَابك ومواليك قَالَ نعم يَأْكُل أَصْحَابك أَولا ثمَّ يجلس هَؤُلَاءِ بعد فَجعلُوا كلما قَامَ رجل من أَصْحَاب عَمْرو جلس مَوْضِعه رجل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة حَتَّى لم يبْق من أَصْحَاب عَمْرو وَاحِد فَقَامَ الَّذِي وَكله بِالْبَابِ فأغلقه فَقَالَ لَهُ عَمْرو فعلتها فَقَالَ نعم وَالله بيني وَبَيْنك أَمْرَانِ أَيهمَا شِئْت فعلت قَالَ مَا هما قَالَ الْبيعَة أَو قَتلك لَيْسَ وَالله غَيرهمَا قَالَ عَمْرو فَأذن لغلامي وردان أَسْتَشِيرهُ وَأنْظر رَأْيه قَالَ مُعَاوِيَة(3/9)
لَا ترَاهُ وَالله وَلَا يراك إِلَّا قَتِيلا أَو على مَا قلت لَك قَالَ عَمْرو فأوف إِذن بطعمة مصر قَالَ هِيَ لَك مَا عِشْت فاستوثق كل مِنْهُمَا من صَاحبه وأحضر مُعَاوِيَة الْخَواص من أهل الشَّام وَمنع أَن يدْخل مَعَهم من حَاشِيَة عَمْرو أحد قَالَ لَهُم عَمْرو قد رَأَيْت أَن أبايع مُعَاوِيَة فَلم لم أر أحدا أقوى على هَذَا الْأَمر مِنْهُ فَبَايعهُ أهل الشَّام وَانْصَرف مُعَاوِيَة إِلَى منزله خَليفَة قَالَ الْعَلامَة الْبَيْهَقِيّ من كتاب المحاسن عَن عَمْرو بن الْأَصَم قَالَ حَدثنَا رجل من بني هَاشم فَقَالَ أصلح الله الْأَمِير أَلا أحَدثك بفضائل أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب قَالَ نعم قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حضرت مجْلِس مُحَمَّد ابْن عَائِشَة بِالْبَصْرَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجل من وسط الْحلقَة فَقَالَ يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن من أفضل أَصْحَاب رَسُول الله
فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعد الْعشْرَة مَا عدا عليا فَقلت فَأَيْنَ عَليّ فَقَالَ مَا هَذَا تَسْأَلنِي عَن أَصْحَاب رَسُول الله
أَو عَن نَفسه قَالَ بل عَن أَصْحَابه فَقَالَ إِن الله تَعَالَى يَقُول {فَقُل تعَالَوا نَدع أَبْنَائِنَا وأبنائكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ} آل عمرَان 61 فَكيف يكون أَصْحَابه مثل نَفسه وَعَن عَطاء كَانَ لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ موقف من رَسُول الله
يَوْم الْجُمُعَة إِذا خرج أَخذ بِيَدِهِ فَلَا يخطو خطْوَة إِلَّا قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا عَليّ ابْتغى مرضاتك فارض عَنهُ حَتَّى يصعد الْمِنْبَر وروى أَبُو عُثْمَان قَاضِي الرّيّ عَن الْأَعْمَش عَن سعيد بن جُبَير قَالَ كَانَ عبد الله بن عَبَّاس يحدث على شَفير زَمْزَم وَنحن عِنْده فَلَمَّا قضى حَدِيثه قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا بن عَبَّاس إِنِّي رجل من أهل الشَّام رَأَيْتهمْ يتبرءون من عَليّ ويلعنونه فَقَالَ ابْن عَبَّاس لعنهم الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأعد لَهُم عذَابا مهيناً ألبعد قرَابَته من رَسُول الله
أَو أَنه لم يكن أول ذكران الْعَالمين إِيمَانًا بِاللَّه وَرَسُوله وَأول من صلى وَركع وَعمل بأعمال الْبر قَالَ الشَّامي إِنَّهُم وَالله مَا يُنكرُونَ من قرَابَته وسابقته غير أَنهم يَزْعمُونَ أَنه قتل(3/10)
النَّاس فَقَالَ ابْن عَبَّاس ثكلتهم أمهاتهم إِن عليا أعرف بِاللَّه وَرَسُوله وبحكمهما مِنْهُم فَلم يقتل إِلَّا من اسْتحق الْقَتْل فَقَالَ يَا بن عَبَّاس إِن قومِي جمعُوا لي نَفَقَة وَأَنا رسولهم إِلَيْك وأمينهم لَا يسعك أَن تردني بِغَيْر حَاجَتي فَإِن الْقَوْم هالكون فِي حَقه فَفرج عونهم فرج الله عَنْك فَقَالَ ابْن عَبَّاس يَا أَخا الشَّام إِن مثل عَليّ بن أبي طَالب فِي هَذِه الْأمة فِي عمله وفضله كَمثل العَبْد الصَّالح الَّذِي لقِيه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين انْتهى إِلَى سَاحل الْبَحْر فَقَالَ {هَل أَتبعك على أَن تُعلِمَنِ مِمَا علمتَ رُشداً} الْكَهْف 66 قَالَ الْعَالم {إنَك لَن تستَطِيعَ معي صبرا وَكَيف تصبِر} الْكَهْف 67 68 الْآيَة فَلَمَّا خرق السَّفِينَة لم يصبر مُوسَى وَترك مَا ضمن لَهُ من ترك السُّؤَال فِي خرق السَّفِينَة وَقتل الْغُلَام وَإِقَامَة الْجِدَار وَكَانَ الْعَالم أعلم بِمَا يَأْتِي من مُوسَى وَكبر على مُوسَى الْحق واعظم إِذْ لم يكن يعرفهُ وَهُوَ نَبِي مُرْسل فَكيف أَنْت يَا أَخا أهل الشَّام وَأَصْحَابك إِن عليا لم يقتل إِلَّا من كَانَ يسْتَحق الْقَتْل وَإِنِّي أخْبرك أَن رَسُول الله
كَانَ عِنْد أم سَلمَة زَوجته إِذْ أقبل عَليّ يُرِيد الدُّخُول فَنقرَ نقراً خَفِيفا فَعرف النَّبِي
نقره فَقَالَ يَا أم سَلمَة قومِي فافتحي الْبَاب فَقَالَت يَا رَسُول الله من ذَا الَّذِي يبلغ خطره أَن أستقبله بمحاسني فَقَالَ يَا أم سَلمَة إِن طَاعَتي طَاعَة الله عز وَجل قومِي فافتحي فَإِن بِالْبَابِ رجلا لَيْسَ بالخرق وَلَا بالنزق وَلَا بالعجل فِي أمره يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يَا أم سَلمَة إِن تفتحي الْبَاب لَهُ فَلَنْ يدْخل حَتَّى يخفي عَلَيْهِ الْوَطْء فَلم يدْخل حَتَّى غَابَتْ عَنهُ وخفي عَلَيْهِ الْوَطْء فَلَمَّا لم يحس لَهَا حَرَكَة دفع الْبَاب وَدخل فَسلم على النَّبِي
فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ يَا أم سَلمَة هَل تعرفين هَذَا قَالَت نعم هَذَا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ رَسُول الله
نعم هَذَا عَليّ سيط لَحْمه بلحمي وَدَمه بدمي وَهُوَ مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي يَا أم سَلمَة هَذَا عَليّ سيد الْمُؤمنِينَ وأمير الْمُسلمين وَمَوْضِع سري وَعلمِي وبابي الَّذِي الرَّأْي إِلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيّ على أهل بَيْتِي والأخيار من(3/11)
أمتِي وَهُوَ أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ معي فِي السناء الْأَعْلَى اشهدي يَا أم سَلمَة أَن عليا يُقَاتل النَّاكِثِينَ والقاسطين والمارقين قَالَ ابْن عَبَّاس وقتلهم لله رضَا وللأمة صَلَاح وَلأَهل الضَّلَالَة سخط فَقَالَ الشَّامي يَا بن عَبَّاس من الناكثون قَالَ الَّذين بَايعُوا عليا بِالْمَدِينَةِ ثمَّ نكثوا فَقَاتلهُمْ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ أَصْحَاب الْجمل وَأما القاسطون مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه والمارقون أهل النهران وَمن مَعَهم فَقَالَ الشَّامي يَا بن عَبَّاس مَلَأت صَدْرِي نورا وَحِكْمَة وفرجت عني فرج الله تَعَالَى عَنْك أشهد أَن عليا مولَايَ وَمولى كل مُؤمن ومؤمنة وَكتب مُعَاوِيَة إِلَى عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أما بعد فَلَو علمنَا أَن الْحَرْب تبلغ منا ومنك مَا بلغت لم نحثها بَعْضًا على بعض وَإِنَّا وَإِن كُنَّا قد غلبنا على عقولنا بَقِي لنا مِنْهَا مَا نروم بِهِ مَا مضى ونصلح مَا بَقِي وَقد كنت سَأَلتك الشَّام على أَنه لَا يلْزَمنِي لَك طَاعَة وَأَنا أَدْعُوك الْيَوْم إِلَى مَا دعوتك إِلَيْهِ أمس فَإنَّك لَا ترجو من الْبَقَاء إِلَّا مَا أَرْجُو وَلَا تخَاف من الْقَتْل إِلَّا مَا أَخَاف وَقد وَالله بردت الأحقاد وَذَهَبت الأدغال وَنحن بَنو عبد منَاف وَلَيْسَ لبعضها على بعض فضل يستذل بِهِ العَبْد ويسترق بِهِ حر وَالسَّلَام فَكتب إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب من عَليّ بن أبي طَالب إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أما بعد فقد جَاءَنِي كتابك تذكر فِيهِ أَنَّك لَو علمت أَن الْحَرْب تبلغ منا ومنك مَا بلغت لم نحثها بَعْضًا على بعض فَإنَّا وَإِيَّاك نلتمس مِنْهَا غَايَة لم ندركها بعد وَأما طَلَبك مني الشَّام فَلم أكن لأعطيك الْيَوْم مَا منعتك أمس وَأما استواؤنا فِي الْخَوْف والرجاء فلست أمضي على الشَّك مني على الْيَقِين وَلَيْسَ أهل الشَّام على الدُّنْيَا بأحرص من أهل الْعرَاق على الْآخِرَة وَأما قَوْلك إِنَّا بَنو عبد منَاف فَلَيْسَ أُميَّة كهاشم وَلَا حَرْب كَعبد الْمطلب وَلَا أَبُو سُفْيَان كَأبي طَالب وَلَا الطليق كالمهاجر وَلَا الْمُبْطل كالمحق وَفِي أَبينَا فضل النُّبُوَّة الَّتِي قتلنَا بهَا الْعَزِيز وبعنا بهَا الْحر وَالسَّلَام ثمَّ كتب مُعَاوِيَة إِلَى قيس بن سعد بن عبَادَة عَامل عَليّ على مصر وَأما بعد فَإنَّك يَهُودِيّ ابْن يَهُودِيّ وَإِن ظفر أحب الْفَرِيقَيْنِ إِلَيْك عزلك واستبدل بك وَإِن ظفر أبغضهما إِلَيْك نكل بك وقتلك وَكَانَ أَبوك أوتر قوسه وَرمى غَرَضه فَأكْثر الحز وَأَخْطَأ الْمفصل قلت هَذَا من مُعَاوِيَة يُشِير بِهِ إِلَى منع أَبِيه سعد بن عبَادَة عَن بيعَة أبي بكر ثمَّ عَن بيعَة عمر وطمعه أَن يكون هُوَ الْخَلِيفَة وَجمع قومه الْخَزْرَج فِي ذَلِك حَتَّى اجْتَمعُوا إِلَى سَقِيفَة بني سَاعِدَة كَمَا تقدم ذكر ذَلِك عِنْد ذكر خلَافَة أبي بكر الصّديق فخذله قومه وأدركه يَوْمه فَمَاتَ فِي حوران ضريراً فَكتب إِلَيْهِ قيس أما أَنْت فوثني ابْن وَثني دخلت فِي الْإِسْلَام كرها وَخرجت مِنْهُ طَوْعًا لم يتَقَدَّم إيمانك وَلم يحدث نفاقك وَكَانَ أبي أوتر قوسه وَرمى غَرَضه فشعب بِهِ من لم يبلغ عقبه وَلَا تَنْشَق غباره وَنحن أنصار الدّين الَّذِي مِنْهُ خرجت وأعداء الدّين الَّذِي فِيهِ دخلت وَلما صرف عَليّ رَضِي الله عَنهُ قيس بن سعد عَن مصر وَولي مَكَانَهُ مُحَمَّد بن أبي بكر كتب مُحَمَّد إِلَى مُعَاوِيَة من مُحَمَّد بن أبي بكر إِلَى الغاوي مُعَاوِيَة بن صَخْر أما بعد فَإِن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بِلَا عَبث مِنْهُ وَلَا ضعف فِي قُوَّة وَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى خلقهمْ وَلكنه خلقهمْ عبيدا وَجعل مِنْهُم غوياً ورشيداً وشقياً وسعيداً اخْتَار على علم وَاصْطفى وانتخب مِنْهُم مُحَمَّد
فانتخبه بِعِلْمِهِ واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه وَبَعثه رسولاَ ودليلا فَكَانَ أول من أجَاب وأناب وأذعن وَصدق وَأسلم وَأَخُوهُ وَابْن عَمه عَليّ بن أبي طَالب صدقه بِالْغَيْبِ المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه بِنَفسِهِ كل هول وَحَارب حربه وَسَالم سلمه فَلم يبرح مبتذلاَ لنَفسِهِ سَاعَات اللَّيْل بالخوف والخشوع والخضوع حَتَّى برز شارقاً لَا نَظِير لَهُ مِمَّن اتبعهُ وَلَا مقارب لَهُ فِي فعله وَقد رَأَيْتُك تنَال مِنْهُ وَأَنت أَنْت وَهُوَ هُوَ أصدق النَّاس نِيَّة وأفضلهم(3/12)
ذُرِّيَّة وَخير النَّاس زَوْجَة وَأفضل النَّاس ابْن عَم أَخُوهُ الساري بِنَفسِهِ يَوْم مُؤْتَة قلت يُرِيد بِهِ جَعْفَر الطيار رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَمه سيد الشُّهَدَاء يَوْم أحد وَأَبوهُ الذاب عَن رَسُول الله
وَعَن حوزته وَأَنت اللعين ابْن اللعين لم تزل أَنْت وَأَبُوك تبغيان لرَسُول الله
الغوائل وتجتهدان فِي إطفاء نور الله وتجمعان على ذَلِك الجموع وتبذلان فِيهِ الْأَمْوَال وتؤلبان عَلَيْهِ الْقَبَائِل على ذَلِك مَاتَ أَبوك وَعَلِيهِ خَليفَة والشهيد عَلَيْك من تدني ولجأ إِلَيْك من بَقِيَّة الْأَحْزَاب ورؤساء النِّفَاق وَالشَّاهِد لعَلي أنصاره الَّذين ذكرهم بفضله وَأثْنى عَلَيْهِم من الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فهم مَعَه كتائب وعصائب يرَوْنَ الْحق فِي أَتْبَاعه والشقاء فِي الْخلَافَة فَكيف بك لَك الويل تعدل نَفسك بعلي وَهُوَ وَارِث رَسُول الله
ووليه وَأَبُو وَلَده وَأولى النَّاس بِهِ اتبَاعا وأقربهم بِهِ عهدَاً يُخبرهُ بسره ويطلعه على أمره وَأَنت عدوه فتمتع فِي دُنياك مَا اسْتَطَعْت بباطنك وليمددك ابْن العَاصِي فِي غوايتك فَإِن أَجلك قد انْقَضى وكبرك قد دهى ثمَّ تبين لَك لمن تكون الْعَافِيَة الْعليا وَاعْلَم أَنَّك إِنَّمَا تكايد رَبك الَّذِي أمنت كَيده ويئست من روحه فَهُوَ لَك بالمرصاد وَأَنت مِنْهُ فِي غرَّة وَالسلام على من اتبع الْهدى فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة من مُعَاوِيَة بن أبي صَخْر إِلَى الزاري على أَبِيه مُحَمَّد بن أبي بكر أما بعد فقد أَتَانِي كتابك تذكر فِيهِ مَا الله أَهله فِي عَظمته وقدرة سُلْطَانه وَمَا اصْطفى بِهِ رَسُول الله
مَعَ كَلَام كثير فِيهِ لَك تَضْعِيف ولأبيك فِيهِ تعسيف وَذكرت فضل عَليّ بن أبي طَالب وَقدم سوابقه وقرابته من رَسُول الله
ومواساته إِيَّاه فِي كل هول وَخَوف فَكَانَ احتجاجك عَليّ وعيبك لي فضل غَيْرك لَا بِفَضْلِك فَأَحْمَد رَبًّا صرف هَذَا الْفضل عَنْك وَجعله فِي غَيْرك فقد كُنَّا وَأَبُوك مَعًا نَعْرِف فضل عَليّ وَحقه لَازم لنا مبرز علينا فَلَمَّا اخْتَار الله لنَبيه مَا عِنْده وَأتم لَهُ مَا وعده وَأظْهر دَعوته وأفلج حجَّته وَقَبضه إِلَيْهِ كَانَ أَبوك وفاروقه أول من(3/14)
انتزع حَقه وَخَالفهُ عَن أمره على ذَلِك اتفقَا واتسقا ثمَّ إنَّهُمَا دَعْوَاهُ إِلَى بيعتهما فَأَبْطَأَ عَنْهُمَا وتلكأ عَلَيْهِمَا فهما بِهِ الهموم وأرادا بِهِ الْعَظِيم ثمَّ إِنَّه بَايع لَهما وَسلم إِلَيْهِمَا فأقاما لَا يشركانه فِي أَمرهمَا وَلَا يطلعانه على سرهما حَتَّى قبضهما الله تَعَالَى ثمَّ قَامَ ثالثهما عُثْمَان فهدى هديهما وَسَار سيرتهما فعبته أَنْت وَصَاحِبك حَتَّى طمع فِيهِ الأقاصي من أهل الْمعاصِي فطلبتما لَهُ الغوائل وأظهرتما عداوتكما حَتَّى بلغتما فِيهِ مناكما فَخذ حذرك يَا بن أبي بكر وَقس شبرك بفترك فَإنَّك تقصر أَن توازي أَو تَسَاوِي من يزن حلمه الْجبَال وَلَا تلين على قسر قناته وَلَوْلَا فعل أَبِيك من قبل مَا خَالَفنَا ابْن أبي طَالب ولسلمنا إِلَيْهِ وَلَكنَّا رَأينَا أَبَاك فعل بِهِ ذَلِك من قبلنَا فأخذنا بِمثلِهِ فعب أَبَاك بِمَا بدا لَك أَو دع وَالسَّلَام على من أناب كَذَا ذكره المَسْعُودِيّ وَهُوَ من كبار الْجَمَاعَة كَذَا أورد هَذِه الْمُكَاتبَة وَمد بهَا بَاعه فقبح الله من كَانَ اختراعه ثمَّ وَجه مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مصر فِي أَرْبَعَة آلَاف مَعَه مُعَاوِيَة بن خديج وَأَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ وَفَاء لعَمْرو بِمَا وعده وَكَانَ عَلَيْهَا مُحَمَّد بن أبي بكر والياً من جِهَة عَليّ فاقتتلا فظفر عَمْرو بِمُحَمد وَوضع فِي جيفة حمَار وأحرق فِيهَا قيل وضع حَيا وَقيل بعد قَتله فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فسر وَبلغ عليا فَحزن أَشد حزن على مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ ولى على الأشتر مَالك بن الْحَارِث النَّخعِيّ وَبَعثه إِلَيْهَا فِي جَيش مَكَان مُحَمَّد بن أبي بكر فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ وَيُقَال إِن مُعَاوِيَة دس إِلَى دهقان أَن يسمه فسمه فِي شربة عسل فَمَا اسْتَقر فِي جَوْفه حَتَّى هلك فَأتى من كَانَ مَعَه على الدهْقَان وَمن كَانَ مَعَه وَإنَّهُ لما بلغ مُعَاوِيَة الْخَبَر قَالَ لله جنود مِنْهَا الْعَسَل ذكر وَفَاته قَالَ ابْن خلكان سَببهَا أَنه اجْتمع من بَقِي من الْخَوَارِج فتذكروا أَصْحَاب النهروان وترحموا عَلَيْهِم وَقَالُوا مَا نصْنَع بِالْبَقَاءِ بعدهمْ وَقَالَ غَيره سَببهَا أَنه لما طَال النزاع بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة تعاقدوا على قتل عَليّ وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَانْتدبَ لذَلِك ثَلَاثَة نفر عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي والبرك بن عبد الله التَّمِيمِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي أَيْضا فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن ملجم أَنا لكم(3/15)
بعلي وَقَالَ البرك أَنا لكم بِمُعَاوِيَة وَقَالَ عَمْرو أَنا لكم بِعَمْرو بن الْعَاصِ واتعدوا أَن يكون الْقَتْل لَيْلَة السَّابِع عشر من رَمَضَان وَكَانَ اجْتِمَاعهم لهَذَا التعاقد بِمَكَّة فَسَار عبد الرَّحْمَن إِلَى عَليّ بِالْكُوفَةِ وَسَار البرك بن عبد الله إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّام وَسَار عَمْرو بن بكر إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ بِمصْر فَلَمَّا دخل ابْن ملجم الْكُوفَة عَازِمًا على ذَلِك وَكَانَ قد اشْترى سَيْفا بِأَلف دِينَار وسقاه السم حَتَّى نفضه وَكَانَ فِي خلال ذَلِك يَأْتِي عليا فيستحمله فيحمله وينشد عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا رَآهُ من // (الوافر) //
(أُريدُ حَيَاتهُ ويُريدُ قَتْلِي ... عذَيري من خَلِيلي من مُرادِ)
ثمَّ يَقُول هَذَا وَالله قاتلي قيل فَمَا يمنعك مِنْهُ قَالَ إِنَّه لم يقتلني بعد وَقيل لَهُ إِن ابْن ملجم يسم سَيْفه وَقَالَ إِنَّه سيقتلك قتلة تَتَحَدَّث بهَا الْعَرَب فَبعث إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ تسم سَيْفك قَالَ لعدوي وعدوك فخلي عَنهُ وَقَالَ مَا قتلني بعد وَعَن عبد الله بن مُطِيع قَالَ خَطَبنَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة لتخضبن هَذِه من هَذِه فَقَالَ النَّاس أعلمناه لَنَتِرَنهُ ولَنَترن عشيرته قَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه أَن يقتل بِي غير قاتلي وَقعت عين ابْن ملجم على قطام امْرَأَة رائعة جميلَة كَانَت ترى رَأْي الْخَوَارِج كَانَ على قتل أَبَاهَا وأخاها بالنهروان فَخَطَبَهَا ابْن ملجم فَقَالَت لَهُ آلَيْت أَلا أَتزوّج إِلَّا على مهر لَا أُرِيد سواهُ ثَلَاثَة آلَاف وَعبد وقينة وَقتل عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ ابْن ملجم وَالله لقد قصدت قتل عَليّ بن أبي طَالب وَمَا أقدمني هَذَا الْمصير غَيره وَلَكِن لما رَأَيْتُك آثرت تزويجك قَالَت لَيْسَ إِلَّا بِالَّذِي قلت لَك قَالَ لَهَا يغنيني أَو يُغْنِيك قتل عَليّ وَأَنا أعلم أَنِّي إِذا قتلته لم أفلت قَالَت إِن قتلته ونجوت فَهُوَ الَّذِي أردْت ويهنيك الْعَيْش مني وَإِن قتلت فَمَا عِنْد الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَقَالَ لَهَا لَك مَا اشْترطت فَقَالَت سألتمس من يشد ظهرك فَبعثت إِلَيْهِ بِابْن عَم لَهَا يدعى وردان بن مخالد فأجابها وَلَقي ابْن ملجم شبيب بن بَحر الْأَشْجَعِيّ فَقَالَ يَا شبيب هَل لَك فِي شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تساعدني على(3/16)
قتل عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ثكلتك أمك لقد جِئْت شَيْئا إمراً كَيفَ تقدمُ على ذَلِك قَالَ إِنَّه رجل لَا حرس لَهُ وَيخرج إِلَى الْمَسْجِد منفردَاً دون من يَحْرُسهُ ننتظره حِين يخرج إِلَى الْمَسْجِد فنكمن لَهُ فِي الْمَسْجِد فَإِذا خرج إِلَى الصَّلَاة قَتَلْنَاهُ فَإِن نجونا نجونا وَإِن قتلنَا سعدنا بِالذكر فِي الدُّنْيَا وَالْجنَّة فِي الآخرةَ فَقَالَ لَهُ وَيلك إِن عليا ذُو سَابِقَة فِي الْإِسْلَام مَعَ النَّبِي
وَالله مَا ينشرح قلبِي لقَتله قَالَ وَيلك إِنَّه حكم الرِّجَال فِي دين الله وَقتل إِخْوَاننَا الصَّالِحين فنقتله بِبَعْض من قتل فَلَا تَشكن فِي دينك فَأَجَابَهُ وأْقبلا حَتَّى دخلا على قطام وَهِي معتكفة فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم فِي قبَّة ضربتها لنَفسهَا فدعَتْ لَهُم وَأخذُوا أسيافهم وجلسوا أَمَام السدة الَّتِي يخرج مِنْهَا عَليّ وَكَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي شهر رَمَضَان الَّذِي قتل فِيهِ يفْطر لَيْلَة عِنْد الْحسن وَلَيْلَة عِنْد الْحُسَيْن وَلَيْلَة عِنْد عبد الله بن جَعْفَر وَلَا يزِيد على ثَلَاث لقم وَيَقُول أحب أَن ألْقى الله وَأَنا خميص وَلما كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِي صبيحتها أَكثر الْخُرُوج وَالنَّظَر إِلَى السَّمَاء وَجعل يَقُول وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت وَإِنَّهَا اللَّيْلَة الَّتِي وعدت فَلَمَّا خرج إِلَى صحن الدَّار قَاصِدا الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد إِذا أوز يَصِحن فِي وَجهه فطردوهن فَقَالَ دعوهن فَإِنَّهُنَّ نوائح فَخرج إِلَى الصَّلَاة من بَاب السدة فبدره شبيب فَضَربهُ فأخطأه وضربه ابْن ملجم على مَوضِع الصلع من رَأسه وَقَالَ الحكم لله يَا عَليّ لَا لَك وَلَا لأصحابك فَقَالَ عَليّ فزت وَرب الْكَعْبَة لَا يفوتكم الْكَلْب فَشد النَّاس عَلَيْهِ من كل جَانب فَحمل ابْن ملجم عَلَيْهِم بِسَيْفِهِ فاخرجوا لَهُ وتلقاه الْمُغيرَة بن نَوْفَل بقطيفة فَرمى بِهِ عَلَيْهِ ثمَّ احتمله فَرمى بِهِ الأَرْض وَجلسَ على صَدره ثمَّ أوثقوه وَأما شبيب فهرب خَارِجا من بَاب كِنْدَة وَلما أَخذ عبد الرَّحْمَن قَالَ عَليّ احْبِسُوهُ فَإِن مت فَاقْتُلُوهُ وَلَا تمثلوا بِهِ وَإِن لم أمت فَالْأَمْر إِلَيّ فِي الْعَفو وَالْقصاص أخرجه أَبُو عمر وَكَذَا فِي الرياض قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ بَقِي عَليّ يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم السبت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد وَقيل(3/17)
توفّي من يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ الفتك بِهِ لَيْلَة سبع عشرَة فِي رَمَضَان كوقعة بدر وَقيل صبيح لَيْلَة ثَالِث عشرَة وَقيل لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت وَقيل بقيت وَقيل لثمان عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ ذكر هَذَا كُله ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق من // (الطَّوِيل) //
(فَلم أر مهْرًا سَاقه ذُو سماحةٍ ... كمهْرِ قطام بَين عربٍ وأَعْجُمِ)
(ثلاثةُ آلافٍ وعَبْدٌ وقنينةٌ ... وضرْبُ عليِّ بالحسامِ المصمم)
(فَلَا مهْرٌ اغْلى مِنْ عليِّ وَإِن علا ... وَلَا فَتْكٌ الأَّ دونَ فتكِ ابنِ ملجمِ)
وغسله الْحسن وَالْحُسَيْن وَعبد الله بن حعفر وَمُحَمّد ابْن الْحَنَفِيَّة يصب المَاء وروى هَارُون بن سعد أَنه كَانَ عِنْد عَليّ مسك أوصى أَن يحنط بِهِ وَقَالَ إِنَّه من حنوط رَسُول الله
أخرجه الْبَغَوِيّ وَصلى عَلَيْهِ الْحسن وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَقيل سبعا وَقيل تسعا وَقيل إِن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أوصى أَن يخفى قَبره لعلمه أَن الْأَمر يصير إِلَى بني أُميَّة فَلم يَأْمَن أَن يمثلوا بقبره وَقد اخْتلف فِي قَبره فَقيل فِي زَاوِيَة الْجَامِع بِالْكُوفَةِ وَقيل بالرحبة من الْكُوفَة وَقيل بقصر الْإِمَارَة مِنْهَا وَقيل بنجف الْحيرَة فِي المشهد الَّذِي يزار بِهِ الْيَوْم وَأَصَح مَا قيل إِنَّه مدفون بقصر الْإِمَارَة بِالْكُوفَةِ قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه قَالَ شريك نَقله ابنُهُ الْحسن يُرِيد بِهِ الْمَدِينَة فَكَانَ فِي مَسِيرهمْ مَا أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عبد الْعَزِيز قَالَ لما قتل عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه حملوه ليدفنوه عِنْد رَسُول الله
فَبَيْنَمَا هم فِي مَسِيرهمْ لَيْلًا إِذْ ند الْجمل الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَلم يدروا أَيْن ذهب وَلم يقدروا عَلَيْهِ فَلذَلِك يَقُول أهل الْعرَاق هُوَ فِي السَّحَاب وَقيل إِن الْبَعِير الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَقع فِي بِلَاد طَيئ فَأَخَذُوهُ ودفنوه انْتهى مَا قَالَه السُّيُوطِيّ(3/18)
وَقَالَ الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى التَّحْقِيق أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يعرف قَبره على الْحَقِيقَة قلت ذكر ابْن خالكان أَن الرشيد خرج يَوْمًا إِلَى الصَّيْد فَانْتهى بِهِ إِلَى مَوضِع قبر على الْمَشْهُور الْآن بالمشهد فَأرْسل فهودا على الصَّيْد فتبعت الصَّيْد إِلَى مَكَان الْقَبْر ووقفت الفهود عِنْده وَلم تتقدم إِلَى الصَّيْد فَعجب هَارُون الرشيد من ذَلِك فجَاء رجل من أهل الْحيرَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَرَأَيْت إِن دللتك على قبر ابْن عمك عَليّ بن أبي طَالب أَلِي عنْدك ملزمة قَالَ نعم قَالَ هَذَا قَبره فَقَالَ لَهُ الرشيد من أَيْن عَلمته قَالَ كنت أجيء مَعَ أبي فيزوره وَأَخْبرنِي أبي أَنه كَانَ يَجِيء مَعَ جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ فيزوره وَأَن جعفرا كَانَ يَجِيء مَعَ أَبِيه مُحَمَّد الباقر فيزورهُ وَكَانَ الباقر يَجِيء مَعَ أَبِيه زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن فيزوره وَكَانَ الْحُسَيْن أعلمهم بمَكَان الْقَبْر فَأمر الرشيد بِأَن يحْجر على الْموضع وَكَانَ أول النَّاس وضع فِيهِ ثمَّ تزايدت الْأَبْنِيَة فِيهِ فِي أَيَّام مُلُوك السامانِية وَأَيَّام بني حمدَان وتفاقمت بِزِيَادَة فِي أَيَّام مُلُوك الديلم بني بويه قَالَ وعضد الدولة مِنْهُم هُوَ الَّذِي أظهره ظهوراً عَظِيما وَعمر المشهد عمَارَة حَسَنَة وَأوصى أَن يُدفن هُنَاكَ فَدفن قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ سُئِلَ عَليّ وَهُوَ على مِنْبَر الْكُوفَة عَن قَوْله تَعَالَى {رِجال صدقُوا أُولَئكَ مَا عَاهَدُوا لله عَلَيْهِ فَمِنهُم مَن قضى نَحبَهُ ومِنهُم مَن ينْتَظر} الْأَحْزَاب 23 فَقَالَ للهم اغْفِر هَذِه الْآيَة نزلت فِي وَفِي عمي حَمْزَة وَفِي ابْن عمي عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَأَما عُبَيْدَة فَقضى نحبه شَهِيدا يَوْم بدر وَأما حَمْزَة فَقضى نحبه شَهِيدا يَوْم أحد وَأما أَنا فأنتظر أشقاها يخضب هَذِه من هَذَا وَأَشَارَ إِلَى لحيته وَرَأسه عهد عَهده إِلَيّ حَبِيبِي أَبُو الْقَاسِم
وَلما أُصِيب دَعَا الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ لَهما أوصيكم بتقوى الله وَلَا تبغيا الدُّنْيَا وَإِن بغتكما وَلَا تبكيا على شَيْء زوى مِنْهَا عنكما وقولا الْحق وارحما الْيَتِيم وَأَعْيُنًا الضَّعِيف واصنعا للآخرة وكونا للظالمين خصمَاً وللمظلوم أنصاراً وأعطوا لله وَلَا تأخذكم فِي الله لومة لائم ثمَّ نظر إِلَى وَلَده مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ لَهُ هَل حفظت مَا أوصيت بِهِ أخويك قَالَ نعم فَقَالَ لَهُ أوصيك بِمثلِهِ ثمَّ قَالَ أوصيك بتوقير أخويك لعظم حَقّهمَا عَلَيْك وَلَا تُؤثر أمرا دونهمَا ثمَّ قَالَ(3/19)
لَهما سيفكما وَابْن أبيكما أوصيكما بِهِ فَإِنَّهُ أخوكما وَقد علمتما أَن أَبَاكُمَا يُحِبهُ ثمَّ لم ينْطق إِلَّا بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى أَن قبض كرم الله وَجهه وَعَن هشيم مولى الْفضل لما مَاتَ عَليّ قَامَ الْحُسَيْن وَمُحَمّد ابْن الحنيقة إِلَى ابْن ملجم فقطعاه عضوا عضوَاً وسملا عَيْنَيْهِ بمسمار حَدِيد حمى وَلم يتأوه فَلَمَّا جودل قطع لِسَانه فصاح فَقيل لَهُ فَقَالَ وَالله مَا صياحي جزع من الْمَوْت لَكِن خشيت أَن تمر بِي سَاعَة من الدُّنْيَا لَا أذكر الله فِيهَا وَلما أَرَادوا فعل ذَلِك نهاهما الْحسن عملا بِوَصِيَّة وَالِده فَلم يمتثلا لشدَّة حزنهما ثمَّ جعل فِي قوصرة وأوقد النَّار وأحرقت جيفته أم الْهَيْثَم بنت الْأسود النخعية وَقيل بل أَمر الْحسن بِضَرْب عُنُقه فَضربت وَمن أغرب مَا سمعته قَول عمرَان بن حطَّان بن ظبْيَان السدُوسِي الْبَصْرِيّ أحد رُءُوس الْخَوَارِج يمدح ابْن ملجم قَاتل الإِمَام عَليّ كرم الله واجهه وسود وجهيهما // (من الْبَسِيط) //
(يَا ضرْبَةً مِنْ تقىٍّ مَا أرادَ بهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العرشِ رِْضوَانَا)
(إنِّي لأَذْكُوُهُ يَوْمًا فأحسبُهُ ... أوفى البريةِ عِنْد الله ميزانَا)
(أكْرم بقومٍ بطونُ الطيرِ قبرهُمُ ... لم يخلطُوا دينَهُمْ بغياً وعدوانَا)
قَالَ الذَّهَبِيّ لما بلغ شعره هَذَا عبد الْملك بن مَرْوَان أَدْرَكته الحمية فَنَذر دَمه فَوضع عَلَيْهِ الْعُيُون فَلم تحمله أَرض وَكَانَ سنّ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خمسَاً وَسِتِّينَ سنة ذكر ذَلِك أَبُو بكر أَحْمد بن الدارع فِي كتاب مواليد أهل الْبَيْت وَلم يذكرهُ غَيره وَقيل سبع وَخَمْسُونَ وقيِل ثَمَان وَخَمْسُونَ وَقيل ثَلَاث وَسِتُّونَ وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ صحب النَّبِي
بِمَكَّة ثَلَاث عشر سنة وَعمر إِذْ ذَاك اثْنَتَا عشر سنة ثمَّ هَاجر فَكَانَ مَعَه بِالْمَدِينَةِ عشر سِنِين ثمَّ عَاشَ من بعده ثَلَاثِينَ سنة وَمِمَّا رثي بِهِ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَول أَبُو الْأسود الدؤَلِي // (من الوافر) //
(أَلا يَا عيْنُ ويحكِ أَسْعدينَا ... أَلا تَبْكِين امِيرَ المؤمنينا)(3/20)
(تبْكي أم كُلْثُوم عليهِ ... بعبرتها وقدْ رأَتَ اليَقينَا)
(أَلا قُلْ للخوارِجِ حيثُ كَانُوا ... فَلَا قَرَّتْ عيونُ الحاسدينا)
(أَفِي شَهْرِ الصيامِ فَجَعْتُمُونا ... بخيرِ الناسِ طُرًّا أجمعينَا)
(قتلُمْ خَيْر منْ ركبَ المطايا ... وذَلَّلها ومنْ ركِبَ السفينَا)
(ومنْ لبِسَ النعالَ ومنْ حذاها ... ومَنْ قَرَأَ المثانِي والمبينَا)
(وكُلّ مناقبِ الخيراتِ ... وَحب رسولِ ربِّ العالمينا)
(لقد علمتْ قريشٌ حيْثُ كانَتْ ... بأنَّكَ خيرهُهُمْ حسباً ودِينا)
(إِذا استقبلْتَ وجَهَ أبي حُسَيْنٍ ... رَأَيْت البدْرَ فوقَ الناظِرِينا)
(وكنَّا قبل مقلتِهِ بخيْرٍ ... نرى مَوْلَى رسولِ الله فِينَا)
(يُقيم الحقَّ لَا يرتابُ فِيهِ ... ويعدلُ فِي العدا والأقربينا)
(وَلَيْسَ بكاتِم علمَاً لديْهِ ... وَلم يخلقْ من المتسخِّرِينا)
(كأنَّ الناسَ إِذْ فقدوا عليا ... نعامٌ حارَ فِي بَلَدٍ سبينَا)
(فَلَا تشمتْ مُعَاوِيَة بْنَ حربٍ ... فَإِن بقيةَ الخلفاءِ فِينَا)
وَقَالَ أَبُو بكر بن حَمَّاد يرثي عليا كرم الله وَجهه وَيرد على عَدو الله عمرَان بن حطَّان قَوْله فِي عدوا الله ابْن مُلجم // (من الْبَسِيط) //
(قلْ لابنِ ملجمَ والأقدارُ غالبةُ ... هدمْتَ ويْلكَ للإسلامِ أركانا)
(قتلتَ أفضَلَ مَنْ يمشي على قَدمٍ ... وأولَ الناسِ إسلاماً وإيمانا)
(وأعلَمَ الناسِ بالإسْلامِ ثُمَّ بِمَا ... سَنَّ الرسولُ لنا شرعا وتبيَانَا)
(صِهْرَ النبيِّ ومولاه وناصِرَهُ ... أضحَتْ مناقبه نورا وبرهانا)
(وَكَانَ مِنْهُ عَلَى رغْمِ الحسودِ لَهُ ... مكانَ هارونَ من مُوسى بن عِمْرَانا)
(وكَانَ فِي الحربِ سَيْفا مَاضِيا ذَكَرًا ... ليثاً إِذَا لقِيَ الأقرانُ أقرانا)
(ذكَرْتُ قاتلَهُ والدمْعُ منحدرٌ ... فقلْتُ سبحانَ ربِّ الناسِ سبحانَا)
(إنَّي لأحسبُهُ مَا كانَ من بَشَرٍ ... يخْشَى المعادَ ولكنْ كَانَ شيْطانا)(3/21)
(أشقَى مُرَاد إِذا عدَّت قبائلها ... وأخْسَر الناسِ عِنْد الله ميزنا)
(كعاقِرِ الناقةِ الأُولي التِي جلَبَت ... على ثمودٍ بأرضِ الحجرِ خُسْرَانا)
(قد كانَ يخبرُهُمْ أنْ سوفَ يخضبها ... قبْلَ المنيةِ أزمانَا فأزمانا)
(فَلَا عَفا اللُه عَنهُ مَا تحملَهُ ... وَلَا سَقَى قَبْرَ عمرانَ بْنِ حِطَّانا)
(لقولهِ فِي شقي ظلّ مجتَرماً ... وَقَالَ مَا قَالَه ظلْمًا وعُدْوانا)
(يَا ضربَة مِن تقِيِّ مَا أرادَ بهَا ... إِلَّا ليبلُغَ مِنْ ذِي العرشِ رِضْوانا)
(بل ضربةٌ مِنْ غويِّ أورثتْهُ لظى ... فسوْف يلقى بِها الرحمنَ غضْبَانا)
(كَأَنَّهُ لم يردْ قصدا بضربتِهِ ... إِلَّا لِيَصْلَى عذَاب الخُلْدِ نيرانا)
وَقَالَ الصفي الْحلِيّ يمدح عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه // (من الْخَفِيف) //
(جُمِعَتْ فِي صفائِكَ الأضدادُ ... فَلهَذَا عَرَّتْ لَك الأندادُ)
(زاهِدٌ حاكمٌ علمٌ شجاعٌ ... ناسكٌ فاتكٌ فقيرٌ جوادُ)
(هِمَمٌ مَا جُمِعْن فِي بشَرٍ قطْطُ ... وَلَا حازَ مثلَهُنَّ العبادُ)
(خلقٌ يخجل النسيمَ مِن اللطْفِ ... وبأسٌ يذوبُ مِنْهُ الجمادُ)
(فلِهذا تعمّّقَتْ فيكَ أقوامٌ ... بأقوالِهِمْ فزانُوا وزادُوا)
(وغلتْ فِي صفاتِ فضلِك يَاسِينٌ ... وحماميمٌ هَل أَتَى ثمَّ صادُ)
(ظهرتْ مِنْك للورَى مكرماتُ ... فأقرَّتْ بفضلِكَ الحسادُ)
(إِن يكذب بهَا عداكَ فقَدْ كَذْذبَ ... مِنْ قبلُ قوْمُ لوطٍ وعادُ)
(أنتَ سرُّ النبيِّ والصنو وَابْن الْعمِّ ... والطهْرُ والأخُ المستجادُ)
(لَو رأَى مثلَكَ النبيُّ لآخاهُ ... وإلاَّ لأخطأَ الإنتقادُ)
(وبكُمْ بَاهل النبيَّ وَلم يُلْف ... لكُمْ خامسٌ سواهُ يُرَادُ)
(كنتَ نفسَاً لَهُ وعِرْسُكَ وابناكَ ... لديْهِ النساءُ والأولادُ)
(جلَّ معناك أَن يحيطَ بِهِ الشِّعْرُ ... ويحْصِي صفاتِك التَّعْدادُ)
(إِنَّمَا اللُه عنكُمُ أذهبَ الرجْسَ ... فردََّتْ بغيظها الحسادُ)(3/22)
(ذاكَ مَدْحُ الإلهِ فيكُمْ فإِنْ فُهْتُ ... بَمْدحٍ فذاكَ قولٌ معادُ)
وَقَالَ خُزَيْمَة بن ثَابت ذُو الشَّهَادَتَيْنِ من قصيدة فِيهِ من // (الطَّوِيل) //
(رأَوْا نعْمَة لِله ليسَتْ عليهمُ ... عليكَ وفضلا بارعاً لَا تنازعُهْ)
(فعَضُّوا من الغيظِ الطويلِ أكفَّهُمْ ... عليكَ ومَنْ لم يرْضَ فَالله خادعُهْ)
(مِن الدينِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا لَكَ المنَى ... وفَوْقَ المنَى أخلاقُهُ وطبائعُهْ)
(الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه)
مِنْهَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اَلذينَ يُنفِقون أموالَهُم بِاَلليلِ وَالنهارِ سرا وَعَلانية} الْبَقَرَة 274 قَالَ نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب كَانَت مَعَه أَرْبَعَة دَرَاهِم فأنفق بِاللَّيْلِ درهما وَفِي النَّهَار درهمَاً ودرهماً فِي السِّرّ ودرهما فِي الْعَلَانِيَة فَقَالَ لَهُ
مَا حملك على هَذَا قَالَ أستوجب على الله مَا وَعَدَني فَقَالَ
إِن لَك ذَلِك وتابع ابْن عَبَّاس مُجَاهِد وبن الْمسيب وَمُقَاتِل وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن كاَنَ مُؤمناً كمن كاَن فَاسِقَاً لَا يستَون} السَّجْدَة 18 نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب والوليد بن عتبَة أخرجه الْحَافِظ السلَفِي وَعَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن عتبَة قَالَ لعَلي أَنا أحد مِنْك سِنَانًا وأبسط مِنْك لِسَانا وَأَمْلَأُ كَتِيبَة فَقَالَ لَهُ عَليّ اسْكُتْ إِنَّمَا أَنْت فَاسق تَقول الْكَذِب فَأنْزل الله الْآيَة تَصْدِيقًا لعَلي قَالَ قَتَادَة لَا وَالله مَا اسْتَويَا عِنْد الله لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة ثمَّ أخبر عَن الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ {أَمَا اَلذِينَ آمنَوُا} السَّجْدَة 19 أخرجه الْوَاقِدِيّ(3/23)
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أفمنَ وَعدناه وَعداً حسنُاً فهَوَ لاقيهِ} الْقَصَص 61 الْآيَة قَالَ مُجَاهِد نزلت فِي عَليّ وَحَمْزَة وَأبي جهل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إنَ اَلذَينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصالِحاتِ سيَجعَلُ لهمُ الرَّحْمَن وُداً} مَرْيَم 96 قَالَ ابْن الحنيفة لَا يبْقى مُؤمن إِلَّا وَفِي قلبه ود لعَلي وَأهل بَيته أخرجه الْحَافِظ السلَفِي وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {هذانِ خصمَانِ اختَصَمُوا فِي رَبّهِم} الْحَج 19 إِلَى قَوْله {وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد} الْحَج 24 وَعَن أبي ذَر كَانَ يقسم لنزلت هَذِه الْآيَة فِي عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب حِين بارزوا عتبَة بن ربيعَة وأخاه شيبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة يَوْم بدر أخرجه مُسلم وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَفَمنَ شرح اللَهُ صَدرَه لِلإسلام} الزمر 22 الْآيَة نزلت فِي عَليّ وَحَمْزَة وَأبي لَهب وَأَوْلَاده فعلي وَحَمْزَة شرح الله صدرهما لِلْإِسْلَامِ وَأَبُو لَهب وَأَوْلَاده قست قُلُوبهم ذكره أَبُو الْفرج وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَذِينَ آمنَوُا إِذا نَاجَيْتُم اَلرَسُولَ فَقَدِّمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} المجادلة 12 قَالَ لي رَسُول الله
مَا ترى أدينار قلت لَا يطيقُونَهُ قَالَ فكم قلت شعيرَة قَالَ إِنَّك لَزَهِيد فَنزلت {ءأشفقتم أَن تقدمُوا} المجادلة 13 فَبِي خفف الله عَن هَذِه الْأمة أخرجه أَبُو حَاتِم وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {ويطعِمُونَ اَلطعَامَ عَلىَ حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيرا} الْإِنْسَان 8(3/24)
قَالَ ابْن عَبَّاس آجر على نَفسه فسقى نجيلاً بِشَيْء من شعير لَيْلَة حَتَّى أصبح فَلَمَّا أصبح قبض الشّعير فطحن مِنْهُ فَجعل مِنْهُ شَيْئا ليأكلوه يُقَال لَهُ الحريرة دَقِيق بلادهن فَلَمَّا تمّ نضاجه أَتَى مِسْكين يسْأَل فَقَالَ أطعموه إِيَّاه ثمَّ صَنَعُوا الثُّلُث الثَّانِي فَلَمَّا تمّ نضاجه أَتَى يَتِيم فَسَأَلَ فَقَالَ أطعموه إِيَّاه ثمَّ صَنَعُوا الثُّلُث الْبَاقِي فَلَمَّا تمّ نضاجه أَتَى أَسِير من الْمُشْركين فَسَأَلَ فَقَالَ أطعموه إِيَّاه فأطعموه إِيَّاه وطووا يومهم فَنزلت وَهَذَا قَول الْحسن وَقَتَادَة أَن الْأَسير كَانَ من الْمُشْركين قَالَ أهل الْعلم وَهَذَا يدل على أَن الثَّوَاب مرجو فيهم وَإِن كَانُوا من غير أهل الْملَّة وَهَذَا إِذا كَانَ مَا أَعْطوهُ من غير الزَّكَاة وَالْكَفَّارَة كَمَا هُنَا قلت يحْتَمل أَن يكون الْجَار وَالْمَجْرُور مُطلقًا بِالْفِعْلِ على فعل مضف ليَكُون الْمَعْنى أَتَى من ديار الْمُشْركين أَسِير الصَّادِق بِكَوْنِهِ مُؤمنا بل هَذَا الِاحْتِمَال أولى من اعْتِبَاره صفة للأسير الْمُؤَدِّي إِلَى تعْيين كَونه من الْمُشْركين المحوج إِلَى التَّوْجِيه بقوله قَالَ أهل الْعلم وَهَذَا يدل ... إِلَى آخِره وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَيْسَ فِي كتاب الله عز وَجل {يَا أَيُهَا اَلذَين آمَنُوا} الْبَقَرَة 104 إِلَّا وعَلى أَولهَا وَآخِرهَا وَلَقَد عَاتب الله أَصْحَاب مُحَمَّد
فِي الْقُرْآن وَمَا ذكر عليا إِلَّا بِخَير أخرجه أَحْمد فِي المناقب
(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه)
الحَدِيث الأول
عَن أبي ليلى عَن النَّبِي
أَنه قَالَ الصديقون ثَلَاث حبيب النجار مُؤمن آل يس الَّذِي قَالَ {يَا قوم اَتبِعُون أَهدكُم سَبِيلَ اَلرشَادِ} غَافِر 38 وحرمل مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ {أَتَقتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبيِّ اللهُ} غَافِر 28 وَعلي بن أبي طَالب وَهُوَ أفضلهم أخرجه أَحْمد فِي(3/25)
المناقب الحَدِيث الثَّانِي
عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي بن أبي طَالب سَلام عَلَيْك أَبَا الريحانتين فَعَن قَلِيل يذهب ركناك وَالله خليفتي عَلَيْك فَلَمَّا قبض
قَالَ هَذَا حد الرُّكْنَيْنِ الَّذِي قَالَ
فَلَمَّا مَاتَت فَاطِمَة قَالَ هَذَا الرُّكْن الآخر أخرجه أَحْمد فِي المناقب أَيْضا الحَدِيث الثَّالِث
عَن سهل بن سعد أَن رجلا جَاءَهُ فَقَالَ هَذَا فلَان لأمير من أُمَرَاء الْمَدِينَة يَدْعُوك تسُب عليا على الْمِنْبَر قَالَ أَقُول مَاذَا قَالَ تَقول لَهُ أَبَا تُرَاب قَالَ فَضَحِك سهل وَقَالَ وَالله مَا سَمَّاهُ أَبَا تُرَاب إِلَّا رَسُول الله
مَا كَانَ اسْم أحب إِلَيْهِ مِنْهُ دخل عَليّ على فَاطِمَة ثمَّ خرج فجَاء
فَقَالَ أَيْن ابْن عمك فَقَالَت كَانَ بيني وَبَينه شَيْء فغاضبني وَخرج وَلم يَقِل عِنْدِي وَهَا هُوَ مُضْطَجع فِي الْمَسْجِد فَخرج
فَوجدَ رِدَاءَهُ قد سقط عَن ظَهره فَجعل رَسُول الله
يمسح التُّرَاب عَن ظَهره وَيَقُول اجْلِسْ أَبَا تُرَاب أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث الرَّابِع
عَن معَاذَة العدوية سَمِعت عليا على مِنْبَر الْبَصْرَة يَقُول أَنا عبد الله وأخو رَسُوله وَأَنا الصّديق الْأَكْبَر الحَدِيث الْخَامِس
عَن أبي ذَر قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول لعَلي أَنْت الصّديق الْأَكْبَر وَأَنت الْفَارُوق الَّذِي يفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل يعسوب الْمُؤمنِينَ وَفِي رِوَايَة الدّين خرجهما الحاكمي(3/26)
الحَدِيث السَّادِس
عَن عمر بن الْخطاب قَالَ كنت أَنا وَأَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو بكر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة إِذْ ضرب رَسُول الله
منْكب عَليّ فَقَالَ عَليّ أَنْت أول الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا وَأول الْمُسلمين إسلاماً وَأَنت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى خرجه ابْن السمان الحَدِيث السَّابِع
عَن زيد بن أَرقم قَالَ كَانَ أول من أسلم عَليّ بن أبي طَالب خرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَفِي رِوَايَة بعث رَسُول الله
يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَصلى مَعَه عَليّ يَوْم الثُّلَاثَاء وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس عَليّ أول من أسلم بعد خَدِيجَة قَالَ أَبُو عمرَو وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا مطْعن لأحد فِي رُوَاته قلت هُوَ يُعَارض مَا تقدم عَن ابْن عَبَّاس فِي أبي بكر وَالصَّحِيح أَنا أَبَا بكر أول من أظهر إِسْلَامه فَلَا تعَارض الحَدِيث الثَّامِن
عَن معَاذَة العدوية قَالَت سَمِعت عليا على مِنْبَر الْبَصْرَة يَقُول أَنا الصّديق الْأَكْبَر آمَنت قبل أَن يُؤمن أَبُو بكر وَأسْلمت قبل أَن يسلم أَبُو بكر أخرجه ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف الحَدِيث التَّاسِع
عَن سلمَان أَنه قَالَ أول هَذِه الْأمة وروداً عَليّ نبيها أَولهَا إسلاماً عَليّ بن أبي طَالب وَقد روى مرفوعَاً إِلَى النَّبِي
وَلَفظه أول هَذِه الْأمة وروداً على الْحَوْض الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أولكم ورودَاً على(3/27)
الْحَوْض أولكم إسلاماً عَليّ بن أبي طَالب خرجه ابْن القلعي وَعَن عفيف ابْن الْأَشْعَث عَن قيس الْكِنْدِيّ قَالَ كنت امْرَءًا تاجرَاً قدمت لِلْحَجِّ فَأتيت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أبتاع مِنْهُ بعض تجارتي قَالَ فوَاللَّه إِنِّي عِنْده بمنى إِذْ خرج علينا رجل من خباء قريب مِنْهُ فَنظر إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا رَآهَا قَامَ يُصَلِّي ثمَّ خرجت امْرَأَة من ذَلِك الخباء فَقَامَتْ خَلفه ثمَّ خرج غُلَام حِين راهق الْحلم فَقَامَ مَعَه يُصَلِّي قَالَ عفيف فَقلت للْعَبَّاس من هَذَا قَالَ هَذَا مُحَمَّد ابْن أخي فَقلت من هَذِه الْمَرْأَة قَالَ هَذِه امْرَأَته خَدِيجَة بنت خويلد قلت فَمن هَذَا الْغُلَام قَالَ هَذَا ابْن عَمه عَليّ بن أبي طَالب قلت فَمَا الَّذِي يصنع قَالَ يُصَلِّي وَهُوَ يزْعم أَنه نَبِي وَلم يتبعهُ أحد على أمره إِلَّا امْرَأَته وَابْن عَمه هَذَا الْفَتى وَهُوَ يزْعم نه سيفتح كنوز كسْرَى وَقَيْصَر قَالَ فَكَانَ عفيف يَقُول لَو كَانَ الله رَزَقَنِي الْإِسْلَام يَوْمئِذٍ فَأَكُون ثَانِيًا مَعَ عَليّ بن أبي طَالب وَقد أسلم فِيمَا بعد وَحسن إِسْلَامه وَعَن عَليّ نَفسه قَالَ صليت قبل أَن يُصَلِّي النَّاس بِسبع سِنِين وَفِي رِوَايَة عَنهُ أيضَاً عبدت الله قبل أَن يعبده أحد من هَذِه الْأمة خمس سِنِين خرجه أَبُو عمر وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنا أول من يجثو للخصومة بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة وَفينَا نزلت {هذانِ خَصْمَانِ اَختَصَمُوا فِي رَبّهِم} الْحَج 19 فِي مبارزتنا يَوْم بدر أَنا وَحَمْزَة وَعبيدَة مَعَ شيبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة خرجه البُخَارِيّ عَنهُ الحَدِيث الْعَاشِر
عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ إِنَّك أول من يقرع بَاب الْجنَّة فيدخلها بِغَيْر حِسَاب بعدِي خرجه الإِمَام عَليّ بن مُوسَى(3/28)
الرضي فِي مُسْنده الحَدِيث الْحَادِي عشر
عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عِنْده
طير أهْدى إِلَيْهِ وَكَانَ مِمَّا يُعجبهُ أكله فَقَالَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأحب خلقك إِلَيْك يَأْكُل معي هَذَا الطير فجَاء عَليّ فَأكل مَعَه خرجه التِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ فِي المصابيح وخرجه الْجَزرِي وَزَاد بعد قَوْله فجَاء عَليّ فَقَالَ اسْتَأْذن على رَسُول الله
فَقلت مَا عَلَيْهِ إِذن ثمَّ جَاءَ فرددته ثمَّ دخل الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَقَالَ
لعَلي مَا حَبسك عني أَو مَا أبطأك عني يَا عَليّ قَالَ جِئْت فردني أنس وَكَانَ أنس خَادِم رَسُول الله
فَقَالَ رَسُول الله
يَا أنس مَا حملك على مَا صنعت قلت رَجَوْت أَن يكون رجلا من الْأَنْصَار فَقَالَ
يَا أنس أَو فِي الْأَنْصَار خير من عَليّ أَو فضل من عَليّ خرجه البُخَارِيّ الحَدِيث الثَّانِي عشر
عَن معَاذَة الغفارية قَالَت كَانَ لي أنس بِالنَّبِيِّ
أخرجُ مَعَه فِي الْأَسْفَار وأقوم على المرضى وأداوي الْجَرْحى فَدخلت على رَسُول الله
فِي بَيت عَائِشَة وَعلي خَارج من عِنْده فَسَمعته يَقُول يَا عَائِشَة إِن هَذَا أحب الرِّجَال إِلَيّ وَأكْرمهمْ عَليّ فاعرفي لَهُ حَقه وأكرمي مثواه خرجه الخجندي الحَدِيث الثَّالِث عشر
عَن الْبَراء قَالَ قَالَ رَسُول الله
عَليّ مني بِمَنْزِلَة رَأْسِي من جَسَدِي خرجه الملا الحَدِيث الرَّابِع عشر
عَن سعد بن أبي وَقاص أَن النَّبِي
قَالَ لعَلي أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم(3/29)
وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ لما نزل رَسُول الله
بالجرف طعن نَاس من الْمُنَافِقين فِي أَمر عَليّ وَقَالُوا إِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ استثقالاَ فَخرج عَليّ فَحمل سلاحه حَتَّى أَتَى النَّبِي
بالجرف فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا تخلفت عَنْك فِي غزَاة قطّ قبل هَذِه وَقد زعم المُنَافِقُونَ أَنَّك خلفتني استثقالا فَقَالَ كذبُوا وَلَكِن خلفتك لما ورائي فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي أَفلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي الحَدِيث الْخَامِس عشر
عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت سَمِعت رَسُول الله
يَقُول للهم إِنِّي أَقُول كَمَا قَالَ أخي مُوسَى اجْعَل لي وزيراً من أَهلِي أخي عليا {أشدد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي} إِلَى {بَصيرًا} أخرجه الإِمَام أَحْمد الحَدِيث السَّادِس عشر
عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي يَوْم غَزْوَة تَبُوك أما ترْضى أَن يكون لَك من الْأجر مثل مَا لي وَلَك من الْمغنم مثل مَا لي أخرجه الخلعي الحَدِيث السَّابِع عشر
عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب قَالَ قَالَ رَسُول الله
لوفد ثَقِيف حِين جَاءُوهُ لتسلمن أَو لَأَبْعَثَن عَلَيْكُم رجلا مني أَو قَالَ مثل نَفسِي فليضربن أَعْنَاقكُم وليسبين ذَرَارِيكُمْ وليأخذن أَمْوَالكُم قَالَ عمر فوَاللَّه مَا تمنيت الْإِمَارَة إِلَّا يَوْمئِذٍ فَجعلت أنصب صَدْرِي رَجَاء أَن يَقُول هُوَ هَذَا قَالَ فَالْتَفت إِلَى عَليّ وَأخذ بِيَدِهِ وَقَالَ هُوَ هَذَا هُوَ هَذَا أخرجه عب الرَّزَّاق فِي جَامعه وَأَبُو عمر الحَدِيث الثَّامِن عشر
عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله
مَا من نَبِي إِلَّا وَله نَظِير من أمته وَعلي نظيري أخرجه الخلعي الحَدِيث التَّاسِع عشر
أخرج ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة قَالَ جَاءَ أَبُو بكر وَعلي يزوران قبر النَّبِي
بعد وَفَاته بسبعة أَيَّام فَقَالَ عَليّ تقدم يَا خَليفَة رَسُول الله
فَقَالَ أَبُو بكر مَا كنت لأتقدم رجلا سَمِعت رَسُول الله
يَقُول فِيهِ عَليّ(3/30)
مني بمنزلتي من رَبِّي الحَدِيث الْعشْرُونَ
عَن سلمَان قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول كنت أَنا وَعلي نورا بَين يَدي لله تَعَالَى قبل أَن يخلق آدم بأَرْبعَة عشر ألف عَام فَلَمَّا خلق الله آدم قسم ذَلِك النُّور جزءين فجزء أَنا وجزء عَليّ أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ
عَن حبشِي بن جُنَادَة قَالَ كنت جَالِسا عِنْد أبي بكر فَقَالَ من كَانَت لَهُ عدَّة عِنْد رَسُول الله
فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا خَليفَة رَسُول الله وَعَدَني بِثَلَاث حثيات من تمر ثمَّ قَامَ قَالَ أرْسلُوا إِلَى عَليّ فَأتى فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن إِن هَذَا يزْعم أَن رَسُول الله
وعده بِثَلَاث حثيات من تمر فاحثها لَهُ قَالَ فحثاها بِمرَّة لَا تزيد وَاحِدَة على الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو يكر صدق رَسُول الله
قَالَ لي لَيْلَة الْهِجْرَة وَنحن خارجون من لغَار نُرِيد الْمَدِينَة يَا أَبَا بكر كفي وكف عَليّ فِي الْعدَد سَوَاء أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ
عَن أبي أَيُّوب قَالَ قَالَ رَسُول الله
لقد صلت الْمَلَائِكَة عليَ وعَلى عَليّ لأَنا كُنَّا نصلي لَيْسَ مَعنا مصل غَيرنَا خرجه أَبُو الْحسن الخلعي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ
عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله
لما أسرِي بِي مَرَرْت على ملك جَالس على سَرِير من نور وَإِحْدَى رجلَيْهِ فِي الْمشرق وَالْأُخْرَى فِي الْمغرب وَبَين يَدَيْهِ لوح ينظر فِيهِ وَالدُّنْيَا كلهَا بَين عَيْنَيْهِ والخلق بَين يَدَيْهِ وركبتيه وَيَده تبلغ الْمشرق وَالْمغْرب فَقلت يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ هَذَا عزرائيل تقدم فَسلم عَلَيْهِ فتقدمت فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام يَا أَحْمد مَا فعل ابْن عمك عَليّ فَقلت وَهل تعرف ابْن عمي عليا فَقَالَ وَكَيف لَا أعرفهُ وَقد وكلني الله بِقَبض أَرْوَاح الْخَلَائق مَا خلا روحك وروح ابْن عمك عَليّ بن أبي(3/31)
طَالب فَإِن الله يتوفاه كَمَا شئته خرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ
عَن عَمْرو بن شَاس لأسلمي وَكَانَ من أهل بيعَة الرضْوَان قَالَ خرجت مَعَ عَليّ إِلَى الْيمن فجفاني فِي سَفَرِي حَتَّى وجدت فِي نَفسِي عَلَيْهِ فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة أظهرت شكايته فِي الْمَسْجِد حَتَّى بلغ ذَلِك النَّبِي
فِي نَاس من أَصْحَابه فَلَمَّا رَآنِي حدد النّظر إِلَيّ حَتَّى إِذا جَلَست قَالَ وَالله يَا عَمْرو وَالله لقد آذيتني قلت أعوذ بِاللَّه أَن أؤذيك يَا رَسُول الله فَقَالَ بلَى من آذَى عليا فقد آذَانِي خرجه أَحْمد وَفِي رِوَايَة أَي عَمْرو من أحب عليا فقد أَحبَّنِي وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن آذَى عليا فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ
عَن أم سَلمَة قَالَت أشهد أَنِّي سَمِعت رَسُول الله
يَقُول من أحب عليا فقد أَحبَّنِي وَمن أَحبَّنِي فقد أحب الله وَمن أبْغض عليا فقد أبغضني وَمن أبغضني فقد أبْغض الله خرجه المخلص والحاكمي الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله
إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لَهُ أَنْت سيد فِي الدُّنْيَا سيد فِي الْآخِرَة من أحبك فقد أَحبَّنِي وحبيبك حَبِيبِي وحبيبي حَبِيبك وعدوك عدوي وعدوي عَدوك وَالْوَيْل لمن أبغضك أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ
عَن ابْن عَبَّاس أَنه مر بعد مَا كف بَصَره بِمَجْلِس من مجَالِس قُرَيْش وهم يسبون عليا فَقَالَ لقائده مَا سَمِعت من هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ قَالَ يسبون عليا فَقَالَ لقائده ردني إِلَيْهِم فَرده فَقَالَ أَيّكُم الساب الله قَالُوا(3/32)
سُبْحَانَ الله من يسب الله فقد أشرك فَقَالَ أَيّكُم الساب لرَسُول الله
قَالُوا سُبْحَانَ الله من يسب رَسُول الله فقد كفر فَقَالَ أَيّكُم السابُّ لعَلي قَالُوا أما هَذَا فقد كَانَ قَالَ فَأَنا أشهد بِاللَّه لقد سَمِعت رَسُول الله
يَقُول من سبّ عليا فقد سبني وَمن سبني فقد سبّ الله وَمن سبّ الله عز وَجل أكبه فِي النَّار على منخره ثمَّ ولَى عَنْهُم فَقَالَ لقائده مَا سمعتهم يَقُولُونَ قَالَ مَا قَالُوا شَيْئا قَالَ فَكيف رَأَيْت وُجُوههم حِين قلت مَا قلت فَقَالَ من // (الْكَامِل) //
(نظرُوا إليكَ بأعْينِ محمرَةٍ ... نَظَرَ التيوسِ إِلَى شفارِ الجازرِ)
قَالَ ابْن عَبَّاس زِدْنِي فدَاك أبي فَقَالَ
(خزرُ الحواجِبِ ناكسُو أذقانِهِمْ ... نَظرَ الذليلِ إِلَى العزيزِ القَاهرِ)
قَالَ ابْن عَبَّاس زِدْنِي فدَاك أبي قَالَ مَا عِنْدِي غَيرهمَا قَالَ ابْن عَبَّاس لَكِن عِنْدِي فَقَالَ
(أحياؤُهُمْ خزيٌ على أمواتِهِمْ ... والميتُونَ مسبَّةٌ للغابِرِ)
الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ
عَن أبي ذَر الْغِفَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي من أطاعك فقد أطَاع الله من عصاك فقد عَصَانِي أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه وَفِي رِوَايَة من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله وَمن أطاعك فقد أَطَاعَنِي وَمن عَصَانِي فقد عصى الله وَمن عصاك فقد عَصَانِي خرجه الخجندي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ
أخرج أَحْمد فِي المناقب عَن أبي ذَر أيضَاً قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول يَا عَليّ من فارقني فقد فَارق الله وَمن فارقك فقد فارقني الحَدِيث الثَّلَاثُونَ
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا آخى النَّبِي
بَين أَصْحَابه فجَاء عَليّ تَدْمَع عَيناهُ قَالَ يَا رَسُول الله آخيت بَين أَصْحَابك وَلم تؤاخ بيني وَبَين أحد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
أَنْت أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِي رِوَايَة أَلا ترْضى أَن أكون أَخَاك قَالَ بلَى يَا رَسُول الله رضيت قَالَ فَأَنت(3/33)
أخي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أخرجه الخلعي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول أَنا عبد الله وأخو رَسُول الله لَا يَقُولهَا غَيْرِي إِلَّا كذب خرجه أَبُو عمر الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ
عَنهُ أَيْضا قَالَ طلبني رَسُول الله
فوجدني فِي حَائِط نائمَاً فضربني بِرجلِهِ وَقَالَ قُم وَالله لأرضينك أَنْت أخي وَأَبُو وَلَدي تقَاتل على سنتي من مَاتَ على عهدي فَهُوَ فِي كنز الْجنَّة وَمن مَاتَ على غير عهدي فقد قضى نحبه وَمن مَاتَ محبك بعد موتك ختم الله لَهُ بالأمن والأمان مَا طلعت الشَّمْس أَو غربت خرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ جمع رَسُول الله
بني عبد الْمطلب مِنْهُم من يَأْكُل الْجَذعَة وَيشْرب الْفرق فَصنعَ لَهُم مدا من طَعَام فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وبقى الطَّعَام كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لم يمس ثمَّ دَعَا بغمر فَشَرِبُوا حَتَّى رووا وَبَقِي الشَّرَاب كَأَنَّهُ لم يمس فَقَالَ يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي بعثت إليكُمْ خَاصَّة وَإِلَى النَّاس عَامَّة وَقد رَأَيْتُمْ من هَذِه الْآيَة مَا رَأَيْتُمْ فَأَيكُمْ يبايعني على أَن يكون أخي وصاحبي فَلم يقم إِلَيْهِ أحد قَالَ عَليّ فَقُمْت وَكنت أَصْغَر الْقَوْم فَقَالَ اجْلِسْ ثمَّ قَالَ ذَلِك مَرَّات كل ذَلِك أقوم إِلَيْهِ فَيَقُول اجْلِسْ حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَة ضربت يَده على يَدي خرجه أَحْمد فِي المناقب وَفِي رِوَايَة لما نزل قَوْله تَعَالَى {وَأَنذر عَشِيَرتَكَ اَلأَقرَبين} الشُّعَرَاء 214 دَعَا رَسُول الله
رجَالًا من أَهله فأطعمهم حَتَّى شَبِعُوا فَقَالَ من يضمن عني ديني ومواعيدي وَيكون معي فِي الْجنَّة فَقَالَ عَليّ أَنا فَقَالَ
تقضي ديني ومواعيدي(3/34)
أخرجه أَحْمد فِي المناقب قلت الْفرق مكيال يسع ثَلَاثَة آصَع الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ
عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله
عَليّ بَاب الْجنَّة مَكْتُوب لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله عَليّ أَخُو رَسُول الله وَفِي رِوَايَة مَكْتُوب على بَاب الْجنَّة مُحَمَّد رَسُول الله عَليّ أَخُو رَسُول الله قبل أَن تخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بألفي سنة خرجهما أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ
عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ كنت أَنا وَالْعَبَّاس جالسين عِنْد نَبِي الله
إِذْ دخل عَليّ بن أبي طَالب فَسلم فَرد عَلَيْهِ رَسُول الله
السَّلَام وَقَامَ إِلَيْهِ وعانقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَأَجْلسهُ عَن يَمِينه فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله أَتُحِبُّ هَذَا فَقَالَ يَا عَم وَالله للُّه أَشد حبُّاً لَهُ مني إِن الله جعل ذُرِّيَّة كل نَبِي من صلبه وَجعل ذريتي من صلب هَذَا أخرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ
عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي
فِي سفر فنزلنا بغدير خم فَنُوديَ فِينَا الصَّلَاة جَامِعَة وكسح لرَسُول الله
تَحت شَجَرَة فصلى الظّهْر وَأخذ بيد عَليّ وَقَالَ ألستم تعلمُونَ أَنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى فَقَالَ من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالَاهُ(3/35)
وَعَاد من عَادَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله وأدر الْحق مَعَه حَيْثُ دَار زَاد أَحْمد فِي المناقب وَأحب من أحبه وَأبْغض من أبغضه وَرَوَاهُ أَكثر من ثَمَانِيَة عشر صحابياً وَلَقي عمر بن الْخطاب عَليّ بن أبي طَالب بعد ذَلِك فَقَالَ لَهُ هنيئَاً لَك يَا بن أبي طَالب أَصبَحت وأمسيت مولى كل مُؤمن ومؤمنة وَعَن سَالم قيل لعمر إِنَّك تصنع بعلي شَيْئا مَا نرَاك تَصنعهُ بِأحد من أَصْحَاب رَسُول الله
قَالَ إِنَّه مولَايَ وَعَن عمر وَقد جَاءَهُ أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فَقَالَ لعَلي اقْضِ بَينهمَا يَا أَبَا الْحسن فَقضى عَليّ بَينهمَا فَقَالَ أَحدهمَا هَذَا يقْضِي بَيْننَا فَوَثَبَ إِلَيْهِ عمر وَأخذ بتلبيبه وَقَالَ وَيحك أَتَدْرِي من هَذَا هَذَا مولَايَ وَمولى كل مُؤمن وَمن لم يكن مَوْلَاهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِن وَعنهُ وَقد نازعه رجل فِي مَسْأَلَة فَقَالَ لَهُ بيني وَبَيْنك هَذَا الْجَالِس وَأَشَارَ إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ الرجل هَذَا الأبطن فَنَهَضَ عمر عَن مَجْلِسه وَأخذ بتلبيبه وَرَفعه من الأَرْض ثمَّ ضرب بِهِ الأَرْض فَقَالَ أَتَدْرِي من صغرت مولَايَ وَمولى كل مُؤمن أَو مُسلم خرجهن ابْن السمان قلت غَدِير خم مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة بِالْجُحْفَةِ أَو هُوَ قريب مِنْهَا على يَمِين الذَّاهِب إِلَى الْمَدِينَة الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ
عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ بعث رَسُول الله
سَرِيَّة وَاسْتعْمل عَلَيْهَا عليا قَالَ فَمضى على السّريَّة فَأصَاب جَارِيَة فأنكروا عَلَيْهِ وتعاقد أَرْبَعَة من أَصْحَاب النَّبِي
وَقَالُوا إِذا لَقينَا رَسُول الله
أخبرناه بِمَا صنع قَالَ عمرَان بن حُصَيْن وَكَانَ الْمُسلمُونَ إِذا قدمُوا من سفر بدءوا برَسُول الله(3/36)
وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ انصرفوا إِلَى رحالهم فَلَمَّا قدمت السّريَّة سلمُوا على رَسُول الله
فَقَامَ أحد الْأَرْبَعَة فَقَالَ يَا رَسُول الله ألم تَرَ أَن عليا صنع كَذَا وَكَذَا فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مثل مقَالَته فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَامَ الثَّالِث فَقَالَ مثل مقَالَته فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَامَ الرَّابِع فَقَالَ مثل مَا قَالُوا فَأقبل إِلَيْهِ رَسُول الله
وَالْغَضَب يعرف فِي وَجهه فَقَالَ مَاذَا تُرِيدُونَ من عَليّ ثَلَاث مِرَارٍ إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي خرجه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأحمد الحَدِيث الثَّامِن والثلاتون
عَن بُرَيْدَة بن الخصيب قَالَ بعث رَسُول الله
سَرِيَّة وأمَّر عَلَيْهَا رجلا وَأَنا فِيهَا فأصبنا سبيا فَكتب الرجل إِلَى رَسُول الله
ابْعَثْ لنا من يخمسه فَبعث عليا وَفِي السَّبي وصيفة هِيَ أفضل السَّبي قَالَ فَخمس وَقسم قَالَ فَخرج وَرَأسه يقطر فَقُلْنَا يَا أَبَا الْحسن مَا هَذَا قَالَ ألم تروا إِلَى الوصيفة الَّتِي كَانَت فِي السَّبي فَإِنِّي قسمت وخمست فَصَارَت فِي الْخمس ثمَّ صَارَت فِي آل بَيت النَّبِي
ثمَّ صَارَت من آل عَليّ وَوَقعت بهَا فَكتب الرجل إِلَى النَّبِي
بذلك فَقلت للرجل ابعثني مصدقَاً فَبَعَثَنِي قَالَ بُرَيْدَة فَجعلت أَقرَأ الْكتاب وَأَقُول صدق فَأمْسك النَّبِي
يَدي وَالْكتاب وَقَالَ لي تبغض عليا قلت نعم قَالَ فَلَا تبْغضهُ وَإِن كنت تحبه فازدد لَهُ حبا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لنصيب آل عَليّ فِي الْخمس أفضل من وصيفة قَالَ بُرَيْدَة فَمَا كَانَ من النَّاس أحد بعد قَول رَسُول الله
أحب إِلَيّ من عَليّ وَفِي رِوَايَة لَا تقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي خرجهما الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ
عَن بُرَيْدَة أَيْضا من كنت وليه فعلي وليه أخرجه أَبُو حَاتِم(3/37)
الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ
عَن بُرَيْدَة أيضَاً قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين يَوْم الْقِيَامَة وَنصب الصِّرَاط على جسر جَهَنَّم مَا جازها أحد حَتَّى كَانَت مَعَه بَرَاءَة بِولَايَة عَليّ بن أبي طَالب خرجه الحاكمي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أَنا رَأَيْت رَسُول الله
أَخذ بيد عَليّ وَقَالَ هَذَا وليي وَأَنا وليه واليت من وَالَاهُ وعاديت من عَادَاهُ أخرجه الحاكمي وَعَن أبي صَالح قَالَ لما حضرت ابْن عَبَّاس الْوَفَاة قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّب إِلَيْك بِولَايَة عَليّ بن أبي طَالب خرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ
عَن عمار بن يَاسر وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَا قَالَ رَسُول الله
حق عَلي على الْمُسلمين حق الْوَالِد على الْوَلَد خرجه الحاكمي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ
عَن أبي رَافع مولى رَسُول الله
قَالَ لما قتل عَليّ بن أبي طَالب أَصْحَاب اللِّوَاء يَوْم أحد قَالَ جِبْرِيل يَا رَسُول الله إِن هَذِه لهي الْمُوَاسَاة فَقَالَ لَهُ النَّبِي
إِن هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ فَقَالَ جِبْرِيل وَأَنا مِنْكُمَا يَا رَسُول الله خرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخرج أَحْمد فِي المناقب
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَت لَيْلَة يَوْم بدر قَالَ رَسُول الله
من يسْقِي لنا من المَاء فأحجم الْقَوْم فَقَامَ عَليّ فاحتضن قربَة ثمَّ أَتَى بِئْرا بعيدَة القعر مظْلمَة فانحدر فِيهَا(3/38)
فَأوحى الله عز وَجل إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل تأهبوا لنصرة مُحَمَّد وَحزبه فسقطوا من السَّمَاء لَهُم لغط يذعر من يسمعهُ فَلَمَّا صَارُوا بالبئر سلمُوا عَلَيْهِ من عِنْد آخِرهم الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ
عَن أبي الْحَمْرَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله
لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء نظرت إِلَى سَاق الْعَرْش الْأَيْمن فَرَأَيْت كتابا فهمته مُحَمَّد رَسُول الله
أيدته بعلي ونصرته بِهِ خرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي
فَإِذا طَائِر فِي فِيهِ لوزة خضراء فألقاها فِي حجر النَّبِي
فَأَخذهَا النَّبِي
فقبلها ثمَّ كسرهَا فَإِذا فِي جوفها ورقة خضراء مَكْتُوب فِيهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله نصرته بعلي خرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ
عَن جَابر أَنهم يَوْم رجعُوا من الْجِعِرَّانَة إِلَى الْمَدِينَة بعث رَسُول الله
أَبَا بكر على الْحَج فأقبلنا مَعَه حَتَّى إِذا كَانَ بالعرج ثوب بالصبح فَلَمَّا كَانَ اسْتِوَاء الْمَنْكِبَيْنِ سمع الرغوة خلف ظَهره فَوقف عَن التَّكْبِير فَقَالَ هَذِه رغوة نَاقَة رَسُول الله
فَلَعَلَّ أَن يكون رَسُول الله
نصلي مَعَه فَإِذا عَليّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أَمِير أم رَسُول فَقَالَ لَا بل رَسُول أَرْسلنِي بِبَرَاءَة أقرؤها على النَّاس فِي مَوَاقِف الْحَج قَالَ جَابر فقدمنا مَكَّة فَلَمَّا كَانَ قبل التَّرويَة بِيَوْم قَامَ أَبُو بكر فَخَطب النَّاس فعلمهم مناسكهم حَتَّى إِذا فرغ قَامَ(3/39)
عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا ثمَّ لما كَانَ يَوْم النَّحْر خطب النَّاس أَبُو بكر فَحَدثهُمْ عَن إفاضتهم وَعَن نحرهم وَعَن مناسكهم فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر الأول قَامَ أَبُو بكر يخْطب النَّاس فَحَدثهُمْ كَيفَ يرْمونَ وَكَيف ينفرون فَلَمَّا فرغ قَامَ عَليّ فَقَرَأَ على النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتمهَا خرجها أَبُو حَاتِم وَفِي رِوَايَة عَن عَليّ قَالَ لما نزلت عشر آيَات من بَرَاءَة دَعَا النَّبِي
أَبَا بكر فَبَعثه بهَا لِيَقْرَأهَا على أهل مَكَّة ثمَّ دَعَاني فَقَالَ لي أدْرك أَبَا بكر فَحَيْثُمَا لَقيته فَخذ الْكتاب مِنْهُ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى أهل مَكَّة فاقرأه عَلَيْهِم فلحقته بِالْجُحْفَةِ فَأخذت الْكتاب مِنْهُ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بكر بعد الْحَج أَتَى رَسُول الله
وَقَالَ يَا رَسُول الله نزل فيّ شيءٌ قَالَ لَا وَلَكِن جِبْرِيل جَاءَنِي وَقَالَ لَا يُؤَدِّي عَنْك إِلَّا أَنْت أَو رجل مِنْك الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ
عَن السيدة فَاطِمَة بنت رَسُول الله
قَالَت خرج علينا رَسُول الله
فِي عَشِيَّة عَرَفَة فَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد باهى بكم وَغفر لكم عَامَّة وبعلي خَاصَّة وَإِنِّي رَسُول الله غير محاب بِقَرَابَتِي خرجه أَحْمد الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ
عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله
ادعوا إِلَى سيد الْعَرَب يَعْنِي عليا قَالَت عَائِشَة أَلَسْت بِسَيِّد الْعَرَب فَقَالَ أَنا سيد ولد آدم وَعلي سيد الْعَرَب فَلَمَّا جَاءَ أرسل إِلَى الْأَنْصَار فَأتوهُ فَقَالَ لَهُم يَا معشر الْأَنْصَار أَلا أدلكم على مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أبدا قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ هَذَا عَليّ فَأَحبُّوهُ بحبي وأكرموه بكرامتي إِن جِبْرِيل أَخْبرنِي بِالَّذِي قلت لكم عَن الله عز وَجل خرجه الفضائلي(3/40)
الحَدِيث الْخَمْسُونَ
عَن عبد الله بن أسعد بن زُرَارَة قَالَ قَالَ رَسُول الله
لَيْلَة أسرِي بِي انْتَهَيْت إِلَى رَبِّي عز وَجل فَأوحى إليّ أَو أَمرنِي شكّ الرَّاوِي فِي عَليّ أَنه سيد الْمُسلمين وَولي الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي بن أبي طَالب أَنْت سيد فِي الدُّنْيَا سيد فِي الْآخِرَة خرجه أَبُو عمر وَأَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ
عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله
لكل نَبِي وَصِيّ ووارث وَإِن عليا وَصِيّ ووارثي خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ
عَن أنس قَالَ قُلْنَا لسلمان سل النَّبِي
مَنْ وَصِيّه فَقَالَ سلمَان يَا رَسُول الله من وصيك فَقَالَ يَا سلمَان من كَانَ وَصِيّ مُوسَى قَالَ يُوشَع قَالَ فَإِن وصيي ووارثي وصهري يقْضِي ديني ينجز موعدي عَليّ بن أبي طَالب خرجه أَحْمد فِي المناقب زَاد غَيره أَن عليا قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله وَمَا أرث مِنْك قَالَ مَا ورث الْأَنْبِيَاء من قبلي قَالَ وَمَا ورث الْأَنْبِيَاء من قبلك قَالَ كتاب رَبهم وَسنة نَبِيّهم الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ
عَن الْحُسَيْن بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أوصى النَّبِي
عليا أَن يغسلهُ فَقَالَ عَليّ أخْشَى أَلاَ أُطِيق ذَلِك قَالَ إِنَّك(3/41)
ستعان عَليّ قَالَ فَقَالَ عَليّ فوَاللَّه مَا أردْت أَن أقلب عَن رَسُول الله
عضوا إِلَّا قلب لي خرجه ابْن الْحَضْرَمِيّ الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ
عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله
إنْ ولد لَك غُلَام فسمه باسمي وكنه بكنيتي وَهَذَا رخصَة لَك دون النَّاس الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ
عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ كَانَ رَأس رَسُول الله
فِي حجر عَليّ وَهُوَ يوحي إِلَيْهِ فَلَمَّا سرى عَنهُ قَالَ يَا عَليّ صليت الْعَصْر قل لَا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْت تعلم أَنه كَانَ فِي حَاجَتك وَفِي حَاجَة رَسُولك فَردهَا عَلَيْهِ الشَّمْس ردهَا عَلَيْهِ وَصلى وَغَابَتْ الشَّمْس خرجه الدولابي وَفِي رِوَايَة عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس بِلَفْظ فَأَقْبَلت الشَّمْس لَهَا خوار حَتَّى ارْتَفَعت قدر مَا كَانَت فِي وَقت الْعَصْر فصلى ثمَّ رجعت فغربت وَفِي رِوَايَة عَنْهَا أَيْضا فَرَجَعت الشَّمْس حَتَّى بلغت نصف الْمَسْجِد قَالَ فِي الرياض قَالَ عُلَمَاء الحَدِيث هُوَ حَدِيث مَوْضُوع وَلم ترد الشَّمْس لأحد وَإِنَّمَا حبست ليوشع بن نون الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ
عَن أنس بن مَالك فِي قصَّة زواج عَليّ بفاطمة وَقد تقدم ذَلِك دعاؤه لعَلي وَفَاطِمَة حَتَّى أَتَى بِالْمَاءِ فنضح عَلَيْهِمَا وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم أخرجه أَبُو حَاتِم الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ
عَن ابْن عَبَّاس لما زوج رَسُول الله
فَاطِمَة لعَلي قَالَت يَا رَسُول الله زوجتني بِرَجُل فَقير لَا شَيْء لَهُ فَقَالَ
أما ترْضينَ يَا فَاطِمَة أَن الله اخْتَار من أهل الأَرْض رجلَيْنِ فَجعل أَحدهمَا أَبَاك وَالْآخر بعلك(3/42)
أخرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ
عَن ابْن عَبَّاس أيضَاً قَالَ كنت عِنْد النَّبِي
فغشيه الْوَحْي فَلَمَّا أَفَاق قَالَ أَتَدْرِي مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل قلت الله وَرَسُوله أعلم قَالَ أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ فَانْطَلق فَادع لي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعدة من الْأَنْصَار فَقَالَ إِن الله تَعَالَى قد أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة بنت خَدِيجَة من عَليّ بن أبي طَالب فَاشْهَدُوا أَنِّي قد زَوجته على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة إِن رَضِي عَليّ بن أبي طَالب بذلك ثمَّ دَعَا بطبق من بسر فَوَضعه بَين أَيْدِينَا ثمَّ قَالَ انتهبوا فانتهبنا فينما نَحن ننتهب إِذْ أقبل عَليّ بن أبي طَالب فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ رَسُول الله
يَا عَليّ إِن الله أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة وَقد زوجتكها على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال إِن رضيت قَالَ قد رضيت يَا رَسُول الله قَالَ ثمَّ قَامَ عَليّ فَخر سَاجِدا شكرا لله تَعَالَى قَالَ النَّبِي
جعل الله مِنْكُمَا الْكثير الطّيب وَبَارك الله فيكما قَالَ أنس فوَاللَّه لقد أخرج مِنْهُمَا الْكثير الطّيب أخرجه أَبُو الْخَيْر الحاكمي الحَدِيث السِّتُّونَ
عَن أنس قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله
فِي الْمَسْجِد إِذْ قَالَ لعَلي هَذَا جِبْرِيل يُخْبِرنِي أَن الله عز وَجل زَوجك فَاطِمَة وَأشْهد على تَزْوِيجهَا أَرْبَعِينَ ألف ملك وَأوحى إِلَى شَجَرَة طُوبَى أَن انثري عَلَيْهِم الدّرّ والياقوت فنثرته عَلَيْهِم فابتدرت الْحور الْعين يلقطن فِي أطباق الدّرّ والياقوت فهم يتهادونه بَينهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة خرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ
عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي
جلل الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة وعلياً كسَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وخاصتي أذهب عَنْهُم الرجس(3/43)
وطهرهم تَطْهِيرا أخرج التِّرْمِذِيّ الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ
عَن زيد بن أَرقم أَن رَسُول الله
قَالَ لعَلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن أَنا حَرْب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم أخرجه التِّرْمِذِيّ وَفِي رِوَايَة عَن أبي بكر الصّديق قَالَ رَأَيْت رَسُول الله
ختم ختمة وَهُوَ متكئ على فرش عَرَبِيَّة وَفِي الْخَيْمَة عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ معشر الْمُسلمين أَنا سلم لمن سَالم أهل الْخَيْمَة حَرْب لمن حاربهم وليُ من والاهم لَا يُحِبهُمْ إِلَّا سعيد الْجد طيب المولد وَلَا يبغضهم إِلَّا شقي الْجد رَدِيء الْولادَة الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ
عَن عَائِشَة رَضِي لله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله
لما حَضرته الْوَفَاة ادعوا لي حَبِيبِي فدعوا لَهُ أَبَا بكر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ وضع رَأسه ثمَّ قَالَ ادعوا لي حَبِيبِي فدعوا لَهُ عمر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ وضع رَأسه ثمَّ قَالَ ادعوا لي حَبِيبِي فدعوا لَهُ عليا فَلَمَّا رَآهُ أدخلهُ مَعَه فِي الثَّوْب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَلم يزل يحضنه حَتَّى قبض وَيَده عَلَيْهِ أخرجه الرَّازِيّ قلت قد تقدم فِي ذكر وَفَاته
أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْم وَفَاته
كَانَ غَائِبا بالسنح لما رَآهُ أصبح مفيقاً يَوْم الِاثْنَيْنِ فَأذن لَهُ
فَلم يعد إِلَّا وَقد توفّي
فَلْينْظر إِلَى وَجه التَّوْفِيق بَين ذَاك وَبَين قَوْله هُنَا فدعوا لَهُ أَبَا بكر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ وضع رَأسه وَلَو لم تقيد هَذِه الْوَاقِعَة بقوله لما حَضرته الْوَفَاة لَكَانَ وَجه التَّوْفِيق مُمكنا يحمل وُقُوعهَا على مَا قبل عزم أبي بكر إِلَى السنح فَلْيتَأَمَّل(3/44)
الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ
عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله
قَالَ يَوْم خَيْبَر لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحبُّ الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يفتح الله على يَدَيْهِ قَالَ فَبَاتَ النَّاس يدوكون أَي يَخُوضُونَ ويموجون ليلتهم أَيهمْ يعطاها فَلَمَّا أصبح النَّاس غدوا على رَسُول الله
كلهم يرجوا أَن يعطاها فَقَالَ
أَيْن عَليّ بن أبي طَالب قَالُوا يشتكي عَيْنَيْهِ قَالَ فأَرسلوا إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ بَصق فِي كَفه وَمسح بهَا عَيْنَيْهِ ودعا لَهُ فبرأ لوقته حَتَّى كَأَن لم يكن بِهِ وجع فَأعْطَاهُ الرَّايَة فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله أقاتلهم حَتَّى يَقُولُوا مثلنَا قَالَ انفذ على رسلك أَي امْضِ على تؤدتك كَمَا تَقول على هينتك حَتَّى تنزل بِسَاحَتِهِمْ ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ بِمَا يجب عَلَيْهِم من حق الله تَعَالَى فِيهِ فوَاللَّه لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من أَن يكون لَك حمر النعم أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ
عَن محدوج بن زيد الْهُذلِيّ أَن النَّبِي
قَالَ لعَلي أما علمت يَا عَليّ أَنه أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة بِي فأقوم عَن يَمِين الْعَرْش فِي ظله فأكسى حلَّة خضراء من حلل الْجنَّة ثمَّ يدعى بالأنبياء بَعضهم على أثر بعض فَيقومُونَ سماطين عَن يَمِين الْعَرْش ويكسون حللا من الْجنَّة أَلا إِنِّي أخْبرك يَا عَليّ أَن أمتِي أول الْأُمَم يحاسبون يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ أبشر فَأول مَا يدعى بك لقرابتك مني فَيدْفَع إِلَيْك لِوَائِي لِوَاء الْحَمد وَهُوَ أول لِوَاء تسير بِهِ بَين السماطين آدم وَجَمِيع خلق الله يَسْتَظِلُّونَ بِظِل لِوَائِي يَوْم الْقِيَامَة وَطوله مسيرَة ألف سنة سنانه ياقوتة حَمْرَاء قَبضته فضَّة بَيْضَاء زجه درة خضراء وَله ثَلَاث ذوائب من نور ذؤابة فِي الْمشرق وذؤبة فِي الْمغرب وَالثَّالِثَة فِي وسط الدُّنْيَا مَكْتُوب عَلَيْهِ ثَلَاثَة أسطر الأول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الثَّانِي الْحَمد لله(3/45)
رب الْعَالمين الثَّالِث لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله طول كل سطر مسيرَة ألف سنة وَعرضه مسيرَة ألف سنة فتسير باللواء وَالْحسن عَن يَمِينك وَالْحُسَيْن عَن يسارك حَتَّى تقف بيني وَبَين إِبْرَاهِيم فِي ظلّ الْعَرْش ثمَّ تُكْسَى حلَّة من الْجنَّة ثمَّ يُنَادي مُنَادِي تَحت الْعَرْش نعم الْأَب أَبوك إِبْرَاهِيم وَنعم الْأَخ أَخُوك عَليّ أبشر يَا عَليّ إِنَّك تُكْسَى إِذا كُسِيت وتدعى إِذا دعيت وتحيا إِذا حييت أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَأخرج الملا فِي سيرته زِيَادَة قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يَسْتَطِيع على أَن يحمل لِوَاء الْحَمد فَقَالَ رَسُول الله
وَكَيف لَا يَسْتَطِيع ذَلِك وَقد أعْطى خِصَالًا شَتَّى صبرا كصبري وحسنَاً كحسن يُوسُف وَقُوَّة كقوة جِبْرِيل الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ عَليّ حَامِل راية النَّبِي
يَوْم بدر والمشاهد كلهَا وَلما كسرت يَد عَليّ رَضِي الله عنة يَوْم أحد فَسقط اللِّوَاء من يَده قَالَ رَسُول الله
ضعوه فِي يَده الْيُسْرَى فَإِنَّهُ صَاحب لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول إِن فِيكُم من يُقَاتل على تَأْوِيل الْقُرْآن كَمَا قَاتَلت على تَنْزِيله قَالَ أَبُو بكر أَنا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ لَا قَالَ عمر أَنا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ لَا وَلَكِن خاصف النَّعْل وَكَانَ أعْطى نَعله عليُّاً يخصفها وَمثل هَذَا مَا رَوَاهُ عَليّ نَفسه من قَوْله فِيهِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة يَا معشر قُرَيْش لتَنْتَهُنَّ أَو ليبغين الله عَلَيْكُم من يضْرب رِقَابكُمْ بِالسَّيْفِ على الدّين قد امتحن الله قلبه على الْإِيمَان قَالُوا من هُوَ يَا رَسُول الله(3/46)
الله قَالَ هُوَ خاصف النَّعْل ثمَّ الْتفت عَليّ إِلَى من عِنْده وَقَالَ إِن رَسُول الله
قَالَ من كذب عَليّ متعمدَاً فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار أخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن صَحِيح الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ
عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي
أَمر بسد أَبْوَاب الْمَسْجِد إِلَّا بَاب عَليّ خرجه لترمذي وَفِي رِوَايَة فَتكلم فِي ذَلِك نَاس فَقَامَ رَسُول الله
فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أمرت بسد هَذِه الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب عَليّ فَقَالَ فِيهِ قائلكم وَإِنِّي وَالله مَا سددت شَيْئا وَلَا فَتحته وَلَكِنِّي أمرت بِشَيْء فاتبعته أخرجه أَحْمد الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ لَا يحل لأحد يُجنب فِي هَذَا الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيْرك أخرجه التِّرْمِذِيّ الحَدِيث السبعون
عَن أنس بن مَالك قَالَ كنت عِنْد النَّبِي
فَرَأى عليّاً مُقبلا فَقَالَ يَا أنس قلت لبيْك قَالَ هَذَا الْمقبل حجتي على أمتِي يَوْم الْقِيَامَة أخرجه النقاش الحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
أَنا دَار الْحِكْمَة وَعلي بَابهَا وَفِي أُخْرَى أَنا مَدِينَة الْعلم فَمن أَرَادَ الْعلم فليأته من بَابه(3/47)
الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ
عَن معقل بن يسَار قَالَ وضأت رَسُول الله
فَقَالَ هَل لَك فِي فَاطِمَة نعودها فَقلت نعم فَقَامَ يتَوَكَّأ عليَ حَتَّى دَخَلنَا على فَاطِمَة فَقُلْنَا كَيفَ تجدينك قلت اشد حزني واشتدتْ فَاقَتِي وَطَالَ سقمي فَقَالَ أَو مَا ترضَيْنَ أَن زَوجْتُك أقدمهم سلما وَأَكْثَرهم علمَاً وأعظمهم حلماً أخرجه أَحْمد وَزَاد القلعي زَوجتك سيداً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الحَدِيث الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ
عَن أنس عَن النَّبِي
أَنه قَالَ أقضى أمتِي عَليّ أخرجه فِي المصابيح وَقَالَ سعيد بن الْمسيب لم يكن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله
يَقُول سلوني غير عَليّ بن أبي طَالب وَعَن أبي الطُّفَيْل قَالَ شهِدت عليا يَقُول سلوني وَالله لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أَخْبَرتكُم بِهِ وسلوني عَن كتاب الله فوَاللَّه مَا مِنْ آيَة إِلَّا وَأَنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم فِي سهل أم فِي جبل أخرجه أَبُو عمر الحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ
عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي تختصم النَّاس بِسبع وَلَا يحاجك أحد من قُرَيْش أَنْت أَوَّلهمْ إِيمَانًا بِاللَّه وأوفاهم بِعَهْد الله وأقومهم بِأَمْر الله وأقسمهم بِالسَّوِيَّةِ وأعدلهم فِي الرّعية وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عِنْد الله مزية أخرجه الحاكمي الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله
إِلَى الْيمن قَاضِيا فَقلت يَا رَسُول الله بعثتني إِلَى قوم ذَوي أَسْنَان وَأَنا شَاب لَا أعلم الْقَضَاء فَوضع يَده على صَدْرِي فَقَالَ إِن الله يهدي قَلْبك وَيثبت لسَانك يَا عَليّ إِذا جلس إِلَيْك الخصمان فَلَا تقض بَينهمَا حَتَّى تسمع من الآخر كَمَا تسمع من الأول فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك تبين لَك الْقَضَاء فِيمَا اخْتلفَا قَالَ عَليّ فَمَا أشكل عَليّ قَضَاء بعد ذَلِك خرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ والحاكمي(3/48)
الحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ
عَن جَابر دَعَا النَّبِي
عليا يَوْم الطَّائِف فانتجاه فَقَالَ النَّاس لقد طَال نَجوَاهُ مَعَ ابْن عَمه فَقَالَ
مَا انتجيته وَلَكِن الله انتجاه الحَدِيث السَّابِع وَالسَّبْعُونَ
عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ انْطَلَقت أَنا وَالنَّبِيّ
حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَة فَقَالَ لي رَسُول الله
اجْلِسْ واصعد على منكبك فَذَهَبت لأربض بِهِ فَرَأى مني ضعفَاً فَنزل وَجلسَ إليَ نَبِي الله
وَقَالَ لي اصْعَدْ على مَنْكِبي فَصَعدت على مَنْكِبه قَالَ فَنَهَضَ فخُيل لي أَن لَو شِئْت لَنِلْت أفق السَّمَاء حَتَّى صعدت إِلَى الْبَيْت وَعَلِيهِ تِمْثَال صفر أَو نُحَاس فَجعلت أزاوله عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه حَتَّى اسْتَمْكَنت مِنْهُ فَقَالَ لي رَسُول الله
اقْذِفْهُ فقذفته فتكسر كَمَا تتكسر الْقَوَارِير ثمَّ نزلت فَانْطَلَقت أَنا وَرَسُول الله
نَسْتَبِق حَتَّى تَوَارَيْنَا بِالْبُيُوتِ خشيَة أَن يَرَانَا أحد من النَّاس وَذَلِكَ صَنَمهمْ الْأَكْبَر الحَدِيث الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ
روى أَبُو سعيد فِي شرف النُّبُوَّة أَن رَسُول الله
قَالَ لعَلي أُوتيت ثَلَاثًا لم يُؤْتَهُنَّ أحد وَلَا أَنا أُوتيت صهرَاً مثلي وَلم أوت أَنا مثلي وأوتيتَ زَوْجَة صديقَة مثل ابْنَتي وَلم أوت أَنا مثلهَا زَوْجَة وَأُوتِيت الْحسن وَالْحُسَيْن من صلبك وَلم أوت من صلبي مثلهمَا وَلَكِنَّكُمْ مني وَأَنا مِنْكُم وَأخرج مَعْنَاهُ الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا فِي مُسْنده بِزِيَادَة وَلَفظه يَا عَليّ أَعْطَيْت ثَلَاثًا لم يجتمعن لغيرك مصاهرتي وزوجتك وولديك وَالرَّابِعَة لولاك مَا عرف(3/49)
الْمُؤْمِنُونَ الحَدِيث التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
أَعْطَيْت فِي عَليّ خمْسا هِيَ أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أما وَاحِدَة فَهِيَ تكأتى عَلَيْهِ بَين يَدي الله عز وَجل حَتَّى يفرغ من الْحساب وَأما الثَّانِيَة فلواء الْحَمد بِيَدِهِ آدم وَمن وَلَده من تَحْتَهُ الثَّالِثَة فواقف على عقر حَوْضِي يسقى من عرف من أمتِي وَأما الرَّابِعَة فساتر عوراتي ومسلمي إِلَى ربى عز وَجل وَأما الْخَامِسَة فلست أخْشَى عَلَيْهِ أَن يرجع زَانيا بعد إِحْصَان وَلَا كافرَاً بعد إِيمَان أخرجه أَحْمد فِي المناقب قلت التكأة بِضَم التَّاء وبالهمز مَا يتكأ عَلَيْهِ وعقر الْحَوْض بِضَم الْعين وَإِسْكَان الْقَاف آخر الْحَوْض الحَدِيث الثَّمَانُونَ
عَن عبد الله بن أبي أوفى أَن النَّبِي
قَالَ لعَلي أَنْت معي فِي قصري فِي الْجنَّة مَعَ فَاطِمَة بِنْتي وَأَنت أخي ورفيقي ثمَّ تَلا {إخْوَانًا عَلىَ سُرُر مُتقابلين} الْحجر 47 أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ
عَن ابْن عمر عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول لعَلي يَا عَليّ يدك فِي يَدي تدخل معي يَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ أَدخل أخرجه الْحَافِظ الدِّمَشْقِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ
عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله
الْجنَّة تشتاق إِلَى ثَلَاثَة عَليّ وعمار وسلمان الْفَارِسِي أخرجه ابْن السّري(3/50)
لحَدِيث الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ
عَنهُ أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله
نَحن بني عبد الْمطلب سَادَات أهل الْجنَّة أَنا وَحَمْزَة وَعلي وجعفر وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَالْمهْدِي أخرجه ابْن الْبري الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ دخل رَسُول الله
وَأَنا فِي الْمَنَام فَاسْتَسْقَى الْحسن وَالْحُسَيْن قَالَ فَقَامَ رَسُول الله
إِلَى شَاة لنا بكر فحلبها فدرَت فجَاء الْحُسَيْن فنحاه النَّبِي
فَقَالَت فَاطِمَة لكأنه أحبهما إِلَيْك قَالَ لَا وَلكنه يَعْنِي الْحسن استسقى قبله ثمَّ قَالَ إِنِّي وَإِيَّاك وهذين وَهَذَا الراقد فِي مَكَان وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة أخرجه أَحْمد فِي الْمسند الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ
عَن عبد الله بن عمر قَالَ بَينا أَنا عِنْد رَسُول الله
وَجمع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَّا من كَانَ فِي سَرِيَّة أقبل عَليّ يمشي وَهُوَ متغضب فَقَالَ من أغضب هَذَا فقد أَغْضَبَنِي فَلَمَّا جلس قَالَ لَهُ رَسُول الله
مَا لَك يَا عَليّ قَالَ أذاني بتولك قَالَ أما ترْضى أَن تكون معي فِي الْجنَّة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَذُرِّيَّاتنَا خلف ظُهُورنَا وَأَزْوَاجنَا خلف ذرياتنا وأشياعنا عَن أَيْمَاننَا وَشَمَائِلنَا أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَأَبُو سعيد فِي شرف النُّبُوَّة الحَدِيث السَّادِس وَالثَّمَانُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ إِن لَك كنزاً فِي الْجنَّة وَإنَّك ذُو قرنيها فَلَا تتبع النظرة النظرة فَإِنَّمَا لَك الأولى وَلَيْسَت لَك الْآخِرَة أخرجه الْهَرَوِيّ فِي غَرِيبه وَقَوله قرنيها أَي(3/51)
طرفيها الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ
عَنهُ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه قَالَ كنت أَمْشِي مَعَ النَّبِي
فِي بعض طرق الْمَدِينَة فمررنا على حديقة فَقلت يَا رَسُول الله مَا أحْسنهَا قَالَ لَك فِي الْجنَّة أحسن مِنْهَا أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَفِي رِوَايَة فَلَمَّا خلا الطَّرِيق اعتنقني وأجهش باكياً فَقلت يَا رَسُول الله مَا يبكيك قَالَ ضغائن فِي صُدُور أَقوام لَا يبدونها لَك إِلَّا من بعدِي فَقلت فِي سَلامَة من ديني قَالَ فِي سَلامَة من دينك الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ إِن لَك فِي الْجنَّة مَا لَو قسم على أهل الأَرْض لوسعهم الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ
عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
عَليّ يزهر بِأَهْل الْجنَّة كَمَا يزهر كَوْكَب الصُّبْح بِأَهْل الدُّنْيَا أخرجه أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي ويزهر يضيء يُقَال زهرت النارُ زهرَاً أَضَاءَت الحَدِيث التِّسْعُونَ
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء أَخذ جِبْرِيل بيَدي وأقعدني على درنوك من درانيك الْجنَّة وناولني سفرجلة فَكنت أقلبها إِذْ انفلقت وَخرجت مِنْهَا حوراء لم أر أحسن مِنْهَا فَقَالَت السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد قلت وَعَلَيْك السَّلَام قَالَت أَنا الراضية المرضية خلقني الْجَبَّار من ثَلَاثَة أَصْنَاف أعلاي من عنبر ووسطي من كافور وأسفلي من مسك عجنني بِمَاء الْحَيَوَان ثمَّ قَالَ كوني فَكنت خلقني لأخيك وَابْن عمك عَليّ بن أبي طَالب خرجه الإِمَام عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم فِي مُسْنده الحَدِيث الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ
عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن الله(3/52)
اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَإِن قصري فِي الْجنَّة وَقصر إِبْرَاهِيم متقابلان وَقصر عَليّ بن أبي طَالب بَين قصري وَقصر إِبْرَاهِيم فيا لَهُ من حبيب بَين خليلين الحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ
عَن سلمَان قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ضرب لي قبَّة حَمْرَاء على يَمِين الْعَرْش وَضرب لإِبْرَاهِيم قبَّة خضراء عَن يسَار الْعَرْش وَضرب فِيمَا بَينهمَا لعَلي بن أبي طَالب قبَّة من لُؤْلُؤ بَيْضَاء فَمَا ظنكم بحبيب بَين خليلين أخرجه الحاكمي الحَدِيث الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ مَعَك يَوْم الْقِيَامَة عَصا من عصي الْجنَّة تذود بهَا الْمُنَافِقين عَن الْحَوْض أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِي رِوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ لأذودن بيَدي هَاتين القصيرتين عَن حَوْض رَسُول الله
رايات الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا تذاد غرائب الْإِبِل عَن حياضها أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ
عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي لَك يَوْم الْقِيَامَة نَاقَة من نُوق الْجنَّة تركبها وركبتيك مَعَ ركبتي وفخذك مَعَ فَخذي حَتَّى تدخل الْجنَّة أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ
عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ قلت لعَلي بن أبي طَالب أَخْبرنِي بِأَفْضَل منزلتك من رَسُول الله
قَالَ نعم بَينا أَنا عِنْده وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ يَا عَليّ مَا سَأَلت الله عز وَجل من الْخَيْر(3/53)
إِلَّا سَأَلت لَك مثله وَمَا استعذت بِاللَّه من الشَّرّ إِلَّا استعذت لَك مثله أخرجه الْمحَامِلِي الحَدِيث السَّادِس وَالتِّسْعُونَ
عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله
مَا اكْتسب مكتسب مثل فضل عَليّ يهدي إِلَى الْهدى وَيرد عَن الردى أخرجه الطَّبَرَانِيّ الحَدِيث السَّابِع وَالتِّسْعُونَ
عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله
إِن الله أَمرنِي بحب أَرْبَعَة وَأَخْبرنِي أَنه يُحِبهُمْ قيل يَا رَسُول الله فسمهم لنا قَالَ عَليّ مِنْهُم يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ الحَدِيث الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ
عَن ابْن عَبَّاس أَن عليا دخل على النَّبِي
فَقَامَ إِلَيْهِ وعانقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ الْعَبَّاس أَتُحِبُّ هَذَا يَا رَسُول الله فَقَالَ يَا عَم وَالله للُّه أَشد حبُّاً لَهُ مني أخرجه أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ
عَن إِبْرَاهِيم بن عبيد بن رِفَاعَة الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَقبلت من بدر ففقدنا رَسُول الله
فَنَادَى الرفاق بَعضهم بَعْضًا أفيكم رَسُول لله فوقفوا حَتَّى جَاءَ رَسُول الله
وَمَعَهُ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا يَا رَسُول الله فقدناك فَقَالَ إِن أَبَا الْحسن وجد مغصَاً فِي بَطْنه فتخلفت عِنْده أخرجه أَبُو عمر(3/54)
الحَدِيث الْمِائَة
عَن أم عَطِيَّة قلت بعث رَسُول الله
جيشَاً فيهم عَليّ بن أبي طَالب قَالَت فَسمِعت رَسُول الله
وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ يَقُول اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تريني عليا أخرجه التِّرْمِذِيّ الحَدِيث الْحَادِي وَالْمِائَة
عَن عَليّ قَالَ كنت شاكيَاً فَمر بِي رَسُول الله
وَأَنا قَول للهم إِن كَانَ أَجلي قد حضر فأرحني وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا فارفع عني وَإِن كَانَ بلَاء فصبرني فَقَالَ رَسُول الله
كَيفَ قلت فَأَعَدْت عَلَيْهِ فضربني وَقَالَ اللَّهُمَّ عافه أَو اشفه شُعْبَة الشاك قَالَ فَمَا اشتكيت وجعي ذَاك بعد أخرجه أَبُو حَاتِم الحَدِيث الثَّانِي وَالْمِائَة
عَن أنس أَن النَّبِي
بعث عليُّاً ثمَّ بعث رجلا خَلفه وَقَالَ ادْعُه وَلَا تَدعه من وَرَائه أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ الحَدِيث الثَّالِث وَالْمِائَة عَن عَليّ قَالَ أهْدى لرَسُول الله
حلَّة سيراء مسيرَة بحرير إِمَّا سداؤها وَإِمَّا لحمتها فبعثها النَّبِي
إِلَيّ فَقلت يَا رَسُول الله مَا صنع بهَا فَقَالَ لَا أرضي لَك شَيْئا وأكرهه لنَفْسي فشققت مِنْهَا أَرْبَعَة أخمرة خماراً لفاطمة بنت أَسد أم عَليّ وخماراً لفاطمة بنت مُحَمَّد وخمارَاً لفاطمة بنت حَمْزَة وَذكر فَاطِمَة أُخْرَى أرجه الضَّحَّاك الحَدِيث الرَّابِع وَالْمِائَة عَن عبد الْأَعْلَى بن عدي البهراني أَن رَسُول الله
دَعَا عليا يَوْم غَدِير خم فعممه وأرخى عذبة الْعِمَامَة من خَلفه الحَدِيث الْخَامِس وَالْمِائَة
عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله
من أحب(3/55)
هذَيْن وأباهما وأمهما كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ الحَدِيث السَّادِس وَالْمِائَة
عَنهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة لعهد النَّبِي
لَا يحبني إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضني إِلَّا مُنَافِق أخرجه مُسلم وَأَبُو حَاتِم الحَدِيث السَّابِع وَالْمِائَة
عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله
يَقُول لَا يحب عليا مُنَافِق وَلَا يبغضه مُؤمن أخرجه التِّرْمِذِيّ وَعَن جَابر بن عبد الله مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين إِلَّا ببغضهم عليا الحَدِيث الثَّامِن وَالْمِائَة
عَن زيد بن أَرقم قَالَ قَالَ رَسُول الله
من أحب أَن يسْتَمْسك بالقضيب الْأَحْمَر الَّذِي غرسه الله فِي جنَّة عدن كُله فليستمسك بحب عَليّ أخرجه أَحْمد فِي المناقب الحَدِيث التَّاسِع وَالْمِائَة
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
حب عَليّ يَأْكُل الذُّنُوب كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب أخرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث الْعَاشِر وَالْمِائَة
عَن أنس قَالَ دَفع عَليّ بن أبي طَالب إِلَى بِلَال درهما ليَشْتَرِي بطيخاً قَالَ فَاشْترى بِهِ فَأخذ بطيخة فقورها فَوَجَدَهَا مرّة فَقَالَ يَا بِلَال رد هَذَا على صَاحبه وائتني بالدرهم إِن رَسُول الله
قَالَ إِن الله عز وَجل أَخذ حبك على الشّجر والبشر والمدر فَمَا أجَاب إِلَى حبك عذب وطاب وَمَا(3/56)
لم يجب خبث وَمر وَإِنِّي أَظن هَذَا مِمَّا لم يجب أخرجه الملا وَفِي هَذَا دلَالَة على أَن الْعَيْب الْحَادِث إِذا كَانَ مِمَّا لَا يطلع على الْعَيْب الْقَدِيم إِلَّا بِهِ لَا يمْنَع الرَّد الحَدِيث الْحَادِي عشر وَمِائَة
عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله
قَالَت قَالَ رَسُول الله
إِن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا فِي حَيَاته وَبعد مماته أخرجه أَحْمد الحَدِيث الثَّانِي عشر وَمِائَة
عَن عمار بن يَاسر قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول يَا عَليّ طُوبَى لمن أحبك وصدقك وويل لمن أبغضك وَكذب فِيك أخرجه ابْن عَرَفَة الحَدِيث الثَّالِث عشر وَمِائَة
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُول الله
فِيك مثل من عِيسَى أبغضه الْيَهُود حَتَّى بهتُوا أمه وأحبته النَّصَارَى حَتَّى أنزلته بالمنزلة الَّتِي لَيْسَ بهَا ثمَّ قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يهْلك فِي رجال مُحب مفرط يقرظني بِمَا لَيْسَ فِي ومُبغض مفترٍ يحملهُ شنآني على أَن يبهتني أخرجه أَحْمد فِي الْمسند وَمعنى بهتُوا كذبُوا عَلَيْهِ والبهت الْكَذِب وَقَول الزُّور الحَدِيث الرَّابِع عشر وَمِائَة
عَن أبي الجمراء قَالَ قَالَ رَسُول الله
من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى آدم فِي علمه وَإِلَى نوح فِي فهمه وَإِلَى إِبْرَاهِيم فِي حكمه وَإِلَى زَكَرِيَّا بن يحيى فِي زهده وَإِلَى مُوسَى بن عمرَان فِي بطشه فَلْينْظر إِلَى عَليّ(3/57)
بن أبي طَالب أخرجه الحاكمي والقزويني الحَدِيث الْخَامِس عشر وَمِائَة
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت رَأَيْت أَبَا بكر يكثر النّظر إِلَى وَجه عَليّ فَقلت يَا أَبَت رَأَيْتُك تكْثر النّظر إِلَى وَجه عَليّ فَقَالَ يَا بنية سَمِعت رَسُول الله
يَقُول النّظر إِلَى وَجه عَليّ عبَادَة أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة الحَدِيث السَّادِس عشر وَمِائَة
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
مَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وَأَهْلهَا يشتاقون إِلَى عَليّ بن أبي طَالب وَمَا فِي الْجنَّة شَيْء إِلَّا وَهُوَ مشتاق إِلَى عَليّ بن أبي طَالب أخرجه الملا فِي سيرته الحَدِيث السَّابِع عشر وَمِائَة
عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَن رَسُول الله صف الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار صفّين ثمَّ أَخذ بيد عَليّ وَالْعَبَّاس من بَين الصفين وَضحك فَقَالَ لَهُ رجل من أَي شَيْء ضحِكت فدَاك أبي وَأمي قَالَ هَبَط عَليّ جِبْرِيل بِأَن الله باهى بالمهاجرين وَالْأَنْصَار أهل السَّمَوَات الْعلَا وباهى بك يَا عَليّ وَبِك يَا عَبَّاس حَملَة الْعَرْش أخرجه أَبُو الْقَاسِم فِي الْفَضَائِل الحَدِيث الثَّامِن عشر وَمِائَة
عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله
أَدْعُو عليَّاً فَأتيت بَيته فناديته فَلم يجبني فعدت فَأخْبرت رَسُول الله
فَقَالَ لي عد إِلَيْهِ ادْعُه فَإِنَّهُ فِي الْبَيْت قَالَ أَبُو ذَر فعدت أناديه فَسمِعت صَوت رحى تطحن فشارفت فَإِذا الرَّحَى تطحن وَلَيْسَ مَعهَا أحد فناديته فَخرج إليَ منشرحاً فَقلت إِن رَسُول الله
يَدْعُوك فجَاء ثمَّ لم أزل أنظر إِلَى رَسُول الله
وَينظر إِلَيّ فَقَالَ يَا أَبَا ذَر مَا شَأْنك فَقلت يَا رَسُول الله عجبت من الْعجب رَأَيْت رحى تطحن وَلَيْسَ مَعهَا أحد يديرها فَقَالَ يَا أَبَا ذَر إِن لله مَلَائِكَة يسيحون فِي الأَرْض قد وكلوا بمعونة آل مُحَمَّد
أخرجه الملا فِي سيرته(3/58)
الحَدِيث التَّاسِع عشر وَمِائَة
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ اشْتَكَى النَّاس عليا يومَاً فَقَامَ رَسُول الله
فِينَا خَطِيبًا فَسَمعته يَقُول أَيهَا النَّاس لَا تَشكوا عليا فوَاللَّه إِنَّه لأخشى فِي ذَات الله عز وَجل أَو فِي سَبِيل الله أخرجه أَحْمد الحَدِيث الْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أشهد على رَسُول الله
لسمعته وَهُوَ يَقُول لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع وضعت فِي كفة وَوضع إِيمَان عَليّ فِي كفة لرجح إِيمَان عَليّ أخرجه ابْن السمان والحافظ السلَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ كَيفَ أَنْت إِذا زهد النَّاس فِي الْآخِرَة وَرَغبُوا فِي الدُّنْيَا وأكلوا التراث أكلا لما وأحبوا المَال حبُّاً جمُّا وَاتَّخذُوا دين الله دخلا وَمَال الله دولا قلت أتركهم وَمَا اخْتَارُوا وأختار الله وَرَسُوله وَالدَّار وَالْآخِرَة وأصبر على مصيبات الدُّنْيَا وبلواها حَتَّى ألحق بك إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ صدقت اللَّهُمَّ افْعَل بِهِ ذَلِك أخرجه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَيْضا قَالَ جعت بِالْمَدِينَةِ جوعا شَدِيدا فَخرجت أطلب الْعَمَل فِي عوالي الْمَدِينَة فَإِذا أَنا بِامْرَأَة قد جمعت مدراً فظننتها تُرِيدُ بَلَهُ فعاطيتها كل دلو بتمرة فمددت سِتَّة عشر دلواً حَتَّى مجلت يَدي ثمَّ أتيتها فَقلت بكلتا يَدي هَكَذَا بَين يَديهَا فعدت لي سِتّ عشرَة تَمْرَة فَأتيت النَّبِي
فَأَخْبَرته فَأكل معي مِنْهَا وَقَالَ لي خيرَاً ودعا لي أخرجه أَحْمد وَصَاحب الصفوة والفضائلي قَوْله مجلت يَدي أَي نفطت من الْعَمَل وَقَوله فعاطيتها من المعاطاة وَهِي وَهِي المناولة كَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَخذ بيد صَاحبه على ذَلِك إِذا عاقده عَلَيْهِ وَإِن لم يُوجد أَخذ يَد حسا(3/59)
الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن سهل بن سعد أَن عَليّ بن أبي طَالب دخل على فَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن يَبْكِيَانِ فَقَالَ مَا يبكيهما قَالَت الْجُوع فَخرج عَليّ فَوجدَ دِينَارا فِي السُّوق فجَاء إِلَى فَاطِمَة فَأَخْبرهَا فَقَالَت اذْهَبْ إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَخذ لنا بِهِ دَقِيقًا فجَاء إِلَى الْيَهُودِيّ فَاشْترى بِهِ دقيقَاً فَقَالَ أَنْت ختن هَذَا الَّذِي يزْعم أَنه رَسُول الله قَالَ نعم قَالَ فَخذ دينارك وَلَك الدَّقِيق فَخرج عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَتَّى جَاءَ فَاطِمَة فَأَخْبرهَا فَقَالَت اذْهَبْ إِلَى فلَان الجزار فَخذ لنا بدرهم لَحْمًا فَذهب عَليّ فرهن الدِّينَار على لحم بدرهم فجَاء بِهِ فعجنت الدَّقِيق وخبزته وَأرْسلت إِلَى أَبِيهَا فَجَاءَهُمْ فَقَالَ يَا رَسُول الله أذكر لَك فَإِن رَأَيْته حَلَالا أكلنَا فَذكرت لَهُ من شَأْنه قَالَ كلوا بِسم الله فَبَيْنَمَا هم مكانهم إِذا غُلَام ينشد الله وَالْإِسْلَام الدِّينَار فَأمر رَسُول الله
فدعى لَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ سقط مني فِي السُّوق فَقَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ اذْهَبْ إِلَى الجزار فَقل لَهُ إِن رَسُول الله
يَقُول أرسل إِلَيّ بالدينار ودرهمك عَليّ فَأرْسل بِهِ فَدفع الدِّينَار إِلَى الْغُلَام أخرجه أَبُو دَاوُد الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله
أَن رَسُول الله
أَتَاهَا يَوْمًا فَقَالَ أَيْن ابناي يَعْنِي حسنا وحسينَاً قَالَت أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي بيتنا مَا يذوقه ذائق فَقَالَ لي عَليّ أذهب بهما فَإِنِّي أَتَخَوَّف أَن يبكيا عَلَيْك وَلَيْسَ عنْدك شَيْء فَذهب بهما إِلَى فلَان الْيَهُودِيّ فَخرج إِلَيْهِ رَسُول الله
فوجدهما يلعبان فِي مشربَة وَبَين أَيْدِيهِمَا فضل من تمر فَقَالَ
يَا عَليّ أَلا تنْقَلب بِابْني قبل أَن يشْتَد عَلَيْهِمَا الْحر قَالَت فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي بيتنا شَيْء فَلَو جَلَست حَتَّى أجمع لفاطمة تمرات فَجَلَسَ رَسُول الله
وَعلي ينْزع لِلْيَهُودِيِّ كل دلو بتمرة حَتَّى اجْتمع لَهُ شَيْء من تمر فَجعله فِي حجزته ثمَّ أقبل النَّبِي
يحمل أَحدهمَا وَعلي يحمل الآخر أخرجه الدولابي فِي الذُّرِّيَّة الطاهرة(3/60)
الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
أخرج الإِمَام أَحْمد عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله
لما تزوج فَاطِمَة بعث مَعهَا بخميلة ووسادة من أَدَم حشوها لِيف ورحيين وسقاء وجرتين فَقلت لفاطمة ذَات يَوْم وَالله لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقد جَاءَ الله أَبَاك بسبي فاذهبي فاستخدميه فَقَالَت وَأَنا وَالله لقد طحنت حَتَّى مجلت يداي فَأَتَت النَّبِي
فَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا بنية قَالَ جِئْت لأسلم عَلَيْك واستحيت أَن تسأله وَرجعت فَقلت مَا صنعت قَالَت استحييت أَن أسأله فأتيناه مَعًا فَقلت يَا رَسُول الله لقد سنوت حَتَّى اشتكيت صَدْرِي وَقَالَت فَاطِمَة وَقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي وَقد جَاءَ الله بسبي وسعة فَأخذ منا قَالَ لَا وَالله لَا أعطيكما وأدع أهل الصّفة تطوي بطونهم لَا أجد مَا أنْفق عَلَيْهِم وَلَكِن أبيعه وَأنْفق عَلَيْهِم أثمانهم فرجعنا فَأَتَانَا رَسُول الله
وَقد دَخَلنَا قطيفة لنا إِذا غطينا رءوسنا انكشفت أقدامنا وَإِذا غطينا أقدامنا انكشفت رءوسنا فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ ثرنا فَقَالَ مَكَانكُمَا ثمَّ قَالَ أَلا أخبركما بِخَير مِمَّا سألتماني قُلْنَا بلَى قَالَ كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل فَقَالَ تسبحان الله دبر كل صَلَاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وَإِذا أويتما إِلَى فراشكما سبحاً ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ واحمدا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وكبرا ثلاثَاً وَثَلَاثِينَ قَالَ عَليّ فَمَا تركتهن مُنْذُ علمنيهن رَسُول الله
فَقيل لَهُ وَلَا لَيْلَة صفّين قَالَ وَلَا لَيْلَة صفّين قَوْله سنوت استقيت والسانية الناضحة الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ بعث رَسُول الله
خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْيمن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَكنت فِيمَن سَار مَعَه فَأَقَامَ عَلَيْهِم سِتَّة أشهر لَا يجيبونه إِلَى شَيْء فَبعث النَّبِي
عَليّ بن أبي طَالب وَأمره أَن يُرْسل خَالِدا وَمن مَعَه إِلَّا من أَرَادَ الْبَقَاء مَعَ عَليّ فيتركه قَالَ الْبَراء وَكنت مَعَ من عقب مَعَ عَليّ فَلَمَّا انتهينا إِلَى أَوَائِل الْيمن وَبلغ الْقَوْم الْخَبَر فَجمعُوا لَهُ وَصلى(3/61)
عَليّ بِنَا الْفجْر فَلَمَّا فرغ صف بِنَا وَاحِدًا ثمَّ تقدم بَين أَيْدِينَا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِم كتاب رَسُول الله
فَأسْلمت هَمدَان كلهَا فِي يَوْم وَاحِد وَكتب بذلك إِلَى رَسُول الله
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابه خرَ سَاجِدا وَقَالَ السَّلَام على هَمدَان السَّلَام على هَمدَان أخرجه أَبُو عَمْرو الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن عبيد السَّلمَانِي قَالَ ذكر على الْخَوَارِج فَقَالَ فيهم رجل مُخْدج الْيَد لَوْلَا أَن تبطروا لأخبرتكم بِمَا وعد الله تَعَالَى على لِسَان نبيه مُحَمَّد
لمن قَتلهمْ قَالَ فَقلت لعَلي أسمعته من رَسُول الله
قَالَ إِي وَرب الْكَعْبَة إِي وَرب الْكَعْبَة أخرجه مُسلم الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وَمِائَة
عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
أَتَى منزل أم سَلمَة فجَاء عَليّ فَقَالَ رَسُول الله
هَذَا قَاتل القاسطين والناكثين والمارقين بعدِي أخرجه الْحَاكِم القاسطون الجائرون من القَسْطِ بِفَتْح الْقَاف والقصود وَهُوَ الْجور والقِسط بِكَسْر الْقَاف الْعدْل الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ وَمِائَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله
إِذا غضب لم يجترئ أحد أَن يكلمهُ إِلَّا عَليّ رَضِي الله عَنهُ الحَدِيث الثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الديلمي
عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي
قَالَ خير أخوتي عَليّ خير أعمامي حَمْزَة(3/62)
الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
عَن أم سلمه قَالَت سَمِعت رَسُول الله
يَقُول عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا يفترقان حَتَّى يردا على الْحَوْض الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج أَبُو يعلى
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت رَأَيْت النَّبِي
الْتزم عليا وَقَبله وَهُوَ يَقُول بِأبي الوحيد الشَّهِيد بِأبي الوحيد الشَّهِيد الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الْحَاكِم عَن جَابر أَن النَّبِي
قَالَ عَليّ إِمَام البررة وَقَاتل الفجرة مَنْصُور من نَصره مخذول من خذله الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة أخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي
قَالَ عَليّ بَاب حطة من دخل مِنْهُ كَانَ مُؤمنا وَمن خرج مِنْهُ كَانَ كافرَاً الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة عَن عَليّ الرضي ابْن الإِمَام مُوسَى الكاظم أَن رَسُول الله
قَالَ لعَلي أَنْت قسيم الْجنَّة والنارفيوم الْقِيَامَة تَقول النَّار هَذَا لي وَهَذَا لَك وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ أَن عليا قَالَ للستة الَّذين جعل الْأَمر شُورَى بَينهم كلَاما طَويلا من جملَته أنْشدكُمْ الله هَل فِيكُم أحد قَالَ لَهُ رَسُول الله
أَنْت قسيم النَّار يَوْم الْقِيَامَة غَيْرِي قَالُوا اللَّهُمَّ لَا الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة
أخرج ابْن أبي شيبَة أَنه
قَالَ فِي مرض مَوته أَيهَا النَّاس يُوشك أَن أَقبض قبضا سَرِيعا فَينْطَلق بِي وَقد قَدمت إِلَيْكُم القَوْل معذرة إِلَيْكُم أَلا إِنِّي مخلف فِيكُم الثقلَيْن كتاب الله عز وَجل وعترتي أهل بَيْتِي ثمَّ أَخذ بيد عَليّ فَرَفعهَا فَقَالَ هَذَا عَليّ مَعَ الْقُرْآن وَالْقُرْآن مَعَ عَليّ لَا(3/63)
يفترقان حَتَّى يردا على الْحَوْض فاسألهما مَا خلفت فيهمَا الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة
روى سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتعَيِها أُذُن وَاعيَة} الحاقة 12 قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ إِن الله تَعَالَى أَمرنِي أَن أدنيك وَلَا أقصيك وَأَن أعلمك وَأَن تعي وَحقّ لَك أَن تعي سَأَلت رَبِّي أَن يَجْعَلهَا أذنيك قَالَ مَكْحُول وَكَانَ عَليّ يَقُول مَا سَمِعت من رَسُول الله
شَيْئا فَنسيته الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة
روى الديلمي عَن أنس أَن رَسُول الله
قَالَ أعلم النَّاس بعدِي عَليّ بن أبي طَالب الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ وَمِائَة
روى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أبي رَافع عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله
بعث عليا مبعثَا فَلَمَّا قدم قَالَ الله وَرَسُوله وَجِبْرِيل عَنْك راضون الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى الْخَطِيب والديلمي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قلت قَالَ رَسُول الله
ذكر عَليّ عبَادَة الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى الديلمي عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله
عَليّ مني ومبين لأمتي مَا أرْسلت بِهِ من بعدِي حبه إِيمَان وبغضه نفاق(3/64)
الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ لَهُ مرْحَبًا بِسَيِّد الْمُسلمين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى الديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله
لعَلي من أحبك فبحبي أحبك فَإِن العَبْد لَا ينَال ولايتي إِلَّا بحبك الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة عَن عمار بن يَاسر قَالَ قَالَ رَسُول الله
يَا عَليّ إِن الله زينك بزينة لم تزين الْعباد بزينة أحب إِلَى الله مِنْهَا هِيَ زِينَة الْأَبْرَار عِنْد الله الزّهْد فِي الدُّنْيَا فجعلك لَا ترزأ من الدُّنْيَا شَيْئا وَلَا ترزأ الدُّنْيَا مِنْك شَيْئا ووهب لَك حب الْمَسَاكِين فَجعلت ترْضى بهم أتباعَاً ويرضون بك إِمَامًا الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى الْخَطِيب والرافعي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ لَهُ سَأَلت الله فِيك يَا عَليّ أَرْبعا فَمَنَعَنِي وَاحِدَة وَأَعْطَانِي ثلاثَاً سَأَلت الله أَن يجمع عَلَيْك أمتِي فَأبى عَلَيَ وَأَعْطَانِي مِنْك أَن أول من تَنْشَق الأَرْض عَنهُ أَنا وَأَنت وَمَعِي لِوَاء الْحَمد وَأَنت تحمله بَين يَدي تسبق الْأَوَّلين والآخرين وَأَعْطَانِي أَنَّك ولي الْمُؤمنِينَ بعدِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
روى ابْن عَسَاكِر عَن عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ يَا عَليّ ستقتلك الفئة الباغية وَأَنت على الْحق فَمن لم ينصرك يَوْمئِذٍ فَلَيْسَ مني الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن قَالَ نَادَى ملك من السَّمَاء يُقَال لَهُ رضوَان لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا(3/65)
عَليّ خرجه الْحسن بن عَرَفَة الْعَبْدي قلت ذُو الفقار هُوَ سيف رَسُول الله
غنمه يَوْم بدر وَكَانَ سيف نبيه بن الْحجَّاج فَأعْطَاهُ النَّبِي
عليا كرم الله وَجهه قَالَ أَبُو الْعَبَّاس سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ حفر صغَار الْفَقْرَة الحفرة الصَّغِيرَة الَّتِي تكون فِيهِ والمفقر من السيوف الَّذِي فِيهِ خروز والعامة تسميه المعَير وَفِي ذكرى أَن عدَّة الْفقر فِي سَيْفه الْمَذْكُور كرم الله وَجهه سِتّ عشرَة فقرة الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ كَانَ أبي يسمر مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ عَليّ يلبس ثِيَاب الصَّيف فِي الشتَاء وَثيَاب الشتَاء فِي الصَّيف فَقيل لَهُ لَو سَأَلته فَسَأَلَهُ فَقَالَ عَليّ إِن رَسُول الله
بعث إليَ يَوْم خَيْبَر وَأَنا أرمد الْعين فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي أرمد الْعين فتفل فِي عَيْني وَقَالَ اللَّهُمَّ أذهب عَنهُ الْحر وَالْبرد فَلَمَّا وجدت حرا وَلَا بردَاً مُنْذُ يَوْمئِذٍ وَقَالَ لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله يكون الْفَتْح على يَده فتشوف لَهَا أَصْحَاب رَسُول الله
فَأَعْطَانِيهَا أخرجه الإِمَام أَحْمد وَعَن جَابر بن عبد الله أَن عَليّ بن أبي طَالب حمل الْبَاب يَوْم خَيْبَر حَتَّى صعد الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ ففتحوها وَبعد ذَلِك لم يحملهُ أَرْبَعُونَ رجلا وَفِي طَرِيق ضَعِيف ثمَّ اجْتمع عَلَيْهِ سَبْعُونَ رجلا فَكَانَ جهدهمْ أَن أعادوا الْبَاب أخرجهَا الْحَاكِم الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ وَمِائَة
حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الفضائلي بِإِسْنَاد يرفعهُ إِلَى أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ رَوَاهُ أَن النَّبِي
قَالَ هَبَط عَليّ جِبْرِيل يَوْم حنين فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن رَبك تبَارك وَتَعَالَى يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول ادْفَعْ هَذِه الأترجة إِلَى ابْن عمك ووصيك عَليّ بن أبي طَالب قَالَ فدفعتها إِلَيْهِ فوضعها فِي كَفه فانفلقت نِصْفَيْنِ فَخرج مِنْهَا رق أَبيض مَكْتُوب فِيهِ بِالنورِ تَحِيَّة من الطَّالِب الْغَالِب إِلَى عَليّ بن أبي طَالب(3/66)
الحَدِيث الْخَمْسُونَ وَمِائَة
أخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن سُلَيْمَان عَنهُ
كنت أَنا وَعلي نورا بَين يَدي الله مطبقاً يسبح الله ذَلِك النُّور ويقدسه قبل أَن يخلق آدم بأَرْبعَة عشر ألف عَام فَلَمَّا خلق الله آدم ركب ذَلِك النُّور فِي صلبه فَلم يزل فِي شَيْء وَاحِد حَتَّى افترقنا فِي صلب عبد الْمطلب فجزء أَنا وجزء عَليّ الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن أم سَلمَة لَو لم يخلق عليٌ ملا كَانَ لفاطمة كفؤ أخرجه فِي مُسْند الفردوس الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن عَليّ نَفسه لَو أَن عبدا عبد الله مثل مَا قَامَ نوح فِي قومه وَكَانَ لَهُ مثل أحد ذَهَبا فأنفقه فِي سَبِيل الله ومدَ فِي عمره حَتَّى يحجّ ألف عَام على قَدَمَيْهِ ثمَّ قتل بَين الصَّفَا والمروة مَظْلُوما ثمَّ لم يوالك يَا عَليّ لم يشم رَائِحَة الْجنَّة وَلم يدخلهَا أخرجه الديلمي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن ابْن عَبَّاس لَو اجْتمع النَّاس على حب عَليّ بن أبي طَالب لما خلق الله النَّار أخرجه الديلمي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ وَمِائَة عَن حُذَيْفَة مثل عَليّ بن أبي طَالب فِي النَّاس مثل {قُل هُوَ اَللَّهُ أَحَد} فِي الْقُرْآن أخرجه الديلمي أَيْضا انْتهى قلت هَذَا مَا ظَفرت بِهِ مِمَّا ورد فِي شَأْنه خَاصَّة وَأما مَا ورد فِي شَأْنه مَعَ الْوَاحِد أَو مَعَ الِاثْنَيْنِ أَو مَعَ الثَّلَاثَة أَو مَعَ الْأَرْبَعَة أَو مَعَ الْعشْرَة فَلم أوردهُ مِنْهُ شَيْئا أصلا وَكَذَلِكَ مَا ورد من الثَّنَاء عَلَيْهِ من الصَّحَابَة والأكابر وَالسَّلَف الصَّالح وَمَا أثر من كراماته ومكاشفاته وزهده وورعه وسماحته وحماسته وفصاحته وعبادته ومناقبه الحميدة وشمائله الفريدة فَلم أورد من ذَلِك شَيْئا إِذْ لَو رمت اسْتِيعَاب بعض ذَلِك لخُرُوج الْكتاب بذلك عَن وَضعه الْمَقْصُود بِالذَّاتِ فاعتمدت على مَا أثْبته الْأَئِمَّة الْأَثْبَات وأودع بطُون الْكتب المصنفات(3/67)
(ذكر أقضيته رَضِي الله عَنهُ)
عَن زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَتَى عمر بن الْخطاب بِامْرَأَة حَامِل قد اعْترفت بِالْفُجُورِ فَأمر برجمها فتلقاها عَليّ فَقَالَ مَا بَال هَذِه قَالُوا أَمر عمر برجمها فَردهَا عَليّ وَقَالَ لعمر هَذِه سلطانك عَلَيْهَا فَمَا سلطانك على مَا فِي بَطنهَا فَقَالَ عمر كل أحد أفقه مِنْك يَا عمر فَضمهَا حَتَّى وضعت غُلَاما ثمَّ ذهب بهَا إِلَيْهِ فرجمها وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ أَتَى عمر بِامْرَأَة أجهدها الْعَطش فمرت براع فاستسقته فَأبى أَن يسقيها حَتَّى تمكنه من نَفسهَا فَفعلت فَشَاور النَّاس فِي رَجمهَا فَقَالَ عَليّ هَذِه مضطرة إِلَى ذَلِك فَخَل سَبِيلهَا فَفعل وَعَن أبي ظبْيَان قَالَ شهِدت عمر أَتَى بِامْرَأَة قد زنت فَأمر برجمها فانتزعها عَليّ من بَين أَيْديهم فردهم فَرَجَعُوا إِلَى عمر فَقَالُوا ردنا عَليّ قَالَ عمر مَا فعل هَذَا عَليّ إِلَّا لشَيْء فَأرْسل إِلَيْهِ فجَاء فَقَالَ مَا لَك رددت هَذِه قَالَ أَنا سَمِعت النَّبِي
يَقُول رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الصَّغِير حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن الْمُبْتَلى حَتَّى يعقل قَالَ بلَى قَالَ فَهَذِهِ مبتلاة بني فلَان فلَعله أَتَاهَا وغر بهَا قَالَ عمر لَا أَدْرِي قَالَ عَليّ وَأَنا لَا أَدْرِي فَترك رَجمهَا وَعَن مَسْرُوق أَن عمر أَتَى بِامْرَأَة قد نكحت فِي عدتهَا فَفرق بَينهمَا وَجعل مهرهَا فِي بَيت المَال وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا فَبلغ ذَلِك عليا فَقَالَ إِن كَانَ جَاهِلا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَيفرق بَينهمَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فَهُوَ خَاطب من الْخطاب فَخَطب عمر وَقَالَ ردوا الجهالات إِلَى السّنة فَرجع إِلَى قَول عَليّ(3/68)
رَضِي الله عَنْهُمَا خرج جَمِيع ذَلِك ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَأخرج حَدِيث أبي ظبْيَان الإِمَام أَحْمد وَعَن ابْن سِيرِين أَن عمر سَأَلَ النَّاس كم يتَزَوَّج الْمَمْلُوك فَلم يجب أحد فَقَالَ لعَلي إياك أَعنِي يَا صَاحب الْمعَافِرِي رِدَاء كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ اثْنَتَيْنِ وَعَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ كَانَ عمر حَاجا فَجَاءَهُ رجل قد لطمت عينه فَقَالَ من لطم عَيْنك قَالَ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لقد وَقعت عَلَيْك عين الله وَلم يسْأَل مَا جرى مِنْهُ وَلم لطمه فجَاء عَليّ وَالرجل عِنْد عمر فَقَالَ عَليّ هَذَا الرجل يطوف وَهُوَ ينظر إِلَى الحُرم فِي الطّواف فَقَالَ عمر أَحْسَنت يَا أَبَا الْحسن ثمَّ أقبل على الرجل فَقَالَ وَقعت عَلَيْك عين من عُيُون الله عز وَجل فَلَا حق لَك وَعَن حَنش بن الْمُعْتَمِر أَن رجلَيْنِ أَتَيَا امْرَأَة من قُرَيْش واستودعاها مائَة دِينَار وَقَالا لَا تدفعيها إِلَى وَاحِد منا دون صَاحبه حَتَّى نَجْتَمِع فلبثا حولا ثمَّ جَاءَ أَحدهمَا إِلَيْهَا وَقَالَ إِن صَاحِبي قد مَاتَ فادفعي إليَ الدَّنَانِير فَأَبت فثقل عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا فَلم يزَالُوا بهَا حَتَّى دفعتها إِلَيْهِ ثمَّ لبث حولاَ آخر فجَاء الآخر وَقَالَ ادفعي إِلَيّ الدَّنَانِير فَقَالَت إِن صَاحبك جَاءَنِي فَزعم أَنَّك قد مت فدفعتها إِلَيْهِ فاختصما إِلَى عمر فَأَرَادَ أَن يقْضِي عَلَيْهَا وروى أَنه قَالَ لَهَا مَا أَرَاك إِلَّا ضامنة فَقَالَت أنْشدك الله أَن تقضي بَيْننَا أَو ادفعنا إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فدفعهما عمر إِلَى عَليّ وَعرف أَنَّهُمَا قد مكرا بهَا فَقَالَ أَلَيْسَ قلتما لَا تدفعيها إِلَى رجل منا دون الآخر قَالَ بلَى قَالَ فَإِن مَالك عندنَا اذْهَبْ فجيء بصاحبك حَتَّى ندفعها إلَيْكُمَا وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ سمع عمر يَقُول لعَلي وَقد سَأَلَهُ عَن شَيْء فَأَجَابَهُ أعوذ بِاللَّه أَن أعيش فِي قوم لست فيهم يَا أَبَا الْحسن وَعَن يحيى بن عقيل قَالَ كَانَ عمر يَقُول لعَلي إِذا سَأَلَهُ فَفرج عَنهُ لَا أبقاني الله بعْدك يَا عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان بن منقذ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ هاشمية وأنصارية فَطلق الْأَنْصَارِيَّة ثمَّ مَاتَ على رَأس الْحول فَقَالَت لم تنقض عدتي فَارْتَفعُوا إِلَى عُثْمَان فَقَالَ هَذَا(3/69)
لَيْسَ لي بِهِ علم فَارْتَفعُوا إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ تحلفين عِنْد مِنْبَر رَسُول الله
أَن لم تحيضي ثَلَاث حيضات وَلَك الْمِيرَاث فَحَلَفت فاشتركت فِي الْمِيرَاث أخْرجه ابْن حَرْب الطَّائِي وَعَن زر بن حُبَيْش قَالَ جلس اثْنَان يتغديان مَعَ أَحدهمَا خَمْسَة أرغفة وَمَعَ الآخر ثَلَاثَة أرغفة وَجلسَ إِلَيْهِمَا ثَالِث وَاسْتَأْذَنَ فِي أَن يَأْكُل من طعامهما فأذنا لَهُ فَأَكَلُوا على السوَاء ثمَّ ألْقى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَقَالَ هَذَا عوض عَمَّا أكلت من طعامكما فتنازعا فِي قسمهَا فَقَالَ صَاحب الْخَمْسَة لي خَمْسَة وَلَك ثَلَاثَة وَقَالَ صَاحب الثَّلَاثَة بل نقسمها على السوَاء فَتَرَافَعَا على عَليّ كرم الله وَجهه فَقَالَ لصَاحب الثَّلَاثَة أقبل من صَاحبك مَا عرض عَلَيْك قل فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا الْحق فَقَالَ عَليّ لَك الْحق دِرْهَم وَاحِد وَله سَبْعَة قَالَ وَكَيف ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لِأَن الثَّمَانِية أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ثلثَاً لصَاحب الْخَمْسَة خَمْسَة عشر وَلَك تِسْعَة وَقد استويت فِي الْأكل وأكلت ثَمَانِيَة وَبَقِي لَك وَاحِد وَأكل صَاحبك ثَمَانِيَة وَبَقِي لَهُ سَبْعَة وَأكل الثَّالِث ثَمَانِيَة سَبْعَة لصاحبك وَوَاحِد لَك فَقَالَ رضيت الْآن خرجه الخلعي وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
بَعثه إِلَى الْيمن فَوجدَ أَرْبَعَة قد وَقَعُوا فِي حُفْرَة حفرت ليصطادوا فِيهَا الْأسد سقط أَولا رجل فَتعلق بآَخر وَتعلق الآخر بآخر حَتَّى تساقط الْأَرْبَعَة فجرحهم الْأسد فماتوا من جراحته وتنازع أولياؤهم حَتَّى كَادُوا يقتتلون فَقَالَ عَليّ أَنا أَقْْضِي بَيْنكُم فَإِن رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاء وَإِلَّا حجزت بَعْضكُم عَن بعض حَتَّى تَأْتُوا رَسُول الله
ليقضي بَيْنكُم اجْمَعُوا من قبائل الَّذين حفروا الْبِئْر ربع الدِّيَة وثلثها وَنِصْفهَا ودية كَامِلَة فللأول ربع الدِّيَة لِأَنَّهُ أهلك من فَوْقه وَالَّذِي يَلِيهِ ثلثهَا لِأَنَّهُ أهلك من فَوْقه وللثالث النّصْف لِأَنَّهُ أهلك من فَوْقه وللرابع دِيَة كَامِلَة فَأَبَوا أَن يرْضوا فَأتوا رَسُول الله
فَلَقوهُ عِنْد مقَام(3/70)
إِبْرَاهِيم فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ أَنا أَقْْضِي بَيْنكُم واحتبي بِبُرْدَةٍ فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِن عليا قضى بَيْننَا فَلَمَّا قصوا عَلَيْهِ مَا قَضَاهُ أجَازه أخرجه أَحْمد فِي المناقب وَعَن الْحَارِث عَن عَليّ أَنه جَاءَهُ رجل بِامْرَأَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دلست على هَذِه وَهِي مَجْنُونَة قَالَ فَصَعدَ على بَصَره فِيهَا وَصَوَّبَهُ وَكَانَت امْرَأَة جميلَة فَقَالَ مَا يَقُول هَذَا قَالَت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا بِي جُنُون وَلَكِنِّي إِذا كَانَ ذَلِك الْوَقْت غلبتني غشية فَقَالَ عَليّ خُذْهَا وَيحك وَأحسن إِلَيْهَا فَمَا أَنْت لَهَا بِأَهْل أخرجه أَبُو طَاهِر السلَفِي قلت هَذِه الربوح من النِّسَاء فسل عَنْهَا وَتَأمل قَول الإِمَام لزَوجهَا مَا أَنْت لَهَا بِأَهْل رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه وَعَن زيد بن أَرقم قَالَ أَتَى على بِالْيمن بِثَلَاثَة نفر وَقَعُوا على جَارِيَة فِي طهر وَاحِد فَولدت ولدا فَادعوهُ فَقَالَ لأَحَدهم تطيب بِهِ نفسا لهَذَا قَالَ لَا وَقَالَ للْآخر تطيب بِهِ نفسا لهَذَا قَالَ لَا قَالَ أَرَاكُم شُرَكَاء متشاكسين إِنِّي مقرع بَيْنكُم فَمن أَصَابَته الْقرعَة غرمته ثُلثي الْقيمَة وألزمته الْوَلَد فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي
فَقَالَ مَا أجد فِيهَا إِلَّا مَا قَالَ عَليّ وَقد رُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ على مِنْبَر الْكُوفَة فَسَأَلَهُ سَائل عَن رجل هلك وخلَف أبوين وبنتين وَزَوْجَة وَهَذِه الْمَسْأَلَة من أَرْبَعَة وَعشْرين وتعول بِثمنِهَا وَتسَمى المنبرية لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر يخْطب وَكَانَت خطبَته على حرف الْعين فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي يحكم بِالْحَقِّ قطعا وَيجْزِي كل نفس بِمَا تسْعَى وَإِلَيْهِ المآب والرجعى فَسئلَ عَن هَذِه فَقَالَ بديهة على فقر الْخطْبَة صَار ثمن الْمَرْأَة تسعا ثمَّ اسْتمرّ على أسلوب خطبَته رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه(3/71)
وَعَن جميل بن عبد الله بن زيد قَالَ ذكر عِنْد النَّبِي
قَضَاء قضى بِهِ على فأعجب النَّبِي
وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا الْحِكْمَة أهل الْبَيْت أخرجهُمَا أَحْمد فِي المناقب وَعَن ابْن إِسْحَاق إِن عُثْمَان لما قتل بُويِعَ عَليّ بن أبي طَالب بيعَة الْعَامَّة فِي مَسْجِد رَسُول الله
وَبَايع لَهُ أهل الْبَصْرَة وَبَايع لَهُ بِالْمَدِينَةِ طَلْحَة وَالزُّبَيْر قَالَ أَبُو عَمْرو وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وتخلف عَن بيعَته نفر فَلم يكرههم وَسُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ أُولَئِكَ قوم قعدوا عَن الْحق وَلم يقومُوا مَعَ الْبَاطِل كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وتخلف عَنهُ مُعَاوِيَة وَمن مَعَه بِالشَّام وَكَانَ مِنْهُم فِي صفّين مَا كَانَ ثمَّ خرج عَلَيْهِ الْخَوَارِج فكفروه وكل من مَعَه إِذْ رَضِي بالتحكيم فِي دين الله بَينه وَبَين أهل الشَّام فَقَالُوا حكمت الرِّجَال فِي دين الله وَالله تَعَالَى يَقُول {إِنِ اَلحُكمُ إِلَّا للَه} يُوسُف 40 فَقَالَ عَليّ كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل ثمَّ اجْتَمعُوا وشقوا عَصا الْمُسلمين ونصبوا راية الْخلاف وسفكوا الدِّمَاء وَقَطعُوا السَّبِيل فَخرج إِلَيْهِم بِمن مَعَه فرام رجعتهم فَأَبَوا إِلَّا الْقِتَال فَقَاتلهُمْ ب النهروان فَقَتلهُمْ واستأصل جمهورهم وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل ثمَّ تشاوروا وتواعد مِنْهُم أُولَئِكَ الثَّلَاثَة النَّفر عبد الرَّحْمَن بن ملجم والبرك بن عبد الله التَّمِيمِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي أَيْضا على قتل أُولَئِكَ الثَّلَاثَة عَليّ وَمُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَأَما البرك فَإِنَّهُ ضرب مُعَاوِيَة فَأصَاب أوراكه وَكَانَ عَظِيم الْأَوْرَاك فَقطع مِنْهُ عرق النِّكَاح فَلم يُولد لَهُ بعد ذَلِك فَلَمَّا أَخذ قَالَ الْأمان والبشارة فقد قتل عَليّ فِي هَذِه اللَّيْلَة فاستبقاه مُعَاوِيَة حَتَّى جَاءَ الْخَبَر بذلك فَقطع يَده وَرجله وَأطْلقهُ فَرَحل إِلَى الْبَصْرَة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى بلغ زياداً أَنه تزوج وَولد لَهُ فَقَالَ أيولد لَهُ وأمير الْمُؤمنِينَ لَا يُولد لَهُ فَقتله قَالُوا وَأمر مُعَاوِيَة باتخاذ الْمَقْصُورَة من ذَلِك الْوَقْت يَعْنِي وَقت أَن ضرب وَأما عَمْرو بن بكر فَإِنَّهُ رصد عَمْرو بن الْعَاصِ فاشتكى عَمْرو بَطْنه ذَلِك الْيَوْم فَلم يخرج للصَّلَاة فاستناب رجلا من النَّاس من بني سهم يُقَال لَهُ خَارِجَة فَضَربهُ(3/72)
عَمْرو بن بكر فَقتله فَأخذ فَلَمَّا دخل بِهِ على عَمْرو بن الْعَاصِ ورآهم يخاطبونه بالإمارة قَالَ أَو مَا قتلت عمرا قيل لَا وَإِنَّمَا قتلت خَارِجَة فَقَالَ أردْت عمرا وَالله أَرَادَ خَارِجَة فَقتله عَمْرو بن الْعَاصِ فَسلم مُعَاوِيَة وَعَمْرو وفاز عَليّ بِالشَّهَادَةِ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه من // (الْبَسِيط) //
(فليتَهَا إذْ فدتْ عمرا بخارجةٍ ... فدَتْ عليا بمَنْ شاءَتْ من البَشَرِ)
وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ قدمت دمشق وَأَنا أُرِيد الْعرَاق فَأتيت عبد الْملك لأسلم عَلَيْهِ فَوَجَدته فِي قبَّة على فرَاش يفوت الْقَائِم وَتَحْته سماطان فَسلمت عَلَيْهِ ثمَّ جَلَست فَقَالَ لي يَا بن شهَاب أتعلم مَا كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس صباح مقتل عَليّ فَقلت لَا فَقَالَ هَلُمَّ فَقُمْت من وَرَاء النَّاس حَتَّى أتيت خلف الْقبَّة وحول إِلَيّ وَجهه وأحنى عَليّ فَقلت مَا كَانَ فَقَالَ لم يرفع حجر من بَيت الْمُقَدّس إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم فَقَالَ لم يبْق أحد يعرف هَذَا غَيْرِي وَغَيْرك فَلَا يسمعوا مِنْك فَمَا حدثت بِهِ حَتَّى مَاتُوا أخرجه ابْن الضَّحَّاك فِي الْآحَاد والمثاني ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه كَانَ لَهُ من الْوَلَد أَرْبَعَة عشر ذكرا وثمان عشرَة أُنْثَى الْحسن وَالْحُسَيْن وَسَيَأْتِي ذكرهمَا هَذَا عِنْد خِلَافَته وَهَذَا عِنْد دَعوته ومحسن مَاتَ صَغِيرا أمّهم فَاطِمَة بنت رَسُول الله
وَمُحَمّد الْأَكْبَر أمه خَوْلَة بنت إِيَاس بن جَعْفَر الْحَنَفِيَّة ذكره الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ وَأُخْته لأمه عوابة بنت أبي مكمل الغفارية وَقيل بل كَانَت أمه من سبى الْيَمَامَة فَصَارَت إِلَى عَليّ وَإِنَّمَا كَانَت أمه لبني حنفية سندية سَوْدَاء وَلم تكن من أنفسهم أعطَاهُ إِيَّاهَا أَبُو بكر من سبي بني حنفية أخرجه ابْن السمان وَعبد الله قَتله الْمُخْتَار وَأَبُو بكر قتل بالطف مَعَ الْحُسَيْن أمهما ليلى بنت مَسْعُود بن خَالِد النَّهْشَلِي وَهِي الَّتِي تزَوجهَا عبد الله بن جَعْفَر خلف عَلَيْهَا بعد(3/73)
عَمه على جمع بَين زَوْجَة عَليّ وَابْنَته فَولدت لَهُ صَالحا وَأم أَبِيهَا وَأم مُحَمَّد بني عبد الله ابْن جَعْفَر فهم أخوة أبي بكر وَعبد الله ابْني عَليّ لِأُمِّهِمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر وَعُثْمَان وجعفر وَعبد الله قتلوا مَعَ الْحُسَيْن أَيْضا أمّهم أم الْبَنِينَ بنت حرَام بن خَالِد الوحيدية الْكلابِيَّة وَمُحَمّد الْأَصْغَر أمه أم ولد قتل مَعَ الْحُسَيْن وَيحيى وَعون أمهما أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية فهما أخوا بني جَعْفَر ابْن أبي طَالب وأخوا مُحَمَّد بت أبي بكر لأمهم لِأَن عليا تزوج أَسمَاء هَذِه بعد أبي بكر الصّديق وَقد أَتَت من أبي بكر بِمُحَمد وَأَبُو بكر تزَوجهَا بعد قتل جَعْفَر بن أبي طَالب فِي غَزْوَة مُؤْتَة بعد أَن ولدت مِنْهُ عدَّة أَوْلَاد وَعمر الْأَكْبَر أمه أم حبيب الصَّهْبَاء التغلبية سبية سباها خَالِد بن الْوَلِيد فِي الرِّدَّة فاشتراها عَليّ كرم الله وَجهه وَمُحَمّد الْأَوْسَط أمه أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ من زَيْنَب بنت النَّبِي
ذكر الْإِنَاث أم كُلْثُوم الصُّغْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى شقيقتا الْحسن وَالْحُسَيْن ورقية شَقِيقَة عمر الْأَكْبَر من أم حبيب الْمَذْكُورَة وَأم الْحسن ورملة الْكُبْرَى أمهما أم سعد بنت عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأم هَانِئ ومَيْمُونَة ورملة الصُّغْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى وَفَاطِمَة وأمامة وَخَدِيجَة وَأم الْكِرَام وَأم سَلمَة وَأم جَعْفَر وجمانه ونقية ونفيسة لأمهات أَوْلَاد شَتَّى ذكرهم ابْن قُتَيْبَة وَصَاحب الصفوة فجملتهم اثْنَان وَثَلَاثُونَ ولدا وعدهم الْحَافِظ مُحَمَّد بن يُوسُف الشَّامي فِي سيرته سَبْعَة وَثَلَاثِينَ عشْرين ذكرا وَسبع عشرَة أُنْثَى الْحسن وَالْحُسَيْن ومحسن وَمُحَمّد الْأَكْبَر وَعمر الْأَكْبَر وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر كلهم أعقبوا وَمُحَمّد الْأَصْغَر قتل بِالطَّائِف وَالْعَبَّاس الْأَصْغَر وَعمر الْأَصْغَر وَقتل بالطف وَعُثْمَان طِفْل وجعفر قتل بالطف وجعفر مَاتَ طفْلا وَعبد الله الْأَكْبَر قتل بالطف وَعبد الله مَاتَ طفْلا وَأَبُو عَليّ يُقَال قتل بالطف وَعبد الرَّحْمَن وَحَمْزَة ورجاء وَأَبُو بكر عَتيق يُقَال قتل بالطف وَعون درج وَيحيى مَاتَ طفْلا وَبنَاته زَيْنَب(3/74)
الْكُبْرَى وَزَيْنَب الصُّغْرَى وَأم كُلْثُوم الصُّغْرَى ورقية الْكُبْرَى ورقية وَفَاطِمَة الصُّغْرَى وفاخِتة وَأمة الله وجمانة ورملة وَأم سَلمَة وَأم الْحُسَيْن وَأم الْكِرَام وَهِي نفيسة ومَيْمُونَة وَخَدِيجَة وأمامة فالجميع سَبْعَة وَثَلَاثُونَ الْعقب مِنْهُ فِي الْحسن وَالْحُسَيْن وَمُحَمّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَعمر وَالْعَبَّاس هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة وَتزَوج بَنَات عَليّ بَنو عقيل وَبَنُو الْعَبَّاس مَا خلا أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة كَانَت تَحت عمر بن الْخطاب فَولدت لَهُ زيدا ورقية ابْني عمر بن الْخطاب ثمَّ مَاتَ عَنْهَا عمر فَتَزَوجهَا بعدهُ عبد الله بن جَعْفَر فَمَاتَ عَنْهَا ثمَّ تزَوجهَا بعده أَخُوهُ مُحَمَّد بن جَعْفَر فجَاء مِنْهَا ببنت ثمَّ مَاتَ عَنْهَا مُحَمَّد فَتَزَوجهَا عون بن جَعْفَر أخوهما فَمَاتَتْ عِنْده وَأم الْحسن تزَوجهَا جَعْفَر بن هُبَيْرَة المَخْزُومِي وَفَاطِمَة تزَوجهَا سعيد بن الْأسود من بني الْحَارِث بن فهر كَانَت خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَيَوْما وَاحِدًا وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بِالْمَدِينَةِ بعد أَن ولي الْخلَافَة أَرْبَعَة أشهر ثمَّ صَار إِلَى الْعرَاق وَقتل بِالْكُوفَةِ وَلِلنَّاسِ خلاف فِي مُدَّة عمره قد تقدم وَكَذَلِكَ فِي قدر خِلَافَته رَضِي الله عَنهُ وكرم الله وَجهه
(ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره)
كَانَ رَضِي الله عَنهُ أفْصح النَّاس وأعلمهم بِاللَّه وأشدهم حبا وتعظيماً لخدمة لَا إِلَه إِلَّا الله وَقيل لَهُ أَلا تحرس نَفسك قَالَ حارس كل إِنْسَان أَجله وَإِن الْأَجَل جنَّة حَصِينَة وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ كونُوا بِقبُول الْعَمَل أَشد اهتماماً مِنْكُم بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ لن يقبل عمل مَعَ التَّقْوَى وَكَيف يقبل عمل متقبل وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه لَيْسَ الْخَيْر أَن يكثر مَالك وولدك وَلَكِن الْخَيْر أَن يكثر علمك وحلمك وَتَكون مَشْغُولًا بِعبَادة رَبك فَإِن أَحْسَنت حمدت الله تَعَالَى وَإِن أَسَأْت استغفرت الله وَلَا خير فِي الدُّنْيَا إِلَّا لأحد رجلَيْنِ رجلا أذْنب ذَنبا فَهُوَ(3/75)
يتدارك ذَلِك بتوبة وَرجل يُسَارع فِي الْخيرَات وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ احْفَظُوا عني خمْسا فَلَو ركبتم الْإِبِل فِي طلبهن لَا تبلغوهن لَا يَرْجُو عبد إِلَّا ربه وَلَا يخَاف إِلَّا ذَنبه وَلَا يستحي جَاهِل أَن يسْأَل عَالما بِعلم وَلَا يستحي عَالم إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول لَا أعلم الله أعلم وَالصَّبْر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد وَلَا إِيمَان لمن لَا صَبر لَهُ وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم اتِّبَاع الْهوى وَطول الأمل أما اتِّبَاع الْهوى فبعيد عَن الْحق وَأما طول الأمل فينسي الْآخِرَة أَلا وَإِن الدُّنْيَا قد ترحلت مُدبرَة وَإِن الْآخِرَة قد ترحلت مقبلة وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا بنُون فكونوا من أَبنَاء الْآخِرَة وَلَا تَكُونُوا من أَبنَاء الدُّنْيَا فَإِن الْيَوْم عمل وَلَا حِسَاب وَغدا حِسَاب وَلَا عمل أَلا إِن الْفَقِيه كل الْفَقِيه الَّذِي لَا يُقَنطُ النَّاس من رَحْمَة الله وَلَا يؤمنهم من عَذَاب الله وَلَا يرخص لَهُم فِي معاصي الله وَلَا يدع الْقُرْآن رَغْبَة عَنهُ إِلَى غَيره وَلَا خير فِي عبَادَة لَا علم فِيهَا وَلَا خير فِي عمل لَا فهم فِيهِ وَلَا خير فِي قِرَاءَة لَا تدبر فِيهَا وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كونُوا ينابيع الْعلم مصابيح اللَّيْل خلق الثِّيَاب جدد الْقُلُوب تُعرفون فِي ملكوت السَّمَاء وتذكرون فِي الأَرْض وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم وَالله لَو حننتم حنين الواله الثكلان وجأرتم جؤار مبتلى الرهبان وخرجتم من الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد فِي التمَاس الْقرب إِلَى الله عز وَجل وابتغاء رضوانه وارتفاع دَرَجَة عِنْده أَو غفران سَيِّئَة كَانَ ذَلِك قَلِيلا فِيمَا تطلبون جزيل ثَوَابه وَالْخَوْف من عَذَابه وَالله لَو سَالَتْ عيونكم رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ عُمرتم عمر الدُّنْيَا مجدين فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلم تبقوا شَيْئا من جهدكم لما دَخَلْتُم الْجنَّة بأعمالكم وَلَكِن برحمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعلنَا الله وَإِيَّاكُم من التَّابِعين والعابدين وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لكُمَيل بن زِيَاد الْقُلُوب أوعية فَخَيرهَا أوعاها احفظ مَا أَقُول لَك النَّاس ثَلَاثَة فعالم رباني ومتعلم على سَبِيل نجاة وهمج رعاع أَتبَاع كل ناعق مَعَ كل ريح يميلون لم يستنيروا بِنور الْعلم وَلم يلجئوا إِلَى ركن وثيق الْعلم خير لَك من المَال الْعلم يحرسك وَأَنت تحرس المَال الْعلم(3/76)
يزكو على الْعَمَل وَالْمَال تنقصه النَّفَقَة الْعلم حَاكم وَالْمَال مَحْكُوم عَلَيْهِ محبَّة الْعَالم دين يدان بهَا الْعلم يكْسب الْعَالم الطَّاعَة فِي حَيَاته وَجَمِيل الأحدوثة بعد مَوته وَمَنْفَعَة المَال تَزُول بزواله مَاتَ خزان الْأَمْوَال وهم أَحيَاء وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر أعيانهم مفقودة وأمثالهم فِي الْقُلُوب مَوْجُودَة إِن هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى صَدره علما جماً لَو أصبت لَهُ حَملَة بلَى أُصِيب لفتى غير مَأْمُون عَلَيْهِ يسْتَعْمل آلَة الدُّنْيَا للدّين فيستظهر بحجج الله تَعَالَى على كِتَابه وبنعمه على عباده وينقاد لأهل الْبَاطِل لَا بَصِيرَة لَهُ فِي أحنائه ينقدح الشَّك فِي قلبه بِأول عَارض من شُبْهَة منهوماً للذات سَلس القياد للشهوات أَو مغرى بِجمع الْأَمْوَال والادخار أقرب شبها بِهِمُ الْأَنْعَام السَّائِمَة كَذَاك يَمُوت الْعلم بِمَوْت حامله وَالله يَأْبَى أَن تَخْلُو الأَرْض من قَائِم لله عز وَجل بحجته لِئَلَّا تبطل حجج الله وبيناته أُولَئِكَ هم الأقلون عددا الْأَعْظَم عِنْد الله قدرا بهم يدْفع الله عز وَجل عَن حججه حَتَّى يُؤَدِّيهَا إِلَى نظرائهم ويزرعها فِي قُلُوب أشياعهم هجم بهم الْعلم على حَقِيقَة الْأَمر فاستلانوا مَا استوعر مِنْهُ الْمُشْركُونَ وأنسوا بِمَا استوحش مِنْهُ الجاهلون صحبوا لدُنْيَا بأبدان أرواحها معلقَة بِالْمحل الْأَعْلَى أُولَئِكَ خلفاء الله فِي بِلَاده ودعاته إِلَى دينه هاه هاه شوقاً إِلَى رُؤْيَتهمْ اسْتغْفر الله انْصَرف إِذا شِئْت وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي لله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ مَا انتفعت بِكَلَام بعد النَّبِي
إِلَّا بِشَيْء كتبه إِلَيّ عَليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهُ كتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد يَا أخي فَإنَّك تسر بِمَا يصل إِلَيْك مِمَّا لم يكن يفوتك ويسوؤك مَا لم تُدْرِكهُ فَمَا نلْت يَا أخي من الدُّنْيَا فَلَا تكن بِهِ فَرحا وَمَا فاتك فَلَا تكن بِهِ حَزينًا وَليكن عَمَلك لما بعد الْمَوْت وَالسَّلَام(3/77)
وَمن كَلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَو انْكَشَفَ الغطاء مَا ازددت يَقِينا وَقَالَ الزّهْد فِي كَلِمَتَيْنِ من الْقُرْآن {لِكيلا تأسوا عَلىَ مَا فَاتَكُم وَلا تَفرحوا بِمَا آتَاكُم} الْحَدِيد 23 وَمن كَلَامه فِي الْمُنَاجَاة كفاني غنى أَن تكون لي رَبًّا وكفاني فخراً أَن أكون لَك عبدا وَأَنت لي كَمَا أحب فوفقني لما تحب وَمن كَلَامه فِي الْعلم الْمَرْء مخبوء تَحت طي لِسَانه لَا تَحت طيلسانه فتكلموا تعرفوا مَا ضَاعَ امْرُؤ عرف قدره وَمن كَلَامه فِي الْأَدَب أنعم على من شِئْت تكن أميره واستغن عَمَّن شِئْت تكن نَظِيره وَاحْتج إِلَى من شِئْت تكن أسيره وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ من وسع عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ فَلم يعلم أَنه مُكِرَ بِهِ فَهُوَ مخدوع فِي عقله وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ الدُّنْيَا جيفة فَمن أَرَادَ شَيْئا مِنْهَا فليصبر على مُخَالطَة الْكلاب وَله كَلِمَات كَثِيرَة مَشْهُورَة قد أفردت بالتصنيف وَالْجمع وَقد قَرَأت مِنْهَا نُسْخَة فِي نَحْو الثَّلَاثَة كراريس رَضِي الله عَنهُ وَفِي سيرة الشَّامي أَتَى رَضِي الله عَنهُ بالفالوذج فَوضع بَين يَدَيْهِ فَقَالَ إِنَّك طيب الرَّائِحَة حسن اللَّوْن طيب الطّعْم وَلَكِن أكره أَن أَعُود نَفسِي مَا لم تَعْتَد وَكَانَ بالخورنق وَهُوَ يرعد بردا تَحت قطيفة فَقيل لَهُ إِن الله قد جعل لَك وَلأَهل بَيْتك فِي هَذَا المَال حظاً فَقَالَ وَالله مَا أرزؤكم من مالكم شَيْئا إِنَّهَا لقطيفتي الَّتِي خرجت بهَا من الْمَدِينَة وَمِمَّا يرْوى من شعره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله من // (الوافر) //
(حقيقٌ بالتواضُعِ مَنْ يموتُ ... وَيَكْفِي المرءَ مِنْ دنياهُ قوتُ)
(فَمَا للمرءِ يصبحُ ذَا هُمُوم ... وحرصٍ لَيْسَ تدركُهُ النعوتُ)
(صنيعُ مليكِنَا حَسَنٌ جميلُ ... وَمَا أرزاقُهُ عَنَّا تَفُوتُ)
وَقَالَ جَوَابا لمعاوية عَن كتاب مِنْهُ يفتخر فِيهِ من // (الوافر) //
(محمدٌ النبيُّ أخِي وصِهْري ... وحمزَةُ سيِّدُ الشهداءِ عمِّي)(3/78)
(وجعفَر الَّذِي يُمْسِي ويُضْحِي ... يطيرُ مَعَ الملائكَةِ ابْنُ أُمِّي)
(وبنتُ محمَّدٍ سَكَنِي وعِرْسي ... توسَّط لَحْمهَا بدمِي ولَحْمِي)
(وسبطا أحْمَدٍ وَالِدَايَ مِنْهَا ... فَمن فِككُمْ لَهُ قسْمٌ كقسْمِي)
(سبقْتُكُمُ إِلَى الإسلامِ طُرًّا ... صَغِيرا مَا بلغْتُ أوانَ حِلْمِي)
(وأوجَبَ لي الولاءَ مَعًا عليْكُمْ ... رَسُول الله يَوْمَ غديرِ خمِّ)
كتبهَا إِلَى مُعَاوِيَة حِين أرسل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة كتابا يَقُول فِيهِ يَا أَبَا الْحسن إِن لي فَضَائِل كَثِيرَة كَانَ أبي سيد أَو قَائِد قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وصرت ملكا فِي الْإِسْلَام وَأَنا صهر رَسُول الله
وخال الْمُؤمنِينَ وَكَاتب الْوَحْي فَقَالَ عَليّ أَبَا الفاضائل يفخر عليَ ابْن أكالة الأكباد فكتبها وأرسلها إِلَيْهِ قَالَ أَبُو عَمْرو الزَّاهِد سَمِعت ثعلباً يَقُول اجْتمعت رُوَاة الشّعْر من الْكُوفِيّين والبصريين فَلم يزِيدُوا على عشرَة أَبْيَات صَحِيحَة لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَأَجْمعُوا أَن مَا كَانَ زَائِدا على الْعشْرَة فَهُوَ منحول وَمن الصَّحِيح قَوْله فِي السندرة من // (الرجز) //
(أَنا الَّذِي سَمَّتْنِ أمِّي حيدرَهْ ... )
(كليثِ غاباتِ كريهِ المنظرَهْ ... )
(أفيهِمُ بالكيلِ كيْل السندرَهْ ... )
(أضربُهُمْ ضربا يبينُ الفقَرَهْ ... )
(وأترُكُ القِرْن بقاعٍ مقفرَهْ ... )
(أقتُلُ منهُمْ سبعَةً وعشرَهْ ... )
(كلُّهُمُ أهْلُ فسوقٍ فَجَرَهْ ... )
وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو الْبَلْخِي أنشدنا أَبُو مُحَمَّد بن مُحَمَّد القَاضِي عَن أَبِيه عَن جده لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه قَوْله من // (الوافر) //
(أتَم الناسِ أعرفُهُمْ بقصهْ ... وأقمعُهُمْ لشهوتِهِ وحرصه(3/79)
(فدانِ على السلامةِ مَنْ تُدَانِي ... ومَنْ لَا تَرْضَ صحبتَهُ فأقْصِهْ)
(وَلَا تستَغْلِ عَافِيَة بشَيْءٍ ... وَلَا تستَرْخِصَنَّ أَذَى كرخصِهْ)
(وخَلِّ الفحْصَ مَا استغنيتَ عَنهُ ... فكَمْ مستجلبٍ عطباً بفحصِهْ)
وَمِمَّا ينْسب إِلَيْهِ كرم الله وَجهه من // (الطَّوِيل) //
(أَلا هَلْ إِلَى طُولِ الحياةِ سبيلُ ... وأنَّي وَهَذَا الموتُ ليْسَ يحولُ)
(وإِنِي وإنْ أصبَحْتُ بالموتِ موقناً ... فلي أَملٌ دونَ اليقينِ طويلُ)
(وللدهْرِ ألوانٌ تروحُ وتَغْتَدِي ... وإنَّ نفوساً بينهُنَّ تسيلُ)
(أرى عللَ الدنْيَا عليَّ كَثِيرَة ... وصاحبُهَا حَتَّى المماتِ عليلُ)
(إِذا انقطَعَتْ عنِّي مِنَ العيشِ مُدَّتي ... فإنَّ بكاءَ الباكياتِ قليلُ)
(وإنَّ افتقادِي فاطماً بعد أحمدٍ ... دليلٌ على ألاَّ يدومَ خليلُ)
(وَلم أرَ إنْسَانا يرى عبيَ نفسِهِ ... وإنْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ جَمِيلُ)
(ومَنْ ذَا الَّذِي يَنْجٌ وَمن الناسِ سالما ... وللناسِ قَالٌ بالظنونِ وقيلُ)
(أَجَلَّكَ قومٌ حِينَ صرْتَ إِلَى الغنَى ... وكُلُّ عنيِّ فِي العيونِ جليلُ)
(ولَيْسَ الغنَى إِلَّا غنى زَينَ الفتَى ... عشيَّة يُقْرِي أَو غداةَ يُنِيلُ)
(وَلم فتقرْ يَوْمًا وإنْ كَانَ معدمًا ... سخيٌّ وَلم يستَعْنَ قَطُّ بخيلُ)
وَمِنْه قَوْله كرم الله وَجهه يمدحه
من // (الطَّوِيل) //
(أقِيكَ بنَفْسِي أَيهَا المصطفَى الَّذِي ... هَدَانا بِهِ الرحمنُ مِنْ غُمَّةِ الجهلِ)
(وتَفْدِيكَ حوبائي وَمَا قَدْرُ مهجتي ... ومَنْ أنتمِي مِنْهُ إِلَى الفَرْعِ والأصْلِ)
(ومنْ كَانَ لي مذ كُنْتُ طفْلا ويافعًا ... وأنعشَِي بالعلِّ مِنْهُ وبالنَّهْلِ)
(ومَنْ جدهُ جَدِّي ومَنْ عَمه أبي ... وَمن أهْلُهُ أمِّي وَمن بِنْتُه أهْلِي)
(ومَنْ حينَ آخَى بَين مَنْ كَانَ حَاضرا ... دَعَاني وآخانِى وبَيَّن مِنْ فضلي)
(لكَ الفضْلُ إِنِّي مَا حييتُ لشاكرٌ ... لإحسانِ مَا أوليتَ يَا خاتَمَ الرسْلِ)
قلت وَمن الصَّحِيح مَا أوردهُ الْمجد الفيروزابادي صَاحب الْقَامُوس فِيهِ نقلا عَن الملا فِي قَوْله من // (الْبَسِيط) //
(تلْكُمْ قريشٌ تمناني لتقْتُلنِي ... فَلَا وربَّكَ مَا برُّوا وَلَا ظَفِرُوا)
(فإنْ هلكْتُ فرهْنٌ مهجَتِي لَهُمُ ... بذاتِ ودقينِ لَا يبقِى وَلَا تذرُ)(3/80)
وَنقل عَنهُ أَنه لم يَصح عَن عَليّ غَيرهمَا وَهُوَ محجوج بِنَقْل الثِّقَات غَيره غَيرهمَا وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر عَن نبيط الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ
(إِذا اشتملَتْ على اليأسِ القلوبُ ... وضاقَ بِمَا بِهِ الصدْرُ الرحيبُ)
(وأوطنَتِ المكارِهُ واطمأنَّتْ ... وأَرْسَتْ فِي أماكِنِهَا الخطُوبُ)
(ولمْ يرَ لانكشافِ الضُّرِّ وجْهٌ ... وَلَا أغنَى بحيلتِهِ الأريبُ)
(أتاكَ على قنوطٍ منْكَ غَوثٌ ... يجئُ بِهِ القريبُ المستجيبُ)
(وكُلُّ الحادثاتِ إِذا تناهَتْ ... فموصولٌ بهَا الفرَجُ القريبُ)
وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الشّعبِيّ قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لرجل كره صُحْبَة رجل // (من الهزج) //
(لَا تصحَب أَخا الجهْلِ ... وإيَّاكَ وإيَّاهُ)
(فكَمْ مِنْ جاهلٍ أردَى ... حَلِيمًا حينَ آخاهُ)
(يقاسُ المرءُ بالمرْءِ ... إِذا مَا هُوَ ماشَاهُ)
(وللشيْءِ على الشيءِ ... مقاييسٌ وأشباهُ)
(وللقلْبِ على القَلْبِ ... دليلٌ حِينَ يلقَاهُ)
وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الْمبرد قَالَ كَانَ مَكْتُوبًا على سيف عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ // (من الْبَسِيط) //
(للنَّاس حرصٌ على الدُّنْيَا بتدبيرِ ... وصَفْوُهَا لكَ ممزوجٌ بتكديرِ)
(لم يُرْزَقُوهَا بفعْلٍ عِنْدَمَا قسمتْ ... لكنَّهُمْ رُزِقُوهَا بالمقاديرِ)
(كمْ مِنْ أديبٍ لبيبٍ لَا تساعدُهُ ... وأحمقٍ نَالَ دنياهُ بتقصيرِ)
(لَو كَانَ عنْ قوةٍ أَو عَنْ مغالبةٍ ... طارَ البزاةُ بأزراقِ العصافيرِ)
روى عَن حَمْزَة بن حبيب الزيات قَالَ كَانَ عَليّ بن أبي طَالب يَقُول // (من المتقارب) //(3/81)
(لَا تُفْشَ سرَّكَ إِلَّا إليكَ ... فإنَّ لكلِّ نصِيح نصيحاً)
(فإنِّي رأيتُ غواةَ الرجالِ ... لَا يَدعُون أديمَاً صحيحَا)
وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر عَن الْحَارِث الْأَعْوَر قَالَ سُئِلَ عَليّ بن أبي طَالب عَن مَسْأَلَة فَدخل مبادراً ثمَّ خرج فِي حذاء ورداء وَهُوَ يبتسم فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك كنت إِذا سُئِلت عَن الْمَسْأَلَة تكون فِيهَا كالمسلة المحماة قَالَ إِنِّي كنت حاقناً وَلَا رَأْي لحاقن ثمَّ أنشأ يَقُول من // (المتقارب) //
(إذَا المشكلاتُ تصدَّيْن لي ... كشفْتُ حقائقهَا بالنظرْ)
(وإنْ برِقَتْ فِي مخيلِ الصَّوابِ ... عمياءُ لَا يجتليها البَصَرْ)
(مقنعة بغيوبِ الأمورِ ... وضعْتُ عَلَيْهَا صحيحَ الفِكَرْ)
(لِسَانا كشقيشقةِ الأريحيىْ ... أَو كالحسامِ اليمانِي الذَّكَرْ)
(وَقَلْبًا إِذا استَنْطقَتْهُ العيونُ ... أربَى عَلَيْهَا تراهُ درَرْ)
(ولستُ بإمعةٍ فِي الرجالِ ... أسألُ هَذَا وَذَا مَا الخبَرْ)
(ولكنني مِدْرَهُ الأصغريْنِ ... أبينُ مِنْ صَاحِبي مَا غمرْ)
وَقَالَ ابْن النجار أَخْبرنِي يُوسُف بن الْمُبَارك بن كَامِل قَالَ أَنْشدني أَبُو الْفَتْح مُفْلِح بن أَحْمد الرُّومِي قَالَ أنشدنا أَبُو الْحُسَيْن بن أبي الْقَاسِم التنوخي عَن أَبِيه عَن أجداده إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من // (المتقارب) //
(أصمُّ عَن الكلمِ المحفظاتِ ... وأحلُمُ والحِلْمُ بِي أشبَهُ)
(وَإِنِّي لأترُكُ جَهْمَ الكلامِ ... لكيلا أجابَ بِمَا أكْرَهُ)(3/82)
(إِذا مَا احترزْتُ سِفَاه السفيهِ ... عليَّ فإنيَ لَا أسفهُ)
(فكمْ من فَتًى يعجبُ الناظرينَ ... لَهُ ألسنٌ وَله أوجُهُ)
(ينامُ إِذا حَضرَ المكْرُماتِ ... وعنْد الدناءة يسْتنْبِهُ)
وَأما خطبه ومواعظه ووصاياه فَإِنَّهَا لَا تحصى وَأَدْنَاهَا لَا يستقصي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وكرم وَجهه وَمن وَالَاهُ آمين
(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا)
قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه دوَل الْإِسْلَام قَالَ جرير بن حَازِم بَايع أهل الْكُوفَة الْحسن بن عَليّ بعد أَبِيه وأحبوه أَكثر من أَبِيه ثمَّ سَار حَتَّى نزل بِالْمَدَائِنِ وَبعث قيس بن سعد بن عبَادَة على المقّدمة فِي اثْنَي عشر ألفا فَبَيْنَمَا الْحسن بِالْمَدَائِنِ إِذْ نَادَى منادٍ أَلا إِن قيسا قد قتل فاختبط النَّاس وانتهبت الغوغاء سرادق الْحسن حَتَّى نازعوه بساطه تَحْتَهُ وطعنه رجل من الْخَوَارِج بخنجر مَسْمُوم فِي فَخذه فَوَثَبَ النَّاس على الرجل فَقَتَلُوهُ لَا رَحمَه الله وَنزل الْحسن الْقصر الْأَبْيَض بِالْمَدَائِنِ وَكَاتب مُعَاوِيَة فِي الصُّلْح وَقَالَ نَحْو هَذَا ابْن إِسْحَاق وَالشعْبِيّ وروى أَنه لما خلع نَفسه قَامَ فيهم فَقَالَ مَا ثنانا عَن أهل الشَّام شكّ وَلَا نَدم لَكِن كُنْتُم فِي مسيرتكم إِلَى صفّين ودينكم أَمَام دنياكم وأصبحتم الْيَوْم ودنياكم أَمَام دينكُمْ وتوجع الْحسن من تِلْكَ الطعنة ثمَّ عوفي وَللَّه الْحَمد ثمَّ سَار الْحسن يُرِيد الشَّام وَأَقْبل مُعَاوِيَة وَكَانَ اجْتِمَاعهمَا بمسكن وَهِي أَرض السوَاد من نَاحيَة الأنبار قّال ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا أَبُو مُوسَى قَالَ سَمِعت الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول اسْتقْبل الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بكتائب أَمْثَال الْجبَال فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله إِنِّي لأرى كتائب لَا تولى أَو تقتل أقرانها فَقَالَ مُعَاوِيَة(3/83)
وَكَانَ خير الرجلَيْن أَرَأَيْت إِن قتل هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ من لي بذراريهم من لي بأمورهم من لي بنسائهم قَالَ فَبعث عبد الرَّحْمَن بن مسيرَة فَصَالح الْحسن مُعَاوِيَة وَسلم الْأَمر لَهُ وَبَايَعَهُ بالخلافة على شُرُوط اشترطها ووثائق وَحمل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة مَالا يُقَال خَمْسمِائَة ألف قلت لم أجد تعْيين هَذِه الْخَمْسمِائَةِ ألف هِيَ دَنَانِير أم دَرَاهِم فِيمَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من التواريخ وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين قَالَ أَبُو عبد الله الْهَمدَانِي مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو العريف قَالَ لما ورد الْحسن إِلَى الْكُوفَة بعد مبايعة مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ رجل من هَمدَان يُقَال لَهُ أَبُو عَامر السَّلَام عَلَيْك يَا مذل الْمُسلمين فَقَالَ لست بمذل الْمُسلمين وَلَكِنِّي كرهت أَن أقتلكم على الْملك ثمَّ قَالَ لَهُ آخر يَا عَار الْمُسلمين فَقَالَ الْعَار خير من النَّار ثمَّ إِن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَجَعَ مَعَ آل بَيته من الْكُوفَة وَنزل الْمَدِينَة وَسمي هَذَا الْعَام الْمَذْكُور وَهُوَ عَام إِحْدَى وَأَرْبَعين عَام الْجَمَاعَة لِاجْتِمَاع الْأمة على خَليفَة وَاحِد هُوَ مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن رَضِي الله عَنهُ لَهُ بهَا ثمَّ دخل مُعَاوِيَة الْكُوفَة وَخرج عَلَيْهِ عبد الله بن أبي الحوساء بالنخلة فسير فَقتله وَخرج عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ خوارج فَقتل فريقاً وَأمن فريقاً وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك عِنْد ذكر خِلَافَته إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
هُوَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف الْقرشِي الْهَاشِمِي أَبُو مُحَمَّد سبط النَّبِي
وشبيهه يكنى أَبَا مُحَمَّد أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله
سيدة نسَاء الْعَالمين وَهُوَ سيد شباب أهل الْجنَّة وَرَيْحَانَة النَّبِي
ويلقب بالتقي وَالسَّيِّد ولد منتصف رَمَضَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة قَالَ أَبُو عمر هَذَا أصح مَا قيل وَقيل فِي شعْبَان وَقيل سنة أَربع وَقيل سنة خمس قَالَ فِي الْإِصَابَة(3/84)
وَالْأول أثبت سَمَّاهُ النَّبِي
الْحسن وعق عَنهُ يَوْم سَابِع وِلَادَته وَحلق شعر رَأسه وَتصدق بزنة شعره فضَّة وَهُوَ خَامِس أهل الكساء وَقَالَ أَبُو أَحْمد العسكري سَمَّاهُ النَّبِي
الْحسن وكناه أَبَا مُحَمَّد وَلم يكن يعرف هَذَا الِاسْم فِي الْجَاهِلِيَّة وروى عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن الْفضل قَالَ إِن الله تَعَالَى حجب اسْم الْحسن وَالْحُسَيْن حَتَّى سمي بهما النَّبِي
ابنيه الْحسن وَالْحُسَيْن قَالَ فَقلت لَهُ وَالَّذِي بِالْيمن قَالَ ذَاك حسن بِسُكُون السِّين وحَسِين بِفَتْح الْحَاء وَكسر السِّين وَلَا يعرف قبلهمَا إِلَّا اسْم رَملَة فِي بِلَاد ضبة قَالَ ابْن غنمة من // (الوافر) //
(لِأُمِّ الأرضِ ويلٌ مَا أجنَّتْ ... غداةَ أَضَرِّ بالحَسَنِ السَّبِيلُ)
وَعِنْدهَا قتل بسطَام بن قيس الشَّيْبَانِيّ قَالَ عَليّ لما ولد الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رَسُول الله
أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حسن فَلَمَّا ولد الْحُسَيْن قَالَ أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حُسَيْن فَلَمَّا ولد الثَّالِث قَالَ أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حُسَيْن ثمَّ قَالَ سميتهم بأسماء ولد هَارُون شبر وشيبر ومشبر وفضائله كَثِيرَة مَشْهُورَة ولي الْخلَافَة بعد أَبِيه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لِعشر لَيَال بَقينَ من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة سِتَّة أشهر وَبَايَعَهُ أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفَاً ثمَّ نزل عَنْهَا لمعاوية فِي النّصْف من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة وَقيل لخمس بَقينَ من ربيع الأول وَقيل فِي ربيع الآخر قَالَ ابْن الْأَثِير قَول من قَالَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين أصح مَا قيل فِيهِ وَأما من قَالَ فِي نُزُوله سنة أَرْبَعِينَ فقد وهم وَكَانَ نُزُوله مصداق قَول جده
إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من(3/85)
الْمُسلمين وَأي شرف أعظم من شرف من سَمَّاهُ النَّبِي
سيداً وروى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ والدولابي عَن قَابُوس بن الْمخَارِق قَالَ إِن أم الْفضل قَالَت لرَسُول الله
رَأَيْت كَأَن عضوا من أعضائك فِي بَيْتِي فَقَالَ رَسُول الله
خيرا رَأَيْت تَلد فَاطِمَة غُلَاما فترضعينه بِلَبن ابْنك قثم فَولدت حسنَاً فأرضعته بِلَبن قثم قَالَت فَجئْت بِهِ يَوْمًا إِلَى النَّبِي
فَوَضَعته فِي حجره فَضرب كتفه فَقَالَ النَّبِي
لم أرضعت ابْني يَرْحَمك الله وروى الإِمَام أَحْمد والشيخان وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أُسَامَة بن زيد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضا وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله
قَالَ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يُحِبهُ وروى الشَّيْخَانِ وَابْن حبَان عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا على عاتق رَسُول الله
وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وروى البُخَارِيّ عَن أُسَامَة بن زيد أَن رَسُول الله
كَانَ يَأْخُذ الْحسن وَالْحُسَيْن وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أحبهما فأحبهما وروى التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُول الله
حَامِلا لِلْحسنِ على عَاتِقه فَقَالَ رجل نعم الْمركب ركبت فَقَالَ
نعم الرَّاكِب هُوَ(3/86)
وروى الإِمَام أَحْمد فِي المناقب عَن أبي زهر بن الأرقم رجل من الأزد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله
يَقُول لِلْحسنِ بن عَليّ من أَحبَّنِي فليحبه فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَلَوْلَا عَزِيمَة رَسُول الله
مَا حدثتكم وروى الطَّيَالِسِيّ وَالْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله
قَالَ من أَحبَّنِي فليحب هَذَا يَعْنِي الْحسن وروى ابْن حبَان عَن أُسَامَة ابْن زيد قَالَ كَانَ رَسُول الله
يقعدني على فَخذه وَيقْعد الْحسن على فَخذه الْآخِرَة وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أرحمهما فارحمهما وروى الدولابي عَن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن مولى بني هَاشم ن النَّبِي
رأى الْحسن مُقبلا فَقَالَ اللَّهُمَّ سلمه وَسلم مِنْهُ وروى أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قل لَا زلت أحب هَذَا الرجل يَعْنِي حسنا بَعْدَمَا رَأَيْت رَسُول الله
يصنع بِهِ مَا يصنع رَأَيْت الْحسن فِي حجر رَسُول الله
وَهُوَ يدْخل لِسَانه فِي فَمه أَو لِسَان الْحسن فِي فَمه ثمَّ قَالَ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يجبهُ وروى الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه رأى الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي بعض طرق الْمَدِينَة فَقَالَ اكشف عَن بَطْنك فدَاك أبي حَتَّى أقبل حَيْثُ كَانَ رَسُول الله
يقبل فكشف لَهُ عَن بَطْنه فَقبل سرته وروى ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو بكر الشَّافِعِي عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت الْحسن بن عَليّ يَأْتِي رَسُول الله
وَهُوَ ساجد قيركبه على ظَهره فَمَا ينزله حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي ينزل وَيَأْتِي وَهُوَ رَاكِع فيفرج لَهُ بَين رجلَيْهِ حَتَّى يخرج من الْجَانِب الآخر(3/87)
وروى أَبُو سعيد الْأَعرَابِي عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ الْحسن إِلَى النَّبِي
وَهُوَ ساجد فَركب على ظَهره فَأَخذه النَّبِي
بِيَدِهِ فأقامه على ظَهره ثمَّ ركع ثمَّ أرْسلهُ فَذهب وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْيَقِين عَن مُحَمَّد بن معشر الْيَرْبُوعي قَالَ قَالَ عَليّ لِلْحسنِ ابْنه رَضِي الله عَنْهُمَا كم بَين الْإِيمَان وَالْيَقِين قَالَ أَربع أَصَابِع قَالَ بَين قَالَ الْيَقِين مَا رَأَتْهُ عَيْنك وَالْإِيمَان مَا سمعته أُذُنك وصدقت بِهِ قَالَ عَليّ أشهد أَنَّك مِمَّن أَنْت مِنْهُ ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وروى الدولابي عَن زيد بن الْحسن رَضِي لله عَنْهُمَا قَالَ خطب الْحسن رَضِي الله عَنهُ النَّاس حِين قتل أَبوهُ رَضِي الله عَنهُ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لقد قبض فِي هَذِه اللَّيْلَة رجل لم يسْبقهُ الْأَولونَ وَلم يشركهُ الْآخرُونَ وَكَانَ رَسُول الله
يُعْطِيهِ الرَّايَة فَيُقَاتل جِبْرِيل عَن يَمِينه وميكائْيل عَن يسَاره فَمَا يرجع حَتَّى يفتح الله عز وَجل عَلَيْهِ مَا ترك ظهر الأَرْض صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضلت من عطائه أَرَادَ أَن يبْتَاع بهَا خَادِمًا لأَهله ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس مَنْ عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا الْحسن بن عَليّ وَأَنا ابْن الْوَصِيّ وَأَنا ابْن البشير وَأَنا ابْن الْمُنْذر وَأَنا ابْن الدَّاعِي إِلَى الله بِإِذْنِهِ والسراج الْمُنِير وَأَنا من أهل الْبَيْت الَّذين افْترض الله محبتهم على كل مُسلم فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى لنَبيه
{قُل لَا أَسأَلكُم عليهِ أجرا إِلَّا المَودةَ فِي اَلقُربى وَمَن يَقتَرِف حسنَةَ نزد لَه فِيهَا حُسناً} الشورى 23 فاقتراف الْحَسَنَة مودتنا أهل الْبَيْت قَالَ صَاحب السِّيرَة الشامية بَايعه أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا وَقَالَ صَالح ابْن الإِمَام أَحْمد سَمِعت أبي يَقُول بَايع الْحسن تسعون ألفا بِتَقْدِيم التَّاء فَترك الْخلَافَة وَصَالح مُعَاوِيَة لما سَار إِلَيْهِ من الشَّام وَسَار إِلَى مُعَاوِيَة فَلَمَّا تقاربا أرسل إِلَى(3/88)
مُعَاوِيَة يبْذل لَهُ تَسْلِيم الْأَمر على أَن تكون الْخلَافَة لَهُ بعده وعَلى أَلا يطْلب أحدا من أهل الْمَدِينَة والحجاز بِشَيْء مِمَّا كَانَ فِي أَيَّام بني أُميَّة وَغير ذَلِك وَظَهَرت المعجزة النَّبَوِيَّة فِي قَوْله
إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين وَلم يسفك فِي أَيَّامه محجمة دم وَهِي نَحْو سَبْعَة أشهر وَكَانَ صلحهما لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقيل فِي النّصْف من جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة على الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي ذَلِك فَإِن مُدَّة الْخلَافَة الَّتِي ذكرهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انْتَهَت بخلافته وَلم يبْق إِلَّا الْملك وَقد صان الله تَعَالَى أهل الْبَيْت مِنْهُ قَالَ أَبُو بشر الدولابي أَقَامَ الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْكُوفَةِ إِلَى ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقتل عبد الرَّحْمَن بن ملجم لَعنه الله تَعَالَى وَيُقَال إِنَّه ضربه بِالسَّيْفِ فاتقاه بِيَدِهِ فندرت وَقَتله ثمَّ سَار إِلَى مُعَاوِيَة فَالْتَقَيَا ب مسكن من أَرض الْكُوفَة كَمَا تقدم نقل ذَلِك عَن الذَّهَبِيّ واصطلحا وَسلم إِلَيْهِ الْأَمر وَبَايع لَهُ لخمس بَقينَ من ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأخذ مِنْهُ خَمْسمِائَة ألف كَمَا تقدم ذَلِك عَن الذَّهَبِيّ وروى الْحَافِظ أَبُو نعيم وَغَيره عَن الشّعبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ أما بعد فَإِن أَكيس الْكيس التقي وأحمق الْحمق الْفُجُور وَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي اخْتلفت عَلَيْهِ أَنا وَمُعَاوِيَة إِنَّمَا هُوَ حق لامرئ فَإِن كَانَ لَهُ فَهُوَ أَحَق بِحقِّهِ وَإِن كَانَ لي فقد تركته لَهُ إِرَادَة صَلَاح الْأمة وحقن دِمَائِهِمْ {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} الْأَنْبِيَاء 111 ثمَّ نزل قلت رَأَيْت فِي المَسْعُودِيّ أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَشَارَ على مُعَاوِيَة أَن يَأْمر الْحسن فيخطب فكره مُعَاوِيَة ذَلِك فألزمه عَمْرو وَقَالَ أُرِيد أَن يَبْدُو عيه فِي النَّاس فَإِنَّهُ يتَكَلَّم فِي أُمُور لَا يدْرِي مَا هِيَ فَأمر مُعَاوِيَة الْحسن فَقَامَ وَتشهد فِي بديهته ثمَّ(3/89)
قَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَو لم تذهل نَفسِي إِلَّا لثلاث لذهلت مقتلكم أبي ونهبكم رحلي وطعنكم فَخذي وَإِنِّي قد بَايَعت مُعَاوِيَة فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَمن مناقبه وجوده وزهه فِي الدُّنْيَا قَوْله إِنِّي لأَسْتَحي من الله عز وَجل أَن أَلْقَاهُ وَلم أمش إِلَى بَيته فَمشى عشْرين حجَّة من لمدينة على رجلَيْهِ وَإِن الجنائب لتقاد بَين يَدَيْهِ وَخرج من مَاله مرَّتَيْنِ وقاسم الله ثَلَاث مَرَّات حَتَّى إِنَّه كَانَ يُعْطي نعلا ويمسك نعلا وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين رُبمَا كَانَ يُجِيز الْوَاحِد بِمِائَة ألف وَاشْترى حَائِطا من قوم من الْأَنْصَار بأربعمائة ألف وَإنَّهُ بلغه أَنهم احتاجوا إِلَى مَا فِي أَيدي النَّاس فَرده إِلَيْهِم وَلم يقل لسائل قطّ لَا وَلَا يأنس بِهِ أحد فيدعه يحْتَاج إِلَى غَيره وَرَأى غُلَاما أسود يَأْكُل من رغيف لقْمَة وَيطْعم كلبَاً هُنَالك لقْمَة فَقَالَ مَا يحملك على هَذَا فَقَالَ الْغُلَام إِنِّي أستحي أَن آكل وَلَا أطْعمهُ فَقَالَ الْحسن لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك فَذهب إِلَى سَيّده فَاشْتَرَاهُ وَاشْترى الْحَائِط الَّذِي هُوَ فِيهِ وَأعْتقهُ وَملكه الَحائط فَقَالَ الْغُلَام يَا مولَايَ قد وهبت الْحَائِط للَّذي وهبتني إِلَيْهِ وَكَانَ الْحسن سيداً حَلِيمًا زاهدَاً عاقلاَ فَاضلا فصيحَاً ذَا سكينَة ووقار جواداً يكره الْفِتَن وَسَفك الدِّمَاء دَعَاهُ ورعه وزهده إِلَى ترك الْخلَافَة وَقَالَ خشيت أَن يجئَ يَوْم الْقِيَامَة سَبْعُونَ ألفَاً أَو أَكثر تنضح أوداجهم دَمًا وَكَانَ من أحسن النَّاس وجهَاً وَأكْرمهمْ وأجودهم وأطيبهم كلَاما وَأَكْثَرهم حَيَاء وَكَانَ أَكثر دهره صَائِما وَكَانَ فعله يسْبق قَوْله فِي المكارم والجود وَكَانَ كثير الأفضال على إخوانه لَا يغْفل عَن أحد مِنْهُم وَلَا يحوجه إِلَى أَن يسْأَله بل يتَقَدَّم بالعطاء قبل السُّؤَال وَقَالَ لأَصْحَابه إِنِّي أخْبركُم عَن أخٍ كَانَ من أعظم النَّاس فِي عَيْني وَكَانَ الَّذِي عظمه فِي عَيْني صغر الدُّنْيَا فِي عينه كَانَ خَارِجا عَن سُلْطَان بطشه فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يجد وَلَا يكثر إِذا وجد انْتهى وَمَا سمع من الْحسن كلمة فحش قطّ وَأعظم مَا سمع مِنْهُ أَنه كَانَ بَينه وَبَين شخص خُصُومَة فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ عندنَا إِلَّا مَا رغم أَنفه قلت هَذَا الشَّخْص الْمُبْهم(3/90)
هُوَ مَرْوَان بن الحكم الْأمَوِي وَقيل لَهُ إِن أَبَا ذَر يَقُول الْفقر أحب إليّ من الْغنى والسقم أحب إِلَيّ من الصِّحَّة فَقَالَ رحم الله أَبَا ذَر أما أَنا فَأَقُول من اتكل على حسن اخْتِيَار الله عز وَجل لم يتمن غير الْحَالة الَّتِي اخْتَارَهَا لله عز وَجل وَهَذَا حد الْوُقُوف على الرِّضَا بِمَا يصرف بِهِ الْقَضَاء وَمن كَلَامه رَضِي الله عَنهُ كم فِي الدُّنْيَا بيدنك وَفِي الْآخِرَة بقلبك وَكَانَ يَقُول لِبَنِيهِ وَبني أَخِيه تعلمُوا الْعلم فَمن لم يسْتَطع مِنْكُم أَن يحفظه أَو قَالَ يرويهِ فليكتبه وليضعه فِي بَيته وَرَأى سيدنَا أَبُو بكر الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ يلْعَب مَعَ الصّبيان فَحَمله أَبُو بكر على عَاتِقه وَقَالَ بِأبي شَبيه بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيها بعلي وَعلي رَضِي الله عَنهُ يبتسم وَقد كَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يجله ويعظمه ويحترمه ويكرمه وَكَذَلِكَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقد جَاءَ الْحسن وَالْحُسَيْن يَوْم الدَّار وَعُثْمَان مَحْصُور ومعهما السِّلَاح ليقاتلا عَن عُثْمَان فخشي عُثْمَان عَلَيْهِمَا وَأقسم عَلَيْهِمَا ليرجعان إِلَى منازلهما تطييباً لقلب عَليّ وخوفاً عَلَيْهِمَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وكرم وَجهه أرسلهما وَأَمرهمَا بذلك وَكَانَ عَليّ يكرم الْحسن إِكْرَاما زَائِدا ويعظمه ويبجله وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَأْخُذ الركاب لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن إِذا ركبا وَيرى هَذَا مِنَ النعم وَكَانَ إِذا طافا بِالْبَيْتِ يكَاد النَّاس يحطمونهما مِما يزدحمون عَلَيْهِمَا للسلام عَلَيْهِمَا رَضِي الله عَنْهُمَا وأرضاهما وَكَانَ عبد الله بن الزبير يَقُول وَالله مَا قَامَت النِّسَاء عَن مثل الْحسن قَالَ البهيقي فِي كِتَابه المحاسن والمساوى أَتَى الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَقد سبقه ابْن عَبَّاس فَأمر مُعَاوِيَة بإنزالهما فِي مَحل فأنزلا فَبَيْنَمَا مُعَاوِيَة مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ ومروان بن الحكم وَزِيَاد بن أَبِيه يتذاكرون قديمهم وحديثهم ومجدهم إِذْ قَالَ مُعَاوِيَة أَكثرْتُم الْفَخر فَلَو حر الْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس لقصرا من أعينكُم(3/91)
فَقَالَ زِيَاد وَكَيف ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يقومان لمروان فِي غرب مَنْطِقه وَلَا لنا فِي بواذخنا فَابْعَثْ إِلَيْهِمَا حَتَّى تسمع كَلَامهمَا فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو مَا تَقول قَالَ هَذَا إِلَيْك فَابْعَثْ إِلَيْهِمَا فِي غَد فَبعث مُعَاوِيَة ابْنه يزِيد إِلَيْهِمَا فَأتيَاهُ فدخلا عَلَيْهِ وَبَدَأَ مُعَاوِيَة فَقَالَ إِنِّي أجلكما وَأَرْفَع قدركما عَن المسامرة بِاللَّيْلِ وَلَا سِيمَا أَنْت يَا أَبَا مُحَمَّد فَإنَّك ابْن رَسُول الله
وَسيد شباب أهل الْجنَّة فتشكرا لَهُ فَلَمَّا اسْتَويَا فِي مجلسهما وَعلم عَمْرو أَن الجرة ستقع بِهِ قَالَ وَالله لَا بُد أَن أَقُول فَإِن قهرت فسبيلي ذَاك وَإِن قهرت أكون قد ابتَدأت فَقَالَ يَا حسن إِنَّا تفاوضنا فَقُلْنَا إِن رجال بني أُميَّة أَصْبِر عِنْد اللِّقَاء وأمضى فِي الوغى وأوفى عهدا وَأكْرم خيما وَأَمْنَع ذمارَاً لما وَرَاء ظُهُورهَا من بني عبد الْمطلب ثمَّ تكلم مَرْوَان فَقَالَ وَكَيف لَا نَكُون كَذَلِك وَقد قارعناكم فغلبناكم وحاربناكم فملكناكم فَإِن شِئْنَا عَفَوْنَا وَإِن شِئْنَا بطشنا ثمَّ تكلم زِيَاد فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينكروا الْفضل لأَهله ويجحدوا الْخَيْر فِي مظانه نَحن الحملة فِي الحروب وَلنَا الْفضل على سَائِر النَّاس قديمَاً وحديثاً فَتكلم الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَيْسَ من الْعَجز أَن يصمت الرجل عِنْد إِيرَاد الْحجَّة وَلَكِن من الْإِفْك أَن ينْطق بالخنا ويصور الْبَاطِل بِصُورَة الْحق يَا عَمْرو افتخاراً بِالْكَذِبِ وجرأة على الْإِفْك وَمَا زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرّة وَأمْسك أُخْرَى فتأبى إِلَّا انهماكاً فِي الضَّلَالَة أَتَذكر مصابيح الدجى وأعلام الْهدى وفرسان الطراد وحتوف الأقران وَأَبْنَاء الطعان وربيع الضيفان ومعدن النُّبُوَّة ومهبط الْعلم وزعمتم أَنكُمْ أحمى لما وَرَاء ظهوركم وَقد تبين ذَلِك يَوْم بدر حِين نكصت الْأَبْطَال وتساورت الأقران واقتحمت الليوث واعتركت الْمنية وَقَامَت رحاها على قطبها وافترت عَن نابها وطار شرار الْحَرْب فَقَتَلْنَا رجالكم(3/92)
وَمن النَّبِي
على دراريكم فكنتم لعمري فِي هَذَا الْيَوْم غير مانعين لما وَرَاء ظهوركم ثمَّ قَالَ وَمَا أَنْت يَا مَرْوَان فَمَا أَنْت والإكثار فِي قُرَيْش وَأَنت طليق وَأَبُوك طريد تنْقَلب من خزية إِلَى سوءة وَلَقَد جئ بك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا رَأَيْت الضرغام قد دميت براثنه واشتبكت أنيابه كَمَا قَالَ // (من الْكَامِل) //
(ليثٌ إِذا سَمِعَ الليوثُ زئيرَه ... بَصْبَصْنَ ثمَّ قذفْنَ بالأبعارِ)
فَلَمَّا من عَلَيْك بِالْعَفو وأرخى خناقك بعد مَا ضَاقَ عَلَيْك وغصصت بريقك لَا تقعد منا مقْعد أهل الشُّكْر وَلَكِن تساوينا وتحاربنا وَنحن مِمَّن لَا يدركنا عَار وَلَا تلحقنا خزاية ثمَّ الْتفت إِلَى زِيَاد فَقَالَ وَمَا أَنْت يَا زِيَاد وقريشاً مَا أعرف لَك فِيهَا أديماً صَحِيحا وَلَا فرعا ثابتَاً وَلَا قَدِيما بائتَاً وَلَا منصباً كريمَاً كَانَت أمك بغيا تداولها رجالات قُرَيْش وفجر الْعَرَب فَلَمَّا ولدت لم يعرف لَك الْعَرَب والداً فادعاك هَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة بعد ممات أَبِيه مَا لَك افتخار تكفيك سميَّة وَيَكْفِيك رَسُول الله
وَأبي عَليّ بن أبي طَالب سيد الْمُؤمنِينَ الَّذِي لم يرْتَد على عَقِبَيْهِ وَحَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وجعفر الطيار وَأَنا وَأخي سيدا شباب أهل الْجنَّة ثمَّ الْتفت إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ يَا بن عَم إِنَّمَا هِيَ بغاث الطير انقض عَلَيْهَا أجدل فَأَرَادَ ابْن عَبَّاس أَن يتَكَلَّم فأقسم عَلَيْهِ مُعَاوِيَة أَن يكف فَكف ثمَّ خرجا فَقَالَ مُعَاوِيَة أَجَاد عَمْرو الْكَلَام لَوْلَا أَن حجَّته دحضت وَقد تكلم مَرْوَان لَوْلَا أَنه يكفر ثمَّ الْتفت إِلَى زِيَاد فَقَالَ مَا دعَاك إِلَى محاورتهما مَا كنت إِلَّا كالحجل فِي كف الْعقَاب فَقَالَ عَمْرو لمعاوية أَلا رميت من وَرَائِنَا فَقَالَ مُعَاوِيَة إِذا أشرككم فِي الْجَهْل أفاخر رجلا رَسُول الله جده وَهُوَ سيد من مضى وَمن بَقِي وَأمه فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين ثمَّ قَالَ لعَمْرو وَالله لَئِن سمع بِهِ أهل الشَّام لهى السوأة السوءاء فَقَالَ عَمْرو لقد أبقى عَلَيْك وَلكنه طحن مَرْوَان وزياداً طحن الرَّحَى يثفالها وَوَطئهَا وَطْء البازل القراد بمنسمه(3/93)
فَقَالَ زِيَاد قد وَالله فعل وَلَكِن مُعَاوِيَة يَأْبَى إِلَّا الإغراء بَيْننَا وَبينهمْ لَا جرم وَالله لَا شهِدت مَجْلِسا يكونَانِ فِيهِ إِلَّا كنت مَعَهُمَا عَليّ من فاخرهما فَخَلا ابْن عَبَّاس بالْحسنِ فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ أفديك يَا بن عَم وَالله مَا زَالَ بحرك يزْجر وَأَنت تصور حَتَّى شفيتني من أَوْلَاد البغايا ثمَّ إِن الْحسن رَضِي الله عَنهُ غَابَ أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ حَتَّى دخل على مُعَاوِيَة وَعِنْده عبد الله بن الزبير فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا مُحَمَّد إِنِّي أَظُنك تعباً نصبَاً فأت الْمنزل فأرح نَفسك فَقَامَ الْحسن فَلَمَّا خرج قَالَ مُعَاوِيَة لعبد الله بن الزبير لَو افتخرت على الْحسن فَإنَّك ابْن حوارِي رَسُول الله
وَابْن عمته ولأبيك فِي الْإِسْلَام نصيب وافر فَقَالَ ابْن الزبير أَنا لَهُ فَرجع وَهُوَ يطْلب ليلته الْحجَج فَلَمَّا أصبح دخل على مُعَاوِيَة وَجَاء الْحسن رَضِي الله عَنهُ فحياه مُعَاوِيَة وَسَأَلَهُ عَن مبيته فَقَالَ خير مبيت وَأكْرم مستفاض فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ مَجْلِسه قَالَ ابْن الزبير لَوْلَا أَنَّك خوار فِي الْحَرْب غير مِقْدَام مَا سلمت الْأَمر لهَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة وَكنت لَا تحْتَاج إِلَى اختراق الْآفَاق وَقطع المفاوز تطلب معروفه وَتقوم بِبَابِهِ وَكنت حريُّاً أَلا تفعل ذَلِك وَأَنت ابْن عَليّ ونائبه ونجدته فَمَا أَدْرِي مَا الَّذِي حملك على ذَلِك ضعف رَأْي أم وهدة مخبر فَمَا أَظن لَك مخرجا من هَاتين الخليتين أما وَالله لَو استجمع لي مَا استجمع لَك لعَلِمت أَنِّي ابْن الزبير وَأَنِّي لَا أنكس عَن الْأَبْطَال وَكَيف لَا أكون كَذَلِك وجدتي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَأبي الزبير جواري رَسُول الله
وَأَشد النَّاس بَأْسا وَأكْرمهمْ حسبَاً فِي الْجَاهِلِيَّة وألوطهم برَسُول الله
فَالْتَفت إِلَيْهِ الْحسن وَقَالَ أما وَالله لَوْلَا أَن بني أُميَّة تنسبني إِلَى الْعَجز عَن الْمقَال لكففت عَنْك تهازيَاً وَلَكِن سأبين ذَلِك لتعلم أَنِّي لست بالعي وَلَا الكليل اللِّسَان إيَّايَ تعير وَعلي تفتخر وَلم يكن لجدك بَيت فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا مكرمَة فَزَوجهُ جدي صَفِيَّة فتفاخر على جَمِيع الْعَرَب بهَا وَشرف بمكانتها فَكيف تفاخر من هُوَ من القلادة واسطتها وَمن الْأَشْرَاف سادتها نَحن أكْرم أهل الأَرْض لنا(3/94)