أيها المسلمون: رسولنا الكريم وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم الذي ضحى بكل ما يملك من أجل أن يصلنا هذا الدين ؟!!فكم أوذي من أجلنا ؟ كم بُصق على وجهه الشريف من أجلنا ؟!! كم طرد من أرضه من أجلنا ؟!! وهو الشفيق الرؤوف الرحيم بأمته (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)ٌ [التوبة 8] ألم يؤذيه قومه فكسروا رباعيته وشجوا رأسه وأدموا عقبيه ثم يعفوا ويصبر ويقول (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) وحين دخل مكة فاتحا ومنتصرًا وتوقع الجميع أن ينتقم من أهل مكة ويقتلهم قال (اذهبوا فأنتم الطلقاء) أليس هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة الذي يقول
(مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها قال فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني تقحمون فيه) رواه البخاري ومسلم
أبعد هذا الجهد والجهاد والبذل والعطاء..الذي قدمه لنا وللبشرية جمعاء أنعجز أن نصنع شيئا لهذا الرسول الكريم .أنعجز.أن نقاطع منتجات الدنمرك بأنواعها وأشكالها؟!! أنعجز أن نكتب إلى سفارتهم خطابا نعبر فيه عن غضبنا عما حصل من تلك الصحيفة !! أنعجز ولدينا تقنيات الاتصال الحديث عبر الفضاء وعبر البريد الإليكتروني أن نراسل كافة مسئولي تلك الدولتين..
حقًا أيها المسلمون هلموا إلى سلاح المقاطعة ولا يقولن قائلٌ كم سيكونُ حجمُ مقاطعتي؟ فإن لها تأثيرا وأي تأثير؟ ولو على المدى البعيد وفي نفس الوقت تسجيل موقف عملي يسجله التاريخ لأهل الإسلام.. يقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم) رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح. فأين جهاد الكلمة والبيان؟ وأين المقتدرون بأقلامهم وكتاب الصحف والأعمدة والزوايا لم لا يتشرفون ويبلغون ذرى المجد بتبني مواقف بيانية دفاعية وهجومية معتدلة. وكم نأسف لحال أعداد كبيرة من الكتاب افتقدناهم في مثل هذا الموضوع وهذا المنعطف الخطير وهم الذين أجلبوا على المسلمين بكتاباتهم الاستفزازية لمحاربة التطرف ونبذا لإقصاء واتهام المناهج الشرعية بكل نقيصة ورمي المراكز الإسلامية والدعوية والأنشطة الصيفية بتهم تفريخ الإرهاب؟ ولما كان الأمر يتعلق بنقد الغرب (الأسياد) جحروا وتكسرت نصالهم وجفت محابرههم مع أن قضية سب النبي صلى الله عليه وسلم قضية دينية وقومية ووطنية؟ ألا تتسع لها قائمة اهتماماتهم ألا يتحدثوا عنها ولو مجاملة للمسلمين في بلادهم وخارجها؟ حقًا إن الفتن كواشف وومحصات (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران : 179].
وبالأمس القريب حين عزا أهل العلم زلزال وطوفان سونامي في بعض دول شرق آسيا إلى أن ذلك عقوبة ربانية خرجوا عن طورهم وهبوا جميعا مدافعين عن أمجاد الغرب وحرياتهم الدينية في أعيادهم! إنها مفارقات في زمن الذل والانبطاح للمستعمر بل وجهود حثيثة لتسويق منهجه وثقافته.
أيها المسلمون وأخيرًا: فإن عظمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نفوسنا أعظم، ولن ينال منها مثل هذا التصرف الأرعن (والذي يبصق على السماء عليه أن يمسح وجهه بعد ذلك)، والذي يعنينا هنا واجبنا نحن تجاه مقام النبوة، والانتصار لجناب الرسول – صلى الله عليه وسلم- والذبّ عن شريف مقامه.
- فهذا نداء إلى كل مؤمن بالله ورسله، إلى كل قلب يخفق حباً لنبيه – صلى الله عليه وسلم-، وإلى كل مهجة تتحرق شوقاً إليه ، إلى كل مسلم يعلم أنه لولا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لكنا حيارى في دياجير الظلمات، ولولا رسول الله لكنا فحماً في نار جهنم، إلى كل مسلم يقول من أعماق قلبه: فدى لرسول الله نفسي، وفدى لأنفاسه أبي وأمي، إلى كل مسلم تضج جوانحه تعظيماً وتوقيراً، وإجلالاً وتقديساً لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذا نداء لنصرة النبي أمام هذا التواقح الفاحش والتسفل البذيء، ولن يعدم كل غيور أن يجد له مكاناً ومكانة، وأن يبذل فيه جهداً ولو قل، وكل كثير منّا فهو في حق النبي قليل. وذلك بإعلان الاستنكار لهذا التهجم والهجوم والاحتجاج القوي عليه، والرد بعزة ووثوق على شبههم المستهلكة، وأن يعلم هؤلاء ومن يلحد إليهم عظيم جنايتهم وتجنيهم على مشاعر المسلمين، وأن يُعلموا أن مكانة النبي – صلى الله عليه وسلم – في نفوس المسلمين أعظم مما يتصورون، والمساس بها أخطر مما يقدرون،(12/269)
ألا فاتقوا الله عباد الله وكل في موقعه ومسئوليته عليه واجب كبير ودين عظيم لا وقت لمجرد التلاوم وإلقاء المسئولية على الغير أيا كان ذلك الغير بل كل يعمل ما في وسعه لهذا الدين العظيم الذي هو منة الله العظمى على عباده والله قادر على نشر دينه وحفظه ونصر رسله وأوليائه ولكن اقتضت حكمته أن يكلف عباده بذلك ويبتليهم كما قال سبحانه الله (وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد : 4]
فإن قاموا بما عليهم وإلا (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. وصلى الله عليه وسلم.
=========================
الانتصار للنبيِّ المختار صلى الله عليه وسلم
عبد المنعم مصطفى حليمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد تناهى إلى مسامعنا تطاول بعض الجرائد المحلية الرسمية الدنمركية على سيد الخلق، وخاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ من خلال رسمه في صور كاريكاتيرية ساخرة.. ورغم ما يمثل هذا الحدث الدنيئ المتخلف من اعتداء سافر على الإسلام والمسلمين.. تأبى الجريدة " Jyllands Post صلى الله عليه وسلم n " أن تقدم أي اعتذار عن سوء صنيعها هذا.. كما وتأبى الحكومة الدنمركية أن توجه أي خطاب تأنيب واستنكار للجريدة.. أو حتى اعتذار للمسلمين!
نبينا صلوات ربي وسلامه عليه لا يحتاج مني ولا من غيري إلى أن ندافع عنه ـ وكأن الطعن بحقه محتمل! ـ أو أن نُظهر محامد خصاله وأخلاقه.. فهو أكبر وأعظم من ذلك.. يكفيه فخراً وعظمة أن الله تعالى من فوق سبع سماوات يصفه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [ القلم:4]. وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} [ الحج:67]. وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [ الأنبياء:107 ]. فأي تزكية تعلو أو توازي هذه التزكية.. وما قيمة ثناء وتزكية المخلوق تجاه ثناء وتزكية الخالق سبحانه وتعالى ؟!
لكن ماذا يعني هذا الحدث الجلل.. وكيف يفهمه ويفسره المسلمون ؟!
هذا الحدث الجلل يعني أموراً عدة:
منها: أن هذا الطعن بشخص النبي صلى الله عليه وسسلم هو طعن بجميع أنبياء الله تعالى ورسله: إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، وغيرهم من الأنبياء والرسل؛ لأنهم كلهم يصدقون بعضهم بعضاً، ويُلزمون أتباعهم بالإيمان والتصديق بجميع الأنبياء والرسل من جاء قبلهم ومن يأتي بعدهم؛ وبالتالي فإن تكذيب أي نبي من أنبياء الله تعالى أو الطعن به، هو تكذيب لجميع الأنبياء والرسل، وطعن بهم، قال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [ البقرة:136 ]. وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [ البقرة:285].
والطعن والاستهزاء بالأنبياء والرسل هو استهزاء وطعن بالله عز وجل الذي زكى أنبياءه ورسله، وأثنى عليهم خيراً، لذلك عُد النفر الذين استهزؤوا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في مسيرهم نحو تبوك، هو استهزاء بالله وآياته، ورسوله، كما قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [ التوبة:65ـ66 ].
ومنها: أن هذا الاعتداء على شخص النبي صلى الله عليه وسلم هو اعتداء على جميع المسلمين في الأرض، وعلى مشاعرهم، وعقيدتهم.. وهو أشد عليهم من الاعتداء المباشر على أنفسهم وأموالهم.. والصليبيون يُدركون هذا المعنى؛ وهو المراد من وراء طعنهم وتشهيرهم ـ المتكرر بين الفينة والأخرى ـ بشخص النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن اللجوء لمثل هذا الطعن، والاستهزاء.. هو علامة من علامات الإفلاس الفكري والحضاري، والثقافي لدى النصارى الصليبيين.. وحضارتهم.. فيُعوضون عن هذا النقص والإفلاس بمثل هذا الطعن، والسب، والاستهزاء!
ومنها: أن الشعار المرفوع حول حوار الأديان والحضارات هو شعار كاذب؛ له ما له من الغايات والمقاصد المريبة الخبيثة.. لا وجود له على الحقيقة والتحقيق!(12/270)
فالغرب النصراني الصليبي بتواطؤه على مثل هذا الطعن والاستهزاء بشخص النبي صلى الله عليه وسلم.. يفقد المصداقية، والرغبة الصادقة في الحوار والتفاهم مع المسلمين، ومع حضارة الإسلام.. إذ كيف ينهضون للحوار والجلوس مع المسلمين وهم يطعنون ويستهزئون بنبي الإسلام، وبأقدس ما عند المسلمين ؟!
فالتواطؤ على مثل هذا الطعن والاستهزاء لا شك أنه يوسع من ساحة عدم التفاهم والتعايش السلمي والآمن بين الشعوب والحضارات !
ومنها: أن مثل هذا الطعن والاستهزاء.. والتواطؤ عليه من قبل الجهات الرسمية.. يدل على ازدواجية المعايير والقوانين المعمول بها في بلاد الغرب النصراني؛ فهم إذ يسنون القوانين التي تُحارب إثارة الكراهية والعنصرية بين الشعوب كما يزعمون، تراهم هم أول من ينقض ويُخالف هذه القوانين، وبخاصة عندما تكون إثارة هذه الكراهية موجهة ضد الإسلام والمسلمين.. وتسير في الاتجاه الذي يرغبونه ويهوونه!
عندما تكون إثارة الكراهية والعداوة موجهة ضد الإسلام والمسلمين.. فهذه حرية مصونة الجانب لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها.. وعندما تُثار الكراهية في الاتجاه الذي لا يرضونه ولا يلامس هواهم.. فحينئذٍ تُصبح إجراماً مخالفة للقانون، يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام !
ومنها: أن مثل هذا الطعن والاستهزاء.. والتواطؤ عليه.. يُعد تعبيراً صادقاً عما يُضمره القوم من حقد، وكراهية، وعداوة وبغضاء للإسلام والمسلمين.. وإن تظاهروا بخلاف ذلك.. وأنهم من دعاة الإنسانية.. والحرية.. وعدم التعصب للأديان !
صدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118 ].
هكذا يفهم المسلمون هذا الحدث الجلَل.. وهكذا يفسرونه.. وفي الختام أود أن أذكر إخواني المسلمين بحقيقة ساطعة ماثلة للعيان طالما ذكرتهم بها، وهي: أنكم رعية بلا راعٍ.. ووالله لو كان لكم دولة وسلطان يحترم نفسه، ودينه، وأمته.. لما تجرأ القوم على التطاول على نبيكم؛ نبي الإسلام والرحمة ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ وعلى أقدس مقدساتكم.. ولكن لما وجدوكم رعية متفرقين بلا راعٍ يرعاكم، ويذود عنكم وعن دينكم.. طمعوا بكم.. وتكالبوا عليكم.. وعلى دينكم.. وأمتكم.. كما تتكالب الأكلة على قصعتهم !
ما هو موقف حكامنا من هذا الحدث الجلل.. وما موقف إعلامهم المشغول بتوافه زائفة ؟!
لا شيء؛ وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء.. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس نبيهم.. والإسلام ليس دينهم!
لو تعرض أحدهم ـ من قِبل أي دولة ـ لنوع استهزاء أو طعن وتجريح.. لاستدعى سفيره، وهمَّ بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، والتجارية مع تلك الدولة.. ولتحركت جميع وسائل الإعلام للذود عن الطاغوت.. أما أن يتعرض شخص النبي صلى الله عليه وسلم ـ الذي لولاه، ولولا أن منَّ الله به علينا لما كنا نساوي شيئاً ـ للطعن والاستهزاء.. والتحقير.. فهذا لا يستدعي شيئاً من هذا المقاطعة أو المحاربة.. أو القلق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أما أنتم أيها المسلمون افعلوا كل شيء، وأي شيء متاح ومشروع.. من أجل نبيكم.. والذود عن حرمات وعِرض نبيكم.. تقبل الله منكم، وغفر الله لنا ولكم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-----------------
dina ... الاردن ... 3/6/2006 8:48:55 PM
انا اساعد الرسول بارسال الرسائل ضد الدينمارك على الايميل لكل ادقائي وشكرا الا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
_______________________
لا عذر لكم ......... ...(12/271)
لا عُذرَ لكُم عندَ اللهِ إنْ خَلصُوا إلى رسولِ الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. فإنهم يُصرون على الاستمرار في الطعن، والتجريح، والاستهزاء بسيد الخلق .. ليروِّضوا المسلمين على القبول بمثل هذا الطعن والاستهزاء بدينهم ونبيهم .. ونحن نصر على الاستمرار في الانتصار، والذود عن حرمات وعِرض النبي صلى الله عليه وسلم .. فأنفُسنا، وآباؤنا، وأمهاتنا، وعِرضنا لِعِرض محمدٍ صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكافرين والمنافقين فداء. كنا أمام دولة كافرة فاجرة تجرأت على الطعن والاستهزاء بسيد الخلق؛ تُسمى " الدينمارك " فأصبحنا أمام دول الغرب الصليبي كلها، تتبعهم بعض رؤوس النفاق والزندقة في بعض الدول العربية ـ بعضهم أولياء بعض ـ ليكرروا الاستهزاء على الملأ .. ويهونوا من شأنه .. ليفكوا الحصار الاقتصادي والسياسي والإعلامي عمن سنَّ هذه السنة الخبيثة وكان له وزر الابتداء بها .. متحدين بذلك مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين. يُراهنون على الزمن؛ فتنادوا فيما بينهم ـ كفار ومنافقون ـ لنستمر في الطعن والاستهزاء بنبي الإسلام والمسلمين ـ بزعم حرية التعبير كما تكفلها لهم ديمقراطيتهم القذرة ـ إلى أن يمل المسلمون الدفاع عن نبيهم .. ويهدؤوا .. ونشتت جهودهم ومعارضتهم .. ويتقبلوا ظاهرة الطعن بنبيهم كما تقبل بعضهم من قبل الطعن والاستهزاء بشرع نبيهم تحت ذريعة العمل بالديمقراطية التي من مقتضاها أن لا حصانة لأحد أو لشيء من النقد والرد، والتهكم والاستهزاء! ولهؤلاء جميعاً نقول: لا تمنُّوا أنفسكم .. أجمعوا كيدكم ومكركم ثم إئتوا صفَّا .. فلن نمل الانتصار للنبي المختار صلوات ربي وسلامه عليه وفينا عين تطرف، وبقية رمق من حياة! أيها المسلمون .. يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم : حذار أن تملوا الانتصار والذود عن حرمات وعِرض نبيكم .. لا عذر لكم عند الله إن خذلتم النبي صلى الله عليه وسلم في موقف تستطيعون من خلاله الذود عن حرمات وعِرض نبيكم ثم لم تفعلوا! لا عذر لكم عند الله إن خلصوا إلى الطعن والاستهزاء برسول الله .. وأنتم قادرون على أن تمنعوا شيئاً من هذا الطعن والاستهزاء .. ثم لم تفعلوا! لا يؤمن أحدكم حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وماله، ووالده، وولده، والناس أجمعين .. وبرهان هذا الحب .. ومن علامات صدقه .. أن تنصروا محمدا .. وأن لا تخذلوه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ في موقف هو يحتاجكم فيه، وإن أدى ذلك إلى أن تخرجوا من أموالكم وأهليكم. كيف بك يا عبد الله أن تأتي يوم القيامة رسولَ الله فتسأله الشفاعة .. وأن يسقيك من حوضه الشريف .. فيُعرض عنك .. ويقول لك: قد استُهزئ بي في الحياة الدنيا .. وأنت تسمع .. ولم تنتصر لي .. ولم تذبَّ عن عِرضي وحرماتي .. وكنت قادراً على أن تفعل الكثير من أجلي ولم تفعل؟! انظروا ماذا يقول نبيكم صلوات ربي وسلامه عليه .. قال صلى الله عليه وسلم :" مَن ذبَّ عن عِرض أخيه بالغَيْبَةِ كان حقاً على الله أن يُعتقَه من النار ". قلت: كيف إذا كان هذا الأخ الذي تذب عن عِرضه بالغيبة هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. هو حبيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟! وقال صلى الله عليه وسلم :" من ردَّ عن عِرضِ أخيه، ردَّ اللهُ عن وجههِ النارَ يومَ القيامة ". قلت: كيف إذا كان هذا الأخ الذي ترد عن عِرضه وتذود عن حرماته هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. هو حبيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟! وقال صلى الله عليه وسلم :" من حمى مؤمناً من منافقٍ بعث الله ملكاً يحمي لحمه من نار جهنَّم ". قلت: كيف إذا كان هذا المؤمن الذي تحمي عِرضه من أذى وطعن واستهزاء المنافقين هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .. هو حبيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟! وقال صلى الله عليه وسلم :" ما من امرئٍ يخذلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه عِرضه، ويُنتهك فيه من حُرمته، إلا خذله الله تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصرُ مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عِرضه، ويُنتهكُ فيه من حرمته، إلا نصرهُ اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نصرتَه ". إنه حقاً باب من أبواب الجنة والخير قد فُتح لمن يُحسن اغتنامه واستغلاله .. فهنيئاً ثم هنيئاً لمن وُفِّقَ لنصرة النبي المصطفى والذود عن عِرضه وحرماته .. وخاب وخسر وندم من خذل النبي المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .. ولات حين مندم. أيها المسلمون: الاعتداء على شخص النبي صلى الله عليه وسلم بالطعن والاستهزاء .. هو اعتداء على حقٍّ عام وخاص. فالاعتداء على الحق العام يتمثل في الاعتداء على مجموع الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها .. وهذا الحق قد يغسله ويجبه اعتذار الجاني وتوبته وتراجعه. أما الحق الخاص؛ فهو متعلق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم .. وهو حق لا يغسله الاعتذار .. ولا التوبة(12/272)
والتراجع .. ولا مال الأرض كلها .. فلا يغسله إلا القصاص والدم وقتل الشاتم الطاعن المستهزئ .. فحد الأنبياء لا يشبه الحدود .. وحد شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المستهزئ به أن يُقتل كفراً وحداً؛ فإن تاب من الكفر وصدق في توبته، بقي عليه حد القتل ولا بد حصانة لحرمة وعِرض النبي صلى الله عليه وسلم ، وحقَّاً من حقوقه الخاصة. هذا الحق الخاص للنبي صلى الله عليه وسلم ولإخوانه من الأنبياء .. لا يملك أحد من الأمة ـ كائن من كان ـ لا شعباً ولا حاكماً، ولا قبيلة ـ أن يتنازل عنه أو يعفو عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخول أحداً من أمته أن يعفوا عن حق خاص به، وبالتالي لا بد من القصاص. أعجب لفريق من الناس ـ من بني جلدتنا ممن هان عليهم دينهم ـ يسعى لتهدئة الأمور، والشفاعة للجناة الذين تجرؤوا على الطعن والاستهزاء بشخص النبي صلى الله عليه وسلم .. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خولهم بأن يتنازلوا عن حق خاص به؟! ولهؤلاء نقول: عِرض النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للأذى والاعتداء لا عِرضكم؛ عندما يكون الطعن والشتم والاستهزاء موجه لكم .. لكم حينئذٍ أن تعفوا عن الشاتم المستهزئ بكم إن شئتم .. أما عندما يكون موجه للنبي صلى الله عليه وسلم فمن خولكم بأن تعفوا عن حق خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .. أو أن تتشفعوا في حدٍّ من حدود الله؟! لذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يرون لشاتم النبي صلى الله عليه وسلم المستهزئ به ـ وإن تاب وصدق في توبته ـ سوى القتل حداً وقصاصاً. كما في الأثر عن أبي بَرْزَةَ الأسلمي، قال: أغلظَ رجلٌ لأبي بكرٍ الصديق، فقلت: أقتله؟ فانتهرني؛ وقال:" ليس هذا الحد لأحدٍ بعدَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم "[ صحيح سنن النسائي:3795 ]. قال ابن تيمية في كتابه العظيم " الصارم المسلول على شاتم الرسول ": أن قتلَ ساب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قُتل كافر، فهو حدٌّ من الحدود ليس قتلاً على مجرد الكفر والحراب، لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه جناية زائدة على مجرَّد الكفر والمحاربة، ومن أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمروا فيه بالقتل عيناً .. وقد ثبت أن حده القتل بالسنة والإجماع ا- هـ. وفي الختام أود أن أوجه رسالتين: رسالة إلى حكام المسلمين، ورسالة إلى من تُطاوعهم أنفسهم المريضة على النيل من جناب النبي صلى الله عليه وسلم . أما رسالتي إلى الحكام، فأقول لهم: إنها فرصة لكم لكي تراجعوا أنفسكم لتنظروا أين أنتم من أمتكم وهمومها .. وأين أنتم من دين الله .. وجادة الحق والصواب. المطلوب منكم ـ كحكام ـ أكثر من مجرد الاستنكار استرضاء للشعوب المسلمة الغاضبة .. المطلوب منكم: أن توقفوا ضخ البترول ـ عصب الحياة ـ إلى كل دولة يثبت عنها ـ أو عن بعض مؤسساتها الإعلامية ـ الطعن والاستهزاء بشخص النبي صلى الله عليه وسلم .. وعداءها للإسلام والمسلمين .. وأن توقفوا معها جميع أشكال التعاون الاقتصادي والدبلوماسي! المطلوب منكم: أن تدخلوا صادقين في موالاة النبي صلى الله عليه وسلم .. وموالاة المؤمنين .. وموالاة دينه وشرعه .. فلا تحكموا شعوبكم إلا بشرع محمد صلى الله عليه وسلم . المطلوب منكم: أن تطهِّروا المجتمع .. وجميع المؤسسات العامة والخاصة .. من ظاهرة الاستهزاء والتهكم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .. وبدين وشرع محمد صلى الله عليه وسلم . فإن فعلتم ذلك فستجدونا ـ كشعوب مسلمة ـ مباشرة معكم .. نذود عنكم .. كما تذودون عنا وعن ديننا وأمتنا! نحن ـ بفضل الله ـ نوالي في الله ونعادي في الله .. لا نعرف الأحقاد والثارات للنفس أو للدنيا .. فعلى قدر قربكم من الله نقترب منكم .. ونعفوا ونصفح .. وعلى قدر بعدكم عن الله نعادي ونجافي ونخاصم! طلبتم العزة دهراً من أعداء الأمة فأذلكم الله .. فاطلبوها صادقين ولو مرة واحدة من الله .. وانظروا كيف سيعزكم الله. صدق الفاروق عمر t إذ قال:" كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله ". أما رسالتي لهؤلاء الذين تُطاوعهم أنفسهم المريضة على التطاول والنيل من جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كانوا دولاً، أو منظمات، أو هيئات، أو أفراداً، ألخصها لهم في النقاط التالية: 1- قد مضت سنة الله تعالى فيمن يتطاول على جناب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالطعن أو أي نوع من أنواع التهكم والاستهزاء .. أن يُصيبهم الله تعالى بقارعة ـ الله أعلم بماهيتها ونوعها وحجمها ـ قبل يوم القيامة؛ إما على يد عباده الموحدين المجاهدين، وإما بسبب كوني يقدره الله. عرف التاريخ طائفة ممن تجرؤوا على الطعن والاستهزاء بسيد الخلق .. فكانت نهايتهم وخاتمتهم وخيمة جداً وعبرة لمن أراد أن يعتبر .. وأنتم على دربهم وإثرهم سائرون، وسيصيبكم ما أصابهم عاجلاً أم آجلاً .. ستذكرون ما أقول لكم! قال تعالى:) إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ (التوبة:40.(12/273)
فالنبي صلى الله عليه وسلم منصور منصور؛ إما أنه منصور بالله، وإما أنه منصور بعبد الله. وقال تعالى:) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الحجر:95. وهذا وعد قد قطعه الله تعالى على نفسه ـ ومن أصدق من الله عهداً ـ بأن يكفي نبيه صلى الله عليه وسلم المستهزئين الشانئين، سواء كان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أم بعد مماته. أي أنت يا من حملتك نفسك الأمارة بالسوء على الطعن والاستهزاء بسيد الخلق .. خذ حذرك؛ فقد دخلت في حرب صريحة ومعلنة مع الله تعالى .. وأنَّى لمثلك ومعك من في الأرض جميعاً أن يُحاربوا الله! 2- هذا الذي تفعلونه من تهكم واستهزاء بسيد الخلق .. كما هو من جهة مؤلم جداً للمسلمين .. إلا أنه من جهة أخرى بشرى خير لهم باقتراب هلاك الظالمين المفسدين المجرمين، وأفول سلطانهم وملكهم .. واقتراب انتصار المؤمنين الموحدين ـ ورثة الأنبياء والرسل ـ الذين يؤمنون ويوقرون جميع أنبياء الله تعالى ورسله، لا يفرقون بين أحدٍ من رسله. ولو لم يكن من ثمرات وبركات اعتداءكم السافر على سيد الخلق .. سوى هذا الائتلاف والاجتماع والتوحد الذي تحقق للمسلمين .. لكان ذلك كافياً، وخيراً كثيراً .. فالمصاب الأليم العام والمشترك يوحد القلوب قبل أن يوحد الصفوف! 3- لعلكم أردتم من وراء تطاولكم على سيد الخلق .. أن تتحسسوا أحوال الأمة .. هل لا تزال أمة الإسلام فيها عرق ينبض بالحياة .. هل لا يزال ـ بعد حكم العلمانية وتسلطها على الشعوب قرناً كاملاً ـ من المسلمين من يغار على الدين، والحرمات، والحقوق .. أم أن الأمة قد ماتت ولم تعد تحس بشيء؟ نقول لكم: لا تفرحوا .. قد خاب فألكم .. فأمة الإسلام لا ولن تموت .. قد تمرض .. قد تضعف في جانب من جوانب حياتها .. قد تكبو .. قد تتعثر في بعض خطواتها .. نعم هذا يحصل، وإن حصل فسرعان ما تنهض وتفيق .. لكن لا ولن تموت .. وهي باقية ما بقيت الحياة على هذه الأرض، إلى أن تقوم الساعة .. ويبعث الله من في القبور. فقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه، كما قال تعالى:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9. ومن حفظ الله تعالى لهذا الذكر أن يحفظ الله تعالى حملة وحفظة هذا الذكر، الداعين إليه، والمجاهدين في سبيله، وإلى أن تقوم الساعة. كما في الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرُّهم من خذَلهم حتى يأتي امر الله، وهم كذلك "مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم :" لن يبرح هذا الدين قائماً يُقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة "مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي يُقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : لا يزالُ الله يغرسُ في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته "[ صحيح سنن ابن ماجه:8 ]. وغيرها كثير من النصوص التي تُفيد وجود هذه الطائفة المنصورة الظاهرة .. وتفيد استمرارية وجودها على مدار العصور والأزمان وإلى أن تقوم الساعة؛ إذ لا وجود للدين من دونها، ولا وجود لها من دون الدين؛ فكل منهما لازم وملزوم للآخر. والحمد لله الذي بفضله ونعمته تتم الطيبات الصالحات ولو كره الكافرون المجرمون المفسدون المنافقون. اللهم يا حي ياقيوم .. أعز الإسلام والمسلمين .. وأعلي بفضلك كلمتي الحق والدين .. وانصر من نصر الدين .. واخذل من خذل الدين وأراد به وبأهله سوءاً. اللهم يا حي يا قيوم .. ياذا الجلال والإكرام .. أغث حبيبك محمدا .. أغث حبيبك محمدا .. أغث حبيبك محمدا .. واكفه شر الحاقدين المستهزئين .. وأرنا فيهم آية من آياتك .. إنك يا ربنا على كل شيء قدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم. عبد المنعم مصطفى حليمة " أبو بصير الطرطوسي " 7/1/1427 هـ / 6/2/2006م. www.abubas صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم .bizland.com
======================
التشريعات المطلوبة لضمان حقوق الجاليات المسلمة
ورقة حول المحور الثاني:
التشريعات المطلوبة لضمان حقوق الجاليات المسلمة بعنوان:
الجاليات الإسلامية في أوريا الغربية و الشرقية – الواقع و الأمل
من إعداد
الدكتور: خير الدين خوجة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد – كلية المجتمع – جامعة طيبة
المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية(12/274)
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده و نستعينه و نستهديه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن سيدنا و نبيا محمداً عبده و رسوله، أدى الأمانة و بلغ الرسالة و نصح الأمة و جاهد في الله حق جهاده. اللهم صل و سلم و بارك على هذا النبي الأمي و على آله و أصحابه الكرام الطيبين الطاهرين و من نهج نهجهم إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون. الحمد لله الذي قال في كتابه: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ {، (الفتح:29)، و قال عز من قائل: } إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {، (التوبة:40)، وقال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {،(الأنبياء:107).
الحمد لله الذي جمع شمل الأمة المحمدية لنصرة خير البرية، الحمد لله الذي دفع الصحوة الإسلامية و العلماء الربانيين إلى بيان و نشر سنة سيد المرسلين. الحمد لله الذي ألهم مسؤولي الحكومات و الدول الإسلامية للتكاتف و التآزر فيما بينها والوقوف صفاً واحدة للدفاع عن المقدسات الإسلامية. اللهم بارك في تلك الجهود في هذا اليوم العظيم المشهود، و لا تحرمنا و إياهم من خيرك الموعود إنك يا مولانا خير مسؤول وأكرم مأمول.
إطلالة على أوضاع المسلمين في أوربا الغربية و الشرقية
( رؤية في الواقع و الأمل )
تمهيد يعود وجود الإسلام في الغرب إلى قرون سحيقة، إلى سنة 711م عندما فتح المسلمون الأندلس و استقروا فيه. استمر حكم الإسلام في الأندلس قرابة ثمانية قرون، من 711م – 1492م. و مع سقوط الدولة الإسلامية في اسبانيا و طرد المسلمين من تلك الجزيرة و مجيء الدولة العثمانية في الحكم، فإنها أخذت توسع و تمدد دائرة حكمها شيئاً فشيئاً إلى جزيرة البلقان في أوربا الشرقية، و استمر حكم الدولة العثمانية إلى نهاية الحرب العالمية الأولى. في جزيرة البلقان يقطنها أعداد كبيرة من المسلمين في البوسنة و الهرسك، و المسلمين الألبان في ماكدونيا و كوسوفا و ألبانيا، الدولة الوحيدة بالأغلبية المسلمة في أوربا [1].
إن تواجد المسلمين في أوربا الغربية تعد ظاهرة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية، البعض جاء مهاجراً، و الآخرون جيء بهم من قبل الدول المستعمرة إلى أوربا لاستغلالهم وتشغيلهم، نظراً لحاجتهم إليهم و لسرعة النمو الاقتصادي في أوربا. فالإنكليز مثلاً جاؤوا بالأيدي العاملة ذات أغلبية مسلمة من شبه القارة الهندية، و الفرنسيون جاؤوا بالأيدي العاملة من إفريقية الشمالية ذات أغلبية مسلمة، و الهولانديون جاؤوا بالعمال و المهاجرين المسلمين و غيرهم من إندونيسيا. بينما الألمان الذين لم يستعمروا أحداً فهؤلاء استعانوا بالعمال من تركيا. و أما بقية الدول غير المستعمرة، فالمسلمون دخلوا إلى بلادهم عن طريق الهجرة. يبلغ عدد المسلمين في الغرب قرابة خمسة عشر مليوناً ؟. و لا شك أن هؤلاء المسلمين الجدد في الغرب لم يكونوا واعين و مدركين الثقافة الغربية تمام الإدراك.
و في الأمريكيتين لوحظ تواجد المسلمين بالكثرة في الستينات و السبعينات. و أما كندا، فإنها تبنت السماح بهجرة المسلمين ذوي الكفاءات و المهارات العالية . بينما سياسية الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن كسياسة كندا. الولايات المتحدة كانت تركز و تشدد على المهاجرين بتعلم و إجادة اللغة الإنكليزية، و فهم الدستور الأمريكي و الثقافة و التقاليد و الأعراف الأمريكية.
بينما المسلمين في جزيرة البلقان فكانوا يعانون من قسوة النظام الشيوعي، و التمزق العرقي و الطائفي. الشيوعيون المتعصبون كانوا يحيون نزعة الكره و الحقد على الدولة الإسلامية العثمانية بين أوساط الشعوب التي كانوا يحكمونها. النظام الشيوعي منع أتباع هذه الأديان من التفاهم و التحاور فيما بينها للوصول إلى نقطة مشتركة ترضي الجميع. محاولة البوسنيين على إيجاد أرضية مشتركة، تتسم بالتسامح الديني بين المسلمين و الصرب و الكروات كانت فكرة غير مقبولة لدى الصرب و الكروات [2] .(12/275)
إن قضية التعددية الدينية في أوربا الغربية ما زالت شجرة و فكرة غير ناضجة. لأوربا الغربية تاريخ ديني طويل مظلم و دام. أقرب مثال على ذلك حرب البوسنة و الهرسك مع الصرب و حرب مسلمي كوسوفا مع الصرب. ففي نظر كثير من المسلمين في الغرب تعد تلك الحرب حرباً بين الإسلام و الغرب، و صورة هذه الحرب في البوسنة و كوسوفا هي الدبابات و المدافع و الرشاشات، بينما صورة الحرب بين الإسلام و الغرب في الغرب هي القوانين الصارمة و المشددة في حق المسلمين، تهميش الإسلام و المسلمين، الهجوم الإعلامي العنيف ضد القيم و المبادئ الإسلامية، الاتهام بالأصولية و التطرف و الإرهاب. تجد في أوربا الغربية من المتطرفين من ينادي بإرجاع المسلمين إلى أوطانهم، و أن محاولات الأطراف الدينية في إيجاد الحلول و السبل الموصلة للتفاهم و العيش تحت سقف واحد قد فشلت.
إن تدفق المسلمين المهاجرين بالكثرة إلى بريطانيا، أدى ذلك بالسلطات البريطانية إلى اتخاذ الإجراءات و القوانين الصارمة في حق هؤلاء المهاجرين من المسلمين. لقد ألغوا حق دخول المسلمين إلا بالتأشيرة الرسمية، هذا التشدد في الإجراءات أدى ببعض السياسيين المحافظين مثل: صلى الله عليه وسلم noch Pow صلى الله عليه وسلم ll ، إلى توقع حرب أهلية بين أصحاب الثقافات المتعددة و المتنوعة تجري بسببها أنهار البلاد بالدماء، كما أدى هذا التخوف أيضاً برئيسة الوزراء السابق M صلى الله عليه وسلم s.Thatch صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إلى إبداء قلقها إزاء تدفق المهاجرين إلى البلاد.
إذا كان بعض الباحثين يقسم أحوال المسلمين في الغرب إلى مرحلة ما قبل أزمة كتاب سلمان رشدي و المرحلة ما بعد صدور الكتاب، فإنه يحق لنا أن نقسم أيضاً أحوال المسلمين في الغرب و في العالم إلى مرحلة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، و المرحلة التي تلت تلك المرحلة. بل، يمكن تقسيم أحوال المسلمين أيضاً إلى ما قبل أزمة الدنمارك و المرحلة ما بعد الأزمة الدانماركية.
المبحث الأول: نظرة الغربيين إلى الإسلام
يرى بعض المحللين أن النظرة الموضوعية و العالمية لعلاقة الغرب بالإسلام تكشف عن أن هناك في بلاد الغرب ـ إسلامين وليس إسلامًا واحدًا. الأول: الإسلام الذي يبحث عنه المستشرقون في مراكز الأبحاث الأكاديمية أو في الجامعات، و يقضون أعمارهم في البحث لأغراض سياسية و اجتماعية و دينية واستعمارية،
أما النوع الثاني فيرى المحللون هو الإسلام كما يعرفه الرجل العادي في أوروبا وأميركا، وهو خاضع تماما لوسائل الميديا التي تصوره شيطانًا مريدًا وتحمله مسئولية كل الموبقات التي قد تظهر اليوم أو غدا في العالم.. ولا تتورع عن إلصاق التهم به صغيرها وكبيرها. وللأسف أن هذا الفهم المشوه للإسلام هو الذي يظهر في الساحة [3]، و هو الذي يعاني منه المسلمون في الخارج، ويدفعون ثمنا لأخطاء لم يرتكبوها وتكون النتيجة أن يجد هؤلاء أنفسهم وراء القضبان. دون ذنب أو جريمة!
و يرى المحللون أن حالياً هناك جدل في الغرب حول تقسيم الإسلام إلى قسمين آخرين أيضاً: الأول هو الإسلام في أوروبا، والثاني هو: إسلام أوروبا [4]..
القسم الأول يقصد به ما أوضحناه آنفاً من أن أبناء الجاليات الإسلامية نزحوا من بلدانهم الأصلية مهاجرين ليستوطنوا أوروبا في كانتونات، شبه مغلقة، وخطورة هذه الحال أن المسلمين في أوروبا يكونون معزولين طوال الوقت عن المجتمع الذي يعيشون فيه.
والقسم الثاني هو إسلام أوروبا، أي أن أوروبا جغرافياً وزمانياً لها صفات مختلفة عن صفات الحيز الجغرافي العربي أو الإسلامي، ومن ثم فمن حقها أن يصطبغ إسلامها بطابعها الخاص يتناسب مع واقعها و بيئتها وظروفها الاجتماعية و العرقية.
ويبدو للباحث أنه لا ضرر ولا ضرار من هذا التقسيم، لأن الواقع العالمي الإسلامي يشهد بهذه الحقيقة الواقعية، كما هو الحال في إسلام إندونيسيا و ماليزيا و تركيا و البوسنة و الهرسك و كوسوفا [5]، و إسلام مصر، و إسلام الإمارات، و إسلام السودان و سوريا.
تشير بعض البحوث و الدراسات أن المسلمين في الغرب هم هدف لليمين المتطرف، ومن الثابت أن الحرب قائمة بين يمين أوروبا ومسلميها. كما اشتهر في فرنسا زعيم حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على عدائه الدائم للعرب، ورفضه بناء مساجد لهم، ورفعه لشعار: فرنسا للفرنسيين، وليس للعرب أو المسلمين.
ومن هذا الحزب في فرنسا خرجت جماعات أكثر تطرفا مثل جماعة النازيين الجدد.
إن هذه الكراهية لم يسلم منها حتى مسلمو بلجيكا إبان أحداث 11من سبتمبر. فقد كانت هناك تهديدات بالقتل والحريق طرد أبناء [6] الجالية الإسلامية في الليل والنهار، قد وفوجئ الجميع بشعارات وكلمات قاسية مكتوبة على جدران مسجد بروكسل تحث على كراهية العرب، وطرد المسلمين، مع أن الدستور البلجيكي ينص على السماح بحرية الأديان وحرية التعبير للأفراد.(12/276)
و يرى بعض المحللين أن تلك التصرفات كانت فردية من عناصر يمينية متطرفة، التي تعادي الأجانب بصفة عامة، و أن أحداث سبتمبر سببت ردود فعل سلبية على الجاليات العربية مدفوعة بالدعاية الأمريكية الصهيونية، بأن المسلمين وراء كل الأحداث الإرهابية. هذا الموقف جعل الدول الأوروبية تتشدد في التعامل مع المسلمين وتضع أنشطة الجاليات تحت الرقابة وتحجر على أموالها وتصادرها أو تجمدها، وفي هذا خسارة كبيرة للمسلمين في أوروبا و في أمريكا، خاصة المنظمات التي لها توجهات خيرية في مساعدة وإنقاذ فقراء المسلمين في العالم والمنكوبين منهم.
يذكر أن عدد المساجد في بلجيكا هو 290 مسجد ودار عبادة، و أن إجمالي عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي كافة يبلغ حوالي عشرين أو خمسة و عشرين مليون مسلم، وهذا ويشكل الإسلام ثاني أكبر ديانة في بلجيكا متفوقا بذلك على الديانة اليهودية والبروتستانتية. ويتم تدريس مادة الإسلام في المدارس البلجيكية منذ عام 1975م، وذلك تأسياً بتدريس الديانات الأخرى، كما يقوم حوالي 700 مدرس ومدرسة من المسلمين المنتشرين في أرجاء البلاد بتعاليم الإسلام في المدارس الابتدائية والثانوية و لمدة ساعتين أسبوعياً، وبدورها تتولى الدولة دفع رواتب مدرسي الدين الإسلامي الذين يزيد عددهم عن سبعمائة معلّم ومعلمة [7].
أما حال مسلمي آمريكا، فقد ذكرت مجلة (Us n صلى الله عليه وسلم ws and wo صلى الله عليه وسلم ld صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم po صلى الله عليه وسلم t ) أن الحكومة الأميركية وضعت برنامجاً واسعا لمراقبة نحو 120 مسجدا وموقعاً يرتاده مسلمون في الولايات المتحدة، وذلك بحثاً عما تعتبره الإدارة الأميركية قنابل نووية محتملة. وأوضحت المجلة على موقعها الإلكتروني أن المواقع التي كانت تخضع للمراقبة تشمل مساجد ومنازل ومتاجر ومستودعات ومواقع مماثلة يرتادها مسلمون أميركيون في العاصمة واشنطن وخمس مدن أخرى، بحجة مكافحة عمليات إرهابية محتملة، مع أن المحللين الإسلاميين يرون أنه لا يوجد دليل أو حتى جزء من دليل يجعل الإدارة تشك في مسلمي الولايات المتحدة ونزاهتهم، وأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الأميركي. واعتبر المحللون الإسلاميون أن هذا الأمر ستكون له انعكاسات سيئة جدًا على العلاقة بين الجالية المسلمة والإدارة الأميركية، مشيرا إلى أن ذلك سيشكل أزمة لواشنطن في كسب عقول وقلوب المسلمين في العالم، بينما تسلب حرية المسلمين داخل الولايات المتحدة !.
لقد طالب رؤساء الجاليات الإسلامية الكونغرس بأن يمنح ضمانات ويقلص صلاحيات الحكومة الأميركية إذا كان هناك تجاوز للدستور في الإجراءات التي تتخذها في إطار تنفيذ قانون الوطنية [باتريوت آكت] الذي قال إنه لا يعطي الصلاحية لمراقبة ورصد الأماكن الخاصة [8].
أما حال مسلمي فرنسا فهناك عندهم «الفوبيا» من الإسلام التي سيطرت على الجميع، أصبح كل مسلم هو بالضرورة إرهابياً يجب التخلص منه بطريق أو بآخر.
وأصبح أنظار الناس تتجه إلى مساجد المسلمين بهدف تطهيرها من دعاة العنف و أن على الدول الأوربية ألا تقبل الوعاظ والمشايخ والأئمة القادمين من الدول الإسلامية ، و إنما يجب أن تنشأ لهم معاهد متخصصة في تخريج الأئمة والوعاظ. و العجيب في الأمر أن عدد مسلمي فرنسا يبلغ حوالي 4 ملايين ورغم ذلك لا صوت مسموعا لهم.. أما يهود فرنسا لا يزيد عددهم على 600 ألف شخص، فهم يملأون الساحة ضجيجا وتأثيراً، بل ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها [9].
أما في هولاندا فقد أصدرت وزارة الداخلية الهولندية قراراً يجبر دعاة الإسلام ووعاظه على تعلم اللغة الهولندية لكي يتاح لهم إلقاء الخطب بلغة أهل هولندا وليس باللغة العربية.
والسبب من وراء هذا الإجبار هو أن يعرف المسئولون عن الأديان ماذا يقوله أئمة المسلمين في المساجد بعد أن حذرهم البعض من أن الخطب التي تلقى باللغة العربية قد تشمل تحريضاً على العنف وكراهية الآخر.
بينما لا تجد هذه الفروق و هذه الكراهية في دولة غربية أخرى مثل سويسرا. المسلمون في سويسرا يستغلون ظروف الحرية المتاحة ليطالبوا بالاعتراف بدينهم رسمياً وتسهيل إعطائهم الجنسية السويسرية. ويعيش نحو نصف مليون مسلم في سويسرا من جاليات ألبانية و تركية و بوسنية و عربية و آسيوية منذ عقدين من الزمن أو أكثر، و أن حالهم أفضل من حال المسلمين في بلدان غربية أخرى.
أما الأسباب لهذه الميزة، فلعل أولها أن سويسرا لم تكن يوماً ما دولة استعمارية. يقول المحللون الإسلاميون في سويسرا أنه: لا يستطيع مسلم في سويسرا أن يشكو من شيء، فنحن نتمتع هنا بحقوق وحرية وعدالة، لا نتمتع بها في أيّ بلد من بلداننا الأصلية. وتتعامل السلطات السويسرية مع الجالية المسلمة بتسامح وتساهل وبكثير من المساواة [10]، و بخلاف بعض الحكومات الغربية، لا تحمل السلطات السويسرية المسلمين وزر أخطاء البعض منهم وما يرتكبونه من مخالفات أو جرائم.(12/277)
أما عن ارتياحهم و استقرارهم النفسي و الفكري لمسلمي سويسرا فيرى بعض المسلمين أن من العناصر الايجابية التي حسّنت صورة المسلمين في سويسرا ودفعت عملهم التنظيمي إلى الأمام، تدفق أعداد غير قليلة من اللاجئين السياسيين ذوي الثقافة العالية والوعي المعمق، فبعد أن كانوا يفكرون بعقلية السائح أو ابن السبيل المهجر باتوا الآن يفكرون بعقلية المواطن، و إن كان بشكل عام الشعب السويسري يحمل فكرة تضارب الحضارات أو صراع الحضارات، و ذلك بسبب تشويه صورة الإسلام من قبل الوسائل الإعلامية العالمية [11].
وفي أسبانيا حدثت سلسلة مواقف عنصرية ضد العرب والمسلمين وحرق فيها الأسبان حقول عدد من العرب وحطموا سياراتهم. والسبب هو كراهيتهم لكل ما هو عربي ومسلم وإصرارهم على طرد هؤلاء الغزاة كما يسمونهم.
و يرى المحللون أن هناك رأياً من جانب دول عديدة في الغرب يصر على تهميش أي دور لمسلمي أوروبا والسعي لتمزيقهم ليظلوا مفككين.
المبحث الثالث: المسلمون في جزيرة البلقان – أوربا الشرقية [12].
حول أوضاع المسلمين في البلقان و أوربا الشرقية كتب كثير من الكتاب الغربيين وغيرهم، و لكن سمة و طابع تلك الدراسات هي أنها غير موضوعية و أحادية النظر، و كتبت لأهداف تنصيرية و تبشيرية، مما يجعل الباحث المسلم يتوقف أمام كثير من الحقائق التي ذكروها. فأفضل ما رأيت من تحدث عنهم هو الرئيس البوسني الراحل رحمه الله علي عزت بيغوفيتش Alija Iz صلى الله عليه وسلم t B صلى الله عليه وسلم govic رئيس جمهورية البوسنة والهرسك سابقاً في محاضرة له، و نحن سنقتبس قبسات من تلك المحاضرة، حيث قال رحمه الله:
" أن هناك خمسة وعشرون مليون مسلم [13] يعيشون في بلدان قارة أوروبا، وذلك بحسب تقديرات عام 1986م.. و أضاف بيغوفيتش أن المسلمين في البوسنة والهرسك وألبانيا [14] - أي بلاد البوشناق والألبان - يختلفون في واقعهم عن مسلمي البلدان الأوروبية الأخرى، فهاتان الدولتان لا يمثل المسلمون فيهما أقليات عرقية أو دينية.
أما بالنسبة للجذور التاريخية لوضعهم، فأضاف رحمه الله: أنه يمكن القول إن هناك ثلاث مجموعات رئيسية من المسلمين في أوروبا، المجموعة الأكبر توجد في الجزء الأوروبي من الاتحاد السوفيتي السابق، وخاصة في الاتحاد الروسي، والثانية - وهي الأحدث- يعيش أفرادها في دول غرب أوروبا وهم من المهاجرين وأنجالهم والأوروبيين المتحولين إلى الإسلام... والثالثة وهي الأقدم وهي التي تعيش مجموعات في منطقة البلقان [15].
وأما بالنسبة للحقوق الدينية والحريات والحياة الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فذكر رحمه الله: فإن المجموعة الأولى هي في الوضع الأصعب بلا شك، وذلك نتيجة لمرحلة الأيديولوجية الإلحادية والشوفينية الروسية وتدهور الاقتصاد، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي توسع مدى حقوقهم الدينية، ولكن وضعهم الفعلي لم يتغير...
أما مسلمو غرب أوروبا فيمثلون عالم الشتات الإسلامي في أوروبا وتختلف أوضاعهم باختلاف أنظمة وثقافات البلدان التي يعيشون فيها...إن الأسباب الاقتصادية هي من العوامل الحاسمة في هجرة المسلمين إلى أوروبا...
إن وضع مسلمي البلقان كونهم سكاناً أصليين في أوروبا يحظى بأهمية كبرى بالنسبة لوضع الإسلام في أوروبا، وعلاقة المسلمين مع أوروبا، وخاصة مع حرصهم على الحفاظ على التراث الإسلامي رغم الضغوط التي كادت أن تقضي عليهم في بعض الحالات كما حدث لمسلمي البوسنة والهرسك و لمسلمي بلغاريا [16] ، و هنغاريا [17].
وفي ألبانيا [18]، حاول الملحد أنور خوجة ثني الألبان عن الإسلام طوال نصف قرن من حكمه الجائر - وكما حاول الرئيس الصربي المجرم الذي هلك قبل بضعة أيام في زنزانته التي كان يقبع فيها في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فقد حاول هو الآخر بكل ما أوتي من قوة عسكرية و إيديولوجية أرثودكسية و حقد صليبي ضد الإسلام و المسلمين أن يطهر أرض كوسوفا تطهيراً عرقياً و دينياً، و لكن أبى الله عز وجل إلا أن يفشل هذا المجرم و أعوانه في هذه الخطة بفضل جيش تحرير كوسوفا ثم بفضل تدخل قوات حلف الشمال الأطلسي ناتوا، لقصف المناطق والمدن و القوات الصربية، والحمد لله رب العالمين
لقد أصبح العالم الحديث أكثر ترابطاً بسبب العلوم والتقنية الحديثة والاتصالات والسياسة والاقتصاد والرياضة والسياحة، وأصبح العالم يتقلص جغرافياً، ولكن مع كل أسف لم يؤد ذلك إلى تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو بين مناطق العالم المتطورة وغير المتطورة، بل على العكس فقد أصبحت الفجوة أكبر، فبعد الإمبريالية العسكرية جاءت الإمبريالية الاقتصادية، ونحن الآن نشاهد الإمبريالية التقنية.
أما قضية و فكرة التعايش بين الثقافات،(12/278)
إن البعض ينظر إلى هذه الظاهرة بشكل مختلف، ويفسرها على أساس صراع بين الحضارات الغربية والإسلامية، وأشهر هؤلاء صموئيل هنتنجتون، ولكن اعتقد أن التاريخ يثبت عكس ذلك، فكثير من الثقافات عاشت جنباًً إلى جنب، وتمازجت وتعاونت، واستمرت في العيش، ومع ذلك فهناك اعتقاد قوي بأن تاريخ العالم يتحرك من الشرق إلى الغرب وفق ملاحظة بعض المحللين..[19].
أما عن الأوضاع الحالية الدينية و السياسية و الاجتماعية في البوسنة و الهرسك[20]، و كوسوفا [21]، فيرى المحللون المسلمون أن الأوضاع الراهنة ما زالت متدهورة إلى حد بعيد جداً. فيرى الخبراء المسلمون أن كثرة الوعود التي قطعها المجتمع الدولي تجاه هاتين الدولتين، فإنهم قد حققوا الشيء اليسير منها. فهل استتب الأمن والاستقرار وهل عاد اللاجئون إلى ديارهم؟ وهل ردت الحقوق أو بعضها إلى أصحابها؟ أم أن وعود المجتمع الدولي بإعادة البناء والاستقرار وبضخ ملايين الدولارات التي صحبتها ضجة إعلامية كبيرة ما هي إلا جعجعة في فنجان ومسرحية للضحك على ذقون الضعفاء تكررت في البوسنة وكوسوفا ومقدونيا وصربيا وأفغانستان؟
لقد تورطت الشرطة الدولية و القوات المتعددة الجنسيات لحفظ الأمن و السلام في البوسنة و كوسوفا في فضائح الفساد والرشوة والرذيلة، فكما أشارت صحيفة Washington Post ،فقد أدينت تلك الشرطة بتهم كثيرة منها التلاعب والفساد والتورط في قضايا جنسية مما جعلها تعيد الكثير من هؤلاء المتورطين إلى بلادهم دون تحقيق، وقد حظيت أمريكا بالنصيب الأكبر من هؤلاء الفاسدين، وبلغ عدد الذين تم إرسالهم إلى بلادهم 1832 منهم 161 أمريكي، وإنهم في الحقيقة ليسوا هناك إلا للتمتع بأطيب الأوقات. فكيف يمكن لبعثة ينخر فيها الفساد القيام بحفظ الأمن وتدريب شرطة البوسنة والهرسك، وعلى ماذا ستدربها يا ترى؟
من منا لا يتذكر الفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبها الجيش والمدنيون الصرب ضد المسلمين [22] , فقد اغتصبوا النساء, وعذبوا الرجال, ودفنوا عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفا أحياء, ولا تزال حتى اليوم تتم عمليات كشف لمقابر جماعية [23]، وأن جنود هولندا تواطؤوا بالتستر على قوات الصرب, وأفسحوا لهم المجال لإسقاط مدينة سيربيرنيتشا المُسلمة S صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم b صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم nica ،واعترفت الحكومة الهولندية بجرائم أبنائها الذين شاركوا الصرب في التستر على مذبحة ضد المسلمين.
ماذا كسب مسلمو البوسنة والهرسك و كوسوفا من القبض على الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوشوتش Slobodan Miosh صلى الله عليه وسلم vic ؟ و حتى الآن لم يتعاون المجتمع الغربي فيما بينه على قبض المجرمَين الآخرَين المطلوبين لدى المحكمة الجنائية، راتقو ملادتش صلى الله عليه وسلم atko Mladic و رادوفان كاراجيتش صلى الله عليه وسلم adovan Ka صلى الله عليه وسلم axhic ، فأي عدل هذا و أي نصرة لهذين الشعبين المظلومين في القرن العشرين !! [24].
نتيجة لهذه الإهمال الغربي المتعمد في إعطاء الحقوق السياسية و الاجتماعية و الدينية لمسلمي البوسنة و كوسوفا، فيرى المحللون أن الشعوب المسلمة في البوسنة وكوسوفا ومقدونيا راحت ضحية للظلم وهضم الحقوق مرتين، الأولى عبر جرائم الصرب، والثانية عبر تآمر الدول الكبرى داخل منظومة المجتمع الدولي، التي هضمت حقوقها وعلقت مصيرها وعطلت كفاحها المشروع، وعاقبتها بسلسلة من الإجراءات البيروقراطية والمشاريع الوهمية وأدخلتها في متاهات من الوعود، فزادت معاناة الناس مما أدى بهم إلى اليأس والإحباط ولم يعد أمامه إلا خيارين: الهجرة أو خيار الانزلاق في عالم الجريمة التي انفتحت أبوابها وتهيأت ظروفها ..[25].
فهذه نظرة موجزة عن أوضاع الجاليات الإسلامية في الغرب، و الآن لننظر ما الذي يجب اتخاذه لضمان حقوقهم في الغرب.
المبحث الرابع: التوصيات و التشريعات المطلوبة تنفيذها لضمان حقوق الأقليات الإسلامية
للخروج من هذه الأزمة الفكرية و الدينية و الاجتماعية التي ألمت العالم الإسلامي والغربي معاًً ينبغي للجاليات الإسلامية و المجتمع الغربي اتخاذ هذه الخطوات:
1- بذل مزيد من الجهود من قبل قادة الأديان على تعزيز و تقوية العلاقات الإنسانية عن طريق الحوار ومحاربة التميز العنصري، و توحيد الجهود لمحاربة الفساد و الرذيلة و المخدرات و البطالة و الاهتمام بالبيئة و تطبيق القانون في البلد الذي يعيشون فيه..، ففي هذه المجالات يمكن التعاون فيها مع أهل الكتاب [26].
2- الاهتمام بمشاكل المسلمين الاجتماعية من قبل المؤسسات السياسية الغربية، و معالجة قضاياهم و رفع شكاويهم و مطالبهم و اقتراحاتهم إلى الجهات المعنية و المسؤولة، و الاعتراف بحقيقة تاريخية أن الغرب مدين للإسلام و المسلمين علمياً و حضارياً.(12/279)
3- إعطاء حق التعليم المدرسي والجامعي لأبناء و بنات الجاليات المسلمة، و إبطال فكرة الأصولية الإسلامية التي يتخوفون منها، و ذلك بتخصيص مدارس و مرافق تعليمية الخاصة بهم، كما فعلت هولاندا بتخصيص ست مدارس تحت الإشراف الحكومي المشدد، و كما لليهود و المسيحيين مدارسهم الخاصة.
4- يجب معاملة المسلمين بالتساوي، و عدم تشريع قوانين تمس الإسلام مقدسات المسلمين،كما هو الحال مع وزير التربية والتعليم في فرنسا الذي أجبر سبعمائة فتاة مسلمة على خلع و نزع حجابهن تحت نار التهديد بالفصل من المدارس.
5- عدم التعرض بالأذى للصحوة الإسلامية المتزايدة بين الرجال و النساء و الشباب و الفتيات، والتي من مظاهرها التمسك بمبادئ الإسلام و ارتداء الحجاب و الذهاب إلى المساجد و المصليات، و إقامة الاجتماعات الدينية و الندوات العلمية و ممارسة النشاطات الدعوية، بشرط أن يتم ذلك ضمن القانون المسموح به في البلد الذي يعيشون فيه.
6- السماح للمسلمين بممارسة الحقوق السياسية و الانتخابات الحرة، وحق العضوية في البرلمان، حتى تتسنى لهم من خلالها مناقشة قضاياهم الاجتماعية والسياسية، و حتى يخرج المسلمون من هذه العزلة السياسية و الاجتماعية.
7- على الجاليات الإسلامية في الغرب أن يتحدوا فيما بينهم و يوحدوا صفوفهم على مبدأ الشورى، و ذلك باختيار ممثلين من بينهم. بهذه الطريقة و بهذه الوحدة يكون لهم صوت مسموع لدى الجهات الحكومية التي ينتمون إليها.
8- على العلماء و المشايخ و الدعاة أن يفقهوا واقعهم المعيشي في الغرب، و أنهم ما داموا يشكلون أقلية في أعين هؤلاء الغربيين فإن عليهم أن يفهموا أنهم مطالبون باحترام قانون البلاد الذي يعيشون فيه، و أنه لا يجوز في حال من الأحوال التمرد على ذلك، و لا يكون الأمر كما حدث لبعض رجال الدين في هولاندا عندما أفتى بحرمة المشاركة في الانتخابات المحلية لكونهم لا يحملون جنسيات هولاندية و لأن أعضاء الأحزاب السياسية غير مسلمين ؟!
9- توضيح و بيان حقيقة صورة الإسلام و نبي الإسلام و محاسن الإسلام و مزاياه للغربيين، لأنه هناك جهل كبير في أوساطهم و بين مثقفيهم.
10- بجانب التوضيح و بيان الإسلام للغربيين، فإنه يجب توضيح و توعية الأقليات الإسلامية بالفلسفة الغربية و تنوعها العرقي و الثقافي و الديني، و أن فكرة الصراع الحتمي للحضارات و الثقافات لصموئيل هنتنغتن Samu صلى الله عليه وسلم l Huntington يجب أن لا تقبل، و يجب أن ترفض جملة و تفصيلا، و أن الأمر كما راء بعض المحللين مثل بريان بدهم B صلى الله عليه وسلم ian B صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم dham، أنه سيكون هناك بين المسلمين و النصارى تعاون و تفاهم و تنسيق أكبر بكثير من ذي قبل [27] .
11- علاوة على ما ذكر فإنه يجب على المسلمين عموماً و المسلمين الذين يعيشون في الغرب على وجه الخصوص أن يقوموا بدور فعال أكبر على إيجاد توفيق بين الإسلام و العلوم الاجتماعية الحديثة و تطور الثورة التكنولوجية و الصناعية الحديثة، حتى يتم من خلال هذا التوفيق و الحفاظ على الهوية الدينية و العرقية في بيئة غير مستقرة علمياً و ثقافياً وتكنولوجياً و صناعياً.
12- هذا التوفيق بين الإسلام و العلوم الإنسانية الحديثة لا يتم دون فتح باب الاجتهاد الجديد و تجديد الخطاب الديني [28] ، في هذا العصر و بالذات في الغرب، لمواجهة التحديات العصرية الحديثة و التطورات الاجتماعية و الثقافية، و أن لا نكتفي بالاجتهادات القديمة قبل مئات السنين.
13- المسلمون أدركوا الآن حقيقة شروح و تفاسير العلماء القدامى، حيث أنهم صاغوا تلك الشروح و التفاسير لبيئات ذات أغلبية إسلامية في أزمانهم، وليس كالأقلية بين أظهر غير المسلمين. هناك حاجة ماسة للشروح و التفاسير التي ترشد المسلمين و تلبي حاجاتهم كالأقلية، و بالطبع هذا لا يتم إلا باجتهادات جديدة من قبل العلماء و المفكرين، أهل الحل و العقد في هذا العصر [29].
14- نطالب الغرب بالاعتذار الفعلي، ومن مظاهر هذا الاعتدال: تغيير المناهج الدراسية التي تشوه صورة الإسلام في أهان الأطفال المسلمين و غيرهم في الغرب.
15- إيقاف سلسلة موجات الكراهية التي تدعو إلى الاستعداء الحضاري و الثقافي.
16- سن قوانين دولية و محلية تجرم كل من يتطاول بالإساءة و الازدراء إلى الأديان.
17- لوقف موجة الغضب العالمي و الإسلامي في هذه الأزمة، فإنه يتوجب على الغربيين أن يكفوا أيديهم و ألسنتهم عن الظلم و التعسف تجاه المسلمين..
18- على الأطراف المعنية بالسلام ( المسلمون و الغربيون ) أن يصبوا جل جهودهم و طاقتهم الفكرية و الدينية إلى صناعة و توليد الحب بين الناس، بدلاً من صناعة و توليد البغض والكراهية [30].
19- إنشاء مواقع على الانترنت متعددة اللغات، بغرض التعريف عن حقيقة الإسلام و شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ..(12/280)
20- غرس الحقيقة الدينية في قلوب الغربيين و الجاليات الإسلامية، أن الإسلام ينظر إلى العالم على أنه أسرة بشرية واحدة، متعددة الأعراق و اللغات، يجب التعايش السلمي و يجب قبول الآخر و الحوار مع الآخر، فنحن و هؤلاء إخوة في الإنسانية،كما قال تعالى: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {، (النساء:1)
20- كما قال الله عز وجل: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ (الحجرات:13) .
21- غرس المبدأ الإسلامي في نفوس الغربيين و الجاليات الإسلامية في الغرب أن ديننا دين تسامح و عفو و صفح عن الآخر، قدوتنا في ذلك القرآن الكريم و سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .
22- غرس الفكرة الإسلامية في نفوس الغربيين و الجاليات الإسلامية على حرمة سباب الآخر أو إهانته أو إذلاله، قال تعالى: } وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{، (الأنعام:108).
23- لا بد من محاصرة الفتنة و إخماد نارها و تضييق إطارها، و لا سبيل إلى ذلك إلا بتعاون الطرفين عن طريق الحوار المتبادل.
24- اجتماع الجاليات الإسلامية و اتفاقهم مع الغربيين على ضرورة نشر الأخلاق الفاضلة من صدق و أمانة و شرف و عزة و إيجابية و كرامة وحرية، و محاربة الأخلاق الذميمة من كذب و غش و سرقة و زنا و مخدرات. فهناك أرضية مشتركة مع هؤلاء القوم في المجالات المذكورة..
25- أيضاً يجمع الجاليات الإسلامية خاصة و المسلمين عامة مع الغربيين، الاتفاق على التبادل المادي و الثقافي و المعرفي و التجاري و الحضاري و العلمي..[31].
26- لا نقبل أن يكون انتصارنا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق العنف والحرق و التدمير لممتلكات الآخرين، و ندين الهجمات الأخيرة على سفارة الدانمرك و النرويج في بيروت و دمشق. و إنما السبيل إلى ذلك الإنكار علناً و الإدانة جهراً بكافة السبل و الوسائل الإعلامية، و الدفاع عن المقدسات الإسلامية بالطرق المشروعة ، مضمونة العواقب و مثمرة النتائج و ضمن و الضوابط الشرعية سلمياً.
27- للتخفيف عن آلام و أحزان و مشاعر المسلمين قاطبة و الجاليات الإسلامية خاصة، فإن على دولة الدانمارك و الدول الغربية الأخرى التي نهجت نهجها، أن تكون أكثر إيجابية و أكثر واقعية في التعامل مع الأزمة الراهنة، و أن لا تكتفي فقط بالشجب و الإنكار، بل عليها أن تتخذ الخطوات الجادة و اللازمة في حق هؤلاء الذين أفسدوا أمن البلاد و كدروا صفاء الجو الثقافي و الاجتماعي، وذلك بإجبارهم على تقديم الاعتذار الرسمي، و إلا فالعقوبات تكون صارمة و قاسية [32].
28- بيان للغربيين و للأقليات الإسلامية في الغرب أن الشريعة الإسلامية الغراء بكل ما جاءت من أحكام و شرائع و قيم تنسجم و تتفق مع تطلعات الإنسان و تحمي حقوقه في كل مكان، أياً كان دينه و مذهبه،و لا يوجد هذا في بقية الشرائع العالمية..[33] .
29- نقول للغربيين: يا أيها الغربيون لا تؤذوا الإسلام و المسلمين و لا تخافوا من الإسلام: " .. إن الإسلام الحقيقي ليس هو الخطر على الغرب أو الحضارة الغربية... إن الإسلام هو العلاج الذي يحمي الحضارة الغربية من الانهيار و يشفيها من الأمراض..(12/281)
30- أيها الغربيون: إن الخطر الحقيقي الذي يتربص بكم و بحضارتكم هو الفساد ذاته الذي سرى إلى جسم الإمبراطورية الرومانية و قضى عليها. لقد انصرفتم كلياً في معاملتكم مع الكون إلى الآلة ( المادة )، و نسيتم أن الآلة هي التي ينبغي أن تكون في خدمة الإنسان و ليس العكس... العلم يستوجب بالدرجة الأولى أن يتناول الإنسان من حيث ذاته: من هو؟ ما مصدره ؟ و إلى أي شيء مآله ؟ ما الغذاء الذي يجب أن يقدم لروحه ووجدانه؟ ما هي أهمية الأخلاق في حياته ؟...هذه المصيبة هي التي أورثت إنسان الحضارة الغربية فراغاً في فكره و فراغاً في وجدانه، و فراغاً في إدراكه لعلاقة ما بينه وبين الكون...الكبار منهم لديهم فراغ روحي و عاطفي، ولكنهم مستغرقون في الوظائف و الأعمال العلمية أو السياسية أو الاجتماعية أو المعيشية...إن الذي يشعر بهذا الفراغ الروحي الموحش و المخيف الجيل الجديد، لأنه لا يوجد ما يشغل وقته بتلك الوظائف المختلفة...ألا ترى كيف يفر أحدهم من نتائج هذا الفراغ الفكري و العاطفي إلى أسباب الذهول و النسيان المتمثلة في أنواع المخدرات و المسكرات و أنواع الشذوذ كلها، بدءاً من شذوذ الفكر، إلى شذوذ اللهو الجنوني، إلى شذوذ الجنس، فشذوذات الجريمة و القتل..وأن40% من المدارس الابتدائية في أمريكا يتم إخضاع تلاميذها لجرعات ممددة من المخدرات تحت إشراف أطباء متخصصين لضرورة توفير ما لا بد من التوازن الفكري لديهم..إذن هذا هو الخطر الذي يهدد الحضارة الغربية و ليس الإسلام. فما العلاج ؟
31- العلاج أن يوجه الغرب اهتمامه إلى الإنسان أكثر في تكوينه الكلي و التعرف على أشواقه و حاجته الروحية و التي لا مجال لإنكارها، و العمل بجد على إجابة الأسئلة السابقة، ضمن مقاييس العلم المنضبط بعيداً عن الخرافات و الأوهام، التي يتقبلها الشباب الغربيون بسبب الفراغ الروحي..إن الذي ينجدكم و يعرفكم على الحقيقة الكلية للإنسان هو الإسلام..
32- لا نقول لكم أيها الغربيون تعالوا و اعتنقوا الإسلام، و لكننا نقول لكم: تفهموا الإسلام بعيداً عن الخرافات و الأفكار الدخيلة، فلسوف تنسجم حقائقه مع تطلعاتكم العلمية و تستأنسون به ولسوف تدركون أن الإسلام هو الملاذ للناشئة من الضياع..
33- المطلوب: هو التخلي عن نظرتكم إلى الإسلام على أنه خطر داهم، و النظر إليه على أنه صديق صدوق و ملاذ عند الحاجة، وترك كل من يرغب في دراسته ثم اعتناقه دون أي تضييق..
34- فالإسلام هو العلاج لشيخوخة الحضارة الغربية قبل أن يدركها الموت.." [34].
35- هناك:"... مسؤوليات للأقليات الإسلامية نحو المجتمع الذي يعيشون فيه. إن مبدأ الوفاء يقتضي أن يبادل المسلمون المقيمون في الغرب ما قدمه الغرب إليهم من علم وتقنيات وغيرها, فيقدم المسلمون لهم بما يتوافر لديهم من مقومات الحضارة الإنسانية التي لا تتوافر لدى الغرب, والغرب بأشد الحاجة إليها.
36- إذا كان المسلمون يعانون من فقر في هذا الجانب, فإن الغرب أيضًا يعاني أبناؤه من أمراض في أوضاعهم الاجتماعية وتصوراتهم الفكرية والإعتقادية, وفي مجال الصحة النفسية. لقد آن للإنسان المسلم أن يؤدي واجبه في إنقاذ المجتمع الإنساني عامة والغربي خاصة من هذه المعاناة التي يقاسي منها. وأن يسعى للتخفيف من الأرقام المخيفة التي تتفاقم يومًا بعد يوم.." [35] .
37- إن على المسلم أن يقدم نفسه إلى المجتمعات التي يعيش فيها من خلال هويته الإسلامية بصورة صحيحة وصادقة, بحيث يترجم الإسلام الذي أنزله الله تعالى؛ ليتيح للمجتمعات التي يعيش فيها أن تتعرف على الإسلام الحقيقي، من خلال فكره وسلوكه وأخلاقه وعلاقاته. وعندئذ يتم تبادل الثقافات وحوار الحضارات بصورة واقعية, لا من خلال الدعوة الكلامية أو على الورق فقط.
38- إن واجب الجالية المسلمة في الغرب أن تكون مظهرًا للانسجام مع البيئة, ولكن ليس من خلال ذوبان الشخصية, وإنكار الأصل الذي انحدرت منه والهوية التي تنتسب إليها, بل من خلال الأخلاق التي تجعل الفرد من أبناء هذه الجالية موضع تقدير واحترام، وتجسد الصورة الصحيحة لهذا الدين.
39- إن على الجالية المسلمة أن تحترم النظم السائدة في المجتمع الذي تعيش فيه, بمقدار ما تكوّن هذه القوانين والنظم صورة حضارية تجسد كرامة الإنسان وإنسانيته، وبمقدار ما تكون سببًا للأمن والاستقرار في المجتمع الذي يعيشون فيه؛ لأن ذلك قاسم مشترك بين المبادئ الإسلامية وتلك النظم.
40- إن هذا يوجب على الجالية المسلمة أن تكون سفير صدق لدينها, ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانوا صورة تجسد بصدق مبادئ هذا الدين وأخلاقه. عندئذ سيجدون أثر ذلك في هذا المجتمع الغربي وغيره يتجلى في أعظم مظاهر التقدير والاحترام..
41- إن أول مسؤول عن تشويه صورة الإسلام والمسلمين في نظر الآخرين هم المسلمون أنفسهم, عندما يتناقض كلامهم مع أفعالهم, ويحملون اسم الإسلام ولكنهم في تصرفاتهم وأخلاقهم على نقيض ذلك [36] .(12/282)
فهل يتم خلاص البشرية على أيدي المسلمين من جديد؟
و هل يكون المسلمون سببًا لسعادة البشرية وخلاصها مرة أخرى ؟
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 18.03.2006
المدينة المنورة
===================
الحرب على الإسلام وواجب الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب على الإسلام وواجب الأمة
عبدالله جاب الله
رئيس حركة الإصلاح الوطني – الجزائر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيد الأولين والآخرين ، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه واستن بسنته إلى يوم الدين .
أصحاب الفضيلة والمعالي أيها الأخوة والأخوات ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
إن ما حصل في الدانمرك وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي من عدوان صارخ على رسول الله ، هو عدوان على الإسلام عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق وعدوان على المسلمين حضارة وتاريخاً وواقعاً وآفاقاً مستقبلية ، وهو حلقة في مسلسل العدوان الغربي على الإسلام ، فهو لذلك ليس فعلا مفرداً ولا كما حاول البعض تصويره ، ومن قام بذلك ليسوا أفرادا شاذين أو مخمورين كما حاولت بعض الجهات وصفهم ، وإنما هم أفراد تجاوبوا مع الحرب الثقافية على الإسلام والمسلمين ، ومع الهجمة الصهيوأمريكية على الإسلام التي ظهرت معالمها بشكل سافر منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ومن المفيد أن أذكر نماذج من هذه الهجمة والحرب على الإسلام والتي اشترك فيها الرؤساء والوزراء والكتاب والصحافيون .
1. وصف بوش الابن ما تقوم به أمريكا في تصريح له يوم 16/9/2001 بأنها حملة صليبية ، ووصف جميع أنواع المقاومة الإسلامية ومنظمات الجهاد بالإرهاب .
2. وصف توني بلير في 17/9/2001 هذه الحرب بأنها حرب المدنية والحضارة والغرب ضد البربرية في الشرق
3. أعلن بيرلسكوني في 26/9/2001 أن الحضارة العربية أرقى من الحضارة الإسلامية ولا بد من انتصار الحضارة الغربية الذي يجب أن يُهزم لأنه لا يعرف الحرية ولا التعددية ولا حقوق الإنسان ، وأن الغرب سيواصل تعميم حضارته وفرض نفسه .
4. في 18/11/2001 صرح بوش أن الحضارة الغربية التي أعلن الحرب للدفاع عنها هي حضارة اليهود والمسيحيين ، ووجه تحذيرا لبعض الحكام يطالب فيه بتوقف الإعلام في بلادهم عن حملة الكراهية لأمريكا وإسرائيل .
5. صرحت تاتشر في مقال لها ملخصه أن المسلمين الذين يرفضون القيم الغربية أعداء أمريكا وأعداؤنا .
6. صرح وزير العدل الأمريكي جون استكروفت قائلاً : إن المسيحية دين أرسل الرب فيه ابنه ليموت من أجل الناس ، أما الإسلام فهو دين يطلب الله فيه من الشخص إرسال ابنه ليموت من أجل هذا الإله .
7. صرحت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت قائلة : إننا معشر الأمريكيين أمة ترتفع قامتها فوق جميع الشعوب وتمتد رؤيتها أبعد من جميع الشعوب .
8. صرح وزير الداخلية الألماني أوتوشيلي أن عقيدة الإسلام عقيدة هرطقة وضلال .
9. صرح السيناتور الديموقراطي الأمريكي جوزيف ليبرمان الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس قائلاً : أنه لا حل مع الدول العربية والإسلامية إلا أن تفرض عليها أمريكا القيم والنظم والسياسات التي تراها ضرورية .
10. تصريحات أشهر كتاب ومفكري الإستراتيجية في أمريكا صموئيل هنتجنون وفرانسوا فوكوياما تدعو لتكون الحرب داخل الإسلام حتى يقبل الإسلام الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي –العلماني – فصل الدين عن الدولة .
والحداثة في المصطلح الغربي تعني القطيعة المعرفية مع الموروث الديني ، وجعل الإنسان سيد الكون ،ومحور الثقافة – بدلاً من الله – وإحلال العقل والعلم والفلسفة محل الله والدين .
11. أعلن الكاتب اليهودي الأمريكي المقرب من دوائر صناعة القرار الأمريكي أن الحرب الحقيقية هي ضد الفكر الإسلامي والتربية والتعليم الإسلاميين .
ولم يقتصر الأمر على التصريحات والإعلانات بل شرعت أمريكا ومنذ سنوات وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في إصدار الأوامر للأنظمة في العالم العربي والإسلامي بتهيئة نفسها للدخول في حضيرة العولمة بمظاهرها المختلفة وقد كان التركيز بارزاً على منظومات بناء شخصية الإنسان وصناعة الرأي العام ، ومن ذلك :
1. إصدار الأوامر إلى الحكومات في العالم العربي والإسلامي بتغيير المناهج التربوية وبخاصة مناهج التعليم الديني ، وقد استجابت الكثير من الأنظمة لذلك ، منها الجزائر وباكستان ، واليمن .
2. طلب بوش الابن رسمياً من الحكومات في العالم العربي والإسلامي حذف ثقافة الشهادة والاستشهاد من مواد الفكر والثقافة والإعلام .(12/283)
3. الضغظ على الأنظمة لتعديل منظوماتها القانونية في ميدان الاقتصاد بما يفتح الباب أمام الشركات المتعددة الجنسيات ويمكنها من وضع يدها على مصادر الثروة وبخاصة النفط والذهب والحديد واليورانيوم ، وقد تجاوب كثير من الأنظمة مع ذلك ، ومنها الجزائر تحت أعذار مختلقة منها الرغبة في جلب الاستثمار الأجنبي وتنويع مصادر الدخل القومي .. فكانت النتيجة رهن أهم مصادر الدخل لإرادة تلك الشركات والمؤسسات المالية .
4. الضغط على الأنظمة للارتماء في أحضان المؤسسات المالية الأجنبية ، مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي واستغلال ذلك لغرض وصفات ضارة بالسيادة والاستقلال وضارة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والتربوي ، فقد أصبحت الدول التي ارتمت في أحضات تلك المؤسسات فاقدة لقرارها في الكثير من الميادين ، مثل سياسة الأجور والرسوم وسياسة التعليم وسياسات العمل والتوظيف .
5. تكريم الكتاب والأدباء الفاشلين الذين احترفوا الهجوم على الإسلام وقيمه وثقافته ومقدساته .
6. تشجيع النُخب النافذة في البلاد العربية والإسلامية على ر فع شعار الديمقراطية وممارسة الاستبداد في القضاء على المال والتضييق على الشباب الملتزم والجمعيات الخيرية ذات التوجه الإسلامي ، وتشجيع قوى التغريب على نشر التغريب والعلمنة وحسن معاملة النُخب المقربة ومكافأتها بالمال والإعلام والتوظيف .
7. رصد الميزانيات لتكوين الدعاة والأئمة المستنيرين الذين يحاربون العمل السياسي ويبدعونه ويفتون بوجوب طاعة الحكام وعدم جواز تغييرهم ولو بالانتخابات.
8. احتفل الغرب سنة 1992 بذكرى مرور خمسمائة عام على اقتلاع الإسلام من أوروبا _ الأندلس – بسقوط غرناطة عام 492 ثم بشن حرب الإبادة في نفس السنة على مسلمي البوسنة والهرسك .
9. وقوف الغرب مع المسيحيين في تيمور الشرقية ومساعدتهم على الانفصال على أإندونيسيا وإقامة دولة لهم ، ويحاول بشتى الطرق تقسيم السودان وإقامة دولة للوثنيين في الجنوب ، بينما يضع العراقيل أمام الشعوب الإسلامية في فلسطين وكشمير والشيشان والبلقان ،ويمنعها من الاستفادة من مبدأ حق تقرير المصير رغم قرارات الأمم المتحدة التي تعترف لهم بذلك .
10. هجومه الوحشي على أفغانستان وإسقاطه لنظام طالبان وإقامة حكومة كرزاي العميلة له .، وكذلك فعله في العراق وسعيه الواضح لتفتيت العراق وتقسمه إلى ثلاث دويلات كما مهد دستور العراق الجديد لذلك بإعطائه صلاحيات لدول الأقاليم أهم مما أعطاه من صلاحيات لدولة الاتحاد ـ، ومنحه لدول الأقاليم حقوقاً في التمثيل الدبلوماسي أهم مما منحه لدولة الاتحاد ، ثم بإعطائه نصيباً في الثروة أكبر مما أعطاه لدولة الاتحاد .
كل هذا وغيره يؤكد أن الحرب على الإسلام حرب معلنة وليست مجرد مؤامرة لأن المؤامرة تدبير سري بينما نحن نعيش حرباً معلنة ومطبقة أخذت أشكالا وصوراً مختلفة ، ووظفت فيها آليات ومؤسسات متعددة .
ولابد في تقديري من معرفة أهم خلفيات هذه الحرب ودون إطالة ، أقول :
إن التحالف الصهيوأمريكي يتبنى ما جاء في التوراة والتلمود مرجعية عقدية وفكرية وفلسفية وسلوكية له ، وتلك المرجعية تنص على أن اليهود هم شعب الله المختار " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " ، وقد أصبحت هذه العقيدة عقيدة أمريكا خاصة والغرب عامة فصاروا بسبب ذلك يعتبرون أنفسهم فوق الدول والمنظمات والشعوب فلا يخضعون لقرارات الجمعية العامة ولا لقرارات مجلس الأمن إذا كانت مخالفة لإراداتهم ولا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، ولا لمواثيق حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي ، وجميع تصرفات أمريكا وحلفائها تدل على ذلك ، ومن ذلك :
أنهم يلوثون العالم ويخرقون طبقة الأوزون دون احترام لمواثيق البيئة .
ويستخدمون الفيتو في كل قضية لا توافق هواهم فيجهضون إرادة سائر دول العالم.
يستخدمون الأسلحة النووية كيفما شاءوا وفي أي وقت شاءوا مثل الذي حصل في هيروشيما وناجازاكي ، ومثل الذي حصل في العراق من استخدام اليورانيوم المخصب .
ويعطون لأنفسهم الحق في شن الحروب الاستباقية ضد الحكومات التي لا تعجبهم متجاهلين مبدأ سيادة الدول على أوطانها .
و يُقرون مبدأ اللاعقاب للأمريكان أمام المحكمة الجنائية الدولية .
يمارسون كل أنواع الضغوط على الأنظمة في البلدان النفطية ليكونوا هم المتصرفون الرئيسيون في سياسة النفط تنقيباً وتكريرا وإنتاجا وتسويقا .
ويعملون بالتحالف مع الأنظمة الاستبدادية وقوى التغريب والعلمنة في أوطاننا على فرض منظورهم الحضاري تحت غطاء العولمة ومكافحة الإرهاب ونشر السلم وغيرها من الشعارات .(12/284)
وأهم ما يريدون الوصول إليه على المدى المتوسط والبعيد هو فرض الاقتصاد الحر والمفهوم الكنسي للدين – أي العلمانية – والانتخابات التي ظاهرها الحرية والنزاهة وحقيقتها التزوير والإكراه وضمان مصالحهم غير المشروعة وحماية إسرائيل ومصالحها وحماية التيارات التغريبية ومساعدتها على خدمة مشاريعهم في المنطقة .
إن نقطة الضعف الكبرى بالنسبة لهذه الأمة هم حكامها وأنظمة حكمها وقد خبر الغرب هؤلاء فما رأي منهم إلا التهافت على أبوابه والتعلق بأسبابه . ولذلك استهان بها واستخف بآرائها وعمل ولا يزال على توظيفها في تنفيذ جوانب من حربه المعلنة على الإسلام وسائر مقومات شخصية الأمة . ولم يبق للأمة إلا علماؤها ودعاتها وقليل من رجال الحكم والمال ، وأخص بالذكر العلماء والدعاة لأنهم مرجع الأمة في بيان الدين ولسانه المعبر عن حقائقه والمبين لشرائعه وأحكامه . وأنهم حراسه المؤتمنون على بقائه. وسلطانهم على الأمة ظاهر وسيزداد قوة وتأثيراً مع ازدياد تمسكهم بدينهم وإصرارهم على الاستمرار في الدعوة إليه بكل استقلالية وتمايز .
فعلي ، هؤلاء تقع المسئولية الكبرى في التصدي لأنواع الحرب الإعلامية والثقافية بالحجة الساطعة والدليل البين القوي . ولعل من أهم ما يجدر التنبيه عليه من الأعمال التي يمكنهم القيام بها ودعوة الأنظمة إليها ما يلي :
1. التواصل مع الحكام وأصحاب النفوذ في العالم العربي والإسلامي ومحاولة إقناعهم بأن في مقدورهم إذا أرادوا أن يحولوا قوة الغرب إلى ضعف وغناه إلى فقر ووحدته إلى شتات وعزه إلى ذل وكبرياءه إلى مسكنة ، وذلك بالاستغناء عن بضائعه وقطع المدد عنه وبخاصة النفط والمواد الأولية الأخرى وترك تأييده في مواطن الرأي والقرار .
2. دعوتهم إلى تقوية العلائق فيما ينهم وتطوير التبادلات التجارية والصناعية وتبادل الخبرات المدنية والتكنولوجية وتفعيل منظمة الدول الإسلامية الثمانية التي أسسها نجم الدين أربكان يوم كان رئيس وزراء تركيا ، ووضع جميع الاتفاقيات الموجودة موضع التنفيذ .
3. دعوتهم لإدخال إصلاحات جوهرية على الوضع السياسي والقضائي والمالي من مبادئ حق الأمة في الاختيار والمراقبة والمحاسبة ومن مبادئ العدالة القانونية وقيم المساواة في توزيع الثروة ورسم السياسات المالية حتى تقام الثقة بين الأنظمة والشعوب ويقع التعاون بينها على خدمة مقومات شخصية الأمة وتحقيق التنمية الاقتصادية الواسعة .
4. دعوتهم من أجل العمل على تصحيح النظام الدولي بما يجعله عادلا ومتوازنا في تعامله مع قضايا الشعوب والتنسيق في ذلك مع أنظمة العالم الثالث ، وبخاصة أنظمة أمريكا اللاتينية .
5. دعوتهم من أجل السعي في إقرار مبدأ التعددية الحضارية والثقافية .
6. دعوتهم من أجل السعي لتقوية سياسة نبذ استعمال القوة في تسوية الخلافات وتعزيز مساعي الحوار والتسوية السلمية لأي خلاف دولي .
7. تشجيع وتطوير مجهودات ومساعي الحوار بين الشمال والجنوب من منطلق البحث عن الحقيقة والرغبة في الاستفادة من حضارات الشعوب و تجاربها المختلفة .
8. تعزيز الجهود التي تبذل للمحافظة والدفاع عن حقوق الإنسان وشرح مكانة الحقوق في الشريعة والضمانات التي وفرتها لحمايتها من التعسفات والتجاوزات .
9. ضرورة الاجتهاد في تنسيق المواقف من المتغيرات والقضايا الدولية التي تهدد مقدسات الأمة وثرواتها وأمنها واستقلالها .
10. دعوتهم للمطالبة بعضوية دائمة لهم في مجلس الأمن وداخل قطاعات الأمة ومؤسساتها.
هذه كبرى مواضيع النضال من الأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي التي يتعين على العلماء والدعاة وسائر ذوي الرأي في الأمة العمل على إقناع أصحاب القرار في بلداننا على تبنيها والنضال من أجلها .
1. أما ما تعلق بالأحداث التي كانت سببا في اجتماعنا فإن أقل ما يمكن القيام به هو مواصلة تعرية هذا العدوان وهذه الحرب بالوسائل المختلفة من المحاضرة والندوة والكتابة وإلى التجمع والمسيرة إلى غير ذلك من وسائل التواصل مع الرأي العام الإسلامي وغيره
2. مواصلة الدعوة إلى مقاطعة بضائع تلك الدول ودعوة الأنظمة لاتخاذ مواقف أكثر قوة من الدول التي نشرت جرائدها تلك الصور الآثمة وأقل المواقف هو استدعاء سفرائها وتبليغهم احتجاجات قوية.
3. ودعوة الأنظمة إلى تشجيع الحريات الفردية والجماعية وتمكين الأمة من ممارسة حقوقها والتعبير عن عواطفها في رفض هذا العدوان وكل عدوان على الدين ومقدساتهم.
4. والعمل على التعريف بالإسلام وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن المفيد في هذا الصدد استغلال كل ما تيسر من وسائل التكنولوجيا ، وكذلك من الضروري حث أغنياء الأمة ليوفروا الدعم المادي الضروري لنجاح أهل العلم والفكر في القيام بواجبهم المذكور أعلاه خدمة للدين ونصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيا في حشد طاقات الأمة ورفع مستوى وعيها والتزامها وعطائها .
والحمد لله رب العالمين .(12/285)
===================
الخليلي مقاطعة من يسب الرسول أدنى ما يجب فعله
تصاعد الغضبة العربية والإسلامية وأوروبا مع حرية الصحافة
طالب سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة الأمة المسلمة بأن تقف أمام ما تتعرض له من نيل لمقدساتها وإساءة لرسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وقفة رجل واحد وأن تنظم صفوفها، وأن ترأب صدعها،وأن تسد خللها،وأن تجمع كلمتها..لصد الهجمة الغربية الشرسة التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية. وأكد سماحته في برنامج (سؤال أهل الذكر) في حلقتيه هذا الأسبوع والأسبوع الماضي: أن مقام النبوة مقام عظيم، مقام اصطفاء من الله تبارك وتعالى، وعن حكم المقاطعة التجارية لمن سبَّ المصطفي صلى الله عليه وسلّم أوضح سماحته أن هذا أدنى ما يجب أن يُفعل، وأقل ما يجب أن تقوم هذه الأمة صوناً لحرمات دينها
الدليل النافع لنصرة الحبيب الشافع
الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإن من سنن الله الثابتة، ومن فطرته في خلقه، أن الإنسان يحب الأشياء النبيلة العالية، ويكره الأشياء البغيضة السافلة.
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى، البشري، في كماله، وصفاته، وهو ذروة عليا في الأخلاق والشمائل، وقد مدحه الله تعالى فقال:"وإنك لعلى خلق عظيم"، وهذا النوع من البشر تحبه النفوس بفطرتها، وتميل إليه بطبيعتها، ولذلك فحبه من هذا الجانب هو فطرة إنسانية تجذب إليه نفوس كل عنصر صالح في البشر.
كما أن حب النبي صلى الله عليه وسلم، خلق تربوي، ينشأ عليه الناس، إذا طالعوا صفاته، وسمعوا شمائله، أو عايشوها ورأوها رأي العين، فهو من حيث الفطرة السليمة يُحَبُ ويُكَرمُ، وهو من حيث التربية والتعود يُحَبُ ويُكَرمُ.
وهناك جانب آخر أهم من هذا وذاك وهو الأمر الإلهي بحب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه رحمة للعالمين، ولأنه بُعِثَ هادياً ومعلماً للناس، وصبر على الأذى والمتاعب، ليبلغ رسالة الله إلى الناس، فهو من هذا الجانب الديني الإلهي رمز للتضحية والفداء والإخلاص للناس جميعاً.
ويجب على المسلم أن يستحضر في نفسه عظمة الهداية الإسلامية للناس، وكيف وصلت إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، عبر صبره الجميل، وبلاغه المبين، وجهاده الموصول، في سبيل الله عز وجل وهذا يدفع المسلم إلى حب النبي صلى الله عليه وسلم حباً جارفاً، وتفديته بالنفس والمال.
فحب النبي صلى الله عليه وسلم ناشئ في نفس المسلم عن النعمة الكبرى التي أوصلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسان
ولذلك نجد حب المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حباً جليلاً يقوم على الشعور بعظمة النعمة التي أسداها لنا الله سبحانه وتعالى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة الرسول تكون بالقلب وباللسان وبالأعمال.
أما القلب فهو عملية فطرية، قائمة على الشعور بالنعمة العظيمة التي أهداها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما باللسان: فترجمتها كثرة الصلاة عليه، كما قال تعالى "يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"، أما بالأعمال: فيكون من خلال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله والعمل بسنته، ومتابعته في الفضائل العليا التي كان يتمتع بها صلى الله عليه وسلم من الصدق والأمانة والصبر والمواساة والرحمة والمودة، وغير ذلك من ضروب النبل الأخلاقي النبوي الذي يبلغ ذروة الكمال.
الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يبعث للناس، ولم يصبر على الأذى والمشقات، إلا ليعلمنا الحق الإلهي، من الصدق، والأمانة، وإتقان العمل، وتوحيد الله، وتعظيم القرآن، ومحبة المسلمين جميعًا، وتبليغ الدعوة للناس جميعًا، وغير ذلك من الفضائل العليا التي كانت من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
أما عن الخطوات العملية التي يمكننا القيام بها لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا سؤال وجيه، ونستعين بالله ونجيب بأن:
التأسي به:
أول خطوة عملية هي إلزام النفس بالأسوة الحسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يعمل الإنسان كما كان يعمل، ولو اختلفت الدرجة؛ أي يصلى كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي، ويصوم كما كان يصوم.
التعريف به:
أيضًا يشرح للناس، على قدر استطاعته العظمة الإلهية التي تمثلت في بعثته صلى الله عليه وسلم.
تربية النشء على حبه:
وأيضًا تربية الأبناء والأسرة جميعاً على هذه المعاني، وصدق الله حين يقول:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".
دراسة سيرته:(12/286)
ومن الوسائل العملية أيضًا قراءة السيرة النبوية قراءة جيدة، ويعلمها لأبنائه وأحفاده وزوجته، وغيرها، فقد كان الصحابة يحرصون على هذا غاية الحرص. يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لأبنائه وأحفاده بعد أن علمهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني احفظوها فهي شرفكم وشرف آبائكم).
الاعتزاز بسيرته:
كما ينبغي أن نعتز بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نعلم أنه كان على خلق عظيم؛ فلا نخجل من أي شيء يروى عنه بسند صحيح، بل نفاخر الدنيا بسيرته صلى الله عليه وسلم؛ فهو الأسوة الحسنة لنا، والرحمة المهداة للناس جميعاً، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه".
اتباع هديه:
ومن الوسائل العملية أيضا المتابعة والإتباع، لقوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، فعلى الإنسان أن يتحرى العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التخلق بخلقه:
ومن الوسائل العملية أيضا أن يتخلق المسلم بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة في أمور الدعوة والبلاغ فإن الأوروبيين من خلال إساءتهم للإسلام هو تقصيرنا في تبليغ الدين الإسلامي للناس وهم لذلك يجهلون ومن جهل شيء عاده.
الصفح عن الخصوم:
ومن الوسائل العملية أيضاً، الصفح عن الخصوم، إذا كان ذلك مما يساهم في فهمهم للإسلام. وقد كان الناس والأعراب يغلظون القول للنبي صلى الله عليه وسلم، في حياته، فكان يعاملهم بالرحمة والمودة والعفو ولكن بلا ضعف ولا تخاذل، كان اللين من صفاته العظيمة التي تحبب الناس فيه، وقد ذكاه الله في كتابه الكريم فقال جل شأنه: "فبما رحمة من الله لنت لهم .......".
التعريف برسالته:
ومن الوسائل العملية أيضاً، إرسال الرسائل عبر البريد الإليكتروني، والمقالات الصحفية، والقصص النبوية الصحيحة، إلى الناس حتى يفهموا عظمة الأخلاق النبوية المحمدية، وهذا خير دعاية للإسلام، لأن الأخلاق الحسنة تؤثر في الناس، ولو لم يردوا، وتكون قدوة عملية تقطع الجدل والخصام، وصدق الله تعالى حين يقول "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا".
===================
السماء الشامخة صلى الله عليه وسلم)
محمد السمان
خطيب جامع الجهيمي بالرياض
27/12/1426هـ
الحمد لله القائل (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)، والصلاة والسلام على خير رسول وأعظم نبي ، من أرسله ربه فأخرج به الناس من الظلمات إلى النور وعلى آله الطيبين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد فاتقوا الله أمة الإسلام .. ثم اعلموا أنه من أعظم المنن التي امتن الله بها علينا أن جعلنا مسلمين وجعلنا من أمة الإسلام وجعلنا من أتباع خاتم الأنبياء المرسلين ، وإمام العالمين ، وسيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا ً .
أيها المسلمون وإن كان أفول سنة هجرية وابتداء سنة أخرى يذكرنا بشيء من عظمة النبي صلى الله عليه وسلم .. يذكرنا بتلك الحادثة العظيمة أعني حادثة الهجرة التي هجر فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بلده مكة ليهاجر إلى المدينة ليؤسس هناك دولة الإسلام الخالدة ، ويضع أسسها الراسخة ، ليعلن للأمة كل الأمة أن هذا الدين هو أعظم الأديان ولن يقبل الله سواه {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85 .
الهجرة وما قبلها وما بعدها تصور لنا أيها المسلمون، مدى ما كان يتعرض له صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهله من إيذاء واستهزاء.. هم لا يقصدون ذاته فحسب بل الأمر الذي أرادوا هو الطعن في هذا الدين العظيم.. لذا تراهم قد استخدموا وسائل كثيرة رغبة في تحقيق هدفهم ومرادهم ، ويمكرون ويمكر الله والله خير ماكرين ، قال الله جل الله {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } البقرة137 .(12/287)
قال الشيخ السعدي رحمه الله معلقاً على هذه الآية ( أي فإن آمن أهل الكتاب بمثل ما آمنتم به - يا معشر المؤمنين - من جميع الرسل وجميع الكتب ، الذين أول من دخل فيهم ، وأولى خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وأسلموا لله وحده ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله ( فقد اهتدوا ) للصراط المستقيم الموصل لجنات النعيم أي فلا سبيل لهم إلى الهداية إلا بهذا الإيمان لا كما زعموا بقولهم كونوا هودا أو نصارى تهتدوا فزعموا أن الهداية خاصة بما كانوا عليه والهدى هو العلم بالحق والعمل به وضده الضلال عن العلم والضلال عن العمل بعد العلم وهو الشقاق الذي كانوا عليه لما تولوا وأعرضوا، فالمشاق هو الذي يكون في شق والله ورسوله في شق ، ويلزم من المشاقة المحادة والعداوة البليغة التي من لوازمها بذل ما يقدرون عليه من أذية الرسول فلهذا وعد الله رسوله أن يكفيه إياهم لأنه السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات العليم بما بين أيديهم وما خلفهم بالغيب والشهادة بالظواهر والبواطن فإذا كان كذلك كفاك الله شرهم وقد أنجز الله لرسوله وعده وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم وسبى بعضهم وأجلى بعضهم وشردهم كل مشرد ففيه معجزة من معجزات القرآن وهو الإخبار بالشيء قبل وقوعه فوقع طبق ما أخبر ) أ.هـ
أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. ثلة الاستهزاء الأولى استخدمت طرقاً كثيرة وأساليب متنوعة للسخرية من النبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به ، فتارة ينعتونه صلى الله عليه وسلم بألفاظ نابية وعبارات قاسية فوصفوه صلى الله عليه وسلم بالشاعر والساحر بل تعدى الأمر أن يصفوه بالمجنون ، ويبقى صلى الله عليه وسلم شامخاً يكمل ما بدأه من أمر دعوته وتبليغ دينه ، يطردوه يرموه بالحجارة يحبسوه ويقاطعوه في الشعب ، يهموا أن يقتلوه ، يعذبوا أصحابه ثم يحاربوه وتشج رأسه وتكسر رباعيته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، وتتحزب الأحزاب عليه ويدسوا له لحماً مسموماً ، ويتهموه في عرضه الشريف ويطعنوا في أحب نسائه إليه ، ويصبر ويحتسب ويجاهد ويبذل من نفسه لهذا الدين، نقول هذا الكلام وقد سمعتم ما نقل عن استهزاء وسخرية برسولنا صلى الله عليه وسلم من أناس تجردوا من الإيمان أولاً ثم هم لم يرعوِ لنبينا صلى الله عليه وسلم مكانته وللمسلمين مشاعرهم وهم يتعرضون لرجل يحبه كل مسلم أكثر من نفسه وولده والناس أجمعين .
ولكن هيهات .. هيهات ، أن تبلغ حجارهم تلك السماء الشامخة ، فإن الله كافيه وناصره ورافعه .
قال الله ومن أحسن الله قيلاً ومن أحسن من الله حديثاً {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }الحجر95
إنا كفيناك المستهزئين بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا يضره المستهزئون وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله .
وقال الله سبحانه وتعالى في أقصر سورة في القرآن في آخر آية فيها ( إن شانئك هو الأبتر ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "سورة الكوثر ما أجلها من سورة! وأغزر فوائدها على اختصارها. وحقيقة معناها تعلم من آخرها؛ فإنه سبحانه وتعالى بتر شانئ رسوله من كل خير، فيبترُ ذكره وأهله وماله؛ فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزودُ فيها صالحًا لمعاده، ويبترُ قلبه، فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته، والإيمان برسله، ويبترُ أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرًا ولا عونًا، ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعمًا، ولا يجد لها حلاوة، وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها، وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول ) ا.هـ .
قلت فإذا كان هذا حال من شنأ بعض ماجاء به الرسول فكيف بمن تعرض له صلى الله بالسخرية واللمز .
وقال عز وجل (ورفعنا لك ذكرك)، قال مجاهد رحمه الله: لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، وقال قتادة رحمه الله: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وقال السعدي رحمه الله ( ورفعنا لك ذكرك أي أعلينا قدرك وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الدخول في الإسلام وفي الأذان والإقامة والخطب وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره بعد الله تعالى فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته ) .(12/288)
هذا والله أسأل أن يعجل بالانتصار لنبيه _صلى الله عليه وسلم_، وأن يعز الإسلام وأهله إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية..
الحمد لله الكريم المنان ، الحمد لله الرحيم الرحمن ، الحمد لله الذي على عرشه استوى ، يعلم السر وأخفى ، لا إله غيره ، ولا رب سواه ، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لقد هُدي نبينا صلى الله عليه وسلم لمعالي الأمور في دينه وخلقه، وقد أكمل الله به الدين وأتم به النعمة ، فبلغ صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمانة ، فكان لله جل جلاله أن يفتح له وأن يحقق له النصر والتمكين والهداية ، بسم الله الرحمن الرحيم (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا)
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك .. أي في الدنيا والآخرة ..ويهديك صراطا مستقيما .. أي بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم .. وينصرك الله نصرا عزيزا .. أي بسبب خضوعك لأمر الله عز وجل يرفعك الله وينصرك على أعدائك .فحق لكل مسلم أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، أن يحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه وولده والناس أجمعين، وأن يتقرب إلى الله بذلك وأن يطيع أمر الله وأمر رسوله الله عليه وسلم وأن يجتنب نهيهما، ألا وصلوا وسلموا على هذا النبي الكريم والرسول العظيم اللهم صل عليه وعلى آله وعلى أصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
====================
المقاطعة الاقتصادية للدنمارك من الناحية القانونية
الدكتور سعد بن مطر العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقاطعة الاقتصادية للدنمارك من الناحية القانونية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد
فقد تناقلت وسائل الإعلام أنَّ بيتر ماندلسون المفوض التجاري الأوربي هدد بتقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الدول التي تسمح بالمقاطعة ، مدعياً أنها تخالف اتفاقات تلك المنظمة ، التي وقعها عدد من الدول العربية التي تنشط فيها حملات المقاطعة حاليا وعلى رأسها بالطبع السعودية وبقية الدول الخليجية .
ومن عجيب قدر الله عز وجل ، أنَّ أول مثال للمقاطعة الاقتصادية الشعبية - ضد دولة أخرى - في التاريخ الحديث يذكرها بعض القانونيين ، هي المقاطعة التي قرّرتها جماعاتٌ في أصحاب الحرف الدنماركيين للبضائع الألمانية ، احتجاجاً على الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الألمانية للحدّ من استعمال اللغة الدنماركية في مقاطعة شليسفيغ الشمالية .
1) لم أتعرض للتأصيل الشرعي في الفقه الإسلامي لمسألة المقاطعة الاقتصادية بوصفها وسيلة ضغط على من ينال من الإسلام وأهله ؛ لأنَّ المسألة عولجت من الناحية الشرعية بجملة من الفتاوى والمؤلفات التي تبين المشروعية ، وتؤكِّد ذلك بالآثار والنتائج ، كما أنَّ الأمة اتخذت قرارها في المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الدنمركية ، فلم تحوجنا إلى إعادة التأصيل الشرعي ولله الحمد والمنّة .
كما لن أتحدث في هذا المقال عن العدالة الإسلامية في الأحكام الشرعية مع غير المسلمين ، مع أنَّه موضوع جدير بالإبراز والتكرار في مثل هذه المرحلة التي تخلط فيها الأوراق من غير المختصين ؛ وإنَّما لم أتحدث عنه هنا ، لأنَّ المقاطعة الاقتصادية تفعيل لخيار مشروع لا يتنافى مع العدالة .
وإنَّما أردت كشف شيء من الجانب القانوني لهذه المسألة ، ولاسيما بعد أن سلك الحزب الحاكم في الدنمارك مسلك المكابرة والبحث عن المسوغات بعد الوقوع في المشكلة ؛ واستنجاده بالاتحاد الأوربي لإخراجه من ورطته ، مع ما يثار حول حق مزعوم في رفع دعوى ضد المملكة العربية السعودية بشأن المقاطعة كما مرّ . وذلك ليُعلم أنَّ الإجراء الذي اتخذته الأمة الإسلامية ليس مشروعا في الإسلام فحسب ، بل حتى في القوانين الوضعية التي يُلوِّح الدنمركيون وغيرهم باللجوء إليها ، في محاولة مكشوفة للتعامي عن الحقيقة ، وحفظ ماء الوجه بأي وسيلة .(12/289)
ولا شك أنَّ الموضوع أكبر من أن أَكشفه على حقيقته فيما يتعلق بالسلوك الحكومي الدنمركي في مقال ، ولكن هذا لن يمنعني - إن شاء الله تعالى - من الحديث عن هذا الموضوع فيما يتعلق بالجهود الإسلامية ، من خلال نقاط واضحة بعيدة عن التعقيد القانوني ، مساهمة في نشر الوعي العام بمثل هذه القضايا ، وتوضيحاً لبعض حججنا نحن المسلمين في تعاملنا العادل مع إجراء المقاطعة الاقتصادية الشعبية ، وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يمنع مثل حدوث هذا التوتر مستقبلا .
2) ومسألة المقاطعة الشعبية من المسائل التي اختلف فيها القانونيون الدوليون ؛ وفي عالم شرّاح القوانين ، فإنًَّ المسائل القانونية الدولية شائكة ، والاختلاف القانوني – بوجه عام - لا يقارن بالاختلاف في المسائل الفقهية الخلافية لدى فقهاء المسلمين ، لأسباب عديدة أهمها : أنَّ مرجعية المسلمين -كلِّهم - واحدة وهي الكتاب والسنة ، فهما محلّ إجماع بينهم كما نصّ على ذلك علماء الأصول حتى عند المبتدعة كما يقول ابن تيمية رحمه الله ؛ بينما لا توجد مرجعية متفق عليها بين القانونين ، ودراساتهم في صورتها العلمية الموضوعية عقلية محضة ، ولذا ربما تتعدّد بتعدّد المدارس القانونية وخلفياتها الفكرية والثقافية والعرفية ، وما يتفرّع عنها ؛ بل ربما تغير حكمها من جذوره لتقلبات المزاج السياسي أو الشعبي ( تغير الرأي العام ) ، وهذا موضوع – أيضاً – يطول الحديث فيه ، وله مباحث خاصّة في بعض كتب القانون الغربية . ولكي تتضح الرؤية القانونية في هذا الموضوع ، رأيت بيانه من خلال النقاط الآتية :
أولاً : المراد بالمقاطعة الاقتصادية (Boycott) :
ورد التعبير بـ ( المقاطعة الاقتصادية ) في المادة (16) من عهد عصبة الأمم ، كما ورد في المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة . ومن أشهر تعريفاتها ، أنَّها : " إجراء تلجأ إليه سلطات الدولة أو هيئاتها وأفرادها المشتغلون بالتجارة لوقف العلاقات التجارية مع دولة أخرى ومنع التعامل مع رعاياها بقصد الضغط الاقتصادي عليها ، رداً على ارتكابها لأعمال عدوانية " ، وهذا التعريف يتفق مع قاموس القانون الدولي والقاموس الدبلوماسي .
أو هي كما يقول جيرهارد فان غلان : " شكل حديث من الإجراءات الانتقامية ، يشمل تعليق التعامل والعلاقات التجارية من جانب رعايا الدولة المتضرِّرة مع رعايا الدولة المسيئة " .
ويفرِّق القانونيون الدوليون بين وسيلتي الضغط الاقتصادي الأخريين : ( الرد بالمثل ) و ( الأعمال الانتقامية ) ، بأنَّ المقاطعة الاقتصادية قد تصدر من قبل الأفراد العاديين ، بينما لا يصدر ( الرد بالمثل ) و ( الأعمال الانتقامية ) إلا عن طريق الدول والحكومات . ومثلهما ( الحظر الاقتصادي ) الذي يعني منع الصادرات المتجهة إلى دولة أو مجموعة دول معينة بصفة كاملة أو جزئية . ومن هنا جاء التفريق بين المقاطعة الاقتصادية الشعبية والرسمية كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
ثانياً : أقسام المقاطعة الاقتصادية من جهة مصدرها :
يقسِّم القانونيون المقاطعة الاقتصادية من جهة مصدرها ، إلى ثلاثة أقسام :
الأول : المقاطعة الاقتصادية الأهلية ( الشعبية ) . وهي التي يفرضها ويتولّى تطبيقها الأفراد أو الهيئات غير الرسمية ، بدافع من عواطفهم وحماسهم الوطني – مثلاً – فيقرِّروا إيقاف التعامل بالبضائع والمنتجات المستوردة من الدولة المعتدية وإيقاف التصدير إليها ، وقد يشمل ذلك الامتناع عن التعامل مع رعاياها ، كما يقول بيير رينوفان وغيره .
و أمثلتها كثيرة جداً ، فمنها ما سبق ذكره في أول المقال عن مقاطعة الدنمركيين للألمان بسبب الحد من استعمال اللغة الدنمركية في في مقاطعة شيلسفسغ . ومنها مقاطعة الشعب الصيني للبضائع الأمريكية عام 1906م ، بسبب وضع قيود على هجرة الصينيين واستيطانهم فيها . وقد تكررت من الصينيين ضد اليابان ما يقارب تسع مرات . ومنها مقاطعة الأتراك 1908م للبضائع النمساوية لضمها إقليما بوسنويا ، واليونانية عام 1909-1910م لتقديمها مساعدات للثوار الكريتين . وكذلك مقاطعة الهنود الوطنيون بقيادة غاندي للمنتجات البريطانية عام 1920م . ومنها مقاطعة الحركة الشعبية الواسعة للمنتجات اليابانية ، التي تأسست قبيل الحرب العالمية الثانية ؛ وغيرها كثير .
الثاني : المقاطعة الاقتصادية الرسمية (الحكومية) . وهي التي يتقرّر فرضها من قبل سلطات الدولة المسؤولة ضد جماعات أو دولة معتدية . وهنا يفرِّق القانونيون بين المقاطعة الرسمية في حال السلم ، والمقاطعة الرسمية في حال الحرب . ومن أمثلتها المقاطعة التي فرضتها البلدان العربية على المنتجات الصهيونية في فلسطين المحتلة ، تطبيقاً لقرار مجلس جامعة الدول العربية رقم16 ، الدورة الثانية في 2/12/1945م بغرض إعاقة تمكين الصهاينة من تحقيق وطن قومي لهم في فلسطين .(12/290)
الثالث : المقاطعة الجماعية التي تقرِّرها منظمة دولية . وهي التي تفرضها المنظمات الدولية استنادا إلى ميثاق المنظمة ، جزاء على انتهاك الدولة للميثاق . ومن أمثلتها - التي سبقت ازدواجية المعايير والتأثير الأمريكي على قرارات المنظمات الدولية – المقاطعة الاقتصادية التي قررتها الأمم المتحدة على الصين وكوريا الشمالية عام 1951م ، وعلى جنوب أفريقيا عام 1962م .
وهذان القسمان الأخيران ، لا إشكال في قانونيتهما ، وهما محلّ اتفاق على ما يظهر ، فيرون أنّ من حقّ الدول المتحاربة اللجوء إلى المقاطعة الاقتصادية وقت الحرب ، وإن اختلفوا في تكييفها .
وعلى كل حال فالذي يهمنا هنا هو القسم الأول .
ثالثاً : هل المقاطعة الشعبية تدخل ضمن مسؤولية الدولة التي وقعت فيها ؟
شكّك مارسيل سيبر أحد شرّاح القانون الدولي في استقلال المقاطعة الشعبية عن المقاطعة الرسمية ، ولكنّ آخرين ، من أمثال شوارزنبرجر ، و لوترباخت ، رفضوا هذا التشكيك ، وبيّنوا أنَّ الدولة لا تكون مسؤولة إلا عن تصرفات أعضائها الرسميين . وهذا الرأي يؤيده كثير من القانونيين الدوليين ، وتؤكِّده السياسات الدولية ، وما صدر فيها من قرارت كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وإن كانت بعض الدول قد منعت المقاطعة الشعبية قانوناً ، لكونها كانت قد التزمت سياسة الحياد كما في المرسوم السويسري الصادر عام 1939م الذي منع المواطنين من تبني المقاطعة الاقتصادية ضد دول أجنبية .
ومما يؤكِّد عدم مسؤولية الدولة عن المقاطعة الشعبية التي تصدر من المواطنين ضد المنتجات الأجنبية لدولة ما ، بسبب موقفها أو موقف شعبها من قضايا مسيئة إلى الشعب أو الأمة المقاطِعة – أنَّه لا يوجد مستند قانوني دولي يحمِّل الدولة مسؤولية تصرف شعبي سلمي ، لم تشارك فيه السلطة الرسمية ولم تدعمه أو تحرض عليه .
فيرى شوارزنبرجر أنَّ الدولة إنَّما تكون مسؤولة عن تصرفات أعضائها الحكوميين ، ولكنَّها غير مسؤولة عن التصرفات التي تصدر من أشخاصٍ غير رسميين ؛ وأنَّ المقاطعة التي تنظِّمها المؤسسات والتنظيمات الخاصّة في الدولة الديمقراطية ما لم تشجعها الدولة ، أو أن يؤدي ذلك إلى قطع العلاقات ونقض الاتفاقيات التجارية مع الدول التي خضعت صادراتها للمقاطعة .
و يرى لوترباخت ، أنَّه من الصعب تحديد الأسس التي تقوم عليها المسؤولية الدولية عند عدم وجود اتفاقية تجارية أو عند عدم مخالفة قواعد القانون الدولي الخاصّة بحماية أرواح الأجانب وممتلكاتهم . وأنَّ من الصعوبة أيضاً أنَّ نحدد كيف يمكن أن تكون الدولة مسؤولة مسؤولية دولية بسبب المقاطعة الأهلية المفروضة على بلد آخر .
يقول جيرهارد فان غلان في بيان موقف القانون الدولي من المقاطعة الشعبية : " ما دام هذا العمل يتم بصورة طوعية ولا يشتمل على أي ضغط أو إلحاح من الحكومة أو على أيِّ إجراء رسمي لدعمه ، فإنَّ المقاطعة لا تُشكِّل مسؤولية على الدولة ، وتبقى خارج نطاق القانون الدولي .
لكن إذا تورطت حكومة الدولة المُتَضَرِّرة في المقاطعة بأي شكل من الأشكال ؛ فإنَّ ذلك التورّط يخلق مسؤولية ويُمثِّل وسيلة للمساعدة الذاتية . وإذا لم تكن الدولة المقصودة بالمقاطعة قد ارتكبت أيّ عمل عدائي نحو الدّولة التي أعلنت المقاطعة ، اعتبر ذلك العمل ( المقاطعة ) عملاً غير ودِّيٍّ ، وأثار احتمال احتجاجات شرعية من جانب الدولة التي يتأثر رعاياها بالمقاطعة " .
بل إنَّ في القوانين والأعراف الدولية ما يسند المقاطعة الشعبية ؛ كما يقول قطب العربي : " فالمتفحص لحقوق المستهلك كما أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 248/39 الصادر في 9 إبريل 1985، يجد أن أبرزها هو الحق في الاختيار ؛ أي الحق في أن يكون المواطن قادرًا على الاختيار في مجال المنتجات والخدمات المقدمة بأسعار تنافسية مع تأمين درجة الجودة الكافية . ولم تقيد الأمم المتحدة هذا الحق بأي قيود سياسية . ويترتب على ذلك أنه يجوز للمستهلك بداهة أن يختار - على سبيل المثال- السلع الوطنية تدعيما لاقتصاد الدولة التي ينتمي إليها . وبالتالي فيكون له الحق في مقاطعة أي سلعة " .
ومن هنا يرى قطب العربي : أنَّ " هذا الموقف الأوربي يعتمد على قانون القوة و ( العين الحمراء ) ، وليس قوانين منظمة التجارة ؛ فالمقاطعة التي تجري الآن هي مقاطعة شعبية والمجمعات الاستهلاكية والمحلات التي تلتزم بها هي هيئات أهلية تعاونية ، وليست وزارات حكومية ، ولا تتبع حتى هذه الوزارات ، حتى تشرع أوربا سلاح منظمة التجارة في وجهها .
كما أنَّ الحكومات العربية والإسلامية لم تعلن المقاطعة بشكل رسمي ، وإن كان الكثير منها أخذ مواقف سياسية تفرضها عليه التزاماته الدينية والأخلاقية، وتسمح بها الأعراف والقوانين الدولية .(12/291)
وفي هذا الإطار، فإنَّ المستهلك العربي والمسلم ، حينما يقاطع السلع الدانماركية فهو يمارس حقه في الاختيار . وهو لا يتعارض مع التزام دولته بفتح أسواقها أمام المنتجات الأجنبية دون تمييز ضد هذه الأخيرة " .
ومن جهة السوابق في السياسة الدولية ، نجد المقاطعة الصينية الشعبية لليابان عام 1931م . ومع أنَّ الحكومة اليابانية قد احتجت على ذلك باعتباره يمثل خرقا للقانون الدولي وكانت الصين قد أيّدته رسمياً وحثّت الدول الصديقة لها على تطبيق إجراءات اقتصادية مماثلة ضد اليابان ، وردت الحكومة الصينية رسمياً بأنّ الأعمال السابقة التي قامت بها السلطات اليابانية تشكل خرقا أكثر خطورة لذلك القانون . ومع ذلك قرّرت لجنة التسعة عشر التي شكلتها عصبة الأمم لدراسة تقرير لجنة لايتون ( التي حققت في ملابسات غزو اليابان لمنشوريا ) أنَّ المقاطعة الاقتصادية تمثِّل عملاً انتقامياً شرعياً ( أي قانونيا ) . ومع أنَّ الحكومة الأمريكية قد تعرضت لضغوط شديدة من بعض أعضاء مجلس الشيوخ ومن مجموعات خاصّة عديدة ، إلا أنَّها لم تتخذ أيّ إجراء رسمي إلى جانب المقاطعة ، وأخيراً تولّت منظمات وطنية عديدة أمر المقاطعة ضدّ البضائع اليابانية ثم ضد البضائع الألمانية ( ينظر : القانون بين الأمم :2/257) .
إشكالية الصفة الرسمية لعلماء الشريعة لدى الأجانب :
من الأمور التي قد لا يدركها الآخرون ، أنَّ ما يصدر من الفقيه الشرعي أو الواعظ الديني في الإسلام ، لا يمثِّل رأي الدَّولة بالضرورة ما لم يصدر منه بصفته الرسمية فحينئذ قد يأخذ البحث منحى آخر .
فالفقيه الشرعي يمثِّل الرأي الديني ، وليس هو الرأي الرسمي بالضّرورة . وكذلك الوعّاظ وخطباء الجمعة ، ما هم إلا مبينين للنصوص الشرعية الإسلامية . وإن دخلوا في تنظيمهم الوظيفي ومرجعيتهم التنظيمية إلى وزارة حكومية ، فهي ليست سوى جهة تنظيمية يجب أن تسير وفق الأحكام الشرعية لتحافظ على نسق صحيح ، يساهم في إيصال الرسالة الدينية دون تدخل حكومي . وإذا أردنا أن نقرِّب الصورة ، فيمكننا القول إنَّ وظيفة وزارات الشؤون الإسلامية تشبه وظيفة وزارات العدل ، إذا نظرنا إليها من جهة مبدأ الفصل بين (الولايات) السلطات ، لأنَّ كلا الوظيفتين تعدّ في الإسلام من الولايات الدينية . وهي في الآراء المخالفة للآراء الحكومية تشبه ما يعرف بمؤسسات المجتمع الأهلي أو ما يعبّر عنه بالمدني ، مع التحفظ على التعبير الأخير .
رابعاً : هل للمقاطعة مدة معينة ؟
لم يحدِّد القانونيون الدوليون المقاطعة الشعبية بمدّة زمنية معينة ، وإنَّما اكتفوا ببيان أنَّ هذا الإجراء غالباً ما يكون لمدة زمنية مفتوحة ، يفترض أن تنتهي بانتهاء الأسباب الباعثة على المقاطعة . كما بيّنوا أنَّ المقاطعة قد تكون صعبة في حال وجود وضع اقتصادي لا يسمح بممارستها .
ومن الناحية التاريخية ، نجد أن المقاطعات الاقتصادية تفاوتت مددها ، فمنها ما كان قصيرا ليس سوى أشهر ، ومنها ما امتدّ لسنوات ، كما المقاطعة الهندية الشعبية للبضائع البريطانية التي نظمتها الحركة الوطنية الهندية بقيادة غاندي ، إذ استمرت مدة اثني عشر عاماً ، من عام 1920-1932م ، فكان لها أثر كبير ومدى واسع من حيث سعة انتشارها وقوة فاعليتها في التأثير على بريطانيا .
كما أنَّ المقاطعة قد تتوقف لتوقف سببها أو لأمر آخر ، ثم تعود مرة أخرى ، ومن ذلك مقاطعة الصينيين لليابان تسع مرات خلال عامي 1908-1932م .
3) وأمَّا ما اتخذته المملكة العربية السعودية من استدعائها لسفيرها ( السحب المؤقت ) في كوبنهاجن - وكذلك ما تبعتها فيه عدد من الدول الإسلامية من مواقف مشابهة - فإنَّها إجراءات رسمية قانونية دولية تعبِّر بها عن استيائها من تصرفات الحكومة ، إذْ جاءت في مقابل التعنت الرسمي الحكومي الدنماركي بعد استنفاد جميع الوسائل والطرق الودية والقانونية السابقة ، فإن رئيس الحكومة الدانماركي راسموسن سلك مسكاً مؤيداً للجناة ، ولم يتعامل حتى وفق قواعد المجاملات ، إذ رفض استقبال وفدٍ من سفراء الدول الإسلامية لإبلاغه بعِظم الجريمة وخطورة الوضع وما قد ينجم عنه من آثار على الصعيد الإسلامي ، كما أنَّ رئيس الوزراء الدنمركي وملكة الدانمارك لهم ماضٍ غير مشرف في نظرتهم للدين الإسلامي واستعداء الشعب على الإسلام والمسلمين .
كما لا يُعدّ استدعاء للملكة لسفيرها في الدنمارك إجراءً رسمياً ، لدعم المقاطعة ، لأسباب عديدة ، منها :
- تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ، القاطعة بأنَّ المقاطعة شعبية وليست رسمية .
- يبدو أنني أرسلت لكم نسخة غير معدلة في الفقرة التالية :(12/292)
- أنَّ المقاطعة الشعبية سابقة لمسألة استدعاء السفير ، كما أنَّ بيان مجلس الوزراء السعودي الذي أعرب فيه عن موقفه من موقف الحكومة الدنمركية من الرسوم في جلسته السابقة لهذا القرار ، لم تصدر عنه أي قرارات بالمقاطعة ، كما لم تصدر قرارات بذلك من أي جهة رسمية أخرى .
- أنَّ المقاطعة الاقتصادية للدنمارك شعبية إسلامية ، وليست شعبية سعودية فقط ، مما يؤكِّد صلتها بالمجتمعات الإسلامية الأهلية ذاتها ، لا بل بالمؤسسات الرسمية .
- كما تناقلت وكالات الأنباء أنَّ الحكومة الدنمركية نفسها نفت الدعم السعودي الرسمي للمقاطعة ، ونقل ذلك عن وزير الخارجية الدانماركي بير ستيج موللر بعد اجتماع طارئ للجنة السياسة الخارجية في البرلمان .
4) وأخيراً أود أن أخلص إلى بعض القضايا التي قد يفتح الوعي بها آفاقا من إعادة الأمور إلى درجة من التفاهم بين الأمة الإسلامية والأمة الدنمركية وغيرها ، والوصول إلى رؤية تبقي على مستوى من التفاهم الإسلامي الغربي فيما يحقق المصالح المشروعة . وهي - في ظني - كما يأتي :
أولاً : يجب أن يعلم الدنمركيون أنَّ الأمة الإسلامية استخدمت عدداً من الآليات الخاصة ، التي كانت مجدية لو أنَّ الحزب الحاكم في الدنمارك عمل وفق مسؤوليته الحكومية ومصلحة شعبه من المسلمين وغير المسلمين ، ويكفي أن أُعيد الإشارة إلى المحاولات الإسلامية الدبلوماسية التي قوبلت بالتجاهل حينا وبالرفض حينا من رئيس الحكومة ذاته ، ويكفي منها رفضه حتى مقابلة الممثلين الرسميين لعدد من الدول الإسلامية ! كما أنَّ المدعي العام ضرب بالقانون الدنمركي – نفسه - عرض الحائط ، فرفض قبول الدعوى التي قدَّمتها الجالية الإسلامية ضد الصحيفة .
ثانياً : يجب أن يعلم الدنمركيون أنَّ تصريحات الملكة التي وصفت فيها الإسلام بالعدو ، كان له أثر كبير في تهييج الأمة الإسلامية وإثارة غضبها . كما كان من الواجب أن تكون الملكة أكثر مسؤولية في تصريحاتها بنظرتها الخاصة .
ثالثاً : القوانين الدولية لا تمنع الشعوب من اتخاذها حقَّها في إعلان المقاطعة الاقتصادية ضد من يسيء إليها ، كما لا تتحمل الجهات الرسمية مسؤولية دولية بهذا الخصوص . كما أنَّ السوابق الدولية تؤكِّد حق الحكومات وليس الشعوب فقط في الحث على المقاطعة الاقتصادية وتقنينها في حال الاعتداء عليها ، وليس اعتداء أشدَّ على المسلمين من الاعتداء على الإسلام ونبي الإسلام . ولا يعلم معنى الاعتداء الذي ارتُكِب ضد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخطورته في المجتمع الإسلامي إلا من عرف الإسلام على حقيقته ، وعرف مكانة الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لدى المسلمين مهما كان مستوى التزامهم الديني .
رابعاً : سيقع الحزب الحاكم الدنمركي في غلطة أخرى كبيرة ، وسيعالج الخطأ بالخطأ ، إذا استطاع إيقاف الآخرين في الاتحاد الأوربي إلى جواره ، في تقديم دعوى ضد السعودية ، وذلك بتأجيج نفوس المسلمين من الوقوف إلى جانب الخطيئة مما يعمق المشكلة من جهة ، والإضرار بالأوربيين من جهة أخرى ، إذ لا يُتَوقع أن يبقى سعر برميل النفط يدور في فلك المتوقع قبل التلويح بأي عقوبات تجاه المملكة أو دول الخليج بوجه عام .. حينها سيخسر اللبراليون الدنمركيون الحرية في قراراتهم السيادية ، وليس في طرح الصحافة التي تمثلهم فحسب .
خامساً : لم ، ولن يقتنع المسلمون بدعوى ( الحرية الإعلامية ) التي تحاول - عبثاً - أن تتوارى وراءها الحكومة الدنمركية ، فأطفال المسلمين صاروا يدركون أن الحكومة الدنمركية ذاتها لا يمكن أن تقبل أي طرح إعلامي يشكك في الهولوكست أو ما يعرف بـ ( المحرقة اليهودية ) ، أو يمجِّد النازية ، على سبيل المثال .
سادساً : لن يجدي ما يقدِّمه بعض المتفرنجة في العالم الإسلامي من نشرات وصوتيات في محاولة لإدانة الدول الإسلامية ، وذلك لأسباب منها أنَّ لدى العالم الإسلامي الكثير من التصريحات الظالمة التي تغترف الافتراءات من معين الحقد ليس إلا ، وهي أبعد ما تكون عن المطالبات المعلنة بالحوار . كما نؤكِّد أنَّ أهل الإسلام حماة للأنبياء جميعاً بما فيهم المسيح عليه الصلاة والسلام ، كما أنَّ علماء المسلمين عندما يطرحون رأياً شرعياً إنَّما يستندون إلى حقائق علمية وتاريخية يعترف بها الآخرون من المستشرقين المنصفين .
ومن هنا تطالب الأمةُ المجتمعَ الدوليَّ والمنظمات الدولية بتقنين حماية الأنبياء من كلِّ ما يسيء إليهم وينال من كرامتهم ، ومكانتهم . وهذا مطلب رئيس ، لا ينبغي أن يَقَرّ للأمة الإسلامية _ حكومات وشعوبا – قرار ، ما لم يستصدروه في صيغة قاعدة قانونية دولية ، تجرِّم كل شخص ينتهك حرمة الأنبياء وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتجعل من ينتهكها عرضة للمحاكمة التي تساهم في استقرار العلاقات والإفادة منها فيما يفيد العالم .(12/293)
سادساً : ليس لدى عامة المسلمين – في نظري- ما يمنع من نشر الحقائق الإسلامية كما هي دون تصرف ، شرط أن تكون حقائق تستند إلى نصوص شرعية ، وتمثل رأي غالبية المرجعيات الإسلامية ، مهما تعارضت مع أطروحات الآخرين ، أو نظروا إليها بعين خلفيتهم الفكرية ؛ فلدينا قناعة تامَّة بأنَّ قوة الإسلام قوة ذاتية تنجذب إليها النفوس الحرّة ، المتحرِّرة من قيد الثقافة المنافية للفطرة والعدالة
سابعاً : يُقدِّر عامة المسلمين كلَّ صوت حرّ يقيد الحرية بالضمير فيستنكر هذه الرسومات ويأبى نشرها ، كما يُقدِّرون أصوات العقلاء من المسؤولين ، ورجال الإعلام وقيادات الأحزاب المساندة للمطالب الإسلامية تجاه القضية .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله .
وكتبه / سعد بن مطر العتيبي
الرياض 16/2/1427
ارسل تعليقك
ابو يوسف احمد ... المانيا ... 6/8/2006 3:22:40 AM ...
السلام عليكم..بعد التحية..في البداية لقد اخترت ان ارسل رسالتي هذه عن طريق موقعكم راجيا ان يصل ندائي الى الجهة المسئولة كعهدنا بنزاهة هذا الموقع........... لقد طبل العالم بهستريى كاس العالم ومع جنونهم وانسياقهم وراء هذا الهم نسيى البعض او تناسوا حرمة و قدسية بعض الامور وخاصة حرمة العلم وايى علم فلو كان مجرد علم ذي الوان عادية لقلنا لا باس اما ان يحصل ما يحصل لراية الاسلام التي اتخذتها المملكة علما لها دون ان نرى اي اعتراض او تحرك من قبل المسئولين فهذا عار لانه كان يجب على المسئولين السعوديين ان يضعوا علما خاصا بكاس العالم و يطلبوا من المنظمين اعتماده بديلا عن الراية حفاظا على قدسيتها لانه وللاسف وللمصيبة وياللعار نجد هنا في المانيا ان راية المسلمين توضع ربما عند البعض عن قصد والبعض الاخر عن غير قصد وجهل في اماكن متنوعة \ الاسواق ..في المطبوعات الاعلانية التي ترمى لاحقا على الارض او في القمامة..والمصيبة الصغرى مثلا على الثياب و ادوات الطعم والشرب والسكر والعربدة والمصيبة الاكبر ان الراية تعلق مع باقي الاعلام في اماكن السكر والعربدة والفسق ...فما قولكم الم يغلي الدم في عروقكم ام سوف تضعون دمكم و غيرتكم على الاسلام في ثلاجة خوفا من الصهيونية العالمية كي لا تقول عنكم متطرفين او ارهابيين..مثل كل حكام المسلمين فارجو ان لا يصل خوفنا من كلمة ارهابي الى ان نتهاون بل ننسى مقدساتنا ..فهل من مدكر..هل من مدكر ....الهم فشهد اني قد بلغت قد بلغت.....والسلام عليكم والامانة بين ايديكم............ابو يوسف احمد ... ... ...
===================
المقدسات والرسول.. ورقة في إدارة الأزمة
وسام فؤاد: إسلام أونلاين.نت
وحدة البحوث والتطوير
تابعت إسلام أونلاين.نت بكل اهتمامها أزمة التهجم على الرسول على المسرح الأوروبي، وكان من ردود فعلها المباشرة في هذا الصدد أمران، أولهما تمثل في إعادة تدوير منتجاتها التي تخص الرسول وسيرته ورمزيته ومعالجة الشبهات التي أثيرت حوله، والتي كانت أحد محاور اهتمام مكوناتها ذات المحتوى الشرعي والدعوي، بل وسائر مكوناتها المرتبطة بعلاقة مع أي من القضايا التي أثيرت حول الرسول. وثاني الأمرين أن أقدمت الشبكة على إنشاء موقع خاص متعددة اللغات للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام بشكل يناسب غير المسلمين وثقافتهم وقضايا العصر.
غير أن هذا المستوى من ردود الفعل ترى إسلام أونلاين.نت أنه مستوى تكتيكي للتجاوب مع الأزمة في إطار السعي لتعظيم المكاسب من وراء إثارتها، محاولة أيضا – في نفس الوقت – تجنب أن يصدر الموقع المنتظر بصورة ردة الفعل، بل بصورة العرض الشامل الذي يقوم على استقراء حقيقة احتياجات الأقليات المسلمة في دول الغرب التي تشهد احتكاكا ليس من المنظور له أن ينتهي بين المسلمين من جهة وبين تيارات اليمين التي تتجاهل اعتبارات الإنسانية وحقوقها في تعاملها مع المسلمين بخاصة والمتدينين بعامة، وتركز على اعتبارات قومية نتمنى – لصالح الجماعة الإنسانية ألا تنحط لدرك العنصرية. ولعل الوعي بضرورة هذا الموقع ما دفع إسلام أونلاين.نت للتأكيد على أن يكون فريق العمل لكل لغة من أهلها؛ فالأمر لا يتطلب الإلمام باللغة فقط، بل بالثقافة أيضا "بلسان قومه".
ومن ناحية ثانية، أدركت إسلام أون لاين .نت أهمية النخبة الإعلامية في غدارة الحوار حول قضية الإسلام ومبادئه ومقدساته، وأسفر هذا عن إنتاجها مبادرة لمنتدى الفهم المشترك بين الإعلاميين الغربيين، وهو المنتدى الذي يبدأ أولى مراحله مع الصحفيين الدانمركيين، ثم سيتسع تدريجيا بحسب أجندة الأحداث، ويأخذ المنتدى شكل جلسات أو ورش عمل متبادلة. وتجري الآن ترتيبات تحويل هذا المنتدى لواقع إليكتروني فور أن تتوفر بقية موارده وتأخذ فعالياته حيز التنفيذ.(12/294)
وإن كان هذا لا يعني أن إسلام أونلاين.نت ترى أن العمل أونلاين هو منتهى التعاطي مع الأزمة، بل هو آلية اتصالية ثورية تتيح مساحة أوسع وآفاق أرحب من التواصل والتعاون والتحاور، ولا تغني عن الحضور المؤسسي على أرض الواقع، وإن وجبت الإشارة إلى أن شبكة الإنترنت يمكن أن توفر لهذا الحضور المؤسسي قدر عال من الفعالية من خلال آليات التدريب والاتصال ونشر وتداول الأفكار وإثارة الحوار حولها.. وغيرها مما تتيحه الشبكة من إمكانيات تستطيع إسلام أونلاين.نت توفيرها باعتبارها بيت خبرة في هذه المساحة.
كلمات في منهج إسلام أونلاين.نت حيال القضية لكي يكون الكلم طيبا في سياقه الطيب الذي تشارك فيه الورقة بجهد المتواضع لله؛ فعليه أن ينضبط برؤية واضحة، تسهل مناقشتها، كما يسهل تقويمها عند تبيان موطن لوهن فيها، ويسهل أيضا تحويلها لأهداف يسهل قياس نضجها ولياقتها في إطار فقه الواقع كما يسهل تنفيذها. ولهذا نكتب هذه الكلمات في المنهج الخاص بإسلام أونلاين.نت.
ولعل أول ما نتحدث عنه في هذا المقام إصرار إسلام أونلاين.نت على أن يكون ثمة تطابق قدر الإمكان بين عالم الأفكار وعالم الأحداث، ذلك التطابق الذي لا يتم إلا من خلال تشغيل المفاهيم والأفكار والأطروحات الاجتهادية التي تنتج عن تشاور علماء الأمة، بما لا يجعل جهود علماء الأمة ومفكريها تحليق في سماوات لا تحتك بالواقع ولا تدرك فرصه وقيوده، وبما لا يجعل حركة المسلمين وقياداتهم خبط عشواء بلا وجهة أو إمكان مراجعة.
ويرتبط بهذا المنهج الإشارة إلى أن آليات المنهج يتجاوز إدلاء علماء الشرع وحدهم بدلوهم؛ بل يتضمن تشارك المفكرين وعلماء الاختصاص معهم في هذه القضية التي تخص قضايا اجتماعية تتعلق بشعوب متفاوتة وثقافات متباينة ومجتمعات سياسية أخرى لها معطياتها الاجتماعية الخاصة التي تحتاج لمتخصصين في التعاطي معها يتكاملون في تعاطيهم هذا مع رؤى أصحاب الفضيلة علماء الشرع ومتخصصيه.
وتستقيم إسلام أونلاين.نت على منهجها في السعي الحثيث للوصول لهذا التطابق من خلال استمرار ودينامية مناقشة الاجتهادات المخلوص إليها وديمومة تقويمها ومراجعة تطبيقها تحريا لإسباغ الرشادة والاستقامة في سلوك الحركة المسلمة.
والملمح المنهجي الثاني في مسلك إسلام أونلاين.نت يتمثل في عدم الاستسلام للحدث كمحدد أساسي لطرح توصيف ثم تفسير للأزمة انتهاء لبناء رؤية التعامل معها وما يرتبط بهذه الرؤية من تفصيلات. فالأساس في بناء النموذج الإدراكي المقترب من المثالية محاولة قراءة كامل تفاصيل مشهد الأزمة؛ مما يوفر رؤية أعمق وأشمل. وعليه، سترصد الورقة رؤيتها للتفسيرات المطروحة للأزمة، لكنها ستحاول تجاوزها من خلال طرح نموذج ليس تكامليا بين الرؤى، بل سيكون الطرح أحيانا نقديا لبعض الرؤى حينا، ومكملا حينا آخر.
الملمح المنهجي الثالث يتمثل في توفير اقتراب تكاملي للتعاطي مع المنتجات الآنية والمتجددة للأزمة. يغلب على هذا الاقتراب أن يلتحم بالبعد الثقافي للظاهرة باعتباره البعد الرئيس، ثم يلتحم ببقية الأبعاد التحاما وظيفيا إستراتيجيا، بما تعنيه كلمة إستراتيجي من محاولة تقديم صورة كلية من جهة، وبما يكفل متابعة التطورات من جهة ثانية.
الملمح الرابع والأخير يتمثل في رغبة الشبكة في توفير معالجة تتسع جغرافيا لتشمل العالمين العربي والإسلامي من جهة، كما تشمل العالم الغربي من جهة ثانية، وفق اعتبار تكرار الظاهرة بأشكال تعكس خصوصيات طرحها في كلا البيئتين، وإن كانت الورقة ستتجه في النهاية للتركيز على البيئة الأوروبية-الأميركية؛ باعتبارها البيئة التي تصر على تجديد الأزمة بتجليات مختلفة انطلاقا من حالة الكراهية التي تعكسها رؤى التيارات اليمينية: بتنويعاتها الجديدة والعلمانية والصهيونية، مع استثناء كثير من حالات اليمين المحافظ، متحللة من واقع التعدد الإثني الذي يميز المجتمعات الأوروبية-الأميركية.
في ملامح المشهد.. نموذجا الإدراك والتفسير(12/295)
في 30 سبتمبر من العام الميلادي 2005، قامت صحيفة ييلاندز-بوستن الدانمركية بنشر سلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية التي يتضمن جلها إساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وكادت القضية تمر كما مرت قبلها بأيام قليلة قضية تبول بعض الجنود الأميركيين على نسخ من القرآن الكريم إذلالا لبعض المسلمين الذين كانوا يتولون التحقيق معهم ضمن الحرب الأميركية على ما تعتبره الإرهاب. غير أنه في 17 أكتوبر، قامت صحيفة الفجر المصرية بإعادة نشر بعض هذه الرسوم، ووصفتها بأنها "إهانة مستمرة"، و"قنبلة عنصرية". وبعدها بثلاثة أيام قام سفراء عشر دول إسلامية بتقديم شكوى لرئيس الوزراء الدانمركي بشأن الرسوم. وفي العاشر من يناير من عام 2006، قامت صحيفة نرويجية بإعادة نشر الرسوم. وإثر ذلك قامت المملكة العربية السعودية بسحب سفيرها في الدانمرك، وأعلنت ليبيا أنها ستغلق سفارتها في لدى الدانمرك. وأدى لتفجر الموقف أن قام مسلحون - في غزة بفلسطين المحتلة - باقتحام مكتب الاتحاد الأوروبي، وطالبوا بالاعتذار عن الرسوم. وتفجر الموقف بعد ذلك بتصعيد شعبي عربي وإسلامي، مصحوب بتأييد غير مسبوق من كثير من النظم السياسية العربية والإسلامية، ثم لحقت المؤسسات الدينية الرسمية بالحس الشعبي الثائر، واقترن ذلك بتصعيد أوروبي بالوقوف إلى جانب الدانمارك، واختلط هذا التصعيد ببعض التعقل الذي قاد للاعتذار. وتصاعد العنف في الشارع العربي والإسلامي، مما أدى لحرق السفارة الدانمركية في أكثر من بلد.
وقد ظهرت إلى جوار ذلك مبادرات عربية وإسلامية تدعو لحوار واعتذار، ثم مبادرات متأخرة تدعو للحوار ولو لم يتم الاعتذار المنشود. وتزامن مع هذين النوعين من المبادرات مبادرات أخرى أتت من جانب مسلمي الغرب للحوار ولبناء التوافق حول احترام كل الأديان، وصاحب ذلك كله موقف أوروبي وأميركي اتسم بالاهتزاز والافتقار لرؤية واضحة لإدارة الأزمة، مما جعل الموقف الحكومي يشارك الموقف الشعبي قدرا من الاضطراب الذي لم يلبث أن انتهى في جزء منه إلى التعقل والاعتذار والأسف لإيذاء مشاعر المسلمين.
تعددت الرؤى التي تناولت أزمة التهجم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك في صحية هذه التعددية؛ بما تتسم به من خصائص التعدد في زوايا النظر، والتكامل في التوصيف والتفسير، وتعداد الاحتمالات التي تتنازع كل بعد من أبعاد الأزمة: سياسيا وثقافيا.. إلخ. وهو ما نحاول رسم خريطة له لا تعني بالحصر بقدر ما تعنى بالاتجاهات، وهذا ما نتناوله بالتفصيل تاليا:
أولا: المشهد في بيئته الغربية:
فيما يتعلق بالبيئة الغربية، طرحت عدة تصورات إدراكية/تفسيرية، يمكن أن نوجز الإشارة إليها على النحو التالي:
هناك خلاف بين النماذج التفسيرية التي ظهرت لتفسير المشهد في بيئته الغربية، حيث يصر البعض على طرح نموذج صدام يميني – إسلامي منذ البداية، بينما يرى البعض أنها كانت حادثة تم تطويرها فيما بعد ليستفيد منها من يستفيد. وعلى هذا؛ فإننا نرصد هنا تلكم التفسيرات على مستويين، وذلك على النحو التالي:
1 – مستوى نشوء الأزمة:
ابتداء طرح المراقبون عدة تصورات لإدراك وتفسير الواقعة، وهي رؤى تم إدراجها في إطار صراع التكوينات الاجتماعية المكونة للعقل الغربي؛ وبخاصة التكوينات ذات التوجهات اليمينية؛ مع الوجود المسلم بأوروبا. ويمكن الإشارة لهذه التصورات فيما يلي:
أ – طرح البعض رؤية لصحيفة أو بضعة صحف مغمورة تحاول أن تخلق ضجة حول وجودها بالاحتكاك بالأقليات موضع الهجوم العام، وهي الأقليات الإسلامية، وفي هذا الإطار تخيرت أن تركب موجة النقد والهجوم اليميني الموجه لهذه الأقليات.
ب – طرح بعض المراقبون رؤية مفادها سعي بعض المنظمات ذات الاتجاهات اليمينية لتكريس الوعي السلبي الموجه للأقليات المسلمة في الدول الغربية، تمهيدا لتواصل الجدل حول جدوى الوجود المسلم بأوروبا، وفي هذا الإطار تم انتقاء قضية من المقدسات في العقل الغربي "حرية الصحافة" وتدبير اصطدامها بقضية من المقدسات في العقل المسلم، لوضع الأقليات المسلمة في صدام مع المقدسات العلمانية في العقل الغربي.
جـ - كما طرح البعض رؤية مقاربة لهذه الرؤية ولكن بمنطق مخالف، تتمثل في السعي لتكريس نمط الوعي الجيتوي (نسبة للجيتو) بين الأقليات المسلمة، مما يحول دون اندماج المسلمين في بلادهم الأوروبية، وهو مناخ يخلقه ويفيد منه التيار اليميني الأوروبي.
د - وطرح البعض رؤية مفادها أن الكيانات اليهودية أرادت أن تستفيد من حالة الكراهية الموجهة ضد المسلمين لترفع من طاقتهم التعبوية ضد إهانة الرموز الدينية، بما يخلق وعيا أوربيا يرفض الإساءة للأديان، يتبعه الاتجاه لسن تشريع يجرم الإساءة للأديان، يتم توجيه نصل هذا القانون فيما بعد لنصوص القرآن المعادية لليهود.(12/296)
وقد نفى مراقبون مسلمون رؤية السعي وراء رفع توزيعات الجريدة معتبرين أن ثمة وعي مرتفع بين المثقفين بحساسية الموقف انطلاقا من مفهوم الحرية المسؤولة.
كما أصر مراقبون مسلمون على رفض تعميم الموقف من قضية المقدسات على عموم المشهد الأوروبي؛ بسبيل التأكيد على أنها مواجهات سياسية متوقعة؛ وأن توقعها يستند إما إلى الصورة الإعلامية السلبية التي تغذيها بعض دوائر الإعلام، أو يستند إلى تنامي الوعي اليميني لدى بعض الشرائح الاجتماعية الغربية، وهو ما يعكسه فوز بعض الأحزاب اليمينية في بعض الدول الأوروبية.
2 – مستوى تطور الأزمة:
تختلف صورة النموذج الإدراكي الذي يمكن استخدامه لتوصيف الأزمة في مطلعها عن ذلك الذي يمكن استخدامه لتوصيف الأزمة في مسلسل تطورها. لكن مع ذلك نود أن نلفت الانتباه إلى أن الاتجاهات التي أصرت على اعتبار الموقف مواجهة سياسية ثقافية بين نوعين من الفصائل أولهما يميني ذو توجهات تميل نحو العنصرية أو على الأقل ترغب في تفادي وجود حالة إسلامية في أوروبا بسبب ما بين أيدينا من سيل التدفقات الإعلامية التي تربط - تجاوزا - بين الوجود الإسلامي والمسالك الإرهابية، والطرف الثاني هو أطياف الوجود المسلم بأوروبا الذي يتراوح بين متدينين بأطيافهم وبين غير المتدينين.
إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نضيف لتفسيرات الصراع اليميني - الإسلامي مجموعة أخرى من التفسيرات ارتبطت بتطور القضية، وذلك على النحو التالي:
أ – يرى البعض أن مناخ التضييق والإحباط وبيئة الاتهام التي يعيش به مسلمو أوروبا قد أفضى بهم إلى حالة من الضيق والسخط السياسي، عززه ما توالى نشره من قبل عن إهانة القرآن في جوانتانامو وأبو غريب وغيرها، فضلا عن تجاهل المنظور الحقوقي في التعامل مع المسلمين، وهو ما حدا بهم إلى التحرك سعيا للوصول لوقفة مراجعة مع بيئتهم الأوروبية.
ب – طرح بعض المراقبين أيضا فكرة أن إدراج القضايا المتعلقة بالوجود المسلم في العقل الغربي وعقده الاجتماعي كانت بحاجة إلى وقفة صراعية جادة؛ كما يسير الأمر دوما في التاريخ الغربي الذي تقر فيه القضايا المصيرية عبر مواجهة صراعية، وهو ما دفع المسلمين للمطالبة بوقفة جادة حيال قضاياهم وقضايا النظر إليهم.
جـ - كما طرح البعض فكرة أن التطور السلبي الذي حدث للقضية على المسرح الأوروبي كان مرده إلى تعالي الصيحات المطالبة بمقاطعة المنتجات الدانمركية التي تعتبر جزء من الهوية الأوروبية، وهو ما زكى تنامي النعرة الأوروبية التي حرصت على استفزاز العالم الإسلامي لاختبار جدوى المقاطعة.
د – كما طرح البعض أيضا فكرة رغبة بعض الدوائر في تكريس اشتعال الأزمة لجعل خيار حوار الحضارات خيارا صعب المنال حينما يصطدم برغبة العالم الإسلامي – النامي - في اعتذار العالم الغربي – المتقدم، مما يخلق حالة وعي يميني عامة يتصاعد فيها التيار اليميني بقوة للحكم في غالبية الدول الأوروبية، مما يؤدي لتنامي الاتجاه الرسمي الرافض لتنامي الوجود المسلم بأوروبا؛ بل وتقليصه.
وبصرف النظر عن الفحوى الهامة لهذه الأطروحات، فإن الرؤى التي تعالج الأمر خارج دائرة الصراع اليميني – الإسلامي تتسم بدرجة من الجزئية والسطحية التي لا تغني عن اعتبار الرؤى اليمينية، ولكن لا يمكن استبعادها بحال، لأن هذا الاستبعاد يضعنا أمام هذا الخيار الأحادي الصراعي الصلب.
ثانيا: المشهد في بيئته العربية الإسلامية:
أما عن ملامح المشهد على الصعيد الجغرافي العربي والإسلامي فقد اتفقت النماذج التفسيرية والإدراكية على حضور عاملين مهمين يكاد يقصر الأمر عليهما، هذان العاملان هما:
1 – وجود حالة عامة من حالات السخط الشعبي في العالمين العربي والإسلامي بسبب توارد وتواتر وتواصل الأنباء عن الحالة الغربية الآنية، والتي تتمثل في صورة مركبة من مشهد المشروع الاستعماري الغربي وفي طليعته الولايات المتحدة، مضافا إليه مشهد الصلف الثقافي الغربي الذي يتجلى في استمرار توافد الأنباء عن حالات إهانة للمقدسات الإسلامية، بدءا بالتبول على القرآن في جوانتانامو وأبو غريب، وانتهاءا بالإساءة للرسول في الدانمرك.. إلخ، وهو ما يفسر استمرار التظاهرات الرافضة لهذه الإساءة للرسول من باكستان وحتى فنزويلا والتي اتهمت الولايات المتحدة برغم أن الحدث أوروبي المركز والتداعيات.
2 – كما أشار المراقبون لسعي عدد كبير من الحكومات العربية لانتهاز الحدث والحصول على قدر من الشرعية الدينية يعوض تآكل شرعيتها، ومنها أنظمة علمانية صارمة، أو أنظمة تشترك في الحلف الأميركي على ظاهرة الإرهاب وتريد أن ترسل رسائل لشعبها مفادها أن "الاشتراك في الحرب على الإرهاب ليس معناه معاداة الإسلام". وهو ما يفسر وقفة غالبية الأنظمة العربية إلى جانب خيار المقاطعة.(12/297)
وفي هذا الإطار وجد رصيد السخط الشعبي العربي والإسلامي رصيدا من المساندة في قراره بمقاطعة منتجات الدانمرك بدءا من البيان الرئاسي المصري الرافض وسحب الخارجية السعودية لسفيرها بالدانمرك وإقالة وزير الأمن الليبي لتصديه بالقوة للتظاهرات الليبية الغاضبة من الإساءة للرسول.. إلخ.
واستدراكا على هذا الملمح يضيف البعض قيدا هاما يتمثل في أن محصلة الغضبة الشعبية العربية والإسلامية لم يستفحل تأثيرها بسبب اغتنام كثير من الدول العربية والإسلامية وسيلة تحصيل الشرعية هذه، بل لأن الدولة الضحية "الدانمرك" دولة تقع على هامش مجموعة دول الشمال، وأن الأمر لو تعلق بدولة أكبر، كما حدث حين تبول جنود أميركيون على القرآن، لكان الأمر قد اختلف، وهو ما أكده مراقبون انتبهوا لرغبة البعض في استغلال نشر صحف أوروبية للرسوم المسيئة لتحويل المقاطعة لمشروع قومي تتم فيه مقاطعة كل منتجات دول الشمال التي لها بدائل عربية وإسلامية، حيث ذهبت هذه الدعوة أدراج الرياح بالرغم من حيويتها المنهجية.
ما بعد المشهد.. تقييم الاستجابات المختلفة
أ – استجابات المسلمين في البيئة الغربية:
فيما يتعلق بالبيئة الغربية، كثيرة هي الآراء التي اعتبرت أن مواقف الأقليات المسلمة في الغرب تطورت بصورة إيجابية خلال الأزمة. وبرغم أن هذه الرؤية صحيحة، لكنها ليست الأصح. فالحالة الإسلامية في الغرب تتعدد اتجاهاتها بين أطياف متعددة وكثيرة. ونحن لا نتحدث عن اتجاهين أو ثلاثة، بل نتحدث عن أكثر من ذلك بين من يرون أن مرجعيتهم هي الإسلام.
فلو نظرنا للحالة الإسلامية في أوروبا سنجد المحافظين وسنجد الاندماجيين، وبين المحافظين تعدد في الخطابات ما بين الرؤى السلفية ورؤى حزب التحرير ورؤى الأحزاب الإسلامية ذات الأيديولوجية العنفية التي استقدمتها بريطانيا لأرضها. وأما الاندماجيين فمن بينهم من يدعو لحالة علمانية شاملة تكون الدولة فيها محايدة حيال المعتقدات، ومنهم من يريد استيعاب الدين الإسلامي في مشروع توافق يفضي لعقد اجتماعي جديد، ومنهم من يتصرف باعتباره مواطنا غربيا ولا يرى ضرورة رفع لافتة تشير إلى انتمائه الإثني.
ولابد في هذا الإطار من أن نشير إلى أن الحالتين السنية والشيعية تتشابهان في أوجه الانقسام، وإن كان الغالب عليها اتساع التيارات المحافظة، وإن كان هذا لا يعني تضاؤل نطاق الاندماجيين بينهم بصورة طاغية.
أما لو نظرنا للمهاجرين الذين يريدون الاندماج في المجتمع الأوروبي بغير مرجعية إسلامية فسنجدهم كثرة، ومع ذلك فهذه القضية تمسهم من زاوية أخرى تتمثل في إهانة الثقافة التي ينتمي إليها.
وإن كانت الصورة الخاصة بالتعددية في الرؤى والتيارات السياسية والفكرية المسلمة في الغرب قد اتضحت؛ فيمكننا أن نعرض تاليا لأهم ثلاث رؤى برزت أثناء الأزمة:
1 – تميل القوى اليمينية المرتابة من الوجود الإسلامي في أوروبا إلى اختزال ردود فعل الحالة الإسلامية في أوروبا في اتجاه واحد يغلب عليه الصراخ والاستغاثة، وتشير تحليلاتهم إلى أن هذا التيار هو الأساس، بينما تقع على هوامشه أصوات تحاول عقلنته. وبصرف النظر عن اتهامنا الضمني لهذه الرؤى، إلا أن الخطاب الاستغاثي الصراخي كان موجودا، لكنه لم يكن التيار الأساسي، بل كان الأضعف.
هناك تجليات عديدة لهذا التيار وكان أبرز رموزها الدكتور عزام التميمي مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي بالمملكة المتحدة، والذي رأى في لقائه بقناة الجزيرة القطرية أن "الإٍسلام شامخ منتصر ممتد وهذا الذي يأكل قلوب من يتطاول على الرسول غيظا". وقد أشار إلى أن "الرسول صلى الله عليه وسلم هو اليوم الشخصية الأولى في العالم في كل القارات.. في كل قارات الأرض، أتباعه في أوروبا في أميركا في كل أصقاع الأرض يقولون أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله وهذا يغيظ هؤلاء لأنهم فقدوا البوصلة، وأصبحوا لا دين لهم، حتى الدين عندهم الذي لا يزال موجودا في قلوب كثير من الناس أصبح خائفا راجفا مختبئا"(..)، وأشار إلى أن التهجم على الرسول "لا نقبل به ويجب أن تُعَاقب أوروبا ويجب أن يعاقب كل من ينشر هذه الصور". ولا داعي للخوض في دلالة المعاقبة وصاحب السلطة في العقاب، فهذا مما يضيق دونه المقام.(12/298)
2 - أما الاتجاه الثاني فكان اتجاها وسطيا، يمكن القول بأن أهم من يمثله البروفيسور طارق رمضان. حيث نقلت جريدة "لو فيجارو" الفرنسية عنه رأيه بأن ردود الفعل في العالم الإسلامي على الرسوم المسيئة للنبي "مبالغ فيها"، وأنه قد دعا إلى "نقاش هادئ وعقلاني"، وندّد بالدعوات إلى "المقاطعة" والدعوات إلى القتل، ورأى أنها تخدم اليمين الأوروبي المتطرف. وقد ندد البروفيسور طارق رمضان بما أسماه "استقطابا خطرا بدأ يفرض نفسه، ويشجّع المواقف المتطرّفة من الجانبين". كما دعا المسلمين لأن "يعتادوا على اتخاذ مسافة نقدية"، ولأن "يعيشوا في عالم كوني يعتمدون فيه الحوار منهجا، كما ينبغي فيه أن تكون ضمائرهم قوية بما فيه الكفاية للتغلّب على حساسياتهم المجروحة". ولم يفت طارق رمضان طبعا أن يشير إلى أنه "في الإسلام، لا يجوز رسم الأنبياء".
3 - أما الاتجاه الثالث فيتمثل في منهج الأستاذ أنس التكريتي الذي دعا في مشروعه إلى أن تقدم المملكة المتحدة أنموذجا للدولة الأوربية الليبرالية التي تعتبر مثالا في استيعاب التعددية بكل مستوياتها العرقية والدينية والثقافية، باعتبار أن بناء نموذج مجتمع تعددي بهذه الصورة من شأنه أن يضع ضوابط على ما قد تقترفه الجماعات الإثنية والثقافية والدينية بحق غيرها من الجماعات التي تشاركها نفس المجتمع، في إطار حرية مسؤولة، وهو ما من شأنه أن يضمن الانسجام والتوافق المجتمعي الإيجابي الذي تحميه قوة القانون. لكن أنس التكريتي تجاوز بأطروحته أن تحميها نصوص القوانين لصالح تعميق الحوار الذي يجعل هذه القيم التعددية المتباينة محمية بموجب الضمير المجتمعي العام والتوافق المجتمعي العام. وقد خرج برز أنس التكريتي عبر تظاهرة قادها في لندن، تتضمن توليفة إسلامية كاثوليكية.
وبين هذه الاتجاهات الأساسية وجدت بعض الأطياف التي يمكن القول باستيعابها ضمن هذه الاتجاهات الثلاثة، لكن لم تتضح أطروحتها بصورة كافية.
ومن خلال الطرح السابق يمكننا أن نشير إلى أن الحوار كمسلك في رد فعل مسلمي أوروبا على قضية التهجم على الرسول قد اتخذ الصورتين المشار إليهما، وهما صورتان تفترقان كثيرا في فلسفتهما.
فالطرح الخاص بطارق رمضان دعا لإقامة حوار حول ضرورة احترام حقوق الأقليات من زاوية استيعاب الأزمة ومحاولة منع تكرارها لإضرارها بمشاعر الأقليات. وهذا الطرح يصب في فقه الأقليات المسلمة الذي يحرص على صون حقوق هذه الأقليات وصياغة أسس علاقتها بالمجتمع الذي تعيش فيه باعتبارها أقلية ذات دين يخالف الثقافة المسيحية الأوربية، ومن ثم ينبغي توفير ضغوط على الحكومات لأجل فرض احترامه. أما طرح أنس التكريتي فقد حرص على التعامل مع الأزمة لا باعتبارها أزمة أقلية دينية مسلمة في مجتمع مفتوح، بل باعتبارها قضية مجتمع مفتوح به درجة عالية من التعددية الدينية والإثنية والثقافية بحاجة لتطوير ثقافته العامة ليتسنى له استيعاب حقيقة أوضاعه التعددية الراهنة وتطوير آلية إدارتها.
ب - استجابات المسلمين في البيئة العربية الإسلامية:
كما تعددت استجابات المسلمين في الثقافة الغربية الأوروبية، كذلك تعددت استجابات المسلمين في البيئة العربية الإسلامية، حيث يمكن رصد 3 اتجاهات في هذا الصدد، على النحو التالي:
1 – ردود الفعل الغاضبة المحبطة: كانت ردود الفعل الغاضبة المحضة من أهم ردود الفعل في العالمين العربي والإسلامي، وإن لم تكن أكثرها رشدا بطبيعة الحال. وتمثلت ردود الأفعال تلك في مسيرات التعبير عن الغضب، والتي انتهى بعضها بحرق بعض سفارات الدول التي أعادت نشر هذه الرسوم.
وأهم ما يميز هذه الغضبة، بصرف النظر عن المؤازرة الحكومية، أن ارتبطت هذه التظاهرات برغبة حميمة في مقاطعة الدولة التي ابتدأت هذا الفعل، والصيام والقنوت والدعاء، وارتبط ذلك كله بحملة نشطاء الإنترنت لتعميم الاقتراحات بالتصرف ونشرها على نطاق واسع.
وبرغم أن الرغبة في المقاطعة كانت جادة وحميمة، إلا أن إعادة نشر دول أخرى للرسوم المسيئة لم يؤد لاتساع نطاق المقاطعة ليشمل هذه الدول الأخرى، وإن كان قد أدى لاتساع نسبي في نطاق العنف.
2 – مجموعة الغضب العاقل: لم تكن كل ردود الأفعال الغاضبة بنفس الصورة، بل كانت هناك حركة غضبة أخرى أكثر رشدا ورصانة في الطرح، إذ أيدت الغضبة الشعبية في صورتها الاقتصادية والسياسية وأية صورة غير عنيفة، وهددت قيادات هذا الاتجاه بتغذية استمرار الغضبة الشعبية وتصعيدها ما لم يصدر عن الجهات التي اقترفت الإساءة للرسول ردي فعل، أولهما الاعتذار عن الخطأ في حق الرسول والمسلمين، وثانيهما العمل على سن تشريعات تجرم الإساءة للأديان. وقد تزعم هذا الاتجاه مجموعة من العلماء الكبار كان أبرزهم الدكتور يوسف القرضاوي.(12/299)
3 – ردود الفعل الحوارية: كان الحوار موضوعا حيويا وطلبا ملحا لقطاع عريض من القوى الشعبية التي كانت تضع نصب أعينها ليس فقط قضية الإساءة لمقدس إسلامي، بل أيضا مصلحة المسلمين في الغرب، حيث كانت القيادات التي أنتجت أبرز دعوات الحوار على صلات بقيادات من الأقليات المسلمة في الغرب. ومن بين تلك الدعوات دعوة مؤتمر عمان الذي دعا فيه عدد من علماء الدين العرب المسلمين إلى الحوار مع الغرب منتقدين دور الإعلام في هذا الشأن. وكان من أبرز تلك الدعوات ذلك البيان الذي وقعه 42 من كبار الدعاة وكان من بينهم الداعية الشاب عمرو خالد الذي دعا المسلمين لعدم مقابلة الإساءة بالإساءة، وهو ما قاد إلى خلاف بين هذه المجموعة ومجموعة الغضب العاقل التي تزعمها الدكتور يوسف القرضاوي والتي ضمت عددا كبيرا من علماء الأمة، والتي رأت ضرورة أن تعبر الأمة عن غضبتها ليعلم المسيئون أنهم آذوا مشاعر أمة تعدادها مليار وثلث المليار.
4 – الأنظمة العربية والتعامل مع الأزمة: استمر نهج الدول العربية في التعاطي مع الأزمة بمنطق التعبئة الجماهيرية بسبيل تحصيل قدر من الشرعية المستندة لمرجعية دينية ورضائية في آن أو سحب الغطاء الإعلامي عن قضايا داخلية متفجرة ببعض من هذه الدول، وتفاوتت تحركاتها الدبلوماسية لاحتواء الأزمة. فقد اكتفت بعض الدول بمساندة مشروع الغضبة كسورية، وغيرها على اختلاف في مواقف هذه الدول بين الانفلات والضبط. والمجموعة الثانية من الدول العربية والإسلامية فقد شايعت الغضبة لكنها دعت لإجراء حوار حول القضية كمصر، أما الفريق الثالث فاتجه إلى تدبير لقاءات حوارية، وكانت أبرز الدول الناشطة في هذا المجال دولة قطر، والتي رتبت لقاء تحالف الحضارات الذي ضم ممثلين من الأمم المتحدة (كوفي عنان) وجامعة الدول العربية (عمرو موسى) ومنظمة المؤتمر الإسلامي (أكمل أوغلو) وبعض وزراء الخارجية الأوروبيين.
جـ - استجابات الطرف الغربي:
كان لهبة المسلمين في أنحاء العالم ردود فعل قوية ومؤثرة في المجتمع الغربي، وبخاصة مع اتجاه أصوات التيارين المعتدلين للتعالي. حيث قامت بعض الدول بالاعتذار كالدانمارك وإيطاليا وفرنسا، وإحدى الدول: النرويج عدلت قانونها لتجريم الإساءة للأديان، وأتت وفود كنسية للجامع الأزهر للاعتذار والحوار، كان من بينها وفد الكنائس الدانمركية، وظهر قدر من التوافق الكاثوليكي الإسلامي حول تجريم الإساءة للأديان. وإن كان هذا لم يمنع من أن كثير من الدول لم تتقبل فكرة الاعتذار، بل إن رسالة الاتحاد الأوروبي في اجتماعه على مستوى وزراء الخارجية في فبراير 2006 تضمنت عبارة لا تعني الاعتذار، بل تعني الأسف لأن ما نشر أغضب المسلمين، مما يفتح الباب للتساؤل حول سبب الأسف: أهو نشر الإساءة أم إحساسنا بالإساءة.
المعالجة.. أطروحات عملية للعالمين الإسلامي والغربي
كانت الإشارات إلى منهج إسلام أونلاين.نت، وكذا عملية الرصد والتفسير مدخلا لتقديم طرح عملي لمواجهة الأزمة. ومما سبق يمكننا أن نخلص لحصادين قيمي ومؤسسي نوجز ملامحهما فيما يلي:
أولا: الحصاد القيمي:
بعيدا عن القيم المستقرة التي تكرست عبر الأزمة كالحوار، مكنتنا الأزمة من الانتباه لمجموعة من القيم المهمة التي علينا أن نلتفت إليها، ومنها:
أ - الغضب العاقل: حيث إن حسن إدارة الغضب مكن العالم الإسلامي من تحقيق مكاسب سياسية وثقافية، وتمكن من تحويل مجرى التفاعلات من مسار الرعونة إلى مسار الحوار والتعايش والاعتذار والاتجاه للحوار البناء.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أنه لولا هذه الغضبة التي سارعت لاتخاذ مسار العقلانية لما كان من الممكن للعالم الإسلامي أن يحصد هذه المكاسب.
ب - إدراك التعددية داخل الآخر: كان من بين ردود الأفعال المتزنة وقوف المسلمين في كثير من الدول الأوروبية على حقيقة الاختلاف والتعددية داخل المجتمعات الأوروبية، مما مكن من صوغ تحالفات وعقد حوارات كانت بناءة ومثمرة، وستؤثر إلى حد كبير على حركة التنظيمات القائدة للأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية.
جـ - التعريف بالتعددية داخل الذات واحترامها: كان من المهم كذلك أن يتم الإعلان الواضح عن التباين الشديد والتعددية الموجودة داخل الكيانات المسلمة بالغرب، وما بينها من اختلافات حقيقية في الرؤى والمواقف، مما وضع أقدام كثير من القوى الاجتماعية الأوروبية على بداية التمييز بين الصحي والمريض داخل الخطاب الإسلامي في الغرب.
والأهم أن التعددية التي حدثت داخل الذات المسلمة على الصعيد الجغرافي العربي والإسلامي كانت مهمة أيضا، برغم أن بعض ردود الأفعال العاقلة اتخذت موقفا مناوئا من ردود الأفعال العاقلة الأخرى، وهو ما كان من المهم الإشارة إليه في إطار ضرورة احترام التعددية في المواقف، مع كامل التقدير للموقف الوسطي.(12/300)
د - الحرية المسؤولة: من أهم المفاهيم التي برزت خلال الأزمة مفهوم الحرية المسؤولة، وهو مفهوم نهض في مواجهة ما اعتبر حرية مطلقة للصحافة في التعبير. والجدير بالذكر أن هذا المفهوم: الحرية المسؤولة أعاد للأذهان الصورة الغائبة عن القيود القانونية التي ترد على حرية الصحافة. خاصة وأن اعتبار هذا الحق مقدسا يجعل من التهجم على قضايا أخرى كالهولوكوست وغيرها.
هـ - التوافق والعقد الاجتماعي: من أهم المفاهيم التي استخدمها بعض قادة الأقليات المسلمة في الدول الغربية، حيث سعوا إلى إدراج قضية عدم إهانة المقدسات داخل العقد الاجتماعي الغربي، وبناء التوافق حول ضرورة عدم الاستهزاء بمقدسات الأديان جميعها.
ومع هذا تبقى قيمة الحوار وقيمة التبليغ أو التعريف بالإسلام من أهم القيم التي تعززت أهميتها.
ثانيا: الحصاد المؤسسي:
من الأهمية بمكان أن نخلص لمجموعة من الإجراءات العملية التي يمكن الإفادة منها في الاستفادة إيجابيا من قوة دفع هذه الأزمة. وهنا يمكن الإشارة إلى أن دور الحصاد المؤسسي تحويل الحصاد القيمي إلى أهداف واقعية تحملها حالة مؤسسية. وفي هذا السياق نضع الملامح المؤسسية التالية:
أ – على صعيد مسرح العمل الغربي:
من أهم ما ينبغي إنجازه على صعيد المسرح الغربي عدة مهام، نستلهمها من عرضنا السابق فيما يلي:
1 – متابعة أدبيات اليمين الغربي فيما يتعلق بالحالة الإسلامية في أوروبا، وفتح حوار بين قيادات الأقليات الإسلامية حول هذه الأدبيات، وإنتاج أدبيات تتناول ترشيد وترقية أداء الأقليات المسلمة في الغرب والمنظمات المعبرة عنها، وتوثيق رؤى إدراك الآخر وإدارة الذات لتسهيل تقويم تطور الأداء المسلم في الغرب عبر الزمن، وكذا تقويم نظرة الآخر للوجود المسلم.
2 – توفير آلية تشاور سريعة الانعقاد بين قيادات الأقليات المسلمة عند حدوث أزمة بحجم أزمة الرسوم المسيئة للرسول والمقدسات الإسلامية، والتوصية بالاتجاهات التي يستوعبها فقه حركة الأقليات المسلمة، وتحديد أنماط ردود الأفعال التي يمكن أن تشكل في تداعياتها تأثيرا سلبيا على وضع الأقليات المسلمة في أوروبا.
3 – رسم خريطة للقوى الاجتماعية والثقافية والسياسية في دول الغرب، يتوزع رصدها على المحكات والقضايا التي تهم الوجود المسلم في الغرب، وذلك لمعرفة مساحات الالتقاء والافتراق بين المسلمين وهذه القوى.
4 - تجاوز العقلية الجيتوية بالتحرك المتضامن مع القوى الاجتماعية والسياسية والدينية التي تشاركنا محاور قضايا المسلمين، وبما يحقق أمن واستقرار المجتمعات الأوروبية نفسها.
5 – باعتبار المسرح الغربي مترابط إقليميا عبر الاتحاد الأوروبي، ومترابط عبر الأطلنطي من خلال حلق الناتو، فإنه من المقترح القيام بدرجة عالية من التنسيق والتشبيك بين الأقليات المسلمة في الغرب من خلال المنظمات التي تتولى التعبير السياسي والثقافي عنها، وإدارة نقل الخبرة وتجويد الأداء.
6 – رسم ملامح إستراتيجية علاقات عامة تستهدف تكثيف الحوار بين المنظمات الإسلامية في أوروبا وبين الجهات التي تشاركها الاهتمامات الجزئية أو الكلية، والتي أنتجتها عملية رسم خريطة اهتمامات أطراف المجتمع السياسي والثقافي في الغرب، وذلك بسبيل تشجيع مناخ الحوار بين المسلمين ومن يشاركونهم الاهتمام من جهة، وتطبيع حضور القيادات المسلمة في الحياة العامة الأوروبية من جهة ثانية.
7 – الانتقال بالدعوة الإسلامية من الطور الكلاسيكي القائم على إيفاد الدعاة لصالح إنتاج جيل جديد من الدعاة، أو الدخول في مرحلة جديدة من مراحل صياغة الفكر الدعوي القائم على معطيات علوم الاتصال والعلاقات العامة، لكي يناسب شكل العرض طريقة تفكير المجتمعات الجديدة، والاحتياجات غير التقليدية المتجددة للدعوة، وطبيعة التحديات الاتصالية والإعلامية القائمة بهذه المجتمعات؛ بما فيها اعتبارات المنافسة الإعلامية.
8 – تشجيع قيادات الأطياف والتيارات المختلفة بين المسلمين على إنشاء وسائل إعلام متقدمة تتمكن من مواجهة المحتوى المتدفق من وسائل الاتصال الغربية، والتي يملك اليمين فيها حظا غير قليل، على أن تعمل من خلال موارد بشرية منتمية للمجتمعات الأوروبية تعرف لغتها وثقافتها (بلسان قومه)، وفي نفس الوقت تدين بالإسلام في أطروحاته المتجددة المقتربة من حقيقة التحديات الغربية الآنية.(12/301)
9 – إنتاج مشروعات تعريفية بالإسلام ومحتواه، وخصائص رسالته، وكذا وسائط تعريفية ترتبط بالنبوة شخصا ورسالة وسلوكا وأخلاقا، تعمل بصورة إستراتيجية من ناحية، ومرتبطة بالأحداث من ناحية أخرى، لكي تكون متكاملة في صيرورتها متصلة بالتحديات الآنية في تناولها، من خلال آليات متعددة اقترح البعض منها: إنشاء موسوعات متكاملة وموسوعات ميسرة، سواء أكانت هذه الموسوعات منتجة في صورة كتابية نصية أو في صورة وسائط متعددة (فيديو-كاسيت-سي دي-دي في دي-محتوى إنترنتي-وغيرها من الوسائط التي تسفر عنها القرائح التقنية) وزيارة المدارس والجامعات والتعاون معها بسبيل تمويل ومباشرة أنشطة تعريف بالإسلام ونبيه، وإقامة مهرجان أوروبي موحد ومهرجانات فرعية قطرية يختص كل منها بقضية معينة ويتغيا أهدافا محددة يمكن قياس مستوى الإنجاز فيها، أو إصدار مجلة دورية أو فصلية للتعريف بالقضايا حديث الساعة، والقيام بحملة علاقات عامة وتمويل للمكتبات الكبرى على مستوى الأقاليم والأحياء في الدول الغربية لإنشاء ركن خاص بالكتابات عن الإسلام.
10 – توفير حملات مكثفة ثم دورية للتعريف بالمنظمات الوسطية الإسلامية، وباتصالاتها، لتيسير التواصل معها، والقيام بحملة تواصل مع المؤسسات الإعلامية الكبرى والمتوسطة والمؤسسات الإعلامية ذائعة الصيت في النطاقات المحلية والإثنية الضيقة، بما يتجاوز ما يصم الحالة الإسلامية من فقر اتصالي.
ويمكن من خلال العرض السابق أن نحدد الصورة المؤسسية التي تمكن من إنجاز هذه الأهداف، وهو ما نوجزه فيما يلي:
1 – إنشاء مرصد أكاديمي يتبع أمانة منظمة إسلامية أوروبية كبرى، يتولى مهام رصد أدبيات اليمين، ورسم ملامح خريطة القوى السياسية والثقافية الأوروبية، والأنماط المحتملة لعلاقات الحوار والتحالف من جهة، وعلاقات المواجهة والمتابعة من جهة ثانية، ويراكم أدبيات تطوير الذات وأدبيات تنمية العلاقة مع الآخر، وأدبيات نظرة القوى السياسية والثقافية لواقع المسلمين في أوروبا، ويتولى إصدار مجلة فصلية لتوثيق الخبرة ومراكمة الأدبيات، وعقد مؤتمر سنوي أو كل عامين لمدارسة وضع الأقليات المسلمة في الغرب وما يرتبط بها من قضايا.
2 – إنشاء مكتب للعلاقات العامة تكون مهمته إعداد إستراتيجية التعريف بالإسلام، وتكييف الآني والمؤجل منها تبعا لإلحاح الوضع في الغرب، ووضع تصور لمشروع التعريف وخطة استكماله، والترتيب لمهرجان عام، وأية مهرجانات فرعية، كما يتولى توجيه اقتراحات للمنظمات الإسلامية القطرية بأوجه النشاط الثقافي الممكنة ومجالاتها، أو يتولى هو تمويل قيام المؤسسات القطرية بهذا الدور، ويشجع إنشاء منظمات مدنية قطرية تتولى إدارة وتنفيذ هذه المشروعات الثقافية.
3 – إنشاء إدارة تنسيق في واحدة من المنظمات الإسلامية الغربية الواسعة الانتشار، تتولى مهمة التنسيق بين قيادات المنظمات الإسلامية المختلفة بصفة عامة، كما تتولى الدعوة لمؤتمرات سريعة التحضير عند بروز بوادر أزمة كأزمة الرسوم المسيئة لمقدسات إسلامية، كما تتولى هذه الإدارة توجيه الدعوات لمنظمات إسلامية بالتضامن مع القوى السياسية والثقافية غير المسلمة التي تتشارك مع المنظمات الإسلامية في بعض الأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية.
4 – إنشاء إذاعة وقناة تليفزيونية أوربية، أو الاستفادة من قنوات أوروبية موجودة بالفعل لخدمة المجهود الدعوي والاتصالي الإسلامي، مع ضرورة تجاوز حقبة اللغة الإنجليزية أو الفرنسية لصالح مزيد التحام بواقع التعددية الإثنية والثقافية في المجتمع الأوروبي.
5 – عند الاستقرار على ملامح الوضع المؤسسي العام لأقليات الإسلامية في أوروبا يقترح إنشاء مؤسسة وقفية تتولى الإنفاق على هذه المؤسسات التي لا تتوفر لها القدرة على التمويل الذاتي، أو المؤسسات التي سيتم استحداثها خارج نطاق المؤسسات الموجودة بالفعل في المسرح الأوروبي.
ويمكن لإدارة تنمية المشروعات بموقع إسلام أون لاين أن تتولى إعداد الجانب الشبكي المتعلق بالنشر على الإنترنت لهذا البعد المؤسسي.
أ – على صعيد مسرح العمل العربي والإسلامي:
من أهم ما ينبغي إنجازه على صعيد المسرح العربي والإسلامي عدة مهام، نستلهمها من عرضنا السابق ممثلة في المحاور التالية:
1 – مراجعة عملية الاحتجاج على الرسوم المسيئة، وتقويمها، ووضع معايير لترشيد العمليات الاحتجاجية، مع التأكيد على أنها عملية نشطة قابلة للتكرار مع وقوع ما يبرر تكرارها، وتكثيف التشاور بين مؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية ذات الوظائف الدعوية لتطوير الأداء فيها.
2 – التعريف بالمؤسسات التي من صميم خبراتها إدارة هذا النوع من الأزمات، مع توفير خطط نماذجية بهذه المؤسسات لأنماط الحملات المختلفة التي يمكن انتهاجها عند حدوث أزمات مشابهة، مما يوفر الوقت والجهد المهدر في إنتاج ردود فعل ارتجالية أو عفوية قد تكون ضعيفة، أو قد يتم إجهاضها بسبب عدم لياقة سلوكها.(12/302)
3 – تشجيع الحوار بين القوى السياسية والثقافية والإثنية والدينية بما يؤدي لسيادة الاحترام المتبادل بين هذه القوى، سواء على صعيد احترام رموزها (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله..) في مقابل صون رموز الأديان عن العبث تحت مسميات مختلفة كالإبداع.. إلخ.
4 - الدعوة إلى إنشاء حلف فضول معاصر، بالاشتراك مع العقلاء الغربيين، نتفق فيه جميعا على احترام كافة الأديان والشرائع، ورفض التلاعب بها والسخرية منها بأي شكل من الأشكال، ونقف صفا واحدا أمام من تسول له نفسه المساس بالدين والمعتقد.
ويمكن لهذه المهام أن تباشرها مجموعة من المنظمات الدعوية القائمة بالفعل أو بعض المؤسسات التي تنشا خصيصا بالتوافق بين الجهات الدعوية الأهلية والرسمية، على أن يراعى في المؤسسات القائمة أو المستحدثة التي تباشر هذه المهام أن تأخذ بأساليب وتقنيات علوم الاتصال والعلاقات العامة المعاصرة لتواكب الدعوة في ثوبها روح العصر كما تواكب في محتواها تحديات هذا العصر وما يمليه من اجتهادات.
والله نسأل أن يجعل جهود هذا الجمع الكريم خالصة لوجهه
===================
النبي العظيم صلى الله عليه وسلم
مي عبد الله الشايع
هل كانت ردة فعلنا كمسلمين قوية ورادعة على جميع الأصعدة عندما تطاولت إحدى الدول الغربية على رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام؟؟
هل سيطرت اللغة الإعلامية العربية في الحديث عن هذا التجرؤ المقصود في تشويه صورة أفضل الخلق مثلما سيطرت اللغة الإعلامية الغربية على أحداث 11 سبتمبر وضحاياها وتداعيها على المسلمين في أرجاء العالم؟؟
هل ما زالت الثقة مفقودة في المسلمين وما زال الانهزام النفسي يطغى على شعور المجتمعات الإسلامية؟؟
تأملوا مجريات الأحداث على العالم الإسلامي منذ عام 2000م وحتى الآن، حرب ضروس على المسلمين بدعوى محاربة الإرهاب وترويع للمسلمين الذين وجدوا العيش في المجتمعات الغربية الضالة المنشودة في الأمن واحترام حريات الفرد المزعومة! حتى لاذوا بالفرار من براثن عنصرية الديانة واللغة والدين! بل هدم دول وقتل الأبرياء فيها قبل غيرهم تارة لمحاربة الإرهاب وتارة للقضاء على أسلحة الدمار! وتارة لنشر الديمقراطية المزعومة! وتدخل سافر في سياسات الدول! تكالب الأمم الغربية على المسلمين ثقافة وفكراً وعقيدة.
ألا يحق لنا كمسلمين أن نعترف بعد كل هذا بأن العداء في الأصل هو عداء للعقيدة؟؟
ولأن الزمن الآن هو زمن الحرب الفكرية فإنني استعين باقتراح للأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة في مقالته «لا تحسبوه شراً لكم» في مجلة البيان في عددها رقم 168 في طباعة الترجمة المجردة عن الأصل القرآني لسببين أولهما أن المدعوين لا يقرؤون العربية. ثم لا ندري ماذا سيفعلون به إذا ما وزعناه على نطاق واسع فقد يرميه بعضهم في أماكن غير مناسبة وقد يقرؤه بعضهم في دورات المياه.
أن تكون الغالبية العظمى منها طبعات شعبية ذات غلاف ورقي لكي تقل تكلفتها ويسهل حملها وتوزيعها. وأن توزع بكميات كبيرة على المساجد والمراكز بالولايات المتحدة وعلى أكبر عدد من الأفراد المعروفين باهتماماتهم الدعوية.
ومن جهتي أضيف ضرورة ترجمة وطباعة سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعدد من اللغات الأجنبية الأساسية.
وعلينا من خلال واقعنا الذي ندركه تماماً أن نحكم العقل في ردود أفعالنا تجاه هذه الاستفزازات الغربية.. وأن نستخدم قوتنا الاقتصادية والفكرية للتصدي لمثل هذه الهجمات.
==================
بشائر النصر تلوح في الصحيفة الدنمركية
د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل
أحمدك اللهم كما علمتنا أن نحمدك وأصلي وأسلم على نبيك ورسولك رسول الهدى والرحمة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
قال الله عزَّوجلَّ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} (30) سورة يس.
وقال سبحانه: {كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} (70) سورة المائدة.
وقال الله عزَّوجلَّ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (33 / 34) سورة الأنعام.
وقال الله جل شأنه: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة.(12/303)
وقال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (57) سورة الأحزاب.
وقال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (94 / 95) سورة الحجر.
وقال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} (3) سورة الكوثر، أي: إنَّ مبغضك يا محمد، هو المقطوع المحروم من خير الدنيا والآخرة.
ثم أما بعد:
فإن ما ارتكبته (الصحيفة الدنمركية jyland صلى الله عليه وسلم s post صلى الله عليه وسلم n) (يوم الثلاثاء 26 / 8 / 1426هـ الموافق 30/ 9 / 2005 م بنشرها رسوماً كاريكتيرياً – تسخر فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر شنيع وفعل فظيع تجاوز حده وإنه لخطر عظيم ولا يعلم مدى خطورته إلا الله عزوجل.
كيف لا وهو يسخر من نبي الرحمة والهدى الذي وصفه الله في محكم التنزيل بقوله عز من قائل:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء.
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} (119) سورة البقرة.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (45 / 46) سورة الأحزاب.
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم
إن هذه الصحيفة المنحطة تسخر بهذا الفعل ـ المخالف للقوانين والأعراف الدولية ـ من أمة الإسلام أتباع محمد صلى الله عليه وسلم والذين يقارب عددهم (أكثر من مليار ونصف المليار) والذين قال الله فيهم:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} (23) سورة الأحزاب.
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (68) سورة آل عمران.
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء.
{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62) سورة الأنفال.
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يونس.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47) سورة الروم.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا} (47) سورة الأحزاب.
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (2) سورة الحشر.
أحبتي في الله: توجهوا بأقلامكم وأفكاركم وما تملكه أيديكم من وسائل ضد هذا المحارب الغاشم واعلموا أن ما نشر في هذه الصحيفة الظالمة لسبب من أسباب النصر إذ جعلت أمة الإسلام تستيقظ وتتلاحم وتتآزر وتعرف حقيقة العدو وكيف يتربص بها وبدينها وقيمها.
هذا الفعل المنكر والشنيع وهذه السخرية برسولنا الهادي البشير ستقوي شوكة المسلمين سيكونون يدا واحدة ضد المستهزئين به صلوات الله وسلامه عليه.
وبالفعل فقد تحركت الجموع المؤمنة المحبة لرسولها أكثر من حبها لنفسها تحركت من كل حدب وصوب لتصد الشيطان وأولياءه وتردعه عن التمادي في الاستخفاف بسيد الأولين والآخرين الرؤوف الرحيم.
تحركت في شتى بقاع الدنيا مستنكرة مجهزة كل وسائل الردع لهذا المنكر العظيم وإنه لخزي للصحيفة ومن تعاون معها وذل للمستهزئ بأنبياء الله ورسله وإن الدائرة ستدور بنكباتها على المستهزئ ومن رضي بذلك.
إن هذه السخرية والاستخفاف ستجعل فاصلا واضحا بين المسلم الحق وبين المتلبس بالإسلام والإسلام منه بريء.(12/304)
فالمسلم الحق سيجد نفسه مضطرا للدفاع عن نبيه ورسوله سيلتحم مع إخوانه الدعاة إلى الله في تغيير هذا المنكر وردع فاعله بكل وسائل الردع المتاحة له.
المسلم الحق سيجهز نفسه للوقوف ضد من حارب الله ورسوله سيبذل كل غال ونفيس في نصرة الإسلام والذود عن رسول الهدى والرحمة.
والمتلبس بلباس الإسلام سيخنس خنوس الشيطان سيجد سبيلا إلى الصمت والرضا بهذا المنكر.
أحبتي في الله: قلت إن بشائر النصر تلوح في الصحيفة الدنمركية.
فعلا إن النصر يلوح وإن هذه علامة واضحة على اقتراب النصر وخذلان الأعداء بحول الله وقوته.
أتذكرون إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه سببه استخفاف أبي جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معروف وإليكم قصة إسلامه وكيف قويت شوكة الإسلام بذلك كما ترويها لنا الأخبار الصحيحة:
في الفترة التي كان فيها الجو ملبدا بسحب الظلم والعنهجية والطغيان ملبد بالإعتداءات المتتالية من شرار الناس وشياطينهم على رسول الله وأصحابه بزغ نور أضاء الطريق أمام المضطهدين والمقهورين، ألا وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة. وسبب إسلامه أن أبا جهل مر برسول الله يوما عند الصفا، فآذاه ونال منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ولا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فشجه، حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القنص متوشحا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة _ وكان أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة _ فخرج يسعى، لم يقف لأحد حتى دخل المسجد وفيه أبو جهل فقام على رأسه، وقال له يا مصفر استه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم _ حي أبي جهل _ وثار بنو هاشم _ حي حمزة _ فقال: أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا.
ثم شرح الله صدر حمزة للإسلام، فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز وكان إسلامه نصرا عظيما للمسلمين وكانت تلك السبة وذلك الاستخفاف سببا في النكبة والخزي والذل للطغاة المعتدين.
وإني أرى أن هذا الاستخفاف والاستهزاء من هؤلاء الطغاة لبداية نصر للإسلام والمسلمين وإن بشائر النصر تلوح في الأفق {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227) سورة الشعراء.
بشائر النصر هبت في سنا القمر *** تزهو بسيف عليه وصمة الظفر
بشائر النصرفي الآفاق ساطعة *** لاحت بدايتها من صفحة القَذِرِ
بشراكم أمتي فالنصر يصحبكم *** والخزي والذل للمستهزئ الأشر
بقلم الدكتور:
عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله
صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر
وعلى آله وصحبه ومن اقتفى
أثرهم وترسم خطاهم
إلى يوم الدين
===================
بيان صورة الإسلام لدى الغرب
بحث أعده الأستاذ الدكتور محسن عبد الحميد...
لتقديمه إلى المؤتمر العالمي لنصرة النبي محمد صلى عليه وسلم
الذي سينعقد في البحرين بين 22-23 صفر 1427 الموافق 22- 23 مارس 2006.
مع إشراقة نور الإسلام الذي دعا إلى التوحيد الخالص وكشف الحقيقة عن الانحرافات الخطيرة التي دخلت الأديان السماوية فضلاً عن الأرضية ومع مجيء الشريعة السمحاء التي تأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ومع الالتزام بالنظام القيمي الأخلاقي المتوازن لضبط سلوك الفرد والمجتمع, تجمّع طغاة الانحراف من رجال الدين, ومستلبي حقوق الأمم والشعوب من رجال الحكم, وطالبوا اللذات والشهوات من دعاة الإباحية, لإطفاء هذا النور الإلهي وحرمان الإنسان منه أينما كان, ليتخلص من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد, وينتقل من ضيق الدنيا إلى سعتها, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام كما قال الصحابي الجليل ربعي بن عامر أمام طاغية عسكر الفرس "رستم" قبيل معركة القادسية - تآمر اليهود في الداخل على هذا الدين وأهله, وخططوا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثارة الفتن بين المسلمين, وإضعاف قوة الوحدة الإسلامية, ونشر الشائعات والأكاذيب بين المسلمين وتقوية جبهة النفاق والشرك ونصرة الباطل في سبيل إزهاق الحق. غير أن قوة المسلمين في عقيدتهم ووحدتهم ردت كيدهم وقبرت مؤامراتهم وهزمت جيوشهم, فخرجوا من هذه المعركة الكيدية خاسئين خاسرين.(12/305)
وعندما أقام الرسول الكريم وخلفاؤه الراشدون دولة الإسلام العادلة وحضارته الزاهرة وأنظمته الأخلاقية المتكاملة المنبثقة متوازنة من أسماء الله الحسنى, ارتعشت دولة الفرس والرومان فأحسوا بالخطر. ولما هزم جيوشهم جيش الإيمان واليقين والحق, لجئوا إلى التآمر الظاهر والخفي, بعد أن سحق المسلمون دولتهم, فظهر عند الفرس في الحركات الهدامة التي زعزعت المجتمع الإسلامي في القرون التي تلت القرن الأول.
وأما دولة الروم التي ألحقت الجيوش الإسلامية في بلاد الشام ومصر الهزائم المنكرة بها, فبقيت تراقب أوضاع المجتمع الإسلامي, وتخطط لتآمر مكشوف لتشويه الإسلام وعقيدته وشريعته وأخلاقه وحياة نبيه وأركان حضارته, أمام شعوبها المقهورة المستلبة الجاهلة, لمنع وصول نور الإسلام إليها, كي لا تنتفض على طغاتها وكنائسها ومؤسساتها الظالمة.
خافوا من التوحيد على التثليث, ومن النبوة على فرية الإله المتجسد في الأرض, ومن العدل على الظلم والطغيان, فبدءوا يشنون حربًا قذرة على الإسلام ونبي الإسلام.
أما أسباب هذا الحقد, فيكمن في النرجسية الأوربية التي توارثت الفلسفة المادية من اليونان والتشريعات المنحرفة من الرومان والتي قدست القوة وفتحت سبل الشهوات, تحت غطاء رقيق ممن روحانية الكنيسة وأخلاقياتها المزعومة.
بدأ هذا الهجوم من داخل البيت الإسلامي الذي فتح ذراعيه لأهل الأديان جميعًا, ومن هؤلاء الأفاقين الذين تسنموا مناصب عالية في البلاط الأموي يوحنا الدمشقي الذي ثبت أنه كان يؤلف كتبًا في ذم الإسلام والطعن فيه وفي رسوله باتهامه باختلاق الوحي لإشباع رغباته الدنيوية, فأصبح هذا الاتهام المحور التقليدي لجميع كتابات القرون الوسطى(1).
والظاهر أن أمثال هؤلاء هم الذين اخترعوا قصة بحيرا الراهب, حتى يقولوا: إنه هو الذي علّم محمدًا لكي يثور على المسيحية(2).
لقد بدأ عصر تسميم الفكر الأوربي تجاه الإسلام منذ العصور الأولى, فدفعت الكنيسة كثيرًا من رجالاتها لتأليف كتب مفتراة لا تعتمد على أية مصادر إسلامية أو علمية لمجرد تشويه صورة الإسلام أمام أجيال الشعوب الأوربية, فالإسلام في نظرهم هرطقة كافرة, كان هدفها الأساس القضاء على المسيحية بطرق سافلة, وهو مخرب هدام بدائي, يدعو إلى إثارة الغرائز الجنسية, يستعبد المرأة ويقر تعدد الزوجات, وتفوح منه رائحة الوثنية, وهو دين دموي عنيف(3), والقرآن مجموعة من آيات خرافية متناقضة من عمل الشيطان, يمزق الجماعات ويدمر الأخلاق ويدعو إلى الرذائل ويحوي كثيرًا من الخرافات, ومحمد كان كذابًا ومحتالاً وساحرًا, يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ويتمتع بالشهوات, وكان عدوًا للمسيح وكان كاردينالاً منشقًا على البابوية, طمع في كرسيها, فلما خابت آماله(4) ادعى النبوة, وكان لصًا وقاتلاً وزير نساء وخائنًا وفاجرًا وشيطانًا وإرهابيًا (حاشاه ثم حاشاه).
وأما المسلمون فقد صوروهم بأنهم أولاد الشياطين وأهل لواط ومشركون يعبدون الأوثان(5).
ووصل الأمر بهم إلى اختراع روايات خرافية عن المسلمين, منها أن رئيس أساقفة سالسبوري, قتل في القاهرة على يد المسلمين عام (1101م) لأنه أقدم على تدمير الصنم الذي كانوا يعبدونه.
كان يحدث هذا التشويه الواسع في أوربا, والذي كان يتولى كبرها الكنيسة في الوقت الذي كان النصارى واليهود في البلاد الإسلامية يتمتعون بحقوقهم كاملة.
يقول المؤرخ المعروف ديورانت: "لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئة يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها في البلاد المسيحية مثيلاً في مثل هذه الأيام, فلقد كانوا أحرارًا في شعائر دينهم واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم"(6).
وكثيرون من مؤرخي الغرب مثل بارتولد في كتابه "تاريخ الحضارة الإسلامية" وآدم متزفي كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري" وفاسيلييف في كتابه "تاريخ الإمبراطورية البيزنطية" وزعزيدهونكة في كتابها "شمس الله تسطع على العرب" يعترفون بهذه الحقائق في احتضان المسلمين لأهل الأديان والطوائف, كما فصل لهم دين الإسلام كتابًا وسنة.
ولكن الغربيين لم يجابهوا هذه السماحة من المسلمين إلا بالتآمر والنكران, فحاولوا هذه المرة أن يعمقوا العداوة بخطط خبيثة, فأوجدوا مؤسسات التبشير ثم الاستشراق.
ولم يكن التبشير من أجل الدين في الحقيقة, وإنما من أجل التمكين لأوربا على بلاد الإسلام.
وبصدد ذلك ألفوا ألوف الكتب والأبحاث بمختلف اللغات, تشن على المسلمين عداوات لا نهاية لها بأسلوب يفتقر إلى الحد الأدنى من الإنصاف والخلق الإنساني الكريم.
ولترسيخ هذه المفاهيم الباطلة أمر البابا أن تدخل هذه الدراسات إلى المدارس والجامعات, وتلقى في المواعظ على الناس في الكنائس والبيوت.(12/306)
وبجانب ذلك حرفوا القرآن الكريم في ترجمات هزيلة منحرفة, تحقق أغراضهم الشيطانية. وبذلك استطاعت الكنيسة أن تؤصل في نفوس الشعوب الأوربية كراهية الإسلام والمسلمين والنفور منه ومنهم(7).
ولقد استمرت هذه الحملة ولم تتوقف حتى العصر الحديث, بل ازدادت ضراوة, عبر استعمالها التقنيات المعاصرة.
ومن أعماق خطط التبشير ظهر الاستشراق, بحجة البحث العلمي, بقرار من مجمع فيينا الكنسي عام (1312م), وذلك لتأسيس عدد من كراسي الأستاذية في العربية والعبرية واليونانية والسوريانية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وأفينيون وسلامانكا(8).
إن زرع هذه الأفكار الكاذبة عن الإسلام والمسلمين في نفوس الأوربيين جيلاً بعد جيل, كان تمهيدًا طبيعيًا للاستجابة الشاملة إلى صرخة البابا بطرس الناسك تدعو المسيحيين للتوجه إلى الشرق الإسلامي؛ لإنقاذ قبر المسيح من المسلمين الكفرة حسب تعبيره, فهيئت الجيوش ووهبت صكوك الغفران للجميع, وصاحب القسس والرهبان موجات هذا الغضب العارم, ينفخون الحقد الأسود على المسلمين في نفوس القوم. فلما وصلوا إلى أرض الإسلام, ارتكبوا أفظع المجازر في تلك الحروب التي سموها بالحروب الصليبية, في موجات متلاحقة استمرت حوالي قرنين, وهي مما أجمع عليه مؤرخو الغرب والشرق, وغدت من التاريخ المتواتر الذي لم يستطع أحد أن يشكك فيه.
يقول المؤرخ الأوربي ميشو: "ولما جاءوا معرة النعمان قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين إلى الجوامع المختبئين في السراديب, وأهلكوا صبرًا ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات".
وعندما جاء إلى كارثة القدس الشريف قال: "تعصب الصليبيون في القدس أنواع التعصب الأعمى الذي لم يسبق له نظير, حتى شكا منهم المنصفون من مؤرخيهم, فكانوا يكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعالي البروج والبيوت, ويجعلونهم طعامًا للنار, ويخرجونهم من الأقبية وأعماق الأرض ويجرونهم في الساحات ويقتلونهم فوق جثث الآدميين. ودام الذبح في المسلمين أسبوعًا حتى قتلوا منهم على ما اتفق على روايته مؤرخو الغرب والشرق سبعين ألفًا(9).
وظل الغرب بعد اندحاره في بلاد الشام يتعامل مع الإسلام بحذر شديد, ولم يكن من الممكن النظر إلى المسلمين إلا باعتبارهم وحوشًا أو برابرة وأعداءً المسيح(10).
لقد التقت في الحروب الصليبية مصالح الحكام الطغاة من النبلاء بمصالح التجار مع رجال الدين المتعصبين الحاقدين الذين خلت قلوبهم من الإنصاف والرحمة والتسامح والإنسانية, فأحدثوا هذه المآسي المروعة في بلاد الشام ومصر, ودقوا إسفين العداوة بين الشعوب المسيحية والإسلامية, ولم يكتفوا بذلك, بل خططوا لحرب جديدة منظمة على الإسلام والمسلمين تقوم على أساس فتح المراكز في الجامعات والوزارات المختصة, فأوجدوا نظام الاستشراق الذي كانت الكنيسة تسيطر عليه سيطرة كاملة. وكان الهدف الأساس, تزييف الحقائق عن الإسلام تحت مظلة البحث العلمي والموضوعي. قدمت هذه الدراسات الموجهة صورة مشوهة عن الإسلام, واستمدت موادها من كتابات المبشرين الأوائل, بحيث رسخت في العقل الأوربي شكلاً منهجيًا وإطارًا فكريًا عدّه الجميع مسلمات وحقائق على الرغم من الخلط والتحريف والنقائص التي كان يتسم بها. ولقد كانوا دائمًا يأخذون من الأمور شكلها, ولم يكونوا يدرسون أسبابها ونتائجها؛ لأن ذكر الأسباب والنتائج كان يفضحهم ويرد أكاذيبهم(11).
ولم ينج من ضغط الحقد التاريخي الصليبي الطويل, حتى الفلاسفة والأدباء والمفكرون, فأديب مشهور على سبيل المثال "دانتي الإيطالي" في كتابه الكوميديا الإلهية عندما قسم الجحيم إلى طبقات، وضع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في طبقه الشر المحيطة بإبليس، ومصير هذه الطبقة يكون العقاب السرمدي(12).
وإذا علمنا أن ((الكوميديا الإلهية)) لدانتي طبع عشرات المرات وبلغات مختلفة في أنحاء أوربا والغرب عامة، عبر قرون عدة عرفنا مدى تأثيره على الأجيال.
ويأتي بعده بقرنين الشاعر الإنكليزي ((جون بوجيت)) فيؤلف قصيدة بعنوان ((محمد النبي المزيف)), وكيف أن الخنازير أكلته وهو سكران. وفصّل في أبيات كثيرة كل الصفات التي أطلقها العقل الأوربي الديني الكنسي عبر القرون(13).
وبهذا تحولت آثار الحقد الأوربي قبل الحروب الصليبية وبعدها إلى ظاهره تاريخية دينية وفكرية، وثقافة اجتماعية، من الصعب جدًا اختراقها والخلاص منها. حتى أن أوربا بعد أن خرجت من التربية الدينية إلى التربية العلمانية، لم يتخلص كبار فلاسفتها ومفكريها من الرواسب العميقة بعداوة الإسلام؛ فلقد اتهم مونتسكيو وفوليتر وفولني وغيرهم من مفكري عصر التنوير الإسلام بأشنع أنواع التهم وهاجموا الرسول والقرآن، كأنهم رجال الكنيسة في العصور الوسطى، وسرت هذه العداوة إلى المبشرين والمستشرقين والسياسيين في العصور الحديثة.(12/307)
يقول المستشرق (موير): ((إن سيف محمد والقرآن هما أكثر أعداء الحضارة والحرية))(14). وصدر منهم كلام لا يختلف حول القرآن والرسول والمسلمين من كل ما قالته أوروبا من سوء في العصور السابقة. وبذلك استجاب الاستشراق والفكر الأوربي العام إلى الثقافة الأوروبية التاريخية الحاقدة المكدسة حول السلام أكثر من الاستجابة إلى موضوعه المزعوم(15).
بل جوهر الاستشراق هو التمييز الذي يستحيل اجتثاثه بين الفوقية الغربية والدونية الشرقية, بل إنه عم هذا التمييز بحيث إن السياسيين المتأخرين مثل بلفور وكرومر بعد هذه القرون الطويلة في زرع الحقد في المجتمعات الأوربية انتهوا في تعاملهم مع المسلمين والشرقيين إلى مقولة "فالشرقي لاعقلاني, فاسق طفولي مختلف", و"الأوربي عقلاني متحلٍّ بالفضائل, ناضج سوي"(16).
لقد سار كبار المستشرقين في القرن العشرين يهودًا ونصارى على الإنشاء الاستشراقي القديم, فنولدكه وكولدزيهر وشاخت وبرنارد لويس وجِب وجرونباوهم وآخرون كثيرون كلهم وضعوا السم في الدسم, وشوهوا التراث الإسلامي, وبنوا أبحاثهم على أن القرآن ليس إلا مجموعة من الأفكار المضطربة أخذت بدون تنظيم من التوراة والإنجيل, وأن الشريعة الإسلامية اقتبسها المسلمون من القانون الروماني(17). والوحي المحمدي تصوّر ووهم وظن وخيال وحمى صرعية وأن السيرة النبوية فيها شكوك كثيرة(18).
إن الجهود العدائية التي قادتها الكنيسة عبر التاريخ الأوربي مازالت تؤجج المشاعر المعادية ضد الإسلام والمسلمين؛ يمثل ذلك موقف "جلادستون" عندما رفع بيده في مجلس العموم البريطاني عام "1882" فقال: مادام هذا القرآن يتلى والكعبة تزار فنحن لا مكان لنا في بلاد الإسلام".
وموقف الجنرال غورو الفرنسي عندما دخل دمشق فقال - وهو أمام قبر صلاح الدين-: قم.. الآن انتهت الحروب الصليبية. ومواقف أخرى كثيرة صدرت فيما يسمى بعصر التسامح والحرية والعلمانية, تدل دلالة قاطعة أن زخم الكنيسة المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين ما زالت سارية في عروق القوم. توجه سياستهم الظالمة في التعامل مع العالم الإسلامي, ولاسيما انحيازهم الكامل إلى اليهود في اغتصاب أرض فلسطين وتشريد شعبه وقتل أبنائه.
ولكن هل يعني ذلك أن الغرب برمته استسلم إلى هذا التعصب المقيت؟!
أقول: لا.. إن الفكر الإنساني الحر بدأ يتحرك ضد هذا التيار في القرن الأخير, وظهر مؤرخون ومفكرون وباحثون يدعون إلى الإنصاف في التعامل مع المسلمين, ويشيدون بدور الحضارة الإسلامية, ولكنهم ما زالوا قليلين في خضم الطوفان الكبير المرتبط بقوة الدفع التاريخي إلى رواسب الماضي. وهنا لابد من علاج. وهو بيد المسلمين؛ سواء في داخل العالم الإسلامي أو في خارجه بين الأقليات الإسلامية التي تستطيع أن تعمل الكثير إذا وقفت بجانبها قدرات العالم الإسلامي الفكرية والتخطيطية والمالية.
وأرجو أن تفي هذا المؤتمر المبارك وغيره من المؤتمرات في قابل الأيام بهذا الواجب التاريخي الكبير.
ــــــــــــــ
الهوامش:
1. الاستشراق بين الموضوعية والانفعالية ..ص 54 ط1/ 1403- 1983 الرياض.
2. المصدر السابق ص 55.
3. الفكر العربي – الاستشراق – أوربا والإسلام د. هشام جعيط ص 222
4. الاستشراق- د. عرفان عبد الحميد ص6 . م الإرشاد – بغداد 1969م.
5. المصدر السابق ص. 1
6. قصة الحضارة م 13
7. الفكر العربي- الاستشراق ص 122 المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام للدكتور محمد البهى. وراجع أيضًا التبشير والاستعمار في البلاد العربية للدكتور مصطفى خالدي والدكتور عمر فروج.
8. الاستشراق للدكتور إدور سعيد ص(2) ط1
9. على هامش الصراع الأوربي تيسير شيخ الأرض ص 113- 114 من كتاب الفكر العربي ج1.
10. المصدر السابق 1/152
11. الاستشراق والإسلام ص 5- 6
12. الحركة الصليبية وأثرها على الاستشراق الغربي – د.علي الشامي ص 165 وما بعدها ضمن الفكر العربي ج1.
13. أوروبا والإسلام ص 222
14. الاستشراق – إدور سعيد 168
15. المصدر السابق ص 55.
16. المصدر السابق ص 71
17. راجع الشريعة الإسلامية والقانون الروماني للدكتور صوفي عبد الله.
18. المستشرقون والإسلام – مصدر سابق ص 14 وما بعدها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. محسن عبد الحميد
===================
بيان علماء اليمن بشأن التطاول على سيد البشر (42 عالما)
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بيان للناس(12/308)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ـ أما بعد فقد اطلع العلماء الموقعون على هذا البيان على تلك الحملة الشنيعة التي شنتها بعض وسائل الإعلام المقروءة في الدنمارك والنرويج، من خلال الرسوم الكاريكاتيرية، والتعليقات المصاحبة لها، التي ظهر فيها التطاول على نبي الرحمة، والتي تجاوزت كل حدود القيم والمبادئ والأعراف، في استهتار واضح بالإسلام والمسلمين، وبهذا الخصوص يؤكد العلماء على ما يأتي:
• أولاً:
يستنكر العلماء هذه الفعلة الشنيعة التي تطاولت على الرحمة المهداة الذي أرسله الله رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] مذكرين بأن ذلك يأتي في سياق الهجمة الشرسة التي تُشَن على الإسلام والمسلمين، ويتولى كبرها أولئك الذين شرقوا بانتشار هذا الدين العظيم الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رحمة للبشرية جمعاء لتسود قيم الخير والحب والتكافل، كما يذكرون بأنه ما كان ليجترئ أولئك على ما اجترؤوا عليه لو اتخذ المسلمون الإجراءات الرادعة مع سوابق مشابهة.
إن هؤلاء بفعلتهم ليرومون الحيلولة بين البشرية التي تتوق إلى مخرج من أزماتها المتلاحقة في شتى مجالات الحياة وبين النور الذي جاء به هذا النبي الكريم: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة] ولكن هيهات فالله يقول: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصف].
• ثانياً:
يُذَكِّر العلماء جميع المسلمين في هذا البلد وغيره بما يجب عليهم تجاه نبي الرحمة، ليس دفاعاً عنه ـ بآبائنا هو وأمهاتنا ـ فقد تولى الله ذلك حيث قال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} [الحجر] وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة] وإنما قياماً بالواجب تجاه هذا النبي العظيم الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف].
وبهذا الشأن يتوجه العلماء إلى كافة أبناء المسلمين بأن عليهم استثمار هذا الحدث استثمارًا إيجابياً يكفل رد المعتدين ويزجر من خلفهم.
ويأتي في المقدمة حكام المسلمين الذين يتحتم عليهم القيام بواجب رد مثل هذا التطاول بشتى الوسائل والأساليب، كما يأتي في المقدمة علماء المسلمين الذين ينبغي عليهم استنفار الجهود في الدعوة إلى هذا الدين، والتعريف به، وإيصال هذه الرسالة الخالدة إلى البشرية بشتى الوسائل، وبيان عقيدة الولاء والبراء، ويدعو العلماء بهذا الصدد كافة المنظمات الإسلامية إلى السعي الحثيث في نشر سيرة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بما فيها من مثل إنسانية عليا في أوساط أولئك، وبلغاتهم بيانًا للحق، وإقامة للحجة، كما أن على المشتغلين بوسائل الإعلام المختلفة أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه هذه القضية.
وبالجملة فإن على المسلمين جميعًا استنفار الطاقات، واستخدام كل وسائل الضغط التي تكفل محاسبة المعتدي وزجر كل من تسول له نفسه المساس بمقام نبينا وديننا بعد أن استنفد إخواننا في تلك البلاد مختلف وسائل الحوار دون أن يجدوا تجاوباً ومن ذلك المقاطعة لمنتجات تلك البلدان وبضائعهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
صادر في: 6/1/1427هـ
العلماء والدعاة الموقعون على البيان:(12/309)
أحمد بن حسن المعلم
عقيل بن محمد المقطري
طارق عبد الواسع
عمار بن ناشر العريقي
مراد بن أحمد القدسي
عارف أنور نور
صالح بن محمد باكرمان
أبو الفاروق محمد بن راجح
أبو همام صالح بن محمد عبد المغني
جمال بن علي غندل
خالد محمد الوصابي
أمين علي عبده مرشد
يحيى بن عبده سالم
أحمد بن محمد بن منصور
د.عبده عبد الله الحميدي
د.محمد أحمد الزهيري
د. يحيى عامر
د. فؤاد البعداني
د.حسن محمد شبالة
رشيد منصور الصباحي
عبد الناصر الصانع
عبد السلام الخديري
عبد الكريم محمد البعداني
فهد محمد قاسم
عرفات بن عبد السلام شريف
يحيى مطهر الشامي
لطف عبده الزهيري
محمد سيف عبدالله
حميد قاسم عقيل
علي بن يحيى شمسان
محمد بن محمد المهدي
عبد الرحيم الشرعبي
ناجي محسن البعداني
عبد الله بن غالب الحميري
محمد العزي الشيخ
أمين بن علي الخياط
نعمان بن عبد الكريم الوتر
علي محمد عبدالله عبده
عبد الرحمن بن علي إسماعيل
علي محمد عبده أحمد المطري
محمد الحداء
عبدالله عبده مهدي الإبي
===================
بيان مكة في الذب عن سيد البشرية صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، ناصر عباده المؤمنين ولو بعد حين، ونشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، ونصلي ونسلم على رسول رب العالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
فقد امتن الله سبحانه وتعالى على الثقلين ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمةً منه عز وجل لخلقه، مصداقاً لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، فأخرج الله بهذا النبي الأمي عليه أفضل الصلاة والتسليم الناسَ من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن العذاب إلى الرحمة، بعدما اجتالتهم الشياطين عن صراط الله المستقيم، فأشرقت الأرض بنور الرسالة المحمدية، ورغمت أنوف المبطلين وانخنس الكفر وأهله، مصداقاً لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33)، وقد كان في مقدمة ركب الشيطان ممن شَرِقَ بالبعثة المحمدية – على رسولها أفضل الصلاة والسلام – بعضُ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقد امتلأت قلوبهم غيظاً وحقداً وحسداً للإسلام وأهله مصداقاً لقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة: من الآية109)، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} (الفرقان:31)، وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...} الآية (البقرة: من الآية120)، وهؤلاء الظالمون المعادون لدين الإسلام وللبشير النذير - عليه أفضل الصلاة والسلام-، هم في حقيقة الأمر يقومون بأكبر جريمة في تاريخ البشرية، إذ إنهم يحولون بين الناس وبين أكبر نعمة امتن الله بها على الإنسانية، ألا وهي نعمة الإسلام، كما أنهم في ذات الوقت يعرضون من سار في ركابهم واتبع ضلالهم لسخط الجبار - عز وجل - ومقته في الدنيا والآخرة، وإن المتأمل في الوقائع والحوادث في ماضي الزمان وحاضره ليظهر له بجلاء عداوة وكيد فئامٍ من أهل الكتاب من اليهود والنصارى للأمة المحمدية - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام-.
وتزداد عداوة بعض المغضوب عليهم والضالين للمسلمين ويزداد جنونهم وجنوحهم عن قواعد العدل والعقل والحق كلما ازداد انتشار الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فعند ذلك يزداد حقدهم وحسدهم، وتطيش أحلامهم وأفهامهم، فتتوالى من قِبَلهم الحملات الجنونية الظالمة على كل ما هو مقدَّس ومعظَّم في دين الإسلام، وكان من آخر ما حدث في هذا المجال: الحملة الظالمة الآثمة التي تولّى كِبرَها، وحَمَلَ لواءَها بعضُ وسائل الإعلام المقروءة في دولتي (الدنمارك والنرويج) عندما أظهرت سيد البشرية – فديناه بالآباء والأمهات – صلى الله عليه وسلم - في بعض الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة المسيئة، متجاوزةً حدود المنطق والعقل، ومنفلتة من كل القيم والمبادئ والأعراف في استهتارٍ واضح بدين الإسلام الذي يدين به ما يزيد على المليار نَسَمة من البشر على ظهر المعمورة.(12/310)
وإن أهل العلم والدعوة في قبلة المسلمين ومهوى أفئدة المؤمنين مكة المكرمة - شرَّفها الله تعالى - لَيستنكرون هذه الحملة الظالمة الآثمة، ويتوجهون للعالم بأسره بهذا البيان؛ إحقاقاً للحق، وذباً عن عِرض سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم -، وذوداً عن حياض الدين، ودفعاً لصيال المبطلين من اليهود والنصارى: المغضوب عليهم والضالين، مناشدين أهل الإسلام من الحكام والعلماء والدعاة ورجال الأعمال والإعلام وعموم المسلمين بأن يضطلعوا بواجبهم الشرعي في هذا الصدد، إذ إن مدافعة المبطلين ومراغمة الكافرين منزلةٌ عظيمة من منازل الدين. قال العلامة ابن القيم – رحمه الله -: (مغايظة الكفار غاية محبوبة للرب مطلوبة، فموافقته فيها من كمال العبودية، فمن تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته يكون نصيبه من هذه المراغمة) ا.هـ.
فيا حكامَ المسلمين: إن الواجب الشرعي يُحَتِّم عليكم الغضبَ لرسولكم - صلى الله عليه وسلم-، وإن أضعف الإيمان مما يجب القيام به حيال هذه الحملة الآثمة، هو سحب البعثات الدبلوماسية احتجاجاً على هذه الممارسات الظالمة، وليتذكر كل واحد منكم أن هذا العدوان الآثم على رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لو كان موجهاً لواحد منكم لأقام الدنيا ولم يُقعِدها غضباً وانتقاماً، فليكن غضبكم وحَميَّتكم لرسولكم - صلى الله عليه وسلم - أكبر من غضبكم لأنفسكم ودنياكم، وتذكروا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"، وفي رواية: "من أهله وماله والناس أجمعين"، أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.
ويا علماءَ الإسلام ودعاةَ الملة: إن الواجب الشرعي يحتم علينا جميعاً، أن نقوم بتوظيف هذا الحدث توظيفاً إيجابياً بتكثيف الجهود في دعوة الناس لدين الإسلام والتركيز على ثوابت الدين ومحكماته، وفي مقدمة ذلك بيان عقيدة الولاء للمؤمنين والعداء للكافرين، وتجلية سيرة سيد الخلق - عليه أفضل الصلاة والتسليم-، إذ إن هذا هو الرد الناجع والمؤلم لأعداء الإسلام.
ويا أهل الإسلام وعسكر الإيمان من رجال الأعمال والإعلام وعموم المسلمين: انتصروا لدينكم ولرسولكم صلى الله عليه وسلم بمقاطعة بضائع هاتين الدولتين (الدنمارك والنرويج) والدعوة لذلك، وأروا الله من أنفسكم خيراً، حتى يرتدعوا عن ظلمهم، وينزعوا عن غَيّهم ويأخذوا على أيدي سفهائهم، فإنكم إن فعلتم ذلك جعلتموهم عبرة لغيرهم، وتأملوا – يا رعاكم الله – هل يجرؤ أحد في التشكيك في محارق اليهود – المزعومة – على يد النازيين؟!... فهل المغضوب عليهم أقدر على نصر باطلهم منكم على نُصرة نبيكم صلى الله عليه وسلم؟!
وأخيراً... فإن هذه الممارسات الظالمة من قِبَل سفهاء أهل الكتاب لن تزيد المسلمين إلا تمسكاً بدينهم وحمية له – بإذن الله تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} (محمد:7-11). {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (يوسف: من الآية21).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الموقعون على البيان:
- د. سليمان بن وائل التويجري (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة – جامعة أم القرى).
- الشيخ/ أحمد بن عبد الرحمن البعادي (قاضي التمييز بمكة).
- د. عبد الله بن عمر الدميجي (عميد كلية الدعوة وأصول الدين – جامعة أم القرى).
- د. خالد بن عبد الله الشمراني (رئيس قسم القضاء بجامعة أم القرى).
- د. محمد بن سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة المشارك بجامعة أم القرى سابقاً).
- د. محمد بن صامل السلمي (وكيل كلية الشريعة للدراسات العليا – جامعة أم القرى).
- د. ناصر بن محمد الغامدي (وكيل كلية الشريعة – جامعة أم القرى).
- د. عبد الله بن محمد الرميان (وكيل كلية الدعوة وأصول الدين للدراسات العليا – جامعة أم القرى).
- د. عبد الله بن عبد الكريم الحنايا (مدير مركز الدراسات الإسلامية المسائية – جامعة أم القرى).
- د. ستر بن ثواب الجعيد (رئيس قسم القضاء سابقاً – جامعة أم القرى).
- د. عبد الرحمن بن أحمد الخريصي (عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة – جامعة أم القرى).
- الشيخ/ حمود بن عبد العزيز التويجري (من الدعاة).
- الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن العثيم (رئيس المحكمة الجزئية بجدة).(12/311)
- الشيخ/ محمد أمين بن عبد المعطي مرداد (القاضي بالمحكمة الجزئية بجدة).
- الشيخ/ مانع بن علي المقاطي (القاضي بالمحكمة الجزئية بجدة).
- الشيخ/ علي بن عبد الله المعدي (عضو هيئة التحقيق والادعاء العام بجدة).
- الشيخ/ محمد بن عبيد القرني (عضو هيئة التحقيق والادعاء العام بجدة).
- الشيخ/ رياض بن علي الغامدي (عضو هيئة التحقيق والادعاء العام بجدة).
- الشيخ/ فهد بن عيظة المالكي (مدير إدارة المحكمة الجزئية بجدة).
المصدر : موقع المسلم
========================
بيان هام من علماء المدينة المنورة (45 عالما)
بسم الله الرحمن الرحيم
إلا تنصروه فقد نصره الله بيان من علماء المدينة المنورة
قال تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].
في هذه الآية الكريمة بيان أن نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبة علينا, فربنا عز وجل يحثنا على القيام بها, وفي الآية البشارة بتحقق النصرة الإلهية للنبي صلى الله عليه وسلم سابقاً عند الهجرة, ودائما في كل زمان ومكان والبشارة بنصرة من ينصره صلى الله عليه وسلم, والبشارة بظهور هذا الدين وانتصاره وعلو شأنه, فكلمة الله هي العليا, وكلمته هي دينه, وأما كلمة الذين كفروا فهي أباطيلهم ومكرهم وسعيهم للضلال والإضلال, كل ذلك سيكون في أسفل سافلين, {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:45] وفي الآية التنويه بالمنقبة الكبرى للصديق أبي بكر بإثبات الصحبة النبوية المباركة له رضي الله عنه وأرضاه , جزاء نصرته للنبي صلى الله عليه وسلم دائما وفي أحلك الأوقات, وقد بذل رضي الله عنه نفسه ونفيسه وماله ذبًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى المسلمين جميعًا أن يستجيبوا لربهم ويقتدوا بالصديق رضي الله عنه فينصروا نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم أبدًا في كل زمان ومكان, وهذا من أوليات حقوقه صلى الله عليه وسلم فإن المنة عظيمة على المؤمنين ببعثته صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].
بل المنة ببعثته عظيمة على البشرية كلها, فهو رحمة وبركة على العالمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فتعظيمه صلى الله عليه وسلم وإتباع ملته ونصرته واجب على الجميع.
ونحن المسلمين لا نعظم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وحده, بل نعظم جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين؛ ونعظم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ونؤمن بهم؛ فذلك من أركان عقيدتنا وضروريات ديننا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
ولكن أعداء الأنبياء في كل زمان ومكان دأبوا على مناوأة الحق المبين, والاستهزاء بالمرسلين , ولقد نال خاتمهم وإمامهم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أوفر النصيب من ذلك, من مشركي قريش أولاً ثم من اليهود والنصارى, بل إن اليهود حاولوا قتله, وأثاروا الحروب ضده وألبوا عليه قبائل العرب لاستئصال دعوته.
ونصر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم على أعدائه, وأظهره عليهم , وكفاه المستهزئين, وجعل شانئه هو الأبتر.
وفي زماننا لم يأل اليهود والنصارى وأذنابهم جهداً في الطعن في ديننا, والاستهزاء بنبينا صلى الله عليه وسلم وفريق منهم بالغ في الاعتداء على إخواننا وفي سفك دمائهم, وهتك حرماتهم في فلسطين وفي البوسنة والهرسك, وفي غيرها من البلاد التي اُبتليت بظلمهم وبطشهم ووحشيتهم, وذلك حرصا منهم على ردِّنا عن ديننا وصدِّنا عن ملتنا: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: من الآية109].(12/312)
وهذا كله من أنواع الابتلاء الذي يبتلي به الرب عز وجل أهل الإسلام وأتباع نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام, لينظر هل ينصرون نبيه ومصطفاه, وينصرون دينه وملته أم يتخاذلون عن ذلك فإن نصروا نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم ونصروا دينه وسنته وذبوا عن شريعته وما أنزل عليه من القرآن نصرهم الله عز وجل وأعزهم وأنزل عليهم بركات من السماء والأرض, وإن كانت الأخرى عاقبهم فأذلهم وسلط عليهم أعداءهم ونزع منهم البركة والرحمة.
وإن من أسوأ ما وقع من استهزاء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وديننا الإسلامي ما نشر في (الدنمرك) و(النرويج) من صور بشعة وتعليقات مهينة يسخرون فيها من سيد الأنام وخاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، وما صحب ذلك من استخفاف المسؤولين الدنمركيين بالعالم الإسلامي ورفضهم الاعتذار للمسلمين عن هذه الجريمة الشنيعة، وتبريرهم لها بأنها من حرية التعبير، وذلك يدل على تواطؤ رسمي ورضاً حكومي.
ولا ننسى أن ملكة (الدنمرك) أصدرت كتاباً قبل فترة قريبة أظهرت فيه تبرمّها من تمسك المسلمين بتعاليم دينهم -خاصة المسلمين في الدنمرك- واقترحت بذل كل الوسائل لصد المسلمين عن دينهم.
هذا هو ما اقترحته ملكتهم وهي مع رئيس الوزراء أعلى مسئول في هذه الدولة المتعدية.
وتدل تصريحاتهم التالية على استصغارهم لشأن المسلمين وظننهم بأنهم لن يغضبوا من أجل نبيهم وإن غضبوا فهي غضبة وقتية، سرعان ما تزول كفقاعة الصابون، فهم آمنون من هبة قوية يمكن أن تقوم في وجوههم فتهدد مصالحهم الكبيرة في العالم الإسلامي، ولكن خاب ظنهم فها هي بوادر الغضبة الإسلامية تهب في وجوههم، وهاهي شعلة الإيمان تكوي مصالحهم وتحرق أخضرهم ويابسهم؛ فبدأت حامية حمى الحرمين حكومة المملكة العربية السعودية فسحبت سفيرها، ويجب أن تتلوها حكومات العالم العربي والإسلامي، فإنه لا يجوز شرعاً أن تسكت على هذه الإهانة البالغة, وضرب بعض التجار المسلمين أروع الأمثلة في الغضب لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
ونود أن نعلن لعموم المسلمين شعوباً وحكومات ما يأتي:
أولاً: إن المقاطعة الشاملة، وعلى رأسها المقاطعة الاقتصادية والسياسية لهاتين الدولتين المعتديتين (الدانمرك والنرويج) ولجميع الدول التي تناصرهما في عدوانهما على جناب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: واجب شرعي وفريضة دينية، وكل من يتعامل معهم أو يشتري منتوجاتهما أو يروجها أو يبيعها فهو آثم.
ثانياً: يجب على المسلمين أن يتخذوا ما حصل فرصة لتجديد العهد بنصرة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتكون هذه النصرة بالفعل وبالترك, أما الترك فهو ما ذكرنا من وجوب المقاطعة، وأما الفعل فبتجديد العهد بتطبيق سنته والاقتداء بسيرته صلى الله عليه وسلم ونشرهما والدعوة إليهما، بمختلف الوسائل.
ثالثاً: يجب مطالبة هاتين الدولتين الآثمتين (الدنمرك) و(النرويج) بالاعتذار الرسمي العلني للمسلمين من أعلى مسئول (الملكة) ورئيس الوزراء.
وأن تنشر الجريدة المعتدية اعتذاراً بحجم صفحة كاملة لمدة شهر على الأقل، وأن تخصص قسماً مناسباً للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الإسلام لمدة عام كامل.
وأن تخصص الحكومة (الدنمركية) ومثلها (النرويجية)، ساعة في التلفزيون على نفقتهما للتعريف بالإسلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا على الدوام - أسبوعيًا-.
وأن تمول الحكومة (الدنمركية) مشروعاً تقدمه لها الجهات المختصة بالمملكة العربية السعودية لنشر سيرة محمد صلى الله عليه وسلم بالغة الدنمركية, وبجميع اللغات الأوربية.
لقد سبق أن أصدر سماحة المفتي بالمملكة الشيخ عبدا لعزيز بن عبد الله آل الشيخ جزاه الله خيراً بياناً يطالب فيه حكومة (الدنمرك) بالاعتذار للمسلمين وبمعاقبة المسيء، ونحن نظم صوتنا إلى صوته، ونضيف ما ذكرنا من مطالب هي أقل ما يجب أن تفعله هذه الحكومة المعتدية في (الدنمرك) و (النرويج).
هذا ونحذر المسلمين من محاولات التملص من المسؤولية والاكتفاء بالاعتذارات الفارغة الجوفاء.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
حرر بالمدينة المنورة في غرة المحرم من عام 1427هـ.
بيان أسماء العلماء والمشايخ الموقعين على بيان علماء المدينة المنورة:
د/ صالح بن عبد الرحمن المحيميد
رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة
أ.د. عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ
عميد كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية سابقاً
أ.د. علي بن سعيد الغامدي
أستاذ الفقه بالمسجد النبوي سابقاً
الشيخ/ سليمان بن صالح التويجري
مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
د. عبد الباري بن معيض الثبيتي
إمام المسجد النبوي وخطيبه
أ.د. حكمت بن بشير بن ياسين
أستاذ التفسير بالجامعة الإسلامية سابقاً
د يحيى بن إبراهيم اليحيى
الأمين العام للهيئة العالمية للتعريف بالإسلام
الشيخ/ علي بن عبد العزيز السديس
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة(12/313)
الشيخ/ فهد بن إبراهيم المحيميد
قاض بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ صالح بن عبد الله الحميدي
قاضٍ بالمحكمة الجزئية بالمدينة المنورة
الشيخ/ عبد الله بن سليمان المخلف
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ صالح بن عبد اللطيف السمحان
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ إبراهيم بن ناصر السحيباني
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ راشد بن محمد الرشود
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ صالح بن محسن العريني
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ تركي بن فهد الفهيد
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ خالد بن مطلق المطلق
قاضٍ بالمحكمة العامة بالمدينة المنورة
الشيخ/ خالد بن ناصر الدخيل
قاضٍ بديوان المظالم بالمدينة المنورة
الشيخ/ محمد بن سليمان الأصقع
قاضٍ بديوان المظالم بالمدينة المنورة
الشيخ/ محمد بن إبراهيم اللحيدان
قاضٍ بديوان المظالم بالمدينة المنورة
أ.د حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
أ.د. علي بن إبراهيم الزهراني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. حسين بن شريف العبدلي
عميد كلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية
د. عبد الكريم بن إبراهيم الغضية
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
أ.د. أنيس بن أحمد طاهر
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. محمد بن حسين الجيزاني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. محمد بن صالح الفلاح
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. جمعان بن أحمد الزهراني
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. علي بن إبراهيم النهاري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. محمد بن عبد الرحمن الدخيل
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
د. فايز حبيب الترجمي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
الشيخ/ سعود بن عبد الرحمن التركي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
الشيخ/ سلطان بن عمر الحصين
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
الشيخ/ إياد بن أحمد شكري
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
الشيخ/ سليمان بن شتيوي العوفي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية سابقاً
أ.د. عبد الله بن ضيف الله الرحيلي
عضو هيئة التدريس جامعة طيبة
أ.د. سعيد بن إسماعيل الصيني
كلية الدعوة فرع جامعة الإمام سابقاً
الشيخ/ عبد المحسن بن معيض الحربي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
الشيخ/ معتز بن شحاتة الينبعاوي
المدعي العام هيئة التحقيق والادعاء العام
الشيخ/ رباح بن عبد الرحمن السلامة
مدير إدارة التوعية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الشيخ/ عطية بن عبد الله الحارثي
إدارة التوعية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الشيخ/ عبد الله بن غدير التويجري
مدير التوعية الدينية بشرطة المدينة المنورة
الشيخ/ عبد الرحمن بن سليمان السماعيل
مشرف معهد الحرم النبوي
أ. سراج بن حسين فتحي
أستاذ متقاعد
الشيخ/ محمد بن محمود وديعة
مدرس بمعهد الحرم
====================
.. بين محطم الأصنام، والباكين عليها..
عبدالله الناصر
(إسرائيل ابني البكر، هكذا يقول الرب) آية رقم 22 من سفر الخروج..!!
من يستطيع أن يعترض على هذا الكلام ويعتبره تخريفاً أسطورياً وهرطقة..؟ لا أحد يستطيع وبالذات في أوروبا، وأمريكا، التي تتحدث عن حرية الفكر، وحرية الرأي، وزمن العولمة. لا أحد يستطيع أن يقول كيف لرب عظيم يصنع هذا الكون الهائل العظيم.. كيف له أن يتخذ ولداً اسمه إسرائيل، وأن بني إسرائيل من ذريته..؟ وأن أحفاده هم ابن غوريون، وغولدا مائير، وبيغن، وشارون..!!
? بعض مثقفينا «المحترمين»..!! يجرؤون على أن يقولوا كل شيء، في كل شيء، وأن يجادلوا، ويحاوروا، ويَكْفُروا، ويُلحدوا، ويطعنوا في دينهم.. ولكنهم يقفون ربما بإجلال، أمام هذا النص العبراني المقدس، وتخونهم هذه الهرطقة..!!
لكن أن يشتم نبي أمة كاملة فأمر أهون في نظرهم من أن يناقش، أو يثار، لأن المسألة مسألة حرية الرأي..
أنا لن أتحدث هنا عن رأي الغرب فينا، ورأيه في الحرية، والديمقراطية، ولا النزاهة، ولا العدالة، فقد عشت في الغرب أكثر من عشرين عاماً، وقرأت، وسمعت، وحضرت ندوات، ومؤتمرات، ولست محتاجاً إلى من يقنعني، أو يحاول تغيير موقفي من نظرة الغرب نحونا، ولاتجاه قضايانا، ولا من مفهومه للعدالة، والديمقراطية، التي تراد بنا، فالموقف بالنسبة إليّ واضح، ومحسوم، وهذا ما كتبت، وأكتب عنه بشكل مستديم، لا عن كراهية، أو بغضاء، ولكن عن تجربة وخبرة، فليس من طبيعة الحر النزيه، أن يغلب عاطفة الكراهية على قول الحق، ولا نزعة الشر على نزعة الخير، فأشهد أن في الغرب من الإيجابيات ما لا يعد، ولا يحصى، ولكن حينما يكون الأمر يخصنا، ويعنينا، فإن الأمور والموازين تتغير. وها هو اليوم يعلنها صريحة.. يعلن عن تكتل أوروبي ضد المسلمين، وذلك بإعادة نشر الصور في معظم البلدان الغربية، في موقف شبه موحد..(12/314)
أقول لست أتحدث عن هذا، ولكنني أناقش، وأنادي، وأسأل أصحاب المبادئ، والعقول، والمخلصين من المثقفين، ومن أصحاب الرأي، والفكر، عن تلك الفئة التي تمارس على فكرنا وصاية، وتحكماً، بل وتمارس اضطهاداً قسرياً علينا، وعلى أجيالنا، في محاولة سمجة للدفاع عن مواقف الغرب حول قضايانا، وثقافتنا، ومعتقدنا..
أتحدث عن أولئك الذين ضجوا، وناحوا، وصاحوا في الصحافة، والإذاعات، عندما حُطّم صنم في أفغانستان، وطلبوا من الصغير، والكبير، أن يقف بخضوع، واعتذار، وانحناء، أمام تلك الحادثة..!!
وعندما يهاجَم مُحطمُ الأصنام الحجرية، والبشرية، ومُخّلص الإنسان من الأوثان، وعبادة الأوثان، الذي أخرج البدو من بيوت الشعر، ليعمروا الأرض بالجمال، والسلام.. عندما يشتم نبي أكثر من مليار مسلم، نراهم يلوذون بالصمت، ويغلقون أفواههم، ويصمون آذانهم، ويوارون أقلامهم، وهم أكثر الناس حديثاً عن الحرية، وحقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان..!! ولو افترضنا جدلاً، أن هؤلاء لا يؤمنون بمحمد، ولا بإله محمد، فلا أقل من الدفاع عنه من منظور ثقافي، فهو رمز ثقافة هذه الأمة، وهو معلمها الأول..
أذكر أن معظم هؤلاء رثوا الراهبة ماما «تريزا» وذرفوا عليها الدموع عند وفاتها، واعطوها من التبجيل، والتقدير، والتهويل، والتعظيم، ما لا ينطبق على بشر، ولا غضاضة في بكائهم، غير أني لا أعتقد أن ذلك كان عن قناعة بقدر ما كان إرضاءً لشهوة التمجيد لكل ما هو غربي..
لقد مجدوا سلمان رشدي، ودافعوا عنه باسم حرية التعبير، متجاهلين ما أثاره في قلوب ملايين الناس من حرقة، وألم، وكأن أولئك المسلمين لا مشاعر لهم، ولا أحاسيس لهم، بل وكأنهم كائنات نجسة يجب قمعها، وإذلالها.. ثم هللوا له عندما استقبله البيت الأبيض مكافأة له على قهر هذه الأمة وتكبيتها..
ورجموا المفكر، والفيلسوف روجيه جارودي بحجارة الحقد، ورموه بكل أنواع السباب، والشتائم، والصقوا به أوسخ التهم، ووقفوا إلى جانب أولئك الذين حكموا عليه، وقادوه إلى السجن، وهو في التسعين من عمره، لمجرد أنه تساءل عن صحة رقم محرقة «الهولوكوست»، مستنداً إلى وثائق، وكتب، وجرائد، ومجلات رسمية، وإحصائيات موثقة، إبان الحرب الثانية، تشير إلى أن عدد اليهود في أوروبا كلها كان لا يتجاوز الثلاثة ملايين.. فكيف يكون عدد المحروقين ستة ملايين..؟
بل لقد «زغرد» أحدهم لفرنسا في زاويته «المتصهينة»، لأنها منعت المرحوم المفكر المسلم أحمد ديدات من دخولها.. كل هؤلاء لم يحركوا بنت شفة عندما شتم رئيس وزراء إيطاليا الإسلام، ودعا إلى حرب صليبية تنور المسلمين.. بينما لم يندد أحد من أولئك بمذابح شارون، ولا بقتل محمد الدرة، والشيخ أحمد ياسين، ولا الرنتيسي، أو ياسر عرفات.. لم يكتب من أولئك واحد مندداً بالمعتقلات الأمريكية في غوانتانامو، ولا في أوروبا، أو أبو غريب..
لم يستنكر واحد منهم عملية حرق ومحو الثقافة العربية، وتدميرها، بكراهية، وحقد، على يد الجيش الأمريكي في بغداد. ورأيناهم في بداية غزو العراق، يجادلون بصفاقة حول استحالة سقوط طائرة «أباتشي» أمريكية برصاصة بندقية «بيرنو» قديمة، أطلقها فلاح عراقي!! أو يتندرون في مقالات طويلة، عريضة، على كلمة «علوج»، التي استعملها الصحاف، بينما بغداد تعتلجها الطائرات، والقنابل الجهنمية الملعونة، وكانوا بذلك يمارسون اتفه أنواع السفاهة، واحتقار عقل المثقف العربي وكرامته. بل نجد أنهم أمام تلك المشاهد، والجرائم البشعة، يدعون إلى الحوار مع الآخر، والتسامح، ونبذ العنف - المقاومة -، بينما تاريخ الغرب يشهد أنه ما كان متسامحاً معنا ولو للحظة واحدة. فمنذ ما يقارب المائتي عام - إذا تجاوزنا محاكم التفتيش، والحروب الصليبية - وأرضنا، وشعوبنا، لم تنج يوماً واحداً من احتلال، أو ذبح، ويكفي أن بلداً عربياً واحداً أبيد من شعبه قرابة المليون ونصف المليون، في سبيل تحرير نفسه. ولا تزال طائرات الغرب، ودباباته، تصب حممها، ونيرانها على أطفالنا، وبيوتنا في العراق، وفلسطين، في الوقت الذي لا تزال طائرات الغرب، وسفنه، وسياراته، وقطاراته، ومكائن كهربائه، ومدافئ بيوته، تعمل بالنفط العربي..
أعتقد أنه طفح الكيل، وآن الأوان، لكي نواجه هذه الطغمة البذيئة التي تقف جنباً إلى جنب، مع أعداء هذه الأمة، كخصم لدود لطموحاتنا، وبناء أنفسنا، واستقلالنا، بل نراها تتطاول مع المتطاولين على لغتنا، وقوميتنا، وهويتنا، وديننا..! كل ذلك إرضاءً لنزوة العشق، والمظهر الشكلاني للثقافة الأمريكية، الإمبريالية، الشوفينية، ذات البعد الواحد..
ويح هذه الأمة ألف مرة، ليس من أعدائها ولكن من أبنائها أو ممن ينتمون إلى ثقافتها وينسبون إلى جلدتها..!!(12/315)
? وبعد: فلا بد لكل قارئ شريف، ومثقف شريف، أن يعي خطرهم، وأن يقف متوجساً، ومرتاباً، وحذراً، أمام كل طروحاتهم المغلة، الكارهة.. فوالله إنه ليشفي صدورهم، أن تتحطم هذه الأمة، وتحترق هذه الأوطان، وتنهدّ على رؤوس أهلها، حكاماً، وشعوباً..! فهل نحن متنبهون..؟!
====================
تحرير مفهوم حرية التعبير واحترام الأديان والمقدسات
إعداد الدكتور/ محمد إدريس حسن
عضو المجلس الإداري للمنظمة الإسلامية للدعوة والإغاثة ومحاضر بجامعة الملك فيصل بتشاد
و مدير إدارة شئون الموظفين بالجامعة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير رسل الله وخاتم النبيين والمرسلين المرسول رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد ،،،
فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اوجب الله علينا محبته وجعلها أصل عظيم من أصول الدين ، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين يقول الله تعالى ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) وفال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
و أوجب الله علينا عدم إيذائه والتأدب معه فقال تعال : ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول ) وقال تعالى : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) وأمرنا بالبعد عن إبدائه بأي شيء وبأي قدر قال تعال ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا أن ذلكم كان عند الله عظيما ) ووعد الله الذين يؤذون رسول الله باللعنة والعذاب المهين قال تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا ) .
فمن منطلق هذه النصوص يجب علينا أن ندافع عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بكل الوسائل المشروعة فإننا لا نسمح بإيذاء رسولنا محمد خير الأنبياء والرسل ، وما دفع القائمين بهذا المؤتمر إلا حبهم لرسول الله وإيمانهم بالدفاع عنه حيا كان أو ميتا من خلال هذه المحاور وغيرها ، وقد دعيت للمساهمة في الدفاع واخترت موضوع المشاركة ( تحرير مفهوم حرية التعبير واحترام الأديان والمقدسات ) ومن هنا نقول نعم لحرية التعبير التي تحترم الأديان والمقدسات وحقوق الآخرين ، ولا للفوضى التي يدعى أصحابها حرية التعبير وإنما هي فوضى منبعها الهوى الذي يفسد السموات والأرض ومن فيهن مما يحدث عدم التوازن في موازين الحياة وتقلباتها ، ونقول إن حرية التعبير هي مبدأ إسلامي وسيتضح مما يلي .
وبالله التوفيق،،،
مفهوم الحرية ..
إن الإسلام قرر الحرية للإنسان وجعلها حقا من حقوقه واتخذ حرية الفرد دعامة لجميع ما سنه للناس من عقيدة وعبادة ونظم وتشريع وتوسع الإسلام في إقرارها ولم يقيد حرية احد إلا فيما فيه الصالح العام واحترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم وإلحاق الضرر بهم، لا في أعراضهم ولا في أموالهم ولا في أخلاقهم ولا في أديانهم ومقدساتهم وغير ذلك.
ومفهوم الحرية من المنظور الإسلامي يتحقق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لعملة واحدة لان الحقوق من دون أن تقيد بالواجبات سيصبح الفرد غير مرتبط بالآخرين وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه وبذلك يصبح انفراديا في تعامله قاصرا عن أداء واجباته.
وقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرية في هذه الحدود وبهذه المناهج في مختلف شؤون الحياة. واخذ به في جميع النواحي التي تقتضى كرامة الفرد وان يأخذ به في شؤونها وهي النواحي المدنية والدينية ونواحي التفكير والتعبير، ونواحي السياسة والحكم حتى وصل به في كل النواحي إلى شأن رفيع لم تصل إلى مثله شريعة أخرى من شرائع العالم قديمه وحديه.
فالإسلام يرى أن إنسانية الإنسان هي رهن حريته إذ لايمكن أن تتحقق إنسانيته بدون حريته فان تحكم الآخرين عليه باستعباده بغير صورة شرعية وتدخلهم في شؤون حياته فيه إلغاء لخصائصه كالاختيار وغيره فانه من منطلق هذا يمارس حياته آمنا على نفسه وأهله ولا يخشى عدوان حاكم ولابطش ظالم.
وإذا كانت الحرية من منطلق الحقوق فقط دون الواجبات تحدث عدم التوازن في الحياة . وقد يظن البعض أنه مادامت الحرية مكفولة وحقا مقررا شرعا فيبيح لنفسه إشباع غرائزه، وإن كان ذلك على حساب الآخرين ، وهذه هي الفوضى التي تقضي على أمن المجتمع وعلى استقراره وسلامته.(12/316)
فالحرية في الإسلام لا تعني الفوضى وارتكاب الموبقات والمنكرات باسم الحرية واستباحة محارم الله والانغماس في الشهوات المحرمة فالحرية التي تبيح هذه المحظورات هي فوضى، وتصور خاطئ للحرية، وقد صحح الإسلام هذا التصور الخاطئ وقرر حرية الناس منذ ولادتهم ، وانه لا يجوز استعبادهم كما لا يجوز تقييد حرياتهم، و كل حق لهم، يقابله واجب عليهم ليكون هناك توازن في الحياة والتعايش مع الآخرين ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله يقول: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسلفها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فان تركوهم هلكوا وهلك الناس جميعهم وإن منعوهم نجو ونجى الناس جميعاً) .
وهكذا حياة الناس على سطح الأرض كركاب السفينة تحمل هذه الأرض البر والفاجر، والصالح والطالح والمحسن والمسيء كالذين يسيئون الآخرين بما فيهم أنبياء الله ورسله بحيث يرسمونهم في صور لاتليق بمقامهم الذي يستحق الاحترام والتقدير والتقديس، فان ترك هؤلاء المسيئين يمرحون ويفعلون ما يحلو لهم وما يشاءون.
دون الأخذ بأيديهم وكفها عن اقتراف الموبقات والآثام لهلك الناس جميعهم نتيجة لاختلال التوازن في مطالب الحياة ، وان اخذ بأيديهم نجو ونجى الناس جميعا وحيوا حياة طيبة، هذا هو توجيه الإسلام للحرية، أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبي الرحمة.
إن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بحيث خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات والأرض جميعا منه، وجعله خليفة عنه وزوده بالقوى والمواهب ليسود الأرض وليصل إلى أقصى ما قدر له من كمال مادي وارتقاء روحي.
ولا يمكن أن يحقق الإنسان أهدافه ويبلغ مراميه إلا إذا توفرت له جميع عناصر النمو وأخذ حقوقه كاملة ، في الحياة وفي التملك وفي صيانة العرض، وفي الحرية وفي المساواة وفي التعلم، وهذه الحقوق واجبة للإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن لوئه أو دينه أو جنسه أو وطنه أو مركزه الاجتماعي[1] . قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[2]) وقال صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... ) [3].
وهكذا أكرم الله الإنسان بهذه الحرية من خلال هذه الحقوق منحه حرية الاعتقاد حيث قال الله تعالى : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [4]) وقال تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا[5]).
فالاعتقاد الصحيح ناتج عن الاقتناع الكامل والتصديق الثابت ، وأنه لاقيمة لعقيدة تأتي نتيجة القهر والتسلط وطالما تزول أسباب القهر تنتهي وتزول العقيدة.
ولهذا حينما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن المسلمين أيرتد أحد منهم سخطا على دينه؟ قال: لا، فقال هرقل : هكذا الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
فالإسلام يتيح الفرصة المتكافئة للناس كي ينظروا ويختاروا، فلا يجرهم على شيء لا يرغبونه ... ولم يحدث في تاريخ الإسلام أن أكره أحدا أو اجبر قوما على اعتناق الدين ، كما حدث في تاريخ النصرانية [6].
فكما كفل الإسلام للإنسان حرية الملك وغيرها ومن تلك الحريات حرية التعبير.
حرية التعبير:
إن حرية التعبير من أعظم الحريات التي كفلها الإسلام للإنسان وهي من نعم الله تعالى عليه حيث جعله بهذه النعمة معبرا عن نفسه مبينا عما يدور في فكره وخلده ومنحه القدرة العقلية على تصور ما يدور حوله ثم الحكم عليه بما يصل له من خبراته وتجاربه يقول الله عزوجل تأكيداً لذلك: (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [7] .(12/317)
فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأكرمه وأنعمه بنعمة العقل والإدراك وعلمه البيان ليٌعْمل عقله ويفصح عن ما يدور في عقله بحرية مبنية على احترام الحق الفطري واستخدام نعمة الإدراك والبيان ، ودعوة إلى تحقيق التعاون على البر والتقوى ، والتطلع إلى تكوين المجتمع المسلم الذي يقوم على المشاركة الايجابية في تحقيق الإخاء والمساواة والأمن والعدل ومن الأدلة التي تدل على وجوب حرية التعبير قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[8]) فان الأمر والنهي لا يكون إلا من خلال التعبير ، فإذا الأمر والنهي تعبير وإبداء رأي وبما أن الأمر والنهي واجب فنقول بوجوب حرية التعبير إذ تقرر لنا حق إبداء الرأي وتجعله واجبا من واجبات الأمة ، إذ بالأمر نالت الخيرية على الناس وعلى أساسه وعدت بالتمكين في الأرض ، والصدارة على الصعيد العالمي ، قال الله تعالى : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[9]).
ومن أدلة حرية التعبير أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)[10] . فقوله صلى الله عليه وسلم : ( فبلسانه) أمر بالتعبير المتضمن للأمر والنهي اللذين هما من الخصائص الأولى للأمة الإسلامية والشعار الواضح من شعائر الإسلام . وهذا كله إن دل فإنما يدل على أن حرية التعبير من حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان هي جزء من الدين شرعها الله وبينها الرسول صلى الله عليه ويراد بها حماية إنسانية الإنسان وهذه الحماية مصدر من مصادر الشريعة وغايتها ، ومن هنا جاءت لتحقيق مصالح الناس وحماية الكليات(الضرورات الخمس) التي منها (الدين) وحفظ الدين واجب.
ومن هنا نحن نقول نعم لحرية التعبير التي تراعي حقوق الآخرين وتحترم الأديان والمقدسات .
احترام الأديان والمقدسات ..
إن حرية التعبير الحقة هي التي تحافظ على حقوق الآخرين ومعتقداتهم الدينية ومقدساتهم ، وأما التصرفات التي تصدر بدون مراعاة حقوق الآخرين فهو الفوضى التي تؤدي إلى اختلال التوازن في موازين الحياة وهذا التصرف هو الذي تضع له الشريعة الإسلامية حداً .
واحترام الأديان والمقدسات ، واحترام حقوق الآخرين لا يتأتي إلا من حرية التعبير التي تعتمد على مبادئ الأخلاق وآداب الإسلام الذي يعني عدم مصادرة آراء الآخرين وإيذائهم ، حتى وإن كانت مخالفة، لكن غير مسيئة للآخرين ومعتقداتهم ، قال احد المسلمين مرة لعمر – رضي الله عنه – اتق الله، فلام بعض الحاضرين قائلها، فقال عمر: ( لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها) وصدق عمر فإنه لا خير في مجتمع لا يتقدم بآرائه ونصائحه لحاكمه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم) فنصيحة أئمة المسلمين وعامة المسلمين هي : حرية التعبير بعينها ، وهكذا كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ليربيهم على حرية التعبير فيقول لهم في كثير من الأمور : ( أشيروا إلى أيها الناس ) وكان صلى الله عليه وسلم أمره شورى بينه وبين أصحابه قال الله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [11])، والله سبحانه وتعالى مدح المؤمنين بسبب الشورى التي بينهم بقوله: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [12] ) ، حرية التعبير هي حق أصيل لا يتخلى عنها المسلم ، بل هي تعتبر من أفضل الجهاد.
في سبيل الله بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وفي ظل هذه الحرية كان الخلفاء الراشدون يعرضون على المسلمين سياستهم في الحكم ليبدي كل من المسلمين رأيه في الأمور التي تمس حياة الناس ومصالحهم .
واحترام الأديان والمقدسات من الدين ويعد عند المسلمين من أساس العقيدة حيث أن المسلمين يؤمنون بجميع الرسل وذلك مما يجعلهم يحترمون جميع الأديان السماوية ومقدساتها وشعائرها واحترامها نابع من تقوى القلوب ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) . [13](12/318)
ويحترمون الأنبياء والرسل لأنهم لايتم إيمانهم إلا بالإيمان بجميع هؤلاء الرسل، فلا يؤذوهم ولايسخروا ولايستهزؤا بهم لان الاستهزاء بهم والسخرية منهم توجب العذاب والعقاب قال تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون [14] ) فالله سبحانه وتعالى أدار عليهم دائرة السوء بسبب إساءة الأنبياء والرسل ، فان دل هذا على شيء فإنما يدل على احترام الأنبياء وتقديسهم ، وجعل الإسلام سبَّ الدين كفر ، إذا لابد من احترام الدين واحترام من اصطفاهم الله برسالاته من الأنبياء والرسل، كما جعل الإسلام سبَّ الأنبياء ردة توجب القتل. ولاتقبل توبة الساب عند بعض العلماء وتقبل عند آخرين، وقد قتل الرسول وأصحابه الساب ولم يستتيبوه [15] ، وهذا كله يدل على مدى احترام الأنبياء والرسل وما جاءوا به من دين فاحترام الأديان والمقدسات وحقوق الآخرين من الدين. إذا احترام الأديان والمقدسات أمر واجب دينيا.
وقد دعت إليه الهيئات الدولية فعلى سبيل المثال ما جاء في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان الصادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية ( القاهرة، 14 محرم 1411هـ الموافق 05/08/1990م ) .
جاء في هذا الإعلان في مادته الثانية والعشرون ما يلي :-
(1) لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لايتعارض مع المبادئ الشرعية .
(2) لكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية.
(3) الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع ، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد.
(4) لاتجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بكافة إشكاله[16] .
وأيضا جاء في إعلان (روما) حول حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن الندوة العالمية حول حقوق الإنسانية في الإسلام (روما، 21/ذو الحجة 1420هـ الموافق 27/فبراير /2000م) .
جاء في مبادئ هذا الإعلان ما يلي:-
المبدأ الأول: أهمية ربط حقوق الإنسان بمرجعية تراعي المعتقدات والقيم الدينية التي أوصى بها الله سبحانه وتعالى على لسان أنبيائه ورسله .
المبدأ الثاني: ضرورة ربط الحقوق بالواجبات من خلال مفهوم يرتكز على قاعدة التوازن بين وظائف الإنسان واحتياجاته في بناء الأسرة والمجتمع وعمارة الأرض ، على نحو لايتعارض مع إرادة الله تعالى. وفي نهاية هذه المبادئ جاء الإعلان التالي:-
والندوة إذ تضع هذه المبادئ، تعلن لحكومات العالم ومنظماته الرسمية والشعبية ، أن شريعة الإسلام قدمت الضمانات لتحقيق التكامل والشمول والتوازن والمرجعية واليات التطبيق الصحيح لحقوق الإنسان.
والندوة إذ تضع بين يدي المجتمع الدولي عبر إعلان ( روما) لتدعو الله أن يوفق الجميع إلى ما فيه خير البشرية جمعاء.
وهناك مبادرات تدعو إلى احترام الأديان والمقدسات مثل ما جاء في قول: دريك ديفيز الذي أوردته مجلة الرابطة [17] ، حيث تحدث عن تطور الحرية الدينية كحق إنساني من حقوق الإنسان المقدسة ، شهد القرن العشرون نجاحا لامثيل له في تدوين حقوق الإنسان الدينية.
وكان البرلمان العالمي للأديان قد اجتمع في شيكاغو عام 1893م وهو حدث منسي لكنه مهم في تاريخ الدين في العالم. وكان احدث المبادئ التأسيسية للاجتماع هو وجوب عدم الضغط على أية مجموعة دينية لكي تضحى بما تؤمن أنه الحقيقة.
ويذكر ديفيز أنه قد تم إعداد ثلاث وثائق دولية في القرن العشرين بهدف تعزيز مبادئ الحرية الدينية وهي الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966م) . وإعلان الأمم المتحدة لمحو جميع أشكال التعصب والتمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد (1981م) . ووثيقة فينا الختامية (1989م) وتعزز كل هذه الوثائق الحرية الدينية بتأييدها حقوقا من الأهمية بحيث بتوجب جعلها عالمية.
ويمنع الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966م) والذي صدقت عليه حتى الآن (144) دولة ، التمييز الديني كما ينص إعلان الأمم المتحدة الذي تبنته عام (1981م) ومن ضمن ما نص عليه هذا الميثاق إنشاء وصيانة أماكن العبادة أو التجمع لممارسة دين أو معتقد وإنشاء وصيانة أماكن لهذه الغاية.
كما تحتوي الوثيقة الختامية لمؤتمر فيينا على نصوص مشابهة لما ورد في وثائق 1948 ، 1966م ، 1981م من حيث التأكيد والالتزام باحترام الاختلافات الدينية ، وكذلك على ضمان التطبيق الكامل والفعلي لحرية الفكر والضمير والدين والمعتقد.
ولكن أين هذه الانتهاكات لحرمان المسلمين من هذه الوثائق :-
- تعذيب في السجون بسبب الدين.
- هدم المساجد بسبب الدين.
- تدنيس القرآن بسبب الدين.
- إساءة رسول الله بسبب الدين.
- منع الصلاة في مجال العمل بسبب الدين.(12/319)
كل ذلك من أجل أنهم قالوا ربنا ثم استقاموا ... أين هذه المواثيق أيها المجتمع الدولي؟ كل هذه الانتهاكات تدل دلالة واضحة على أن الكافر لايؤتمن في عهد ولا ميثاق ولا قانون ، ولاحق ولا مصلحة.
وحرية التعبير التي تحترم الأديان والمقدسات هي التي تنبني على ضوابط ومن تلك الضوابط ما يلي :-
(1) أن يكون التعبير طيبا بعيدا عن الفحش والقبح يقول الله تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [18]) ويقول جل شأنه ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [19] ) .
وقال النووي رحمه الله : ( اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه ، وذلك كثير في العادة والسلامة لابد لها شيء) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) متفق عليه ، وعن أبي موسى رضي الله عنه (قال: قلت يا رسول الله أي المسلم أفضل؟ قال من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه.
(2) أن يكون التعبير مطابقا للحقيقة صادقا متثبتا فيه، بعيدا عن الظن والوهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ. [20] ) وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[21] ) . وقال صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ).
(3) أن يتحرى التعبير الحق والعدل فلا يحابى يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[22] ).
أن حرية التعبير التي تنطلق من هذه الضوابط لها ثمار كثيرة منها:-
أولا: أنها تعمق الثقة بين أفراد الأمة فإن الوضوح يقتل الخلفاء ، والمصارحة تقضي على الدس والوقيعة ، والصدق يعمر القلوب بالألفة والمحبة .
ثانيا: قوة بناء الأمة وتماسكها فان احتكاك الآراء وتعاون الناس يولد القرب بينهم فيتشاورن ويتناصحون ، وهذا يزيد من تماسكهم وتضامنهم لأن الاحتكاك يوري نوراً والتحكك يواري ولاريب أن اجتماع المواهب وتعاضدها يؤدي إلى خير كثير، وهذا بخلاف الخوف والكبت فإنهما يولدان التفكك والشك والريبة.
ثالثا: إن الشعب منى أعطى الفرصة لإبداء رأيه في تقرير مصيره والمشاركة في صناعة القرار أدى ذلك إلى رقي في الأمة وتقدمها، فإننا نجني من وراء حرية التعبير الأفكار النيرة والآراء الصائبة، فلا تقدم الأمة على أمر إلا وتكون قد عرفت مصالحه وأدركت منافعه [23] .
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم :
كيف ننصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأعداء الذين يسيئون إليه؟ وكيف ننصره من هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم ؟.
قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) [24] .
فنصرتنا لنبينا تقتضي صرف الناس عن الهوى إلى الاستقامة . ونحن لايمكننا صرفهم عن الهوى إلى الاستقامة مالم نكونوا صادقين في نصرته صلى الله عليه وسلم وصدقتنا ونصرته يقتضي أن نكون صادقين في إتباعه حتى يكون هوانا تبعا لما جاء به، فإن الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال قال الله تعالى : (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[25] ) .
فالصحابة رضوان الله عليهم لما صدقوا في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هواهم تبعا لما جاء به صلى الله عليه وسلم سطروا أروع الأمثلة واصدق الإعمال في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس، في المنشط والمكره وفي العسر واليسر وكتب السير عامرة بقصصهم وأخبارهم ومن ذلك أن أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه كان يحمي الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة احد، ويرمي بين يديه ويقول: (بابي أنت وأمي ، لاتشرف، يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك [26] ).
وعن قيس بن أبي حازم قال: ( رأيت يد طلحة شلاء ، وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد [27] ) .(12/320)
وما أجمل ما قاله انس بن النضر يوم أحد عندما انكشف المسلمون: (اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني : أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء : يعني النبي صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر [28] ) قال ابن حجر : ( أي ) الآن عرفت فنطقت بما يجب ) [29] .
هؤلاء الذين نصروا الله ورسوله فنرجو أن نخلص في إتباعنا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لتنكون أهلا لنصرته بكل الوسائل المشروعة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسحبه وسلم تسليما كثيراً.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين ،،،
المطالب :
- أطالب المؤتمر : أن يحول لجنة المؤتمر العالمي إلى مؤتمر عالمي دائم يحمل اسم : المؤتمر الإسلامي العالمي للدفاع عن حرمة الأديان والمقدسات .
- أطالب المؤتمر بإصدار فتوى شرعية تجاه المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم.
المراجع ..
- القرآن الكريم .
- صحيح البخاري، للإمام البخاري .
- صحيح مسلم ، للإمام مسلم .
- فقه السنة للسيد سابق .
- حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي – أعمال الندوة العلمية حول حقوق الإنسان.
- حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية – للدكتور/ عبدالعزيز بن عثمان التويجري.
- الرابطة : مجلة شهرية علمية تصدرها رابطة العالم الإسلامي .
- حقوق الإنسان في عصر النبوة – للدكتور/ محمد احمد الصالح ، ورقة بحثية تقدم بها في أعمال الندوة العلمية حول حقوق الإنسان.
[1] فقه السنة ، للسيد سابق، ج3 /6.
[2] سورة الإسراء الآية : 70 .
[3] حديث نبوي
[4] سورة البقرة الآية : 256.
[5] سورة الكهف الآية : 29.
[6] حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ،ج1 ،ص: 38 طباعة أكاديمية نايف العربية للعلوم التربوية.
[7] سورة الرحمن الآية : 1 – 4.
[8] سورة أل عمران ، الآية : 11.
[9] سورة الحج ، الآية : 40-41.
[10] أخرجه مسلم .
[11] سورة آل عمران الآية : 159.
[12] سورة الشورى ، الآية : 38.
[13] رواه الترمذي وأبو داود .
[14] سورة الأنعام الآية : 10.
[15] أنظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية رحمه اله ، ص: 298 ، دار الفكر .
[16] انظر حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية. للدكتور/ عبدالعزيز بن عثمان التويجري ، ص : 37.
[17] مجلة الرابطة ، العدد 471 شعبان 1426هـ الموافق سبتمبر 2005م الكلام ورد تحت عنوان: قانون الحرية الدينية الأمريكي في الميزان
[18] سورة الحجم الآية : 24.
[19] سورة الإسراء الآية : 36.
[20] سورة التوبة الآية : 119.
[21] سورة الحجرات الآية : 6.
[22] الأنعام الآية : 152.
[23] انظر : حقوق الإنسان في عصر النبوي للأستاذ الدكتور محمد أحمد الصالح ، ورقة مقدمة في الندوة العلمية حول حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي.
[24] سورة المؤمنون الآية : 71.
[25] سورة الحشر الآية : 8.
[26] أخرجه البخاري : 5/33 رقم 4064.
[27] أخرجه البخاري : 5/33 ، رقم 4063.
[28] أخرجه البخاري 7/218 ، رقم 6632.
[29] الفتح : 11/536.
=====================
تبًّا له ثم تَبّ
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
لما بَعَثَ الله نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى الناس.. وكانت بعثه إلى الناس كافة..
حَرِص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنقاذ البشرية من التِّيه والضلال الذي ترسف فيه..
كما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنقاذ البشرية من النار..
تمثّل ذلك الحرص في دعوة الناس ليلا ونهاراً.. سِرًّا وجهاراً..
وتمثّل ذلك الحرص في دعوة كل الناس..
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى..
وأرسل الرُّسُل والْكُتُب إلى الرؤساء والزعماء..
تمثّل ذلك الحرص أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طفل يهودي يُصارِع المرض.. يوشك على مفارقة الحياة..
يَهتم به عليه الصلاة والسلام.. يَعتني به.. يَعرض عليه الإسلام: أسْلِم.. فَيَلْتَفِتْ الصبي إلى والده.. كأنه يستأذنه.. ولما كان والده يعرف حقيقة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطِع أبا القاسم.. فيتشهّد الطفل ويشهد شهادة الحق.. ثم يموت!
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فرحا مُستبشراً وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)). كما في صحيح البخاري.
وكما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعوة الأباعِد فقد حرص الأقارب.. فدعا قومه ورهطه.. فصاح بهم يوماً على الصفا وهو بمكة، فجعل يُنادي:
يا بني فهر.. يا بني عَدي ـ لبطون قريش ـ حتى اجتمعوا، فجعل الرَّجُل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تُريد أن تغير عليكم، أكنتم مُصَدِّقي؟))
قالوا: نعم، ما جَرّبنا عليك إلا صدقا.
قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)).(12/321)
فقال أبو لهب: تَبًّا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا ؟ فَنَزَلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. رواه البخاري ومسلم.
أبو لهب هو عبد العُزّى.. تَبّ وخسِر، فما عَزّ !
فـ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} " الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه " كما قال ابن كثير.
فقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أي خَسِر وخاب، وضل عمله وسعيه. {وَتَبَّ} أي وقد تَبّ: تحقق خسارته وهلاكه. قاله ابن كثير.
" وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والبُغْضَة له، والازدراء به، والتنقّص له ولدينه "..
فما زاد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عِزّة ورِفعة..
وما زاد (عبد العزى) إلا ذلاًّ ومهانة.. فلا يُذكر إلا ويُذكر ذمّه !
زاد جهل أبي جهل.. وتباب أبي لهب..
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتضوّع طِيباً.. كَعُودٍ زاده الإحراق طِيباً
أبو لهب.. ظنّ أنّ ماله ينفعه، أو يُغني عنه شيئا.. فقال الله: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}
ولم يقتصر الشقاء على أبي لهب بل تعدّاه إلى زوجِه..
قال ابن كثير: وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} يعني تحمل الحطب فتُلْقِي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيأة لذلك مُسْتَعِدّة له. اهـ.
قالت أسماء بنت أبي بكر: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} اقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها وَلْوَلَة، وفي يدها فِهْر وهي تقول: (مُذَمَّماً أبَيْنَا، ودِينه قَلينا، وأمْره عصينا)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني، وقرأ قرآنا اعْتَصَمَ به، كما قال تعالى {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أُخْبِرتُ أن صاحبك هجاني ! قال: لا، ورب هذا البيت ما هجاكِ! فَوَلَّتْ وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها ! رواه أبو يعلى، وابن أبي حاتم في تفسيره، والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقد صَرَف الله عن نبيِّه صلى الله عليه وسلم سبّ حمالة الحطب !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تعجبون كيف يَصرف الله عَنِّي شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مُذَمَّما، ويلعنون مُذَمَّما، وأنا محمد)). رواه البخاري.
حمّالة الحطب أنفقت مالها للصَّد عن دين الله، فكان عليها حسرة وندامة !
وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة، فقالت: لأُنْفِقَنّها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير: فأعقبها الله منها حَبْلاً في جيدها من مَسَدِ النار.
صَبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.. فكانت النُّصْرَة له، والرِّفعة له، والعِزّة له..
وكانت الذلّ والصَّغار على من خالَف أمره..
عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظَهَر فيها آية من آيات النبوة، وعلامة من علامات صِدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم..
قال ابن كثير: قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نَزَلَ قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} فأخْبَرَ عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يُقيّض لهما أن يُؤمنا، ولا واحد منهما، لا باطنا ولا ظاهرا، لا مُسِرَّا ولا مُعْلِناً ؛ فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة. اهـ.
عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وحملته المسعورة ضدّ دِين الإسلام.. لم تَثنِ عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
بل كانت عداوته سبباً لِنشر دِين الله!
كانت عداوة أبي لهب سبباً للسؤال عن حَالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعن دعوته.. وعن لفتْ الأنظار إليه!
قال طارق بن عبد الله المحاربي: إني بِسُوقِ ذي المجاز إذْ أنا بإنسان يقول: يأيها الناس قولوا: لا إله إلا الله ؛ تفلحوا. وإذا رجل خلفه يرميه قد أدْمَى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يأيها الناس إنه كذاب فلا تُصَدِّقوه. فقلت: من هذا ؟ فقالوا: محمد زَعَم أنه نبي، وهذا عمه أبو لهب يَزعم أنه كذاب!
ظنَ أبو لهب.. فَخَابَ ظنّه !
ظنّ أنه يحجب الشمس بالْمُنْخُل (الغربال).. فَخَابَ ظنّه!
ظنّ أن ماله يُغني عنه.. فَخَابَ ظنّه!
ظنّ أنه يَصدّ عن دِين الله.. فَخَابَ ظنّه!(12/322)
ظنّ أنه سوف يثني عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يُفرِّق الناس عنه.. فَخَابَ ظنّه!
ولئن مات (أبو لهب) وهَلَك.. فإن لكل وارث!
وما تناقلته بعض الصحف والمواقع.. وما أثير على المنابِر.. من أخْبَارِ وَرَثَة (أبي لهب) الذين حاولوا اقتفاء أثَرَه ! والسير بسيرته المذمومة ! والاستهزاء بِسيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم..
فَخَابَ ظنّ الوَرَثَة كما خَابَ ظنّ المورِّث!
خابوا وخسروا..
ولئن ساء كل مسلم ما نُشِر في بعض صُحُف الدانمارك.. فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لم يَخْلُق شَرًّا مَحْضاً !
فـ {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
فقد كان تضمّن ذلك السوء خيراً، منه:
ـ ظهر وانكشف وجه الحقيقة عن وجه الحضارة الغربية.. {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.
ـ ظهر لكل ذي بَصَر عداوة النصارى.. وأنّ من يطلب رضاهم مُتطلِّب في الماء جذوة نار!
وقول الله أصدق وابلغ {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}..
ـ تجلّى نفاق بعض الصُّحُف والكُتَّاب.. الذين التَزموا الصمت تجاه هذا الْخَطْب الْجلل!
فماذا عساهم يقولون؟
ماذا عسى أُغَيْلِمة الصحافة وسفهاء قومي يقولون؟
أليسوا الذين كانوا يُلمِّعُون الغَرْب والغُراب ! تحت شِعار (الآخر) سَتْراً للكافر!
إلا أن الحقيقة التي تجلّتْ.. كشَفَتْ عن وجوه من الحقائق!
وصَمَتْ من كانوا يُنادون باحترام (الآخر)!
ومن كانوا يَودّون لو صَمَتَ دُعاة الإسلام..
أليسوا هم من يُنادي بـ (حُريّة الفِكر) فإذا هم يُنادون بـ (حُريّة الكُفْر)!
إذا تكلّم (صادق) نَصَبُوا له العِداء..
وإن تَبجّح (كافر) سَكَتُوا وكأن الأمر لا يَعنيهم.. وهو لا يعنيهم.. لأن انتسابهم إلى الإسلام (دعوى) من غير بيِّنَة!
هاهو (الآخر) بزعمكم يتطاول على دين الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فبماذا أجبتم؟
ـ تَهَافُتْ دعاوى (قبول الآخر) الذي لم ولن يَقبلكم ! حتى "يجتمع الماء والنار، والضَّب والحوت"!
شأنكم في ذلك شأن ذلك (الْمُتَفَرْنِس) الذي أمضى عمره في التذلّل للغرب.. ولو كان على حساب دِين ومبدأ.. فإذا الغرب يَرفضه ويَلفظه.. بل وينبذه نَبْذ الحذاء المرقّع !
وها هو يقول عن نفسه: " وأصبح (محمد أركون) أصولياً متطرفاً !! أنا الذي انْخَرَطْتُ منذ ثلاثين سنة في أكبر مشروع لنقد العقل الإسلامي ! أصْبَحْتُ خارج دائرة العلمانية والحداثة "
ويقول أيضا: "والمثقف الموصوف بالْمُسْلِم يُشار إليه دائماً بضمير الغائب: فهو الأجنبي المزعج ! الذي لا يمكن تمثّله، أو هضمه في المجتمعات الأوروبية، لأنه يَسْتَعْصِي على كل تحديث أو حداثة!".
وقد أخبر الله عن ذلك الرفض، وعن تلك العداوة المتأصِّلة بقوله: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
ـ وفي هذا الْحَدَث تميّز الطيب من الخبيث.. والصادق من الكاذب.. {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
إذا اشتبكت دموع في خُدود *** تَبَيَّنَ من بَكى ممن تباكى
تبيَّن الْمُحبّ الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الدَّعِيّ الْمُدَّعِي !
ـ وفي الغرب (مُنصِفُون).. فقد تُثيرهم تلك الحملات الشعواء على طلب الحقائق.. فيهدي الله بِتلك الصحيفة رجالاً ونساء كانوا في (عَمَاء)!
ومن سُنّة الله " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " كما في الصحيحين.
وفي شِعْر أبي تمام:
وإذا أراد الله نَشْر فَضَيلة *** طُويت أتَاحَ لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جَاوَرَتْ *** ما كان يُعْرَف طِيب عَرف العُود
ـ أن الصِّدام المباشِر، والمساس الواضِح أبلغ وأيقَظ للقلوب.. وهذا يُبيِّن مدى خطورة الغزو الفكري، وأنه أخطر من الغزو العسكري ـ وإن كان مُدمِّراً ـ.
ذلك أن اليهود والنصارى يقولون في الله قولاً عظيماً.. ومع ذلك وُجِد من يُحبّهم أو يتعاطَف معهم.. إلا أن هذا الذي صَدَر من نصارى (الدانمارك) أيقظ في الأمة قلوباً غافلة، أو مُستَغفَلة!..
فالنصارى قالت قولاً عظيماً في الله من قَبْل ومن بعد.. قالوا في الله قولاً عظيماً {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}.
وما قالته النصارى في حقّ الله أعظم وأكبر..(12/323)
وقد أخبر الله وخبره الحقّ، وقال وقوله الصِّدْق {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.
وإن تلك الحملات الشعواء على الإسلام وأهله.. لم تُغيِّر قناعات الشعوب..
يقول مُحدِّثي: سَافَرْتُ إلى بلد أفريقي في رِحلة عمل.. فاقتضى الأمر أن أتعامل مع (أفريقي نصراني).. فلما انتهى تعاملنا معه.. سألناه عن أفضل مدينة سياحية في بلدهم.. فأرشدنا إليها.. فسألناه عن طبيعتها وأمْنِها.. فأخبرنا أن غالبية سُكانِها من المسلِمين..
يقول صاحبي:
فسألته: كيف تكون الأكثر أمْناً وغالبية سُكانها من المسلمين ؟.. مع ما نسمع في وسائل الإعلام عن المسلمين ؟!
فقال النصراني: هذه جعجعة إعلامية!
نحن نعرف المسلمين.. فَدِينُهم يأمرهم بذلك!
يقول: فتعجّبت من شهادة النصراني وهو في بلده..
إن ما يُقال أو يُثار ضد الإسلام أو ضدّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم يسوء كل مسلم..
إلا أنّ هذا الشرّ لا يَخلو من خير..
هُم يُريدون أمراً.. والله يُريد أمراً.. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
دبّروا.. ومكروا.. وقلّبوا الأمور.. فأبْطَل الله سعيهم.. ووردّ كيدهم في نحورهم.. وحاق بهم مكرهم..
وهذه سُنَّة الله في نصر أوليائه، وخُذلان أعدائه..
لقد سَعى المنافقون بكل حيلة.. فَصَرّفوا الأمور، وأرادوها ظهرا لبطن، وبَطْناً لِظَهْر وطلبوا بكل حيلة إفساد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فَنَصَرَ الله نبيّه.. وأظْهَر دينه..
قال تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}
{وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} أي دَبَّرُوها من كل وجه، فأبْطَل الله سعيهم. كما قال ابن جُزيّ.
قال ابن كثير: يقول تعالى مُحَرِّضاً لِنبيه عليه السلام على المنافقين {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ}، أي لقد أعْمَلُوا فكرهم، وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك، وخُذلان دِينك وإخماده مدة طويلة ؛ وذلك أول مَقْدَم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رَمَتْه العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر، وأعلى كلمته، قال عبد الله بن أبي وأصحابه: هذا أمْرٌ قد تَوَجَّه ! فَدَخَلُوا في الإسلام ظاهرا، ثم كلما أعَزّ الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم، ولهذا قال تعالى: {حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}. اهـ.
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على نُصْرَة هذا الدِّين..
فقال عليه الصلاة والسلام: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بِعِزّ عزيز، أو بِذُلّ ذليل، عِزًّا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر. رواه الإمام أحمد.
والله ليكونن هذا وإن رَغِمَتْ أنوف !
والله ليُتمَّنّ الله نوره ولو كَرِه الكافرون..
مِن دعاء عمر رضي الله عنه في القنوت:
اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين. رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي.
====================
حتى لا تكون أبقاركم أعقل منكم
عزيز بن محمد الشهري
لقد مُيِّز الإنسان عن المخلوقات الحيوانية بالعقل الذي به يستطيع أن يضبط نفسه؛ فلا يجعلها تتجاوز حقوق الآخرين، والتعدي عليهم في ممتلكاتهم، وفي أنفسهم، وفيما يعتقدونه من معتقدات دينية على سبيل السخرية، بدون سبب يبيحه عقل ذلك الإنسان.
وبما أن الله خلق الإنسان وأكرمه بالعقل على الحيوان؛ فلقد أمر الله سبحانه وتعالى الإنسان العاقل بعدم الإفساد في الأرض، ومنع دواعيه بأي شكل من الأشكال.
وهذا الأمر للإنسان العاقل؛ حيث إن غير العاقل غير مكلف بهذا الأمر، مثله مثل بقية المخلوقات الحيوانية غير المكلفة؛ فقد تتجاوز حدودها إلى حدود غيرها في الحقوق والتعدي عليهم في ممتلكاتهم وإفساد كل جميل، بحجة الحرية الفكرية التي في الأصل بمعنى (لا عقل) إذا خلت من ضوابط العقل السليم.
فالبقرة، على سبيل المثال بما أنكم بلد تشتهر الأبقار فيه، إذا أعطيت حقوقها بضوابط ورعاية صحية جيدة؛ فإنها تنتج الزبد والجبن والقشطة اللذيذة والحليب والألبان المنعشة، أما إذا جعلتموها بحريتها، تفعل ما تشاء بدون ضوابط في أكلها من أعلاف مضرة أو غريبة عليها، فقد تفكر بحريتها؛ فتصاب بجنون البقر.(12/324)
ومن هذه المقدمة المختصرة فإن على الإنسان العاقل أن يعيش بحرية وسلام مع نفسه ومع الآخرين من حوله. بحرية بحيث يفعل ويقول ما شاء في حدود حريته التي لا تتعدى على حرية غيره فيما تقره العقول السليمة بعد إقرار الله الواحد الديان بهذه الحرية للإنسان؛ ويعيش بسلام بحيث لا يتعدى عليه أحد في حقوقه المشروعة من أذى جسدي، أو نفسي، أو سخرية، به وبما يعتقده.
وهو بالمثل، لا يتعدى على الآخرين في حقوقهم ولا السخرية بهم وبما يعتقدونه؛ لكي يعيش بحرية وسلام فينتج بذلك التسامح بين الأجناس.
وإن ما قامت به بعض الصحف الدنماركية من نشر صور كريكاتورية ليست صوراً لرجل سياسي مشاغب في العالم، ولا لقائد يحكم شعبه بالنار والحديد، ولا دكتاتوري عنيد. ولكن هذه الصور لدين عظيم، أتى به أفضل الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وهو دين الإسلام الذي أرسله الله للعالمين، وجعله رحمة وهدى ونورًا، وهو خاتم النبيين وإمامهم وأحبهم إلى الله، ومخلص البشرية من الظلم والاستعباد، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهو الذي نشر العدل في الأرض وأقامه. وعفا عن أعدائه وألف قلوبهم بالهدايا، ومنقذ الأمم يوم القيامة بالشفاعة إلى الله؛ ليحكم الله في ذلك اليوم بينهم. فصلى الله وسلم عليه تسليماً كثيراً.
فهو نبي أرسله الله بالإسلام للعالمين كافة، بدون تفرقة عنصرية، أو جنس من الأجناس، فنشر الأخلاق الكريمة من إفشاء السلام بين الناس والمحبة، على من عرفت أو من لم تعرف، والصدق في الحديث، وعدم الكذب، والوفاء بالعهد، وعدم الغدر، وبذل المال للفقراء والمساكين، وإكرام الضيف والجار، ومساعدة المحتاج، وكفالة الأيتام والأرامل، وحرم عقوق الوالدين، وأمر ببرهما ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف، والعناية بهما عند كبرهما، وحرم الزنا واللواط، وحرم الإفساد في الأرض، وترويع الآمنين، وحرم السرقة والربا، وحرم النميمة والغيبة والسخرية بالناس والتكبر عليهم، وأمر بالعفو عن المسيئين والتسامح، ولم يُكره أحداً على الدخول في دين الإسلام، وأوصى بنشر السلام في الحرب؛ فلا تقطع الشجر، ولا تهدم الصوامع والكنائس، ولا تقتل المرأة أو الطفل، ولا الشيخ الكبير.
وكرم المرأة وأعزها، وأوصى الرجال بها، بالمحافظة عليها وإكرامها. وغير ذلك من الخير والنور الذي نشره في الأرض؛ لأنه نبي أرسله الله إلى العالم كافة، كما أرسل الله الأنبياء والرسل إلى الناس من قبله، ومنهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم الصلاة والسلام.
فهل يتصور أن يكون هذا النور بالشكل الذي تخيله هذا الرسام الذي رسم هذه الصور الكاريكاتورية التي تسخر من شخصية نبي ورسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم؛ لكي تجعل في كتاب مزيف مكذوب في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تنبعث منه رائحة الحقد كما تنبعث رائحة العفن من جبنة دانماركية؟
================
حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني يندد بالصور المسيئة للرسول
مفكرة الإسلام: أدان القائد الأفغاني وزعيم الحزب الإسلامي 'قلب الدين حكمتيار' الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, التي نشرت في صحيفة 'يولاندس بوستن' الدانماركية وغيرها من الصحف الأوروبية.
وفي بيان صحفي أصدره 'حكمتيار' حمل تاريخ 11 فبراير 2006؛ قال حكمتيار: نشر الصور المسيئة للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، يثبت أن البلدان المسيحية مصرة على عداوتها للمسلمين.
وبحسب وكالة الأنباء الإسلامية الأفغانية، قال حكمتيار في بيانه: لقد أبدى الغرب مرة أخرى عداوته القديمة ضد الإسلام والمسلمين بالعالم.
وأشار البيان إلى أن احتلال القوات الغربية للعراق وأفغانستان يدلل على سعى الغرب لمحاربة الإسلام والمسلمين، بينما نشر هذه الصور المسيئة يؤكد أن الغرب لا يستطيع تحمل وجود الإسلام والمسلمين على وجه الأرض.
وشكر حكمتيار كل من شارك في الاحتجاج ضد هذه الجريمة، وأكّد على المطالبة بقطع الروابط الدبلوماسية مع الدانمارك ومقاطعة المنتجات الأوروبية.
وأثنى حكمتيار بشكل خاص على الأفغان الذين تظاهروا في عديد من المدن دفاعًا عن دينهم ونبيهم، وطالب بطرد القوات الأجنبية من أفغانستان.
واستاء حكمتيار من قيام القوات الأفغانية بإطلاق النار على المتظاهرين، غير أنه لم يستغرب صدور هذا الأمر ممن تدربوا على أيدي أعداء أفغانستان.
===================
( خصائص النبي صلى الله عليه وسلم )
عناصر الموضوع :
1. بعض من ألّف في خصائصه صلى الله عليه وسلم
2. خصائصه صلى الله عليه وسلم في الدنيا
3. خصائصه صلى الله عليه وسلم في الآخرة
4. خصائصه في أمته صلى الله عليه وسلم
5. خصائصه صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور والأحكام
6. الأسئلة
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم:(12/325)
لقد ميز الله سبحانه وتعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وكرَّمه، وخصه بأشياء دون غيره من الأنبياء، فله صلى الله عليه وسلم خصائص لذاته في الدنيا، وله خصائص لذاته في الآخرة، وله خصائص في أمته في الدنيا والآخرة، ومن أجل ذلك جاءت هذه المادة مبينة وموضحة لبعض هذه الخصائص.
بعض من ألّف في خصائصه صلى الله عليه وسلم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد: فحديثنا في هذه الليلة بمشيئة الله تعالى عن خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن معرفة ما يتعلق به واجب علينا، وأن نعرف له حقه، وأن نعرف منزلته وقدره، ومن معرفة منزلته وقدره عليه الصلاة والسلام أن نعرف خصائصه صلى الله عليه وسلم، وذلك كله داخل في إيماننا بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فخصائصه عليه الصلاة والسلام: ما اختصه الله بها وفضله على سائر الأنبياء والخلق. والخصائص النبوية موضوع قد اعتنى به العلماء من أهميته، فتناولوه بحثاً وتأليفاً، وذكروا ما انفرد به عليه الصلاة والسلام عن إخوانه الأنبياء والمرسلين، كما ذكروا ما انفرد به عن سائر أمته، وممن ألف في هذا: الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى في كتابه بداية السول في تفضيل الرسول ، وكذلك الإمام ابن الملقن رحمه الله في كتابه خصائص أفضل المخلوقين ، ومنهم من أدرج الخصائص في مؤلف من المؤلفات التي كتبها، مثل الحافظ الإمام أبي نعيم الأصفهاني رحمه الله في كتاب دلائل النبوة ، و الحافظ البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوة ، والحافظ القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفاء في التعريف بحقوق المصطفى ، وكذلك ابن الجوزي رحمه الله في الوفاء لأحوال المصطفى ، وكذلك ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية و الفصول في سيرة الرسول ، وكذلك النووي رحمه الله في تهذيب الأسماء واللغات . كل هؤلاء العلماء وغيرهم قد جعلوا أبواباً في مصنفاتهم عن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الخصائص التي معرفتها تزيده عليه الصلاة والسلام في أعيننا قدرا،ً وتجعلنا نحبه ونعرف منزلته أكثر، وتجعلنا نزداد به إيماناً، ونزداد له تبجيلاً، ونزداد له شوقاً ويقيناً صلى الله عليه وسلم، لأن من واجباتنا أن نعرف أحوال نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن كمال الإيمان والتصديق به أن نعرف له من الخصائص والميزات عليه الصلاة والسلام. إن هذه الخصائص-أيها الإخوة!- منها ما اختص به عليه الصلاة والسلام في ذاته في الدنيا، ومنها ما اختص به في ذاته في الآخرة، ومنها ما اختصت به أمته في الدنيا، ومنها ما اختصت به أمته في الآخرة.
خصائصه صلى الله عليه وسلم في الدنيا:
فنريد أن نتناول شيئاً مما اختص به عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة:(12/326)
أخذ الله العهد من الأنبياء والمرسلين باتباع النبي صلى الله عليه وسلم إذا ظهر فيهم فمن خصائصه عليه الصلاة والسلام، وهي خاصية عجيبة: أن الله عز وجل قد أخذ العهد والميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام، أنه إذا ظهر النبي صلى الله عليه وسلم في عهده وبعث أنه سيؤمن به ويتبعه، ولا تمنعه نبوته من أن يتابع نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبد الله فيهم أن يتابعوه عليه الصلاة والسلام، لا يتبعون نبيهم بل يتبعون محمداً عليه الصلاة والسلام إذا ظهر فيهم، والدليل على ذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] من هو هذا الرسول؟ هو محمد عليه الصلاة والسلام، قال: قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81] ميثاق مأخوذ على جميع الأنبياء وعلى جميع الأمم، أن محمداً عليه الصلاة والسلام إذا بعث فيهم أن يتبعوه وأن يؤمنوا به وأن ينصروه، وقال علي رضي الله تعالى عنه: [ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاقاً لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته] أمر كل نبي أن يأخذ الميثاق على أمته، لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، ولذلك لما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب وقال: (أمتهوكون فيها يا بن الخطاب ...) التهوك: الوقوع في الأمر بغير روية، وهو التحير أيضاً: (أمتهوكون فيها يا بن الخطاب ، والذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى -صلى الله عليه وسلم- كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني) رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني . فإذاً: محمد عليه الصلاة والسلام لو وجد في أي عصر لكانت طاعته مقدمة، والإيمان به مقدماً، ومتابعته مقدمة.
عمومية رسالته صلى الله عليه وسلم:(12/327)
ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام: أن رسالته عامة لجميع البشر، فقد كان الأنبياء والرسل يبعثون إلى أقوامهم خاصة، كل نبي إلى قومه خاصة، كما قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ [نوح:1] .. وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً [الأعراف:65] .. وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً [الأعراف:73] .. وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [الأعراف:80] .. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً [الأعراف:85] وأما النبي عليه الصلاة والسلام فقد قال الله تعالى في شأنه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ:28] .. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158] فإذاً: لو قال يهودي أو نصراني في هذا الزمان ليس محمد بنبينا، نبينا موسى، نقول: نبيك محمد رغماً عنك، نبيك محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجب عليك أن تؤمن به: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1] .. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] قال العز بن عبد السلام رحمه الله: ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى أرسل كل نبي إلى قومه خاصة وأرسل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس، ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته، ولنبينا صلى الله عليه وسلم ثواب التبليغ إلى كل من أرسل إليه، فإذاً النبي عليه الصلاة والسلام له أجر كل الإنس الذين اتبعوه، وله أجر كل الجن الذين اتبعوه إلى قيام الساعة، ولذلك فهو أكثر الأنبياء أجراً، ولا يوجد لواحد من الأنبياء أتباع مثل أتباع نبينا عليه الصلاة والسلام، فهو أكثر الأنبياء أتباعاً على الإطلاق. والدليل على أن اليهود والنصارى في زماننا هذا مخاطبون بالإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام واتباعه، وأن من لم يؤمن بنبينا من اليهود والنصارى وغيرهم من الهندوس والسيخ والمجوس وسائر الكفرة أنه في النار، قوله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني) والمقصود بالأمة أمة الدعوة، واليهود والنصارى داخلون في أمة الدعوة لا أمة الإجابة الذين استجابوا له عليه الصلاة والسلام، فقوله: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة -وهي أمة الدعوة يعني: الذين أرسل إليهم، كل العالم- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم رحمه الله في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، ومنها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)، وفي رواية: (كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود) رواهما مسلم رحمه الله، حتى الجن: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29] ينذرونهم عذاب الله، ويخوفونهم ما سمعوا. فإذاً: الرسل من الإنس والجن منهم دعاة إلى قومهم، والرسل من الإنس، والجني يمكن أن يسمع الإنسي، وأن يسمع كلام النبي عليه الصلاة والسلام، بخلاف الإنسي فإنه ربما لا يتمكن من سماع الجني لو كان الرسول من الجن؛ ولذلك كان الرسل من الإنس، والجن منهم دعاة ومنذرون، فهؤلاء الجن الذين سمعوا القرآن يتلى منه عليه الصلاة والسلام، ولوا إلى قومهم منذرين، وهذه آية في كتاب الله تتعلق بالموضوع، فيها بشارة وبيان ميزة للنبي عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً [الفرقان:51] فهذه منة من الله على النبي عليه الصلاة والسلام، يقول له: لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً لكن مننا عليك وبعثناك لكل القرى نذيراً وبشيراً فصار تابعوك من كل القرى، المؤمنون لك مثل أجرهم، وأنت رسول إليهم جميعاً، فلم نبعث بعدك ولا معك رسلاً إلى الأقوام الآخرين وإلى غير العرب، بل بعثناك للجميع: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً [الفرقان:51] فهذا وجه التمنن، أنه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أجر إنذاره لأهل قريته، مكة ، أو للعرب لكنه بعثه للجميع. وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: [إن الله فضل محمداً صلى الله عليه وسلم على الأنبياء وعلى أهل السماء، فقالوا: يا بن عباس بم فضله على أهل السماء؟ قال: إن الله قال لأهل السماء: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء:29]، وقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] قالوا: يا بن عباس(12/328)
فما فضله على الأنبياء؟ قال: قال الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] وقال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28] -فأرسله إلى الجن والإنس-].
النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين:
من خصائصه عليه الصلاة والسلام أن الله ختم به الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده فهو آخر نبي، وأكمل به الدين، وأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، فمن ادعى الرسالة بعده فهو كذاب أفاك دجال: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] فإذا جاء غلام أحمد القادياني وقال: أنا نبي، وإذا جاء بهاء الله ، زعيم البهائية وقال: أنا نبي، وإذا جاء أي واحد دجال كذاب في هذا الزمان أو في غيره وقال: أنا نبي، فنقول: أنت كذاب لأن الله قال: (( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] فليس بعده نبي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة) القطعة من الطين التي تعجن وتعد للبناء، ويقال لها إن لم تحرق لبنةً، وإذا أحرقت صارت آجرة، الآجر: هو اللبن المحروق، (إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به- بهذا البيت- ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة) ما بقي لإكمال البناء إلا هذه اللبنة، لو جاءت هذه اللبنة كان ما أحسن هذا البيت، فالبيت كامل كله إلا أن اللبنة تنقصه (قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين) رواه البخاري رحمه الله. ولذلك يوم القيامة لما يفزع الناس إلى الأنبياء، آخر واحد عيسى عليه السلام فيردهم إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فيأتي الناس إلى محمد، يقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم النبيين، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (فضلت على الأنبياء بست- ومنها- وخُتم بي النبيون)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي، فشق ذلك على الناس، قال: ولكن المبشرات) يعني: بقي المبشرات، صحيح أن النبوة انتهت الآن فلا يأتي نبي، لكن بقي المبشرات (قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وهو في صحيح الجامع. وهذا يدل على أن الرؤيا الصالحة الباقية التي قد يكون فيها إنذار من شيء خطير أو تبشير ببشرى لمؤمن يراها أو ترى له حق، حيث أن النبوة فيها وحي وإخبار عن الغيب، واشتركت الرؤيا مع النبوة في مسألة الإشعار بشيء قد يحدث في المستقبل، ولذلك كانت الرؤيا جزءاً من النبوة، وإلا فهناك فرق كبير بين الرؤيا والنبوة لا شك في هذا، ولكن لماذا كانت الرؤيا جزءاً من النبوة؟ ما هو وجه الاشتراك بين الرؤيا والنبوة؟ في النبوة إخبار عن المغيبات والأشياء المستقبلية، وكذلك البشارات والإنذارات، وقد يكون في بعض الرؤى الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له إنذار من شيء سيحدث، أو بشارة لشخص، فلذلك كانت جزءاً من النبوة، والنبي صلى الله عليه وسلم من أسمائه التي أخبر عنها، قال: (وأنا العاقب -والعاقب: فسره، قال:- الذي ليس بعده أحد) رواه البخاري ، فليس بعده نبي، وقال صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء) رواه البخاري . والنبي صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة إلى العالمين: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] وهو عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رءوف رحيم.
النبي صلى الله عليه وسلم أمنة لأصحابه:(12/329)
من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه أمنة لأصحابه، أمنة: أمان لأصحابه، أكرمه الله تعالى، وأكرم أصحابه بأن جعل وجوده بينهم أماناً لهم من العذاب، بخلاف الأمم السابقة، فقوم نوح ماذا حصل لهم؟ عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم هود عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم صالح عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم شعيب عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، أما النبي عليه الصلاة والسلام من خصائصه أن وجوده عليه الصلاة والسلام في أمته أمان لهم من الفناء والعذاب، فلا يأتي عذاب عام فيهلكهم، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33] مع أنهم يستحقون العذاب، فهم كفرة مشركون، كفار قريش متجبرون طغاة، ومع ذلك قال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33]، وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام رفع رأسه مرة إلى السماء بعدما صلى بالقوم المغرب، جلس وسألهم ما الذي أجلسهم، قال: ما زلتم هاهنا، قالوا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء -ينتظرون الصلاة بعد الصلاة رباط في سبيل الله- قال: أحسنتم أو أصبتم، فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، وهذا في غير الصلاة، فقال: (النجوم أمنة للسماء) فما دامت النجوم باقية فالسماوات باقية، يوم القيامة إذا النجوم انكدرت وتناثرت فاعلم أن السماء ستتشقق وستذهب، وتنفطر وتزول، فإذا كانت النجوم موجودة فالسماء بخير وموجودة، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت، فاعلم أن السماء ستذهب (وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي -من البدع- فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون -من التفرق وانفتاح باب البدعة-) رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه .
لم يقسم الله بنبي غيره صلى الله عليه وسلم:
من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أن الله أقسم به ولم يقسم بنبي غيره، فقال عز وجل: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] فأقسم الله بالنبي عليه الصلاة والسلام في قوله لعمرك، ومعنى لعمر: قسم بحياته عليه الصلاة والسلام، يقسم بعمره وحياته وبقائه، فكأنه يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا، لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72].
إقسام الله بحياة النبي صلى الله عليه وسلم:
من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أن الله أقسم بحياته والله يقسم بما يشاء من خلقه، ولكن المخلوقين لا يجوز أن يقسموا إلا بالخالق، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، فالإقسام بحياته عليه الصلاة والسلام يدل على شرف حياته وعزتها، ونفاستها ومنزلتها عند المقسم بها وهو الله تعالى.
مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة لا باسمه صلى الله عليه وسلم :(12/330)
ثم لاحظ أيضاً من الخصائص النبوية: أن الله تعالى خاطب الأنبياء بأسمائهم، ولم يخاطب نبينا عليه الصلاة والسلام باسمه، يناديهم بأسمائهم، فقال: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35].. قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48] .. قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [الأعراف:144] .. ... يا إبراهيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات:104-105] .. يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ [المائدة:110] في آيات كثيرة، وأما نبينا عليه الصلاة والسلام فلم يناده ربه ولا مرة: ( يا محمد! ) لكنه ناداه وخاطبه بالنبوة والرسالة، فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ [المائدة:41]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] فزيادة في التشريف والتكريم له خاطبه بالنبوة والرسالة، وبقية الأنبياء خاطبهم بأسمائهم، ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دعا أحد عبيده بأفضل ما وجد من الأوصاف العلية والأخلاق السمية، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام، فإن الذين دعوا بالوصف أعلى منزلة من الذين دعوا بالاسم، فلو قال مثلاً وهو يخاطب أحد عبيده: يا أيها الأمين، يا أيها الذكي، يا أيها الخبير، غير ما يقول مثلاً: يا مرجان، يا فلان، فإذاًَ الله سبحانه وتعالى خاطبه بمقام الرسالة، وخاطبه بمقام النبوة، ولما ذكر اسمه في القرآن قرنه بذلك: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29] .. وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [محمد:2] .. وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ [آل عمران:144] فهو ليس نداءً وخطاباً، وإنما لما ذكر اسمه قرنه بالنبوة والرسالة. ثم من أمر الأمة لتوقيره عليه الصلاة والسلام: أن الله نهى المؤمنين أن يخاطبوه باسمه، قال سبحانه وتعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63] بينما بنو إسرائيل: قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138] .. إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:112] لكن الصحابة لا يمكن أن ينادوا النبي عليه الصلاة والسلام باسمه، إنما يقولون: يا رسول الله! يا نبي الله!
النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم:
وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم، وتضمن كلامه الحكم البالغة، والمعاني العظيمة في الألفاظ القليلة، والعبارات اليسيرة، ولذلك عندما يقول العلماء مثلاً: (إنما الأعمال بالنيات) .. (ودع ما يريبك إلى مالا يريبك) يقول: هذه ربع العلم، هذه ثلث العلم، هذه عبارات جامعة، (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) عبارات جامعة، فصاحة لا توازى، وبلاغة لا تبارى.
النبي صلى الله عليه وسلم نُصَِر بالرعب:
ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه نصر بالرعب وهو: الفزع والخوف يلقيه الله في قلوب أعدائه والنبي عليه الصلاة والسلام متجه إليهم، أو ينوي أن يتوجه إليهم، فيخافونه وهو على بعد شهر، وعلى بعد شهر يلقى الرعب في قلوبهم، فلا يملكون لأنفسهم استعداداً أو منعة منه، وإنما تنحل عزائمهم، وينفرط أمرهم، ويخافون غاية الخوف، فقال عليه الصلاة والسلام: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر ... الحديث) رواه البخاري رحمه الله.
النبي صلى الله عليه وسلم أعطي مفاتيح خزائن الأرض:
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله مفاتيح خزائن الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام في خصائصه: (... أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي ...) وليست كل البلدان فتحت في وقته عليه الصلاة والسلام، لكن بعد وفاته عليه الصلاة والسلام أكمل المشوار وأكمل الطريق وأكمل الاستيلاء على الخزائن أصحابه، ولذلك قال أبو هريرة بعدما ذكر الحديث، قال: (... وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تمتثلونها -يعني: تستخرجونها-) رواه البخاري . وقال عليه الصلاة والسلام: (... وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ...)والكنز الأحمر: الذهب، والأبيض: الفضة، لأن أكثر مال الروم كان فضة، وأكثر مال الفرس كان ذهباً، فقال لهم: إن بلاد الفرس والروم ستسقط.
النبي صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر:(12/331)
وهو عليه الصلاة والسلام الوحيد الذي أخبر بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كل الأنبياء يوم القيامة يقولون: نفسي نفسي، كل واحد يذكر ذنباً؛ آدم يذكر خطيئته، ونوح يذكر دعوته على قومه، وموسى يقول: قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، وإبراهيم يقول: كذبت ثلاث كذبات، أما النبي عليه الصلاة والسلام فلا يقول شيئاً لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] ولم ينقل أن الله أخبر أحداً من أنبيائه بمثل ذلك، بل ظاهر قولهم في الحديث: نفسي نفسي، أنهم ليس عندهم مثلما للنبي صلى الله عليه وسلم: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:2-3] فالناس يوم القيامة يذهبون إليه عليه الصلاة والسلام، يقولون: (يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ...) لماذا؟ لأن عيسى بن مريم لما حولهم قال لهم: (لست مناكم ولكن اذهبوا إلى محمد فهو عبد قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) والحديث في البخاري .
حفظ الكتاب الذي أنزل عليه صلى الله عليه وسلم:
ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام وهي خصيصة مهمة جداً جداً، متعلقة بنا نحن اليوم: أن كتابه محفوظ فقد أعطى الله كل نبي من الأنبياء من الآيات والمعجزات حجة له على قومه وبرهاناً على صحة ما جاء به، وأنه نبي، وكان معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم الكبرى هي القرآن الكريم، فمن خصائصه عليه الصلاة والسلام أن معجزته باقية، وأما معجزات الأنبياء كلها قد تصرمت وانقرضت وبقيت معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم، حتى التوراة والإنجيل تحرفت وتغيرت وتبدلت، أما كتاب هذه الأمة، قال الله فيه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .. وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42]، قال عليه الصلاة والسلام: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر) أعطي معجزات من أجل أن يؤمن البشر حتى لا يقولوا: وما أدرانا أنك نبي، أثبت لنا أنك نبي، فيقول: هذه ناقة الله لكم آية، ويقول هود: فكيدوني جميعاً، كيدوني ولن تستطيعوا أن تفعلوا لي شيئاً، وهذا موسى ألقى العصا وأخرج يده بيضاء، وهذا عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويخبرهم بما يدخرون في بيوتهم، يقول: في بيتك رز، في بيتك عدس، في بيتك سكر، في بيتك كذا، يخبرهم بما يدخرون في بيوتهم، ونبينا عليه الصلاة والسلام له معجزات، أهم معجزة: هي القرآن الكريم، معجزة باقية لا تغيير ولا تبديل فيها. وهذه قصة عجيبة: قال يحيى بن أكثم : دخل يهودي على الخليفة المأمون فتكلم فأحسن الكلام، فدعاه المأمون إلى الإسلام، فأبى اليهودي، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً، فتكلم في الفقه فأحسن الكلام، فقال له المأمون : ما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك -أنا لما خرجت من عندك- قبل سنة وأحببت أن أمتحن هذه الأديان، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني -راجت واشتروها آل يهود، اشتروها بسرعة- وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني -راجت ونفقت مع أنها محرفة، هو بنفسه حرفها- وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها على الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها ولم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي، قال يحيى بن أكثم : فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة في الحج، فذكرت له القصة، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله تعالى، قلت: في أي موضع، قال: في قوله تعالى في التوراة والإنجيل: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة:44] فجعل حفظه إليهم -إلى الأحبار والرهبان- فضاع، وقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فجعل حفظه إليه: فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع.
الإسراء والمعراج:(12/332)
من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم: الإسراء والمعراج، وتحضير الأنبياء له في السماوات يستقبلونه، وأنه عليه الصلاة والسلام أَمَّهم جميعاً فكانوا وراءه، هو الإمام وهم المأمومون، والدليل على ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتني في حجر-بعد ما رجع في حجر- وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها) -يعني: أنا لما كنت في بيت المقدس ما حفظت التفاصيل سألوني عنها بعدما رجعت- (فكربت كربة ما كربت مثلها، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه) -أنقذ الله نبيه ورفع له بيت المقدس أمامه وهو في مكة ، أمامه ينظر إليه وعن أي شيء يسألونه يعطيهم التفاصيل، فهو يراه وهم لا يرونه، وهم يسألونه وهو يجيب من الواقع حياً على الهواء- (ما يسألوني شيئاً إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي فوصفه ثم قال: فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار -فسلم عليه- فالتفت إليه فبدأني بالسلام) رواه مسلم رحمه الله.
خصائصه صلى الله عليه وسلم في الآخرة:
النبي صلى الله عليه وسلم له الوسيلة والفضيلة:
من خصائص نبينا عليه الصلاة والسلام: أن له الوسيلة والفضيلة، فالوسيلة الراجح أنها هي منزل النبي عليه الصلاة والسلام في الجنة، وهي داره، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش، قمة الجنة هي الوسيلة، درجة في الجنة لا ينالها إلا واحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها غيره، من قال حين يسمع النداء: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري ، وفي حديث آخر قال: (ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) رواه مسلم ، وفي رواية لأحمد وهي في صحيح الجامع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة). الوسيلة حاصلة للنبي عليه الصلاة والسلام فنحن لماذا ندعو؟ نحن ندعو أن يؤتيه الله الوسيلة حتى نستفيد نحن وننال الشفاعة؛ لأن من سأل له الوسيلة حلت له الشفاعة، فإذا أردت يا عبد الله! أن تنال شفاعة رسول الله فسل الله الوسيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نحن نقول هذا الذكر من الأذكار بعد الأذان: (آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً) وهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام الأخرى: المقام المحمود.
النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب المقام المحمود:(12/333)
والمقام المحمود: الشفاعة: وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً [الإسراء:79] قال ابن جرير الطبري رحمه الله: أكثر أهل العلم على أن ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم، لأن الناس يكربون يوم القيامة كربة عظيمة حتى يتمنى الكفار الانفكاك من الموقف ولو إلى النار، ولأن الشمس دنت من رءوس العباد فصهروا في عرقهم، وهم قيام على أرجلهم، وخمسون ألف سنة، فيتمنون الفكاك ولو إلى النار، والناس يفزعون يريدون الفكاك، يطوفون على الأنبياء واحداً واحداً لينفرج الموقف ولتنفك الأزمة، كل يحولهم، حتى يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم ويستأذن على ربه ويدخل عليه ويسجد تحت العرش السجدة الطويلة التي يفتح الله عليه فيها بمحامد وأدعية لا نعرفها، ثم يقول: ( يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع )، فيعطى الشفاعة في أهل الموقف، فيبدأ الحساب وتنفك أزمة الموقف، ثم تبدأ قضية أخرى وهي قضية الحساب، ويقضي الله تعالى بين الخلق، ويأتي الله تعالى بكرسيه لفصل القضاء بين الخلق، والناس جثي، كل أمة جاثية، كل أمة تتبع نبيها، فهذا المقام المحمود يحمده عليه كل الخلق لأنه سبب فك الأزمة وانفضاض الناس من الموقف للحساب، وله عليه الصلاة والسلام في هذا الموطن شفاعات متعددة: شفاعة في استفتاح باب الجنة، وشفاعة في تقديم من لا حساب عليه لدخول الجنة، وشفاعة في ناس من الموحدين عندهم معاصٍ وذنوب، استحقوا دخول النار ألا يدخلوها، وشفاعة في ناس موحدين دخلوا النار أن يخرجوا منها، وشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة، وشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب . فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يستفتح باب الجنة فيشفع لهم عند الله تبارك وتعالى، فيدخل ويدخلون وراءه، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي يشفع لمن لا حساب عليه من أمته كما جاء في الحديث بعد ما ينادي: يا رب! يا رب! أمتي يا رب! فيقول: (يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب) رواه البخاري . ثم إن له في عمه أبي طالب موقفاً، تكريماً للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أخو أبي طالب ، فالعباس أسلم وكان قلقاً على مصير أخيه أبي طالب ، فقال: (يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشيء؟) أبو طالب مات كافراً وسيدخل النار قطعاً، فحق وعيد (هل نفعت أبا طالب بشيء؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك-كان يصونك ويحافظ عليك، ويذب عنك وينافح- قال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم نفعته، هو في ضحضاح من نار-ضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض فاستعير في النار، فقال: هو في ضحضاح من نار- ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) رواه مسلم ، وفي رواية: أن العباس عم النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (يا رسول الله! إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح) ومعنى الغمرات: المعظم من الشيء الكبير، لكن هذا الضحضاح ليس بنعيم إطلاقاً، فإن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، قال أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذُكِر عنده عمه أبو طالب ، فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه) رواه البخاري ، (أهون أهل النار عذاباً أبو طالب ، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه) رواه مسلم . فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا من النار، وأن يقينا عذاب النار. وللنبي عليه الصلاة والسلام دعوة مستجابة خبأها لأمته من كمال شفقته عليهم، ورأفته بهم، واعتنائه بمصالحهم، وقيل: الدعوة هذه هي الشفاعة المعطاة للنبي صلى الله عليه وسلم.
خصائصه في أمته صلى الله عليه وسلم :
لقد كانت للنبي عليه الصلاة والسلام خصائص في أمته، فجعلت أمته خير الأمم، وأحلت الغنائم لهم، وكانت الغنائم من قبل تأتي النار من السماء فتأكلها، وجعلت الأرض لهم مسجداً وطهوراً، ووضع عنهم الآصار والأغلال، وهداهم الله إلى يوم الجمعة، وتجاوز له عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وحفظهم من الهلاك والاستئصال، فلا يمكن أن ينزل بأمة محمد صلى الله عليه وسلم عذاب يفنيهم تماماً، ولا يمكن أن يُسلط عليهم عدو يستبيح بيضتهم كلهم إطلاقاً، ولا تجتمع أمته على ضلالة، وهم شهداء الله في أرضه، وشهداء للأنبياء يوم القيامة، وصفوفهم كصفوف الملائكة في الصلاة، وهم غر محجلون يوم القيامة؛ بياض في جباههم ومواضع الوضوء منهم، وأول من يجتاز على الصراط أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو أمامهم، وأول أمة تدخل الجنة وهو أولهم، وأن عملهم قليل وأجرهم كثير؛ فأعمارنا بالنسبة لأعمار بقية الأمم أقل، ولكن من يدخل الجنة من هذه الأمة أكثر، ثلثا أهل الجنة من هذه الأمة.(12/334)
خصائصه صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور والأحكام:
لقد كان للنبي عليه الصلاة والسلام خصائص في بعض الأحكام، فمثلاً:
لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أخذ شيء من الزكاة أو الصدقة
لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة ولا من الصدقة؛ لأن هذه أوساخ الناس، ولا تليق بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما رأى في يد الحسن تمرة من تمر الصدقة قال له: (كخ .. كخ .. أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) وكان يأكل الهدية عليه الصلاة والسلام.
يحرم عليه صلى الله عليه وسلم إمساك أي امرأة لا تريده:
ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه يحرم عليه إمساك أي امرأة لا تريده، إذا أرادت أي امرأة فراقه يجب عليه أن يمكنها من الفراق، بينما بقية الرجال لا يلزم أحدهم إذا كرهته زوجته أن يطلقها، لكن النبي عليه الصلاة والسلام ملزم، ولذلك جاء في صحيح البخاري أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (إن ابنت الجوني -هذه بنت من ملوك العرب كانت جميلة جداً جداً- خطبها النبي عليه الصلاة والسلام وتزوجها ولما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك) المرأة نفرت ثم ندمت ندماً لا يوصف، لكن هذا الذي حصل، فأول ما دخل عليها قالت: (أعوذ بالله منك، فقال لها: لقد عذتِ بعظيم .. الحقي بأهلك) رواه البخاري . فحرِّم عليه نكاح كل امرأة كرهت صحبته، ولاشك أن المرأة هذه ليست بمستوى أن تكون من أمهات المؤمنين، ولذلك ما أكملت الطريق وأخرجت من الحسبة.
لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم التراجع عن قرار الحرب:
والنبي عليه الصلاة والسلام إذا لبس لباس الحرب لا يمكن أن يخلعه ولا يمكن أن يتراجع في قرار الحرب، إذا اتخذ قرار الحرب ولبس اللأمة لابد من إكمال المشوار.
ليس للنبي صلى الله عليه وسلم خائنة الأعين:
إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له خائنة الأعين، بمعنى أنه لا يجوز له ولا يليق بمقامه أن يشير بعينه إشارة خفية ولو إلى شيء مباح، مثل قتل شخص مهدور الدم، ولذلك لما أهدر النبي عليه الصلاة والسلام دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، لأنه كان ممن أنشد الشعر في سب النبي عليه الصلاة والسلام، فأي واحد سب النبي عليه الصلاة والسلام يقتل مباشرة، وقد أهدر النبي عليه الصلاة والسلام دم نفر من المشركين يوم فتح مكة ، ومن الناس الذين أهدر دمهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عبد الله بن سعد بن أبي سرح توجه إلى عثمان أخيه من الرضاعة واختفى عنده، فلما دعا النبي عليه الصلاة والسلام الناس إلى البيعة جاء عثمان بابن أبي سرح حتى أوقفه عند النبي عليه الصلاة والسلام، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاث مرات، ابن أبي سرح يطلب البيعة والنبي عليه الصلاة والسلام يأبى، ابن أبي السرح يطلب البيعة والنبي عليه الصلاة والسلام يأبى، ثم بعد الثلاث بايعه، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله) أليس فيكم واحد فهمها وقام وقتله؛ لأن هذا حكمه القتل، أي شخص يسب النبي عليه الصلاة والسلام يقتل مباشرة (فقالوا: ما ندري يا رسول الله! ما في نفسك -ما أدرانا أن هذه رغبتك- ألا أومأت إلينا بعينك -يعني: إشارة ونحن نقضي عليه- قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) رواه أبو داود وغيره، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التلخيص : إسناده صالح.
النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولا يقول الشعر:
من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة إطلاقاً، كما أن الله سبحانه وتعالى وصفه بقوله: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت:48] لا قراءة ولا كتابة، لماذا؟ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] لو أنك قارئ وكاتب لقالوا: هذا القرآن من الثقافات التي اطلع عليها وقرأها وتعلمها من الكتب، ثم جاء وكتب لنا هذا القرآن، فقال: أنت معروف من أول أمرك، لا قراءة ولا كتابة، فأنت أمي؛ لأن هذا يكون أبلغ، حتى القرآن لا يمكن لأحد أن يقول: تعلمه من غيره، وأنه كان يقرأ كتب ثقافات، فهو لا يعرف القراءة أصلاً، لا يوجد إلا مصدر واحد هو: الوحي، من أين تجيئه هذه الأخبار؟ أخبار السابقين بهذه التفصيلات، لا يعرف يقرأ ولا يكتب، فهذه ليست منقصة بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام، بل بالعكس هي في حقه كمال، فلو كان يعرف القراءة والكتابة، كان فتح باباً كبيراً للافتراء عليه. وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام لا يقول الشعر: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] فهو لم يكن عالماً لا بصنوفه ولا بأنواعه، ولذلك لما أراد أن يستشهد ببيت كَسَّره وقدَّم وأخر، ولما قال شيئاً قال رجزاً يسيراً، وشعراً غير مقصود، وشيئاً أتى وجرى على اللسان من غير قصد، مثل قوله:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب(12/335)
هذا من بحور الشعر وليس من القصائد، وإذا جاء ببيت أو بيتين من أبيات غيره كسرها وكسر الوزن: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69].
للنبي صلى الله عليه وسلم الوصال في الصيام:
النبي عليه الصلاة والسلام أبيح له الوصال في الصيام، يوالي الصيام ونحن لا نوالي، هذه من خصائصه، يختلف عنا فيها.
للنبي صلى الله عليه وسلم التزوج بدون ولي ولا شهود:
يتزوج عليه الصلاة والسلام من غير ولي ولا شهود، كما حصل أن الله سبحانه وتعالى زوجه زينب بنت جحش من غير ولي ولا شهود، نزل العقد من السماء، كانت زينب رضي الله عنها تفخر على أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، تقول: [زوجكن أهليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات] رواه البخاري.
للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع أكثر من أربع نسوة:
يجوز للنبي عليه الصلاة والسلام أن يجمع أكثر من أربع نسوة ونحن لا يجوز لنا أن نزيد على أربع، وفي ذلك فوائد كثيرة، منها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة، فعنده نساء متعددات وتتشرف قبائل العرب بمصاهرته ويزيد ذلك في تأليفهم، وتكثر عشيرته من جهة نسائه فيزداد أعوانه ويحاربون معه وينصرون الدين، وكذلك نقل الأحكام الشرعية من جهة عدد أكبر من النساء، لأن بعض الأشياء لا يطلع عليها إلا الزوجات، كبعض الأشياء الداخلية في البيوت، وصار عندنا عدد من أمهات المؤمنين، كذلك ألف الله قلوب أعدائه من بعض هذه الزواجات: أم حبيبة أبوها كان من أعدائه، و صفية ألف الله قلبها على الإسلام، وهكذا حصلت من البركة في زواجه عليه الصلاة والسلام.
أحل للنبي صلى الله عليه وسلم القتال في مكة ساعة من نهار:
أحل له القتال في مكة ساعة من نهار فقط، ولم يحل لأحد آخر غيره، ولا يجوز القتال في مكة إطلاقاً، إلا النبي عليه الصلاة والسلام أحلت له ساعة كسر بها الشرك ودمر بها الأوثان والأصنام. وعصمه الله سبحانه وتعالى، فلا يقول الباطل وكل من استهان به عليه الصلاة والسلام أو سبه فإنه يكفر مباشرة وعقوبته القتل، ومن الأحكام التي قد يستغربها بعض الناس، لكن هذا هو الراجح: أن الذي يسب النبي عليه الصلاة والسلام يقتل ولو تاب، بينما الذي يسب الله تعالى إذا تاب انتهى، يعفى عنه لماذا؟ لأن الله غفور رحيم، والله سبحانه وتعالى بيَّن أن من أخطأ في حقه تعالى ثم تاب فإنه يغفر له، لكن الذي يسب النبي عليه الصلاة والسلام جاءت النصوص بقتله، فعرفنا الآن أن هناك حداً شرعياً في كل من يسب النبي عليه الصلاة والسلام وهو القتل، من الذي يملك إسقاط الحد هذا؟ هو عليه الصلاة والسلام، إذا تنازل سقط الحد، أما إذا لم يتنازل فيقام الحد، فلو أن واحداً جاء وسب النبي عليه الصلاة والسلام في حياته عليه الصلاة والسلام، مثل ابن أبي سرح فإن النبي عليه الصلاة والسلام سكت عن حقه وبايعه، فابن أبي سرح تُرك، أما غيره كثير قد قتلوا، أرسل لهم من يغتالهم في بيوتهم، وعلى فرشهم، وبين زوجاتهم، وخارج حصونهم، والأعمى في المدينة كانت له أمة تخدمه وتحوطه وترعاه لكنها كانت تسب النبي عليه الصلاة والسلام فقتلها هذا الأعمى، وأهدر النبي عليه الصلاة والسلام دمها، والآن بعد ممات النبي عليه الصلاة والسلام لو جاء واحد وسب النبي عليه الصلاة والسلام يترتب عليه أمران: أولاً: انتهاك حق الله تعالى؛ لأنه عصى الله، وهذا معروف، وهذا يمكن أن يستدرك بالتوبة. ثانياً: انتهاك حرمة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا حده القتل، إلا إذا تنازل النبي عليه الصلاة والسلام، وبما أنه قد مات عليه الصلاة والسلام فلابد من إقامة الحد، فالذي يسب النبي عليه الصلاة والسلام ويتوب فإن توبته تنفع عند الله، لكن لابد من قتله، هذا هو الراجح في مسألة سابِّ النبي عليه الصلاة والسلام، دمه مهدور مباشرة، ويرفع أمره إلى الحاكم الشرعي ليطبق حد الله فيه، يشهد عليه ويرفع أمره، أي واحد يسب النبي عليه الصلاة والسلام يشهد عليه ويرفع أمره ويبت في قتله.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه وهو يصلي:
ثم إنه عليه الصلاة والسلام من خصائصه: أنه كان يرى من خلفه في الصلاة مع أن وجهه إلى القبلة لكنه يرى الصفوف التي خلفه، ويرى لو أن واحداً متقدم أو متأخر، ولما غشي على أسماء في قصة الكسوف وقامت وأكملت صلاتها بدون وضوء، والعلماء صححوا صلاة من غشي عليه وقام، والغشيان غير الإغماء، فهو درجة أخف، من غشي عليه وقام وأكمل الصلاة صححوا صلاته، بأي شيء؟ لأن أسماء كانت وراء النبي عليه الصلاة والسلام وكان يشاهد من خلفه، وقامت أسماء وأكملت بعد الغشيان من غير وضوء وما أنكر عليها عليه الصلاة والسلام، معناها أن صلاة المغشي عليه إذا غشي عليه وقام صحيحة. وذلك لأنه ليس نوماً وإنما هو دوخة خفيفة يمكن أن نسميها هكذا.
النبي صلى الله عليه وسلم لا يورِّث، وأزواجه لا يجوز الزواج بهن، ولا يتمثل الشيطان به في المنام:(12/336)
النبي عليه الصلاة والسلام لا يورث، وأي مال يتركه فهو لبيت مال المسلمين، وأزواجه لا يجوز الزواج بهن بعد موته بل هن أمهات المؤمنين، ولا يتمثل الشيطان به في المنام.
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على شخص تنقلب رحمة وبركة:
وأخيراً: أي واحد من المسلمين سبه النبي عليه الصلاة والسلام أو شتمه أو دعا عليه فإن هذه الدعوة تنقلب في حق هذا الرجل المدعو عليه رحمة وبركة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لبعض أصحابه أشياء: تربت يمينك، لا كبر سنك، لا أشبع الله بطنه .. كذا .. كذا إلى آخره، فمرة أودع النبي عليه الصلاة والسلام عائشة أسيراً فهرب منها، مع أنها موكلة بحراسته فهرب، فلما علم عليه الصلاة والسلام، قال: (قطع الله يدك -يعني: لماذا لم تنتبهي لهذا الأسير- فقعدت عائشة تنتظر، قال: ما بالك؟ قالت: دعوت علي أن تنقطع يدي، قال: أما علمتِ المسألة التي سألتها ربي أو كما قال عليه الصلاة والسلام قلت: اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر -يعني: أغضب كما يغضب البشر- فأي المؤمنين آذيته -شتمته، أو دعوت عليه، أوجلدته، شرط أن يكون من المؤمنين- فاجعلها له صلاةً وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة) رواه البخاري و مسلم وهذا لفظ مسلم ، يعني: حتى لو سب أحد المسلمين فهو في صالحه، صلى الله وسلم على نبينا محمد، فماذا بقي من شمائل هذا النبي الكريم وكل شمائله -والحمد لله- وخصائصه بركة وخير ورحمة لهذه الأمة؟!! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا شفاعته، وأن يجعلنا من أهل ملته وسنته، وأن يحيينا على سنته ويميتنا عليها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=====================
خطورة الرسوم الكرتونية الدنماركية
جريدة الوطن
بقلم: روبرت فيسك
كاتب بريطاني، خدمة الإندبندنت (خاص "الوطن")
إذا لقد نشروا الآن صوراً كرتونية للنبي محمد وعمامته على شكل قنبلة. تم سحب السفراء من الدنمارك، واحتج السوريون والسعوديون، ودول الخليج تفرغ رفوف مخازنها من المنتجات الدنماركية، ومسلحون في غزة يهددون الاتحاد الأوروبي والصحفيين الأجانب في الدنمارك. يقول رئيس القسم الثقافي في المجلة التي نشرت الرسوم فيلمينج روز إننا نشهد الآن "صراع حضارات" بين الغرب العلماني والمجتمعات الإسلامية. هذا يثبت على ما أعتقد أننا نشهد صبيانية الحضارات.
إذا لنبدأ في قسم الحقائق الداخلية، هذه ليست قضية العلمانية مقابل الإسلام، بالنسبة للمسلمين، النبي هو الرجل الذي استلم كلمات مقدسة من الله، نحن نرى قديسينا وأنبياءنا على أنهم شخصيات تاريخية ربما تتناقض مع تقدمنا التكنولوجي وحريات حقوق الإنسان. لكن الحقيقة هي أن المسلمين يعيشون ديانتهم. نحن لا نفعل ذلك. لقد حافظوا على ديانتهم خلال تقلبات تاريخية كثيرة، نحن فقدنا ديننا منذ أن كتب ماثيو أرنولد عن "زئير البحر الطويل المتراجع"، لذلك نحن نتحدث "الغرب مقابل الإسلام" بدلا من "المسيحية مقابل الإسلام" لأنه لا يوجد في أوروبا الكثير من المسيحيين.
إن بإمكاننا أن نمارس ثقافتنا حول المشاعر الدينية، إنني أتذكر كيف أنه منذ أكثر من عقد من الزمن، ظهر المسيح في أحد الأفلام "آخر إغراءات المسيح" وهو في وضع مشين مع امرأة، في باريس، أضرم أحدهم النار في السينما التي كانت تعرض الفيلم، مما أدى إلى مقتل شاب فرنسي، وأذكر أيضا أن جامعة كبيرة في الولايات المتحدة دعتني لإلقاء كلمة منذ ثلاث سنوات، وفعلت ذلك. كان عنوان المحاضرة "11 سبتمبر 2001: اسألوا من فعل ذلك لكن، بحق السماء لا تسألوا لماذا"، عندما وصلت، وجدت أن مسؤولي الجامعة شطبوا عبارة "بحق السماء" لأنهم لا يريدون أن يسيئوا إلى بعض الحساسيات، حسنا، إذا لدينا بعض "الحساسيات" أيضا.
بعبارة أخرى، فيما ندعي أن المسلمين يجب أن يكونوا علمانيين جيدين عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير - أو رسوم كرتونية رخيصة - نستطيع أن نقلق على من ينتسبون إلى ديانتنا، استمتعت أيضا بادعاءات بعض الساسة الأوروبيين بأنهم لا يستطيعون السيطرة على حرية التعبير أو الصحف، هذا أيضا هراء. لو كان ذلك الرسم للنبي محمد قد أظهر أحد حاخامات اليهود الكبار وقبعته على شكل قنبلة لكان لدينا صرخات بـ"معاداة السامية" في آذاننا، تماما كما نسمع احتجاجات الإسرائيليين حول الرسوم الكاريكاتورية المعادية للسامية في الصحف المصرية، بالإضافة إلى ذلك في بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا يمنع قانونا إنكار المحرقة والمذابح الجماعية. في فرنسا مثلا يمنع أن تقول إن المحرقة اليهودية والمحرقة الأرمنية لم تحدث. إذا من غير المسموح في الواقع الإدلاء ببعض التصريحات في بعض الدول الأوروبية، ما زلت غير متأكد أن هذه القوانين تحقق الغاية منها.(12/337)
النقطة هنا أننا لا نستطيع ممارسة قوانيننا السياسية لمنع الرسوم الكرتونية المعادية للسامية أو لمنع تصريحات الذين ينكرون حدوث المحرقة، وبعد ذلك نبدأ بالصراخ حول العلمانية عندما نكتشف أن المسلمين يعترضون على تصويرنا الاستفزازي والمهين للنبي محمد.
بالنسبة للكثير من المسلمين الرد الإسلامي على هذه القضية القذرة محرج، هناك سبب جيد تماما للاعتقاد بأن المسلمين يرغبون في رؤية بعض عناصر الإصلاح في الدين الإسلامي، لكن هذه الرسوم كانت استفزازية، وهذا ليس الوقت المناسب لإعادة الحياة إلى مقولة صاموئيلي هنتيجدون السخيفة حول "صراع الحضارات"، إيران فيها حكومة دينية مرة أخرى، وكذلك العراق.
في مصر، ربح الإخوان المسلمون 20% من عدد المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحاليا حماس فازت في الانتخابات الفلسطينية، هناك رسالة في كل هذا، أليس كذلك؟ إن سياسات الولايات المتحدة: تغيير الأنظمة، والديمقراطية، في الشرق الأوسط لا تحقق أهدافهم، هؤلاء الملايين من الناخبين كانوا يفضلون الإسلام.
وفي كل الأحوال، فإن المشكلة هي أن هذه الرسوم صورت النبي محمداً وكأنه رجلا عنيفا ، وكذلك فقد صورت الإسلام وكأنه دين عنف، الإسلام ليس كذلك، أم إننا نريد أن نجعله كذلك؟
==================
د عبد المنعم البري الإساءة للرسول دليل عجز أعداء الإسلام
حوار: د. ليلى بيومي / القاهرة 1/1/1427
31/01/2006
مازالت أصداء إساءة بعض الصحف الدانمركية والنرويجية لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- تتوالى، وأخذت الأمة تفوق من سباتها رويداً رويداً لتواجه هذه الحملة الظالمة التي استهدفت الإساءة لسيد ولد آدم وأفضل خلق الله ، خاتم الأنبياء وإمام المرسلين -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وذلك من خلال بيانات الشجب والإدانة ، ومسيرات التنديد والاستهجان - المطالبة بقطع العلاقات مع كل من الدانمارك والنرويج – والتي عمت بلاد المسلمين من ماليزيا شرقا إلى موريتانيا غربا.
في هذه السطور نستضيف د. محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر والأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية ليجيب عن عدة أسئلة حول هذه القضية.
ما تعليق فضيلتكم على الإساءة التي تعرّض لها نبينا الكريم في وسائل الإعلام الدانمركية والنرويجية؟
الإساءة التي تعرّض لها الرسول – صلى الله عليه وسلم – تمس كرامة وشرف كل مؤمن يعتز بصلته بالرسول. ولا شك أنها إساءة بالغة، وهي دليل على العجز والقهر الذي أصاب أعداء الإسلام من ثبات قدمه وقوة حجته وشموخ رايته.
إن ما نسمعه اليوم ثابت في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى مؤكّداً باللام والنون: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران:186]. فما نسمعه اليوم من إساءات وتطاول على رموز الخلود والشرف للإنسانية كلها إنما هو تفسير واقعي لهذه الآية الشريفة وغيرها من الآيات الذي تؤكد هذا المضمون، وهذا المعنى الواقعي المؤسف.
والآية الشريفة تدل على أن مواجهة الإساءة تكون بالصبر والالتزام وتنمية روح الإيمان ومجاهدة النفس لاقتفاء الأثر الخالد لمن تحمّل البلاء قبل أن يودّع الدنيا.
وجدير بالأوفياء أن يستشعروا المسؤولية في مواجهة هذه الجرائم بما يثبت صدق الارتباط بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد – صلى الله عليه وسلم – ولا يكون الرد بمثل ما قالوا، ونحن نستشعر مثل قوله تعالى: (...قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[آل عمران: من الآية119]. والأمل المرجو أن يكون ما نسمعه من بذاءات وإساءات أجراس الإيقاظ لخير أمة أُخرجت للناس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولمواجهة مثل هذه الإساءات فلابد أن يكون هناك إعلام نظيف يعرف من خلاله الناس من هو الرسول، وما هي رسالته، وما دوره وكيف أنقذ الأمة.
مقالة شيخ الأزهر:
ما رأيكم فيما قاله شيخ الأزهر لسفير الدانمارك دفاعاً عن الرسول الكريم من أننا لا يجب أن نهين الأموات؟
بالنسبة لشيخ الأزهر فإن المشاعر الخامدة لا تُكلّف فوق طاقتها، الدفاع غير موفق بالمرة، ولا يصح أن يكون على هذه الصورة المريضة الباهتة التي تفتقد إلى الروح والغيرة والحماسة. وهل ماتت الأمة الإسلامية حتى نقول: إن الرسول لا يستطيع الدفاع عن نفسه لأنه ميت؟ ثم إن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حي في حياتنا بصورة لم تحدث في أي أمة غيرنا. إن هذا النبي الأمي هو الرحمة المهداة للإنسانية جمعاء ، وهو حاضر بهديه الكريم وسنته الشريفة، وبأنه النموذج الأخلاقي الذي يحتذيه المسلمون في كل كبيرة وصغيرة في حياتهم.
حملة صليبية غاشمة:
ما هو تفسيركم لتكرار هذه الحملات الغربية المستمرة ضد الإسلام والمسلمين؟(12/338)
* الأمر هو محصلة صراع سياسي وديني كبير بدءًا بالفتوحات الإسلامية لكثير من الدول التي كانت خاضعة للبيزنطيين المسيحيين، وبلغ الحقد المسيحي غايته بفتح المسلمين للقسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وكذلك فتح الأندلس.
وحاول الغرب التنفيس عن حقده عبر الحروب الصليبية التي استمرت قروناً، ثم في الكشوف الجغرافية للالتفاف حول العالم الإسلامي وخنقه واحتلاله فيما بعد.
وآخر جولات الصراع هي زرع إسرائيل في قلب العالم العربي، ومساعدتها بكل الوسائل كي تتوسع وتوقف نمو وتقدم الدول العربية.
لكن و على الرغم من هذا فإن هناك شهادات عظيمة صدرت، ولا تزال تصدر عن منصفين من عقلاء الغرب على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول ( كلود كاهن): "يبدو للمؤرخ المنصف أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت بكثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقياً وفكرياً".
ويقول الأمير (تشارلز): "يمكن للإسلام أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته، ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة".
هل تفاجأتم بما أقدمت عليه بعض الصحف في الدانمرك والنرويج من التطاول على شخص الرسول الكريم ؟
* إن ما حدث ليس بمستبعد من قوم حرّفوا كتابهم وسبوا رسلهم وأنبياءهم؛ فهم قد اتهموا رسلهم بالزنا وحب الخراب والعنف. ولكن الأمر الآن صار كله على كاهل المسلمين، فعليهم أن يظهروا لهؤلاء ما يردعهم ويردهم على أدبارهم، حتى يعلموا أن هناك من يغضب لرسول الله. وعلى المسلمين أن يعلموا أن من أجلِّ الأعمال ومن أزكى الدرجات وأعلى القربات إلى الله مزيد المحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومضاعفة المحبة له صلى الله عليه وسلم، ومواجهة كل من أراد بمقامه الشريف نقصاً أو انتقاصاً؛ فالانتصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو دلالة الإيمان وبرهان الإحسان، وهو دليل الإسلام؛ إذ لا إسلام ولا وإيمان لعبد لا يتغير حنقاً وغضباً يوم أن يُسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ناحية أخرى فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نبي من عند الله، ومن سبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يستهزئ بمن أرسله.
إن هذا الذي رأيناه وسمعنا به يدخل ضمن الحملة الصليبية العالمية على الإسلام والمسلمين.
مقاطعة المتطاولين على النبي:
هل المقاطعة الاقتصادية للدول التي تنتمي إليها تلك الصحف وسيلة عملية؟
الواجب على كل مسلم في أي مكان أن يقوم بما في وسعه للدفاع والذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنسب الوسائل وأكثرها تأثيراً هي المقاطعة، والمقصود بالمقاطعة أن تكون على كل الأصعدة والأوجه، سياسياً أو اقتصادياً، وكلٌّ بما يملك، بالإضافة إلى ذلك واجب الدفاع بالقلم؛ فعلى كل مسلم يستطيع أن يهاجم هذه الدولة ويفضح أفعالها هذه أن يفعل، بالإضافة إلى فضح هؤلاء الذين يراهنون، أو يصوتون على سبّ رسول الله ممن يدّعون الإسلام بألسنتهم، ثم يعدّون أن سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الممكن أن يدخل تحت حرية الرأي من أي وجه من الوجوه.
ما هو المطلوب من الحكومات الإسلامية للدفاع عن مقدساتنا ومقام النبوة الكريم؟
الصمت وابتلاع الإهانة أمر مرفوض، فالتطاول على مقام خاتم الأنبياء والمرسلين، ليس مسألة يمكن الإغضاء عنها، ولا التساهل فيها.. ذلك أنها قضية عقدية مبدئية كبرى تنتظم منظومة من القضايا التي تُعد كل واحدة منها: أسبقية فكرية وثقافية ودبلوماسية وحضارية.
فعدم وجود ردع فكري ودبلوماسي وإعلامي يشجع على ارتكاب المزيد من السفاهات ضد نبي الإسلام وضد الإسلام نفسه.
والمتطاولون لن يتوقفوا، بل سيزيدون ما لم يحصل هذا الردع الذي نتحدث عنه، وعندما يشعر السفهاء ودولهم أنهم يدفعون ثمناً باهظاً بسبب هذا التطاول فإنهم سوف يتوقفون، وصدق الله العظيم الذي يقول: (...وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ...).[البقرة: من الآية251].
كما أنه من حق الشعوب المسلمة أن يحمي حكامها وقادتها عقائدها ومقدساتها ومقام نبيها الكريم – صلى الله عليه وسلم - بالطرق السلمية المستطاعة، أي بالردع الإعلامي وبالحركة الدبلوماسية الجادة النشطة، بما في ذلك: الاتصالات المكثفة، والاحتجاج بالبيانات الواضحة الحازمة عن طريق السفراء، أو وزراء الخارجية، وبالتحرك الجماعي أو الفردي.
=======================
رسالة الدفاع عن خير الأنبياء
خالد آل مساعد
khwwwkh@hotmail.com
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وبعد..(12/339)
ففي ظل الأزمة الشرسة نحو الديانة التي كانت سهامها متجهة صوب رسولها عليه الصلاة والسلام، فقد أشرقت شمس الصباح الموعود لليوم الثلاثين من شهر سبتمبر لعام خمس وألفين من الميلاد مؤذنة بأن ذلك اليوم هو يوم الحرب الأكبر التي شنته دولة الدانمارك والنرويج برسومٍ كاريكاتورية تسخر ممن أخرج العالم من ظلامه إلى نوره, وتسمه بأوصاف تحز في النفس البشرية, بل لا يرضى مسلم أن يكون هو الممثل به، كيف لا وقد مُثل بصاحب الشرع والحيازة والهجرة والريادة محمد صلى الله عليه وسلم.
لست بحديثي مدافعاً, فالأمة بأسرها قامت، قام الإعلام وأفتى العلماء والأعلام وخطب الخطباء ووعظ الوعاظ, ونادت المنائر وتشرفت المنابر بذكره والدفاع عنه، فهذا وذاك, وكل السهام اتجهت بالدفاع والذب عن المقام المحمود والحوض المورود محمد صلى الله عليه وسلم.
خطابي هذا أدونه وأنا بكامل السرور والمحبة لأني في موقف الدفاع والمودة، ليعلم الجميع أن الأمة المحمدية بعدتها وسلاحها قامت تؤازر وتناضل عن نبينا وإمامنا صلى الله عليه وسلم, فهذه الجهود المبذولة وهذه التضحيات المعلومة لم يكن دافعها إلا المحبة والمودة لذالكم الرسول الأمجد والنبي الأحمد وصاحب الحوض المورود والمقام المحمود.
وإني لأشد من أزر الجميع في القيام عن الذب والمناصرة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإني ليغمرني الفرح والسرور بما قامت به بعض الدول باستدعاء سفيرها في الدانمارك، وما قام به رجال الأعمال بإيقاف البضائع والمواطنين بأسرهم هنا وهناك, معلنين للعالم أجمع أننا على أُهبة الاستعداد لإقامة حرب اقتصادية لمن يقوم بمس حرف من حروف محمد صلى الله عليه وسلم، وإننا قائمون على الذب عنه وعما أمرنا به ما دامت فينا عين تطرف وروح تنبض.
المقاطعة قامت والرسالة نادت والإشارة بانت, والحقد وضح والذب ذاع والتأييد قام والنصر قادم، وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا.
إن أحرف رسالتي مشاركة في الذب عن عرض الرسول محمد, ورسالة شكر لمن أدى الواجب، إن رسالتي تبرئة لقلمي من الحقد الذائع والحسد الشائع على صاحب الجبين الأنور والوجه الأزهر والقول الأظهر وصاحب البيان والتبيين والنور المبين محمد بن عبد الله صلى وسلم عليه الله.
أخيراً أدعوا الله لي ولكم بأن نكون صفًا في الدفاع عن رسولنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم والله.
والله يرعانا ويرعاكم ويسدد على الخير خطانا وخطاكم.
===================
رسول الله.. عذرًا
بقلم ثامر سباعنة
مدرسة معاذ بن جبل مديرية قباطية
رسول الله.. حبيب الله.. أغلى خلق الله.. عذرًا وألف عذر – وإن كان اعتذارنا لا يفيد-.
أعداء الإسلام يسيئون لشخصك الكريم الطاهر بحجة حرية التعبير عن الرأي!! حاربوا الحجاب من قبل وتحججوا بحرية التعبير عن الرأي، دنسوا القرآن الكريم, والسبب دواعي التحقيق مع المتشددين الإسلاميين، استباحوا دم المسلمين في العراق بحجة الدفاع عن الديمقراطية! باعوا أرض الإسلام في فلسطين ليقيموا دولة للمشردين!!
أمة الإسلام..
رسولنا الكريم..
نحن من بدأ، ونحن من قصّر في حقك وحق إسلامنا الغالي، فمن إسقاط الخلافة الإسلامية بحجة القومية والعروبة لنسقط في مستنقع الاستعمار بحجه البناء والتعمير، لتستمر مآسينا التي صغناها بأيدينا, فتسقط أرض الإسراء فلسطين الغالية وتدخل مجموعات الصهاينة إلى المسجد الأقصى وهم ينشدون "محمد مات.. خلف بنات.. محمد مات.. خلف بنات"، اللهم صلي عليك يا حبيبي يا رسول الله، جنود أكثر من خمس دول تهزمهم عصابات صغيرة، والسبب أننا هجرنا القرآن والسيرة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهُن ولم ينقص من قدره, حاشا لله, نحن من هنّا وضعفنا، لأننا ابتعدنا عن قرآن ربنا العظيم وعن نهج رسولنا، نحن من رخص بيعنا على مائدة الكفار والعملاء، نحن من خسرنا كرامتنا وقيمتنا، نحن من أعطى التصريح للغرب ليقوموا بحملتهم التشويهية علينا، فنحن من نسي آيات القرآن ليحفظ الأغاني الهابطة الساقطة، نحن من ترك سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام لنبحث في سير المغنين والراقصات.
أمة الإسلام.. أمة محمد.. أمة الشفاعة، رسولنا يساء إليه فماذا أنتم فاعلون؟! كيف تنصرون نبي الله؟!
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} و{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
عودوا إلى الإسلام الصافي النقي الواضح القوي، عودوا للقرآن الكريم.. اقرءوا آياته وافهموها واحفظوها، علموا سيرة النبي لأبنائكم وبناتكم.. "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم", ارفعوا قيمة الإسلام في صدوركم, طبقوا شعار الإسلام كمنهج حياة وأسلوب عيش، كونوا خير حامل للإسلام فصونوه واحفظوه، وترهبوا عدوا الله باقتدائكم بنبي الله محمد عليه صلاة الله وسلامه.
حبيبي.. رسول الله..(12/340)
أرواحنا ترخص لأجلك وللذود عنك وعن دينك الإسلامي الغالي، لن نتردد في بذل الغالي والرخيص ليعلوا ديننا العظيم, ولتصان كرامة المسلمين حيث وجدوا، سنستحق شفاعتك يوم القيامة – إن شاء الله – وسنلقى وجهك الكريم وقد نصرناك ونصرنا دينك.
رسول الله عذرًا.
ارسل تعليقك
عزة نجاح ... مصر ... 6/7/2006 6:05:47 PM ...
(ما أرسلنك إلا رحمه للعالمين) أمه الإسلام :لقد تخاذلنا عن نصره نبينا محمد صلي الله عليه وسلم لقد سطر التاريخ صور رائعة ؛ومواقف باهرة ؛لنساء دافعن عن رسول الله صلي الله عليه وسلم يميا وشمالا وترد عنه سيوف الأعداء ونبال الألداء حتى أصيبت بعده جروح فأين رجال الامه !!! الذين هم أولي بالدفاع عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فيا النساء تقاتل عن رسول الله ورجال يتخاذلون عن نصرته 0 نساء تقاتل في سبيل نصره رسول الله ورجال يمتنعون عن مقاطعه بضائع العدو!!1 ويا لله المعتصم يحرك جيشا من اجل مسلمه ضربت علي وجهها ورسول الله صلي الله عليه وسلم يسب جهارا نهارا ولم نتحرك من اجله !!! فاعذرا يا رسول الله 00ان تخاذلنا عن الدفاع عنك ؛فان بعضنا مشغول بالأسهم المالية!!! عذرا يا رسول الله 00فان المال أحب إلي قلوبنا منك !!! عذريا رسول الله00فان الاجبان الدنماركيه أحب إلي بعضنا من الدفاع عنك!!! عذرا يا رسول الله 00فان مصالحنا الدنيويه مقدمه عند بعضنا البعض!!1 عذرا يا رسول الله 00فاننا نغضب اشد الغضب إذا اغتصبت أموالنا ؛ولا يغضب بعضنا لك!!! وأنت يساء أليك علنا بلا حياء ولا خوف ولا وجل 0ايها المسلمون :إن تخاذلنا عن نصره رسول الله صلي الله عليه صلي الله عليه وسلم فان الله ناصر نبيه ؛رافع ذكره _رافع شانه معذب الذين يؤذنه في الدنيا والاخره وفي الصحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: الله تعالي (من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب)0فكيف من عاد الأنبياء ؟يقول الله تعالي (َوالذين يؤذن رسوَل الله لُهم َعَذابٌ اَِليمٌ )أتعجزون عن مقاطعه منتجاتهم غيره لنبيكم صلي الله عليه وسلم ؟!حتى يعلم أولئك الأوغاد إن لرسول الله صلي عليه وسلم أنصارا ولا يرضون إن يدنس مقامه ؛أو أن يمس عرضه يسؤ ولا يصمتون حين يهان آلا تقدرون أن تدعوا عليهم وذالك اضعف الإيمان آفلا تقدرون أن تعلموا أولادكم أن رسول الله تعب كثيرا وعاني كثيرا لكي توصل الدعوة لنا إلا تقدرون إن تفعلوا شيء ايجابيا خدمه للحبيب فداك مالي وأهلي يا حبيبي يا شفعي يوم لا ينفع مال ولا ولد يا من بعثت رحمه لنا اللهم ما انصر الإسلام والمسلمين0فيل أمه الإسلام :من ينتصر لرسول الله .؟!فكم أوذي من اجلنا ؟كم بصق علي وجهه الكريم من اجلنا ؟ كم طرد الاضه من اجلنا ؟أنعجز بعد هذا الجهد 0وذالك التعب 00ان نقاطع المنتجات الدنماركيه؟!0 نعم أيها المسلمون إن نقف وقفه واحده جادة 0ونفجر غضبنا عليهم بالأفعال التي لا يمكن تجاهلها ؛ تعالوا نطعنهم في شريانهم الرئيسي وفي سر قوتهم ؛ تعالوا نطعنهم في اقتصادهم ؛ دون أن نخسر شيئا ؛ ونكون بذلك قد حطمنا جزئا من كبريائهم ؛ ولا يقل قائل كم سيكون حجم مقاطعتي ؛ فان المطلوب منك إن تبرا ذمتكم أمام الله تعالي ؛ يقول النبي عليه السلام (وجاهد المشركين بأموالكم وأيديكم والسنتكم ) اللهم ما انصر رسولك الكريم علي أعداء الدين 00امين ... ... ...
=======================
( صبر الرسول على الأذى )
عناصر الموضوع :
1. أهمية دراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
2. صبر النبي صلى الله عليه وسلم على أذى الكفار
3. صور أخرى من صبر النبي على الأذى يقتدى به فيها
صبر الرسول على الأذى:
لم تقم دعوة الإسلام، ولم تبلغ ما بلغت إلا بعد تضحيات جسيمة، وتحمل صنوف من الأذى، وأول من واجه ذلك وصبر عليه هو إمام هذه الدعوة صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك للمسلم أسوة في مواجهة المشاكل والأذى الذي يعترضه خلال الدعوة إلى دينه.
أهمية دراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم:(12/341)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: إن دراسة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المهمة للمسلم الذي يريد أن يطبق قول الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] ويريد أن يسير على تأثرٍ من نور هذه الآية: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. وشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جوانب كثيرة من العظمة؛ تلك الجوانب التي لا بد للداعية إلى الله، ومن يريد أن يتربى على طريق الإسلام أن يدرسها دراسة متأنية.
عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبره على الاستهزاء:
ونحن نستعرض في هذا المقام جانباً من جوانب عظمة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل هذه الدعوة، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى يتمثل في أحداث كثيرة تمَّت في حياته صلى الله عليه وسلم؛ من مواجهته للكفار والمشركين والمنافقين، وفي عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوفى الله تعالى خديجة رضي الله عنها ويموت أبو طالب ، فيطمع كفار قريش في أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكونوا يطمعون قبل ذلك، وأذية الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل في جوانب كثيرة: أولاً: الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [الأنبياء:36] أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر على صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذى، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه على الحق وهم يستهزئون به: وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً [الفرقان:41] يستهزئون بشخصيته صلى الله عليه وسلم، ولكنه يصبر على هذا الأذى وهو يتفكر في قول الله تعالى يسري عن شخصه صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام:10]. لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم.
للدعاة في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة في الصبر على الاستهزاء:(12/342)
واليوم يقف الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر موقفاً حرجاً أمام السهام التي توجه إليه من المستهزئين وهم يستهزئون بشخصيته، أو يستهزئون بمظهره، أو يستهزئون بالأفكار التي يحملها، إنه يتأسى بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصبر على هذا الاستهزاء. ولقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شتى الاتهامات؛ فقد اتهموه بأنه يقول الشعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم أيضاً شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذا القرآن عن المجرى العظيم والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس: نحن نستطيع أن نصنع مثله قال تعالى: بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ [الأنبياء:5] وقالوا: أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:36] وقال الله عنهم: أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور:30] إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتى تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله سبحانه وتعالى تولى الرد عليهم، وتثبيت نبيه صلى الله عليه وسلم: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ [الحاقة:38-41]، وقال عز وجل: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69]. وكل عارف باللغة العربية؛ بنثرها وشعرها يعرف أن هذا القرآن ليس على وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء. واليوم يقف الدعاة إلى الله عزوجل أمام المستهزئين وهم يرمونهم بتهم مثل هذه، فليس لهم والله إلا الصبر عليها، والرد على هذه الشبهات التي تطلق على الشريعة وأفكار الدين، منتهجين نهج القرآن في الرد عليها. وأوذي عليه السلام باتهامه بالسحر، قال تعالى: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ [يونس:2].. وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ص:4].. وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً [الفرقان:8] ولكن الله رد عليهم فقال: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52] لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر؟ لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه صلى الله عليه وسلم أثراً عظيماً على نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب ( إن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة ) فهم يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ وسبب هذا التأثير أن القرآن كلام الله، سبب هذا التأثير أنه نزل من عند الله الذي خلق النفس، ويعلم ما يؤثر بهذه النفس، وما تتأثر به هذه النفس، إنهم يريدون أن يصرفوا سبب التأثير إلى السحر الذي يؤثر -كذلك- في الناس؛ إنها والله دعاية إعلامية يريدون أن يلبسوا بها على الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقف الدعاة إلى الله عزوجل اليوم أمام أولئك الشاتمين الذين يريدون أن يلبسوا الحق بالباطل، ويريدون أن يصرفوا الناس عن تأثير القرآن والسنة، إنهم يستخدمون وسائل شتى من التهويس والتهويل، وصرف أنظار الناس عن هذا القرآن، وعن الوحي، وعن التأثر بالشريعة، فيستخدمون لذلك وسائل شتى. إن على دعاة الإسلام أن يجابهوا هذه المواقف، وأن يُجَلُّوا للناس أثر القرآن والسنة، وأن يُروا الناس بأبصار قلوبهم قبل أبصار عيونهم أن هذا القرآن وهذه السنة ذات أثر على الناس، مخاطبة الناس بالقرآن والسنة، وربطهم بها مباشرة من الواجبات اليوم، حتى يحصل ذلك التأثير. وصبر صلى الله عليه وسلم على اتهامه بالجنون: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر:6] وقالوا: أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:36].. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدخان:14]. ليس أصعب على صاحب الإيمان، والعقل الراجح، والرأي السديد، والفكر الصائب، من أن يتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون. وتولى الله الرد على هذه الفرية مثبتاً رسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سبأ:46] وقال عز وجل: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22]، وقال سبحانه وتعالى: نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:1-2]. واليوم عندما يحاول(12/343)
الداعية إلى الله أن يبين للناس الحق، ويرجعهم إليه، وأن يبين لهم الميزان الصحيح، ويزيل عنهم الغشاوة التي رانت على قلوبهم، والحجاب الذي غطى أبصارهم، ويريد أن يرجعهم إلى الشريعة وإلى الدين، يقولون له: أأنت مجنون؟!! كيف تريدنا أن نرجع إلى ذلك الواقع وأنت ترى الغرب والشرق، وترى القوى العظمى، والواقع المستحكم، ثم تريد أن تنقلنا إلى عصر يطبق فيه الإسلام (100%)؟ هذا مستحيل! كن واقعياً، دع هذه الخيالات جانباً، إنك تحلم! وعند ذلك يجب أن يجابه الداعية إلى الله هذه السهام بواقعية الإسلام، وأن يثبت للناس أنه يمكن أن يطبق الإسلام، وأن أفكار الإسلام ليست جنوناً ولا هوساً، رغم تلك الاتهامات الباطلة التي يتهم بها أعداء الإسلام المتمسكين بشرع الله، إنهم يرمونهم كما رمى الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم -قدوة هذا الداعية- رموه أول مرة بالجنون والهوس واختلال العقل، إنهم كذلك اليوم يرمون من تمسك بالدين بالسفه، والجنون، والهوس، والوسوسة... إلى آخر تلك التهم، إنهم يتصورون أن تحكيم الله في الشرع والواقع يؤدي إلى جنوح الإنسان عن طريقة التفكير الصحيحة، وعن الواقعية، إن واقعهم فاسد، ولذلك يتصورون أنه واقع صحيح من شدة ضغطه عليهم، ومن تشبعهم بأفكار هذا الواقع، ويتصورون أن تحكيم الإسلام في القوانين والمظاهر، والعبادات والعقائد؛ أنه جنون وهوس؛ لأنهم لا يعقلون، فعقولهم لا تتحمل عظمة تلك التكاليف، ولا يتصورون كيف يمكن أن تطبق هذه التكاليف في ظل الظلمات الجاهلية التي يرزحون اليوم تحت نيرها؛ ولأنهم لا يستطيعون أن يتصوروا الواقع كيف يكون إسلامياً؛ يتهمون من ينادي بالعودة إلى الواقع الإسلامي الصحيح بالجنون، ولا يمكن أن تتصور عقولهم كيف يمكن أن يطبق الإسلام (100%)؟ وهذه نقطة خطيرة أيها الأخوة.
صبر النبي صلى الله عليه وسلم على أذى الكفار:
صبره على أنواع التهم في عقله وعرضه:(12/344)
وقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتهام كفار قريش له بالتكذيب: وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ص:4].. إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الفرقان:4].. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الشورى:24] يقولون هذا من جهة في مناسبات كثيرة، ومواقف متعددة، وهم في مناسبة أخرى وفي موقف آخر يعلمون ويعترفون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بكذاب. وفي صحيح البخاري لما سأل هرقل أبا سفيان في بداية مقابلته له، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فهذا هرقل جاءته لحظات من التجرد والإنصاف، ولقد هم أن يدخل هذا الدين لولا جشع الملك وحب الرئاسة، وخوفه من زوال سلطانه، فرجع إلى الكفر، ولكنه قد رأى الحق بأم عينيه. قال أبو سفيان : لا. ثم قال له في آخر مقابلته: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، وأعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله؛ أي: أنت تقول أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما عهدت منه الكذب على الناس قبل البعثة، فعلمتُ أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله، والكذب على الله أصعب وأشد من الكذب على الناس، فعلم أنه صادق. ولقد تولى القرآن الرد على هذه المزاعم فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13] أي: إذا زعمتم أنه كذاب فهاتوا عشر سور مثل سور القرآن: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [هود:13] لكي تألفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل النثر والبلاغة: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [هود:13]. ثم تنزل القرآن في الرد عليهم إلى ما هو أدنى من ذلك، فقال الله عزوجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38] عظم التحدي ونقص المقدار، فظهر التحدي أعظم: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه [يونس:38] فعجزوا، ولما حاول الكذابون أن يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مجال سردها: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ [هود:35]، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ [السجدة:3]. ويسري القرآن عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويثبت الله به قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34]. واليوم عندما يقف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمام الناس، ويدعوهم إلى الله، ويبين لهم أحكام الدين؛ ويبين لهم الحلال والحرام، يقولون له: أنت كذاب، لا يمكن أن يكون في القرآن كذا، لا يمكن أن يكون في السنة كذا، لا يمكن أن يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكذا، هذا الذي تدعون إليه ليس بدين، أنت تكذب على الدين، أنت جئت بدين جديد، ليس هذا الدين الذي نعرفه، لقد رأينا الدين من آبائنا وأجدادنا، ولقد رأينا الدين سنين عديدة ما رأينا فيه مثل هذا الذي تدعو إليه، فيتهمونه بالكذب على الشريعة، وهم قد أتوا من قبل جهلهم؛ فلجهلهم رموه بالكذب، وأتوا من قبل تقليدهم لآبائهم وأجدادهم، وعدم اتباع الحق، وأتوا من اتباع أهوائهم؛ لأنك عندما تخبرهم بالحق الذي يخالف أهوائهم؛ إذا كان الحق واضحاً يقولون: أنت كذاب .. فعليك أن تصبر كما صبر رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم.
صبر النبي صلى الله عليه وسلم على تلقي الأذى في جسده:(12/345)
ولقد صبر عليه الصلاة والسلام على أذى المشركين في جسده صبراً عظيماً، روى البخاري رحمه الله عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً). عقبة بن أبي معيط يلوي الثوب حول رقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي: (ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبه ودفع عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر:28]). آذوه في بدنه صلى الله عليه وسلم، ولهذا أمثلة سنذكرها إن شاء الله. في معركة أحد ماذا حصل للنبي صلى الله عليه وسلم؟ الذي حصل له أيها الأخوة: أنه أُدمي حتى سال الدم من وجهه، وقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب في أحد فسال الدم على وجهه، رجع إلى المدينة ولا زال النزف في وجهه عليه الصلاة والسلام، فقام علي رضي الله عنه على رأسه، و فاطمة تأخذ من الإناء في يد علي فتغسل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء، ولكن الجرح لم يرق، فأخذت حصيراً فأحرقته ووضعت رماده على جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتماسك الجرح قليلاً حتى وقف الدم).
للدعاة في رسول الله أسوة في الصبر على الأذى:
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذى في جسده، واليوم يعاني المتمسكون بشرع الله عز وجل أصناف العذاب، وألوان الأذى في سبيل الله، فيضربون بالسياط، ويسحلون بالشوارع، ويجرون على جلودهم فوق الحجارة والشوك، كما وقع بالنفر الأول من الصابرين الصادقين، وأدنى من ذلك تقع صور من العذاب في داخل البيوت، هل رأيتم أباً تصل به الدناءة والخسة أن يضرب ولده؛ لأنه امتنع عن المنكرات؟! هل رأيتم أباً تصل به الخسة والدناءة أن يقفل الباب على ابنه حتى لا يذهب لصلاة الفجر؟! يقفل باب البيت بالمفتاح ويأخذ معه المفاتيح حتى لا يخرج الولد إلى صلاة الفجر. هل رأيتم خسة ودناءةً مثل أن يأتي أحد الآباء بمزيل للشعر فيضعه على لحية ولده وهو نائم حتى تسقط لحيته عداءً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إن ألوان الإيذاء أيها الأخوة تتعاقب، ويتفنن أعداء الله في إذاقة عباد الله العذاب أصنافاً وألواناً، فليس الحل في ذلك إلا الصبر على هذا الأذى في سبيل الله، ولقد سعى أعداء الله لإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلده، فقال الله عزوجل: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:76] تآمروا على إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلده، وخططوا لذلك حتى اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخروج، فتهددهم الله بهذه الآية: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً وفعلاً ما لبثوا في مكة بعد إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم منها إلا قليلاً، فأذاقهم الله العذاب في معركة بدر وغيرها من المواقع حتى فتح الله مكة ، ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوراً. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم واجعلنا من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
صور أخرى من صبر النبي على الأذى يقتدى به فيها:(12/346)
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، خاتم الرسل، وأحب خلق الله إلى الله، وخليل الله الذي اصطفاه الله على العالمين، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وصبر على الأذى في سبيل الله حتى كان مثالاً حياً بسيرته بين أظهرنا اليوم؛ كأنا نرى تلك السيرة، وتلك الأحداث التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد، قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت) الرسول صلى الله عليه وسلم ما وجد ولياً ولا نصيراً، يريد من كفار قريش أن يجيبوه وينصروه فلا يجد. (فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي). هذه الألفاظ أيها الأخوة تصور محنة الداعية التي يعيشها حينما يعرض الناس عنه، محنة الداعية التي يعيشها حينما يرفضه كل الناس، حين يطرده جميع الناس، عندما يوصدون الأبواب في وجهه، ولا يرضون بالحق الذي يقول به، ويعرضون عنه. (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب) وهو موضع قريب من مكة. الرسول صلى الله عليه وسلم هام على وجهه من الغم، وما أفاق إلى نفسه ليعرف إلى أين يسير إلا في قرن الثعالب ، وليس ذلك لأجل إفلاس، ولا لذهاب تجارة، ولا لخسارة في صفقة، ولا لفقد وظيفة، كلا. (فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد! إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -أي: الجبلين العظيمين اللذين تقع بينهما مكة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً). وعندما يكون الظلم من الأقرباء يكون وقعه شديداً على النفس.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند(12/347)
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي بطون قريش: (يا بني عدي ... حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر في الأمر، فجاء أبو لهب وقريش فاجتمعوا -ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا- فقال عليه السلام: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن الوادي تريد أن تغير عليكم -جيش قريب من مكة يريد أن يغير عليكم- أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. ما جربنا عليك كذباً، قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم.. ألهذا جمعتنا). و أبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، داعية إلى الله يقوم يجمع الناس يأتون إليه، يهددهم بعذاب الله عز وجل ويدعوهم إلى الله، فيقوم له واحد من الحاضرين فيقول له: تباً لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟ واليوم تعقد مجتمعات للدعوة إلى الله، وقد يجمع داعية إلى الله الناس في بيته، أو يذهب إليهم في بيوتهم فينصحهم وينذرهم عذاب الله ، فتنطلق ألسنة المستهزئين به، إنه يتذكر والموقف هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد وصل الأمر إلى أن ادعوا أنهم أحق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق وصلة الرحم، فهذا أبو جهل لعنه الله وقف يوم بدر يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أقطعنا للرحم -يعني الرسول صلى الله عليه وسلم- وأتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة. يوم بدر يقف أبو جهل لعنه الله يدعو الله أن يهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قطع الرحم، وأتاهم بما لم يعرفوا، فأنزل الله عز وجل: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال:19] كما في الصحيح المسند من أسباب النزول . ولقد اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في إنجابه، فعن ابن عباس قال: (لما قدم كعب بن الأشرف مكة -وكان كعب بن الأشرف يهودياً- قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم -وكان هذا قبل الهجرة- قال: نعم. قالوا ألا ترى إلى هذا الصنبور ..). يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستخدام الألفاظ المشينة؛ ألفاظ السب، وانتقائها من قاموس السباب والشتائم لإلصاقها بالدعاة إلى الله قضية قديمة؛ ليست حديثةً ولا وليدة هذا العصر. والصنبور في لغة العرب: هو الرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له ولا عقب، ولا ناصر ينصره، قالوا: (ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية، قال: أنتم خير منه. فأنزل الله عز وجل: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر:3]) أي: إن شانئك وسابك يا محمد هو الأبتر الذي لا عقب له. وأخيراً هذا الموقف الذي تحكيه لنا آية الأنفال: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال:30] إن عقد المؤتمرات لإجهاض الدعوة، والمؤامرات على دعاة الإسلام، وإلحاق الأذى بهم قضية قديمة. وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:30] لقد اجتمعوا في حجر إسماعيل بجانب الكعبة في مكة ؛ يدبرون ويخططون لثلاثة أشياء: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ومعنى: يثبتوك: يقيدوك ويحبسوك حتى لا تقوم بالدعوة. أَوْ يَقْتُلُوكَ ويضيع دمك بين القبائل. أَوْ يُخْرِجُوكَ من مكة ويطردوك حتى لا تكون بينهم. روى ابن حبان في صحيحه و الحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك يا بنيه؟ قالت: يا أبت! ما لي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، لو قد رأوك لقاموا إليك ليقتلوك، وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنيه! ائتيني بوضوئي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى المسجد، فلما رأوه قالوا: إنما هو ذا، فطأطئوا رءوسهم، وسقطت أذقانهم من بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم -أعماهم الله- فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافراً). قال ابن كثير رحمه الله: قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ولا أعرف له علة. ولو استطردنا أيها الأخوة في ذكر ألوان الأذى التي صبر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لطالت بنا المجالس والأوقات، ولكن إنما هي تذكرة نذكر بها أنفسنا ونسليها ونحن نواجه اليوم أعداء الله، ونواجه مخططاتهم، واتهاماتهم، وسبابهم، وفسوقهم، وأذاهم، وحملاتهم علينا. إن الإنسان ليزداد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإكباراً له عليه الصلاة والسلام وإجلالاً؛ حين يرى في سيرته صلى الله عليه وسلم من صبره على الأذى، ومن تحمله ذلك في سبيل الله لأجل شيء واحد: أن يبلغ(12/348)
رسالة الله إلى الناس، أن يبلغ الناس دين الإسلام؛ هذا هو الهدف، هذا هو الغرض من الحياة، وإلا فإن الحياة بغير هذا الغرض حياة بهيمية. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك، اللهم واجعلنا من دعاتك وجندك، اللهم وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وآتنا الحجة على من عادانا، اللهم وانصرنا على من بغى علينا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم وصلِّ على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم صلاةً تامَّة ما بدا الليل والنهار، اللهم صلَّ عليه صلاة تامة ما غربت شمس وما شرقت. اللهم اجعلنا من أهل شفاعته، اللهم أوردنا حوضه، اللهم وارزقنا مرافقته في الجنة.
صورة النبي صلى الله عليه وسلم في عيون الشعراء غير المسلمين
الكاتب: الندوة العالمية للشباب الإسلامي
ليس عجيباً أن تكون شخصية النبي صلى الله عليه وسلم محل إعجاب وتقدير من المسلمين, لأن هذا أمر طبيعي. ولكن العجيب حقاً أن نجد هذا التعظيم والتبجيل لشخص النبي لدى المنصفين من غير المسلمين وعقلائهم وأفذاذهم. ولسنا الآن بصدد أقوال بعض المستشرقين والكتاب والفلاسفة والسياسيين, من الذين أخذهم الذهول بهذه الشخصية الفريدة سواء أكان ذلك في فعله أو قوله أو حروبه أو حياته بصفة عامة, وإنما نقتصر على بعض الشعراء العرب في العصر الحديث من غير المسلمين لأن الشعراء معبرون عن ضمائر الأمم وألسنتها الناطقة وليكن دليلنا من الشعر العربي لسهولة تناوله ووضوح بيانه بالنسبة إلينا, ولنا في أشعارهم شاهد صدق ومعين صاف.
ولما كان العظيم عظيماً بنفسه لا يحتاج إلى إنصاف منصف أو شهادة شاهد له بالعظمة, فإن هذه الأشعار التي سوف نذكرها تعد شهادة لأصحابها قبل أن تكون شهادة بعظمة النبي صلى الله عليه وسلم.
جورج صديح
أحد شعراء المهجر الجنوبي, ذو ثقافة عالية وحس مرهف فياض, له قصيدة رائعة في مدح النبي بأسم " حراء يثرب " يقول فيها:
يا من سريت على البراق وجزت أشواط العنان
آن الأوان لأن تجدّد ليلة المعراج.. آن عرّج على القدس الشريف ففيه أقداس تهان
ماذا دهاهم ؟ هل عصوك فأصبح الغازي جبان ؟
أنت الذي علمتهم دفع المهانة بالسنان
ونذرت للشهداء جنات وخيرات حسان
يا صاحبيّ بأي آلاء النبي تكذبان ؟!
مارون عبود
شاعر لبناني، له علم واسع باللغة والأدب، له مطولة كبيرة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها:
لولا كتابك ما رأينا معجزاً في أمة مرصوصة البنيان
حملت إلى الأقطار من صحرائها قبس الهدى ومطارف العمران
هاد يُصوَّر لي كأن قوامه متجسد من عنصر الإيمان
محبوب الخوري الشرتوني
من شعراء المهجر الشمالي, يتميز شعره بجموح الخيال ورقة العاطفة, له قصيدة " قالوا تحب العرب ؟ " يقول فيها:
قالوا تحب العرب ؟ قلت: أحبهم يقضي الجوار عليّ والأرحام
قالوا لقد بخلوا عليك أجبتهم: أهلي وإن بخلوا عليّ كرام
قالوا الديانة, قلت: جيل زائل وتزول معه حزازة وخصام
ومحمد بطل البرية كلها هو للأعارب أجمعين إمام
إلياس فرحات
أحد شعراء المهجر الجنوبي وله تجارب قاسية مع الحياة جعلته يكثر من شعر الحكمة والأمثال, شأنه شأن أبي الطيب المتنبي, له قصيدة تشي بعاطفة جياشة, ونظرة سامية بعيدة عن التعصب الطائفي, يقول فيها:
غمر الأرض بأنوار النبوة كوكب لم تدرك الشمس علوَّه
لم يكد يلمع حتى أصبحت ترقب الدنيا ومن فيها دنوَّه
ثم يتحدث عن فتح مكة وكيف تبدلت ظلمات العرب نوراً على يد النبي صلى الله عليه وسلم وكيف ساد العرب حضارات العالم.. إلى أن يقول وكأني به ينظر إلى واقعنا المعاصر:
يا رسول الله إنا أمة زجها التضليل في أعمق هوَّةِ
ذلك الجهل الذي حاربته لم يزل يظهر للشرق عتوَّه
قل لأتباعك: صلوا وادرسوا إنما الدين هدى والعلم قوَّة
الشاعر القروي رشيد سليم الخوري
أحد شعراء المهجر الجنوبي كابد أهوال اليأس والفقر, كان شعره مزيجاً, من العروبة والوطنية, له قصيدة " عيد البرية " يستحث فيها المسلمين لاستعادة مجدهم القديم منها:
يا فاتح الأرض ميداناً لدولته صارت بلادك ميداناً لكل قوي
يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم لا يُنهض الشرق إلا حبنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة فبلّغوه سلام الشاعر القروي
مطران خليل مطران
شاعر لبناني عاش في مصر ولقب بشاعر القطرين ؛ له قصيدة رائعة تسمى رأس السنة الهجرية يقول فيها:
عانى محمد ما عانى بهجرته لمأرب في سبيل الله محمود
وكم غزاة وكم حرب تجشمها حتى يعود بتمكين وتأييد
صعبان راضهما: توحيد معشرهم وأخذهم بعد إشراك بتوحيد
وبدؤه الحكم بالشورى يتم به ما شاءه الله من عدل ومن جود(12/349)
أما هذه الشذور المضيئة والزهور العاطرة التي اجتمعت بين أيدينا فهي خير دلالة على مدى إعجاب ذوي الإحساس المرهف عامة والعباقرة خاصة بهذه الشخصية الخالدة الفريدة, والتي توقف التاريخ أمامها كثيراً, ولم يزل يبحث في فروعها وخلجانها ولكنها كانت عميقة كالبحر, سخية كالسحاب, رفيعة كالنجم, مضيئة كالشمس, ومازال التاريخ مبهوراً لم يفارق موضعه.
====================
عذرًا رسولَ الله لم يعرفوا قدرَك...!!
د. جمال نصار 13/1/1427
12/02/2006
الأمة الإسلامية تعيش منذ فترة موجة عداء ضد عقيدتها ومقدساتها وقيمها، بدأت منذ بداية الدعوة الإسلامية، حيث وصَمَ المشركون النبى الكريم - صلى الله عليه وسلم - بعبارات كثيرة منها: أنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون، ودائمًا كان القرآن الكريم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) (الطور:29). (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ) (الحاقة:41). وهذا يدل على مكانة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - عند ربه، وقد أوجب الله على المؤمنين محبته وتعظيمه، وهذا من معالم كمال الإيمان "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين".
وتعظيم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من صُلب إيمان المسلم، فهو خليل الله المصطفى من خلقه، وخاتم الأنبياء الذي بانتهاء رسالته انقطع وحي السماء، ولم يغفل المسلمون – منذ جيل الصحابة الكرام – عن قدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن محبته وتعظيمه.
وعظمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفوسنا أعلى من قُبة الفلك، ولن ينال منها أي أفّاك أو جاحد ، فلولاه - صلى الله عليه وسلم - لكنا حيارى في دياجير الظلام.
وما قام به البعض من الإساءة لرسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – من خلال رسومات في صحف دنمركية ونرويجية وغيرها، إنما هي سلسلة وحلقة من الإساءة للإسلام في شخصه الكريم، وهذا يدل على حقدهم الدفين على هذا الدين العظيم، وسيُرد هذا العبث إلى نحورهم وستبوء محاولاتهم بالفشل بهذا التفكير العبثي الذي أرادوا به النيل المشين من نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - وبعيدًا عن كل التسويغات التي حاول مسؤولو الصحيفة تقديمها، وفي مقدمتها أنهم أرادوا أن يستشعروا مدى تقديس المسلمين لنبيهم، وبدعوى حرية الرأي والتعبير التي يعدونها واجبًا يفوق بقداسته قداسة الأديان وحرمتها، في الوقت الذي أقاموا الدنيا، ولم يقعدوها حينما نشر المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" كتابه "الأساطير المُؤسسة للدولة الإسرائيلية"؛ فحاكموه وصادروا كتابه بتهمة معاداة السامية، وكذلك عندما قامت مجموعة من حركة طالبان في أفغانستان بتدمير تمثال "بوذا" فتحرك العالم الغربي ضدهم، وقالوا: إنهم يحاربون الأديان ممن يخالفونهم في العقيدة.
ونحن من جانبنا نعلم أنه لا شيء أشرف من كرامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه آخر الحصون التي بقيت ملاذنا، بعد أن سقطت كل حصوننا في معارك الشرف والنزاهة والمعرفة .. وأنه إن مسّ اسمه بسوء، وهو الطاهر المُطهر، فإن العالم بأسره سيشهد ما ستسفر عنه هذه الحرب القذرة؛ وعلينا أن نعي أن الجناب النبوي أعظم وأشرف من أن تناله حفنة من التائهين في ميدان الحياة بسوء.
عذراً رسولَ الله لم يعرفوا قدرَك حين نادَوا باسمِك وشوهوا رسمَكْ
هم لم يفعلوا ما فعلوا إلا بجهلٍ ولو علموا الحقيقةَ لقبّلوا قدمَكْ
لو علموا أنّك المصباحُ المنيرُ لما قبلوا الاستضاءةَ إلا بضوئك
وليقرأ هؤلاء الذين لا يعرفون قدر النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – ما سطّره بعض الغربيين المنصفين:
يقول "سيروليام موير" في كتابه "سيرة محمد" صلى الله عليه وسلم:
"امتاز محمد بوضوح كلامه، ويُسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما يدهش الألباب، فلم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير، كما فعل محمد".
ويقول "توماس كارليل" الفيلسوف الإنجليزي في "كتابه الأبطال":
"قوم يضربون في الصحراء عدة قرون لا يُؤبه لهم، فلما جاءهم النبي العربي أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد قلة، وعزوا بعد ذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم".
وعلينا كمسلمين شعوبًا وحكومات أن نتحرك لرد هذه الهجمة الشرسة عن الإسلام ورسوله بشتى السبل والوسائل ومن ذلك:
- قيام الحكومات العربية والإسلامية بالضغط على الهيئات الدولية لسن قوانين تحمي المقدسات والأنبياء ومقاطعة حكومات الدول التي تصدر بها تلك الصحف سياسيًا واقتصاديًا؛ إذ كان رد فعل أغلبها سلبيًا تجاه الأزمة.
- ومن واجبات الأمة حيال هذا الأمر أن يقوموا بمقاطعة بضائع كل من تجرّأ على سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وواجب الحكومات المقاطعة السياسية بسحب السفراء لدى تلك الدول وإغلاق سفاراتها لديهم.(12/350)
- إقامة المؤتمرات والندوات في أوروبا وأمريكا لمعالجة هذه القضية، وعرض نصاعة السيرة المشرفة وعظمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
=======================
عظماء دافعوا عن الرسول.. صلى الله عليه وسلم
فوزية الخليوي
لا تزال الأيدي اليهودية الآثمة تحكم سيطرتها على وسائل الأعلام الكبرى، ولا تألوا جهداً في استغلالها في السخرية من الرسول، صلى الله عليه وسلم، وتشويه صورة الإسلام. فابتداءً من كبريات الصحف العالمية: كالتايمز البريطانية، التي أصبحت صحيفة صهيونية خالصة بعد أن اشتراها المليونير اليهودي "روبرت مردوخ"، وكذلك شقيقتها الصنداي تايمز, بالإضافة إلى المجلة الأسبوعية "ويك أند"، التي تخصصت بالرسومات الكاريكاتيرية التي تتهكم بالعرب في لندن وتظهرهم في أبشع صورة.
وتعتبر النيويورك تايمز من أشهر الصحف الأمريكية وقد اشتراها اليهودي أودلف أوش, وتأتي الواشنطن بوست في المرتبة الثانية من الخضوع للصهيونية! ونيوز ويك التي بلغ حجم توزيعها 4,5 مليون نسخة عام 1981م
وقد بلغ من تفاقم السيطرة الصهيونية على دور النشر الفرنسية, أن المفكر الشهير "رجاء جارودي" الذي كانت دور النشر الفرنسية تتسابق لنشر كتبه, لم يجد دار نشر واحدة تتبنى كتابه "بين الأسطورة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية" الذي كتبه بعد إسلامه!! (النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية لفؤاد الرفاعي)
ونظراً لهذا النفوذ الذي يبعث الأسى والألم في نفس كل مؤمن يبتغي العزة لله ولرسوله، كان التصدي لهذا الكيد من المقامات العظيمة التي انبرى لها عددٌ من العظماء, وبهذا امتدح الله عز وجل المهاجرين بقوله { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر:8]، ونصر رسول الله، عليه الصلاة والسلام، باللسان والسنان والقول والفعل نصراً له في ذات نفسه, حماية لعرضه, وصوناً لحرمته, وإرغاماً لأعدائه ومبغضيه, وإحلالاً لمقام النبوة من أي قدح. وقد أجمع العلماء على وجوب قتل من سبّ النبي، صلى الله عليه وسلم، أو عابه أو ألحق به نقصاً في نسبه أو دينه... فحكم من أتى بذلك أن يقتل بلا استتابة؛ لأنه آذى رسول الله بما يستوجب إهدار دمه أن كان مسلماً ونقض عهده إن كان ذميًا. ( الدليل الشافي لابن تغري بردي 1_45 )
ولقد أخذ السلاطين على عواتقهم نصرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. منه أن صلاح الدين الأيوبي نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك, فأسره؛ وكان سببه أنه مرّ به قوم من مصر في حال الهدنة, فغدر بهم فناشدوه الصلح, فقال ما فيه استخفاف بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وقتلهم؛ فجمع صلاح الدين الملوك فلما حضر أرناط, قال: أنا أنتصر لمحمد منك!!
ثم عرض عليه الإسلام فأبى، فحلّ كتفيه بخنجر.
أما الملك الكامل ملك مصر, لما وقع الحصار على مدينة دمياط اتفق أن أحد الكفار قد ألهج لسانه بسبّ النبي، صلى الله عليه وسلم، معلناً به على خنادقهم، وكان أمره قد استفحل وقد جعل هذا الأمر ديدنه, فلما وقعت الوقعة وانتصر المسلمون وكان هذا الكافر من ضمن الأسرى فأخبر الملك بشأنه, فصمم الملك الكامل على إرساله إلى المدينة النبوية, وأن يباشر قتله بذاك المحل الشريف, فلما وصل أقيم ونودي على فعلته بين الناس فتهادته السيوف!!
أما هارون الرشيد فقد حكى عنه العالم أبو معاوية الضرير: كنت أقرأ على أمير المؤمنين الحديث, وكنت كلما قلت قال رسول الله قال: صلى الله على سيدي ومولاي. حتى ذكرت حديث "التقى آدم وموسى"
فقال عمه : أين التقيا؟
قال: فغضب هارون، وقال: من طرح إليك هذا؟ وأمر به فحبس.
قال: فدخلت عليه في الحبس, فحلف لي بمغلظات الأيمان, ما سمعت من أحد ولا جرى بيني وبين أحد في هذا كلام.
فرجعت إلى أمير المؤمنين وأخبرته؛ فأمر به فأطلق من الحبس!!
وقال لي هارون: توهّمت أنه طرح إليه بعض الملحدين هذا الكلام الذي خرج منه؛ فيدلني عليهم فأستبيحهم.(12/351)
ما ذكره الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - عن أحد خطباء مصر، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً، وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين، فقال في خطبته: "جاءه الأعمى فما عبس بوجهه وما تولى! فما كان من الشيخ محمد شاكر - والد الشيخ أحمد شاكر - إلا أن قام بعد الصلاة يعلن للناس أن صلاتهم باطلة، وعليهم إعادتها لأن الخطيب كفر بما شتم رسول الله، صلى الله عليه وسلم. يقول أحمد شاكر في كلمة حق: "ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين، وبعد أن كان عالياً منتفخاً، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه؛ فما كان موضعاً للشفقة، ولا شماتة فيه؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة".
ومن مناقب الملك فيصل رحمه الله في نصرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونصرة الشريعة, ودفع كيد الكائدين بردّ شبههم, ودحض مفترياتهم ما حكاة الدكتور تقي الدين الهلالي, قال: قبل بضع سنين كنت مقيماً في باريس عند أحد الأخوان، وكنت قد سمعت بأن الطبيب المشهور الجراح موريس بوكاي, ألّف كتاباً بيّن فيه أن القرآن العظيم هو الكتاب الوحيد الذي يستطيع المثقف ثقافة علمية عصرية أن يعتقد أنه حق منزل من الله ليس فيه حرف زائد ولا ناقص!!
وأردْتُ أن أزور الدكتور موريس لأعرف سبب نصرته لكتاب الله ولرسوله، فدعوناه فحضر فوراً!!!
فقلت له: من فضلك أرجو أن تحدثنا عن سبب تأليفك لكتابك "التوراة والأنجيل والقرآن في نظر العلم العصري"؛ فقال لي أنه كان من أشد أعداء القرآن والرسول محمد، وكان كلما جاء مريض مسلم محتاج إلى علاج جراحي يعالجه, فأتم علاجه وشُفي! يقول له: ماذا تقول في القرآن، هل هو من عند الله أنزله على محمد؟ أم هو من كلام محمد نسبه إلى الله افتراءً عليه؟
فيجيبني: هو من عند الله ومحمد صادق!
قال: فأقول له: أنا أعتقد أنه ليس من الله، وأن محمداً ليس صادقاً!!.. فيسكت
قال: ومضيت على ذلك زماناً حتى جاءني الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة السعودية, فعالجته جراحياً حتى شُفي, فألقيت عليه السؤال المتقدم الذكر!!
فأجابني: إن القرآن حق وان محمداً رسول الله صادق!!
قال: فقلت: أنا لا أعتقد صدقه!!
فقال الملك فيصل: هل قرأت القرآن؟
فقلت: نعم مراراً!!
فقال: هل قرأته بلغته أم بغير لغته؟ (أي بالترجمة)
فقلت: أنا ما قرأته بلغته بل بالترجمة فقط !
فقال لي: إذاً أنت تقلّد المترجم، والمقلّد لا علم له إذا لم يطّلع على الحقيقة, لكنه أُخبر بشيء فصدقه, والمترجم ليس معصوماً من الخطأ والتحريف عمداً !! فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية, وتقرأه وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك هذا الخاطئ !
قال: فتعجبت من جوابه! فقلت له: سألت كثيراً من قبلك من المسلمين فلم أجد الجواب إلا عندك, ووضعت يدي في يده، وعاهدته على أن لا أتكلم في القرآن ولا في محمد، صلى الله عليه وسلم، إلا إذا تعلمت اللغة العربية وقرأت القرآن بلغته, وأمعنت النظر فيه حتى تظهر النتيجة بالتصديق أو التكذيب !!
فذهبت من يومي ذلك إلى الجامعة الكبرى بباريس (قسم اللغة العربية)، واتفقت مع أستاذ بالأجرة أن يأتيني كل يوم إلى بيتي, ويعلّمني اللغة العربية ساعة واحدة كل يوم إلا يوم الأحد الذي هو يوم راحتي, ومضيت على ذلك سنتين كاملتين لم تفتني ساعة واحدة, فتلقيت منه سبعمائة وثلاثين درساً, وقرأت القرآن بإمعان, ووجدته هو الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله لا يزيد حرف ولا ينقص, أما التوراة والأناجيل الأربعة, ففيها كذب كثير, لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها!
فلله درّهم من سلاطين, كانوا بحق كما قال ابن المبارك:
الله يدفع بالسلطان معضلة *** عن ديننا رحمة منه ورضوانا
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل *** وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
================
عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه رسالة مني للأمة الإسلامية والشباب المسلم، للحضارة الغربية وللعالم أجمع.
هذه رسالة أنشرها من خلال عمرو خالد دوت نت وبوصلها لشباب صناع الحياة وبوصلها لشباب المنتدى وبطلب منهم إن هما يوصلوها زي ما قلت للأمة الإسلامية، للشباب المسلم والعربي، للغرب ومن يعرفون في الغرب بل وللعالم أجمع.
أما رسالتي الأولى: رسالة للأمة الإسلامية وللشباب المسلم..(12/352)
يقول الله تبارك وتعالى ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) سورة التوبة
لو ولادك أغلى عليك من رسول الله، لو فلوسك أغلى عليك من رسول الله، لو وطنك أغلى عليك من رسول الله، لو مراتك أغلى عليك من رسول الله...فتربصوا..غضب شديد من الله تبارك وتعالى.
أقول للأمة الإسلامية والشباب الإسلامي ولشباب الأمة أن توقير رسول الله وحب رسول الله فريضة من فرائض ديننا ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))
انظر لمقام حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليه كل هذا الحب ؟؟ علشان في آية ثانية في القرآن بتقول ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) سورة التوبة.. وعلشان هو كده إحنا بنحبه كده فأصبحت العلاقة بيننا وبينه زي ما بتقول الآية ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا)) سورة الفتح..
وعلشان تفضل العلاقة متصلة كده على طول..لازم ربنا يفكرنا بهذه الآية التي تقرع آذننا عندما نسمعها..تقول الآية ((وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ))..
هذه الآية ماضية في كل زمان ومكان...اعلموا يا شباب، اعلموا يا أمهات، يا سيدات، في سنة 2006 في سنة 2010 في القرن القادم، في القرن الماضي..اعلموا أن فيكم رسول الله..فيكم بشريعته، فيكم بسنته..فيكم برحمته..فيكم بخطاه، فيكم بطريقه، فيكم بالنور الذي تركه لكم..فيكم بحبه ليكم ..فيكم بأن كل شخص يصلى ويسلم عليه يرد الله عليه روحه ويرد علينا السلام..فينا أن أعمالنا بتعرض عليه كل يوم خميس فما كان فيها من خير "حمدت لكم الله وما كان فيها من شر استغفرت لكم الله "...
الآيات الأربعه التي ذكرتهم..مأمورين فيهم بحبه..علشان ايه؟ علشان حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فبقت العلاقة بيننا وبينه "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم".. ويذكرنا الله دائما بهذه العلاقة بالآية التي تقول "واعلموا أن فيكم رسول الله"...صلى الله علي محمد صلى الله عليه وسلم.
رسالتي للأمة الإسلامية والشباب المسلم حب رسول الله، توقير رسول الله، الدفاع عن رسول الله، العيش على خطى رسول الله..واجب وأمانة سنسأل عليها يوم القيامة..في أمانة في رقبتنا يا شباب، في أمانة في رقبتنا يا صناع الحياة، في أمانة في رقبتنا يا سيدات أن توقير رسول الله أمانة سنؤديها له يوم القيامة عندما نلقاه على الحوض، نذهب إليه يوم القيامة ونقول له نحن أمتك يا رسول الله أدينا الأمانة، احنا يمكن كنا وحشين ويمكن كان عندنا ذنوب ويمكن لم نعمل جيدا في نهضة وإصلاح أمتك، لكن مش ممكن كنا نسيب غير أن نوقرك ونحمل العالم على توقيرك، أمانة يا رسول الله بنؤديها لك ويمكن ديه اللي تشفع لنا بها يوم القيامة وتشربنا من حوضك وتفرح بينا وتقول لنا..كان عندكم أخطاء بس توقيري كان غالي عليكم أوي فتشربنا من حوضك..صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم...
رسالتي للأمه أن علينا أمانة...لا يمكن التفريط في هذه الأمانة..أمانة توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل العالم على توقيره فضلا عن حبه والعيش على سنته وطريقه هذه هي رسالتي للأمة الإسلامية، لن نفرط أبداً في توقير رسولنا وحبيبنا وقدوتنا .(12/353)
أما رسالتي للغرب فهناك إشكالية حضارية في العالم الغربي، هذه الإشكالية ناتجة من أن هناك مفهومين، مفهوم عند الغرب عظيم نحترمه ونحتاجه اسمه حرية التعبير، مفهوم عظيم حضاري وإنساني، وهناك مفهوم آخر عند المسلمين عظيم جداً اسمه توقير الرسول صلى الله عليه وسلم والمشكلة أن الحضارتين، الحضارة الغربية وحضارة المسلمين تحتاج أن تلتقى على هذا المفهوم، غير المسلمين مش قادرين يقدروا قد إيه قيمة توقير الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين فكرة حرية التعبير نتيجة تطبيق معين لم يصل إلي درجة معينة من الجودة ولم يصل علي درجة حقيقة من التصديق فبقت فكرة احترام حرية التعبير عند المسلمين مش واضحة الوضوح الكافي والمطلوب أننا لا نريد أن نرفض حرية التعبير ولكن نريد أن تُعدل حرية التعبير حتى لا تتصادم مع قيمة عظيمة عند المسلمين اسمها توقير النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الإشكالية، يا غرب إنك لا تفهم قيمة عظيمة اسمها توقير رسول الله عند المسلمين، مقدسات المسلمين، قضية عظيمة الغرب لابد أن يُعدل مفهوم حرية التعبير حتى لا يصطدم مع قيمة عظيمة اسمها توقير النبي صلى الله عليه وسلم، هذه هي المشكلة الحضارية عند الغرب، وأنا أقول للغرب: بوضوح أنت يا غرب عندك مشكلة أنك لا تفهم..كم يحب المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم ولو فهمتها ما قبلت الذي يحدث الآن، الغرب عموماً حكومة وشعوباً مش فاهمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعز علينا من آبائنا وأمهاتنا..رسول الله أعز علي من أبوي، واعملوا استقصاءات واسألوا المسلمين..اسألوا اي بنت متدينة أو غير متدينة ما ذا يعني لكي رسول الله..اسألوا أي شاب لاهي أو غير لاهي مقبل على الله أو غير مقبل على الله، اسألوا أي مسلم في بنجلاديش في بكستان..في اليمن في مصر في قرية من القرى، متدين أو غير متدين..مقبل على الله أو غافل، يشرب مخدرات أو مقبل على الطاعة، ناجح أو غير ناجح..كبير أو صغير، اسألوهم ماذا يعني لك رسول الله، أنا أستطيع أن أجزم بدون ما نحتاج إلي إحصائيات أن رسول الله يا غرب عند المسلمين أغلى من آبائهم وأمهاتهم..
يا غرب: رسول الله عند المسلمين أغلى من أولادنا..
يا غرب: رسول الله عند المسلمين أغلى من فلوسنا وأحفادنا..أغلي من أنفسنا، أغلى من أوطاننا، مصر ولا رسول الله، السعودية ولا رسول الله..مين أغلى عليك يا مصري، مين أغلى عليك يا سعودي، مين أغلى عليك يا يمني، مين أغلى عليك يا مغربي، يا جزائري...
يا غرب: افهم هذا المعنى..رسول الله غالي على المسلمين أغلى من ولادهم وأنفسهم، لن ننسَ أبداً الحديث الذي كررته كثيراً في برنامج (على خطى الحبيب)، يا غرب: اسمع هذا الحديث لأنه جزء من التكوين الوجداني للمسلمين، النبي يمشي مع عمر بن الخطاب وهو ممسك بيده، فينظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فيجد عمر نفسه من حبه للنبي يقسم ويقول "والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من أهلي وولدي ومالي والناس أجمعين " ما الذي دفعك أن تقول ذلك يا سيدنا عمر؟ الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له النبي "يا عمر تحبني أكثر من أهلك ؟ قال نعم يا رسول الله، أكثر من ولدك ؟ نعم يا رسول الله، أكثر من مالك ؟ نعم يا رسول الله، أكثر من نفسك ؟ لا يا رسول الله فيقول له النبي لا يا عمر لا يكتمل إيمانك حتى أكون أحب إليك من نفسك وأهلك وولدك والناس أجمعين " فيذهب عمر ويعود ويقول والله يا رسول الله لأنت الآن أحب إليّ من نفسي وأهلي وولدي والناس أجمعين، فيقول له "الآن يا عمر..الآن يا عمر اكتمل إيمانك"
أنا أعرف أن الغرب يقاوم العنصرية لأنه فَهِم يعني إيه عنصرية، أعرف أن الغرب أي حد يعادي السامية يرفضه ويحاربه لأنه يفهم معنى خطورة محاربة السامية، فكيف احترم الغرب السامية وقاوم العنصرية ولم يحترم أعظم قيمة عند المسلمين "رسول الله صلى الله عليه وسلم" ..الغرب لم يفهم ذلك
هناك صحفي في بريطانيا، هذا الصحفي شتم العرب من حوالي 6 أشهر وقال: إن العرب أمة لا تساوي شيئاً، وهذا الصحفي مشهور يعمل في الـ BBC ومن مشاهير مقدمي البرامج في التليفزيون البريطاني، وكانت النتيجة أنه رُفض لأنه عنصري من وجهة نظر بريطانيا، وهذا الصحفي له مقالات عن الأسرة جيدة وأنا أعد برنامج عن الأسرة فقلت أستفيد وأشوف كتب إيه في الأسرة ؟ فذهبت لآخذ شرائط الفيديو والمقالات الصحفية التي يتكلم فيها عن الأسرة فلم أجد مقالة ولا شريطاً...ليه ؟ لأن منتجاته سحبت من الأسواق لأنه معادي للعرب وهذا يعتبر عنصرية، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم..(12/354)
رسالتي للغرب، يجب أن تُعدل قيمة الحرية التي نحترمها ونقدرها ونحتاجها، يجب أن تُعدل حتى لا تتصادم مع قيمة احترام وتوقير المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يا غرب كما تحترم الملوك في أوربا وكما تحترم السامية وكما تقاوم العنصرية وتحترم الأعراق فلابد أن يُحترم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُحترم مقدسات المسلمين..
فرسالتِي للأمة الإسلامية لن نفرط أبداً في توقير رسول الله ورسالتِي للغرب يجب أن تُعدل قيمة حرية التعبير حتى لا تصطدم مع مقدسات المسلمين..
أما رسالتِي الأخيرة فللعالم أجمع..أقول للعالم أجمع هذه الإهانة لم تكن موجهة لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، كانت موجهة لمليار و200 ألف مسلم في العالم..لا مش للمليار و 200 ألف بس هذه إهانة للإنسانية كلها، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم من أعظم البشر.
-أنا في عقيدتي وفي رؤيتي وفي ديني وفي تصوري – الخلق، نموذج نجاح ونموذج نهضة، أعظم نموذج، أعظم شخصية في الإنسانية في تاريخ البشرية مش علشان أنا مسلم بس، من أعظم شخصيات ومن أعظم رموز إصلاحات هذا العالم ومن يقول غير ذلك يكون جاحد، الإهانة ديه إهانة للبشرية، إهانة للإنسان في الأرض، انظر إليه صلى الله عليه وسلم، أن العظماء يتميزوا في نوع واحد من العظمة، فغاندي عظيم في السياسة وشكسبير عظيم في الكتابة وفولتيير عظيم في الفكر ونابليون عظيم في فن الحرب، لكن كل منهم عظيم في لون من ألوان العظمة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فعظيم في كل أنواع العظمة..
انظر إليه في حياته...
عظيم في أخلاقه "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً قط، ما شتم رسول الله أحداً قط، ما ضرب امرأة قط، ما غدر رسول الله قط، ما كذب رسول الله قط، ما أخلف رسول الله وعداً قط، ما انتقم رسول الله لنفسه قط، "
قبل البعثة الصادق الأمين وبعد البعثة كان خلقه القرآن..
عظيم في رؤيته السياسية يوم ما يقول بعد غزوة الخندق "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا"
عظيم في روحانيته عندما تجده راكعاً يقول لله "خشع لك سمعي وبصري وعظمي ومخي وسمعي " أنا كلي خاشع لك يا الله، عندما يقف بين يدي الله فتنفطر قدماه فيقال له "أفلا تستريح " فيقول "أفلا أكون عبداً شكوراً" فأعبده وأعبده وأعبده
عظيم في حرية الرأي عندما يغير المعركة في يوم بدر علشان رأي جندي، لما يحفر الخندق من أجل رأي سلمان، لما يغير خطة المعركة في أُحد من أجل تشاور أصحابه،
عظيم في حرية الرأي يا رسول الله، انظر يا غرب إلي حرية رأي النبي من 1400 سنة.
عظيم في عفوه عن أعداءه..يدخل الصحابة يوم فتح مكة يقول الصحابة "اليوم يوم الملحمة يوم يذل الله قريش " فيرفع النبي صوته ويقول "اليوم يوم المرحمة..اليوم يعز الله قريش "
ويقف أمام قريش ويقول لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
عظيم في زهده عندما يقول "مالي ومال الدنيا ومال الدنيا ومالي " وكان يقدر أن يكون من أغنى وأعظم الناس ويعيش في القصور ولم يكن كذلك
عظيم في تعامله مع الشباب، يقسم الشباب فريقين ويقول لهم علشان يطلع طاقتهم الرياضية والنشاطية ويلعب معاهم ...ويقول فرقة ترمي بالسهام وفرقة تصد بالدروع ويذهب في الفرقة التي تصد بالدروع فيرفضوا الذين يرمون بالسهام، كيف نضربهم وأنت معهم، فيقول اضربوا وأنا معهم جميعاً، فيأخذ الشباب في أحضانه صلى الله عليه وسلم
عظيم صلى الله عليه وسلم حتى في عيون أعداءه، عاش قبل البعثة في مكة 40 سنة معاهم وعاش بعد أن أصبح نبيا في مكة 13 سنة معاهم لم يقدروا أن يطلعوا فيه عيباً ولا كلمة وحشة في قدراته وتميزه..وقالوا "ما جربنا عليك كذباً قط "
عظيم يا إنسانية، ولهذا السبب الإهانة التي حدثت له إهانة لكل أمريكي لكل هندي لكل بكستاني مش للمسلمين فقط، إهانة للبشرية أن يكون عظيم البشرية يقال عنه ذلك
عظيم صلى الله عليه وسلم في رحمته، انظروا يوم الطائف وقد ضربوه بالحجارة حتى أُدميت قدماه وكل أرجله دماء وسنُّهُ 50 سنة، فيأتي له ملك الجبال ويقول له "لو شئت أطبق عليهم الأخشبين" فيرد ويقول "لا... عسى الله أن يُخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله "
انظر إليه يوم أحد يوم أن تكالب عليه الكفار ويسقط في حفرة وتُكسر رباعيته ويمتلئ فمه بالدماء ويُجرح وجه وينزل الدم من وجه الكريم فيقولوا له: ادعوا عليهم يا رسول الله..
فيقول لهم: "إني لم أُبعث لعّاناً ولكنّى بُعثت رحمة للعالمين " للعالمين يا بشرية
ويرفع يديه للسماء ويقول "اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون " يعني كمان بيشفع لهم عند الله تبارك وتعالى !! انظر إلى رحمته صلى الله عليه وسلم(12/355)
عظيم في رحمته حتى مع الحيوانات.....أن رجلاً دخل الجنة في كلب وأن امرأة دخلت النار في قطة...هذا هو نبينا..عظيم من عظماء البشرية، انظر إلي عظمته في كل الميادين وانظر إلي امتداد عظمته لليوم، نابليون وشكسبير وغيرهم فين آثارهم، أفلاطون فين أثره في البشرية الآن وانظر إلي محمد صلى الله عليه وسلم أين أثره في البشرية الآن.
عظيم في وفائه، عظيم في أخلاقه، عظيم عظيم في كل ميدان هتذهب إليه..
عظيم في التعايش مع الآخر يوم ما يستأمن اليهود ويقيمهم في المدينة ويقبل لهم كل حقوق المواطنة ويسكنهم في المدينة ولا يقبل أن يتعرض أحد لهم ولا يأخذ مليم من نقودهم أو أن يغيروا شيئاً من ديانتهم أو يفرض عليهم أي شيء يحول دون حرية تعبدهم، عظيم في تعايشه مع الآخر..
عظيم في تعايشه مع الآخر لمّا رفض إنه يستخدم مسلمين مكة أنهم يعملوا قلائل داخل مكة رغم أنهم يدينوا له بالولاء..ورغم وجود معركة بين المدينة ومكة رفض يستخدم مسلمي مكة وقال لهم ابقوا في مكة لأنه يحترم حق المواطنة داخل مكة والتعايش.
هذا هو نبينا، نبينا اللي طلع صلح الحديبية وكان يقدر يحارب قريش ولكنه طلع يبحث عن السلام وأجبر قريش على السلام وكان يقدر يحاربهم ويجعلها حمّام دماء ينتصر هو فيه.لكن أراد السلام صلى الله علي محمد
يا بشرية افتخري أنه بين البشرية كان هناك محمد صلى الله عليه وسلم سواء أسلمتم أم لم تسلموا سواء كنتم هندوس أو غير مسلمين، سواء كنتم يهود أو مسيحيين، تعتقدوا أو لا تعتقدوا..هو عظيم هو عظيم...التاريخ قبله شيء والتاريخ بعده شيء...هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم
رسالتي للعالم..أنت ملم يا عالم بما حدث والحق أن العالم كله يطالب بتشريع دولي لاحترام هذا النبي العظيم..
بقيت كلمة أخيرة..لا نريد كلاماً وأنا تأخرت في بداية هذه الكلمة، تأخرت في أن أقول كلمتي، من أجل أننا لا نريد كلاماً نظرياً، ولا نريد اعتذاراً رمزياً، نحن نريد أفعالاً من الغرب تدل على توقير النبي صلى الله عليه وسلم ولن نسكت حتى يعود في هذه القضية التوقير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولن تنتهي هذه القضية إلا بفعل التوقير صلى الله عليه وسلم رمز من رموز البشرية والناس جميعا والعظيم القائد العظيم والنبي العظيم في عيون المسلمين...هذا هو ما نريده ولا يكفي الاعتذار الرمزي، يجب أفعال من الغرب تدل على التوقير وحتى يتم ذلك..فنريد من الشباب نشر هذه الكلمة لتصل إلي مسامع آبائنا وأمهاتنا، الشباب على الموقع..هذه الكلمة تأخذوها مرئية ومكتوبة وتوزع وتترجم ودار الترجمة تترجمها وتصل إلي الغرب جميعاً، نريد رسائل قصيرة من الشباب عن هذه الكلمة، وهذه الكلمة ستنزل على اقرأ..
نريد التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم فوراً في كل مكان في العالم..خطى الحبيب بيعاد الآن على اقرأ، الدكتور طارق سويدان له شرائط عن السيرة النبوية، الشيخ عائض القرني له كلمات عن السيرة النبوية، الحبيب على الحفري له كلمات عن السيرة النبوية، الدكتور البوطي له كتب عن السيرة النبوية، خطى الحبيب نزل شرائط، يأخذ هذا الكلام ويعم في العالم والمسلمين والغرب..إلي أن تحل القضية وتجاب مطالب الأمة الإسلامية بأفعال وليس بكلمات،هذا هو الواجب المطلوب من الشباب الآن نشر هذه الكلمة وإيصالها إلي مسامع العالم أجمع وتترجم والواجب الثاني هو مطلوب من كل الشباب أن يعرفوا ويبذلوا الجهد بالتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم سواء بشرائط أو حلقات أو كتب أو بمشاهدة على خطى الحبيب وهو يذاع كل يوم ثلاثاء أو جمعة في مواعيدنا الثابتة..إحياء التعريف بالنبي جوه المسلمين وخارجهم..والجميل أن على خطي الحبيب الآن يذاع مترجم بالإنجليزية..فأرجوكم يا شباب هذا هو الواجب المطلوب الآن إلي أن نصل إلي حل
وللحديث بقية..ولن ينتهي حديثي عند هذه الكلمات فمازال الأمر له بقية...
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمرو خالد.
ارسل تعليقك
ايمن حسن احمد ... مصر ... 5/30/2006 1:20:08 AM ...
يأستاذ عمرو طبعا جزاك الله كل خير على اللى بتعملة بس احنا العرب اللى هما المسلمين محتاجين واحد يصرخ بصوت عال يوحد المسلمين من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب زى صلاح الدين ساعتها حيكون للعرب كلمة ومكانة وحنسحق اسرائيل ويكون مفيش حدود بين الدول دولة اسلامية عربية واحدة دينها الاسلام ربها الله سيدنا محمد نبيها ورسولها امة موحدة فى قلبها الحب قوتها الايمان وعزيمتها الصبر ممكن يتحقق الحلم دة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ارجو الرد لان فية شباب كتير يأس ومحبط وانا فى مجال عملى بحس بدة من الشباب الصغار وبفضل اقويهم لكن عايز اقولهم ان فى ناس حاسة بيهم وبيحاولو ودة حيكون من خلال ردكم عليا عشان ارسلهم الرد واعرفهم ان الامل موجود وشكرا ... ... ...
ميسون قصاص ... سوريا ... 5/20/2006 7:23:47 PM ...(12/356)
السّلام عليكم : ليس معنى اختلافنا في الآراء أن يظنّ واحدنا أنّه هو المصيب والآخرون مخطئون .. وليس معنى اختلافنا أن نتربّص ببعضنا البعض على الهفوات واللّمم بينما يتربّص بنا الأعداء من كلّ جانب . وليس معنى اختلافنا أن نفقد لغة الاحترام فيما بيننا . أجل الأستاذ عمرو غير ملتح وكذلك شأن الدكتور النابلسي والشّيخ البوطي حفظهم الله جميعاً وغيرهم من علماء ودعاة كان وما زال لهم أثرهم الطّيّب في نفوس الأمّة وأظنّ أنّ كثيرين من دعاة وعلماء الملتحين لن يعفهيم إعفاء لحاهم أمام الله عن تقصيرهم في تبليغ رسالة ربّهم ونبيّهم . وأرى أنّ ترك سنّة ظاهرة خير من ترك سنن خفيّة كثيرة لدى بعض ممن ينتقدون من لا يلتحي .. وأوّل هذه السّنن الواجبة المتروكة لديهم هي أدب النّصيحة والحوار . فلنتّق الله في أنفسنا ولن أقول في بعضنا لأنّنا ينبغي أن نكون جسداً واحداً كما أراد لنا رسولنا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم . والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ...
ابيهى عبد الجبار ... المغرب ... 2/27/2006 1:05:57 PM ...
بسم الله الرحمن الرحيم : والصلاة والسلام على حبيبنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى :(لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لاكم ...)من هدا الحدث ان شاء الله ستقوم الاؤمة الاسلامية فابحمد الله سيقوم مؤتمر في الدنمارك للدعة منهم الاستاد الحبببببيب عمرو خالد حفضه الله فمن وجبنا نصرة النبي صلى الله عليه وسلم تصور هدا الحذث بما وقع لنبي صلى الله عليه وسلم عندما خرج الى الطائف يبحث عن من يحميه ليانشر رسالته ,فلذلك يجب علين حمية النبي صلى الله عليه وسلم وتعريف الدنماركين والغرب اجمع بهداالصدق الامين من طرف ارسال رسالة تعرف بها عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرف موقع الاستاد عمرو خالد :www.am صلى الله عليه وسلم khal صلى الله عليه وسلم d.n صلى الله عليه وسلم t والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوكم ابيهى عبد الجبار من المغرب ... ... ...
أخوكم في الله (شادي) ... مصر ... 2/20/2006 10:20:30 PM ...
نحن السبب في سب الرسول (ص) فلو كنا ملتزمين بسنته ص لمل حدث ما حدث فصدق الرسول الكريم حين قال تتداعى عليكم الأمم .................. ... ... ...
محمد المصرى ... صلى الله عليه وسلم gypt ... 2/17/2006 9:05:19 PM ...
ان نصرة النبى بنصرة سنته وماجاءبه م عند ربه والتشبه به فى افعاله واقواله وحله وترحاله وزيه ولباسه لو ارادعمرو نصرته فليتح كما مان النبى ...
أم أروى ... Saudi A صلى الله عليه وسلم abia ... 2/12/2006 9:26:20 PM ...
الحمد لله أن أيقظ قلوب الأمة بهذه الأزمة ولكننا ننتظر تحقيق النصرة الحقيقية لحبيبنا صلى الله عليه وسلم وذلك بإحياء سنته وسيرته في كل منحىً في حياتناوهذا أعظم دليل على الحب الإيماني وليس الاكتفاء بالشجب والاستنكار بل وأشد ما يسوءنا مايلحقه بعض المسلمين من أضرار وتخريب للأشخاص والمباني فليس ذاك من ديننا في شيء . فالواجب أن نستثمر مثل هذه الفرص لنشر الإسلام وبيانه بياناً شافياً كافياً وماأروع أن يخاطب العالم أجمع بذلك بجميع اللغات وفي مختلف القنوات الفضائية (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ). وفي الختام أدعوا الله أن يحفظ علماءنا ودعاتنا وأخص بذلك الشيخ عمرو خالد -حفظه الله ورعاه -متمنية أن ينفعنا بعلمه وفهمه ويرزقنا كهمته للدين إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم . ... ... ...
جيلالي العابد ... Alg صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ia ... 2/12/2006 3:33:54 PM ...
جميل جدا أن نثور لأن الغرب أساء للرسول صلى الله عليه وسلم ،والأجمل من ذلك أن نأخذ أولا على أيدي سفهائنا الذين يتطاولون عليه من حيث إدعاؤهم أن شريعته غير صالحة لكل زمان ومكان ،وما أمر تغيير مناهج التربية والتعليم عنا ببعيد. -ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجيلالي ... ... WANOUS ... Unit صلى الله عليه وسلم d Kingdom ... 2/10/2006 5:43:09 PM ...(12/357)
أرى أن شعوب الغرب وبعض شعوب الشرق أيضا مغلوب على أمرها فهي وأن ظهر أنها تتمتع بشيء من حرية التعبير ألا أنها قد حشرت مثلنا (الآن) في زحمة البحث المتلهف للقمة العيش فلم يعد لدى تلك الشعوب (مثلنا) أي وقت للنظر من حولها والتبصر في شئون حياتها وألى أين اتجاهها. وعلى القادرين منا فكرا وعلما ومالا العمل بصورة جاده ومنظمة ومنسقه على نشر مباديء الأسلام الحنيف بلغات تلك الشعوب في هيئة بسيطه وسهله دون مقارنته بأي من الأديان الأخرى حتى ترسخ قيم الأسلام الصافيه في أذهانهم ولا يعتبروه مجرد فكر يريد أن يطغى على معتقداتهم ، بل لرفع الغشاوة عن أعينهم بالكلمة اللينة والقدوة الحسنه على أن تستمر هذه الجهود سنوات وعقود ألى ما لا نهايه وتتوسع لتصل المدينة والقرية والسهل والجبل ولترسل الدعاة المعدين أعدادا جيدا ألى كل بقاع الأرض ليكونوا قدوة حسنه ولا يكونوا مجادلين لا يحسنون الجدل... والله ولي التوفيق ... ... ================
عناصر القوة الإيجابيَّة في مواقف المسلمين لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
خباب بن مروان الحمد
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ، وأشهد ألاَّ إله إلاَّ الله إقراراً به وتوحيداً ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله ، وصحبه وسلَّم تسليماً مزيداً أمَّا بعد:
إنَّ حديثي سينصبُّ حول استخلاص عناصر القوة والإيجابية في مواقف المسلمين في النصرة لرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ والتي رأيت أنَّها ـ ولله الحمد ـ كان لها ظهور ساطع ، وبارق لامع ، نتج إثر ما اقترفته الصحيفة الدنماركيَّة سيئة الذكر ، والتي تمخَّض من جرَّاء فعلها ، منافع كثيرة ، فربَّ ضارة نافعة ، وعلى نفسها جنت براقش ، وظهر أنَّ في الأمَّة الإسلامية خيراً كثيراً ، ما زال يتنامى ويتصاعد يوماً بعد يوم.
إنَّ حدث الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم سيُنسى يوماً ما ، ويبقى الأثر المستثمر منه والمتمثل؛ في جامعة عتيدة ، وقناة فضائية، ومقرر مدرسي، ومؤلف علمي، ومؤتمر سنوي، ومؤسسة عريقة ،كنتيجة طيبة للغضبة الإيجابية التي عمت العالم الإسلامي.
ولهذا فإنَّه يجب ألا تغلق الإساءة أعيننا عن اغتنام الفرصة، ويكفي أصحاب الرأي أن يتذكروا ما قاله _عليه الصلاة والسلام_ حينما هجاه بعض الكفار وقالوا عنه "مذمم" بدلاً عن "محمد" زيادة في الذم، فكان قوله _صلى الله عليه وسلم_ لصحابته الذين ساءتهم مقالة الكفار: " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني أذى قريش وسبهم، هم يشتمون مذمماً وأنا محمد". أخرجه البخاري. فهم رسموا رسومات وهمية في أذهانهم ، وهي ليست -بلا شك- رسومات للنبي _ عليه الصلاة والسلام ـ ولهذا قال الله تعالى لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم :(إنَّا كفيناك المستهزئين) فلن يضرَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ما اقترفته أيدي الرسَّامين ، ولكنَّنا نقول : إنَّ ما وراء ذلك الحدث كان للمسلمين فيه دور كبير في نصرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ذلك:
1ـ المقاطعة الاقتصادية من الشعوب الإسلاميَّة للدول التي أساءت لرسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وقد قيل في المقولة الأمريكية :الذي في يده السلاح هو الذي يسن القوانين ، ومن هنا فقد استشعر المسلمون أنَّ بيدهم سلاحاً لا يستطيع أهل الكفر أن ينزعوه منهم لأنَّه متعلق بإرادتهم ، بل جعلت أوروبا (الرسمية) تقف على قدمها وتحاول معالجة القضية ، وبهذا صار للمسلمين موقف يحسب له أهل الكفر حساباً ، وأدَّت هذه المقاطعة إلى انتصار كبير نفسي للمسلمين ، وكسر لحاجز الخوف الذي زرعه الغرب فينا.
2ـ طباعة الكتب المعرفة بشخصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنها قيام مجلة البيان بمشروع سمَّته :(مشروع المحبة ) حيث سيطبع منه مليون نسخة ، من كتاب (محبة النبي وتعظيمه) للشيخين الفاضلين: عبدالله بن صالح الخضيري ، وعبداللطيف بن محمد الحسن .
3ـ إنشاء المواقع المعرفة بشخصه ، وإطلاق كثير منها ، إثر تلك الهجمة الشرسة على رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مرافقة لكثير من الصفحات العديدة التي كانت مصاحبة لكثير من المواقع الإخبارية ، أو العلمية ، بل حتَّى في المنتديات كانت هناك صفحات عديدة تتحدَّث عنه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ
4ـ هبَّات الشعوب الإسلامية هبَّة واحدة لنصرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان في ذلك خير كثير ، ولهذا فإنِّي أقول لنخبنا العلميَّة والفكريةَّ : ينبغي ألاَّ نحتقر الشعوب فهي القلب النابض بالإسلام ، بل هي مستودع الإسلام ، فقد بان أنَّ في الأمَّة الإسلاميَّة خيراً كثيراً ، وأنَّه لا يزال فيها ، من يتنفض لحرمات الله ، ويغار على دينه ، ويذبُّ عن حرمة الإسلام ، وصدق القائل:
إذا كان قلبي لا يغار لدينه***فما هو لي قلب ولا أنا صاحبه(12/358)
5ـ كثرة المحاضرات والخطب ، والبدء بدروس علميَّة تشرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ، وجميل خلقه ، وسيرته ، متزامنة مع ما كان يُشرح من قبل.
6ـ شعور كثير من المسلمين بالعزة ، وأنَّهم يستطيعون أن يصنعوا قراراً ، يستجديهم بعده الشرق والغرب ، بأن يخفِّفوا من غلواء غضبهم ، ويتركوا مقاطعة الدول التي أساءت لرسول الله.
7ـ هذه الهجمة الشرسة أشعرت المسلمين وخصوصاً أهل العلم بأهميَّة تفعيل قضية إنشاء رابطة عالمية للعلماء والمفكرين ، خالية من الثالوث الخطير الذي ينبغي عليهم أن يحذروا منه وهو :(البعد عن الحزبية ـ ترك التعصب للإقليمية ـ ألا يكون تابعاً لجهة رسمية) وتكون بدورها هذه الرابطة تدرس مستجدات المسلمين الراهنة ، وتردها لمنهاج الله ، ولعلَّ هذا المؤتمر يكون بداية تفعيل هذه القضيَّة.
8ـ محاولة كثير من المسلمين الانتهاج بنهج خير المرسلين ، واتباع سنته وتطبيقها ، وتوصية بعضهم لبعض بالحث على ملازمة ذلك.
9ـ الضغط الإسلامي على هذه القضية جعلها رأس القضايا في الإذاعات ، والوكالات الإخبارية.
10ـ عودة الكثير من المسلمين للهداية بفضل الله ، حين شعروا بقيمة دينهم ، وعلو نبيهم ،
11ـ إسلام بعض الكفار ، في بعض الدول الكافرة.
12ـ عرف كثير من المسلمين حقيقة عداوة الكفَّار لهم ، وحقدهم على دينهم ورسولهم ، وإرادة الشر والكيد بهم ، فازدادت قناعة كثير من المسلمين ببغض الكفار لهم ، ولا ننسى أنَّه تعالى قد قال:(إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبيناً)
13ـ تصدي الكثير من المسلمين لبعض دعوات العلمانيين ، والرد عليها ، من قبيل قول بعضهم إنَّ هذه الرسوم من قبيل حرية الرأي فلا داعي لمعارضتها ، ومعارضة بعضهم للمقاطعة ، وقول بعضهم أن القضية أكبر من حجمها.
14ـ كانت تلك الإساءة لرسولنا ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ منحة للتعريف بدين الإسلام ، والسؤال عنه من قبل الكفَّار فقد أوردت وكالات الأنباء شراء كثير من الفرنسيين للقرآن الكريم بعد الأزمة الدنماركيَّة ، ولكم أن تعرفوا أنَّه خلال أسبوع واحد كانت نسخ القرآن التي اشتريت من قبل الفرنسيين 60 ألف نسخة ، ولعلَّ ذلك يكون سبباً في هدايتهم إلى هذا الدين الإسلامي العظيم ، وحينها نقول: على نفسها جنت براقش.
15ـ قيام بعض المؤسسات الإسلاميَّة بطباعة كثير من الكتب المعرِّفة بفضل الإسلام وبرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وترجمتها لعديد من اللغات كالانجليزية والفرنسية والدنماركية وغيرها.
16ـ مواقف بعض حكومات الدول الإسلاميَّة ؛ بسحب سفرائهم من الدنمارك ، واستدعاء سفراء الدنمارك ، وتبنِّي تبيين فضل رسول الله ، وسيرته .
17ـ المطالبة بمحاكمة جميع المجرمين بما فيهم رئيس تحرير تلك الصحيفة محاكمة عادلة ، وإيقاع العقوبة الرادعة بهم ، وفصل رئيس التحرير من تلك الصحيفة ، تنكيلاً به وإزراء عليه وعقوبة له.
18ـ المظاهرات العارمة التي عمَّت البلاد الإسلامية ، وكانت شعلة وهَّاجة ضدَّ من سبّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ
19ـ هذا الحدث بيَّن أنَّ المسلمين إذا اختاروا رأياً واتفقوا عليه فإنَّه بمقدورهم بإذن الله أن يكون لهم موقف سديد تجاه أعداء الدين ، لا يستطيعون زحزحتهم عنه ، أو ثنيهم عنه.
20 ـ بدء كثير من أصحاب الفكر والعلم بتبيين سيرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصوصاً أن كثيراً من الأوروبيين قد بيَّن لهم إعلامهم بأن رسول الله رجل إرهابي ودموي ، وقد أوصدت تلك الأنظمة الحاكمة على شعوبها في بلادهم وأقفلت عليهم بإعلامهم الذي يضلِّل هذه الشعوب، ويصف المسلمين بأنَّهم همجيون ، وليسوا ذوي أخلاق ومعرفة وعلم .
21ـ رسائل الاحتجاج التي وصلت للدنمارك وسفاراتها.
22ـ بدء بعض المنشدين الإسلاميين ، بإخراج أشرطة في فضائل النبي ، وتمدحه بالمدح المباح الذي لا يوجد فيه غلو ولا إجحاف.
23ـ الحوارات في الفضائيات ، والمقالات في الصحف ، التي انتشرت عقب الهجمة الشرسة على رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بتبيين سيرته ، وشمائل أخلاقه .
24ـ استقبال بعض الدعاة والأثرياء للأجانب الذي يرغبون في التعرف على الإسلام.
25ـ ضغط بعض المختصِّين على الدول المسيئة لرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ التي اشعلت الأزمة لسن قوانين تجرم إهانة العقائد السماوية ، لأنَّ هذه العقائد تستحق معاملة أفضل من القداسة التي يضيفها الغربيون على "السامية" اليهودية.
26ـ انكباب كثير من الشباب والفتيات على دراسة سيرة رسول الله ، وكتابة بحوث حول مقاطع من هديه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ
27ـ كثير من مستخدمي الانترنت يرسلون رسائل بريدية في الدفاع والذب عن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وتبيين سيرته سواء للمسلمين أو لغيرهم .
28ـ هناك الآلاف اليوم في أوروبا بالذات يقبلون على شراء الكتب التي تتحدث عن شخص النبي الكريم، وهذه طريقة قوية لجذبهم للإسلام.(12/359)
29ـ أنَّ أي إنسان مسلم اليوم يشعر بأن نبيه أهمُّ إليه من حبل الوريد ، وإن مس بسوء ، فما نفع الحياة بعد ذلك ؟
30ـ فتح الباب أيضا لمناقشة جدوى ما يسمى " حوار الحضارات" إذا كانت الحضارة الأوروبية تعتبر أن من حقها إهانة سيد البشر لأن في ذلك حرية للتعبير عن رأيها ،وطرح الموضوع من خلال وجهات النظر المعاصرة ، والمصطلحات المتداولة دوليا، مثل: حوار الحضارات، واحترام الأديان والمقدسات وإدراجها ضمن منظومة حقوق الإنسان.
31ـ هذا الحدث بيَّن التآزر الخفي بين أهل الكفر ، حيث كان من نتائجه التي أعتبرها إيجابيَّة أنَّه كشف حقد الكافرين على المسلمين (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) وأنَّهم لم يتجاوزوا ما قاله ـ عزَّ وجلَّ ـ :" بعضهم أولياء بعض" ففي فلسطين مثلاً بعد حادثة الدنمارك تكررت حوادث الإساءة لشخص الرسول الكريم، وقام اليهود بكتابة شعارات مهينة ضد النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ والإسلام، وقبل عدَّة أيام من تاريخ كتابة هذه الأوراق ، وقف الجنود على حاجز عسكري قرب القدس وقاموا بتوجيه الشتائم ضد شخص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أمام المواطنين المحتجزين وأمام نواب في المجلس التشريعي.
32ـ هناك من ظن أن سيرة الرسول أصبحت مجرد مقررات تدرس ومعلومات تعيش رهينة الكتب ، وأن حبه أمر نتوارثه ونعايشه بحكم العادة ، وهذا أمر ثبت خطؤه.
33ـ الأطفال الصغار كان لكثير منهم أدوار إيجابية حتى في رفض أكل أي منتج دنماركي لسبهم لرسول الله.
34ـ أشعرت المسلمين بوجوب الرجوع للقرآن ، ودراسة آيات الولاء والبراء، وأن الكفار بعضهم أولياء بعض ، وتذكر مواقفهم تجاه سبِّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ
35ـ مناداة الكثير من أبناء المسلمين ألاَّ يكون هذا الفعل منهم مجرد رد أفعال بل منازلة وفعال، وأنَّ المسلمين بإمكانهم أن يصنعوا الحدث.
36ـ أنَّ المسلمين لم ينخدعوا بما يسمَّى اعتذارات وهمية صدرت عن الجريدة أو عن المجلة الدنماركية التي أساءت لرسول الله ، بل كان لديهم من الوعي الشيء الكبير.
37ـ ظهر استطلاع بيَّن أنَّ أكثر من ثلاثة أرباع الأردنيين يؤيدون استخدام سلاح النفط في حال تكرار الإساءة ، كما في استطلاع لمركز عالم المعرفة الأردني لاستطلاعات الرأي.
38ـ استغلال الدعاة والمفكرين والعلماء هذه الهجمة بتبيين فضل رسول الله ، وشيء من سيرته العطرة ، بل بدأ كثير منهم بدروس تخصه عليه السلام.
39ـ بعض المواقع الإباحية كان لها دور بالحث على المقاطعة ، ونصرة رسول الله ، وتاب كثير منهم إثر تلك الهجمة وأعلن ذلك في منتديات الإنترنت.
40ـ كثير من المسلمين أحسُّوا بالترابط ، والشعور بالجسد الواحد ، والوحدة فيما بينهم ، وتناسي الخلافات والحزبيات ومن ذلك هذا المؤتمر الرائع الذي ينم عن وحدة الأمة الإسلامية.
41ـ أن أمة الإسلام مهما يفعل لها أعداء الإسلام من الغزو الفكري إلاَّ أنَّهم لم ولن يصلوا إلى أساسها وفطرتها بالسوء لأن الله ناصرٌ دينه وحافظٌ لهذا القرآن والدين إلى يوم الدين.
42ـ شعر التجَّار بدورهم في هذه المقاطعة ، ولهذا فينبغي علينا إشعارهم بأنَّه كان لهم دور كبير وكبير جداً في بثِّ روح الموالاة لرسول الله ، وأنَّهم سيَّروا الشعوب المسلمة لمقاطعة الدول المسيئة لرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ .
43ـ إعلان بعض المواقع عن مسابقات للتأليف عن سيرة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ والكتابة في ذلك ، من قبيل المقالات ، أو البحوث والدراسات.
44ـ كانت هناك مواقف رائعة للغاية من بعض الصحافيين المسلمين ، حين دافع عن شخصيَّة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ، حين كان يتحادث مع رئيس تحرير تلك الصحيفة الدنماركيَّة، وعارضه بادعائه أنَّ تلك كانت من قبيل حريَّة الرأي ، ولهذا فينبغي علينا أن نثمِّر مواقف أولئك الصحافيين ، ونثمِّنها لهم ، ونشكرهم عليها.
45ـ أنَّ المقاطعة الاقتصادية للدنمارك والدول المسيئة للرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ، أوجدت فكرة البديل في المنتج العربي المحلي ، بالاعتماد على الذات وتحقيق الاكتفاء الذاتي ، ومناداة الكثير من المسلمين بقولهم:(نأكل ممَّا نزرع ، ونلبس ممَّا نصنع) ، بل هذه المقاطعة أوضحت أهمية الاستقلال الاقتصادي لاسيما بعد تصريحات السفير الدنماركي بالجزائر، والتي يهزأ بها على المسلمين قائلاً: "كيف يقاطعون وهم لا ينتجون ! ".
46ـ توحد الصف باختلاف أطيافه المتنوعة ، وإن كان ـ في رأيي ـ توحداً وقتياً يحتاج إلى آليات لاستمراره ، والحقيقة أنَّ هذا التوحد الشعبي بين المسلمين ، ما كان له أن يظهر بهذه القوَّة إلاَّ لأنَّ من ورائه أثر العقيدة الإسلاميَّة ، وأنَّها هي التي تجمع المسلمين وتوحد صفوفهم.
47ـ التحرر من الاستعباد الداخلي والخارجي.
48ـ تنمية روح الإبداع والابتكار ، لدى الشعوب المسلمة في الوسائل العمليَّة في نصرة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ.(12/360)
49ـ أظهر هذا الحدث مكامن القوة في الأمة التي يجب أن تستغل وتستثمر.
50ـ أطلَّ الإسلام من خلال هذه القضية على كثير من البقع الكونية التي كانت تجهل الإسلام وحقيقته.
51ـ وضع خطوط حمراء للمجتمع الغربي تجاه المسلمين ومعتقداتهم.
52ـ شعر المسلمون بشيء من الطمأنينة على رموزهم الإسلامية من خلال وقفتهم القويَّة والمشرِّفة.
53ـ تفكير الكثير من الإعلاميين ورجال الأعمال ، للبدء بإطلاق قناة فضائية ، تخصُّ الحديث عن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وجميع ما يدور حوله.
54ـ مناداة بعض الأشراف الذين هم من ذريَّة نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمقاضاة الصحيفة ، ورفع دعواهم للمحامين ليبدؤوا بها.
55 ـ تفكير كثير من النخب العلميَّة وأصحاب المال بإنشاء وتمويل أقسام للدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية ، التي ترحب بكل ممول، وتمنحه الحرية بتصرف أمواله.
56ـ إنشاء مواقع الكترونية باللغات الغربية للتعريف بسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعاليم رسالته.
57ـ إيجاد وسائل إعلامية ناطقة بلغات الغرب تكون قوية حتى توضح صورة الإسلام.
58ـ بدء بعض الإسلاميين بدعم حملات تعريفية بالنبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في الغرب، على أن تموِّلها جهات في الدول الإسلامية ، لكن تتولى تنفيذها المراكز والهيئات الإسلامية الغربية.
59ـ التبرع بجوائز علمية للكُتاب الذين يكتبون مؤلفات وبحوثاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ باللغات الغربية ، يتنافس فيها الكتاب المسلمون الغربيون، ويتم نشرها على نطاق واسع.
60ـ تواصي كثير من الشعوب الإسلاميَّة بالدعاء على أولئك الظلمة الذين أساؤوا لرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ
61ـ الفطرة النقيَّة التي ظهر من خلالها غضبة الناس حتى من غير الملتزمين على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرغم من الهجمة الفكرية الشرسة على الأمة والغزو الإعلامي الصليبي والذي يبث على قنواتنا العربية.
62ـ القيام بالجانب الايجابي باتجاه الآخر وهو تنظيم مؤتمرات وورش عمل ، لغير المسلمين للتعريف بالرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ .
63ـ رب ضارة نافعة ، فبعض المواقع المعرِّفة للنبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ باللغة الانجليزية ، لم تظهر إلاَّ بعد هذه الأزمة.
64ـ ظهور أصوات جديدة من الدعاة صغار السن ، وكتَّاب جدد لم يظهروا إلاَّ من خلال تلك الأزمة.
65ـ وضوح الأثر الإيجابي لوسائل الإعلام عند استخدامها في المجالات المهمة والقضايا الجوهرية في حياة الأمة.
66ـ كثرة الصلاة والسلام على رسول الله ، فالشعوب كلُّها تتواصى بذلك ، وأظنُّ أنَّ أكثر فترة مرَّت على البشريَّة بالصلاة على رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ هي هذه الفترة ، التي سبَّ فيها رسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلًّم ـ فضجَّ المسلمون بالصلاة والسلام عليه ـ عليه صلاة الله وسلامه ، ما تعاقب الليل والنهار ، وجرت الأنهار ، وصدحت الطيور مغنية فوق الأشجار.
========================
عَبْدِ العَزِيْزِ بْن ِ فَيْصَل الرّاجِحِيّ
بيانٌ في الواجب على المسلمين تجاه ما نشرته بعض الصحف الدنماركية والأوروبية في حق النبي صلى الله عليه وسلم
الشَّيْخِ عَبْدِ العَزِيْزِ بْن ِ فَيْصَل الرّاجِحِيّ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وخيرة الخلق أجمعين، نبينا وسيد ولد آدم، محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإن أعظمَ نعمة أنعمها الله على العالمين، بعثتُه المرسلين لبيان حَقّ رَبّ العباد أجمعين، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّيْنَ مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالَحقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيْمَا اخْتَلَفُوْا فِيْهِ مِنَ الَحقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ)، (رُسُلاً مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ لِئَلَّا يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
فكان أعظم الناس حَظًّا، وأتمَّهم سعادةً مَنْ آمن بهم ونصرهم وعزَّرهم، وكان أشقى الناس وأتعسهم مَنْ كفر بهم، وقاتلهم، وأستهزأ بهم وبما جاءوا به. قال سبحانه: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ). وقال: (وَمَا نُرْسِلُ الُمرْسَلِيْنَ إِلَّا مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُوْنَ. وَالَّذِيْنَ كَذَّبُوْا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ العَذَابُ بِمَا كَانُوْا يَفْسُقُوْنَ).
وأوجب سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله الكرام حقوقا عظيمة على أُمَمِهم، مِنَ الاتِّباع والسمع والطاعة والمحبة فوق محبة النفس والمال والوالد والولد، والنصرة والتعزير والتوقير والتصديق والتعظيم.(12/361)
ثم جعل أعظمهم حَقًّا، وأتمَّهم قَدْرًا، سيد الثقلين، وخيرة الأولين والآخرين، خليله وكليمه، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله أتم صلاة وأتم سلام.
وأخبر عباده المؤمنين بأن نبيه محمدا له عنده المقام المحمود المُعظَّم، وأنه خليله المُكرَّم، وصفيه الُمكلَّم، أُعرج به إليه، وسمع من ربه كلامه وما أُوحيَ عليه، وأنه شفيع العباد يوم المعاد، وأنه شفيعهم يومئذ عند امتناع الأنبياء والرسل عن الشفاعات، واعتذارهم ببعض الأمور والزَّلَّات، فيقوم بين يدي ربه داعيا متضرعا ذليلا، فَيُكْرِمُ رَبُّهُ مقامَهُ عنده، ويقول له أمام أنبيائه وسائر خلقه « ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ».
وأخبر سبحانه عبادَهُ مُمْتَنًّا عليهم ببعثتِه إيَّاه لهم: أنه على خلق عظيم، وأنه رؤوف بهم ورحيم، يُعْنِتُهُ ما يُعْنِتُهُمْ، ويَسُرُّهُ ما يَسُرُّهُمْ، فما دعى لهم إلا بالهداية والرشاد، وإنْ تمادوا عليه بالتكذيب والعناد.
وأخبر أنه صلى الله عليه وسلم أولى من المؤمنين بأنفسهم، فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يُوقى بالأنفس والأموال، وأَنْ يُقَدَّمَ على كُلِّ حال، كما قال سبحانه: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الَمدِيْنَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوْا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوْا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ).
فَعُلِمَ أَنَّ رغبة الإنسان بنفسه أَنْ يصيبَهُ ما يصيب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المشقة معه حرام.
ومِنْ حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم: أن يكون أحبَّ إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق، كما دَلَّ على ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
وقال صلى الله عليه وسلم:«لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ» أخرجاه في«الصحيحين».
فصلى الله عليه صلاة دائمة ما دامت السموات والأرض، وسَلَّمَ عليه سلامًا ما تعبَّد اللهَ المؤمنون بنفل أو فَرْض.
فَصْلٌ
ثم إني قد اطلعتُ قبل أيام على ما نشرته صحيفة « يولاند بوستن » (Jyllands-Post صلى الله عليه وسلم n) الدنماركية، يوم الجمعة (26/8/1426هـ -30/9/2005م) من طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، واستهزاء به وإلحاد، بنشرهم اثني عشر رسما كاريكوتيرا ساخرا بالنبي صلى الله عليه وسلم، واستمرت في نشره أسبوعا بعد ذلك ! ثم أعادت عدة صحف أوروبية نشر هذه الرسوم هذا الشهر والذي قبله مرَّة أخرى.
وفي هذا محادَّةٌ لله ورسولِه صلى الله عليه وسلم، ومحاربةٌ وإيذاءٌ، وقد قال جَلَّ وعلا في المؤذين له ولرسله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً).
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ).
وقد أوجب الله جَلَّ وعلا على المسلمين كافَّة حقوقا وواجبات في شأن الُمعادين له ولرسله صلى الله عليهم وسلم، من إيذانهم بالحرب والعداوة والبغضاء.
وجعل حكم سَابِّ رسوله صلى الله عليه وسلم القتل، سواء كان مسلما أو كافرا، تاب من سَبِّهِ أم استمر في غَيِّهِ، بل حتى لو كان السّاب كافرا فأسلم لم يعصم ذلك دمَهُ، وإنْ قُبِلَ منه إسلامُه، لذلك يُقتل دون استتابة.
وقد قَرَّرَ هذا كُلَّهُ شيخُ الإسلام أبو العباس أحمد ابن تيمية رضي الله عنه أتمَّ تقرير في كتابه العظيم الكبير «الصارم المسلول، على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم »، واستدلَّ عليه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع، وساق فيها ما لا يستطاع دفعه.
قال شيخ الإسلام في أوله (ص3): (المسألة الأولى: أن مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر: فإنه يجب قتله. هذا مذهب عليه عامة أهل العلم، قال ابن المنذر:«أجمع عوام أهل العلم على أن حَدَّ مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم القتل»).(12/362)
وقد حكى الإجماع غير واحد من الأئمة، منهم أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي، وإسحاق بن راهوية، والخطابي، ومحمد بن سحنون.
وقال (ص253): (المسألة الثانية: أنه يتعين قتلُه، ولايجوز استرقاقُه، ولا المَنُّ عليه ولا فداؤه).
وقال (ص300): (المسألة الثالثة: أنه يُقتل ولا يُستتاب، سواء كان مسلما أو كافرا. قال الإمام أحمد في رواية حنبل:«كل مَنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم وتنقَّصه مسلما كان أو كافرا: فعليه القتل، وأرى أَنْ يُقتل ولا يُستتاب »).
ثم قال: (وقال عبد الله: سألت أبي عَمَّنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم يستتاب ؟ قال:«قد وجب عليه القتل ولا يستتاب، خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستتبه »).
ثم قال (ص301): (وقال القاضي في«خلافه» وابنُه أبو الحسين: «إذا سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، ولم تقبل توبتُه، مسلما كان أو كافرا، ويجعله ناقضا للعهد، نَصَّ عليه أحمد»).
ثم قال (ص303): (وقد صرح بذلك جماعة غيرهم، فقال القاضي الشريف أبو علي بن أبي موسى في«الإرشاد» وهو ممن يُعتمد نقلُه:«ومَنْ سَبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل، ولم يُستتب، ومَنْ سَبَّهُ من أهل الذمة قُتل، وإِنْ أَسْلَمَ».
وقال أبو علي بن البَنَّاء في«الخصال والأقسام» له: «ومَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وَجَبَ قتلُه، ولا تُقبل توبتُه، وإن كان كافرا فأسلم فالصحيح من المذهب أنه يُقتل أيضا، ولا يستتاب » قال: « ومذهب مالك كمذهبنا »).
فَصْلٌ
ولما كان هذا متعذرا اليوم على المسلمين لضعفهم وتفرقهم أَنْ ينالوا من أعدائه والمستهزئين برسله، ولتسلط أعدائهم عليهم بذنوبهم: كان الواجب على كُلِّ مسلم في هذا بقدره وبحسبه، إعذارا إلى الله وبراءةً منهم إليه. قال سبحانه (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وقال: (فَاتَّقُوْا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ».
لذا فالواجب اللازم على المسلمين اليوم: إنكارُ هذا المنكر العظيم، كُلٌّ بما خَوَّلَهُ الله وولَّاهُ، فالواجب على ولاة أمور المسلمين قَطْعُ صِلَتِهم بهذه الدولة الُمحادَّة. والواجب على عموم المسلمين تجارا وغيرهم مقاطعة سلعهم وبضائعهم. ليذوقوا وبال أمرهم، وليحصل بين شركاتهم وتجارهم وعموم شعبهم وبين حكومتهم الراضية بما نُشِرَ شقاقٌ ونزاعٌ بسبب جنايتهم عليهم، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ).
وليس لهذه المقاطعة غاية تنتهي إليها، إلا بمحاسبة تلك الصحيفة ومسؤوليها، ورسَّامي الرسوم وكُلّ ذي صلة بها، ومعاقبتهم عقوبة حاسمة رادعة.
أَمَّا ما ينادي به بَعْضُ الُجهَّال، من أن تكون غايةُ المقاطعة اعتذارَ الحكومة الدنماركية أو الصحيفة: فليس من الحق ولا العقل في شيء ! وحكمٌ لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه الجناية حَقٌّ عظيم لله عزَّ وجلَّ، ليس لأحد أَنْ يتنازل عنه، أو يُعلن المسامحة.
قال شيخ الإسلام في «الصارم المسلول» (ص226): (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أَنْ يعفو عَمَّن شتمه وسَبَّهُ في حياته، وليس للأمة أَنْ يعفوا عن ذلك).
ثم قال (ص293): (ومما يوضح ذلك: أنَّ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم تعلَّق به عدة حقوق: حَقّ الله سبحانه من حيث كَفَرَ برسوله صلى الله عليه وسلم، وعادى أفضل أوليائه، وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة.
ومن حيث طعن في ألوهيته، فإنَّ الطعن في الرسول طَعْنٌ في الُمرْسِل، وتكذيبَه تكذيبٌ لله تبارك وتعالى، وإنكارٌ لكلامه وأمرِه وخبرِه وكثيرٍ من صفاته.(12/363)
وتعلَّق به حَقُّ جميع المؤمنين من هذه الأمة ومن غيرها من الأُمم، فإنَّ جميع المؤمنين مؤمنون به، خصوصا أمته، فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به، بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بوساطته وسفارته، فالسَّبُّ له أعظم عندهم من سَبِّ أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسَبِّ جميعهم، كما أنه أحبُّ إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين. وتعلَّق به حَقُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث خصوص نفسه) اهـ.
فلا حَقَّ لأحدٍ قط أَنْ يتنازل عن حَقٍّ ليس له، ومَنْ تنازل عن شيء من ذلك، فإنما تنازل عن حَقِّ غيره، فلا يَصِحُّ تنازلُه ولا يجوز.
كما أَنَّ الواجب على المسلمين أيضا: مُناصرةُ كُلِّ تاجر كريم، غضب لمحادة أولئك العلوج لله ورسوله صلى الله عليه وسلم - فقطع وارداتهم - بالشِّراءِ منه، تأييدا له ومناصرة، وتشجيعا لغيره أَنْ يسلك مسلكَهُ، وينهجَ نهجه.
فَصْلٌ
وفي هذه المقاطعة أربعة أمور عظيمة مُتحقِّقة، إِنْ تخلَّفَ أحدُها لم تتخلَّفْ بقيتُها:
1 - أحدها: الإعذار إلى الله عزَّ وجلَّ، وبَذْلُ ما بالوسع والطاقة في نُصرة شرعه ودينه، فَإِنَّ هذا واجبٌ لازمٌ، وليس في أيدينا إلا هذا.
2 - والثّاني: احتساب المُقاطِعِ الأجرَ من الله جَلَّ وعلا في ذلك، وتعبُّده بهجر مُحادِّيه وأعدائه، والمجاهرين بذلك والمعلنين.
3 - والثّالث: التنكيل بأعداء الله، وإذاقتهم بَعْضَ وبالِ أمرهم، بحيث يكون لهم عقوبة مؤلمة، ويكون لغيرهم رادعا، حاميا لحياض المسلمين ودينهم وعرض نبيهم صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام (ص385): (وأيضا: فإن السَّابَّ ونحوه، انتهك حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقَّص قدرَه، وآذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين، وأجرأ النفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الإسلام، وطلب إذلال النفوس المؤمنة، وإزالة عِزِّ الدين، وإسفال كلمة الله، وهذا من أبلغ السعي فسادا).
4 - والرّابع: إظهاره عِزَّةَ المؤمنين وقوَّتهم، ونَيْلَهُمْ من أعدائهم ومُتنقّصي رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم، وإِنْ ضعفتْ حيلتهم عن مقاتلته.
فهذه أربع مصالح عظيمة من مقاطعة أولئك المُحادِّين.
فمَنْ زَعَمَ مِنْ أهل النفاق أَنَّ المقاطعة غير نافعة، أو أَنَّ نفعَها قليل: أُجِيْبَ بهذا.
وقد ظهر - بحمد الله وفضله - في أيام قلائل، عظيمُ أثر ما حصل من مقاطعتِهم، وتألمهم الشَّديد من ذلك، وانشقاق صفوفهم، وخوف حكومتهم من العواقب، وخسارتهم الملايين الكثيرة حتى الآن.
لهذا تكالب أعداء الله - عليهم لعائن الله - بنشر تلك الصور في صحف أوروبية كثيرة، محاولة منهم فَكَّ هذه المقاطعة، وإضعاف عزم المسلمين وتشتيت أمرهم، بإلزامهم أنفسهم بمقاطعة الدول الأوروبية مجتمعة أو تركها كلها ! حِيْلَةٌ خبيثةٌ كان قد سَنَّهَا لأسلافهم إبليسُ في ليلة مُهاجَر النبي صلى الله عليه وسلم، حين أشار على كبار كفار قريش، اشتراك رجل من كل قبيلة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم، ليضيعَ دَمُهُ في القبائل كُلِّهَا فلا يُطْلَبُ !
لذا فإني أرى أَنْ يُعاقبَ هؤلاء بنقيض قصدهم، فتستمرّ مقاطعة الدنماركيين وهذا واجب لا محالة، فإنهم هم الذي سَنُّوا هذا الأمر. أما بقيَّة الدول الأوروبية: فقد عَلِمَ المسلمون ما تُكِنُّهُ نفوسُهم الخبيثة لنبيِّهم صلى الله عليه وسلم، فيحرص كُلّ مسلم ألا يشتري من بضائعهم إلا ما تدعوه الحاجةُ إليه إِنْ لم يجدْ بديلا من صناعة غيرهم.
كما أغاظتْ هذه المقاطعة كثيرا من المنافقين، فحاولوا تارة التبرير، وتارة التهوين، وتارة بزعم الإصلاح وإرادة الخير !
1 - فمن زاعم أَنَّ المقاطعة ستقطع الحوار معهم !
وهذه كذبةٌ بلقاء، وحيلةٌ بلهاء، فإنَّ الله عز وجل لم يَأْذَنْ بالحوار مع الكفار إلا ببنائه على أصلَيْنِ اثنَيْنِ، هما:
(أ) دعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
(ب) وبيان بُطْلان دينهم وفساده، وأَنْ اللهَ لا يقبله منهم، ولا يقبل غيرَ الإسلام.
لهذا قال سبحانه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).(12/364)
وكانتْ حوارات النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، لهذا قال سبحانه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، ولو أقاموهما لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا، كما قال عيسى عليه السلام لهم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
وقال: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
فهل هذه الحواراتُ المزعومةُ، شرعيةٌ مبنيَّةٌ على هذَيْنِ الأصلَيْنِ، أو أنَّها غطاء لهدم الدين، وموالاة الكفار والمشركين ؟!
2 - ومن منافق زاعم: أَنَّ سبب جناية تلك الصحيفة هو تقصير المسلمين أنفسهم في تعريفهم بالإسلام ! فمرادُه تبرئة هؤلاء المحادّين من جنايتهم، أو تبريرها لهم، وإناطة جُرْمِها بالمسلمين !
ولم يعلم هذا المنافق أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم - مع شهادة الله التامة له بإبلاغ الرسالة وإتمام الدين - لم يسلم من المستهزئين والساخرين، قال سبحانه لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الُمشْرِكِيْنَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الُمسْتَهْزِئِيْنَ).
بل كُلُّ أنبياء الله كذلك، قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، وقال: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).
وقال: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُوْنَ).
3 - ومِنْ منافق زاعم: أنَّه يعارض المقاطعةَ إِنْ كان بها إضرار بمصالح المسلمين !
ولا أدري ما هذا الضرر الفائق لمحادَّتِهم لله واستهزائهم برسوله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك ممَّا قدَّمنا. أم أن ضرره المترقَّب ما يخشاه من فضل مطعم ومشرب ! فلا أشبع الله إذن بطنَه.
ولو قُدِّرَ حصول ضرر - وهو غير مسلم -: فالواجب احتساب الأجر والصبر، فإنَّ الجنة لم تُحَفَّ بالشهوات، وإنما حُفَّتْ بالمكاره، وإنما جهنم هي المحفوفة برغبات النفوس وأهوائها.
ومع هذا: لم يحصل بحمد الله ضرر، بل حصل مِنْ نصرة الدِّين وخُذْلان الكفار والمنافقين ما تَقَرُّ به أعين المؤمنين. ولم ينفرد علوج الدنمارك بحمد الله ببضائعهم، بل قد عَمَّتِ الخيراتُ بلادَنا وبلاد المسلمين من كل دولة وكل بلد، غير ما في بلاد المسلمين من خيرات تُغْنِيْهم عمَّا في بلاد أولئك المجرمين.
وإنما هذا المتكلم قد أعمى الله بصرَهُ وبصيرتَهُ، ومُلِئَ قلبُه نفاقا وحَنَقًا، فما يَسُرُّ المؤمنين لا يَسُرُّهُ وما يُؤْذِي الكفَّارَ لا يُؤْذيه، وإنما سروره وضرُّه فيما يَسُرُّ أعداء الدين وفيما يَضُرُّهم. فَلْيَمُتْ بغيظه فليس في المؤمنين المُمْتلئة قلوبُهم بحبِّ الله وحُبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم، والذّبّ عن حماهما وشريعته مَنْ يُصْغِي إليه أذنا. غير أَنَّهُ أراد إلباس نفاقه لبوس الخشية على المسلمين ومصالحهم ! فاستتر بثوب خَلِقٍ بَالٍ، لم يسترْ عورتَهُ ! فقد نَبَّأَنَا اللهُ من أخبارهم ما أظهرَ لنا جَهْرَةً عوارَهم !
فَصْلٌ
وبقي هنا أُمورٌ، مُبَشِّرَاتٌ وتنبيهاتٌ:
إحداها: قال شيخ الإسلام في«الصارم المسلول» (ص117): (وإِنَّ الله منتقم لرسوله صلى الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسَبَّهُ، ومظهرٌ لدينه ولكذب الكاذب، إذ لم يُمْكِنِ النَّاسُ أَنْ يُقيموا عليه الحدَّ.(12/365)
ونظير هذا: ما حدَّثناه أعدادٌ من المسلمين العدول، أهل الفقه والخبرة عمّا جرَّبوه مَرَّاتٍ مُتعدِّدةٍ في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: « كنا نحن نحصر الحصن، أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر، وهو ممتنعٌ علينا، حتى نكادَ نيأسُ منه، إِذْ تعرَّضَ أهلُه لسَبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوقيعة في عرضه، فَعُجِّلْنَا فَتْحَهُ، وتَيَسَّرَ ولم يَكَدْ يتأخرْ إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك، ثم يُفْتَحُ المكانُ عَنْوَةً، ويكون فيهم ملحمة عظيمة».
قالوا: «حتى إِنْ كُنَّا لنتباشرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه صلى الله عليه وسلم، مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوه فيه».
وهكذا حدَّثني بَعْضُ أصحابنا الثقات: أَنَّ المسلمين من أهل الغرب حالهم مع النصارى كذلك.
ومِنْ سُنَّةِ الله: أَنْ يُعَذِّبَ أعداءَه تارةً بعذاب من عنده، وتارةً بأيدي عباده المؤمنين).
قال (ص164): (ومِنْ سُنَّةِ الله: أَنَّ مَنْ لم يُمْكِنِ المؤمنون أَنْ يُعذِّبوه من الذين يؤذون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويكفيه إيّاه. كما قدَّمنا بَعْضَ ذلك في قصة الكاتب المفتري، وكما قال سبحانه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الُمشْرِكِيْنَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الُمسْتَهْزِئِيْنَ).
والقِصَّةُ في إهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهلُ السِّيَرِ والتفسير) اهـ.
الثّانية: أَنَّ مع ما في طعن هؤلاء المحادّين من شَرٍّ وإغاظة للمؤمنين، إلا أَنَّ فيه خيرا عظيما، فقد أظهر هذا أمورًا خافيةً على كثير من الناس لعدم تدبّرِهم كتابَ رَبِّهم جلَّ وعلا.
ومِنْ تلك الأمور الحسنة:
1 - أنهم عرفوا حقيقة دعاوى كثير من الأدعياء لمحبَّة الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم، الواقفين مواقف الرّيبة من هذه الجريمة، إمّا بالسّكوت، أو التّبرير، أو التّهوين.
2 - وعرفوا عداءَ أولئك الصليبين للإسلام وأهله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بعد أَنْ عَمِيَتْ أعينُ كثيرٍ من الناس عن ذلك، بتزيين أهل الأهواء والنفاق لأولئك. وإلا فإنَّ الله قد أخبر في كتابه مُحذِّرًا عبادَه المؤمنين منهم فقال: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
وقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).
وقال: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ).
3 - وعرفوا قوَّتهم، وكيف استطاعوا النيلَ من أعدائهم وإذلالهم، وتشتيتَ كلمتهم وتفريق أمرهم.
الثّالثة: أَنَّ كُلَّ مُتكلِّمٍ بلسان الدّين أو أهله، بمسامحة أولئك الجناة المحادّين، أو مسامحة دولتِهم إِن اعتذرتْ أو اعتذرتْ صحيفتُها، ونشرتْ ذلك في كبرى الصحف أو في غيرها من وسائل الإعلام: فهو إِمَّا منافق، وإمَّا جاهلٌ مُركَّب.
فالأول: معروفٌ سِرُّ سعيِه بالمسامحة !
والثاني: تنازلَ وسامحَ في شيء ليس من حَقِّهِ، وليس الأمر فيه إليه، وقد قدَّمنا ذلك، فالمقاطعة ماضية لا غاية لها ولا نهاية.
الرَّابعة: قد سَمَّى بَعْضُ أهل البدع والأهواء، غَضَبَ المؤمنين لنبيِّهم صلى الله عليه وسلم، واغتياظَهم ممّا نُشِرَ في حَقِّهِ « تقاليد تفرض على أولئك التقدّم باعتذار صريح ينشر في كبريات الصحف العربية » !
وهذا باطلٌ من وجهَيْنِ:
أحدهما: أَنَّ هذا شَرْعٌ من عند الله، دَلَّ عليه الكتاب والسّنّة والإجماع، ومَنْ لم تُحْدِثْ عنده تلك الأفعالُ غضبا ولا غيظا فليس بمؤمن. وليستْ تقاليدَ وأعرافًا إِنْ فُعِلَتْ أو تُرِكَتْ فالأمرُ فيها سيان !
الآخر: أَنَّ الاعتذار من الحكومة أو الصحيفة ليس مُسْقِطًا لحقِّ الله جَلَّ وعلا، ولا حَقَّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ولا حَقَّ المسلمين أجمعين. وليس حُكما من الله تبارك وتعالى في شاتمي رسوله صلى الله عليه وسلم والنائلين من جنابه الشَّريف. وإنما هو شَرْعٌ شَرَعَهُ ذلك الفاسدُ، مُضاهيًا به شَرْعَ الله وشَرْعَ رسولِه صلى الله عليه وسلم، مُنزلاً حُكْمَهُ هو مكانَ حُكْمِهما !(12/366)
ومُحاولةٌ منه فاشلةٌ: أَنْ يُظْهِرَ لأعداء الله مَخْرجًا مما وضعوا أنفسَهم فيه، وأَنْ يُظْهِرَ نفسَهُ لهم أَنَّهُ الدَّالُّ إليه والدَّليل عليه !
الخامسة: أَنَّ الأمَّة مجتمعةً فيها قُوّةٌ وخيرٌ، وأنَّها إذا اجتمعتْ على الحقِّ عجز فيها عدوُّها أَنْ ينال منها أو يخيفَها، فإظهار هؤلاء الكفار في صحفهم الأوروبية الطعنَ والاستهزاءَ بالنبي صلى الله عليه وسلم عَلَنًا، جَعَلَ المسلمين مُتّحدين في عدائهم، مُستشعرين خطرَهم وكيدَهم، وجعل أعداءَهم مُتذبذبين خائفين مِنْ عواقب ذلك وتبعاتِه عليهم. فكُلُّ ما كان عداء أعداء الله للمسلمين ظاهرا: كان تعاونهم على مدافعتِه عظيما.
وكُلُّ ما كان عداؤهم للمسلمين مُستترا تحت أغطيةٍ يصنعونها تلبيسا، أو يصنعُها لهم المنافقون من علمانيين وليبراليين وغيرهم: كان ذلك مُشَتِّتًا لكلمة المسلمين مُفرِّقًا لاتّحادِهم وتعاونهم لمدافعة عدوِّهم، حَتَّى يُؤْخَذُوا دَوْلَةً دَوْلَةً !
السَّادسة: أَنَّ إطلاق الغَرْبِ مُسمَّى «الإرهاب» لا يُريدون به المعنى الذي نريده نحن عند إطلاقنا له في المملكة، وإنَّما يُريدون به الإسلامَ ونبيَّه صلى الله عليه وسلم، يَظْهَرُ ذلك من رسومِهم للنبي صلى الله عليه وسلم، حين صوَّروه بِصُوَرٍ تَدُلُّ على مُرادِهم !
لذا فالواجب في هذا أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
1 - إِمَّا الاقتصارُ على الألفاظ الشرعية، الدّالة على المعنى المُراد، كالحرابة، والمحادّة، ونحوهما، وتَرْكُ لفظ «الإرهاب». لمعرفة مدلول تلك الألفاظ، وجهالة مدلول الأخير، وتنازع النّاس فيه دولاً وأفرادًا.
2 - وإِمَّا حَدُّهُ عالميًا بِحَدٍّ مُنْضَبِطٍ، وتعريفه بتعريف بَيِّنٍ، ثم إطلاقُه عليه، إِنْ كان ذلك الحدُّ مُسلَّمًا صحيحا.
السَّابعة: أَنَّ أعداء الله المحادّين له لم يجدوا عُذْرًا يعتذرون به على قبيح فَعْلَتِهم وعظيم جُرْمِهم، إلا سماح قوانينهم بحرّيّة التعبير وحرّيّة الصحافة ! ومع أَنَّ هذه حُجّةٌ مدحوضةٌ، فليس كُلُّ مَنْ أراد شيئا في الغَرْبِ قاله ! كما أنهم لا يسمحون لغيرهم بقول ما يريد إذا كان مخالفا لهم.
فَمَعَ هَذَا كُلِّهِ: فيجب على المسلمين أَنْ يتنبَّهوا إلى ما يُرَادُ بهم مِنْ سَعْيٍ إلى فتح حُرّيّة التعبير المُطلقة عندهم وفي وسائل إعلامِهم، التي يُراد منها تمرير الكفر والمحادّة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والإذن به، ولا يظنون أنهم بها يستطيعون قول ما يريدون مما يخافون قولَهُ ويخشون عاقبتَه. وإنَّما يُسلِّطون أعداءَهم عليهم، وهم لا يستفيدون مِنْ ذلك شيئا !
وَفَّقَ اللهُ المسلمين لما يُحِبُّهُ ويرضاه، ونَصَرَ دينَهُ، وأعلا كلمتَهُ، وأعزَّ جُنْدَهُ، وأهلكَ أعداءَه، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكنَّ المنافقين لا يعلمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
كتبه
عبد العزيز بن فيصل الرّاجحي
الرياض
الجمعة 4 /1/1427هـ
=======================
كلمة الشيخ أحمد بن عبد العزيز الحمدان
الحمد لله مجيب من سأله، ومثيب من علّق به رجاه وأمله، الكريم الذي من أقبل عليه قبله، ومن أعرض عنه أرداه وخذله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، خلقنا من عدم، وأسبغ علينا وافر النعم، كبّرنا من صغر، وكسانا بعد عُري، وعلمنا بعد جهالة، وآتانا من كل ما سألناه، اختص برحمته من شاء من عباده، وفضّل بعضهم على بعض بحكمته وعدله، فجعلهم فريقاً إلى الجنة وفريقاً إلى السعير، وهو الرؤوف الرحيم.
وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، صفيه وخليله، وسفيره بينه وبين خلقه، أرسله ربُّه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهدى به من الضلالة، وبصّر به من العمى، وأرشد به من الغواية، فتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غلفاً، حيث بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمّة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربِّه، فجزاه الله عن أمَّته أفضل الجزاء، وصلى عليه صلاة تملأ أقطار الأرض والسماء، وسلّم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين.
أمّا بعد..
فقد خلق الله تعالى الخلق لغاية عظيمة؛ هي إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [سورة الذاريات، الآيات 56-58].
وبعث الله تعالى الرسل عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين، داعين الخلق إلى إفراد الخالق سبحانه وتعالى بالعبادة، فكانت دعواتهم صادقة، ورسالاتهم واحدة.(12/367)
قال الله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [سورة البقرة، الآية 213].
وقال تعالى: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [سورة النساء، الآية 165].
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [سورة الأنبياء، الآية 25].
وقال تعالى:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [سورة النحل، الآية 36].
فهذه دعوة جميع الرسل عليهم الصلاة السلام: دعوة الخلق إلى إفراد الخالق جلّ وعزّ بالعبادة.
والرسل هم صفوة خلق الله تعالى، وعلى رأسهم أولو العزم منهم؛ وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال الله تعالى:(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الآية. [سورة الأحقاف، من الآية 35].
وسيّدهم، وقائدهم، وإمامهم: محمَّد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
قال الله تعالى:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [سورة البقرة، الآية 253].
ورسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم اختصه ربُّه بخصائص عظيمة، ومنن جسيمة، لم يشاركه فيها غيره من الأنبياء والرسل؛ لذلك كان سيدهم؛
*فمنها: أنَّ الله تعالى أخذ العهد على جميع أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام أنه سبحانه إذا بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، فواجب عليهم أن يؤمنوا به ويتبعوه وينصروه.
قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) [سورة آل عمران، الآية81].
*ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنَّه خاتم النبيين عليه من ربّه أزكى صلاة وأعظم تسليم.
قال الله تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [سورة الأحزاب، الآية40].
*ومنها: أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة، وبُعث محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [سورة سبأ، الآية 28].
وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [سورة الأعراف، الآية 158].
*ومن خصائصه: أن الله تعالى بعثه رحمة للعالمين.
قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء، الآية 107].
وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [سورة التوبة، الآية 128].
*ومنها: أنَّ دينه الذي جاءنا به من عند ربِّه، هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى من العباد ديناً سواه، ومن لقي الله بغيره فهو خاسر.(12/368)
قال الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة آل عمران، الآية 85] .
*ومنها: أن الله تعالى تكفّل بحفظ دينه.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) الآية. [سورة المائدة، من الآية 3].
وقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر، الآية 9].
*ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنَّ الله تعالى تكفل بحفظه من كل من أراده بسوء في حياته وبعد مماته.
قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [سورة الطور، الآية 48].
وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأنفال، الآية 64].
وقال تعالى: (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأنفال، الآية 62].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [سورة المائدة، الآية 67].
قال الله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [سورة الحجر، الآية 95].
*ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنَّ الله تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) [سورة الفتح، الآيتان 1و2].
*ومن خصائصه: أنّ الله تعالى جعله شهيداً على من سبقه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [سورة الأحزاب، الآية 45].
وقال تعالى:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً) [سورة النساء، الآية 41].
*ومن خصائصه بأبي هو وأمي: أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنه أول شافع، وأول مشفع.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)) رواه مسلم.
*ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى أعطاه الشفاعة العظمى، وهو صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، ونهر الكوثر، والحوض، وهو صاحب الوسيلة والفضيلة.
قال الله تعالى:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [سورة الكوثر، الآية 1].
وقال تعالى: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) الآية. [سورة البقرة، من الآية 255].
وقال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) [سورة الإسراء، الآية 79].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أعطيت الشفاعة)) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:((أنا سيد ولد آدم ولا فخر. ما من أحد إلا هو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج)) رواه الحاكم وصححه.
وقال صلى الله عليه وسلم:((حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً)) رواه البخاري.
وقال رسول الهدى عليه الصلاة والسلام:((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) رواه البخاري.
*ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((عُرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)) متفق عليه.
وهذا غيض من فيض خصائصه صلى الله عليه وسلم.
وخصائصه جانب من جوانب شخصه عليه الصلاة والسلام، ولو شئنا الاستطراد في الحديث لذكرنا فضله على أمته خاصة وعلى الناس عامة، وشفقته ورحمته بالناس أجمعين.(12/369)
ومعلوم أنَّ النفوس مجبولة على حبِّ الكمال، وقد كمّل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنواع الكمال التي لم تجتمع في غيره عليه الصلاة والسلام، فكيف إذا اجتمع مع ذلك ما حباه الله به من حبُّه لهداية الخلق وصلاحهم، ونجاتهم وفلاحهم، وما كان يعانيه من ألم إذا رآهم ضلوا.
لذلك كان حبُّه صلى الله عليه وسلم في قلب كل مؤمن، بل في قلب كل منصف من غير المؤمنين ممن عرفوه على حقيقته، لا يملكون إلا تقديره واحترامه، وحبَّه لما أسداه للناس عامة من خير عظيم.
وقد كان فضله عليه الصلاة والسلام وإحسانه على أهل الملل الأخرى عظيماً، فقد بيَّن لهم الحق بأدلته التي عرفوها ووجدوها في كتبهم، وكان من دينه: أنَّه لا يصح الإيمان إلا بالإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، ووجه جلّ دعوته إلى أهل الكتاب، وجادلهم بالحسنى.
وكان حظ النصارى من فضله صلى الله عليه وسلم أعظم من غيرهم، فقد أنصفهم بعد ما ظلمهم اليهود والوثنيون، حيث بُعث صلى الله عليه وسلم وأهل الملل يتهمون مريم بالزنا، ويتهمون عيسى عليه السلام بأنه ابن زنا، ووجد النصارى يتشبهون باليهود والوثنيين فيدعون أن عيسى عليه السلام ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أو هو الله، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم فوضع الأمور في نصابها، وبين أن مريم بنت عمران عذراء عفيفة، وأن الذي جاءها أمر من الله تعالى، وأن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، قال الله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [سورة آل عمران، الآية 59].
فاعترف المنصفون منهم بأن ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، وهو بشارة عيسى عليه السلام لأمته، وأن ما جاء به هو الحق الذي لا يزيد عما جاء به عيسى بقشة، ولا ينقص بقشة.
وهذا حال المنصف، صاحب النفس الطيبة؛ يحب الحق، ويبحث عن الحق، وإذا وجد الحق أخذ به، أما منكر الجميل فهو دنيء النفس خبيثها، ونكرانه للجميل دليل سوء طويته وسوئها.
ولقد عبّر أكثر نصارى اليوم عن نكرانهم الجميل، وعن رفضهم الحق الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسوأ تعبير، حيث رفضوه، وكذبوه، وسعوا جاهدين في تشويهه، وصرف الناس عنه، وإغواء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإغراقهم في الشهوات والملذات والموبقات، وتشكيكهم في دينهم، ولم يكفهم هذا حتى صرحوا بشتم الإسلام، ونبي الإسلام، وأمعنوا في الاستهزاء به.
وما زلنا منذ سنوات، ونحن نسمع ونرى كماً هائلاً من ذلك، حتى ألمت بنا فتنة عجيبة، ومحنة كئيبة، تولى كبرها زمرة سفيهة، وجدت من يدعمها باسم الحرية، ويشجعها باسم الديموقراطية، ويحميها باسم حق التعبير وإبداء الرأي.
فقامت صحيفة((بولاند بوستن)) الدنماركية بنشر رسوم ساخرة، في أواخر شهر شعبان من عام ض426هـ. زعم صانعوها أنهم يمثلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم في يوم عيد الأضحى من عام نفسه تبعتها((ماجزين)) النرويجية فنشرت الرسومات نفسها، فجرحت المسلمين في عقيدتهم التي لا يختلفون فيها، ودينهم الذي لا يرضون عنه بديلاً.
وقد كان يمكن أن تمر هذه الجريمة النكراء دون كبير ضجة، وأن تعامل على أنه تصرف فردي يستحق فاعله العقوبة، لولا أنَّ هذه الجريمة سبقت بمذكرات ملكة الدنمارك((مارجريت الثانية)) رئيسة الكنيسة الإيفانجليكانية اللوثرية، التي يتبعها أكثر من 85% من الشعب الدنمركي، حيث أظهرت في مذكراتها كرهها للإسلام، ولسيد الأولين والآخرين، واتهمته بما ليس فيه، ثم دافعت عن الرسومات الساخرة، وصرحت بأنها تعبير عن رأي، ودليل حرية، وزاد الطين بلة، أن رئيس الوزراء رفض مقابلة السفراء المسلمين الذي طلبوا مقابلته؛ ليظهروا احتجاجهم، والآثار السيئة لتلك الصور، وتغطرس وتكبر، ضارباً بعرض الحائض الدساتير الدبلوماسية، ورفض وزير الثقافة التراجع عن هذا السوء، والمحكمة رفضت الدعوى، فأظهروا تعصباً وموافقة للصحيفة على فعلها، متذرعين بحرية الرأي.
فكانت ردود الفعل أكبر مما تصوروا، والغضبة الإسلامية أشد مما توقعوا، وما زال الغضب الذي شمل سحب بعض السفراء، ومقاطعة المنتجات، يتنامى يوماً فيوماً.
ولا شك أن هذه محنة، إذا أحسنا استغلالها، فسيعين الله تعالى وتكون منحة، وهذا ظاهر من أمور كثيرة، تحتاج إلى وقفات كثيرة، وحسبنا في هذه المقدمة أن نذكر بعضها؛
*فمنها:
ظهور الحقد الصليبي في صورة بشعة من قبل من يدّعون التسامح والحرية والديموقراطية، قال الله تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) [سورة البقرة، الآية 217].
وقال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [سورة البقرة، الآية 120].
وقال تعالى:(وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [سورة النساء، الآية 89].(12/370)
*ومنها: ظهور كيل النصارى بمكيالين، مكيال مع المسلمين، فيذمونهم، ويتهمونهم، ويظهرون كفرهم وسبهم لله ولكتابه ولرسوله، واستهزائهم بعقيدة المؤمنين، في الوقت الذي يكيلون لليهود بمكيال آخر، فلا يذمونهم، ولا يكذبونهم، بل الويل لمن يجرؤ على تكذيب اليهود فيما يقولون، وها هي ذي: أكذوبتهم الكبرى:((الهولكوست/محرقة اليهود))، أو((العداء للسامية))، من يجرؤ منهم على المساس بهذا؟ لا أحد منهم. ومن تجرأ ومس جناب اليهود فيا ويله! وعند الحدود اليهودية تتوقف الحريات، وتمنع التجاوزات، بل وتمنع في هذا الباب المناقشات.
ومنها: ظهور معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صرف الله عز وجل ذم واستهزاء الذامين والمستهزئين عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أرادوا ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقيدته، وفي عباداته، وفي أخلاقه، وفي صورته، فصرف الله تعالى كل ذلك عن نبيه عليه الصلاة والسلام، فذكروا من عقيدته ما ليست منها، وذكروا من عباداته ما ليس منها، وذكروا من أخلاقه ما ليس منها، وصوروه بخلاف صورته التي خلقه الله تعالى عليها.
وتحقق موعود الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا حيث قال(إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [سورة الحجر، الآية 95]. ونحن ننتظر الأخرى(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [ سورة الكوثر، الآية 3].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد)) رواه البخاري.
*ومنها: ما وقع من تحريك المسلمين، وزيادة إيمانهم، وتناسيهم لخلافاتهم التي ضربت بأطنابها، وحرص أكثرهم على معرفة الحكم الشرعي في مثل هذه التصرفات، وظهور حال النصارى لهم، بعد أن انخدع كثير منهم بما تبثه وسائل الإعلام من تزيين لصورتهم.
*ومنها: حرص كثير من النصارى على معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحقق من حقيقة رسالته، وخُلقه وخَلقه، وهي فرصة سانحة للمسلمين عليهم استغلالها لدعوتهم إلى الحق.
والله نسأل التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أحمد بن عبد العزيز الحمدان
===================
كيف نواجه تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام؟
د. سليمان صالح أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام – جامعة القاهرة
مقدمة
ظهر مفهوم التحيز Bias في الدراسات الإعلامية خلال السبعينيات ليمثل تحدياً للكثير من المسلمات في الفلسفة الغربية لوسائل الإعلام، ولإحدى أهم أطروحات هذه الفلسفة حول الموضوعية، وقدرة السوق الحرة للإعلام على إدارة المناقشات الحرة بين الاتجاهات السياسية المختلفة في المجتمع ونقلها إلى الجماهير.
وقد مثل مفهوم الموضوعية Obj صلى الله عليه وسلم ctivity وسيلة للدفاع عن الاحتكار الغربي لوسائل الإعلام، واحتكار الرأسمالية الغربية في أعلى صورها "الشركات متعددة الجنسية"، داخل المجتمعات الغربية لهذه الوسائل، وقد تم الترويج لمفهوم الموضوعية بشكل واسع، واعتبره الإعلاميون من طقوس العمل الإعلامي، واعتبروا أنهم محايدون أو موضوعيون في تغطيتهم للأحداث، كما استخدمه المدافعون عن الأوضاع الراهنة في الإعلام الدولي للدفاع عن هذه الأوضاع، وللرد على الدراسات التي توضح خطوات ظاهرة التركيز والاحتكار في وسائل الإعلام الغربية، والاحتكار الغربي لوسائل الإعلام.
وجاء مفهوم التحيز ليمثل تحدياً لأسطورة الموضوعية والحياد التي تستخدمها الأيديولوجية الغربية لوسائل الإعلام في الدفاع عن نفسها، ولذلك لم يكن غريباً أن تتم مقاومة استخدام هذا المفهوم الجديد في الجامعات الغربية، وأن يقاومه رجال الإعلام في الغرب، باعتباره يمثل تحدياً لأهم وسائل دفاعهم عن أدائهم المهني.
وعلى الرغم من ذلك، فقد استخدم كثير من الباحثين الغربيين هذا المفهوم، وأجروا العديد من الدراسات التي أثبتت تحيز وسائل الإعلام الغربية لطرف أو أطراف معينة في الصراعات الداخلية والدولية، وتشويه صورة اتجاهات سياسية أو فكرية أو دول أو حركات تحرير، أو أقليات دينية أو عرقية، وهو ما يعني انعدام العدالة في تغطية وسائل الإعلام للأحداث الداخلية والخارجية، وانعدام الموضوعية في تغطيتها لهذه الأحداث، وضرورة البحث عن وسائل لحماية العدالة، وضمان حق الأطراف المختلفة في عرض آرائها والدفاع عن نفسها.(12/371)
كما أن الدراسات التي استخدمت هذا المفهوم قد أوضحت أن حرية الإعلام في العالم المعاصر تمر بأزمة تتمثل أهم مظاهرها في احتكار دول الغرب لوسائل الإعلام ولمصادر الأنباء، وسيطرتها على تدفق الأنباء في العالم من ناحية، وسيطرة الرأسمالية (الشركات متعددة الجنسيات أو عابرة القارات)، على وسائل الإعلام داخل هذه الدول، وأن هذا الاحتكار يؤدي إلى انعدام العدالة في ظل النظام الإعلامي الدولي، وعدم القدرة على إدارة المناقشة الحرة بين الاتجاهات السياسية والفكرية والدينية والجماعات العرقية داخل المجتمعات الغربية، أو بين الشعوب والحضارات والثقافات على مستوى العالم.
كما توضح هذه الدراسات أن ضيق نطاق التعددية والتنوع في وسائل الإعلام - نتيجة للاحتكار الغربي لهذه الوسائل، والاحتكار الرأسمالي (الشركات متعددة الجنسيات) على مستوى المجتمعات الغربية –يؤدي إلى عدم قدرة الشعوب والحضارات على الحوار الحر على مستوى العالم، وعدم قدرة الاتجاهات السياسية والفكرية على الحوار داخل المجتمعات الغربية، وإجراء المناقشة الحرة، وهو ما يقلل من كفاءة العملية الديموقراطية في المجتمع، ويقلل من قدرة الجماهير على الاختيار الحر بين الأحزاب والاتجاهات السياسية والفكرية.
ولكن ما دلالة هذا المصطلح؟، وما تعريف التحيز؟ حتى الآن فإن هذا المفهوم لا يزال محل جدل، ولم يتم التوصل إلى تعريف يمكن الاتفاق عليه على الرغم من كثرة التعريفات التي قدمها الكثير من الباحثين، ويمكن أن نستعرض هنا عينة من هذه التعريفات هي:
1- تعريف هاكيت: الذي يعرف التحيز بأنه قيام الإعلامي أو المؤسسة الإعلامية بوضع رأي ذاتي داخل ما يعتبر أنه تقرير يقوم على الحقائق.
ويضيف هاكيت: إن التحيز يتضمن أيضاً سمتين آخرين:
أولاهما: نقص التوازن بين وجهات النظر المتعارضة في تغطية وسائل الإعلام.
وثانيهما: تشويه الواقع بشكل مقصود نتيجة لتأييد الإعلامي أو المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها لطرف معين.
2- تعريف ستيفنسون وجرين: الذي يقوم على أن التحيز يعني الفشل في معاملة كل الأصوات في السوق الحرة بشكل متساوٍ.
3- تعريف ماكويل: الذي يعرف التحيز بأنه الميل إلى تفضيل أحد جانبي الصراع، ثم يستعرض عدداً من أشكال التغطية الإعلامية التي يظهر فيها التحيز على النحو التالي:
أ- تفضيل وجهة نظر معينة مع عرض الأدلة على صحتها.
ب- عرض الحقائق والتعليقات بشكل مقصود، ولكن بدون بيان يوضح تفضيل وجهة نظر على أخرى.
جـ- استخدام اللغة بشكل يؤدي إلى تلوين الحقائق، وإصدار حكم معين على أحد أطراف المناقشة أو الصراع.
وهذه الأشكال من التحيز لابد أن يتوفر فيها عنصر النية أو الوعي من جانب الكاتب أو المحرر، لكن هناك نوع آخر من التحيز هو التحيز غير المقصود، وهو ينتج من خلال القيم التي يتم من خلالها اختيار الأنباء وأساليب صياغتها.
ويرى رالف نجرين أن الأخبار يتم تلوينها، ولذلك فإن هناك تحيزاً لا يمكن تجنبه في اختيار الأنباء ونشرها، وتلعب عدد من العوامل دورها في تشكيل ظاهرة تحيز الأنباء، منها: روتين المؤسسات الإعلامية، والقيود المفروضة على عملية إنتاج المواد الإعلامية، بالإضافة إلى القيم الخبرية.
ويضيف نجرين: إن بعض التحيز لا يمكن تجنبه إذ إن الصحفيين مثل أي شخص يحملون قدراً من الأفكار الأيديولوجية، ولذلك فإنهم لا يستطيعون أن ينقلوا ويصفوا الأحداث بشكل يعتمد على الحقائق فقط (1) .
وعلى الرغم من أن هناك الكثير من التعريفات والمناقشات حول مفهوم التحيز وأشكاله، إلا أن هذا المفهوم لا يزال يحتاج إلى المزيد من المناقشة لزيادة وضوحه، ولكن يمكننا أن نحدد ما يلي:
1- إننا نعرف التحيز بأنه يعني: عدم القدرة على تحقيق الموضوعية والعدالة والحياد، ومعاملة الطرفين في قضية محل جدل أو صراع بشكل يتسم بالمساواة، ويرتبط هذا المفهوم ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم أخرى، هي استخدام معايير مزدوجة Dichotmy أو Doubl صلى الله عليه وسلم Stan da صلى الله عليه وسلم ds واستخدام الصورة النمطية St صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم otyp صلى الله عليه وسلم s ، أو إنتاج هذه الصورة بالإضافة إلى تحريف المعلومات أو تشويهها Disto صلى الله عليه وسلم tion واستخدام اللغة بشكل يؤدي إلى إصدار أحكام معينة بإدانة أطراف معينة في صراع أو جدل.
2- هناك نوعان من التحيز:
أ- التحيز المقصود: وينتج عن تأييد المؤسسة الإعلامية لأحد جانبي الصراع أو المناقشة، ولذلك فإنها تعطى بشكل مقصود مساحة أكبر على صفحة الصحيفة التي تصدرها، أو وقتاً أطول من إرسالها في محطات الإذاعة وقنوات التليفزيون لهذا الجانب، أو أن تقوم المؤسسة الإعلامية بالتركيز على الأخبار السيئة عن أحد طرفي الصراع بهدف تشويه صورته.(12/372)
ب- التحيز غير المقصود: وينتج عن تبني وسائل الإعلام القيم الخبرية التي تطورت في الغرب، وهو ما يجعل هذه المؤسسات تركز على نشر وإذاعة أخبار دول النخبة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا الغربية بالإضافة إلى إسرائيل، كما تركز على نشر أخبار الأفراد النخبة في المجتمع، من الرأسماليين. كما أن هذه القيم الخبرية الغربية تجعل المؤسسات الإعلامية تركز على الأخبار السيئة، خاصة عن الدول التي لا تنتمي للنخبة الدولية، وهي دول الجنوب.
كما أن هذا النوع من التحيز يمكن أن ينتج عن الاعتماد المكثف على مصادر الأخبار التي تنتمي إلى أحد جانبي الصراع، كما أنه ينتج أيضاً عن روتين المؤسسات الإعلامية.
3- يمكننا أيضاً أن نميز بين التحيز في مجال الأخبار، والتحيز في مواد الرأي مثل الافتتاحيات والمقالات والأعمدة... إلخ، ففي مجال الأخبار من المحتمل أن يكون التحيز أحياناً غير مقصود، ولكن ذلك لا ينفي إمكانية أن يرتب المحرر الحقائق، أو يستخدم مصطلحات يمكن أن تلون الحقائق لكي تعطي تأثيراً معيناً لصالح أحد أطراف الجدل أو الصراع.
أما في مجال مواد الرأي فإن التحيز يكون مقصوداً، فالكاتب أو المحرر يقدم رأيه، ومن حقه أن ينحاز إلى أي طرف من أطراف الصراع أو الجدل، وإن كانت العدالة قيمة علياً من الضروري الحرص عليها.
4- ينتج عن التحيز ظاهرتان هما: نقص المعلومات التي تقدم للجماهير Disinfo صلى الله عليه وسلم mation عن الأحداث والقضايا والصراعات الداخلية والدولية، وهو الأمر الذي يزيد من حدة تأثير الصور النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام إلى الجماهير... ويؤدي هذا بالضرورة إلى الظاهرة الثانية وهي إساءة تقديم المعلومات أو التضليل الإعلامي Misinfo صلى الله عليه وسلم mation والذي ينتج عنه اتخاذ المواطنين لقراراتهم بناء على ما تحدده المؤسسات الإعلامية، وما تقدمه للجماهير من معلومات، وأساليبها في تقديم هذه المعلومات، هذا بالإضافة إلى التأثير على صناع القرار لتأتي قراراتهم متوافقة مع مصالح أطراف معينة في الصراع أو الجدل، كما تقوم المؤسسات الإعلامية بتبرير هذه القرارات والترويج لها.
5- إنه من الصعب قياس التحيز بشكل دقيق، فالتحيز مفهوم نسبي، وما يمكن أن يعتبر تحيزاً من وجهة نظر معينة، يمكن أن يعتبر موضوعياً ومحايداً من وجهة نظر أخرى، لكن هذا الوعي بنسبية المفهوم لا يعني عدم صلاحيته للاستخدام في مجال الدراسات الأكاديمية، بل إن الوعي بهذه النسبية يسهم في ترشيد استخدامه في هذه الدراسات، والنسبية على أية حال من سمات العلوم الإنسانية جميعها.
6- إن التحيز يمكن أن يوجد على مستوى المجتمع، حيث تتحيز وسائل الإعلام للوضع الراهن ضد التغيير، أو لحزب ضد أحزاب أو اتجاهات سياسية أخرى، أو للسلطة ضد قوى المعارضة، كما أن هذا التحيز يمكن أن يكون ضد جماعات إثنية أو دينية.
ويمكن أن يظهر هذا التحيز ضد دول أو شعوب أخرى على المستوى الدولي خاصة عندما يكون هناك قدر من العداء بين هذه الدولة والدولة التي تنتمي إليها المؤسسة الإعلامية، وفي هذا النوع يتم تشويه صور الدول والشعوب التي تعتبر معادية بشكل مقصود، ويتم تحريف الحقائق واستخدام الكلمات التي تحمل إيحاءات ودلالات تؤدي إلى إثارة الكراهية لهذه الدول، أو الشعوب أو حتى الديانات كما يحدث بالنسبة للإسلام في وسائل الإعلام الغربية.
أهداف الدراسة
لذلك فإن هذه الدراسة تسعى إلى:
1- دراسة ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، وتطور هذه الظاهرة.
2- دراسة الارتباط بين ظاهرة التحيز والصورة النمطية التي تروجها وسائل الإعلام الغربية للإسلام.
3- تفسير ظاهرة تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام والمسلمين.
4- رسم استراتيجية لمواجهة ظاهرة تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام.
من خلال هذه الأهداف يمكن تحديد التساؤلات التي تسعى الدراسة للإجابة عليها كما يلي:-
1- كيف تطورت ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.
2- ما مدى تأثير ظاهرة التحيز على صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.
3- ما العوامل التي تشكل ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.
4- كيف نواجه ظاهرة تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام؟.
مناهج الدراسة
تم الاستفادة من عدد من المناهج بشكل تكاملي لرصد ظاهرة التحيز بشكل عام ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، ومن أهمها: منهج المسح الإعلامي الذي استخدم لتوصيف الظاهرة من خلال الدراسات السابقة، وهذه الدراسات ركزت بشكل أساسي على توصيف صورة العرب، والعلاقة بين هذه الصورة والصراع العربي الإسرائيلي دون استخدام مدخل التحيز.
كما استفادت الدراسة من منهج تحليل النظم لدراسة العوامل التي شكلت ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.(12/373)
وانطلقت الدراسة من ذلك إلى محاولة تفسير ظاهرة التحيز.
وفي بعض جوانب هذه الدراسة تم استخدام المنهج التاريخي بغرض رصد تطور الظاهرة، والصورة النمطية الناتجة عنها.
الدراسات السابقة
هناك الكثير من الدراسات السابقة التي ركزت على دراسة صورة العرب في وسائل الإعلام الغربية، وربطت ذلك بالصراع العربي الإسرائيلي، وهي دراسات ركزت بشكل أساسي على توصيف الصورة العربية النمطية في وسائل الإعلام الغربية، ولكن دون ربط هذه الصورة بصورة الإسلام والمسلمين، وذلك فيما عدا دراسة إدوارد سعيد: تغطية وسائل الإعلام الغربية للإسلام.
Said- صلى الله عليه وسلم , Cov صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ing Islam, (London: صلى الله عليه وسلم outl صلى الله عليه وسلم dg صلى الله عليه وسلم and k صلى الله عليه وسلم gan Paul, 1981.
وهذه الدراسات ركزت على الوصف دون التفسير، ولذلك فإن هذه الدراسة تنطلق من التراث العلمي المتراكم، لكنها تتجاوزه في استخدام ظاهرة التحيز في دراسة صورة الإسلام والمسلمين، ثم تقدم محاولة للتفسير، ومع ذلك فإن هذه الدراسة هي جزء من دراسة أكبر يقوم الباحث بإنجازها الآن، ولذلك فإنه لابد من النظر إليها في هذا الإطار، إذ أنها لا تعدو أن تكون مجرد اختصار لعمل أكبر وأشمل.
تقسيم الدراسة
تم تقسيم هذه الدراسة كما يلي:
المقدمة:
وتشمل تعريف ظاهرة التحيز في وسائل الإعلام الغربية وأشكال التحيز، والجوانب الإجرائية المنهجية للدراسة.
المبحث الأول:
تطور ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.
المبحث الثاني:
محاولة التفسير ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.
الخاتمة: وتتضمن أهم النتائج ... واستراتيجية المواجهة.
المبحث الأول
تطور ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية
أوضحت الكثير من الدراسات أن القساوسة ورجال الدين المسيحي قد قاموا بالدور الرئيسي في تعبئة شعوب أوروبا خلال الحروب الصليبية لشن حرب على الإسلام والمسلمين، وركز خطابهم في هذه المرحلة على إثارة المشاعر الدينية للشعوب الأوروبية، ولذلك تم التركيز في هذا الخطاب الدعائي على أن المسلمين كفار Infid صلى الله عليه وسلم ls وروجوا للكثير من الأكاذيب التي كان محورها أن المسلمين يقتلون الحجاج المسيحيين، ويمنعونهم من الحج إلى الأماكن المقدسة.. إلخ، ونجح القساوسة في حملتهم حتى استطاعوا التأثير في مراكز صنع القرار المتمثلة في تلك الحقبة في الملوك والإقطاعيين، وإشعال الحروب الصليبية.
إن دراسة هذه التجربة التاريخية تثبت حقيقة أن الحرب تبدأ أولاً في عقول البشر عن طريق خلق صورة سلبية شريرة للعدو، تخلق لدى الناس قناعة بأهمية الحرب وضرورتها ونبل أهدافها، وتتيح للمحارب قدراً من راحة الضمير وهو يرى دماء بشر مثله تتدفق أمام عينيه، وفي الوقت نفسه خلق صورة إيجابية عن الذات تقوم على أنه يحارب من أجل الحق، ولتحقيق أهداف نبيلة. وعندما تتحقق هاتان الصورتان في ذهن الإنسان فإنه يكون على استعداد لخوض الحرب، ولقتل من يعتقد أنهم أعداؤه.
ولقد أنتج القساوسة في أوروبا في هذه الفترة، بالإضافة إلى مجموعات من الكتّاب والأدباء والشعراء تراثاً تضمن الكثير من الصور السلبية للمسلمين وللإسلام، ظلت حتى الآن تؤثر على العقلية الأوروبية، وتدفعها في اتجاه العداء للإسلام، ولا يزال هذا التراث يدرّس في المدارس والجامعات الأمريكية.
كما أثارت الفتوحات العثمانية في أوروبا الخوف الشديد من الإسلام، وأدت إلى إنتاج تراث شكّله أيضاً القساوسة، يقوم على رسم صورة مخيفة للمسلمين من أهم سماتها أنهم متعطشون للدم، ويشكّلون تهديداً لأوروبا، وأن الإسلام يفرض عقوبات قاسية على بعض الجرائم مثل السرقة.(2)
ويلاحظ على الخطاب الديني والأدبي الذي أنتج خلال فترات الحروب الصليبية أو الفتوحات العثمانية، أنه كان خطاباً دعائياً تبريرياً يهدف بشكل أساسي إلى إقناع المواطنين الأوروبيين بالحرب ضد المسلمين، وباستخدام الإثارة الدينية، وإثارة الخوف والكراهية.
ولكن إذا كان رجال الدين هم القائمون بالاتصال خلال فترة الحروب الصليبية، فإن الصحفيين أصبحوا هم القائمون بالاتصال بشكل أساسي خلال الموجة الاستعمارية الأوروبية التي بدأت بالحملة الفرنسية على مصر عام 1798، والتي تزايدت حدتها خلال القرن التاسع عشر، وقام الصحفيون والصحف الأوروبية بحملة إعلامية ضخمة، استهدفت تهيئة العقل الأوروبي وتعبئة الشعوب الأوروبية لشن هذه الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي.(12/374)
وكان المبرر الدعائي الذي قدمته الصحافة الأوروبية للعقل الأوروبي كي يقتنع بضرورة استعمار أوروبا لآسيا وأفريقيا، هو رسالة الرجل الأبيض في تمدين البشرية أو الشعوب المتخلفة، وكان هذا نتاجاً طبيعياً لتحول أوروبا إلى العلمانية. ولتكريس هذا المبرر في الذهن الأوروبي، قامت الصحافة بتقديم صورة نمطية لشعوب آسيا وأفريقيا على أنها شعوب متخلفة، يعيشون كالوحوش وعرايا، وتم التركيز في بعض الأحيان على قضية الرق Slav صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم y، بشكل أساسي لإقناع الإنسان الأوروبي بأنه يقوم بمهمة نبيلة لتحرير البشرية.
ولذلك فإن خطاب القرن التاسع عشر، والذي ظل سائداً حتى منتصف القرن العشرين قد ركّز بشكل أساسي على عنصرين أساسيين هما: إثارة الاحتقار بالنسبة لشعوب آسيا وأفريقيا بشكل عام، وللمسلمين بشكل خاص، ورسم صورة الذات بالنسبة للمستعمر الأوروبي بشكل يقوم على الاستعلاء العرقي، حيث يوضّح كتاب لورد كرومر "مصر الحديثة" العناصر الأساسية لخطاب الاستعمار الغربي، حيث عكس هذا الخطاب صورة نمطية للمسلم تقوم على أنه إنسان عاجز، أدنى من الإنسان الغربي، مسجون داخل شخصيته الجامدة وتقاليده غير القابلة للتطور، وأن المعارضة العربية للسيطرة الغربية تأتي من عقدة الدونية للثقافة العربية.(3)
كما يوضّح هذا الخطاب الغطرسة الاستعمارية الغربية والشعور بالتفوق والاستعلاء العرقي الذي ساد خطاب المستعمر صاحب القوة في تلك الفترة.
وجاء اختراع السينما ثم تحولها إلى صناعة ضخمة ليقوم بدور أساسي في تقديم صورة نمطية للمسلمين، وتثبيت هذه الصور في الذهن الغربي، ومن خلال الكثير من الأفلام تم استدعاء المخزون التاريخي في العقل الغربي خلال الحروب الصليبية، والفتوحات العثمانية بالإضافة إلى الخطاب الاستعماري، وإعادة تقديمه والإلحاح على التذكير به، ولذلك يمكن أن نرصد الكثير من الأفلام التي تركّز على إثارة الخوف باستخدام الحروب الصليبية بشكل أساسي، وأيضاً الكثير من الأفلام التي تهدف إلى إثارة الاحتقار، وفي بعض الأحيان تم الجمع بين عناصر الخطابين في أفلام الحروب الصليبية، على الرغم من أن بعض القصص الأصلية لا تتضمن هذه الصورة المشوّهة، ومع ذلك تم إعادة إنتاجها مع تحريفها، وتحويل صورة الفرسان المسلمين في الحروب الصليبية إلى صورة القراصنة الذين لا يحاربون من أجل هدف، ويصحبون الحريم والراقصات في معسكراتهم، وأن صلاح الدين كان الهدف الأساسي لحروبه هو عشقه لفتاة غربية بيضاء... الخ.
إن دراسة تطور السينما الغربية يكشف بوضوح أنها قد قامت بدور أساسي في تشكيل الصورة النمطية للمسلمين، والترويج لهذه الصورة، وتغيير بعض سماتها طبقاً لتغيير الظروف، والترويج لسمات جديدة بشكل يرتبط بتطور الأحداث السياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن تصوير بعض الدراسات لهذا النهج الذي اتبعته السينما الغربية بأنه يأتي لتحقيق أهداف تجارية، والبحث عن عناصر التشويق والتسلية – هو تصوير لا يمكن قبوله أو التسليم به، ذلك أن الصورة النمطية التي تشكلها السينما الغربية وتروجها تؤثر بشكل كبير على عملية صنع القرار في الدوائر السياسية والاقتصادية، وأن تأثيراتها السياسية والاقتصادية والثقافية تتجاوز بشكل كبير تلك الأهداف التجارية. فهذه الصورة النمطية قد أصبحت جزءاً من الثقافة الأمريكية والأوروبية، ولها تأثيرها على السياسات الأمريكية. (4)
وجاء اختراع التليفزيون بإمكانياته الهائلة؛ ليؤدي إلى مزيد من التكريس والتثبيت للصورة النمطية التي سبق أن روّجت لها الصحافة والسينما للإسلام والمسلمين، كما قام التليفزيون بدور كبير في تشويه هذه الصورة وتنميطها بحيث أصبحت تُستدعى تلقائياً عند ذكر الإسلام والمسلمين، وتثير الكثير من مشاعر العداء نحوهما.
يضاف إلى ذلك أن التعليم في المدارس قد قام بدور في عملية تكريس الصورة النمطية للمسلمين، وعلى سبيل المثال، فقد قام عياد القزاز بدراسة للكتب المدرسية في الولايات المتحدة الأمريكية، استخدم فيها أسلوب تحليل المضمون، وأثبتت هذه الدراسة أن هذه الكتب المدرسية تتضمن الكثير من البيانات الخاطئة والمضللة عن الإسلام، وأنها أسهمت في ترويج صورة نمطية مشوّهة عن الإسلام.(5)
إن دراسة صورة الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، توضّح أيضاً أن سمات هذه الصورة ليست ثابتة، ولكن يتم الإضافة إليها طبقاً للأحداث السياسية، ومن أهم هذه الأحداث:
الصراع العربي الإسرائيلي: ارتبط التحيز الأمريكي والغربي بشكل عام لإسرائيل بتحيز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل ضد العرب، وبالتالي تم إضافة سمات جديدة للصورة النمطية بهدف إقناع المواطنين الغربيين بالتأييد المطلق لإسرائيل، وإثارة الخوف والكراهية والعداء والاحتقار للعرب والمسلمين.(12/375)
كما حمل الخطاب الغربي في هذه القضية – الذي تم الترويج له عبر وسائل الإعلام – الكثير من المبررات للسياسات الغربية المؤيدة لإسرائيل.
وفي المقابل تم الترويج لصورة إيجابية لإسرائيل، ومن الواضح أنه كان هناك ارتباط وتلازم بعد عام 1948، بين صورة سلبية مشوّهة للإسلام، وبين صورة إيجابية للإسرائيليين كان من أهم سمات الصورتين المتناقضتين للعرب والإسرائيليين ما يلي:
1- إسرائيل هي الطرف الضعيف في الشرق الأوسط، ومع ذلك فقد استطاعت أن تنتصر على العرب الشواذ كثيري العدد، وذلك بسبب شجاعة الإسرائيليين وذكائهم وكفاحهم... وتم الترويج لهذه السمة بشكل واسع عقب 5 يونيو 1967.
2- إن الفلسطينيين لم يتم طردهم من أرضهم عام 1948، وأن اليهود قد حثوهم على البقاء، ولكنهم تركوا أرضهم بإرادتهم الحرة، وبناءً على نصيحة العرب الآخرين لهم.
3- إن الإسرائيليين قد جعلوا الصحراء تزدهر، بينما ترك العرب فلسطين قاحلة.
4- إن الصهيونية فلسفة تحررية ليبرالية، لذلك فهي تستحق المساعدة من هؤلاء الذين يحبون الحرية في كل أنحاء العالم.
5- العرب معادون للسامية، ولذلك يكرهون اليهود.(6)
وقد أنتجت الصورتان المتناقضتان للعرب والإسرائيليين تأثيرهما على الجماهير، ففي استطلاع أجرته جامعة كمبردج على عينة من الأمريكيين، طلبت فيه من أفراد العينة تحديد ما إذا كانت الكلمة تنطبق بشكل أكثر على الإسرائيليين أو العرب، جاءت النتائج تؤكد أن أغلبية أفراد العينة ألصقت الصفات السلبية بالعرب مثل: (جبان – متخلف – جاهل – جشع – فقير – بربري)، وفي الوقت نفسه نسبت جميع الصفات الإيجابية للإسرائيليين مثل: (مسالم – أمين – ذكي – ودود – يشبه الأمريكيين – معتدل – متطور). بالإضافة إلى ذلك، فقد أثبتت الكثير من الدراسات تحيز وسائل الإعلام الغربية بشكل عام لإسرائيل ضد العرب، وأن المعلومات التي تقدمها هذه الوسائل للمواطن الغربي هي معلومات ناقصة، وأنه يتم حذف الكثير من المعلومات التي يمكن أن تسيء إلى إسرائيل، بالإضافة إلى الاعتماد المكثّف على المصادر الإسرائيلية، وفي إطار هذه العمليات تحدث أكبر عملية تضليل إعلامي تستخدم فيها الصور النمطية، ويتم من خلالها تكريس هذه الصور وتثبيتها.
ومن هنا كان للصراع العربي الإسرائيلي عامل مهم في تشكيل صورة المسلمين بشكل عام، مع إضافة سمات جديدة لهذه الصورة.
كان أيضاً لاستخدام العرب للبترول بشكل ناجح خلال حرب عام 1973، دور مهم في إضافة سمات أخرى لصورة استهدفت إثارة الخوف من السيطرة العربية على المصادر البترولية، والتحكم في إمدادات البترول للدول الغربية، وأنهم يستخدمون البترول كوسيلة لابتزاز الغرب، وعلى سبيل المثال فقد أذاعت محطات التلفزيون الأمريكية في صيف عام 1980، إعلاناً يصوّر مجموعة من الشخصيات التي ترتدي الزي العربي التقليدي (الجلباب والعباءة)، على رأسهم يماني والقذافي وعرفات وحافظ الأسد، وأضيف إليهم الخوميني، ولم يذكر التلفزيون أسماء هذه الشخصيات، لكن قال إن هؤلاء يتحكمون في المصادر الأمريكية من البترول، وكان يكفي أن يظهر هؤلاء بزيهم ليتعرف عليهم المتلقي وليثير مظهرهم مشاعر الغضب والخوف والكراهية.(7)
وعندما جاءت الثورة الإيرانية زاد تركيز خطاب وسائل الإعلام على عناصر إثارة الخوف، والكراهية، والتأكيد على أن الإسلام يمثل تهديداً للمصالح الغربية، وقد أثر هذا الخطاب بشكل كبير على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، وأدى ذلك إلى طرح فكرة إعادة احتلال الدول الإسلامية، وظهرت الكثير من الكتب التي طالبت بذلك، وتبرر هذه الدعوة بالإشارة إلى بربرية الإسلام، وأنه يمثل تهديداً للحضارة الغربية، وكان من هؤلاء جـ. ب. كيلي – أستاذ تاريخ الاستعمار بجامعة وسكونسن الذي يطالب بغزو العالم الإسلامي من جديد، ويعلن الاحتقار للثقافة الإسلامية.(8)
كما جاء انهيار الشيوعية التي مثّلت خلال فترة الحرب الباردة العدو الرئيس للرأسمالية الغربية؛ ليفرض على الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص ضرورة البحث عن عدو، لذلك فقد عمدت دوائر صنع القرار في الغرب، وتبعتها في ذلك وسائل الإعلام إلى استخراج العدو الإسلامي من المخزون التاريخي الثقافي الغربي، وتقديمه إلى الشعوب باعتباره يمثل الخطر الذي يهددها، ويهدد الحضارة الغربية.
لكن مع ذلك فإن هناك الكثير من الأدلة على أن فكرة تقديم العدو الإسلامي لم يكن نتيجة لانهيار الشيوعية، بل إنه خلال عام 1979، كان مستشار الرئيس الأمريكي للسياسة الداخلية ستيوارت ايزنستات قد حث الرئيس الأمريكي على العمل بخطوات قوية على تعبئة الأمة الأمريكية حول أزمة حقيقية وضد عدو واضح.(12/376)
يضاف إلى ذلك أن السينما الأمريكية قد سبقت التفكير الغربي في تقديم الإسلام على أنه العدو، ومن الأمثلة على ذلك أنه في عام 1985م، ظهر الجزء الأول من فيلم (النسر الحديدي I صلى الله عليه وسلم on صلى الله عليه وسلم agl صلى الله عليه وسلم )، والذي حظى بدعم الحكومة الإسرائيلية التي أمدت القائمين عليه بطائرات فانتوم إف 16، ثم ظهر الجزء الثاني من هذا الفيلم عام 1988م، والذي اعتبر ظهوره بداية التغيير في علاقة دعم أمريكا للعراق خلال الحرب مع إيران، واتجاهها لضرب العراق.
كما شهدت الثمانينات الكثير من الأفلام التي تجسد صورة العدو العربي الخارق، الذي يمتلك أسلحة دمار شامل (نووية)، ولذلك يتدخل الأمريكي الطيب لحماية البشرية منه، وهذا يعني أن المواجهة بين الأمريكي الطيب والشيوعي الشرير، قد تحولت إلى مواجهة مع العربي الشرير منذ بداية الثمانينيات.
هذا بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام الغربية قد ظلت تثير المخاوف من الإسلام بشكل عام، مما يؤكد أنها استراتيجية ثابتة لهذه الوسائل، ومن ثم فإن انهيار الشيوعية لم يؤد إلى تقديم الإسلام والمسلمين كعدو، ولكنه أدى إلى تركيز وسائل الإعلام على تقديمه كعدو وحيد.
إن وجود عدو أو خطر خارجي عادة ما يقوم بدور أساسي في زيادة تماسك المجتمعات، واتجاهها إلى تحقيق المزيد من الإنتاج والإبداع في محاولة للدفاع عن ذاتها، وعندما لا يوجد هذا العدو، فإن هذه المجتمعات غالباً ما تتجه إلى المزيد من طلب الرفاهية، والتمتع بالحياة، كما تظهر الكثير من التناقضات الحادة الناتجة عن القضايا المؤجلة في فترات وجود العدو الخارجي.
يضاف إلى ذلك أن الغرب يمر بحالة من عدم اليقين تجاه المستقبل، وهناك شعور قوي بأن الحضارة الغربية تتعرض للكثير من المشكلات التي يمكن أن تؤدي إلى ضعفها أو إلى انهيارها في المستقبل، لذلك فإنه يظل في حاجة لعملية تعبئة مستمرة للرأي العام ضد عدو خارجي.. ومن هنا ظهرت فكرة صراع الحضارات التي تمت صياغتها في الولايات المتحدة الأمريكية، منذرة بأن الحرب العالمية الثالثة يمكن أن تقع بين الحضارة الغربية من جانب، والحضارة الإسلامية من جانب آخر.
ومن هنا فإن فكرة العدو الخارجي تهدف بشكل أساسي لحل مشكلات داخلية في الغرب لكن مع ذلك فإن من يتابع وسائل الإعلام الغربية يلاحظ بوضوح أن هذه الوسائل تمهد وتهيء العقل الغربي، وتعبئ الشعوب الغربية لموجة استعمارية غربية جديدة للعالم الإسلامي.
وإذا كان المبرر الذي قدمته الصحافة في القرن التاسع عشر للموجة الاستعمارية الغربية في ذلك الوقت هو رسالة الرجل الأبيض في تمدين البشرية فإن المبررات الجديدة التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية هي حماية حقوق الإنسان، وحماية الديموقراطية وحماية العالم من الإرهاب، وحماية العالم من الأصولية الإسلامية، وحماية مصادر البترول.
لذلك فإن الاستراتيجية الجديدة تقوم على تقديم صورة نمطية أكثر تقدماً، وهي تجمع كل تلك السمات السلبية التي تطورت عبر التاريخ إلى جانب سمات جديدة تهدف بشكل أساسي إلى إثارة الخوف والرعب، وبالتالي إثارة الكراهية والرغبة في الانتقام.
وتستخدم وسائل الإعلام الغربية التركيز على بعض الأحداث مع المبالغة في تصويرها مثل حادت تفجير مرز التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، لتكرس مشاعر الخوف والعداء والكراهية. وفي الوقت نفسه يستمر التأكيد على السمات القديمة للصورة والتي تستهدف بشكل أساسي إثارة الاحتقار للشخصية الإسلامية مع التركيز على الأحداث السيئة التي تتم داخل الدول الإسلامية، خاصة أحداث المجاعات والحروب الأهلية. ومظاهر الإنفاق السفيه وغير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك فإننا نلاحظ بوضوح أن الخطاب الغربي العلماني قد اجتمع مع الخطاب الديني الذي يعمل على إثارة المشاعر الدينية للمسيحيين في أوروبا وأمريكا.. وفي ذلك يقول إدوارد مورتيمر: أدى انهيار الشيوعية إلى حدوث نتيجتين:
الأولى: أن الغرب حرم من تعريف نفسه بمجرد تمايزه عن الآخر الشيوعي.
والثانية: أن الغرب اكتشف ما هو مشترك بينه وبين دول أوروبا الشرقية متمثلاً في الميراث الديني والحضاري، حيث أصبحت المسيحية عنصراً أساسياً في تعريف الوضع الأوروبي المستجد، فالعقل الأوروبي اتجه تلقائياً إلى تعريف نفسه من خلال التمايز عن غير المسيحيين، وما دام التعريف يتم أحياناً من خلال النقيض، وإزاء زوال التهديد السوفييتي، فقد وجد الغرب نفسه يتعامل مع نقيض بديل تمثل في الخطر الإسلامي، فهو الأقرب جغرافياً، ثم إن الذاكرة الشعبية والتاريخية للأوروبيين مسكونة بصورة عديدة من المعارك والاشتباك مع المسلمين.(12/377)
لذلك فإن الصورة الحديثة التي تقدم للإسلام والمسلمين في الوقت الراهن تجمع بين كل السمات التي تم إنتاجها عبر الفترات التاريخية، سواء تلك السمات ذات الطابع الديني التي تم إنتاجها في عصر الحروب الصليبية، أو الفتوحات التركية، أو تلك التي تم إنتاجها خلال الموجة الاستعمارية الغربية خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.. مع إضافة سمات جديدة هي نتاج للأحداث التاريخية المختلفة كان من أهمها الإرهاب والتعصب الديني والأصولية، والعداء للديموقراطية وحقوق الإنسان والعداء للمرأة، وتهديد الحضارة الغربية والسيطرة على منابع البترول.
دعونا نتعرف على بعض سمات هذه الصورة من خلال ما كتبه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق (ريتشارد نيكسون)، في كتابه "انتهزوا الفرصة".
يقول نيكسون: "يميل كثير من الأمريكيين إلى وصف المسلمين بأنهم غير متحضرين، لا يغتسلون، بربريون، همجيون، وغير عقلاء، يجذبون اهتمامنا فقط لأن بعض قادتهم لديهم ثروة كبيرة، تحكم منطقة تحوي ما يزيد على ثلثي احتياطي النفط، وهم يتذكرون الحروب الثلاثة التي شنتها الدول العربية في محاولة لإبادة إسرائيل، واحتجاز الرهائن الأمريكيين على يد المغتصب آية الله الخوميني، والهجوم الإرهابي أثناء الألعاب الأولمبية في ميونيخ من قبل فدائيين فلسطينيين، والقتل الذي لا ينتهي وغير المعقول من قبل ميلشيات إسلامية متنافسة في لبنان، ونسف وتفجير طائرة ركاب مدنية على يد سوريا وليبيا، ومحاولة ضم الكويت على يد شبيه هتلر صدام حسين، ولا توجد دولة ولا حتى الصين الشيوعية، تحظى بصورة سلبية في الضمير الأمريكي كما هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي.
هذه هي بعض سمات الصورة، يمكن أن نراها بوضوح عبر ما تبثه الآلة الإعلامية الغربية، وهذه الصورة تقدم المبررات في أي وقت لضرب أية دولة إسلامية أو حتى إعادة احتلالها، دون وجود أي نوع من التعاطف معها، وهو ما يمكن أن يشهده المستقبل القريب.
أما الأخطر من ذلك فهو تأثير هذه الصورة النمطية السلبية على الإنسان المسلم نفسه، ذلك أن النظام الإعلامي الدولي الذي تسيطر عليه دول الشمال (أمريكا وأوروبا)، أصبح يتحكم فيما يتلقاه الإنسان في كل مكان، ومن الطبيعي أن تؤثر هذه الصورة على عقلية الإنسان المسلم نفسه وتفكيره وقراراته، فهي يمكن أن تشكل عقدة الدونية والشعور بالنقص والضعف أمام قوة الغرب، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الانتماء والولاء للإسلام وللوطن وسيادة الشعور بالانبهار بالغرب، وهذه المشاعر يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل الدول الإسلامية.
المبحث الثاني
محاولة لتفسير ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية
هناك الكثير من العوامل التي تشكل ظاهرة التحيز بشكل عام في النظام الإعلامي الدولي، وهناك عوامل تؤدي إلى تزايد ظاهرة التحيز بشكل خاص ضد الإسلام والمسلمين، وهذه العوامل لابد من دراستها بشكل كامل، بحيث يمكن أن تعطي تفسيراً متكاملاً، وسوف نقسم هذه العوامل كما يلي:-
أولاً: العوامل التي تشكل ظاهرة التحيز بشكل عام:
1- سيطرة دول الشمال على النظام الإعلامي الدولي:
أدت سيطرة دول الشمال على النظام العالمي الدولي إلى اختلال تدفق الأنباء على مستوى العالم، وتحكم دول الشمال على عملية التدفق، وهو ما أدى إلى زيادة سيطرة دول الشمال الغنية على دول الجنوب الفقيرة، كما تعرضت دول الجنوب الفقيرة بشكل عام لتشويه صورتها في وسائل الإعلام الغربية، كما تعرضت ذاتيتها الثقافية للتشويه أيضاً.
ولا شك أن هذا الوضع الاحتكاري الغربي كان تعبيراً عن الكثير من المظالم التي تعرضت لها دول الجنوب، وعن الاستغلال والنهب المنظم لثرواتها خلال الفترة الاستعمارية، وحتى الآن، وهو ما خلق الفجوة القائمة الآن بين دول الشمال والجنوب، وأدى إلى تبعية دول الجنوب لدول الشمال تبعية اقتصادية وثقافية وسياسية.
إن اختلال تدفق الأنباء في العالم المعاصر هو اختلال كمي نشأ عن التفاوت بين حجم الأنباء والمعلومات الصادرة عن العالم المتقدم، وحجم التدفق في الاتجاه المعاكس، حيث يصدر ما يقرب من 80% من تدفق الأنباء عن وكالات الأنباء الأربع الكبرى، غير أن هذه الوكالات لا تعطي لأنباء دول الجنوب إلا نسبة تتراوح بين 20 و 30% من تغطيتها الإعلامية، على الرغم من أن دول الجنوب تشكل ما يقرب من ثلاثة أرباع البشرية.
وفي الوقت نفسه فإن اختلال تدفق الأنباء في العالم المعاصر هو اختلال نوعي، حيث أن دول الشمال تحتل بشكل دائم مركز الاهتمام العالمي، في حين يتلاشى الاهتمام بأية قضايا تتعلق بشعوب العالم الأخرى.
ويمكن أن نرصد النتائج الكيفية التالية لاختلال تدفق الأنباء.(12/378)
أ- فرض التصورات الغربية للقضايا العالمية على جميع الشعوب، وهو ما يؤدي إلى تزايد الظلم الواقع على هذه الشعوب، واستمرارية إدارة الدول الغربية للصراعات العالمية بما تحمله هذه الاستمرارية من تكريس لهيمنة الغرب وسيطرته واستغلاله للبشر.
ب- فرض التصورات الغربية للشعوب على العالم كله، وهذه التصورات تنتج من خلال خبرة الغرب التاريخية مع هذه الشعوب وصراعاته معها، وهو ما يجعل هذه الشعوب ضحية لصورة نمطية تم صكها في الغرب، وتحمل الكثير من التشويه لصورة شعوب آسيا وأفريقيا، وبالأخص الشعوب العربية والإسلامية.
جـ- فرض القيم الثقافية والأيديولوجية لدول الشمال الغنية على دول الجنوب الفقيرة، ومن المؤكّد أن هذه القيم الثقافية والأيديولوجية الغربية تتناقض مع طموحات الشعوب، وحقها في الحياة الكريمة وحقها في الاستقلال والحرية.
د- إن المضمون الإخباري القادم من دول الشمال يعكس دائماً استعلاء عرقياً غربياً يعمل على تكريس تصوّر يقوم على سيادة وتفوّق وقوة الولايات المتحدة الأمريكية وشرعية سيطرتها على العالم.(9)
ومن هنا، فإن النظام الإعلامي الدولي هو بذاته نظام متحيز، ومن الطبيعي أن يتزايد في ظله التحيز ضد شعوب دول الجنوب بشكل عام، والتحيز لدول الشمال الغنية التي تسيطر على هذا النظام.
2- النظام الغربي لوسائل الإعلام:
ويأتي داخل هذا النظام اقتصاديات وسائل الإعلام التي أدت إلى تزايد ظاهرة التركيز والاحتكار في ملكية وسائل الإعلام الغربية، وتناقص التعددية والتنوّع في وسائل الإعلام، وقد أوضحت الكثير من الدراسات تزايد ظاهرة التحيز في وسائل الإعلام الغربية خلال السبعينيات والثمانينيات، وهو ما تواكب مع تزايد سيطرة الشركات متعددة الجنسية على وسائل الإعلام، فقد دفعت هذه الشركات ما تسيطر عليه من وسائل إعلامية لتأييد الفلسفة الرأسمالية الغربية، والحفاظ على الوضع القائم، والتحيز ضد جميع الاتجاهات المعارضة لاستمرارية الأوضاع الراهنة.
كما عملت هذه الإمبراطوريات الإعلامية على تصوير جميع المشاكل التي تواجه المجتمع الرأسمالي على أنها تأتي نتيجة لأنشطة غير مشروعة، يقوم بها الخارجون عن النظام مثل السود والمسلمين في المجتمعات الغربية.
وعلى المستوى الدولي تعمل هذه الشركات متعددة الجنسية على ضمان أن تأتي قرارات السياسيين لصالح استغلالها للشعوب الأخرى، وذلك من خلال تثبيت نظرة الاستعلاء العرقي والثقافي لدى شعوب الغرب، وتهيئة العقل الأوروبي والأمريكي لتقبل أي عمل عدواني على شعوب الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا.(10)
3- الفلسفة الإعلامية الغربية:
وفي هذا الإطار تأتي القيم الخبرية، وهي المعايير التي تطورت في الغرب، والتي تعتمد عليها وسائل الإعلام في انتقاء ونشرا لأخبار، وقد اعتمد الكثير من الباحثين على هذه القيم في تفسير ظاهرة التحيز، حيث يقول جولدنج واليوت: "إن المفهوم الذي نشأ وتطور في وسائل الإعلام الغربية للقيم الخبرية قد جعل التركيز ينصب أساساً على النخبة فيما يتعلق بالأخبار الداخلية، كما جعل معظم الأخبار الخارجية تدور حول الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية التي تشكّل النخبة من الناحية الدولية".(11)
هذا بالإضافة إلى تركيز وسائل الإعلام على الأخبار السلبية، خاصة فيما يتعلق بدول الجنوب. كما أن هذه القيم الخبرية مسؤولة إلى حد كبير عن ظاهرة تشابه الأخبار وتنميطها على مستوى العالم، والتركيز على المصادر الرسمية، والميل إلى إضفاء الشرعية على النظام القائم.
ولاشك أن منظومة القيم الخبرية الغربية مسؤولة إلى حد كبير عن تزايد ظاهرة التحيز، ولكن لا يمكن الاكتفاء بها في تفسير الظاهرة، كما فعل بعض الباحثين، كما أن هذه القيم الخبرية لابد من النظر إليها على أنها إنتاج رأسمالي غربي، ومن ثم فإنها تشكّل جزءاً من نظام متكامل كان لابد أن يؤدي إلى تحيز وسائل الإعلام.
4- إن السلطات الغربية تلعب دوراً واضحاً في تشكيل ظاهرة التحيز:
فبالرغم من كل ما يتردد حول حرية وسائل الإعلام في الدول الغربية، إلا أن هناك الكثير من الدراسات التي أوضحت أن ملكية الشركات متعددة الجنسيات لوسائل الإعلام في الدول الغربية قد أدت إلى التقليل من استقلالية هذه الوسائل عن السلطات، وأن علاقات المصالح المتبادلة بين هذه الشركات والسلطات قد أدت إلى بناء استراتيجيات لتغطية وسائل الإعلام للكثير من الأحداث بما يحقق الأهداف المشتركة، ولاشك أن تغطية وسائل الإعلام لحرب الخليج توضح ذلك.
5- الثقافة السائدة:(12/379)
هناك الكثير من العوامل الثقافية التي لعبت دوراً مهماً في تشكيل ظاهرة التحيز الغربي بشكل عام ضد الشعوب الأخرى، كما أسهمت في تشكيل ظاهرة الاستعلاء العرقي والثقافي الغربي، كما قدمت الثقافة الغربية مبررات لعمليات الاستعمار، التي تمارسها الدول الغربية ضد الشعوب الفقيرة، ولاشك أن مجمل الثقافة الغربية لا تأتي في صالح الشعوب الضعيفة أو القوى الضعيفة في المجتمعات الغربية مثل العمال والسود.. وغيرهم.
ثانياً – العوامل التي تشكّل ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين بشكل خاص
إن العوامل السابقة تشكّل ظاهرة التحيز بشكل عام في وسائل الإعلام الغربية، ولكن مع ذلك فإن هناك عوامل أخرى تشكّل ظاهرة التحيز ضد الإسلام والمسلمين بشكل خاص هي:
1- الخبرة التاريخية:
إن حالة الاشتباك بين الغرب والإسلام لم تتوقف منذ الحروب الصليبية حتى الآن، وقد شهدت هذه الحالة لحظات انتصار وهزائم مريرة لكلا الجانبين، وقد أنتجت هذه الحالة مخزوناً تاريخياً يصعب تجاوزه، ولابد من التسليم بأنه سيظل ينتج تناقضات حادة، وحالة عداء مستمر بين الغرب والمسلمين، فلاشك أن هناك الكثير من الدماء قد سالت.. ثم إن الغرب يدرك بشكل – ربما أكثر من المسلمين أنفسهم – مصادر القوة في الإسلام، وأن الإسلام قد صنع وحدة الأمة الأولى ونهضتها، وأقام حضارة شامخة، وأنه قادر على أن يصنع وحدة الأمة مرة أخرى، وأن يقود خطاها إلى صنع مرحلة تاريخية جديدة من الحضارة والتقدم.
إننا نظلم الإسلام إذا لم نعترف بأن هناك تناقضات كبيرة بينه وبين مجمل الثقافة والحضارة الغربية، وأن هذه التناقضات لا يمكن التوفيق بينها أو التوصل إلى حلول وسط بشأنها، فالإسلام يقدّم بناءً شاملاً للحياة والثقافة والحضارة، وهو يمثل المشروع البديل الوحيد للحضارة الغربية.. والقضية ليست قضية منجزات مادية أو تقنية، أو تقدم مادي، فهذا كله مع أهميته إلا أنه يمكن تحقيقه وفي فترات قصيرة نسبياً، لكن القضية هي قضية عقيدة وثقافة بالأساس، وهي قضايا أكثر أهمية من كل أشكال التقدم المادي.
يضاف إلى ذلك أن الإسلام يمكن أن يكون – وسوف يكون – هو القائد الحقيقي لحركة كفاح الشعوب المستضعفة ضد أشكال الهيمنة والسيطرة والتفوق الغربي، واستغلال الشعوب الضعيفة.
ثم إن المسلمين يمتلكون الكثير من مصادر القوة أهمها: البشر الذين تجاوز عددهم المليار نسمة، ويتزايد عددهم بشكل مستمر، وهم يشكّلون قوة ضخمة إذا تم تعبئتها وتوحيدها، وأن حدوث ذلك أمر ممكن مهما تصوّر المنهزمون استحالته، يضاف إلى ذلك مصادر البترول والكثير من الثروات الطبيعية، والمساحات الشاسعة من الأراضي.
وقبل ذلك وبعده عقيدة يمكن أن تشكّل الأساس لعملية التوحيد، وكتاب سماوي هو كما نزل من السماء لم يستطع أحد – ولن يستطيع – أن ينقص منه حرفاً أو يزيد عليه حرفاً، وهو يشكّل الثوابت التي تقوم عليها الثقافة والحضارة والموقف من الحياة والكون.
إذن لابد أن نسلم بأن الغرب لابد أن يخاف، وأن ينعكس ذلك في وسائل الإعلام الغربية، فتعمل على زيادة مشاعر الخوف، وعلى أية حال فذلك اتجاه إيجابي، فالخوف بالتأكيد أفضل كثيراً من الاحتقار.
2- الخبرة المعاصرة:
إن وسائل الإعلام الغربية تعتمد في كثيرٍ من الأحيان على أحداث حقيقية لا يمكن إنكارها، وهذه الوسائل تبالغ بالتأكيد في تضخيم هذه الأحداث، ولكننا لابد أن نتحلى بالشجاعة في نقد أنفسنا، ليس بهدف جلد الذات وتعذيب النفس، ولن بهدف التقويم والإصلاح.
علينا أن نعترف أن جزءاً كبيراً من المسؤولية في تشويه صورة المسلمين يقع عليهم هم أنفسهم، فالأمة بشكل عام تعيش حالة هزيمة مروّعة، وتخلف شديد، ولم تستطع حتى الآن أن تستثمر ما بيدها من عناصر القوة.. وأخطر من ذلك، فإن الكثير من النخب تعيش حالة انبهار مرضى بالغرب، كما تحدث الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ومن المؤكّد أن الغرب لا يعجب إلا بالنجاح والقوة، والقوة مهما بدت مخيفة بالنسبة له إلا أنه لا يستطيع احتقارها، ومن هنا فإنه من المؤكّد أن الطريق الصحيح لمقاومة تحيز الغرب ووسائل إعلامه ضد الأمة الإسلامية، وتصحيح الصورة النمطية المشوّهة هو إقامة مشروع حضاري جديد تستعيد في ظله الأمة عافيتها وقوتها ووحدتها وقدرتها على تحقيق النهضة والتقدم، وفي إطار هذا المشروع يتم إقامة صناعة إسلامية قوية للإعلام والمعلومات تواجه الصورة المشوّهة داخل الأمة قبل أن تواجهها في الخارج.
لم يكن الهدف إذا مما عرضت في هذه الدراسة هو زيادة ما نعانيه من أحزان أو الاستسلام للهزيمة، ولكن الهدف هو رصد الواقع، تمهيداً للتفكير في المستقبل والتخطيط الاستراتيجي لتصحيح الصورة السلبية ومواجهتها، وتحقيق الانتصار الإعلامي.(12/380)
إن الصورة مهما كانت سلبية يمكن تصحيحها، وتحويلها إلى صورة إيجابية، ولقد نجح اليهود في ذلك، والتجربة يمكن أن تتكرر باستغلال كل ما في العصر من منجزات تقنية في مجال الإعلام والمعلومات.
الخاتمة أوضحت هذه الدراسة تطور ظاهرة التحيز في وسائل الإعلام الغربية، وأن المسلمين ضحية لهذه الظاهرة، حيث أدت إلى تشكيل صورة نمطية سلبية للمسلمين، كما أن هذه الوسائل قد شكّلت صورة إيجابية للذات الغربية بشكل يكرّس الشعور بالتفوق والاستعلاء العرقي.
أما التطور الذي شهدته التسعينيات فهو زيادة التركيز على تقديم الإسلام والمسلمين كعدو، وأنه يمثّل خطراً يهدد الحضارة الغربية، وأن خطاب وسائل الإعلام الغربية في التسعينيات قد شهد الجمع بين الخطاب الديني، الذي استخدم خلال الحروب الصليبية، والخطاب العلماني الذي استخدم خلال الموجة الاستعمارية الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
كما قدّمت هذه الدراسة محاولة لتفسير ظاهرة التحيز بشكل عام، ثم التحيز ضد المسلمين بشكل خاص.
ولاشك أن هذه الصورة النمطية السلبية التي يقدمها النظام الإعلامي الدولي، الذي تسيطر عليه الدول الغربية تمثل إحدى أخطر التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في العصر الحديث، وأن هذا التحدي يفرض على الدول الإسلامية ضرورة العمل لرسم استراتيجية لمواجهة هذه الصورة وتصحيحها.
لكن قبل العمل على تصحيح الصورة في العالم الغربي، فإنه لابد من مواجهة تأثير الصورة على الإنسان المسلم ذاته، فهذه الآثار قد تكون أخطر بكثير من تأثير الصورة على المستوى العالمي، وهذه المواجهة لابد أن تقوم على رسم صورة للذات تعيد للإنسان المسلم الثقة في ذاته، والاعتزاز بحضارته وثقافته، وزيادة ولائه للأمة وانتمائه لها.
وعلى المستوى العالمي، فإنه على الرغم من الاعتراف بصعوبة تصحيح الصورة، إلا أنه مع ذلك فإن عملية التصحيح ليست مستحيلة، بل إن هناك إمكانية كبيرة لتحقيق ذلك على المدى الطويل، لكن ذلك يعتمد على استراتيجية طويلة المدى، يمكن أن نحدد أهم ملامحها فيما يلي:
1- العمل على إقامة المشروع الحضاري الإسلامي، الذي تستعيد في ظله الأمة الإسلامية وحدتها وقوتها ونهضتها، وهذا المشروع لابد أن يهدف إلى تحقيق التقدم على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وتقديم هذا المشروع إلى العالم كأداة لتحرير كل المستضعفين من السيطرة والاستغلال الغربي، في ظل هذا المشروع يمكن أن تكون الأمة الإسلامية في المستقبل مساهماً في صنع الحضارة الإنسانية، وفاعلاً أصيلاً في السياسات العالمية، وهذا المشروع بالتأكيد هو أهم التحديات التي يجب أن يشارك في مواجهتها كل مفكري الأمة ومثقفيها.
2- في إطار هذا المشروع لابد من العمل على إقامة صناعة إسلامية للإعلام والمعلومات، ومن المؤكّد أن هناك إمكانيات كبيرة لإقامة هذه الصناعة حتى مع الوعي بسيطرة الغرب على النظام الإعلامي الدولي، وهذه الصناعة الإسلامية القوية هي التي يمكن أن تكسر السيطرة الغربية على تدفق الأنباء في العالم، وهذه الصناعة الإسلامية للإعلام والمعلومات لابد أن تقوم أولاً على إعداد الكوادر الإعلامية المؤهلة علمياً وثقافياً ومهنياً على إنتاج مضمون بديل لما يقدمه الإعلام الغربي، فالمضمون هو أهم أركان هذه الصناعة، ثم تأتي البنى الإعلامية، ومن المؤكّد أن هناك إمكانية لتقوية البنى الإعلامية الموجودة في الدول الإسلامية، وزيادة فاعليتها لتصبح مصدراً مهماً للثقافة والإعلام والمعلومات، ثم تأتي إمكانية إنشاء بنى جديدة تزيد من فعالية الصناعة الإعلامية الإسلامية.. وفي إطار ذلك فإنه يمكن البدء بالمشروعات التالية:
أ- العمل على إنشاء وكالة أنباء إسلامية قوية تكون بعيدة عن سيطرة الحكومات حتى يمكن أن يتحقق لها قدر أكبر من المصداقية والثقة فيما تبثه من أنباء.
ب- العمل على زيادة التعاون بين وكالات الأنباء في الدول الإسلامية، عن طريق تبادل الأنباء والمعلومات، وتسهيل الحصول عليها.
جـ- زيادة التعاون بين الدول الإسلامية في مجال تبادل المنتجات الثقافية والإعلامية، والتقليل من الاعتماد على المنتجات الإعلامية الغربية.
3- إنشاء رابطة لعلماء الإعلام المسلمين، تعمل على تفعيل دور الباحثين الإعلاميين الإسلاميين في دراسة واقع الإعلام في الدول الإسلامية، وذلك بالمقارنة بواقع الإعلام في الدول الغربية، وذلك لإنتاج نظريات جديدة مستقلة تقوم عليها الصناعة الإسلامية للإعلام والمعلومات، وتحرر هذه الصناعة من التبعية الفكرية للغرب، بالإضافة إلى العمل على تطوير الدراسات الإعلامية في الدول الإسلامية وإنشاء كلية للإعلام الإسلامي.(12/381)
4- العمل على إنشاء رابطة للإعلاميين الإسلاميين كتنظيم مهني، يهدف إلى زيادة القدرات الإعلامية للإعلاميين الإسلاميين عن طريق التدريب، كما تعمل هذه الربطة كتنظيم مهني يصدر ميثاق شرف للإعلاميين الإسلاميين، ويتابع تنفيذه، بالإضافة إلى العمل على حماية حقوق الإعلاميين الإسلاميين.
5- العمل على زيادة القدرات الإعلامية للمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في مجال الاتصال المواجهي (المباشر)، وهذا النوع من الاتصال له تأثير أكبر من الاتصال الجماهيري، ولذلك لا بد من العمل على تأهيل أكبر عدد ممكن من المسلمين المقيمين في الدول الغربية ليكونوا قادت رأي ينقلون رسائل صحيحة عن الإسلام إلى المواطنين الغربيين عن طريق الاتصال المباشر.
كما يمكن تدريب المسلمين المقيمين في الغرب على كتابة خطابات إلى أية صحيفة أ وسيلة إعلامية تهاجم الإسلام، فقد أشار الكثير من الصحفيين الغربيين إلى أنهم يتلقون الكثير من الخطابات من اليهود في حالة كتابة أية معلومات يمكن أن تمس إسرائيل بشكل أو بآخر، كما يمكن الاستفادة من الإمكانيات المتاحة في الغرب لإصدار صحف وإنشاء محطات تلفزيونية كابلية Cabl صلى الله عليه وسلم T.V، بالإضافة إلى زيادة قدراتهم على استخدام الشبكة الدولية للمعلومات Int صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم n صلى الله عليه وسلم t لبث رسائل عن الإسلام، وإنشاء مواقع على هذه الشبكة تهدف إلى تقديم المعلومات الصحيحة عن الإسلام، وإصدار صحف إسلامية.
6- إنشاء قمر صناعي إسلامي يحمل مجموعة من القنوات التلفزيونية الإسلامية المتخصصة، ويحمل قنوات تبث برامج جامعة إسلامية عالمية مفتوحة توفر المعرفة الصحيحة عن الإسلام لكل من يرغب في دراسته.
وبعد فإن إقامة صناعة إسلامية للإعلام والمعلومات هو مشروع كبير ويحتاج إلى الكثير من الإمكانيات المادية والبشرية لكن إقامة هذه الصناعة هي عملية دفاع عن هوية الأمة الإسلامية وذاتيتها الثقافية والحضارية وحقها المشروع في الحياة.
ـــــــــــ
هوامش الدراسة:
1- لمزيد من التفاصيل حول تعريف التحيز وأنواعه، أنظر على سبيل المثال.
- Mcquail. D, Analysis of n wspap صلى الله عليه وسلم Cont nt, (London: H صلى الله عليه وسلم Maj sty’s Station صلى الله عليه وسلم y offic , 1977), PP 15 – 17.
- N g صلى الله عليه وسلم in . صلى الله عليه وسلم , Politics and mass m dia in B صلى الله عليه وسلم itain, (London: صلى الله عليه وسلم out L dg , 1989) PP 78 – 93.
- Baistow. T, Daily P صلى الله عليه وسلم ss: Fau صلى الله عليه وسلم th صلى الله عليه وسلم at stat (London: Com dia Fuhlishing g صلى الله عليه وسلم oup, 1985, P. 3 .
2- انظر في ذلك على سبيل المثال:
- Oxtoby. G. W, W st صلى الله عليه وسلم n P صلى الله عليه وسلم c ptions of islam and th A صلى الله عليه وسلم abs, in: Hudson. M and Wolf. صلى الله عليه وسلم , Th Am صلى الله عليه وسلم ican m dia and Th A صلى الله عليه وسلم abs, G o صلى الله عليه وسلم g Town univ صلى الله عليه وسلم sity, C nt صلى الله عليه وسلم fo صلى الله عليه وسلم Cont A صلى الله عليه وسلم abic Studi s, 1980, PP 3 – 7.
3- انظر دراسة مقارنة بين الخطاب المستخدم في كتاب لورد كرومر "مصر الحديثة"، والكتابات الغربية الحديثة في:
- P t صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم udolph, Th Myst صلى الله عليه وسلم i s of Th o صلى الله عليه وسلم i ntal mind, in l Sh ikh. I ( t. al), Th chall ng of Th Middl ast, Univ صلى الله عليه وسلم sity of Amst صلى الله عليه وسلم dam, 1982, PP 73 – 89.
4- انظر في ذلك:
- Shah n. J, Th T.V A صلى الله عليه وسلم ab, (ohio: Bawling g صلى الله عليه وسلم n stat univ صلى الله عليه وسلم sity, 1984) P. 12.
- Shah n. J, Am صلى الله عليه وسلم ican T l vision: A صلى الله عليه وسلم abs in d humanizing صلى الله عليه وسلم ol , Jn Hudson. M and Wolf . صلى الله عليه وسلم , ( ds), Am صلى الله عليه وسلم ican m dia and A صلى الله عليه وسلم abs, OP. Cit, P. 40.
5- انظر نتائج هذه الدراسة القيمة في:
- Al – Qazzaz. A, Jmag fo صلى الله عليه وسلم mation and t xthooks, Jn Gha صلى الله عليه وسلم b. , Split Vision, (Washington: Am صلى الله عليه وسلم ican – A صلى الله عليه وسلم ab affai صلى الله عليه وسلم s council, 1983), PP 369 – 380.
6- انظر في ذلك على سبيل المثال:
- Suli man. M, National St صلى الله عليه وسلم atyp s as W apons in Th A صلى الله عليه وسلم ab – Is صلى الله عليه وسلم a li conflict, jou صلى الله عليه وسلم nal of Pal stin studi s, sp صلى الله عليه وسلم ing 1974, Vol 3, PP 109 – 121.(12/382)
7- Said. dwa صلى الله عليه وسلم d, Cov صلى الله عليه وسلم ing Jslam, London: صلى الله عليه وسلم autl dg & K gan paul, 1981, P. 3.
8- Jbid, P. XII.
9- لمزيد من التفاصيل حول صور الاختلال في النظام الإعلامي الدولي وتأثيراته انظر:
- سليمان صالح، مقدمة في علم الصحافة، (القاهرة: دار النشر للجامعات المصرية، 1994)، وصناعة الأخبار في العالم المعاصر، القاهرة: دار النشر للجامعات المصرية، 1998).
- سليمان صالح، أزمة حرية الصحافة في النظم الرأسمالية، (القاهرة: دار النشر للجامعات المصرية، 1995).
10- انظر في ذلك:
- سليمان صالح، الإعلام الدولي وسيطرة الشركات متعددة الجنسية، مجلة الدراسات الإعلامية، العدد 67، أبريل – يونيه 1992.
سليمان صالح، أزمة حرية الصحافة في النظم الرأسمالية، م. س. ذ.
11- Golding. P and lliot. P, Making Th n ws, London: Longman, 1974).
=================
للحرية قيود وللصبر حدود !
أ.د. حسن بن علي الزهراني
أستاذ جراحة الأوعية الدموية
جريدة الوطن
صدق من قال: " الحرية روح الحياة ولكن القيود هيكلها "، و أول تلك القيود هو احترام حرية الآخرين التي تتوقف عندها حرية أي فرد أو مجتمع، فلا يوجد عاقل –في أي مجتمع كان- يمارس الحرية المطلقة، ولا يدعو ذو بصيرة –بصرف النظر عن معتقده أو موروثه الحضاري- إلى التحلل من كل القيود لممارسة حريته الخاصة أو حرية مجتمعه، ففي الحرية المطلقة -بإجماع ذوي الألباب من بني الإنسان- فساد ذريع، ولو ترك لكل أحد أن يمارس حريته المطلقة كيفما أتفق ودون مراعاة لحقوق ومشاعر الآخرين لقضى أقوام حوائجهم الطبيعية من إخراج وتناسل وتكاثر على أبواب البيوت وعند نواصي الطرق كما تفعل البهائم!.
ليست هناك حرية مطلقة في الماضي والحاضر بل ولا حتى المستقبل، ويكذب ويعلم أنه يكذب من زعم بأن هناك حرية مطلقة لفرد أو مجتمع تبيح له أن يمارس ما يراه دون مراعاة لمصالح و أنظمة و أعراف وتقاليد مجتمعه التي ارتضاها لنفسه، فلكل حرية قيود تحدد سقفها، قيود –معلنة أو مضمرة!- تحددها معتقدات وحضارة ذلك المجتمع وفي مقدمتها إرثه الديني وعقده الاجتماعي ومدى احترامه لنفسه واحترامه للغير، بل إن للذوق العام دور هام في تحديد ملامحها.
لا شك بأن الحضارات والثقافات تتفاوت في المدى المسموح به من الحرية، إلا أنها تتفق جميعا على عدم التسامح مع الإهانة المقصودة لمشاعر الغير، ولو يعطى الناس بدعواهم لأعطيت الحضارة الغربية المركز الأول في التشدق بإعطاء القدر الأكبر من الحريات لمواطنيها، و لكن الحق بأن هناك بونا شاسعا بين النظرية والتطبيق، خاصة إن كان التطبيق على غير أرضها ولغير شعوبها، وتأمل ما حدث ويحدث منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى تاريخه لترى مكيالي الزور التي يكتال الغرب بها، تأمل الفرق بين مكيال يكيل به لنفسه –ومن أحب- ومكيال حشف وسوء كيلة يكيل به للمسلمين ومن أحبوا، فيحرم معاداة السامية ومناقشة الهولوكوست من جهة، ويتسامح ويتغاضى بالمقابل عن نشر رسومات ساخرة لأعظم رمز (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأمة يزيد عددها عن المليار والنصف بدعوى تقاليد حرية النشر المسموح بها في دولة كالدنمارك وغيرها من دول الغرب المسيحي، تلك الدولة التي لا يزيد عدد سكانها مجتمعين على نصف عدد سكان عاصمة إسلامية واحدة كالقاهرة أو اسطنبول، ليس هذا فحسب بل يطالب مليار ونصف مسلم بتقبل تلك الإهانة لنبيهم الكريم بصدر رحب، ويحثوا على التحلي بروح رياضية مع هذه الممارسة الفجة، فالواجب عليهم أن يحتفوا بهذه الإهانة باعتبارها درسا مجانيا في ممارسة الحرية التي تأخروا في اعتناق مبادئها، بل و يذهب بعيدا فيحدد البعض للمسلمين - وبكل صفاقة وعنجهية- سقف حرياتهم فينهاهم عن التعبير عن سخطهم ويحذرهم من التصرف في أموالهم -بهمجية وبربرية!-، فيقاطعوا منتجات الدولة أو الدول التي أساءت لنبيهم ورفضت الاعتذار لهم.(12/383)
لقد تفاجأ الإعلام العالمي عامة والغربي خاصة بحجم الغضب الذي تفجر في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وردة الفعل القوية التي عبرت بها الشعوب المسلمة نصرة لنبيها والمتمثلة في المقاطعة الاقتصادية، وحق لهم أن يندهشوا! فلقد تعودوا من المسلمين الصبر الجميل على الإهانات المتواصلة بحق أنفسهم وبحق دينهم و حضارتهم، عودهم المسلمون على التسامح والصفح والتماس العذر وقبول الاعتذار، عودوهم على إدارة الخد الأيمن بعد صفع الأيسر، قبلت الشعوب المسلمة سلسلة من الإهانات المتلاحقة منذ أن ُأخذ مليار ونصف مسلم بجريرة بضع مئات منهم، فوصم دينهم بالإرهاب تصريحا وتلميحا، ووصم كتابهم المقدس بالتحريض على الكراهية، وعومل الكثير منهم على أنهم متهمون بالإرهاب بناء على لون بشرتهم أو ارتداء نسائهم للحجاب، فالتمسوا العذر لمنتهكي حقوقهم! بل وتسابقوا لإعطاء كل ما يستطيعون من تنازلات لإثبات حسن سلوكهم وسلامة طويتهم، ومع ذلك فلم يشفع لهم ذلك عند شانئهم ولم يغني عنهم شيئا، وأستمر مسلسل إذكاء الكراهية والحقد تجاه الإسلام، فتم تمزيق و تدنيس المصحف في المعتقلات الأمريكية وهدمت المساجد وانتهكت حرمات وأعراض، واستمرت الصفعات من كبار القوم، ثم فعلوا بنبينا الأكرم كما فعل به رؤوس الكفر عند دعوته لأهل الطائف فأغروا به سفهاءهم، فتولى كبر الإساءة سفهاء تلك الصحيفة الدنماركية، ثم تبعهم في ذلك سفهاء آخرين في أوروبا، وهنا طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وأعلنها المسلمون صريحة " إلا رسول الله!" وهو شعار معبر لا يفهمه إلا من تأدب بالوحي المنزل القائل ((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم))، فجاء العذر متأخرا وقبيحا !، فالمشكلة في المسلمين –المتخلفين- الذين لا يتفهمون تقاليد بلادهم التي تبيح لهم السخرية من كل أحد –زعموا!-، وعلى الرغم من متابعتي لعشرات المقالات والتصريحات –وما سمي بالاعتذارات- من المسئولين الدنمركيين إلا أنني لاحظت المراوغة والتهرب البين من إعطاء إجابة مباشرة حول حرية التعبير عند مناقشة موضوع حدوث المحرقة النازية لليهود أو السماح بالحديث عن السامية أو التشهير بأحبار اليهود، فكل أولئك يعلو سقف الحرية المزعومة.
للغربيين أن يحددوا لشعوبهم سقف حريتهم كيفما أرادوا طالما تعلقت تلك الحرية بأفرادهم ومجتمعاتهم، للأوروبي الحق في ممارسة ما يشاء من سخرية برموزه وزعمائه، بدء برجال –ونساء البلاط الملكي!- مرورا برجال الكنيسة وانتهاء بمشاهير الفن والرياضة، وله كل الحق في سن ما شاء من قوانين تسعى لتحطيم قيم الأسرة فيبيح زواج المثليين والشواذ، ويغض الطرف عن زنا المحارم، ويمنح التراخيص الرسمية لبيوت الدعارة ونوادي التعري(الستربتيز)، ويبيح تعاطي الحشيش، فذلك شأنه وتلك مشكلته، كما أن له أن يقرر احترام مشاعر اليهود فلا يجرحها بتصويرهم كنصابين أو مرابين أو جواسيس أو حتى بخلاء انتهازيين!، وله أن يحدد لمجتمعه قواعد الذوق أو ما يسمونه بالاتيكيت فيرى بأن الأفضل في تحية المرأة هو تقبيلها على خديها بينما يستهجن تقبيل الرجل للرجل عند اللقاء، وله أن لا يرى في تعدد العشاق والعشيقات بأسا ثم ينتقد تعدد الزوجات، بل إن الغربي يشترط التهذيب في التلفظ فيتوقع من مخاطبه أن يسبق أي طلب بكلمة"Pl صلى الله عليه وسلم as صلى الله عليه وسلم " أي من فضلك و أن يختم حديثه بالشكر ولكنه لا يرى بالمقابل أن في السخرية من مقام نبي مرسل أي دليل على عدم التهذيب بحق ذلك النبي و بحق أتباعه، لأن منظري الأتيكيت قد طبقوا قواعد الذوق –فقط- على وضعية الشوكة والملعقة على مائدة الطعام وعلى استهجان التجشؤ أو فتح الفم أثناء الأكل وهو مملؤ بالطعام، وما عدا ذلك من إساءات يدخل ضمن الحريات الشخصية وحرية التعبير ولا علاقة له بالتحضر!.
ومن هنا فلا بد من أن نسعى جميعا شعوبا و حكومات إلى التنادي إلى ميثاق أو معاهدة "ذوق" يحدد لقليلي الذوق وعديمي الأخلاق سقفا لحرياتهم الشخصية في عالم أنكمش حجمه وتشابكت مصالحه، ميثاق يجرم الإساءة لكافة أنبياء الله و كل الأديان السماوية الثابتة -لا اليهودية فقط!-، إن ميثاقا من هذا النوع قد يكون أكثر أهمية من معاهدات كثيرة يتحدث عنها العالم اليوم.(12/384)
لكم آلم أمة محمد تطاول وسائل الإعلام الغربية على أنبياء بني إسرائيل حين صوروا بصور مقيتة، ومع ذلك فإن المسلمين قد سكتوا عن تلك الإهانات –اجتهادا من بعضهم- حتى لا يتهموا بدس أنوفهم فيما لا يعنيهم، أما وقد وصل الأمر إلى نبيهم الخاتم فلا يسع مسلم أن يسكت، لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ووجب على قادة العالم الإسلامي التحرك لإيقاف هذه الحملة الجائرة و المنظمة ضد الإسلام ونبيه وأتباعه، فالإسلام دين لأكثر من ربع سكان الأرض وهو بذلك يستحق نفس المعاملة التي نالتها اليهودية من لدن ما يسمى بالشرعية الدولية التي منعت التحريض على معاداة السامية، وحادثة الصحيفة الدنماركية قد طرحت سؤالا طالما رواد الكثير من المسلمين، و هو السؤال الذي عنون به الأستاذ فهمي هويدي مقالة له مؤخرا " من يكره من؟!"، فيا ليت بعض قومي يجيبون أو ليتهم "يختشون" فيصمتون!
======================
( لماذا نحب الرسول؟ )
عناصر الموضوع:
1. أحوال الناس تجاه رسول الله وسنته وهديه
2. فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
3. المواطن التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
لماذا نحب الرسول؟:
إن الناس تجاه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع هديه وسنته قد انقسموا إلى أقسام عدة؛ فمنهم المستهزئ بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومنهم المتبع لبعض هديه التارك للهدي الآخر... وهلم جرا، وإن من علامة حب الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره بالصلاة عليه في المواطن المستحب ذكره فيها.
أحوال الناس تجاه رسول الله وسنته وهديه:(12/385)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الإخوة! إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً عظيماً علينا، رسول الهدى الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فبلغ رسالة الله للناس، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وأقام الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فاعتدلت الملة على الصراط المستقيم بعد أن كانت عوجاء، فتح الله به قلوباً غلفا، وآذاناً صما، وأعيناً عميا، ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، وما ترك شراً إلا وحذرنا منه، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الأمة أجراً؛ لأن الدال على الخير كفاعله، ولا يعمل منا أحدٌ اليوم عملاً صالحاً إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أجر المثل، بالإضافة لأجره هو صلى الله عليه وسلم. هذا الرسول -أيها الإخوة- كما ذكرنا في مناسبة سابقة، لابد أن نحبه حباً عظيماً، وطريقة أهل السنة والجماعة في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقٌ بين باطلين، طريقة الوسط بين الغلو ورفعه فوق المنزلة التي أنزله الله إياها، وبين الجفاء وهو: قسوة القلب وعدم محبته صلى الله عليه وسلم المحبة الكافية، فضلاً عن كرهه أو سبه كما يفعل اليوم كثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لقد كافأ الناس -أيها الإخوة- رسول الله صلى الله عليه وسلم مكافأة شنيعة، فمنهم من يستهزئ به أو بشخصه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنهم من يستهزئ بمظهره أو لباسه صلى الله عليه وسلم، فأنت تذكر للناس صفة مظهره أو لحيته أو ثوبه عليه الصلاة والسلام، فتجد ألسنة المستهزئين قد انطلقت بلا عنان، تكيل الشتائم والسباب بشكل مباشر أو غير مباشر لصفة هذا النبي الكريم، وبعض الناس بلغ من تقصيرهم أنهم أخذوا أطرافاً من سننه وتركوا الباقي، فقالوا: هذه سنن أساسية، وهذه لبابٌ يجب أن نأخذ بها، وتركوا أشياء كثيرة مما سوى ذلك، وزعموا أنها قشور لا يجب على المسلم أن يأخذ بها، خالفوا قول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. مظهر المسلم اليوم يختلف اختلافاً كبيراً عن مظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخلاق المسلمين اليوم، وعقائد المسلمين اليوم، وسير المسلمين اليوم تختلف اختلافاً كلياً عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله، وقع التقصير -أيها الإخوة- بشكل يدعو إلى الأسى والأسف، هل هذه هي المكافأة التي يكافئ بها المسلمون نبيهم صلى الله عليه وسلم على تلك الخدمات الجليلة التي أداها عليه السلام لهم ولدينهم؟!
فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:(12/386)
إننا -أيها الإخوة- نحتاج إلى مراجعة حساباتنا وتصرفاتنا تجاهه صلى الله عليه وسلم، ونحن قد ذكرنا في درس ماض محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطريق إليها، ونخصص هذه الخطبة إن شاء الله لبيان حق واحد من حقوقه عليه السلام وهو: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضلها وأهميتها ومواطنها، وقبل أن نبدأ -أيها الإخوة- أذكركم بأن من آداب خطبة الجمعة، الإنصات للإمام، وعدم رفع الصوت من قبل المأمومين حتى ولو كان الرفع بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون الصلاة عليه إذا ذكر في النفس، سراً كما قال العلماء. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، فأمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة والسلام، ولهذا قال النووي رحمه الله: والمشروع الجمع بين الصلاة والسلام معاً، وعدم إفراد كلٌ منهما لوحده، هذا هو المستحب مصداقاً لما جاء في الآية، إلا ما ورد الدليل بتخصيص أحدهما، وصلاة الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو العالية فيما جاء عنه بإسناد حسن: هو ثناؤه عليه عز وجل، الصلاة من الله: ثناء الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن الملائكة ومن المؤمنين الدعاء له عليه الصلاة والسلام. وقد عد رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يترك الصلاة عليه بخيلاً، فقال: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ علي). رواه أحمد ، وهو حديث صحيح، ولذلك قال العلماء: بأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم واجبة لابد منها، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد! أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاة، إلا صليت عليه بها عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشراً، فقلت: بلى أي ربي) رواه أحمد وهو حديث صحيح. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من عند ربي عز وجل، فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها) أربع مكافآات لمن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشر حسنات تكتب، وعشر سيئات تمحى، وعشر درجات ترفع، ويرد عليه بمثل ما صلى على رسوله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وهو حديث صحيح. ولأجل هذه النعمة التي أنعم الله بها على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد سجد عليه السلام شكراً لربه على هذه النعمة كما جاء في الحديث الصحيح، وأخبر عليه السلام أيضاً، بقوله: (ما من عبدٍ يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة، مادام يصلي علي، فليقِل العبد من ذلك أو ليكثِر) ولابد من الإكثار، وهذا حديث حسن. بل إن الله قد خص ملائكة معينين وظيفتهم السياحة في الأرض لتبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد وغيره: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) بل إنه أكثر من ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن الذي رواه الطبراني عن عمار بن ياسر مرفوعا: (إن لله تعالى ملكاً معيناً أعطاه الله سمع العباد، فليس من أحد يصلي عليّ إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي ألا يصلي عليّ عبد صلاة إلا صلى الله عليه عشر أمثالها). وقال عليه الصلاة والسلام موضحاً أكثر: (أكثروا الصلاة عليّ، فإن الله وكل بي ملكاً عند قبري، فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد! إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة) ملك أعطاه الله أسماء العباد يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام كل واحد باسمه، وهذا حديث حسن. وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من واحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام) حديث حسن، رواه أبو داود رحمه الله تعالى. فترد الروح إليه صلى الله عليه وسلم لكي يرد على المصلي منا عليه صلاته وسلامه، فأي أجر وأي فضل أعظم من هذه الأشياء. ولقد بلغ من فضل الله علينا أنه جعل صلاتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم تبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أينما كان المصلي عليه في أي مكان من أقطار الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: (حيث ما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني) سواء كنت عند قبره أو كنت في هذا المكان، أو كنت في أقصى الأرض، فإذا صليت على رسول الله بلّغ الله تعالى صلاتك لرسوله صلى الله عليه وسلم.
المواطن التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:(12/387)
إننا -أيها الإخوة- نحتاج إلى مراجعة حساباتنا وتصرفاتنا تجاهه صلى الله عليه وسلم، ونحن قد ذكرنا في درس ماض محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطريق إليها، ونخصص هذه الخطبة إن شاء الله لبيان حق واحد من حقوقه عليه السلام وهو: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضلها وأهميتها ومواطنها، وقبل أن نبدأ -أيها الإخوة- أذكركم بأن من آداب خطبة الجمعة، الإنصات للإمام، وعدم رفع الصوت من قبل المأمومين حتى ولو كان الرفع بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون الصلاة عليه إذا ذكر في النفس، سراً كما قال العلماء. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، فأمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة والسلام، ولهذا قال النووي رحمه الله: والمشروع الجمع بين الصلاة والسلام معاً، وعدم إفراد كلٌ منهما لوحده، هذا هو المستحب مصداقاً لما جاء في الآية، إلا ما ورد الدليل بتخصيص أحدهما، وصلاة الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو العالية فيما جاء عنه بإسناد حسن: هو ثناؤه عليه عز وجل، الصلاة من الله: ثناء الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن الملائكة ومن المؤمنين الدعاء له عليه الصلاة والسلام. وقد عد رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يترك الصلاة عليه بخيلاً، فقال: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ علي). رواه أحمد ، وهو حديث صحيح، ولذلك قال العلماء: بأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم واجبة لابد منها، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد! أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاة، إلا صليت عليه بها عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشراً، فقلت: بلى أي ربي) رواه أحمد وهو حديث صحيح. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من عند ربي عز وجل، فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها) أربع مكافآات لمن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشر حسنات تكتب، وعشر سيئات تمحى، وعشر درجات ترفع، ويرد عليه بمثل ما صلى على رسوله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وهو حديث صحيح. ولأجل هذه النعمة التي أنعم الله بها على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد سجد عليه السلام شكراً لربه على هذه النعمة كما جاء في الحديث الصحيح، وأخبر عليه السلام أيضاً، بقوله: (ما من عبدٍ يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة، مادام يصلي علي، فليقِل العبد من ذلك أو ليكثِر) ولابد من الإكثار، وهذا حديث حسن. بل إن الله قد خص ملائكة معينين وظيفتهم السياحة في الأرض لتبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد وغيره: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) بل إنه أكثر من ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن الذي رواه الطبراني عن عمار بن ياسر مرفوعا: (إن لله تعالى ملكاً معيناً أعطاه الله سمع العباد، فليس من أحد يصلي عليّ إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي ألا يصلي عليّ عبد صلاة إلا صلى الله عليه عشر أمثالها). وقال عليه الصلاة والسلام موضحاً أكثر: (أكثروا الصلاة عليّ، فإن الله وكل بي ملكاً عند قبري، فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد! إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة) ملك أعطاه الله أسماء العباد يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام كل واحد باسمه، وهذا حديث حسن. وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من واحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام) حديث حسن، رواه أبو داود رحمه الله تعالى. فترد الروح إليه صلى الله عليه وسلم لكي يرد على المصلي منا عليه صلاته وسلامه، فأي أجر وأي فضل أعظم من هذه الأشياء. ولقد بلغ من فضل الله علينا أنه جعل صلاتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم تبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أينما كان المصلي عليه في أي مكان من أقطار الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: (حيث ما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني) سواء كنت عند قبره أو كنت في هذا المكان، أو كنت في أقصى الأرض، فإذا صليت على رسول الله بلّغ الله تعالى صلاتك لرسوله صلى الله عليه وسلم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم آخر التشهد في كل صلاة:(12/388)
ومن المواضع التي يشرع فيها الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، الموضع الأول: وهو أهمها وآكدها في الصلاة عليه في آخر التشهد، وهي الصلاة الإبراهيمية المعروفة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، ولهذه الصلاة صيغ كثيرة، يستحب للإنسان المسلم أن ينوع في ذكرها في صلاته، فمن هذه الصيغ قوله عليه الصلاة والسلام: (صلوا عليّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل ومحمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ومن هذه الصيغ قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد) والصيغ كثيرة ذكرها أهل العلم في موضعها.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول من كل صلاة:
والموضع الثاني أيها الإخوة: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول من الصلاة، بعد التشهد الأول من الصلاة يسن الصلاة على رسول الله كذلك، ليس فقط في التشهد الأخير كما يعلمه عامة الناس، وإنما حتى في التشهد الأول للحديث الوارد عند أبي عوانة والنسائي: أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على نفسه في التشهد الأول وغيره، الفرق بينهما أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير واجبة، أما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول فهي سنة، إن تركها الإنسان فلا حرج، ولكن يسن له أن يصلي على رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى بعد التشهد الأول قبل أن يقوم إلى الركعة الثالثة.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت:
وكذلك من المواضع: الصلاة عليه في آخر دعاء القنوت في صلاة الوتر أو غيره إذا قنت الإنسان، لما جاء في حديث عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنهم كانوا على عهد عمر يلعنون الكفرة في النصف من شعبان، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الإمام، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين، وذكر بعض العلماء أن هذه الصلاة مقيدة بقول الراوي أو بقوله أحياناً، أي: قوله في النصف الثاني من هذا الشهر.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة:
وكذلك يستحب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قل: هي جزء من صلاة الجنازة، وهو الموضع الآخر، فإنه قد قال الزهري رحمه الله: سمعت أبا أمامة سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب -وأبو أمامة صحابي صغير- إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت. ففي التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده صحيح.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد إجابة المؤذن:
والموطن الخامس أيها الإخوة: بعد إجابة المؤذن، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة ... الحديث) بعد الانتهاء من الترديد مع المؤذن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء:
ومن الأماكن والمواطن كذلك: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الدعاء، وقد بلغ من خطورة هذه المسألة أنه عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الحسن المروي عن أنس مرفوعاً: (كل دعاء محجوب-لا يقبل- حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) يحجب الدعاء، يعلق بين السماء والأرض، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام ، حتى يصلي الداعي الذي يدعو ربه على رسوله صلى الله عليه وسلم. ولذلك كان للصلاة عليه في الدعاء مراتب، فمنها: الصلاة عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله، بعدما تحمد الله وتدعوه بأسمائه الحسنى، وقبل أن تسأل حاجتك تصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد ما شاء). والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره، والمرتبة الثالثة: أن يصلي عليه في أول الدعاء وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما، المهم أنه لابد من قرن الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الهم والشدائد:(12/389)
ومن المواطن كذلك: الصلاة عليه عند الهم والشدائد وعند طلب المغفرة، فعن أبي بن كعب قال: (قلت: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟) قال ابن القيم رحمه الله: وقد سئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث، فقال: كان لأبي دعاء يدعو به، دعاء خاص، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أنا أدعو وأثناء دعائي أصلي عليك، فكم النسبة التي أخصص لك الصلاة عليك فيها في دعائي؟ فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، فقلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذاً يكفى همك ويغفر لك ذنبك). فإذاً: هذا الصحابي أبي بن كعب صار دعاؤه كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام له: أنه إذا فعل هذا يكفى الهم، ويغفر له ذنبه، فصار إذا نزل بالإنسان هم يستحب له الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه:
ومن المواطن المعروفة كذلك: عند دخول المسجد والخروج منه، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: (بسم الله، اللهم صل على محمد-ويضيف إليها- اللهم افتح لي أبواب رحمتك)، وإذا خرج قال: (بسم الله، اللهم صل على محمد-ويضيف إليها- اللهم إني أسألك من فضلك).
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند اجتماع القوم وقبل تفرقهم:(12/390)
وعند اجتماع القوم وقبل تفرقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر لله، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا قاموا على أنتن جيفة) خذ أكثر جيفة نتناً وأشدها تعفناً، ثم تصور أنك إذا جلست في أي مجلس، وقمت من ذلك المجلس بغير ذكر الله وصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنك تقوم على هذا النتن الصادر من هذه الجيفة، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أيضاً: (أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس، ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله تعالى أو يصلوا على نبيه، كانت عليهم ترة من الله -حسرة- إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) عذاب من الله، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. أيها الإخوة! فكروا في مجالسنا اليوم التي نجلس فيها، كم من المجالس التي نجلس فيها ونقوم من غير ذكر لله ولا صلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون مجالسنا غيبة ونميمة، وتفكهاً في أعراض الناس، والجهر بالسوء من القول، والنكت والضحك، والاستهزاء بعباد الله الصالحين، والكلام في أخبار فلان وفلان من الناس، أو الكلام في عروض التجارة وأنواعها، ولكننا قلما نقوم من مجلس فنذكر الله تعالى ونصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو لم نخرج من هذه الخطبة أيها الإخوة إلا بهذه الفائدة لكانت فائدة عظيمة، نتواصى فيما بيننا يا إخواني، أننا إذا جلسنا في أي مجلس كان، جلس الإنسان مع أهله، أو أصدقائه، أو مسئول، أو موظف، أو فصل دراسي، أو في دكانه، ألا يقوم من ذلك المجلس إلا وقد ذكر الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولو مرة على الأقل، هذه سنة لابد أن تحيا، ولابد أن يذكر بها بعضنا بعضا. وقال عليه الصلاة والسلام مبيناً خطورة ترك الصلاة عليه: (من ذكرت عنده -في مجلس، أو حتى ولو قراءة- فخطئ الصلاة عليّ، خطئ طريق الجنة) حديث صحيح رواه الطبراني عن الحسين رضي الله عنه. ولذلك جاء في حديث جبريل لما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن ذكرت عنده يا محمد! -صلى الله عليه وسلم- فلم يصل عليك، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين). ولذلك قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه، شفهياً أو تحريرياً، وهذه مسألة وقع فيها تقصير عند كثير من المسلمين، فإنهم إذا جاءوا يكتبون اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم لا يصلون عليه عند الكتابة، ولا يكتبون الصلاة عليه، وبعضهم يكتب بين قوسين صاد، وبعضهم يكتب صلعم، هذه لا تغني شيئاً مطلقاً، كأنها غير موجودة، لابد كما ذكر العلماء أنك عندما تكتب اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصلي عليه عند كتابتك فتكتب: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك من الألفاظ. بل لقد بلغ من دقة بعض العلماء، وهو عبد الرحمن بن مهدي من المحدثين أنه قال: كنا في عجلة من أمرنا ونحن نكتب الحديث، ولم يكن عندنا وقت لكتابة صلى الله عليه وسلم لأننا نكتب عن الشيخ، والشيخ يسرع في الحديث فتركنا فراغاً بيضنا له، فإذا انتهى مجلس الإملاء ذهبنا فملأنا الفراغات كلها صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: بحسب أهل الحديث خيراً أنهم كلما كتبوا حديث رسول الله صلوا عليه وسلموا. فكان أهل الحديث -أيها الإخوة- المشتغلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تقع لهم هذه الفائدة أكثر مما تقع لغيرهم، جعلنا الله وإياكم من أهل الحديث وأتباع السنة، وصلى الله على نبينا محمد.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين. فإكمالاً لما كنا نتكلم عنه، فإن من أذكار الصباح والمساء -أيها الإخوة- الصلاة على رسولكم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الحسن الذي يرويه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعاً: (من صلى علي حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامة).
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل اجتماع:
ومن المواطن كذلك: كل اجتماع فيه ذكر لله، سواء كان تفسيراً أو حديثاً أو فقهاً وما شابه ذلك، لابد أن يقرن بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كغيره من المجالس، بل إنه في هذا المجلس يكون التكرار فيه أكثر.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في تكبيرات صلاة العيدك(12/391)
ومن المواطن التي يصلى فيها عليه صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه في تكبيرات صلاة العيد، لما روي عن عبد الله بن مسعود في صفة صلاة العيد، لما جاء يعلمها للوليد بن عقبة ، وكان عنده صحابيان جليلان، قال ابن مسعود وهو يعلم هذا الرجل -وكان أميراً على بلده-: كيف يؤم الناس في صلاة العيد؟ يقول له: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح في الصلاة وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، إلى آخر الحديث، فقال حذيفة وأبو موسى رضي الله عنهما: صدق أبو عبد الرحمن ، الكلام كما قال أبو عبد الرحمن ابن مسعود ، قال المخرّج لكتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، الجهضمي : إسناده حسن. فإذاً أيها الإخوة! إذا صففنا في صلاة العيد التي فيها تكبيرات، فإذا كبرنا الأولى والثانية والثالثة، بين كل تكبيرة وتكبيرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعون ما شاءوا.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة:
ومن المواطن كذلك: الصلاة عليه فوق الصفا والمروة؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعاً، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم أتوا الصفا، فقولوا: من حيث ترون البيت -تقف وأنت تنظر إلى البيت- فكبروا سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد لله وثناء عليه، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك]. قال المخرِّج في المصدر السابق: إسناده صحيح.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:
ومنها كذلك أيها الإخوة: الصلاة والسلام عليه عند قبره، إذا جاء الإنسان ليزور القبر إذا كان في المدينة دون شد الرحال والسفر من أجل القبر، نذهب للصلاة في المسجد، ونية السفر الذهاب للصلاة في المسجد، فإذا وصلنا إلى هناك، وكنا على مقربة من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يستحب لك يا أخي المسلم أن تأتي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقف أمامه وتفعل كما فعل ابن عمر ، عن عبد الله بن دينار قال: [رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر]، أخرجه في الموطأ ، قال في المصدر السابق: إسناده صحيح. وعن عبد الله بن دينار قال: [رأيت ابن عمر إذا قدم من سفر دخل المسجد فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه] هذا الحديث قال عنه في المصدر السابق: إسناده صحيح. هذه من المواطن التي ورد فيها الصلاة على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فكثرة الصلاة وتعددها وتنوعها واختلافها يدل على دخولها أي: الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة من الدين، نظراً لأهميتها وعظمها وفضلها. فنسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من أهل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا وإياكم شفاعته، واتباع سنته ظاهراً وباطناً في الصغيرة والكبيرة. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، اللهم واجعلنا من المسلمين لك المخبتين لك، الأوابين الأواهين التوابين، وارزقنا ذكرك آناء الليل وأطراف النهار، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ذات بيننا، اللهم واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
===================
لِمَن يا حبيبُ تحِنّ القلوبُ ؟!
د.عبد المعطي الدالاتي
لمن يا حبيبُ تحنّ القلوبُ وتهفو العقولُ، لمن يا حبيبُ؟!
ومَن ذا سباها فصارتْ مُناها تحنّ اشتياقاً.. تلوبُ، تذوبُ!
* *
لمن يا حبيبُ المعاني الجميلةْ تُصاغ؟ وتُهدى القوافي الكحيلةْ
فنشدو وتشدو طيورُ الخميلةْ نجاوى اشتياقٍ، فأنت الحبيبُ
* *
ومليارُ روحٍ بحبكَ تسعَدْ ومليارُ قلبٍ يقول: محمدْ
فهم يشهدون.. وقلبيَ يشهدْ بأنك أنت الرسولُ الحبيبُ
* *
رسولَ الأنام بحبكَ صِرنا
كمثلِ الحمام لحيّكَ طِرنا
رسولَ السلام بدربكَ سِرنا
ودربُ الحبيبِ حبيبٌ حبيبُ
* * *تحنّ اشتياقاً.. تلوبُ، تذوبُ!
* *
لمن يا حبيبُ المعاني الجميلةْ
تُصاغ؟ وتُهدى القوافي الكحيلةْ
فنشدو وتشدو طيورُ الخميلةْ
نجاوى اشتياقٍ، فأنت الحبيبُ
* *
ومليارُ روحٍ بحبكَ تسعَدْ
ومليارُ قلبٍ يقول: محمدْ
فهم يشهدون.. وقلبيَ يشهدْ
بأنك أنت الرسولُ الحبيبُ
* *
رسولَ الأنام بحبكَ صِرنا
كمثلِ الحمام لحيّكَ طِرنا
رسولَ السلام بدربكَ سِرنا
ودربُ الحبيبِ حبيبٌ حبيبُ
=================
مؤتمر البحرين في مصلحة من؟!!
محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com
تجميع عدد من العلماء في مؤتمر عالمي، والخروج بتوصيات خطوة رائدة تُحسب لمن قام بها.
فمن شأنها أن تنزع قيادة الأمة من المنظمات الحكومية الرسمية، ومن شأنها أن تعطي صفة رسمية لشيوخ الصحوة الإسلامية، الذين لا تعترف بهم الأنظمة العلمانية إلى اليوم مع أن كثيرًا منهم يحمل شهادات رسمية.(12/392)
ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن، لماذا سُمح لمؤتمر مثل هذا أن ينعقد بهذه الوجوه التي لا نشك في إخلاصها لدينها وأمتها؟
ولم لم تعارض الحكومات، وتطلب انعقاد المؤتمر من الجهات الرسمية الممثل (الشرعي) للشعوب؟
إن هناك قراءة أخرى لما يحدث يجب أن ننتبه إليها؟
الشعوب غاضبة من سلسلة الإهانات المستمرة التي تتعرض لها الأمة على يد (الآخر) بدءًا بأحداث الانتفاضة ووقوف الأمريكان في صف اليهود وسكوت الحكومات على ما يحدث، ومرورًا بما حدث في (أبو غريب) وجوانتنامو وما حدث للمصحف الشريف وانتهاء بما حدث لشخص نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولم تعد الجماهير تثق في كل ما هو (رسمي) في معظم البلاد الإسلامية، وهي اليوم في أشد حالات غضبها ونفرتها من حكّامها، ولابد من تصدير قيادات (معتدلة) ولو نسبيًا، كهؤلاء المؤتمرين في البحرين للخروج بتوصيات (مدنية) في إطار (الشرعية) الحالية، وكبح جماح الأزمة قبل أن تتطور.
الجماهير حاليًا لن تستجيب لعلماء الدولة الرسميين الساقطين في نظر الجماهير، وبقاء الأزمة على ما هي عليه من إصرار من الطرف الدينماركي على عدم الاعتذار وضغط (الآخر) من أجل إنهاء الأزمة من شأنه أن يحرج الأنظمة، ومن شأنه أن يمنح قبولاً لخطاب (القاعدة) وأمثالها بين الشعوب، وتكون دَفعة معنوية جديدة لحَمَلِة السلاح الخارجين على الأنظمة.
لذا، فإن مؤتمر البحرين يأتي في إطار كبح جماح الجماهير والوقوف بالأزمة عند حد معين يحول دون تطورها. ثم بعد ذلك تتعامل الأنظمة مع توصيات المؤتمر بطريقتها، أو تفتعل خصومات مع الشخصيات المتنفذة في المؤتمر وتساومها، وهي قضية قديمة تتكرر ولا تخفى على أحد. وبهذا تكون مكتسبات الجماهير من الأزمة قد صودرت بيد علماء الأمة ودعاتها.
والمؤتمرون يرونها فرصة لأخذ قيادة الأمة ولو مرحليًا، ويرون في هذا الأمر تحقيق مكاسب ولو قليلة ما كان لهم أن يحققوها لو لم يأتمروا. وأن الصدام مع الأنظمة أو مع الغرب ليس في مصلحة أحد اليوم على الأقل.
فمن أقرب لتحقيق هدفه؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من فهم محورين أساسيين مرتبطين بالأزمة؛
أولهما: سبّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبعد مما حدث في الدينمارك والنرويج وما تناولته وسائل الإعلام، وإنما هو منهج يتبعه المنصِّرون الآن في صدِّ الناس عن دين الله، وما حدث في الدينمارك، ما هو إلا نوع من الانعكاس لهذا النوع من الثقافة (التبشيرية) المنتشرة الآن بين القوم.
ومن أراد أن يتأكد فعليه أن يزور غرف البالتوك التي (تبشر) بالنصرانية ويستمع لما يقال فيها بكل اللغات، لتعلم أن القوم قد استقاموا على هذا الطريق.
وعامة الناس في الغرب لا يسمعون كلامنا ـ نحن أبناء الشرق ـ وإنما لهم مصادرهم الخاصة التي تكذب عليهم، وهي تتكلم عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً، وصورة المسلم ـ وخاصة العربي ابن الجزيرة ـ والإسلام أقبح ما يكون في ذهن هؤلاء، وهي من قبل أحداث سبتمبر، ولعل استخفاف الدينمارك ـ وهم من أضعف الشعوب الغربية ـ يعكس لك هذا.
فنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وتحسين صورته في الغرب لا تأتي من هنا، ولن تصلوا لعامة النصارى من الأوروبيين وغيرهم بسهولة، فمؤسسات التنصير قوية لديها وفرة في العدد ووفرة في العتاد، وتستطيع أن تشوش تماما على أي عمل دعوي يقوم به المسلمون، فكان الأحرى أن تظل المقاطعة، وأن تشتد حتى تلفح نارها عامة الناس من الغربيين، ويتساءلون عما يحدث فنحدثهم عن نبينا وقرآننا وشريعة ربنا.
أما توقف المقاطعة اليوم، فلن يضار منها أحد ولن يستفيد بها أحد. فاليوم ظهرت الثمار ولكنها بعد لم يحن وقت جنيها، وقد تعجل قومنا إن هم فعلوا ونادوا بوقف المقاطعة.
لِمَ لَمْ نقف للشركات الجزوع التي لم تتجلد وتصبر للمقاطعة، ونطالبها هي بتنفيذ مطالبنا نحن من المقاطعة في أرضها أو في أي بلد أوربي ليس شرطًا الدينمارك ـ كلهم سواء ـ، والمقصود هو أن يعرف الناس النبي صلى الله عليه وسلم؟
بمعنى تقيم هي بما تنفقه على الإعلانات بإنشاء مركز إسلامي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتوجه هي بيان لعامة الناس من الدينماركيين والأوربيين تتكلم فيه عن شخص نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن نتكفل لها بوقف المقاطعة؟!
أما اعتذار هنا وكلام آخر معاكس قد يتسرب هناك، فهذا أمر لا أدري بما أصفه ولكنه يخلف حسرة في القلب.
ثانيهما: وهو أمر مهم جدًا وفي غاية الخطورة لمن يفهمه ويستغله، وهو أن الخطاب الصحوي ـ إن صح التعبير ـ أوجد جيلاً من أنصاف طلبة العلم ـ وأرجو المعذرة في استعمال هذا التعبيرـ وهم الآن منتشرون بين الناس وهم المفعَل الحقيقي للأزمة بين الجماهير، ولا بد من مد يد العون لهؤلاء، وترشيدهم.(12/393)
أو قل لا بد من الاهتمام بالخطاب العلمي الرزين الذي يتحدث عن فقه الواقع، ولا بد من تكثير هؤلاء فهم كالقنوات الفرعية بين الشعوب، ينصتون جيدا لشيوخ الصحوة ثم ينقلون الخطاب على ما هو عليه للجماهير من خلال المنتديات أو العمل، وهؤلاء أذكى من الالتفاف عليهم، فلينتبه كل لما يقول.
ويرتبط بهذا، أن تَجَمع هذا الجمع الغفير من علماء الأمة لا بد من تفعيله في إذابة الحواجز الفكرية والحركية، أو قل إنشاء آليات عمل مشترك في كافة الميادين بين علماء الأمة، أي أنه يمكن الاستفادة من المؤتمر بما يعرف بـ (على هامش المؤتمر) هذه هي أرجى الثمار.
فمن يسبق من لتحقيق هدفه: الأنظمة أم شيوخ الصحوة؟
====================
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
الشيخ/ سفر الحوالي
1 - معنى المحبة وتعريفها:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
معنى المحبة في اللغة معروف، وهي في الشرع: أمر زائد على مجرد الميل الطبيعي للمحبوب؛ فمحبة الله تعالى، ومحبة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومحبة المؤمنين، ومحبة ما شرع الله من الدين، هي أمر زائد على مجرد الميل الطبيعي إلى شيء من ذلك؛ إذ لا بد فيها من جانب اختياري تكليفي.
وباصطلاحاتنا المعاصرة أقول: إن المحبة الشرعية ليست مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان وحده، وإنما هي متعلقة بالوجدان والعاطفة، والعقل والإرادة، والعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح؛ إذ أنها جزء مهم من الإيمان.
والإيمان عند أهل السنة والجماعة كما هو معلوم للجميع قول وعمل، أي: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، كما هو مبين في مواضعه.
وعلى هذا فمن ظن أن محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي مجرد الميل الطبيعي والوجداني له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو غالط غلطًا بينًا؛ لأن هذا الظن هو الذي أوقع طوائف من الأمة في التفريط في اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك سنته، ونبذ شريعته، وترك تحكيمه، وترك التأدب معه، وأوقعهم في التقديم بين يدي هديه وحكمه، هذا مع تعلقهم العاطفي بذاته، وتغنيهم بشمائله، وإعجابهم بكماله، وربما بكائهم لتذكره، ولهجهم بالصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك من قال: إن معنى محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي طاعته، وامتثال أمره، والتمسك بسنته، فهو مقصر عن إصابة كبد الحقيقة في هذا، إذ أن هذا هو تفسير لها باللازم والمقتضى.
فالطاعة والامتثال هو لازم المحبة ومقتضاها لا حقيقتها، ومعناها والتحقيق في ذلك: أنها أمر زائد على ذلك يجمع ويشمل ما ذكرنا آنفًا، فالمحبة بهذا الاعتبار أمر عظيم من أمور الإيمان.
وقد بين ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله تعالى، يقول: "إذا كان الحب أصل كل عمل من حقٍ أو باطل، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله كما أن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، فالعملان القلبيان العظيمان إذًا هما المحبة والتصديق، المحبة هي أصل جميع الأعمال والتصديق هو أصل جميع الأقوال الإيمانية".
ويقول رحمه الله في موضع آخر: "أصل الإيمان العملي هو حب الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحب الله هو أصل التوحيد العملي وهو أصل التأليه الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن العبادة أصلها أكمل أنواع المحبة مع أكمل أنواع الخضوع وهذا هو الإسلام".
وقال: "أصل الإشراك العملي في الله الإشراك في المحبة، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:165].
وكما هو معلوم أن تأليه الله تبارك وتعالى أو الشهادة بأنه لا إله إلا الله، قيل: إنها مشتقة من الأله أو من الوله، فالأله هو: العبادة، كما في الآية: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف:127] وأما إن كان من الوله فالمقصود بالوله هو: درجة عليا من درجات المحبة، وهي تعلق القلب بهذا المألوه الذي هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، المعبود وحده لا شريك له.
ومن هنا وقع شرك المشركين حين أحبوا غير الله، وتعلقت قلوبهم به، ونتج عن ذلك أن دعوهم واستغاثوا بهم وعبدوهم من دون الله سبحانه، وصرفوا لهم الحق الخالص لله عز وجل، وهذا المعنى الواسع العميق للمحبة عند أهل السنة والجماعة هو الذي يميز محبتهم عن المحبة العاطفية الهائمة، التي يدَّعيها الصوفية دون أي أساس من الشرع.
وهذه المحبة التي يدعونها هي شحنه عاطفية يمكن أن تفرغ بقصيدة من الشعر أو حفلة أو ذكر أو حضرة، أو بأي نوع من أنواع المتفرغات العاطفية وينتهي مفعولها، بخلافها عند أهل السنة والجماعة؛ حيث تشمل عمل القلب وعمل الجوارح التي ترتبط بعمل القلب، فيكون المحب في هذه الحالة مطيعًا وذاكرًا ومتعلق القلب بالمحبوب.(12/394)
وأما المحبة الصوفية أو المحبة البدعية الهائمة، فهي تلك المحبة التي عبَّر عنها السلف الصالح بأنها زندقة، حيث قالوا: 'من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن' وهذا هو القول الصحيح، وقد عبَّر عن هذه المحبة الزنديقية تصديقًا لهذا القول القديم المأثور الشاعر الصوفي المشهور ابن عربي حين قال قاتله الله:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعىً لغزلان، وديرًا لرهبان
وبيتًا لأوثان، وكعبةَ طائف وألواحَ توراةٍ، ومصحفَ قرآن
أدينُ بدينِ الحبِّ أَنَّى تَوَجَهَت رَكَائِبُه فَالحُبُّ ديني وإيماني
فلما أصبحت المحبة بهذا المعنى، وأصبحت محبة الله ومحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي هذا الهيام العاطفي الذي لا يحده ضابط ولا قيد؛ وقعت الأمة أو الطوائف التي اعتنقت هذه المحبة في الغلو العظيم، على ما سوف نوضحه ـ إن شاء الله ـ في الفقرة المناسبة له، وخرج بذلك عن حد المحبة الشرعية، وحقيقتها، وما ذلك إلا لجهلهم لهذه المحبة التي شرعها الله والتي لا يقبل الله تبارك وتعالى إلا هي.
2 - مقتضيات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لوازم ومقتضيات محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرة جدًا، نرجو الله تعالى أن يوفقنا لنظم أشتات الحديث فيها:
(1) تحقيق الشهادة له صلى الله عليه وسلم:
وأعظم ذلك هو تحقيق الشهادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه رسول الله، هذه الشهادة التي هي ركن التوحيد، والشهادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة التي تعني طاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما أمر، وتعني كذلك اجتناب كل ما نهى عنه وزجر، وتعني تصديقه في كل ما أخبر به، وتعني ألاَّ يعبد الله إلا بما شرع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32].
فلا بد من اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بد من طاعته؛ وهذا الاتباع والطاعة يرث العبد بهما محبة الله فتورث محبة الله تبارك وتعالى بذلك، وهذه هي الغاية العظمى التي يسعى إليها كل المؤمنين، كما قال بعض السلف: "ليست العبرة بأن تُحِبْ، ولكن العبرة بأن تُحَبَّ".
فمن أحبه الله تبارك وتعالى، فقد وفقه لكل خير، وتحقق محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للعبد لا يكون إلا بأن يحقق العبد اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] وبالطبع اتباع الله واتباع دين الله وشرعه.
(2) الاقتداء به صلى الله عليه وسلم:
ومن ذلك الاقتداء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي به، كما قال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21] فلابد من الاقتداء به والتأسي به في هديه وخلقه ومعاملته وكل أحواله في البيت، والمسجد، وفي الطريق، في السِّلْم، والحرب، وفي كل الأحوال، وهذا الاقتداء هو حقيقة أو هو علامة ولازم تلك المحبة، التي يجب أن تكون كما أشرنا.
وقد ورد حديث عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه حسنه الشيخ الألباني بل ذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة في الجزء الذي لم يخرج، قال: "أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ يومًا فجعل الصحابة يتمسحون بوضوئه وذلك تبركًا منهم بوضوئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما يحملكم على هذا؟" ـ أي: لم تفعلون ذلك؟ ـ قالوا: حب الله ورسوله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره"".
ولو تأملنا خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوجدنا أنه أصدق الناس لهجة، وأنه أعظم الناس أمانةً، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس جوارًا، فهذا نوع وجزء من شمائله العظمى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجب الاقتداء به فيها، وهذا هو تحقيق محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولازمها ومقتضاها.
(3) تحكيمه في كل موضع نزاع:(12/395)
ومن أعظم لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحكيمه في كل موضع نزاع، فلا يقدم قول أحد ولا رأيه ولا اجتهاده ولا نظره، ولا حكمه على قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكمه، يقول الله تبارك وتعالى في هذا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
وهذه الآية كما ذكر ابن القيم رحمه الله في شرح المنازل، هذه الآية شملت مراتب الدين الثلاثة، ففيها المقامات الثلاثة: مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان، فالتحكيم في مقام الإسلام {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65].
فمن لم يحكم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا يكون مسلمًا، والإيمان في مقام نفي الحرج {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:65] فمن انتفى عنه الحرج فهو مؤمن ـ أي: حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وانتفى عنه الحرج بما حكم به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا هو المؤمن.
وأعلى من ذلك وأجل هو تحقيق مرتبة الإحسان وهي التسليم المطلق {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] فيسلم المؤمن تسليمًا مطلقًا لما حكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما أمر ولما أخبر به من خبر فلا يعرضه لا على عقله ولا على رأيه ولا على مذهبه ولا على قول شيخه، ولا على أي مخلوق أو أي فكر بشري.
وإنَّ مما يجب أن ننبه عليه في هذا المقام، هو ذلك المنكر العظيم الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية أو طوائف كبيرة منها مع دعوى محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع إظهار بعض الشكليات التي يظنون بها أنهم قد أدوا حقه وأظهروا محبته وزعموها، وذلك هو: تحكيم القوانين الوضعية في شئون حياتهم، ومعارضة سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه وحكمه وشريعته بتلك الأحكام.
فهذه جرأة على الله، وجرأة على مقام النبوة، بل هي إهدار وحط من مقام الرسالة؛ لأن معنى الشهادة بأن محمدًا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أن يشهد العبد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أرسل هذا الرسول إلينا لنطيعه ونتبع أوامره، ونلتزم بكل ما يأمرنا به فيما هو إلا رسول مبلغ من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالذين يرفضون حكم الله ورسوله ولا يقيمون شرع الله ودينه في أنفسهم ولا في مجتمعاتهم ولا في شئون السياسة أو الحكم أو الاقتصاد أو الاجتماع أو مناهج التعليم، أو أي ناحية من نواحي الحياة فلا ينفعهم أنهم يقيمون له الموالد أو ينشدون له الأناشيد، أو يحيون ذكريات بدعية في ليلة الإسراء والمعراج وما أشبهها، ويزعمون بعد ذلك أنهم مؤمنون وأنهم يعظمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وربما ذهب بهم الشيطان إلى أبعد من هذا فَعَادوا من يُطبِّق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتمسك بها ويقتدي بهديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بحجة أنه مبغض للرسول، أو أنه خارج عن هديه، وينبزونه بأشنع التهم، والألقاب.
فهذا من أعظم المنكرات الدالة على أن هؤلاء الناس تركوا محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يقيمون له وزنًا، ولا لرسالته ولا لمقام نبوته ولا لمنزلته عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي فضله الله تعالى بها على العالمين أجمعين.
ولا شك أن هذا مخالف لحال المؤمنين من السلف الكرام والصحابة رضوان الله تعالى عليهم الذين حالهم كما قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] فلا اعتراض، ولا منازعة، ولا مدافعة، ولا تردد، ولهذا قال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].
فلا يكون الفلاح إلا لهؤلاء الذين حكَّموا سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع أعمالهم وحركاتهم ولم تكن لهم الخيرة فيما يقضي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].(12/396)
فلا اختيار مع أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل التنفيذ والامتثال، هذه هي لوازم محبته وهذا هو تحقيقها، وقد أمر الله تبارك وتعالى تبعًا لذلك بالرد إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59] والرد إلى الله هو: الرد إلى كتابه عز وجل، إلى هذا الذكر الحكيم، والرد إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو: الرد إلى سنته، بأن يُسأل في حياته ويرجع إليه في الأمور، وبعد مماته يرجع إلى دينه وسنته، وهديه، فلا يكون لأحدٍ إيمانًا إلا بذلك، كما قال: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59].
فمن ادَّعى الإيمان والمحبة مع عدم الرد إلى الله ورسوله في مواضع النزاع والاشتباه في أي حال من الأحوال فقد نقض تلك المحبة وهو كاذب في دعواها، ولم يأتِ بلوازمها، ومقتضياتها.
وكما هو معلوم عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الثابت: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وقد أشار الشراح رحمهم الله إلى أن هذه اللفظة "عليه أمرنا" فيها الجار والمجرور متعلق بمحذوف يقدر بـ"حاكمًا أو قاضيًا"، من عمل عملاً ليس أمرنا حاكمًا عليه أو قاضيًا عليه أو خاتمًا عليه فهو رد، فمعنى ذلك: أن أعمال العباد يجب أن تكون تحت أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحت سنته وهديه وشرعه.
وكذلك في الحديث الآخر يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" فمهما ادَّعى من مدعي محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو راغب عن سنته فليس منه.
وأما صحابته الكرام الذين أحبوه ذلك الحب العظيم فإنهم رضي الله عنهم كانوا متمسكين بسنته، حريصين على التأدب معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاقتداء به والاهتداء بهديه، والتأدب معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم التقديم بين يديه.
(4) عدم التقديم بين يديه وغضّ الصوت:
وأيضًا مما يجب لتحقيق هذه المحبة وهو لازم عظيم من لوازمها:
عدم التقديم بين يديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغض الصوت عنده يكون في حياته كما هو معلوم بالنسبة لشخصه ولذاته، وبعد مماته يكون بالتأدب مع سنته وغض الصوت، فلا يرتفع صوت رأي، ولا فكرة، ولا مذهب، ولا قياس فوق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد كان الصحابة الكرام، يدركون هذا المعنى غاية الإدراك كما ورد في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "كنا عند عمران بن حصين في رهط منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذٍ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الحياء خير كله" ـ قال:ـ أو قال: "الحياء كله خير".
الحديث المشهور المعروف "والحياء شعبة من الإيمان" والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الحياء خير كله" أو "الحياء كله خير" هذا بلفظ عام لم يخصص بشيء، فقال بشير بن كعب: "إنا لنجد في بعض الكتب، أو الحكمة أن منه سكينة ووقارًا لله ومنه ضعف" يقول: نجد في بعض الكتب أو في بعض موروثات كتب الأولين أن من الحياء سكينةً ووقارًا ولكن أيضًا، أن منه ضعف.
قال أبو قتادة: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارض فيه، ثم يقول أبو قتادة: فأعاد عمران الحديث، فأعاد بشير، فغضب عمران.
ولا شك أن الغضب الثاني أشد من الغضب الأول، فلما رأى أولئك الرهط ثورة عمران، أخذوا يهدئونه قال أبو قتادة: "فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به".
يقولون: يا أبا نجيد، إن بشيرًا هذا منا، إنه ليس من أهل البدع ولا من أهل النفاق ولا من أهل الزيغ والضلال، فما حصل منه هو عمل أهل الزيغ وأهل الضلال وأهل النفاق الذين إذا قيل لهم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: إن الأمر كذا، ولكن فلانًا قال كذا، ولكن العلماء قالوا كذا، ولكن المذهب فيه كذا، ولكن الشيخ الفلاني أفتى بكذا، إلى آخر ذلك.
ولذلك الإمام الشافعي رحمة الله عليه، عبَّر عن ذلك تعبيرًا عظيمًا حين جاءه رجل يسأله عن أمر من الأمور، فقال: "قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا" ـ وتلا عليه حديثًا ـ فقال له الرجل: فما رأيك أنت؟ فغضب الإمام الشافعي رضي الله عنه غضبًا شديدًا، وقال: "أتراني في كنيسة؟! أترى عليَّ زنارًا؟! أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول ما رأيك أنت". فكانوا يعلمون ويدركون أنه لا رأي لأحد مع كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع هديه، ومع سنته.
(5) الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم:(12/397)
يجب أو ينبغي أن ننبه إلى أمر عظيم من لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الأمر العظيم قد جاء تفصيله في الشرع؛ فهناك مواضع تجب فيها الصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصيغة أو بالصيغ الشرعية الواردة في الأحاديث الصحيحة، وهناك مواضع تستحب فيها هذه الصلاة وتتأكد، وهناك أحوال بل نقول: إنها في كل حال، وفي كل وقت الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي قربة وذكر ونافلة وعبادة من أعظم العبادات وأجلِّها.
(6) عدم أذيته صلى الله عليه وسلم:
مما يجب أن يعلم أن من لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدم أذيته، كما تفضل الشيخ عبد الله في مسألة الاستهزاء؛ بل إن الله سبحانه بيَّن أن أذيته هي شأن المنافقين {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة:61].
فأي قول فيه نوع من التحقير، أو التقليل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو الحط من قيمته، أو الأذية له أو لسنته فإنه من عمل المنافقين وهذا النفاق هو نفاق أكبر ـ نسأل الله العفو والعافية ـ وما من قلب ينعقد على شيء من بغض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو كراهيته ويكون صاحبه مؤمنًا قط.
نعم، الناس يتفاوتون في محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفاوتًا عظيمًا، ولكن المؤمن المسلم لا يخلو قلبه أبدًا من شيء من محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن قل، أما أن يشتمل قلب أحدٍ من البشر بشيء من كراهيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا هو الكفر عياذًا بالله، ولا يجتمع الإيمان مع بغضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبدًا، ومن ذلك عدم إيذائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زوجاته، وعدم إيذائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صحابته الكرام.
فإن من آذاه في زوجاته أو في صحابته فكأنما آذاه في نفسه وفي شخصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الواحد من الناس أو الواحد من البشر من آذاه في زوجته أو في صديقه، أو في حبيبه فلا شك أنه آذاه هو، فكيف بمن آذى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من ذلك؟! وهذا مما هو معلوم من جميع المسلمين ـ ولله الحمد ـ وإنما أحببنا أن ننبه فيه لأهميته.
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
========================
محمد ولد أباه عن الرسوم المسيئة
نبأٌََ عليه تواترتْ أنباءُ ومن البلا ضحكٌ ومنه iiبكاءُ
يا أيها الرسام قل لي وافتني هل بالقريض يُخاطب الجبناءُ
قد جئت تبغي شهرة قد نالها إبليس فاهنأ أنتما iiشركاءُ
كانت لك الصفحات مرآة فلا تسخر فذلك وجهك الهجّاءُ
أصبحت مشهورًا بفضل محمد وبضدها قد تعرف الأشياءُ
سبقتك أهلُ الجاهلية بالهجا ومن الهجاء مدائحٌ وثناءُ
ذهب الهجاء وهُمْ, وأحمد بيننا بالعلم تعرف فضله الفضلاءُ
وهدى جميع الناس إلا زمرة يحدوهمُ نحو الشقاء شقاءُ
ماذا يضير الشمس في عليائها إن قال جاحدُ نورها ظَلْماءُ؟!
والله قد أثنى عليه وخلْقِه ماذا يقول الشعرُ والشعراءُ؟!
وإذا هجاك من البرية حاقدٌ فالمدح منهُ والهجاء iiسواءُ
ما زال يهديك الجحيمَ وطُرْقَها قدرٌ عليك مسلطٌ وقضاءُ
وإذا عن الشمس المنيرة أُعميتْ مُقَلٌ فماذا تنصح iiالنصحاءُ؟!
شكراً, فقد أيقظتَ كل موحد والكيُّ منه منافعٌ وشفاءُ
ولربَّ مُعْضلة أتتك حسِبتها داءً من الأدواء وهْي دواءُ
هبُّوا فقد بلغ الزُّبى سيلُ العِدى واستفحل الضعفاء والجهلاءُ
وإذا البيارق والجحافل أُسكتت ماذا تقول قصيدةٌ عصماءُ؟!! ... ...
===================
مشروع التعريف بخاتم الرسل وبرسالته صلى الله عليه وسلم
كَتَبَهُ د. وجيه بن حمد بن عبد الرحمن
د. عبد الله بن ضيف الله الرحيلي
بسم الله الرحمن الرحيم
فكرة المشروع وأعماله الحمد لله، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه جملةٌ من المحاور المقترحة لإيصال نور الإسلام إلى العالمين، وتصحيح الصورة المختلقة عليه، ودفْع التطاول عليه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم :
أولاً: مخاطبة قادة العالم لتبليغ رسالة الإسلام اقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى إذا استشهدنا يوم العرض على الله شهدنا بأننا بلغنا النعمة التي منَّ الله بها على الثقلين. ونرى أن يتم ذلك بالأساليب التالية:
1- عبر قادة العالم الإسلامي ومنظماته وهيئاته وسلكه الدبلوماسي.
2- عبر وفود من الدعاة وأساتذة الجامعات والمفكرين ورجال الإعلام والأعمال المختارين للقيام بهذه المهمة.(12/398)
3- عقد مؤتمر دولي في إحدى العواصم العالمية أو في المدينة المنورة أو جدّة أو غيرها من المدن يدعى لحضوره قادة الدول والأمين العام للأمم المتحدة وشخصيات دولية مرموقة، ممن أسلم من الغربيين ومَن لم يسلم بعنوان: (محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الوحي الإلهي).
وهو الأمر الذي يقطع الطريق على المنصِّرين والمستشرقين الذين يشككون في كون الإسلام ديناً سماوياً [وربما دُعي للمؤتمر البابا أو ممثل عن الفاتيكان].
ثانياً: إنشاء أقسام للدراسات العليا تمنح الماجستير والدكتوراه للطلبة من مختلف أنحاء العالم، يشرف عليها علماء مسلمون، بدلاً من ابتعاث أبنائنا ليشرف عليهم أساتذة قد يفتقرون إلى الأهلية من حيث الدين والمنهج والنزاهة العلمية. ونرى أن يفتح القبول فيها للمسلمين وغير المسلمين. وأن يكوَّن مجلس علمي إسلامي عالمي للإشراف عليها، ويمكن أن تقام تلك الأقسام في دول العالم الإسلامي أو خارجه، وترحب كثير من الجامعات بافتتاح مثل تلك الأقسام وتمويلها.
ثالثاً: إجراء أبحاث علمية مشتركة مع بعض علماء العالم، حتى من غير المسلمين حول جوانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، والاستفادة من رصيدنا العلمي والجهود العظيمة التي تبذلها هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة، ويكون لنا بذلك قصب السبق وحقوق البراءة العلمية، ومِن شأن هذا أن يكون بمثابة دعوةٍ غير مباشرة لدين الحق.
رابعاً: تأليف موسوعة عالمية تُترجَم إلى اللغات الرئيسة بعنوان:
(موسوعة خاتم الأنبياء والمرسلين).
أو: (موسوعة الرسول الرحمة المهداة).
أو: (موسوعة محمد الرسول إلى البشرية كلها).
تتناول الموسوعة محاور، منها: مختلف نواحي حياته صلى الله عليه وسلم وتضحياته في سبيل إسعاد البشرية، ودوره في تاريخ الإنسانية. ونرى أن تُستكتب أقلام إسلامية وغير إسلامية منصفة، وتُكتب الموسوعة بطريقة الموسوعات المناسبة الشائعة عالمياً، ثم يُعْمَل على توزيعها ونشرها بالطرق المدروسة المناسِبة؛ لإيصالها إلى المكتبات والمراكز العالمية.
خامساً: إهداء المكتبات العالمية، الجامعية منها والمركزية، مجموعة من الكتب الإسلامية المنتقاة.
سادساً: تأليف (موسوعة الأوامر والنواهي الإسلامية وأهمّيتها في تحقيق الرفاه العالمي). ونرى أن تتضمن الموسوعة أبحاثاً علمية ميدانية مدعمة بالأرقام والإحصاءات لتُقيم الحجة على مَن يقفون في وجه نشْر الوحي الإلهي. ونرى أن تتضمن الموسوعة المشكلات العالمية بكافة أنواعها ودراستها بأسلوب موجَّه إلى العالم.
سابعاً: عقد دورات مكثفة للراغبين مِن الكتّاب والمفكرين غير المسلمين في التعمق في الدراسات الإسلامية واللغة العربية بهدف تجلية صورة الإسلام في أذهانهم ودعوتهم إلى دين الله، بالأسلوب والمنهج المناسب للتعامل معهم.
ثامناً: التوسع في افتتاح المعاهد والمدارس الإسلامية والعربية في الخارج؛ فاللغة وعاء العقيدة والثقافة.
تاسعاً: افتتاح مركز دولي للتأليف والترجمة يتولى التأليف والترجمة والتواصل مع الشخصيات العالمية في المجالات كافة. ويزوَّد المركز بأحدث الوسائل الدعوية.
عاشراً: إنشاء قناة فضائية تُعنى بتبليغ الدعوة بكافة السبل المتاحة، تبث بأكثر مِن لغة عالمية.
حادي عشر: إنشاء رابطة عالمية لأصدقاء الإسلام، كخطوة أولى لدعوتهم، والاستفادة منهم في الذود عن الإسلام والمسلمين.
ثاني عشر: تبادل الزيارات بين أساتذة الجامعات ومجالس الشورى والبرلمانات الغربية وإقامة المحاضرات والندوات والأبحاث المشتركة.
ثالث عشر: إقامة معرض عالمي متنقل للحضارة الإسلامية والكتاب الإسلامي، يرافقهما برامج متعددة متنوعة تعريفية بالإسلام وحضارته.
رابع عشر: تأسيس محكمة إسلامية عالمية تُعنى بالدفاع عن الإسلام ومقدساته.
خامس عشر: عقد مؤتمر إعلامي عالمي لتجلية صورة الإسلام وحضارته وثقافته.
سادس عشر: تأسيسُ مشروعٍ علمي عملي لجمع الإمكانات البشرية العلمية والعملية القادرة على إيصال الصورة الصحيحة عن رسالة الإسلام وعن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين، واستثمار هذه الإمكانات في إنجاز المشروعات المقترحة هذه.
إضافةً إلى السعي في تأهيل أعدادٍ كبيرةٍ من الناس لامتلاك الكفاءة العلمية والعملية للقيام بهذه المهمة.
سابع عشر: يكون في ضمن هذه المشروعات السعي إلى مُراجَعة كتابات المستشرقين والمنصِّرين عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونَقْد ما فيها من زيف، واتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح تلك الصور، والمطالبة بالحقوق التي أُهدرت بسبب تلك الكتابات وذلك التشويه.
ويُمكن تخصيص إدارة أو مركزٍ متخصصٍ لتحقيق هذا الغرض.(12/399)
ثامن عشر: إجراء دراسات وحوارات ومحاضرات وندوات متعددة في مختلف أنحاء العالم، لإثبات أن طبيعة العلاقة بين جميع الأديان الإلهية هي علاقة توافقٍ، ووِحدةٍ في الأصول، وفي الأهداف والمقاصد، لا علاقةَ خلافٍ أو عداء، على ما يصوِّرُه كثيرٌ من الكُتَّابِ والمتحدِّثين المغرضين أو الجاهلين بالحقيقة.
ويؤمَّن لهذا المشروع مختلف الإمكانات اللازمة: العلمية والمالية ومختلف الوسائل.
والحمد لله أولاً وأخيراً وصلى الله على رسول الله محمد الرحمة المهداة.
آليَّة تنفيذ المشروع يُقترَح لتنفيذ المشروع اتّخاذ الإجراءات والوسائل الآتية:
أوّلاً: يُسْنَد كلُّ فئةٍ مِن تخصصات المشروع إلى جهةٍ تتخصص به، وتكون مسؤولةً عنه، وتكون هذه الجهة إما لجنةً أو إدارةً، وتَطّرِد هذه التسمية في جميع التخصصات، بحيث تُسمى كلٌّ منه "إدارة" أو "لجنة" أو نحو ذلك.
ثانياً: تقسيم العمل بحسب تخصصاته وبحسب مراحله.
ثالثاً: يُراعى في أعمال المشروع المنهجية السديدة المؤثرة والضوابط المُوَجِّهة لأعماله.
ثانياً: تقسيم العمل بحسب تخصصاته وبحسب مراحله:
ويُقتَرح أن يكون التنفيذ مِن خلال تقسيماتٍ محصورة لضبْطِ العمل ومجالاته، ومِن ذلك أن يكون العمل، مثلاً، موزّعاً على التخصصات الآتية:
1- المجال العلميّ فيما يتعلق بالكتابة والتأليف وما في معناهما، وإعداد البرامج والتصور، والأفلام، وإعداد المناهج الدراسية، وسائر الأعمال العلمية المندرِجة تحت إنشاء الأعمال العلمية، أو اختيارها وترشيحها، إنْ وُجِدتْ جاهزةً والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.
2- المجال العلميّ التعليميّ، وما يتعلق بهذا الأمر، وتنفيذ برامجه الجاهزة، ومناهجه الجاهزة، والإشراف المباشر عليها، دون الدخول في إنشاء تلك الأعمال العلمية مِن مراجع وسِواها؛ لكون ذلك مِن مهامّ العاملين في المجال الأول (المجال العلميّ).
3- المجال الإعلاميّ، وما يتعلق به مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام الإعلامية، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح الأجهزة والمراكز اللازمة، والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.
ويقوم هذا المجال بالتعامل مع وسائل الإعلام الإسلامية وغير الإسلامية والتعريف بالإسلام عبر الوسائل الإعلامية بكافة السبل المتاحة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- تنفيذ برامج إعلامية وثائقية عن الإسلام ثقافة وحضارة وتاريخاً.
- افتتاح قناة أو قنوات فضائية تبث بعدة لغات.
- استئجار ساعات معينة في بعض محطات التلفاز الأجنبية والفضائيات، بما فيها غير الإسلامية.
- إجراء مقابلات مع بعض الشخصيات السياسية والإعلامية والدينية لتجلية صورة الإسلام بأسلوب الحوار والإقناع؛ لإقامة الحجة على العالم. والتركيز في كل ذلك على عالمية رسالة الإسلام.
- تجلية الجوانب التي يظن البعض أنها تحدّ من حرية الإنسان وتُضيِّق عليه، وإثبات أن الشريعة الإسلامية هي وِجاء للحفاظ على الروح والعرض والمال والنفس والعقل.
4- المجال الدعويّ، وما يتعلق به مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام الدعوية، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح البرامج، والضوابط، والمشروعات، والمراكز اللازمة، والإشراف المباشر عليها، تنفيذها.
5- مجال العلاقات والزيارات والحوارات والمؤتمرات، والندوات، وما يتعلق بهذا مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام تجاه هذا المجال، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح البرامج، والضوابط، والمشروعات، والمراكز اللازمة، والأجهزة والوسائل اللازمة، والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.
6- مجال إعداد الموسوعات العلمية والثقافية، بمختلف اللغات، وفي مختلف المجالات، وما يتعلق بهذا مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام تجاه هذا المجال، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح البرامج، والضوابط، والمشروعات، والمراكز اللازمة، والأجهزة والوسائل اللازمة، والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.
7- مجال تفنيد الشبهات، والرد على التهجم على الإسلام وعلى ما يتعلق به، وإقامة الدعاوى القضائية، ونقْد النقْد في هذا المجال بمختلف اللغات، وما يتعلق بالتصدي للشبهات، وإقامة الدعاوى على الخصوم، مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام تجاه هذا المجال، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح البرامج، والضوابط، والمشروعات، والمراكز اللازمة، والأجهزة والوسائل اللازمة، والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.(12/400)
8- مجال نشْر السيرة والشمائل النبوية، ومفاهيم الإسلام ورسالته، وما يتعلق بهذا مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام تجاه هذا المجال، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح البرامج، والضوابط، والمشروعات، والمراكز اللازمة، والأجهزة والوسائل اللازمة، والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.
9- المجال الاقتصادي:
ويقوم بتوفير المال لتمويل المشروع، وإنمائه، والنظر فيمن يستحق تطبيق قانون المقاطعة بحقه، وذلك على مستوى العالم الإسلامي برمته. وكذلك إقامة علاقات اقتصادية مع أنصار الإسلام وتشجع الاستثمار المتبادل معهم. وكذلك إيجاد مشروعات وفرَصٍ استثمارية؛ للأعمال الخيرية، ومسانِدة المشروع الأساس. ومما تقام فيه هذه المشاريع الخيرية البلدان غير الإسلامية، وهذه المشاريع مثل: كفالة اليتيم، والأرامل، والمحتاجين حتى من غير المسلمين؛ توطئة لاستمالتهم لدين الحق، كما يمكن إنشاء مستشفيات أو مدارس يلتحق بها غير المسلمين، ويدرسون الإسلام ولغته.
10- المجال القانوني:
ومهمته الاضطلاع بالجانب القانوي في الموضوع، على كافة المستويات والأصعدة، وإقامة الدعاوى القضائية، وفقاً للقوانين المعمول بها في كل دولة على حدة، ويمكن الاستفادة من المحامين المنصفين من غير المسلمين أو من المسلمين الحاملين لجنسيات تلك الدول ... إلخ.
ويَدْخل في هذا مراجعة الكتابات والأعمال الفنية والإعلامية السابقة، التي قام بها بعض الناس أو الجهات في تلك الشعوب في فترات سابقة، كما هو الشأن في الكتابات الاستشراقية والتنصيرية المجحفة في حق الإسلام، وحوار الأشخاص والجهات المعنية بها عندهم، وانتزاع اعترافات منهم بإدانة تلك الكتابات والإساءات إلى الإسلام، ومِن ثَمّ نشْر هذه الاعترافات والإدانة إلى جانب نشْر الصورة الصحيحة.
11- مجال التأليف:
وهي من الجهات الرئيسة التي تزوِّد بقية الجهات الأخرى بالكتابات العلمية التي تخص كل فئة مدعوة على حدة. ويؤخذ في الاعتبار عند التأليف خلفية القاريء الدينية والثقافية، فهناك فئةُ أهل الكتاب، وفئة الملحدين ومنهم العلماء بل كبار العلماء في تخصصاتهم، وهناك المسلم الذي التبس عليه الأمر وأصبح معادياً للإسلام بوصفه ديناً نتيجةَ تأثره بالمنهج الغربي ونظرته إلى الدين وإقصائه عن الحياة والعلم.
ويمكن لهذه الجهة القائمة على هذا المجال أن تقيم جسورَ تعاون مع مختلف الهيئات العالمية، وإجراء البحوث المشتركة لإبراز أهمية الإسلام في وضع الحلول الناجعة لمشكلات العالم المتعددة.
12- مجال الترجمة:
ومهمة الجهة القائمة على هذا: الترجمة إلى مختلف اللغات، وكذلك ترجمة ما ينبغي ترجمته مِن مختلف اللغات إلى اللغة العربية.
وما يتعلق بهذا مِن إعداد تصوّرات للمشروعات والمهام تجاه هذا المجال، وإعداد الكفاءات اللازمة، واختيار المتوافر في هذا المجال وَفْق الضوابط المناسبة أو اللازمة، واقتراح البرامج، والضوابط، والمشروعات، والمراكز اللازمة، والأجهزة والوسائل اللازمة، والإشراف المباشر عليها، وتنفيذها.
وذلك وفق معايير وضوابط يُتَّفق عليها أوّلاً.
13- المجال الدعوي:
الهدف من هذا المجال تبليغ رسالة الإسلام إلى القادة والمفكرين وأساتذة الجامعات والفاتيكان والقساوسة بكافة السبل المتاحة، وكذلك إهداء الكتب إلى المكتبات الجامعية والمركزية. وتنشأ قاعدة للمعلومات بالشخصيات والمؤسسات التي ستوجه لها الدعوة، وحبذا لو خصص لكل قارة لجنة أو جهة فرعية متخصصة فأهل مكة أدرى بشعابها، وتقوم الجهة القائمة على هذا المجال بتنظيم الندوات والحلقات الدراسية، والمحاضرات.
14- إدارة التنسيق والإشراف العامّ:
وتتولى مهمة الإشراف العلمي والمنهجيّ، والتنسيق بين أعمال تلك الجهات الموزّعَة بحسب التخصصات، وتتولى الإجازة النهائية للأعمال والمشروعات، بعد التأكد مِن تطبيق المنهجية والضوابط المعتمدة.
ثالثاً: ضوابط المشروع ومنهجيته يُراعى في تنفيذ المشروع مجموعةٌ مِن الضوابط والمنهجية، التي مِن شأنها أن توصِل إلى نجاح العمل.
ومِن هذه الضوابط الآتي:
2- مراعاة توافر الأسباب المؤثرة تأثيراً إيجابياً في العمل ونتائجه، والابتعاد عن ما هو بعكس ذلك.
3- مراعاة الخطاب العالمي في مخاطبة مختلف الشعوب، لا الخطاب الخاص المؤثر تأثيراً سلبياً.
4- التنسيق بين الأعمال والمشروعات، وتحاشي التكرار، وإحاطة كلِّ جهةٍ في واحدٍ مِن هذه التخصصات المتعددة بأعمال ومشروعات بقيةِ جهات التخصصات الأخرى.
5- تطبيق الصفات الأخلاقية والأساليب الأخلاقية النبيلة التي يَدعو إليها الإسلام في أيّ مشروعٍ أو عملٍ.
6- تحديد المدة الزمنية للمشروع، بحيث تكون في ذلك إنجازيةً، لا تراخي ولا تأخير.
7- إلى غير ذلك مِن الضوابط التي ينبغي تحديدها، وتتولى إدارة التنسيق والإشراف العامّ هذا العمل.(12/401)
هذا، وصلى الله وسلم على محمدٍ خاتم الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.
=======================
مقام نبي الإسلام بين الدانمارك والجامعة الأميركية
عبد الصبور شاهين
جريدة الشرق الأوسط - العدد 9909
منذ أن أذاعت الأنباء خبر ما جرى في الدانمارك، من جرأة وقحة على مقام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومحاولة تشويه صورته، والتشنيع على سيرته، وذلك من دون مقدمات، ـ كان هنالك سؤال يلح على ذهني إلحاحاً شديداً، وهو: ما الذي يدعو الإعلام في دولة شديدة البعد عن العالم الإسلامي ـ إلى أن يسيء إلى شخصية فريدة، يقدسها ربع البشرية، ويؤمنون بها؟ رغم أنه لا توجد علاقة جغرافية بين الدانمارك والعالم الإسلامي، ورغم أنه لم يسبق أن اشتعلت مشكلة، من أي نوع، بين الدانمارك وأية دولة عربية أو إسلامية؟
لم يطل بي وضع الذهول أمام هذه المشكلة، فمن المؤكد أن ما حدث هو جزء من مخطط يستهدف الإساءة إلى الإسلام، وتعكير جو العلاقات الصافية بين العرب والمسلمين من ناحية، ودول شمال أوروبا من ناحية أخرى، وهو مخطط لا يبعد كثيراً عما يحدث في أجزاء كثيرة من العالم، وبخاصة في الولايات المتحدة، وفي جنوب ووسط أوروبا، حيث تحاول القوى الصهيونية المعادية للإسلام أن تشوه سمعة المسلمين، وتدمغ الدين الإسلامي بتهمة الإرهاب، استمراراً للأسلوب الأميركي الذي جعل من هذه التهمة الكاذبة ذريعة إلى شن الحرب الظالمة الراهنة ضد العراق، بما يترتب على ذلك من تهديد لحياة الملايين من العرب والمسلمين، في دول أخرى مثل: سوريا، وإيران.. وذلك لأسباب واهية، مختلقة!
والسبب الواضح لشن هذه الحروب هو ـ من دون شك ـ خدمة الكيان الصهيوني، بإغراق الدول العربية والإسلامية في حروب مفروضة عليها، تعمل على تخريب الكيان السياسي والاقتصادي لتلك الدول، في حين تزدهر دولة إسرائيل، فكل ما يشغل القوى الغربية الآن هو العمل على تدعيم الوجود الصهيوني في فلسطين، تمهيداً لإحكام قبضة ذلكم الوجود على مصير العرب والمسلمين في المنطقة.
ولا بد أن نعترف هنا بأن جهود أعدائنا تعمل دائماً على اختراق حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأخيراً الدينية، بزرع التناقضات التي ينمو بها جو القلق والاضطرابات، وبحيث لا تكاد دول المنطقة تلتقط أنفاسها، أو تعيد ترتيب أوضاعها، فنحن دائماً غرقى في مشكلات فرعية، انفصالية أو اتصالية، وهي حال لا ينشأ فيها حوار بين الإخوة والجيران.
ولننظر ما جرى أخيراً من وقائع مشكلة المهاجرين السودانيين إلى مصر، وكيف خططت لها هيئات دولية، بحيث تحدث مواجهة أمنية تؤدي إلى ما حدث من وقوع ضحايا، كان من أثرها تعكير العلاقات بين المصريين والسودانيين!
مع أن مصر كانت ولازالت حريصة على المصالح السودانية!
فإذا أضفنا إلى ذلك أن رد الفعل عندنا تجاه الأحداث التي يقصد بها إثارتنا وتعويق مسيرتنا ـ يتسم دائماً بالبطء والبلادة، وإذا ما قورن بما يبديه العدو من نشاط وتحد ـ تضاعف إحساسنا بالذنب، وتزايدت حيرتنا من الصمت البليد الذي تمارسه مؤسساتنا التي يفترض أن تهب للدفاع عن مقدساتنا.
وما حكاية الإساءة الدانماركية إلا مثال لحكايات كثيرة، تمر بنا من دون مبالاة أو نهوض للدفاع عن مقدساتنا.
وقد كان المفروض أن تنهض مؤسساتنا الدينية للرد على وقاحة الإعلام الدانماركي، وأن يشتعل جو العلاقات بين الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وبقية الهيئات العامة التي تحمل أمانة الدعوة الإسلامية!
ولكن إعلامنا لم يتحرك إلا على مستوى استفتاء بعض الشخصيات العامة في ما يتعلق بإبداء رأيها في إساءة بعض الصحف الدانماركية إلى شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتشويه سيرته.
وتساءلت في نفسي: ما قيمة أن يبدي شخص ما رأيه في هذا الحدث الغريب؟ ونحن أمام وقاحة لا يخفى تأثيرها، أو الهدف منها، طعناً في الإسلام، وإهانة لنبي من أكرم الأنبياء، بل هو أكرمهم بإطلاق.
إن الهدف الذي ترمى إليه تلك المحاولات الدنيئة هو مواجهة زحف الدعوة الإسلامية على أرض الواقع في دول الشمال الأوروبي! ولقد أبلغني أحد الناشطين الإسلاميين في تلك المنطقة، وبخاصة السويد ـ أن الإسلام يتمتع هنالك بسمعة طيبة، واحترام عميق، وذكرني أن كثيرين من أبناء السويد يعتنقون الإسلام، باعتباره الدين الوحيد الذي يحترم عقل الإنسان، ويصون كرامته.
وذكر لي أحد المسلمين الألمان أنه دخل في الإسلام بعد أن قرأ الآية القرآنية التي تقول: «لا إكراه في الدين»، فأيقن أن نفي الإكراه في الدين لم يكن معروفاً قبل أن يعلن القرآن الكريم هذا المبدأ، الذي يحترم عقل الإنسان، ويصون كرامته، وأنه ـ لن يمر القرن الحالي حتى ينتشر الإسلام في أوروبا كلها، بفضل تقدم دعاة أوروبيين، يحملون لواءه، ويوقدون شعلته.(12/402)
لقد كنا نتوقع أن تتحرك كل الهيئات الإسلامية في العالم الإسلامي، الذي يزيد على ستين دولة، احتجاجاً على تلك الإساءة إلى نبي الإسلام، وأن تستدعي وزارات الخارجية في كل الدول سفراء الدانمارك ليتسلموا احتجاجات على ما بدر من إساءة إلى النبي الكريم.. وكنا ننتظر إدانة الفاتيكان لهذا السلوك الغوغائي الوقح! ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وكأننا نواجه بعض ما يحدث خارج عالمنا ـ في المريخ مثلاً! إلى أن تحرك المسؤولون في جامعة الدول العربية، بقيادة الدبلوماسي الممتاز السيد عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، واتخذ تلك الخطوة التي تعتبر سابقة رائعة في تاريخ الجامعة العربية، وهي أعلى الهيئات في العالم العربي.
عندئذ شعرت حكومة الدانمارك أن الأمر جد، لا يصلح فيه الصمت أو التجاهل، وأنه لا بد من التدخل لتصحيح جو العلاقات الدبلوماسية بينها وبين العالمين العربي والإسلامي، وخرج المتحدث باسم الحكومة الدانماركية ليقول: إن الذي حدث هو خطأ إعلامي غير محترم، وهو من تصرف بعض الأفراد غير المسؤولين، وإن حكومة الدانمارك تحترم الدين الإسلامي، ولا تسيء إلى نبي الإسلام، وبذلك هدأت الزوبعة، وتلاشت الأزمة بمقتضى ذلك التصرف الحكيم من الجامعة العربية، التي نابت في موقفها الشامخ عن الدول الستين الإسلامية، ومثلت بذلك ضمير الأمة، ودافعت عن عقيدتها.
إن ما حدث في الدانمارك ليس حدثاً فريداً، ولكنا نتوقف أمامه لنرصد وقائعه التي حسمت الأمر، وقطعت الطريق على عصابات المتآمرين ضد الإسلام.
ولا شك أن في عالمنا كثيراً من جماعات التآمر، لا يكف أفرادها عن العمل ضد الإسلام، من خلال الفضائيات، وهم يعلنون عن أنفسهم ليل نهار، ومع ذلك لم نجد من يتصدى لهذا النشاط المعادي للإسلام، من بعض رجال الدين النصارى، وهم ينشرون في المجتمع كثيراً من أسباب القلق، كما يؤسسون لانتشار كثير من الفتن، ويخربون بناء الوحدة الوطنية والإنسانية من دون أن يجدوا من يتصدى لهم، دفاعاً عن الحق، وعن الحياة الاجتماعية المشتركة.
وقد سمعت أن أحد المسؤولين أجاب، عندما سئل عن القائمين بهذا العمل القبيح، بأن هؤلاء مبعدون عن الكنيسة الأرثوذكسية. وهل يكفي أن يعلن أنهم مبعدون، لتظل أصواتهم تنعق، من دون توقف، وبدون وازع من دين أو ضمير؟
إن القضية تحتاج إلى تحرك الجامعة العربية لهذه المواجهة، ما دمنا قد عدمنا هيئاتنا الدينية، ومؤسساتنا التي يجب أن تتحرك دفاعاً عن مستقبل هذه الأمة ضد العملاء، وأحلاس الصهيونية، الذين يعملون بكل إخلاص لتخريب حياتنا الاجتماعية المشتركة، التي قام بناؤها على المحبة والأخوة والسلام
من دروس الحملة الأوروبية على نبي الإسلام
لا أستطيع أن أخفي عدم ارتياحي للعنف الذي استخدم ضد بعض السفارات الدنماركية والنرويجية في الخارج، لكن غضبي لكرامة نبي الإسلام الذي أهين في البلدين أكبر، فضلا عن أنني أزعم أن موقف حكومة الدنمارك بوجه أخص يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية عن الذي جرى لسفاراتها، ولأنني أحسب أنني لست بحاجة لأن أشرح لماذا كان الغضب كبيراً لكرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وعند غيري، فإنني سأتوقف قليلاً أمام النقطتين الأخريين.
ذاك أنني على ثقة من أن مهاجمة السفارات الدنماركية والنرويجية لم تخدم قضيتنا، وربما أساءت إليها، ولن أستغرب إذا تجاهل الإعلام الغربي خلفيات الموضوع، وركز على ما جرى للسفارات، وأعتبره من دلائل همجية المسلمين وتخلفهم، وربما كانت النتيجة أفضل كثيراً لو أن الجماهير توجهت إلى مقار السفارتين في عواصم العالم الإسلامي، حاملة لافتات التنديد والاحتجاج، وقدم مسؤولون عنها رسائل مكتوبة إلى الدبلوماسيين في البلدين، عبروا فيها عن مشاعر الاستياء والغضب، وطالبوا بالاعتذار الصريح للمسلمين عما جرى، ثم انصرفوا بعد ذلك في هدوء.
ذلك لم يحدث للأسف، الأمر الذي ينبهنا إلى ان الثقافة السائدة لم تستوعب لا فقه انكار المنكر كما تعلمناه في الإسلام، ولا أساليب النضال المدني وفنونه التي تقدمت كثيراً في عالمنا المعاصر، فقد تعلمنا أن للانكار درجات، كما أن له أصولاً وقواعد، منها مثلا أن يؤدي الانكار إلى تحقيق المراد، وأنه لا يتسبب في وقوع منكر أشد منه وأكبر، وهو ما لم يحدث في الحالة التي نحن بصددها، حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية صور السفارات الدنماركية وهي تحترق، في حين تجاهلت الصور التي أهانت نبي الإسلام وأثارت ثورة المسلمين.
من ناحية أخرى، فإن جوهر النضال المدني يقوم على فكرة استخدام الأساليب السلمية التي تحترم القانون في إيصال رسالة الاحتجاج والغضب، وقد أشرت تواً إلى مسألة التظاهر السلمي، التي هي أبسط تلك الأساليب، التي سبقتنا إليها الممارسة في الديمقراطيات الحديثة، لكننا تخلفنا في هذا الباب، لأنه ليست لدينا ديمقراطيات تفرزها!(12/403)
أما لماذا قلت إن حكومة الدنمارك تتحمل جانباً من المسؤولية عن العنف الذي حدث ضد بعض سفاراتها، فردي على ذلك إن انفعال الجماهير وغضبها، ومن ثم هجومها على السفارات، ذلك كله لم يحدث إلا بعد أكثر من أربعة أشهر على نشر الرسوم البذيئة، وخلال تلك الأشهر لم تحاول الحكومة الدنماركية احتواء الموضوع، والحيلولة دون ارتفاع وتيرة الغضب وانفلات الأعصاب، ولكن تلك الجهود كلها ذهبت سدى، أكثر من ذلك فإن رئيس وزراء الدنمارك رفض مجرد مقابلة وفد الدبلوماسيين العرب والمسلمين في كوبنهاجن، وهو موقف افتقد إلى اللياقة والحس السليم، لأن الرجل لم يقبل بمجرد الاستماع إلى وجهة نظر أولئك الدبلوماسيين، وكان ذلك الرفض معبراً عن الاستهانة والازدراء، فضلا عن أنه كان مشجعاً لمسؤولي صحيفة «يولاندر بوسطن» على أن يتعنتوا في موقفهم، ويتعاملوا مع المشاعر الإسلامية بذات القدر من الاستهانة والازدراء.
إزاء الفشل الذي منيت به جهود الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور أكمل الدين احسان أوغلو، في تغيير موقف الحكومة الدنماركية، ورغم أن السعودية استدعت سفيرها في كوبنهاجن للتشاور، في إشارة لا تخفى دلالتها، وليبيا أغلقت سفارتها، وكذلك سوريا، رغم هذه الجهود كلها، ظل الموقف الدنماركي جامداً ورافضاً أي تجاوب يحل المشكلة سياسياً ودبلوماسياً، ومن ثم يمتص غضب الشارع الإسلامي ويداوي جرحه، وخلال الأشهر الأربعة التي خلت كان الغضب يتراكم، وازدادت وتيرته بعد إعادة نشر الرسوم المهينة في أكثر من عاصمة أوروبية، في إصرار مستغرب على إيذاء مشاعر المسلمين واستفزازهم.
في هذه الأثناء أطلقت الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية، وهي الدعوة التي حققت نجاحاً نسبياً في العالم العربي على الأقل، الأمر الذي أزعج السلطات في كوبنهاجن، التي تعرضت لضغوط قوية من المؤسسات الاقتصادية صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة، فنشرت الصحيفة التي أثارت الفتنة اعتذاراً خجولاً باللغة العربية على إحدى صفحاتها، في حين تمسكت بموقفها الذي زعمت أنه يمارس «حرية التعبير»، فيما نشرته باللغة الدنماركية في نفس العدد، وفي الوقت ذاته صدرت عن المسؤولين في الحكومة الدنماركية تصريحات تحدثت بشكل عام عن أهمية احترام أديان الآخرين، ولم تتضمن أي حديث صريح عن الاعتذار للمسلمين عما أقدمت عليه الصحيفة، التي وفرت لها الحكومة الغطاء الأدبي والسياسي.
هذه الجهود التي تواصلت خلال الأشهر الأربعة الماضية، لم تسفر عن شيء يرعى مشاعر المسلمين ويحفظ بعضاً من كرامة نبيهم، ولم يكن مستغرباً بعد ذلك أن تنفجر مشاعر البعض، بحيث يندفعون إلى بعض السفارات الدنماركية محطمين واجهاتها ومشعلين فيها الحرائق.
بطبيعة الحال، لست هنا في موقف الدفاع عن سلوك الجماهير الغاضبة، الذي أكرر أنني لا أقره من حيث المبدأ، ولكنني فقط أنبه إلى ملابسات ما جرى، متمنياً أن نستخلص من ذلك الذي جرى درساً خلاصته أنه في أحيان كثيرة، فإن العنف لا يظهر على السطح إلا حين تنسد أبواب الحلول وأساليب التغيير السلمية، وهي الفكرة التي عبر عنها بعض أهل الفقه حين قالوا بأن أفضل وأنجع وسيلة لتحريم الحرام وقطع دابره، هو أن يفتح الباب واسعاً لممارسة الحلال، بالتالي فلو أن حكومة الدنمارك تجاوبت بصورة واضحة ومقنعة مع مشاعر ملايين المسلمين الغاضبين، بحيث قدمت اعتذاراً صريحاً لهم عما جرى، لاختلف الأمر كثيراً، ولما حدث ذلك العنف الذي تعرضت له سفاراتها، وهو ما يؤيد ادعائي بأنها تتحمل جانباً من المسؤولية عن تردي الموقف على النحو الذي شهدناه.
لا أحد يستطيع أن يتكهن بمصير هذه المواجهة، التي تتسع دائرتها في أوروبا، ربما تعبيراً عن التضأمن مع الصحيفة الدنماركية، وربما كان ذلك أيضاً إحياء لمشاعر بغض كأمنة، رسختها ثقافة ما بعد الحروب الصليبية، التي ما زالت بصماتها قائمة في مناهج التعليم والمرجعيات الثقافية المختلفة، لكن الذي لا شك فيه أن من شأن ما جرى تعميق هوة الجفاء والحساسية بين المسلمين والأوروبين، الأمر الذي لا يخدم بأي حال دعوات الحوار والتعايش، ناهيك عن احترام الآخر، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن ثمة أصابع صهيونية وأميركية ماكرة في المشهد أرادت أن تشعل نار الفتنة والوقيعة بين المسلمين والأوروبيين، لتخفيف حدة العداء للأميركيين، ولإشغال المسلمين بـ»معركتهم« مع أوروبا، وصرف انتباههم عن الممارسات الأميركية في العراق.
بقيت بعد ذلك عدة ملاحظات على المشهد ألخصها فيما يلي:(12/404)
* إن سلاح المقاطعة الشعبية أثبت جدارته، باعتباره يمس المصالح الغربية في اقتصادها (الذي هو أعز ما تملك)، وهو سلاح ينبغي الاحتفاظ بفعاليته، لأهميته البالغة من ناحية، ولأنه يعد من أقوى أساليب النضال المدني تأثيراً، ويحسب لأزمة الرسوم الكاريكاتورية أنها دفعت البعض إلى التنادي لاستحضار ذلك السلاح المعطل، الذي نحن أشد ما نكون حاجة لاستخدامه على جبهات أخرى، خصوصاً في مواجهتنا للضغوط ومظاهر العدوان الغربي الكثيرة على أمتنا.
* إن الموقف الشعبي من الأزمة أسبق وأقوى كثيراً من الموقف الرسمي في العالم العربي والإسلامي، وإذ نقدر الجهود والمواقف التي عبرت عنها منظمة المؤتمر الإسلامي وعدد من الحكومات العربية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أننا يجب أن نعترف بأن النتائج ستصبح أفضل كثيراً لو تضأمنت أغلب أو كل الحكومات الإسلامية في اتخاذ موقف حازم من حكومة الدنمارك، وهو الحد الأدنى، لو أن وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في العالم العربي على الأقل، عقدوا اجتماعاً طارئاً وأصدروا بياناً مشتركاً أعلنوا فيه موقفهم الرافض لإهانة نبي المسلمين، وهم الذين لم يقصروا ـ فرادى ومجتمعين ـ بل وتنافسوا في الحملة ضد الإرهاب وأهله.
* إن موقف شيخ الأزهر كان بكثير دون المستوى المطلوب، إذ في حين تصورنا أنه سيكون في مقدمة الغاضبين لكرامة نبي الإسلام، فإننا وجدنا تعبيره عن الاحتجاج فاتراً للغاية، حين كان اعتراضه على ما جرى مبنياً على أن النبي عليه الصلاة والسلام ميت ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، وهي حجة لا تخطر على بال أي مسلم عادي، يعيش النبي في قلبه ووجدانه طول الوقت، ويصلي عليه ويسلم ثلاثين مرة على الأقل في اليوم الواحد، ثم أنه اعتبر الموضوع منتهياً بعدما استقبل سفير الدنمارك في القاهرة، الذي نقل إليه مضمون الاعتذار الغامض والخجول الذي أشار إليه بيان رئيس وزراء الدنمارك في مستهل العام الجديد، وكان حرياً بشيخ الأزهر أن يتحفظ في هذا الصدد، على الأقل حتى يتحقق من أن الاعتذار المفترض يحقق مراده في الحفاظ على كرامة نبي الإسلام، وهو الأمر الذي أتصور أنه يحتل أهمية خاصة لدى مشيخة الأزهر التي عهدناها ـ فيما مضى ـ منارة يهتدي بها المسلمون في كل مكان، ورأس الحربة في الدفاع عن كرامة الإسلام والمسلمين.
إن أهم حقيقة أسفرت عنها المواجهة التي نحن بصددها هي أننا نملك الكثير من الأوراق الفاعلة لكسب أي معركة، بالتالي فنحن لسنا مفلسين أو عديمي الحيلة كما يصور البعض، لكننا فقط مغلولو اليد ومهزومون: سياسياً وحضارياً!
===================
من يَحْمِلْ معي؟!
محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com
رسالة إلى طلبة العلم والدعاة بعد سب الحبيب صلى الله عليه وسلم وإهانة المصحف الشريف..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مما لا يخفى على متابع أن حملات التنصير تنتشر في جميع بقاع العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب العربي, مرورًا بالجزيرة العربية. وكلنا نشتكي التنصير.
جُلُّ الجهود المبذولة في التصدي للتنصير ـ على قلتها ـ تنصرف للحديث عن الأمور الحركية، مثل الكلام عن عدد الجماعات أو الجمعيات التي تعمل في مجال التنصير، والأماكن التي ينتشرون فيها.. برامجهم.. ميزانيتهم.. من يدعمهم وعدد من تنصروا.. ومن عادوا... إلخ.
وكذا التصدي لما يصدر من النصارى من حين لآخر من بذاءة يُنَفِّثُون بها عما في قلوبهم من حقد يكون غالبًا حركيًا أيضًا.. نتنادى للمقاطعة.. والكتابة للمسئولين.. ونحاكم القوم إلى أعرافهم, فيخاطبهم كثير من "المثقفين" باسم "الحرية" التي تكفلت بها "الديمقراطية" و"التسامح" مع الأديان الذي ينادي به دينهم... إلخ. ودينهم ليس فيه تسامح مع الآخر, ودونكم كتابهم [المقدس]، والواقع شاهد ثرثار لا يكف الحديث ولكن من يسمع ويعقل؟! والبعد العلمي في التصدي لهذه الحملات المسعورة ينحصر في بيان كذب القوم في دعواهم حول القرآن، أو حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتطرق إلى منطلقات القوم وعقائدهم الفاسدة إلا من طرف خفي وبإشارات يفهمها المتخصصون فضلاً عن العلمانيين.
نثور قليلاً ثم نهدأ.. كنار السعفة.
نعم.. هناك جهد أكاديمي لا يمكن إنكاره يتجه نحو نقد دين النصارى.. نقد كتابهم "المقدس" وشرائعهم.. إلا أنه حبيس المدرجات ويخاطب به طلبة درجات التخصص العليا "الماجستير أو الدكتوراه".
وقليل من هؤلاء المتخصصين من يُستفاد بعلمه في التصدي لهذه الحملة المسعورة.
إخواني وشيوخي الكرام!(12/405)
لا يخفى على حضراتكم أن المنصرين يتيممون الطبقة التي تجهل دينها، وهم الذين يفتعلون الشبهات حول الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم مستغلين جهالة المتلقي، ولا يخفى على حضراتكم أن دين النصارى يحمل من الفضائح ما لو علمها الناس لانصرفوا عنه من فورهم، كاتهامهم لعدد غير قليل من أنبياء الله بالزنا, بل والكفر بالله، وتشبيههم ربهم بالدودة واللبؤة, وأن رب الأرباب خروف.. تعالى الله عما يقول الكافرون علوًا عظيمًا، وفيه تشريع الرِّق، وفيه أمر بقتل وحرق ونحو ذلك مما يرمون به الإسلام. وكلام "الكتاب المقدس" بعهديه على المرأة مما يضحك منه الصبية ويصلح للفكاهة في مجالس السمر. إلا أن المنصرين أخذاهم الله يجتزئون من الكتاب ما يحلو لهم مما يحسن صورة باطلهم، ويجتزئون من الدين الإسلام ما يحلو لهم مما يقبح دين الله عز وجل في أعين المستهدفين بحملات التنصير.
والحال هكذا: فلم لا تتبنون دراسة نقدية ـ في شكل مقالات أو رسائل ـ تتناول دين النصارى وتقارن بينه وبين الإسلام؟! مما يصلح أن يخاطب به عوام الناس. والهدف هو نشر ثقافة مضادة للتنصير بين الناس. هذا طريق قصير وجيد للتصدي للتنصير.
المستهدفون من هذا الطرح هم عوام الناس من المسلمين، وكذا عوام الناس من النصارى. فالصورة الآن أن "المبشرين" ـ وكذا دعاة العلمانية والتغريب ـ وصلوا إلى عدد غير قليل من عوام المسلمين وخاطبوهم بباطلهم، والصورة الآن أننا لا نستطيع الوصول لعوام النصارى بعد أن جلسنا ولم نخاطبهم بالإسلام وانحصر خطابنا.. ولم نخاطبهم بحقيقة دينهم الذي لبّسه عليهم النصارى.
نتكلم عن الحوار مع "الآخر"، فهيا.. هاهو الآخر اليوم ينظر بماذا سندافع عن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وماذا سنقول؟!
وهاهو "الآخر" يجلس معنا على الشبكة العنكبوتية، ونستطيع أن نخاطبه من خلال أشرطة الكاسيت وبعض المحطات الفضائية.
إخواني وشيوخي الكرام!
نزل الكفر بساحتنا الفكرية واستباح حصوننا العقدية، حتى وصل إلى مناهجنا التربوية، ورسمت الأيدي الآثمة مفاهيم الأمة وتصوراتها كما يحلو لها.
فأين التوحيد الصحيح في أذهان عوام الناس؟! وأين مفهوم الحجاب الشرعي الصحيح من عوام الناس؟! وأين الولاء؟! وممن البراء؟! وفيما سعي الناس اليوم جملةً؟!
وهاهم اليوم يتعدون على أقدس ما عندنا.. قرآن ربنا بالأمس وشخص نبينا صلى الله عليه وسلم اليوم. فمن يحمل معي على القوم لنردهم عن حصوننا الفكرية.. عن ديننا وعرض أمهاتنا ـ أمهات المؤمنين ـ ونسائنا وأطفالنا وشبابنا؟!!
==========================
موقع المسلم يحاور اللجنة الأوربية لنصرة خير البرية
23/12/1426
أجرى الحوار: فارس نادر
لقاء مع أحد الإخوة أعضاء اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية في الدنمارك حول الموضوع المثار حديثاً، وهو السخرية والاستهزاء بالنبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ من قبل الجهات الصحفية والإعلامية هناك.
· في البداية نرحب بكم في موقع المسلم، ونود أن نحصل منكم على بعض المعلومات وتعريف بسيط عن اللجنة التي تحملت عبء الدفاع عن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ نيابة عن الأمة _جزاكم الله خيراً_.
بداية أحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأثني عليه بما هو أهله، وأسأله _سبحانه وتعالى_ أن يلهمنا الصواب في أمورنا ويتجاوز عن سيئات أعمالنا، كما أنني أشكر موقع المسلم على استضافتي لأقوم وأتشرف بنصرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ من هذا الموقع المبارك المعروف بجديته وانتصاره لقضايا الإسلام.
اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الدنمارك تتكون من إخواننا وزملائنا ً من جنسيات مختلفة خرجوا إلى الدنمارك؛ بعضهم لبنانيون وبعضهم فلسطينيون وبعضهم من جنسيات غير عربية أقاموا في الدنمارك وعملوا هناك، إما بالتجارة وإما بالدعوة وإما بأمور شتى يطلبون الأمان والسلام ويفرون بدينهم من الظلم الذي لحق بهم في بلدانهم، وعلى أن تلك البلاد لا يُظلم فيها أحد! هكذا كانوا يتوقعون. (رئيس اللجنة) الشيخ رائد حليحل من خريجي الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة من كلية الشريعة، وبقية أعضاء اللجنة مكونة من شخصيات تمثل جمعيات إسلامية رسمية في الدنمارك عددها سبع عشرة جمعية، إضافة إلى إخوة آخرين.
· هل هناك جهات رسمية حكومية من أي دولة من دول العالم الإسلامي أو شخصيات ذات صفة رسمية مشاركة معكم في هذه اللجنة؟
لا يوجد، كلها جهات شعبية فقط.
· نرغب منكم الآن أن تعطونا فكرة عن بدايات هذه القصة ونوايا من بدؤوا به؟ هل كانت بتخطيط وبقصد أم بدون قصد؟و متى كانت وكيف صارت؟(12/406)
في بداية الأمر توحي الأحداث أن الأمر غير مخطط له، ولكن تفاعلات الأمر وحيثياته وتداعياته دلت على أن هناك شيئاً كان يخطط في خفاء ويراد له. بداية الأمر كانت أن كاتباً دنماركياً كتب كتاباً عن الإسلام وعلى طريقة الغربيين أراد الترويج لهذا الكتاب بطريقة لافتة وجذابة، فأسعفته قريحته أنه لو وضع على الغلاف صورة للرسول محمد _صلى الله عليه وسلم_ ربما راج الكتاب وازدادت مبيعاته، فخاطب أحد الرسامين يطلب منه أن يتخيل له محمداً ويرسم له صورة لتكون غلافاً، والمفاجأة أن أكثر من رسام من أهل الدنمارك امتنعوا خوفاً من غضبة المسلمين، إذ إنه قبل مدة قُتل مخرج سينمائي في هولندا أخرج فيلماً يسيء للإسلام، فربما خشوا على أنفسهم من هذه العاقبة، وانتشر الأمر أن هناك رسامين خافوا أن يعبروا عن آرائهم.
وصل الخبر إلى مدير تحرير صحيفة يولاند بوستن، الذي أزعجه الأمر وعدّه كتماً للحريات، وبالمناسبة صحيفة يولاند بوستن هي صحيفة الحزب الحاكم في الدنمارك، وتنطق باسم رئاسة الوزارة، وهي صحيفة موثوقة عند الدنماركيين وواسعة الانتشار تضاهي المجازين ونيويورك تايمز، ومبيعاتها في اليوم أكثر من مليون نسخة، والدنماركيون بالذات والدول الاسكندنافية يصدقون الإعلام بشكل جدي وقوي،يعني لا يفكرون أبداً مع وجود الإعلام ويصدقونه في كل ما يبلغهم به. فانبرى هذا الرجل _كما يقول_ غيرة على الديمقراطية وعلى الحرية، انبرى لكيلا تصاب الحرية في مهدها وتضرب الديمقراطية في أرضها، وأنه لا ينبغي أبداً لأحد أن يخشى من أن يعبر عن رأيه في أرض الحريات وفي أرض الديمقراطية، فقام هو وتولى كبر مسألة الدفاع عن هذه التصورات الخاطئة، وأنه يحق لمن شاء أن يفعل ما يشاء دون حدود! فخاطب 40 رساماً في الدنمارك يطالبهم، وربما عبر مسابقة ووضع حوافز برسم صورة متخيلة لمحمد _صلى الله عليه وسلم_ على الطريقة التي يشتهون وبأي طريقة يشاؤون وضمن لهم أنه سينزلها في الصحيفة من غير تحفظ، فأجابه 12 رساماً، وأرسلوا له صوراً – موجودة لدينا – وهي صور شنيعة تدل على رداءة في التفكير وعلى انحطاط حقيقة في المستوى. أحياناً صور لا تدل على شيء أبداً وغير مفهومة , وبعضها لا تدري ما يراد منها، وأحياناً بابا نويل للمسلمين، وأحياناً رسوم تشكيلية غير مفهومة وأخرى قبيحة (راجع شرح الصور في موقع المسلم)، وهي صور مقذعة مقرفة، ولولا ضرورة تعريف المسلمين بهذا المستوى الساقط من التعابير ما كان ينبغي لها أن تنشر أصلاً أو يتكلم عنها.
نشرت الصور قبل رمضان بخمسة أيام كلها، وبقيت الصور تنشر على مدى سبعة أيام متوالية إلى بداية رمضان، أي يكرر كل يوم نشر نفس الصور، ثم دعمت الصور بمقال لرئيس التحرير مترجم لدى الموقع، وكلما جاء مشاركة جديدة من رسام جديد كان يلحقها في اليوم التالي وهكذا، وبيّن أن السبب الذي دفعه إلى نشر الصور بمقال دبجه ذكر فيه أنه يريد أن يكسر ويحطم كبرياء المسلمين، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك شيء غير قابل للنقد، وأنهم مثلهم مثل غيرهم من الأمم، وعليهم أن يقبلوا النقد سواء بطريقة مرسومة أو بطريقة مكتوبة، وزعم أن المسلمين أو عوام المسلمين أكثر من يقبل النقد لكن المشكلة في قساوسة المسلمين _على حد تعبيره_ ويقصد العلماء والشيوخ الذين يحتكرون موضوع قدسية القرآن الكريم _كما يزعم_.
· ثم ماذا حدث بعد ذلك.. هل نُشرت الصور؟
نشروا الصور وكانت الطريقة تبدو كأنها غير مبرمجة، لكن اكتشفنا أنها كانت مبيتة أو كان هناك مخطط مبيت من خلال بعض الرسوم التي تحكي ردة فعل المسلمين وكيفية الرد عليها، وهذا يدل على أن المسألة كان مخططاً لها وهي تدرس ردات الفعل ويحضر للجواب عنها، وكانت ردة فعلنا الأولى من الدنمارك، الإخوة في المراكز الإسلامية والأوقاف الإسلامية والمنتديات والمساجد والجمعيات تنادوا وبدؤوا يتدارسون كيفية الرد على هذه الحملة المسعورة، وذلك في اليوم التالي للنشر مباشرة، وشكلت لجنة لنصرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ وتشكلت هذه اللجنة من غالب المؤسسات الإسلامية العاملة في الدنمارك.
· لماذا الدنمارك؟ معروف أن الدنمارك دولة صغيرة، وأنها مسالمة، فما هو في تصوركم السبب في أنها قامت بهذا الفعل ولم تكن دولة أخرى من الدول الأكثر جفاء للإسلام، ماهو تفسيركم لذلك؟
الدنمارك في سياستها تبع لأمريكا، ولها قوة في العراق وهي تنفذ ما يملى عليها في السياسة الأمريكية الخارجية والداخلية مباشرة، وينعكس على الدنمارك كل ما يطبق في الأمن الأمريكي ويطبق مباشرة على الجالية المسلمة – خاصة أنها أقلية- فالتأثر بالهجمة الأمريكية شديد وقوي ومشترك.
· هل تتوقع أن هناك صلات أو ترتيبات خارج الدنمارك شاركت في هذه الحملة من بعض الدول أو الجهات؟ أم أن الأمر كان داخلياً بحتاً؟(12/407)
نتوقع أنً هناك تدخلا، ولكن هل كان ذلك منذ البداية أم جاء فيما بعد؟ لا نعلم ، فقد زارت النائبة في البرلمان الهولندي في نفس الوقت الدنمارك واجتمعت برئيس مجلس الوزراء في الوقت الذي رفض فيه أن يستقبل رؤساء البعثات الدبلوماسية للدول العربية والإسلامية وعددهم 13 سفيراً . رفض مقابلتهم وإعطاءهم موعداً، وادعى الانشغال بينما قابل النائبة الهولندية، وكانت التصريحات التي صدرت عن اللقاء تدل على أنهما كانا يبحثان في نفس الموضوع، حيث قالت النائبة: إنها منذ (22/6/1422) 11 سبتمبر غيرت رأيها في الإسلام، وأن النبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ هو مجرد ديكتاتوري مثل صدام حسين، وإنها تريد أن تمثل فيلماً في الدنمارك لتستفيد من أجواء الحرية فيها عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وتعرف به -على طريقتها طبعاً-، هذه المرأة من أصل صومالي وارتدّت عن الإسلام، وعلى إثر ذلك كُرِّمت وصارت سياسية في هولندا، وهي التي كتبت الفيلم الذي مُثِّل في هولندا، وقُتل مخرجه (فان جوخ)، وأصبحت بعد ذلك تمشي بحراسة مشددة وأمن من الخوف النفسي.
لا أدري كيف يستقبلها -و في نفس الوقت يرفض رئيس الوزراء استقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية الإسلامية والعربية- ويكرّمها ويقلّدها وساماً ويعبّر عن إعجابه بحريتها وتقدميتها وهي في نفس الوقت عبّرت عن سرورها بالأجواء الديمقراطية والحرية في الدنمارك، وقررت أن تصنع فيلماً ساخراً عن شخصية الرسول _صلى الله عليه وسلم_، هذا يدل على أن هناك جهات أخرى تشارك في الموضوع.
· أخي هل للحزب للحاكم سيطرة على هذه الصحيفة، حيث إن الصحيفة تابعة للحزب، فهل له سيطرة بمعنى أنه يستطيع أن يغيّر أو يقدّم اعتذاراً أو يرشدها أم أنهم فعلاً يتبعون الأساليب القضائية والقانونية في بلدهم، أي أن الحزب كيان سياسي والصحيفة كيان إعلامي، وإذا أردنا أن نتعامل مع الصحيفة فعلينا أن نلجأ للقضاء؟
هذا ما قاله رئيس الوزراء: عندكم المحاكم قدّموا دعوى، نحن لا نستطيع أن نمنع حرية الرأي. هكذا زعموا، لكن أنتم تعلمون جيداً يا إخواني أن الساسة في كل البلدان يستطيعون ولهم طرقهم في التأثير على الصحافة، ولاسيما إذا كانت صحافة مسيسة وتتبع لجهة سياسية وهي البوق للحزب، وتتكلم بلسان حاله وتنشر أفكاره ومبادئه في الدنمارك، وهي الناطقة باسمه، ومقربة جداً جداً للحزب.
· هل للصحيفة وللحزب سوابق في الدنمارك في حالات مماثلة؟
على حد علمي أن ليس لهم سوابق، خاصة أن هذا الحزب وصل للحكم حديثاً وليس قديماً، وقد انتقده رئيس الوزراء السابق الذي كان له موقف قوي ومشرف من رئيس الوزراء الحالي، واتهمه بالحمق والسذاجة، وكيف يتبنى مثل هذه الحماقات، وكيف يرفض مقابلة رؤساء بعثات دبلوماسية للدنمارك مصالح كبرى اقتصادية عندها، وأيضاً انتقده دبلوماسيون دنماركيون عملوا في البلدان العربية الإسلامية فخاطبوه بلهجة قاسية هو والحكومة الحالية، واتهموها بعدم الحنكة وعدم المعرفة.
· هل رئيس التحرير والكاتب والرسامون ممن نسميهم بالنصارى المتدينين أم أنهم لا دينيين؟ بمعنى إن بعض الغربيين لا يعترف بنصرانية ولا بغيرها، والقانون عنده فوق كل شيء، فهل هم من هذه الفئة أم ممن يلتزمون بالنصرانية المحرفة الحالية؟
هم لا دينيون، مما علمنا عنهم أنهم كذلك. عموماً التدين في الدول الاسكندنافية ضعيف جداً جداً، حتى الكنائس عندهم مهجورة، وهم لا يتورعون حتى عن الاستهزاء بعيسى _عليه الصلاة والسلام_ بل إنهم أنتجوا فيلماً فيه إساءة لعيسى _عليه السلام_.
· تردد أن المحكمة والمدعي العام رفضا قبول القضية بحجة أن القوانين في الدنمارك لا تتعامل مع هذه القضية، هل هذا الحدث صحيح؟
نعم تم رفض الدعوى التي رفعها الإخوة المسلمون في الدنمارك على هذه الصحيفة،كما حثنا رئيس الوزراء!!! حيث قال: ارفعوا قضية على الصحيفة وعندكم القضاء، ولكن رفضها المدعي العام وردّها، ولكننا الآن نستأنف القضية، وقد وكّلنا محامين من الدنمارك ومن أمريكا، حيث إن قانون بعض الولايات مماثل لقانون الدنمارك، وكأن أحدهما استنسخ من الآخر، فهناك محامون خبراء من أمريكا قبلوا أن يدخلوا في هذه الدعوى وعلى علم ببعض الثغرات التي تمكنهم من الوصول _إن شاء الله عز وجل_.
· هل ستكون القضية في الدنمارك أم في الدنمارك وأمريكا؟
لا، القضية في الدنمارك.
· لماذا لا ترفع القضية في الدول العربية، إذا رفضت محاكمهم فما الإشكال في أن ترفع في محاكمنا؟ ولا نتوقع أن يوجد دولة مسلمة ترفض مثل هذه القضية، حيث إن الأمر يتعلق بالرسول الكريم محمد _صلى الله عليه وسلم_ الذي لا يختلف عليه أحد من المسلمين مهما كانت ثقافته، ثم بعد ذلك نلاحق من تثبت عليه التهمة والحكم عن طريق الشرطة الدولية؟(12/408)
الذي علمته الآن أن اللجنة العالمية للنصرة خاتم الأنبياء _عليه الصلاة والسلام_ والجمعيات في الدنمارك يبحثون هذه المسألة بجدية، ونشكركم على هذا الاقتراح والتحرك الآن سيكون بشكل دولي.
· ماذا كانت ردة فعل الصحيفة؟ هل طلبت الجمعيات لقاء رئيس التحرير أو مسؤولين في الصحيفة، وماذا كان ردهم؟
خاطبناهم وطالبناهم بالاعتذار، ولكن لم نطلب مقابلة رئيس التحرير، لكن الصحيفة حاولت مقابلة (رئيس اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية) الشيخ/ رائد حليحل لتناقش معه الموضوع في مقابلة، فرفض إلا أن تنشر اعتذاراً أو أن تنزل له مقالاً كاملاً من غير تشويه، ثم بعدها يقابلهم، وكتب مقالاً في الرد عليهم فنشروه مشوهاً، وفسّروه ودبجوه بطريقتهم بحيث لا يؤدي الغرض المراد منه، ونشروا الاحتجاجات التي أرسلت إليهم مقتضبة ومختصرة لا تؤدي الغرض.
· هل - حسب علمكم - وصلت لهم استنكارات وردود فعل ورسائل من مختلف أنحاء العالم للصحيفة؟
كثيراً جداً جداً، وللسفارات الدنماركية في مصر وفي لبنان بالآلاف، حتى إن السفير الدنماركي في مصر خاطب الخارجية الدنماركية مستغيثاً ومستجيراً، وكان للمفتي الشيخ علي جمعة ومجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر وحتى الخارجية المصرية نشاط كبير في القضية، بل والشعب المسلم في مصر، هذا الشعب المبارك الحي الغيور على دينه انتقد، حيث أرسل رسائل احتجاج على فاكس السفارة الدنمركية وأرسل مراسيل الكترونية ورسائل استنكار ونشط في الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية وفي الانتصار للرسول _صلى الله عليه وسلم_، فكانت هناك استغاثة من سفير الدنمارك في مصر أنهم متورطون ولا يستطيعون مواجه الاحتجاج والضغط، وعلى إثرها تحرك الاتحاد الأوروبي وأرسل إلى رئاسة الوزارة الدنماركية مستنكراً هذا العمل، وتحركت الأمم المتحدة، حيث نشطت الجامعة العربية وناقشت القضية مع كوفي عنان، وبُحث الملف أيضاً في قمة المؤتمر الإسلامي الاستثنائية في مكة وأشير إليه وإن كان إشارة باقتضاب. والآن بدأ الأمر يتفاعل أكثر وأكثر، حيث علمنا عن الموقف الجيد جداً للأستاذ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الذي استنكر فيه فعل الدنمارك والنرويج والإساءة لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من خلال نشر هذه الرسوم وإعادة نشرها في صحف دولة بعد أخرى .
· نعود إلى ردة فعل الصحيفة، قلتم: إنهم هم طلبوا لقاء رئيس اللجنة، ولكنه رفض إلا بعد أن ينشروا اعتذاراً أو مقالاً كاملاً دون تشويه ولكنهم شوّهوه، ماذا حدث بعد ذلك بين الجمعيات الإسلامية في الدنمارك وبين الصحيفة؟
في ملفنا الذي معنا وثائق وبيانات من أكثر من هيئة إسلامية في الدنمارك،بعضها خاص وبعضها مشترك مثل الوقف الاسكندنافي في العاصمة كوبنهاجن ومن الوقف الإسلامي في أودنسي ومن غيرهم كلها تخاطب الصحيفة وتخاطب رئاسة الوزراء وسفراء الدول الإسلامية العاملين في الدنمارك بأن المطلوب من الصحيفة أن تسحب الرسوم وتنتهي القضية، ولكن رفضت الصحيفة وقابلت هذا الموضوع بمزيد من الرسوم ومزيد من المقالات المتهجمة حتى أنها – وهذا مما يثير العجب – نشرت مقالاً باللغة العربية في صفحاتها،علماً أن الدول الاسكندنافية متعصبة للغتها، ولكن تخلت عن تعصبها وأنزلت مقالاً تتحدى فيه المسلمين باللغة العربية نشرتها صحيفتها على صفحتها في الإنترنت بعنوان "الكلمة حرة" أكد فيه رئيس التحرير أنه يرفض الاعتذار وأنه ماض في هذا الأمر؛ لأنه يدعم الحرية.
· من وجهة نظري فإن الاعتذار لا يكفي، كنت أسألكم ماذا تريدون؟ فقلتم: نريد الاعتذار، لكن الاعتذار حتى لو كان في البداية فإنه لا يكفي، فماذا تريدون الآن من الصحيفة بعد تماديهم؟
كان مطلوباً في البداية أن تعتذر الصحيفة وألا يظهر أن هناك عملاً متعمداً، وبالاعتذار وسحب هذه الرسوم تطييب مشاعر المسلمين داخل الدنمارك، وكان مطلوباً أن يبقى الأمر في إطار الدنمارك كقضية داخلية تهم المسلمين في الدنمارك، وحيث إنهم مواطنون ولهم حق ألا يساء إلى مقدساتهم. كان ذلك مطلباً داخلياً من المسلمين في الدنمارك فقط قبل أن يخرج للعالم الإسلام، أما الآن وقد خرج إلى العالم الإسلامي، فلا شك أن الموضوع يحتاج إلى أكثر من اعتذار، وستقرر الجمعيات الإسلامية في العالم ما هو الاعتذار المقابل.
· كان هناك في السابق بعض الإساءات للجالية المسلمة في أمريكا من قبل شركة nik صلى الله عليه وسلم التي تصنع المعدات والتجهيزات الرياضية، وكانت الشركة حقيقة كريمة في ردها واعتذارها مما بنى ألفة بينها وبين المسلمين، فتبنت إنشاء ملاعب وصالات رياضية للجالية المسلمة في أمريكا بقيمة 150 مليون دولار أمريكي كنوع من الاعتذار المادي، وتعهُّد بعدم تكرار ما حدث حينها من قبل الشركة مرة أخرى،. لماذا لا نطالب الصحيفة بامتيازات وفوائد لمصلحة الجالية المسلمة في الدنمارك كنوع من الاعتذار؟(12/409)
لجنة المناصرة في الدنمارك تدرس الأمر، وهي في اجتماع مفتوح يناقش كل الاحتمالات وكل الخيارات وتضع كل ما يمكن أن يُطلب طبعاً بالتشاور الآن بعد ما خرج الموضوع عن الدنمارك التشاور مع كل المعنيين في العالم الإسلامي، ومنهم موقع المسلم الذي يطالب بالتعويض المادي والصلاحيات والامتيازات الإضافية للجالية كنوع من الاعتذار ولا نقبل بأقل من ذلك _إن شاء الله_ وبإذن الله هذا ما نتمناه، لكننا نريد أن يكون الطلب من خلال بيان رسمي تقوم به اللجنة بعد دراسة كل الاحتمالات التي تعيد الاعتبار إلى كرامة الأمة وإلى كرامة النبي _صلى الله عليه وسلم_.
· هل يمكن أن تعطينا فكرة عن قصة الفيلم الذي صوّره المخرج الهولندي فان جوخ، والذي قُتل بعد ذلك؟
باختصار فيلم يراد منه الإساءة إلى الإسلام بشكل سفيه، أحد المشاهد يدلك على ما يحمله هذا الفيلم من سوء وانحطاط، امرأة عارية تكشف أكثر مما تستر مكتوب على جسدها العاري آيات من القرآن الكريم!! وصورة لامرأة تصلي كُتب على جسدها العاري أيضا "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة..." إلى آخر الآية، طبعاً هذا مشهد من المشاهد، فتصور ما المستوى الذي يحمله هذا الفيلم، ما القيمة التي يحملها هذا الفيلم؟!!
· بدأت القضية بجريدة مشهورة، ثم بعد ذلك استمرأت الصحف المغمورة الأمر ونشرت رسوماً أخرى غير الـ12 رسماً حتى تزيد في مبيعاتها، فاستخدموا الرسوم لزيادة المبيعات، هل هذا صحيح؟
صحيح تماماً وهناك رسوم لم تنشر في الصحف أرسلت إلى بيوت المسلمين تحمل بعضها إما التهديد بالقتل أو صور أكثر قباحة كصورة وجه مختلط بين وجه إنسان ووجه خنزير، يزعمون أنه وجه الرسول الكريم الأمين.
· ممن أرسلت؟
من مجهول.
· هل تدخلت الشرطة الدنماركية في الأمر، وبدأت في التحقيق لاكتشاف من هم المجهولون الذين فعلوا ذلك؟
لم يفعلوا ذلك .
· هل تعرف أحداً من المسلمين طلب تحقيقاً؛ لأن هذا يهدد حياتهم؟
نعم؛ لأن بعض الرسوم تحمل تهديداً بالقتل وتأمر المسلمين بالخروج من الدنمارك، وهو تهديد ينافي الحرية التي ينادون بها وتطرف يشبه النازية، هناك حزب ومجموعات تشبه المجموعات النازية المتعصبة للقومية الدنماركية، وترى أن كل غريب غير دنماركي في الأصل هو أجنبي يجب أن يغادر على غير رجعه.
====================
نبي الإسلام هل هناك من يغار عليك ؟
محمد الهرفي
صحيفة الوفاق الالكترونية
أصبح المسلمون اليوم كالأيتام على مأدبة اللئام، الكل يسخر منهم، الكل يتجرأ عليهم، ديارهم مستباحة، ودماؤهم مباحة، وثرواتهم منهوبة، وإرادتهم مسلوبة.
ولو اقتصر الأمر عند هذا الحد لهان ـ على سوئه الذي لا يحتمل ـ لكنه تعداه إلى السخرية بدينهم ونبيهم ومعتقداتهم.
هذا الاستهزاء ليس وليد اليوم ـ وأنا أتحدث عن عصرنا الحاضر ـ فقد كان له سوابق كثيرة مرت كلها بسلام ـ إلا من احتجاجات ضعيفة من هنا وهناك ـ ولما رأى هؤلاء المستهزئون هوان المسلمين وضعفهم تمادوا في غيهم لأنهم أمنوا العقاب، بل أمنوا حتى العتاب فمضوا إلى أبعد من ذلك بكثير. صحيفة "مغازينات" النرويجية ومثلها صحيفة "جيلاندر بوستر" الدنماركية ومنذ حوالي ثلاثة أشهر تقريباً وهما تنشران صورا كاريكاتورية تسخر بالرسول عليه الصلاة والسلام كما تتحدثان عنه بصورة مشوهة وسيئة لا تليق حتى بأهون الناس فضلاً عن الأنبياء عامة وأفضلهم عند الله خاصة.
هاتان الصحيفتان اتخذتا الحرية الصحفية مطية لما تقومان به، وهذه الحرية ـ كما يدعون ـ متاحة للغربيين عامة وهي جزء من ثقافتهم وسلوكهم ـ هكذا يقولون ـ وقد نقلت صحيفة "الرياض" نقلا عن أحد كبار الكتاب في الدنمارك بعد أن اعترف بكل الإساءات التي وجهت للرسول قوله عن هذه الإساءات إنها "لون من ألوان الأدب وهو متقبل في المجتمعات الغربية فالرسومات النقدية الكاريكاتورية والكلمات الساخرة التي تتناول شتى المواضيع وكافة الفئات والأفكار هي عبارة عن نقد وسخرية هادفة وذكية أيضاً وإن هذا مقبول ومتعارف عليه في العالم بأسره". إذن وكما قال فإن السخرية بالرسول عمل هادف وذكي، وهو أيضاً أمر متعارف ومألوف في العالم أيضاً.
هذه الأقوال التي يرددها البعض مليئة بالأكاذيب فدعوى الحرية لا تجعل البعض يستهزئ بالمقدسات الدينية لأصحاب الأديان الأخرى فالجمعية العامة للأمم المتحدة رفضت مبدأ تشويه الأديان وطالبت في جلستها العامة المنعقدة في 11/11/2004م بمناهضة تشويه الأديان ودعت إلى الحوار بين الأديان بدلاً من الإساءة إليها.(12/410)
وبعيداً عن الأمم المتحدة وقراراتها التي لا تطبق غالباً إلا على الأمم الضعيفة لماذا لا يعد هذا الكاتب وسواه ـ وهم كثر ـ انتقاد بعض مزاعم اليهود من الحريات الصحفية؟ لماذا يكون الحديث عن المحرقة اليهودية وبيان التهويل الذي يقال عنها أمراً محرماً؟ لماذا يكون الحديث عن السامية المزعومة لليهود ـ بصورة ناقدة أمراً محرماً أيضاً؟ بل إن هذه الدول التي تبيح السخرية برسولنا الكريم بدعوى الحفاظ على الحريات العامة تعاقب وتجرم من ينتقد الصهاينة بدعوى الإساءة للسامية، وهذا النقد مهما كانت درجته فهو لا يصل بأي حال إلى درجة الإساءة للرسول الكريم فلماذا تغيب الحرية هنا وتظهر هناك؟ هذه الحرية التي تتشدق بها حكومتا الدنمارك والنرويج هل تسمحان بها لو أن أحداً مجد الإرهاب وشجع عليه بدعوى الحرية؟ لماذا يحاكم أبو حمزة المصري وهو لم يقم بأي عمل إرهابي بل اكتفى ـ كما يقول قاضيه ـ بالتشجيع على الإرهاب؟ لماذا لا تترك له الحرية ليقول ما يشاء ما دامت هذه الحرية يقبلها العالم كله؟ أعتقد أن المسألة ليست كما يزعمون بل إن حقيقة المسألة أن هؤلاء حاقدون على الإسلام وحكوماتهم تشجعهم على هذه الأعمال الدنيئة، وفوق هذا وذاك فإن ضعف المسلمين وضعف حكوماتهم يشجع هؤلاء وسواهم على الاستمرار في هذه البذاءات لأنهم لم يشاهدوا موقفاً قوياً يردعهم ويوقفهم عند حدودهم.
العالم الإسلامي وهيئاته كلها كانت مواقفها ضعيفة ومخجلة أيضا، فمنظمة المؤتمر الإسلامي وعلى لسان رئيسها الدكتور إحسان أوغلي اكتفت بالاستنكار وطالبت العالمين المسيحي واليهودي بإعلان موقفهما بصراحة من هذه القضية. أما أمين عام مجمع الفقه الإسلامي في جدة فقد اكتفى بالاستهجان والاستغراب مما فعلته تلك الصحف، ودعا الحكومة الدنماركية إلى وجوب تدارك الأمر حفاظاً على التعاون مع الدول العربية، أما الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي فقد أدانت "هذا العمل المشين" لأنه ـ كما نقول ـ يخدش مشاعر المسلمين!! ـ مجرد خدش ولا شيء أكثر من هذا ـ ودعت الأمانة الأسرة الدولية إلى وضع حد لهذه الممارسات المشينة.
إذن منظماتنا - بارك الله فيها - استنكرت وأدانت وشجبت، وهي بهذا استنفدت كل طاقاتها المخزونة، خاصة وأن الإنسان المستهدف هو رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالذي فعلته يتناسب مع مكانته في نفوس المسلمين كلهم!. لم أسمع شيئا عن ردة الفعل العربية عدا أن وزارة الخارجية المصرية - وبحسب بعض الصحف المصرية - نقلت سفيرتها في الدنمارك - عقابا لها - لأنها تبنت مسألة الدفاع عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إزاء تلك الصحف السيئة.
الواضح أن المنظمات الإسلامية كلها لم تتبن موقفا مشرفا يعتبر الحد الأدنى من واجباتها تجاه كل مسلم وتجاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذا التخاذل هو الذي شجع وسوف يشجع من يتمادى في الإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأن هؤلاء يشاهدون الهوان الإسلامي والعربي في أسوأ حالاته، ومن يهن يسهل الهوان عليه.
لا ألوم كثيرا أولئك الذين يسيئون للمسلمين بكل الصور ابتداء من احتلال أراضيهم وانتهاء بالسخرية من مقدساتهم لأن كل هؤلاء حاقدون على المسلمين ومقدساتهم لكنني أضع اللوم كله على البلدان الإسلامية والعربية والمنظمات الإسلامية كلها، كما أضع اللوم بعد ذلك على كل مسلم على وجه الأرض.
كان من واجب الحكومات الإسلامية ومنها العربية ألا تكتفي بالشجب فقد مللنا هذه اللغة التي لا تفيد بشيء، كان الأجدر بها أن تقطع علاقاتها بهاتين الدولتين، أو على أقل تقدير أن توقف كل علاقاتها التجارية معهما لأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يحترمها هؤلاء، أما ما عداها فلا قيمة له على الإطلاق.
ومع أنني أكره الصهاينة وأفعالهم إلا أن هؤلاء يجبرون الآخرين على احترامهم لأنهم جادون وعمليون في كل قضاياهم مهما كانت صغيرة، ليت الحكومات الإسلامية تنظر إليهم كيف يعملون عندما يعتقدون أن هناك عملا - مهما كان - يسيء إلى معتقداتهم، السفير الصهيوني في السويد حطم عملا فنيا في متحف لأنه يمجد فلسطين، هل يجرؤ سفير عربي على القيام بمثل هذا العمل؟ الحكومة الصهيونية أقامت الدنيا ضد الرئيس الإيراني لأنه تحدث عن المحرقة اليهودية بما لا يعجبهم فلماذا تسكت الحكومات الإسلامية عن إهانة نبيهم ومعتقداتهم؟ لماذا لا يكونون مثل الصهاينة؟ هل نبيهم لا يستحق منهم أي عمل جاد؟، من العار أن نطالب حكومات المسلمين بأن تكون مثل الصهاينة وحكومتهم ولكن ماذا نفعل ونحن نشاهد كل هذا الهوان الذي يقودوننا إليه؟(12/411)
وإذا كانت تلك الحكومات قد اكتفت بالشجب والاستنكار فما هو دور المسلمين؟ أعتقد أن أقل شيء هو أن يقاطع كل مسلم أي منتج لهاتين الدولتين، وهناك بدائل كثيرة لكل منتج دنماركي أو نرويجي وحتى لو لم يكن هناك بدائل فكرامة رسولنا تستحق منا أن نقدم لها أرواحنا فضلا عن بعض المنتوجات التي لا تمثل لنا شيئا يذكر، وعلى الغرف التجارية في العالم الإسلامي كله أن يكون لها موقف مشرف في هذا الشأن أقله التعريف بالمنتجات التي تصدرها هاتان الدولتان وكذلك تشجيع التجار على مقاطعتهما مهما كانت النتائج.
إن التهاون في الشيء القليل سيقود حتما إلى التهاون فيما هو أكبر منه بكثير، والشواهد واضحة، أمامنا ضاعت بعض بلادنا، واستهزئ برسولنا وديننا والقادم أسوأ إن لم يتحرك كل منا وبقوة.
ومع كل هذا الظلام فإنني أعتقد جازما بقوله تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)، وأعتقد أن الإسلام سينتصر لا محالة بنا أو بغيرنا لأن دين الله سيبقى عاليا لا محالة.
وما زلت متفائلا أن يتحرك المسلمون بجدية لإيقاف هذا المسلسل البذيء هم وحكوماتهم لأن سكوتهم يعني أن مسلسل الهوان لن يقف عند حد ويومها سيضيع الجميع.
===========================
هل عاد العرب لسباتهم؟!
محمد الربيعه
mh صلى الله عليه وسلم 7733@hotmail.com
لم أصدق تلك الثورة العربية الإسلامية والاستنكار الشعبي الضخم بالقول والفعل تجاه الرسوم المسيئة لرسول صلى الله علية وسلم ومن ساندها, ذلك الاستنكار الذي هز أوروبا فضلاً عن إقصاء الدنمرك عن العالم الإسلامي ونبذها وأعمالها الماكرة ضد الإسلام والمسلمين لتكون عبرة لمن لا يعتبر.
قلنا وبصوت واحد: إن الإسلام لا يتجزأ وإن المسلم في أقصى بقاع الأرض كالمسلم الذي بجوار الكعبة المشرفة مهما اختلفت اللغات أو الجنسيات أو الثقافات تبقى ثوابت المسلم لا تتغير ونصرته لدينه ومقدساته همه الأول...
كل هذا مثلج للصدر يشعر كل مسلم بالسعادة التي طال انتظارها حتى كدنا نفقد الأمل في المسلمين, ولكن حب الرسول صلى الله عليه وسلم نصرنا قبل أن ننصره ولله الحمد..
ولكن ما ساءني هو هذا البرود الذي أراه قد غزا كثيرًا من أولي الهمم العالية الذين قادوا هذه المسيرة المباركة, فهذا البرود سيؤدي لنتيحه عكسية لما بدءوا به, فالمتابع للمواقع الإلكترونية لم يعد يجد ذلك الحماس وتلك الروح العالية.. لم يعد يرى سوى مقالات ومواضيع قديمة.. لم يعد يرى تجديدًا ولا جديدًا ولا أفكارًا تكون امتدادًا لما بدأنا به, فالمتابعة للتطورات والتصدي لها هي ما نرجوه الآن..
الآن نريد نتائج للمقاطعة.. وإلى أين وصلت.. وماذا جنينا منها.. وكيف نطور أساليب أكثر جدوى وفق التطورات من قبل الدنمرك.. على سبيل المثال المواد الأساسية الدنمركية لم تتأثر بالمقاطعة, كذلك تغيير "صنع في الدنمرك" إلى "صنع في الاتحاد الأوربي".
نريد أن نعرف ماذا يحصل لإخوتنا في الدنمرك وما يراد بهم وكيف نساندهم, فالتهديد والوعيد يتلقونه من أبرز المسئولين في الدنمرك للنيل منهم..
ردود الفعل الأوروبية والعالمية وكيف استغلالها لمصلحة قضيتنا, وإفشال ما هو ضدنا من مكرهم, وشحذ همم المسلمين, وإبراز دور رجال الإعمال ودور الدول التي تصدت للرسوم المسيئة والشد على أيديها ودعمها شعبيًا حتى تقوى بشعوبها المسلمة.
أريد المواصلة بروح جديدة وآليات جديدة وأفكار جديدة ومتابعة لكل المستجدات والتعامل معها كما يجب..
فنحن ننتظر الكثير من أولي العزم...
أخيرًا إن أصبت فمن الله عز وجل, وإن أخطأت فمني ومن الشيطان..
والله الموفق..
=================
هلع في الدينمارك
جمال سلطان
والحقيقة أن هذه الحالة تعيد الاعتبار إلى الفعل، وليس إلى الكلام، هؤلاء قوم لا يجدي معهم الجدل والخطب والمنطق، وإنما يجدي لغة المصالح، وعندما تعرف الحكومة أن تضامنها مع مواطن بذيء يمارس العنصرية في أبشع صورها سيدفع ضريبته ملايين من مواطنيها من قوت أولادهم ومصالحهم الحيوية، سيكون لقرارها وجهة أخرى.
بقلم: جمال سلطان(12/412)
حالة من الفزع تجتاح الصحافة الدينماركية منذ عدة أيام بعد تصاعد الموجة الشعبية العربية لمقاطعة كل منتج يحمل إشارة الدينمارك، وذلك ردا على حملة التطاول على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المشكلة لم تكن فقط في إقدام صحيفة دينماركية على نشر عشر رسوم كاريكاتير فاجرة تصف الرسول بأخس الصفات وتصوره كإرهابي يقف في صف المشتبه بهم ونحو ذلك، وإنما أيضا في الموقف الرسمي الدينماركي الذي دافع في البداية عن الصحيفة واعتبر أنها تمارس حرية الرأي المكفولة، وهو كلام سخيف يكفي لمعرفة مدى سخفه لو أن صحيفة دينماركية نشرت رسما مشابها ويكون مكان النبي إنسان يهودي، لا نبي ولا رسول، فقط إنسان يهودي، ولسوف نرى كيف يكون رد فعل الحكومة الدنماركية، وكيف سيختفي كل كلام عن الحرية وحرية الرأي والتعبير، لتظهر الاتهامات بمعاداة السامية والتحريض على الكراهية إلى آخر الاتهامات، فقط الاستباحة تكون مع الإسلام ورموزه.
كذلك لا يمكن أن تكون حرية التعبير تتمثل في أن تشتم إنسانا، بينك وبينه ألف وأربعمائة عام، وتقول إن هذا تعبير، هذه محض بذاءة وسباب وتحريض سافر على الكراهية، وممارسة البصق على وجوه الآخرين وحرماتهم، بدون أي معنى ولا مبرر سوى الكراهية والعنصرية الشديدة، لكن الأكثر فداحة أن رئيس الوزراء الدينماركي عندما قال كلمة مجاملة للجالية المسلمة هناك، وسأله البعض هل نعتبر ذلك اعتذارا للمسلمين، نفى ذلك، وقال نحن لا نعتذر عما نشر، ولذلك كان ضروريا أن يكون هناك موقف حضاري وأخلاقي مما حدث، وأن نمارس حقنا الإنساني في مقاطعة من أهان النبي ومن حرضه ومن دافع عنه ومن أيده، هذا حق تكلفه الأعراف والمواثيق وتمارسه الدول والأفراد كأحد الأساليب الحضارية في ممارسة حق الدفاع عن النفس أو المصالح الحيوية.
الحكومة الدينماركية أصيبت بحالة من الهلع، والسفراء الدينماريكيين خاصة في منطقة الخليج أرسلوا رسائل، نشر بعضها في الصحف، تحذر من أن الأمور تتجه إلى كارثة، الصحف أشارت إلى أن حملة المقاطعة الناشطة في الخليج وحده ستصل بالخسائر الدينماركية خلال عام واحد إلى أكثر من أربعين مليار كراون، وهذا يعني خراب قطاع كبير من الصناعة الدينماركية، وتحويل عشرات الآلاف من المواطنين إلى شمس العاطلين عن العمل، وإغلاق آلاف المصانع. وأما إذا نجحت الحملة في مصر وبقية العالم العربي، وهي تنشط الآن بالفعل، فإن الدينمارك ستكون بسبيلها إلى كارثة اقتصادية.
مانشيتات الصحف الدينماركية بالكامل أمس واليوم، وبعضها وصلني على البريد الالكتروني وبالترجمة، تشعرك أن البلاد على شفا حرب، وكانت مجموعة كبيرة من المحلات الكبيرة والهايبر ماركتات في الخليج قد سحبوا بالفعل كل المنتجات الدينماركية من الأسواق، تضامنا مع الحملة الشعبية للدفاع عن نبي الإسلام، وقد اتجهت غرفة الصناعة الدينماريكة إلى دعوة كافة موزعي المنتجات الدينماركية ووكلائها إلى توجيه رسائل إلى العالم العربي والإسلامي من أجل توضيح الموقف والإعلان عن استنكارهم لما حدث.
والحقيقة أن هذه الحالة تعيد الاعتبار إلى الفعل، وليس إلى الكلام، هؤلاء قوم لا يجدي معهم الجدل والخطب والمنطق، وإنما يجدي لغة المصالح، وعندما تعرف الحكومة أن تضامنها مع مواطن بذيء يمارس العنصرية في أبشع صورها سيدفع ضريبته ملايين من مواطنيها من قوت أولادهم ومصالحهم الحيوية، سيكون لقرارها وجهة أخرى، وأنا أعلن تضامني مع هذه الحملة، وأدعو كل غيور لكي يتضامن معها، قطعا للطريق على تجار الكراهية، وحماية لحرمات الإنسان ومقدساته من الاستباحة والعبث.
المصدر: موقع المصريون
===============
وإن اعتذرت صحف الدنمرك فهذا لا يكفي !
د. فايز بن عبد الله الشهري
جريدة الرياض - العد 13726
لا يمكن تبرير تسهيل الإساءة للآخرين بدواعي حرية التعبير، ولا يكفي الاعتذار بمعسول الكلام حين تكون الإهانة متعمدة، والأشد إيلاما من كل هذا حين تُستهدف شخصية نبي الإنسانية ثم تُساق التبريرات فتأتي أوقح من فعل الإساءة نفسه. هذا بالضبط ما ينطبق على مجريات قصة نشر صحيفة «يولاند بوستن» Jyllands-Post صلى الله عليه وسلم n الدنمركية لبعض الرسومات الكارتونية التي تعمّد رساموها إظهار شخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بشكل لا يليق.
ومع توالي الاحتجاجات من قبل أعضاء السلك الدبلوماسي الإسلامي في الدنمرك وعشرات المنظمات والاتحادات الإسلامية إلا أن الصحيفة (أمعنت) في غيها واكتفت بنشر بيان توضيحي يؤكد سوء النوايا. ومما جاء في البيان قول الصحيفة: «إننا لا نعتذر عن عمل نعده جزءا طبيعيا من العمل الإعلامي.... ولهذا فلن يكون هناك اعتذار أو سحب للرسومات».(12/413)
وأصل القصة أن مؤلفا يدعى Kaa صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم Bluitg صلى الله عليه وسلم n أراد أن يزين كتابا وضعه للأطفال عن خاتم الأنبياء بصور لشخصية بطل كتابه، ولكن المؤلف لم يجد بين الرسامين من قبل الفكرة، فكان أن أقيمت مسابقة شارك فيها 12 رساما تبنت الصحيفة نشر رسوماتهم التي كانت في مجملها غير محترمة و ترسّخ الصور السلبية عن المسلمين ورموزهم. وكان أن ثارت ضجة كبرى خاصة حين تسربت الصور إلى منتديات الإنترنت وظهر من ضمنها رسما لوجه غير محبب للنبي الكريم وعلى رأسه عمامة مزخرفة بالشهادة وتظهر قنبلة يدوية مغروسة في ثنايا هذه العمامة.
وتبعا لذلك اجتاح الإنترنت ما يشبه الإعصار من الرسائل والأطروحات التي تحاول أن تقترح أو «تفعل شيئا» للذب عن رسول الله. و قد تحمّس بعض كتاب الصحف و منظمي حملات الإنترنت لفكرة تنظيم حملات احتجاج واسعة تغرق وسائل اتصال الصحيفة ورئيس تحريرها وفق القناعة القائلة بأن هذه الصحيفة أساءت للمسلمين وآذت مشاعرهم. وحيث إن هذا قد يعد جانبا من الحقيقة إلا أن كثيرين غفلوا عن أثر ونتيجة التغيرات الكبرى التي أحاطت بالحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم وفي أوروبا بشكل خاص. ومن أهم هذه التغيرات مشكلات الهجرة و التطرف الديني والتمييز العنصري التي باتت سمة الحياة اليومية في كثير من المدن الأوروبية بل وأصبحت وقود نشاطها السياسي مما أثمر عن نشوء وسيطرة المزيد من أحزاب اليمين على مقاليد الحكم والحياة في كثير من الدول الأوروبية، خاصة وان قيادات بعض هذه الأحزاب عرفت كيف تداعب مشاعر القوميين بتكرار الحديث عن الهوية الوطنية ومشكلة المهاجرين والبطالة.
أما موضوع الإساءة للإسلام في الدنمرك فقد بدأت انطلاقته الحقيقية في أبريل من عام 2005م حين تسربت مقاطع من كتاب جديد يروي سيرة ومشوار حياة «مارغريت الثانية» ملكة الدنمرك الحالية. ومما أُخذ على الملكة قولها في ذلك الكتاب: «يجب التصدي للإسلام ويجب من حين لآخر أن نواجه مخاطر أن نوصف بأننا اقل مجاملة, لان هناك بعض الأمور التي لا يمكن التسامح حيالها».
و تركز كثير من المطالبات العربية والإسلامية على ضرورة اعتذار الحكومة الدنمركية والصحيفة عما نشر وهو مطلب لم يجد صدى حتى عند رئيس الوزراء الدنمركي «اندرس فوغ راسموسن» الذي رفض استقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية المحتجين مصرّا على أن مسائل النشر يجب أن ينظر إليها وفق الحق في التعبير، وأن القضية كلها تدخل تحت مظلة حرية التعبير.
الأكيد أنه كان ممكنا أن تطوى تلك الرسومات المسيئة مع مغيب شمس يوم النشر، ولكن مقام الشخصية المستهدفة ووقاحة الناشرين والمسؤولين عن تصعيد القضية دفع المسلمين والمنصفين إلى الشكوى وإعلان الضيق والاحتجاج بكل الوسائل. السؤال الآن... كيف يمكن أن نستفيد من هذه التجربة؟.. إذ لم يعد مجديا الاكتفاء بلغة الاحتجاجات والمراسلات.... فهل يمكن مثلا تنظيم حملة دبلوماسية شعبية دولية لاستصدار قانون يجرّم ازدراء الرسل والأديان السماوية على غرار قانون «معاداة السامية» المطبّق في اغلب دول غرب العالم. هل يمكن ذلك؟
ورقة عمل مقدمة من الندوة العالمية للشباب الإسلامي – مكتب جدة
للمؤتمر العالمي لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم
أ.د. عبد الوهاب بن عبد الرحمن نور ولي
محور: استراتيجية نصرة النبي صلى الله عليه وسلم:
1. استخلاص عناصر القوة والإيجابية في مواقف المسلمين في النصرة:
* توحد المسلمين في شتى بقاع العالم لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من اختلاف الاتجاهات.
* التواؤم بين الخطاب الشعبي والخطاب الرسمي.
* اتجاه المسلمين إلى التعبير العملي.
* المقاطعة الاقتصادية وتفاعل المسلمين معها.
* تحرك الجاليات الإسلامية في الغرب.
* رفض الكثير من منظمات حقوق الإنسان لحرية التعبير المطلق.
* اجتماع المسلمين بجميع طبقاتهم في القطر الواحد على النصرة مع اختلاف فئاتهم (المتدين وغير المتدين).
* تفاعل عوام المسلمين مع نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* تصدي المفكرين وأصحاب الرأي إلى هذا الخطب من خلال الرأي والمناقشة والحوار وطرح الأفكار.
2. استخراج عناصر الضعف والإساءة في مواقف المسلمين في النصرة واستبعادها:
* ردة الفعل التي تعكس الصورة السلبية للمسلمين (إحراق السفارات والمباني، أعمال الشغب).
* ضعف المسلمين في الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
* ضعف المقاطعة الاقتصادية.
* الخطاب الإسلامي غير المتجانس مع طبيعة وسماحة الإسلام.
* ضعف وسائل الإعلام في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* غياب دور مراكز البحوث والدراسات عن أداء دورها المأمول في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* تقاعس المؤسسات الرسمية الدينية في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* غياب المرجعية الإسلامية.
* عدم وجود وسائل إعلامية داخل الدول الغربية تخاطبهم بلغتهم للتعريف بسماحة الإسلام.(12/414)
* عدم نشر مزايا القيم الإسلامية في دول الغرب بلسانهم وعقلهم.
* الاستسلام لكل ما يقوله الغرب وتصور صحته وعدم التصدي له من خلال عمل مؤسسي مدروس.
3. المنظومة القانونية للنصرة:
* عدم وجود مؤسسات قانونية للدفاع عن قضايا المسلمين في المحافل الدولية.
* قصور دور الجامعات (كليات الحقوق) في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* ضعف دور اتحاد المحامين العرب واتحاد المحامين المسلمين في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* غياب دور أساتذة القانون الدولي في نصرة النبي.
* غياب دور السلطة القضائية في غالبية الدول الإسلامية.
4. التشريعات المطلوبة لضمان حقوق الجاليات المسلمة:
* إنشاء تشريع من خلال الأمم المتحدة يضمن حقوق الجاليات المسلمة الموجودة في الغرب.
* على الدول العربية والإسلامية عدم التوقيع على المعاهدات الدولية التي يكون فيها بنود تخالف الإسلام صراحة.
* عقد مؤتمرات تناقش مثالب البنود التي تخالف الإسلام صراحة (مؤتمرات: اقتصادية – طبية – اجتماعية – ثقافية – حقوقية)، ونشر بحوثها ونتاج أعمالها العلمية في مواجهة هذه المثالب وأثر ذلك على المجتمعات الغربية.
* المطالبة بوجود تشريعات لحقوق الهجرة والجنسية تحمي الوجود الإسلامي في الغرب.
5. التنسيق والتكامل بين المؤسسات الإسلامية:
* غياب المؤسسات الإسلامية الفكرية.
* غياب التخصص بين المؤسسات الإسلامية.
* عدم التكامل بين المؤسسات الإسلامية.
* تعرض المؤسسات الإسلامية للتكبيل المالي والإجرائي.
* ضعف الموارد المالية للمؤسسات الإسلامية.
* ضعف الدعم المالي من الحكومات للمؤسسات الإسلامية.
6. وضع ضوابط النصرة:
* عدم اللجوء إلى العنف وتحطيم السفارات وأعمال الشغب لأجل نصرة النبي .
* ممارسة الاحتجاجات في دول الغرب وفق قوانين هذه الدول.
* عرض سماحة الإسلام في وسائل الإعلام الغربية وفق أسس وضوابط منظَّمة من خلال مراكز البحوث ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات.
* عرض سماحة الإسلام على مستوى العمل الدبلوماسي.
* مطالبة الحكومات باتخاذ مواقف سياسية مؤثرة في مثل هذه القضايا.
* تفعيل المقاطعة الاقتصادية الرسمية والشعبية.
* نشر مطويات ومجلات وبرامج إذاعية وتلفزيونية بلغات مختلفة وعالمية تتحدث عن الإسلام وحقوق الناس في الإسلام.
* استخراج ما في قوانين الغرب من مثالب اقتصادية واجتماعية وحقوق إنسان، ووضع حلول لها من خلال الشريعة الإسلامية.
* عقد مجالات حوار مستمرة ومنتظمة بين مراكز البحوث الإسلامية ومراكز البحوث الغربية.
* تربية الناس والشباب خاصة على تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته والرضا بحكمه والتسليم والانقياد لسنته ومحبته فوق محبة النفس والمال والأهل والولد.
* إخراج سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من دور القصص التاريخي إلى الواقع العملي التطبيقي.
* إبراز دوره صلى الله عليه وسلم حِيال الأعداء في العفو والصفح وبين الناس في لِين الجانب وبين الأهل في حسن العِشرة وبين الدوابِّ في حسن الرحمة ومع الله في كمال العبادة.
* إقامة مسابقات عالمية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفضائله والتعريف به.
* استكتاب المنصفين من الغربيين وعقد لقاءات حوارية صحفية وتلفزيونية معهم وطرح موضوعات تبين خصائص وفضائله صلى الله عليه وسلم.
* إنشاء معارض تبين دور الأمة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* تربية النشء على مثل وقيادات الإسلام وليس تربيتهم على أنه تاريخ.
* التبيين بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس رجلاً عادياً وإنما بشراً يوحى إليه.
* التعريف بالإسلام وسماحته وليس الاحتجاجات.
* تغيير لغة الخطاب للغرب.
==================
يا أمّة المليار ماذا قدّمتِ لنصرةِ المصطفى الحبيب
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس اتّقوا الله عز وجل حقّ التقوى، فمن اتّقاه أفلح في دنياه وسلِم، واستبشر في أخراه وغنِم، ومن أعلى مراتب تقواه التي نبلغ بها القِمَم الانتصارُ لسيِّد العرَب والعجَم والذبُّ عن صفوة هذه الأمّة وخيار الأمم، فبذلك تُنال غاياتُ المُنى ونَعِم، ونِعِمَّا ذلك نِعِمّ.(12/415)
أيّها المسلِمون، تبصُّرًا في أغوارِ التأريخ واستِكناءً لِحِقَب الحضَارات يُلفي المتأمّلُ أممًا لفّها ظلامٌ من الاستبدادِ مطبقٌ مُريع، بيدَ أنه يحمل في طيّاتِه نورًا يُرتقَب وأمّة في سموِّها تُزاحِم الشُّهُبَ. فها هي الرسالةُ المحمّدية العالميَّة -على صاحبِها أفضلُ الصلاة وأزكى التّسليمات- تترَى بُكرةً وعشِيًّا، يُصيخ بلهفٍ لها الزمان، وها هو فجرُ الأمّة الإسلامية يشرِق في كلّ مكان، وتتفتّح لها غِلَق الأَذهان، ويرِفّ ببركتِها وعظمتها كلُّ جَنان، قد حمَلت هذه الرسالةُ الخيرَ كلَّه والبرَّ دِقَّه وجِلّه والهدى أجمَعَه والعَدلَ أكتَعَه؛ فبِالإسلام أشرَق التأريخ، وبهديِ سيّد الأنام عرفتِ الإنسانيّة معنى وجودِها، وعلى هدي مُثُلنا وقِيَمنا رتقَت الحضاراتُ صدعَها ولمَّت شعَثَها، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
ولا يزالُ هذا الغيثُ الصيِّب المنهمِر يفتح المجاهِلَ بلا هَادٍ، ويعبُر القارّات دونَ اتِّئاد، ولقد اقتَضَت حكمتُه سبحانَه أن يكونَ المبلِّغ الأمين عن ربّ العالمين الرحمةُ التامَّة والنّعمَة العامّة محمّدَ بنَ عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه، النّبيَّ الرؤوفَ الرحيم الوَصول، زاكيَ الفروع وساميَ الأصول، وكان الهَمُّ الذي بخَع نفسَه استرقَّ حِسَّه -يا أمّة الإسلام- انتشالَ البشريّة مِن مَومَات البغيِ والعنصريّة والأوثان إلى مَغاني العدل والرحمة والإحسان، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
ولا تَزال عظمةُ رِسالته وخَصائص نبوّتِه ميدانًا فسيحًا للمتأمِّلين ومَنهلاً رويًّا للبَاحثين المنصفين، كما هي نديَّةٌ نضِرة على الدوام، بل كلّما تمكّن الصّراع بين الحقّ والبَاطل -وها أنتم تعايِشونه- ازدادت عَبقًا واخضِرارًا.
معاشر المسلمين، أحبابَ سيِّد المرسلين، وهَذا النبيّ الأمّيّ الزّكيّ الرّضيّ مبشَّرٌ بصفاتِه البلجاء وشريعته الغَرّاء من قِبَل إخوانه الأنبياء والمرسَلين، يقول سبحانه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157].
فَيا عَجبًا! كيف يجحَد ذلك الجاحِدون ويَلغ فيه المستَهزِئون؟! وليس ذلك فحَسب، بل إنّ هَديَه عليه الصلاة والسلام هو الجامِع لما تفرّق فيهم من الفَضائل والمحامِد، وشريعتُه ناسِخَة وخاتمةٌ لجميع الملل والشرائع، وقد توعّد سبحانه مِن خدشِ قدسيّة رسالاتِ الله في أشخاص حملَتها ومُبلِّغيها منَ الأنبياء والمرسلين بالعذاب الأليم، وهو محادٌّ كلَّ المحادّةِ لجلال الله وعظمَته، كيف وهم عليهم الصلاة والسلام موضعُ حفاوته واصطفائه لبلاغ وحيه جلّ وعلا؟!
إخوةَ الإيمان، ومن تمام منَّة الكريم الوهّاب أن سوَّر هذا النبيَّ الأوّاب بكرام الصحابة ذوي النخوة والنجابة والفضلِ والإصابَة، أصفياء أَخيارٌ، كُماةٌ أَبرار، على عظمة كلِّ فردٍ منهم تقوم دولة وتنهض أمّة، وحبُّهم لِنبيِّهم أمرٌ تجرِض بِه اللَّهاةُ، وتتقَصّف دونه الأسَلات، سَأل أبو سفيانَ زيدَ بنَ الدَّثِنَّة وهو في الأسرِ قائلا: أنشدكَ اللهَ يا زيد، أتحبُّ أنّ محمّدًا الآنَ عندنا في مكانك تُضربُ عنُقُه وأنت في أهلك ومالك؟ فَرجف زيد قائلاً: والله، ما أحبّ أنّ محمّدًا الآنَ في مكانِه الذي هو فيه تصيبُه شوكةٌ تؤذيه وأنا جالسٌ في أهلي ومالي، فصَاح أبو سفيانَ دهِشَا وقال: واللهِ، ما رأيتُ من الناسِ أحدًا يحبّه أصحابُه كما يحبّ أصحاب محمّد محمّدًا. الله أكبر، زيدٌ أَحبَّ، ففَدَّى الحبيبَ وذبَّ.
تزِن الْجبالَ رزانةً أحلامُهم *** وأكفُّهم خَلَفٌ من الأمطارِ
والباذلين نفوسَهم لنبيِّهم *** يومَ الْهِياج وسَطوةِ الْجبّار
وما ذاك إلاّ كِفاءَ نفسٍ غَنِيَت بالرَّحمة والسِّلم والحبّ والحِلم، وخلصت إلى أعلَى مراتب الصدقِ والطهر والعلم، فلِلَّه ما أعظمَ هذا الدّين، وما أقوى إيحاءَه، ولله ما أكرمَ هذا النبيَّ الجليل وأبهرَ بهاءَه، وما أجلَى هديَه وسناءَه.
لو أطلق الكونُ الفسيح لِسانَه *** لسرَت إليك بمدحِه الأشعارُ
لو قيل: من خيرُ العباد؟ لردّدت *** أصواتُ من سمِعوا: هو المختارُ
عليه الصلاة والسلام.(12/416)
معاشرَ المسلمين في كلّ الأصقاع، إخوة العقيدة في كلّ البقاع، يُذَكَّر بذلك -أيها المحبون- في هذه الآونة الأخيرةِ التي غشّى الكونَ فيها لَيلٌ ثقيل، ولفَّه صَمتٌ مكدودٌ عَليل، وتصدّع فجر المسلِمين عن فاجعةٍ تأريخيّة سَفعاء، حيث نعَبَت أصوات بالإفكِ والبهتان، وجرت أقلامٌ في أودية الزّور والضلال والعصيان برسوماتٍ حاقدةٍ ماكرة، تنهدّ لها القَامة، وتتزلزل لها الهامَة، لقد استطالوا ويَا ويحهم، وتعَجرفوا ويا ويلهم، فسخِروا من أعظم جَناب وأكرمِ من وطئَ الترابَ نبيّنا محمّد، استهزأ عَثكَلٌ عُمروط برسول رَبّ العالمين ورحمةِ الله للخلائق أَجمعين، إمامِ الأنبياءِ في الأرض وفي السماء، أبرّ الأمم على الإطلاق، وأعظمهم بإطباق، صاحِب المعجزات الظاهرات والآياتِ الباهرات.
سقطت مكانةُ شاتمٍ وجزاؤه إن لم يتُب مما جنَاه النارُ
ربّاه ربّاه، أيَهزَؤون برسول ربِّ الأرض والسماوات؟! أيَهزؤون بسيّد البريّات؟! أيتطاوَلون على الرحمة المهداةِ؟! أيَنتقِصون النعمة المسداةَ؟! إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57].
لَقد جاءَت تلك النفوسُ الباغيَة التي لَو صُوِّر الرِّجس والخبَثُ كِيانًا لما تَعدّاها، لقد جاءَت شيئًا إدًّا، يخرّ له الكون هدًّا، تبَّت لهم يدًا، وخُفِئوا أبدًا، يَستهزئون ويشتَفون، ويشهِّرون ولا يكتفون، ويتبجّحون بما ائتُفِك ولا يختفون، قال سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61]، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3].
بأبي وأمّي أنتَ دونَك مُهجتي *** في صدرِ من سلقوك أغرِسها مُدَى
ما أنقصوك فأنت أنت أجلّ *** خَلقِ الله منزلةً وأكمل سؤددًا
هيهاتَ أن تطيبَ لنا حَياةٌ، وأنّى نؤمِّل نصرًا أو نجاةً ولم نتقحّم لنصرةِ الهادي الحبيب لجَّةً ولا فَلاة؟! يا لَلبهيسَة وعظيم الفِرية! أين الأعراف الدوليّة؟! أين العالَم بهيئاتِه ومنظَّماته حِيال هذه الجريمةِ النكراء والفعلةِ الشنعاء؟! أين عقلاءُ العالم ومنصفو الإنسانيّة حِيال هذا الاستهزاء؟! أين المواثيق العالميّة التي تصدُّ هذا البهتان والافتراء؟!
فيا أمّة المِليار، ماذا قدّمتِ لنصرةِ المصطفى الحبيب المختار؟!
إنّا ليؤلِمُنا تطاوُلُ فاجرٍ *** ملأت مشاربَ نفسه الأقذارُ
ويزيدنا ألمًا تَخاذلُ أمّةٍ *** يشكو اندِحارَ غثائها الْمليارُ
إنّ دُوَل الإسلامِ وما فوقَها وما دونها أطرافَها وحُصونها والغبراءَ سهولَها وحُزونَها يجرّمون هذا الفعلَ الأثيم، ويستفظعونَ هذا الجرمَ اللئيم. وإنّنا نوجِّه ألهبَ النداء من منبر المسجد الحرام من منشَأ رسول الإسلام ومبعثِه ومَرباه، ونَستَصرخ باسمِ المسلمين جميعًا مُطالبين بإيقاعِ العقوبات المغلَّظةِ دونَ هوادةٍ على المستهزئين بالجناب المحمّديّ والمقام المصطفويّ، بُؤبؤِ العيون، المنزّهِ عن كلّ وصمة ودون، وكلِّ من واطأ الباغي وأعاد نشر تلك الرسوم؛ كي تُصانَ شرائع السّماء وتعظَّم مقاماتُ الأنبياء في كلّ زمان ومكان، مع المطالبة بتفعيل القراراتِ الدولية التي تَدين وتجازي تلك الجرائمَ والمخازي. لا بدَّ من تطبيق المواثيق العالميّة والقرارات الدولية التي تحاكم كلَّ مَن يتجرَّأ على الله ورسلِه وأنبيَائه ومُقدّساته، وتقاضي كلَّ من يتطاول على الشرائع والرسل والمقدّسات.
إنّ هذا الهزءَ والإدقاعَ عبرَ الشبكات والصّفحات -وأيمُ الله- لو قوبِل به غيرُ نبيِّنا لأراق فيهِ أحبابُه أنهارًا من الدّماء، ولكان لهم مُنّةٌ من برهان وحجّة من سُلطان، فما بالُنا بأعظم الأنبياء قدرًا وأفضلِهم فضلاً وأعلَمهم بالله وأكرمهم على الله محمّدٍ خيرِ الأنام عليه من ربّه أفضل صلاة وأزكى سلام، النبيِّ الأكرم والمصطفى الأعظم، صاحِب المقام الأطهر والسَّنى الأغرّ؟!
هَجوتَ مُباركًا بَرًّا حنيفًا *** أَمينَ الله شيمتُه الوفاءُ
فإنَّ أبي وَوالدَه وعِرضي *** لعِرض محمّد مِنكم وِقاءُ
يقول شيخ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله: "ولا ريبَ أنَّ من أظهر سبَّ الرسول وشتْمَه فإنّه يغِيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثرَ ممّا لو سفَك دماءَ بعضهم وأخَذَ أموالهم، فإن هذا يثير الغضبَ لله والحميّةَ له ولرسولِه "، ويقول رحمه الله: "مِن سنّة الله أن من لم يتمكّن المؤمنون أن يعذِّبوه منَ الذين يؤذون الله ورسوله فإنّ الله سبحانه ينتقِم منه لرسوله ويكفِيه إيّاه، وكلّ من شانَأه وأبغضه وعاداه فإنّ الله يقطَع دابرَه ويمحَق عينَه وأثرَه".
ألا فلتعلمِ الأمة جمعاء والعالم بأسرِه أن الله عزّ وجلّ ناصرٌ حبيبَه ومصطفاه وخليلَه ومجتباه، إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [التوبة:40]، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95].
ما نالَ منك مُنافق أو كافِر *** بل منه نالت ذلّةٌ صَغارُ(12/417)
حلّقتَ في الأفقِ البعيد فلا يدٌ *** وصلَت إليك ولا فمٌ مهذَار
أعلاك ربُّك همّةً ومكانةً *** فلَك السموُّ وللحسود بَوار
أيّها المؤمنون، وإنَّ هذا الحدث الذي أرجف العالمَ ليُعَجِّب الغُيُر ويحمِلهم على الاصطراخ والنداء: خبِّرونا -يا هؤلاء- عن حريّة التعبير وضوابطها؛ فإنّا في زعمكم نسيناها، ولتُنبِّئونا عن مواثيق قدسيّة الرسل والرسالات؛ فإنّا في ظنّكم أغفَلناها، أفلا تكون حريّةُ التعبير إلا حينما تُسَبّ مقدّسات المسلمين ويُنال من عظمائهم ويوقَع في أنبيائهم؟! لكنّها المعايير المزدَوَجة والمكاييل المضطرِبة.
عجبًا لهذا الحِقد يجرِي مثلما *** يجري صديدٌ في القلوب وقارُ
وإذا سُخِر من عظيم الدّنيا برمّتها بين من يزعمون الالتئامَ على المبادِئ والحقوق والرّقِيِّ والشرف فهيهات أن لا تُخفَر بينهم العهود وتخيس الذِّمَم.
ويحكم يا هؤلاء! أحيُوا العدلَ والصدقَ وانشروه، وأميتوا الصَّلَف والزَّيفَ واقبروه؛ تأمنوا البوائقَ التي يُخشَى اندِلاعُها.
وإنّه لا يخفى على النّصفَةِ والعقلاء أنّ هذه الآفةَ الخُلُقيّة الدنِسةَ التي انتهكت باستهزائها بالنبيِّ حرمةَ مليارٍ ونصف من المسلمين وتهكّمت بمشاعِرهم لتهوي بالأمَل في النهوض بدَعاوى احترام الآخر ودعاوى التسامُح وحوارِ الحضارات ودعاوى نشرِ السلام والوئام وما إليها من شناشِنَ أخزميّة، نعم تهوِي بذلك كلِّه إلى يَهماءَ قَرِق، لا بَاطلاً تردُّ، ولا زورًا تَقي.
ولقد استبان لكلِّ ذي بَصيرة من الذي يغذِّي التطرّفَ والإرهَاب، ويُذكي العنصريّة والعنفَ والكراهِية بين الشعوب، ويؤجِّج الإقصاءَ وصِراع الحضارات. وأمّا الذين استناموا وأصمّوا آذانهم عن نِداءات الاستفظاع لهذا الحِقد الدين واستدبَروا صرخاتِ التجريم واستنجازِ التحكيم فقد خانوا أماناتهم ودياناتِهم، ولن يضرَّ الإسلام وسيدَّ الأنام شيئا، كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21].
أمّةَ الإسلام، وإنَّ تِلكم الهبّات الصارمة والغضبات العارِمة لنصرة خيرِ العباد في أقصى البِقاع وشتى البلاد بمتنوّع الوسائل والطّرائق لا سيّما موقف بلاد الحرمين الشريفين الرسميّ الحازِم والشعبيّ الحاسِم وسائر البلاد الإسلاميّة وأحباب رَسول الله في كلّ مَكان لشدَّ ما أبهجتِ الغيور، وشَرحت بالبِشر الصدور، وكذا ما خطّته الأسَلات، فقد نوّرت من المحبِّ المُقَل، وآسَتِ الكَلمَ وحلَّتِ العُقَل.
الله أكبر، بصوتٍ واحد ملايين المسلمينَ في الأرض ترفع الشعار التأريخيّ: "إلاّ رسولَ الله"، وترفُض الاعتذارَ، وتطالِب بالمحاكمةِ. يا لها من مَواقفَ مؤثِّرةٍ، تُذكي عزّةَ المسلمين ووَحدتهم، وتعزِّز مكانَتَهم دوليًّا وهيبتهم عالميّا، ولقد قال الله عز وجل في إفك أسلافهم: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النّور:11].
ولَعَمرُ الحق، لقد زَفّت لنا تلكُم الهباتُ والغضبات موقفَ المقاطَعةِ السياسيّة والاقتصاديّة الصامِد منظومَ الأكاليل، وهذا القرارُ الحاسم وسواه سيتلُّ هؤلاء إلى قُضبان الذلّة والمحاكَمة تلاًّ، وأمّا الذين اثّاقَلوا عن نُصرة المجتبى والتّنديد ولم يُبالوا بالَه فليتَّقوا الله عزّ وجلّ، وليفيئوا إلى هذا المسعى الحميد.
ألا فلتشلّ الأيدي وتخرَس الألسن وتتقصّف الأقلام وليجفّ المداد ولينأ الإعلام إن لم يجَنَّد في الدفاع عن سيِّد الأنام رسول الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام.
وليكن منكم بحسبَان -يا رعاكم الله- أنَّ التهاب العواطف دون أناةٍ ورَويّة هو الهُوجُ القواصف التي تُسلِم الحججَ السائغة للعدوّ الكمين المتربّص على أنّنا أمّة -بزعمهم- لا تَنِي، تصطَخِب وتضطرب دون ضابط أو رابط. فالله اللهَ في ضبطِ العواطف وترشيد الانفعالات وعدم الاسترسال وراءَ أحلامٍ ومنامات ورسائل هواتِف محمولات وما إليها وتفعيل نُصرة المصطفى تفعيلاً منهجيًّا وتأصِيلا إيجابيًّا، ينطَلِق من عقيدةٍ راسخة ونصرةٍ دائمة، لا تمليها ردودُ أفعال طارِئة، فلتلجِموا -يا أحباب رسول الله- العواطفَ بلِجام التعقّل والحِكمة والتحرّك الإيجابيّ العمليّ في نصرةِ النبيّ الهاشميّ بأبي هو وأمي.
إنّي أقول وللدُّموع حِكاية *** عَن مثلها تتحدَّث الأمطار
إنّا لنعلم أن قدرَ نبيِّنا أسمى *** وأنَّ الشانئين صِغار
لكنّه ألَم المحبِّ يزيده شرفًا *** وفيه لِمن يُحبّ فَخار
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. استرجاعٌ عَلى ضُلوعٍ مِن الإساءة لنبيِّنا تحترق، ودموعٍ هامِيَة تستبِق. نعم استرجاعُ سنّة وثقةٍ وبَأس، لا قنوطٍ ويَأس، فالألسن الغضاب تفري فَريَ الصوارم العضاب، فالله المستعان، وإليه المشتكى، ولا حول ولا قوّةَ إلا بالله العلي العظيم.(12/418)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيّد المرسلين، وجعلنا من أنصاره الغالبين، الذّابّين عن سنّته، المفدّين لها بالأنفس والأموال والبنين، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافّة المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه كان غفورا رحيمًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أسبغ علينا نِعمًا عِدادًا، وبعث فينا سراجًا وقَّادًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توعَّد الأفّاكين لظى مِهادًا، فقد رضّوا لنا أكبادًا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبد الله ورسوله أعظم البريّة قدرًا وشرفًا، وأرأفهم فؤادًا، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الذين عزّروه ووقّروه وأمضوا في محبّته أرواحًا وأجسادًا، وكانوا في نصرته ضَراغمَ وآسادًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، وأطيعوه، وتوبوا إليه واستَغفروه، ونافِحوا عن حياض الحبيب المجتبى، وكونوا خيرَ من شفى في ذلك وكفَى، وحقِّقوا النصرةَ والوفا في الذبِّ عن جناب النبي المصطفى.
أيها الإخوة الأحبة في الله، وما تخوضه الأمّةُ من قمع الإساءةِ لنبيِّها فلِما أوجبه الله عز وجل من تعزيره وحبِّه وتوقيره وحمايته من كلّ مؤذٍ وشاني، ومِن المتقرِّر أنَّ المولى الحقّ سبحانه قد أغناه عن نصرةِ الخلق، ولكن وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد:25].
ولتدرِكوا -يا أحباب رسول الله رعاكم الله- أن نصرةَ رسول الله ليست في زعومٍ ودعاوى تُنشر، ولا عواطفَ وانفعالات تُبّثّ وتُنثر فحسب، كلاّ، فلن يغنِيَنا صَفّ الحروف إذا لم ننكِر بسنّته المنكرَ ونعرف المعروف. إنّ نصرته الحقيقيّة في اتِّباع هديه وسنته عليه الصلاة والسلام واقتفاء سَنَنه ومحجّته وعَدم مخالفته.
ودعوةٌ ملتَهِبة حرّاء أن يا قادةَ المسلمين في كلّ مكان ائتلفوا على نصرةِ نبيكم حقًّا، وهبُّوا لتجريم هذه الفِرى النّكرا بكلّ ثِقَلكم السياسي والاقتصاديّ، حكّموا شرعَ الله عز وجل وسنّةَ نبيِّه ، وارمُقوا أحبابَه بمقلةِ الوِداد والإخاء، وعلى محبّته وطاعتِه فليكن الولاء والبراء.
لن تهتدي أمّة في غير منهجه *** مهما ارتضَت من بديع الرأي والنُّظُم
خاطِبوا بعزم عقلاء العالم وشرفاءَه للتحرّك الجادّ في صدّ هذهِ التطاولات وردِّ هذه التجاوزات والاستفزازات.
أيّها العلماءُ والدعاة، طلاّب العلمِ الكفاة، ذبّوا عن جناب المصطفى الكريم، وانشروا سنّتَه خفّاقةً في العالمين، اعقدوا الدروس والمحاضرات والندوات لتعريفِ العالم بشمائله وفضائِله، وجِّهوا الأمّةَ إلى حقيقة الائتساء به ومحبّته.
أيّها المؤتمنون على وسائل الإعلام، أيّها المفكّرون وحملة الأقلام، اغتنموا هذه النُّهزَةَ السانحة لنشر سيرته العطِرَة بمختلف اللغات والترجمات؛ لتعبرَ العالَم والقارّات، خبِّروهم أنه رسولُ الإسلام والسّلام وأمين وحيِ الملك العلاّم، وأنه ـ بأبي هو وأمّي ـ جاوز في الشرفِ والقدر الجوزاء، وفي العظمةِ والسناء بُلَعًا في السماء، وَشِّعوا في بركاتِ رسالته وهديِه المؤلّفات والنشرات والقنوات والشّبكات، انبرُوا خفافًا وثِقالا لبيان محاسن الدين، أشهِدوا الدنيا والتأريخَ أن سيرة الحبيب دونها الشمسُ إشراقًا، ودونها السِّماك سموًّا وائتلاقا. وعسى الله أن يُقرَّ الأعين ويشفِيَ الصدور بقنواتٍ إسلامية فضائيّة عالمية تبثُّ بلغةِ القوم، تقول للعالم: هذا دينُنا الوضّاء، وهذا نبيّنا ذو الشمائل القعساء، ودون هذه هممُ ذوي اليسار والثراء.
فيا رجال المال والأعمال، أنفِقوا مما آتاكم الله في نصرة سيِّد المرسلين ودَعم الخطَط التي تنسف مكائد المستهزئين بخيرةِ الخِيَر وسيّد البشر عليه الصلاة والسلام.
أيّتها الأخوات المسلمات الفُضليات، انصرن نبيّكنّ وسنّتَه بالتمسّك بالحجاب والحِشمة والعفاف والحَذر من التبرج والسفور والاختلاط المحرّم ومكائد التغريب ودعاوى الإسفاف، نشِّئن الأجيال أحلافَ محبّته وطاعتِه، وروّوهم من معينِ منهجه وسيرتِه ، وبِذلك تتحقَّق نصرة الأمّة بكافة أطيافها وشرائِحِها لنبيِّها وحبيبِها محمّد .
سدّد الله الخطى، وبارك في الجهود، وأعان العاملين المخلصين لنصرة دينهم والذبّ عن سنة نبيّهم ، إنه جواد كريم.
ألا وصلّوا وسلّموا -رحمكم الله- على سيّد الخلق طُرًّا، وأجلِّهم محتِدًا وقدرًا الذي أرسله ربّه للمدلجين بدرًا.
واعلموا -رحمكم الله- أن من أزكى أعمالكم عند مليككم وأرجاها عند بارئكم ذبّكم عن جناب حبيبكم بكثرة صلاتكم وسلامكم على نبيكم محمد ، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].(12/419)
اللهم إنّا نشهدك على حبّك وحبّ نبيّك محمد، ونشهدك أنه أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا ووالدينا وأموالنا وذرارينا، اللهم إنا نبرأ إليك مما فعل الشانئون بجناب نبيك وصفيّك، اللهم إنهم قد آذونا في نبينا وحبيبنا وقدوتنا وأسوتنا عليه لصلاة والسلام، فاللهم إن كان في سابق علمك أنهم لا يهتدون ولا يرعوون فاكفِ المسلمين شرورَهم، وانتقِم لهم منهم يا جبّار يا عزيز.
إلَهَنا، انقطع الأمل إلا منك وخاب الرجاء إلا فيك وضعف الاعتماد إلا عليك، فاللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد وعبادَك المؤمنين، اللهم إنا أحببناك وأحببنا رسولك حبًّا صادقًا، اللهم فاغفر به ذنوبَنا، وأسعد به قلوبنا، وتقبّل هذه الكلمات، وجعلها لوجهك خالصات، وثقِّل بها ميزان الحسنات ذبًّا عن سيّد البريّات، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين...
***************************
الفهرس العام :
تابع الباب الحادي عشر – مقالات وخطب حول ردود فعل المسلمين ... 1
مقاطعة من سب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ... 1
مكانة الرسول عالية وإن حاولوا الإساءة إليها ... 3
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عالية ... 4
من أولى بالسخرية والاستهزاء ؟ ... 5
من فقه المقاطعة ... 8
فقه المقاطعة الاقتصادية ... 14
إعادة النظر في فقه المقاطعة ... 17
مناورات الأشقياء لقتل خاتم الأنبياء ... 19
مولد نبي مولد حضارة ... 79
ميلاد نبي .. مولد أمة ... 80
مَنْ أَوْلى بالسخرية والاستهزاء؟ ... 83
نبي الإسلام هل هناك من يغار عليك؟ ... 86
نبي الإسلام ... 89
نحري دون نحرك يا رسول الله ... ... 90
نحري دون نحرك يا رسول الله ... 95
نحن والآخر من يملك الحقيقة؟ ... 97
نحورنا دون نحرك يا رسول الله ... 100
نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية ... 102
نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (*) ... 141
نفحة عبير من سيرة البشير النذير ... 160
نَصْرُ المُخْتار ودَحْر الفُجَّار! ... 206
نُحِبُّكَ يا رَسولَ الله ... 208
هب اعتذروا فماذا بعدُ ؟ ... 209
هذا محمد صلى الله عليه وسلم ... 212
هذا هو نبينا.. فهل لديهم له مثيل؟ ... 214
هذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم ... 218
حار فكري ... 219
هذا هو نبينا( موقفه صلى الله عليه وسلم مع حبر من اليهود) ... 220
محمد صلى الله عليه وسلم رجل فوق التصور* ... 221
هذا النبي الذي سخروا منه ... 222
صور من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ... 227
حب نبيك كهؤلاء ... 231
كان خُلقه القرآن ... 236
هل الحرية مَعْبَر للعدوان على رسول الله? ... 241
هل حب النبي أمر فطري أم أنه تربية روحية تحتاج إلى جهد من المسلم ؟. ... 243
هل يصح الاحتجاج بالحديث الضعيف ... 249
هو الرحمة المهداة ... 251
وانشق القمر ... 252
وداع الرسول لأمته دروس، وصايا، وعبرٌ، وعظات ... 253
وسائلُ الدِّفاعِ عن رَسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم ... 308
وقاحة أم حرية تعبير ؟؟ ... 312
وقفات مع الحدث الجلل ... 316
وقفات مع المقاطعة ... 320
وقفات مع انتفاضة الأمة ... 323
ولينصرن الله من ينصره" ... 325
وماذا بعد أن تطاولوا على مُنقذ الإنسانية؟ ... 328
وماذا عن شتم الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ... 333
ومن نفسي يا رسول الله ... 336
وهل أدينا حق حب النبي الكريم في قضية الإساءة؟ ... 339
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ... 340
يا أنصار النبي صلى الله عليه وسلم .. (( صفاً واحداً )) ... 343
يوميات الانترنت: دفاع شرس عن الرسوم ... 347
يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ ... 351
أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم ... 354
أزمة الرسوم لماذا ؟؟ وكيف نستثمرها ؟؟ ... 369
أزمة الرسومات والجذع الذي بأعيننا ... 378
أمة المليار.. هل تنتصر لرسولها صلى الله عليه وسلم ؟! ... 384
أنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 399
أو تدري لماذا؟! ... 404
إلاَّ رسولُ اللهِ.. فلا نامتْ أعينُ الجُبناءِ ... 406
إنهم يسبون مذمماً وهو محمد ... 412
ائذن لي يا رسول الله ... 420
استمرار واستثمار الانتصار للنبي المختار صلى الله عليه وسلم ... 427
الأصول الفكرية لعلاقة الغرب مع نبي الإسلام ... 434
بين محمد والمسيح ... 437
الاستهزاء بالنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ودينه من أعظم موارد الإرهاب ... 443
الانتصار لسيد الورى النبي صلى الله عليه وسلم ... 446
الانتصار للنبيِّ المختار صلى الله عليه وسلم ... 455
لا عذر لكم ......... ... ... 458
التشريعات المطلوبة لضمان حقوق الجاليات المسلمة ... 463
الحرب على الإسلام وواجب الأمة ... 476
الخليلي مقاطعة من يسب الرسول أدنى ما يجب فعله ... 482
السماء الشامخة صلى الله عليه وسلم) ... 485
المقاطعة الاقتصادية للدنمارك من الناحية القانونية ... 488
المقدسات والرسول.. ورقة في إدارة الأزمة ... 496
النبي العظيم صلى الله عليه وسلم ... 511(12/420)
بشائر النصر تلوح في الصحيفة الدنمركية ... 512
بيان صورة الإسلام لدى الغرب ... 516
بيان علماء اليمن بشأن التطاول على سيد البشر (42 عالما) ... 522
بيان مكة في الذب عن سيد البشرية صلى الله عليه وسلم ... 525
بيان هام من علماء المدينة المنورة (45 عالما) ... 528
.. بين محطم الأصنام، والباكين عليها.. ... 534
تحرير مفهوم حرية التعبير واحترام الأديان والمقدسات ... 536
تبًّا له ثم تَبّ ... 547
حتى لا تكون أبقاركم أعقل منكم ... 553
حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني يندد بالصور المسيئة للرسول ... 554
( خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ) ... 555
خطورة الرسوم الكرتونية الدنماركية ... 570
د عبد المنعم البري الإساءة للرسول دليل عجز أعداء الإسلام ... 572
رسالة الدفاع عن خير الأنبياء ... 575
رسول الله.. عذرًا ... 576
( صبر الرسول على الأذى ) ... 578
عذرًا رسولَ الله لم يعرفوا قدرَك...!! ... 589
عظماء دافعوا عن الرسول.. صلى الله عليه وسلم ... 590
عمرو خالد ... 594
عناصر القوة الإيجابيَّة في مواقف المسلمين لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 602
عَبْدِ العَزِيْزِ بْن ِ فَيْصَل الرّاجِحِيّ ... 609
كلمة الشيخ أحمد بن عبد العزيز الحمدان ... 618
كيف نواجه تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام؟ ... 625
للحرية قيود وللصبر حدود ! ... 646
( لماذا نحب الرسول؟ ) ... 649
لِمَن يا حبيبُ تحِنّ القلوبُ ؟! ... 658
مؤتمر البحرين في مصلحة من؟!! ... 659
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ... 662
محمد ولد أباه عن الرسوم المسيئة ... 669
مشروع التعريف بخاتم الرسل وبرسالته صلى الله عليه وسلم ... 669
مقام نبي الإسلام بين الدانمارك والجامعة الأميركية ... 675
من يَحْمِلْ معي؟! ... 681
موقع المسلم يحاور اللجنة الأوربية لنصرة خير البرية ... 683
نبي الإسلام هل هناك من يغار عليك ؟ ... 690
هل عاد العرب لسباتهم؟! ... 693
هلع في الدينمارك ... 694
وإن اعتذرت صحف الدنمرك فهذا لا يكفي ! ... 696
يا أمّة المليار ماذا قدّمتِ لنصرةِ المصطفى الحبيب ... 700(12/421)