اتحاد المؤرخين العرب
بالقاهرة
مجلة
المؤرخ العربي
تصدر عن
اتحاد المؤرخين العرب
بالقاهرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العدد الثامن ... ... ... ... المجلد الأول ... ... ... ... مارس 2000
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتحاد المؤرخين العرب
بالقاهرة
مجلة المؤرخ العربي
العدد الثامن ــ المجلد الأول
مارس 2000
هيئة التحرير
أ.د. سعيد عبدالفتاح عاشور ... ... ... رئيس الاتحاد
أ.د. حسنين محمد ربيع
أ.د. سليمان إبراهيم العسكري
أ.د. عبداللطيف عبدالله بن دهيش
أ.د. سهيل محمد زكار
أ.د. مصطفى محمد رمضان
وزارء العصر العباسي الأول
132 ــ 232هـ
... ... ... ... ... ... ... ... ... د. فايزة إسماعيل أكبر(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة :
... ليس المقصود من هذه الدراسة تعريف القارىء بماهية منصب الوزارة ، أو إعطاء القارىء ترجمة عن حياة وزراء هذا العصر ، فقد ألفت في هذا الموضوع العديد من الكتب والبحوث المتأنية ، وإنما الهدف الذي قصدناه من وراء هذه الدراسة هو إلقاء الضوء على الدور الذي لعبه أشهر وزراء هذا العصر في مختلف الجوانب العامة مما أحدث تغييرًا في أوضاع المجتمع الإسلامي ؛ سواءً سياسيًا ، أم اقتصاديًا ، أم إداريًا ، أم اجتماعيًا .
__________
(1) * ) أستاذ مشارك ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ــ جامعة الملك عبدالعزيز ــ جدة .(1/1)
... ونظام الوزارة واحد من النظم السياسية الهامة في الإسلام ، بل هو أهم النظم السياسية بعد الخلافة ، إلا أن منصب الوزارة ــ كمؤسسة مستقلة لها صلاحيات معينة ــ لم يعرف إلا في العصر العباسي ، وفي ذلك يقول ابن طباطبا " الوزارة لم تتمهد قواعدها وتتقرر قوانينها إلا في دولة بني العباس . فأما قبل ذلك فلم تكن مقننة القواعد ، ولا مقررة القوانين ، بل كان لكل واحد من الملوك أتباع وحاشية ، فإذا حدث أمر استشار بذوي الحجة والآراء الصائبة ، فكل منهم يجري مجرى وزير ، فلما ملك بنو العباس تقررت قوانين الوزارة وسمي الوزير " وزيرًا " ، وكان قبل ذلك يسمى " كاتبًا أو مشيرًا "(1).
فكلمة " وزير " كانت تعني عند العرب في صدر الإسلام " المؤازر أو المعين " ولم يتعد هذا الاصطلاح المشاورة والمؤازرة بالرأي والعمل .
وعندما أصبحت الخلافة ملكًا في بني أمية احتاج خلفاؤهم إلى من يستشيرونهم في أمور الدولة ويستعينون بهم في أمور القبائل والعصائب ، واصطناع الأحزاب منهم فاختاروا بعض البارزين من ذوي الرأي والسياسة ليقوموا بمثل هذا العمل ، فكان هؤلاء يقومون بمهام المعاونين والمستشارين والكتاب ، لأن الوزارة كمنصب أو رتبة سياسية لم يكن قد تقرر أمرها بعد بصورة رسمية حتى أن بني أمية كانوا ينكرون أن يطلق على كتابهم ومعاونيهم لقب " وزير " وفي ذلك يقول السعودي : كانت ملوك بني أمية تنكر أن يخاطب كاتبًا لها
بالوزارة وتقول : الوزير مشتق من الوزارة ، والخليفة أجل من أن يحتاج إلى المؤازرة(2)ولا يستثنى من هذا إلا زياد بن أبيه ؛ إذ لقبه بعض الناس " بالوزير " في عهد معاوية بن أبي سفيان(3).(1/2)
... ويظهر من هذا أن العباسيين هم الذين عرفوا المعنى السياسي للوزارة وإن لم تظهر أهميتها من أوائل هذا العصر أيضًا . فقد عرف أبو سلمة الخلال أحد أركان الدعوة العباسية باسم وزير آل محمد إلا أنه لم يتمتع بصلاحيات أو سلطات كاملة في جميع الدواوين ، كما أنه لم يسكن للوزارة أبهتها ورونقها في عهد أبي جعفر المنصور .
... وباستقرار نظام الخلافة وتطور النظم الإدارية تطورت سلطة الوزير في تصريف شئون الحكم ، ولم تكن صلاحيات من تولوا هذا المنصب محدودة ، بل كانت تتوقف على مدى سلطة الخليفة من قوة وضعف ، فبعض الوزراء تمتع بصلاحيات وسلطات إدارية واسعة وبعضهم لم يعط إلا سلطات محدودة حتى إن الماوردي صنف الوزارة صنفين رئيسيين :
أولهما : وزارة التفويض الذي يمارس فيها الوزير صلاحيات الخليفة كاملة في الإدارة فيما عدا ثلاثة أمور ، هي حق تعيين ولي العهد ، أو عزل الخليفة من عينه الخليفة .
الثاني : وزارة التنفيذ ، وتأتي في مرتبة تالية لوزارة التفويض وتقتصر فيها سلطات الوزير على تنفيذ أوامر الخليفة وقرارته(1).
ونظرًا لأهمية منصب وزير التفويض فإن هناك شروطًا يجب توافرها فيمن يلي هذا المنصب ، وهي غير معتبرة فيمن يلي منصب وزارة التنفيذ وهي :
? الحرية .
? الإسلام .
? العلم بأحكام الشرعية .
? المعرفة بأمرى الحرب والخراج .
ولا أدل على أن منصب الوزارة يعد من أهم مناصب الدولة بعد منصب الخلافة ، من أن أصحاب هذا المنصب شاركوا الخليفة في صنع القرار السياسي وتركوا بصمات واضحة في النواحي السياسية ، والإدارية والاقتصادية ، والاجتماعية والفكرية . كما استغل بعضهم هذه الرتبة لأغراض معينة ولعل أشهر من استغل هذه المرتبة لأغراض سياسية خاصة هو أبو سلمة الخلال ؛ أول الوزراء العباسيين من حيث الترتيب الزمني .
( أ ) نشاط أبي سلمة الخلال السياسي قبل تسلم بني العباس السلطة :(1/3)
... قاد أبو سلمة الخلال الدعوة للعباسيين في الأعوام الخمسة الأخيرة قبل تسلم بني العباس السلطة ، وهو أول من تلقب بالوزارة في العصر العباسي . كان فارسي الأصل ، واسمه : حفص بن سليمان الهمذاني الخلال مولى بن الحارث بن كعب من العراق(1)، وقد اتفق أغلب المؤرخين القدامى على أنه كان من مياسير أهل الكوفة ، وكان يعمل بالصيرفة . أما تلقيبه بالخلال ـــ نسبه إلى الخل ـــ فربما يعود إلى أن منزله بالكوفة كان في حارة الخلالين(2). تعرف أبو سلمة على الدعوة العباسية عن طريق " بكير بن ماهان " ، رئيس الدعاة بالكوفة ، وأهمهم على الإطلاق ، نظرًا لطول المدة التي قضاها في رئاسة الدعوة ، وإخلاصه لها وتفانيه في خدمتها(3)
... ولعل أول عمل جدى قام به أبو سلمة في خدمة الدعوى العباسية هو تكليفه من قبل بكير بن ماهان بالذهاب إلى خراسان ليهيىء أنصار وشيعة العباسيين هناك ليوم الثورة المرتقب ، وقد طلب منه أن يأمر الشيعة بتسويد الثياب ، وأعطاه ثلاثة رايات سود ؛ واحدة لمن بمرو من الشيعة ، والأخرى لمن بجرجان ؛ وأن يبعث بالثالثة إلى ماوراء النهر . واستطاع أبو سلمة أن يؤدي عمله بكفاءة عالية ، وأن يبث دعاته ورسله . وكانت مدة إقامته في خراسان أربعة أشهر رجع بعدها إلى الكوفة ، فكان بذلك أول من أدخل الرايات السود إلى خراسان وعمل على نشر الدعوة بها(4).
... وبعد وفاة بكير بن ماهان سنة 127هـ / 744م تسلم أبو سلمة قيادة الدعوة بناء على توصية ابن ماهان(5). واتخذ من الكوفة مركزًا له كما فعل ابن ماهان من قبل ، وذلك لوقوعها في منتصف الطريق بين الحميمة في الأردن مقر إبراهيم الإمام وبين خراسان . وأخبر إبراهيم الإمام شيعته بخراسان أنه عين أبا سلمة الخلال(1/4)
كبيرًا للدعاة بالكوفة ، وأمرهم بطاعته(1). وقد عمل أبو سلمة في خدمة الدعوة العباسية بكل إتقان وإخلاص ، وبذل أموالاً طائلة من أجل إظهارها ، وذلك في أكثر مراحلها حرجًا . وكثيرًا ما كان يتردد على خراسان مشرفًا على أمورها هناك مصطحبًا معه أبا مسلم الخراساني .
... وفي تلك الفترة الحرجة من تاريخ الدعوة العباسية لعب أبا مسلمة دورًا سياسيًا مهمًا وبارزًا . فما أن انتصرت الجيوش الخراسانية في خرسان ودخلت العراق حتى أرسل أبو سلمة إلى محمد بن خالد بن عبدالله القسري أن يعلن الدعوة بالكوفة مظهرًا السواد شعار العباسيين .
... وكان أن مضى محمد بن خالد إلى قصر الإمارة فدخله ، ودعا الناس إلى البيعة للرضا من آل محمد ، بعد أن هرب صاحب الشرطة الموالى للأمويين إلى واسط ملتحقًا بابن هبيرة والى الأمويين على العراق(2). وبعد ذلك طلب أبو سلمة من الحسن بن قحطبة قائد القوات الخراسانية أن يدخل الكوفة ، فدخلها يوم الجمعة 10 محرم 132هـ / 30 أغسطس 749م . وأقبل الحسن إلى أبي سلمة وسلم إليه الرئاسة ، وخاطبه باسم " وزير آل محمد " وبايعه أهل خراسان وأهل الكوفة ، وأضحى بذلك صاحب السلطة الفعلية والممثل الشرعي لآل محمد . ثم خطب أبو سلمة وهنأ القواد والجنود من أهل خراسان بالنصر وأعلن الإمامة الهاشمية دون أن يسمى الخليفة بالاسم(3).
( ب ) دور أبو سلمة السياسي والإداري بعد ظهور الدعوة العباسية بالعراق :
... وبعد هذا الانتصار الذي حققه أبو سلمة في الكوفة وتسلمه جميع السلطات الفعلية بوصفه الممثل الشرعي لآل محمد ، رحل إلى حمام أعين على بعد ثلاثة فراسخ من الكوفة وعسكر بها . ومن هناك أخذ بتنفيذ سلطاته ومسئولياته ، فبدأ بتأسيس الدواوين وتعيين العمال عليها ، ووجه القواد إلى النواحي ليقاتلوا فلول الجيوش الأموية بها(4). وفرق العمال في البلدان ليضبطوا أمورها .(1/5)
... أما فيما يتعلق ببيت المال والخزائن فقد حمل ما فيها إلى المعسكر وأخرج أعطيات الجند منها . وأنفذ عمال الخراج إلى الأقاليم فجبا الخراج(1).
...
ومن معسكره بحمام " أعين " أخذ أبو سلمة يصدر الأوامر ويراسل أبا مسلم الخرساني في مستجدات الأمور ، ويدير شؤون الثورة باسم الدعوة للإمام القائم من بنى العباس دون أن يسمى الخليفة(2).
... حاول أبو سلمة وللمرة الثانية أن يلعب دورًا سياسيًا بارزًا وخطيرًا على مسرح الأحداث . فكما كان له دوره الذي لا يستهان به في قلب الحكم الأموي ، أراد كذلك قلب الحكم العباسي إلى علوى في أشد أوقات تاريخ الدعوة العباسية حرجًا . فعندما وصل أبو العباس وآل بيته إلى الكوفة في صفر سنة 132هـ سبتمبر 749م ، لم يستقبلهم أبو سلمة وأبقاهم خارج المدينة منكرًا قدومهم بقوله : ( خاطروا بأنفسهم وعجلوا ) وكتم أمرهم عن جميع القواد ، ورفض أن يدفع لهم نفقات الانتقال(3).
... ويتفق أغلب مؤرخينا التقاة على انحراف أبي سلمة في هذه الفترة عن العباسيين ، ورغبته في استغلال الدعوة لصالح العلويين ، فاليعقوبي يرى أن سبب إخفاء أبي سلمة وآل بيته ( أنه دبر أن يصير الأمر إلى آل أبي طالب )(4)، بينما يرى المسعودي أن أبا سلمة حين بلغه مقتل إبراهيم الإمام أضمر الرجوع عما كان عليه من الدعوة العباسية لآل أبي طالب ، ( لأنه خاف انتفاض الأمر وفساده عليه )(5). أما الجهشياري فيذكر ( أنه لما صح عند أبي سلمة موت إبراهيم الإمام لقي رجالاً من شيعة علىّ فناظرهم على نقل الأمر إلى ولد علىّ )(6)، أي أنه لما درس أحوال بني العباس لم يجد فيهم من يصلح أن يتولى إمامة المسلمين ، كما أشار الطبري ، ومؤلف كتاب أخبار الدولة العباسية إلى أن تنكر أبي سلمة لأبي العباس وأهل بيته وتضيقيه عليهم(7).(1/6)
... على أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل ، إذ لم ترض تلك الأطراف قبول دعوة أبي سلمة الخلال ، وبذلك وقع أبو سلمة ضحية سوء تقديره ، وعدم بعد نظره .
... وكان أبو سلمة الخلال في تلك الأثناء يتغيب عن أبي العباس وأهل بيته ، وكان كلما أرسل إليه أبو العباس ليسأله عن موعد ظهورهم يطلب منه التريث ، ويخبره بأن الوقت لم يحن بعد . وبقوا على هذه الحالة أربعين يومًا وكذلك كان يفعل مع الخراسانيين عندما يسألونه عن الإمام(1)، إلى أن أكتشف الخراسانيون عن
طريق أبي الجهم بن عطية الباهلي وعدد من القادة الآخرين مكان اختفاء أبي العباس وبايعوه وأعلنوا اسمه خليفة للدولة الجديدة .
... وبعد فشل أبي سلمة في جهوده التي بذلها لنقل الخلافة إلى العلويين وجد نفسه في مأزق حرج ، فلا هو عباسي كما كان مع إبراهيم الإمام ، إذ أن قادة الثورة لم يكونوا مستعدين أن يتنازلوا على سلطاتهم التي أحرزوها ، وكانوا على يقين من أنه لتأمين استمرار نجاح ثورتهم لا بد من التمسك بالعباسيين أصحاب الدعوة ، ومبايعة أبي العباس إمامًا لدولتهم الناشئة . كما أنه لم يجد من العلويين من ينصره ويأخذ بيده(2).
... ولم يكن أمام أبي سلمة ، الذي تمت مبايعة أبي العباس له دون علمه ، إلا أن يقبل بالأمر الواقع ويبايع الخليفة ، مبررًا موقفه بأنه كان يحاول تمهيد الأمور لاستقامة الأمر(3). وتقبل السفاح عذره قائلاً : ( عذرناك يا أبا سلمة غير مفند ، وحقك لدينا معظم وسابقتك في دولتنا مشكورة وزلتك مغفورة )(4).
... ويبدو مما تقدم أن أبا سلمة ــ بصفته الرئيس الفعلي للحكومة المؤقتة بالكوفة ــ كانت تقع على عاتقه مسئولية اختيار غمام جديد بعد موت إبراهيم الإمام ، ترضى عنه جميع الأطراف الهاشمية ، والخراسانية ، وقادة الثورة . لهذا ظل لمدة شهرين يبحث عن شخص قادر على استقطاب جميع هذه الأطراف ، لأن أبا العباس في رأي أبي سلمة لم يكن الشخص المناسب لتولي هذا المنصب .(1/7)
... وعلى الرغم من معرفة أبي العباس بكل ما فعله أبو سلمة لأبعاده عن منصب الخلافة ، إلا أنه استوزره وأقر تلقيبه بوزير آل محمد . وقد أجمع المؤرخين على اكتساب الخلال لهذا اللقب قبل فترة الدعوة إلا أنهم اختلفوا حول الصلاحيات التي ترتبت على منحه ، فبعضهم يرى أنه كان لقبًا تشريفيًا أطلق على الخلال نظير خدماته ، وبعضهم يرى انه ينطوي على مسئوليات محدودة .
... وإذا دققنا النظر في طبيعة المهام التي مارسها الخلال والمسئوليات التي تقلدها في الفترة ما بين مقتل إبراهيم الإمام وتولي أبي العباس الخلافة نرى أنه كان صاحب السلطة الفعلية في الكوفة . وقد اعترف بسلطته هذه جميع أنصار الدعوة . وذكر الجهشياري أنه ( عسكر في حمام أعين قرب الكوفة وأقام بها ووزع عماله على
السهل والجبل ، وصارت الدواوين بحضرته والكتب تنفذ منه وترد عليه )(1)، بمعنى أنه أسس دواوين جديدة ، وقام بتعيين العديد من الولاة والعمال على الأقاليم ، وجهز بعض الجيوش للقيام ببعض العمليات ، إلا أن سيطرته على الجيش لم تكن كاملة ، لأنها بقيت في يد أبي الجهم بن عطية الباهلي ، مندوب أبي سلمة السياسي الذي رافق جيش قحطبة(2).(1/8)
... أما عن سلطاته وصلاحياته خلال توليته الوزارة بعد تولي أبي العباس الخلافة فيبدو أن ديوان الخراج ، وديوان الجند لم يكونا داخلين في سلطته ، لأن الخليفة كان قد قلدهما لخالد بن برمك(1). ولا ريب في أن هذين الديوانين كانا من أهم الدواوين في الدولة ، فالأول يشرف على جبابة الخرج ، والمصدر الرئيسي لدخل الدولة ، بينما ينظم الثاني السجلات المتعلقة بمصروفات الجند ، وهي أهم باب في مصروفات الدولة آنذاك(2). وكثيرًا ما وقع الصدام بين سلطة أبي العباس وسلطة وزيره أبي سلمة ، لعدم تحديد صلاحيات الثاني ، الذي كان يرغب في السيطرة على الجهاز الإداري كله . وقد ذكر التقاة من مؤرخينا ( بأن أبا سلمة كان ينفذ الأمور من غير مؤامرة ، أي دون مشاورة وأنه كان يظهر الإدلال والقدرة على أمير المؤمنين )(3).
... وبعد أن ثبت أبو العباس أقدامه في الحكم أحس بأن الفرصة مواتية له بأن يتخلص من وزيره ومنافسه السياسي الخطير . فكتب إلى أبي مسلم الخراساني في خراسان يستشيره في قتل أبي سلمة ، فوافقه أبو مسلم على ذلك ، وأرسل رجاله من خراسان لينفذوا عملية القتل في رجب سنة 132هـ فبراير 750 م ، وأعلن رسميًا أن الخوارج اغتالته(4)وقد كان للمنافسة بين العملاقين أبي مسلم الخراساني وأبي سلمة الخلال دور كبير في التعجيل بالتخلص من الخلال(5).
... وهكذا قتل أول من وقع عليه لقب الوزارة في الدولة العباسية ، ولم تغفر له سابقته في الدعوة وإسهاماته من الناحية السياسية في قلب حكم الدولة الأموية ، وإسهاماته الجليلة في خدمة الدعوة العباسية ، حيث أنفق كثيرًا من أمواله الخاصة على رجالها(6)إلا أن هذه الجهود والخدمات لم تشفع له عند أبي العباس .
...(1/9)
اختلف المؤرخون على من احتل منصب الوزارة بعد أبي سلمة الخلال ، فقيل أن أبا الجهم بن عطية الباهلي هو الذي تسلم مسئوليات الوزير دون اتخاذ اللقب(1)، وكان المهيمن على الجيش خلال تولى أبي سلمة الوزارة . وبعد مقتل أبي سلمة أصبح من المقربين من الخليفة ، وبمثابة حاجبه ومستشاره(2). وبذلك يكون قد جمع بين السيطرة على الجيش والسيطرة على الإدارة دون أن ينال لقبًا معينًا أو مرتبة سياسية أو إدارية معينة .
... وقد بقي أبو الجهم موثوقًا به ومقربًا من الخليفة أبي العباس مدة خلافته ، فهو الذي أخرج العباس من موضعه الذي أخفاه فيه أبي سلمة ، وقام بأمره حتى بويع ، ولكنه لم ينل تلك الثقة من قبل أبي جعفر المنصور ، فقد اتهمه أبو جعفر بأنه جاسوس لأبي مسلم الخراساني ، وأنه يكاتبه بأخباره فتخلص منه بالسم(3).(1/10)
... على أن بعض المؤرخين يرون بأن أبا العباس بعد مقتل أبي سلمة استوزر خالد بن برمك وزارة تنفيذ . غير أن ه رفض أن يسمى " وزيرًا " لأنه شؤم على صاحبه(1)، قد خلف أبا سلمة في جميع مهامه ومسئولياته بالإضافة إلى إشرافه على ديوان الجند ، وديوان الخراج والغنائم ، وفي الواقع أن إشراف خالد على الشئون المالية يرجع إلى ما قبل تولي أبي العباس الخلافة ، فقد تقلد خالد خراج ما يفتحه جيش قحطبة بن شيب الطائي من البلاد . كما أشرف على الغنائم وتوزيعها بين الجند ، وعرف عنه أنه كان عادلاً في توزيعها ، فأرضى بذلك جميع أهل خراسان حتى وصفه الجهشياري " بأن ما من أحد من أهل خراسان إلا وكان عليه يد ومنة ، لأنه قسط الخراج فأحسن فيه إلى أهله "(2)، ويبدو أن أبا العباس أراد الاستفادة من خبرة خالد في الشئون المالية ، إضافة إلى خبرة قومه في الناحية الإدارية ، فأقره على ما كان تحت يده من الغنائم ، ثم قلده ديوان الخراج وديوان الجند . وظل شخصًا موثوقًا به عند الخليفة يستشيره في الأمور العظيمة ويعمل بنصائحه وبتدبيره(3).
... فلما ولى أبو جعفر المنصور الخلافة أبقى خالدًا في منصبه مدة فكان خير سند له في تثبيت دعائم حكمه ، وفي إخماد الفتن والثورات(4). كما كانت له جهود بارزة في الإصلاح الإداري ، فهو أول من ثبت الدواوين في دفاتر بعد أن كانت تثبت في صحف(5). وكان أول من سمى المستسمحين الذين يدخلون على الوزير لطلب
العفو والسماح " بالزوار " وكانوا قبل ذلك يسمون بالسؤال ، لأنه كان يستقبح لهم هذا الاسم وفيهم الأحرار والأشراف(6).ويبدو أن لخالد بن برمك دورًا سياسيًا مهمًا في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد والبيعة للمهدي ابن منصور .(1/11)
... إلا أن أبا جعفر عزل خالدًا من جميع مهامه وقلد أبا أيوب سليمان بن مخلد المورياني وزارته . وولى خالد ولاية فارس لمدة سنتين ، ثم عزله عنها بسبب وشاية أبي أيوب المورياني . فصادر أبو جعفر أملاكه وألزمه بدفع ثلاثة ملايين درهم(1). ثم عفا عنه بعد ذلك وولاه الموصل سنة 158هـ / 775 م وظل خالد واليًا عليه حتى توفي المنصور ، فأبقاه عليها ، وكانت وفاة خالد سنة 163هـ / 779م في أوائل خلافة المهدي(2).
... أبو أيوب سليمان بن مخلد المورياني :
... يبدو أن أبا جعفر المنصور استفاد من تجربة أخيه أبي العباس مع وزيره أبي سلمة الخلال ، فعمد إلى إتباع سياسة إدارية صارمة نجحت في تحديد سلطات وزرائه . فبعد أن تخلص من أبي الجهم بن عطية ، وأبعد خالد بن برمك ، تردد المنصور في اتخاذ وزير ، خوفا من تضخم نفوذه . وكان معظم وزراء المنصور في أعمالهم أقرب إلى الكتاب والمساعدين الإداريين منهم إلى الوزراء .
... وفي ذلك يقول صاحب الفخري " فلم تكن الوزارة في أيامه طائلة لاستبداده واستغنائه برأيه وكفاءته ، وكانت هيبته تصغر لها هيبة الوزراء ، وكانوا لايزالون على وجل منه وخوف فلا يظهر لهم أبهة ولا رونق "(3).
... ولعل أبرز من ظهر على مسرح الأحداث من وزراء المنصور هو أبو أيوب المورياني ، وهو فارسي الأصل من مؤريان من قرى الأهواز . وكان ذا خبرة إدارية بشئون العراق ، كما كان ضليعًا في الكيمياء ، والطب والفلك ، والرياضيات ، والسحر ، ولكنه لم يكن متمكنًا في الفقه والشريعة الإسلامية(4).
...
وترجع مقدرة أبي أيوب الإدارية وخبرته بالشئون المالية إلى أواخر العهد الأموي ، فقد عمل كاتبًا لأمير الأهواز سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة(5). كما كان مستخدمًا في الديوان في ولاية يوسف بن عمر ، على العراق في عهد هشام بن عبدالملك(6).(1/12)
... أما عن كيفية اتصاله بالعباسيين ، فقد حدث ذلك عندما كان أبو أيوب كاتبًا لسليمان بن حبيب بن المهلب . عندما قلد سليمان هذا أبا جعفر كورة ايدج بين خوزستان وأصبهان ، كان على أبي جعفر أن يرسل بعض الأموال إليه ، إلا أنه احتجزها لنفسه فقبض عليه سليمان وأمر بضربة ، فخلصه أبو أيوب منه وكان ذلك بداية اتصال أبي أيوب بالمنصور(1).
... وعندما تولي أبو جعفر المنصور الخلافة رأى أن ينتفع بخبرة المورياني الطويلة بشئون العراق الإدارية والمالية ، وفي نفس الوقت مكافئته على ما أسداه إليه من معروف ، فاستدعاه ، وأسند إليه بعض الأعمال . فكان أول عمل إداري لأبي أيوب في خلافة المنصور هو النيابة عن عبدالملك بن حميد ، كاتب المنصور ، في حال غيابه عن مجلس الخليفة . وحدث أن مرض عبدالملك بداء النقرس فلزم داره وقام أبو أيوب بالعمل نيابة عنه ، وقد وفق في أدائه ، مما زاد منزلته عند المنصور ، حتى قلده وزارته ، والإشراف على الدواوين وتدبير شئون الدولة(2). ومما يدل على علو منزلته عند المنصور أنه عين جميع أهله وأقربائه في المناصب الإدارية(3).
... ونفى جواتياين صفات الوزارة وما يترتب عليها من صلاحيات عن أبي أيوب على الرغم من إبرازه حجم قوة مركزه بقوله : " ونستطيع أن نبرز قوة مركز أبي أيوب لو عرفنا حشد الموظفين الذين حشدهم المنصور ليحلوا محله في المهام التي كان يشغلها بعد عزله "(4)، مستندًا في ذلك على رواية الجهشيارى بأن
المنصور بعد عزل أبي أيوب عين ثلاثة مكانه ليقوموا بعمله ، أحدهم للخاتم ، والثاني لشئون الخلافة العامة والمراسلات الخاصة ، والثالث لإدارة ضياعه(5). وحصر جواتياين بذلك عمل أبي أيوب الأساسي في تقديم الخدمات الشخصية للخليفة وتشمل :
? مصاحبة الخليفة في المناسبات العامة .
? العمل كمستشار خاص له .
? النظر في البريد الخلافي ، والإشراف على الإنشاء .
? النظر في ضياع الخليفة الخاصة(6).(1/13)
والحقيقة أن الجهشياري أطلق لقب وزير على أبي أيوب في عدة مناسبات(1)، ولم يحصر سلطاته في المهام التي حددها جواتياين ، إذ ذكر في عدة مواضع الصلاحيات الوزارية التي منحها المنصور لأبي أيوب مثل تقليده للدواوين مع الوزارة . واستطاع أن ينال حظوة كبرى عند المنصور ، وأن يكون له نفوذ في الدولة حتى أنه عين جميع أقربائه في المراكز الإدارية ، إضافة إلى جباية الخراج(2)، كما كان يشارك المنصور في اتخاذ القرارات السياسية ومنها :
... القضاء على أعداء أبي جعفر ، فهو الذي طمأن أبا مسلم الخراساني عندما أراد المنصور أن يتخلص منه ، حتى يتمكن من القبض عليه . كما كان له دور إيجابي في القضاء على عبدالجبار الأزدي وإلى خراسان ، وفي العفو عن سفيان ابن معاوية قاتل عبدالله بن المقفع(3).
... وهكذا نرى أن أبا أيوب لم يكن كاتبًا أو مستشارًا خاصًا لدى المنصور وإنما كان نفوذه وسلطاته أكبر من ذلك بكثير ، حتى أصبح مهابًا عند الخاصة من أهل بيت الخلافة وعند العامة ، فهم يلجئون إليه لقضاء حوائجهم ، وإذا بدرت منهم بادرة يلتمسون العفو من المنصور على يديه .
... استمرت علاقة المورياني بالمنصور وثيقة جدًا إلى أن بدأت سموم الوشاية تعمل عملها في نفس المنصور ، وبدأ المنصور يشك في إخلاص المورياني ، ووفائه له نتيجة لسعاية الربيع بن يونس حاجب
المنصور وأبان بن صدقة كاتب أبي أيوب ، وكان في نفسهما شيء منه . فقد نجح الاثنان في إبلاغ أبي جعفر عن أدق تفاصيل تحركات المورياني وأقربائه الذين عينهم في المناصب لجمع الثروات الضخمة وابتزازهم للأموال .
ويبدو أن المورياني استغل واردات الدولة المالية من جباية وخراج والنظر في ضياع وممتلكات الخليفة الخاصة لصالحه الخاص ، ومن ذلك :
? احتكار لرخص المواد الغذائية في سواد الكوفة والبصرة طمعًا في الربح(4).(1/14)
? أخذه مبلغ ثلاثمائة درهم لإصلاح ضيعة ابن الخليفة ( صالح المسكين ) بالقرب من الأهواز فأخذ المال ولم يصلحها(1).
? المتاجرة باسمه ، ومركزه ، ومن ذلك بيع اسمه لصاحب ضيعة من الأهواز بمبلغ من المال ، يقدر بمائة ألف درهم في كل سنة ، وذلك حتى يرهبه العمال والناس فلا يعتدون على ضيعته(2).
? مشاركته هو وأخوه خالد في الأرباح مع العمال الذين يعينهم على الجباية ، حتى قيل بأن الأموال التي كانت تجمع مع جباية الأهواز كان يذهب نصفها لبيت المال والآخر يذهب إلى بيت مال خالد شقيق أبي أيوب(3).
وعندما تحقق للمنصور سوء تصرفات وزيره وأعوانه وابتزازهم للأموال ، أمر بعزل المورياني عن الوزارة ، كما عزل جميع أقربائه وسجنهم وصادر أموالهم وضيق عليهم سنة 153هـ / 770م . وبقي المورياني في السجن حتى مات في السنة التالية سنة 154هـ / 771م .
... وبعد عزل أبي أيوب قلد أبو جعفر الفضل بن سليمان الطوسي الخاتم ، وقلد أبان بن صدقة ديوان الرسائل ، وقلد صاعدًا مولاه النظر في ضياعه وممتلكاته الخاصة ، كما ولى ديوان خراج البصرة ونواحيها عمارة بن حمزة ، وديوان خراج الكوفة وأرضها عمرو بن كليغ(4).
... وهكذا يبدو أن تولية أبي أيوب المورياني الوزارة كانت تجربة أبطلها المنصور بعد ذلك ، إذ أنه لم يعين أحدًا مكانه ، واستمر كعادته يمارس السيطرة المباشرة على شئون دولته .
... أشهر وزراء مرحلة الاستقرار وأثرهم على النواحي الاقتصادية والسياسية :
1. أبو عبيدالله معاوية بن يسار وأثره على النواحي الاقتصادية :
عرف عهد المهدي بأنه بداية عهد الاستقرار والازدهار للدولة العباسية ، لأن والده المنصور ترك له دولة أمنة مستقرة مليئة خزائنها بالأموال(5). ففي عهده نمت المؤسسات الإدارية ورسخ النظام الوزاري ، فازدهرت(1/15)
نتيجة لذلك الحياة الإدارية ، والسياسية ، والاقتصادية ، وبدأ منصب الوزارة يتخذ معالمه وتتسع صلاحيات الوزراء . وقد منح المهدي الوزراء سلطات واسعة واعتمد عليهم بشكل كبير ، وكان يتم تعينهم وفقًا لكفاءتهم الإدارية والكتابية .
... ومن أشهر وزراء المهدي أبو عبيدالله معاوية بن يسار الأشعري الطبراني ، وهو جد محمد بن عبدالوهاب الكاتب(1)، أصله من فلسطين ، حيث خدمت أسرته الإدارية الأموية ، وكان والده كاتبًا لقائد جند الأردن في طبرية .
... ومن هنا جاءت نسبة الطبراني إلى ابي عبيدالله(2).
... واختار المنصور أبا عبيدالله بن يسار لتربية ابنه المهدي ، وأن يكون كاتبًا له ، يقول صاحب الفخري " أن المنصور كان قد عزم على أن يستوزه ، ولكنه آثر به ابنه المهدي وأوصاه بأن يمتثل لمشورته "(3).
... إن اختيار المنصور أبا عبيدالله معاوية بن يسار لتربية ابنه وولى عهده " المهدي " يرجع إلى خبرة أبي عبيدالله وأسرته في الشئون الإدارية . وكذلك إلى علمه وحسن تصرفه ، فقد نال ابو عبيدالله في صغره نصيبًا كبيرًا من العلوم المختلفة ، مما كان له أثره في حسن تصرفه وإبداعه في تنظيم الشئون الإدارية والمعاملات الاقتصادية . لازم عبيدالله مولاه المهدي طيلة فترة ولايته للعهد ، فقد رافقه في حملته على خراسان سنة 150هـ 767م ، وأقام معه في الري مدة طويلة عمل أثنائها على تدبير شئونه الإدارية والمالية بكل حرية
وكفاءة(4). كذلك استعان به المنصور في أخذ البيعة للمهدي من عيسى بن موسى ، وفي كتابته نص تنازل عيسى بن موسى عن ولاية العهد للمهدي(5).(1/16)
... وبعد وفاة المنصور أخذ أبو عبيدالله البيعة العامة من الناس في بغداد للمهدي . فكان طبيعيًا أن يقلده المهدي وزارته ودواوينه سنة 195هـ / 755م نظير كفاءته وإخلاصه(1). ويعد أبا عبيدالله من أكثر وزراء العصر العباسي إنجازًا من الناحية المالية . فكان على عكس سلفه أبي أيوب المورياني ، شديد الحرص على
بيت المال ، يشير على المهدي بالاقتصاد في النفقة ، وعدم الإسراف(2). كما كان عفيفًا يحب الخير ويحض عليه ، ويعطف على المحتاجين إلا أنه يؤخذ عليه أنه كان شديد التكبر والتيه(3).
... وعلى الرغم من قصر مدة وزارة أبي عبيدالله إلا أنه أنجز عدة إصلاحات إدارية ومالية لم يعمل بها من قبل ، واحتذى بها من جاء من بعده ، يقول عنه أبن طباطبا " أنه كان مقدمًا في صناعته فأخترع أمورًا " . فمن هذه الأمور إصلاحاته الإدارية والمالية والتي منها أنه(4):
... ــ رتب ديوان الخراج وقرر قواعده .
... ــ أول من صنف كتابًا في الخراج وتبعه آخرون بعد ذلك فصنفوا كتب الخراج .
... ــ نظم جباية الأموال .
... ــ نقل الخراج من المساحة إلى المقاسة .
... وقد تم وضع نظام المقاسة سنة 160هـ / 776م ، وكان الخراج يؤخذ بالنقد وعلى مساحة الأرض ، زرعت أم لم تزرع فرأى أبو عبيدالله أن تطور الظروف يستلزم إجراء تعديل هذا النظام . لأن إهمال الولاة الأمويين كان قد أدى إلى خراب السواد وتدهور الزراعة ، فأشار على المهدي بنظام المقاسمة(5). الذي يقوم على جعل أرض الخراج من المساحة على الجريب إلى المقاسمة على الإنتاج ، وكان على النحو التالي :(1/17)
... " النصف على الأراضي التي تسقى سيحًا "(1)والثلث على الأراضي التي تسقى بالدوالي ، والربع على تلك التي تسقى بالدواليب .. ولا شيء عليهم سوى ذلك "(2). أما خراج الكروم والنخيل والشجر فإنه بقي على النظام القديم ، ولكنه روعي فيه القرب من الأسواق والموانئ ، إضافة إلى جودة الحاصول أو رداءته ، فقلل بذلك من عسف الجباة(3).
... ومن ضمن سياسة أبي عبيدالله معاوية بن يسار المالية اهتمامه بتحسين وإصلاح الأراضي الزراعية ، لما للعلاقة الوثيقة بين الزراعة وواردات الخراج وغيره من الضرائب الأخرى . وقد أشار الوزير على الخليفة المهدي بأن تكون نفقات الإرواء من إنشاء شبكات الإرواء والتصريف وبناء السدود ، وعمل القناطر
وسد الشقوق وحفر الأنهار وتقوية الضفاف من بيت المال(4). ويبدو أن هذا النظام لم يستمر طويلاً ، فعندما أمر المهدي بحفر نهر الصلة وإحياء ما على ضفتيه من الأراضي وجعل نفقتها صلة لأهل الحرمين فإن نفقات حفر هذا النهر دفعت من بيت مال المسلمين ، إلا أن المهدي بعد ذلك أمر بمضاعفة الضريبة المفروضة على المزارعين المستفيدين من حفر هذا النهر لمدة خمسين سنة تعويضًا لبيت المال عن تلك النفقات(5).(1/18)
... وكما كانت إسهامات أبو عبيدالله معاوية بن يسار إسهامات عظيمة في خدمة الاقتصاد الإسلامي كذلك كانت كفاءته الإدارية والكتابية . فقد كان المهدي يستعين به أثناء جلوسه للمظالم ، ويشاوره في تعيين ولاة الأقاليم . وكان يخصه بكتابة الرسائل المهمة الصادرة عنه ، فهو الذي كتب إلى الأقاليم نيابة عن المهدي كتاب تنازل عيسى بن موسى للهادي ، وكذلك فعل عندما أخذت البيعة لهارون وليًا ثانيًا للعهد(1). وهو الذي قام بتحرير كتاب يأمر فيه عمال الخراج برفع العذاب عن أهل الخراج الذين كانوا يعذبون بصنوف العذاب من السباع والزنابير عندما لايستطيعون إيفاء ماعليهم من أموال وطالب عمال الخراج بأن يعاملوهم معاملة الغرماء(2).
... ظل أبو عبيدالله معاوية بن يسار ، مقربًا من المهدي ومحط ثقته ، إلا أن شدة تكبره وتخطيه حدود سلطاته ، وتدخله في أمور لا تعنيه نفرت منه الخليفة ، وأصبح عرضة للمنافسين له والوشاة ، ومن لهم
مصلحة في إبعاده عن منصبه . وكان الربيع بن يونس من أشد هؤلاء المنافسين لأبي عبيدالله ، ولم يجد الربيع سبيلاً إلى طعن أبي عبيدالله في شخصه ، وذلك لكفائته وتقدمه في صناعته وورعة ، وتقواه ، ولكنه وجد السبيل إلى ذلك في اتهام أحد أبنائه بالزندقة ، واقنع المهدي بذلك ، فأمر المهدي بقتله وكان ذلك سنة 163هـ / 779م(3).
... وبعد هذه الحادثة صرف المهدي أبا عبيدالله عن وزارته ، مكتفيًا بجعله على ديوان الرسائل ، ثم عزله عن ديوان الرسائل سنة 167هـ / 783م فقلده الربيع بن يونس(4). وما زال أبو عبيدالله يؤدي عمله في بلاط
الخليفة بكل أمانة وإخلاص إلى أن طلب المهدي من الربيع يحجبه عنه استحياء منه بسبب إقدامه على قتل ولده . فانقطع بداره ، واضمحل أمره ولم يطل العمر به إذ توفي سنة 170هـ / 786م(5).
2. يعقوب بن داود وسياسة المصالحة مع العلويين :(1/19)
هو يعقوب بن داود بن عمرو بن عثمان بن طهمان ، مولى بني سليم(1)، فارسي الأصل ، نشأ في بيئة اشتغل أفرادها بالكتابة فقد خدم والده وأعمامه الأمويين ، واشتغلوا كتابًا في الديوان في خراسان حتى ولاية نصر بن سيار . وعرف بشغفه بالأدب وصنوف العلم(2). وبعد قيام الدولة العباسية لم يطمع أفراد هذه الأسرة في خدمة بني العباس ، لاتصالهم ببني أمية وعدم ثقة العباسيين بهم . فتقربوا من آل الحسن واعتنقوا المذهب الزيدي وطالبوا بالخلافة لمحمد بن عبدالله بن الحسن " النفس الزكية " طمعًا في أن يكون لهم دولة يعيشون في كنفها . وكان يعقوب هذا يجول في البلاد منفردًا تارة ، وأحيانًا أخرى مع إبراهيم بن عبدالله في طلب البيعة لمحمد النفس الزكية . فلما قتل محمد وأخوه إبراهيم وفشلت ثورتهما على يد المنصور سنة 145هـ / 762م توارى يعقوب وأخوته . فطلبهم المنصور حتى ظفر بهم وحبس يعقوب في السجن طوال عهد المنصور لأكثر من عشر سنوات(3). وعندما تولى المهدي الخلافة أمر بإطلاق سراحه من السجن بعد أن عفى عن أغلب السجناء السياسيين(4).
... أما عن كيفية اتصال يعقوب بالخليفة المهدي وحصوله على ثقته ، ومن ثم اختياره وزيرًا له ، فقد أرجعتها المصادر إلى أسباب سياسية ، وهي ميول يعقوب العلوية ، وقربه من الشيعة ومعرفته بهم ، ولكنها تختلف في تفسير ذلك(5)، ولكن مهما يكن من اختلاف تفسيرات المؤرخين حول كيفية وصول يعقوب بن داود إلى الخليفة المهدي . فإن جميعها تدل على أن تقريب يعقوب كان له هدف سياسي محدد وهو السعاية بآل علي .
... وبذلك حظى يعقوب برضى الخليفة فأعطاه لقبًا فريدًا من نوعه هو " الأخ في الله " وخط ذلك في خطاباته ومراسلاته الرسمية التي كانت تحفظ ضمن أوراق الخلافة ، وأخرج توقيعات تثبت في الدواوين وأسبغ عليه مبلغ مائة ألف درهم(6).(1/20)
... واستطاع يعقوب في وقت قصير أن يحوز على ثقة الخليفة فكان يدخل عليه وقتما يشاء ويقدم له النصائح في أمر الثغور وبناء الحصون وتقوية الغزاة وتزويج العذاب ، وفكاك الأسرى والمحبوسين والقضاء على الغارمين والصدقة على المتعففين(1).
... ولا شك في أن تلقيب المهدي " يعقوب بن داود " بلقب " الأخ في الله " له مغزاه السياسي . فقد أراد المهدي أن يستغل ظروف يعقوب واتصالاته بالعلويين ، ليكسب جانبهم ويرصد تحركاتهم وأنشطتهم ، وليأنس العلويين بحكمه من جهة ثانية .
... ولتسهيل مهمة يعقوب في سياسة المصالحة مع العلويين منحه المهدي سنة 161هـ / 778م سلطات سياسية كبيرة ، مثل حق تعيين أمناء له في جميع الولايات ، ومنح هؤلاء الأمناء سلطة على الولاة أنفسهم " فكان لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب بن داود إلى أمينه وثقته بإنفاذ ذلك "(2).
ولم يزل أمر يعقوب يرتفع ويعلو عند المهدي حتى استوزره وفوض إليه أمر الخلافة ، أي أنه وزره وزارة تفويض ، وأصدر مرسومًا رسميًا بذلك سنة 163هـ / 779م فازدادت منزلة يعقوب علوًا ، حتى أخذ
يقرب الزيدية وأتى بهم من كل ناحية ، وولاهم مناصب الدولة ليس في العراق وحدها وإنما في جميع الولايات(3).
... على أن سياسة المصالحة هذه لم تأت بالنتائج المرجوة منها ، وذلك لأمور منها :
أولاً : لأن الخلافات بين العلويين والعباسين كانت عميقة جدًا ، فالعلويين لم يستسيغوا سياسة المصالحة كما أنهم لم يثقوا بيعقوب ، واعتبروه شخصًا انتهازيًا ، ولم يسلم عيسى بن زيد نفسه رغم التأكيدات والجوائز والضمانات التي حصل عليها من الخليفة عن طريق المهدي(4).
ثانيًا : أثارت الصلاحيات الكبيرة التي منحها يعقوب لأمناء وموظفي الزيدية عداء أصحاب البريد وولاة الولايات ، فأخذوا يوغرون صدر المهدي على يعقوب ، معللين ذلك بأن ميله للعلويين هو الذي جعله يمنحهم تلك الصلاحيات(5).(1/21)
وبذلك بدأت علاقة المهدي تتبدل تجاه يعقوب شيئًا فشيئًا ، ووجد حساده الفرصة سائحة للتخلص منه خاصة عندما أطلق يعقوب سراح أحد العلويين الذين عهد بهم المهدي لديه ، وهربه(1). فأمر المهدي بسجن يعقوب وطرد جميع أمنائه ، فظل في السجن حتى وفاة المهدي والهادي ، وأطلق سراحه الرشيد بعد أن شفع له يحي بن خالد البرمكي ، فأخرج من السجن بعد أن ذهب بصره وعمى فطلب أن يجاور في مكة ، وأقام بها حتى توفي هناك سنة 187هـ / 803 م . وكانت وزارته للمهدي حوالي خمس سنوات(2).
... وكان يعقوب ينتقد إسراف المهدي ، وتبذيره للأموال ، وكان كثيرًا ما يشير عليه بالاقتصاد في النفقات ، وحفظ الأموال ، ولا يتورع عن وصف عمله صراحة بالسرف قائلاً له في أحد المواقف التي استشاره فيها : " هذا يا أمير المؤمنين السرف " .
... كما أنه ينتقد بعض تصرفاته وجلوسه في مجالس الغناء واللهو وإنفاقه 50 مليون درهم من بيت مال المسلمين على بناء منتزه . وبلغ من ضيقه أن طلب منه إعفاءه من منصبه قائلاً : " ليس على هذا استوزرتني ، ولا على هذا صحبتك ، أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ ، وتسمع السماع(3).
وقد اتهم المهدي بصرف وتبذير جميع الأموال التي ادخرها والده المنصور في خزينة الدولة ، وتقدر بتسعمائة وخمسين مليونًا من الدراهم(4).
البرامكة وزراء الرشيد :
... وفي عهد هارون الرشيد ( 170 ــ 193هـ ) توضحت أعمال الوزارة وتحددت صلاحيات الوزير ، وصارت الدواوين تسجل وتراقب ، ولها أصحاب متخصصون وفروع منسقة . ولعل من أبرز العناصر التي ساهمت في تنظيم الوزارة والدواوين أسرة آل برمك ، التي لعبت دورًا خطيرًا في هذه الحقبة من الزمن . فلقد هيمن على الوزارة يحي بن خالد البرمكي وأولاده ، واستأثروا بالنفوذ والسلطان . ولقد كان لهذه الأسرة أثر واضح وفعال في المجتمع الإسلامي ، مما يستوجب منا أن نلقي الضوء على نشاطها في عصر بني العباس .(1/22)
تؤكد الروايات المختلفة على أن أصول البرامكة يرجع إلى الفرس ، وأن هذه الأسرة كانت لها وجاهة قبل دخولها الإسلام .
... ويقال أنهم اعتنقوا الإسلام على المذهب الشيعي في عصر الدولة الأموية بعد أن فتح المسلمون أواسط آسيا ، وأن برمك أسلم زمن عبدالملك بن مروان وكان رجلا عالمًا بالطب والتنجيم(1).
... وأول من اتصل من البرامكة بالعباسيين هو خالد بن برمك جد هذه الأسرة الذي لعب دورًا مهمًا في النواحي الإدارية في عهد كل من السفاح ، وأبي جعفر المنصور ، وشيء من خلافة المهدي ، حتى توفي سنة 163هـ / 779 م " كما سبق وأن أشرت إلى ذلك " أما أشهر شخصية في أسرة البرامكة فكانت شخصية يحي ابن خالد ، الذي عرف بمهارته وحسن إدارته لشئون الدولة قبل أن يتولى وزارة هارون الرشيد . ذلك أنه حاز على ثقة المنصور فولاه سنة 158هـ / 775 م على " أذربيجان " ، و " أرمينية " قائلاً له " أردتك لأمر من الأمور ، وأخترتك لثغر من الثغور "(2)فبقى واليًا عليها حتى وفاة المنصور .
... وقد ازدادت منزلة يحي شرفًا في عهد الخليفة المهدي ، عندما عهد إليه بتربية ابنه هارون ، فقام بأداء هذه الرسالة خير قيام ، ثم أسند إليه المهدي الإشراف على دواوين هارون ، وجعله كاتبًا له بعد أن ولى المهدي
أبنه الرشيد ولاية المغرب من الأنبار إلى إفريقيا سنة 163هـ / 779 م(3). وقد أستمر يحيى في إخلاصه لهارون طيلة فترة حكم أبيه المهدي ، الذي أراد خلعه من ولاية الحكم ، وجعلها لابنه جعفر من بعده .
... وحرص يحيى البرمكي دومًا على حث هارون على التمسك بحقه في ولاية العهد ، وعدم الاستجابة لرغبة الهادي(4)، وظل يسانده حتى وصل إلى سدة الخلافة ، مزودًا إياه بالخبرات التي كانت تنقصه . ذلك أن هارون ولي الخلافة وهو في مقتبل العمر ، تعوزه الكفاءة والخبرة في إدارة الشئون العامة(5).(1/23)
... وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك عوامل أسرية وعاطفية ربطت هارون بيحيى وأسرته ، فقد رضع هارون من زوج يحيى ، فأصبح أولاد يحيى أخوته في الرضاعة . كما تربى وتهذب على يدي يحيى ، الذي كان يسهر على خدمته وراحته ، معرضًا حياته للخطر ، فنزل بذلك يحي من نفس هارون منزلة عظيمة ، حتى أنه
كان يناديه بـ ( يا أبت ) . وقد عبر على حفظه للجميل الذي أسداه له يحيى ــ حين ثبته على التمسك بحقه إلى أن وصل واعتلى كرسي الخلافة ـــ بقوله عندما بويع بالخلافة سنة 170هـ / 786 م : ( يا أبت أنت أجلستني هذا المجلس ببركة رأيك ، وحسن تدبيرك ، وقد قلدتك أمر الرعية ، وأخرجته إليك فاحكم بما ترى ، واستعمل من شئت ، واعزل من رأيت ، وأسقط من رأيت ، فإنني غير ناظر معك في شيء )(1).
... إذا فلا غرو بعد ذلك وعجب في أن يسلم هارون عنان الأمور في الدولة ليحيى وأسرته حتى قيل أن هارون سلم لهم خاتم الدولة ، فتداولوه بينهم بين سنة 173 إلى 189هـ(2)وبذلك أصبحت ليحيى سلطة تكاد تكون مطلقة ، فكانت له إدارة الدواوين كلها مع الوزارة(3). وكانت الكتب التي تنقذ من ديوان الخراج باسمه ، ولم تكن تنفذ إلا عن الخليفة(4)، وهي بدعة استنها الرشيد تجعل الوزير بمثابة النائب عن الخليفة .
... وقد ساعد يحيى في إدارة شئون الدولة ، ولداه الفضل وجعفر ، مدة سبعة عشر عامًا من 170هـ ــ 187هـ / 786 ــ 803 م وقد باشروا في هذه المدة جميع النواحي الإدارية ، والعسكرية ، والمالية ، والعلمية ،(1/24)
والأدبية(1)حتى أن الفضل كان يلقب " بالوزير الصغير " في حين لقب جعفر " بالسلطان "(2). وبذلك هيمن يحيى وأبناؤه على دولة الرشيد وحياته في بداية عهده ، حتى أنهم كانوا يقيمون معه في قصر الخلد(3). لهذا فإن جميع الأمور التي كانت تجرى باسم الرشيد في بداية عهده طبعت بطابع البرامكة ، فهم الذين يديرون أمور الدولة ، وهم الذين يحلون المشاكل وهم الذين يتصدون للأعمال ، في حين أن الرشيد حرر نفسه من جميع هذه المسئوليات الإدارية ، وتسلم قيادة الجيوش لمحاربة البيزنطيين .
... وبينما كان اهتمام الرشيد منصبًا على تأمين الحدود الشمالية مع البيزنطيين ، كان يحي يشرف على الأمور الداخلية ، ويستقل تدريجيًا عن الخليفة في الرأي ، ويختار بنفسه معاونيه في الإدارة ، ويهيمن عن كتاب الدواوين ، ويراقب أعمالهم في الدواوين المركزية(4)، حتى قيل ( إنه كان بدار الرشيد من ولد يحيى بن خالد
خمسة وعشرين رئيسًا من بين صاحب قلم(5). أما ولاة الأقاليم فكان يعينهم بعد أن يكتفي ظاهريًا باتباع الخليفة )(6).
... من ذلك أنه عين ابنه الفضل سنة 176هـ / 792م على ولاية المشرق ، وهي الجهات الواقعة غربي إيران " منطقة الجبال ، طبرستان ، أرمينية طوسن وأذربيجان " لأن الأوضاع لم تكن مستقرة بها ، خاصة بعدما التجأ إليها يحيى ابن عبدالله العلوي الذي فر من موقعة فخ سنة 169 هـ / 785 م وقام بثورته في بلاد الديلم في بحر قزوين سنة 175هـ / 791 م(7). وقد نجح الفضل بعد فترة قصيرة في إخماد نيران هذه الثورة باللين ، ودون سفك دماء ، بعدما أقنع يحيى بقبول الصلح ، وكتب له الرشيد أمامًا بشهادة القضاء والفقهاء . وكان أن سلم يحيى نفسه ، وحمله الفضل إلى الرشيد . فازدادت بذلك منزلة الفضل علوًا لدى الرشيد الذي أكرمه أشد إكرام ، وأجزل له العطاء(8).(1/25)
... وفي سنة 177هـ / 793 م أضيفت خراسان إلى ولاية الفضل من أجل تجنيد قوات جديدة ، إلا أنه لم يذهب إليها حتى سنة 178هـ / 794 م(1). وقد استطاع الفضل خلال فترة ولايته القصيرة على المشرق أن
يقوم بأداء مهمته خير قيام . وبفضل جهوده وسياسته الحكيمة وصلاته الواسعة نجح في إقناع أمراء المنطقة المحليين ، وجماعة الدهاقين ، في إعداد الجند المطلوبين . فكون جيشًا عظيمًا قومه 50000 ألف جندي أطلق عليه اسم " العباسية " ، أرسل منهم عشرين ألفًا إلى بغداد وأبقى الباقين في خراسان(2). ويبدو أن الفضل أراد أن يجعل من العشرين ألف جندي الذين أرسلهم إلى بغداد جيشًا خاصًا به وبأسرته يحميهم ويأتمر بأمرهم ، ويقف في وجه الفئة الأخرى من الجند ، وهم الأبناء الذين كانوا معروفين بعدائهم لسياسات البرامكة(3).
... والواقع إن الفضل أولى اهتمامًا بالغًا لمنطقة خراسان والمشرق أثناء ولايته عليها ، فهو بالإضافة إلى تكوينه جيش العباسية زاد رواتب الجند وبنى مساجد ورباطات كثيرة ، وحفر قناة بلخ ، وأمر بهدم معبد النوبهار ، فلم يقدر عليه لإحكام بنائه فهدم منه جزءًا بنى عليه مسجدًا . وأرسل حملة بمساعدة الدهاقين لفتح بلاد كابل فاقتحمها ، وغنم منها غنائم كثيرة . وقاد حملة ضد مملكة أشروسنة . ومما يدل على عظم مكانة الفضل في خراسان انه استطاع أن يعلن ولاية العهد لمحمد ابن الرشيد ، ويلقبه بالأمين ، ويأخذ البيعة له من
الخراسانين ، قبل أن يتمكن الرشيد من فعل ذلك في بغداد(4). وهذا يعني أن إعلان ولاية العهد للأمين تمت في المناطق الشرقية أولاً بفضل تدبير الفضل ، ومن ثم أعلنت البيعة في بغداد والمناطق الأخرى رسميًا رغم معارضة الكثير من الهاشميين .(1/26)
... وبهذا يتضح الدور السياسي والإداري الجاد الذي مارسه الفضل في البلاط العباسي . وقد يرجع ذلك لطبيعته الجدية فقد أثر عنه أنه كان لا يشرب النبيذ ، وكان يقول لو علمت أن الماء ينقض من مروءتي لما شربته(1).
... كذلك عهد يحيى لابنه جعفر بولايات عدة ، ولكنه لم يذهب بنفسه إلى هذه الولايات ، وإنما كان يرسل إليها من ينوب عنه . ففي سنة 176هـ / 792 م ، ولى جعفر على المغرب كله من الأنبار إلى أفريقية بما فيها مصر ، فلم يذهب إليها وولاها من قبله عمر بن مهران كاتب الخيزران(2).
... وفي سنة 180هـ / 796 م ولى على خراسان فانتدب محمد بن الحسن بن قحطبة لينوب عنه فيها(3). وفي نفس السنة أرسل جعفر إلى الشام لتهدئة العصبية القبلية التي هاجت بين أهلها ، وتفاقم أمرها ، فاستطاع جعفر أن يضع حدًا للاضطرابات فسكنت الفتنة ، بعد أن أدب المتمردين ونزع السلاح من القبائل وأعاد الأمن إلى المنطقة(4).
... ويبدو أن هذه هي المرة الوحيدة التي أدى فيها جعفر مهمة خارج مدينة السلام . فقد اقتصر عمل جعفر على ملازمة الرشيد ومنادمته لسماحة أخلاقه ، فكان لا يفارقه أبدًا . وقد عبر جعفر للرشيد عن حزنه العميق لبعده عنه فترة ذهابه إلى الشام لتهدئة الأوضاع فيها(5). ولعل إيثار الرشيد له وثقته به جعلته أكثر البرامكة نفوذًا ذلك أن الرشيد أشركه معه في كثير من المهام الخاصة ، والتي تعد من واجبات الخليفة الرئيسية ، كالنظر في المظالم ، والإشراف على البريد ودور الضرب وصك العملة ، والطرز في جميع المناطق ، بل أكثر من ذلك ظهر اسم جعفر مكتوبًا على كل القطع النقدية في المشرق والمغرب(6).
...(1/27)
كذلك عهد الرشيد إليه بتربية وتأديب ابنه عبدالله المأمون ، كما عهد من قبل بتربية ابنه محمد الأمين إلى الفضل فتمكن بذلك جعفر من الحصول على الوصاية على المأمون ، وأشار على الرشيد بتوليته العهد بعد أخيه الأمين ، وكان له دور في تثبيت حق المأمون وكتابة العهد وتعليقه في جوف الكعبة(1).
... وهكذا يبدو أن ظرف ، وفصاحة ، وذكاء وتأدب جعفر ، وسهولة أخلاقه جعلته أكثر حظًا على الرشيد من بقية أخوته ، وأكثر إدلالاً ، وقد أبدى والده يحيى للرشيد مخاوفه من الصلة الشخصية التي كانت تجمع بينه وبين ابنه جعفر قائلاً له " يا أمير المؤمنين ، إني أكره مداخل جعفر ، ولست آمن من أن ترجع العاقبة علي في ذلك منك ، فلو أعفيته واقتصرت على ما يتولاه من جسيم أعمالك لكان أحب إلي ، وآمن عليه عندي "(2).
... ولكن منادمة جعفر للرشيد في مجالسه ، وبقاءه في بغداد بالقرب منه لم تمنعه من أداء الأعمال الموكولة إليه على خير وجه . وقد عرف عن جعفر أنه كان فصيحًا بليغًا لبقاً عالمًا بالآداب ، والتاريخ والفقه ، لأن أباه
كان قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف الحنفي ليعلمه ويفقهه(3). وقد ذكر عنه أنه فصل في يوم واحد ، عندما كان يجلس للمظالم مع الرشيد ، في ألف قضية خاصة ، ووقع عليها ، ولم يخرج في شيء منها عن أحكام الفقه ، ولم تكن أي واحدة منها ضد العدالة(4).
... على أن أهم ما يميز سياسة يحيى وأبنائه هي سياستهم المالية ، فقد أتسمت هذه السياسة بدقة شديدة لا تنظر إلا في مصالح الخزينة المركزية التي امتلأت بثروات ضخمة لا تقدر بثمن . ولعل أكبر دليل على نجاح سياستهم المالية في ملأ خزينة الدولة بالأموال الطائلة هي قائمة الخراج التي أوردها الجهشياري في كتابه الوزراء(5).(1/28)
... ذلك أن البرامكة اتبعوا أساليب صارمة في جمع الضرائب لتعويض ما لحق بالخزينة من خسائر أيام خلافة المهدي ، وإن كانت الضرائب في أحيان كثيرة تجمع بطريقة تعسفية غير شرعية . ففي بداية وزارة يحيى فرضت ضريبة العشور الإسلامية على معتنقي الإسلام في السواد ، إضافة إلى ما كانوا يدفعونه بناء على نظام المقاسمة الذي عمل به في أيام المهدي . ولما كان ذلك يعني عقوبة على اعتناق الإسلام فإنه سرعان ما أبطل(1). ومن أساليبهم المتشددة في جمع الضرائب أنهم كانوا يطالبون الناس بدفع الضريبة كاملة مع جميع المتأخرات " البقايا " فتولى مطالبتهم في دار السلام عبدالله بن الهيثم بن سام ، الذي لم يتوان عن استخدام القوة التي تصل أحيانًا إلى التعذيب ، وذلك لإجبارهم على دفع الضرائب أو البقايا ، كما عينوا من أجل ذلك في جميع الولايات موظفين للقيام بهذه المهمة(2). ففي اليمن مثلاً أقام حماد البربري فيها ثلاث عشرة سنة ، وسام أهلها سوء العذاب حتى صاح قوم منهم بالرشيد وهو بمكة : اعزل عنا حمادًا البربري ، إن كنت تقدر . فامتنع الرشيد عن عزله في البداية ، ولكنه ما لبث أن عزله بعد ذلك . والظاهر أن عزله تم بعد القضاء على البرامكة(3).
... وفي الموصل استطاع يحيى بن سعيد الحرشي تحصيل جميع المتأخرات إلى جانب الضرائب التي فرضت على الدواجن والماشية ، فبلغت ستة ملايين درهم(4). وفي أذربيجان التي تم إعفاء أهلها من دفع(1/29)
الضريبة على أراضيهم تشجيعًا لهم للاستطيان في المناطق الحدودية صاروا يطالبون من قبل عمال البرامكة بدفع هذه الضريبة(1). وطالت هذه الإجراءات المشددة شمال أفريقية فلم ينج أهلها من صرامة البرامكة وموظفيهم . ومن أجل ضمان ولاء أفريقية ، عين البرامكة هرثمة بن أعين حاكمًا عليها . وكان هرثمة من أهم الشخصيات العسكرية التي ترتبط برباط وثيق مع البرامكة ، وجعلوا تحت قيادته عددًا من جند العباسية ، الذين كان الفضل بن يحيى قد جندهم من الشرق ، فوصلها سنة 178هـ / 794 م وعمل على تهدئة الأوضاع بها(2). فلما بلغ طرابلس أعطى جندهم أرزاقهم الفاتنة وآمنهم وعمل مثل ذلك في القيروان التي وصلها سنة 179هـ / 795 م وبعد أن استقرت الأوضاع في أفريقية رجع هرثمة إلى العراق سنة 181هـ / 797 م فأستخلفه جعفر بن يحيى البرمكي على الحرس(3).
... وقد اضطربت الأوضاع في أفريقية بعد عودة هرثمة ، ووجدت حكومة بغداد صعوبة في الاحتفاظ بها ، وحكمها حكمًا مباشرًا بسبب المنافسات بين القوات المجندة من البربر والعرب في المنطقة ، والقوات الخراسانية من جهة وتوسعات إدريس بن عبدالله العلوي الذي أراد فرض سلطانه على المغرب كله من جهة
أخرى(4)فقرر الرشيد ــ ووزراؤه البرامكة بعد مشاورة هرثمة بن أعين ــ إبقاء جند العباسية الذين تركهم هرثمة هناك بصورة دائمة ، وتعيين إبراهيم بن الأغلب واليًا عليهم ، والاعتراف به أميرًا مستقلاً استقلالاً ذاتيًا ، على شرط أن تستغنى ولاية أفريقية عن المعونة المالية التي كانت تدفع من مصر ، وتقدر بحوالي مائة ألف دينار سنويًا ، وأن يدفع مقابل ذلك أربعين ألف دينار سنويًا إلى خزينة الدولة في بغداد(5). وكان هذا الإجراء بدون شك كسبًا جديدًا لخزينة الدولة .(1/30)
... وبينما انتهج البرامكة سياسة شديدة في جمع الضرائب في كافة أنحاء الدولة في عهد الرشيد ، نراهم يتعاطفون مع أهل المشرق ، خاصة في جمع الضرائب . فالفضل بن يحيى لكي ينجح في تجنيد القوات العسكرية التي عرفت باسم " العباسية " زاد في أعطيات الجند والقادة ، ووصل الكتاب بعشرة آلاف درهم . ولكنه عندما وجد أن هذه العطاءات التي بذلها للجند والقواد والكتاب غير كافية عمل على إحراق دفاتر البقايا ،
أي عمل على إلغاء متأخرات الضرائب كلها وإلى إحراق السجلات حتى لا يُطالبوا بهذه المتأخرات بعد ذلك(1).
... وهكذا أدت سياسة البرامكة المالية الصارمة إلى امتلاء خزينة الدولة بالأموال ، مما رفع من شأنهم في نظر الرشيد . وكما عمل البرامكة على ملىء خزينة الدولة عملوا أيضًا على ملىء خزينة الرشيد الخاصة ، وذلك عن طريق مصادرة الأراضي المهجورة التي تركها أصحابها بسبب عبء الضرائب ، وأراضي بني أمية ، حتى ممتلكات بعض أفراد العائلة العباسية التي مات عنها أصحابها صادروها وأضافوها إلى خزائن الرشيد وعائلته(2).
... وإلى جانب ذلك خص البرامكة أنفسهم بثروات هائلة ، ولم يحرموا أنفسهم ولا أصحابهم من هذا النشاط لابتزاز الأموال ، فهم يمتلكون أحسن البقاع ، وأجمل الأبنية ، وهذا جعفر يعمر قصرًا في بغداد أنفق عليه أموالاً طائلة تقدر بعشرين مليون درهم(3). وذكر أنه كانت لديه بركة في داره أخفى فيها أربعة آلاف دينار ، وزن كل دينار مائة دينار ودينار(4). وكان للبرامكة ممتلكات وأراض كثيرة في البصرة ، وقيل إنهم كانوا لا يتورعون عن إبدال قنوات المياه لتنظيف بعض الأراضي السبخة العائدة لهم دون التفكير في الأذى الذي(1/31)
يصيب الأراضي الأخرى(1). وقد بلغت وأرادت البرامكة السنوية من الأموال ثلاثين مليونًا وستمائة وستين ألف دينار غير ضياعهم ودورهم(2). وعن طريق هذه الثروات الضخمة التي حصلوا عليها استطاعوا أن يكونوا علاقات ممتازة مع الخاصة والعامة ، وذوي الحاجات عن طريق الهبات والأعطيات التي كانوا يعطونها بسخاء ، حتى كثر على أبوابهم أصحاب الحاجات وتغنى بهم الشعراء . والظاهر أن علاقاتهم الجيدة مع الخاصة والعامة هي التي حدت من انتقادات الجماهير لهم ولأعمالهم .
... وهكذا ظلت أسرة البرامكة تدير أمور الدولة وتحتل المنزلة العظيمة لدى الرشيد لمدة سبعة عشر عامًا ، وإن تفاوتت هذه المنزلة في هذه المدة ، حتى حصل الانقلاب الخطير في سياسة الرشيد تجاههم ، فأمر بقتل جعفر في صفر سنة 187هـ / فبراير 803 م وسجن يحيى والفضل ، وقبض على أموالهم وعقاراتهم
وضياعهم بالعراق(3). وغلى الرغم من أننا لانعرف تفاصيل الوضع الذي أدى إلى هذا الإنقلاب ، لأن الرشيد نفسه تكتم في إظهار ذلك ، فأفسح بذلك المجال أمام الرواة والمؤرخين ومن تعرض لتاريخ هذه الأسرة بأن يؤولوها تأويلات وصور مختلفة .
... وقد أتهم البرامكة بأن لهم ميولاً علوية ، فهم يؤثرون مصلحة العلويين على مصلحة الرشيد . وهي تهمة عند العباسيين أشد من تهمة الزندقة التي أودت بحياة ابن وزير المهدي . ذلك أن هذه التهمة تشكل خطرًا جسيمًا على سلامة الدولة . وقد استغلت حادثة إطلاق جعفر البرمكي سراح الثائر يحيى بن عبدالله العلوي أسوأ استغلال من قبل أعداء البرامكة . وهناك عدد من الروايات التي تحاول إثبات انحياز البرامكة إلى العلويين وأنهم يفضلون أن يعتلى عرش الخلافة واحد منهم(4). وهي روايات يصعب على الباحث المدقق تصديقها ، لأن البرامكة لم يكونوا لينالوا تلك المنزلة الرفيعة الني حصلوا عليها في عهد الرشيد لو تولى أحد العلويين عرش الخلافة .(1/32)
... ويمكن القول بأن موقف البرامكة المتميز بالمرونة والعطف تجاه العلويين كان يتماشى تمامًا مع المناخ الفكري والسياسي في أواخر عهد الرشيد ، والذي كان يمثله حلقات المثقفين ويشجعه البرامكة ، بعقدهم الندوات والاجتماعات لسماع الآراء والمناقشات الفكرية المختلفة . ذلك المناخ الذي تميز بالتسامح والمرونة تجاه العلويين(1).
... ونحن في الحقيقة لسنا بصدد ذكر الأسباب التي أدت إلى نكبة البرامكة والتي لم يخلُ من ذكرها كتاب من كتب التاريخ .
... وقد تولى أمور بلاط الرشيد ــ بعد نكبة البرامكة ــ الفضل بن الربيع ، الذي حاول قدر المستطاع أن ينال مركزًا أو حظوة مثل ما ناله البرامكة ، ولكن دون جدوى فهو لم يكن على مستوى البرامكة في الكرم ، ولا في ذكائهم ، أو سعة نفوذهم ولا حسن تدبيرهم(2). ولا شك في أن القضاء على هذه الأسرة كان خسارة على الدولة العباسية وخاصة من ناحية النظم الإدارية .. فقد أورد المؤرخون روايات عديدة عن الفراغ الذي تركه البرامكة بعد القضاء عليهم .
... وقد ندم الرشيد على إيقاعه بالبرامكة لما رآه من إهمال عماله وموظفيه الذين لم يستطيعوا سد ماتركه البرامكة من فراغ في جميع مناحي الدولة وأثر عنه قوله ( لا آمن الله من أغراني بقتل البرامكة ، مارأيت رخاء بعدهم ، ولا وجدت لذة ولا راحة )(3). وخاطب جماعة من خواصه بأنه لو وثق بصفاء نيتهم لأعادهم إلى مناصبهم وإلى مكانتهم التي كانوا عليها . وكان يقول ( حملونا على نصائحنا وكفاتنا ، وأوهمونا أنهم يقومون مقامهم فلما صرنا إلى ما أرادوا منا لم يغنوا عنا شيئًا )(4).
... وقد شغل الفضل بن الربيع المكانة الأولى في بلاط الرشيد بعد اختفاء البرامكة عن المسرح السياسي . وبعد موت الرشيد أصبح من أبرز شخصيات حزب الأمين في الفتنة التي حدثت بينه وبين أخيه المأمون ، وعينه الأمين وزيرًا له .
... ...
وزارة الفضل بن سهل وأثرها في تأسيس خلافة المأمون :(1/33)
... لم ينته دور البرامكة بنكبتهم وإنما تركوا في الإدارة ربائبهم وصنائعهم وهم آل سهل ، وهي أسرة فارسية تنسب إلى بلدة سرخس في خراسان(1). وكان سهل بن زادا نفروخ ــ أب هذه الأسرة ــ من أبناء ملوك فارس المجوس ، أسلم في أيام الرشيد ، واتصل بيحيى البرمكي وعمل قهرمانا له ، وكان ذلك بداية اتصال آل سهل بالبرامكة(2). ثم أحضر سهل أبنية الفضل والحسن وقدمهما للبرامكة وعرفهما بيحيى بن خالد ، الذي أعجب بالفضل وذكائه وطموحه وعمق فهمه ، خاصة عندما نقل له كتابًا من الفارسية التي كان يتقنها إلى العربية ، وطلب منه أن يعتنق الإسلام حتى يستطيع أن يدخله في خدمته . فوافق الفضل وأسلم على يد المأمون سنة 190هـ / 806 م . ومن ذلك الوقت أصبح أبناء سهل ملازمين للبرامكة في خدمتهم ويأخذون عنهم أمور السياسة والإدارة ، حتى نكب البرامكة ، فلزم الفضل المأمون وعمل كاتبًا ومستشارًا له(3).
... وقد اتصف الفضل بن سهل بالذكاء وشدة الطموح فاسترعاه اتزان المأمون وتعقله ونجابته فتوقع له الخلافة ، فلازمه من أجل ذلك في حياة أبيه . وبعد وفاة الرشيد لعب دورًا سياسيًا في ضم الخلافة إليه ، لأنه كان يعلم تمامًا بأنه لن يكون له شأن وأسرته وحزبه ، إذا آلت الخلافة إلى أخيه المأمون .(1/34)
... وأكبر دليل على شدة طموح الفضل وإصراره على ضم الخلافة إلى المأمون هو تحريضه للمأمون على الذهاب إلى خراسان في معية والده الرشيد سنة 192هـ / 808 م لمواجهة ثورة رافع بن الليث . محذرًا إياه عن البقاء في بغداد مع أخيه الأمين ، لأنه كان يعلم أن الرشيد مريض وقد يواتيه الأجل وهو في طريقه إلى خراسان ، فيخلعه الأمين من ولاية العهد(1). وقد أثبتت الأحداث بعد نظر الفضل بن سهل ؛ إذا لم يمض وقت طويل حتى توفي الرشيد في الطريق ، ودفن في مدينة طوس سنة 193هـ / 809 م(2)، وبدات بوادر النزاع تظهر بين الأخوين الأمين والمأمون . وكان الرشيد قبل خروجه إلى خراسان قد استخلف على بغداد ابنه الأمين ، وجعل معه يحيى بن سليم يدبر أموره ، فاصطحب معه إسماعيل بن صبيح ، وأيوب بن أبي سمير والفضل بن الربيع ، وجعل الفضل بن سهل على كتابه المأمون والقائم على أموره(3). وبعد أن وصل الرشيد إلى طوس وقبل وفاته بعشرين يومًا أرسل ابنه المامون إلى مرو ، ومعه قسم من الجند لمحاربة رافع بن الليث ، بينما بقي هو ووزيره الفضل بن الربيع وبقية الجيش والأموال في طوس . وعندما أحس بدنو أجله أوصى أن يسير بقية الجيش إلى المأمون لمساعدته .
... ولم ينفذ الفضل بن الربيع ولا قادة الجيش وصية الرشيد ، بل غادروا طوس إلى بغداد لاحقين بالخليفة الجديدة الأمين . وقد تذرع الفضل بحجة أنه لا يدع ملكًا حاضرًا لآخر لا يدري ما يكون من أمره(4). فلما علم المأمون بذلك غضب وجمع من معه من قواد أبيه وشاورهم فأشاروا عليه بقتالهم وردهم إليه . وخالفهم الفضل بن سهل ، وقال للمأمون : بعدم استخدام القوة وإرسال وفد إلى الفضل بن الربيع يذكره بالبيعة ويطالبه بالوفاء لوصية أبيه(5).(1/35)
... وبذلك بدأ يظهر دور الفضل بن سهل على أنه المحرك الأساسي للفتنة التي وقعت بعد ذلك بين الأخوين الأمين والمأمون ، حتى أن بعض المؤرخين يرجعون جميع ما حدث من أحداث في تلك الفترة إلى الفضل ، ويغيبون دور المأمون تمامًا(1). والحقيقة أن المأمون كان موفقًا بوجود الفضل بن سهل وأخيه الحسن في خدمته ، وهم الذين تدربوا على يد البرامكة . وكما وقف يحيى البرمكي خلف الرشيد حينما أراد أخوه الهادي خلعه من ولاية العهد ، وقف الفضل بن سهل خلف المأمون وسانده وأزره في ساعات ضعفه حاثًا له على
التمسك بحقه في ولايته مطمئنًا له بقوله : ( فكيف بك وأنت نازل في أخوالك ، وبيعتك في أعناقهم . اصبر وأنا أضمن لك الخلافة )(2).
... وقد عرف له المأمون فضله ومنحه سلطات واسعة لإدارة أمور المالية والحربية في هذه الفترة المبكرة والحرجة من أمارته على خراسان ، فأقدم الفضل على خفض نسبة الضرائب في المنطقة على الربع مما كان له أكبر الأثر في ولاء الأهالي والتفافهم حول المأمون بقولهم : ( ابن اختنا وابن عم نبينا )(3). ونتيجة لهذه السياسة المالية المتسامحة ، وبما كان لآل سهل من صلات مميزة مع أمراء المنطقة ، استطاع الفضل أن يجند عددًا كبيرًا من الجند الخراسانيين وأن يُبرز على الساحة قادة جدد من أبناء المنطقة ، أمثال طاهر بن الحسين ، الذي قاد قوات المأمون لمحاربة بغداد فيما بعد .
...
وتظهر الروايات المتعددة براعة الفضل ودهائه وحسن إرادته في تثبيت مركز المأمون أمام مكائد أخيه الأمين الذي عزم على خلعه . ففي سنة 195هـ / 810 م عندما خلع الأمين المأمون من ولاية العهد ونهى عن الدعاء له على المنابر ، رد الفضل بن سهل على هذا الإجراء بأن أطلق على المأمون لقب " إمام " توطيدًا لسلطته بإضفاء صفة دينية عليه .(1/36)
... وبعد ذلك حشد الفضل بن سهل الجيوش الكبيرة من أهالي خراسان الذين توافدوا من كل صوب وحدب ، وجعل على قيادتهم طاهر بن الحسين ، بعد حصوله على امتيازات عديدة ، وسارت الجيوش متجهة إلى الري(1). ومن ناحيته أشرف الفضل بن الربيع على تجهيز وإعداد جيش الأمين ، وجعل على قيادته عليًا بن عيسى بن ماهان ــ أحد أبرز رؤساء الأبناء ـــ بعد أن عقد له على كور الجبل كلها نهاوند ، وهمذان ، وقم ، وأصفهان(2). وقد بالغ الفضل بن الربيع في تجهيز الجيش بالعدة والسلاح ، وأعطى الجند مالاً عظيمًا ، كما أجزل العطاء لقائده على بن عيسى فأعطاه مائتي ألف دينار ، وأعطى ولده خمسين ألف دينار(3).
... وقد أثار تعيين على بن عيسى بن ماهان على قيادة الجيش الموجه لمحاربة المأمون الغضب الشديد في نفوس الخراسانيين ، لأنهم لم ينسوا ظلمه وسوء معاملته لهم عندما كان واليًا على خراسان في عهد الرشيد ، فأصروا على محاربته والاستماته في قتاله . وقيل إن للفضل بن سهل يدًا في تعيين علي بن عيسى بن ماهان إذ أوعز إلى أحد عيونه وجواسيسه في بغداد بأن يزين للفضل بن الربيع تعيين علي بن عيسى على قيادة الجيش ، لأن هذا التعيين سوف يثير أهالي خراسان ضده لبغضهم وكرههم له(4).(1/37)
... زحف علي بن عيسى بجيشه البالغ أربعين ألفًا ، وقيل خمسين ألفًا من الأبناء والأعراب إلى الري ، حيث التقى بجيش طاهر(1). وقد بدأ تفوق جيش الأمين واضطراب بعض ملوك خراسان في تلك الفترة مما آثار أمام المأمون موقفًا صعبًا حتى أنه فكر جديًا في الهرب واللجوء إلى ملك الترك والتخلي عن الخلافة ، لولا مساندة الفضل بن سهل الذي أشار عليه أن يمنح بعض هؤلاء الملوك الاستقلال الذاتي ، وأن يتنازل لبعضهم عن الجزية ، وأن يتودد للبعض الآخر بالهدايا والتحف كما نصحه بالتريث فإن نجحت خططه مع الثائرين عليه من ملوك المنطقة وانتصرت قواته على قوات أخيه فذلك الذي يأمل وإلا فليلتجئ إلى ملك الترك(2).
... وكان لهذه النصائح وقعها في قلب المأمون ، ونجحت خطط الفضل بن سهل ، فهدأت ثائرة الملوك العجم ، وانتصرت قواته على قوات أخيه في الري انتصارًا ساحقًا ، وقتل علي بن عيسى ، وتراجع جيشه إلى بغداد في حالة سيئة ، فلما وصلت رسل طاهر إلى الفضل بن سهل تخبره بالنصر دخل على المأمون وسلم عليه بالخلافة ولقبه بأمير المؤمنين(3).
... وبعد مقتل علي بن عيسى بن ماهان أرسل الأمين جيشًا آخر بقيادة عبدالرحمن بن جبلة الأنباوي يقدر بحوالي عشرين ألفًا من الأبناء(4). كما أدرك المأمون المصاعب التي يواجهها طاهر فأرسل له فرقة قوية من جند العباسية بقيادة هرثمة بن أعين الذي كان أحد قواد الرشيد(5). فتقابل الفريقان في همذان واقتتلوا ، ولم يزل يقاتل حتى قتل(6).(1/38)
... وعندما بلغ المأمون ، خبر هزيمة عبدالرحمن بن جبلة ومقتله ، رفع من منزله الفضل بن سهل ، وجعله مسئولاً أمامه عن الإدارة المدنية والعسكرية لكل الممتدة من همذان إلى التبت ، ومن الخليج إلى بحر الديلم ( بحر قزوين ) ، ولقبه " ذو الرئاستين " أي رئاسة الحرب ورئاسة التدبير ، وجعل عمالته ثلاثة ملايين درهم في السنة . وكان ذلك في رجب سنة 195 هـ / 810 م وهو التاريخ الذي أصبح فيه الفضل بن سهل وزيرًا رسميًا للمأمون ، كما أطلق عليه لقب " الأمير " في حين ولي أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج(1).
... ثم تابع الأمين بعد ذلك إرسال الجيوش لمنع طاهر بن الحسين من الزحف إلى بغداد فوجه أحمد بن مزيد الشيباني في عشرين ألف رجل من الأعراب ، وعبدالله بن حميد بن قحطبة في عشرين آخرين من الأبناء(2). ثم اتبع ذلك بمحاولة أخرى يائسة لإنقاذ جيشه من الهزائم المتتالية بأن عين عبدالملك ابن صالح على الشام والجزيرة يستعين بجنودها ، ولكن هذه المحاولات ذهبت سدى ، ولم تواجه جيوش طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين ــ وهما في تقدمهما نحو العراق ــ مقاومة تذكر وحاصرا بغداد حصارًا شديدًا وضيقًا على أهلها الذين قاوموا الحصار لعدة أشهر ، ومن بينهم الأبناء الذين كانوا يدافعون عن مدينتهم بضراوة لشعورهم بأنهم يخوضون معركتهم الأخيرة . وعندما شعر الفضل بن الربيع بضعف موقف الأمين هرب تاركًا خليفته يلقى مصيره وحده . وفي ذلك يقول المسعودي ( واستتر لما تبين من اختلال أمر محمد ووهاء أمره فقام بوزارته من حضر من كتابه كإسماعيل بن صبيح )(3).(1/39)
... ولكن يبدو أن طاهر وهرثمة لم يكونا متفاهمين حتى في فترة الحصار الشديدة . فهرثمة كان يريد نوعًا من التفاهم مع أهالي بغداد المحاصرين ، بينما كان طاهر معارضًا هذه السياسة . والواقع أن الأمين عندما أحس بسوء التفاهم هذا حاول استغلاله لصالحه ، فأرسل إلى هرثمة بطلب الأمان ، فأجابه هرثمة إلى ذلك وأقسم له أن يقاتل دونه إن أراد المأمون التخلص منه بقتله . على أن الأمين لم ينجح في الوصول إلى معسكر هرثمة ، إذ غرق قاربه في النهر وقتل على يد جنود طاهر ، واجتز رأسه ، وأبلغ بذلك المأمون الذي أصبح خليفة دون منازع(1).
... وفي هذه الأثناء وجه المأمون ؛ بإيعاز من الفضل بن سهل ، الحسن بن سهل إلى بغداد لينوب عنه ، بعد أن عينه واليًا على ما افتتحه طاهر من كور الجبال ، والعراق ، وفارس ، والأهواز ، وكذلك الحجاز واليمن .
وبينما أبعد طاهر بن الحسين إلى الجزيرة الفراتية بحجة قمع ثورة نصر بن شبث العقيلي ، كما أمر هرثمة بن أعين بالتوجه إلى خراسان(2). وعمل في الوقت نفسه على إبقاء المأمون في مرو ، وقطع الأخبار عنه ، وعاقب من حاول إخباره بما يجري في بغداد ليصرف الأمور حسب سياسته المخطط لها(3).(1/40)
... على أن تعيين الحسن بن سهل على العراق لقي معارضة شديدة من العراقيين عامة ، وأهل بغداد خاصة بما فيهم الأبناء ، الذين أدركوا أن تعيين الحسن بن سهل واليًا ونائبًا عن المأمون في بغداد معناه القضاء على نفوذهم وسلطاتهم ، ومكانتهم ، التي ظلوا متمتعين بها لسنوات عديدة . كذلك أثار بقاء المأمون في مرو واتخاذها عاصمة له ووقوعه تحت تأثير الفضل بن سهل غضب الهاشمين في العراق من عباسيين وعلويين ، فعمت الفتن والاضطرابات في أغلب مناطق الدولة العباسية . وأدى موقف الأبناء العدائي وأهالي بغداد من الحسن بن سهل وجيشه إلى إرغامه على ترك بغداد وسحب قواته منها(1). كما أدى غياب المأمون عن بغداد عاصمة آبائه وأجداده ، وعدم وجود سلطة قوية بها إلى قيام ثورات علوية بجوار الكوفة وفي مكة واليمن(2).(1/41)
... ومن أجل إرضاء العلويين أغرى الفضل بن سهل ، المأمون بتوليته أحد العلويين وليًا للعهد من بعده ، فوقع اختياره على علي بن موسى الكاظم ولقبه " بعلي الرضا " ، كما أمر الجند بأن يتركوا لبس السواد ويلبسوا الثياب الخضر(1). إلا أن هذه الخطوة الجريئة لم تقنع خصوم المأمون من العلويين ، وأدت غي النهاية إلى إزدياد الاضطرابات في بغداد . وأخيرًا تنبه المأمون لسياسة الفضل بن سهل كما تنبه من قبل والده الرشيد لسياسة البرامكة ، وأدرك أن ثورة أهالي بغداد ونقمة أهل بيته عليه ومبايعتهم لعمه إبراهيم بن المهدي ما هي إلا بسبب قبوله رأى الفضل بالبقاء في مرو ، والابتعاد عن مقر حكم العباسيين ببغداد ، وتعيين علي الرضا واليًا لعهده . فاتخذ أجرأ خطوة في حياته ؛ إذ قرر الرحيل والانتقال إلى بغداد وأخذ علي الرضا معه ، وكان ذلك سنة 202هـ / 817 م . وفي طريق العودة تخلص من كل ما يشير إلى تحوله إلى المذهب الشيعي ، فرجع إلى لبس السواد شعار العباسيين وطرح عنه لباس الخضرة ، إلا أنه تمسك بلقب الإمام الذي ظل الخلفاء العباسيون يتمسكون به(2).
... وقد أنفق الحسن على زواج ابنته من المأمون مبالغ عظيمة ، يذكر انه نثر على الهاشميين والقواد والكتاب بنادق مسك في كل رقعة مكتوب فيها عطية ، دار أو ضيعة ، أو جارية ، أو فرس ثم نثر على سائر الناس الدنانير والدراهم .
... وفرش للمأمون حصيرًا منسوجًا بالذهب ، فلما وقف عليه نثرت على قدميه لآلئ كثيرة . كما نثرت جدة العروس على المأمون ألف درة كانت في صينية ذهب ، وأشعل بين يديه شمعة عنبر ، وزنها مائة رطل . وكان مبلغ ما أنفقه الحسن على هذا العرس خمسين مليون درهم(3). إلا أن الحسن لم يلبث أن مرض بعلة تسمى " السوداء " سببها حزنه وجزعه على موت أخيه ، ولزم منزله(4).(1/42)
والواقع أن سياسة آل سهل مثلت انقلابًا على التقاليد العباسية وإدخال كل ما هو فارسي إلى البلاط العباسي . من ذلك أن الفضل بن سهل تشبه بوزراء الأكاسرة ، فكان على كرسي مجنح ، ويحمل فيه حتى تقع عين المأمون عليه ، فإذا وقعت يوضع الكرسي ، وينزل عنه فيمشي ويحمل الكرسي حتى يوضع بين يدي المأمون ، ثم يسلم الفضل ويعود فيقعد عليه(1). كذلك تبع تعيين علي الرضا وليًا للعهد طرح لبس السواد رمز العباسيين ، ولبس الخضرة لون لباس كسرى والمجوس .
... وبعد مرض الحسن بن سهل استخدم المأمون غيره من الوزراء ، من أهمهم أحمد بن أبي خالد أحد قادة الأبناء الذين قاوموا سياسة آل سهل في العراق ، مع إخلاصهم ووفائهم للمأمون(2).
... وقد ظل أحمد في خدمة المأمون حتى وفاته عام 211هـ / 826 م ، ولكنه رفض أن يعين رسميًا في منصب وزيرًا أو كاتب(3). ويبدو أن تعيين المأمون لهذا الرجل في هذا المنصب الحساس كان له مغزاه السياسي ، وهو المصالحة والتفاهم مع طبقة الأبناء الذين كونوا شريحة مهمة في طبقات المجتمع العراقي .
... ... أشهر وزراء نهاية العصر العباسي الأول :
... استخدم المعتصم عددًا من الوزراء من بينهم الفضل بن مروان الذي كان نصرانيًا من أهل البردان(4)، إلا أنه وصف بأنه كان عاميًا لا علم عنده ولا معرفة ، ردىء السيرة جاهلاً بالأمور ، قليل المعرفة يالعلم حسن المعرفة بخدمة الملوك(5). ويرجع السبب في تعيين المعتصم له في منصب الوزراء أنه كان كاتبه قبل توليته الخلافة ، وأنه قام بأمر البيعة له في بغداد ، وضبط الأمور فيها حتى عاد المعتصم ، الذي كان يرافق المأمون في غزوته الأخيرة لبلاد الروم التي توفي فيها . وعلى الرغم من صفة الجهل التي اتصف بها الفضل بن مروان إلا أنه تمكن من السيطرة على أمور الخلافة واحتل منزلة عظيمة لدى المعتصم ، ومنح سلطات وصلاحيات واسعة(6). ولكن المعتصم ما لبث أن عزله من منصبه في رجب(1/43)
سنة 221هـ / يوليو 836 م بعدما تبين له جهله ، وتحكمه في الإدارة وبيت المال . فأمر بحبسه وصادر أمواله ثم أعفاه ، فأخذ الفضل ينتقل في البلاد مدة من الزمن حتى مات أيام المستعين سنة 250هـ / 864 م(1).
... وبعد أن عزل المعتصم الفضل بن مروان استعان بالتجار في إدارة شئون الدولة خاصة المالية منها ، وذلك لما لهم من قوة اقتصادية فعين محمد بن عبدالملك بن أبان الزيات أحد أغنى تجار بغداد وزيرًا له(2). وقد عرف بابن الزيات ، لأن جده أبان كان يجلب الزيت من موطنه إلى بغداد ليتاجر فيه ، وأصله من جيل(3). وكان والده تاجرًا موسرًا فنشأ ابنه في رغد من العيش فاتجه لدراسة العلوم والآداب . ونال من ذلك حظًا عظيمًا ساعده على القيام بأعباء الوزارة خير قيام طيلة عهد المعتصم وابنه الواثق .
... ومن أعماله المالية أثناء وزارته إلغاء ضريبة العشر على السفن الواردة من وإلى موانئ الخليج(4)، عبر المحيط الهندي من شرق أفريقية ، وجنوب آسيا وجنوبها الشرقي والشرق الأقصى . ويبدو أن هذا التدبير كان بالدرجة الأولى في مصلحة الأغنياء والتجار أمثال ابن الزيات نفسه ، لأنه لم يؤد إلى خفض الأسعار ولم يستفد منه عامة الشعب والفقراء ، لأنها كانت تتاجر بالسلع الكمالية .
... وبعد وفاة الواثق استوزره المتوكل ، واستمر ابن الزيات في خدمة المتوكل أربعين يومًا ، نكبه بعدها وصادر أمواله وعذبه حتى مات في سنة 233هـ / 847 م ، بعد أن ظل في منصب الوزارة اثنتي عشر سنة(5). ويعد ابن الزيات ــ رغم عيوبه التي تميزت بالقسوة وعدم الرحمة وعدم محبة الناس له لقسوته في جمع الضرائب ــ آخر وزراء العصر العباسي الأول الأفاضل ، العلماء ، وكان الوزير الوحيد الذي وزر وزارة واحدة لم يقطعها صوف أو عزل لثلاثة خلفاء متتابعين(6).(1/44)
... وهكذا نرى من خلال هذه الدراسة الدور الهام الذي لعبه وزراء هذا العصر على مسرح الأحداث في الفترة الممتدة من سنة 132هـ / 750 م إلى سنة 232هـ / 847 م . وخير دليل على ذلك الدور الذي لعبه البرامكة وزراء الرشيد ، حتى ارتفع شأنهم وتولوا مناصب الدولة وعلا سلطانهم فلم يعد يحتملهم الخليفة ، مما حدا به إلى نكبتهم في النهاية .
... ...
كذلك الدور الذي لعبه بنو سهل في التأثير على المأمون حتى استطاعوا أن يحققوا آمال الشعوبيين والشيعة بتحويل الخلافة إلى آل علي رضي الله عنه وكيف أدى ذلك إلى بيعة علي الرضا بولاية العهد ، وانتهاء الأمر بمقتل الفضل بن سهل وعلي الرضا .
... كل هذا يبرر أهمية الدور الذي لعبه وزراء العصر العباسي في سياسة بني العباس ، وأثر ذلك كله على المجتمع الإسلامي .
الهوامش
(1) ابن طباطبا ، فخر الدين بن محمد بن علي ، الفخري في الآداب السلطانية ، بيروت ، دار بيروت 1385هـ ، ص 153 .
(2) المسعودي ، التنبيه والإشراف ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1981 ، ص 310 .
(3) الكروي ، نظام الوزارة ، ص 24 .
(4) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، د.ت ، ص 25 ــ 33 .
(5) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 153 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، حققه إحسان عباس ، بيروت ، دار صادر ، د .ت ، جـ 2 ، ص 195 .
(6) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 154 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 2 ، ص 169 .
(7) كان أبو سلمة صهرًا ليبكير بن ماهان ، فهو زوج ابنته ، البلاذرى ، انساب الأشراف ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ، 1417هـ / 1996 م ، جـ 4 ، ص 160 .
(8) مؤلف مجهول ، أخبار الدولة العباسية ، تحقيق عبدالعزيز الدوري ، بيروت ، دار الطليعة 1971 ، ص 245 .
(9) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 160 ، طباطبا ، الفخري ، ص 154 .
((1/45)
10) طبرى ، تاريخ الأمم والملوك ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، بيروت ، دار سويدان ، د . ت . جـ 7 ، ص 329
(11) خليفة بن خياط ، تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق أكرم ضياء العمري ، دار طيبة ، الرياض ، الطبعة الثانية 1405هـ / 1985 م ، ص 400 ، مؤلف مجهول ، أخبار الدولة العباسية ، ص 367 ــ 368 . البلاذرى ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 183 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 7 ، ص 417 .
(12) خليفة بن خياط ، تاريخ ، ص 400 ، مؤلف مجهول ، تاريخ الدولة العباسية ، ص 374 ــ 375 ، البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 183 ، الطبري تاريخ ، جـ 7 ، ص 418 .
(13) الطبري ، تاريخ ، جـ 7 ، ص 418 ــ 419 .
(14) مؤلف مجهول ، أخبار الدولة العباسية ، ص 376 .
(15) أبو عبدالله محمد بن عبدوس الجهشياري ، كتاب الوزراء والكتاب ، تحقيق مصطفى السقا وآخرون ، الطبعة الأولى ، القاهرة ، مطبعة مصطفى ألباني الحلبي ، د . ت ، ص 84 .
(16) الطبري ، تاريخ ، جـ 7 ، ص 423 ــ 430 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 85 .
(17) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ، بيروت ، دار صادر ، د . ت ، جـ 2 ، ص 349 .
(18) المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة الخامسة 1393هـ / 1973 م ، جـ 3 ، ص 268 .
(19) الجهشياري ، الوزراء ، ص 86 .
(20) الطبري ، تاريخ ، جـ 7 ، ص 424 ــ 430 ، مؤلف مجهول ، أخبار الدولة العباسية ، ص 404 .
(21) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 184 .
(22) محمد أحمد برانق ، الوزراء العباسيون ، القاهرة ، المطبعة النموذجية ، جـ 1 ، ص 82 .
(23) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 185 ، اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 350 .
(24) الجهشياري ، الوزراء ، ص 87 .
(25) الجهشياري ، الوزراء ، ص 85 ــ 86 .
(26) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 181 .
(27) الجهشياري ، الوزراء ، ص 87 ــ 89 .
((1/46)
28) صالح أحمد العلي ، معالم بغداد الإدارية والعمرانية ، ط 1 ، بغداد ، دار الشئون الثقافية العامة ، 1988 ، ص 129 .
(29) ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، تحقيق طه محمد الزيني ، بيروت ، دار المعرفة ، د . ت ، جـ 2 ، ص 120 ، أو حنيفة الدينوري ، الأخبار الطوال ، تحقيق عبدالمنعم عامر ، بغداد ، مكتبة المثنى ، د . ت ، ص370.
(30) الجهشياري ، الوزراء ، ص 90 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 155 .
(31) المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 284 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 154 .
(32) المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 284 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 154 .
(33) الطبري ، تاريخ ، جـ 7 ، ص 471 ، الوزراء ، ص 136 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 156 .
(34) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 361 .
(35) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 253 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 136 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 156 ، يذكر المسعودي بأن المنصور استوزر ابن عطية الباهلي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 298 .
(36) المسعودي ، التنبيه والأشراف ، ص 310 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 6 ، ص 219 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 156 .
(37) الجهشياري ، الوزراء ، ص 87 .
(38) الجهشياري ، الوزراء ، ص 95 .
(39) حسن أحمد محمود ، وآخرون ، العالم الإسلامي في العصر العباسي ، طـ 5 ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، د . ت ، ص 105 .
(40) الجهشياري ، الوزراء ، ص 89 .
(41) الجهشياري ، الوزراء ، ص 150 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 157 .
(42) الجهشياري ، الوزراء ، ص 93 .
(43) الجهشياري ، الوزراء ، ص 151 .
(44) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 174 .
(45) الجهشياري ، الوزراء ، ص 97 .
(46) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 3 ، ص 276 .
(47) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ4 ، ص 325 .
(48) الجهشياري ، الوزراء ، ص 89 ، المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 298 .
(49) الجهشياري ، الوزراء ، ص 97 .
((1/47)
50) الجهشياري ، الوزراء ، ص 97 .
(51) س . د . جواتياين ، دراسات في التاريخ والنظم الإسلامية ، تعريب د. عطية القوصي ، الكويت ، وكالة المطبوعات 1980 ، ص 89 ــ 90 .
(52) الجهشياري ، الوزراء ، ص 124 .
(53) س . د . جواتياين ، دراسات في التاريخ والنظم الإسلامية ، ص 90 .
(54) الجهشياري ، الوزراء ، ص 97 ، 100 ، 115 ، 118 .
(55) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 346 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 97 ، 117 .
(56) الجهشياري ، الوزراء ، ص 107 ، 112 ، ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، طـ 2 ، بيروت دار الكتاب العربي ، 1387هـ / 1967 م ، جـ 4 ، ص 353 ، 367 .
(57) الجهشياري ، الوزراء ، ص 117 .
(58) الجهشياري ، الوزراء ، ص 118 .
(59) الجهشياري ، الوزراء ، ص 118 .
(60) البلاذري ، أنساب الأشراف ، جـ 4 ، ص 326 .
(61) الجهشياري ، الوزراء ، ص 124 .
(62) الجهشياري ، الوزراء ، ص 158 ، المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 322 .
(63) المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 322 .
(64) الجهشياري ، الوزراء ، ص 126 .
(65) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 182 .
(66) الجهشياري ، الوزراء ، ص 127 .
(67) الجهشياري ، الوزراء ، ص 126 ــ 127 .
(68) الجهشياري ، الوزراء ، ص 141 .
(69) الجهشياري ، الوزراء ، ص 158 .
(70) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 182 ــ 183 .
(71) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 182 .
(72) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 182 .
(73) السيح : السقى بدون كلفة ولا مشقة من ماء السماء . والسيح المائ الجاري . انظر ابن منظور ، لسان العرب ، بيروت ، د . ت ، جـ 2 ، ص 492 .
(74) الماوردي ، الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، د . ت ، ص 189 ، ضيف الله يحي الزهراني ، موارد بيت المال في الدولة العباسية ، طـ 1 ، مكة ، الفيصلية ، 1405هـ / 1985 م ، الكتاب الأول ، ص 247 .
((1/48)
75) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ص 189 ــ 190 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 182 .
(76) قدامه بن جعفر ، كتاب الخراج وصناعة الكتابة ، فرانكفورت ، منشورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية 1407هـ / 1986 م ، ص 201 ، ضيف الله الزهراني ، موارد بيت المال ، ص 240 ــ 241 .
(77) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 289 ــ 290 ، ضيف الله الزهراني ، موارد بيت المال ، ص 241 .
(78) الجهشياري ، الوزراء ، ص 145 .
(79) الجهشياري ، الوزراء ، ص 142 ــ 143 .
(80) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 183 .
(81) الجهشياري ، ص 156 .
(82) المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 322 ، ابم طباطبا ، الفخري ، ص 184 .
(83) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 117 ، المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 322 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 155 .
(84) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 154ــ 155 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 155 .
(85) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 155 .
(86) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 117 .
(87) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 155 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 155 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 184 .
(88) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 119 ، 156 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 155 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 184 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 52 .
(89) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 119 ، ابن الأثير الكامل ، جـ 5 ، ص 52 .
(90) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 136 .
(91) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 156 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 156 ، 158 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 184 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 66 .
(92) فاروق عمر ، العباسيون الأوائل ، طـ 2 ، بغداد ، جامعة بغداد ، 1977 ، ص 156 .
(93) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 156 .
(94) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 157 ، 159 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 160 ــ 161 .
(95) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 160 ، 162 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 161 .
((1/49)
96) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 157 ، 160 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 159ــ 160 .
(97) الجهشياري ، الوزراء ، ص 158 .
(98) ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، جـ 5 ، ص 308 ، أحمد مختار العبادي ، في التاريخ العباسي والفاطمي ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1970 ، ص 82 .
(99) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 56 .
(100) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 186 .
(101) الطبري تاريخ ، جـ 8 ، ص 208 ، ابن طباطبا الفخري ، ص 198 .
(102) س .د . جواتياين ، دراسات في التاريخ الإسلامي ، ص 97 .
(103) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 233 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 177 .
(104) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 235 ، 265 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 179 ، 207 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 205 .
(105) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 235 .
(106) الجهشياري ، الوزراء ، ص 178 .
(107) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 198 ، ابن خلدون ، المقدمة ، طـ 3 ، مكة ، المكتبة التجارية ، 1414 ــ 1994 ، جـ 1 ، ص 19 .
(108) ابن طباطبا ـ الفخري ، ص 205 ، ابن خلدون ، المقدمة ، جـ 1 ، ص 252 .
(109) الجهشياري ، الوزراء ، ص 189 ، صالح أحمد العلي ، معالم بغداد الإدارية والعمرانية ، ص 37 ــ 38 .
(110) الجهشياري ، الوزراء ، ص 178 ، 179 ، 189 ، 211 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 198 .
(111) ابن خلدون ، المقدمة ، جـ 1 ، ص 19 .
(112) فاروق عمر ، الجذور التاريخية للوزراء العباسية ، طـ 1 ، بغداد ، 1986 ، ص 112 .
(113) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 241 .
(114) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 408 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 242 ، 243 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 190 .
(115) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 407 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 255 ، 257 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 96 .
(116) يذكر الطبري أن عدد الجند بلغ 500000 خمسمائة ألف جندي وهو بلا شك عدد مبالغ فيه ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 257 .
((1/50)
117) الأبناء هم أحفاد الخراسانيين الذين أتوا مع الجيش القادم من خراسان عند قيام الدولة العباسية .
(118) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 240 ــ 241 .
(119) الجهشياري ، الوزراء ، ص 194 .
(120) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 252 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 190 .
(121) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 266 .
(122) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 410 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 262 ــ 263 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 208 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 103 .
(123) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 263 ، 265 .
(124) الجهشياري ، الوزراء ، ص 204 .
(125) الجهشياري ، الوزراء ، ص 211 ، عبدالعزيز الدوري ، العصر العباسي الأول ... طـ 3 ، بيروت دار الطليعة ، ص 127 .
(126) الجهشياري ، الوزراء ، ص 225 ، عبدالعزيز الدوري ، العصر العباسي الأول ، ص 126 .
(127) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 1 ، ص 329 .
(128) الجهشياري ، الوزراء ، ص 204 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 1 ، ص 329 .
(129) الجهشياري ، الوزراء ، ص 281 ، 288 .
(130) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 236 .
(131) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 415 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 272 .
(132) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 412 ــ 413 .
(133) الأزدي ، تاريخ الموصل ، تحقيق علي حبيبة ، القاهرة ، 1387هـ / 1967 م ص 287 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 103 .
(134) M . A . Shaban , Islamic history , Cambridge Univ . Press 1976 , II , p . 33 – 34 .
(135) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 256 .
(136) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 411 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 96 ، 103 .
(137) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 411 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 95 ، 104 .
(138) ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 104 .
(139) الجهشياري ، الوزراء ، ص 191 .
((1/51)
140) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 237 ، البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 149 ، 156 ، 163 .
, Vol . II , p 36 . Shaban , Islamic history M . A .
(141) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 291 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 1 ، ص 344 ، الدميري ، كمال الدين ، حياة الحيوان ، بيروت ، دار الفكر ، د . ت ، جـ 2 ، ص 128 .
(142) الجهشياري ، الوزراء ، ص 241 .
(143) فاروق عمر ، الجذور التاريخية للوزراء ، ص 121 .
(144) توفيق سلطان اليوزبكي ، الوزارة نشأتها وتطورها في الدولة العباسية ، بغداد ، مطبعة الإرشاد ، 1370 / 1970 ، ص 76 .
(145) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 421 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 278 ، المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 377 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 234 ــ 235 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 210 .
(146) الجهشياري ، الوزراء ، ص 243 .
(147) المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 3 ، ص 377 ، فاروق عمر ، بحوث في التاريخ العباسي ، بيروت ، دار القلم ، 1977 ، الطبعة الأولى ، ص 130 ــ 132 .
(148) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 4 ، ص 37 .
(149) الأربلي ( عبدالرحمن سنبط قنتو ) خلاصة الذهب المسبوك مختصر من سير الملوك ، القاهرة ، 1885 ، ص 107 .
(150) الجهشياري ، الوزراء ، ص 258 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 6 ، ص 228 .
(151) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 2 ، ص 120 ، جـ 4 ، ص 41 .
(152) الجهشياري ، الوزراء ، ص 29 ــ 30 ، ابن طباطبا ، الفخري ، ص 221 .
(153) الجهشياري ، الوزراء ، ص 31 .
(154) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 338 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 266 .
(155) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 344 .
(156) الجهشياري ، الوزراء ، ص 266 .
(157) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 370 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 135 .
(158) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 371 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 135 ـــ 136 .
((1/52)
159) د. عبدالمنعم ماجد ، العصر العباسي الأول ، طـ 3 ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1984 ، جـ 1 ص 294 .
(160) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 372 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 278 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 136 .
(161) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 372 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 279 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 137 .
(162) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 389 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 141 .
(163) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 389 .
(164) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 390 .
(165) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 399 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 143 .
(166) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 391 ، 411 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 143 ، ابن الوردي ، زين العابدين بن مظفر ، تاريخ ابن الوردي ، طـ 1 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1417 هـ / 1996 م ، جـ 1 ، ص 201 .
(167) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 404 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 140 .
(168) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 394 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 145 ، ابن الوردي ، تاريخ ابن الوردي ، جـ 1 ، ص 202 .
(169) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 412 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، 146 .
(170) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 394 .
(171) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 414 .
(172) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 424 ، الجهشياري ، الوزراء ، ص 305 ــ 306 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 150 .
(173) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 423 .
(174) المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص 318 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 432 .
(175) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 480 ، 488 ، المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص 317 ، ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 163 ، 165 .
(176) ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 172 .
(177) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 218 .
((1/53)
178) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 543 ــ 544 ، المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص 318 .
(179) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 528 ، 540 .
(180) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 554 .
(181) الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 565 ، 568 ، المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص 319 .
(182) ابن طيفور ، أبي الفضل أحمد بن طاهر ، بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ، بغداد ، مكتبة المثنى ، 1388 ــ 1968 ، ص 2 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 575 .
(183) ابن طيفور ، بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ، ص 114 ــ 115 ، ابن خلكان وفيات الأعيان ، جـ 1 ، ص 287 .
(184) ابن طيفور ، بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ، ص 114 ــ 115 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 1 ص 287 ــ 289 ، الذهبي ، العبر في خبر من غبر ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، جـ 1 ، ص 281 .
(185) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 223 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 2 ، ص 123 .
(186) الجهشياري ، الوزراء ، ص 316 .
(187) ترجع أصول عائلة أبي خالد إلى مرو الروذ ، الطبري ، تاريخ ، جـ 8 ، ص 530 .
(188) ابن طيفور ، بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ، ص 118 ــ 119 ,
(189) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 4 ، ص 45 .
(190) ابن طباطبا ، الفخري ، ص 232 ، ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 4 ، ص 45 .
(191) الطبري ، تاريخ ، جـ 1 ، ص 20 ــ 21 .
(192) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، جـ 2 ، ص 127 .
(193) الطبري ، تاريخ ، جـ 9 ، ص 20 ، 160 ــ 161 .
(194) جيل قرية جنوبي بغداد ، ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، جـ 3 ، ص 202 .
(195) اليعقوبي ، تاريخ ، جـ 2 ، ص 483 ، الطبري ، تاريخ ، جـ 9 ، ص 150 .
(196) الطبري ، تاريخ ، جـ 9 ، ص 20 ، 158 ــ 159 .
(197) الطبري ، تاريخ ، جـ 9 ، ص 20 .(1/54)