بسم الله الرحمن الرحيم
زيارة المراقد عند الشيعة
تأليف
الدكتور/ طه حامد الدليمي
الطبعة الأولى
المقدمة
زيارة المراقد فقرة صغيرة بين فقرات شريعة الإسلام الكبيرة والكثيرة، قد لا تتعدى كونها عملاً مباحاً يستوي فيه طرف الفعل مع طرف الترك، وإن كان كثيراً ما يرتقي إلى درجة الاستحباب متى ما اقترنت به نية صالحة. وقد كان منهياً عنه في بداية التشريع الإلهي حتى سمح به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الشريف: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)(1). ولم يرد عنه في القرآن العظيم تنويه ولا ذكر قط!
هذا العمل - الذي لو مات مسلم ولم يكن قد زار قبراً أو دخل مزاراً لما سئل عنه لمَ ترك أو فعل؟ - له عند الشيعة شأن آخر.
فلو عمل إنسان عمل الأنبياء عليهم السلام، لكنه لم يزر قبوراً بعينها فإنه لن يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً!
وهذه رسالة جامعة أوجهها إلى كل أولئك الذين بنوا دينهم على هذا الوهم، سلكت فيها منهج القرآن في إثباته لعظائم الأمور، ونقضه لما توهم المتوهمون أنه كذلك. وهذا هو سر صغرها وقلة كلماتها. بل لو شئت لاختصرتها أكثر فإني أراها في نفسها طويلة حقاً؛ لأن من اهتدى إلى منهج القرآن لا يجد حاجة إلى كثير كلام في معرفة الحق من الباطل. وصدق من قال: «العلم نقطة كثرها الجاهلون».
هذا والله تعالى وحده أدعو وأسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها، ومن سعى في نشرها إنه سميع قريب(2).
الثلاثاء 13/4/2004م
الأنبار الصامدة
منزلة زيارة المراقد عند الشيعة
__________
(1) رواه مسلم. وفي رواية أبي داود: (فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هُجراً).
(2) هذا الكتاب هو أحد مباحث كتاب (المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل). ارتأيت نشره مستقلاً مع بعض التعديلات المطلوبة.(1/1)
زيارة المراقد عند الشيعة تضاهي ركن الحج إلى بيت الله الحرام في الإسلام! بل - إن شئت فقل - تفضله وتزيد عليه وجوباً وأجراً ومنزلة! ويعد تاركها خارجاً من ملة الإسلام! بل هي شعار وشعيرة لو تخلوا عنها، أو محيت القبور من وجه الأرض لما بقي لهم من وجود، أو علامة تدل على أن طائفة اسمها «الشيعة» كانوا يوماً هنا! فارتباط الشيعة بالقبور وعلاقتهم بها كعلاقة السمك بالماء!
هي إذن أساس وهي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال.
ولك أن تتصور إمامياً لا يصلي ولا يحضر المساجد، لكنك لا تستطيع أن تطلق العنان لخيالك فتتصوره بمعزل عن القبور والمشاهد!
هذا.. وإن أكثر الذين يحرصون على زيارة القبور لا يحرصون على الصلاة حرصهم على «الزيارة». بل إن كثيراً منهم جداً لا يصلون أصلاً!.
منزلة كربلاء والنجف ومراقد الأئمة:
هذه لمحات سريعة عن منزلة كربلاء والنجف ومراقد الأئمة، وفضيلة زيارتها حسب ما جاء في المصادر المعتمدة:
روى الكليني عن أبي عبد الله (ع) (أي: جعفر الصادق) أنه قال: إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين (ع) يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه، له بكل خطوة حجة بمناسكها - ولا أعلمه إلا قال -وغزوة!(1).
وكربلاء والنجف أفضل عندهم من الكعبة! ويلقبون النجف بـ(الأشرف) أي: أشرف البقاع على وجه الأرض، فهو أشرف من الكعبة ومن المسجد النبوي وبيت المقدس! والصلاة عند علي أفضل من الصلاة في بيت الله الحرام!
جاء في كتاب (منهاج الصالحين) للخوئي «المرجع الأكبر للإمامية في زمانه»:
مسألة (562): تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (ع) بل قيل: إنها أفضل من المساجد. وقد ورد أن الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة(2).
أما الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول عنها:
مسألة (561) الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله تعادل عشرة آلاف صلاة(3).
__________
(1) فروع الكافي (4/580).
(2) ص:147).
(3) ص:147).(1/2)
أي: أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم دون الصلاة عند علي بعشرين مرتبة!
ويعبر محمد صادق الصدر عن ذلك بصراحة قائلاً: وردت رواية بتفضيل كربلاء على البيت الحرام. ونحن نعلم أن علياً (ع) خير من الحسين كما نطقت به الروايات فيكون قبره خيراً من قبره فيكون أفضل من الكعبة أيضاً (1)!!!
ويرددون في الكتب الاعتقادية هذا البيت:
وفي حديث كربلاء والكعبة ... لكربلاء بان علو الرتبة(2)
بل يسميها الميرزا حسن الحائري الملقب بـ(آية الله) - دونما أدنى تردد أو تلعثم - بـ(مزار المسلمين وكعبة الموحدين)(3)!!
ما هو الدليل على هذا العمل (العظيم)؟:
لا شك أن عملاً عبادياً له هذه المنزلة العظيمة والميزة الشريفة على باقي الأعمال، لا بد أن يرد تشريعه, والترغيب فيه, والترهيب من تركه بالآيات القرآنية الصريحة الواضحة. ليس هذا فحسب، وإنما ينبغي أن يؤكد فيها على هذا العمل أكثر من التأكيد الوارد على فضل المساجد والحج وزيارة البيت الحرام، وإلا حصل التناقض وعدم الانسجام في منهج وكتاب يسميه الله سبحانه وتعالى: ((أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً)) [الزمر:23].
لكننا - إذا رجعنا إلى هذا الكتاب - لا نجد فيه نصاً واحداً يذكر النجف أو كربلاء أو قُم أو غيرها من تلك البقاع التي هي - كما يعتقد الشيعة - أفضل من الكعبة. أو يصرح بزيارة القبور، ويحث عليها، أو يذكر منسكاً من مناسكها، وحكماً من أحكامها وشعائرها!
وهذا يعني - بلا شك - بطلان تلك العقائد وهبوطها إلى حد التصورات الخرافية والأوهام الشعبية.
__________
(1) المسألة (9) (ص:5) من كراسة المسائل الدينية وأجوبتها/الجزء الثاني.
(2) التربة الحسينية، محمد حسين كاشف الغطاء، (ص:56).
(3) أحكام الشريعة (1/32).(1/3)
وهذه الصورة البشعة تتوضح أكثر عند مقارنتها بالصورة الرائعة التي وردت في القرآن الكريم عن الحج ومكة والكعبة بيت الله الأعظم والمساجد بيوت الله التي هي أقدس وأشرف من كل بيت وبقعة على وجه الأرض خلا المسجد النبوي والمسجد الأقصى.
الحج ومكة والمساجد في القرآن
تحدث القرآن كثيراً عن الحج إلى بيت الله، وفضله، ووجوبه. وذكر أحكامه ومناسكه وشعائره، ونوه بالكعبة المعظمة ومكة المكرمة. وذكر المساجد وفضلها وندب عباده إلى قصدها والعكوف عندها صباحاً ومساءً وغدواً وعشياً. ولقد جاء ذلك في عشرات الآيات. سأورد هنا بعضاً منها تجنباً للإطالة. هذا ولا كلمة واحدة فضلاً عن آية تذكر مرقداً أو قبراً أو (إماماً) أو (مشهداً)، ولا قم ولا نجف ولا كربلاء ولا.. ولا..!
الحج في القرآن:(1/4)
سميت سورة من القرآن الكريم باسم (الحج) تضمنت آيات كثيرة عن الحج وأحكامه ومناسكه. هذه بعضها: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأْنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير * ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إلَا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ*لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ *(1/5)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)) [الحج:26-37].(1/6)
كما ورد الحج في آيات ومواضع كثيرة في القرآن غير سورة (الحج)، منها سورة (البقرة). وهذه بعض الآيات التي جاءت في هذه السورة: ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًاأَوْ بِهِ أذى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأْلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ*ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ(1/7)
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ*وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) [البقرة:196-203].
مكة والكعبة والبلد الأمين:
((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)) [المائدة:97].
((وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأْمِينِ)) [التين:2-3].
((لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)) [البلد:1-2].
((إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا)) [النمل:91].
((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا)) [إبراهيم:35].
البيت الحرام والمسجد الحرام:
((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) [البقرة:125].
((وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا)) [المائدة:2].
((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)) [التوبة:28].
((وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) [الأنفال:34].
((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)) [قريش:3].
((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأْقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) [الإسراء:1].
(((1/8)
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)) [البقرة:144].
((وَمِنْ حَيثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)) [البقرة:150].
هذا بعض ما جاء في القرآن من التصريح بفضل مكة والكعبة والبيت الحرام، ووجوب قصده والحج إليه، وأحكامه ومناسكه!
أما كربلاء والنجف وقم ومشهد وطهران.. فأشهد أن لا ذكر لها في آية واحدة من القرآن!
المساجد في القرآن:
وهذا بعض ما جاء في القرآن العظيم من ذكر المساجد، وأحكامها وفضيلة قصدها والصلاة فيها:
((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآْصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ)) [النور:37،36].
((وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) [الأعراف:29].
((وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً)) [الجن:18]
((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) [الأعراف:31]
((وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [البقرة:43]
((لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)) [التوبة:108]
((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)) [البقرة:114]
((مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ)) [التوبة:17]
((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ)) [التوبة:18]
(((1/9)
وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) [البقرة:187]
((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيم الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)) [الشعراء:217-219]
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)) [الجمعة:9]
((وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)) [يس:12].
أما الصلاة في كربلاء، ومرقد علي، ومشاهد الأئمة، فالله يشهد أن لا ذكر لها في آية واحدة من كتابه!
لا مراقد ولا قبور في القرآن:
لقد خلا القرآن الكريم من ذكر كربلاء والنجف وقم ومشهد. وليس فيه إشارة إلى ذكر المراقد أو القبور وزيارتها وبنائها والمشي إليها وما إلى ذلك. وأنت إذا قارنت بين ما وضعوه لها من فضائل فاقت ما ورد في فضل الكعبة بيت الله الحرام -ناهيك عن المساجد الأخرى- وبين الصمت المطبق عنها في القرآن تبين لك قطعاً كذب تلك الروايات وبطلان تلك الفتاوى. وإلا أفكان الله – سبحانه - نسياً؟! ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)) [الشورى:21].
اتباع المتشابه:
لو سألت عن هذا الصرح الشاهق (من بناء المشاهد وتعظيمها وزيارتها والغلو فيها وفي أهلها... إلخ) الذي يعلو على (بناء الله) جل وعلا، ما أساسه من القرآن؟ لما وجدت جواباً غير آية واحدة متشابهة! هي قوله تعالى: ((قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)) [الكهف:21].
إن هذا الدليل الوحيد غير صريح الدلالة. وما نحتاجه في هذه الأمور العظيمة هو النص الصريح المتكرر كما هو شأن القرآن في مثلها.
أين أحكام الزيارة من القرآن؟:(1/10)
وليس في القرآن أمر بزيارة القبور، ولا نهي عن تركها. كما أنه ليس في القرآن الكريم ذكر حكم واحد يتعلق بالزيارة! وهذا مخالف لمنهج القرآن؛ فإن كل أمر شرعه الله في كتابه لا بد أن يضيف إلى ذكر تشريعه ذكر بعض الأحكام المتعلقة به. فلماذا تشذ الزيارة عن هذه القاعدة؟ لماذا يأمر الله بزيارة المراقد ولا يذكر حكماً واحداً من أحكامها؟! لماذا تشذ شرائع الشيعة كلها عملية كانت أم اعتقادية - كالزيارة والخمس والمتعة والإمامة والإمام والعصمة والمعصوم والبداء والرجعة - عن بقية شرائع الدين فلا تجد لها أية أحكام تتعلق بها في القرآن؟!!
قارن ذلك بما جاء في القرآن عن المساجد!
دلالة آية الكهف:
ومع هذا فإن دلالة الآية ظاهرة في خلاف ما ذهبوا إليه: يقول تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)) [الكهف:21]. فالأمر باتخاذ المسجد على قبور أصحاب الكهف صدر من ((الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ))، أي: علية القوم وأمراؤهم. وهؤلاء ليسوا مصدراً تشريعياً. وهم عادة ما يكونون طغاة متجبرين. ولهجة الطغيان والاستبداد واضحة في عبارتهم: ((لَنتَّخِذَنَّ...)). إنه أمر مؤكد، لا بد من تنفيذه
دون اعتبار لرأي أو دليل. وهذا شأن العتاة المستبدين، وهؤلاء ليسوا قدوة لنا.
وحتى لو حملنا المعنى على أخف محامله فإن ديننا ناسخ لكل دين. وغاية ما ورد في ديننا: (أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا بخلافه). فيكون من أفراد ما نسخ من الشرائع السابقة. والقول بعدم نسخه قائم على الظن.
مجمل القول: أنه لم يرد في القرآن نص صريح في الموضوع.. سوى هذه الآية المتشابهة!(1/11)
فالقول بمشروعية اتخاذ المساجد على القبور وتعظيم المشاهد والأمر بزيارتها هذا الأمرَ الذي يجعلها أساساً من أساسيات الدين وضرورياته، ليس له من القرآن إلا آية واحدة متشابهة! فاتباعها شأن الزائغين الذين يخترعون أديانهم بآرائهم وأهوائهم. ثم يأتون إلى القرآن يبحثون فيه عما تشابه، تأييداً لما أثبتوه أولاً من خارج القرآن. والصحيح أن نبحث في آرائنا وعقولنا عما يؤيد ما ثبت أولاً بالقرآن. وليس العكس، والفرق كبير جداً بين هذا وذاك. فالأول يستخدم القرآن، والثاني يخدمه. والقرآن سيد مخدوم. ((وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:40].
التذرع بحب أهل البيت:
يتذرع الشيعة بأنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزورون قبورهم ومراقدهم، ولا شك أن حباً وعاطفة تدفع عوامهم لزيارة تلك المراقد. فيعتقدون أنهم يعبِّرون بهذه الزيارة تعبيراً صحيحاً عن حبهم لأهل البيت، وأن هذا يقربهم من الله، ويحصل لهم به خير عميم، وأجر أو ثواب عظيم.
ولنا أن نسأل هنا سؤالاً مهماً جداًً: هل الغاية أن تحب؟ أم أن يحبك من تحب؟ فيكون الحب متبادلاً من الطرفين. وبتعبير آخر: هل الغاية أن تحب أهل البيت؟ أم أن هناك غاية أبعد منها هي أن يحبك أهل البيت؛ فيحبك الله بسبب هذا الحب؟
لا شك أن الغاية الأعلى هي أن نظفر بحب الله لنا، فيحبنا ونحبه كما قال سبحانه وتعالى: ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة:54]. وهذا لا يتم إلا إذا كان حبنا لأجله أولاً، ومقيداً بشرعه الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ثانياً. فما كان من الحب لا يبتغى به وجه الله - وإنما باعثه العاطفة المجردة دون النظر إلى رضا الله من عدمه - لا قبول له.(1/12)
وأول علامات هذا الحب الأحمق خروجه عن قيود الشرع. وهذا يعني أن هذا الحب ليس حقيقياً، ولا معتبراً، وإنما هو عاطفة تلبي حاجةً نفسيةً لدى صاحبه، كحب النصارى للمسيح - عليه السلام - . فهو بهذا الحب يخدم نفسه، أو - في الحقيقة - يعبد نفسه! إنه حب دافعه الهوى. فالهوى هو الذي قاد صاحبه إلى ذلك الإله المزيف. وحتى يخدع الإنسان نفسه أضفى على إلهه اسماً مقدساً مقبولاً. فالهوى هو الذي صنع إلهه واتخذه، وليس العكس. وذلك كما قال تعالى: ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)) [الجاثية:23]
ولذلك لا تجد هذا الحب مقيداً بالاتباع؛ لأنه لا يتبع الشرع إلا من روّض نفسه وألجم هواه. وصاحب الهوى لا يحب القيود وإن كانت في مرضاة الله. وهذا هو السر الذي من أجله لا يعتبر الله هذا الحب، ولا يقبله من هؤلاء الأدعياء. إن الله يقرر أن هؤلاء كاذبون في دعواهم بدليل تفلتهم عن الشرع، ولو كانوا صادقين في حبهم لله لاتبعوا رسوله، أي: تقيدوا بشرعه الذي جاءهم به فقال سبحانه: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31]. وفي هذا تصريح بأن حب الله لا يحصل للمحب ما لم يكن حبه وعمله منضبطاً بشرع الله الذي جاء به رسوله: ((اتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)). فمن كان حبه عن هوى منفلت لم يكن متبعاً ولا صادقاً في حبه.
يعبدون أنفسهم:(1/13)
هل تعلم أن هؤلاء في الحقيقة لا يحبون أهل البيت. ولا يحبون الله ولا يعبدونه. وإنما يحبون أنفسهم، ويعبدونها! ولولا أن ما اخترعوا من دين يلبي رغباتهم وأهواءهم لما تدينوا به. أليس الله يقول عن هذا الصنف الكاذب وهم جميع المبتدعة: من الكفار ومن المنتسبين لدين الإسلام: ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) [الزمر:45]؟!
وهؤلاء كما أنهم محرومون من محبة الله، فهم محرومون من محبة أوليائه، ولا تربطهم بهم في حقيقة الأمر أية علاقة؛ فمن لم يكن متبعاً لأولياء الله من أين تربطه بهم أو تربطهم به علاقة؟ ولهذا يقول تعالى: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:68].
لقد كان العرب يحبون نبي الله إبراهيم عليه السلام ويقدسونه، وكان النصارى يحبون المسيح عليه السلام ويقدسونه. وكذلك اليهود، وكل ملة انحرفت عن الطريق. وكانوا يدّعون ويتوهمون - إضافة إلى ذلك - أن السبب الباعث لذلك كله هو الله وحبه. فامتحنهم الله سبحانه وتعالى بالاتباع، ففشلوا في الامتحان وظهر كذبهم.
وهكذا يتبين أنه ليس المهم أن (تحب) الله، وإنما أن يحبك الله. ولن يحبك الله ما لم تلتزم بشرع نبيه فيكون حبك مقيداً بشرعه.
بدعة محدثة:
إن زيارة المراقد عند الشيعة خارجة عن شرع محمد صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً، ابتداءً وانتهاءً، إنها عمل أدناه بدعة، وأعلاه شرك. فهو يتردد بين بدعة في الدين وشرك برب العالمين! وهذه إشارة مجملة سريعة يتبين فيها للعاقل كيف أن زيارة المراقد - على الصورة التي انتهت إليها اليوم عند الشيعة - خارجة عن الشرع:(1/14)
إن دين الله قد كمل وتم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فليس هناك من عبادة أو شعيرة من الدين فاتت رسول الله فاحتاج إليها الدين وصارت جزءًا منه بعد وفاته. وفي هذا يقول تعالى: ((الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3].
فكل عبادة استحدثت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهي بدعة باطلة. ولا شك أن هذه المراقد، وتعظيمها إلى الحد الذي ذكرناه آنفاً، والطقوس التي اقترنت بزيارتها، كل ذلك لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما حدث بعده بمئات السنين. ولم يفعلها أئمة أهل البيت. وما يقال من ذلك فهو مكذوب مفترىً عليهم. ولا أدري كيف يصدق أن هؤلاء الأئمة الصالحين يبتدعون في دين الله فيضيفون إليه ما ليس فيه؟! إنما أول من أحدث ذلك الفرس البويهيون بعد احتلالهم لبغداد في القرن الرابع الهجري. وكذلك الفاطميون. ثم جاء الصفويون ليطوروا هذه الشعائر مستعينين بالطقوس المسيحية التي استوردوها من شرق أوروبا(1).
__________
(1) تكلم عن ذلك بالتفصيل عالم الاجتماع الإيراني الدكتور علي شريعتي في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي).(1/15)
والملاحظ على كل الأديان الباطلة أن شعائرها وطقوسها مستحدثة بعد وفاة أنبيائها. فلو خرج المسيح عليه السلام اليوم لما عرف من الكنائس والقداسات والترانيم والصلبان وغيرها من الطقوس التي تقام باسمه شيئاً! هل رأى المسيح الصليب؟ هل صُلب عليه السلام بيديه على وجهه وصدره؟ كلا! فهل رأى الحسين رضي الله عنه هذه المراقد؟ هل زارها؟ هل طاف بها؟ هل ازدحم فيها مع المزدحمين في عاشوراء وصفر وشعبان ورجب يلطم على نفسه أو على أبيه رضي الله عنه أو على الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ هل بنى رسول الله مرقداً حول قبر عمه حمزة، ودعا أصحابه إلى زيارته والطواف به؟ أو زوجته خديجة رضي الله عنها؟ أو أحد من أبنائه: القاسم أو عبد الله أو إبراهيم؟ أو إحدى بناته اللاتي توفين قبله: زينب أو رقية أو أم كلثوم؟ أو أحد من أصحابه وأقاربه؟ كلا.
إذاً: ما هذه المراقد التي بنيت بعده؟ يقولون: هذا شيء مستحب، نحن نحب أهل البيت، وهذا من لوازم حبهم. وهل هلك النصارى إلا بحب المسيح؟! ماذا نفعهم هذا الحب المنفلت عن قيود الشرع؟ والعاقل من قايس الأمور ببعضها، والسعيد من اتعظ بغيره.
الزيارة شرعية وبدعية:(1/16)
قلت في مقدمة هذا الكتاب: إن زيارة القبور كانت منهياً عنها في أول الإسلام، ثم أذن الرسول صلى الله عليه وسلم بزيارتها بعد ذلك بقوله الشريف: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) رواه مسلم. وفي رواية أبي داود: ((فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هُجراً)). والسبب في هذا النهي ثم الإذن من بعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو الطبيب الحاذق - أراد أولاً أن ينتهي تعلق قلوب أصحابه بالقبور. حتى إذا أبَلّوا من مرضهم – بعد مرور فترة نقاهة كافية - وتعافت قلوبهم، وتخلصت تماماً من هذا المرض الخطير، ولم يعد هناك خشية من انتكاسة مرضية ثانية – كما يحصل للمريض في فترة نقاهته حين يتعرض مرة أخرى إلى أسباب المرض - أذن حينذاك لهم صلى الله عليه وسلم بزيارتها. على أن هذه الزيارة كانت زيارة شرعية مقيدة بآداب الشرع، بعيدة عن الآثام والشركيات والطقوس البدعية الجاهلية.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ذهب لزيارة القبور سلم على أصحابها ودعا لهم كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» وفي رواية لابن ماجه: «اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم».
هذه هي الزيارة الشرعية: نذهب إلى القبور نسلم على أهلها، وندعو لهم -لا ندعوهم- ونتذكر الآخرة عندهم.
فهذه ثلاثة أمور في زيارة القبور:
1. التسليم على الأموات
2. الدعاء لهم
3. تذكر الآخرة عندهم.(1/17)
وما عداها فزيارات خارجة عن شرع محمد صلى الله عليه وسلم . كشد الرحال من بلد إلى بلد، أو مكان إلى مكان بقصد زيارة قبر بعينه، معتقداً أن لزيارته فضيلةً خاصة تختلف عن غيره من المراقد أو القبور، أو أنه مظنة استجابة الدعاء. أو دعاءه والاستغاثة به والنذر له والطواف حوله والقسم به. أو الصلاة عنده والتمسح به... وغيرها من الخزعبلات. فهذا كله من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان. وأكثرها يصل إلى حد الشرك الأكبر والعياذ بالله.
الخلاصة
وهكذا ثبت بالدليل الشرعي القاطع أن (زيارة المراقد) طبقاً للمعتقد الشيعي باطلة بطلاناً بيناً؛ وذلك لعدم استنادها – كأصل من أصول الاعتقاد لديهم – إلى محكمات القرآن. واتباعهم في تشريعها إلى متشابهاته، التي نهى الله تعالى عباده عن اتباعها. إضافة إلى خلو القرآن من ذكر أي حكم من الأحكام المتعلقة بـ(الزيارة)، خلافاً لمنهجه. إضافة إلى طقوسها البدعية المخترعة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد..
وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
المحتويات
المقدمة ... 3
منزلة زيارة المراقد عند الشيعة ... 5
منزلة كربلاء والنجف ومراقد الأئمة: ... 6
ما هو الدليل على هذا العمل (العظيم)؟: ... 8
الحج ومكة والمساجد في القرآن ... 10
الحج في القرآن: ... 10
مكة والكعبة والبلد الأمين: ... 13
البيت الحرام والمسجد الحرام: ... 14
المساجد في القرآن: ... 16
لا مراقد ولا قبور في القرآن: ... 18
اتباع المتشابه: ... 19
أين أحكام الزيارة من القرآن؟: ... 19
دلالة آية الكهف: ... 20
التذرع بحب أهل البيت: ... 22
يعبدون أنفسهم: ... 24
بدعة محدثة: ... 26
الزيارة شرعية وبدعية: ... 28
الخلاصة ... 31
المحتويات ... 32
.
المحتويات
المقدمة ... 3
منزلة زيارة المراقد عند الشيعة ... 4
الحج ومكة والمساجد في القرآن ... 7
الخلاصة ... 16
المحتويات ... 17(1/18)