راجي الشفاعه...... |26/01/2006 م، 15:55 (السعودية)، 12:55 (جرينيتش)
يجب علينا انكار مثل هذه الاشياء التي نشرتها ايدي الغرب ويجب الرد عليها كي لا يتمادوا بها ويجب مقاطعة مايتصدر الينا من هؤلاءويجب علينا كمسلمين نشر امجاد النبي صلى الله عليه وسلم.........
---------------------------
فرصة حقيقية
ابو منال |26/01/2006 م، 16:1 (السعودية)، 13:1 (جرينيتش)
نعم تعتبر هذة المناسبة فرصة حقيقية لكي نري العالم الغربي ان من يتطاول علينا في ديننا يجد أمة غيورة علي دينها وسوف يجني علي نفسة خراب أمرة . والله ولي التوفبق .
---------------------------
" قل موتوا بغيظكم "
إبن الأرض المباركة |26/01/2006 م، 16:37 (السعودية)، 13:37 (جرينيتش)
` يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم ` القافلة تسير و الكلاب تنبح .. لا يضير السحاب نباح الكلاب مغيوظين من تشريفنا بالاسلام و حبيبنا محمد الله مولانا و لا مولى لهم محمد خاتم الأنبياء و سيد البشر أجمعين و ليخسأ الخاسئون .. و التحيات لله و الصلاة على محمد و على أنبياء الله و عباد الله الصالحين و الحمد لله رب العالمين .
---------------------------
هلموا يامسلمون لذود عن نبيكم
شاكر الهتاري |26/01/2006 م، 16:51 (السعودية)، 13:51 (جرينيتش)
هي هذه الحياة وما نراه اليوم هو تكرار لكثير من المواقف التي تعرض لها رسولنا الكريم في حياته..ولكنهم مهما فعلوا فلن يستطيعوا ان يحجبوا نور هذا النبي ورسالته الخالدة الاسلام. والحل الذي نملكه في يدنا هي المقاطعة لمنتجاتهم ارجو فتح الرابط:
---------------------------
دعاء
عادل |26/01/2006 م، 16:55 (السعودية)، 13:55 (جرينيتش)
اللهم ارنا فيهم عجائب قدرتك فإنهم لايعجزونك .اللهم أرسل عليهم الجراد والضفادع والقمل ياذا الجبروت والقوة والعظمة .اللهم فإلعنهم لعناً كثيرا.اللهم ياقوي فإخسف بدورهم وانزل عليهم البلاء من كل صوب وجابب.اللهم من سب نبيك فشل أركانه ويبس الدماء في عروقه يارب العالمين .
---------------------------
بحبك يا رسول الله
عزة أحمد محمد |26/01/2006 م، 16:59 (السعودية)، 13:59 (جرينيتش)
بحبك وبحب كل من حبك وبأكره كل من اساء اليك وفى كل لحظة بأحمد ربنا انى مسلمة و بأدعو كل مسلم ومسلمة أن يغيروا على دينهم وعلى نبينا محمد (ص ) يا أيها المسلمون فى كل بقاع الأرض قاطعوا هذه المنتجات وهذا اضعف الايمان وادعو لدين نبينا محمد بالنصر وأن يزلزل هذه البلدان بأذن الله
---------------------------
والله كلنا لفداء
سامية حكمي ** |27/01/2006 م، 13:6 (السعودية)، 10:6 (جرينيتش)
إن الاستنكار والتنديد والتشجيب لم يعد يؤدي إلى نتيجة ، بل لا بد من تحرك واسع على أعلى المستويات ، ولن ننسى ما فعلوه ولو بعد حين ، إن الغضب الإسلامي اليوم أصبح أكبر مما يعتقدون بل إن قلوبنا أصبحت ملئ من الغيظ على هؤلاء الذين مافتيؤا يهينون كتابنا الكريم حتى يتبع طريقهم هؤلاء الشرذمة من الذين انطوت قلوبهم على الحقد والكراهية لهذا الدين العظيم بإهانة رسول الأمة محمد صلوات الله عليه وسلامه . بأبي أنت يارسول الله أتهان ونحن أمة المليار أو نزيد ، كلا والله .. لن نخذلك أيها الكريم .. ولنأخذ بحقك من أعين هؤلاء حتى وإن قدمنا أرواحنا ودمائنا لأجلك فلن نرتد أو نهون .. جراحنا الممتدة لن تنزف أكثر من ذلك بعد الآن ، فقد آن لنا أن نعود .. آن لنا أن نعود .. فيا شباب الأمة .. ويا نساء هذه الأمة المباركة .. لقد بدأت ساعة الصفر .. فهل ستتخاذلون عن نصرة هذا الدين !! أما يكفي ما فعلوه بأبنائنا .. والله لقد قهرونا حتى في ديننا فوالله لن نعود إلى المهادنة ، وإلى الذل والرضوخ بعد أبدا .. إنني أناصر هذه الحملة للدفاع عن رسول الأمة .. فلا نامة أعين الجبناء ..
---------------------------
افيقوا ايها المسلمون
مهدى على مهدى |27/01/2006 م، 13:28 (السعودية)، 10:28 (جرينيتش)
تنتهك اراضيكم ولا تحركون ساكنا وتنتهك اعراضكم ولا تحركون ساكنا والأن تنتهك حرمه الإسلام ويتهجم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا تحركون ساكنا الى متى الضعف والهوان الى متى الذل امام اعداء الله كفا بنا كلمة نفسى نفسى واتحدوا لعل الله يجعل لكم مخرجا من هذه المهانه اسال الله العلى العظيم ان يمنحنا القوة على ان نتحد اولا لان باتحادنا مخافة لاعداء الله والله ما جعل من هؤلاء الشرزمة رجال الا زلنا قاطعوا وهاجموا واستنكروا نصرة لرسول الله
---------------------------
اعدا الدين كثر
ابو عبد الله الفيفي |27/01/2006 م، 13:38 (السعودية)، 10:38 (جرينيتش)(10/126)
ما علينا الا انقول حسبنا الله ونعم الوكيل @واقول من اراد الا سلام والمسلمين بمضره نقول اشغله الله في نفسه@ ومما توصلت اليه هذه النخبه الفاجره الكافره با الدين و با الله وبرسوله صلى الله عليه وسلم نقول واضهار عليه ما ليسى فيه وحاشاه انما يرجع قولهم على انفسهم واسئل الله بأن يا خذ حق رسوله المعصوم من العيوب والكلام البذيئ ويخذ حق خلقه كامله من انفسهم واموالهم واولا دهم وبا لله التوفيق @@@@@@
---------------------------
ماذا كانو يريدون من سب الرسول
عيسى بن علي المغربي |27/01/2006 م، 14:5 (السعودية)، 11:5 (جرينيتش)
ربما كانت لهم اهداف دنيويه او اهداف سياسيه من هذه الفعله الشنعاء؟ ربما كانو يرون انهم اذا سبو الرسول انهم سوف تعلو اسهمهم عند جميع الديانات؟ الا تذكرون المرءه التي صلت بالناس في امريكا الم تكن هناك ضجه في كل الاوساط ربما كانو يريدون ضجه من هذا القبيل هم انا س لايعرفون عن الاسلام شيئا سوا اننا ارهابيون؟ لماذا لاندعوهم الا الاسلام بالحكمه والموعضه الحسنه ؟ في زمن الرسول صلوات الله عليه وسلامه كان يعرض للاذى من المشركين وكان يصبر عليهم لماذا لانواجه هذه المحنه بالصبر والدعوه الا الله لكي نهزم كل من حاول ان يستهزء بنا او بديننا او برسولنا عليه افضل الصلاه والتسليم ]]] ربنا لا تؤاخذا ان نسينا او اخطئنا واعفو عنا وارحمنا انت مولانا فنصرنا على القوم الكافرين[[[[[[[ اخوكم عيسى المغربي
---------------------------
ضعف هيبة المسلمين
The Phantom of Islam |27/01/2006 م، 14:6 (السعودية)، 11:6 (جرينيتش)
الصحافة الأمريكية تخشى التطرق للأمريكان السود افريقيوا الأصل بأي استهزاء أو سخرية عبر الصحف أو غيرها من وسائل الإعلام وذلك لأن ردة فعلهم قوية تجاه الحكومة والصحافة لذا يحسب لهم ألف حساب ونحن المسلمين ليس لنا أي قيمة أو ردة فعل تجاه الإستهزاء إلى رمز من رموز الإسلام وخاتم الأنبياء والمرسلين وأكمل البشر محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم لذا يجب على كل مسلم غيور حسب القدرة المتاحة لنا وهي أن نحاربهم اقتصادياً وذلك بمقاطعة منتجاتهم حيث أن نصف صادرات الدنمارك متجهه نحو السعودية فعليكم بهم يا مسلمين وأي منتج العلامة المسجلة عليه تنتهي بالرقم 57 فهذا منتج دنماركي لذا أعزفوا عنه وجزاكم الله خيراً أخوكم أبو سليمان
---------------------------
الله يمهل ولكنه سبحانه لا يهمل
محمد |27/01/2006 م، 14:26 (السعودية)، 11:26 (جرينيتش)
أسال الله العزيز القدير العالم بما يفعله هولاء الكفره أن ينزل بهم سخطة ويجعلهم عبرة لمن غيلرهم انه سميع قدير....آمين
---------------------------
ان شانئك هو الأبتر
ابو جازي |27/01/2006 م، 14:31 (السعودية)، 11:31 (جرينيتش)
بسم الله . زالصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آلة وصحبه تسليماً كثيرا ..... أن الدين ظاهر والباطل زائل . ونصرة الله لنبية ودينة حاصل بنا أو بغيرنا اللهم بنا .... لا امثلهم الا ( ككناسيين بشارع يريدون أن يثيرو الغبار لحجب نور الشمس الساطع بهذا الغبار ) , ولا يضرون الا أنفسهم. يجب علينا نصرة نبينا بكل ما أوتينا من قوة بالكلمة . بتطبيق سنتة , بنشر سيرتة وتوعية ابناءنا بحب النبي , بالمقاطعة فهم لا يؤمنون الا بالمادة. بأبي انت وأمي ياااااااااااااا رسول الله .
---------------------------
قاطعو المنتجات الدنماركيه
محمد الشهري |27/01/2006 م، 14:39 (السعودية)، 11:39 (جرينيتش)
اخواني المسلمين في كل مكان ارجوكم ان تقاطعو المنتجات الدنماركيه من زبده لورباك وارجو من التجار بعدم بيع المنتجات النماركيه عليم لعنه الله وانا لله وانا اليه لراجعون
---------------------------
لماذا غضبنا على من استهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟
عبدالله آل هادي |27/01/2006 م، 14:47 (السعودية)، 11:47 (جرينيتش)(10/127)
لماذا غضبنا على من استهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ولم نغضب على من استهزاء بدينه ؟ لقد استهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم منذ بعثته ولن يضره ذلك شيء لقوله تعالى (( إن شانئك هو الأبتر )) ولكن هنك اناس من بني جلدتنا ويتحدثون بلغتنا ويزعمون أنهم ينتمون لهذا الدين ويستهزؤون بديننا عبر القنوات والصحف ولا نجد من يحرك ساكنا بل يصفق لهم ويضحك لهم ، ومنها البرنامج الفكاهي الساخر بسنه الرسول صلى الله عليه وسلم ودينه ، ويعرض هذا البرنامج في أفضل الشهور ( في شهر رمضان المبارك ) يومياً عبر القنوات ولقد صدر فيه عدة فتاوى من العلما ء بحرمته وحرمة متابعته وعلقت الفتاوى على أبواب المساجد ويقرأونها من يرعمون أنهم يحبون محمد وينصرفون لمشاهدتة هذا البرنامج الساخر ( طاش ما طاش ) والضحك على ما يقدم فيه من أستهزاء بأمور ديننا . وبعد هذا نغضب على من سب الرسول ونكيل بمكيالين . وماذا نرتجي من الكفار ؟ أن يحبوا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم !!!! فيجب علينا أن يكون لدينا تقوى ذاتية داخلية ولا يكون تفاعلنا مع الأحداث تبعا للقنوات والإعلام إذا تحدث تفاعلنا وإذا صمت ركنا . وفي الختام أقول : أن أقل ما يجب علينا مقاطعة كل من إستهزاء بديننا ورسولناصلى الله عليه وسلم للأبد وليس مع توجه الإعلام ، ونصرة نبينا صلى الله عليه وسلم بالتمسك بدينه وسنته .
---------------------------
بدون تعليق
الزارع |27/01/2006 م، 14:54 (السعودية)، 11:54 (جرينيتش)
العرب للأسف في طي النسيان!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
---------------------------
الله المستعان
حسن |24/12/2005 م، 1:28 (السعودية)، 22:28 (جرينيتش)
لا يسعنا سوى القول :اللهم ان هذا منكر وأنا لا أرضى به والله المنتقم الجبار
---------------------------
لا يجب أن تكون الأساءة ........... بتلك الأمور للأسلام .......((عيب ))
سودانى من أصل مصرى |24/12/2005 م، 1:50 (السعودية)، 22:50 (جرينيتش)
نحن كمسيحيين نرفض رفضا باتا الأساء’ للمسلمين بأى صورة من الصور .... والمساس بألاديان ... مرفوض(( شكلا وموضوعا ))... لماذا تحدث مثل تلك الأمور غير المنضبطة ... وغير المسئولة ...... المسيحية ترفض الأذدراء بالأديان والمعتقدات ... والمسلمين أصدقاء وأحباء لا نرضى أى تجريح لهم ..... ويجب مساءلة أولئك .. على تلك الفوضى ... وأيقافها ..... بكل الطرق الممكنة .... شكرا للعربية لهذا الطرح ... وشكرا للقراء الأعزاء . ....... .
---------------------------
وقاحة و جبن
housni_001@hotmail.com |24/12/2005 م، 2:26 (السعودية)، 23:26 (جرينيتش)
مادا ننتظر أكثر من هدا . مسابقة للكاريكاتور لرسم الرسوا عليه السلام.ولا من متحرك بينما عندما يتعرض مفكر أو ما شابه دلك للانتقاد الكل ينتفض دفاعا عنه. الرسول عليه السلام في غنى عنا لقد بلغ رسالته ولقي ربه وسيلقى ماوعد به. بعد أن عدب و عانى العداب ةالجوع والنفي من أجلنا لكن الخوف أن يرى عليه السلام فينا الخدلان. ربما كنا سنحاسب لكن عزائي أنه ليست لي سلطة ولا صوت مؤثر للدفاع عنه لكن من سيحاسب بشدة هم كل من توفرت لهم الفرصة ولم يتحركوا ولا عزاء للمتخادلين والمنتفعين والحكااااام
---------------------------
نداء لولاة أمورنا....
ابو أمين |24/12/2005 م، 2:36 (السعودية)، 23:36 (جرينيتش)
كرامة و سمعة نبينا تهان في صحف الكفار ونحن قابعون ساكتون...! فاتحدوا ولو مرة واحدة وأقطعوا العلاقات الدبلوماسية مع هذا البلد ...! ليكونوا عبرة للآخرين ...ولله لسوف تسألون امام الله و نبيه ماّذا فعلتم ضد هؤلاء الكفرة...
---------------------------
الحبيب (صلى الله عليه وسلم)و الذندقة
حسن فكرى مصر |24/12/2005 م، 2:38 (السعودية)، 23:38 (جرينيتش)
دعوا جميع المسلمين في جميع أقطار العالم الى مقاطعة البضائع و المنتجات الدنماركية وهي انشاء الله وسيلة جيدة للدفاع عن المقدسات الاسلامية و زلك نظرا لتطاول الدنمارك على الرسول عليه لفضل الصلاة و السلام
---------------------------
صدقت يا رسول الله
هانى على |24/12/2005 م، 2:58 (السعودية)، 23:58 (جرينيتش)
(بسم لله الرحمن الرحيم) (لن ترضى عنك اليهود والنصرى حتى تتبع ملتهم ) لن ترضى عنا الملل الاخرة حتى نتبع الضلال معهم فى كل شىء الله عز وجل يقول للرسول(صلى الله عليه وسلم) لن يرضوى عنك لانك انت الحق من ربك فى كل امور الدنية والاخرة . صدق المصدق حيث قال الرسول (صلى الله علية وسلم )(ستتكالب عليكم الامم مثلما تتكالب الاكله على قصعته قالو او من قلة نحن يا رسول الله قال بلى ولكن انتم كثيركغوساء السيل ) نعم نحنو كثير بلا فائدة ولكن يعلم الله بمن سيأتى ويجمع شمل الامه الاسلامية من جديد وانة لاتى أن شاء الله .
---------------------------
ان الاوان
محمود احمد |24/12/2005 م، 3:24 (السعودية)، 0:24 (جرينيتش)(10/128)
ان الاوان ان نقف وقفه رجل واحد ضد اى معتدى على الاسلام والمسلمون ونتكاتف يدا واحده..وان ينصركم الله فلا غالب لكم.
---------------------------
حسبي الله وكفى
ابن هزاااااااااااااااان |25/12/2005 م، 18:13 (السعودية)، 15:13 (جرينيتش)
بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على افضل خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا ان الامر لجلل ها نحن يااخواني المسلمين اتحدنا بقلوبنا وبغيرتنا على ديننا وعلى مقدساتنا فمتى والله نتحد كدولة واحدة كمجتمع واحد نرد الصاع 100صاع ان هواننا على الناس لاننا اصبحنا بدون فائدة لماذا لان اكثر من مليار ونصف مسلم الا من رحم ربي لايستطيعون ان يردووووووووووو الاساءة عن افضل خلق الله اللهم صلي وسلم عليه اتمنى لو وافقنا الاخت رباب وقاطعنا جميع المنتجات المستوردة من دول الشر وليس هذا وحسب بل ان نضايقهم ونغلظ عليهم في جميع معاملاتهم ومصالحهم وفي النهايه اقول بابي انت وبامي ونفسي واولادي وكل من عرفت ومن لااعرف يارسول الله الله هم صلي على سيدنا محمد عدد ماذكرة الذاكرون وغفل عنه الغفلون واخر دعوانا ان الحمد لله
---------------------------
يمهل ولا يهمل
صفاء عيد |05/01/2006 م، 17:40 (السعودية)، 14:40 (جرينيتش)
مهما عملوا و مهما قالوا الاسلام هيزيد و التدين هيزيد و انابقولهم يومكم قرب جدا و ربنا يشمتنا فيكم بمرض لعين ينزل يهلكم امممييييييييييييييييييييييين
---------------------------
ديننا اكبر من تفاهاتكم
ل . م . ز |09/01/2006 م، 0:25 (السعودية)، 21:25 (جرينيتش)
إذا نطق السفيه فلا تجبه *** فخير من اجابته السكوت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لايحتاج إلى تعريف برسالته ولا بخُلُقِه فقد قال الله تعالى (( وإنك لعلى خلق عظيم)) ... المهم في الموضوع أنه لمن السخف وقلة الأدب أن يتكلم أي شخص من أي دين بسوء عن أي رسول من رسل رب العالمين ونحن كمسلمون مأمورون في ديننا بأن نحترم كل الرسل وكل الرسالات ................وكفى واللبيب بالإشارة يفهمُ...
---------------------------
الله اكبر عليهم
ياحبيبي يارسول الله صلي الله عليه وسلم |13/01/2006 م، 9:28 (السعودية)، 6:28 (جرينيتش)
حسبي الله عليهم الله .....الله قادر على ان يخسف فيهم انشالله ان الله يمهل ولا يهمل
---------------------------
الله يرد عن رسوله
محمود |16/01/2006 م، 0:8 (السعودية)، 21:8 (جرينيتش)
عندما حاول ابرهه هدم الكعبة وأعد الجيش الكبير لذلك وهو في الطريق الى مكة قابل قطيع غنم لعبد المطلب جد النبى صلى الله عليه وسلم فأخذوا غنم عبد المطلب ، وعندما علم بذلك اسرع لأبرهه ليسأله عن غنمة فتعجب ابرهه وقال له حسبتك تدافع عن البيت الحرام ولكنك جئت من اجل قطيع غنم . فقال مقولته المشهورة : اما الغنم فأنا ربها واما البيت فلله بيت يحميه . فإذا كان الله قد حمى بيته الحرام فكيف برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذى قال في حقه ( ورفعنا لك ذكرك ) اللهم استخدمنا لنصرة دينك ولا تستبدلنا
---------------------------
سحقا سحقا
أبو أسامة |20/01/2006 م، 15:6 (السعودية)، 12:6 (جرينيتش)
( وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون ) الله أكبر كيف يجرء الكافر على الاستهزاء بالله ورسوله . (( قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ))
---------------------------
ان غدا لناظره قريب
عبدالعزيز |20/01/2006 م، 15:17 (السعودية)، 12:17 (جرينيتش)
انتظروا سماع الآذان فىكوبنهاجن
---------------------------
لن ترضى عنك اليهود أو النصارى
محمد ابراهيم |20/01/2006 م، 18:39 (السعودية)، 15:39 (جرينيتش)
كثر فى هذه الايام التطاول على الاسلام والمسلمين نظرا لاحتكار الغرب لنا و استهوانه بنا لما نحن فيه من ضعف وهوان بسبب انكبابنا على الدنيا كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وليس من قلة ولكن لما نحن فيه من حب الدنيا والشهوات والله يرحمنا برحمته ليس لنا سواها ويجب على كل مسلم مقاطعة الكفرة من جميع الاجناس بقدر المستطاع فى المنتجات وعلى اغنياء المسلمين مقاطعتهم فى الاستيراد والله ان شاء الله سوف يرينا فيهم عجائب قدرته ولكن لابد من ان يبدأ كل فرد بنفسه فى الاصلاح أولا وحسبنا الله ونعم الوكيل يا حبيبى يا رسول الله يا محمد يا رسول الله أنت اسمى من فى الوجود وسيد الاسياد من خلق آدم بأبى أنت و امى يا محمديا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) .
---------------------------
نرجو تبيين منتجاتهم لكي نقاطعها
ابو عمر |21/01/2006 م، 16:3 (السعودية)، 13:3 (جرينيتش)
بسم اللله الرحمن الرحيم نرجوا ممن لديه اسماء بعض منتجاتهم ان يوضحها للاخوة ويا حبذا بعض الصور ان وجدت وجزاكم الله خير
---------------------------
بأبى انت وامى ياخير من وطىء الثرى
الساجدة لله |22/01/2006 م، 11:57 (السعودية)، 8:57 (جرينيتش)(10/129)
حسبنا الله ونعم الوكيل /لنا الله مادام انقطع لسان المسلمون فى الدفاع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم بابى هو وامى اللهم اجعلنا خداماً له فى الجنة من غير سابقة عذاب اوعتاب
---------------------------
المنتجات الدنماركية - قاطعها وانشر
أرض الجنوب |23/01/2006 م، 3:26 (السعودية)، 0:26 (جرينيتش)
1-الألبان الكويتية الدانماركية (كي دي دي ) 2-بانج آند أولفسون، الشركة الدانماركية الرائدة في مجال تصنيع الأجهزة الصوتية وأجهزة الفيديو. 3-نو?و نورديسك الشركة الرائدة في العالم في رعاية مرض السكر 4-شركة [تي دي سي الدانماركية] للجوالات متعاونة مع دولة عمان وقطر 5-شركة ألبان `جين بلاس` الدانماركية [ معلومة هذه الشركة تم حضرها من المملكة عام 2002 لأنها تحتوي البانها على زيت تشحيم ورقائق صلب ] . 6-زبدة لورباك 7-أجبان البقرات الثلاث 8- شركة بوك .. دانماركية 9-شركة سدافكو ( حليب السعودية - وغيره من منتجات سدافكو ) 10-قشطة وادي فاطمة 11-حليب دانو بودرة 12-لحم لانشون دجاج ((روبيرت)) . • معلومة هامة : إذا أردت معرفة البضائع الدنماركية لمقاطعتها .. فأنظر في الشريط التعريفي للسلعة .. حيث تبدأ المنتجات الدنماركية .. بالرقمين من اليسار ((( 57))) ولا تنسى المنتجات النرويجية كذلك فقد اساؤوا لنبي محمدصلى الله عليه وسلم وإليك هذه الروابط للإطلاع على مزيد من المواضيع المهمة http://www.saaid.net/Doat/shaya/15.htm http://www.saaid.net/Doat/shaya/15.htm<SPAN< a> dir=rtl> وهذا فاكس السفارة الدنماركية بالمملكة العربية السعودية -014881366 وهذا بريد المجلة magazinet@magazinet.no وبريد أحد رسامي الكاركتير vebjorn@magazinet.no تذكر أن البديل متوفر بكثرة في السوق وبجودة أفضل وقبل هذا وذاك تذكر فضل نصرة نبيك إن كان عندك انتماء حقيقي لدينه وحب حقيقي له ... ولكم جزيل الشكر .. وادعو لأخيكم بمرافقة نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة...
---------------------------
لا حول ولا قوة الا بالله
أحمد |23/01/2006 م، 3:46 (السعودية)، 0:46 (جرينيتش)
بأبي أنت و أمي يا سيدي و سيد الخلق يا رسول الله لااله الا الله محمد رسول الله
---------------------------
Ignorance and Stupidy in Denmark!
Hamid and Theresa |23/01/2006 م، 4:15 (السعودية)، 1:15 (جرينيتش)
Assalamu alaikum; I am sending this email to you with the hopes that my thoughts will go out to the world.What was painted and said in Denmark about our prophet(PBUH) is something that should never have been said.This shows me the stupidy of some in the world and do not understand Islam,Muslims and our prophet.This person needs to open their eyes before painting and open their minds before speaking.Obviously Denmark has nothing better to do but amuse themselves with Islam and our religion is not something to amuse the world with,our religion is about truth,honesty and a perfect way of life and we should never need to sit idle and deal with such ignorance.It`s time for other members of the Muslim community in the world to voice their opinions,acknowledge what Denmark has said and done and let Denmark know that this is uncalled for and their ignorance cannot be justified,not in our eyes.
---------------------------
بأبي أنت وأمي يارسول الله صلى الله عليه وسلم
عيد السبيعي |23/01/2006 م، 5:54 (السعودية)، 2:54 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم..........والصلاة والسلام على حبيبنا وسيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.........ان افضل من خلق الله سبحانه وتعالى هو محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد الخلق وأطهرهم وأشرفهم بأبي هو وأمي ............ فالواجب على كل مسلم ان يرد على تللك الامور اما بكلمه اوشعر او اي نوع من المشاركه ........ فمقام الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم و أشرف من أبائنا وأمهاتنا والناس أجمعين كافه السابقون والالحقون.....
---------------------------
هذا شفيعكم
ام ياسر |23/01/2006 م، 7:48 (السعودية)، 4:48 (جرينيتش)
لا تسكتوا وقوموا قومة رجل واحد ودافعوا عن رسولكم بكل الطرق وعليكم بمقاطعة كل ماهو دنماركي وقولوا نحرنا دون نحرك يارسول الله
---------------------------
المقاطعة التجارية
محمد الفيل سودانى |23/01/2006 م، 9:54 (السعودية)، 6:54 (جرينيتش)(10/130)
حسبنا الله و نعم الوكيل ، أدعوا كل أحبة النبى صلى الله عليه و سلم و أحبة أصحاب النبى عليهم رضوان الله ، أدعوهم جميعا لمقاطعة البضائع الدنماركية جملة و تفصيلا، عبدة الدرهم و الدينار هؤلاء لا يردعهم إلا نقص أموالهم و دخولهم ، فتعالوا نقاطع بضائعهم و منتجاتهم، تعالوا نقول لهم إن أحباء النبى صلى الله عليه و سلم يقاطعون من يسىء إلى حبيبهم، تعالوا نفعلها فنحن قادرون على ذلك. سوق المسلمين من أكبر الأسواق العالمية فلماذا لا يستخدم المسلمون سوقهم فى الدفاع عن حبيبهم و عن معتقداتهم ؟ ` يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، و الله متم نوره و لو كره الكافرون`. صدق الله العظيم
---------------------------
إلى متى الصمت ؟
المبتدي |23/01/2006 م، 22:28 (السعودية)، 19:28 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. إن كانت هناك ملامة فنحن المسلمون الملومين أولاً وآخيراً وليس من يرسم أو من يكتب أو من من يصور أو حتى من من يصفع أويقتل ........الخ . فنحن آخر نسل للمسلمين ونختلف عن المسلمين بأنهم لايخافون إلامن الله سبحانه ونحن نخاف من كل شي وفي المقدمه أصحاب القرار الاول والاخير والعذر هكذا تكون السياسة .... وكأننا وجدنا في هذه الدنيا من أجل السياسة وأرضاء أعداء الله . أتحدى أي مسلم أن يقول انا راضي بأساءة المسلمين في أي مكان من قبل أعداء الله ..... فقليلاً علينا كلمة جبناء
---------------------------
هذه محنة كبرى والعاقبة لرسول الله وأتباعه
ابوبكر |23/01/2006 م، 22:38 (السعودية)، 19:38 (جرينيتش)
هي لهم في الدنيا ووالله ليتمن الله هذا الدين الذي جاء به رسول الله بعز عزيز أو بذل ذليل ولكن نبرأ إلى الله من هذه الإساءة لشخص رسول الله الطاهر الشريف الكريم, ونحتسب عند الله تعالى هذه النصرة وأسأل الله أن لايبقي من الكافرين أحد,(لعائن الله تترى على هذه الدولة الدنماركية الكافرة).
---------------------------
خير امة اخرجت بين الأمم..
ابوسيف السهلي - السعوديه |23/01/2006 م، 22:42 (السعودية)، 19:42 (جرينيتش)
بسم الله , والصلاة والسلام على رسول الله محمداًَ عليه افضل الصلاة واتم التسليم.. اما بعد / احبتي ف الله لن اطيل بتعليقي ولكن كل مافي الأمر اننا وبلا شك لن نرضى / ولن ننسى .. هذه الحادثه المريره والتي الله اسأل بأن يشل اعضاء كل من تطاول على حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. اخواني الكرام .. انا مع كل من اقترح المقاطعه وهذا واجب علينا .. اما من قال ان نتطاول على رجال ديانتهم ف هذا امر لن يصب في مصلحة الامه والسبب اننا سنتعرض ل الإساءه من الجميع وحتى من لم يسيء لمصطفانا سيقف بصفهم .. وحتى انه عليه الصلاة والسلام نهى عن سب المشرك وسب دينه ومقدساته .. ارجو البحث في هذا الأمر بحكمه .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد
---------------------------
عبيد الدراهم
ابو محمد من ارض الوطن |23/01/2006 م، 23:28 (السعودية)، 20:28 (جرينيتش)
لعنهم الله واذلهم امام الاسلام والمسلمين ولكن علينا بالمقاطعة لانهم عبدة الدينار والدرهم........اكرم الله المسلمين وكلما زادت المقاطعة سوف ينقص اقتصادهم بأذن الله لانهم يبحثون عن الربح المادي
---------------------------
عليهم اللعنه
عبدالله المهاجر إليه |23/01/2006 م، 23:41 (السعودية)، 20:41 (جرينيتش)
إن كثرة الكلام لضعاف والمساكين عكسنا تماما فنحن أقوياء بالله تعالى المسأله جديه ويتطلب موقف جدي مابأيدينا الآن هو مقاطعة منتجاتهم وهذا أمر لابد منه . ثانيا / دعم أخواننا المسلمين في الدنمارك ثالثا / مناشدة أهل العلم والمؤسسات الدينية ورابطة العالم الاسلامي هلموا بنا ياأمة محمد صلى الله عليه وسلم جعلها الله في موازين حسناتكم
---------------------------
حسبي الله ونعم الوكيل
محمد عبدالله |23/01/2006 م، 23:51 (السعودية)، 20:51 (جرينيتش)
ليست المرة الأول التي يتهج بها الكفار على محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الله فوقهم وحسبس الله ونعم الوكيل . يا أخوان عليكم بدعاء في اخر الليل .
---------------------------
كلنا فداء للدين والرسول (فداءك ابي وامي ياحبيبي يارسول الله)
محمد ابولبن |23/01/2006 م، 23:58 (السعودية)، 20:58 (جرينيتش)(10/131)
كلنا فداء للدين والرسول (فداءك ابي وامي ياحبيبي يارسول اللة) تحملت عنا الكثير ياحبيبي يارسول الله ونحن الان نلتجئ وندعوا الى العلي القدير ان يرسل عليهم جنودا من عنده كالطير الابابيل وان يسخط بهم الارض كقوم لوط وليس ذلك على الله ببعيد. اخواني اخواتي ارجوا من كل من يقراء هذا ان يطلب من كل مسم ومن نفسه يالتوجه بقلبه الى الله بالدعاء الصادق لنصرة الاسلام والمسلمين والانتقام من الكفرة والاكثار من الاستغفار - قال الله تعالى `ادعوني استجب لكم` الرجاء على كل مسلم التوجه الصادق الى الله بالدعاء الصادق والاستغفار وخصوصا في الثلث الاخير من الليل. اخواني اخواتي اقل ما نقوم به اليوم الدعاء الصادق من قلب مجروح (الاسلام عزيز ولاعز لنا الا بالاسلام).
---------------------------
الصحوة الصحوة
فضيلة ضاهر |24/01/2006 م، 0:4 (السعودية)، 21:4 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم ( إن كفيناك المستهزئين ) صدق الله العظيم... نداء إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم : الصحوة الصحوة قبل أن يأتي يوم لانصر من الله فيه ... إنه نبيكم محمد الذي يطلع على أعمالكم في كل ليلة جمعة ، فما أنتم فاعلون ؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ واجب عليكم الإضراب العام في كافة البلاد الإسلامية للضغط على السفارات الدانماركية والنيروجية لتنكب منكسرة أمام عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم إعتذارها لمليار وثلاثمائة مليون مسلم في العالم ... ونهيب بالعلماء الكرام وأصحاب كلمة الحق بفعل كل ما يستطيوا لنصرة الرسول الكريم محمد ودين محمد وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .... ( وقل اعملوا وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) صدق الله العظيم
---------------------------
بشرى لمن تطاول على النبي المصطفى
حمدان الغامدي |24/01/2006 م، 0:4 (السعودية)، 21:4 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم اذا ما بلغ الظلم حده فسيتلوه نهارا تقع معه كل الاصنام واقول لكل من تطاول على حبيبي وسيدي رسول الله فداه الاهل والمال والولد لقد بلغ بكم المكر والكيد والجراءة ان تتطاولوا على سيد ولد بني ادم فاني مبشركم باذن الله تعالى بعذاب قريب وان شاء الله ستكونون عبرة تتحدث عنها الجرائد والقنوات ليس لثلاثة اشهر بل الى يوم الدين اللهم رب العرش العظيم رب جبريل والملائكة والجان والناس والخلق اجمعين اسألك باعظم اسم هو لك سميت به نفسك واحتفظت به في علم الغيب عندك ان ترينا فيهم ما يشفي صدورنا ويكونوا عبرة لكل كافر ملحد يظهر او يبطن لحبيبنا محمد رسول الله ذرة حقد او غل يارب العالمين
---------------------------
حسبي الله عليهم
مسلمه غيوره ومحبه لرسولها ولدينها |24/01/2006 م، 0:46 (السعودية)، 21:46 (جرينيتش)
اولا ماراح نقول غير حسبي الله ونعم الوكيل والله يأخذهم اخذ عزيز مقتدر واوصي كل مسلم غيور على دينه ورسوله بأنه يقاطع اي منتج لهذه الدولهالدنمارك وان شاء الله ان الدين والاسلام هو اللي راح ينتصر وفي نهاية كلامي مااقول غير النصر لنا وللمسلمين ياأعداء العررررب
---------------------------
حسبنا الله
ام احمد |24/01/2006 م، 18:0 (السعودية)، 15:0 (جرينيتش)
اعلموا انكم لن تنالوا من مكانة نبينا في نفوسنا شيئا وانما تؤذون انفسكم وسوف تعلمون. ( رجاء ايصالها للمعنيين في الدنمارك جزيتم خيرا
---------------------------
حسبي الله عليهم
عبدالغني لحمدي |24/01/2006 م، 18:19 (السعودية)، 15:19 (جرينيتش)
علينا نحن المسلمين نصرة رسول الله هيا يامسلمون
---------------------------
الدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم
worldsun2006@hotmail.com |24/01/2006 م، 18:22 (السعودية)، 15:22 (جرينيتش)
نحب رسولنا ونحب كل من يحبه ونقاطع كل من يتطاول على سيد البشر رسول الإنسانية الذي بعثه الله رحمة للعالمين فكان حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم والواجب يحتم علين جميعا مقاطعة المنتجات الدنماركية والله يوفق الجميع إلى مافيه خير الدين والدنيا ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
---------------------------
قاطعوهم تنصروا الإسلام
نوال السعودية |24/01/2006 م، 19:8 (السعودية)، 16:8 (جرينيتش)
المقاطعة المقاطعة ثم المقاطعة هي القشة التي ستقصم ظهر البعير . شفيعنا فداك روح ومال كل من قال لا إله إلا الله .
---------------------------
الرسول قدوتنا وحبه واجب على كل مسلم
ماجد الحسني |24/01/2006 م، 19:28 (السعودية)، 16:28 (جرينيتش)(10/132)
انا استغرب موقف حكام المسلمين الذين ماسمعنا احدهم ينطق ببنت شفة اوحتى يعلق على هذا الموضوع الذي يمس فيه نبيهم صلى الله عليه وسلم ، نحن لانريدمنهم المستحيل اقل شيءعلى الحكومات العربية والاسلامية فعله هو ان يخصصوا حلقة في اجهزة الاعلام عندهم للتوعية بخطر هذا الفعل ويظهروا عظمة النبي صلى الله عليه وسلم ويتركوا العمل والحركة لهذه الشعوب وليجلسوا هم في بيوتهم كالنساءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء والله حسبنا ونعم الوكيل.
---------------------------
حسبنا الله ونعم الوكيل
احمد عبد المنعم محمد اسماعيل مصر |24/01/2006 م، 19:41 (السعودية)، 16:41 (جرينيتش)
مقاطعه كل المنتجات الدنماركيه لان اقتصادهم قائم علينا فى الدرجة الاولى
---------------------------
دعاء
الفارس 1399 |24/01/2006 م، 19:52 (السعودية)، 16:52 (جرينيتش)
حسبنا الله ونعم الوكيل
---------------------------
الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم
ابو الحارث |24/01/2006 م، 20:19 (السعودية)، 17:19 (جرينيتش)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر سلام على من أتبع الهدى أم بعد الى متى يامسلمون ونحن في هذا الذل والهوان والله ان بطن الارض خير لنا من ضهرها اذا اعتدي على ديننا وعلى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فداه أرواحنا هو بأمي وأبي ونقول لكلاب الدنمارك والنروج وكل من سب ديننا الجواب فيما ترونه مالا تسمعونه
---------------------------
سياتى يوما ستعلمون من هم فى ضللاً مبين
حسن سليمان القطان |24/01/2006 م، 20:57 (السعودية)، 17:57 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم وبعد نحترم شعب الدنمارك لأنه شعب معطاء ومنتج ونحب الكثير من منتجاته التي تميزت بالجودة والتي يتوق إلي شرائها الكثير من الشعب السعودي والعربي 0 وفجأة نسمع أن احد الصحف الدنماركية تعرضت بالإساءة إلى أعظم من خطى على الأرض إلى رسولنا وقائدنا وحبيبنا محمد صلى الله علية وسلم 0 ولتدرك الدنمارك أهمية وعظم مكانة هذا الإنسان بين المسلمين لما له من فضل علينا فى هدايتنا إلى طريق الخير والسلام والذي نكن له كل الحب والتقدير لدرجة تفوق محبتنا لابناءنا وآباءنا كيف لا وهو خاتم الأنبياء سيد الرسل شفيع الأمة محمد صلى الله علية وسلم وهو من أرسى بداخلنا أهمية الحذر من انتهاك حرمات الغير واهم من ذلك احترام ديانات الآخرين وأرسى أهم قاعدة فى التعامل مابين الأمم وهى (لكم دينكم ولي دين) ومن هذا المنطلق ننوه باستنكارنا وغضبنا من مساس ذلك الإرث الإسلامي القيم والاستهانة بشخصه الكريم صلى الله علية وسلم فى إحدى الصحف وبشكل يسيء لكل مسلم بل لكل من يحمل دينه بعزة وكرامة لايرضى بالإساءة إليه 0 لذلك وددنا أن ننوه بأهمية تقدم الدنمارك بالاعتذار لكل مسلم على وجه الكرة الأرضية وإلا سيتم مقاطعة تلك المنتجات الدنماركية والتي نعلم إن الكثير من الدول العربية والمسلمة يقع عليها ترويج تلك المنتجات واستفادة الدنمارك اقتصاديا منها0 وفى النهاية لايسعنا إلا أن نقول انه سيأتي يوم ستعلمون من هم فى ضللاً مبين0 المرسل/ المسلم حسن سيلمان القطان المدينة المنورة بجوار قبر النبي صلى الله علية وسلم المملكة العربية السعودية
---------------------------
دعاء واستنكار
اميره |24/01/2006 م، 20:59 (السعودية)، 17:59 (جرينيتش)
اللهم ياقوي ياعزيز ارنا فيهم عجائب قدرتك وانصر رسولك على اعدائه واعدائنا اعداء المسلمين كافة ولا يسعنا نحن الى بمقاطعة منتجاتهم وهذا ادنى مانستطيع فعله مع الدعاء والسير على منهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
---------------------------
ولينصرن الله من ينصره
مجروح |25/01/2006 م، 16:59 (السعودية)، 13:59 (جرينيتش)
`محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم`
---------------------------
رد عليهم
أبوعمر |25/01/2006 م، 17:1 (السعودية)، 14:1 (جرينيتش)
إخواني في الله لقد شاهدت اليوم قبل أن أدخل قاعة الإمتحانات شيئا لم أره من قبل وللأسف ثلاثة طلاب يجلسون على كتاب الحديث ويرمون أوراق فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم في القمامة أكرمكم الله وتقبلوا خالص تحياتي ابوعمر khalid-ali-yusuf@hotmail.com ali-2006@naseej.com
---------------------------
يارب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خذهم أخذ عزيز مقتدر
أبوعبدالحمن دبور |25/01/2006 م، 18:26 (السعودية)، 15:26 (جرينيتش)(10/133)
ربنا ويارب أشرف من خلقت من الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أمته خير أمةٌ أخرجتها للناس ، فقد أهينت خيريتها بنشر ذلك الرسم البذي تعال عنه حبيبنا صاحب المقام المحمود ، قائد الغر المحجلين ، وأنت سبحانك قد قضيت بخيريتيها ، فأسقط على هؤلاء الغادرين بإمة حبيبك محمد صلى الله عليه كسفاً من السماء ، وزلزل الأرض من تحت أرجلهم وأجعلهم عبرة لمن يعتبر ، فقد خارت قوة إيمان أمة مصطفاك صلوات الله وسلامه عليه إلا من رحمته بنور الإيمان ، فلن يٌشفا لنا غليلاً إلا بسوط عذابك المبين في الدنيا والآخرة ، فانت القادر المقتدر ، فأنت ملك الملوك وقاهر الجبابرة والظالمين، فحسبي الله عليهم ونعم الوكيل.
---------------------------
اين الاخوه
سالى |25/01/2006 م، 18:27 (السعودية)، 15:27 (جرينيتش)
ان تعدى مجله على الرسول صلى الله عليه وسلم يجب ان يوقظ الكثير من الغفله التى نحن فيها فاليوم التعدى على الرسول اذن فمن التالى ................................؟ ان الامر سوف يزداد سواء اذا لم نستيقظ يجب على كل مسلم ان يقاطع المنتجات للدول المعاديه للاسلام كما يجب مقاطعه اليمن لان لها الكثير من تعديها على الاسلام اما انا فاناشد الاخوه المسيحين بالوقف كاخوه لان لايوجد هناك مسلم يقبل على اهانه الدين المسيحى من قبل فنحن اخوه لا نقبل باهانه الديانات السماويه مهما كانت وما حدث هو تعدى عن حقوق المسلمين ومخالف للقانون الدولى الذى لايسمح باهانه اى المعتقدات والاديان السماويه فمعن لمحاربه هؤلاء الهمجين الذين يدعون السلام وهم فى الحقيقه يدعون الى القتل والعنف والارهاب افيقوا يا امه محمد
---------------------------
مسلسل التطاول على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم يتواصل
ياربي اشكثر اعاني & عروس القصيم _ عنيزة _ عند الباب شجرة صغيرة |25/01/2006 م، 19:29 (السعودية)، 16:29 (جرينيتش)
ليس غريبا أن تطالعنا الصحف والقنوات وغيرها من وسائل الإعلام الغربية عن هذا الحقد الدفين في نفوسهم تجاه الإسلام والمسلمين ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم . وهذا يدل على التخوف الذي بات يضج مضاجع كل فئات المجتمع الغربي من الإسلام كنظام يرعى شؤون المسلمين ، وما خطاب الرئيس الأمريكي بوش الأخير إلا دليل على ذلك . فالمسلمون محتاجون في الوقت الراهن إلى دولة تجمع كلمتهم من المغرب إلى المشرق وتحمي كيانهم وتعزهم وتذل كيد الحاقدين ، وليس ذلك على الله بعزيز m8228@hotmail.com *^^ بدر ^^* 0557355984 [[------------- لمناقشة الموضوع بالتفصيل ( الشباب مانبيهم بس البنات ههههاااي ) من الساعة 12 ليلا حتى الفجر
---------------------------
ياشفيعنا
بنت الاسلام من السعوديه |25/01/2006 م، 19:30 (السعودية)، 16:30 (جرينيتش)
حسبي الله ونعم الوكيل بالمستهزين بالرسولنا وشفعينا محمد عليه الف الصلاه والتسليم ويشهد الله اننا معارضين عل الي صار والله يسلط عليهم غضبه وعذابه واعداءهم الله ياخذهم اخذة عزيز مقتدر
---------------------------
قطع العلاقات مع الدانمارك
احمد السعودي |25/01/2006 م، 19:43 (السعودية)، 16:43 (جرينيتش)
ارجو من حكومتنا الرشيده قطع العلاقات مع الدانمارك وترحيل السفير الدينامركي حتى يتم الاعتذار الرسمي امام وسائل الاعلام المقروءه والمسموعه كما ارجو من اخواني واخواتي القراء ابتداءا من اليوم مقاطعة المنتجات الدينماركيه بشتى انواعها والله ولي التوفيق واسال الله ان ينصر الاسلام ويعلي كملة الحق لا اله الا الله محمد رسول الله
---------------------------
العمل وليس القول
ايناس العماري ---اليمن |26/01/2006 م، 13:12 (السعودية)، 10:12 (جرينيتش)
بجب على كل المسلمين القيام بمضاهره ضد السفارات الدنماركيه وطردها يجب مقاطعه المنتجات الدنمركيه يجب مراسله موقع الجريده و الرد عليهم
---------------------------
لاحول ولا قوه الابالله
نايف سلمان |26/01/2006 م، 13:20 (السعودية)، 10:20 (جرينيتش)
حسبنا الله ونعم الوكيل
---------------------------
ألا لعنة الله علي الظالمين
أبو أحمد |26/01/2006 م، 13:26 (السعودية)، 10:26 (جرينيتش)
اللهم رد كيدهم في نحرهم وانتقم منهم وأنصر أمة الحبيب صلي الله عليه وسلم بأبي وأمي أنت يارسول الله
---------------------------
مندوبية تحفيظ العرضية الشمالية
علي بن سلطان السهيمي |26/01/2006 م، 13:41 (السعودية)، 10:41 (جرينيتش)(10/134)
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على رسول الهدى وبعد: إن ماقامت به المجلة الدنمركية من تشويه سمعة أطهر البشرية شيئ حقير ولكن ليعلم كل واحد أن هذا لن يزيدنا إلا تمسكا بهدي نبينا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإني داع فأمنوا : اللهم عليك بصاحب الفكرة ومنفذها وراسمها وكاتبها وناشرها ومؤيدها الله شل أطرافهم وأعمي أبصارهم .. اللهم وعليك بالدنمرك اجعل كيدهم في نحورهم وادمر اقتصادهم ياقوي وياعزيز .. اللهم اجعل أعراضنا وأنفسنا فداء لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم . وإني أهيب بالجميع بمقاطعة جميع النتوجات الدنمركية حتى ولو متنا جوعا .. والحمد لله رب العامين
---------------------------
حسبنا الله ونعم الوكيل
ابو عبدالرحمن |27/01/2006 م، 2:17 (السعودية)، 23:17 (جرينيتش)
عليكم بالمحاربة الاقتصادية وهي مقاطعة المنتجات
---------------------------
تبوك
محمد العنزى |27/01/2006 م، 2:26 (السعودية)، 23:26 (جرينيتش)
يجب على كل مسلم مؤمن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ان يقاطع المنتجلت الدنماركيه
---------------------------
أعشقوا الراحه
عبدالرحمن |27/01/2006 م، 4:48 (السعودية)، 1:48 (جرينيتش)
يا حبيبي خلكم مكانكم احسن ووفروا اصواتكم بس كلام في كلام والله يا ليتني مو من العرب اقول حطوا راسكم في الطين وبوسوا رجل بوش وبلير اقوووووول مالت علينا كلنا والله اتمنى اكون افريقي سنيغالي مسلم ولا اني اكون عربي مصخره
---------------------------
الفرج يا الله
أحمد |27/01/2006 م، 6:55 (السعودية)، 3:55 (جرينيتش)
الصلاة و السلام على نبي الله المختار الهادي سيدنا أبو القاسم محمد و آله و سلم تسليما كثيرا وعجل الله فرجهم و أللعن أعدائهم يا رب الحقيقة ضعف حالة المسلمين بالعالم شيء مخزي و هذا الهجوم الحقيقة مرتب من تحالف يستعد لمحاربة و أبادة الأسلام بكل صورة لمعرفة ردود الفعل قبل الخطوات القادمة ولكن تأكدوا أن سيدنا محمد عزيز عندالله و الله يعلم شتات رأي المسلمين و ضعف حالهم وسوف ينتقم منهم شر أنتقام مثل ما فعل بكل من تعرض لسيدنا محمد بالشتم و الأساء كأحد الأدلة سورة المسد عندما رد الله على عم الرسول. وكل مرة ينقلب السحر على الساحر حاولوا أخراج المسلمين من الدين بجعل الزنا شيء سهل لهم وشرب الخمر و القمار و اللهو و بث القنةات اللأباحية الموجة الى العالم الأسلامي ولكن فشلوا لله الحمد الآن المسلمين أكثر تمسك بالدين من قبل و شوف العالم كلة حركات أسلامية و توجة أسلامي لولا خروج بعض الأرهابين كمثل أبن لادن و جماعة تخصص قتل المسلمين قبل المشركين أعداء الأسلام وهذي أحدى أفرازات خطط الغرب محاربة الأسلام بالأسلام ونقلبت مخططاتهم عليهم لله الحمد وهذا أصبح الطفل الذي يعض الأم. تمسكوا بحديث النبي أني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي طبقوا هذي النصيحة من سيدنا محمد وسوف تكون لنا الغلبة أنشاءالله وليس أتباع كل شخص يعمل أنقلاب او يعين من الغرب رئيس ويتكلم بأسم الله و الشعب اللهم لايكون سيدنا محمد أقل شئن من فصيل ناقة صالح اللهم هيئنا على الأخذ بحق نبيك اللهم هيئا بالأخذ بحق نبيك و اهل بيت النبي وعجل فرجهم و اللعن أعدائهم يارب
---------------------------
حسبنى اللة ونعم الوكيل
بوسعود العازمي من الكويت |27/01/2006 م، 7:44 (السعودية)، 4:44 (جرينيتش)
ان الرسول علية الصلاة والسلام مثل المسلمين الأعلى و حبيب كل مسلم فم يسيئ إليه كأنه يسيئ لكل مسلم وقطع كل العلاقات مع هذه الدول يجب أن يكون بسرعه تامه من كل مسلم يغيير على مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم والأسلام والمسلمين
---------------------------
ما أعظم مصيبتنا في فقدك يارسول الله
العجميه |27/01/2006 م، 8:7 (السعودية)، 5:7 (جرينيتش)
نشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له ...وانك يامحمد عبده وصفيه ورسوله صلى الله عليه وسلم ..لقد طفح الكيل يا أمة محمد واعداء الاسلام يحاربوننا في ابداننا واوطاننا ومعتقداتنا بكل قوه.. ولكن هيهات الاسلام بااق ماداامت الحياة وذكر الله خالدمااختلف ليل ونها..ونحن على نبراسك ياحبيبنا محمد سائرون....وانتم ياعبدة المال والشيطان ...نعرف اداة سلحكم القاتل ونقطة ضعفكم..انه المال..هبوا ياامة محمد لمقاطعة منتوجاتهم الرخيصه العفنه...ارفعوا رايات الاستنكار .وطالبوا بالاعتذار الرسمي من ديار الكفر..والا فإن رسولنا هو عزتنا وحياتنا وحبنا واملنا ونورنا....كلنا فدءك يا رسول الله بأبي انت وامي
---------------------------
عار علينا السكوت
نايف راشد المصربي السبيعي العنزي |27/01/2006 م، 11:7 (السعودية)، 8:7 (جرينيتش)
الى كل غيور على دينه الى كل مسلم يعبد الله ويصلي على محمد صلى الله عليه وسلم يجب ان نقاطع جميع المنتجات الدنمركية
---------------------------
حبيبنا ..............(10/135)
نور مكة |27/01/2006 م، 11:16 (السعودية)، 8:16 (جرينيتش)
لاأقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل اللهم دمرهم عاجلا غير أجل
---------------------------
الي متي يامة محمدالسكوت الي متي
الرواق |27/01/2006 م، 2:5 (السعودية)، 23:5 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم منذ العصور الاولي لدين الا سلام والحقد والبغضا الند بالند لهذا الدين ولنبيه صلي الله عليه وسلم ولاكان كان في العصور الاول لهذا الدين رجال صدقوا معاهدو الله عليه رضوان الله عليهم جميعا واستطاعو دحر الحاقدين ورد كيدهم في نحورهم بقوة من الله ثم قوة ايمانهم امثال عمر وسعد وزيد سيف الله المسلول وغيرهم رضوان الله عليهم.اخواني لقد حل بنا منذ زمن مصيبه من اعظم المصايب وهيه فقدان الغيره علي المسلم ودينه ونرا النكبات علي الشعوب المسلمه من الشعوب الغربيه التي تفتك بالمسلمين ودينهم واعراضهم واموالهم مثل الشعب الفلسطيني ويقتلون وتنتهك الاعراض ونحن لاقوة ولاناصربس الله امنصر الشعب الفلسطينيوها نحن نرا رسولنا الكريم يسب عيان بيان خير البريه يسب الله الله من هولا الخنازير والحيله لدينا الشجب والاستنكار اخواني اخواني اخواني هذه ساعة الحزم انا لاطلب منكم قصفهم بالطيران والدبابه لوكان بودي ولاكان؟؟؟؟؟؟...... اخواني عليكم بمقاطعة جميع المنتجات الدنماركيه بجميع اصنافها لن الدول الاسلاميه لاتقدر تعمل هذه المقاطعه فلابد ان اتحرك انا وانت والجميع لمقاطعه منتتجات هذه الدوله اللعينه بس لمده شهرين او ثلاثه فقط وسوف نرا هذه الصحيفه قد اغلقة بس سوف نرا بس المقاطعه المقاطعه لابد المقاطعه هذا العمل لن يساوي مثقال ذره في محبه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم اخواني الا نقدر علي هذا العمل الانقدر من اين اجل النصره لدين والرسول من اين عليكم بالحزم الحزم وامعتصماه فل نذكر والحمد لله رب العالمين.
---------------------------
حسبنا الله ونعم الوكيل
خادم ومحب رسول الله |27/01/2006 م، 22:19 (السعودية)، 19:19 (جرينيتش)
ليس بوسعنا كافراد سوى التعليق على ما تم من قبل هذا الصغير الذي استهزأ برسول الله (ص) سوى انه مهما حاول الاستهزاء فان الله موجود وهو العالم بكل شئ وهو الذي سينتقم لنا من هذا السافل الحقير وأسأل الله أن يؤينا يومه عاجلاً آجلاً . حسبنا الله ونعم الوكيل ..
---------------------------
لاحول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل
نوال |27/01/2006 م، 22:37 (السعودية)، 19:37 (جرينيتش)
اللهم عليك بكل من اراد الأسأة برسول الله و بالاسلا م والمسلمين وأول دولة الدنمارك .اللهم وأرنا أية فيهم و خذهم أخذ عزيز مقتدر .وأهدي أمة حبيبك محمد صلى اله عليه وسلم إلى ماتحب وترضى.
---------------------------
سحقاً للدنمارك
الاحمدية |27/01/2006 م، 22:38 (السعودية)، 19:38 (جرينيتش)
لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم اجعل كيدهم في نحورهم واجعل تدبيرهم في تدميرهم يا سميع الدعاء اللهم من أراد بمحمد صلى الله عليه وسلم وبأمته فعليك به يا ارحم الرحمين
---------------------------
ان تنصروا الله ينصركم
محمد عبد الحميد |27/01/2006 م، 22:45 (السعودية)، 19:45 (جرينيتش)
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ` ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم` صدق الله العظيم هذه هى البدايه ولا بد من كل مسلم ان يتدبر معنى هذه الآيه الكريمه لانها هى السبيل للخلاص وعوده الاسلام الى مكانته بين الامم وان شاء الله قريبا سيكون النصر `الا ان تصر الله قريب`
---------------------------
نفداك بأرواحنا و اجسادنا و أموالنا و انفسنا يا رسول الله اللهم صلي وسلم علية
ابو المهند |27/01/2006 م، 22:49 (السعودية)، 19:49 (جرينيتش)
كلمة تذكارية لأخواننا المسلمون الذينا يعتذرون بعدم القدرة على المقاطعة بئي حجة من الحجج الواهية فنقول لهذى الصنف من المسلمون أتقو الله فقد كان رسولكم صلى الله علية وسلم (يربط على بطنه حجر من شدة الجوع ونحنو عند أقل حق من حقوق رسول الهدى علية الصلاة والسلام و الذي أحي على يدية امم لأنسنتطيع ان نقوم بهذى الحق فما لنا الى أن نقل لكل مسلم و مسلمة من لا ينصر رسول الله علية الصلاة والسلام في هذا الموقف فمتا ننصرة بأبي أنت و أمي علية الصلاة والسلام
---------------------------
وذلك أضعف الأيمان
ابو عبدالله ....عبدالعزيز |27/01/2006 م، 23:4 (السعودية)، 20:4 (جرينيتش)
أعلم بأن تسطيري لهذه الكلمات لايعتبر سوى من اضعف الأيمان.فداك ابي وأمي وكلي ياصفوة خلق الله اجمع يانبي الله محمد عليك صلاة الله وتسليمه ولعل انكاري لكل من تجرء نفسه الدنيئه على ان يمسك بأذا يارسول الله هو الشي الذي اقدمه لك يحبيب الله لعل الله ان يرحمني بشفاعتك يوم العرض عليه .
---------------------------
سنقاطع .. ..
غادة |27/01/2006 م، 15:0 (السعودية)، 12:0 (جرينيتش)
سنقاطع ونحن قادرون على ذلك(10/136)
---------------------------
الحمد لله
غسان المسلم |27/01/2006 م، 16:1 (السعودية)، 13:1 (جرينيتش)
الحمد لله الذي اعزنا بهذا الدين وكما قال الشاعر اذا اتتني المذمة من ناقص فهذا الدليل على اني كامل
---------------------------
يمكرون والله خير الماكرين
منصور محمد الشحي الإمارات |27/01/2006 م، 16:13 (السعودية)، 13:13 (جرينيتش)
( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ) المقاطعة هي الحل الأمثل لمثل هؤلاء السفلة اللهم يا احد ياصمد, يا حي يا قيوم, ارنا فيهم عجائب قدرتك, وسلط عليهم عقابك. حسبنا الله ونعم الوكيل, حسبنا الله ونعم الوكيل, حسبنا الله ونعم الوكيل أقل شيء نفعله مقاطعة المنتجات الدنمركية ..
---------------------------
إن الله يمهل ولايهمل
محمد بن مختار بن ياسين |27/01/2006 م، 16:54 (السعودية)، 13:54 (جرينيتش)
لاتظن أن الله لايعلم عما يفعل الكفرة المشركون من سب نبيه افضل الصلاة والسلام عليه وتدنيس مقدسات المسلمين بالإضافة الى هذا التجرؤ الشديد عل التنقص من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأبي وأمي افضل الأنبياء والمرسلين ولكن لانقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته
---------------------------
ان ربك لبالمرصاد
المدمر |27/01/2006 م، 16:58 (السعودية)، 13:58 (جرينيتش)
بوركت يابن أثال إذ قاطعتهم فالكفر يخضع عند قطع الدرهم هذا رسول الله نحن له فدا نفديه بالقلب المتيم والدم قد افصح الدنمارك عن أحقادهم ومآل كل الكفر قعر جهنم قاطعهوهم وقاطعوا قبلهم امريكا اللتي جرّأت العام على المسلمين ان كان الدنمارك قد سبوا الحبيب فلقد دنس الامربكان كتاب ربنا جل وعلا. فانتصروا لربكم ونبيكم صلى الله عليه وسلم `ان تنصروا اله ينصركم ويثبت اقدامكم`
---------------------------
الله غايتنا والرسول زعيمنا
عربي غيور |23/12/2005 م، 15:24 (السعودية)، 12:24 (جرينيتش)
صح لسانك ياسيد محمد الباهلي،فيجب أن تقوم كافة القوى الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بحملة لمواجهة هذا الهجوم،الذي يستهدف الدين الإسلامي في شخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقولها والذي نفسي بيده صادقا:إن المسؤولين في الدنمرك لا يريدون من خلال ذلك إلا الشر ،للإسلام والمسلمين...ولكن هيهات لهم ما أرادوا.فمحمد صلى الله عليه وسلم هو رسول من عند الله،بلغ الرسالة وأدى الأمانة،ونصح الأمة وجاهد في الله عز وجل حق الجهاد،حتى أتاه اليقين.ورسالته ستظل خالدة في قلوب المسلمين في العالم إذ هي رسالة المحبة والرحمة والسلام. قال تعالى:(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم). وقال تعالى:(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
---------------------------
هذه ليست حريه
مسيحي مصري |23/12/2005 م، 16:45 (السعودية)، 13:45 (جرينيتش)
انا مسيحي و ارفض الإستهزاء بالمعتقدات الدينيه لأي دين سواء اليهوديه او المسيحيه او الإسلام او البوذيه او اي دين اخر و الحريه لا تعني التحقير من ايمان الآخرين و اقترح رفع دعوى ضد المجله و الحكومه الدنماركيه في الدنمارك و لو لم يمكن هذا يجب على الدول الإسلاميه رفع الأمر لمحكمه دوليه او ما شابه
---------------------------
الله ينصر الاسلام
رباب(لبنان) |23/12/2005 م، 16:49 (السعودية)، 13:49 (جرينيتش)
أدعوا جميع المسلمين في جميع أقطار العالم الى مقاطعة البضائع و المنتجات الدنماركية وهي انشاء الله وسيلة جيدة للدفاع عن المقدسات الاسلامية( نرجو النشر)
---------------------------
اين انتم يامسلمون
تامر العربي |23/12/2005 م، 17:4 (السعودية)، 14:4 (جرينيتش)
ما سوف نقوله الي رسول الله يوم الموقف العظيم عما كان دورنا لنصرة الاسلام نجت امريكا وتابعيها للتسويق لحرب ضد الاسلام وهم علي باطل ولم ننجح لتسويق اسلامنا ونحن علي حق اين علماء المسلمين هل مازالو في غفلتهم افيقو يا عباد الله افيقو يا علماء الاسلام سب رسولنا اهين اسلامنا ...........فمازا ننتظر بعد؟
---------------------------
الله اكبر
بريطاني |23/12/2005 م، 17:24 (السعودية)، 14:24 (جرينيتش)
`ان للكعبة رب يحميها` وان لحكام المسلمين رب ينتقم منهم، والعزة لله ورسوله، وخسئ الكافرون الحاقدون
---------------------------
محمد، ذلك العملاق
عربي |23/12/2005 م، 17:34 (السعودية)، 14:34 (جرينيتش)(10/137)
إن كل محاولات الإساءة للرسول محمد (ص) مآلها الفشل الذريع. لأن أي شخص موضوعي، مهما كانت قناعاته الدينية، لو درس تاريخ العرب لأدرك في قرارة نفسه قيمة ذلك الرجل العملاق الذي وحد قبائل متناحرة متخلفة لتولد أمة عظيمة قهرت أعتى قوتين في العالم في ذلك الوقت ولتظهر حضارة أنارت العالم برحمتها و تسامحها وعدلها في موقف القوة وتقدمها الروحي و المادي. صحيح أننا الآن متخلفون. ولكن السبب في ذلك هو أننا ابتعدنا عن جوهر ما علمه لنا محمد (ص) و لم ننفك نضيع وقتنا في صغائر الأمور.
---------------------------
Victory, will come soon.
fatima from Morocco |24/12/2005 م، 13:16 (السعودية)، 10:16 (جرينيتش)
The victory of the light over the black is imminent, did not fear, our religion will only leave there stronger. Never they can extinguish the light of our ALLAH, it is the hatred which encourages them to do that.
---------------------------
وما اقبح جرأتكم على رسولنا!!!!
فهد |31/12/2005 م، 0:21 (السعودية)، 21:21 (جرينيتش)
ألا تعرفونة قبل أن تسبوة ! أنة خاتم الأنبياء و شفيعنا يوم القيامة والذي قال فيه ربنا ( وانك لعلى خلق عظيم ) فيا أمة محمد لا تسكتوا عن هذا الهراء وردوا بكل الوسائل الممكنة حتى يعلم كتاب هذه المجلة الحمقى أن لمحمد أتباعا لن يسكتوا الى يوم القيامة .
---------------------------
عزيزى بيجول
شريف بدر |04/01/2006 م، 12:34 (السعودية)، 9:34 (جرينيتش)
عزيزى بيجول ذكرت فى ردك انه ان الاوان لكى يشرب المسلمون من نفس كاس الازدراء و التى تزعم ان المسلمون قد ازدروا بقية الاديان بقولهم بتحريفها. اذا كان الازدراء هو شيمة المسلمون كما ذكرت فهل و جدت رد واحد من هذه الردود الغضبة الغيورة على دينها و على رسولها الكريم صلى الله عليه و سلم من طالب بان نقوم بالرد بالمثل اى تكليف احد رسامى الكاريكاتير بتشويه صورة السيد المسيح ؟ طبعا لم تجد و لن تجد فهل سالت نفسك لماذا ؟ الاجابة هى : اولا من صميم و صحيح عقيدة اى مسلم هى الايمان بالسيد المسيح عليه السلام و موسى عليه السام و ما انزل عليهما اى اننا نؤمن بالانجيل و التوراة و لكن ليس اناجيلكم و توراتكم و يرجى مراجعة قساوستك فى امر انجيل متى و لوقا كما يرجى منك مراجعة تاريخ بولس الرسول و هو صاحب نظرية تأليه السيد المسيح.و اخيرا فانى ادعو الله عز و جل ان يهديك الى طريق الصواب و يجعلك ترى ما لا تراه
---------------------------
مهما قيل عنك فأنت الرسول الكريم
الرسول المنتصر |14/01/2006 م، 23:2 (السعودية)، 20:2 (جرينيتش)
الا لعنة الله على القوم الكافرين
---------------------------
الغرب الأعمى
إبراهيم أبو مصطفى |20/01/2006 م، 0:51 (السعودية)، 21:51 (جرينيتش)
إذا كان الغرب الأعمى( إن أحسنا الظن بهم) لا يرى المسلمين المعتدلين في الجانب الآخر و لا يرون إلا كل قبيح من المسلمين، وإذا كانوا يعتبرون أن كل المسلمين إرهابيين إذن فبمنطقهم : - كل الغرب زناة. - كل الغرب سكارى . - كل الغرب ذوي ميول عنصرية لكل ماهو غير مسيحي ` ليبيا .. أفغانستان .. العراق .. فلسطين .. السودان .. سوريا .. إيران ....... - كل الغرب و. مش كده ولا إييييييه
---------------------------
هم الأعداء
عبدالعزيز |21/01/2006 م، 0:8 (السعودية)، 21:8 (جرينيتش)
لا صداقة لحكومة تناصر وتؤيد من يعادينا، ولاصدقة لشعب يحمل كل هذا الكره لديننا ولهادينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام. قاطعوهم هم ومنتجاتهم (( بوك ، نيدو ، أنكور ، والأجبان الدنماركية )).
---------------------------
حسبي عليهم؟؟
علي محمد جبران |21/01/2006 م، 1:41 (السعودية)، 22:41 (جرينيتش)
لو أحد سب والدك لقاطعته فكيف لو رسم صورته على أبشع شكل فما بالكم برسول الله عليه الصلاه وأتم التسليم
---------------------------
قاطعوا المنتج الدنماركي
شملان العبدالهادي |21/01/2006 م، 2:29 (السعودية)، 23:29 (جرينيتش)(10/138)
في رأيي ،،، ليس هناك أوجع من ضربة اقتصادية لمثل تلك الدول ، والتي الآن باتت الدنمارك تتطلع وتحاول أن تكون بمصاف الدول الكبرى اقتصاديا ، ومحاولاتها الحثيثة في الفقز بمؤسساتها وشركاتها على مؤشرات البورصات العالمية ،، كما أنها فتحت أبواب الاستثمار الأجنبي على مصراعيه ، وحجم قروضها للانتاج الصناعي في تزايد ،،، فتخيلوا لو قاطع المسلمون المنتج الدنماركي ،، ما الذي سيحدث؟؟ أتوقع لو قاطع 20 بالمئة من المسلمون المنتجات الدنماركية ،، ستتكبد الدنمارك خسائر قد تتجاوز 15 إلى 25 بالمئة من صادراتها ،، أي المليارات ،، بخلاف ما سيلحق المصانع والمصالح الداخلية والخارجية من ركود وبطالة ،، لنلقن هؤلاء السفهاء أصحاب الديمقراطية التي تجاوزت حدودها ، ووصلت إلى مقدساتنا ، درسا موجعا وكي نكون يوم القيامة ، بمن يناديهم رسولنا الكريم ، ويقول : هؤلاء هم أمتي وكي يفخر بنا الرسول الكريم
---------------------------
السعودية
ابو عبدالملك |21/01/2006 م، 23:8 (السعودية)، 20:8 (جرينيتش)
(اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد ) اكثروا من الصلاة على الحبيب المختار وغيروا هذا المنكر بالمقاطعة والدعاء عليهم نسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان ينصر الاسلام والمسلمين وان يذل الشرك والمشركين
---------------------------
حسبي الله ونعم الوكيل
عبدالرحمن |21/01/2006 م، 23:57 (السعودية)، 20:57 (جرينيتش)
اخواني المسلمين في كل بقاع المعموره هل نرضى بما فعلوا لتشويه صورة خاتم الأنبياء والمرسلين اضعف مانقوم به هو مقاطعت المنتجات الدنمركيه ورفع القضياء على الحكومه والمجله واهم شي هي المقاطعه والحاق الضرر بهم حتى يتم معاقبه المتسبب تكفون ياأمه محمد لاترضون على نبيكم الاهانه الله اهم عليك به
---------------------------
قاتلهم الله أنى يؤفكون
أبو محمد |22/01/2006 م، 0:8 (السعودية)، 21:8 (جرينيتش)
بأبي أنت وأمي يارسول الله اللهم عليك بمن تقوّل على رسولك وبمن استهزأ بدينك . اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك انتقاما لحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أرنا فيهم يوما أسودا كيوم فرعون وهامان وقارون وأمية بن خلف
---------------------------
حسبنا الله ونعم الوكيل
بنت الآسلام |22/01/2006 م، 0:51 (السعودية)، 21:51 (جرينيتش)
`الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل`
---------------------------
حبيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييبي
فاطمة |22/01/2006 م، 1:20 (السعودية)، 22:20 (جرينيتش)
لن نرضى بسب الرسول مهما كانت الإفتراأت ولن نسكت عما كتبتة الصحف الدنمركية التي أسأت لحبيبنا محمد صلى الله علية وسلم أعجب لمن قال *حتى لانكون مسخرة * ماهذا العنوان بدلا من الرد والمخاطبة والدفاع عن رسول وحبيبنا تقول حتى لانكون مسخرة لاأأبة بك ولا بكلام غيرك من الذين كتبوا بأن سبب سبهم لرسول هو ضعفنا وهذا أمر لاإستغراب فية ثكلتكم أمهاتكم أي سب الرسول وأنتم تتبادلون الخيبات وتتذكرون العثرات بدلا من الرد السريع على هذة الأقاويل المجحفة في حق نبينا الكريم إخواني وأحبتي أذكركم بقول الله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود لا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ولن نسكت مهما كلفنا ذلك من أمر فأين الخيرة فينا إذا لم أدافع عن رمز قوتنا وعزتنا والله أسأل أن يرد كيد الكافرين إلى نحورهم وأن يزلزل الأرض من تحت أقدامهم ,وأن يجعل في يد من رسم هذة الصور عبرة من أراد أن يتعظ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
---------------------------
السعودية
ابو عبدالمجيد |22/01/2006 م، 21:17 (السعودية)، 18:17 (جرينيتش)
اللهم شل يد من رسم هذا الكركتير واعم بصره اللاهم آآآآآآآآآآآآآآآآآآمين
---------------------------
لن ننساها لهم
سيف الدين العراقي |22/01/2006 م، 22:38 (السعودية)، 19:38 (جرينيتش)
اولا / نقول (حسبنا الله ونعم الكيل ) . ثانيا / نقول لهم لن ننساها لكم والايام دول يوم لك ويوم عليك فحسبنا ان ياتي يومنا .
---------------------------
الرد على من يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو عبد الله مسلم مصرى |22/01/2006 م، 22:41 (السعودية)، 19:41 (جرينيتش)
ان اساليب السباب طريق للمرتزقة لتحصيل ماربهم الدنيوية وهذا مافعلته تلك الصحيفة وهذا الذى اخبرنا به ربنا سبحانه وتعالى وعلينا أن نعى جيدا ان الله قال فى كتابه الكريم ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) وان استغرب من بعض علماء الاسلام اللذين يقولون أن محمد صلى الله عليه وسلم مات ولم يرد وأين أنت يا عالم الاسلام من ردك على هذا السباب وانكارك الا تتقى الله وتعام أنك ستسأل جزى الله كل من أنكر هذا السباب خيرا وأبشرو فا ن الله سبحانه وتعالى أخبرنا ( وما تخفى صدورهم أكبر).
---------------------------
ربنا ارنا يوما في الكافرين(10/139)
المسلمة دنيا من المغرب العربي |22/01/2006 م، 22:52 (السعودية)، 19:52 (جرينيتش)
اين المسلمين اين الانصاراين احبت الرسول .لسوف ترون لسوف ترون تبا لكم تبا لكم تبا لكم يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا لعنكم الله لعنكم الله ما عسايا اقول حسبي الله ونعم الوكيل
---------------------------
الله اكبر
مسلمة |22/01/2006 م، 22:57 (السعودية)، 19:57 (جرينيتش)
اللهم صلي على رسولك محمد لقد تمادوا هؤلاء الكفرة الفجرة لقد نسوا من اذاقهم نعيم الحضارة اذ كانوا يعيشون في غياهب الظلمة والجهل والتخلف و القذارة في وقت كانت الحضارة الاسلامية تنعم فيه بالعلم والتطور والنظافة في كافة ارجائها التي امتدت من الاندلس غربا حتى بلاد الهند والسند والصين شرقا ولم تجعل الامة هذا التطور حكرا لها بل قام المسلمين بنشره في كافة ارجاء اوروبا وعلموا علمهم لتلامذتهم الاوروبيون والان نسي هؤلاء مااذاقتهم الحضارة الاسلامية وتطاولوا على نبيها الطاهر الذي قد ادى الامانة ونشر الرسالة واخيرا اهيب بجميع المسلمين واصدقائهم ان يقاطعوا المنتجات الدنماركية لان الاقتصاد هو نقطة ضعفهم والسلام عليكم .
---------------------------
حبيبي يا رسول الله
أم سعد |22/01/2006 م، 23:11 (السعودية)، 20:11 (جرينيتش)
لن نرضى على حبيبنا المصطفى ، خسئتم يا أعداء الدين ...... اللهم رد كيدهم عليهم فإنهم آذوا حبيبك يارحمن.. اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم يارب....
---------------------------
لا حول ولا قوة إلا بالله
مسلمة |23/01/2006 م، 15:8 (السعودية)، 12:8 (جرينيتش)
الله أكبر الله أكبر أللة أكبر ختم الله عز وجل الانبياء والرسل بسيدنا محمد صلى الله علية وسلم الذي جاءت دعوتة للناس كافة رحمة من عند الله سبحانة وتعالى. وهذة ليست المرة الأولى التي يهاجمون فيها نبينا العظيم , فقد كان لأسلافهم الصليبيين المحاولة للوصول إلى قبر النبي صلى الله علية وسلم ونبش قبره الكريم إلا أن الله سبحانة وتعالى رد كيدهم . نقول لهم موتو ا بيغيظكم , سنعيش مسلمين أحرار تحت راية الاسلام ندافع عن أمتنا العربية .
---------------------------
المقاطعه هى الحل
على التركى مصرى |23/01/2006 م، 15:37 (السعودية)، 12:37 (جرينيتش)
يااحباب رسول الله هيا استنصروا لحبيبكم محمد ياراجين شفاعتة يامن ينتظر ان يشرب من يدة شربة لايظمأبعدها ابدا قاطعوا منتجاتهم قاطعوا حلبي نيدو وجبن انكور وزبدة لورباك ومنتجات الالبان الدنماركى فوالله لو قاطعناهم ليعملوا لنا الف حساب ولكننا كالخراف لاصوت لنا ولا وزن فلو احد تطاول على بوذى او يهودى لقامت الدنيا واحترقت لكن ماذا اقول حسبى الله ونعم الوكيل فى كل مسلم يستعمل اى شئ دنماركى من اليوم واستنصروا لرسولكم ياحباب رسول الله
---------------------------
هؤلاء كفرة ملحدين
ابو ثائر |23/01/2006 م، 17:37 (السعودية)، 14:37 (جرينيتش)
ارجو مقاطعة جميع البضائع الدينماركية الى الدول العربية والاسلاميةمقاطعة تامه
---------------------------
يجب أن نستغل الفرصه
محمد عبدالله |25/01/2006 م، 3:28 (السعودية)، 0:28 (جرينيتش)(10/140)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على أشرف الآنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أتوقع من هده الحمله هدف يراد به الوصول الى استثارة المسلمين ودلك لتمرير بعض القرارت ضد المسلمين المقيمين في تلك البلاد وبدلك يزداد التضييق على المسلمين في أوروبا ووقف أنتشار الاسلام بالتخلص من بعض المسلمين الفاعلين في مجال الدعوه في أوروبا. ويجب علينا تفويت هده الفرصه عليهم ودلك بعدم الانسياق وراء هده الاستثاره وجعلهم ينالون ما يريدون ولدلك أقترح أن يكون الرد على الشكل التالي 1) إستشارة بعض العلماء والنشطين في مجال الرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون العمل منظم ودا تأثير قوي. 2) إستغلال هدا الهجوم لأنه بالتأكيد سيثير فضول الكثيرين منهم لمعرفة الحقيقه عن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ولهدا السبب سوف يلجأ الكثير منهم للقراءه عن شخصيته وبدلك تكون الفرصه مواتيه لنشر بعض الكتب المترجمه عن سيرته. أقترح جمع التبرعات لترجمة وطباعة هده الكتب إرسالها وتوزيعها في تلك الدول. وبدلك نكون قد أخدنا زمام المبادره وفرضنا عليهم قواعد اللعبه. 3) أرجو من إعلامنا السلبي أن يتحرك ويكون مفيد لهده الأمه لما للآعلام من دور مؤثر يستطيع أن يلعبه في مثل هده الظروف. ولدلك أقترح من إداعة العربيه لما لها من وزن أن تخصص برنامج بالتنسيق مع احد الإداعات الدنماركيه بتخصيص برنامج من عدة حلقات لمناقشة الموضوع وإستخدام حرية ارآي التي يدعونها للدفاع عن مواقفنا. أظن أننا قادرون كأمه على القيام بدلك وليكون لنا في اليهود مثل, حيث أنهم قادرون بالتأثير على حرية الرأي التي يدعيها الاوروبيون في كثير من الموقف. ودلك بأستخدام أدوات مختلفه من ضمنها الإعلام.
---------------------------
لا إله إلا الله محمد رسول الله
مسلم |25/01/2006 م، 7:12 (السعودية)، 4:12 (جرينيتش)
حسبنا الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
---------------------------
قاطعوهم قاطعوهم قاطعوهم قاطعوهم قاطعوهم قاطعوهم قاطعوهم قاطعوهم
مسلم غيور |25/01/2006 م، 8:35 (السعودية)، 5:35 (جرينيتش)
يا أخوان وأخواتي هؤلاء الغرب أناس ماديين ولا بد من مقاطعتهم ولا يردعهم إلا محاربتهم كشعوب مسلمة ولا ننتظر قادات الدول الاسلامية لأننا انشاالله بمقاطعتهم سوف نحاربهم. ليسأل الجميع ويسعى ويبحث عن منتجاتهم كي نعرفها ولا نشتريها
---------------------------
اكثروووووو من الدعاء عليهم
ابو طارق النجمي |25/01/2006 م، 10:32 (السعودية)، 7:32 (جرينيتش)
اللهم عجل عليهم العذاب يارب العرش العظيم ولا تبقي منهم احد . ارجو من المسلمين ومن كل من يحب الله ورسوله ان يكثر من الدعاء عليهم في اوقات الستجابه خاصه وفي كل وقت عامه وارجو منكم مقاطعتهم في كل شي
---------------------------
لا إله إلا الله محمد رسول الله
مسلم عربي |25/01/2006 م، 10:35 (السعودية)، 7:35 (جرينيتش)
قولوا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده.
---------------------------
مدافع عن الرسول محمد بن عبدالله
الشيخ خالد السرحان |25/01/2006 م، 11:25 (السعودية)، 8:25 (جرينيتش)
ان اهذا الأمر الذي قامت به الصحيفة الدنماركية في الإستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم أمر لا يرتضى مما يسمى باإنسانية فلا يعني انهم لا يدينون بدين محمد صلى الله عليه وسلم انهم يهاجمونه في عرضه فهذا لا يعتبر من أحترام الديانات .... والله أعلم..
---------------------------
حسبنا الله على طغيانهم فهي اقوى من عتاد وعدد
بنت مكه |26/01/2006 م، 0:17 (السعودية)، 21:17 (جرينيتش)
اللهم اخسف بهم الارض نعتذر لك يانبي الله عما فعلوا ونبراء اليك يارب منهم اللهم ان هذا حبيبك هكذا فعلوبة الله انت حسب نبيك
---------------------------
مقاطعه المنتجات الدنماركيه
عمرو المصرى |26/01/2006 م، 0:35 (السعودية)، 21:35 (جرينيتش)(10/141)
يجب على كل المسلمين مقاطعه جميع المنتجات الدنماركيه حتى يشعر هؤلاء الكلاب بان الشعوب الاسلاميه لها القدره على تؤثر على اقتصادهم وهم شعوب لا يهتمون الا بالمادة و يجب على كل مختص فى اى مجال ان ينشر لنا عن الاصناف التى يمكن ان نقاطعها فعلى سبيل المثال بالنسبه للادويه الدنماركيه توجد شركتين الاولى هى شركه ليو والتى تنتج ماهم الفيوسيدين بانواعها و حبوب وان الفا لعلاج هشاشه العظام مرهم دايفونكس لعلاج الصدفيه و مضاد حيوى سليكسيد و قطرات العيون فيوسيثالميك و ايضا توجد شركه نوفو نورديسك لتصنيع الانسولين مثل ميكستارد و اكترابيد وايضا حبوب نوفو نورم لعلاج السكر و يجب على الاطباء و الصيادله عدم التعامل مع تلك المنتجات و استخدام البدائل و هى كثيره و نرجو من اى مسلم غيور على دينه و يعلم اى اصناف اخرى فى اى مجال اخر ان يعلنها لكل المسلمين و يجب ان يعلم الدنماركيون ان اعتزارهم لن نقبله بل يجب ان يقدموا الى المحاكمه بتهمه ازدراء الاديان و صدقونى لو كنت انا القاضى لقتلتهم جميعا هؤلاء الكلاب
---------------------------
السعوديه ...ينبع
شعاع |26/01/2006 م، 0:37 (السعودية)، 21:37 (جرينيتش)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ليس غريباً على أخوان القرده والخنازير هذه التصرفات ....لقد عملوا بنهج آبائهم من قبل ....فلقد وصف الرسول الكريم منذ سابق العهد بعدة كلمات ( مجنون ...كاهن ..ساحر...شاعر ) وهذه الأوصاف لاتعبر سوى عن ما يكنه العداء في محرقة قلوبهم المتشبعه بالغل والحسد على ديننا الحنيف ...واليوم نرى ونشاهد نسخه قد نسخها ابناء مستر خنزير ومستر قرد من محرقة قلوب آبائهم فأصبحوا يلوحون بها ........لا يعلم هؤلاء البغال أن هذه الأفعال سوف تزج بهم إلى أشباح ليليه تزورهم في مضاجعهم من الرعب الذي سوف يلقونه من التهديد من أخواننا الغيورين على دينهم ..هذا في الدنيا ....أما في الآخره فلهم عذاب إليم بما كانو يستهزئون ...أخيكم شعاع من السعوديه ....
---------------------------
الرد اللازم
أحمد |26/01/2006 م، 0:52 (السعودية)، 21:52 (جرينيتش)
حسبنا الله و نعم الوكيل
---------------------------
يمهل الله ولا يهمل
فتاة الاسلام |26/01/2006 م، 1:23 (السعودية)، 22:23 (جرينيتش)
حسبي الله ونعم الوكيل اللهم يارب العالمين اخسف بهم الارض اللهم عاججلا وليس اجلا
---------------------------
اللهم انصر اكرم رسلك
احمد جماح |26/01/2006 م، 1:37 (السعودية)، 22:37 (جرينيتش)
اللهم يا من اخرجت يونس من بطن الحوت العظيم ويامن نصرت نوح بالطوفان ويا من فلقت البحر لموسى البحر ويامن سخرت الجن لسليمان ويامن جعلت نار ابراهيم بردا وسلاما هذا اكرم رسلك قد خاضت في شخصه اقلام الكفر ولهجت بسبه اللاذع السنة عبدة الطاغوت وضحكت من اجل ذلك اشداقهم اللهم اني اسلك باسمك الاعظم الذي اذا سؤلت به اعطيت ان تنزل بهم سخطك وان توقع بهم اشد عقابك وان تجعلهم عبرة للعالمين اللهم عجل بذلك ياسميع الدعاء
---------------------------
بيان من جبهة التوافق العراقية
محمد العراقي |26/01/2006 م، 6:4 (السعودية)، 3:4 (جرينيتش)
أصدرت جبهة التوافق العراقية بيانا حول الإساءة إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم
---------------------------
المقاطعة للأبد
عدو الدنمارك |26/01/2006 م، 20:8 (السعودية)، 17:8 (جرينيتش)
علما قبل ايام عما فعله اعداء الله سبحانه وتعالي واعداء الدين واعداء الرسول صلي الله عليه وسلم واعداء الامة الاسلامية جميعا فلعنة الله عليهم فيجب علينا نحن جميعا كمسلمين مقاطعة كل كل ما ينتجهه هولاء الصهاينة مقاطعة ابدية `لعنة الله عليهم` اللهم انصر دينك وعليك باعداء الدين اللهم امين
---------------------------
الله يكفيك يارسول الله
لحظة غروب |26/01/2006 م، 20:58 (السعودية)، 17:58 (جرينيتش)
ان الله يمهل ولا يهمل وسوف نرى نصره للرسول صلى الله عليه وسلم عاجلا غير آجل وضوح الشمس في وسط النهار
---------------------------
واجبنا نحوك يارسول الله هو...
علي |26/01/2006 م، 21:2 (السعودية)، 18:2 (جرينيتش)
هو أن نقول الآن واجب واجب واجب علينا مقاطعة جميع منتجاتهم وهذا أقل مانعمل لرد حق رسول الله صلى الله عليه وسلم
---------------------------
نصر الله قادم بإذن الله
احمد |27/01/2006 م، 17:38 (السعودية)، 14:38 (جرينيتش)
ابشروا يا أمة سيدي وحبيبي محمد -عليه افضل الصلاة وأتم التسليم - فنصر الله قادم انشاء الله فهذا الهجوم الذي شنوه الكفار على خير الأنام انما هو والله أعلم جاء ليجعل قلوب المسلمين في جميع اقطار المعمورة تصحو من بعد غفلة فأناشدكم الله ان تبذولو كل المساعي والجهود لمحاربة الكفار الظالمين الحاقدين على هذا الدين العظيم فيا أخواني المسلمين شدوا العزم والله ينصرنا على القوم الظالمين ياعزيز ياقدير يا أكرم الأكرمين .(10/142)
---------------------------
الحل الأقوى
ام عبد الله |27/01/2006 م، 18:44 (السعودية)، 15:44 (جرينيتش)
لا شك أن جرأة هولاء تحدي لكل مسلم . و أن الرد عليهم لابد أن يكون رادعا لكل من قد تسول له نفسه بمثل هذا الفعل العظيم ؟ ومن ذلك: 1- مقاضات الصحيفة والسعي لإغلاقها. 2_ السعي بقوة لأستصدار قانون ينص على عقوبة لكل من أساء للأنبياء أو الاسلام . ولسنا أقل من أولئك القوم الذين استصدرو قانونا ضد من يعادي السامية_ كما زعموا _. 3_ سحب كل الدول المسلمة سفاراتها من هذه الدول للضغط عليهم إذ كان موقفهم باردا .. ميتا . 4- ضرب اقتصاد تلك الدولة بكل سبيل لفترة غير محدودة وليس حماسة وقتية تترجم بمقاطعات من أفراد بينما التجار والشركات في صد عن ذلك.
---------------------------
واسلاماه....
عمار |27/01/2006 م، 18:47 (السعودية)، 15:47 (جرينيتش)
ليست المشكله وليده اللحظة.......نحن من اضاع الاسلام.....نحن من تهاون في الاسلام...كلنا خاطئ..نحن اساس الكارثه..اضعنا اسلامنا..فاذلنا الله...عوقبنا بكرامتنا..بعزتنا..بعروبتنا..بديننا... بنبينا...رحماك ياالله...واسلاماه
---------------------------
اللعنة على الدنماركيين
ابو أسامة |27/01/2006 م، 19:0 (السعودية)، 16:0 (جرينيتش)
يامسلمين علينا جميعاً مقاطعة الدنماركيين ومنتوجياتهم .. وليس كما يقول رئيس وزرائهم لعنة الله ( ديمقراطية وحرية ) أي حرية مع الاستهزاء بخاتم النبيين ونبي هذه الأمة الإسلامية ( ألأ لعنة الله عى الكافرين ) .. زور الموقع وقاطعوهم
---------------------------
والله لا ينام المسلمون حتى يثأروا لرسولهم الكريم
بشار الحطاب من العراق |27/01/2006 م، 19:11 (السعودية)، 16:11 (جرينيتش)
والله المستعان على مايصفون وحسبنا الله ونعم الوكيلا . ادو كل حاكم مسلم غيور على امته ودينه ان يقطع كل التعاملات مع الدنمارك وان يطالب بتقديم المجرمون الذين تجاوزو على رسول الامة وشفيعها حبيبنا المصطفى ابى القاسم محمد صلى الله عليه وسلم .وان تنصرو الله ينصركم ان تنصروا الله فلا غالب لكم .
---------------------------
يارسول الله
ناصر علي الغامدي |27/01/2006 م، 19:16 (السعودية)، 16:16 (جرينيتش)
بأبي وأمي انت يارسول الله اللهم اكفنا فيهم ياقوي ياعزيز
---------------------------
واه إسلاماه واه إسلاماه واه إسلاماه
قاهر الدنمارك |27/01/2006 م، 19:54 (السعودية)، 16:54 (جرينيتش)
ال السلام على من اتبع الهدى اعلموا ايها الدنمركيون ان التاريخ يشهد عندما كان المسلمون يتزعمون العالم يعيش في سلام وامان وعندما ضاعت زعامة المسلمين للعالم وقع العالم في الظلم والحروب وضاعت الفضيله جاءت براثم الرزيله والقوي ياكل الضعيف وذلك بعد ان جاء منقذ البشريه وسيدها محمد صلى الله الذي اخرجه من الظلمات الى النور قام هاؤلاء الاوغاد بلإساءة اليه ., ابشركم ايها الدنمركيون والنروجيون بأن الله ناصر لدينه ومعلي كلمته ومدافع عن نبيه وسوف تلحقكم بإذن الله العقوية في الدنيا و الآخره الغوث الغوث يا أمة الإسلام بمقاطعة المنتجات الدنمركية والنرويجية نرجوا من جميع المتاجر أبو حر ب متجر المستهلك وطني بنده ---الخ بمقاطعة المنتجات كمتجر العثيم جزاه الله خيرا سلام على من اتبع الهدى
---------------------------
بابي انت وامي يا حبيب الله
الفقيره الى الله تعالى |27/01/2006 م، 20:19 (السعودية)، 17:19 (جرينيتش)
بابي انت وامي يا رسول الله بابي انت وامي ياحبيب الله بابي انت وامي ياخيرخلق الله اللهم دمرهم اللهم اهلكهم اللهم انزل عليهم باسك وانصر خاتم رسلك ياحي ياقيوم يارب العالمين منتجاتهم يجب علا المسلمين مقاطعتها وهي سن توب سن كويك جبنه البقرات الثلاث انكور نيدو لورباك واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
---------------------------
شل اللة ايد يهم
مطلق حداد |27/01/2006 م، 20:43 (السعودية)، 17:43 (جرينيتش)
اللهم اخرس ألسنتهم وشل ايديهم ولا تشفي مرضاهم اللهم ارنا عجائب قدرتك فيهم اللهم اخسف بهم الارض اللهم ارسل عليهم عذابك الذي لايرد عن القوم الظالمين اللهم زلازل الارض من تحت اقدامهم قال تعالى [انا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا]
---------------------------
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون
حفيد رسول الله |27/01/2006 م، 20:55 (السعودية)، 17:55 (جرينيتش)(10/143)
الى جدي وسيدي ورسولي محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ... نعلم أنك منصور وذكرك محفوظ ولكن هذا إبتلاء من الله تعالى ( لبيلوكم أيكم أحسن عملا ) فغدا كلنا يجد عمله أمام حوضك يا رسول الله .. إما أن يشرب .. وإما والعياذ بالله أن يكب على وجهه في جهنم .. يا رسول الله سوف نرضيك .. والله إن أعمالنا تعرض عليك كل يوم إثنين وخميس .. والله لسوف ترضى عن إخوانك وأحفداك بأبي أنت وأمي .. سنريهم كما فعل أصحابك ... فنحن إخوانك فأنت بكيت علينا لأنك لم تلقانا .. فهل نبكي عليك لكي نلقاك ؟؟؟ نعم نبكي ونبكي وبنكي لا دموعا بل دما فداء لك يا رسول الله . يا ودود .. يا ودود .. يا ودود .. يا ذا العرش المجيد .. يا فعالا لما تريد .. أسألك بنور وجهك الذي أضاءت له أقطار عرشك .. وبقدرتك التي قدرت بها على خلقلك ... وبرحمتك التي وسعت كل شيئ .. لا إله إلا أنت سبحانك .. اللهم أغثنا .. اللهم أغثنا .. اللهم أغثنا .. اللهم جازي هؤلاء الفئه الذين أساؤوا في حق حبيبك وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقدر محبتك فيه . اللهم إحفظ عبادك من أن يفتنوا وأن يضلوا . ولله الأمر من قبل ومن بعد . والله غالب على أمره .
---------------------------
النهاية ياأعداء محمد
ابو نواف من السعودية |27/01/2006 م، 20:59 (السعودية)، 17:59 (جرينيتش)
قريباً ان شاء الله يحل هزه اقتصادية بدولة الدنمارك بسبب الحقد الدفين الذي ظهر هذه الأيام على صحافتهم
---------------------------
طبت حيا وميتا ياحبيب يامصطفى
من الكويت |27/01/2006 م، 21:7 (السعودية)، 18:7 (جرينيتش)
أرجو من الجميع ارسال رسالة احتجاج على الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم بالجرائد الدنماركية والنرويجية على ايميل السفاره الدنماركية. Dkconkwi@qualitynet.net
---------------------------
ردا على ماقيل في الرسول الكريم
fayssal |27/01/2006 م، 21:8 (السعودية)، 18:8 (جرينيتش)
السلام عليكم انني واحد من أبناء هذه الأمة الخيرية أغار على عرض رسول الله(ص) وأناشد وأدعو من كل مسلم غيور على هذ ا الدين أن يقف مع نفسه لحظات ليرى ما قدم لهذا الدين ولرسوله الكريم، وأدعو الجميع الى المقاطعة الاقتصادية لأن الكفار عبدة الدينار والدرهم وسيتأثرون بذلك أيما تأثر. عباس صبان طالب جامعي من الجزائر و السلام عليكم
---------------------------
لن نرضى بهذه الإهانة
ابو حمد |27/01/2006 م، 21:9 (السعودية)، 18:9 (جرينيتش)
قيل اذا قابلك شخص بالاساءة فقابله بالحسنة الا اذى تعرض لدينك وعقيدتك فما بالك بالذي يسب حبيبك ورسولك محمد فأنا شخصيا لا أرضى إلا بالجهاد والغزو على هؤلاء الكفرة ونأمل من الله أن ينصرنا إلى ذلك
---------------------------
اين من يحمل هم الرسالة
ياسر محمد توفيق |27/01/2006 م، 21:23 (السعودية)، 18:23 (جرينيتش)
الى مليار وثلاثمائة مسلم اين غيرتكم لحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم وباى وجهه سوف تلقونه فى عرصات يوم القيمه وكيف ترجون من الله شفاعة ولم يتمعر وجه احدكم غضبا لنصرته اجعلوا من ادعياء الحرية فى الدنمارك عبرة لغيرهم قاطع منتاجتهم مقاطعه لا رجعه فيها ماحيينا وحسابنا الله ونعم الوكيل فاين انتم يامسلمون
---------------------------
اهدار دمه
المسلمة |27/01/2006 م، 21:26 (السعودية)، 18:26 (جرينيتش)
السلام عليكم احب ان اؤكد مع اخوتي على واجبنا اتجاه هذا العدو بمواجهته بكل السبل بالمقاطعة والكتابة والحديث في كل مكان ونشرها عبر العالم والمطالبة بهدر دم المسؤول عن هذا الاستهزاء كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بهدر دم من شتمه ،، نحن المسلمين نعلم بمدى شناعة هذا الفعل ولكن يجب ايصاله للغرب حتى يسمعوا من هم المسلمين وكيفية قدرتنا على الدفاع عن ديننا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم وتكون الدنمارك عبرة لغيرها ،، وحتى نثير لديهم الفضول في البحث عن هذا الانسان الذي يدافع عنه الملايين من امته ،، ونسال الله ان تكون في هذه المصيبة عزة لديننا ونصرة له وسبب لاسلام الكثير .. هذه رسالة لكل من لديه القدرة على ايصال كلمته للغرب سواء من المغتربين او المهاجرين او بايصالها عن طريق الانترنت الذي قررب كل المسافات ،، علينا بالدخول الى مواقعهم في الشبكة ,, واسال من الله التوفيق والسداد وان لا تهبط عزيمتنا ولا تفتر في سبيل الله ,, اللهم عليك باعدائك واعداء حبيبك صلى الله عليه وسلم .. الله كما حميته ونصرته في حياته انصره بنا في مماته وبلغنا شفاعته واجعله يفخر بنا ويسقنا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها .. والحمدلله رب العالمين!!!!
---------------------------
لبيك ياخاتم الانبياء
لبيك يارسول الله |27/01/2006 م، 21:29 (السعودية)، 18:29 (جرينيتش)(10/144)
انه والله لكبيره على امة المليار ووالنصف مسلم يسب رسولهم وهم يتفرجون ولا يملك اكثرهم الا الدعاء . الدعاء وحده لا يكفي وانما علينا جميعا مقاطعة جميع بظائع هذه الدولة المقيته حتى تندم على ما اقترفت يداها من تطاول على رسول الاسلام فالله الله في انفسكم واجلو من المقاطعه درس لجميع الامم
---------------------------
هذا ليس بالغريب
ماهر |27/01/2006 م، 21:31 (السعودية)، 18:31 (جرينيتش)
ايها الأخوان والأخوات ماحدث في الدنمارك ليس بالغريب وليس من المستغرب أن يحدث في اي من بلاد الكفر فالكل يعلم مدى كراهيتهم للأسلام وللمسلمين ولكن الغريب والغريب جدا أن نجد من المسلمين من يشجع صناعاتهم وتجارتهم على حساب منتجات وطنيه منتجه في دول اسلاميه ، والمقاطعه هي اقل القليل واقل ما نملك فعله للدفاع عن حبيبنا ، يرجى زياره موقع شبكه اللجنه العالميه لنصره خاتم الأنبياء لمعرفه 100 وسيله لنصره النبي عليه الصلاه والسلام www.icsfp.com
---------------------------
الدنمارك والهجوم على الرسول
لا إله إلا الله محمد رسول الله |27/01/2006 م، 21:38 (السعودية)، 18:38 (جرينيتش)
ويلهم من رب العباد يوم القيام سيرسمون ب قيحم و دمائهم أنفسهم طلبا للرحمة من الله
---------------------------
فلا نامت أعين الجبناء
إسماعيل عبده إسماعيل البطر |27/01/2006 م، 21:39 (السعودية)، 18:39 (جرينيتش)
ما سمعناه وما قرأناه لم يكن إلا إضهارا للنوايا البائته من قبلهم قاتلهم الله وجعل كيدهم في نحورهم ، أتمنى من كل مسلم ان يفعل ما يقدر على فعله واقل شيئ يمكنه فعله هو مقاطعة البضائع الدنماركية ولنتوكل على الله في أن يرد عليهم فهم لا يعجزونه .
---------------------------
واسفاه
صقر |27/01/2006 م، 21:45 (السعودية)، 18:45 (جرينيتش)
ايها الاخوة واله العلي الذي لا اله الا هو ان هذا الذي يحدث ماهوا الا علامة من علامات النصر وان النصر قريب وليس ببعيد وان وعد الله حق وانهم ليذوقوا من العذاب مالم يتوقعوه بحياتهم على ايدي المؤمنينفاوالله اننا نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانافابشر ياحبيبي يارسول الله.....
---------------------------
لا حول ولا قوة الابالله
ابو احمد ( السعوديه ) |27/01/2006 م، 21:51 (السعودية)، 18:51 (جرينيتش)
بسم الله الرحمن الرحيم نداء الى جميع المسلمين ماذا تنتظروا قال رسول الله (ص) لمن راى منكم منكرا ليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان. ما بالكم اذا كان الرسول الكريم يتعرض لمثل هذا الهجوم لذلك ياايها المسلمون يجب ان تتخذوا موقفا ضد هؤلاء الكفره بشتى الوسائل ابسطها مقاطعة منتجاتهم والمشاركه بالاعتراض وعدم الرضى حتى يتباهى عليه السلام امام اصحابه والملائكه بكم ويقول انظروا اتباعي يدافعو ن عن نبيهم ولم يروني.
---------------------------
حسبي الله ونعم الوكيل
محبة الرسول |27/01/2006 م، 22:4 (السعودية)، 19:4 (جرينيتش)
اللهم انصر الاسلام والمسلمين واذل الشرك والمشركين اللهم اجعل النصر قريب للحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورد كيد الاعداء في نحورهم ...... اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى ال سيدنا وحبيبنا محمد وعلى زوجاته وذرياته اجمعين في العالمين انك حميد مجيد .......
---------------------------
اللهم دمرهم
محبة رسول الله |27/01/2006 م، 22:4 (السعودية)، 19:4 (جرينيتش)
حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن استهزء برسول الله صلى الله عليه وسلم
---------------------------
حسبنا الله و نعم الوكيل
مسلمون |27/01/2006 م، 22:12 (السعودية)، 19:12 (جرينيتش)
نحن اساس ما يحدث في الدنمارك فلولا تهاوننا في التمسك بديننا و نبينا وتساهلنا مع عدونا ما كان هذا ليحدث,فلندعوا من الله العزيز الكريم ان تستيقظ امة الاسلام قريبا
الذبّ عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
جريدة الرياض 30/12/1426هـ
=========================
الذبّ عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل
د. م. حبيب بن مصطفى زين العابدين
هل هو في حق القادر فرض أو واجب أو مستحب؟ في اعتقادي أنه فرض على القادر وإذا لم يقم القادرون بهذا الفرض أثمت الأمة بكاملها.. ولقد تجرأ الغرب على القرآن العظيم ولم يجدوا من المسلمين من يذب عن أعظم ما نزل على البشرية من كتب رب العالمين وكان الرد ضعيفاً وهزيلاً لا يرقى إلى حجم الإهانة التي أهين بها كتاب رب العالمين الذي يعتبره المسلمون أعظم نعم الله عليهم.. إذ يربطهم بخالقهم وبارئهم الذي صاغ لهم حياتهم الدنيوية والأخروية فيه على النحو الذي يرضى به عنهم.
واليوم يتجرأ الغرب في الدنمارك وجارتها ليتطاولوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سكوت المسلمين على إهانة القرآن العظيم وما عساهم فاعلين بعد سكوتنا على إهانة رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.(10/145)
لقد شهد أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده على صدقه وأمانته وهاجر من مكة المكرمة حين هاجر وأمانات غير المسلمين في حوزته تركها عند ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليردها إلى أصحابها.. لقد وُصف صلى الله عليه وسلم عند حضرة النجاشي ملك الحبشة من جعفر بن أبي طالب عندما حاولت قريش استعادة من هاجر إليها من الصحابة بقوله: (أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات،..) (سيرة ابن هشام) هذا هو الرسول الذي يصوره صحفيو الدنمارك وأعوانهم بأبشع صورة وأسوأ حال.. ولقد كان أبو سفيان وغيره من المشركين قبل إسلامهم لا يتهمونه في شيء من أمانته وإخلاصه وصدقه بل كانوا عدلاء لا يبعد وصفهم له عن الوصف السابق له وأعظم شيء كانوا يعيبونه عليه هو دعوته لهم بتوحيد الله ونبذ الأصنام وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار.
وعلى مرّ التاريخ وفي كتابات المستشرقين وفي كتابات النصارى العرب في العهود الحديثة لم نعهد قط أن أحداً سقط هذا السقوط الذي تناول به الصحفيون الدنماركيون ومن على شاكلتهم سيرة المصطفى عليه السلام وتشويه صورته على هذا النحو بل المشهود أن بعض هؤلاء كانوا يثنون على النبي صلى الله عليه وسلم ويعتبرونه عبقري العرب وأشد ما كان يؤخذ عليهم تشكيكهم في نبوته أو التقليل من شأنه عداك عمن أعطى المصطفى عليه السلام حقه وأنصفه من الأوروبيين والنصارى واليهود الذين أسلموا في العهود القريبة أمثال محمد أسد، وروجيه جارودي وغيرهما.
لقد عدّه مايكل هارت في كتابه العظماء مائة.. أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول برناردشو في كتابه محمد منقذ الإنسانية (إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد الذي وضع دينه موضع الاحترام) ويضيف قائلاً: (ولذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي فأقول: إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة، وإني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم، لتم له النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام..).
ويقول العالم الفرنسي لومارتين في كتابه (تاريخ تركيا) بعد أن ذكر الكثير من صفاته صلى الله عليه وسلم (.. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم، بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟).
ويقول السيد موير العالم الانكليزي في كتابه (تاريخ محمد) (إن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم) هذا غيض من فيض مما كُتب ويُكتب في التاريخ في الثناء على محمد صلى الله عليه وسلم من غير المسلمين.
ولقد توعد الله الذين يؤذون الله ورسوله يقول تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} الأحزاب 57، وستطال اللعنة الدنماركيين وأمثالهم وسينالون عذاب الدنيا قبل الآخرة.. ولكن واجب المسلمين الذين رَخُص عليهم رسولهم وقرآنهم ودينهم وزخوانهم المسلمين والمسلمات هم الذين يُخشى عليهم من التقصير في حق الله ورسوله وحق الإسلام والمسلمين.
لا يشك أحد في أنه على مستوى الأفراد والمجتمعات والملوك والرؤساء لو أن أحداً أهين في نفسه أو والده أو زوجه أو ابنه لثار ثورة عظيمة ولحاول أن يثأر ولغلي كالبركان. أما أن يهان القرآن ويهان رسول الإسلام فإن الغضب باهت والثورة باردة والعتاب على استحياء.. أين محبة الله ورسوله؟! وأين محبة القرآن؟ إن هانت علينا فستهون علينا أنفسنا وأهلونا وأوطاننا وأموالنا شئنا أم أبينا!!. أما إن عز علينا الله ورسوله والقرآن والإسلام والمسلمين فسيعز الله كل من ذبه عن عرض رسوله وعن عرض القرآن العظيم وعن الإسلام والمسلمين في أهله ونفسه وماله ووطنه.(10/146)
إن الواجب أمام الله لا أمام أحد سواه يستلزم أن يكون التفاعل على مستوى الحدث وأن نثأر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل على قدر استطاعته.. أما أن يتغنى المسلمون بمحبة الله ورسوله دون أن يبرهنوا على هذه المحبة كما كان يفعل صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حين فضلوه على أهلهم وأنفسهم وفدوه بالغالي قبل الرخيص.. عندما كان خباب بن الأرت على حبل المشنقة وسأله المشركون هل تتمنى أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم مكانك؟ قال لا والله ما أتمنى أن يشاك محمد بشوكة وهو في مكانه..!! ولا يسع المجال لتعداد الأمثلة العظيمة لمحبة الصحابة لرسولهم كتلك المرأة التي فقدت والدها وأخاها وزوجها في غزوة من الغزوات وكان همها الأول أن تطمئن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تراه بعينها سليماً معافى فقرّت عيناها بذلك واطمأنت وهان عليها مصابها الجلل بفقد أعز الناس عليها وقالت كلمتها الشهيرة الخالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل).
حفنة من الصهاينة استطاعوا أن يدرجوا الاعتداء على السامية ضمن الجرائم المستحقة للمقاضاة عليها عالمياً ودولياً.. واستصدروا بذلك قرارات عالمية وحاكموا كثيرين على أساسها..!! ما لم يطالب المسلمون حكاماً وتجاراً وأصحاب نفوذ وجاه ومن معهم من المسلمين وهم أكثر من مليار مسلم بأن تصدر الأمم المتحدة قانوناً دولياً يعتبر الإساءة إلى الأنبياء والرسل والقرآن العظيم جريمة يعاقب عليها ويلاحق عليها قضائياً في أي مكان في العالم.. فالاستهزاء سيستشسري والاستهانة ستزداد والمهانة ستطال الجميع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن القادر منا على أن يذب عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة، بمقال بتنديد، بشجب، بمقاطعة.. يجب أن يبادر إلى ذلك بأقصى ما يستطيع وبأعلى درجة وتقاعسه عن ذلك دليل على قلة محبته لله ولرسوله وقلة إيمانه.. والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله وولده والناس أجمعين صدق رسول الإسلام العظيم. أما غير القادرين فلا أقل من أن يضرعوا إلى الله يبكون وإليه يلجأون وهو المستعان وإليه المشتكى يسألونه أن يؤهل أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لتكون منيعة ممتنعة من كل من تسول له نفسه أن يعتدي على رسولها أو على قرآنها أو على أراضيها أو على المستضعفين منها وأن تهاب الأمم المساس بمقدساتها أو النيل من اعراضها والله يستجيب والله قدير وبالإجابة جدير وما ذلك على ربنا بعزيز.
تعليقان
1
مفخرنا بنبينا الذي بعثه الله لنا بديننا
الشكر لله ثم للدكتور على موضوعةالمنسق والمتزن... قبل كل شئ أقول تاريخ هجرته غدا فكيف ننسى حبيبنا الذي بعثه الله لنا بديننا دافعوا عن اليقين فلا فخر سواه... ولا عيش بلاه...ولا جنة مثواه لمن نسي دينه بدنياه هونبينا وديننا الذ ي أتنا معاه ولا نريد سواه بطلنا وقدوتنا نبي الله..نبي الأمة..هبوا يا مسلمين ودافعوا عن اليقين أي دنيا تحيا بأهانة وذل عيشوا شرفاء وأبعدوا عن الغباء
مريم عبد الكريم بخاري
06:08 صباحاً 2006/01/30
2
هنيئاً لك لقد تشرفت بالدفاع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
وما أعظمه من شرف أسأل أن يشفعه فيك وفي والديك.
آمل أن تستمر في العطاء فهذه الموهبة نعمة من الله. ومن حق المنعم الشكر {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم} لأزيدنكم} وأعظم الشكر استعمال هذه الموهبة وهذا القلب وهذا الأسلوب الرائع في نشر الإسلام وعظمة الإسلام.. وتعاليم الإسلام، ونشر سيرة الحيب صلى الله عليه وسلم، في الصحف السعودية، والأجنبية وفي منتديات الانترنت الغربية بتقل مقالات ينشرها موقع الشيخ محمد صالح المنجد لمنتدياتهم ف[لئن يهيد الله بك رجلا واحداً خيرٌ لك من حمر النعم] كما آمل الذب عن عرضه بالتي هي أحسن, فألله الله في هذا الثغر العظيم
عبدالعزيز بن علي العسكر
08:07 صباحاً 2006/01/30
الرابحون والخاسرون من قضية الكاريكاتير
د. عبدالله بن إبراهيم العسكر
لم يكن في نيتي العودة إلى موضوع رسومات الكاريكاتير المنشور في الصحيفة الدنماركية يولاندس بوستن لولا استمرار تصاعد تداعيات الحدث، وتأثر الدين الإسلامي والمسلمين سلباً بتلك التداعيات. وكنت أشرت في مقال الأسبوع ماقبل الماضي إلى أن جهات سياسية وتجارية إسلامية ودنماركية استثمرت الحدث لمآربها الخاصة. وهذا وأيم الحق هو الضرر الكبير الذي يضر بالدين الإسلامي والمسلمين في كافة أرجاء المعمورة، وبالمسلمين في الغرب على وجه الخصوص.(10/147)
وقرأت مقالة جيدة للسيد عادل درويش في صحيفة الشرق الأوسط ليوم السبت 11/2/2006م ينقل فيها أخباراً لا تسر عن قيام جماعة مجهولة في أحد بلدان العالم الإسلامي، نسقوا مع أمثالهم من مسلمي الدنمارك لإدارة حملة إعلامية، قامت تلك المجموعتان بتمويل وطبع وتوزيع منشورات عليها رسومات كاريكاتيرية تسيء إلى الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. ثم أخذوا في توزيع تلك المنشورات في بلدان العالم الإسلامي من المغرب إلى الفلبين، زاعمين أنها رسومات تم ارسال الآلاف منها لكل الدنماركيين بالبريد. وهو خبر كاذب، يتحمل وزره تلك المجموعات المجهولة. لكن ضرره كبير، إذ ألب آلاف المسلمين في افريقيا وآسيا الذين وصلتهم تلك المنشورات.
وقلت في مقالتي السابقة أن بعض قادة العمل الإسلامي استثمروا الحدث بصورة لا تنم عن سلامة طوية أو حق وصدق. واليوم اطلعت على خبر رواه لي من أثق به، وفيه أن أحد زعماء الجالية الإسلامية في الدنمارك ظهر على محطة تلفزيون الجزيرة يؤيد ويدعو المسلمين إلى مقاطعة المنتجات الدنماركية، ثم ظهر هذا الزعيم على محطة تلفزيون دنماركية يدين فيها المقاطعة الإسلامية، ويصفها بالغوغائية، ويقول أنها لا تمثل الإسلام في شيء. فتأمل رعاك الله كيف تدار أمورنا الدينية والسياسية بيد مسلمين يجلبون الشر والضرر.
على أن أخطر ما يمكن توقعه هو أن تكون القاعدة في أوروبا قد اخترقت بعض الجماعات الإسلامية في الدنمارك وقامت بنشر أكاذيب وتأليب الرأي العام الأوروبي من أجل هدفها المتمثل في توسعة الشق بين المسلمين والغرب، أو ما يسمى بصدام الحضارات. وهو هدف طالما نادى به الظواهري. لهذا ليس بعيداً أن تكون الأخبار صحيحة تلك التي تسربت من مصادر مخابرات أوروبية، وفيها أن ناشطين من الدنمارك يتعاونون مع بلد أفريقي من أجل زعزعة أي تعاون أو تفاهم غربي - إسلامي. على أن السؤال الكبير الذي لازال عالقاً هو: من أين جاءت الأموال الطائلة التي صرفها (أئمة كوبنهاجن) على حملة طباعة المنشورات ومن ثم توزيعها في عرض البلاد الإسلامية وطولها. هذا سؤال لا نجد له اجابة شافية من قبل دوائر العمل السياسي في العالم الإسلامي..
ومثل هذا السؤال يمكن أن يُقال عن التظاهرات السياسية والتدمير الذي طال بعض السفارات أو المصالح الغربية. من الذي يقف وراءها، خصوصاً في بلدان إسلامية لا تسمح أنظمتها بالتظاهرات السياسية، ناهيك عن أعمال التخريب والتدمير. هل نقول ان أجندة سياسية محددة أرادت استثمار الرسومات الكاريكاتيرية لأغراض سياسية دنيئة.
إنه ليحزنني أن تُستغل قضية دينية لمآرب سياسية. وهذا ما حدث بالضبط، فبعض المعارضين السياسيين والاقتصاديين في أوروبا، لم تكن معارضتهم نابعة عن صدق، بل لمنافسة حزبية قميئة، ومنافسة تجارية واضحة، لا تنطلي إلاّ على السذج. ولهذا كان على حكماء المسلمين أن لا ينخدعوا بخطط الصاعدين على أكتاف الحدث، والذين يطمعون في تحقيق مصالح مادية أو شخصية. كان على حكماء الأمة الإسلامية توضيح ذلك لعامة الشعوب الإسلامية. من ذلك مثلاً تزويدهم بمعلومات صادقة وحيادية، ونشر ثقافة الاحتجاج السلمي، بدل العنف الذي ظهر على شاشات التلفاز البريطاني، حيث صُور المسلمون وهم يحملون الفؤوس والسواطير، ويحملون شعارات الموت الزؤوم للنصارى، ويدعون لقتل عدد كبير من النصارى على حد تعبير شعاراتهم المسيئة للإسلام والمسلمين. كان على علماء المسلمين التصدي للفتاوى التي تسيء للدين الإسلامي، مثل فتوى عويلم كويتي قال فيها باستباحة دم رسام الكاريكاتير الدنماركي.
إنني والله لأعجب أشد ما يكون العجب من أمة كرمها الله بالقرآن، وأرسل إليها رسول الهدى والحكمة أن تنجرف إلى هذا القدر من غياب العقل والحق. فما كان يجب تعميم الذنب ومعاقبة الكل. وما كان يجب أن تصدر ردود أفعالنا السياسية بناء على عواطف شعبية، لا نعرف من يديرها ويثيرها، وما كان يجب أن تُغيّب الحقائق هكذا. لماذا لا تنشر الصحافة الإسلامية مقابلات مع مسلمين من أوروبا لنعرف موقفهم، لأنهم هم مع الإسلام في أوروبا هما المتضررون أولاً وأخيراً من ردود أفعالنا. لماذا لا نسأل هذا السؤال البسيط: من الذي أثار الرأي العام الإسلامي بخصوص الرسومات بعد نشرها بثلاثة أشهر. نعم ثلاثة أشهر لم يعرف عنها المسلمون في آسيا وأفريقيا وبعض بلدان أوروبا شيئاً يذكر. وهي نشرت في صحيفة لا يقرؤها إلا من يجيد اللغة الدنماركية، وهم قلة مقارنة بمن يقرأ بالانجليزية أو الاسبانية أو الفرنسية .من وراء الحدث يا ترى؟(10/148)
أسئلة كثيرة عالقة. ويهمني أن أقول بصراحة ان المتشددين والمتطرفين في أوروبا والعالم الإسلامي سواء بسواء هم من يغذي مثل هذه المواقف. والحق أن هذا الحدث المشين لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فمنذ بزوغ الإسلام ونبيه يتعرض في كل عصر ومصر لحملات هوجاء، ولم يضره في حياته، ولن يضره في مماته. وأنبياء الله يتعرضون لسخرية واسعة في الإعلام الغربي والسينما الغربية والمؤلفات الغربية. ولن تقف تلك السخرية إلا بسن قوانين صارمة من قبل المشرعين الغربيين، تُجرم تلك الأفعال. أما تأليب الرأي العام الإسلامي بهذه الصورة، فلا أظن أنها مفيدة، ولن تحقق ما نرجوه، بل أضرارها كثيرة، وقد تكون قاتلة وتؤدي إلى صدام حضاري بيننا وبين الغرب. وهو ما يسعى إليه المتطرفون الجاهلون من قبل الطرفين. والله أعلم.
==========================
الرابحون والخاسرون من قضية الكاريكاتير
الكاتب: د. عبدالله بن إبراهيم العسكر
لم يكن في نيتي العودة إلى موضوع رسومات الكاريكاتير المنشور في الصحيفة الدنماركية يولاندس بوستن لولا استمرار تصاعد تداعيات الحدث، وتأثر الدين الإسلامي والمسلمين سلباً بتلك التداعيات. وكنت أشرت في مقال الأسبوع ماقبل الماضي إلى أن جهات سياسية وتجارية إسلامية ودنماركية استثمرت الحدث لمآربها الخاصة. وهذا وأيم الحق هو الضرر الكبير الذي يضر بالدين الإسلامي والمسلمين في كافة أرجاء المعمورة، وبالمسلمين في الغرب على وجه الخصوص.
وقرأت مقالة جيدة للسيد عادل درويش في صحيفة الشرق الأوسط ليوم السبت 11/2/2006م ينقل فيها أخباراً لا تسر عن قيام جماعة مجهولة في أحد بلدان العالم الإسلامي، نسقوا مع أمثالهم من مسلمي الدنمارك لإدارة حملة إعلامية، قامت تلك المجموعتان بتمويل وطبع وتوزيع منشورات عليها رسومات كاريكاتيرية تسيء إلى الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. ثم أخذوا في توزيع تلك المنشورات في بلدان العالم الإسلامي من المغرب إلى الفلبين، زاعمين أنها رسومات تم ارسال الآلاف منها لكل الدنماركيين بالبريد. وهو خبر كاذب، يتحمل وزره تلك المجموعات المجهولة. لكن ضرره كبير، إذ ألب آلاف المسلمين في افريقيا وآسيا الذين وصلتهم تلك المنشورات.
وقلت في مقالتي السابقة أن بعض قادة العمل الإسلامي استثمروا الحدث بصورة لا تنم عن سلامة طوية أو حق وصدق. واليوم اطلعت على خبر رواه لي من أثق به، وفيه أن أحد زعماء الجالية الإسلامية في الدنمارك ظهر على محطة تلفزيون الجزيرة يؤيد ويدعو المسلمين إلى مقاطعة المنتجات الدنماركية، ثم ظهر هذا الزعيم على محطة تلفزيون دنماركية يدين فيها المقاطعة الإسلامية، ويصفها بالغوغائية، ويقول أنها لا تمثل الإسلام في شيء. فتأمل رعاك الله كيف تدار أمورنا الدينية والسياسية بيد مسلمين يجلبون الشر والضرر.
على أن أخطر ما يمكن توقعه هو أن تكون القاعدة في أوروبا قد اخترقت بعض الجماعات الإسلامية في الدنمارك وقامت بنشر أكاذيب وتأليب الرأي العام الأوروبي من أجل هدفها المتمثل في توسعة الشق بين المسلمين والغرب، أو ما يسمى بصدام الحضارات. وهو هدف طالما نادى به الظواهري. لهذا ليس بعيداً أن تكون الأخبار صحيحة تلك التي تسربت من مصادر مخابرات أوروبية، وفيها أن ناشطين من الدنمارك يتعاونون مع بلد أفريقي من أجل زعزعة أي تعاون أو تفاهم غربي - إسلامي. على أن السؤال الكبير الذي لازال عالقاً هو: من أين جاءت الأموال الطائلة التي صرفها (أئمة كوبنهاجن) على حملة طباعة المنشورات ومن ثم توزيعها في عرض البلاد الإسلامية وطولها. هذا سؤال لا نجد له اجابة شافية من قبل دوائر العمل السياسي في العالم الإسلامي..
ومثل هذا السؤال يمكن أن يُقال عن التظاهرات السياسية والتدمير الذي طال بعض السفارات أو المصالح الغربية. من الذي يقف وراءها، خصوصاً في بلدان إسلامية لا تسمح أنظمتها بالتظاهرات السياسية، ناهيك عن أعمال التخريب والتدمير. هل نقول ان أجندة سياسية محددة أرادت استثمار الرسومات الكاريكاتيرية لأغراض سياسية دنيئة.(10/149)
إنه ليحزنني أن تُستغل قضية دينية لمآرب سياسية. وهذا ما حدث بالضبط، فبعض المعارضين السياسيين والاقتصاديين في أوروبا، لم تكن معارضتهم نابعة عن صدق، بل لمنافسة حزبية قميئة، ومنافسة تجارية واضحة، لا تنطلي إلاّ على السذج. ولهذا كان على حكماء المسلمين أن لا ينخدعوا بخطط الصاعدين على أكتاف الحدث، والذين يطمعون في تحقيق مصالح مادية أو شخصية. كان على حكماء الأمة الإسلامية توضيح ذلك لعامة الشعوب الإسلامية. من ذلك مثلاً تزويدهم بمعلومات صادقة وحيادية، ونشر ثقافة الاحتجاج السلمي، بدل العنف الذي ظهر على شاشات التلفاز البريطاني، حيث صُور المسلمون وهم يحملون الفؤوس والسواطير، ويحملون شعارات الموت الزؤوم للنصارى، ويدعون لقتل عدد كبير من النصارى على حد تعبير شعاراتهم المسيئة للإسلام والمسلمين. كان على علماء المسلمين التصدي للفتاوى التي تسيء للدين الإسلامي، مثل فتوى عويلم كويتي قال فيها باستباحة دم رسام الكاريكاتير الدنماركي.
إنني والله لأعجب أشد ما يكون العجب من أمة كرمها الله بالقرآن، وأرسل إليها رسول الهدى والحكمة أن تنجرف إلى هذا القدر من غياب العقل والحق. فما كان يجب تعميم الذنب ومعاقبة الكل. وما كان يجب أن تصدر ردود أفعالنا السياسية بناء على عواطف شعبية، لا نعرف من يديرها ويثيرها، وما كان يجب أن تُغيّب الحقائق هكذا. لماذا لا تنشر الصحافة الإسلامية مقابلات مع مسلمين من أوروبا لنعرف موقفهم، لأنهم هم مع الإسلام في أوروبا هما المتضررون أولاً وأخيراً من ردود أفعالنا. لماذا لا نسأل هذا السؤال البسيط: من الذي أثار الرأي العام الإسلامي بخصوص الرسومات بعد نشرها بثلاثة أشهر. نعم ثلاثة أشهر لم يعرف عنها المسلمون في آسيا وأفريقيا وبعض بلدان أوروبا شيئاً يذكر. وهي نشرت في صحيفة لا يقرؤها إلا من يجيد اللغة الدنماركية، وهم قلة مقارنة بمن يقرأ بالانجليزية أو الاسبانية أو الفرنسية .من وراء الحدث يا ترى؟
أسئلة كثيرة عالقة. ويهمني أن أقول بصراحة ان المتشددين والمتطرفين في أوروبا والعالم الإسلامي سواء بسواء هم من يغذي مثل هذه المواقف. والحق أن هذا الحدث المشين لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فمنذ بزوغ الإسلام ونبيه يتعرض في كل عصر ومصر لحملات هوجاء، ولم يضره في حياته، ولن يضره في مماته. وأنبياء الله يتعرضون لسخرية واسعة في الإعلام الغربي والسينما الغربية والمؤلفات الغربية. ولن تقف تلك السخرية إلا بسن قوانين صارمة من قبل المشرعين الغربيين، تُجرم تلك الأفعال. أما تأليب الرأي العام الإسلامي بهذه الصورة، فلا أظن أنها مفيدة، ولن تحقق ما نرجوه، بل أضرارها كثيرة، وقد تكون قاتلة وتؤدي إلى صدام حضاري بيننا وبين الغرب. وهو ما يسعى إليه المتطرفون الجاهلون من قبل الطرفين. والله أعلم.
صحيفة الرياض السعودية
=========================
الرسوم الدنماركية المسيئة واستبداد الاعلام المتسلّط
الكاتب: احميدة النيفر(10/150)
تختزل قضية الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية وما انجرّ عنها من مضاعفات لا تكاد تنتهي أزمةً مركَّبةً وخانقةً بين أطراف واسعة من العالم العربي الإسلامي وجانب مهم من نخب الغرب الأوروبي. لذا يصعب القول إن الموضوع في حقيقته صراع بين حداثة غربية لا يمكن أن تتخلّى عن حرية التعبير والتفكير وبين شرق مسلم لا يريد التنازل عن مقدّساته ولا يسمح بإهانة رموزه الدينية. عرض القضية بهذا التعميم لا يساعد على التوقّف للكشف عما يعتمل في الفضاءين (العربي - الإسلامي والغربي الأوروبي) من انسدادات وعوائق وما يثار بينهما في خصوص نظرتهما إلى العالم والذات والمستقبل. لا يعني ذلك أن حريّة التعبير ليست من المحددات الحضارية في الغرب، كذلك فإن ليس من قصدنا دعم مقولة بعض النخب العربية التي لم تستهجن تلك الرسوم ولم تر فيها إساءة الى المسلمين. ما نودّ لفت النظر إليه في المقام الأول هو أن لا تناقض البتّة بين حرية الصحافة والتعبير وبين احترام المعتقدات الدينية، ذلك أن ما أكّده أكثر من كاتب ومعلّق هنا وهناك اختار اتجاهاً معاكساً ينطلق من ضرورة تحديد موقف واضح: إما مع الحرية وإما مع التديّن. لا أدلّ على تهافت مثل هذا الرأي مما وقع في الصحيفة الدنماركية ذاتها: الـ «يولاندس بوستن» التي كانت رفضت في نيسان (ابريل) 2003 نشر رسوم كاريكاتورية للسيد المسيح اعتبرتها مسيئة إليه وإلى أتباعه. إلى هذا نذكر أن هيئة تحرير الصحيفة قد وجدت نفسها في خريف 2005 عند الشروع في مناقشة نشر الرسوم الكاريكاتورية منقسمة بين مؤيد للنشر ومعارض له. يُثبت هذان المثالان أن حرية التعبير تظل محكومة بضوابط حدود الحياة المدنية وما تتطلبه من توازن وتفاهم، تضاف إلى ذلك حالات أخرى كثيرة في «الغرب الديموقراطي» تؤكد ما أصبح يُعرف بـ «استبدادية الاتصال» التي تعرّي الواقع الفعلي للسلطة الإعلامية المتحكّمة في صنع الخبر وتبادله. ما نريده من هذه الأمثلة هو أننا نحتاج في حديثنا عن حرية التعبير إلى قدر أكبر من تنسيب في الرؤية والموضوعية في الأحكام. الأمر، إذاً، أعقد من أن يُعرَض في صيغة «مانوية» تبسيطية تدفع إلى ضرورة الاختيار بين حرية التعبير وبين التديّن، أي ضرورة الإقرار بالتناقض الجوهري بين عالمين: «عالم التسامح والتحرر» و «فضاء الإيمان والتديّن». على رغم هذا فإن ما نشره من أيام قليلة اثنا عشر كاتباً بينهم سلمان رشدي وتسليمة نصرين وبرنار آنري ليفي يؤكد في سذاجة مذهلة هذا التوجه وينافح عنه. في هذا البيان - النموذج الذي أصدرته صحيفة أسبوعية فرنسية أعادت نشر الرسوم الدنماركية دعوة منها للتصدي إلى «الشمولية الإسلامية» والوقوف إلى جانب «قيم العلمانية والحرية والدفاع عنها». ان يقع هذا من جانب بعض مثقفي فرنسا المتشبثين إلى الآن بعلمانية استئصالية ترفض ما يعتبرونه «حرماناً للمسلمين من حقوقهم في المساواة والحرية والعلمانية باسم احترام الثقافة أو التقاليد»، مثل هذا الموقف يمكن أن يُفهَم من دون أن تكون له حظوظ في التفهّم. أما أن ينضم إليهم لفيف من كتاب وصحافيين تتحدر غالبيتهم من عالم إسلامي أحد إعاقاته الكبرى صنعتها نخبه التحديثية المكرّسة للقطيعة مع مجتمعاتها وثقافتها المحلية، فتلك هي الشناعة بعينها. إن أول ما يثير الاستهجان في تلك الرسوم الكاريكاتورية وما تولّد عنها من ردود فعل بين «الشرق» و «الغرب» هو أن الذين يعتبرون أنفسهم خصوم العقائد الشمولية والأصوليات الأيديولوجية لا يفعلون شيئاً آخر سوى تقوية ذلك التيار ونشره. يحصل ذلك لأنهم يستميتون في الدفاع عن قضية تتوالى الأحداث موضوعياً في إثبات فشلها لكونها أفضت إلى أصناف من القهر والتعسف حالا دون أي إبداع أو تحرر. لا غرابة إن شهدنا منذ عقدين من الزمن سقوط مقولة العلمنة اللادينية في العالم الإسلامي والغربي على السواء. ما جرى في إيران الشاه ثم ما تحقق في تركيا أتاتورك بعد ذلك بأسلوب آخر يقضي بنهاية العلمنة المناضلة كأحد أبعاد عملية التحديث. على المستوى العالمي، كان سقوط الاتحاد السوفياتي في جانب من أهم جوانبه إلغاء للفكرة القائلة بأن التحديث يؤدي بالضرورة إلى إقصاء الدين. كيف – والحال هذه - لم ينتبه ناشرو الرسوم الدنماركية ومؤيدوهم الى أنهم يسيرون ضد حركة التاريخ وأن علاقة الدين بالسياسة علاقة تمايز ترفض القطيعة والإقصاء؟ من جهة أخرى، فإن الرسوم الكاريكاتورية تثير تساؤلاً آخر موصولاً بقضية الحدود الفاصلة بين المجتمعات والثقافات والأديان. ما تفضي إليه الثورة المعلوماتية ووسائل الاتصال المتطوّرة هو تغيير حتمي للعلاقات بين الدول والمجتمعات والثقافات والمعتقدات. من ثم، فإن الحديث عن عالم واحد وحضارة واحدة للجميع ليس شعاراً أجوف، بل هو حقيقة تفرض نفسها تدريجاً على الحواجز القديمة وما يرتبط بها من مفاهيم(10/151)
كالاستقلالية الكاملة والسيادة المطلقة والعوالم المنفصلة. ضمن هذا السياق يكون السؤال الأنجع: كيف تساهم الخصوصيات العرقية والثقافية والدينية في التأسيس لعالم تصاغ فيه الحدود القديمة في شكل يحقق تعايشاً على رغم الاختلاف بل وبفضله؟إن ما تجاهلته الرسوم الدنماركية الأوروبية وأعرضت عنه غالبية ردود الفعل العنيفة هو أننا أصبحنا مدعوّين إلى أن نعيش معاً ومختلفين. ما اقترفته الرسوم الدنماركية وأصرّ عليه أصحاب بعض الصحف الأوروبية هو رفض لواقع مستقبلي هو قيد التشكّل بخطى وئيدة وأكيدة تتجه نحو عالمية ثقافية تأسس لحداثات مختلفة وكونيات متحاورة، من أبرزها حداثة وكونية إسلامية. ما صنعه واضعو الرسوم وناشروها كان أكثر كاريكاتوريّة من الرّسوم نفسها لأنه كشف عن جهل فاضح وسوء تقدير لمسيرة التاريخ البشري في راهنيته. ذلك أن معنى الرسوم – من الزاوية الحضارية المعاصرة – هو أن أصحابها يفكرون من داخل حصون افتراضية متداعية يعلو فيها بكاء على عالم يتجه إلى الانقراض، عالم شعاره: «الشرقُ شرقٌ والغرب غرب ولن يلتقيا». كاريكاتورية الرسوم أعادت السحرَ على الساحر لأنها عبّرت عن سذاجة القائلين بحداثة واحدة ووحيدة يسعى إلى النيل منها «البرابرة» من أبناء محمد وبناته. منتهى ما يمكن أن نقترحه من جانبنا العربي الإسلامي كإضافة الى الرسوم وكتعليق عليها وعبارة نقتبسها من كتاب تداولناه قديماً بيننا: «حصوننا مهددة من الداخل».يبقى بعد هذا الطرف المقابل وكيف عبّر عن موقفه من الإساءة التي انضافت إلى سلسلة طويلة من الإهانات والاستباحات؟ غالب ردود فعل الطرف العربي المسلم كانت إما غير مقنعة وإما مثبتة لصفة الهمجية التي عمل على إلصاقها أصحاب الرسوم الدنماركية بالمسلمين.هذا الصنف الأول من المواقف والكتابات كان تعبيراً عن فجيعة قديمة –متجددة لقسم مهم من المسلمين. إنها – بحسب عبارة صاحب سراج الملوك - الفجيعة «من الدهر الخؤون، دهر ذهب صفوه وبقي كدره. فالموت تحفة لكل مسلم...». نسبةٌ أقل من ردود الفعل كانت مغايرة في طبيعتها ووجهتها لما انساقت فيه الجموع الغاضبة المفجوعة. من بين هذه الأقلية الواعدة ارتفع شعار: «... إلا رسول الله» تعبيراً واعياً عن رفض الإساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا أولاً. ثم لأن في هذا الموقف قبولاً بحضارة كونية تعبُر الثقافات والمجتمعات لا ينبغي أن يفضي إلى التنميط وإلغاء الاختلاف. عبارة «إلا رسول الله» ترفض دخول الحداثة القهقرى، دخول السخط على الأزمنة الحديثة والتبرّم من الدهر الخؤون. إنها عبارة تعلن الاشتراك في صنع عالم حديث بمقاييس مرجعية مختلفة. أخيراً، «إلا رسول الله» رفض للرسوم الدنماركية لأنها رسوم عنصرية - شيطانية. إن من أشد ما يؤذي في تلك الرسوم أنها ربطت ربطَ تأبيد بين العنف والعدوانية وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه. مؤدى الرسوم أن الإسلام شرٌّ محض وأن جوهر المسلمين لا يقبل ارتقاء أو تغييراً. إنه الخطاب ذاته الذي اعتمده إبليس حين تمرّد ورفض قبول الآدمي لكونه مخلوقاً دونيّاً لا يمكنه التغلب على جوهره الترابي. تلك هي الرسوم في رؤيتها الجوهرانية للإسلام ومؤسسه وأتباعه، إنهم جميعاً في حضيض التدنّي والهمجية لا يستطيعون منهما براحاً. تأمّل الرسوم الدنماركية في ضوء مقولة: «إلا رسول الله» يوصلنا إلى جانب أساس من أصالة الرسالة المحمدية كما صاغها القرآن الكريم. أصالةٌ جاءت الرسوم لتطمسها، في حين أن الرسالة المحمدية ما تحققت إلا نتيجة ثقة في الآدمي وقدراته فاتحة آفاقاً غير محدودة للبشرية. ما أبرزته الرسوم من عنف يقوم به بعض المسلمين فيه تجاهل لتداخل العناصر المؤدية إلى ذلك العنف بحصرها في جهة واحدة هي جهة المسلمين وحدهم. الأخطر من هذا هو هذه اللوثة الشيطانية التي تجعل ديانة كبرى مصدراً للشر الذي لا ينضب. يحصل هذا بينما يتميّز الخطاب القرآني برهان دائم على آدمي له من القدرات ما يتيح له أخطاء وصعوداً عبر الحرية التي أعطاه إياها الخالق. هكذا تندرج عنصرية المركزيات الثقافية المعاصرة في جوهرانية البؤس الإبليسي، إنها في اعتقادها بتفوّقها الذي لا يُطاول لا ترى في الآخر إلا مجموعة من الثوابت والطبائع المتناقضة الحاجزة عن كل تغيير. في مواجهة هذا تأتي مقولة «إلا رسول الله» مع مواقف قليلة أخرى لتضيء دروب مستقبل للإنسانية أكثر رحابة وثراء. باحث تونسي صحيفة الحياة اللندنية
============================
الرسوم الكاريكاتيرية علامة على الإجحاف العميق في أوربا الغربية
الكاتب: توميك كرزيزوستانياك(10/152)
الرسوم الكاريكاتيرية الاثنا عشر للنبي محمد، والتي نشرت في سبتمبر الماضي بصحيفة يلاندز بوستن اليومية، ثم أعيد نشرها في عدد من الصحف الرئيسية في النرويج وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا، أثارت غضباً شديداً في كافة أنحاء العالم الإسلامي. وقد تضاعفت الاحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي في عدد من الدول في الشرق الأوسط، حيث اندلعت أعمال العنف التي أدت إلى إشعال مقرات البعثات الدبلوماسية الدنمركية والنرويجية. الكثيرين من المسلمين يعترضون على هذه الرسوم لأن الإسلام يحرم رسم أي صورة للنبي، ولأن الرسوم الكاريكاتيرية صورت محمد في صورة إرهابي. وقد اختلط الغضب بمشاعر الدهشة لدى الذين كانوا يتخيلون أوروبا أرضاً متسامحة وودودة.
وقد تعرض هذا الملجأ الخيالي إلى الارتباك بفعل أعمال الشغب التي شهدتها فرنسا العام الماضي. فإذا كانت أوروبا متسامحة جداً من الناحية الثقافية، لماذا تشعر العديد من الأقليات فيها بالانزعاج؟.
غير أن الأوربيين من الدول السلافية يدركون تركيبة تفوق أوربا الغربية أفضل من غيرهم. حيث أن عمي أندريج ليواندويسكي، كغيره من رجال الأعمال البولنديين، يواجه في أسفاره تعليقات مستهترة ومعاملة سيئة بشكل دائم من نظرائه الفرنسيين والألمان. ومع أن بولندا عضو كامل العضوية في الاتحاد الأوربي، إلاّ أن الدول الأوربية الغربية وضعت قيوداً على قدرة البولنديين في العمل والدراسية فيها. كما وصف الرئيس الفرنسي جاك شيراك بولندا ودولاً أخرى من أوروبا الشرقية بأنها دول "غير مسؤولة" و"بدائية" بسبب مواقفها من العراق، وهي كلمات قل ما تستخدم في مخاطبة الأنداد والحلفاء.
إن معاملة السلافيين محترمة جداً إذا ما قورنت بالسلوك تجاه غير المسيحيين وغير البيض. والأدلة على ذلك واضحة جداً في ملاعب كرة القدم. حيث أنه في بريطانيا المشهورة بلباقتها، أشارت مصادر إخبارية دولية أن أحد اللاعبين السود تعرض للسخرية من قبل مشجعين يقلدون أصوات القرود. وكان من المفترض أن يؤدي هذا المسلك إلى صدمة البعض، لولا أنه أمر يحدث مرات لا حصر لها في إيطاليا وإسبانيا وهولندا.
ومع أن الكثيرين من المشجعين قادرين على التسامح مع اللاعبين طالما أن أداءهم لا يزال جيداً في الميدان، إلاّ أنهم يظهرون ألوانهم الحقيقية عند التصويت. ففي النمسا، حزب الحرية جزء من التحالف الحاكم، وهو حزب يميني شعبي يعارض الهجرة والتجارب متعددات الثقافات. وفي فرنسا أحد المرشحين المتطرفين فاز بنسبة 18% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2002. كما أن لدى كلاً من الدنمرك والنرويج، حيث بدأت مهزلة الرسوم الكاريكاتيرية، تمثيلاً مقدراً في البرلمان للأحزاب المعادية للمهاجرين بنسبة (12% و15% لكل من البلدين على التوالي). وفي ألمانيا الحزب الوطني الديمقراطي وهو حزب النازيين الجدد خاض انتخابات عام 2002 وحصل على 1.6 % من الأصوات. وبالرغم من أن الأرقام لا تزال صغيرة، إلاّ أن تزايد شعبية أحزاب اليمين المتطرفة أمر يدعو إلى القلق، بل أن أداءها في الانتخابات المحلية كان أفضل. ففي عام 2004، تمكن الحزب الوطني الديمقراطي من الحصول على 9.2% من إجمالي الأصوات في انتخابات الولايات، واستولى على اثنا عشر مقعداً في برلمان ولاية سكسونيا.
هنالك أمثلة لا تعد ولا تحصى للعنصرية والتعصب في أوروبا الغربية، من حكومات تمنع الحجاب إلى حوادث تفجير المعابد اليهودية في بروكسل وأنتريب. وهذه النماذج العنصرية في المناطق التي ينظر إليها على أنها متسامحة، تذكرني بمدينة ماديسون التي أعيش فيها بولاية ويسكنسن. ومدينة ماديسون التي ينظر إليها في باقي البلاد على أنها معقل الحرية، لا تخلو هي الأخرى من مثل هذه الأمور. ففي الشهر الماضي عندما كانت هنالك مباراة بين مدرسة ميدلتون الثانوية (التي يهيمن عليها أبناء البيض والأثرياء) ومدرسة شرق ماديسون (التي يهيمن عليها أبناء الملونين والفقراء)، كان مشجعي مدرسة ميدلتون يصيحون (food stamps)...(Oscar Meyer) في إشارة إلى الوضع الاقتصادي لخصومهم. وقد قدم هؤلاء الطلاب جراء ذلك اعتذارات فاترة ولم يتعرضوا للعقاب من إدارة المدرسة. ومع أن هذا شيء لا يذكر مع القنابل الحارقة والعنف، إلاّ أنه يكشف عن حقيقة محزنة لمجتمع متسامح.
وطالما أن الأقليات العرقية والاقتصادية وغيرها، لا تزال قليلة، فسيحلو للمواطنين البيض أن يتحدثوا بملء أصواتهم عن قبول الآخر والمساواة، ولكن في اللحظة التي يظهر فيها واحد أو أكثر من هؤلاء، تظهر مشاعرهم الحقيقية. وبالرغم مما تتصف به هذه الرسوم الكاريكاتيرية من غباء، إلاّ أنها لا تعدو أن تكون مجرد جزء من مشكلة أكبر.
ترجمة موقع إسلام ديلي
============================
الرسوم المسيئة جهل أم استفزاز؟
الكاتب: د. عادل الصفتي(10/153)
الرسوم المسيئة التي نشرت في صحيفة دانمركية، والتي أدت إلى مظاهرات غاضبة نتج عنها مصرع 40 من الأبرياء، لم تكن صراع حضارات في رأيي بقدر ما كانت صراع جهل واستفزاز.
و"فليمنج روز" رئيس تحرير الصحيفة الدانمركية والذي كان سببا في كل ما حدث في الأصل، أدلى بتصريح قال فيه إنه يستطيع أن يظهر الاحترام للأديان ولكنه لا يستطيع أن يراعي "تابوهاتها" أو محرماتها.
ولكن الحقيقة أنه وغيره من رؤساء التحرير في الصحف الأوروبية يقومون بمراعاة "التابوهات" التي يتم فرضها عليهم بواسطة القانون بدليل أن "روز" هذا نفسه قال إنه لا يستطيع أن ينشر رسما كرتونيا يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون وهو يخنق طفلا عربيا لأن هذا الرسم سيعتبر "عنصريا"، كما قال في تصريح آخر إنه لن يسمح لصحيفته بطبع رسوم كرتونية عن الهولوكوست. وفي الحقيقة أن ما يقوله هو بالضبط مضمون شكوى العرب. فهؤلاء يرون أن الأوروبيين يعتقدون أن من الخطر من الناحية السياسية والقانونية السخرية من معتقدات اليهود أما معتقدات المسلمين فليس هناك ما يمنع الإساءة إليها بزعم حرية التعبير التي يقول رئيس تحرير الصحيفة الدانمركية إنه أراد أن يحافظ عليها كقيمة من قيم المجتمع الغربي في حين أن حرية التعبير ليست معرضة للتهديد لا في الدانمرك، ولا في أي مكان آخر في أوروبا.
والدليل على ذلك أن "روز" نفسه يعترف بأنه لم يجد صعوبة في نشر تلك الرسوم المسيئة، وأن الصعوبة التي واجهته هي فهم رد فعل العالم الإسلامي على الرسوم.
وإذا ما كان "روز" يرى أن العالم الإسلامي لم يكن يفترض أن يغضب كل هذا الغضب بسبب تلك الرسوم المسيئة فهو إذن لا يفهم الإسلام ولا يفهم المسلمين. وباعتباره مسؤولا عن الصفحة الثقافية في صحيفة تسوق نفسها باعتبارها صحيفة الدانمرك الدولية فإنه كان يجب أن يعرف أن جهله بالإسلام كان لابد وأن ترتب عليه مسؤوليات باعتباره رئيسا لتحريرها.
وهذا التفسير هو التفسير الذي يتم تبينه على نطاق واسع ليس فقط في العالم الإسلامي وإنما في أماكن أخرى. فقد كتب صحفي أميركي هو "كريستوفر بولين" في صحيفة" أميركان فري برس" الأسبوعية أن "روز" له علاقات واضحة بـ"المحافظين الجدد" من الصهاينة، وأنه يكن إعجابا خاصا لدانييل بايبس وأنه زار الأخير في الولايات المتحدة عام 2004 كما كتب عنه مقالة إيجابية وتتضمن هجوما لاذعا على الإسلام "الجهادي".
وصحيفة "واشنطن بوست" أيضا من ضمن صحف التيار العام ذات النفوذ التي ترى أن الرسوم الكرتونية كانت عملا متعمدا من أعمال الاستفزاز حيث كتب رئيس تحريرها يقول "إن نشر الرسوم تلك كان عملا محسوبا مقصودا به إهانة المسلمين من قبل صحيفة تنتمي إلى التيار اليميني في دولة يعتبر التعصب فيها ضد الأقلية المسلمة مشكلة كبيرة وإن لم تكن معترفا بها".
وفي الحقيقة أن نشر تلك الرسوم المسيئة عرض من أعراض جهل بعض الأوروبيين بالمجتمعات الإسلامية التي تعيش بين ظهرانيهم، وجهل الديماغوجين الأوروبيين الذي يلقون باللوم على الجاليات المهاجرة باعتبارها المسؤولة عن الكثير من الويلات السياسية والاجتماعية في الدول الأوروبية.
وهذا الجهل امتد للأسف إلى المؤسسات الأوروبية غير القادرة حتى الآن على التعامل مع الوجه المتغير لأوروبا ولا على فهم تشعبات التعددية الثقافية.
علاوة على أن تلك الإساءة ضد المسلمين يجب النظر إليها ضمن سياق أكبر هو احتلال العراق وأفغانستان وفلسطين، والفظائع التي حدثت في أبوغريب، ووقائع تدنيس القرآن. وإذا ما تم النظر إليها في هذا السياق فسندرك أن المظاهرات المناهضة للرسوم هي في جوهرها عن غضب المسلمين وعدم قدرتهم على مواجهة كل تلك الإساءات والإهانات.
ولكن العنف مع ذلك ليس هو الإجابة على ذلك في رأيي.. فالعنف استجابة قصيرة النظر للاستفزاز الجاهل، وهو لا يعالج المشكلة من قريب أو من بعيد، وإنما يؤدي إلى التدمير وإلى التنفير، كما أنه يغمر صوت العقل، ويغلق إمكانية الحوار الرشيد، ويقوض السعي من أجل التفاهم.
صحيفة الإتحاد الإماراتية
=============================
الرسوم المسيئة حملة مدبرة وليست رصاصة طائشة
الكاتب: أ.د. سليمان صالح
شرفني الله بالمشاركة في المؤتمر العالمي لنصرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في البحرين حيث اجتمع أكثر من 300 من علماء الأمة ومفكريها. جاء هؤلاء العلماء من كل أنحاء الأرض كتعبير رمزي عن عالمية الإسلام، وفي قاعة المؤتمر كان هناك جميع الألوان والأجناس كتعبير على أن الإسلام وحده هو الذي يحقق المساواة بين البشر، ولأنه لا حرية بدون مساواة فإن الإسلام وحده هو الذي يحقق الحرية للبشرية.. الحرية من الظلم والطغيان والعنصرية، وهو وحده الذي يمكن أن يحقق العدل لكل البشر بتحريرهم من العبودية لغير الله.(10/154)
جاء العلماء والمفكرون من كل القارات يعبرون عن حب الأمة لرسولها، وأن هذا الحب من أهم مقومات وجودها، وكان شعار المؤتمر كلمة الصديق رضي الله عنه «ومن نفسي يا رسول الله». وكان اختيار الشعار تعبيرا عن مرحلة جديدة في حياة الأمة.
تحليل عميق للأزمة
شهدت قاعة المؤتمر تحليلا لأزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، حيث كشف هذا التحليل بعض الحقائق المهمة، منها أن جريدة اليولاندز بوسطن هي جريدة دينية متطرفة، وفي الوقت نفسه فإنها مدعومة من الحكومة الدنماركية حيث تتلقى دعما من الحكومة بلغ 2،10 مليون كراون، وبالتالي فإن الحكومة مسؤولة عما نشرته تلك الصحيفة فهي ليست مستقلة، وبالتالي لا يمكن أن يعتبر ما نشرته تعبيرا عن حرية الرأي.
ولذلك يقول الدكتور جهاد الفرا إن هذه الرسوم كانت جزءا من حملة عامة ضد الإسلام يقوم بها الإعلام الدنماركي المدعوم من الحكومة. كما أن الجريدة كانت تعرف النتائج التي يمكن أن تترتب على نشرها للرسوم حيث استشارت أحد خبراء الأديان الذي أوضح لها خطورة النشر.
كما أن القانون الدنماركي يعاقب على سب أي دين معترف به بالغرامة والسجن، لكن المشكلة أن الإسلام دين غير معترف به في الدنمارك. وهذه الرسوم لا تندرج تحت إطار حرية التعبير، ولكنها تعبير عن العنصرية. كما أن نشر تلك الرسوم يشكل ظلما للشعب الدنماركي الذي تتركز اهتماماته على الفن والأزياء والأمور الحياتية البسيطة، وبالتالي فإن جهل هذا الشعب يجعله أسيرا للمعلومات التي يحصل عليها من وسائل الإعلام.
لم تكن رصاصة طائشة
قدم الشيخ رائد شفيق حليحل إمام مسجد الدنمارك عرضا لتطور القضية موضحا أنها لم تكن رصاصة طائشة ولكنها كانت عملا مدروسا تعرف الجريدة والحكومة الدنماركية أنه سيؤدي إلى انتفاضة في العالم الإسلامي، فالجريدة أصرت على توجيه الإهانات للإسلام، وربط تلك الإهانات بالحرب ضد الإرهاب.
كما قدم عدد من العلماء منهم الدكتور جعفر شيخ إدريس عرضا للتطور التاريخي للعداء الغربي للإسلام، وأن هذا العداء كان نتيجة لرغبة الغرب في أن تظل حضارته مهيمنة على العالم ماديا وثقافيا، وهم يخافون من عودة الإسلام، وأن يكون له قوة مادية يستخدمها المسلمون في المحافظة على مواردهم الطبيعية، وفي تحقيق الاستقلال.
إن الغرب يدرك أن الإسلام له قوة ثقافية كبيرة، وخوفهم الحقيقي ليس من الإرهاب، ولكن من انتشار الإسلام فهم يصرحون بأنه أكثر الأديان انتشارا. وهم يخافون من قوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتأسى به المسلمون في معتقداتهم ومعاملاتهم، بينما لايوجد إنسان يقتدي به الغربيون أو يتأسون به.
القوة الثقافية للإسلام
كان هناك إدراك حقيقي في قاعة المؤتمر لقوة الإسلام الثقافية، وضرورة تحويل تلك القوة لتفجير الطاقات الحضارية للأمة. لذلك فإن تلك الأزمة لابد أن تشكل بداية لوعي الأمة بقوتها الثقافية والحضارية، وصياغة استراتيجية شاملة للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيق نهضة شاملة للأمة الإسلامية.
ولأن الثقافة هي أساس قوة الحضارات، فإن القوة المادية هي التي تنقص المسلمين، والبشر يمكن أن يصنعوا القوة المادية عندما يمتلكون الوعي والإرادة والاعتزاز بهويتهم وذاتيتهم الثقافية، لذلك فإن انتفاضة المسلمين دفاعا عن رسولهم، ومشاعر الحب التي تفجرت في نفوس المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم والغضب على من وجهوا له تلك الإهانة قد وضعت الأمة الإسلامية على الخريطة السياسية الدولية كما قال نهاد عوض. لكن تلك المشاعر يجب أن تتحول إلى طاقة إيجابية توظف القدرات الإنسانية لمليار ونصف من البشر، وتجعلهم يشعرون بالمسؤولية عن إنقاذ الشعوب الغربية الغارقة في التسلية من جهلها. إن إدراك تلك القوة الثقافية والحضارية يمكن أن تتحول بداية لصياغة مشروع حضاري جديد.
القوة الإعلامية
لكننا نعيش في عصر ثورة الاتصال، والقوة الإعلامية هي أهم مصادر القوة، لذلك قال أستاذنا وشيخنا العلامة يوسف القرضاوي إن الأمة في حاجة إلى جيوش من الإعلاميين المدربين للتعريف برسولنا - جيوشنا الآن يجب أن تكون جيوشا إعلامية تعليمية توجيهية تثقيفية، ويجب أن يكون قوامها عشرات الألوف بل مئات الألوف.
إن تشكيل جيش الإعلاميين المؤهلين علميا وثقافيا ومهنيا للتعبير عن الأمة هو بداية حقيقية لتحويل نصرة الرسول الكريم إلى عمل دائم ومستمر، ولإعادة الأمة للقيام بوظيفتها الحضارية، وتحقيق الاستقلال الشامل.
والغرب يحاول أن يضعفنا إعلاميا حتى نظل نتلقى بشكل سلبي رؤيته للأحداث، لذلك فإن بناء صناعة إعلامية واتصالية مستقلة هو أهم وسائل تحقيق التقدم الاقتصادي والسياسي والتعليمي والثقافي.(10/155)
إن الصناعة الإعلامية المستقلة يمكن أن تلعب دورا مهما في تشكيل مستقبل جديد للأمة الإسلامية، ولذلك فإنه لابد من الربط بين تعليم الإعلام والدعوة الإسلامية عن طريق زيادة قدرات الدعاة علي التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، وفي الوقت نفسه أصبحت الأمة تحتاج إلى تعليم كل شاب علوم الإعلام والاتصال الحديثة في المدارس والجامعات، لذلك يقول عمرو خالد: هناك آلاف من الشباب المسلم منعزل عن قضايا الأمة، ولابد أن يتم إعطاء الفرصة للشباب القادرين على فهم العقلية الغربية للقيام بالدعوة للإسلام.
إن طاقات الشباب يمكن تفجيرها، وتحويلها إلى قوة إيجابية عن طريق تعليمهم علوم الإعلام والاتصال الحديثة، وبالتالي يمكن أن يتحولوا إلى مصدر لقوة الأمة الإعلامية. وهذا لابد أن يحتل مكانه داخل المشروع الحضاري الإسلامي، فكل شاب يمكن أن يتحول إلى منتج للمضمون وقائد للرأي وقائم بالاتصال.. وعندئذ سيتحول الحلم إلى واقع.
وحدة الأمة
لقد كانت الأزمة اختبارا لقوة الأمة الإسلامية، ولو أن الأمة لم تنتفض دفاعا عن رسولها لاستمرت الإهانات بشكل متواصل، وبالرغم من أن الأمة لم تستخدم سوى المظاهرات والمقاطعة فإن النتائج السياسية والاقتصادية والثقافية حتى الآن واضحة.
ومع ذلك فإن قوة الأمة الحقيقية لم تتضح بعد، فقوة الأمة في وحدتها.. لذلك يقول جاسم الياسين إن المطلوب من الدعاة هو أن يستنهضوا الأمة ويوحدوها، ويجمعوا المليار ونصف على ثوابت.
والثوابت لدى الأمة الإسلامية يمكن أن تشكل أساسا لوحدتها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أهم تلك الثوابت. فحبه في قلوب المسلمين يعلو على كل عوامل الفرقة والاختلاف، وعندما يهان رسول الله يجب أن تختفي الاختلافات المذهبية، واختلافات المصالح.
لذلك وجه الشيخ محمد الراوي رسالة لولاة الأمر قال فيها: إن الأمة سوف تضع ولاة الأمر فوق رؤوسها عندما ترى منهم ترابطا يعز دينها وينصر رسولها.
لكن الوحدة تحتاج إلى حوار إيجابي طبقا لتعبير الشيخ محمد علي التسخيري يقوم على اكتشاف المساحات المشتركة بين المسلمين، ويهدف إلى تعميقها، والحوار يجب أن يقوم على مجموعة من الثوابت من أهمها أن حبنا لرسولنا مقوم لكل وجودنا.
الحوار مع الغرب
هناك قبول عام للحوار مع الغرب، والبحث عن وسائل للتعايش معه، لكن ذلك الحوار لابد أن يقوم على أساس فهم حقيقي للعقلية الغربية. كما أن احترام مقدساتنا كما يقول الشيخ عبدالله بن بيه هو البداية لتحقيق التعايش بيننا وبين الغرب.
والبداية الحقيقية للحوار هي زيادة القوة الثقافية والمادية للحضارة الإسلامية، فالغرب يريد حوارا يفرض فيه هيمنته وسيطرته علينا، والأمة الإسلامية تريد حوارا يتيح إمكانية اكتشاف أساليب التعايش السلمي بدون هيمنة أو قهر أو سيطرة. إن زيادة قوة الأمة الإسلامية هو البداية الصحيحة لحوار الحضارات، ونزع فتيل الصدام بينها.
لابد أن نتحاور على أساس الاحترام المتبادل، والرغبة في المساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية بدلا من أن يدمر الغرب تلك الحضارة بعنصريته واستعلائه وغروره.
الحوار الإيجابي يحتاج إلى صياغة علاقة جديدة بين الغرب والإسلام، وهذه العلاقة تحتاج تطوير مصادر القوة الإسلامية، وتفجير طاقات الأمة لبناء عالم جديد يقوم على العدل والمساواة ورفض العنصرية والغرور والخرافات العرقية.
الحوار بين الإسلام والغرب ممكن ولكن بشرط احترام المقدسات الإسلامية، وصياغة علاقة جديدة تقوم على احترام ثوابت الأمة وحقها في النهضة والتقدم والاستقلال.
ربما تكون تلك هي أهم رسائل المؤتمر العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي يمكن أن يتحول إلى بداية نهضة جديدة للأمة عام 2006 الذي سيكون عام التعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم في أمريكا وكندا.
صحيفة الشرق القطرية
=============================
الرسوم المسيئة والرد عليها ... السلوكيات المؤسِّسة
الكاتب: حسين عبدالعزيز(10/156)
طرحت قضية الرسوم المسيئة التي نشرتها صحف دنماركية وأوروبية، ورد الشارع العربي عموماً والسوري خصوصاً، أسئلة صعبة ليس على سلوك الطرفين الأوروبي والعربي فحسب، بل أيضاً على المنظومة الفكرية المؤسسة لهذين السلوكين، ما يدفعنا الى تفحص المرجعية الفكرية الأوروبية والعربية – الاسلامية على السواء لفهم أقوى لهذين السلوكين. يتطلب فهم المجال الثقافي التداولي في العقل الأوروبي، العودة الى الصراع الذي حكم القارة الأوروبية طوال عشرة قرون بين السلطتين السياسية والكهنوتية. اذ أدرك الأوروبيون انهم لن يدخلوا بوابة الحداثة الا من خلال القضاء على الثنائية التي حكمت العصور الوسطى، والتي جعلت من المجتمع وحدة موحدة خاضعة لمركزية لاهوتية قسرية، ولنظام كلي مستقل عن الأعضاء الذين يؤلفونه. ووفق هذه الرؤية الايديولوجية، فإن الخير على سبيل المثال لا يفرض نفسه على الأفراد بصفتهم أفراداً، بل يصدر عن النظام المتعالي، وما على الأفراد الا أن يبذلوا جهداً للتصرف وفق المنظور الخاص لهذا النظام، ما يعني أننا نقف أمام ايديولوجية أو رؤية ميتافيزيقية لمذهب اجتماعي وأخلاقي وسياسي يقدم تصورات مسبقة للحياة المدنية. ويتطلب فك الارتباط عن الفكر القروسطي هذا فك ارتباط من نوع آخر بين الدين والسياسة أو الكنيسة والدولة، وهو فصل ما كان ليتم لولا المحاولات الفكرية المترافقة مع ثورات دموية. وليست عملية الفصل هذه، أو العلمنة، سوى محاولة لإنكار سلطة السماء المتسامية على الشؤون الدنيوية، تلك العملية التي بدأت مع دانتي، ودونس سكوت ومحاولته نسف التصور الثنائي القروسطي للوجود، الى مارسيل دوبادو ومحاولته فصل الدين عن الدولة، وارجاعه الجماعة السياسية الى جماعة اجتماعية لا يمكن فصل استقلالها السياسي عن استقلال المجتمع المدني كمقابل للمجتمع الديني، الى توماس مور والتشديد على القوة الطبيعية والعمل الانساني بصفتهما أساساً للترتيب السياسي، الى ديموقراطية الطوائف عند مارتن لوثر وأتباعه، الى القوة السيدة عند بودان، والجهاز السياسي المتسامي والعقد الاجتماعي عند هوبز ولوك وروسو، الى وسطية العقل عند ديكارت، وإفراغ التجربة من الظواهر عند كانط، الى شوبنهاور وإعادة توحيد مظهر الشيء مع الشيء نفسه، الى هيغل وفيبر وفوكو... الخ. باختصار ان الصراع الذي عرفته أوروبا في العصور الوسطى بين الكنيسة والامبراطور، ثم لاحقاً بين الكنيسة والنبالة الاقطاعية، ثم بين الكنيسة والدولة، ثم أخيراً بين الكنيسة ورجال الدين الاصلاحيين، أدت الى الفصل الحاد الذي نشهده اليوم في المنظومة الثقافية الأوروبية بين ما هو ديني وما هو دنيوي. لكن الأمر تطور الى أبعد من ذلك. فإذا كانت الحداثة الأوروبية أعلنت موت القداسة، فإن ما بعد الحداثة أعلن موت القيم من خلال تدنيس كل ما هو متسامٍ ومقدس، أي انها مرحلة العدمية التي تحول البشر فيها ذرات يلتمسون أقصى درجات الربح ليس في الاقتصاد فحسب بل في الاجتماع أيضاً. في الجانب المقابل، لا وجود لهذه الظاهرة في التجربة الحضارية العربية – الاسلامية، بل انها منبوذة تماماً. وهذا يعود ليس الى طبيعة الدين الاسلامي فحسب، بل أيضاً الى التجربة التاريخية التي تطور من خلالها الدين الاسلامي بالمقارنة مع التجربة الأوروبية: في أوروبا وجدت الدولة أولاً، ثم ظهر الدين في كنفها. أما في التجربة العربية فظهر الاسلام أولاً ثم وجدت الدولة ثانياً، أي أن الثانية أسست على الأولى، ما يعني أن الممارسة الدينية لم تكن ممارسة صوفية، بقدر ما هي ممارسة اجتماعية واقتصادية وسياسية في آن. ففي وقت كان الاسلام يبلور مجاله الديني كان يبلور بالتوازي منه مجاله السياسي، ولهذا يعيش المسلم الحال كحال انطولوجية، ومن هنا تبدو عملية التقديس للدين مضاعفة أكثر. لكن هذا التقديس لم يقتصر على الدين وحده، اذ كرست مركزية مقدسة في الفكر العربي الاسلامي بمختلف تياراتها الاسلامية والعلمانية على غرار تلك التي كرست في العصور القروسطية الأوروبية، مركزية هرمية غايتها تثبيت البنيات السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة منذ الاستبداد العربي الإقطاعي وحتى هذه المرحلة. لقد استبدلت الثنائية الأوروبية القروسطية هناك بأحاديات متعددة هنا مع الحفاظ على الغاية الايديولوجية، وهي تكوين رؤية ميتافيزيقية لمذهب اجتماعي وأخلاقي وسياسي يقدم تصورات مسبقة للحياة المدنية. واستبدلت قيم الشورى والعدالة والمساواة مع الموروث القرآني، بقيم أخرى وجدت معينها المعرفي والتاريخي من موروث آخر، جاء مع الدولة الامبراطورية (الأموية والعباسية)، ثم مع الدولة الاستبدادية الحديثة والمعاصرة. من هنا يمكن فهم ما شهدته العواصم العربية والاسلامية من احتجاجات خصوصاً في دمشق. صحيح ان ارادة المجموع بحسب السوسيولوجيين ليست نتاجاً(10/157)
حسابياً لإرادات الأفراد الداخلين في هذا المجموع، أي أن الجماعة تتخذ في لحظات معينة ارادة مختلفة عن الارادات الكامنة فيها، بحيث تسلك سلوكاً غرائزياً قطيعياً يحمل في طياته قوة من العنف أعلى بكثير من المعدلات التقليدية في الصراعات الاجتماعية والسياسية، وصحيح ان هذه الفئات أيضاً قد تعود في أكثريتها العددية الى تلك الفئات المهمشة من الحقل الاقتصادي، لكن الصحيح أيضاً أن هذا السلوك انما يعبر تعبيراً دقيقاً عن واقع هذه الشعوب وفضائها المعرفي ومخيالها الاجتماعي أيضاً، وعن تلك الثقافة العربية القروسطية والحديثة التي قامت بعملية قلب ايديولوجي لأبستمية المفاهيم الاسلامية. ظهرت هذه الثقافة القروسطية في أبهى صورها في تظاهرات دمشق، ولن نجد في المجتمع السوري تظاهرة للمطالبة بالحقوق أو المساواة أمام القانون، أو بتفعيل العمل الديموقراطي. اذ ان عقلوية الفرد السوري لا تقوَّم بمفاهيم الديموقراطية وحقوق الانسان والعدل والمساواة أمام القانون، بل بالمقولات الميتافيزيقية التي فرضتها مركزية السلطة – الدولة السورية: مقولات الدولة الأمنية، الوحدة الوطنية، الإمبريالية والصهيونية المتربصة بنا، ما يعني أن أي محاولة لكسر مركزية هذه المقولات ستعتبر تهديداً حقيقياً ليس للسلطة – الدولة، بل أيضاً لفعل الوجود ذاته على اعتبار أن الدولة في هذه المركزية ناموس أو عقل لكل ما هو موجود. * كاتب سوري صحيفة الحياة اللندنية
==========================
الرسوم المسيئة ورقة في أيدي المتطرفين
الكاتب: باسكال بونيفاس
تفاقمت تفاعلات الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لنبي الإسلام التي نشرتها صحيفة "يولاندن بوستن" الدانماركية، لتأخذ أبعاداً دولية خطرة، لامست الجوانب الاستراتيجية في العلاقات الدولية. فهل سيتضاعف حجم القضية لتحتل مكانة مركزية في العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي، وتساهم بذلك في تغذية الجدل الدائر قبل مدة حول صدام الحضارات؟ ففي هذا الإطار أرى البعض يتشبث بحرية التعبير على أنها جوهر الديمقراطية التي لا تقبل التضييق أو الاختزال، بينما يصر البعض الآخر على الطبيعة المهينة للرسوم بما تشكله عند المسلمين من تعبير صريح عن الحقد الدفين تجاه العالم الإسلامي، وتعميقاً للهوة بين الطرفين إلى حد اتساع الرقع على الراقع. إلى ذلك لا أحد يجادل أن صورة المسلمين والعرب في الصحافة الغربية سيئة للغاية، إذ تميل في كثير من الأحيان إلى الخلط بين الإسلام والإرهاب. والمؤسف في الأمر أن مثل هذا الخلط المجحف لا يقتصر فقط على الصحافة الصفراء، بل يمتد أيضا إلى بعض المنابر الإعلامية الرصينة التي تدعي معرفتها الفرق بين أغلبية المسلمين من جهة وبين أقلية من العناصر الإرهابية من جهة أخرى.
لكن بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية التي تفضل أن تغطي المواضيع الساخنة وتعطيها العناوين المثيرة مثل "خطر الملتحين" و"تهديد صعود الإسلام" لا ترى في ذلك ضرراً من الوجهة السياسية بقدر ما تعتبره فرصة لزيادة حجم المبيعات وتحقيق المزيد من الأرباح. الصحيفة الدانمركية مع الأسف لم تقتصر فقط على تصوير النبي محمد، وهو ما يحرمه الإسلام، بل قامت بما هو أفظع عندما وضعت قنبلة فوق عمامة الرسول مساهمة في تكريس الصورة النمطية لدى الغرب التي يصبح فيها الإسلام مرادفاً للإرهاب، وفي ترسيخ نظرية صدام الحضارات. وإذا كانت الإساءة الصادرة عن الصحيفة الدانمركية قد عمقت الهوة بين الغرب والمسلمين، إلا أن ردة الفعل الإسلامية جاءت قوية وعنيفة لتغذي الكثير من المخاوف الكامنة لدى المواطنين في الغرب، ولتساهم في توسيع دائرة الخلاف بين العالمين الغربي والإسلامي وزرع المزيد من الشقاق بين الجانبين.(10/158)
الصحافة الغربية تعمل في استقلال تام عن الحكومات، وتتمتع بحرية طرق الموضوعات وتناولها دون رقابة، ونفس الشيء ينطبق أيضا على الرسوم الساخرة التي تطال شتى الميادين دون حرج. وللحيلولة دون انزلاق الصحافة وانحدارها إلى درك التشهير العرقي أو السب الشخصي سنت الدول الأوروبية مجموعة من التشريعات التي تعاقب على القذف والتشهير، وهي قوانين وإن كانت تختلف من بلد لآخر، إلا أنها تتفق على ضرورة احترام كرامة الأشخاص وعدم المس بها. وبالنظر إلى السلوك الأرعن للصحيفة الدانمركية المتمثل في إقدامها على نشر صور تمتهن كرامة الآخر وتحط من معتقداته، فإن الرد الأمثل على ذلك هو انخراط المسلمين في احتجاجات سلمية تشجب الرسوم وتعبر عن غضبهم المشروع إزاء صور تمس بالمقدسات الإسلامية، لكن دون الانخراط في أعمال العنف ودعاوى الحقد والكراهية التي أطلقتها بعض الجهات، علما أن العنف لم يؤد سوى إلى تقديم خدمة جليلة إلى المحرضين في المعسكر الغربي الذين ينتظرون الفرصة لإشعال نار الفرقة بين العالمين الإسلامي والغربي. وقد نظر الأوروبيون إلى الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها بعض الدول على أنها أمثلة ساطعة على التخلف ومناهضة الديمقراطية السائدين في العالم الإسلامي، في وقت ناضل فيه الأوروبيون طيلة قرون مديدة لانتزاع الحرية والانعتاق من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية.
بيد أن الغربيين بإصرارهم على حرية التعبير كمبدأ أساسي يحكم الصحافة استشعر العديد من المسلمين سياسة المعايير المزدوجة التي يدمن عليها الغرب. وقد عبر عن ذلك الشعور بشكل واضح عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية الذي أعلن متسائلا: "ماذا عن حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بالعداء للسامية؟ بالطبع يعتبر الأمر جريمة في هذه الحالة، لكن عندما يتعرض الإسلام للسب، فإن المسألة لا تعدو حرية التعبير". لذا فإن الدعوة التي أطلقت في العالم الإسلامي لمقاطعة المنتجات الدانمركية جاءت في إطار الاحتجاج غير العنيف، حيث تركت للناس حرية الانخراط الطوعي في مقاطعة البضائع الدانمركية على قاعدة التعبئة الشعبية. أما أعمال العنف التي عمت الشارع الإسلامي فقد جاءت غير متناسبة مع حجم القضية وخلفت انطباعا بعدم الارتياح لدى الغرب. وإذا كان من السهل الهجوم على بلد مثل الدانمرك بدل الدخول في مواجهة مع بلد أكثر قوة، فإنه من غير المفهوم حدوث ردة فعل بهذه الحدة ضد رسوم كاريكاتيرية، مهما بلغت إساءتها، وتجلت ردة الفعل هذه في حشد الجماهير المدعومة من قبل الحكومات إلى درجة فاقت احتجاجات ستكون مفهومة أكثر ضد قضايا ملحة كالحرب على العراق، أو ما يجري في معتقلي "أبوغريب" وغوانتانامو. وهي موضوعات جديرة بالاحتجاج، فضلاً عن أنها تجمع بين النشطاء العرب الديمقراطيين من جهة ونظرائهم الغربيين المناهضين للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى. ثم لماذا اقتصرت المقاطعة على المنتجات الدانمركية وحدها بينما يستمر المسلمون في استهلاك البضائع الأميركية مثل كوكاكولا وغيرها؟
ولئن كنا نفهم جيدا مشاعر الغضب والاستياء التي اجتاحت شرائح واسعة من المسلمين نتيجة للرسوم المشينة، غير أن الحكمة كانت تقتضي عدم الوقوع في فخ النظرة التعميمية التي تعاملت مع الغرب على أنه كتلة واحدة، فضلا عن الهجوم غير الموفق على حرية التعبير. نقول هذا لأن ردة الفعل العنيفة في العالم الإسلامي منحت مبرراً للمتطرفين في الغرب لتصوير المسلمين وكأنهم أعداء للحرية والديمقراطية التي يتم استغلالها في الكثير من الأحيان للتهجم على المسلمين، رغم أنهم ليسوا الوحيدين في ذلك بعدما أصبحت الرموز المسيحية أيضاً محط سخرية وتندر. وحتى لو التأم الجرح الذي خلفته قضية الرسوم في الجسمين الإسلامي والغربي بعدة فترة قصيرة، إلا أن الندوب ستظل ماثلة أمامنا تذكرنا بمدى الهوة التي تفصل بين عالمينا والتصورات الخاطئة التي ما فتئت تتعمق لدى الجانبين. ورغم أننا نعيش في عصر العولمة، إلا أن التواصل بيننا بات أصعب من ذي قبل فاتحاً المجال أمام المتطرفين في الجهتين معا لتعزيز مواقفهما من خلال الخطاب المحرض على العنف والكراهية التي جاءت لتؤكده الأحداث الأخيرة المؤسفة. ولئن كان بعض المسلمين قد شعروا فعلا بالإساءة، كما شعر بعض الغربيين بخضوعهم للرقابة، إلا أن المتطرفين في كلا الجانبين ساهموا في تأجيج تلك المشاعر عبر نفخ وتضخيم مقولات احترام المعتقدات، والدفاع عن حرية التعبير.
صحيفة الإتحاد الإماراتية
السر العصيّ
الكاتب: د. باسم عبد الله عالِم(10/159)
منذ الانتفاضة الأخيرة للعالم الإسلامي في مواجهة الاعتداءات الأخلاقية والإنسانية التي حاولت النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم والغرب في حالة من الانزعاج والقلق تجاه هذه الانتفاضة وما تضمنته من مؤشرات توحي إلى الغرب بوجود خطأ فادح في خطوتهم المشؤمة ونتائجها المتوقعة. ويعني ذلك اضطرار الغرب الأطلسي إلى إعادة تقييم خططه في مواجهة العالم الإسلامي بعد أن ظن أن هذه الانتفاضة يمكن احتوائها من خلال تصريحات فضفاضة ومجاملات دبلوماسية. وسرعان ما أكتشف الاتحاد الأوربي أن الأمر أكبر من ذلك فندب إلينا السيد/ خافيير سولانا الذي زار المنطقة بصفته الرسمية وباعتباره المسئول الأوربي الأول عن الشئون الأمنية والسياسية. ولكنه ما أن حط رحاله حتى راح يتصرف كعامل الصيانة الذي انتدبته شركته ليفهمنا كيف يجب أن نتعامل مع الجهاز المعقد المركب الذي اشتريناه منهم ولم نعرف بعد أسرار تشغيله أو نتمكن من حسن استخدامه. راح يشرح مفهوم الحرية وكيف أن سباب الآخر حق مشروع وكيف أنه منطقي وطبيعي أن يفحش الغرب القول لنا ولنبينا ولديننا مع البقاء على احترامه لمعتقداتنا وكيف أن انزعاجنا دليل على عدم قدرتنا على التفاعل مع الآخر وتفهم منطلقاته وتقبل الإختلاف معه.
وفي هذه الفترة الوجيزة تتابعت الاتصالات والاستفسارات من قبل الإعلام الغربي لمحاولة فهم ما يجري وقد أبدى الكثيرون اندهاشهم، فهم لم يتوقعوا رد فعل واسع النطاق وشديد التعبير عن التأثر والغضب الذي اجتاح العالم الإسلامي. وكانت تساؤلاتهم تحمل في طياتها الكثير من الاستفهام الممزوج بالاستنكار وكلاهما يعكس نفسية مضطربة قد دبت فيها الحيرة جراء ما يحدث. إن ما حدث يعتبر فشلاً حقيقياً يستدعي إعادة تقييم وتغيير جذري للخطط الغربية تجاه العالم الإسلامي، فالحملات العسكرية والغربنة والعولمة والهيمنة السياسية والهيمنة الاقتصادية والتوجيه الإعلامي. وجميع محاولات إعادة صياغة العقل العربي المسلم جميعها باءت بالفشل الذريع حيث انهارت أمام أول اختبار من شأنه أن يثبت انفصال المسلم عن ثوابته وذلك في مراحل متقدمة في المسيرة التي رسمها له الغرب تجاه التبعية الفكرية والهيمنة الحضارية المطلقة. وزاد من حيرتهم الخلل الذي وجدوه حاضراً جلياً من خلال تباين ردود فعل العالم الإسلامي تجاه الكثير من الأحداث الدموية التي أقترفها الغرب وذلك مقارنة برد الفعل الناجم عن المساس بمقام صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم. وقد يعتقد الغرب أن ردود الفعل السابقة تمثل ضعفاً وانهياراً لمقومات الأمة وقدرتها على المواجهة الجماعية كما تعكس (بحسب ظنهم) ما أعتبره الغرب نجاح مخططاتهم التي استهدفت تدجين ومسخ العقل العربي المسلم. ولكنه فوجئ بهذه الهبة الجماعية فأخذ يبحث عن أسبابها بل وأسرارها. وقد سُئلت عما حدث وأنتظر القوم مني جواباً فرحت أقلب الأمر وأتدبره محاولاً معرفة الجواب ومنطقته. فأخذت أقلب في صفحات التاريخ القريب لمعرفة أسرار التحرك الجماعي وآلياته فإذا بي أمام حالة فريدة لم توجد خارج عالمنا العربي والإسلامي من قبل، وهي غضب الإنسان المسلم والعربي لأجل مبدأ أو مفهوم روحي يخرج عن إطار الحسيات والماديات التي تمس الإنسان مساساً مباشراً في حياته اليومية أو مصادر الرزق أو الأنظمة الحاكمة التي تحد من حركته أو تؤثر في مستقبله. بل ويزيد على ذلك أن هذه الحالة إنما طرأت على أمر غير ملموس إذ ليس أمامنا ما نشهده من انتهاك مباشر للإنسان العربي المسلم على غرار ما نراه في العراق وفلسطين وأفغانستان وغوانتانامو وغيرها من البؤر المظلمة في تاريخ الإنسانية المعاصرة.(10/160)
أن الحقيقة، في ما أرى، تكمن في السر الإلهي الذي وضعه رب العباد في كتابه وشرعته (سواء أنزله وحياً أو أنطقه وحياً على لسان نبيه) فالإسلام في إطار وجوده كدين إلهي للبشرية جمعاء غُرِس فيه سر الهي يدخل في تكوين الشخصية المسلمة التي تستصحب معها هذا السر مهما ابتعدت عن الجادة ومهما تنكبت الطريق. فالدين ورموزه يشكلان لدى الشخصية المسلمة طوق النجاة والملاذ الآمن. ومهما غامر المسلم وذهب بعيداً عن الشاطئ فإنه وطالما بقي يقبض على طوق النجاة يشعر أن بإمكانه العودة سالماً أن شاء. وهذه الشخصية في أسوأ ظروفها وأحلك لحظاتها يمكنها أن تتحمل الأذى الشخصي والرهق الذي يسومه لها الغرب كما يمكنها السكوت على مضض في بعض الأحيان أو الانخداع في أحيان أخرى لنصائح الغرب ومحاولاته للظهور بمظهر الناصح الأمين ليعلمنا كيفية الإمساك بطوق النجاة أو ضرورة تحديث طوق النجاة من خلال محاولاته لتحوير ديننا وتدجينه. ولعل المسلم إن سكت على ذلك أو قبل به سواء كان على مضض أو منخدعاً فإنما يشعر بأن ثمة ورقة توت لا تزال تغطي عورة الحقيقة التي تفضح نوايا الغرب وتجسدها دونما تورية. أما في الحالة الراهنة فإن ما حدث يوازي محاولة الغرب انتزاع طوق النجاة أو تحطيمه ظناً منه بأن المسلم لم يعد بحاجة إليه و لم تعد له رغبة في أن يعود يوماً ما إلى بر الأمان و لم يعد يعتمد بعد اليوم في عقله الباطن على طوق النجاة الذي لا يزال يمسك به بيده. وفي هذه اللحظة الحرجة الحاسمة تكشفت الحقائق وظهرت الحسابات الحقيقية لدى كل طرف. ولعلها ملائمة هذا الدين بل وتطابقه تطابقاً تاماً مع الفطرة السليمة هو الذي يجعل الإنسان المسلم يقاتل بشراسة منقطعة النظير إذا ما كان الهدف هو الاجتثاث الكامل لكيانه ووجوده بل ولأمله وطوق نجاته في دنياه وآخرته. ويزيد على ذلك أن وسائل الاستهداف هذه المرة لم تكن وسائل مبطنة أو محاطة بزخرف من القول يغررون به. فقد كانت الوسيلة واضحة مباشرة وكان الهدف واضحاً فلم يكن بالإمكان للمعتدي أن ينكر استهدافه ولم يكن بالإمكان للمعتدي عليه أن يدفن رأسه في التراب أو يعلل أو يجد العذر.
ولأن الأمر كله جاء على حين غفلة فلم تستطع وسائل الإعلام المحلية والعالمية كما لم تستطيع الحكومات أن تحتوي الأزمة من خلال إسباغ صبغة سياسية عليها أو فذلكة في إخراجها، فيتم التفريق بين الحكومات ووسائل الإعلام الغربية أو حتى التوجيه بمنع وسائل الإعلام العربية ومنابر المساجد من التطرق إلى هذا الأمر. لقد وجدت الفكرة أمثل وسيلة لتبنيها وأمثل أداة لتحريك الأمة وذلك من خلال المساجد والتي استتبعها تحرك جماهيري على نطاق واسع مستخدمين جميع الطاقات والإمكانيات الحديثة بعد أن تم تقعيد الأمر توطئته من قبل المسجد ومن على منبره. وهنا مكمن الحقيقة في أسباب التحريك الجماعي وإنجاحه إذ أن مؤسسات المجتمع المدني في صياغتها الحالية منفصلة عن إرث الأمة الحضاري والإنساني فلا تقوى على تعبئة الشارع وتحريكه ولم يبق في المجتمع المسلم مؤسسة مدنية منبثقة من عمق إرث الإنسان المسلم سوى المسجد.
وإنني أدعو اليوم كما دعوت سابقاً إلى وجود مؤسسات مدنية تشكل في مجملها أعمدة المجتمع المدني و بأن هذه المؤسسات يجب أن تبنى على قواعد راسخة من تراثنا وأن تصاغ في إطار مفاهيم مستمدة من هذا التراث بحيث لا تبدو لرجل الشارع العربي المسلم أمراً غريباً أو مستهجناً يصعب قبوله أو تفهمه بفطرة وتلقائية ودون عناء. إذ يبدو اليوم أن مؤسسات مجتمعنا المدني (إن وجدت) قد صيغت في إطار غريب عن مفهوم رجل الشارع فانحصرت في إطار المثقفين أو أولئك الذين جاءوا بها ومعها من الغرب فظنوا أنها سوف تلاقي رواجاً وقبولاً في المجتمع ولكنهم كمن يحدث القوم بلغة لا يفهمونها ولا يتقبلونها مهما اشتد حماس المتحدث ومهما صحت نيته فالمجتمع ليس مطالباً بأن يتحدث باللغة التي يخاطبه بها المثقف ولكن المثقف هو المطالب بأن يتحدث إلى قومه باللغة التي يفهمها المجتمع ويتقبلها ويتفاعل معها.
والله من وراء القصد,
E-mail: alim@alimlaw.com
نشرت بالعدد (15661) من جريدة المدينة، يوم الجمعة بتاريخ 10 صفر 1427ه الموافق 10 مارس 2006م، بصفحة الرأي.
=========================
السّنة النبوية: إضاءات ضروريّة
أ. د. عماد الدين خليل
[ 1 ]
من بين العديد من الباحثين الغربيين الذين كتبوا عن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يبدو ليوبولد فايس (محمد أسد) أكثرهم اهتماماً واقتراباً من جانب حيوي من أكثر جوانبها أهمية، ذلك هو" السنة ": ما الذي تعنيه، وما مكانها في خارطة التشريع الإسلامي، ومدى التوثيق الذي حظيت به، وما هي طبيعة التعامل التي يجب أن تنظم العلاقة بينها وبين المسلم، وردود الأفعال التي تمخّضت عن هذا التعامل عبر التاريخ.(10/161)
يعرّف "فايس" السنة بأنها: " المثال الذي أقامه لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أعماله وأقواله. إن حياته العجيبة كانت تمثيلاً حياً وتفسيراً لما جاء في القرآن الكريم، ولا يمكننا أن نتصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتّبع الذي قد بلغ الوحي(1).
فهذا التعريف ـ على إيجازه ـ يكاد يلّم بسائر عناصر المصطلح المقصود، فهناك أفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأقواله، أي معطياته كافة على مستوى الممارسة والتعليم، وهناك التمثيل الحي لكتاب الله في واقع الحياة من خلال هذه المعطيات التي تمارس دوراً لا يقل أهمية، وهو التفسير الذي يوضّح ويفصّل ما ورد في القرآن الكريم موجزاً، مركزاً .. وهناك ـ أخيراً ـ ما تتضمنه السنة من إلزام باعتبارها القناة، أو الطريق الوحيد المفضي إلى تنفيذ أمر الله كما بلّغه الوحي الأمين، وكما تمثل في كتاب الله.
والسنة بهذا المعنى ليست مجرد حشود من المفردات السلوكية، أو مجموعة متفرقة من التعاليم والإرشادات. إنها وحدة مركبة وبرنامج عمل يتميز بالشمولية والترابط، ويوازي حياة المسلم نفسها بكل تفاصيلها ونبضاتها، بل إنه ـ بعبارة أكثر دقة ـ يتعاشق معها كما تتعاشق الروح مع الجسد البشري، مع جملته العصبية، ودمه، وخلاياه و" كما أن حياة المسلم يجب أن تقوم على التعاون التام المطلق بين ذاته الروحية وذاته الجسدية، فإن هداية النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب أن تضمّ الحياة على أنها وحدة مركبة، أي على أنها مجموع أعمق المظاهر الخلقية والعملية والشخصية والاجتماعية، وها هو أعمق معاني السنة "(2).
وإذا كانت السنة على هذا الأساس، هي التعبير المتكامل عن الإسلام، يصبح العمل بها لزماً لكل مسلم يتوخى التعامل مع هذا الدين بالجدّ المطلوب، من أجل أن تتوحد المبادئ والتعاليم، بالممارسة والسلوك، ويلتقي الفكر بالحياة، ويتمكن الإسلام ـ بالتالي ـ من أن يشق طريقه متحققاً في مجرى الواقع، متقدماً بأتباعه إلى الأمام، من خلال برنامج عمل لا يكاد يغفل صغيرة ولا كبيرة. ومن هذا المنطلق يلحظ "فايس" كيف " أن العمل بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وأن ترك السنة هو انحلال الإسلام". كما أنه يجد في السنة " الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام". ويتساءل: " إنك إذا أزلت هيكل بناء ما، أفيدهشك أن يتقوّض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟ "(3).
وعلى هذا المستوى، أي على مستوى الإلزام التشريعي والسلوكي والاجتماعي للسنة، يمضي "فايس" إلى تأكيد حقيقة أن " سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تالية للقرآن، وهي المصدر الثاني للشرع الإسلامي وللسلوك الشخصي والاجتماعي.. إنها التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم، والوسيلة الوحيدة لاجتناب الخلاف في تأويل تلك التعاليم وتطبيقها في الحياة العملية.. إن تفكيرنا يقودنا حتماً إلى أنه ليس ثمة حكم، فيا يتعلق بالتأويل العملي لتعاليم القرآن الكريم، أفضل من الذي أوحيت إليه هذه التعاليم هدى للعالمين. إن التعبير الذي يتردّد اليوم على مسامعنا كثيراً: "لنرجع إلى القرآن الكريم، ولكن يجب ألاّ نجعل من أنفسنا أتباعاً مستعبدين للسنة، ينكشف بكل بساطة عن جهل للإسلام. إن الذين يقولون هذا القول يشبهون رجلاً يريد أن يدخل قصراً ولكنه لا يريد أن يستعمل المفتاح الأصلي الذي يستطيع به وحده أن يفتح الباب"(4).
وذلك ـ بإيجاز ـ هو جوهر الموضوع: إن السنة هي المفتاح الأصلي الذي يمكننا من الدخول إلى عالم الإسلام، وبدونه فإننا سنظل واقفين على الأبواب، ولن تكون سائر الدعاوى التي تنادي بالتحرّر من السنة!! قادرة على أن تجعلنا مسلمين بحق.
[ 2 ]
ولكن ما مدى مصداقية السنة على مستوى التوثيق التاريخي؟؟ وهل أن ما نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أقوال وأفعال هي نفسها التي تحققت وقيلت في حيته بالفعل، أو قريباً منه؟ وإذا كان القرآن الكريم يحمل ـ وبشكل مطلق ـ مصداقيته كنص إلهي محفوظ، لم ولن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما مدى حظ السنة من هذا الأمر؟ لا سيما، وأنها تحمل هذا القدر الكبير من الأهمية والإلزام في الحياة الإسلامية؟
إن "فايس" لا يجعل هذه التنازلات تفلت من بين يديه، وتبقى معلقة في الفضاء.. ونحن ـ كمسلمين نعرف جميعاً الإجابة عليها، تلك التي حرص الأجداد بسلسلة موصولة من الجهد والهمّ والمتابعة على تقديمها موثقة منقحة لأجيال المسلمين. ولكن المطلوب هو مخاطبة العقل الغربي.. العقل العلماني الذي لا يسلّم بسهولة بأمر كهذا.. ومن ثم فإن استنتاجات "فايس" بهذا الصدد تحمل قيمتها؛ لأنها تتحدث بالمفردات نفسها التي يدركها العقل، وقد يقتنع بها أيضاً.(10/162)
فهو يشير مثلاً إلى" الأثر العظيم الذي تركته شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم- في أولئك الرجال الذين صحبوه باعتبارها حقيقة من أبرز حقائق التاريخ الإنساني " وأنها " فوق ذلك ثابتة بالوثائق التاريخية " ويتساءل: " هل يمر في خيالنا أن أولئك الرجال الذين كانوا على استعداد لأن يضحوا بأنفسهم وما يملكون في سبيل رسول الله ، كانوا يتلاعبون بكلماته؟ "(5).
ويمضي "فايس" إلى القول بأن " الذين عاشوا في صحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم- رأوا جميعهم في أقواله وأعماله أعظم الأهمية، لا لأن شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - أثّرت فيهم فخلبت ألبابهم فقط، بل لأنهم كانوا أيضاً على اعتقاد جازم بأن ذلك كان أمراً من الله تعالى لتنظيم حياتهم حتى في أدق تفاصيلها. كل ذلك اهتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وإقتداء به. من أجل لك لم يستطيعوا أن يتناولوا الأحاديث بلا اكتراث، بل جربوا أن يتعلموها وأن يحفظوها عن ظهر قلب.. "(6).
وهو، على ضوء الجهود التوثيقيّة المذهلة التي بذلها رجال الحديث في العصور التالية للصحابة والتابعين، والتي وضعت أصول منهج صارم في التوثيق والبحث العلمي، بطرح تحدّيه إزاء العقل الغربي: أن يدعم انتقاداته العاطفية لمصداقية الأحاديث النبوية بدليل علمي مقنع: " إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدّي الحديث على أنه نظم ما، فإن أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي. وأنه من الصعب أن يفعل أحد ذلك، لأن الجامعين لكتب الحديث الأولى وخصوصاً الإمامين البخاري ومسلماً، قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضاّ أشد كثيراً من ذلك الذي يلجأ إليه المؤرخون الأوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم "(7).
ثم يخلص إلى القول بأن " رفض الأحاديث الصحيحة، جملة واحدة أو أقساماً، ليس حتى اليوم إلاّ قضية ذوق، قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثاً علمياً خالصاً من الأهواء "(8).
فهي ـ إن ـ الميول والأهواء تسعى لأن تقول كلمتها في واحدة من أشد مرتكزات الإسلام أهمية، حتى إذا ما أُتيح لها أن تفرض كلمتها، قدرت على هدم الإسلام نفسه، بعد أن رأينا ذلك الارتباط الصميم بين السنة وبين الدين الذي ترجمته إلى وقائع وممارسات. ولكنها لن تقدر إذ إن هناك، في الجهة الأخرى للظن والهوى: المنهج، والعلم، والنقد الجاد التي قادت العقل البشري وستقوده دوماً إلى التسليم بمصداقية سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ 3 ]
سنكتفي بهذا القدر من الحديث عن مسألة التوثيق هذه التي أشبعت بحثاً، ولنتابع "فايس" وهو يتحدث عن طبيعة التعامل مع السنة. عن صيغ هذا التعامل التي تتأرجح بين الآلية التي لا تكاد تتمخض عن شيء وبين التمثل الذي قاد أجيالاً من المسلمين إلى أن يكونوا تعبيراً صادقاً عن كتاب الله، وإلى أن يصنعوا المستحيل بالتالي.. ففي " اللحظة التي ينحط فيها العمل بالسنة إلى عمل آلي، تفقد السنة قيمتها المثقفة فقداناً تاماً، وكذلك كان شأن المسلمين في العصور الأخيرة. أما الصحابة والتابعون الذين قاموا بكل مسعى لجعل كل دقيقة في حياتهم موافقة لما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنهم فعلوا ذلك مع الفهم التام بأنهم أسلموا أنفسهم إلى إرادة هادية تجعل حياتهم مطابقة لروح القرآن الكريم "(9).
[ 4 ]
كيف يتم ذلك التطابق الباهر بين الحياة وتعاليم الله سبحانه؟ يجيب "فايس" بأن " العمل بالسنة يجعل كل شيء في حياتنا اليومية مبنياً على الاقتداء بما فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم - وهكذا نكون دائماً، إذا فعلنا أو تركنا ذلك، مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله الماثلة لأعمالنا هذه، وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه، ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا طول الحياة "(10).
[ 5 ](10/163)
والحديث عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقودنا إلى الحديث عن شخص رسول الله نفسه.. النبي، والقائد والمعلم.. عن علاقة المسلمين على مرّ العصور به.. عن محبتهم له .. عن عشقهم لأفعاله وكلماته.. وعن ردود الأفعال الإنسانية، وجدانية وسلوكية، تلك التي تصادت على مدار الزمن، مؤكدة أنه ما من أمة أحبّت رسولها، واقتدت به، كأمة الإسلام، وأنه ـ أيضاً ـ ما من أمة كهذه الأمة لم تجرفها المحبة الطاغية إلى مواقع الشرك والتأليه والصنمية، وما كانت الاستثناءات بقادرة على أن تغطي على القاعدة، أبداً.. إنه ليس هناك من رجل ، يقول "فايس"، " مضى على وفاته أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، قد أصاب مثل هذا الحب، ومن قبل هذا العدد من الأفئدة، مثل ذلك إلى من يرقد تحت القبة العظيمة الخضراء. ومع ذلك فإنه لم يدع يوماً إلاّ أنه بشر، ولم ينسب المسلمون إليه الألوهية قط، كما فعل الكثيرون من أتباع الأنبياء الآخرين (عليهم السلام) بعد وفاة نبيهم. والحق أن القرآن نفسه يزخر بالآيات التي تؤكد إنسانية محمد - صلى الله عليه وسلم - .. ولا ريب في أن من حوله لم يحبوه مثل هذا الحب إلا لأنه لم يكن سوى بشر فحسب، ولأنه عاش كما يعيش سائر الناس، يتمتع بملذات الوجود البشري ويعاني آلامه. ولقد بقي هذا الحب بعد وفاته، وهو لا يزال حيّاً في قلوب أتباعه حتى اليوم كنشيد تعدد النغمات "(11).
هذا الموقف الإنساني الملتاع بالمحبة.. هذه الجلود المؤمنة التي تقشعر كلما وجدت نفسها قبالة الرسول - صلى الله عليه وسلم-) بعقولها ووجدانها، وهو يقودها ويعلمها ويهديها.. هذه العيون التي تدمع كلها لجأت إلى نبي الله، تطلب من يده الحانية أن يكفكف بها دمع العيون ويمسح بها جرح القلب.. وما أغزرها وأعمقها في كل زمن ومكان.
هذه وتلك تحمل أهميتها القصوى ها هنا ونحن نتحدث عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .. لأنها تعكس، بإقناع يكاد يكون كاملاً، كيف تمكن المسلمون من حماية سنة نبيهم من الضياع، وكيف قدروا في الوقت نفسه على أن يعيشوها ويتمثلوها، بدرجة أو أخرى، فيتيحوا بذلك للإسلام نفسه أن يتحقق وأن يواصل الطريق..
والآن وبعد مرور أربعة عشر قرناً على لحاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، واستقرار جسده الشريف في المدينة فإن " وجوده الروحي لا يزال حيّاً هنا كما كان يوم ذاك.. ولقد كان من أجله وحده أن أصبحت مجموعة القرى التي كانت تُدعى في ما مضى يثرب، مدينة أحبها المسلمون حتى يومنا هذا كما لم تُحب مدنية غيرها في أي مكان آخر من العالم. وليس لها حتى اسم خاص بها. فمنذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً وهي تعرف بمدينة النبي فحسب، وطيلة أكثر من ثلاثة عشر قرناً التقت هنا سيول لا تُحصى من الحب، بحيث اكتسبت مع الأشكال والحركات نوعاً من التشابه العائلي، وجميع الفروق في المظاهر تتّحد في لحن مشترك واحد "(12).
-----------
الهوامش:
(1) الإسلام على مفترق الطرق، ترجمة د. عمر فروخ، الطبعة السادسة ، دار العلم للملايين، بيروت ـ 1965 م، ص 88.
(2) نفسه ، ص 89.
(3) نفسه ، ص 87.
(4) نفسه ، ص 90 ـ 91.
(5) نفسه ، 94.
(6) نفسه ، 95.
(7) نفسه ، ص 92.
(8) نفسه ، ص 97.
(9) نفسه ، ص 106.
(11) نفسه ، ص 109.
(12) نفسه ، ص 297.
الصحف المتطاولة على الرسول خائنة لأمانة القلم
نشرت جريدة الوطن في 30/12/1426هـ
=========================
الصحف المتطاولة على الرسول خائنة لأمانة القلم
ليس لدى الإنسان المسلم شيء أغلى عنده من خالقه ومعتقده ونبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ولا شك بأن المساس بذات الرسول صلى الله عليه وسلم والنيل من شخصيته صلى الله عليه وسلم والتطاول على سيرته ببذيء الكلام وساقط القول إنما يعكس أثرا جليا عن رداءة الجهة المعتدية وسوء الأيدي التي توجهت إلى ذلك، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، وهو نيل من كرامة كل مسلم على وجه الأرض وتحت أديم السماء.. فماذا نحن فاعلون؟، هل الصمت في هذه الحالة إلا ذل وهوان ونكوص يمجه الدين والعقل؟ ولقد انبرى عدد قليل هنا وهناك للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسائل الإعلام المقروءة ورد الهجمة الخرقاء(10/164)
وليس بمستغرب ذلك الخذلان الذي نقل عبر صحافتهم فالعداوة قديمة وأزلية وقد فند القرآن الكريم مزاعمهم وبين تربصهم بدين الإسلام وكرههم لأهله ومعتقديه، ولقد أعجبني كلاما نفيساً سمعته على لسان داعية إسلامية في بلادنا أثناء خطبته لصلاة الجمعة الماضية حيث أدان تلك الصحف الشاذة التي نالت من شخصية أعظم بشر مشى على وجه الأرض الرسول الأمين والمصطفى الصادق عليه الصلاة والسلام وأكد على خيانة تلك الصحف لأمانة القلم وأمانة اللسان يوم أن فقدت الأمانة وليس بعد الكفر ذنب واختتم قوله داعيا وناصحا الأمة الإسلامية بضرورة التمسك بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته وأخلاقه واقتفاء أثره، والإكثار والتفاني في الصلاة والسلام عليه وفي ذلك أعظم رد على افتراءاتهم وبين بأن الأمة لم تعرف السلام والراحة والاطمئنان إلا عن طريقه وسلوكه وما قيمة الأمة بغير مشيها على أثره وسلوكها في ركاب رسالته صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ووالده والناس أجمعين) ويقول عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) فحري بكل مؤمن أن يكون ذلك دافعا له لمزيد من الحب والإقبال والتمسك والمرابطة والدفاع عن حياض دينه ورسوله وأمته.
معاذ الحاج - جازان
=========================
الصفات الخلقية لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
وصف جامع للرسول صلى الله عليه وسلم
صفة النبي صلى الله عليه وسلم
صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعضائه
صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفة شعر رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفة لحيته صلى الله عليه وسلم
خاتم النبوة
ذكر شيب النبي صلى الله عليه وسلم وخضابه
الكفان
الذراعان و المنكبان
القدمان
الساقان
فصاحة لسانة صلى الله عليه وسلم
ريقه الشريف صلى الله عليه وسلم
صفة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم
صفة صوته الشريف صلى الله عليه وسلم
صفة صدره وبطنه وظهره صلى الله عليه وسلم
بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم
صفة قدمه الشريف صلى الله عليه وسلم
صفة قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم
صفه شعره الشريف صلى الله عليه وسلم
صفة طول الشريف صلى الله عليه وسلم
كلمات في وصفه صلى الله عليه و سلم
طيب ريحه وعرقه وفضلاته صلى الله عليه وسلم
هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم ظل؟
الكلام على صفة خاتم النبوة
صفة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كأن الشمس تجري في جبهته وما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر
وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنهم قال: قلت للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة
وصف جامع للرسول صلى الله عليه وسلم
وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لابن أبي هالة : عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي_ وكان وصافًا_ عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئًا أتعلق به، فقال:كان صلى الله عليه وسلم فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهه كتلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذ هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ من غير قرن، ينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور ويعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج سهل الخدين
ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه كجيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء، موصول البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، خمصان الإخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء
إذا زال زال تقلعًا، ويخطو تكفأ، ويمشي هونًا سريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت معًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره لملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام
قلت: صف لي منطقه(10/165)
قال : كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فضلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثًا، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة، وإن دقت لا يذم ذواقًا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها، فإذا تعرض للحق لم يعرف أحدًا، ولم يقم لغضبه شيء، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كله، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب وأعرض أشاح، وإذا ضحك غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانًا ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومجلسه ومخرجه وشكله، فلم يدع منه شيئًا
قال الحسين: لقد سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء: جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه، ثم جزأ نفسه بينه وبين الناس، فيرد ذلك العامة بالخاصة، فلا يدخر عنهم شيئًا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأذنه، وقسمتهم على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم فيما يصلحهم ويلائمهم ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياي؛ فإنه من أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادًا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة، يعني على الخير
قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟
فقال : كان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا ما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو قال: ولا ينفرهم، فيكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة
فسألته عن مجلسه فقال : كان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين متواصين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجة، ويحفظون الغريب
قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟
قال : كان صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فاحش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء (الجدال) والإكثار (أي الإكثار من الكلام أو المال) وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدًا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته (أي لا يكشف عورة أحد أو لا يظهر ما يريد الشخص ستره ويخفيه عن الناس) ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم
يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة (أي الجفاء والغلظة) في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة فأرشدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ (أي مقتصد في المدح غير متجاوز اللائق به)، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز (أي يجاوز الحق ويتعداه ) فيقطعه بنهي أو قيام
قال: قلت: كيف كان سكوته؟
قال : كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر. فأما تقديره: ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره أو قال تفكره: ففيما يبقى ويفنى
وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاد الرأي فيما أصلح أمته، والقيام لهم بما جمع لهم في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي في الشمائل، والطبراني في الكبير
صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/166)
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم لا بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق ولا آدم، ليس بجعد قط ولا سبط رجل
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه بحمرة
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في صفته صلى الله عليه وسلم: كان أزهر اللون، والأزهر الأبيض الناصع البياض الذي لا تشوبه حمرة ولا صفرة ولا شئ من الألوان
وقد نعته بعض من نعته بأنه كان مشرب حمرة، وقد صدق من نعته بذلك ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح؛ فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر
صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعضائه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، فكان وجهه كالقمر والشمس مستديرًا
وكان صلوات الله وسلامه عليه عظيم العينين أهدب الأشفار، مشرب العينين حمرة، أشكل أسود الحدقة، أدعج، أكحل العينين، دقيق الحاجبين، سابغهما، أزج، أقرن، أبلج واسع الجبين، أغر، أجلي كأنه يتلألأ، وكان العرق في وجهه كاللؤلؤ، وكان أسيل الخدين سهلهما، أقني الأنف، ضليع الفم، حسن الثغر، براق الثنايا، إذا ضحك كاد يتلألأ
وفيما يلي باقة عطرة من وصف الواصفين لرسول الهدي صلى الله عليه وسلم ممن حضره وشاهده تدلل على ما ذكرناه
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير
وعن أبي إسحاق قال: سئل البراء: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، بل كان مثل الشمس والقمر وكان مستديرًا
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه في نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... كان أسود الحدقة أهدب الأشفار
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العين، سهل الخد
وعن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم"ضليع الفم أشكل العين منهوس العقبين
قال: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟
قال: عظيم الفم
قال: قلت: ما أشكل العين؟
قال: طويل شق العين
قال: قلت: ما منهوس العقب؟
قال: قليل لحم العقب
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الثغر
صفة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفة لحيته صلى الله عليه وسلم
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس
وعنه رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم اللحية
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية
وعن أبي هريرة رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود اللحية
صفة شعر رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد سواد الشعر
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أنصاف أذنيه
وعنه رضي الله عنه قال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرًا رجلاً، ليس بالجعد ولا البسط، بين أذنيه وعاتقه
عن ابن العباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد
ذكر شيب النبي صلى الله عليه وسلم وخضابه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، قال ربيعه: فرأيت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا هو أحمر فسألت فقيل: من الطيب
وعن ثابت رضي الله عنه قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت
وقال: لم يختضب، وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا دهن ومشط لم يتبين وإذا شعت رأسه تبين
عن إياد بن أبي رمثة رضي الله عنهما قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟
قلت: لا
قال: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران(10/167)
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك
عن عبد الله بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر
وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإني رأيت شعرا من شعره قد لون
قال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد، ولو عددت ما أقبل عليه من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة، وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غير لونه
فائدة
يلحظ مما تقدم من الأحاديث ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب، مثل حديث أبي رمثة وحديث ابن عمر رضي الله عنهم، ومنها ما ينفي ذلك مثل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
ومن الأحاديث أيضا ما حدد عدد شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث أنس الآنف الذكر؛ فإنه حدد الشيب بإحدى عشرة شيبة، بينما وردت أحاديث أخر دلت على أن الشيب أزيد من هذا العدد، مثل حديث ابن عمر
وقد جمع العلماء رحمهم الله بين هذه الأحاديث ورجحوا ما يأتي
أولاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب
قال ابن كثير، رحمه الله: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقررة أن الإثبات مقدم على النفي، لأن المثبت معه زيادة علم ليست مع النافي
ثانياً : أن إثبات غير أنس من الصحابة لأزيد مما ذكر من الشيب مقدم لا سيما ما جاء عن ابن عمر الذي يظن أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة؛ ذلك أن اطلاعها أتم من اطلاع أنس؛ لأنها ربما فلت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام
صفات أخري لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أولاً : خاتم النبوة
عن عاصم عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما، أو قال ثريداً قال: فقلت استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك ثم تلا هذه الآية: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ - سورة محمد آية 19
قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، عند ناغض كتفيه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثاليل
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: ".. كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده
ثانياً : المنكبان
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين
ثالثاً : الذراعان
عن أبي هريرة رضي الله عنه في نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان شبح الذراعين
رابعاً : الكفان
عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، حسن الوجه، لم أر بعده ولا قبله مثله وكان بسط الكفين
عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والكراديس، طويل المسربة
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كان عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم
خامساً : الساقان
عن سراقة بن مالك رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنوت منه وهو على ناقته جعلت أنظر إلي ساقه كأنها جمارة
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: دفعت إلي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الناس عليه يأخذون منه، ثم دخل فأخرج العنزة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إلي وبيص ساقيه، فركز العنزة ثم صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يمر بين يديه الحمار والمرآة
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسما وكان في ساقيه حموشة
سادساً : القدمان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم القدمين
وعنه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن القدمين
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منهوس العقبين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص
سابعاً : ريقه الشريف صلى الله عليه وسلم
عن سهل بن سعد: أن علي بن أبي طالب اشتكى عينيه يوم خيبر، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع
ومج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر ففاح منها رائحة المسك، وبزق في بئر في دار أنس فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها(10/168)
ومسح بيديه الشريفة صلى الله عليه وسلم، بعد أن نفث فيها من ريقه على ظهر عينيه وبطنه وكان به شري، فما كان يشم أطيب منه رائحة
ثامناً : فصاحة لسانة صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أفصح العرب، وإن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لقد طفت في العرب، وسمعت فصحاءهم، فما سمعت أفصح منك
قال: أدبني ربي، ونشأت في بني سعد بن بكر
تاسعاً : صفة صوته الشريف صلى الله عليه وسلم
كان صوته صلى الله عليه وسلم يبلغ حيث لا يبلغه صوت غيره
فعن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العوائق في خدورهن
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقال للناس اجلسوا، فسمعه عبد الله بن رواحه وهو في بني غم فجلس مكانه
عاشراً : صفة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم
قال يزيد بن الأسود: ناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك
وعن أنس رضي الله عنه: مامسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن بطال: كانت كفه صلى الله عليه وسلم ممتلئة لحما، غير أنها مع ضخامتها كانت لينة
وعن أبي زيد الأنصاري قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي ولحيتي ثم قال: اللهم جمله
قال الراوي عنه: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض، ولقد كان منبسط الوجه ولم ينقبض وجهة حتى مات - رواه البيهقي وغيره
حادي عشر : بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم
عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى رأيت بياض إبطيه
ثاني عشر : صفة صدره وبطنه وظهره صلى الله عليه وسلم
وصفه علي رضي الله عنه فقال: ذو مسربة وفسر بخيط الشعر بين الصدر والسرة
وصفت بطنه أم هانئ فقالت: ما رأيت بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذكرت القراطيس المثني بعضها على بعض
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم أبيض كأنما صبغ من فضة، رجل الشعر، فضاض البطن، عظيم مشاش المنكبين مفاض البطن واسعه
المشاش: رؤوس العظام
وعن محرش الكعبي قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلا، فنظرت إلي ظهره كأنه سبيكة فضة
وروى البخاري: كان صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين
وعن أبي هريرة: رحب الصدر
ثالث عشر :صفة قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم
قد صح أن جبريل عليه السلام شقه، واستخرج منه علقة، فقال له هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه فأعاده في مكانه قال أنس: فلقد كنت أرى أثر المخيط في صدره - رواه مسلم
رابع عشر : صفة قدمه الشريف صلى الله عليه وسلم
وعن ميمونة بنت كردم قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه - رواه الإمام أحمد وغيره
وقال أبن أبي هالة: خمصان الأخمصين مسيح القدمين
والأخمص من القدم: الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء
والخمصان: البالغ منه
ومسيح القدمين: أي ملساوتان لينتان ليس فيهما تكسر ولا شقاق
وعن عبد الله بن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قدما
خامس عشر : صفة طول الشريف صلى الله عليه وسلم
قال علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قصير ولا طويل وهو على الطول أقرب - رواه البيهقي
وقال أبن أبي هالة: أطول من المربوع وأقصر من المشذب
والمشذب: البائن الطول في نحافة، وهو مثل قوله في الحديث الآخر: لم يكن بالطول المغط، أي المتناهي في الطول
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، وكان ينسب إلي الربعة إذا مشي وحده، ولم يكن يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طالة صلى الله عليه و سلم، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي الربعة - رواه البيهقي وعلي وزاد ابن سبع في (الخصائص): أنه كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين صلى الله عليه وسلم
ووصفه ابن أبي هالة: بأنه معتدل الخلق بادن متماسك
سادس عشر : صفه شعره الشريف صلى الله عليه وسلم
عن قتادة رضي الله عنه قال: سألت أنس عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرا بين شعرين، لا رجل سبط ولا جعد قطط، وكان بين أذنيه وعاتقه
وفي رواية: كان رجلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه
وفي أخري: كان شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي أنصاف أذنيه
وفي حديث البراء: يضرب إلي منكبيه، وفي حديث أنس: كان إلي أذنيه
وعن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فوق الوفرة ودن الجمة
والجمة: هي مجتمع الشعر الذي نزل إلي المنكبين(10/169)
والوفرة: ما نزل إلي شحمة الأذن
واللمة: التي ألمت بالمنكبين
قال القاضي عياض: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه، والذي يلي أذنيه وعاتقيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه، قال: وقيل بل لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصير شعره بلغ المنكب، وإذا قصره كان إلي أنصاف الأذنين فكان يطول ويقصر بحسب ذلك
وعن أبن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رءوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤم فيه بشئ ثم فرق صلى الله عليه و سلم رأسه - رواه الترمذي وفي صحيح مسلم نحوه
وسدل الشعر: إرساله، والمراد هنا إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة، وأما الفرق: فهو فرق الشعر بعضه عن بعض
قال العلماء: والفرق سن لأنه هو الذي رجع إليه صلى الله عليه وسلم
والصحيح جواز الفرق والسدل، يكون الفرق أفضل - والقصة: شعر الناصية يقص حول الجبهة
وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر - رواه الترمذي
الغدائر: هي الذوائد، والمفرد: غديرة
وعن أنس رضي الله عنه: كان في لحيته صلى الله عليه وسلم شعرات بيض - رواه مسلم
وعنه رضي الله عنه: ما كان في رأسه صلى الله عليه وسلم ولا لحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة بيضاء وعن ابن عمر: نحو عشرين
وفي الصحيحين: أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة
قال الثوري: المختار أنه صبغ في وقت وتركه في أوقات كثيرة، فأخبر كل بما رأى، وهو صادق
وعن أنس رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته، ولم يرو أنه صلى الله عليه وسلم حلق شعره الشريف في غير نسك حج أو عمرة فتكون تبقية الشعر في الرأس سنة، ومن لم يستطع التبقية يباح له إزالته
وأما العانة: ففي حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور، وكان إذا كثر شعره حلقه
طيب ريحه وعرقه وفضلاته صلى الله عليه وسلم
قال أنس رضي الله عنه: ما شممت ريحا قط ولا مسكا ولا عنبر أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه أحمد
وعنه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب، وقالوا: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الطريق - رواه أبو ليلي وغيره
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال حجم النبي صلى الله عليه وسلم غلام لبعض قريش، فلما فرغ من حجامته أخذ الدم فذهب من وراء الحائط فنظر يمنيا وشمالا فلم ير أحدا فحسي دمه (أي شربه) حتى فرغ ثم أقبل، فنظر في وجهه فقال: ويحك ما صنعت بالدم؟ قال: قلت: غيبته من وراء الحائط
قال: أين غيبته؟
قلت: يا رسول الله عز علي دمك أن أهرقه في الأرض فهو في بطني
فقال: اذهب، فقد أحرزت نفسك من النار
وعن أم أيمن قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلي قحاب في جانب البيت فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أم أيمن قومي فأهرقي ما في تلك الفخارة
فقلت: قد والله شربت ما فيها
قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: أما والله لا توجعن بطنك أبدا
كلمات في وصفه صلى الله عليه و سلم
قال سيدنا عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه و سلم
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه
وأكمل منك لم تلد النساء ... ... وأجمل منك لم تر قط عيني
كأنك قد خلقت كما تشاء ... ... خلقت مبرءا من كل عيب
وقال حسان أيضا
ولا في جنان الخلد مثلك أخر ... ... فما ولدت حواء من صلب آدم
وقال أخر
ينكس الحسن رأسه خجلا ... ... أن جاء الحسن كي يقاس به
وقال القرطبي: لم يظهر لنا تمام حسنه صلى الله عليه و سلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه و سلم
الكلام على صفة خاتم النبوة
عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن ابن أخي وقع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلي خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة - رواه البخاري
ووقع في رواية ابن حبان من طريق سماك بن حرب: كبيضة النعامة. ونبه على أنها غلط
وعند ابن حبان من حديث ابن عمر: مثل النائتة من اللحم
وعند الترمذي: كبضعة ناشزة من اللحم
وأما ورد من أنها كانت كأثر المحجم، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها: محمد رسول الله، أو سر فإنك المنصور، أو نحو ذلك فلم يثبت منها شئ
وقال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر، إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر قدر جمع اليد، والله أعلم
السر في خاتم النبوة كان عند كتفه الأيسر(10/170)
وقال: وقع في حديث عبد الله بن سرجس عند مسل أن خاتم النبوة كان بين كتفيه عن نغض كتفه اليسري
ثم قال العلماء: السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة، وقد ورد في خبر مقطوع أن رجلا سأل ربه أنه يريه موضع الشيطان، فرأي الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه الأيسر حذاء قلبه، له خرطوم كالبعوضة - أخرجه أبن عبد البر يسند قوي إلي ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز فذكره، وذكره أيضا صاحب (الفائق) في مصنفه
وله شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يعلي وأبن عدي ولفظه: أن الشيطان واضع خطمه على قلب أبن آدم: الحديث
وأورد أبن أبي دواد في كتاب (الشريعة) من طريق عروة بن رويم أن عيسي عليه السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من أبن آدم، وقال فإذا برأسه مثل الحية، وأضع رأسه على تمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا غفل وسوس
وقال السهيلي: موضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان ليوسوس لأبن آدم
خاتم النبوة ليس أثراً الشق الصدر
قال الحافظ في (الفتح): وداعي عياض هنا أن الخاتم هو أثر شق الملكين لما بين كتفيه وتعقبه النووي قال: هذا باطل لأن الشق إنما كان في صدره وبطنه، وقال القرطبي: أثره إنما كان خطا واضحا من صدره إلي مراق بطنه كما في الصحيح، ولم يثبت قط أنه بلغ الشق حتى نفذ من وراء ظهره ولو ثبت مسربته إلي مراق بطنه قال: بهذه غفلة من هذه الإمام، ولعله ذلك وقع من بعض نساخ كتابه، فإنه لم يسمع عليه فيما عملت، كذا قال
وقد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم: كيف كان بدأ أمرك؟ فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد، وفيه أن الملكين لما شقا صدره صلى الله عليه و سلم قال أحدهما للأخر: "خطة فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة" انتهي
فلما ثبت أن خاتم النبوة كان بين كتفيه حمل ذلك عياض على أن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى التأم كما كان وقع الختم بين كتفيه كان ذلك أثر الشق
وفهم النووي وغيره أن قوله: (بين كتفيه) متعلق بالشق وليس كذلك بل هو متعلق بأثر الختم، ويؤيده ما في حديث شداد بن أوس عند أبي يعلي في (الدلائل) لأبي نعيم أن الملك لما أخرج قلبه وغسله ثم أعاده ختم عليه بخاتم في يده من نور فامتلأ نورا وذلك نور النبوة، فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر لأن القلب في تلك الجهة
وفي حديث عائشة عند أبي دواد الطيالسي وأبن أبي أسامة في (الدلائل) لأبي نعيم أيضا: أن جبريل وميكائيل لما تراءيا له عند المبعث (هبط جبريل فسلق لحلاوة القفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم ألقاني، وخيم في ظهري حتى وجدت برد الخاتم في قلبي، وقال: أقرا) الحديث هذا مستند القاضي فيما ذكره وليس بباطل.
الخاتم لم يكن موجودا حين ولد صلى الله عليه وسلم
ثم قال الحافظ: ومقتضي هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودا حين ولادته صلى الله عليه وسلم، ففيه تعقيب على من ذهب وزعم أنه ولد به، وهو قول نقله أبو الفتح اليعمري بلفظ: قيل ولد به وقيل حين وضع، نقله مغلطاي عن يحي بن عائذ، والذي تقدم أثبت
احتمال أن الخاتم وقع في موضعين من جسده
ثم قال: ووقع مثله في حديث أبي ذر عند أحمد والبيهقي في (الدلائل) وفيه: وجعل خاتم النبوة بين كتفيه كما هو الآن
وفي حديث شداد بن أوس في المغازي لابن عائذ في قصة شق صدره وهو في بلاد بني سعد بن بكر: وأقبل وفي يده الخاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه" الحديث. وهذا قد يؤخذ منه أن الخاتم وقع في موضعين من جسده، والعلم عند الله
هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم ظل؟
قال ابن سبع: كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان نورا، وكان إذا مشي في الشمس أو القمر لا يظهر له ظل والله أعلم بالحقيقة
قال القاري: وسمي الله النبي صلى الله عليه وسلم نورا فقال: قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ قيل المراد بالنور محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال فيه: وَسِرَاجاً مُّنِيراً أي شمسا مضيئا، سمي بذلك لوضوح أمره، وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به ، وما ظهر من الأنوار والأسرار بسببه
قال الحلبي: ولعل ابن سبع استنبط من هذا ومن الحديث الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه أنه يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا، وقوله: واجعلني نورا، ما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم كان من خصائصه أنه كان نوراً
وقال العلامة على بن محمد القاري: وفي حديث أبن عباس: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل، ولم يقم مع الشمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوؤه ضوء السراج ذكره ابن الجوزي وذكره المناوي في (شرح الشمائل) وقال: ذكره في الوفاء بأسانيده
==========================(10/171)
الصّراع الفكريّ بين الإسلام والغرب على القارّة السوداء"
نايف ذوابه 22/6/1425
08/08/2004
قبل خمسة عشر عامًا قرأت كتابًا عن الإسلام في إفريقيا صادرًا عن سلسلة دار المعرفة الكويتيّة، وقد أثلج صدري، وأبهج نفسي ما قرأته من صفَحَات مضيئة من جهاد المسلمين الأفارقة للحفاظ على هويّة القارّة الإسلاميّة في مِنطقة القرن الإفريقيّ التي شهدت معارك طاحنة مع القوّات الإيطاليّة وغيرها من قوّات الحلفاء في نهاية القرن التاسع عشر الميلاديّ.
ولقد كنت أقرأ صفَحَات الكتاب، وكلّما طويت صفحة كنت أشعر بالزّهو والفخر لهذا الكفاح العنيد، والجهاد الصادق الذي بذله إخوتي هناك للوقوف في وجه الاستعمار الغربي (الذي كان ينشد احتلال الأوطان والأدمغة ونهب الثروات) على قلّة إمكاناتهم، وضخامة إمكانات أعدائهم؛ لكنّهم أبدَوْا إرادة خلاقة تستحوذ على إعجاب من يتتبّع هذه الأحداث، وهذا ما شفى نفسي وأبرأ سُقْمها من أحداث أخرى كانت تدور رحاها في الشرق العربيّ؛ حيث وجد المستعمر الكافر ضالّته في نفر من المسلمين المغفّلين باعوا أنفسهم للهوى؛ كانوا ينتحرون سياسيًّا ويتعاونون مع المستعمر الكافر لدقّ آخر إسفين في نعش دولة الخلافة العثمانيّة التي كانت آخر من يمثل سلطان الإسلام ووجوده في الموقف الدّوليّ، والعلاقات الدوليّة . وكان ما كان؛ إذ لفظت دولة الخلافة العثمانيّة أنفاسها في نهاية الحرب العالميّة الأولى ، وتداعت عليها قوى الكفر، ووقعت المِنطقة بأسرها تحت هيمنة الكفار المستعمرين: فرنسيين وإنجليز بعد أنْ غيّبت أحداث الحرب العالميّة الأولى المسلمين عن الساحة الدوليّة ، وقامت بريطانيا وفرنسا باقتسام تركة الرجل المريض (الدولة العثمانيّة) وفق اتفاقيّة سايكس - بيكو المشؤومة، ثمّ وعد بلفور المشؤوم . وباء الذين تعاونوا مع الإنجليز بالخسران المبين؛ فلا هم حافظوا على ملكهم الذي كانوا عليه، ولا منحهم الإنجليز ما وعدوهم به.
لا أريد أنْ أخوض في تفاصيل الإطار التاريخيّ للأحداث السياسيّة وحسبي ما ذكرت لأعود ثانية إلى القارة " البيضاء" فتح الله علينا بها، والتي هي الآن ميدان الصراع الرّهيب بيننا وبين الغرب الذي يخشى من اكتساح الإسلام لهذه القارة والتي أقر المنصّرون "بأنّ الإسلام يلقى فيها الترحيب الحارّ" لكنّهم لم يسألوا أنفسهم: لماذا يلقى الإسلام الترحيب الحارّ من سكان القارّة الإفريقيّة كما في غيرها!
وقبل أنْ أستطرد في هذا الموضوع أعود للكتاب الذي قرأته فأتحدّث عن حادثة اهتزت لها نفسي، وخفق لها جناني، وجعلتني أكثر شموخًا وثقة بهذا الدين الذي أنتسب إليه. وهذه الحادثة كما يذكرها الكتاب تتلخّص في أنّ الإمبراطور الحبشيّ النّصرانيّ في تلك الحقبة من نهاية القرن التاسع عشر الميلاديّ هداه الله للإسلام؛ فجمع كبار رجال الدّين المسيحيّ من بطارقة وكرادلة وقساوسة... وصارحهم بما أصبح عليه من الإسلام، وحاجّهم ودعاهم إلى الإسلام، فما كان منهم إلا الرّفض، وعزموا على عزله وضحّى الإمبراطور المهتدي بمُلكه رغبة في الإسلام وقدّم مثلاً رائعًا في التضحية بالدنيا وما فيها حبًا في الله ومحبّة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا المشهد النزيه الذي انقاد فيه الإمبراطور الحبشيّ لسلطان الحقّ الذي قاده إليه عقله ذكرّني بموقف جدّنا العظيم سعد بن معاذ رضي الله عنه حينما نما إليه أُناسٌ أنّ مصعب بن عمير يدعو للإسلام في المدينة ويفتن النّاس عن دين آبائهم وأجدادهم؛ فجاء سعد إلى مصعب مغضبًا وقال له : إنْ كان لك بنفسك حاجة يابن أخي فارحلْ عن هذا المكان ! فما كان من السّفير الداعية (مصعب) إلا أنْ قال له : أوَ تسمع؟ فإنْ سمعت ما تكره كففْنا عنك ما تكره .فقال سعد : أنصفت ! وركز حربته في الأرض، وجلس يستمع إلى كلام الله من مصعب، ولم يمنعه هوى، ولا كبر، ولا استخفاف بهذا الغريب من الإنصات لنداء العقل والحقّ، وسمع معاذٌ القرآن، وهل من عاقل يسمع القرآن، ولا يدرك أنّه حق( إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) وما أن انتهى مصعب من قراءته حتى فعل القرآن فعله في سعد بن معاذ وسأل سعد مصعبًا : وماذا يفعل من يدخل في دينكم ؟ واغتسل سعد وتشهّد ودخل في دين الله، وكان إسلامه فتحا على الإسلام ، وعلى إثره قام الكيان الإسلاميّ في المدينة.(10/172)
وهذا الموقف الإيجابي من سعد بن معاذ الذي استسلم لسلطان العقل، ولم يحجزه الهوى عن السّماع ثم الاتباع أقارنه بموقف أتذكره للجاسوس البريطاني "هنفر" الذي بعثته بريطانيا إلى إستانبول (ولم يزل حدثًا صغير السنّ، وإنّما أرادوا أنْ يتربّى في أحضان البلاد التي سيعمل فيها ليتعرّف على عادات القوم وأخلاقهم ، ودينهم، وتفاصيل حياتهم؛ ليسهل عليه انخراطه في مجتمعهم)؛ وذلك للتجسّس على الدولة العثمانيّة وتقويض أركانها من الداخل. وقد لازم "هنفر" شيخًا تركيًّا كان يعمل نجارًا، وادّعى "هنفر" الإسلام، وأخذ يتعلّم الإسلام من الشيخ، وقد أُعجب "هنفر" بالإسلام وبالشيخ الذي تمثل الإسلام تمثّلاً صادقًا: استقامة، وأمانة، ورقة قلب، وحسن خلق. وبدأت نفسه تراوده أنْ يسلم حقيقة لا ادّعاءً ،ودخل مع هواه في صراع رهيب ، وكلّما عزم "هنفر" على الإسلام تذكّر المهمّة التي جاء من أجلها لخدمة التاج البريطانيّ، وهكذا انتصر الهوى وحال بينه وبين الإسلام ، وقد صدق من قال : إنّ الهوى من الهوان !
إنّ الإسلام عقيدة عقليّة، وهنا تكمن قوّة الإسلام؛ فهو يخاطب العقل، ويقنعه بخلاف المسيحيّة التي تتناقض مع العقل سواء في فكرة التثليث، أو فكرة الخلاص والفداء ،فضلا عن أنّ الفكرة الإسلاميّة تملأ القلب والفطرة طمأنينة؛ فيغدو المرْء معها مرتاح البال، هادئ النّفس، قرير العين وتتحوّل معه الحياة إلى سعادة دائمة.
أمّا الجانب الإنساني في الفكرة الإسلاميّة فكان مثالاً حيًّا جعلت الشعوب تستقبله، وتنصهر فيه، ثمّ تحمله من خلال جيوش الفتح الإسلاميّ.
ومن هنا فإنّ الإسلام فكر ديناميّ حي مؤثّر في النفوس، يهز العقول، ويوقظ العواطف النبيلة، ولا قِبل لأيّ فكر عرفته البشريّة أنْ يتحدّى الإسلام وقد أبدى المؤرخ البريطاني"أرنولد توينبي" ذهوله من الفترة القياسيّة التي استطاع فيها الإسلام الظهور؛ إذ تحدّى أكبر إمبراطوريتين في عصره بل وهزمهما وقهرهما وأقصاهما من الموقف الدولي حينئذ بعد معركتي اليرموك و القادسيّة أي بعد مضي قرابة خمسة عشر عامًا من قيام الدولة الإسلاميّة في المدينة.
والغرب يراقب المِنطقة عن كثب، وقد صبّ كل إمكانياته الاستخباراتيّة والعسكريًة للإحاطة بالمِنطقة، وضبط إيقاع الأحداث فيها و"نيسكون" أشار في كتابيه " نصر بلا حرب" و " الفرصة السانحة" إلى أنّ الإسلام سيصبح قوّة جيوبوليتيكيّة خطيرة، ولا سيّما مع التزايد السّكاني، والإمكانيّات الضخمة لبلاد المسلمين. وقد برّرت "مارغريت تاتشر" ضرورة استمرار وجود حلف الناتو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لوجود الخطر الإسلاميّ.
بل إنّ أحد المحلّلين السياسيين في المِنطقة وهو "جورج طرابيشي" في حوار له مع قناة الجزيرة قبل نشوب الحرب الأخيرة لم يُخْف الغرض الرئيس من تصميم أمريكا على إسقاط نظام صدّام، وهو الخشية من وقوع العراق بأيدي أصوليّة، وأنّ صدّام و البعثيين ليسوا هم الخطر الحقيقيّ الذي تخشاه أمريكا، وإنّما القوى السياسيّة الإسلاميّة التي تعمل بدأب لاستلام السلطة في المِنطقة!
أمّا المشهد المذهل الذي سآتي عليه – وهو لا شكّ قد روّع المفكّرين والسياسيّين الغربيّين- فهو ذلك اللّقاء الذي أجرته قناة الشارقة الفضائيّة في رمضان الماضي مع سيّدة أمريكيّة مسلمة تحكي قصّة إسلامها فقالت: إنّها كانت مسيحيّة متديّنة، وكانت تحرص على تنشئة أبنائها على الدّين المسيحيّ لكن العقدة التي واجهتها في الدّيانة المسيحيّة كانت في فكرة التثليث التي لم يتقبلها عقلها، وظلّت تنتظر أجوبة لأسئلة كثيرة محيّرة لم تستطع الدّيانة المسيحيّة الإجابة عنها، وكانت تذهب إلى الغابات تتأمل قدرة الله في مخلوقاته، وقد قيّض الله لها بوساطة جيران لها ومعارف – مسلمًا عربيًا- أجابها عن أسئلتها التي تقلقها وتقضّ مضجعها؛ فشعرت بالرّاحة النفسيّة بعد ذلك، وأخذت تتعرّف على الإسلام، وتقرأ عنه حتى اطمأنّ قلبها للإسلام، فدخلت في دين الله، وخرجت من حياتها تاركة زوجها وأولادها الذين كانت تدعو لهم بالهداية.
لقد كنت أستمع لقصة إسلام هذه المرأة وأنا في غاية التأثر والنّشوة، لقد كنت أسمعها، وأشعر أنّها في غاية السعادة بعد أنْ هداها الله لنور الإسلام.
أما المشهد الأخير الذي سأختم به مقالي فهو ما عرضته قناة الشارقة أيضاً لمجموعة من الفتيان والفتيات الأوروبيّات ومن جنوب إفريقيا يتحدثون عن قصّة إسلامهم، وأعمارهم ما بين السادسة عشرة والحادية وعشرين، يهتدون للإسلام وهم في سن المراهقة. يا إلهي! الفتى أو الفتاة في هذه السنّ يبحث عن المتعة والشّهوة، وهؤلاء يبحثون عن الحقيقة التي لم يجدوها في ديانتهم المسيحيّة، ولا في حضارتهم الغربيّة الرأسماليّة. لا شك أنّ المفكرين الغربيّين تدهشهم هذه المشاهد، وتهزهم من الأعماق، وهم يدركون أنّ الفراغ الروحيّ والفكريّ الذي تعيشه مجتمعاتهم لا يملؤه إلا الإسلام .(10/173)
وفي النهاية أقول: مهما حشد الغرب من قوى لإعادة تنصير العالم أو لاكتساب نصارى جدد، فإنّ الغرب يخوض معركة خاسرة؛ لأنّ عقيدته باطلة وفكرته ضعيفة، ناهيك عن أنّ جنوده الذين جنّدهم في المعركة ضعفاء فاقدون للقناعة، وفاقد الشيء لا يعطيه، والغرب جرّد عقيدته من حقائق التوحيد وأصبحت عقيدته عقيدة وثنية تعبد العلم، ولا تعترف بغير حقائق العلم، ومجتمعاته مجتمعات ماديّة خاوية خُواءً رهيبًا ، وأجزم أنّ على "فوكوياما" أنْ يراجع ما كتبه في كتابه "نهاية التاريخ" ؛ لأنّ الغرب وحضارته وعقيدته وليبراليّته في مأزق خطير وصدق الله العظيم (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ... )[الأنبياء: من الآية18]
==========================
العلاقة السرية بين الحكومة الدانماركية والبقر
الكاتب: ناصر بن عبدالرحمن بن ناصر الحمد *
إن الناظر إلى المنتجات الدانماركية في العالم يجد أن أكثر ماتشتهر به(المنتجات البقرية..الزبدة ..الأجبان ..الحليب) وهذا بلاشك يجعل عندنا تفكيرا عميقا في العلاقة السرية بين البقر والحكومة الدانماركية لابد أن يكون هناك وجه شبه فكرت مليا في الشبه بينهما فوجدت العلاقة الوطيدة بين الجانبين إنها (علة الفهم )و(علة اللغة )هناك دراسات لفهم الحيوانات ولغاتها ولعل منها البقر ولابد لكل دارس أن يعرفنا لغة البقر حتى نفهم ماتريد الحكومة الدانماركية ومما زادني يقينا في معرفة العلاقة السرية بين الجانبين أن رئيس الوزراء الدانماركي رد أحد عشر سفيرا من دول عربية أرادوا النقاش معه وهذا يدل أن له لغة خاصة لايفهم فيها لغة البشر وحين نعلم أن اقرب لغة له هي لغة البقر فلابد أن نعلم أن البقر لاتفهم إلا بالجزاء والعقاب ويؤثر فيها جدا ولذا ينبغي للمسلمين أن يفهموا ذلك جيدا ولو فكرنا ماحيلتنا نحن لانفهم لغة البقرإلا مانعرفه عند رعيها وذلك بالحرمان والعقاب علمنا أن مقاطعة الحكومة الدانماركية شعوبا وحكومات إسلامية هو حل لابأس به ليؤدبها بعض الشيء وربما نحتاج لأن ندفع بعض الأموال إلى من يجيد لغة البقر فيأطرها على الصواب أطرا وذلك من خلال المحاكمة التي تردعها بعض الشيء ولكن علينا أن نفهم أن هناك (انفلونزا بقري )ربما سبب مرضا في بعض البشر ممن يدافعون عن البقر ممن يكتبون في صحافتنا العربية فيسبون المصطفى صلى الله عليه وسلم من طريق ملتوية فلنحذر منهم ولنعالج البقر قبل أن يستفحل شره ولنري الله تعالى خيرا .
أمة الإسلام أيها البشر الكرام أيستهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم ونحن نرى ونسمع بلا مسمع ونحن نسقي هذا العدو للنبي صلى الله عليه وسلم بأموالنا من حيث لانشعر نحب أن نشعر فقط أننا ندافع ولو بالقليل عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا رأينا زبدة لورباك وتذكرنا حسن طعمها ذكرنا مر شتم النبي صلى الله عليه وسلم وأثره على قلوبنا نفديه بآبائناوأمهاتنا وذرارينا وأهلينا وجميع من على الأرض لا أريد الإطالة فإني أخاف أن لاأستطيع جمع العبارات مع العبرات لأكون منها عبارة تغني لكن يكفينا قول مولانا تعالى (لقدجائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
أضع بين يدي الغيور بعض مايجب علينا وفاء لحق النبي الكريم
أولا : الدعاء على من ناوئه وعاداه وشتمه فرب دعوة تصدع ماالتئم وتقطع ماجتمع .
ثانيا : اتباع سنته وترك الابتداع وهذه هي حقيقة المحبة ليست المحبة في أهازيج ولا قصائد ولا احتفالات موالد بل هي (إن المحب لمن يحب مطيع ) .
ثالثا : الدفاع عن سنته وشخصه الكريم ولو كلفنا أرواحنا فصلاتنا وزكاتنا وحجنا وعباداتنا كلها على ماجاء به المصطفى عن ربه تعالى وماسواها فهو مردود (وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان قادرا على أن يطلب من ملك الجبال أن يطبق الأخشبين وقادرا أن يدعوا على قومه فيهلكهم الله لكنه بالعكس من ذلك طلب من ربه تعالى أن لايهلك أمته بعام فأجاب الله دعوته أفلا نستحي على أنفسنا أن نبقى مكتوفي اليدين عن نصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كل بقدر مايستطيع (قلم..لسان .. مقاطعة .. بغض مبغضيه..) .
رابعا : محبة صحابته الأبرار وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين ثم العشرة ثم المهاجرين ثم الأنصار ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم فمن أراد الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم فليدافع عن أصحابه (لاتسبوا أصحابي .....الحديث) .
خامسا : محبة آل بيته الأطهار وعلى رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين وزوجاته عليهم السلام فإن لهم علينا حق كبير (اوصيكم الله في آل بيتي ...الحديث) وكل من كان من سلالته من آل علي او جعفر او ابي طالب أو عقيل من أهل الإسلام لابد أن نكرمهم ونحترمهم ونقوم بخدمتهم مااستطعنا .(10/174)
سادسا : إظهار سيرته ونشرها لنقطع على أهل الزيغ زيغهم وإن كانوا ليعلمون أنه الحق من ربهم كما قال تعالى (يعرفونه كمايعرفون أبنائهم)ولكن إمعانا في الإبلاغ ولابد من تعليم ابنائنا ونشأنا على سيرته فإن المسقبل الغامض يوحي بأخطار .
سابعا : بذل الأموال لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد سررت حين قرأت عن الأخ الغيور حسن آل مهدي أنه مستعد لمحاكمة هذه الصحف المجرمة فجزاه الله خيرا .
ثامنا : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عند ذكره وكثير من الناس يجهل أنه واجب عليه عند ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم او سماع اسمه ان يصلي عليه (وجوبا) .
تاسعا : مقاطعة المنتجات التي تدعم الدانمارك في اقتصادها وهذا جهد المقل والله المستعان .
عاشرا : لابد من أناس يتهيئون لمواجهة هذا الفكر النجس في الاعتداء على الرسل عليهم السلام عامة وعلى المصطفى صلى الله عليه وسلم خاصة .
اللهم أعز دينك وانصر كلمتك وانتصر لنبيك
*إمام وخطيب جامع الإمام بن ماجه رحمه الله
===========================
الغرب بين حريّة سبّ الإسلام وحرمة الحديث عن الهولوكست .
كتب يحي أبوزكريا / ستوكهولم
تجيز القوانين الغربية للمواطن الغربي أن يعيش الحريّة بكل تفاصيلها و أن يتحررّ من كل القيود التي تكبلّه وبناءا عليه أصبحت الحريّة الجنسية المقرفة و الحرية السياسية و الحرية الإقتصادية في متناول الجميع , و هناك كمّ هائل من القوانين الرئيسية والفرعية التي تكفل مبدأ الحرية للمواطن الغربي الذي يحقّ له أن يستهين بالقيم الدينية و بالأنبياء , وعلى الرغم من ذلك فإنّ مناقشة موضوع الهولكست تعتبر محرمة ولا يجوز مطلقا الخوض فيها أو الحديث عنها أو الدعوة إلى إعادة قراءة ظاهرة الهولوكست فإنّ ذلك يعتبر محرما ويعرّض الداعي إلى إعادة قراءة هذه الظاهرة إلى الملاحقات القانونية و الإعتقالات , كما حدث مع روجي غارودي وفريسون في فرنسا وكما حدث مع أحمد رامي في السويد الذي سجن ستة أشهر بسبب تناول إذاعته راديو الإسلام موضوع الهولوكست و أستضاف شخصيات غربية تحدثت في راديو الإسلام عن خرافة الموضوع .
و للإشارة فإنّه في تاريخ 19 مارس / آذار 2005 أقام الكيّان الصهيوني معرضا في تل أبيب أطلق عليه معرض الهولوكست المحرقة العظيمة و دعت الحكومة الإسرائيلية إلى هذا المعرض آلاف الشخصيات و الزعماء الدوليين التي لبّت الدعوة و حتى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لبّى الدعوة وزار المعرض متناسيا جرائم الكيّان الصهيوني في قانا وجنين و غيرها من المجازر الصهيونية .
وقد تعرض الكثير من الكتّاب الغربيين إلى الإعتقال في ألمانيا وهولندا و النمسا بسبب حديثهم عن الهولوكست و تفنيذ مزاعم الرواية الإسرائيلية للمحرقة اليهودية .
وفي الدانمارك سمحت جريدة رسمية لنفسها بتصوير رسول الله – ص – في رسوم كاريكاتورية , بينما تلتزم كل الصحف الدانماركية بمبدأ عدم جواز الحديث عن الهولكوست أو حتى الحركة الصهيونية .
و للإشارة فإنّ
السويد
وعندما دعت الكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي صاحب كتاب آيات شيطانية رحبّت كل وسائل الإعلام السويدية بقدومه و أتاحت له فرصة واسعة لمخاطبة الجمهور السويدي , و في نفس زمن وجوده في السويد دعت جمعية عربية الكاتب الفرنسي المعروف بطروحاته ضدّ الحركة الصهيونية فوريسون وقامت الدنيا ولم تقعد ضدّ فوريسون المعادي للصهيونية و قوبل بتظاهرات مضادة الأمر الذي جعل البعض يقول لماذا الحرية متاحة لسلمان رشدي و الذي تهجمّ على المسلمين وشبّه طوافهم حول الكعبة بمثابة طواف الزناة حول بيت الزانية , و غير متاحة لرجل كفوريسون أو روجي غارودي بمجرّد حديثهم عن الحركة الصهيوينة و أكاذيبها .
وفرنسا
التي حظرت الحجاب و تصف المسلمين بأخس النعوت فإنّه لا يسمح مطلقا الحديث عن الهولوكست و غرف الغاز و أبرز من تعرض للإيذاء في هذا المجال الكاتب الفرنسي الراحل روجي غارودي الذي أنكر في كتابه المسألة اليهودية غرف الغاز Marp والتي مات فيها أكثر من 6 ملايين يهوديا أو يزيد . و ظل غارودي محل ملاحقة منذ سنة 1998 فرض عليه عندها حصارا متعددّ الوجوه وفي كل المجالات بمجرّد أنّه تنكرّ للهولوكست و أعتبره من إنتاج مخيلة الإستراتيجيين اليهود والحاخامات الذين كرسوا الحركة الصهيونية من خلاله وكسبوا تعاطف الرأي العام الرسمي و الشعبي في الغرب .
اتمنى من الله جل جلاله ان تتحد الامه جميعها وتبقى يدا واحده للوقوف ضد هذه الاستفزازات التى يرتكبونها ضد الاسلام والمسلمين وهاهم بعد ان القوا بالمصاحف فى دورات المياه وداسوها بالاقدام ولم يتحرك احد ولكن شجبنا ..ولكن حين حصلت المقاطعه التجاريه اسرعوا بالاعتذار ...وما فائده الاعتذار ..يجب علينا الاعتماد على انفسنا وبضائعنا العربيه ومقاطعة كل ماهو مصنع بالغرب ..واذكركم بما حدث لمن سب ملة اخرى ؟؟؟!(10/175)
اقول ان اعتزارهم جاء بعد اربعه اشهر من نشر هذه الصور ... ولننظر ماذا فعلوا بمن هاجم الساميه او مايدعونه بالمجزره اليهوديه ..او التطرق للشواذ او المثليين لذا يجب علينا الان ان نتوحد فى وجه هذه الحملة الشعواء بعيدا عن العصبيه والاميه السياسيه ونتخذ قرارات تصون معتقداتنا وافراد الامه الاسلاميه جميعها حتى لانكون امثالهم فى افعالهم التى تذكرنى بما حدث للاسلام فى بدايته من تنكيل وتعذيب وسفك دماء ...انهم يخافون من انتشار الاسلام السريع الذى حدث بعد احداث سبتمبر ...وياليتنا نكون قدوة حسنه فى هذه اللحظات حتى ينضم للاسلام اكبر عدد منهم عن اقتناع بان ديننا هو دين الحق والعدل والسلام والمساواه بين البشر فهنيئا لمن كان سببا فى اسلام ولو شخص ...وهنيئا لكل من نصر دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ...
وقدمت الصحيفه الحمقاء اعتزارا عبيطا باللغه العربيه حتى تحفظ ماء وجهها مع شعبهم وقرائها ..
ولكن مميأسف له أن صحفا عربيه نشرت نفس الصور واحده في الاردن وأخري في اليمن وأخرى في الجزائرفهل يعقل هذا فمثل هذا العمل يزيد الغرب علينا حده .
وبلاشك فهم ربما من عملائهم أو غير مسلمين حقا وان كانوا اسما
=========================
الفاتيكان رأس حربة للصهيونية
السيد أبو داود 8/5/1425
26/06/2004
حملة "مليون ضد محمد" التي أطلقها الفاتيكان ليست آخر موقف للفاتيكان ضدّ الإسلام ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم ، فقد أصدر الفاتيكان مؤخّراً بيانا يحذّر فيه النّساء الكاثوليكيّات من الزواج بمسلمين سواء في أوروبا أو خارجها، لأنّ المسلمين متوحّشين ضد النساء، وأن المسيحيّة التي سوف تتزوج من مسلم ستحرم من حقوقها.
فالفاتيكان له حساباته الخاصّة في أوروبا ، فهو يعلم أنّه ضعيف على مستوى الوجود العام، ولذلك يريد أن يركب موجة العِداء للإسلام التي تثار كثيرًا في مؤسسات صناعة القرار في الغرب لكي يستعيدَ بعض توازنه المفقود.
وذلك يذكرنا بما حدث في أوروبا منذ عشرين عامًا عندما ركب موجة العداء للشيوعيّة وحرّك الكنائس الكاثوليكيّة في أوروبا الشرقيّة ضد الشيوعيّة.
وكان الفاتيكان هو الذي حرّض نقابة " تضامن " في بولندا، حيث كانت هي المبادرة بإسقاط النظام الشيوعيّ.
ولأن الفاتيكان يعلم أنّ الشّعار المرفوع الآن هو محاربة الإسلام تحت دعاوى مواجهة الإرهاب، فهو يريد أن يلعب مع الإسلام نفس الدور الذي لعبه مع الشيوعية في السّابق.
والغريب أن القوم يتحدثون عن الحِوار بين الأديان والمحبّة والتّسامح ، فكيف يستقيم الحِوار مع هذه المواقف السلبيّة التي كانت حملة " مليون ضد محمد " أعنفها وأفحشها؟.
والفاتيكان يعلم أنّه ضعيف في أوروبا ولذلك ضغط مؤخّرًا للاعتراف بالجذور المسيحيّة في الدستور الأوروبيّ بعد أنْ تجاهله السّاسة ولم يشيروا إلى هذا الأمر.
والغريب في الأمر أنّه في الوقت الذي يعلن فيه الفاتيكان الحرب على الإسلام نجد المؤسسات الإسلاميّة في البلاد العربيّة والإسلاميّة عاجزة عن العمل وتكاد تكون مشلولة، حتى في الدّعوة الدّاخلية، لأنّها مقيّدة تحت دعوى محاربة الإرهاب.
و من غرائب الأمور أيضا أنّه بينما يسيطر اليمين المسيحيّ على السياسة في أوروبا ... ويرفع بوش شعارات الدين في الانتخابات ويقول: إنّه مرشّح المسيحيّة.. بينما يحدث ذلك يحذّرنا الغرب وأتباعه في ديارنا من التداخل بين الدّين والسياسة!!
مُحارَبة ُالإسْلام(10/176)
إنّ الضّغينة والحُنق على الإسلام والرّغبة العنيفة في إقصائه هي أهمّ أهداف الحملة الصّليبيّة على جنوب السودان، إنّها تدرك أنّه لو نفذ الإسلام إلى هناك فإنّ ذلك مدعاة لانتشاره في كامل القرن الإفريقي ومنابع النيل ومنطقة البحيرات، وهي مناطق استراتيجية هامّة ومفصل حركة القارّة، وهذه ميادين لا مساومة فيها؛ ومن ثَمّ سعت الكنيسة إلى نفي كل أثر يتعلق به من الجنوب، لقد كتب (اللورد كتشنر) عام 1982م قائلاً: "ليس من شك في أن الدين الإسلامي يلقى ترحيباً حاراً من أهالي هذه البلاد فإذا لم تقبض القوى النّصرانيّة على ناصية الأمر في إفريقيا فأعتقد أنّ العرب سيخطون هذه الخطوة، وسيصبح لهم مركز في وسط القارة يستطيعون منه طرد كافة التأثيرات الحضارية إلى الساحل، وستقع البلاد في هذه العبودية". ويشرح القس (أرشيد كون شو) الأمر فيقول عام 1909م: "إنْ لم يتمّ تغيير هذه القبائل السوداء في السنوات القليلة القادمة فإنّهم سيصيرون محمّديّين؛ إذ إنّ هذه المِنطقة مِنطقة استراتيجيّة لأغراض التنصير، إنّها تمتد في منطقة شرق إفريقيا في منتصف الطريق بين القاهرة والكاب". ثم يقول: "إنْ كانت الكنيسة في حاجة إلى مكان لإيوائها فهو هنا لصدّ انتشار الإسلام، والقضاء على تعاليم النبيّ الزائف". ونحن نقول: وهو تماماً ما تمت التوصية به في المؤتمر الإرسالي العالمي بأدنبرة عام 1910م: "إنّ أول ما يتطلب العمل إذا كانت إفريقيا ستكسب لمصلحة المسيح أن نقذف بقوة تنصيريّة قويّة في قلب إفريقيا لمنع تقدّم الإسلام".
التنصير وسيلتهم الخبيثة
التّنصير حركة سياسيّة استعماريّة بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبيّة بغية نشر النصرانيّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السّيطرة على هذه الشعوب .
ويساعدهم في ذلك انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلاميّ، والنفوذ الغربيّ في كثير من بلدان المسلمين، وضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم أو ييسرون لهم السّبل رغبًا ورهبًا أو نفاقًا لهم .
ويعد "ريمون لول" أول نصرانيّ تولّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبيّة في مهمتها؛ إذ إنّه قد تعلم اللّغة العربيّة بكل مشقة وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين .
ومنذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيريّة البروتستانتيّة إنجليزيّة وألمانيّة وفرنسيّة .
وكان للمنصّر "هنري مارتن "ت 1812م يد طُولى في إرسال المنصّرين إلى بلاد آسيا الغربيّة وقد ترجم التوراة إلى الهنديّة والفارسيّة والأرمنيّة .
وفي عام 1795م تأسست جمعية لندن التنصيريّة وتبعتها أخريات في اسكوتلاندة ونيويورك .
وفي سنة 1819م اتفقت جمعيّة الكنيسة البروتستانتيّة مع النصارى في مصر وكوّنت هناك إرسالية عُهد إليها نَشْر الإنجيل في إفريقيا .
وفي سنة 1849م أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام وقد قامت بتقسيم المناطق بينها .
وفي سنة 1855م تأسست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان وقد انحصرت مهمّتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشّبان كما يزعمون .
وفي سنة 1895م تأسّست جمعيّة اتحاد الطلبة المسيحيّين في العالم ، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بثّ روح المحبّة بينهم (المحبة تعني نَشْر النصرانيّة) .
وجاء "صموئيل زويمر" وكان رئيس إرساليّة التنصير العربيّة في البحرين، ورئيس جمعيات التنصير في الشّرق الأوسط، وكان يتولى إدارة مجلّة العالم الإسلاميّ الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد ، دخل البحرين عام 1890م ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل . وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسّسها "زويمر" كان في حقل التطبيب في مِنطقة الخليج، وتبعا لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان، ويُعَدّ " زويمر" من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث وقد أسس معهدا باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين.
خلف "كنيث كراج " "صموئيل زويمر" على رئاسة مجلة العالم الإسلاميّ ، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة فترة من الوقت، وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي، في هارتيفورد بأمريكا وهو معهد للمنّصرين ومن كتبه ( دعوة المئذنة ) صدر عام 1956م .
أما "لويس ماسينيون" فقد قام على رعاية التنصير في مصر وهو عضو مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، كما أنّه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا .(10/177)
ويرى بابا الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أنّ من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به وتجنده ضده والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول، ويقوم البابا بمغادرة مقره بمعدل أربع رحلات دوليّة لكسب الصّراع مع الأيديولوجيّات العالميّة وعلى رأسها الإسلام ، وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرّفه للإنفاق منها على إرسال المنصّرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيريّ في كل أحاء العالم وتقويم نتائجه أوّلا بأوّل .
مّنْعُ الوَحدة الإسلاميّة هدفُهمg
يقول "القس سيمون" : "إنّ الوَحدة الإسلاميّة تجمع آمال الشعوب الإسلاميّة وتساعد على التملّص من السيطرة الأوروبيّة، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نَحُول بالتنصير باتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية" .
ويقول "لورنس براون": " إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربيّة أمكن أن يصبحوا لعنة علىالعالم وخطرا ، أو أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له ،أما إذا بقوا متفرقين فإنّهم يظلون حينئذ بلا وزنٍ ولا تأثير" .
ويقول "مستر بلس" : إنّ الدّين الإسلاميّ هو العقبة القائمة في طريق تقدم النصرانيّة في إفريقيا" . كما دأب المنصّرون على بث الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم ليمنعوهم من دخول الإسلام وليشوّهوا جمال هذا الدين .
يقول "هنري جسب" الأمريكي : "المسلمون لا يفهمون الأديان ،ولا يقدّرونها قدرها إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإنّ التنصير سيعمل على تمدينهم" .
أما "لطفي ليفونيان" وهو أرمني ألّف بضعة كتب للنّيْل من الإسلام يقول: "إنّ تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح".
و"أديسون" يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم: "محمد لم يستطع فهم النّصرانيّة ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوّهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب" .
المنصّر" نلسن" يزعم بأن الإسلام مقلد، وأنّ أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانيّة وسائر ما فيه أخِذ من الوثنيّة كما هو أو مع شيء من التّبديل" .
المبشر" ف.ج هاربر" يقول : "إنّ محمدا كان في الحقيقة عابدَ أصنام ؛ذلك لأن إدراكه في الواقع كاريكاتور" .
المنصّر "جسب" يقول : "إن الإسلام مبنيّ على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء" .
ويقول كذلك : ا"لإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة" .
المنصّر "جون تاكلي" يقول : "يجب أنْ نُريَ هؤلاء الناس أن الصّحيح في القرآن ليس جديدا، وأنّ الجديد فيه ليس صحيحًا .
أما القس "صموئيل زويمر" فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم: يجب إقناع المسلمين بأنّ النصارى ليسوا أعداء لهم .
ويقولون أيضاً: تنصير المسلمين يجب أن يكون بوساطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها .
تحالف الكنائس العالميّة والصهيونيّة
الصهيونيّة العالميّة ومعها الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي استبدلوا العدو الغربي القديم بصناعة عدو جديد؛ ليحققوا من خلاله أهدافهم الاستراتيجيّة قريبة وبعيدة المدى, وأرادوا أنْ يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد على النحو التالي:
* يقومون بتصعيد حربهم التاريخيّة ضد الإسلام والمُسلمين بأيدي آخرين, على أن يتمّ تفضيل توريط أفراد ومؤسسات وتنظيمات "ذات واجهة إسلاميةّ" حتى تحدث الفتنة بين المُسلمين وبين بعضهم البعض في الداخل, ومن ناحية ثالثة يوجدون بذلك مُبرّرات للغرب لكي يتدخل في الشؤون العربيّة والإسلاميّة, ويعملون على تحريض دعاة العنف على أوطانهم, واحتضانهم وتغذيتهم بالأموال والسلاح, والدفع بهم إلى داخل بلادهم لارتكاب جرائم غير إنسانيّة, باسم الدين مرة, وأخرى تحت وهم العمل السياسي المُعارض.
* الاستمرار في شَغْل العرب في صراعات مع الغير, حتى يمنحوا الفرصةَ لإسرائيل لتحقيق مآربها في المِنطقة العربيّة, وتنفرد بسياسة يهوديّة تفرضها داخل الأراضي الفلسطينيّة على الوجه الأخص.
* السعي لهز أمن واستقرار المِنطقة العربيّة من حولها, ليقولوا للعالم الغربي :إنّ إسرائيل مُهدّدة من جيرانها العرب, وإنّ عدم استقرار الأمن في المنطقة العربية ينعكس عليها, وبذلك يقومون بتعطيل ووأد مُبادرات السلام, أو عودة الحقوق الفلسطينيّة المشروعة.
* البحث عن جبهات جديدة بعد أن تم تحييد دور كل من مصر والأردن وبعض الدول الخليجية "نسبيًا" في الصّراع العربيّ الإسرائيليّ, وبذلك ترتاح إسرائيل من وجود وَحدة موقف عربيّ يؤثر على مخططاتها, ويحرجها أمام الرأي العالميّ, وفي ذات الوقت يحرم العرب من استمالة المواقف الأوروبيّة التي هي أفضل نسبيًّا, مقارنة بموقف الولايات المتحدة الأمريكيّة, تجاه القضية الفلسطينيّة.(10/178)
* إفساد العلاقات السياسيّة والتعاون والصداقة بين الدول العربيّة والإسلاميّة والغرب, بتحريك ملفّات تعتمد على النماذج الغربيّة, سياسيًّا واجتماعيًّا, والقيام بتحريض المؤسسات السياسيّة الغربيّة في شكل حثها على فرض مطالب من العرب والمسلمين, تصل لحد التدخل في الشؤون الداخلّة لدول المنطقة.
إنّ خبراءهم يقولون: إنّه توجد خُطّة سرّية لتحويل الأراضي المُقدسة الإسلاميّة في كل أنحاء العالم إلى مناطق" مُغلقة معزولة", يتمّ فيها ممارسة الشعائر الدينيّة, على أنْ تديرها مؤسّّسات دينيّة لا تكون لها علاقات بالسياسات الدوليّة, باستثناء ما يرتبط بأمور الدين البحتة, والقضايا التي تؤثر عليه, وذلك اقتداء بنموذج "الفاتيكان" في إيطاليا, كما أنّ النصائح السياسيّة والتقارير التي تخرج من عباءة المنظمات اليهوديّة وعلى رأسها" الإيباك" في أمريكا, تطلب من الإدارات السياسية الأوروبيّة والأمريكيّة إقامة أنظمة سياسيّة جديدة أكثر مرونة "في مِنطقة الخليج العربيّ" للتعاون بإيجابيّة أكثر تطوّرًا مع أمريكا والغرب.
===========================
الفوائد الجنية من الهجرة النبوية
سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com
مقدمة السلسلة:(10/179)
في جوٍ مشحونٍ بزيفِ الباطل وركامِ الجاهلية، يسوسُ الناسَ جهلهم، ويحكمُهم عرفُهم وعاداتُهم، قتلٌ وزنا، عُهُرٌ وخَنا وأدٌ للبنات، تفاخرٌ بالأحساب والأنساب، سادَ في البِقاعِ قانونُ الغاب، فالبقاءُ للقوي، والتمكينُ للعزيز، تُغِيرُ القبيلةُ على الأخرى لأتفهِ الأسباب، تقومُ الحروبُ الطاحنةُ، تُزهق الأرواحُ، وتُهلَك الأموال، وتُسبى النساءُ والذراري، وتدومُ السنون وتتعاقبُ الأعوام، والحربُ يرثها جيلٌ بعد جيلٍ، وأصلها بعيرٌ عُقْر، وفرسٌ سبقتْ أخرى، أو قطيعُ أغنامٍ سيقٌ وسرْق، ساد في ذلكمُ المجتمعُ عاداتٌ غريبةٌ عجيبة، فعند الأشراف منهم كانتِ المرأة إذا شاءتْ جمعتِ القبائلَ للسلامِ وإن شاءت أشعلتْ بينهم نارَ الحربِ والقتال، بينما كان الحالُ في الأوساطِ الأخرى أنواعٌ من الاختلاطِ بين الرجلِ والمرأةِ لا نستطيعُ أن نعبرَّ عنه إلا بالدَعارةِ والمجونِ والسِفاحِ والفاحشةِ، كانت الخمرُ مُمتَدحُ الشعراء، ومَفخَرة ُالناس، فهي عندهم سبيلٌ من سُبُلِ الكرم، ناهيك عن صورِ الشركِ وعبادةِ الأوثان، التي تُصوِّرُ كيف كانَ أولئكَ يعيشون بعقولٍ لا يفكرون بها، وأعينٍ لا يبصرون بها، وأذانٍ لا يسمعون بها إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ في هذه الأثناءِ حدث حادثٌ عجيبٌ لمكةَ وحرمِها، رأى أبرهةُ نائبَ النجاشي على اليمنِ أن العربَ يحجونَ الكعبةَ، فبنى كنيسةً كبيرةً بصنعاءَ ليصرفَ حجَّ العربِ إليها، وسمع بذلك رجلٌ من بني كِنانة، فدخلها ليلاً ولطَّخَ قِبلتها بالعَذِرة، ولما علم أبرهةُ بذلك ثار غضبه وسارَ بجيشٍ عرمرمٍ عدده ستونَ ألفَ جنديٍ إلى الكعبةِ ليهدمها، واختار لنفسه فيلاً من أكبرِ الفيلةِ، وكان في الجيشِ قُرابةَ ثلاثةَ عشر فيلاً، وتهيأ لدخولِ مكةَ فلما كان في وادي محسِّرٍ بين مزدلفةَ ومنى بركَ الفيلُ ولم يقُم، وكلما وجهوه إلى الجنوبِ أو الشمالِ أو الشرقِ قام يهرول، وإذا وجهوه قِبَلَ الكعبةِ بركَ فلم يتحرك، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل أمثالُ الخطاطيف مع كل طائرٍ ثلاثةُ أحجارٍ مثلُ الحُمُص، لا تصيبُ أحدًا منهم إلا تقطعت أعضاؤه وهلك، وهربَ مَن لم يصبه منها شيءٌ يموجُ بعضهم في بعض، فتساقطوا بكلِ طريقٍ، وهلكوا على كل مهلكٍ، وأما أبرهةُ فبعثَ الله عليه داء تساقطت بسببه أنامِلُه، ولم يصِل إلى صنعاءَ إلا وهو مثلُ الفرخِ، وانصدع صدرُه عن قلبِه ثم هلك، وكانتْ هذه الوقعةْ قبل مولدِ النبي بخمسين يومًا أو تزيد، فأضحت كالتقْدُمةِ قدَّمها الله لنبيه وبيتِه، وبعد أيامٍ من هلاكِ ذلكم الجيشِ أشرقت الدنيا وتنادت ربوعُ الكونِ تزُّفُ البشرى بولدِ سيدِ المرسلين، وإمامِ المتقين، والرحمةِ للعالمين في شِعْبِ بني هاشمٍ بمكةَ صبيحةَ يومُ الاثنين التاسعِ من ربيعٍ الأولِ لعامِ الفيل، وُلد خيرُ البشر، وسيدُ ولدِ آدم، ولد الرحيمُ الرفيقُ بأمته، أطلَّ على هذه الحياةِ محمدُ بنُ عبد الله بنُ عبد المطلبِ الهاشميِ القرشي، أرسله الله إلى الناس جميعًا ليقول للناس: (إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون). جاء النبيُ صلى الله عليه وسلم يدعوا الناسَ إلى شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناسَ إلى العفافِ والطهرِ والخلقِ الكريم والاستقامةِ وصلةِ الأرحام وحسنِ الجوار والكفِّ عن المظالم والمحارم، يدعوهم إلى التحاكمِ إلى الكتابِ العزيز لا إلى الكهان وأمرِ الجاهلية، وجعْلِ الناس كلهم أمام شريعةِ الله سواءً يتفاضلون بالتقوى، روى ابنُ جريرٍ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال " لما مرِضَ أبو طالبٍ دخلَ عليه مشيخةٌ من قريشٍ فيهم أبو جهلٌ فقالوا: إنَّ ابنَ أخيك يشتُمُ آلهتَنَا ويفعلُ ويفعلُ ويقولُ ويقولُ فأنْصِفْنَا من ابنِ أخيك، فلْيَكُفَّ عن شتمِ آلهتِنا وندَعُهُ وإلهُهُ، فقال أبو طالبٍ: يا ابنَ أخي ما بالُ قومِكَ يشكُونَكَ ويزعُمُون أنكَ تشتُمُ آلهتَهم..؟ قال يا عم: أريد أن يقولوا كلمةً تَدِينُ لهم بها العربُ، وتؤدي لهم بها العجم الجزية، فقال أبو جهل: نقولُها وعشرًا، فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا لا إله إلا الله، ففزِعوا وولوا مدبرينَ وهم ينفُضُون ثيابَهم ويقولون: (أجعل الآلهةَ إلهً واحدًا إنّ هذا لشيء عجاب) نعم.. لقد دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ كلَّهم إلى هذا المعنىَ العظيم، وقام بهذا الواجبِ الكبيرِ الذي هو أكبرُ واجبٍ في تاريخ البشريةِ كلها، دعا إلى دينٍ قويمٍ يرقى به الإنسانُ إلى أعلى المنازلِ، ويسْعَدُ به في الآخرةِ سعادةً أبديةً في النعيمِ المقيم، فاستجاب له(10/180)
القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقَهُمُ المشركونَ أنواعَ العذاب، ووقف في وجههِ ثلاثةُ أنواعٍ من الناس: المستكبرونَ الجاحدونَ العالمونَ بالحق، والحاسِدونَ المحترقون، والجهالُ الضالون، وكوّنَ هذا الثالوثُ جبهةً عنيدةً وحربًا وحزبًا شيطانيًا لا يترُكُ من سبيلٍ ولا وسيلةٍ إلا سلكها للصد عن سبيل الله. (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون), واشتدَّ الكربُ بمكةَ وضُيِّقَ الخِناقُ على الدينِ الإسلامي، وائتمرَ المشركونَ بمكةَ أن يقتلوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام " إن الله أذن لك يا محمد بالهجرةِ إلى المدينةِ فلا تَبِتْ هذه الليلةَ في فراشك " ورصده المشركونَ عند بابه ليضربوه ضربةَ رجلٍ واحدٍ ليتفرقَ دمَه بين القبائلِ، فخرج عليه الصلاةُ والسلام عليهم وهو يتلو صدرَ سورةِ يس وذرى على رؤوسهمُ الترابَ وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهمُ النعاسَ، واختبأ هو وصاحبَه أبو بكر الصديقِ في غارِ ثورٍ ثلاثةَ أيامٍ حتى هدأ الطلبُ، ففتشتْ عنه قريشٌ في كلِ وِجْهَةٍ، وتتبعوا الأثرَ حتى وقفوا على الغارِ فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسولَ الله لو أن أحدَهم نظر إلى موضعِ قدميه لأبصرنا، فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ولقيا الدليلَ بعد ثلاثٍ براحلتْيَهما، ويمّما المدينة َفكانت هجرةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم نصرًا للإسلام والمسلمين حيثُ أبطلَ الله مكرَ المشركينَ وكيدَهم في تفكيرهِمُ القضاءَ على الإسلامِ بمكةَ وظنهَّمُ القدرةَ على قتلِ رسول الله.
من أهمِّ الدروسِ أيها الأحبة التي ينبغي التأملُ فيها وخاصةً من يَسْبُرُ أوراقَ السيرةِ، ذلكم الأمرُ المهمُ في حياةِ النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهو أمرُ الهجرةِ وما أدراكم ما الهجرة.
إن الهجرةَ النبويةَ في حدِّ ذاتِها بغَضِّ النظرِ عن أحداثِها تستحقُ الوقفةَ المتأنيَة، تستحقُ الوقفةَ الثاقبة، تستحقُ النظرَ الدقيق، فهي ليستْ نزهةً بريةً ولا وسياحةً بحريةً، الهجرةُ النبويةُ ليست للتفرجِ والإطلاعِ، ولا للنظرِ والمعاينةِ، ولا للسفرِ والتحصيلِ في مُتَعِ هذه الدنيا وملذاتِها، وإنما هي نقلةٌ جديدةٌ وانتقالٌ وطيدٌ من أجلِ الحفاظِ على العقيدةِ، الحفاظ على الركنِ الأساسِ، والأُسِّ المتينِ مع التضحيةِ بالنفسِ والمالِ والأهلِ والولدِ، نعم.. إنه الحفاظُ على العقيدةِ والمحافظةِ عليها، فهو مبدؤها وهدفُها وأملُها وغايتُها ونهايتها.
إن الهجرةَ النبويةَ حدثٌ غيّرَ مجرى التأريخ، حدثٌ حملَ في طياتِه معانيْ الشجاعةِ والتضحيةِ والإباءِ والصبرِ والنصرِ والفداءِ والتوكلِ والقوةِ والإخاءِ والاعتزازِ بالله وحده.
إنَّ حدثَ الهجرةِ النبويةِ حدثٌ جعلَه الله سبحانه طريقاً للنصرِ والعزةِ ورفعِ رايةِ الإسلامِ وتشييدِ دولتِه وإقامةِ صرحِ حضارتِه، فما كانَ لنورِ الإسلامِ أن يشِّعَ في جميعِ أرجاءِ المعمورةِ لو بقيَ حبيساً في مهده، إنه حدثٌ شاملٌ كاملٌ متكاملٌ لمن أحسنَ الاستفادةَ منه وأخذَ العبرةَ والعظةَ على أحسنِ وجه، إنه في الحقيقةِ حدثٌ يعرِضُ منهجَ النبيِ صلى الله عليه وسلم، منهجَ المعصومِ صلى الله عليه وسلم، منهجَ من لا ينطقُ عن الهوى، مهجَ المؤَيَّدِ من ربِ العالمين، فليست الهجرةُ حدثاً عادياً، ولا أمرا طبيعيًا، بل هي أمرٌ جللٌ يستحقُ منا الاهتمام بما تحويه هذه الهجرة وما بداخلها من كنوز.
إن بين أيدينا هجرةُ الرسول صلى الله عليه وسلم، بين أحضاننا هجرةُ النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الدواءُ الناجعُ لكثيرٍ من أمراضِنا وأوضاعِنا وعللنا.
إن في هذه الهجرةِ المباركةِ من الآياتِ البيناتِ والآثارِ النيراتِ والدروسِ والعبرِ البالغاتِ ما لو استلهمَتْه أمةُ الإسلامِ اليومَ وعملتْ على ضوئِه وهي تعيشُ على مُفْتَرَقِ الطرقِ لتحقّقَ لها عِزُّهَا وقوتُها ومكانتُها وهيبتُها، ولعلمت علمَ اليقينِ أنه لا حلَّ لمشكلاتِها ولا صلاحَ لأحوالِها إلا بالتمسكِ بإسلامِها والتزامِها بعقيدتِها وإيمانها، فو الذي بعثَ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِ بشيراً ونذيراً ما قامتِ الدنيا إلا بقيامِ الدينِ ولا نالَ المسلمونَ العزةَ والكرامةَ والنصرَ والتمكينَ إلا لما خضعوا لربِّ العالمين وهيهاتَ أن يَحُلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلا باتباعِ نهجِ الأنبياءِ والمرسلين، ومن هنا جئنا لنتحدثَ هذه الليلة حولَ بعضِ المفاهيمِ والدروسِ والعبرِ والعظاتِ المجتناهْ من هجرةِ المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإني لمَّا كنتُ أُقلِّبُ صفحات هذه الهجرةِ المباركةِ عرضتُ أتذكرُ حكمةً عربيةً قديمةً تقول " من أخْصَبَ تخيّر " أي من وجدَ الأرضَ الخِصبةَ الوفيرةَ تخيَّرَ المرعى، فرأيتُ الحكمةَ تنقلبُ علي َّ فإني لم أَعُدْ أجدُها وأنا أقلبُ صفحات هذهِ الهجرة " من أخصب تخير "(10/181)
ولكني وجدتها " من أخصب تحير " فماذا أقول الليلةَ وماذا أدع..؟ فلا أكتمُكم أحبتي أنني وقفتُ أمامَ المفاهيمِ والدروسِ التي اطلعْتُ عليها، واحترت: نعم.. احترتُ أيَّ مفهومٍ من هذه المفاهيم آخُذ؟ وأيها أترُك؟ أيها أدعُ؟ وأيها ألتمس؟ ووصَلَتْ معي هذه المفاهيم وهذه الدروسُ عددا وكمّا كبيرًا، ولكن مراعاةً للوقت، وتركيزاً على بعضِ النقاط، وإلا لا أقولُ "على المهم، أو الأهم " فكلُ هجرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم مهمة، وتركيزاً على بعضِ النقاطِ التي تزدادُ حاجتنا إليها؛ سأذكرُ بعضَ الوقفات، وبعضَ المفاهيم وبعضَ الدروس التي أخذتها من استيعابِ هذه الهجرةِ المباركة، فما أجملَ أن نُشيرَ إشاراتٍ عابرةٍ لعددٍ من القضايا المهمةِ الجديرة بالإشادةِ والتذكيرِ في هجرة رسولِ العالمين الذي أسأل الله بمنه وكرمه أن يُلحقنا به وأن يحشرَنا في زمرته وأن يُسقِيَنَا من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا .
أولاً.. لماذا الهجرة..؟
إني لما نظرتُ إلى تأريخِ الهجرةِ، ونظرتُ إلى الإعِدادِ الذي أعدّهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ونظرتُ إلى الأسبابِ والأساليبِ التي اتخذَها، ابتداءً من إذْنِه بالهجرةِ للصحابةِ، وانتهاءً بوُصُولِه إلى المدينة، وما بينهما من أسبابٍ بشريةٍ كثيرةٍ، فيها الاختفاءُ والسِّريةُ، فيها كثيرًا من الأسبابِ البشرية، تساءلتُ: ألم يُسْرَ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم قبلَ عامٍ فقطٍ إلى بيتِ المقدسِ، ويُعرَج به إلى السماءِ؟ ألم يأتِ إليه جبريلُ على الصلاةُ والسلامُ وهو مُسْنِدٌ ظهره الشريف للكعبة بالبراقِ ليرحلَ هو وإياهُ من مكةَ المكرمة إلى بيتِ المقدس ومن هناك إلى السموات..؟ سبحان الله! يُسْرى به إلى بيتِ المقدس، ويُعرج به إلى السماءِ، ويرْجِع في ليلةٍ واحدةٍ، ويجلس عدَّةَ شهورٍ صلى الله عليه وسلم ويتَّخِذَ كثيرًا من الأسبابِ والوسائلِ لهذه الهجرةِ! لماذا..؟ ما السبب..؟ لِمَ لمْ تكن تلك الهجرةِ كذاكَ الإسراء..؟ يُمْسي في مكةَ ويصبحُ في المدينةِ النبوية بأمرِ الله سبحانه وتعالى وبقدرته؟ أليس الله قادرٌ على ذلك..؟ أيُعْجِزُه سبحانَه وتعالى شيءٌ في الأرضِ والسماء..؟ كيف لا.. والمعجزاتُ تتنزلُ عليه عليه الصلاة والسلام، لكنني بعدَ التأمُلِّ وجدتُ أن الله سبحانه وتعالى أراد منا ومن أمةِ النبي صلى الله عليه وسلم أن نفقه هذا الدين فِقْهًا دقيقاً، أرادنا أن نفقهَ هذه الدعوة المحمدية فقها سديدًا، فهذه الدعوةُ أيها الأحبابُ هي وربي منهجٌ للبشر، ربنا جل وعلا قادرٌ أن يأخذَ رسوله صلى الله عليه وسلم في لحظةٍ واحدة، وينقُلُه من مكةَ إلى المدينة، لا يحتاجُ إلى إعداد، لا يحتاج إلى اختفاء، لا يحتاج إلى مئونة، لا يحتاج إلى مطاردةٍ، لا يحتاج إلى مصاحبةٍ، لكن الأمرَ أعمقَ من ذلكَ وربي وأبعدَ بكثير، إنه الدينُ..! أراده الله ليكونَ منهجاً للبشريةِ، لماذا..؟ لأنه لو فُعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءَ بعدَه من الدعاةِ ممن تواجهُهُم مثلُ هذه المشاكلِ، مشاكلِ الاضطهاد، ومعاناةِ العذاب في سبيلِ تبيينِ الدعوةِ وإخراجِ الناسِ من عبادةِ العباد إلى عبادةِ ربِ العبادِ فأين حينَها يجدُونَ الحلَّ؟ كيف يجدونَ المخرج؟ إلى من يلتجئون..؟ أولئك الذين يُضطهدونَ في دينهم، أولئكَ الذينَ يحارَبونَ في عقيدتهم، أولئك الذين تُمتَهَنُ كرامتُهم عليهم أن يأخذوا الدروسَ العظيمَةَ من هذه الهجرةِ.
إذًا..
نحن في هذه الهجرةِ بجميعِ مراحلِها، نتبينُّ من خلالِها الدروسَ العظيمةَ للدعاةِ وللمسلمينَ، فلو تمَّتْ هذه الهجرةُ بين عشيةٍ وضحاها؛ لخسرنا تلكَ الدروسَ، ولخسرنا تلكَ المواقفَ، وهذا أمرٌ لا ينتبه له كثيرٌ من الناس، ويكفي التاريخَ شرفاً أن سطَّرَ بأحرفهِ الذهبيةِ هذه السيرةِ العطرةِ، وهذه الهجرة المباركة، لنلجأ إليها كمخرجٍ من كُرباتِنا، وحلٍ لأزماتِنا، وشِفاءٍ لأمراضَنا، بعد الله جل وعلا.(10/182)
في هذه الهجرةِ يعرفُ الداعيةُ كيف يأخذُ بالأسبابِ، كيف يفرقُ بين التوكلِ والتواكُلِ، يأخذ الحذرَ والحِيطةَ، يعرفُ المسلمُ من هذه الهجرةِ النبويةِ أنه لا يستكينُ ولا يستهينُ ولا يقْبَلُ الذلةَ في دينه، ولا في عقيدته أبدا، نعم.. إن هذه الهجرةَ العظيمةَ منهجٌ للبشر، ولو خرجْتُ عن الموضوعِ من جهةٍ أخرى في درسٍ عظيمٍ أربِطُهُ بهذا الموضوعِ، وهو " قضيةُ المنافقين " فلقد وقفتُ كثيراً وتأمّلتُ بتمعُّنٍ قصةَ علاجِ الإسلامِ لقضيةِ المنافقين، وكيف عالج الرسولُ صلى الله عليه وسلم قضيتهم حتى انتهت، ابتداءً من الهجرةِ وحتى وفاتِه صلى الله عليه وسلم مروراً بالأطوارِ التي مرت بها قضيةُ المنافقينَ وأثرُهم في المدينة، وتساءَلْتُ وقلتُ: الله جلا وعلا قادرٌ على أن يُعْلِمَ نبيهَ صلى الله عليه وسلمَ بعض أسماء المنافقينَ لِيَسْتَتِيَبهم؛ فإن تابوا، وإلا قُتلوا، أو طُردوا (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) نعم.. لا تعلمهم كلهم نحن نعلمهم، لأن الله لم يُردْ إبلاغَه إياهم؛ لأن الله تعالى لو أخبرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم بهذهِ الأسماء، نحنُ الذينَ نأتي من بعدِه من سيخبِرُنا بالمنافقينَ الذين يعيشونَ بيننا؟ كيف نعالجُ مُشْكِلَتِنَا معهم وهم من بني جلدتِنا؟ إذا
لا بدَّ من اللجوءِ بعد الله تعالى إلى سيرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، إلى هجرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، فَمِثْلَمَا عالجَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم تلكَ المشكلةَ وتلكَ الفتنةَ داخلَ الصفِّ المسلمِ، ووقفَ على تلكَ الخياناتِ التي ارتُكبتْ في داخلِ هذا الصفِّ؛ سنجدُ حينها علاجا لمشكلاتِنا في زماننا هذا.
إن درسَ الهجرةِ أيها الأحبة درسٌ عظيم، أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نتعلمَ منه الشيءَ الكثيرَ، ولكن أين القلوبُ الحيةُ؟ أين القلوبُ الصادقةُ اليقظةُ؟ أين القلوبُ الباحثةُ عن الحق؟ فالعودة العودة الصادقة الحميمة إلى هجرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لنستلهمَ الدروسَ والعبرَ ,,, وإلى ثاني الدروس الجنية من الهجرة النبوية.
ثانيًا: المدينة النبوية، التأسيس والتوطين..!
وهذه قضيةٌ مهمةٌ، وهي أنه لا بُدَّ أن يكونَ للفئةِ المسلمةِ موطنٌ أو موضعٌ تتأسسُ فيه وتتربى عليه، وتستطيعُ أن تمارسَ من خلالِه عمليةَ التغيير، وقد كان هذا في دارِ الأرقمِ بنِ أبي الأرقمَ قبلَ الهجرةِ، فقد كان موطنُ بناءٍ وتعليمٍ وإرشادٍ وغرسٍ للعقيدةِ وبناءٍ للإسلام في النفوسِ، وتجميعٍ للصفوف ومعرفةٍ لواقع الباطلِ والجاهليةِ، وهذا التجمعُ هو الذي كان يحرِّكُ دعوةَ الإسلامِ حتى أذن الله بالهجرةِ فكان التأسيسُ والتوطينُ في صورةِ دولةٍ وفي صورةِ مجتمعٍ متكاملٍ في مهَاجَرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كانَ هدفُ النبيِ صلى الله عليه وسلم من هجرتهِ إلى المدينةِ إيجادُ موطئ قدم للدعوة هناك حتى تَنْعُمَ بالأمنِ والاستقرار، حتى تستطيعَ أن تَبْنِي نفسَهَا من الداخلِ وتَنْطَلِقَ لتحقيقِ أهدافِها في الخارجِ، ولقد كان هذا الهدفُ أملاً وحلُما يراودُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم "رأيتُ في المنامِ أني أهاجرُ من مكةَ إلى أرضٍ بها نخلٌ، فذهب ظني إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب ".
كان هدفُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم من الهجرةِ تكثيرُ الأنصارِ وإيجاد رأيٍ عامٍ مؤَيِّدٍ للدعوةِ، لأن وجودَ ذلكَ يوفرُ على الدعوةِ الكثيرَ من الجهودِ ويُذَلِّلُ في طريقِها الكثيرَ من الصِعاب، والمجالُ الخَصْبُ الذي تَتَحققُ فيه الأهدافُ والمُنْطَلَقُ الذي تَنْطَلِقُ منه الطاقاتُ هو في المدينة، ولهذا حرِصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثَ مصعبَ بنَ عميرٍ أولَ سفيرٍ في الإسلام، حرِص صلى الله عليه وسلم أن يرسله ليكونَ سفيرَه إلى المدينةِ ليعلِّمَ الأنصارَ الإسلامَ وينشرَ دعوةَ الله فيها، ولمّا اطمأنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى وجودِ رأيٍ عامٍ مؤَيِّدٍ للدعوةِ في المدينة حثّ أصحابَه إلى الهجرةِ إليها وقال لهم "هاجروا إلى يثرب، فقد جعلَ الله لكم فيها إخواناً وداراً تأمنونَ بها ".
لقد كان هدفُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ من الهجرةِ استكمالُ الهيكلِ التنظيميِ للدعوةِ، فقد كان صعباً أن يكونَ الرسولُ القائدُ في مكةَ، والأنصارُ والمهاجرونَ في المدينة، صعبٌ أن يكونَ المعلمُ في مكةَ والتلاميذُ بعيدونَ عنه في المدينة، ولهذا هاجرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليكونَ بين ظهْرَاَنيْ أتباعِه، لأن الجماعةَ بدونِ قائدٍ كالجسدِ بلا رأسٍ، ولأنَّ تحقيقَ أهدافِ الإسلامِ الكبرى لا يتمُّ إلا بوجودِ جماعةٍ مؤمنةٍ منظَمَةٍ، تُغَذِّ السيرَ إلى أهدافِها بخُطًى وئيدةٍ وطيدةٍ متينةٍ.(10/183)
فما أحوجَ المسلمينَ اليومَ إلى هجرةٍ نحو الله ورسولِه، هجرةٍ إلى الله بالتمسكِ بحبله المتينِ وتحكيمِ شرعهِ القويم وهجرةٍ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعِ سنته، والاقتداءِ بسيرته، فإنْ فعلوا ذلك فقد بدأوا السيرَ في الطريقِ الصحيحِ وبدأوا يأخذونَ بأسبابِ النصرِ، وما النصرُ إلى مِن عندِ الله، ويسألونكَ متى هو؟ قل عسى أن يكونَ قريباً.
ثالثًا: دعوةٌ مستمرةٌ وصبرٌ عظيم.
فالنبيُ صلى الله عليه وسلمَ كما نعلمُ ظلَّ في مكةَ ثلاث عشرةَ سنةً يدعو إلى الله جل وعلا ليلََ نهار، متعرضًا في ذلك إلى الأذى الشديدِ والاضطهادِ المستمرِ من كفارِ قريشٍ الذينَ لا يريدونَ للخيرِ أن ينتشرَ، ومع ذلك فلم ييأس مع كلِّ هذا العنتِ وقلةِ من آمنَ معه خلالَ هذه المدةِ، فحاولَ أن يتجهَ إلى بيئةٍ أخرى لعلهُ يستطيعُ من خلالِها نشرَ دينِ الله جل وعلا، فاتجه إلى الطائفِِ ولكنه فوجئَ بالسفهاءِ يردونَه رداً منكرا، تقولُ أمُ المؤمنينَ عائشةُ رضى الله عنها وهي تحدِّثُ ابنَ أختها عروة أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ..؟ قَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فعلت ولك ذلك، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا). [رواه البخاري].(10/184)
إن هذه الوقفةَ أيها الأحبةُ تجعلُنا نتساءل: ماذا قدمنا لدينِ الله؟ كم تحملنا من الأذى في سبيلِ نشره بين الناس؟ هل صبرَنا كما صبرَ عليه الصلاة والسلام؟ أم أننا استسلمنا بمجردِ أن نواجِهَ أذىً أو معارضةً، فقمنا بعد ذلك بالتوقُفِّ عن الدعوةِ إليه سبحانَه، هل هذه هي القدوةُ بالنبيِ المصطفى الأمينِ، إنك لو نظرتَ أيها الكريمُ إلى أمتكَ الكريمةِ في القرآنِ الكريمِ ونظرتَ إليها في أرضِ الواقعِ لانفلق كبِدُكَ من الحزنِ والبكاءِ على واقعِ أمةٍ قد انحرفت كثيراً وكثيراً عن منهج الله جل وعلا وعن سنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، فهاهي الأمةُ التي نراها اليومَ ونعيشُ تحت ظِلالها، ليستْ هي الأمةُ التي خرجتْ وبزغتْ في فجرِ الإسلام، أمتنا اليومْ بدلت شرع الله وانحرفتْ عن طريقِ رسول الله واستبدلتِ الذي هو أدنى بالذي هو خير، أذلَّ الله الأمةَ لأحقرِ وأذلِّ أُممِ الأرضِ ممن كتب الله عليهمُ الذلةَ والهوانَ واللعنةَ من إخوانِ القردةِ والخنازيرِ من أبناءِ يهود، نعم.. أصبحتِ الأمةُ اليومَ قَصْعَةً مستباحةً لأحقرِ أممِ الأرضِ وأذلِّها، وحَقَّ عليها قولُ الصادقِ المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيحِ الذي رواه أبو داوودَ من حديثِ ثوبانَ رضي الله عنه : (يوشِكُ أن تتداعى عليكمُ الأممُ كما تتداعى الأكلةُ إلى قصعتها) قالوا : أومِن قلةٍ نحنُ يومِئذٍ يا رسول الله؟ قال : لا، ولكنكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ، وليوشكَّنَ اللهُ أن ينزعَ المهابةَ من قلوبِ عدوِّكُم، وليقذفنَّ في قلوبكمُ الوهنَ،) قيل وما الوهنُ يا رسول الله ؟ قال : (حبُ الدنيا وكراهيةُ الموت). لقد أصبحتِ الأمةُ اليومَ أيها الأخيارُ غُثاءً من النِفاياتِ البشريةِ تعيشُ على بِساطِ الحياةِ الإنسانيةِ، تعيشُ الأمةُ كدُويلاَتٍ متناثرةٍ متصارعةٍ متحاربةٍ تفصل بينها حدودٌ جغرافيةٌ مصطنعة، ونَعَرَاتٌ قوميةٌ جاهلية، وتُرفرفُ على سمائها راياتٌ قوميةٌ ووطنيةٌ تَحْكُمُها قوانينٌ جاهلية غربية، وتدورُ بالأمةِ الدوراتُ السياسيةُ فلا تملكُ الأمةُ نفسها عن الدورانِ بل ولا تختارُ لنفسِها حتى المكانَ الذي تدورُ فيه ! ذلت الأمةُ بعد عِزَّةٍ، وجَهِلتِ الأمةُ بعد علم، وضعُفتِ الأمةُ بعد قوة، وأصبحتْ في ذيلِ القافلةِ الإنسانيةِ بعد أن كانتْ بالأمسِ القريبِ تقودُ القافلةَ كلَّها بجدارةٍ واقتدار، أصبحتِ الأمةُ اليومَ تتسوَّلُ على موائدِ الفكرِ الإنسانيِ والعلمي بعد أن كانتِ الأمةُ بالأمسِ القريبِ منارةً تَهْدِي الحيارىَ والتائهينَ ممن أحرقَهُمْ لفحُ الهاجرةِ القاتلِ وأرَّقهم طولُ المشيِ في التيهِ والضلال، أصبحتِ الأمةُ اليومَ تتَأْرجحُ في سيرِها، ولا تعرفُ طريقَها الذي يجبُ عليها أن تَسْلُكَهْ وأن تسيرَ فيه بعدَ أن كانتِ الأمةُ بالأمسِ القريبِ الدليلَ الحاذقَ الأربَ في الدروبِ المتشابكةِ والصحراءِ المهلكةِ التي لا يهتدي للسيرِ فيها إلا الألداءُ المجرِّبونَ.. فما الذي جرى؟ ما الذي تغير.. لا شيء..! لكنها السننُ الربانيةُ " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " واللهِ إن هذا الواقعَ الأليمَ الذي نراه بأمِّ أعينِنا في أمتنا يستنفرُ جميعَ الهِممِ الغيورةِ ويستوجبُ أن يسألَ كلُ واحدٍ منا نفسَه هذا السؤالَ ماذا قدمنا لدين الله جل وعلا ؟ هل فعلا نحنُ السببُ في تخلفِّ هذه الأمةِ ورُكُوبِها ذيلَ القطار..؟ سؤالٌ وإن كان يُمَثِّلُ في الحقيقةِ ظاهرةً صحيةً إلا أنه يَنُمُّ عن خَلَلٍ في فَهْمِ حقيقةِ الانتماءِ لهذا لدينِ إلى الحَدِّ الذي أصبحَ فيه المسلمُ لا يعرفُ ما الذي يجبُ عليه أن يقدِّمَه لدينِ الله جلّ وعلا، لماذا ؟! لأن قضيةَ العملِ للدين ما تحركتْ في قلوبنا إلا في لحظةِ حماسٍ عابرةٍ أجَّجَهَا عالمٌ مخلصٌ أو داعيةٌ صادقٌ، فقمنا بعد هذه اللحظةِ الحماسيةِ المتأججةِ نسألُ عن أدوارِنا.. إنه وربي سؤالٌ مخجلٌ سؤالٌ مَهيب؟؟ سؤالٌ يجبُ ألا نمِلَّ طرحه وألا نسئمَ تِكراره لنُحييَ في القلوبِ قضيةَ العملِ لهذا الدينِ في وقتٍ تحرَّكَ فيه أهلُ الكفرِ والباطلِ بكلِ رجولةٍ وقوةٍ لباطلِهم وكفرِهم! في وقتٍ انتعشَ أهلُ الباطلِ فيه وتحركوا في الوقتِ الذي تقاعسَ فيه أهلُ الحقِ وتكاسلوا، بل والله ما انتفشَ الباطلُ وأهلُهُ إلا يومَ أن تخلى عن الحقِ أهلُه، إنه واقعٌ يجبُ أن يستنفرَ جميعَ الهممِ الغيورةِ، قُلْ لنفسكَ وخاطبها.. ما هو دوري في هذه الحياة؟ كيف أقدمُ لدين الله..؟.. أما والله لو كانتْ قضيةُ العملِ لدينِ الله تشْغَلُ أفكارَنا وتملأُ قلوبَنا وتُحرِقُ وُجدانَنا وتُقِضُّ مضاجعَنا ونفكرُ فيها ليلَ نهار في النومِ واليقظةِ في السِّرِ والعلانية، نعم.. لو كانتْ قضيةُ العملِ لدين الله في قلبِ كلٍّ منا ما سأل نفسه أبداً هذا السؤالَ، لأنه سيحدِّدُ أمرَه بحَسَبِ الزمانِ الذي يعيشُه وبِحَسَبِ المكانِ الذي يعيشُ فيه، لأن قضيةَ العملِ لدينِ الله تملأُ(10/185)
عليه همَّهُ ووُجدانَه وقلبه، لكن بكلٍ أسفٍ بكلِ مرارةٍ بكل حزنٍ أصبحت قضيةُ العملِ لدينِ الله قضيةً هامشيةً ثانويةً في حِسِّ كثيرٍ من المسلمين!.. بل وأصبحَ لا وجودَ لها في حِسِّ قِطَاعٍ عريضٍ آخرَ ممن يأكلونَ مِلَءَ بطونِهم وينامون ملءَ عيونهم ويضحكون ملءَ أفواههم، بل وينظرونَ إلى واقعِ الأمةِ فَيَهُزُّ الواحدُ كتفيه ويَمْضِي وكأنَّ الأمرَ لا يعنيه، وكأنه ما خُلقَ إلا ليأكلَ ويشربَ، أقولُ ..
إن العملَ للدينِ مسئوليةُ كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، فلا بدَّ أن تكونَ لقضيةِ الدينِ مساحةٌ في خريطةِ اهتماماتنِا وبرامجنا نعم.. لا بدَّ أن يَضْبطَ الدينُ عواطفَنا، وأن يُحْرِقَ همُّ الدينِ وِجدانَنا، وإِنَّ من المُحالِ أن يتحرَكَ الإنسانُ لشيءٍ لا يعتقده، لا يحمله في قلبه، وتأمل كيف احترق قلبُ نبينا صلى الله عليه وسلم لهذا الدين حتى قال له ربه " فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديثِ أسفا ".
رابعًا: الثبات على المبدأ.
إن الله تعالى خلقَ الخلق ليعرفوه ويعبُدُوهُ، ونصبَ لهم الأدلةَ الدالةَ على كبريائهِ وعظمته ليهابُوه، وقد اقتضت حكمتُه سبحانه وتعالى أن جعلَ الابتلاءَ سنةً من سننِ اللهِ الكونيةِ، وأن المرءَ بحاجةٍ إلى تمحيصٍ ومراجعةٍ حتى يتميَّزَ الخبيثُ من الطيبِ، والمؤمنُ من غيره؛ فالسعيدُ من اعتصم بالله، وأناب ورجعَ إلى الله، والمؤمنُ الصادقُ ثابتٌ في السراءِ والضراءِ " الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " وقال: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ "
إن هجرةَ النبيِ صلى الله عليه وسلمَ إلى المدينةِ كشفتْ لنا معالمَ في الشدةِ والرخاءِ، والعسرِ واليسر، وأبانت لنا عن معادنِ النفوسِ، وطبائعِ القلوب؛ ومن عَلِمَ حكمةَ الله في تصريفِ الأمور، وجريانِ الأقدارِ فلن يجدَ اليأسُ إلى قلبه سبيلاً، ومهما أظلمتِ المسالكُ وتتابعتِ الخطوبُ وتكاثرتِ النكباتُ؛ فلن يزدادَ إلا ثباتاً؛ فالإنسانُ إلى ربه راجع، والمؤمنُ بإيمانه مستمسكٌ وبأقدار الله مسلِّم، وإن من معالمِ هذه الهجرةِ النبويةِ المباركة: الثباتُ على المبدأ، الثباتُ على الدينِ والاستقامةُ عليه، ذلك أن الثباتَ على دينِ اللهِ والاعتصامَ به يدلُ دلالةً قاطعةً على سلامةِ الإيمانِ، وحسنِ الإسلامِ وصحةِ اليقين.
إن الثباتَ على دينِ الله خُلُقٌ عظيمٌ، ومعنى جميل، له في نفسِ الإنسانِ الثابتِ وفيمن حولَه من الناسِ مؤثراتٌ مهمةٌ تفعل فِعْلَها، وتؤثرُ أَثَرَهَا، وفيه جوانبُ من الأهميةِ الفائقةِ في تربيةِ الفردِ والمجتمع.
إن صفةَ الثباتِ على الإسلامِ والاستمرارِ على منهجِ الحق نعمةٌ عظيمةٌ حبا الله بها أولياءَه وصفوةَ خلقه، وامتنَّ عليهم بها، فقال مخاطباً عبدَه ورسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم:" وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ".
إن الثباتَ على دينِ الله دليلٌ على سلامةِ المنهجِ، وداعيةٌ إلى الثقةِ به، وهو ضريبةُ النصرِ والتمكينِ والطريقِ الموصلةِ إلى المجدِ والرفعةِ، ألم تروا كيف ثبتَ صلى الله عليه وسلم في دعوتِه قبلَ الهجرة وبعدَها؟ ألم تروا كيف مُكِّن وأُعزَّ ونُصِرَ بسبب ثباته على مبدأه صلوات ربي وسلامه عليه..؟
إن الثباتَ طريقٌ لتحقيقِ الأهدافِ العظيمةِ، والغاياتِ النبيلةِ؛ فالإنسانُ الراغبُ في تعبيدِ الناسِ لربِ العالمين والعاملُ على رفعةِ دينه وإعلاءِ رايتِه لا غِنَى له عن الثبات.
إن الثباتَ يعني الاستقامةَ على الهدى، والتمسكَ بالتقى، وقَسْرَ النفسِ على سلوكِ طريقِ الحقِ والخير، والبُعْدِ عن الذنوبِ والمعاصي وصوارفِ الهوى والشيطان.
إنَّ مما يُعينُ على الثباتِ أمامَ الفتنِ والابتلاءاتِ صحةُ الإيمانِ وصلابةُ الدينِ؛ فكلَّمَا كانَ الإنسانُ قوياً في إيمانه، صلْباً في دينه، صادقاً مع ربه، كلما ازدادَ ثباتُه، وقَوِيَتْ عزيمتُه وثبتَتْ حُجتُه، وحَسْبُكَ أن صاحبَ الهجرةِ محمداً صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه ويسألُه الثبات " اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرشد".(10/186)
إن الثباتَ على الدينِ مطلبٌ عظيمٌ ورئيسٌ لكلِ مسلمٍ صادقٍ يحبُ الله ورسولَه صلى الله عليه وسلم، ويريدُ سلوكَ طريقِ الحقِ والاستقامةِ بعزيمةٍ ورشد، والأمةُ الإسلاميةُ اليومَ أحوجُ ما تكونُ إلى الثباتِ خاصةً وهي تموجُ بأنواعِ الفتنِ والمغريات وأصنافِ الشهوات والشبهات، فضلاً عن تداعي الأممِ عليها، وطَمَعِ الأعداءِ فيها ومما لا شك فيه أن حاجةَ المسلمِ اليومَ لعواملِ الثباتِ أعظمُ من حاجةِ أخيه المسلمِ إلى ذلك في القرونِ السالفة وذلك لكثرةِ الفسادِ ونُدْرَةِ الإخوان، وضَعْفِ المُعين، وقِلةِ الناصح والناصر، والله المستعان.
خامساً: جِنسيةُ المسلمِ ووطنُه عقيدته.
إن أغلى ما لدى الإنسانِ إذا تخلى عن مُقوِماتِ دينِه، أهلُه وولدُه وماله وبلده، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم لما وجدوا أن مكةَ ليستْ مقراًّ لدينِهم؛ استأذنوا من الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالهجرةِ، فأذن لهم صلى الله عليه وسلم، وهنا ارتفعوا عن مطالبِ الدنيا، وعن حقارةِ الدنيا، وعن ذُلِّ الدنيا، وَنَجَوا بعقيدتِهم؛ لأن المسلمَ وطنُه عقيدتُهُ، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم ضحَّوا بالوطنِ، وضحوا بالأهلِ، وضحوا بالمالِ في سبيل هذه الهجرة في سبيلِ عقيدتِهم، وانظر إلى صهيبٍ الرومي رضي الله عنه، كان عبداً مملوكاً في مكةَ، فلما جاء الله بالإسلام صدّقَ وأطاع، فاشتدَ عليه عذاب الكفار، ثم أَذِنَ النبيُ صلى الله عليه وسلم للمؤمنينَ بالهجرةِ إلى المدينة فهاجروا، فلما أرادَ أن يهاجرَ معهم منعه سادةُ قريشٍ، وجعلوا عنده بالليل والنهارِ من يحرُسُه، خوفاً من أن يَهْرُبَ إلى المدينة، فلما كان في إحدى الليالي، خرجَ من فراشِه إلى الخلاء، فخرجَ معه من يرْقُبُه، ثم ما كادَ يعودُ إلى فراشهِ حتى خرجَ أخرى إلى الخلاءِ، فخرج معه الرقيب، ثم عاد إلى فراشه، ثم خرجَ، فخرجَ معه الرقيبُ، ثم خرج كأنه يريد الخلاءَ، فلم يخرُج معه أحد، وقالوا: قد شغلَتُه اللاتُ والعزى ببطنه الليلةَ، فتسَلَّلَ رضي الله عنه، وخرَجَ من مكةَ، فلما تأخَّرَ عنهم، خرجوا يلتمسونَهُ، فعلِمُوا بهربِه إلى المدينة، فلحقوه على خَيْلِهم، حتى أدركوُه في بعضِ الطريقِ، فلما شَعُرَ بهم رقى على ثَنِيَّةِ جبلٍ، ثم نَثَرَ كِنَانَةَ سِهَامِهِ بين يديه وقال: يا معشرَ قريشٍ، لقد علمتُم واللهِ أنِّي أصوبُكُم رمياً، ووالله لا تَصِلُونَ إليَّ حتى أَقْتُلَ بِكِلِّ سَهْمٍ بين يَدَيّ رجلاً منكم، فقالوا: أتيتنا صُعْلُوكاً فقيراً، ثم تخرجُ بنفسكَ ومالك، فقال: أرأيتم إنْ دَلَلْتُكُم على موضِعِ ماليِ في مكةَ أتأخذونه وتدعوني..؟ قالوا: نعم.. فقال: احفروا تحتَ أُسْكُفَّةِ بابِ كذا وكذا فإن بها أواقيَ من ذهب، فخذوها واذهبوا إلى فلانةَ فخذوا الحُلَّتَيْن من ثيابٍ، فرجعوا وتركوه، ومضى يَطْوِي قِفَارَ الصحراءِ، يحمله الشوقُ ويحدوهُ الأملُ في لقاءِ النبيِ عليه السلامُ وأصحابِه، حتى إذا وصلَ المدينةَ، أقبلَ إلى المسجدِ فدخلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أَثَرُ الطريق وَوَعْثَاءُ السفرِ، فلما رآه النبيُ عليه الصلاةُ والسلام قال: ربِحَ البيعُ أبا يحيى.. ربحَ البيعُ أبا يحيى.. ربح البيعُ أبا يحيى.. نعم والله ربحَ البيع.. ولماذا لا يربح..؟ وهو الذي هانَ عليه أن يَتْرُكَ المالَ الذي جمعه بكَدِّ الليلِ وتَعَبِ النهار، لماذا لا يربح وقد تركَ الأرضَ التي ألفها والبلدَ التي عرفها، والدارَ التي سكنها، في سبيل طلبِ عقيدته ومرضاةِ ربه.. أيها الأحبةُ الكرام..
لا بد أن نوطنَّ أنفسنا، وأن نفهم هذه الهجرةَ فهماً حقيقيا بأن جنسيةَ المسلمِ ووطنِه هي عقيدتُه، فالمسلمُ تبعًا لهذا المبدأ، فلا يَهِنُ ولا يستكين ولا يقبل الذلَّ، ولا يقبلُ الخور والضعفَ " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " ولما وجد الصحابةُ رضي الله عنهم أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بهذا الدين إلا بالذل والمهانة والاستكانة؛ تخلوا عن هذا الوطن، وذهبوا إلى بلاد يرفعون فيها رؤوسهم عالية، فرفع الله مقامهم، وأعادهم إلى وطنهم منتصرين.
لقد أكدت دروسُ الهجرةِ النبويةِ أن عزة الأمة تكمُن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيدِ الكلمةِ عليها، وأن أي تفريقٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوةِ الدينِ مآلُه ضعفُ الأفرادِ وتفكُكُ المجتمعِ وهزيمةُ الأمة، وإن المتأملَ في هزائمِ الأممِ وانتكاساتِ الشعوبِ عبر التاريخِ يجدُ أن مردّ ذلك إلى التفريطِ في أمر العقيدةِ والتساهلِ في جانب الثوابتِ المعنويةِ مهما تقدمتِ الوسائلُ المادية.(10/187)
إن عقيدةَ التوحيدِ هي الرابطةُ التي تتضاءلُ أمامها الانتماءاتُ القوميةُ والتمايزاتُ القبليةُ والعَلاقاتُ الحزبية، واستحقاقُ الأمةِ للتمجيدِ والتكريمِ مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطِها بمبادئها، كيف لا..؟ وفي الأمةِ في أعقابِ الزمن منهزمونَ كثر أمامَ تياراتٍ إلحاديةٍ وافدةٍ ومبادئَ عصريةٍ زائفةٍ ترفعُ شعاراتٍ مصطنعةٍ وتُطْلِقُ نداءاتٍ خادعةً، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلّ والصغارَ والمهانةَ والتبارَ والشقاءَ والبوارَ؛ فأهواءٌ في الاعتقاد ومذاهبُ في السياسةِ ومشاربُ في الاجتماع والاقتصادِ كانت نتيجتها التخلفَ المهينَ والتمزقَ المشين، وفي خِضَّمِ هذا الواقعِ المُزري يَحِقُّ لنا أن نتساءلَ بحرقةٍ وأسى: أين دروسُ الهجرةِ في التوحيدِ والوحدة؟ أين أخوةُ المهاجرينَ والأنصارِ مِن شعاراتِ حقوقِ الإنسانِ المعاصرةِ الزائفة؟ قولوا لي بربكم أيُ نظامٍ راعى حقوقَ الإنسانِ وكرّمه أحسنَ تكريمٍ وكَفِلَ حقوقَه كهذا الدينِ القويم.
ثامنًا: المسجدُ والدورُ الحقيقي.
ويواصلُ النبيُ صلى الله عليه وسلمَ سيرَهُ حتى وصلَ إلى المدينةِ، فبدأ ببناءِ المسجدِ وعمارتِه لِعِلْمِه أنَّ المسجدَ لم يوجدْ في الإسلامِ لأداءِ الصلاةِ فقط، وإنما هو مدرسةُ المجتمعِ الحقيقيةِ وهو نُقطةُ الانطلاقِ لتبليغِ دينِ الله، وهو مركَزُ الدولةِ الإسلاميةِ السائرةِ على منهجِ الله.
لقد نشأتْ مكانةُ المسجدِ وترعرعتْ في قلوبِ المسلمينَ مُنْذُ عهدِ النبوةِ، حيث كانَ مصدرَ النورِ والعلم والبصيرةِ والعزة للإسلامِ والمسلمين؛ فأعلى سبحانَه شأنَ المساجدِ ورفع قدرها، ولا أدلَّ على عظيمِ مكانةِ المسجدِ ومعرفةِ المسلمينَ الأوائلَ أنْ لا طريقَ لإعلاءِ دينِهمُ الذي هو مصدرُ عِزِّهِم، إلا بالانطلاقِ منه، ولذلكَ فإنَّ أولَ ما بَدأ به النبيُ صلى الله عليه وسلمَ عندما حلَّ بأرضِ الهجرةِ النبويةِ هو بِناءُ المسجدِ لِجَعْلِه مصدرًا للدعوةِ ومنبعًا لها وموردًا للصحابةِ رضي الله عنهم للجلوسِ معه عليه الصلاةُ والسلام، وعندما رسخَتْ هذه المعاني في قلوبِهم رضي الله عنهم ساروا عليها بكُلِّ ما أُوتُوا من عزْمٍ ويقينٍ بعد وفاته عليه الصلاةُ والسلام، ثم سارَ المسلمونَ من بعدهم في هذا المسير، وانطلقوا من هذا المنطلقِ، ومن ذلك المكانِ الطاهر الشريفِ فإن الإمامَ عليه مسئوليةٌ وتَبِعَات، ومؤذِنُ المسجدِ والمصلونَ كذلك، كُلٌ له دورُه الذي يُعْتَبَرُ لَبِنَةً لِبِنَاءِ هذه الرسالة، وبَعْثِها لأرجاءِ المعمورة.
أرأيتم لو قامَ كُلٌ بدوره المأمولِ منه وإحيائِه واستحضارِه… أيبقى دورٌ في أرجاءِ الأرضِ وقوةٌ على ظهرها لغيرِ الإسلامِ ودعوته؟ ولا أدلَّ على عِنَايةِ الإسلامِ بالمسجدِ وقداسَتِه من أمْرِ الشارعِ بعدم زخرفتِه، ونَشْدِ الضالةِ ورفعِ الصوتِ، كُلُ ذلك لِتَتَوَحَّدَ القلوبُ وتبتهلَ إلى خالِقها وإلهِها بدونِ صوارفَ وشواغلَ تُعيقُ تَهَيؤَها للقيامِ بدورها تجاهَ المسجدِ ورسالته، فأين أغنياءُ المسلمينَ عن هذه الحقيقةِ، وأينَ العلماءُ والمسئولونَ عن هذا الأمرِ المهمِ في حياةِ المجتمعات، لماذا أصبحتِ المساجدُ مهملةً، وإذا اعتُنِيَ بها فمِن أَجْلِ الصلواتِ فقطْ ولا دورَ لها بعد ذلك في حياة المسلمين.
تاسعًا: الهجرةُ وتاريخها..!(10/188)
وإشارةً أخرى إلى أمرٍ يتعلقُ بحدثِ الهجرةِ النبويةِ في قضيةٍ تُعبِّرُ بجلاءٍ عن اعتزازِ هذه الأمةِ بشخصيتها الإسلاميةِ وتُثبتُ للعالمِ بأسره استقلالَ هذه الأمةِ بمنهجها المتميزِ المُستقى من عقيدتِها وتاريخها وحضارتِها، إنها قضيةٌ إسلامية ٌوسنةٌ عُمريةٌ أجمعَ عليها المسلمونَ في عهدِ عمرَ بنِ الخطاب t إنها التوقيتُ والتاريخُ بالهجرةِ النبويةِ المباركة، واختيارُ الصحابةِ هذا التأريخَ على غيرهِ من الأحداثِ يُعََدُّ من فقهِهِمْ وفهمهمُ العميقِ لأهميةِ هذا الحدثِ الذي انتقلتِ الأمةُ المسلمةُ بسببه من مرحلةِ الاستضعافِ والابتلاءِ إلى مرحلةِ الاستخلافِ والتمكين، وكم لهذه القضيةِ وربي من مغزًى عظيمٍ يَجْدُرُ بأمةِ الإسلامِ اليومَ تَذَكُّرَهُ والتَقيَُدَ به، كيف وقد فُتِنَ بعضُ أبنائِها بتقليدِ غيرِ المسلمينَ والتشبهِ بهمْ في تأريخِهم وأعيادِهم، فأين هي عِزةُ الإسلام؟ وأين هي شخصيةُ المسلمين؟ هل ذابت في خِضَمِّ مُغْرَياتِ الحياة؟ فإلى الذين تنكروا لثوابتِهم وخدشوا بَهاءَ هويتِهم وعملوا على إلغاءِ ذاكرةِ أمتِهم، وتهافتوا تَهَافُتاً مذموماً وانساقوا انسياقاً محموما خلف خصومِهم وذابوا وتميعوا أمامَ أعدائهم، ننادي نداءَ المحبةِ والإشفاق: رويدَكم؛ فنحنُ أمةٌ ذاتُ أمجادٍ وأصالةٍ وتاريخٍ وحضارةٍ ومنهجٍ متميزٍ منبثقٍ من كتابِ ربِنا وسنةِ نبينا صلى الله عليه وسلم فلا مساومةَ على شيءٍ من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخِنا ولسنا بحاجةٍ إلى تقليدِ غيرِنا، بل إن غيرَنا في الحقيقةِ بحاجةٍ إلى أن يستفيدَ من أصالتِنا وحضارتنا، لكنه التقليدُ والتبعيةُ والمجاراةُ والانهزاميةُ والتشبهُ الأعمى من بعضِ المسلمينَ هداهم الله، كيف لا..؟ وقد حذر صلى الله عليه وسلم أمتَه من ذلك بقوله فيما أخرجَه الإمامُ أحمدُ وأهلُ السننِ "من تشبه بقوم فهو منهم ".
عاشرًا: الهجرةُ ومبدأ الشورى.
كلَّنا نعرفُ أن قريشاً اجتمعتْ في دارِ الندوة، وتشاوروا كيف يفعلونَ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم؟ نعم.. تآمروا واختلفوا في الرأي، لكنهم اتفقوا على أن يجتمعَ عددٌ من أمزاعِ القبائلِ وأفرادها ليقتلوا الرسولَ صلى الله عليه وسلمَ فيَضِيعُ دمُه بين القبائلِ.
ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة، وما أقربَ عِلاقةَ الماضي بالحاضرِ والحاضرِ بالماضي؛ أعداءُ الله جادونَ لحربِ دينِ الله، جادون لحربِ الدعاة، كما كان أولئكَ جادينَ في دارِ الندوة، فقط.. اختلفتِ الأدوارُ واتفقتِ الأهدافُ، اختلفتِ الوسائلُ واتفقتِ الغايات.
كما أجد أن كفارَ قريشٍ في دارِ الندوةِ يشعُّون حماساً لإنهاءِ هذه الدعوةِ المحمديةِ، أجد واللهِ أعداءَ الله يتطايرُ النومُ من أعينِهم حماساً لحربِ الدعاةِ وحربِ الإسلام، أجدُ أن الدعاةَ يفتقرونَ إلى شيءٍ مما نجده عندَ أعداءِ اللهِ وهو الحماسُ لدعوتهِم ومبادئِهم، والتخطيطِ البعيدِ المستمر، كفارُ قريشٍ جلسوا يتشاورون ويعقدون ويتآمرون، والسؤال المهم الذي ينبغي أن نستفيده: هلِِ المسلمونَ يتشاورونَ فيما يتعلقُ بأمورِ دينهم وعقيدتهم؟ هل يلتقونَ ليتدارسوا أوضاعَ المؤامراتِ على هذه العقيدة، وعلى هذا الدينِ؟ كفارُ قريش في دارِ الندوة، وكفارُ العصرِ الحاضرِ في دورٍ كثيرةٍ، يتشاورونَ ويخططونَ، والمسلمونَ نائمون، كفار قريش في دار الندوة سلكوا السبيل الذي يحقق لهم أهدافهم، وبنفس القوةِ وبنفسِ المنطقِ أعداءُ الإسلام في العصر الحاضر يسلكونَ السبيلَ ذاتَه، ولهذا فإن الرسولَ صلى الله عليه وسلم علاجًا للمشكلة التي مرَّ بها والمؤامرة التي حلت به واجه التخطيطَ بالتخطيط، والقوةَ بالقوة، والحكمة بالحكمة، والأسلوبَ بالأسلوب.
الحادي عشر: الهجرةُ والتخطيط.
إن التخطيطَ للهجرةِ من أعظم الدروس التي نستفيدُها في دعوتنا، مأساة كثيرٍ من المسلمين بل مأساةُ الدعاة أن التخطيطَ لديهم فيه ضعفٌ كبير، إن لم أقل: إنه لا يوجد لدى الكثيرِ منهم أبدا مفهومُ التخطيط، لديهمُ الإعدادُ الضعيف، بينما نجده في الهجرةِ يتمثَّل في أشياءَ كثيرة، يتمثل في الاستعدادِ المبكرِ من الرسولِ صلى الله عليه وسلم، يتمثلُ التخطيطُ في تهيئةِ أبي بكرٍ رضي الله عنه لذلك، حيثُ جلس كما في الصحيحِ أربعةَ أشهرٍ ينتظرُ الهجرةَ معَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ويهيئُ الراحلةَ، نجدُ التخطيطَ في إقامةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم عليا مكانه، وعندما بدأت مراحلُ الهجرة؛ جاءَ التخطيطُ الدقيقُ في خُطُوَات، وانتبهوا إلى هذه الخطوات وهذا التخطيط:
أولا: الانتقالُ إلى غارِ ثورٍ، ولماذا اختارَ النبيُ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ هذا الغار؟ نعم. اختارا هذا الغارَ ليخالفوا ما أرادت إليه قريش، فاتجهوا جنوبًا.(10/189)
ثانيا: توزيعُ الأدوار، فعبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ يأتي بالأخبار، وعامرُ بنُ فهيرةَ يأتي بالغنمِ ليحلبوا ويشربوا، ويغطي آثارَ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكر، وأسماءُ تأتي بالطعام، وعبدُ اللهِ بنُ أُرَيقِط يَسْتَعِدُ للانطلاقِ بهم بعدَ ثلاثِ ليال، أرأيتم كيفَ أنه ترتيبٌ محكمٌ دقيقٌ مخططٌ له، فهل نحن عندما نريد أن نُقْدمَ على أي أمرٍ من أمورِ الدعوة؛ نستعدُّ لذلك؟ نخططُّ له، نُجيدُ تحديدَ المراحل، المؤسفُ أن الواحدَ منا إذا أراد أن يَعْمُرَ بيتا؛ جَلسَ يُخططُ عدةَ أشهرٍ، نعم.. إذا أقبل على أمرٍ من أمورِ الدنيا؛ خطَّطَ ورتبَ واستعدَ، ولكن في أمورِ الدعوة في أمورِ الإسلام فإنه يَخْبِطُ خبطَ عشواء، ومن هنا جاءتِ النتائجُ السلبيةُ والنتائجُ السيئةُ لكثيرٍ من الدعواتِ وكثيرٍ من الحركاتِ؛ لأنهم يتحركونَ بدونِ تخطيطِ، يتحركونَ بدونِ دراسةٍ للواقع، وبدونِ حسابٍ للمستقبل؛ حسبَ الأسبابِ التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وهذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يا أحبابي، وهو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُخططُ تخطيطاً بشريًا دقيقا، يخططُ ليستفيدَ الدعاةُ من هذه التجربةِ، إنها دروس، فهل نستفيد منها؟
تذكرتُ وفكرتُ في كثيرٍ من النكباتِ التي حلَّتْ بكثيرٍ من الجماعاتِ الإسلاميةِ في كثيرٍ من الدول، ووجدتُ أن مِن أهمِّ أسبابِها ضعفُ التخطيطِ لمقابلةِ أعداءِ الله، فالمسلمُ كَيِّسٌ فطن، فلا يُقْدِمْ على أمرٍ إلا بعد أن يكونَ قد قلَّبَ جميعَ الأمور، وأخذَ بجميعِ الوسائلِ والأسباب، وهذا الدرسُ واضحٌ وجليٌ وعظيمٌ في سيرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، تخطيطٌ محكمٌ دقيقٌ، لا تجدُ فيه ثغرةً من الثغراتِ، فسبحانَ الله! ما أحوجنا إلى أن نقفَ أمامَ هذا الأمرِ العظيم؛ لتستفيدَ منه الأجيالُ بعد الأجيالِ، فإلى متى والمسلمونَ يتخبَّطونَ في أمورهم؟ إلى متى ونحن أبناءُ الصُدفةِ، وأبناءُ العواطفِ؟ فقطْ عواطفُ تهيجُ ثم تخبوا، فأين الجِدُّ؟ أين العزيمة؟ أين الوُضوح؟ فالأمرُ من الجدِّية بمكان، ثم نقول بعد ذلك ونتفاخر " النصر من عند الله "؟! نعم، بلا شكٍ: النصرُ من عند الله، ولكن لا بُدَّ من الأخذِ بالأسباب، لا بُدَّ من الأخذِ بالوسائلِ المشروعة، فأين هذا من واقعنا؟ أليس لنا في سيرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلمَ عبرة؟ أليس لنا فيه عِظة؟ بدأ وحيدًا صلى الله عليه وسلمَ وبالرقمِ القياسيِ بدأتْ الدعوةُ في ازيادٍ شيئا فشيئا، حتى قامتْ دولةُ الإسلام.. أيها الأحباب:
أكرر فأقول: لا مكانَ للفوضى في هذا العصر، بل لا مكانَ للفوضى في حياةِ المسلم أبدًا، فكلُ واحدٍ منا يحاسبُ نفسه ولو من زاويةٍ ضيقةٍ، ألسنا نعيشُ فوضى داخلَ حياتِنا الخاصةِ اليومية، هل كلُ واحدٍ منا ينظِّمُ وقتَه تنظيماً دقيقا؟ هل كلُ واحدٍ منا يعيشُ هَمَّ هذه الدعوة، ويفكِّرُ لها ليلَ نهار؟ ثم ماذا عمِلَ إن كانَ فكَّرَ ورتَّبَ لذلك؟ والله لا عُذر لنا أمامَ الله سبحانه وتعالى فيما نرى من المصائبِ والمشكلات.
الثاني عشر: البيتُ المسلمُ المتكامل.
لقد كانَ البيتُ المسلمُ حاضراً لأخطرِ قرارٍ في تاريخِ الدعوة، فقد كانتْ عائشةُ وأسماءُ رضي الله عنهما تسْتمعانِ لتلكَ المداولاتِ التي دارت بين رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ وبين والدهِما أبيِ بكر الصديقٍ رضي الله عنه قالت " بينما نحنُ يوماً جلوسٌ في بيتٍ أبي بكرٍ في نحرِ الظهيرةِ، قال قائلٌ لأبي بكر: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم متقنِّعاً في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكرٍ: فداءً له أبي وأمي، والله ما جاءَ به في هذه الساعةِ إلا أمرٌ، قالت: فجاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنَ فأذِنَ له فدخل، فقال النبيُ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أَخْرِجْ مَن عندَك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلُكَ بأبي أنتَ يا رسول َالله، قال: فإني قد أُذِنَ لي في الخروجِ، فقال أبو بكرٍ: الصحبةَ بأبي أنت يا رسولَ الله، قال رسولُ الله: نعم، قال أبو بكرٍ: فخُذْ بأبي أنت يا رسولَ الله إحدى راحلتِي هاتين، قال رسولُ الله، بالثمنِ، قالت عائشةُ: فجهزناهما أحسنَ الجهازِ وصنعنَا لهما سَفْرَةً في جرابٍ فقطَعَت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ قِطعةً من نِطَاقِها فربطتْ به على فَمِ الجِرابِ فبذلكَ سُميت ذاتُ النطاقين "(10/190)
الله أكبر.. ما أجملَ هذا البيتَ المسلمَ بيتَ أبي بكرٍ، أبو بكرٍ، وابْنُه عبد الله وابْنتاه أسماءُ وعائشةُ، بل وحتى مولاهُ عامرُ بنُ فُهيرةَ، في وسطِ الجاهليةِ، ومرابضِ الوثنيةِ، في وسط هذا الخِضَّمِ الأسودِ الذي يَهْرُبُ فيه المسلمونَ بعقيدتهم، نجد بيتا صالحا فيه مُقَوِماتُ الصلاح، فعندما قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم " أَخرِج من عندك، قال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله " أكانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم يجهلُ أنهما ابنتا أبي بكر؟ لا وربي، فهْو يعْرفهُما، ولكن أراد أبو بكرٍ أن يقولَ " إنهما على منهجي، همَا على عقيدتي، لا خوف عليهما يا رسولَ الله ".
لقد وقفتُ أمامَ هذا البيتِ المسلمِ، وقارنت هذا البيتَ المسلمَ ببيوتِنا في ديارِ الإسلام، أين البيتُ الذي تتوفرُ فيه صفاتُ البيتِ المسلمِ كبيت أبي بكر..؟
إن من أولى أولوياتِ البيتِ المسلمِ وأسمى رسالةٍ يقدمُها للمجتمعِ تربيةُ الأولاد، وتكوينُ جيلٍ صالحٍ قويٍ، ولا قيمةَ للتربيةِ ولا أثرَ للنصيحةِ إلا بتحقيقِ القدوةِ الحسنةِ في الوالدين؛ القدوةِ في العبادةِ والأخلاق، القدوةِ في الأقوالِ والأعمال، القدوةِ في المخبرِ والمظهر.
في غَيابِ البيتِ المسلمِ الهادئِ الهانئِ ينمو الانحرافُ، وتفشو الجريمةُ، وترتفعُ نسبةُ المخدرات، بل ونسمعُ بارتفاعِ نسبةِ الانتحار.
إن البيتَ الذي لا يَغرِسُ الإيمانَ ولا يستقيمُ على نهجِ القرآن ولا يعيشُ في أُلفةٍ ووئام، يُنجِبُ عناصرَ تعيشُ التمزُّقَ النفسي، والضياعَ الفكري، والفسادَ الأخلاقي، هذا العقوقُ الذي نجده من بعضِ الأولادِ والعَلاقاتِ الخاسرةِ بين الشباب والتخلي عن المسؤوليةِ والإعراضِ عن الله والتمرُّدِ على القيمِ والمبادئِ الذي يعصِفُ بفريقٍ من أبناءِ أمتنا اليوم، ذلك نتيجةٌ حتميةٌ لبيتٍ غفلَ عن التزكيةِ، وأهملَ التربيةَ، وفقدَ القدوةَ، وتشتَّت شملُه.
البيتُ الذي يجعلُ شرائعَ الإسلام عِضين، يأخذ ما يشتهي، ويذرُ ما لا يريد، إلى شرقٍ أو غرب، يُنشئ نماذجَ بشريةٍ هزيلةً ونفوساً مهزوزة، لن تفلحَ في النهوضِ بالأمةِ إلى مواقعِ عزها وسُؤدُدِها.
من سماتِ البيت المسلم أنه يرُدُ أمرَه إلى الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم عندَ كلِّ خلاف، وفي أي أمرٍ مهما كان صغيراً، وكلُ مَن فيه يرضى ويسلِّم بحكم الله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلاً مُّبِيناً).
من سماتِ البيتِ المسلمِ تعاوُنُ أفراده على الطاعةِ والعبادة، فضعْفُ إيمانِ الزوجِ تقوِّيهِ الزوجةُ، واعوجاجُ سلوكِ الزوجةِ يقوِّمُه الزوج، تكاملٌ وتعاضُد، ونصيحةٌ وتناصر.
من سماتِ البيت المسلمِ الحياءُ، وبه يُحصِّنُ البيتُ كِيانَه من سهامِ الفتكِ ووسائلِ الشر التي تدعُ الديارَ بلاقع، لا يليقُ ببيتٍ أسِّس على التقوى أن يُهتَكَ سترُه، ويُنقضَ حياؤه، ويلوَّثَ هواؤه بما يخدشُ الحياءَ من أفلامٍ خليعةٍ وأغانٍ ماجنة ونبذٍ للحجابِ وتشبهٍ بأعداء الدين، كلُ ذلك ينخِرُ كالسوسِ في كَيانِ البيتِ المسلم، وبُؤَراً تفتحُ مغالقَ الشرِّ وتدعُ العامرَ خرابًا.
من سماتِ البيتِ المسلم أن أسراره محفوظةٌ، وخلافاتِه مستورةٌ، لا تُفشى ولا تُستقصى " إن من شرِّ الناسِ عند الله منزلةً يوم القيامةِ الرجلُ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم يَنْشُرُ سِرَّها ".
لا يدخلُ البيتَ المسلمَ من لا يُرضَى دينُه، فدخولُ المفسدِ فسَاد، ووَلوجُ المشبوهِ خطرٌ على فلذات الأكباد بهؤلاء فسدتِ الأخلاقُ في البيوت، وفشا السحرُ، وحدثتِ السرقاتُ، وانقلبتِ الأفراحُ أتراحا، بل إنهم معاوِلُ هدمٍ للبيتِ السعيد، والله المستعان..(10/191)
لقد برزَ أثرُ الهجرةِ في مجالِ تربيةِ الشبابِ والمرأةِ وميدانِ البيتِ والأسرةِ، ِففي موقفِ عبداللهِ بنِ أبي بكر رضي الله عنهما في خدمةِ ونُصرةِ صاحبِ الهجرة عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي، ما يُجلّيِ أثرَ الشبابِ في الدعوةِ ودورِهم في الأمةِ ونُصرةِ الدينِ والمِلة، فأين هذا مما يُنادي به بعضُ المحسوبينَ على فِكرِِ الأمةِ وثقافتِها من تخديرِ الشباب بالشهواتِ وجعلِهم فريسةً لمهازلِ القنواتِ وشبكةِ المعلوماتِ في الوقتِ الذي يُعَدُّون فيه للاطلاعِ بأغلى المهماتِ في الحفاظِ على الدينِ والقيم، والثباتِ على الأخلاقِ والمبادئ أمامَ المتغيراتِ المتسارعةِ ودعاوَى العولمةِ المفضوحة، وفي موقفِ أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنها ما يُجَلّيِ دورَ المرأةِ المسلمةِ في خدمتِها لدينها ودعوتها؛ فأين هذا من دُعاةِ المدنيةِ المأفونةِ الذين أجلبوا على المرأةِ بخيلِهم وَرَجِلِهم زاعمينَ زوراً وبُهتانا أنَّ تَمَسُّكَ المرأةِ بثوابتِها وقيمها واعتزازها بحجابها وعفافها تقييدٌ لحريتِها وفقدٌ لشخصيتها وبئسَ ما زعموا فخرجَتِ من البيتِ تبحثُ عن سعادةٍ موهومةٍ وتقدميّةٍ مزعومةٍ لتَظُنَّها في الأسواقِ والشوارعِ والملاهيِ والمصانعِ فرجعت مسلوبةَ الشرفِ مُدَنَّسةِ العرضِ مُغْتَصَبَةَ الحقوقِ عديمةَ الحياءِ موءودةَ الغيْرَة، وتلكَ صورة من صورِ إنسانياتِ العصرِ المزعومةِ وحريتِه المأفونةِ ومدنيته المدَّعاة.. أقول:
ما أحوجنا إلى بيتٍ كبيتِ أبي بكر، ما أحوجنا إلى أسرة كأسرة أبي بكر، ما أحوجنا إلى إيمان كإيمان أبي بكر بل ما أحوجنا إلى آباء كأبي بكر وأبناء كأبناء أبي بكر..
الثالث عشر: الصدق والإخلاص مع الله.
نصْرُ الله سبحانَه وتعالى لنبيه أمرٌ جليٌ وواضحٌ وظاهر " إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " روى الإمام البخاري في صحيحه قال: لما صعدَ كفارُ قريشٍ إلى الجبلِ ونظروا ؛ قال أبو بكر: يا رسولَ الله، لو نظرَ أحدُهم إلى أسفلِ قدميه لرآنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! " الله أكبر، إنه التوكل والثقة بنصر الله تعالى لم يقل عليه الصلاة والسلام "ما ظنك بنبي وصاحبُه؟! " لا " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! إنها قاعدةٌ عظيمة: أنَ كلَ اثنينِ صادقينِ مخلصين؛ الله معهما، لم يربطْ القضيةَ عليه الصلاة والسلام به، لم يقل "يا أبا بكر، لا تخف ؛ لأنني أنا موجودٌ، أنا رسولُ الله " لا، ربطَهَا بقضيةٍ أصليةٍ؛ حتى إذا تكررتْ في يومِنا الحاضرِ؛ يتكررُ الهدفُ والسببُ والنتيجة " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! إذا أصابتك مصيبة وأنت معتصم بالله؛ فلا تخف؛ فأمامك "ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!" إذا ادلهمت عليك الخطوب من كل جانب فلا تحزن لأنك تقرأ " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " إذا واجهك عدو فاعتصم برب العدو لأنك تتلوا " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " إذا..
القضيةُ ليست مربوطةً بأنه نبي، لا ؛ لأن الله تعالى يقول " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " نبِيٌ وغيرُ نبي، ما دام أنه على منهج النبي " إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ " نصْرُ الله كان لنبيه، ولمن يقتفى سنةَ نبيه، وسيكونُ وسيظلُ لكل صادقٍ مخلصٍ مؤمنٍ بالله متبعٍ نبيه، كما نجد في هذا الأمرَ أن الأمرَ لا يتعلق بالقوةِ الماديةِ والضخامةِ المادية؛ فكم بذلت قريشٌ من أجلِ هذا الأمر، ولكنها لم تُحقِّقْ شيئا ونَصَر الله نبيَه صلى الله عليه وسلمَ بوسائِله الضعيفةِ البسيطةِ الهزيلة، لكنها الوسائل المادية، أما وسائله الكبرى فهي وسائلٌ عظيمة، أقواها وسيلةُ الإيمانِ بالله سبحانه وتعالى والصدقِ معه والتوكل عليه والثقة بنصره.
==========================
القدوة الحسنة !
موسى محمد هجاد الزهراني
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ سُورَةُ التَّوْبِةِ : 128 ] ..
إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجد أنها حوت جميع مكارم الأخلاق التي تواطئ عليها فضلاء ونجباء البشر ونبلاؤهم ، حتى إنها لتجيب على كل ما يختلج في الفؤاد من أسئلة قد تبدو محيرة لمن لم يذق طعم الإيمان بالله تعالى من الذين كفروا ، والغريب في الأمر أن بعض بني قومنا من المسلمين هداهم الله لا يحفلون بهذه الميزة العظيمة التي ميزنا الله بها وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة حسنة رغم أنها تمثل الرادع الفعلي عن ارتكاب ما يخل بخلق المسلم ، وهي المحرك الأساس إلى الارتقاء بالذات إلي معالي الأمور وقممها السامقات .(10/192)
إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنٌ يمشي على الأرض وكان خلقه القرآن ، ولذلك تجد كثيراً من عامة المسلمين اليوم إذا سألتهم ولو كان ذلك بطريقة عشوائية عن : من هو قدوتك أو مثلك الأعلى؟!
لسمعت الإجابة :_ النبي صلى الله عليه سلم ! .
أتعرف شيئاً عن سيرته ؟ .
فسيحدثك ولو بالقدر القليل عن سيرته عليه السلام من ولادته ونشأته وعبادته وشجاعته وحسن خلقه وغزواته وغير ذلك إلى الوفاة .
وإنك لتسمع من البعض أيضاً عبارة : هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وما ذلك إلاَّ دلالة واضحة على أن المسلمين عموماً لديهم الرجوع الذهني إلى القدوة المطلقة وهو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .. فيفعلون ما فعل وينتهون عما نهى ويخجلون من فعل شيء لم يفعله.
* * *
أين هذا من الكثرة الكاثرة في الأرض اليوم بكل في كل زمان من الكافرين على جميع أصنافهم وتنوع مذاهبهم وتنوع مذاهبهم ومشاربهم ؟ .
خذ مثلاً .. النصارى الموجودين اليوم .. لو سألت أحدهم أو مجموعة منهم عن قدوته في الحياة لما حار جواباً إلاَّ بعد تفكير مضطرب قد تأتي الإجابة بعده ليست كما تريد .. وينسى ( المسيح عليه السلام ) أو ( يسوع كما يحلو لهم أن يعبروا ) لأنه يجهل سيرته تماماً ولا يعلم منها إلا الجزء المظلم في نظرة النصرانية من أنه أحد الأقانيم الثلاثة .. ثلاثة في واحد .. وأنه ابن الإله ، وهو المصلوب لإنقاذ الجنس البشري من تبعات خطيئة أبيهم آدم .. وهو الذي نزل باسم الإله تارة أو ابنه تارة أو ما إلى ذلك من خرافاتهم ..
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ، بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 158 ]
فإذا أردت منه شيئاً يسيراً عنه ولادة عيسى عليه السلام .. لربما غضب منك لأنه يعلم أنك تريد تسفيه عقيدته في ابن الإله ( حسب زعمهم ) .. وإذا أردت شيئاً من سيرته لم تسمع من فيّ الخاصة منهم إلاَّ العبارة المشهورة عن المسيح عندهم " إذا صفعك أحدهم على الخد الأيسر فأدر له الخد الأيمن ومن جاءك يريد أخذ شيئاً من مالك فأعطه مالك كله " على أنها لا سند لها من شرع ولا عقل إلاَّ إنها لا تمثل ما عليه واقع حال النصرانية المحرفة أبداً ولا يحفل قسسهم ولا باباوتهم ورهبانهم وساستهم – وبوش الظالم المعتدي على أفغانستان والعراق أكبر مثال – لا يحفلون بهذا النص عن المسيح عندهم ولا يُعملونه في واقعهم، وواقعهم المرّ يشهد بذلك .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً } [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 171 ]
* * *
أين المسلمون عن شكر نعمة القدوة المطلقة محمد صلى الله عليه وسلم وأين العمل بسنته والافتخار بها؟.
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } [ سُورَةُ الأَحْزَابِ : 21 ]
وبقي أن نعلم أن القدوات ثلاثة .. القدوة المطلقة وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والقدوة الثانية : من مات على الإسلام الصحيح من سلف الأمة المخلصين ومن كانت سيرته نبراساً لمن بعده كالصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان .. وعلماء الأمة الأربعة فمن بعدهم وشمسهم الوهاجة شيخ الإسلام بن تيميه .. إلى آخر عالمٍ مات منهم .. بالشرط المتقدم .
القدوة الثالثة : من يصلح الاقتداء به في هذا الزمان من الأخيار ، على أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ..
ولله در الشيخ الدكتور عائض القرني على روعة وصفة لقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، في رائعته : تاج المدائح :
أنصت لميميةٍ جاءتك من أَمَمِ **** مُدادها من معاني نون والقلم
سالت قريحةُ صبٍّ في محبتكم***** فيضاً تدفق مثل الهاطلِ العممِ
كالسيل كالليل كالفجر اللحوح غدا * يطوي الروابي ولا يلوي على الأكم
أجش كالرعد في ليل السعود ولا *** يشابه الرعد في بطش وفي غشم
كدمع عيني إذا ما عشت ذكركم *** أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم
يزري بنابغة النعمان رونقها ***** ومن زهير ؟ وماذا قال في هَرِمِ
دع سيف ذي يزنٍ صفحاً ومادحه ***** وتبّعاً وبني شداد في إرم (10/193)
ولا تعرج على كسرى ودولته ***** وكل أصْيد أو ذي هالة ٍوكمي
وانسخ مدائح أرباب المديح كما ***** كانت شريعته نسخا لدينهم
رصّع بها هامة التأريخ رائعة ***** كالتاج في مفرق بالمجد مرتسم
فالهجر والوصل والدنيا وما حملت **** وحب مجنون ليلى ضلة لعمي
دع المغاني وأطلال الحبيب ولا***** تلمح بعينك برقا لاح في أضم
وأنس الخمائل والأفنان مائلة ***** وخيمة وشويهات بذي سلم
هنا ضياء هنا ري هنا أمل ***** هنا رواء هنا الرضوان فاستلم
لو زينت لامرء القيس انزوى خجلا ***** ولو رآها لبيد الشعر لم يقم
ميمية لو فتى بوصير أبصرها ***** لعوذوه برب الحل والحرم
سل شعر شوقي أيروي مثل قافيتي *** أو أحمد بن حسين في بني حكم
ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها***** هامت قلوب بها من روعة النغم
أثني على من ؟ أتدري من أبجله ؟ ***** أما علمت بمن أهديته كلمي
في أشجع الناس قلبا غير منتقم ***** وأصدق الخلق طرّا غير متهم
أبهى من البدر في ليل التمام وقل * أسخى من البحر بل أرسى من العلم
أصفى من الشمس في نطق وموعظة ** *أمضى من السيف في حكم وفي حكم
أغر تشرق من عينيه ملحمة ***** من الضياء لتجلو الظلم والظلم
في همة عصفت كالدهر واتقدت *** كم مزقت من أبي جهل ومن صنم
أتى اليتيم أبو الأيتام في قدر ***** أنهى لأمته ما كان من يتم
محرر العقل باني المجد باعثنا ***** من رقدة في دثار الشرك واللمم
بنور هديك كحلنا محاجرنا ***** لما كتبنا حروفا صغتها بدم
من نحن قبلك إلا نقطة غرقت **** في اليم بل دمعة خرساء في القدم
أكاد أقتلع الآهات من حُرَقي ***** إذا ذكرتُك أو أرتاعُ من ندمي
لما مدحتك خلت النجم يحملني ***** وخاطري بالسنا كالجيش محتدم
أقسمتُ بالله أن يشدو بقافية ***** من القريض كوجه الصبح مبتسم
صه شكسبير من التهريج أسعدنا **** عن كل إلياذة ما جاء في الحكم
الفرس والروم واليونان إن ذكروا ***** فعند ذكراه أسمال على قزم
هم نمقوا لوحة للرق هائمة ***** وأنت لوحك محفوظ من التهم
أهديتنا منبر الدنيا وغار حرا ***** وليلة القدر والإسراء للقمم
والحوض والكوثر الرقراق جئت به*** أنت المزمل في ثوب الهدى فقم
الكون يسأل والأفلاك ذاهلة ***** والجن والإنس بين اللاء والنعم
والدهر محتفلٌ والجو مبتهج ***** والبدر ينشق والأيام في حلم
سرب الشياطين لما جئتنا احترقت **** ونار فارس تخبو منك في ندم
وصُفّدَ الظلم والأوثان قد سقطت ***** وماء ساوة لما جئت كالحمم
قحطان عدنان حازوا منك عزتهم ***** بك التشرف للتأريخ لا بهم
عقود نصرك في بدر وفي أحد ***** وعدلا فيك لا في هيئة الأمم
شادوا بعلمك حمراء وقرطبة ***** لنهرك العذب هب الجيل وهو ظمي
ومن عمامتك البيضاء قد لبست ***** دمشق تاج سناها غير منثلم
رداء بغداد من برديك تنسجه ***** أيدي رشيد ومأمون ومعتصم
وسدرة المنتهى أولتك بهجتها ***** على بساط من التبجيل محترم
دارست جبريل آيات الكتاب فلم***** ينس المعلم أو يسهو ولم يهم
اقرأ ودفترك الأيام خُط به ***** وثيقة العهد يا من بر في القسم
قربت للعالم العلوي أنفسنا ***** مسكتنا متن حبل غير منصرم
نصرت بالرعب شهرا قبل موقعة *** كأن خصمك قبل الحرب في صمم
إذا رأوا طفلا في الجو أذهلهم ***** ظنوك بين بنود الجيش والحشم
بك استفقنا على صبح يؤرقه ***** بلال بالنغمة الحرّى على الأطم
إن كان أحببت بعد الله مثلك في **** بدو وحضر ومن عرب ومن عجم
فلا اشتفى ناظري من منظر حسن *****ولا تفوه بالقول السديد فمي
* * *
بعد ، فهذه كلمات يسيرة كتبتها على عجل ، أثارها في صدري ما قرأته عن مقارنه الأديان [1] وتخبطاتها حاشا الإسلام .
أسأل الله أن يجعلنا من المهتدين المقتدين بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ويرزقنا أتباع سنته وشفاعته يوم القيامة .
القاهرة
في 12/5/1425هـ
---------------------------------------
[1] انظر كتاب أستاذنا الفاضل أ د / مصطفى حلمي ( الإسلام ومقارنة الأديان ) ..
==========================
الكمالات و الخصائص التي انفرد بها رسول الله
أولا : الكمالات
ذكر الماوردي –رحمه الله- في ذكر خصائص الرسول صلى الله عليه و سلم وفضائله وشرف أخلاقه وشمائله المؤيدة لنبوته والمبرهنة علي عموم رسالته: فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربع أوجه : كمال الخلق وكمال الخلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال
الوجه الأول : كمال الخلق
كمال خلقه صلى الله عليه و سلم بعد اعتدال صورته يكون بأربع أوصاف
الوصف الأول
السكينة الباعثة علي الهيبة والتعظيم الداعية إلى التقديم والتسليم(10/194)
وكان أعظم مهيب في النفوس حتى ارتاعت رسل كسري من هيبته حين أتوه مع اعتيادهم لصولة الأكاسرة ومكاثرة الملوك الجبابرة فكان صلى الله عليه و سلم في نفوسهم أهيب وفي أعينهم أعظم , وإن لم يتعاظم بأبهة ولم يتطاول بسطوة , بل كان بالتواضع موصوفا وبالوطأة-أي السهولة – معروفاً
الوصف الثاني
في الطلاقة الموجبة للإخلاص والمحبة الباعثة علي المصافاة والمودة
وقد كان صلوات الله عليه محبوباً استحكمت محبة طلاقته في النفوس حتى لم يقله (أي لم يبغضه أو يجافه) مصاحب ولم يتباعد منه مقارب وكان أحب إلي أصحابه من الآباء والأبناء وشرب الماء البارد علي الظمأ
الوصف الثالث
حسن القبول الجالب لممايلة القلوب حتى تسرع إلي طاعته وتذعن بموافقته , وقد كان قبول منظره صلى الله عليه و سلم مستوليا على القلوب ولذلك استحكمت مصاحبته في النفوس حتى لم ينفر منه معاند ولا استوحش منه مباعد , إلا من ساقه الحسد إلي شقوته وقاده الحرمان إلي مخالفته
الوصف الرابع
ميل النفوس إلي متابعته وانقيادها لوافقته وثباته علي شدائده ومصابرته , فما شذ عنه معها من أخلص ولا ند عنها فيها إلا من حرم الخير كله
وهذه الأربعة من دواعي السعادة وقوانين الرسالة قد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحق ما يقتضيها
الوجه الثاني : كمال الخلق
أما كمال أخلاقه صلى الله عليه و سلم فيكون بست خصال
الخصلة الأولي
رجاحة عقله وصدق فراسته , وقد دل علي وفور ذلك فيه صحة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألفه علي الناس وأنه ما استغفل في مكيدة ولا استعجز في شديدة بل كان يلحظ الإعجاز في المبادئ فيكشف عيوبها ويحل خطوبها وهذا لا ينتظم إلا بأصدق حدس وأوضح رؤية
الخصلة الثانية
ثباته في الشدائد وهو مطلوب , وصبره علي البأساء و الضراء , وهو مكروب ومحروب (المحروب من فقد ماله ) ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي ويهد الصياصي وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي أي الممسك بمقاليد الأمور المسيطر عليها
الخصلة الثالثة
زهده في الدنيا وإعراضه عنها وقناعته منها فلم يمل إلي غضارتها ولم يله لحلاوتها وقد ملك من أقصي الحجاز إلي عذار العراق ومن أقصي اليمن إلي شحر عمان
وهو أزهد الناس فيها يقتني ويدخر وأعرضهم عما يستفاد ويحتكر , لم يخلف عينا ولا دينا ولا حفر نهرا ولا شيد قصرا ولم يورث ولده وأهله متاعا ولا مالا ليصرفهم عن الرغبة في الدنيا كما صرف نفسه عنها فيكونوا علي مثل حاله في الزهد فيها
وحقيق بمن كان في الدنيا بهذه الزهادة أن لا يتهم بطلبها أو يكذب علي الله تعالي في ادعاء الآخرة ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النزر ويرضي بالعيش الكدر
الخصلة الرابعة
تواضعه للناس وهم اتباع , وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس علي التراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلا بإطراقه وحيائه , فصار بالتواضع متميزا , وبالتذلل متعززاً
ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فقال خفض عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تندر فتعد , ولم تحصر فتحد
الخصلة الخامسة
حلمه ووقاره عن طيش يهزه أو خرق يستفزه فقد كان أحلم في النفار من كل حليم وأسلم في الخصام من كل سليم وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفط عليه بادرة , ولا حليم غيره إلا ذو عثرة ولا وقور سواه إلا ذو هفوة , فإن الله تعالي عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة (النفار أو المنافرة ) ليكون بأمته رؤوفا وعلي الخلق عطوفا لقد تناولته قريش بكل كبيرة وقصدته بكل جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم
وما تفرد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم , بل تمالأ عليه الجلة و الدون , فكلما كانوا عليه ألح , كان عنهم أعرض و أصفح , حتى قدر فعفا , وأمكنه الله منهم فغفر
وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه : ما ظنكم بي قالوا ابن عم كريم , فإن تعف فذلك الظن بك وإن تنتقم فقد أسأنا فقال : بل أقول كما قال يوسف
لأخوته قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ - سورة يوسف آية 92
وقال : اللهم قد أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا وأتته هند بنت عتبة , وقد بقرت بكن عمه حمزة , ولاكت كبده فصفح عنها وأعطاها يده , لبيعتها
فإن قيل : فقد ضرب رقاب بني قريظة صبرا في يوم واحد وهم نمو سبعمائة , فأين موضع العفو والصفح قيل : إنما فعل ذلك في حقوق الله تعالى(10/195)
وقد كانت بني قريظة رضوا بتحكيم سعد بن معاذ عليهم فحكم أن من جرت عليه الموسي أي بلغ مبلغ الرجال فحلق ذقنه -قتل ومن لم تجر عليه استرق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة (يعني من فوق سبع سنوات) فلم يجز أن يعفو عن حق وجب لله تعالي عليهم وإنما يختص عفوه بحق نفسه
الخصلة السادسة
حفظه للعهد ووفاؤه بالوعد فإنه ما نقض لمحافظ عهدا , ولا اخلف لمراقب وعدا , يري الغدر من كبائر الذنوب , والأخلاق من مساوئ الشيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظا لعهده ووفاء بوعده حتى يبتدئ معاهدوه بنقضه فيجعل الله تعالي له مخرجا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النضير وكفعل قريش بصلح الحديبية إذ جعل الله تعالي له في نكثهم الخيرة
فهذه ست خصال تكاملت في خلقه , فضله الله تعالي علي جميع خلقه
الوجه الثالث : فضائل الأقوال في فضائل أقواله صلى الله عليه و سلم خصال عديدة , منها
الخصلة الأولي
ما أوتي من الحكمة البالغة , وأعطي من العلوم من الجمة الباهرة , وهو أمي من أمة أمية لم يقرأ كتابا ولا درس علما ولا صحب عالماً ولا معلماً فأتي بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر ولم يتعثر فيه بزلل في قول أو عمل
وقد شرع من تقدم من علماء الفلاسفة سننا حملوا الناس على التدين بها حين علموا انه لا صلاح للعالم إلا بدين ينقادون له ويعملون به فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر
الخصلة الثانية
حفظه لما أطلعه الله تعالي عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتى لم يعرب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذ عنه منها قليل ولا كثير
وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه , وما ذاك إلا من ذهن صحيح وصدر فسيح و قلب شريح , وهذه الثلاثة آله ما استودع من الرسالة وحمل من أعباء النبوة فجدير أن يكون بها مبعوثا وعلي القيام بها محثوثاً
الخصلة الثالثة
إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتى لم يخرج منه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول
ولذلك قال صلى الله عليه و سلم : أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا , لأنه نبه بالقليل على الكثير فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسر ذلك إلا وهو عليه معان وإليه مقاد
الخصلة الرابعة
ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحث عليه من صله الأرحام وندب إليه من التعاطف على الفقراء و الأيتام ثم ما نهي عنه من التباغض و التحاسد وكف عنه من التقاطع والتباعد لتكون الفضائل فيهم اكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر , ومستحسن الآداب عليهم اظهر وتكون إلي الخير أسرع ومن الشر امنع فيتحقق فيه قول الله تعالي : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ فلزموا أمره واتقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتى عز بهم الإسلام بعد ضعفه وذل بهم الشرك بعد عزه فصاروا أئمة أبرارا وقادة أخيارا
الخصلة الخامسة
وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجاجه إذا جادل لا يحصره عي و ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح
الخصلة السادسة
انه محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلي الكذب منسوبا وللصدق مجانبا , فأنه لم يزل مشهورا بالصدق في خبره كان فاشيا وكثيرا حتى صار بالصدق مرقوما , وبالأمانة موسوماً
وكانت قريش بأسرها تتيقن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعاءهم إليه فمنهم من كذبه حسدا ومنهم من كذبه عنادا من كذبه استبعادا أن يكون نبيا أو رسولاً
ولو حفظوا عليه كذبه نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرسالة , ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر الزم ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله تعالي أعصم وحسبك بهذا دفعا لجاحد وردا لمعاند
الخصلة السابعة
تحرير كلامه في التوخي به إبان حاجته و الاقتصار منه على قدر كفايته فلا يسترسل فيه هذرا ولا يحجم عنه حصرا وهو فيما عدا حالتي الحاجة و الكفاية اجمل الناس صمتا وأحسنهم سمتا
ولذلك حفظ كلامه حتى لم يختل و ظهر رونقه حتى لم يعتل واستعذبته الأفواه حتى بقي محفوظا في القلوب مدونا في الكتاب فلن يسلم الإكثار من الزلل ولا الهذر من الملل
الخصلة الثامنة
أنه أفصح الناس لسانا وأوضحهم بيانا وأوجزهم كلاما وأجزلهم ألفاظا وأصحهم معاني لا يظهر فيه هجنة التكلف ولا يتخلله فيهقة التعسف وقد دون كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء
ولو مزج كلامه بغيره لتميز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التنافر فلم يلتبس حقه من باطله ولبان صدقه من كذبه هذا ولم يكن متعاطياً للبلاغة ولا مخالطا لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء وإنما هو من غرائز طبعه وبداية جبلته وما ذاك إلا لغاية تراد وحادثة تشاد(10/196)
الوجه الرابع : فضائل الأعمال في فضائل أفعاله صلى الله عليه و سلم فمختبر بثماني خصال
الخصلة الأولي
حسن سيرته , وصحة سياسته في دين نقل به مألوف , وصرفهم به عن معروف إلي غير معروف فأذعنت به النفوس طوعا , وانقادت خوفا وطمعاً
الخصلة الثانية
أن جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتى اجتمع الفريقان علي نصرته وقاموا بحقوق دعوته رغبا في عاجل وآجل , ورهبا من زائل ونازل , لاختلاف الشيم والطباع في الانقياد الذي لا ينتظم بأحدهما , ولا يستديم إلا بهما , فلذلك صار الدين بهما مستقراً , والصلاح بهما مستمراً
الخصلة الثالثة
أنه عدل فيما شرعه من الدين عن اللغو و التقصير إلي التوسط , وخير الأمور أوسطها , وليس لما جاوز العدل حظ من رشد , ولا نصيب من سداد
الخصلة الرابعة
أنه لم يمل بأصحابه إلي الدنيا ولا إلي رفضها , وأمدهم فيها بالاعتدال , وقال : (خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه , ولكن خيركم من أخذ من هذه و هذه) وهذا صحيح , لأن الانقطاع إلي أحدهما اختلال , والجمع بينهما اعتدال
وقال صلى الله عليه و سلم : (نعم المطية الدنيا فارتحلوها تبلغكم الآخرة) , وإنما كان كذلك لآن من يتزود لآخرته , ويستكثر فيها من طاعته وأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محروما مضاعا أو مرحوما مراعي وهو في الأول كل وفي الثاني مستذل
الخصلة الخامسة
تصديه لمعالم الدين ونوازل الأحكام حتى أوضح للأمة ما كلفوه من العبادات , وبين لهم ما يحل وما يحرم من مباحات و محظورات , وفصل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات
حتى احتاج أهل الكتاب في كثي من معاملتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلي شرع غيره ثم مهد لشرعه أصولا تدل على الحوادث المغفلة ويستنبط لها الأحكام المعللة فأغنى عن نص بعد ارتفاعه وعن التباس بعد إغفاله ثم أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتج بإظهاره فقال صلى الله عليه و سلم : بلغوا عني ولا تكذبوا علي فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ألي من هو أفقه منه
الخصلة السادسة
انتصابه لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته وهو في قطب مهجور , وعدد محقور فزاد به من قل وعز به من ذل وصار بإثخانه في الأعداء محذورا وبالرعب منه منصورا فجمع بين التصدي لشرع الدين حتى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدو حتى قهر وانتصر
الخصلة السابعة
ما خص به من الشجاعة في حروبه والنجدة في مثابرة عدوه فإنه لم يشهد حرباً في فزاع إلا صابر حتى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هرباً ولا حاز فيه رغباً
بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولى عنه أصحابه يوم حنين حتى بقى بإزاء جمع كثير وجم غفير في تسعة من أهل بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إلي عباد الله (أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب) فعادوا أشذاذاً وأرسالاً وهو ازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثره ولا انكفأ عن مصاولة من صابره
الخصلة الثامنة
ما منح من السخاء والجود حتى جاد بكل موجود وآثر بكل مطلوب ومحبوب ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير لطعام أهله
وقد ملك جزيرة العرب وكان فيها ملوك وأقيال لهم خزائن وأموال يقتنوها ذخراً ويتباهون بها فخراً ويستمتعون بها أشراً وبطراً وقد حاز ملك جميعهم فما اقتنى دينارا ولا درهماً , لا يأكل إلا الخشن ولا يلبس إلا الخشن , وكان يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك ديناً أو ضياعا فعلي ومن ترك مالاً فلورثته فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود ؟ أم هل لمثل هذا الأعراض والزهادة إعراض وزهد ؟ هيهات
أنا لم نرى ولم نسمع لأحد قط كصبره ولا كحلمه ولا كوفائه ولا كزهده ولا كجوده ولا كنجدته ولا كصدق لهجته ولا ككرم عشرته ولا كتواضعه ولا كحفظه ولا كصمته إذا صمت ولا كقوله إذا قال ولا كعجيب منشئه ولا كعفوه ولا كدوام طريقته وقله امتنانه
ثانيا : الخصائص
القسم الأول : خصائص اختص بها رسول الله صلى الله عليه و سلم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام
القسم الثاني : ما اختص به صلى الله عليه و سلم من الخصائص والأحكام دون أمته وقد يشاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
القسم الأول : وقد قسم العلماء رحمهم الله الخصائص التي انفرد بها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بقية الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام إلى عدة أنواع
النوع الأول : ما اختص به في ذاته في الدنيا
النوع الثاني : ما اختص به في ذاته في الآخرة
النوع الثالث : ما اختص به في أمته في الدنيا
النوع الرابع : ما اختص به في أمته في الآخرة
النوع الأول : ما اختص به في ذاته في الدنيا
اختص الله تبارك وتعالي نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام بخصائص في الدنيا لذاته منها ما يلي
أولاً : عهد وميثاق(10/197)
أخذ الله عز وجل العهد والميثاق علي جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلي عيسى عليهما السلام لما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمه وبلغ أي مبلغ ثم بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ليؤمن به ولينصرنه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباعه ونصرته , كما أمرهم أن يأخذوا هذا الميثاق على أممهم لئن بعث محمد صلى الله عليه و سلم وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرونه
قال الله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ -سورة آل عمران إية 81
قال على بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم : ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاق لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه , وأمره أن يأخذ الميثاق علي أمته لئن بعث الله محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه
ثانياً : رسالة عامة
كان الأنبياء والرسل السابقين عليهم الصلاة والسلام يرسلون إلي أقوامهم خاصة كما قال الله تعالى : إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ - سورة نوح آية 1
و قال الله تعالى : وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً - سورة الأعراف آية 65
و قال الله تعالى : وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً - سورة الأعراف آية 73
وأما نبينا صلى الله عليه و سلم , فرسالته عامة لجميع الناس عربهم وعجمهم وإنسهم وجنهم , وهذا من خصائصه صلى الله عليه و سلم
قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ومن خصائصه : أن الله تعالى أرسل كل نبي إلي قومه خاصة , وأرسل نبينا محمداً صلى الله عليه و سلم إلي الجن والأنس , ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلي أمته
ولنبينا صلى الله عليه و سلم ثواب التبليغ إلي كل من أرسل إليه تارة لمباشرة البلاغ وتارة بالنسبة إليه ولذلك تمنن عليه بقوله تعالى وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً سورة الفرقان آية 51
ووجه التمنن : انه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أجر إنذاره لأهل قريته وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تشير إلي هذه الخصوصية قال الله تعالي : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ -سورة سبأ إية 28
قال الله تعالي : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ - سورة الأنبياء إية 106
ثالثاً : نبوة خاتمة
من رحمه الله تعالى بعباده إرسال محمد صلى الله عليه و سلم إليهم , ومن تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه و سلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلم العباد أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال قال الله تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً - سورة الأحزاب آية 40
ومما يدل على هذه الخصوصية من السنة ما يأتي
عن أبي هريرة رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا ً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين
... -
عن أبي هريرة رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وأحلت لي الغنائم , وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً , وأرسلت إلي الخلف كافة , وختم بي النبيون
... -
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن لي أسماء : أنا محمد , وأنا أحمد , وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر , وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي , وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد ... -
رابعاً : رحمة مهداه
أرسل الله تبارك وتعالي رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم رحمة للخلاءئق عامة مؤمنهم وكافرهم وإنسهم وجنهم , وجعله رؤوفا رحيماً بالمؤمنين خاصة فمن قبل الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة
ويؤيد هذه الخصوصية
عن أبي هريرة رضى الله عنه : قيل : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ادع الله علي المشركين قال : إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة
... -
وعنه رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداه
... -(10/198)
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ....أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثتي رحمة للعالمين فأجعلها عليهم صلاةً يوم القيامة
... -
خامساً : أمنة لأصحابه
أكرم الله تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم فجعل وجوده بين أصحابه أمنة لهم من العذاب , بخلاف ما حصل لبعض الأمم السابقة حيث عذبوا في حياة أنبيائهم , وكان صلى الله عليه و سلم أمنة لأصحابه كذلك من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً ووقع بعد وفاته
قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ومن خصائصه صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى أرسله (رحمة للعالمين) فأمهل عصاه أمته ولم يعالجهم إبقاء عليهم بخلاف من تقدمه من الأنبياء فإنهم لما كذبوا عوجل مكذبهم
وقد جاء النص على هذه الخصوصية من القرآن الكريم والسنة المطهرة وآثار السلف الصالح , فمن ذلك ما روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال أبو جهل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {33} وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَام - سورة الأنفال إيات 33 و 34
وعن أبي موسى رضى الله عنه : قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قلنا , لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء
قال : فجلسنا فخرج علينا فقال : ما زلتم هاهنا ؟
قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب , ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء
قال : أحسنتهم أو أصبتم
قال فرفع رأسه إلي السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلي السماء فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون , وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون
سادساً : القسم بحياته
أقسم الله تبارك وتعالي بأشياء كثيرة من مخلوقاته الدالة على كماله وعظمته ليؤكد المعنى في نفوس المخاطبين , فأقسم تعالي بالشمس والقمر والسماء وغير ذلك .بينما نجده سبحانه وتعالى لم يقسم بأحد من البشر إلا بالرسول الكريم صلى الله عليه و سلم حيث يقول جل شأنه لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ والأقسام بحياة المقسم يدل على شرف حياته وعزتها عند المقسم بها , وان حياته صلى الله عليه و سلم لجديرة أن يقسم بها لما فيها من البركة العامة والخاصة , ولم يثبت هذا لغيره صلى الله عليه و سلم
سابعاً : نداؤه بوصف النبوة والرسالة
خاطب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه و سلم في القرآن الكريم بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه زيادة في التكريم والتشريف أما سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فخوطبوا بأسمائهم قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ 0 سورة المائدة آية 41 قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ سورة المائدة آية 67 قال الله تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سورة الأنفال آية 64 بينما قال تعالى لأنبيائه
قال الله تعالى وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ سورة البقرة آية 35 قال الله تعالى قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ سورة هود آية 48
قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ولا يخفي علي أحد أن السيد إذا دعي أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العلية والأخلاق السنية , ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق , أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم .وهذا معلوم بالعرف أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه
ثامناً : نهي المؤمنين عن مناداته باسمه(10/199)
أدب الله عز وجل عباده المؤمنين في مخاطبة نبيه صلى الله عليه و سلم والكلام معه تشريفا وتعظيما وتقديرا له , فأمرهم أن لا يخاطبونه باسمه بل يخاطبوه : يا رسول الله , يا نبي الله وإذا كان الله تبارك وتعالى خاطبه في كتابه العزيز بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه زيادة في التكريم والتشريف كما مر ذكره .فمن باب أولى وأحرى أهل الإيمان .واختص رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك بخلاف سائر الأنبياء والمرسلين فإن أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم قال الله جل ذكره لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ سورة النور آية 63
بخلاف ما خاطبت به الأمم السابق أنبياءها فقال تعالى حكاية عنهم: قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ سورة الأعراف آية 134 قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ سورة الأعراف آية 138
تاسعاً : كلم جامع
فضل الله عز وجل نبيه صلى الله عليه و سلم على غيره من الأنبياء عليهم السلام بأن أعطاه جوامع الكلم , فكان صلى الله عليه و سلم يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني أعطاه مفاتيح الكلام وهو ما يسره له من البلاغة و الفصاحة , والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات و الألفاظ التي أغلقت على غيره وتعذرت عليه قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ومن خصائصه أنه بعث بجوامع الكلم , واختصر له الحديث اختصارا , وفاق العرب في فصاحته
عاشراً : نصر بالرعب
اختص نبينا صلى الله عليه و سلم , بأن الله عز وجل نصره بالرعب , وهو الفزع والخوف , فكان سبحانه يلقيه في قلوب أعداء رسوله صلى الله عليه و سلم , فإذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر أو شهرين هابوا وفزعوا منه , فلا يقدمون علي لقائه
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : فضلت على الأنبياء بخمس : بعثت إلي الناس كافة , وادخرت شفاعتي لأمتي , ونصرت بالرعب شهراً أمامي , وشهراً خلفي , وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً , وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي
حادي عشر : مفاتيح خزائن الأرض بيده
أكرم الله عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه و سلم واختصه على غيره من الأنبياء بأن أعطاه مفاتيح خزائن الأرض وهي ما سهل الله تعالي له ولأمته من بعده من افتتاح البلاد المتعذرات والحصول على كنوزها وذخائرها ومغانمها واستخراج الممتنعات من الأرض كمعادن الذهب والفضة وغيرها
عن عقبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت , ثم انصرف على المنبر فقال :إني فرط لكم , وأنا شهيد عليكم , وإني والله لأنظر إلي حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي , ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها
ثاني عشر : ذنوب مغفورة
اختص الله تعالى عبده ورسوله محمداً r تشريفاً له وتكريماً بأن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأخبره بهذه المغفرة وهو حي صحيح يمشي على الأرض
قال العز بن عبد السلام : من خصائصه أنه أخبره الله بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبر أحداً من الأنبياء بذلك وقال تعالى : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ {1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ {2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ {3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ - سورة الشرح آيات من 1 الى 4
وفي حديث أنس رضي الله عنه في الشفاعة وفيه : (......فيأتون عيسى فيقول ...... اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه و سلم , فيقولون : يا محمد , أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه
فقالت عائشة : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
قال : أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً فلما كثر لحمه صلى جالساً , فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع
ثالث عشر : كتاب خالد محفوظ
أعطى الله تبارك وتعالى كل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الآيات والمعجزات الدالة على صدقه وصحة ما جاء به عن ربه فيه كفاية وحجة لقومه الذين بعث إليهم , وهذه المعجزات كانت وقتية انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها
وأما نبينا صلى الله عليه و سلم فكانت معجزته العظمى التي أختص بها دون غيره هي القرآن العظيم الحجة المستمرة الدائمة القائمة في زمانه وبعده إلى يوم القيامة .كتاب خالد لا ينضب معينه ولا تنقضي عجائبه ولا تنتهي فوائده محفوظ بحفظ الله من التغيير والتبديل والتحريف(10/200)
قال العز بن عبد السلام : من خصائصه أن معجزة كل نبي تصرمت وانقرضت ومعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم باقية إلي يوم الدين وقال : ....ومنها حفظ كتابه , فلو اجتمع الأولون والآخرون على أن يزيدوا فيه كلمة أو ينقصوا منه لعجزوا عن ذلك , ولا يخفى ما وقع من التبديل في التوراة والإنجيل
قال الله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ - سورة الحجر آية 9 وقوله تعالى : وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ {41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ - سورة فصلت آيات 41 و 42
وعن يحيى بن أكثم قال : دخل يهودي على المأمون فتكلم فأحسن الكلام , فدعاه المأمون إلى الإسلام , فأبي فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً , فتكلم عن الفقه فأحسن الكلام , فقال له المأمون : ما كان سبب إسلامك ؟ قال : انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان فعمدت إلي التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة , فاشتريت مني , وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها البيعة , فاشتريت مني , وعمدت إلى القرآن فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوارقين فتصفحوها , فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها , فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ , فكان هذا سبب إسلامي
رابع عشر : إسراء ومعراج
ومما اختص به رسول الله صلى الله عليه و سلم عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معجزة الإسراء والمعراج فقد أسري به ببدنه وروحه يقظة من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس بإيلياء في جنح الليل , ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ثم إلى حيث شاء الله عز وجل ورجع مكة من ليلته
وأكرم صلى الله عليه و سلم في هذه الآية العظيمة بكرمات كثيرة , منها : تكليمه ربه عز وجل , وفرض الصلوات عليه , وما رأى من آيات ربه , وإمامته للأنبياء في بيت المقدس .فدل ذلك على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين
وفد ثبت الإسراء بالقرآن , كما ثبت المعراج بالمتواتر من الحديث , وإليه أشار القرآن قال الله تعالى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وقال تعالى : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى {6} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى {9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى {10} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى {11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12} وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى - سورة النجم الآيات من 3 الى 18
النوع الثاني : ما اختص به صلى الله عليه و سلم لذاته في الآخرة
ما اختص به صلى الله عليه و سلم من الخصائص والأحكام دون أمته وقد يشاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
أولاً : وسيلة وفضيلة
الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد من عباد الله وهو رسولنا صلى الله عليه و سلم قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : (الوسيلة) علم على أعلي منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه و سلم وداره في الجنة , وهي أقرب أمكنة الجنة إلي العرش
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضى الله عنهما – أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي , فإنه من صلى علي صلى الله عليه به عشراً , ثم سلوا الله لي الوسيلة , فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله , وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة
ثانياً : مقام محمود
لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة , تشريفات وتكريمات لا يشركه ولا يساويه فيها أحد الأنبياء فمن دونهم ومن ذلك المقام المحمود , الذي يقومه صلى الله عليه و سلم فيحمده الخالق عز وجل والخلائق من بعد قال تعالي وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً - سورة الإسراء آية 79 قال ابن جرير الطبري رحمه الله : قال أكثر أهل العلم ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه و سلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: المقام المحمود : مقام الشفاعة
ثالثاً : شفاعة عظمى وشفاعات(10/201)
يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد , وتدنو منهم الشمس وقد تضاعف حرها وتبدلت عما كانت عليه من خفة أمرها ويعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعاً ويلجمهم ويبلغ آذانهم في يوم مقداره خمسين ألف سنة , قياماً على أقدامهم شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلمون ولا ينظر في أمورهم .فإذا بلغ الكرب والجهد منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم , فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم , قال : نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري حتى ينتهوا إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فينطلق فيشفع حتى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق وبعد هذه الشفاعة يكون له ولغيره شفاعات أخرى .فهذه هي الشفاعة العظمى
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال : أنا سيد الناس يوم القيامة , وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي , وينفذهم البصر , وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون
فيقول الناس : ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟
فيقول بعض الناس لبعض : عليكم بآدم
فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت ابو البشر , خلقك الله بيده , ونفخ فيك من روحه , وأمر الملائكة فسجدوا لك ,اشفع لنا إلى
ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول أدم : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , إنه نهاني عن الشجرة فعصيته , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى نوح
فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح أنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض , وقد سماك الله عبداً شكوراً , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , إنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى إبراهيم
فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم أنك نبي الله وخليله من أهل الأرض , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , وأني قد كنت كذبت ثلاث كذبات , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى موسى
فيأتون موسى فيقولون : يا موسى , أنت رسول الله , فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى عيسى
فيأتون عيسى فبقولون : يا عيسى أنت رسول الله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه , وكلمت الناس في النهد صبياً , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , ولم يذكر ذنباً , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى محمد
فيأتون محمد صلى الله عليه و سلم فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء , وقد غفر اله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فأنطلق , فآتى تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل , ثم يفتح الله على من محامده ومحاسنه وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال : يا محمد , أرفع رأسك سل تعطه , واشفع تشفع
فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب , أمتي يا رب , فيقال : يا محمد , أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة , وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب .ثم قال : والذي نفسي بيدي إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير , أو كما بين مكة وبصرى
هذا , ولرسول الله صلى الله عليه و سلم شفاعات أخرى غير الشفاعة العظمى , منها ما اختص بها وحده , ومنها ما شاركه فيها غيره ممن أذن الله تعالى له من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وغيرهم
فنسرد شفاعته صلى الله عليه و سلم ثم نقتصر في ذكر الأدلة على ما اختص به منها دون غيره
الشفاعة في استفتاح باب الجنة ... -
الشفاعة في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنة ... -
الشفاعة فيمن استحق النار من الموحدين أن لا يدخلها ... -
الشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار ... -
الشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة ... -
الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب ... -
أولاً : الشفاعة في استفتاح باب الجنة(10/202)
ينتقل الناس في عرصات القيامة من كرب إلى كرب فأهوال قبل فصل القضاء فشفاعة عظمى ثم يحاسب الناس , وعند ذلك ينصب الميزان , وتطاير الصحف ويكون التميز بين المؤمنين والمنافقين ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم , فإذا انتهى ذلك كله يقوم المؤمنون وتقرب لهم الجنة فيطلبون من يكرم على مولاه ليشفع لهم في استفتاح باب الجنة , فيأتون آدم فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم السلام وكل منهم يعتذر عن ذلك المقام العظيم , فيأتون رسول الله صلى الله عليه و سلم فيشفع لهم الله تعالى
فعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف(تقرب) لهم الجنة , فيأتون آدم , فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة
فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله
قال : فيقول إبراهيم : لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلاً من وراء وراء , اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليماً
فيأتون موسى فيقول : لست بصاحب ذلك , اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه
فيقول عيسى : لست بصاحب ذلك , فيأتون محمداً صلى الله عليه و سلم , فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً فيمر أولكم كالبرق ؟
قال قلت بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق ؟
قال : (ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح , ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول : رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً قال وفى حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به , فمخدوش ناج ومكدوس في النار) والذى نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : آتي باب الجنة يوم القيامة , فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟
فأقول : محمد
فيقول : بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك
ثانياً : شفاعته في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنة
ومما اختص به رسولنا صلى الله عليه و سلم من الشفاعات أنه يشفع في تعجيل دخول الجنة لمن لا حساب عليهم من أمته وهذا من عظيم قدره صلى الله عليه و سلم ورفعة منزلته عند ربه تبارك وتعالى
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل في الشفاعة (......يا محمد أرفع رأسك سل تعطه , واشفع تشفع , فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب , أمتي يا رب , فيقول : يا محمد , أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة , وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : سألت ربي عز وجل فوعدني أن يدخل أمتي سبعين ألفاً على صورة القمر ليلة البدر , فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا, فقلت أي رب , إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي قال : إذن أكملهم لك من الأعراب
ثالثاً : شفاعته في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب
كان أبو طالب يحوط ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه و سلم , وينصره ويقوم في صفه ويبالغ في إكرامه والذب عنه , ويحبه حباً شديداً طبعياً لا شرعياً , فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله r إلى الأيمان والدخول في الإسلام , فسبق القدر فيه فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة البالغة .ونظراً لما قام به أعمال جليلة مع رسول الله r جوزي على ذلك بتخفيف العذاب خصوصية له من عموم الكفار الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين .وذلك إكراماً وتطيباً لقلب رسول الله صلى الله عليه و سلم
فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله , هل نفعت أبا طالب بشيء , فأنه كان يحوطك ويغضب لك ؟
قال : نعم , هو في ضحضاح من نار , ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار
ضحضاح بمعنى : ما رق من الماء على وجه الأرض
==========================
الليبرالية وراء سبّ سيد البشرية
د.سعد بن علي الشهراني*
ذهل المسلمون في شتى أنحاء المعمورة من هذه الوقاحة والجرأة في التعدّي على جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومما زاد في حنقهم تلك التبريرات السمجة التي قدمتها الحكومة الدنمركية لهذه الأفعال الشنيعة، باسم الحرية، وما أدراك ما الحرية؟ إنها قطب رحى الليبرالية وشعارها الأول.
والليبرالية على اختلاف تعريفاتها لكل أصنافها ترتكز على جوهر واحد يتفق عليه جميع الليبراليين وهو أنها: تعتبر الحرية هي المبدأ والمنتهى في حياة الإنسان، وهي وراء بواعثه، وأهدافه، وهي المقدمة والنتيجة لأفعاله، فالحرية هي سيدة القيم عندهم دون أدنى حدود أو قيود، سواء كانت هذه الحدود هي (حدود الله) أو كانت قيودًا سياسية أو ثقافية أو اجتماعية...
أما مبدأ عبودية الله تعالى أو تعظيم رسالات الأنبياء فهي عند الليبراليين لون من تراث الماضي المتخلف!(10/203)
وتعريفات الليبراليين لها تؤكد ذلك، فهذا المفكر اليهودي (هاليفي) يعرفها بأنها: (الاستقلال عن العلل الخارجية، فتكون أجناسها: الحرية المادية والحرية المدنية أو السياسية والحرية النفسية والحرية الميتافيزيقية ''الدينية'').
ويعرفها الفيلسوف (روسو) بأنها: (الحرية الحقة في أن نطبق القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا)، وهناك تعريفات عديدة ومتباينة، وتشير موسوعة لالاند الفلسفية إلى المعنى الذي يتفق عليه جميع الليبراليين فتقول بأنها: (الانفلات المطلق بالترفع فوق كل طبيعة).
والليبرالية الدينية لها النصيب الأوفر في هذا الانفلات من القيم والثوابت والمقدسات، فالليبرالية الدينية تسعى إلى نمط من الفكر الديني لا يتقيد بأية قواعد، ولا يستند إلى أية مرجعية، بل يستند إلى حرية الإنسان في اختيار الإله الذي يهواه، ولو عبد كل يوم إلهاً... ولو لم يعبد إلهاً على الإطلاق إلا هواه.
نعم إن الليبرالية تهدف إلى نزع القداسة عن كل مقدس، أما اليهود والهولوكوست فهو المحرم الذي لا يمس!
لأن البنائين الأحرار يعملون على هدم الثوابت وإلغاء الخصوصية الثقافية، وتدمير مفهوم المقدس واستبداله بمفهوم النسبية في الحقائق والعقائد والقيم لإزالة الثبات عنها، حتى لا يبقى هناك مجال لأصول تبنى عليها الهوية، أو ترتكز إليها القيم.
وقد صرح أحد كبار الكتاب الدانمرك باستنكاره عن عدم قبول المسلمين لهذا النقد لمعتقداتهم بينما تقبل الديانات الأخرى النقد!!
ولا يظنن غمر أني بمقالي هذا أعارض الحرية، فالإسلام هو دين الحرية الحقيقية ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو محرر البشرية منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، حررهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، إنها حرية لم تذق أوروبا طعمها، حين تحررت من طغيان الكنيسة ورجال الإقطاع، فحاربت الدين لأنها لم تعرف دين الله الحق، وإنما عرفت دينًا مبدلا يصادم العلم والفطرة والعقل. فثارت عليه وظنت أنها تحررت، ذلك أن الحرية في الإسلام حرية القلب والعبودية عبودية القلب، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، وعرفها السخاوي بقوله: (الإسلام أعطى الإنسان الحرية وقيدها بالفضيلة حتى لا ينحرف، وبالعدل حتى لا يجور، وبالحق حتى لا ينزلق مع الهوى، وبالخير والإيثار حتى لا تستبد به الأنانية وبالبعد به عن الضرر حتى لا تستشري فيه غرائز الشر).
لقد عاشت الأقليات وأصحاب الحضارات في ظل الإسلام عبر قرون عديدة في حرية وأمان، والكثير من أعلام الفكر الغربي المنصفين يضربون بالإسلام المثل في التسامح والحرية، أما منظرو الحروب وزارعو الكراهية المعاصرون من أمثال برنارد لويس وهنتنجتون وفوكوياما فإنهم يخوفون من الإسلام لاعتقادهم بأنه يملك الأيديولوجية الوحيدة القادرة على تحدي المنظومة الليبرالية، ولذلك يبشرون بصراع الحضارات واستعداء الإسلام.
ومن باب الإنصاف أقول بأن بعض من ينتمي للفكر الليبرالي من المسلمين وقف معارضًا لهذه الرسومات الشنيعة، ولعل هؤلاء لا يدركون ما هي الليبرالية ببعدها الفلسفي المضاد لحقيقة الإسلام.
أما بعضهم فقد كان موقفهم مخذلاً، فقد سمعت ليبرالياً سعوديًا عبر قناة الحرة الأمريكية يقول: لماذا هذا الغضب لمجرد أفعال بسيطة صدرت من الغرب؟ وهل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة الشنيعة يعد بسيطًا أيها الليبرالي؟!!
أما صحيفة الحرية اليمنية فقد نشرت تلك الصور المشينة فكانت بالفعل ليبرالية!!
إن في هذه الحادثة المؤلمة لكل صاحب قلب سليم فرصة في كشف زيف الحرية الغربية وإظهار مفهوم الحرية الإسلامية، وكيف حرر سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم البشرية، ولو علم شعب الدنمارك وشعوب العالم أجمع حقيقة وسيرة هذا النبي الكريم لدخلوا في دين الله أفواجًا.
وقد أظهرت الاستطلاعات بأن 97% في كندا يرفضون نشر هذه الصور.
وفي الدنمارك نفدت جميع النسخ المترجمة من القرآن الكريم، مما يعني أن هذه الشعوب تطلب الحقيقة، ولكنها محكومة بقوى تحجب عنها هذه الحقيقة وتشوهها، فهل قمنا بمساعدة هذه الشعوب في الوصول إلى الحقيقة؟!
* أستاذ العقيدة والأديان بجامعة أم القرى
========================
المؤتمر الأول للنصرة
الكاتب: د.سلمان بن فهد العودة
1- ما بين 22-23 صفر من هذا العام 1427هـ انعقد بمدينة المنامة بالبحرين المؤتمر العالمي الأول لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي دعت إليه خمس منظمات ومؤسسات إسلامية من المملكة ودولة البحرين.
2- كان التحضير للمؤتمر متأخراً؛ ولذا وجهت الدعوة لنحو ثلاثمائة شخصية إسلامية رجاء أن يحضر منهم الثلث أو نحوه، وكانت المفاجأة أن الحضور زادوا على الثلاثمائة وخمسين.(10/204)
3- الحضور شكلوا تنوعاً جغرافياً وفقهياً وفكرياً واسعاً من أنحاء العالم الإسلامي وأوربا وأمريكا، حيث حضر الكثير من الشخصيات المؤثرة والمعتبرة من العلماء والدعاة ورؤساء المراكز والهيئات الإسلامية، وربما لأول مرة يجتمع هذا الحشد وهذا التنوع تحت سقف واحد ولغاية واحدة.
4- كانت مطارحة الموضوعات راقية تمتاز بالتنوع والاختلاف، مع السكينة في المعالجة، وبدأ المؤتمر وانقضى دون كلمة حادة، أو لفظة خارجة عن نظام الأدب، الانسيابية والتداول الهادئ هي السمة المسيطرة، لقد كان نبل الهدف، وحسن نيات المشاركين - نحسبهم والله حسيبهم - كافياً لنجاح المداولات ومرورها بسلام مع ضيق الوقت، ورغبة الجميع في أن يتحدثوا، ومن حقهم وقد قطعوا آلاف الأميال وضحوا بوقتهم ومواعيدهم أن يظفروا بفرصة للحديث، ولو وجيزة، وقد تحقق من ذلك الكثير.
5- الإحساس بوجوب التشاور في معالجة الأزمة كان معنى مشتركًا، فليس مقبولاً أن تترك مثل هذه الحالات الطارئة دون ضبط؛ لأن ذلك يفضي إلى تلاشيها مع الزمن دون مكاسب للأمة، أو إلى تفاقمها حتى لا يمكن السيطرة عليها. والأزمات تتكرر، وما حدث مرة يمكن أن يحدث مرات، ولذا اتفق المشاركون على أن يكون لقاء سنوياً وليس مؤتمراً عابراً.
6- ولم يكن الانهماك برد الفعل كافياً، فالأمة الصاعدة تتجه إلى الفعل والمبادرة والبناء، وتأسيساً على هذا كان الاتجاه الأعظم للمؤتمر لإعداد خطة عمل رشيدة وشاملة لخطاب دعوي ناضج لهدف إيصال الصورة الصحيحة للإسلام وبني الإسلام إلى شعوب العالم كلها، وليستفيد من التقنيات المعاصرة وثورة الاتصالات لشرح قيم الإسلام ومبادئه العظيمة التي جاءت كما قال الله تعالى: (رحمة للعالمين).
فهي ليست سوى (رحمة).
و(للعالمين) وليست للعرب أو المسلمين فحسب.
وما بناء المواقع الإلكترونية وإعداد البرامج، وإطلاق القنوات الفضائية، وعقد الندوات والحوارات إلا جزء من هذا العمل الشاق والضروري في هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة بل البشرية.
ومن هذا المنطلق جاء الإعلان عن إقامة (المنظمة العالمية للنصرة) التي تحمل على عاتقها هذه المهمة الجسيمة، والتي لن تنجح بغير دعم وإسناد كبير من القادة والمؤثرين، سواء كانوا في سدة الحكم، أو في مجال المال، أوفي نطاق الرأي.
7- عزز المؤتمر موقف العالم الإسلامي الذي هب كله ضد الإساءة الفاجرة التي استهدفت تشويه صورة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ووصمه بالعنف والإرهاب والتخلف تحت مسمى حرية التعبير، وكان مؤثراً أن تجتاح العالم كله موجة من السخط والاستنكار والاستهجان للإساءة والسب الصادر من الصحيفة الدنماركية، ومن ساندها ووقف إلى جانبها من الرسميين وغيرهم، والذين ينطلقون من مبادئ عنصرية تحث على الكراهية والتحقير والازدراء باسم الحرية. وفي الوقت ذاته أدان أي ردة فعل غير منضبطة كالحرق أو التدمير أو العدوان بغير حق مما حدث في فترة من الفترات بسبب شدة الغضب وغياب الموجه.
8- دعا المؤتمر المسلمين في أوربا وأمريكا والعالم إلى المشاركة الإيجابية في بناء مجتمعاتهم وتدعيم مؤسساتها، والمحافظة على الأنظمة السارية، ومحاربة العنف والعدوان بكل أشكاله انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه)، وأكد على أن صدام الحضارات ليس حتماً لازماً، وأنه ينبغي أن تكون العلاقة بين الشعوب قائمة على الحوار والاحترام والتعاون على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان كما أمر ربنا سبحانه في كتابه.
9- قرر المؤتمر أن المقاطعة حق مشروع للشعوب التي اعتدي عليها في أعز مقدساتها، نعم. لا تستطيع الحكومات المحكومة بأنظمة التجارة الدولية أن تقاطع، لكن لا أحد يفرض على المستهلك أو التاجر أن يشتري سلعة بعينها، والبدائل موجودة خصوصاً وأن غالب المنتجات الدنماركية زراعية كالألبان والأجبان وفي المنتج العربي أو البدائل الأخرى من نيوزيلندا أو غيرها ما تقوم مقامها.
وفي هذا السياق دعا المؤتمر إلى تفعيل التجارة البينية بين البلدان الإسلامية وتوسيع نطاقها، والعمل الجاد على إنتاج السلع الغذائية محلياً، كجزء من تنمية الذات وتحرير القرار وتحقيق الأمن الغذائي للدول الإسلامية.
10- وثمَّن المؤتمر موقف (شركة آرلا للأغذية) التي خاطبت المؤتمر إعلامياً، عبر أكثر من خمسين مطبوعة عربية ودنماركية مستنكرة شاجبة للرسوم متبرئة من فاعلي تلك الجريمة النكراء، مشيدة بموقف المسلمين وأخلاقياتهم، وقد تعرضت لحملة انتقادات واسعة من جراء موقفها هذا، فكان لزاماً أن يكافئها المؤتمرون على هذا الموقف، وأن يكون ثمة تحفيز وتشجيع للشركات الأخرى أن تحذو حذوها ومن هنا صدر تأكيد من أمانة المؤتمر على التوصية برفع المقاطعة عن منتجاتها في الأسواق الإسلامية.
ومسوغات هذا الموقف كثيرة
1- مجازاة الحسنة بالحسنة، وهو مبدأ شرعي.(10/205)
2- اختراق المواقف السلبية في الدنمارك المعارضة لأي اعتذار، فضلاً عن الشجب والاستنكار.
3- المقاطعة موقف إيجابي، لكنه قد يتلاشى من ذاته كما حدث في حالات عديدة سابقة، فأن يتم ترتيبه بطريقة مدروسة، فهذا يعني أنه يمكن أن يؤدي في المستقبل دوراً أكبر، وأن يظل سلاحاً فعّالاً في يد المسلمين.
4- مكافأة ذوي السبق مطلب؛ لئلا تساوى مع غيرهم.
5- وقد تتسع دائرة المتفاعلين مع هذا الموقف أوربياً ودنماركياً، وبهذا يكون المسلمون حققوا هدفاً رئيساً سعوا إليه.
6- يجب ألا يكون المسلمون في الدنمارك ضحية هذا الحدث بعد هدوء العاصفة باعتبارهم سبباً لما حدث - في نظر الحكومة - وكان دورهم في المؤتمر إيجابياً جداً، وكذلك في رفع المقاطعة، وهذا يرجى أن يكون سبباً في تدعيم مكانتهم اجتماعياً وقطع الطريق على المتربصين بهم، وهم كثير.
7- التصعيد إلى ما لا نهاية يبدو حلاً عند بعض الناس، ولكنه في النهاية يضر أصحابه قبل غيرهم، وإدارة مثل هذه الأزمات تتطلب اتزاناً وقراءةً للصورة في مجملها، ومن جوانبها المختلفة وليس من زاوية خاصة.
11- وقد خلص المؤتمرون إلى أن هذا الحدث وإن كان مؤلماً في بدايته إلا أن عواقبه ستكون خيراً بإذن الله، وقد قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، وقال: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
12- المؤتمر يتحدث باسم ثلاثمائة وخمسين شخصية إسلامية من أنحاء العالم، ومن يمثلون لا يتحدث باسم المسلمين، ولا باسم العلماء، وليس من هدفه مصادرة الجهود الضخمة التي سبقته أو جاءت بعده، ولا يرى أن ما ينتهي إليه من نتائج له صفة الإلزامية لأحد، إلا أولئك الذين يقتنعون بالنتائج ذاتها، والتنوع والتعددية في الوسائل والآليات والاجتهادات حق فطري وشرعي لا يحق لأحد أن يصادره، أو أن يثرب عليه.
وليس مطلوباً أن تتحول الأعمال والرؤى المختلفة إلى تقاطعات يدمر بعضها بعضاً، ويتشاغل أهلها فيما بينهم بحروب جانبية، بل الحكمة أن تسير في خطوط متوازية متكاملة، مبناها على احترام اجتهادات الآخرين ونظراتهم وجهودهم، وحسن الظن بهم، والهدف واحد، والغاية واحدة، فلتكن الجهود مصروفة إليها بعيداً عن التقاطعات والتجاذبات السلبية داخل الصفوف. وقد حرص المؤتمر على استيعاب العديد من التوجهات واحتوائها، والمأمول أن تكون هذه صفته الدائمة عبر دوراته القادمة بإذن الله.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صحيفة الجزيرة السعودية
المشروع الفرنجي••• والمشروع الصهيوني
الكاتب: د. عبد الوهاب المسيري
المختصر/ المركز الفلسطيني للإعلام / لا يملك الدارس للمشروعين الفرنجي والصهيوني إلا أن يُلاحظ عمق التشابه بينهما، وهو أمر متوقع لأن كليهما جزء من المواجهة التي تتفاوت في حدتها بين التشكيلين الحضاريين السائدين في الغرب والشرق العربي. فحملات الفرنجة التي يقال لها الحملات الصليبية، هي نقطة انطلاق أوروبا نحو التوسع والإصرار على بسط سيطرتها على الخارج. وعلى حد قول أحد مؤرخي حملات الفرنجة الغربيين إن حملات الفرنجة احتوت بذور كل أشكال الإمبريالية الأوروبية التي حكمت فيما بعد حياة جميع شعوب العالم. ولعله لهذا السبب أصبحت حملات الفرنجة صورة مجازية أساسية في الخطاب الاستعماري الغربي، وأصبحت ديباجاتها هي نفسها ديباجات المشروع الاستعماري الغربي.
وقد رأى كثير من المدافعين عن المشروع الصهيوني، من اليهود وغير اليهود، أنه استمرار وإحياء للمشروع الفرنجي (أي الصليبي) ومحاولة وَضْعه موضع التنفيذ من جديد في العصر الحديث. فلويد جورج رئيس الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور، صرح أن الجنرال أللنبي الذي قاد القوات الإنجليزية التي احتلت فلسطين شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصاراً. ويمكننا أن نقول إن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الفرنجي بعد أن تمت علمنته، وبعد أن تم إحلال المادة البشرية اليهودية التي تم تحديثها وتطبيعها وتغريبها وعلمنتها محل المادة البشرية المسيحية.
ولنحاول الآن أن نبين بعض نقاط التشابه الأساسية بين المشروعين، ويبدو أن فلسطين مستهدفة دائماً من صناع الإمبراطوريات إذ أنها تُعَدُّ مفتاحاً أساسياً لآسيا وأفريقيا، وتُعدُّ معبراً على البحرين الأحمر والأبيض، وتقف على مشارف الطرق البرية التي تؤدي إلى العراق وإيران، وهي أيضاً معبر أساسي لشطري العالم الإسلامي. ولذا نجد أن المشروعين الفرنجي والصهيوني قد جعلا من فلسطين مسرحاً لأطماعهما ونقطة ارتكاز لانطلاقهما باعتبارهما مشروعين استعماريين.(10/206)
ولكن المشروعين لم يكونا مشروعين استعماريين فحسب، وإنما كانا مشروعين من النوع الاستيطاني الإحلالي. فالمشروع الفرنجي كان يهدف إلى تكوين جيوب بشرية غربية وممالك فرنجية داخل العالم الإسلامي ولكنها تدين بالولاء الكامل للعالم الغربي. ولذا جاءت جيوش الفرنجة ومعها كتلة بشرية من الغرب المسيحي لتحل محل العنصر البشري العربي الإسلامي. والمشروع الغربي في هذا لا يختلف عن المشروع الصهيوني إلا في بعض التفاصيل. فغزو فلسطين تم أولاً على يد القوات البريطانية، ثم حَضَر المستوطنون الصهاينة بعد ذلك بوصفهم عنصراً يقوم بالزراعة والقتال. وقد كانت المؤسسات الاقتصادية للفرنجة، مثلها مثل قرينتها الإسرائيلية، تتسم بطابع عسكري، كما أن التنظيم الاقتصادي التعاوني لم يكن مجهولاً لدى الفرنجة. ويمكن القول إن دويلات الفرنجة، مثلها مثل الدولة الصهيونية، كانت ترسانات عسكرية في حالة تأهب دائم لـ"الدفاع عن النفس" وللتوسع كلما سنحت لها الفرصة.
ومن المعروف أن الغزاة الاستيطانيين عادة ما يسلكون طريق البحر ثم يستقرون على الساحل أو يحتفظون بركيزتهم الأساسية فيه (كما حدث في جنوب إفريقيا والجزائر) حتى لا يفقدوا صلتهم بالوطن الأم فهم يعتمدون عليه اعتماداً يكاد يكون كاملاً. وهذا يعود إلى طبيعتهم الاستيطانية الإحلالية، فقد طردوا السكان الأصليين وحلوا محلهم ومن ثم خلقوا مشكلة لاجئين، وتحولوا إلى وقود يجند سكان المنطقة ضدهم.• لهذا يضطر المستوطنون دفاعاً عن أنفسهم وضماناً لبقائهم واستمرارهم أن يستمدوا مقومات بقائهم واستمرارهم من دعم عسكري ومالي وهوية ثقافية ومادة بشرية من وطنهم الأصلي. وهذه سمة أساسية في الكيانين الفرنجي والصهيوني، مع تنويعات فرعية تنصرف إلى التفاصيل لا الجوهر.
والغزوتان الفرنجية والصهيونية كانتا تهدفان إلى حل بعض مشاكل المجتمع الغربي وتخفيف حدة تناقضاته. فالمجتمع الوسيط الغربي كان يخوض عملية بَعْث اقتصادي فتحت شهيته للاستيلاء على طرق التجارة المتجهة إلى الشرق. وهذا يشبه من بعض الوجوه، وإن كان بدرجة أقل، انفتاح شهية رجل أوروبا الشره في القرن التاسع عشر الميلادي الذي لم يهدأ له بال إلا بعد أن وقع العالم كله في قبضته. وقد استخدمت أوروبا كلا المشروعين، الفرنجي والصهيوني، في التخلص مما أطلق عليه في القرن التاسع عشر الميلادي "الفائض البشري"، أي العناصر التي لم تستطع أن تحقق الحراك الاجتماعي داخل مجتمعاتها، ولذا كانت تهدِّد السلام الاجتماعي، ولم يكن هناك مفر من تصديرها للشرق حتى يحقق الغرب سلاماً اجتماعياً داخلياً، كما هو حال المشروع الفرنجي. وكلا المشروعين يستخدم الديباجات الدينية الإنجيلية والتوراتية لتحقيق أهداف مادية إمبريالية علمانية. فالمشروع الصليبي جرد الحملات العسكرية باسم أمير السلام (المسيح) وقام باحتلال الأرض وذبح الآلاف من سكانها. والمشروع الصهيوني هو الآخر جرد حملاته العسكرية باسم الوعد الإلهي وقداسة الشعب اليهودي فقام بإهدار قداسة وإنسانية الفلسطينيين وطردهم من أرضهم. وكلا المشروعين رغم ادعاءات المستوطنين الدينية الصاخبة لا يمكن أن يقبلا أن يُحاكما من منظور المعايير الأخلاقية لعقائدهما الدينية.
ويبدو أن أزمة التجمُّع الفرنجي لا تختلف عن أزمة التجمع الصهيوني. فيُلاحَظ أن الكيان الفرنجي كان يعاني من أزمة سكانية، وذلك نظراً لانخفاض عدد سكان أوروبا عام 1300 بعد انتهاء فترة تزايد السكان، الأمر الذي أدَّى إلى عدم مجيء المزيد من المادة البشرية، كما كان الكيان الفرنجي يعاني من تناقص نسبة المواليد. وهذا لا يختلف كثيراً عن أزمة المستوطَن الصهيوني السكانية، بعد أن جفت ينابيع الهجرة اليهودية من شرق أوروبا، لأن يهود غرب أوروبا والولايات المتحدة لا يهاجرون إلى الدولة الصهيونية.
ويلاحظ أن كلا من المجتمع الصليبي والصهيوني كان يتسم بتقسيم ثلاثي، ففي القمة كان يأتي الفرنجة في الممالك الصليبية، يقابلهم الأشكناز في التجمع الصهيوني، وفي الوسط كان يوجد بعض المسيحيين الشرقيين الذين تعاونوا مع الفرنجة يقابلهم السفارديم في التجمع الصهيوني، وفي القاع كان يوجد المسلمون في كلا المجتمعين.(10/207)
ومن المعروف أن الجيوب الاستيطانية التي لا تبيد السكان الأصليين مآلها إلى الزوال، لأن السكان الأصليين يستمرون في مقاومتهم حتى ينهكوا عدوهم تماماً. وهذا ما حدث بالنسبة لممالك الفرنجة فقد تم القضاء عليها، لأسباب عديدة، من أهمها أن الشعوب الإسلامية لم ترض بوجود الفرنجة، فاستمرت عملية المقاومة زهاء قرنين حتى انتهى المشروع الفرنجي ولم يبق منه سوى بعض الخرائب الصليبية. وبالنسبة للصهيونية، فمازال العرب يقاومون والحمد لله، وأعتقد أن مدريد وأوسلو وقبول الكيان الصهيوني للسلطة الفلسطينية هو تعبير عن الإرهاق الصهيوني. فقبول "إسرائيل" بالسلطة الفلسطينية هو بدايات الهزيمة، وكما يقول بعض المتطرفين الصهاينة إنه لأول مرة تم تعريف حدود الدولة الصهيونية، وفي هذا اعتراف ضمني بالوجود الفلسطيني. ولأول مرة توجد داخل الدولة الصهيونية كتلة بشرية ضخمة تطالب بحق تقرير المصير، كما توجد مناطق فلسطينية محررة، بل إن مجرد دخول مصطلح "فلسطيني" في المعجم الصهيوني هو انتصار ضخم، لأنه يهز الخريطة الإدراكية الصهيونية. والله أعلم.
=========================
المصيبة العظمى.. بموت الرسول صلى الله عليه وسلم
شريف رمضان السكندري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً.
أما بعد....
أحبائي الكرام/
في هذا المقال نتحدث عن أشد مصيبة ابتليت بها هذه الأمة... لنأخذ منها الفوائد والدروس والعبر،
ونسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
(المصيبة العظمى)
فو الله إني لمتحير كيف أدخل إلى هذا الموضوع، ومن أنا أمام هذا الموضوع المدهش المحير المبكي؟! إنه موضوع وفاته عليه الصلاة والسلام، إنه موضوع انتقاله إلى الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن لا جدوى إلا بحديث يذكرنا بذاك الحدث الجلل، وكل حدث بعد وفاته هين سهل بسيط يسير.
وقد اخترت هذا الموضوع تحديدًا لشدته على المسلم الحق، ومن ثم يهون كل شيء وتسهل كل مصيبة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
ورحم الله امرأة قالوا لها بأن زوجها وابنها وأخوها قد قتلوا فلم تأبه لذلك وبادرت قائلة: ماذا صنع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قالوا: هو بخير. فقالت: لا حتى أراه. فلما رأته قالت: كل المصائب بعدك جلل يا رسول الله. (جلل: تعني هينة أو يسيرة)
ولكن الموت نهاية كل حي، فقد انفرد سبحانه وتعالى بالبقاء وكتب على جميع المخلوقات الفناء فقال الله عز وجل:(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) [الرحمن:26] وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). [آل عمران:185]
ولم يستثن أحدًا حتى أكرم الخلق –صلى الله عليه وسلم- فقد قال الله عز وجل: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر:30] ويقول جل ذكره: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].
فليبن أهل البغي والعدوان بروجاً من التحسين إن شاءوا، فو الله ليموتن ولو كانوا في بروج مشيدة، والموت وما أدراك ما الموت؟!
إنه مصيبة كما سماه ربنا تبارك وتعالى: (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) [المائدة:106].
ولكن ليست كل المصائب كفقده صلى الله عليه وسلم.
(طلائع التوديع)
ولما تكاملت الدعوة وسيطر الإسلام على الموقف، أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء تطلع من مشاعره صلى الله عليه وسلم، وتتضح بعباراته وأفعاله .
إنه اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوماً، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام فحسب، وتدارسه جبريل القرآن مرتين، وقال في حجة الوداع : ( إني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ) ، وقال وهو عند جمرة العقبة : ( خذوا عني مناسككم، فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ) ، وأنزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع وأنه نعيت إليه نفسه .
وفي أوائل صفر سنة 11 هـ خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، فصلي على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، ثم انصرف إلى المنبر فقال : ( إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ) .(10/208)
وخرج ليلة ـ في منتصفها ـ إلى البَقِيع، فاستغفر لهم، وقال : ( السلام عليكم يا أهل المقابر، لِيَهْنَ لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، والآخرة شر من الأولي ) ، وبشرهم قائلاً : ( إنا بكم للاحقون ) .
(مرض النبي صلى الله عليه و سلم)
ويوم الخميس، وما أدراك ما يوم الخميس؟!
يوم زار المرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هذا اليوم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: بأبي هو وأمي زاره المرض يوم الخميس. نعم، بأبي هو وأمي، وليت ما أصابه أصابنا، فإن مصابه رزية على كل مسلم، ولكن رفعاً لدرجاته وتعظيماً له عند مولاه.
ذكر ابن كثير بسند جيد قال: كان ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يقلب الحصى في المسجد الحرام ويقول: [يوم الخميس، وما يوم الخميس -وهو يبكي- يوم زار المرض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم].
فديناك من حب وإن زادنا كرباً فإنك كنت الشمس في الشرق أو غربًا
وكان الصحابة يفدونه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد وعاد وهو معصوب الرأس، فتقول عائشة - وقد فجعت رضي الله عنها وأرضاها-: {وارأساه!{ فقال صلى الله وسلم: (بل أنا وا رأساه) وصدق صلى الله عليه وسلم، فإن صداع الموت قد وصل إلى رأسه الشريف.
انظروا عباد الله هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام عند مرض موته، وهو أكرم خلق الله على الله، فما بالنا نحن، وفينا ما فينا، الله المستعان.
ثم لما أحس صلى الله عليه وسلم بدنو الأجل كما عند البخاري في الجنائز من حديث عقبة بن عامر قال: {خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما وصل الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، ثم قال: (يا أيها الناس: والله ما أخاف عليكم الفقر، ولكن أخاف أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)}
وصدق عليه الصلاة والسلام، فو الله ما قطعت أعناقنا إلا الدنيا، وما أفسد ديننا إلا الدنيا، وما ذهب بأخلاقنا وآدابنا إلا الدنيا...
و عند أحمد في المسند بسند حسن عن أبي مويهبة قال: قال لي صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس: (يا أبا مويهبة! أسرج لي دابتي)، فأسرجت له دابته عليه الصلاة والسلام، فركبها فذهبت معه حتى أتى الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، وقال: (أنا شهيد عليكم أنكم عند الله شهداء)، ثم قال: (يا أبا مويهبة! خيرت بين البقاء وأعطى مفاتيح خزائن الدنيا وبين لقاء الرفيق الأعلى)، قال: أبو مويهبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله! خذ مفاتيح الدنيا، وأطل عمرك في الدنيا ما استطعت، ثم اختر الرفيق الأعلى، فقال عليه الصلاة والسلام: (بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى)}.
انظروا إليه عليه الصلاة والسلام وهو في مرض موته يعلم أمته الدروس الوجيزة المفيدة، وخلاصة تلك الحياة العامرة في الدعوة لدين الله تبارك وتعالى والتي يصل بها العبد إلى أعلى المراتب الإيمانية ومن هذه الدروس:-
1-عدم الركون إلى الدنيا والتنافس عليها لأنها أهلكت من قبلنا.
2-أن من يحب الله جل وعز يكون دائما في اشتياق إلى لقائه، و(من أحب لقاء الله أحب الله لقائه).
3-المؤمن لا يفتر أبدًا عن حمل هم الدعوة حتى ولو كان على في مرض الموت.
(على فراش الموت)
ووقع صلى الله عليه وسلم على فراش الموت، وعصب رأسه، وأخذت الحمى تنفضه عليه الصلاة والسلام، فكما جاء عند الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا حزن ولا مرض، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
ويقول عليه الصلاة والسلام كما في كتاب الطب والمرض للبخاري: (إن المؤمن كالخامة من الزرع، لا تزال الريح تفيئها يمنة ويسرة، وأما المنافق كالأرزة، لا تزال قائمة منتصبة حتى يكون انجعافها مرة واحدة).
المؤمن يحم، المؤمن يصاب ويمرض ويجوع، لكن المنافق يسمن ويترك حتى تأتيه قاصمة الظهر مرة واحدة.
ولا ذنوب له صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن رفعت درجاته عليه الصلاة والسلام، جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:{دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك -أي: في مرض موته- فمسسته بيدي- بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- فقلت:يا رسول الله! إنك توعك وعكاً شديداً. قال: نعم. إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك الأجر مرتين يا رسول الله. قال: نعم. ثم قال: ما من مؤمن يصيبه هم أو غم أو حزن أو مرض إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها}.
فيا من ابتلاك الله بالمرض لا تيأس ولا تحزن واصبر واحتسب فإن هذا خير لك إذا صبرت واحتسبت ورضيت بقضاء الله تبارك وتعالي.(10/209)
فقد قال عليه الصلاة والسلام (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له). رواه مسلم.
فلا تحزن عبد الله إذا أصابك مرض وانظر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يتألم كما يتألم الرجلان وهو من هو، ورغم ذلك يبشرنا أيضًا وهو على فراش الموت فيقول:(ما من مؤمن يصيبه هم أو غم أو حزن أو مرض إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها)
الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر.
ما أجملها من بشرى..
(قبل الوفاة بخمسة أيام)
ويوم الأربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة، اتقدت حرارة العلة في بدنه، فاشتد به الوجع وغمي، فقال : ( هريقوا علي سبع قِرَب من آبار شتي، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم ) ، فأقعدوه في مِخَضَبٍ، وصبوا عليه الماء حتى طفق يقول : ( حسبكم، حسبكم ) .
وعند ذلك أحس بخفة، فدخل المسجد متعطفاً ملحفة على منكبيه، قد عصب رأسه بعصابة دسمة حتى جلس على المنبر، وكان آخر مجلس جلسه، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال : ( أيها الناس، إلي ) ، فثابوا إليه، فقال ـ فيما قال : ( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ـ وفي رواية : ( قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ـ وقال : ( لا تتخذوا قبري وثناً يعبد ) .
خرج بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام على الناس، يقول ابن عباس كما جاء من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في الصحيحين: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، وهو عاصب على رأسه بعصابة دسمة، -وقيل: سوداء- وهو بين علي والعباس، على كتفيهما رضوان الله عليهما، وأقدامه من المرض تخط في الأرض، فأجلساه على المنبر، فلما رأى الناس قال: (يا أيها الناس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. زاد البيهقي كما قال ابن كثير: يا أيها الناس: إني ملاقٍ ربي، وسوف أخبره بما أجبتموني به، يا أيها الناس: من سببته أو شتمته أو أخذت من ماله فليقتص مني الآن قبل ألا يكون درهماً ولا ديناراً، قال أنس: فنظرت إلى الناس وكل واضع رأسه بين رجليه من البكاء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس: اللهم من سببته أو شتمته أو أخذت من ماله أو ضربته فاجعلها رحمة عندك} وعند أبي داود: {إني أخذت عند ربي عهداً أيما مسلم شتمته أو سببته أو ضربته، أن يجعلها كفارة له ورحمة} فاستبشر الناس بهذا، وأخذوا يقولون: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله! وعاد إلى فراشه.
وعرض نفسه للقصاص قائلاً : ( من كنت جلدت له ظَهْرًا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عِرْضاً فهذا عرضي فليستقد منه ) .
ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، وعاد لمقالته الأولي في الشحناء وغيرها . فقال رجل : إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال : ( أعطه يا فضل ) ، ثم أوصي بالأنصار قائلاً :
( أوصيكم بالأنصار، فإنهم كِرْشِي وعَيْبَتِي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من مُحْسِنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ) ، وفي رواية أنه قال : ( إن الناس يكثرون، وتَقِلُّ الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم ) .
ثم قال : ( إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده ) . قال أبو سعيد الخدري : فبكي أبو بكر . قال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، فقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عنده، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من أمنّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لا اتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر ) .
وانظر إلى حرصه عليه الصلاة والسلام من خلال تلك الوصايا الغالية التي أسداها لأصحابه الكرام وللأمة من بعدهم وأيضا سماحته، وإرساء دعائم العقيدة الإسلامية الصحيحة وهو يودع أمته عليه الصلاة والسلام.
(قبل الوفاة بأربعة أيام)
ويوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام قال ـ وقد اشتد به الوجع : ( هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ) ـ وفي البيت رجال فيهم عمر ـ فقال عمر : قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قوموا عني ) .(10/210)
وأوصى ذلك اليوم بثلاث : أوصي بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، وأوصي بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم، أما الثالث فنسيه الراوي . ولعله الوصية بالاعتصام بالكتاب والسنة، أو تنفيذ جيش أسامة، أو هي : ( الصلاة وما ملكت أيمانكم ) .
والنبي صلى الله عليه وسلم مع ما كان به من شدة المرض كان يصلي بالناس جميع صلواته حتى ذلك اليوم ـ يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام ـ وقد صلي بالناس ذلك اليوم صلاة المغرب، فقرأ فيها بالمرسلات عرفاً .
وعند العشاء زاد ثقل المرض، بحيث لم يستطع الخروج إلى المسجد . قالت عائشة : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصَلَّى الناس ؟ ) قلنا : لا يا رسول الله، وهم ينتظرونك . قال : ( ضعوا لي ماء في المِخْضَب ) ، ففعلنا، فاغتسل، فذهب لينوء فأغمي عليه . ثم أفاق، فقال : ( أصلى الناس ؟ ) ـ ووقع ثانياً وثالثاً ما وقع في المرة الأولي من الاغتسال ثم الإغماء حينما أراد أن ينوء ـ فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فصلي أبو بكر تلك الأيام 17 صلاة في حياته صلى الله عليه وسلم، وهي صلاة العشاء من يوم الخميس، وصلاة الفجر من يوم الاثنين، وخمس عشرة صلاة فيما بينها .
وراجعت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أو أربع مرات؛ ليصرف الإمامة عن أبي بكر حتى لا يتشاءم به الناس، فأبي وقال : ( إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس).
وفيه هذا أيضًا حرصه عليه الصلاة والسلام من خلال تلك الوصايا الغالية التي أسداها لأصحابه الكرام وللأمة من بعدهم وأيضا سماحته، وإرساء دعائم العقيدة الإسلامية الصحيحة وهو يودع أمته عليه الصلاة والسلام.
(ثلاثة أيام قبل الوفاة)
قبل ثلاثة أيام
قال جابر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث وهو يقول : ( ألا لا يموت أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) .
ما أجملها من وصية وهي مصداق الحديث القدسي وفيه يقول الله تعالى (أنا عند ظن عبدي بي).
قبل يوم أو يومين
ويوم السبت أو الأحد وجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه بألا يتأخر، قال : ( أجلساني إلى جنبه ) ، فأجلساه إلى يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع الناس التكبير .
قبل يوم
وقبل يوم من الوفاة ـ يوم الأحد ـ أعتق النبي صلى الله عليه وسلم غلمانه، وتصدق بستة أو سبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل أرسلت عائشة بمصباحها امرأة من النساء وقالت : أقطري لنا في مصباحنا من عُكَّتِك السمن، وكانت درعه صلى الله عليه وسلم مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير .
وفي هذا جواز المعاملة مع أهل الكتاب.
(آخر يوم من الحياة)
روي أنس بن مالك : أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين ـ وأبو بكر يصلي بهم ـ لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك - يا لقلبي ويا لشعري ما لهذا التبسم، وما لهذا التعجب! إنه -إن شاء الله- تبسم لأنه رأى الصفوف منتظمة، ورأى الدعوة حية، ورأى الرسالة منتصرة، ورأى لا إله إلا الله مرتفعة، ورأى أبا بكر يصلي بالناس، ورأى دعوة التوحيد قد ضربت بجرانها في الجزيرة، فحق له أن يتبسم-، فنكص أبو بكر على عقبيه؛ ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة . فقال أنس : وهَمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فَرَحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخي الستر .
ثم لم يأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة أخرى .
ولما ارتفع الضحى، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فسَارَّها بشيء فبكت، ثم دعاها، فسارها بشيء فضحكت، قالت عائشة : فسألنا عن ذلك ـ أي فيما بعد ـ فقالت : سارني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت .
وبشر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين .
ورأت فاطمة ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه .
فقالت : وا كرب أباه . فقال لها : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) .
ودعا الحسن والحسين فقبلهما، وأوصي بهما خيراً، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن .
وطفق الوجع يشتد ويزيد، وقد ظهر أثر السم الذي أكله بخيبر حتى كان يقول : ( يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَرِي من ذلك السم ) .
وقد طرح خَمِيصَة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك ـ وكان هذا آخر ما تكلم وأوصي به الناس : ( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ـ يحذر ما صنعوا ـ لا يبقين دينان بأرض العرب ) .(10/211)
وأوصى الناس فقال : ( الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم ) ، كرر ذلك مراراً .
فما أروعها من وصايا وما أبعد المسلمين عنها في أيامنا هذه.
(الاحتضار)
وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة إليها، وكانت تقول : إن من نعم الله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سَحْرِي ونَحْرِي، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته .- ويا لسعادة الزوجة بزوجها! ويا لسعادة الحبيبة بحبيبها! ويا لفرحتها بمؤنسها وبرجلها في آخر عمره وهو يلصق رأسه بحجرها رضي الله عنها وأرضاها!- و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ـ وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم . فتناولته فاشتد عليه، وقلت : ألينه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم . فلينته، فأمره ـ وفي رواية أنه استن به كأحسن ما كان مستنا ـ -، ليلقى الله طيباً، فإن حياته طيبة، ووفاته طيبة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي). [الفجر:27-30]. - وبين يديه رَكْوَة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح به وجهه، يقول : ( لا إله إلا الله، إن للموت سكرات . . . ) الحديث .
وما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو أصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول : ( مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى . اللهم، الرفيق الأعلى ) .
كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى . إنا لله وإنا إليه راجعون .
وقع هذا الحادث حين اشتدت الضحى من يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وقد تم له صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام .
يوم توفاه الله إليه ليكرمه جزاء ما قدم للأمة، يوم قبضه الله، قال أنس: (ظننا أن القيامة قامت يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مصيبة أكبر من مصيبة وفاته على الأمة؟! أي حدث وقع في تاريخ الإنسان يوم توفي خير إنسان وأفضل إنسان عليه الصلاة والسلام؟! ولكن نقول الآن وبعد الآن ويوم نلقى الرحمن: إنا لله وإنا إليه راجعون! (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). [البقرة:156-157].
(الفراق الأليم)
وتسرب النبأ الفادح، وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها .
وبقي جثمانه الشريف في غرفة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ولكن ما هو حال الصحابة؟
فداً لك من يقصر عن فداك فلا ملك إذاً إلا فداكا
أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى
وقف الصحابة في موقف لا يعلمه إلا الله، وفي دهشة لا يعلمها إلا الحي القيوم، كلهم يكذب الخبر، ولا يصدق إلا من أتاه اليقين..
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وقفوا حول مسجده صلى الله عليه وسلم، وأغلق بابه الشريف على جثمانه، وبقيت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تبكي مع النساء، أما السكك فقد امتلأت بالبكاء والعويل والنحيب، وأما عمر رضي الله عنه وأرضاه فوقف عند المنبر يسل سيف الإخلاص والصدق الذي نصر به دين الله، ويقول: يا أيها الناس: من كان يظن أن رسول الله قد مات، ضربت عنقه بهذا السيف.
قال أنس : ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولما مات قالت فاطمة : يا أبتاه، أجاب ربا دعاه . يا أبتاه، مَنْ جنة الفردوس مأواه . يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه .
أورد صاحب مجمع الزوائد عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، أن عمر مر به فسلم عليه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه السلام، فذهب عمر إلى أبي بكر فاشتكى عثمان وقال: سلمت عليه فلم يرد علي السلام، فاستدعاه أبو بكر، وقال: يا عثمان! سلَّم عليك أخوك عمر فلم ترد عليه السلام، فقال: يا خليفة رسول الله! والله ما علمت أنه سلَّم علي قال: لعلك داخلك ذهول أو دهش من وفاته صلى الله عليه وسلم قال: إي والله، فجلسوا يبكون].(10/212)
وفي الصحيحين من حديث أنس قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنه وأرضاه: يا عمر! اذهب بنا إلى أم أيمن -هذا بعد وفاة رسول الله، وهي مولاة كانت مرضعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عجوز مسنة كان يزورها صلى الله عليه وسلم في حياته- قال: اذهب بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان صلى الله عليه وسلم يزورها.. يا للتواضع! يا للتمسك بالسنة! يا للحرص على الأثر! فذهبا رضوان الله عليهما، فلما وصلا إلى أم أيمن بكت، فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن ؟
قالت: أبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: والله إني أعلم ذلك، ولكن أبكي على أن الوحي انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان رضوان الله عليهما.
(الثبات العظيم)
أما أبو بكر فكان غائباً في ضاحية من ضواحي المدينة في مزرعته، ما يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوفى في ذلك اليوم، بأبي هو وأمي! فسمع الخبر فأتى على فرسه، وقد ثبته الله يوم أن يثبت أهل طاعته، وقد سدده الله يوم أن يسدد أهل التوحيد.
فأتى بسكينة ووقار، كان رجل المواقف، ورجل الساعة، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم موفقاً في إمامة أبي بكر، فأتى وإذا الناس لا يزدادون من البكاء إلا بكاء، ولا من العويل إلا عويلاً، ولا من النحيب إلا نحيباً، فقال: ماذا حدث؟ قالوا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات رسول الله، أتدرون ماذا قال؟
قال: الله المستعان! الله المستعان نلقى بها الله، والله المستعان نعيش بها لله، والله المستعان نتقبل بها أقدار الله، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون!.
إنها كلمة الصابرين حين يصابون بصدمات في الحياة، إنها كلمة الأخيار حينما تحل بهم الكوارث من أقدار الله وقضاء الله.
ثم دخل وشق الصفوف في سكينة على فرس له، وبيده عصا، ويشق الصفوف بسكينة ووقار، حتى وصل إلى البيت ففتح الباب، ثم أتى إليه صلى الله عليه وسلم، فكشف الغطاء عن وجهه، ثم قبله وبكى ودمعت عيناه الشريفتان على وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: [بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أطيبك حياً وما أطيبك ميتاً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذقتها، ولكن والله لا تموت بعدها أبداً، والله لا تموت بعدها أبداً، والله لا تموت بعدها أبدا ً].
ثم خرج رضي الله عنه وأرضاه إلى الناس وعصاه بيده، فأسكتهم، وقال لعمر: يا بن الخطاب! اسكت، فلما سكت الناس، وهم ينظرون إلى القائد الجديد الملهم، إلى هذا الإمام الموفق، إلى هذا الخليفة الراشد، وهو يتخطى الصفوف حتى صعد المنبر، فيستفتح خطابه بحمد الله والثناء على الله، فالمنة لله والحمد لله، والأمر لله من قبل ومن بعد، ثم يقول: [يا أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ). [آل عمران:144] ]] فكأن الناس سمعوها لأول مرة، وكأنها ما مرت على أذهانهم، ثم عاد رضي الله عنه وأرضاه.
فلله دره ما أثبته، فليكن قدوة لكل من أصابته مصيبة أيا كانت.
(التجهيز وتوديع الجسد الشريف إلى الأرض)
ويوم الثلاثاء غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يجردوه من ثيابه، قال علي رضي الله عنه: اختلفنا في كيفية تغسيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقي علينا النعاس، ونحن بالماء حوله صلى الله عليه وسلم، حتى نمنا وإن لحية أحدنا إلى صدره، فسمعنا هاتفاً يقول: {اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق ثيابه} وهذا سند صحيح، فغسلوه من فوق ثيابه، طيباً مباركاً مهدياً، عليه السلام يوم ولد، وعليه السلام يوم بعث، وعليه السلام يوم مات، وعليه السلام يوم يبعث حياً.
وكان القائمون بالغسل : العباس وعليّا، والفضل وقُثَم ابني العباس، وشُقْرَان مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلي، فكان العباس والفضل وقثم يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلى يغسله، وأوس أسنده إلى صدره .
وقد غسل ثلاث غسلات بماء وسِدْر، وغسل من بئر يقال لها : الغَرْس لسعد بن خَيْثَمَة بقُبَاء وكان يشرب منها .
ثم كفنوه في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِيَّة من كُرْسُف، ليس فيها قميص ولا عمامة . أدرجوه فيها إدراجًا .
واختلفوا في موضع دفنه، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ) ، فرفع أبو طلحة فراشه الذي توفي عليه، فحفر تحته، وجعل القبر لحداً .(10/213)
ودخل الناس الحجرة أرسالاً، عشرة فعشرة، يصلون على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أفذاذاً، لا يؤمهم أحد، وصلي عليه أولاً أهل عشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الصبيان، ثم النساء، أو النساء ثم الصبيان .
ومضى في ذلك يوم الثلاثاء كاملاً، ومعظم ليلة الأربعاء، قالت عائشة : ما علمنا بدفن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المسَاحِي من جوف الليل ـ وفي رواية : من آخر الليل ـ ليلة الأربعاء .
نعم.. دفن و وضع في قبره عليه الصلاة والسلام، ورد عليه التراب، ودفن كما يدفن الإنسان بعدما صلى عليه الناس زرافات ووحداناً.
ذكر الشوكاني في نيل الأوطار: أن من صلى عليه صلى الله عليه وسلم يبلغون سبعة وثلاثين ألفاً من الرجال والنساء، من المهاجرين والأنصار، ما كان لهم إمام يصلي بهم، بل صلى كل إنسان منهم على حدة، وكان في الصف الأول أبو بكر وعمر، حفظ من دعائهما رضي الله عنهما أنهما قالا: [صلى الله وسلم عليك يا رسول الله، نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حتى أتاك اليقين].
(التركة)
وهكذا كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مات وما خلَّف درهماً ولا ديناراً، ولا عقاراً ولا قصوراً ولا مناصب، وإنما ذهب كما أتى، ذهب سليم اليد، أبيض الوجه، طاهر السريرة، ولكن خلَّف ديناً خالداً وخلَّف رسالة، مات الداعية ولكن ما ماتت الدعوة، مات الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن ما ماتت الرسالة، مات البشير النذير، ولكن ما ماتت البشارة والنذارة، ترك لنا تراثاً أيما تراث، قرآناً حكيماً (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42] وسنة طاهرة للمعصوم فيها صلاح العبد في الدنيا والآخرة.
وعادوا إلى تركته ولا تركة له.. فيا من جمع الأموال ولم يقدم ما ينفعه عند الواحد القهار! هذا خيرة خلق الله، وهذا صفوة عباد الله، ذهب والله ما تلوث منها بشيء، يمر عليه الشهر بعد الشهر ولا يوقد في بيته نار، ويمر عليه ثلاثة أيام وهو في جوعه صلى الله عليه وسلم، فالله المستعان..
كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم
إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهي من الأكلات والأدم
صففت مائدة للروح مطعمها عذب من الوحي أو عذب من الكلم
ذهب عليه الصلاة والسلام وبقي بيته من طين، وبقيت بعض الدراهم ليست له، أنفقت في الصدقات وفي سبيل الله، وأتى أبو بكر فقال لقرابته ولبناته صلى الله عليه وسلم لما طلبوه الميراث، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا لا نورث، ما تركناه صدقة"
وعند أحمد في المسند: "إنا لا نورث ما تركنا صدقة" فما ترك صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولكن ترك هذا الدين، اجتماعنا بهذه الوجوه الطيبة النيرة حسنة من حسنات، وهذه المساجد والمنابر حسنة من حسنات رسالته، وهذه الدعوة الخالدة والرسالة القائمة فضل من فضل الله ثم من فضله صلى الله عليه وسلم.
نعم. مضى إلى الله صلى الله عليه وسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وحسبنا الله على كل ما يصيبنا!
فإنه قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يا أيها الناس: من أصيب بمصيبة فليتعز بي، فإني عزاء لكل مسلم} إي والله.
وهذا إخواني الأعزاء هو غاية هذا الجزء المبارك من هذه السلسلة
(أيها المبتلى... لست وحدك على الدرب)
وإذا أتتك من الأمور بلية فاذكر مصابك بالنبي محمد
إذا مات ابنك فاعلم أن ابنك لا يكون أحب في قلبك إن كنت مؤمناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن مات أبوك أو أمك أو قريبك أو صفيك، فاعلم أنهم لا يعادلون ذرة في ميزان الحب مع حبه صلى الله عليه وسلم، تذكر أنه مات، وأنه صلى الله عليه وسلم عند ربه، يستشهده الله علينا هل بلغنا ما علينا؟ ويستشهده الله علينا هل سمعنا وأطعنا أم لا؟ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41].
(دروس وعبر من قصة وفاة سيد البشر)
وهكذا عباد الله كانت قصة وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقلنا بأننا ذكرناها في هذه السلسلة لغاية خاصة وهي كما ذكرنا من قبل.
إنه قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يا أيها الناس: من أصيب بمصيبة فليتعز بي، فإني عزاء لكل مسلم}.
ولكن قصة وفاته عليه الصلاة والسلام اشتملت على فوائد غزيرة جليلة نذكر منها:-
1- أن الموت نهاية كل حي، ولو كان أحد أولى بالبقاء لكان رسول الله عليه الصلاة والسلام.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب لأمته حيهم وميتهم حتى وهو في نهاية حياته.
3- أنه عليه الصلاة والسلام كان يخشى على أمته أن يركنوا إلى الدنيا لذلك حذرهم من ذلك.
4- أن من يحب الله جل وعز يكون دائما في اشتياق إلى لقائه، و (من أحب لقاء الله أحب الله لقائه)(10/214)
5- المؤمن لا يفتر أبدًا عن حمل هم الدعوة حتى ولو كان على في مرض الموت.
6- مرض المؤمن خير له، وتكفير لخطاياه، ومضاعفة لأجره.
7- أن مرض النبي عليه الصلاة والسلام لرفع درجته عليه الصلاة والسلام.
8- شديد حب الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام. وحرصهم على الاستفادة والاستزادة من تعاليمه ووصاياه عليه الصلاة والسلام.
9- أنه عليه الصلاة والسلام لا يتوانى ولا يتكاسل عن أداء واجبه الدعوي، فإذا سمحت له الفرصة ليقوم قام ولا يركن إلى الفراش.
10- حرص النبي عليه الصلاة والسلام على ترسيخ العقيدة، وتنبيه على مخالفة اليهود والنصارى، وعدم اتخاذ القبور مساجد وتشديده على ذلك.
11- حرصه صلى الله عليه وسلم على رد الأمانات إلى أهلها، وأداء حقوق العباد قبل ألا يكون درهم ولا دينار.
12- وصيته عليه الصلاة والسلام بالأنصار خيرا، لما لهم من فضل في الإسلام.
13- فقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وشدة حبه للنبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم له وبيانه لفضله.
14- وصيته عليه الصلاة والسلام بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، و إجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم.
15- وصيته عليه الصلاة والسلام بألا يموتن مسلم إلا وهو يحسن الظن برب العالمين.
16- جواز المعاملة مع أهل الكتاب والاقتراض منهم مقابل رهان.
17- فرح النبي عليه الصلاة والسلام لرؤيته لدعوته حية قائمة على أصولها.
18- حبه عليه الصلاة والسلام لابنته وإسراره لها بأنه سيموت في مرضه هذا، وتبشيرها بأنه أول من سيلحق به من أهله، وبيان فضلها من أنها سيدة نساء العالمين.
19- حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها، وحبها له، وكذلك فرحها بأن الله توفاه في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها وأنه جمع بين ريقه وريقها.
20- حرصه عليه الصلاة والسلام على أن يستاك ليلقى الله طيباً، فإن حياته طيبة، ووفاته طيبة.
21- بيانه عليه الصلاة والسلام لأمته من أن للموت سكرات.
22- اختياره عليه الصلاة والسلام للرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
23- حب الصحابة رضوان الله عليهم ومعاناتهم الشديدة من فراقه عليه الصلاة والسلام.
24- ثبات الصديق في أحلك الظروف، وإيضاحه للحقائق التي غابت في خضم تلك المشاعر العظيمة.
25- أن النبي عليه الصلاة والسلام تم تغسيله من فوق ثيابه إكرام له عليه الصلاة والسلام.
26- أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدفنون مكان موتهم.
27- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك درهمًا ولا دينارًا، وما تركه فهو صدقة.
28- أن من أصيب بمصيبة أيا كانت وأيا كان حجمها فليتعزى بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإنه عزاء لكل مسلم.
هذا ما وفقنا الله لاستخراجه من فوائد وعبر من قصة وفاة سيد البشر صلى الله عليه وسلم
وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
والله أسأل أن ينفع بهذه السلسلة إنه على ما يشاء قادر.
ولا تنسونا من دعوة صالحة بظهر الغيب ليقول لك الملك إن شاء الله ولك بمثله
المقاطعة الاقتصادية شبهات وردود
إسلام أون لاين:
عنوان الفتوى:
المقاطعة الاقتصادية: شبهات وردود
تاريخ الإجابة 10/03/2005
موضوع الفتوى المعاملات
بلد الفتوى - فلسطين
نص السؤال يرى المثبطون لسلاح المقاطعة الاقتصادية أنها سوف تسبب خسائر للعرب والمسلمين وسوف تتوقف المصانع وتكسد التجارة وتمنع المنح والهبات والمساعدات وتزداد المديونية.. إلي غير ذلك من الأعذار فكيف يكون الرد على هؤلاء؟.
اسم المفتي الأستاذ الدكتور حسين شحاته
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالواجب إخلاص النية لله عز وجل في مقاطعة هذه المنتجات، وسوف يبدل الله تعالى المغرم مغنما، ولنا في صحابة رسول الله الأسوة الحسنة، هذا فضلا عن أنه يجب ألا نغفل أننا في حالة جهاد مع ألد أعداء الله في الأرض، وأي جهاد لا بد فيها من تضحية لتنتصر المبادئ وتحيا العقائد فهذا هو المكسب الحقيقي هذا فضلا عن المكاسب المادية والمعنوية التي ستعود على أمتنا، وحسبنا أن المقاطعة أمانة سوف نسأل عنها يوم القيامة.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسين شحاتة – الأستاذ بجامعة الأزهر:(10/215)
لقد ذُُكرت هذه الدعوى -أن المقاطعة سوف تسبب الفقر والعوز- في كتاب الله عز وجل في سورة التوبة عندما نزل قول الله تبارك وتعالي: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) التوبة: 28 . فقد ورد في تفسير هذه الآية: أن الله أمر عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام وألا يقربوه، وبعد نزول هذه الآية بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم بها عليا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وأمره أن ينادي في المشركين: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا.. وقال الناس: (لتقطعن عنا الأسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن عنا ما كنا نصيب من المرافق) فأنزل الله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء...) ولقد عوضهم الله عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة. (ابن كثير: صفحة 334).
ولقد تحقق وعد الله عز وجل وربح التجار المسلمون أرباحا كثيرة في الدنيا والآخرة لأنهم أخلصوا العمل لله، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وليأخذ المثبطون من هذه الآية العظة والعبرة، فإن كانت هناك خسارة اقتصادية ظاهرية فسوف تتحول إلي مكاسب في الدنيا والآخرة في الأمد القريب.
مقاطعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحصاره في شعب أبي طالب.
ولقد استخدم المشركون والكفار سلاح المقاطعة ضد رسول الله صلي الله عليه وسلم في شعب مكة ثلاث سنوات للضغط عليه وعلي من آمنوا معه ليثنوهم عن دعوتهم، ولحق بالمسلمين خسائر اقتصادية واجتماعية ونفسية عديدة ولكن صبروا وصابروا ورابطوا ولم يرجعوا عن مبادئهم حتى حقق الله لهم النصر علي أعدائهم وربحوا في التجارة مع الله.
ألم يكن لنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم والذين آمنوا معه الأسوة الحسنة والقدوة.
صور متميزة للمقاطعة في العصر الحديث.
وفي التاريخ المعاصر نماذج متميزة لفعالية سلاح المقاطعة كأحد الوسائل لتحرير البلاد من المحتلين الظالمين المعتدين نذكر منها علي سبيل المثال ما يلي:
- نموذج الزعيم الهندي غاندي في مقاطعة السلع الإنجليزية ومقاومة الاحتلال الإنجليزي الغاشم، لقد نجح في تحقيق مقاصده بتفاعل شعبه معه.
- نموذج الزعيم المصري سعد زغلول، في مقطاعة البضائع الإنجليزية بعد ثورة 19 وكانت بداية خير ولقد حققت النماذج السابقة مقاصدها المشروعة ضد المعتدين ومنها التحرر والمحافظة علي الهوية الوطنية بالرغم من الخسائر الاقتصادية الموقوتة والي أعقبها مكاسب عظيمة.
المكاسب الاقتصادية والمعنوية للمقاطعة.
ومن المنظور الاقتصادي يجب النظر إلي المقاطعة الاقتصادية علي أنها حرب ضد الأعداء ولا توجد حرب بدون تضحيات، ولقد قيل: إن النصر يحتاج إلي جهاد، ولا جهاد بدون تضحية عزيزة، بالتأكيد ستكون هناك خسائر اقتصادية تلحق بالدول العربية والإسلامية بسبب المقاطعة، منها علي سبيل المثال: انخفاض حجم الاستثمارات وحجم السياحة وانقطاع المنح والمساعدات.. ولكن مقابل ذلك سوف تتحقق مكاسب اقتصادية ومعنوية منها:
- الحرية في اتخاذ القرار وتقوية الإرادة والمحافظة علي الحيوية العربية والإسلامية.
- الخروج من طوق التبعية الاقتصادية الذليلة التي تقود إلي السلبية السياسية.
- الاعتماد علي الذات وتنمية القدرات وحسن استخدام الإمكانيات والطاقات.
- الحث علي الإبداع والابتكار، فالحاجة تفتق الحيلة.
- التقشف والتربية علي الخشونة وعلي روح الجهاد بكل عزيز.
- حتمية التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية.
- إثبات قدرتنا علي التضحية من أجل تطهير مقدساتنا.
وسوف تقل الخسائر الاقتصادية للدول العربية والإسلامية إذا ما خططت ونظمت المقاطعة ووضعت لها البرامج الموضوعية في إطار مجموعة من السياسات الاستراتيجية علي المستوي الشعبي والحكومي وعلي مستوي الأمة العربية والإسلامية، بحيث تتم وفق سلم الأولويات: حيث نبدأ بمقاطعة الكماليات والتحسينات يلي ذلك مقاطعة الحاجيات وهكذا.. وأن يتم ذلك وفق مخطط لإيجاد البديل الوطني وإن لم يوجد فالبديل من الدول العربية والإسلامية، وإن لم يوجد فالبديل من البلاد الأجنبية غير المحاربة وهكذا.
والله أعلم.
=============================
المقاطعة تستنفد طاقتنا الحيوية فيما لا ينفع !!
الكاتب: د.عمار بكار*
هناك شعور أليم وحاد ينتاب الكثيرون الذين يتابعون الإعلام الغربي. عندما تشاهد الصور السلبية عن العرب والمسلمين تتوالى كل يوم بطرق مختلفة، وعندما تشاهد الحقيقة حول قضية فلسطين مثلا تزوًر كل يوم، ويصبح الظالم فيها مظلوما، والمظلوم ظالما، تشعر بالغضب، وتتمنى لو أن هناك شيئا يمكن فعله.
هناك بالتأكيد ما يمكن فعله، وهناك من يحاول، وأنا كتبت كثيرا عن هذا الأمر خلال السنوات العشر الماضية، ومع ذلك فأنا منزعج ومعترض على حملة المعارضة ضد الدنمارك.(10/216)
لقد انتفض الناس غاضبين لعدة أسابيع لما رأوا أعظم الخلق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يساء إليه في الصحيفة الدنماركية، لكنهم في غمرة هذا الشعور نسوا عدة قضايا هامة.
لقد كان واضحا أن رد الفعل هو مجرد سلوك عاطفي بحت، تحول بسرعة إلى سلوك جماعي، وربما كان من الغريب تفسير تأخر هذا الانبعاث العاطفي لعدة أشهر، ولكن يمكن القول بأن ظرفا معينا أتاح لهذا أن يحصل فجأة وأن ينطلق الناس نحو التعبير عن غضبهم.
مشكلة السلوكيات العاطفية أنها غير منطقية وأنها لا ترتبط باستراتيجية واضحة وأنها تنطفئ بعد فترة شأن العواطف بأنواعها. كانت الحملة المصاحبة للرسوم المسيئة غير منطقية لأن الإساءات تحصل كل يوم في الإعلام الغربي، وإذا كان كتاب سلمان رشدي وهذه الصور قد لفتت انتباهنا فهناك الكثير مما لم يلفت انتباهنا، ويحمل نفس الأثر التدميري.
لم يكن واضحا خلال الحملة لماذا غضب المسلمون من الرسوم بمعنى أنه لم يكن لديهم أي رسالة واضحة يقدمونها للغرب ويحددون فيها ما يريدون، ولما انتبه الناس لهذا طالبوا بالاعتذار من طرف الحكومة الدنماركية، رغم أن رئيس الوزراء الذي طلب منه الاعتذار يتم شتمه في الصحف كل يوم ويرسم بصور ساخرة دائما (وكذلك شأن الملكة)، ومن هنا نشأ سوء الفهم، فرئيس الوزراء لا يريد الاعتذار نيابة عن الجريدة التي تنتقده باستمرار لأنه لا يملك عليها أي سلطة، ونحن رفضنا أن نتفهم طبيعة النظام الديمقراطي الغربي، وبقي كل طرف غاضبا وعاجزا عن توصيل رسالته.
كان هناك مشكلة أيضا في التخطيط لهذا الموضوع، لأنه لم يخطط له حقيقة. لم يحسب أحد حساب أحداث العنف التي نشأت لاحقا والتي أساءت كثيرا للعالم الإسلامي، ولم يحسب أحد احتمالية أن يقوم رجل غاضب (أو شخص مستغل للظروف) بإلقاء قنبلة يدوية صغيرة على مبنى الجريدة قد لا يحدث أي ضحايا ولكنه يجعل أوروبا كلها تعيش في حالة مراجعة للقوانين والأنظمة وتزيد من تشديدها على الجاليات العربية والإسلامية هناك، كما حصل في حال مقتل المخرج الهولندي فان جوخ، الذي غضب المسلمون من فيلمه المسيء للقرآن الكريم، فهجم أحدهم وقتله، وغير هذا حال المسلمين في هولندا إلى الأبد.
لم يحسب الناس حساب ما حصل وهو تضامن الصحف الغربية مع الصحيفة الدنماركية، وإعادة نشر الرسوم مئات المرات في الصحف ومواقع الإنترنت، وبالتالي تكرر الإساءة وتشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم وصورة المسلمين. ولحسن الحظ أن عقلاء أوروبا استوعبوا الموقف وفهموا أهمية تهدئة العالم الإسلامي، وتوقفت قضية إعادة نشر الرسوم المسيئة. لقد جهل البعض أن حرية التعبير تمثل "دينا" للغربيين وخيارا لا تراجع عنه، ومواجهة حرية التعبير بهذا الشكل معناه أيضا تحدي الغربيين في أهم قيمهم، وغاب عن الكثيرين إن كان المسلمون في وضعهم الحالي قادرين على مثل هذا التحدي وهذه المواجهة مع الأوروبيين.
كثيرون كانوا يقولون بأن حرية التعبير الكاملة غير موجودة في الغرب بدليل أنه لا يمكن إنكار الهولوكست، لكن هؤلاء جهلوا لماذا يحصل ذلك وكيف يجيب الغربيون على هذه القضية. معظم الناس لا يعرفون البعد التاريخي للأمر وأن إنكار الهولوكست يمثل لدى الغربيين عودة لتأييد النازية التي أدخلت العالم في حرب عالمية قاسية لن ينساها التاريخ أبدا.
وعلى العموم، هذا كله بالنسبة لي مفهوم، لأن عدم التخطيط لمثل هذه الأمور يحصل دائما، ولكن ما يجعلني أعترض بقوة على المعارضة التي حصلت هي قضية "الطاقة الحيوية الخيرية" لدى الإنسان.
نحن عادة مشغولون بالعمل والأسرة والعلاقات الاجتماعية، ولا يهتم معظمنا ببذل الكثير من الوقت والجهد في الأعمال التي تعود بالنفع على الصالح العام، ولكن البعض منا يبذلون القليل، لأن لديهم طاقة حيوية خيرية محدودة يريدون من خلالها أن يقدموا شيئا للناس، ليشعروا بالرضا بأنهم حققوا الواجب عليهم في هذا المجال أو ذاك. المشكلة أن محدودية هذه الطاقة تجعل من المهم جدا لأمة متهالكة تعاني من مئات المشكلات المستصية أن تصرف هذه الطاقة بأكبر قدر ممكن من الفعالية التي تحقق الأهداف ذات الأولوية قبل أي شيئ آخر.
وبالرغم أن المقاطعة هي عمل فردي من حق الإنسان أن يبذله احتجاجا على الإساءة للرسول الكريم، إلا أن الجهد الضخم الذي بذله الناس للدعوة لهذه المقاطعة، وهي في النهاية عمل مؤقت له ثمرات محدودة، يجعلنا نتساءل فيما إذا كان ينبغي بذل هذا الجهد في قضايا أكثر أهمية وفي جهود تعطي ثمرات أفضل على المستوى البعيد.(10/217)
الأمر بالضبط يمكن تشبيهه بالموارد التي تملكها الدولة أو الشركة، لديك القليل من المال، ألا تحرص دائما على بذله في أهم الأشياء وأكثرها أولوية لتحقيق الأهداف العامة؟ الأمر نفسه ينطبق على طاقتنا الإيجابية، والتي يجب أن نحرص على بذلها في القضايا الأكثر أولوية. وأنا هنا لن أتحدث عن هذه القضايا الأكثر أهمية لأن لها حديثا مستقلا، ولأنه إن لم تخطر ببالك قضايا أكثر أهمية، فإنك يجب أن تدرك مباشرة حجم المشكلة عندما تجري أمة تعاني من الضعف في كل مجال وراء مشاعرها العاطفية (رغم أنه أمر مطلوب ومبرر) وتنسى القضايا الهامة التي تخرج بها من الهاوية التي تعيشها.
ربما كان هذا هو السبب الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يتجاهل دائما كل محاولات الإساءة إليه، وكان بهذا قدوة للصحابة الكرام الذين عانوا الأمرين في مجتمع مكة المكرمة، وذلك حتى لا تضيع الطاقة الحيوية في الردود الغاضبة بينما هناك مهام الدعوة، وهي أكثر أهمية بلا شك.
الأمر الآخر الذي يمكن قراءته في سلوك الرسول الكريم هو أن التسامح كفعل إيجابي خير دائما من الفعل السلبي في ما يوصله من رسائل للناس، وهذا أمر أثبتته فيما بعد النظريات السياسية والإدارية والتعليمية والتجارب العلمية التي تثبت فعالية الرد الإيجابي مقارنة بالرد السلبي.
لقد عانينا كأمة الكثير من أثر "الإرهاب" السلبي علينا، وكانت هذه الإساءات في الصحف الدنماركية فرصة هامة للاستفادة منها في أنشطة إيجابية للتعريف بالإسلام والمسلمين وتبرئته من هذه الأنشطة التدميرية، ولذلك أعتبر ما حصل لاحقا بعدما هدئت العواطف من حوار مع الدنماركيين، وإقامة المؤتمرات وغيره أفضل بكثير من الهجوم وحرق السفارات والمظاهرات الأفغانية التي مات فيها العشرات وتدمير شركات عربية لمجرد أنها قررت عمل علاقة تجارية مع دولة أخرى كانت عبر التاريخ دولة مسالمة للعرب والمسلمين.
لقد كتبت قبل أسابيع مقالة بعنوان "صدفة حزينة في الدنمارك"، لأن الدنمارك خصصت عام 2006 لتعريف الدنماركيين بالثقافة العربية والإسلامية وخططت لهذا لمدة أربع سنوات، ووضعت سلسلة طويلة من الأنشطة تشمل برنامجا للتبادل الإعلامي والأكاديمي ومهرجانا ثقافيا يمتد طوال شهر أغسطس، ولكن الصدفة دمرت هذا النشاط، وجعلته في وضع محرج، وخاصة بعدما وجد الدنماركيون أنفسهم مكروهين من شعوب لا يعرفون عنها شيئا بسبب رسوم في صحيفة لا يملكون عليها أي سلطة قانونية.
أحدهم قال لي بعد قراءة المقالة بأن الأمر ربما لم يكن صدفة، وأن الصحيفة ربما فعلت ذلك لتخرب هذه الجهود. بصراحة لم يخطر هذا الاحتمال في بالي قبل أن يقول لي الصديق هذا، ربما لأنني أكره نظرية المؤامرة، ولكن التخريب قد حصل بكل أسف.
أنا لست ضد المقاطعة، فهي سلوك شخصي من حق كل إنسان أن يقوم به بسبب أو بدون سبب، ولكنني ضد تضييع جهود أمة كاملة في ردود فعل عاطفية لم يخطط لها، وضد الغضب غير المجدي، وضد المغامرات التي تثير الحماس دون قيمة، وضد الجهود السلبية.
تحية إكبار لكل الذين يخططون ويفعلون إيجابيا !!
ـ نقلا عن مجلة "المعرفة" السعودية
* رئيس تحرير (العربية.نت)
المقاطعة والمعاملات التجارية مع الأعداء
إسلام أون لاين:عنوان الفتوى:
========================
المقاطعة والمعاملات التجارية مع الأعداء
تاريخ الإجابة 01/03/2005
موضوع الفتوى السياسة الشرعية
بلد الفتوى - الأردن
نص السؤال أود أن تتفضلوا بالإفادة عن حكم الشريعة الإسلامية في الشخص المسلم الذي يتعامل مع أعداء دينه ووطنه معاملات تجارية أو اقتصادية أو غيرها تعود بالنفع على العدو، سواء كان ذلك في وقت السلم أو في وقت الحرب.
اسم المفتي الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا شك أن المسلم مأمور بمجاهدة أعداء دينه ووطنه، بكل ما يستطيع من ألوان الجهاد، الجهاد باليد، والجهاد باللسان، والجهاد بالقلب، والجهاد بالمقاطعة . . كل ما يضعف العدو، ويخضد شوكته يجب على المسلم أن يفعله، كل إنسان بقدر استطاعته، وفي حدود إمكانياته، ولا يجوز لمسلم بحال أن يكون رداء أو عونًا لعدو دينه وعدو بلاده، سواء كان هذا العدو يهوديًا أم وثنيًا . . أو غير ذلك
فالمسلم يقف ضد أعدائه الذين يريدون أن ينتقصوا حقوقه، وينتهكوا حرماته بكل ما يستطيع، وكل من والى أعداء الله وأعداء الدين وأعداء الوطن فهو منهم، كما قال الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51) أي من كان مواليًا لهم بقلبه أو بلسانه أو بمعاملته أو بماله، أو بأي طريقة من الطرق أو أسلوب من الأساليب فهو منهم . . يصبح في زمرتهم . . وهذا ما حذّر القرآن منه في أكثر من سورة، وفي أكثر من آية، جعل الذين يتولون الكفار جزءًا منهم وبعضًا منهم . . (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) (الأنفال: 73 ).(10/218)
فالمسلم لا يوالي الكافر، والبر لا يوالي الفاجر، فإذا والاه كان دليلاً على نقص إيمانه أو على زوال إسلامه والعياذ بالله، فهو نوع من الردة، ولون من المروق عن الإسلام، المفروض أن المسلم إذا لم يستطع أن يجاهد أعداءه بالسيف، فعلى الأقل يجاهدهم بالمقاطعة، لا يتسبب في أن ينفعهم اقتصاديًا أو ماديًا أو تجاريًا، لأن كل دينار أو كل ريال أو كل قرش أو كل روبية تذهب إلى العدو، معناه: أنك أعطيتهم رصاصة أو ثمن رصاصة تتحول بعد ذلك إلى صدر مسلم وإلى قلب مسلم ومن هنا كان اليهود حينما يجمعون تبرعات في أمريكا وفي غيرها كان شعارهم لافتة معروفة: ادفع دينارًا تقتل عربيًا .
فالمال هو الذي سيشتري السلاح الذي يقتل . . . وهكذا . . أنت إذا عاونت مشركًا أو كافرًا أو فاجرًا يحارب المسلمين، فأنت بذلك تقتل نفسًا مسلمة، وهذه كبيرة من الكبائر العظمى (ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة: 32). (ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا). (النساء: 93).
فالمفروض في المسلم ألا يكون مع أعدائه أبدًا، مهما أظهروا من حسن النوايا فهذا كذب - يقول الله تعالى: (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض) (الجاثية: 19)، (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51) ويقول: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) (المائدة: 82)، فلابد أن نعرف هذا جيدًا، وأن يكون كل مسلم مع أمته الإسلامية، ومع دينه . . . . وهذا أقل شيء . . وهو أمر فطري في الأمم . . فالإنسان إذا حارب سواه، لا يحاربه بالسلاح فقط، بل بأكثر من ذلك . . . بالمقاطعة . . المشركون حينما أرادوا في مكة أن يحاربوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، أول ما حاربوه، لم يكن حرب السلاح، وإنما كانت حربًا اقتصادية بالمقاطعة قاطعوه وأصحابه، وأهله، ممن انتصروا، من بني المطلب وبني هاشم . . . حاصروهم، وقاطعوهم ولم يبيعوا لهم ولم يشتروا منهم، ولم يزوجوهم، ولم يتزوجوا منهم، وذلك معناه: الحرب الاقتصادي معناه الإعداد . . فهكذا . . وهؤلاء مشركون . . فالمسلمون أولى بأن يعرفوا ذلك وأن يقاطعوا كل عدو لله، وكل عدو للمسلمين،
وكل من خرج على ذلك فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين.
والله أعلم
=========================
المقاطعة وسيلة لنصرة المجاهدين
تاريخ الإجابة 01/06/2001
موضوع الفتوى الجهاد
بلد الفتوى - السعودية
نص السؤال لايخفى عليكم مايتعرض له إخواننا الفلسطينيون في الأرض المقدسة من قتل واضطهاد من قبل العدو الصهيوني ،ولا شك أن اليهود لم يمتلكوا ما امتلكوا من سلاح وعدة إلا بمؤازرة من الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا والمسلم حينما يرى مايتعرض له إخواننا لا يجد سبيلاً لنصرة إخوانه وخذلان أعدائه إلا بالدعاء للمسلمين بالنصر والتمكين وعلى الأعداء بالذلة والهزيمة، ويرى بعض الغيورين أنه ينبغي لنصرة المسلمين أن نقاطع منتجات إسرائيل وأمريكا ،فهل يؤجر المسلم إذا قاطع تلك المنتجات بنية العداء للكافرين وإضعاف اقتصادهم ؟ وماهو توجيهكم حفظكم الله .
نص الإجابة
بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
يقول الشخ ابن جبرين من علماء السعودية :
يجب على المسلمين عمومًا التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكنهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقه للأحكام الدينية وإقامة الحدود والعمل بتعاليم الدين، وبما يكون سببًا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى ، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل مايستطيع، فقد ورد في الحديث : (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم).
فيجب على المسلمين مساعدة المجاهدين بكل مايستطيعونه ،وبذل كل الإمكانات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين ،كما يجب عليهم جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعليهم أيضًا أن يفعلوا كل مافيه إضعاف للكفار أعداء الدين, فلا يستعملونهم كعمال للأجرة كتابًا او حسابًا أو مهندسين أو خدامًا بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار وتمكين لهم بحيث يكتسحون أموال المؤمنين، ويعادون بها المسلمين .
وعلى المسلمين أيضًا أن يقاطعوا جميع الكفار بترك التعامل معهم ،وبترك شراء منتجاتهم سواء كانت نافعة كالسيارات والملابس وغيرها ،أو ضارًا كالدخان بنية العداء للكفار وإضعاف قوتهم وترك ترويج بضائعهم ،ففي ذلك إضعاف لاقتصادهم مما يكون سببًا في ذلهم وإهانتهم .
والله أعلم
====================
المُخْتار يا أُمَّةَ المِلْيار!
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ أَيْنَ رِجالُكِ أيْنَ النَّفيرُ وأيْنَ صَوْتُ الحادِي؟
فَالنَّذْلُ يَهْزَأُ بالنَّبِيِّ وما انْتَهَى رُغْمَ النَّكيرِ فَيا لَهُ مِنْ عَادِي!!
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ مَنْ أَغْرَى بِنَا أبناءَ قِرْدٍ حِفْنَةَ الأوْغادِ؟(10/219)
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ أَيْن أُسودُكِ الْغَضْبَى لِتَثْأَرَ لِلنَّبِيِّ الهادِي؟
يا أُمَّةَ المِلْيارِ أَيْنَ شَبِيبَةٌ تَهْفُو لِحَمْزَةَ أَوْ خُطَى الْمِقْدَادِ؟
يَا أُمَّة المِلْيارِ أَيْنَ صَفِيَّةٌ أَيْنَ بَنُو الخَنْسَاءِ لِلأَحْفَادِ؟
لَوْ كَانَ فِينَا خَالِدٌ أَوْ طَارِقٌ لأَتَى السَّفيهُ يُريدُ لَثْمَ أَيَادِي
********************
يَا أُمَّةَ المِلْيَارِ تِلْكَ رُبُوعُنا لَبِسَتْ لِعَهْدِ الْعِزِّ ثَوْبَ حِدَادِ
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ هَلْ مِنْ عِبْرَةٍ مِنْ حَالِ أَنْدَلُسٍ وَمِنْ بَغْدَادِ؟
عَجَباً نَرى أهلَ الضلالِ تَحالَفوا وَالخُلْفُ مَزَّقَ سَهْلَنَا والوَادِي!
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ هَلْ مِنْ وَقْفَةٍ؟ فَالْكُفْرُ أَظْهَرَ كَامِنَ الأَحْقادِ
يا أُمَّةَ المِلْيارِ أَيْنَ نَبِيُّنا فِي قَلْبِ حَاضِرِ قَوْمِنا وَالْبَادِي؟
حب النبي فريضة وبدونها ركن العقيدة ذاهب كرماد
عَجَباً نَقولُ نُحِبُّهُ وَنُجِلُّهُ وَالفِعْلُ يَرْمِي قَوْلَنا بِفَسادِ!
يا أُمَّةَ المِلْيارِ كَيْفَ مَحَبَّةٌ وَالقَلْبُ هامَ بِمَوْقِعٍ وَنَوَادِي؟
يا أَمَّةَ المِلْيارِ كَيْفَ مَحَبَّةٌ وَقَدِ اشْتَكَى المِحْرَابُ هَجْرَ عِبَادِ؟
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ كَيْفَ مَحَبَّةٌ وَالْمَالُ يَشْكُو مِن رباً وَفَسَادِ؟
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ أَيْنَ فَقِيرُنَا أَحَبَاهُ جَمْعُ المُوسِرِينَ بِزَادِ؟
أَيْنَ النِّسَاءُ حِجَابُهَا وَعَفَافُهَا؟ قَذَفَتْ بِها نَحْوَ الضَّيَاعِ عَوَادِي
يا أُمَّةَ المِلْيارِ يَبْكِي طِفْلُنَا أُمَّاً تَخَلَّتْ عَنْهُ بَيْنَ بَوادِي!
يا أُمَّةَ المِلْيارِ أَيْنَ سُجُودُنَا بِالليْلِ بَيْنَ قَوَافِلِ العُبَّادِ؟
يا أُمَّةَ المِلْيارِ أَيْنَ صِيَامُنَا نَفْلاًً نُحَاكِي مَوْكِبَ الزُّهَّادِ؟
يا أُمَّةَ القُرْآنِ أَيْنَ كِتَابُكِ أَلْهَتْكِ عَنْهُ رَبَابَةٌ أَمْ شَادِي؟
يا أُمَّةَ المُخْتَارِ أَيْنَ عُلُومُهُ؟ هُجِرَتْ وَبَاءَتْ سُوقُهَا بِكَسَاد!
مَنْ كَانَ حِبّاً للرَّسُولِ فَكُلُّهُ بُغْضٌ لِخَصْمٍ للرسول يُعَادِي
مَن رامَ نَصْراً للرَّسُولِ فَمَا لَهُ غَيْرُ الرَّسُولِ وَهَدْيُهُ مِنْ حَادِي
*********************
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ أَيْنَ حِسَابُنَا للنَّفْسِ قَبْلَ رَحِيلِنَا وَمَعَادِ؟
كَثُرَ الكَلامُ فَأَيْنَ فِعْلٌ حَازِمٌ لِيَلُوذَ جَمْعٌ آبِقٌ بِرَشَادِ؟
طَالَ الشِّقَاقُ فَأَيْنَ صَفٌّ وَاحِدٌ لِيَفُلَّ حَدَّ عِصَابَةِ الإِلْحَادِ؟
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ فالحَقُّ يَدْعُو وَالرَّسُولُ يُنَادِي؟
يا أُمَّةَ المِلْيَارِ هَلْ مِنْ نَهْضَةٍ أَوْ صَحْوَةٍ مِنْ غَفْلَةٍ وَرُقَادِ؟
يا أُمَّةَ الإِسْلامِ هَلْ مِنْ هِمَّةٍ نَحْوَ الفَلاحِ وَعِزَّةٍ وَرِيَادِ؟
يا أُمَّةَ الإِسْلامِ هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ لِهُدَى الرَّسُولِ بِقُوَّةٍ وَسَدَادِ؟؟
=========================
النبي العظيم بين حقد أعدائه وحب أبنائه
(إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).. الأحزاب: 57.
لقد اعتاد المجرمون في الأرض أن يحاربوا الحق والهدى بوسائل شتى، وللهجوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام تاريخ طويل ابتدأ به كفار قريش، كان آخره ما حدث في الدانمرك حين نشرت إحدى صحفها صورا مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وما تلا ذلك من أحداث كشفت حقيقة الحقد الدفين، وعدم التجاوب مع سفراء الدول الإسلامية، وقد سبق ذلك قصة سلمان رشدي، ثم قصة اخراج فيلم سيئ عن النبي العظيم، ولكن مهما بذل المجرمون في هذا السبيل فانه لا ينقص من المنزلة العالية لمحمد صلى الله عليه وسلم عند الله وعند المؤمنين، وقد توعد الله المستهزئين، وذلك بقوله سبحانه وتعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) الحجر: 95.
فقد كان نفر من قريش يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلكم الله جميعا، وكذلك في الآية المذكورة أعلاه، ينزل الله عليهم اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا، وكذلك آيات أخرى في هذا الصدد.
وحسب الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ان مدحه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وأعلى ذكره في الأرض والسماء أبد الدهر، ثناء لم ينله أحد من خلقه.
وتدافع الشعراء والمؤمنون يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم مديحا امتد من حياة الرسول الكريم إلى يومنا هذا، وما اجتمع لأحد من خلق الله أن ينال هذا المديح الممتد ولا جزءاً منه، مديحا افرغ فيه المؤمنون شديد ايمانهم وعظيم حبهم وروائع بيانهم، لتظل أنشودة الدهر، ولآلئ البيان.
ولعل أول من بدأ بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعراء الأعشى الكبير ميمون ابن قيس في قصيدته التي مطلعها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
وعادك ما عاد السليم المسهدا(10/220)
وقصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه حين تاب واعتذر وألقى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته الرائعة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
وأنا أعد هذه القصيدة من روائع الأدب العالمي، واندفع بعض الصحابة الشعراء رضي الله عنهم يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدافعون عنه أمام هجوم قريش كعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.
ولكن حسان بن ثابت كان أطولهم باعا وأشدهم ايذاء لقريش وشعرائها، وإنا لنجد في وصف أم معبد التي مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرع شاة خلفها الجهد، فدرت لبنا روي منه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوبكر رضي الله عنه والذين معه، نجد في وصفها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة أدبية عالية، تقول فيها:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق.. ان صمت فعليه الوقار، وان تكلم سماه وعلاه البهاء.. هذا البيان الرائع دفعه التأثر الصادق العميق حين رأت وجه النبوة دون أن تعرفه.
وتوالى الشعراء على مر العصور يدفعون لآلئ قرائحهم وغني بيانهم في مديح سيد الخلق، حتى لا يكاد يخلو عصر من أحد منهم، وقد جمع الشيخ يوسف سعيد النبهاني المتوفى سنة 1350هـ كل ما قيل في مدح الرسول الكريم في المجموعة النبهانية، في المدائح النبوية في أربع مجلدات تضم أكثر من ألف وخمسمائة صفحة، وجاء الشعراء في العصر الحديث يبدعون في هذا المديح مثل محمود سامي البارودي في قصيدته: كشف الغمة في مدح سيد الأمة في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتا، وأحمد محرم في ديوانه مجد الإسلام، وشوفي في قصيدتيه البائية والهمزية، وشعراء كثيرون يضيق المجال عن ذكرهم في هذه الكلمة الموجزة.
ولم يقتصر مديح الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين فان عددا من الشعراء النصارى مدح الرسول المصطفى، من مثل: الياس قنصل، والشاعر القروي رشيد سليم خوري، ورشيد أيوب، ورياض المعلوف، والياس طعمة الذي أسلم وسمي نفسه الوليد، ولقد تشرفت بمديح سيد المرسلين بقصيدة بعنوان: رسول الهدى في سبعة وأربعين بيتا أذكر هنا منها:
أنت معنى الوفاء: ذكرك في الأرض حميد وفي السماء حميد
لا تكاد الشهود تملأ عينيـ ـها فيغضي من الجلال الشهود
حسبك المدح أن تكون على خلـ ـق عظيم يثني به الكتاب المجيد
وعلى الأمة المسلمة كلها أن تقتفي أثر جهود المملكة العربية السعودية في معالجة هذا الموقف من الدانمرك بالحزم والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو أدى ذلك إلى مقاطعة العالم الإسلامي كله للدانمرك، حتى تعلم الدانمرك وغيرها ان الأمة المسلمة مازالت على عهدها مع الله سبحانه وتعالى وحبها للرسول العظيم وغيرتها على الإسلام.
=========================
النبيُّ العظيم والرحمة المهداة بين وفاء المؤمنين وإيذاء المشركين
www.alnahwi.com
أنعم الله تبارك وتعالى على هذه الأمة نبي الهدى { الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، فهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وهو خاتم النبيين، وسيد المرسلين، ومحبته واجبة على الخلق أجمعين، وقد نصره وأحبه كل مؤمن تقي، وخذله وآذاه كل منافق ومشرك، والكاتب ينفع الله به - أبان في هذا المقال هذه الصور بشكل دقيق وبيان لطيف.
1- ثناء من الله سبحانه وتعالى على رسوله الكريم { :
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 45 ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( 46 ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( 47 ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى" بالله وكيلا ( 48 ) {الأحزاب: 45 - 48}.
مهما كتب الصادقون من ثناء على النبيّ العظيم، سيد المرسلين محمد {، ومهما ألَّفوا من كتب وقدَّموا من دراسات عن عظمة النبيِّ الخاتم، ومهما نظَم الشعراء من قصائد في مديح النبيّ المصطفى، فلن يبلغ ذلك كله ما أثنى به الله على رسوله الذي اصطفاه وبعثه رحمة للعالمين. وحَسْبك هذا الوصف الذي تعرضه الآيات الكريمة أعلاه، يخاطب بها الله سبحانه وتعالى رسوله ونبيّه، فيبيّن له حقيقة المهمة التي بُعث بها: شاهداً على أُمَّتِكَ وقد بلَّغتَهم وأقمتَ عليهم الحجَّة وعلى الناس كافَّة، ومبشراً للمؤمنين بالجنَّة والفضل العظيم من الله، ونذيراً للكافرين من عذاب النار يوم القيامة، وداعياً يبلِّغ رسالة ربِّه، الرسالةَ الخاتمة، إلى الناس كافة، رسالة ظاهرة مشرقة كالشمس بصدقها وحجتها وآياتها. ولا تطع الذين أدبروا عن الهدى، ولا تبالِ بأذاهم وامضِ متوكلاً على الله، على خطّة جليَّة، ونهج قويم، وصراط مستقيم، لا يعطله إيذاء المجرمين !
وتتوالى الآيات الكريمة تعرض عظمة النبيّ الذي اصطفاه الله واختاره وبعثه بالهدى ودين الحق، تعرض وتحيط بجوانب عظمته في بيان معجز وعرض حق . ولا نستطيع هنا أن نورد الآيات كلها في هذا الصدد، ولكننا نأخذ قبسات تشير وتدلُّ : وإنك لعلى" خلق عظيم 4 {القلم: 4}.(10/221)
وما أعظم هذا الثناء من ربِّ العالمين، يبرز فيه سبحانه وتعالى أهمية الخُلُق في دين الله، ومنزلته في حياة الناس، ودوره في الوفاء بالأمانة والعهد، والتبليغ والتعهد. ولتكون نبراساً للخَلْقِ كلِِّهم، للبشريَّة كلِّها، حتى يتمسكوا بهذا المبدأ العظيم، ويتأسَّوا بخُلُق الرسول {:
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 21 {الأحزاب: 21}.
ويرفع الله منزلة النبي { بين المؤمنين وبين الخلق جميعاً، حتى يكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وزوجاته أمهاتهم :
النبي أولى" بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى" ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى" أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا 6 {الأحزاب: 6}.
وهذه المنزلة العالية والصفات السامية تجتمع في رجل أمّيٍّ لا يقرأ ولا يكتب، وبعثه الله بهذه المعجزة العظيمة ليدحض الله بها أقوال المفترين ومزاعم المضلّين:
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون 158 {الأعراف: 158}.
وأمر الله المؤمنين باحترام الرسول { بأسلوب الحديث وعدم رفع الصوت وعدم تقديم الرأي بين يديه، وجعل الله الإخلال بذلك مبطلاً لأعمالهم. إنه إجلال للنبوة ولمنزلتها العالية :
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم 1 يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون 2 {الحجرات: 1، 2}.
وحَسْبك من ثناء الله على رسوله { أن اختاره واصطفاه من خلقه، ليحمل هذه الرسالة العظيمة، وجعل طاعة الرسول من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله سبحانه وتعالى، وإيذاءه يجلب غضب الله ولعنته :
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون 20 ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون 21 {الأنفال: 20، 21}.
قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين 54 {النور: 54}.
من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى" فما أرسلناك عليهم حفيظا 80 {النساء: 80}.
إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا 57 {الأحزاب: 57}.
وأيّ ثناء أعظم من أن يجعل الله طاعة رسوله { من طاعته، قاعدة إيمانيَّة رئيسة يلتزم بها المؤمنون أبد الدهر . ولتكون طاعة الله ورسوله هي القاعدة الجامعة للمؤمنين صفاً واحداً ما التزموا ذلك !
ويظلُّ الثناء على رسوله { ثناءً ممتداً أبد الدهر، كلما تلا مؤمن كتاب الله، يردّد مع التلاوة ثناء الله على رسوله {، كما يقول الشاعر :
حَسْبُكَ المَدْحُ أَنْ تكون عَلَى خُلْ
قٍ عَظيمٍ يُتْلَى بِهِ الكِتابُ المُجيدُ
كُلُّ آيٍ مِنَ الكِتابِ وَذِكْرٍ
هُوَ ذِكْرٌعلى الزَّمَانِ جَدِيدُ(1)
2- عناية الله ورعايته، وتثبيته وحمايته :
ولا يقف الأمر عند ثناء الله على رسوله النبي المصطفى فحسب، ولكن مع هذا الثناء تمتد رعاية الله سبحانه وتعالى رعاية حانية، تحنو على الرسول الكريم وهو يشقُّ سبيله بين صخور وعقبات، وشدَّة إيذاء وعظيم ابتلاء. ويمتدُّ مع الرعاية والحنو توجيهٌ وتثبيتٌ ومددٌ بالوحي والملائكة والنور الذي أُنْزل، كلُّ ذلك ليبعث في نفسه الطمأنينة، وفي قلبه الثبات والعزيمة، ومع مسيرته الصبر والثقة والاستبشار. ولنتدبَّر بعض القبسات من كتاب الله تضيء لنا هذه الحقائق :
وتوكل على العزيز الرحيم 217 الذي يراك حين تقوم 218 وتقلبك في الساجدين 219 إنه هو السميع العليم 220 {الشعراء: 217 - 220}.
وتمضي هذه الرعاية في كلِّ أحوال الرسول {، وهو يتلقَّى الإيذاء الشديد من قريش، والعدوان والمطاردة، والكيد والتآمر والمكر من اليهود ومن قريش ومن الأحزاب كلها، حين تجمَّعت والتقت على حربه :
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم 48 ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم 49 {الطور: 48، 49}.
وتمتد هذه الرعاية الحانية إلى التوجيه والتثبيت في مواقف الشدَّة والكيد والمكر، مع كلِّ مرحلة من مراحل الدعوة :
وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل 85 إن ربك هو الخلاق العليم 86 ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 87 لا تمدن عينيك إلى" ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين 88 وقل إني أنا النذير المبين 89 {الحجر: 85 - 89}.(10/222)
نعم ! وقل إني أنا النذير المبين ! إعلان حاسم للرسالة، سيعقبه الإيذاء والاستهزاء من المشركين . فيأمره الله بالمضيّ دون أن يأبه بالمشركين ولا بإيذائهم، فهو ماضٍ على نهج قويم وصراط مستقيم، وقد تعهَّد الله بأن يكفيه المستهزئين:
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين 94 إنا كفيناك المستهزئين 95 الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون 96 {الحجر: 94 - 96}.
ويشتدُّ الإيذاء على رسول الله {، ويشتدُّ المكر والكيد، وتظلُّ رعاية الله لنبيّه حانية ممتدة، حتى إذا حاولوا أن يفتنوا الرسول { عن الذي أوحى به الله إليه، كانت الرعاية الربَّانيَّة حانية توجِّه وتثبّت وتنصر :
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا 73 ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا 74 إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا 75 {الإسراء: 73 - 75} .
وكما يمتدُّ مكر المشركين والكيد برسول الله {، تمتدُّ عناية الله برسوله وحمايته له:
وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا 76 سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا 77 {الإسراء: 76، 77}.
تثبيت ويقين يتنزَّل على رسول الله {، وإنذار شديد للكافرين يذهب بمكرهم وكيدهم: ... وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ! سينزل بهم عذاب الله! وكذلك تدَّبَّرْ هذه الآيات التالية لترى عظمة الرعاية وجلال الحنو وقوة التثبيت :
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين 30 {الأنفال: 30}.
وكذلك :
وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال 46 فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو \نتقام 47 {إبراهيم: 46، 47}.
ولقد ثبت رسول الله {، ومضى في دعوته بين كيد الكافرين ومكر المشركين، وبين رعاية الله وحمايته حتى من المستهزئين: إنا كفيناك المستهزئين! واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى يمدُّ الرعاية لرسوله الكريم:
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد \هتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم 137 {البقرة: 137}.
نعم ! فسيكفيكهم الله ! وقد كفاه المستهزئين والماكرين، فأخذهم الله بهلاك من عنده، ويمتدُّ وعد الله هذا إلى أبد الآبدين على سنن لله ثابتة وقضاء نافذ وقدر غالب وحكمة بالغة.
ولو راجعنا السيرة لوجدنا أن المستهزئين كانوا كثيرين. فأما " أبو لهب " فقد بشره الله بالهلاك في الدنيا والخلود في النار بالآخرة. فأصيب أبو لهب بمرض مات فيه شر ميتة، ولم يقدروا على تغسيله لشدَّة الرائحة الكريهة التي كانت تخرج من جسده الذي ينسلخ ويتساقط. وأبو جهل قتل في بدر، والنضر ابن الحارث أُسِرَ في بدر وأمر الرسول { بضرب عنقه. والأسود بن يغوث أصابته السموم ومرض الأكلة، فامتلأ جسمه قيحاً فمات شرَّ ميتة. والحارث بن قيس السهمي مات بالذبحة. وأُبيّ بن خلف وأميَّة بن خلف كانا من أشدِّ من آذى رسول الله { وعداوة له واستهزاء به، فهلك أمية في بدر وأُبيّ في أُحد. وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة هلك على يد حمزة رضي الله عنه. والعاص بن وائل السهمي، فقد هلك هذا المشرك في مكة بلدغة حيَّة في رجله فانتفخت رجله حتى مات. وكذلك نَبِيْه ومُنَبِّه ابنا الحجاج السَّهميَّان، والأسود بن المطلب ابن أسد، وطعيمة بن عديّ بن نوفل، ومالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان، وركانة بن عبد يزيد، والوليد ابن المغيرة(2). وحشد من اليهود والمشركين، ردَّ الله استهزاءَهم ومكرهم على أنفسهم وباؤوا بخسران في الدنيا والآخرة. وذهب ذكرهم وطُوي، وظلَّ محمد{ يشرق مع الدهر ذكراً حميداً في السماء وحميداً في الدنيا:
أَيُّها المصطفى! تَفَرَّدْتَ في الخَلْ
قِ نَبِيّاً عُلاَك أُفْقٌ فَرِيدُ
أَنْتَ مَعْنَى الوَفَاءِ: ذِكْرُكَ في الأَرْ
ضِ حميدٌ وفي السَّماءِ حَميدُ(3)
وظلَّ أعداء محمد { هم أعداء الدين الحق، ظلُّوا ممتدّين مع الزمن يكيدون ويستهزئون، ويُرَدُّ كيدهم إلى نحورهم، وهم دائماً : الكافرون والمشركون والمنافقون واليهود وفريق من النصارى، حيث ما زال منهم من يؤمن بهذا الدين :
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى" بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون 112 {الأنعام: 112}.
إنها سنَّة من سنن الله !
ولقد اجتمعت هذه الخصائص والسمات الفريدة في محمد { وهو يشقُّ طريقه بين أعداء مجرمين وبين عناية من ربِّ العالمين، ولكنه مع كلِّ ذلك ظلَّ رحمةً للعالمين، رحمةً بأصحابه المؤمنين ورحمةً للبشريَّة على مرِّ القرون، ما دام المؤمنون يُبلِّغون رسالة ربِّهم إلى الناس كافَّة، ليخرجوهم من الظلمات إلى النور:
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 107 {الأنبياء: 107}.(10/223)
يهدي به الله من \تبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم 16 {المائدة: 16}.
3- ثناء الشعراء المؤمنين على مرِّ العصور :
وقد عرف المؤمنون رسولهم ونبيُّهم محمداً {، وأصبح حُبّه جزءاً رئيساً من الإيمان، ليكون حُبُّ الله ورسوله الحبَّ الأكبر في حياة المؤمن، ومنه ينبع كلُّ حبٍّ في الحياة الدنيا . ومن هذا الحب الصادق انطلق الشعراء المسلمون يمدحون رسول الله { بقصائدهم الغنيَّة بالبيان والصدق والوفاء .
ولعلَّ أول من بدأ بمدح رسول الله { من الشعراء الأعشى الكبير ميمون ابن قيس في قصيدته التي مطلعها(4):
ألم تَغْتمِضْ عيناك ليلة أرمدا
وعادك ما عاد السليم المسهَّدا
وقد نظم القصيدة حين عزم على أن يسلم، وتوجَّه إلى النبيّ { بهذه القصيدة، فصدَّته قريش لما خافت من أثر شعره في العرب، إذ كان يُسمَّى صنَّاجة العرب . ونجحت قريش في صدَّه فعاد إلى قريته، وفي طريق عودته رمى به بعيره إلى الأرض فمات، وذلك سنة 629م .
وقصة كعب بن زهير بن أبي سلمى رضي الله عنه، حين هجا الرسول {، ثمَّ تاب وتوجّه إلى الرسول الكريم بقصيدته الرائعة، وأعلن توبته بين يدي الرسول {، ثمَّ ألقى قصيدته التي مطلعها(4):
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
مُتيمّ إثرها لم يُفْدَ مكبول
وإني لأعدُّ هذه القصيدة من روائع الأدب العالمي . وإني لا أرى كما يرى الكثيرون أنَّ مطلعها غزل وتشبيب كعادة العرب في الجاهلية، ولكني أرى أنَّ كعباً يصف فيها رحلته من الجاهلية التي كان قد عشقها ثمَّ فارقها (بانت سعاد) إلى الإسلام والإيمان الذي دخل قلبه وملك حبّه (أمْستْ سعاد بأرضٍ لا يبلّغها: إلا العتاق النجيبات المراسيل).
ثمَّ تتدافع الشعراء من أصحاب رسول الله { يمدحون نبيّهم ورسولهم، ويدافعون عنه ويدفعون عنه أذى قريش وشعرائها . وكان من شعراء الصحابة عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين . ولكن حسان بن ثابت كان أطولهم باعاً وأشدهم إيذاءً لقريش .
وكان وصف أم معبد لرسول الله { حين مرَّ بخيمتها :
" رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبْه ثُعلة، ولم تُزْرِ به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي ضوئه صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلَّم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق لا نزر ولا هذر ....الخ"(5). وقد وصفه عليٌّ بن أبي طالب في بيان رائع، وكذلك أنس بن مالك، وأبو جحيفة، والبراء، وجابر بن سمرة، وأبو هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وقد توالى الشعراء المسلمون على مرِّ العصور يدفعون لآلئ قرائحهم وغنيّ بيانهم في مدح رسول الله {، حتى لا يكاد يخلو عصر من أحد منهم. وجاء الشعراء في العصر الحديث يبدعون في هذا المديح. وكان أولهم محمود سامي باشا البارودي في قصيدته: "كشف الغمة في مدح سيد الأمة" في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتاً، وكذلك أحمد محرَّم في ديوانه مجد الإسلام، وشوقي في قصيدتيه البائية والهمزية، وعمر أبو ريشة في مقدمة ملحمته، وعدنان النحوي في قصيدته رسول الهدى في سبعة وأربعين بيتاً .
ولقد بيّنَّا في هذه الصفحات كيف أنَّ الله سبحانه وتعالى قد أثنى على عبده النبيّ الخاتم أعلى ثناء، وكيف مدحه عدد من أصحابه الشعراء وأخرسوا سفهاء قريش، وكيف وصفته أم معبد، وهي لم تره إلا مرّة واحدة ولفترة قصيرة، ولكنه أثر النبوّة المشرق الذي يؤثر في النفوس، ويزداد تأثيره كلما صفت النفوس وزادت إيماناً. وأشرنا كذلك كيف وصفه بعض الصحابة كذلك وصفاً جامعاً يهزُّ النفوس.
4- النبيّ العظيم يصف نسبه ومنزلته عند الله:
وبالإضافة إلى ذلك كله، فقد عرَّفنا رسول الله { بنسبه وكيف اختاره الله من خير قرون بني آدم قرناً فقرنا . فلننظر في قبسات من الأحاديث الشريفة حول ذلك :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي { قال : "بُعثتُ من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً، حتى كنتُ من القرن الذي كنتُ منه"(6).
عنه أيضاً عن الرسول { أنه قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مشفّع"(7) وفي رواية أخرى عنه أيضاً في حديث طويل: "أنا سيد الناس يوم القيامة. وهل تدرون بِمَ ذلك ؟! يجمع الله الأولين والآخرين ....."(8).
وعن المطلب بن أبي وداعة عن العباس عن الرسول { أنه قال: "..أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله تعالى خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين، فجعلني في خيرهم فرقة، وخلق القبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً، فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيركم بيتاً، وخيركم نفساً"(9).
والأحاديث الشريفة كثيرة حول هذا الموضوع، حيث يظهر فضل الله على خلقه جميعاً أن بعث فيهم محمداً { على أحسن هيئة خَلْقاً وخُلُقاً، وأحسنهم منبتاً .(10/224)
5- الشعراء غير المسلمين يمدحون الرسول { :
ولم يقتصر مديح الرسول { على المسلمين، فقد قام عدد من الشعراء النصارى يمدحون رسول الله { بقصائد غنيَّة تلمس فيها وضوح العاطفة وحقيقة الإكبار . ويبقى السؤال: فلماذا لم يسلموا ؟! ومن هؤلاء: "إلياس قنصل"، والشاعر القروي "رشيد سليم الخوري"، و"رشيد أيوب"، و"رياض المعلوف"، و"إلياس طعمة" الذي أسلم وجعل اسمه بعد إسلامه "وليد طعمة"! وكذلك سعيد جرجس العيسى الذي مدح رسول الله بقصيدة جميلة، والذي ذكر عيسى عليه السلام ومريم عليها السلام كما هما في القرآن الكريم، وأشاد بالتوحيد كما هو في كتاب الله . وقد دعوته ليعلن إسلامه، ولكنّه توفّي قبل أن أتلقَّى منه خبراً .
6- الرسول { في الكتب المنزلة :
ولدينا في كتاب الله القول الحق بأنَّ اسم محمد { ثابت في التوراة والإنجيل :
وإذ قال عيسى \بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي \سمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين 6 {الصف: 6}.
ولم يقف الأمر عند عيسى عليه السلام وحده، وإنما امتدَّ إلى جميع الرسل، حيث أخذ الله عهداً منهم جميعاً أن يؤمنوا بالنبيّ الخاتم وينصروه :
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على" ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين 81 {آل عمران: 81}.
ولقد كتب عدد من الباحثين في التوراة والإنجيل وبيّنوا أنَّ اسم محمد وارد في التوراة والإنجيل بالأسلوب واللغة التي دُوِّن فيهما هذان الكتابان، مع ما أصابهما من التحريف . فيذكر البروفسور عبد الأحد داود في كتابه: " محمد في الكتاب المقدس " نماذج متعددة عن ذكر محمد {، ففي الإصحاح الثاني من سفر حَجّي، تأتي الترجمة هكذا: " ويأتي مشتهى كل الأمم "! " وعندما أرسل الله خادمه النبيّ حجّي ليسري عن هؤلاء المحزونين على تدمير الهيكل، ومعه الرسالة الهامة: ولسوف أزلزل كل الأمم وسوف يأتي حِمَدا (Himada) لكل الأمم " ! وبالعبريّة: " في يافو حِمْداث كول هاجو بيم "، وترجمتها الحرفية كما سبق ذكره(10). ويورد نصّاً آخر : " .... حتى يأتي شيلوه ويكون له خضوع الشعوب " ! ويفسّر كلمة " شيلوه " بالشخص الذي تخصّه، ويذكر المؤلف نصوصاً أخرى كثيرة ليُثْبتَ رأيه .
ويذكر المستشار محمد عزت الطهطاوي في كتابه: " محمد { نبيّ الإسلام: في التوراة والإنجيل والقرآن "، وأمثلة كثيرة عن ورود اسم النبيّ الخاتم بألفاظ متعددة . ويذكر في الباب الأول نصوصاً من البشارات في "العهد القديم " . ويحقق في كلِّ نصٍّ ليُثْبتَ الإشارة والبشارة بمجيء محمد {. ويأخذ النصوص من أسفار: التكوين، التثنية، المزامير، وأشعياء، وميخا، وحبقوق، وحَجّي، ملاخي . ويأتي بنصوص من الإشارات والبشارات في بعض كتب العهد الجديد، وهي الأناجيل الأربعة: " متى ومرقص، ولوقا ويوحنا"(11).
فبالرغم مما جرى في العهدين القديم والجديد من تحريف، فقد بقيت نصوص كثيرة تشير إلى أنَّ الله سيبعث بعد موسى وعيسى عليهما السلام النبيّ الذي تخضع له الشعوب أو الذي تنتظره الشعوب .
7- كتب ودراسات تشيد بذكر النبي العظيم محمد {:
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ من الثناء على النبيّ العظيم، المصطفى، ولكن كثيراً من الناس، من مسلمين وغير مسلمين، كتبوا عن محمد {، بعد أن درسوا سيرته، فخشعوا أمام هذه السيرة العظيمة المتفرِّدة . فقد كتب كثيرون قديماً وحديثاً عن الرسول { دراسات عامة من عظمته وتفرّده، أو عن جانب من جوانب عظمته، بحيث يصعب حصر الذين كتبوا في ذلك، يضاف إلى ذلك المقالات الواسعة التي لا تقع تحت حصر. وكلها تدور بين الثناء والكشف عن أسرار عظمته، أو للدفاع والردِّ على المجرمين المبطلين الذين يؤذون الله ورسوله. ولكننا نشير إلى ثلاثة كتب رئيسة، هي : السيرة النبوية لابن هشام، الشمائل المحمدية للترمذي، وزاد المعاد لابن القيم.
ومن غير المسلمين من عبَّر عن رأيه في عظمة الرسول { بكلمات أو جمل تعبّر عن جلاء قناعته بعظمة النبي الكريم . ونذكر بعض أسماء من عبَّروا عن آرائهم، فالقائمة طويلة تتجاوز خمسين اسماً، كان من بينهم: بيرنارد شو، توماس كارلايل، ه . جي . ويلز جوستاف لوبون، بلانشيه، الفونس لا مارتين، تولستوي، سير وليم موير في كتابه : حياة محمد ({)، غاندي، ... وكثيرون !
ونأخذ نصَّاً واحداً للعالم الهندي د . ت . ل . فسواني، حيث يقول: " إليك يا محمد وأنا الخادم الحقير أقدّم إجلالي بخضوع وتكريم . إليك أطأطئ رأسي!، إنك لنبيٌّ حقاً من الله . قوّتك العظيمة كانت مستمدَّة من عالم الغيب الأزلي!"(12).(10/225)
من هذا العرض السريع نرى بجلاء أنه لا يوجد لدى البشرية كلها من نال من الثناء والإجلال في جميع العصور ومن مختلف الاتجاهات ما ناله نبيُّ الرحمة محمد {. فمن مِن الناس، مثلاً كُتبَ في الثناء عليه شعر تجاوز ألفاً وخمسمائة صفحةً، خلاف النثر والكتب والمؤلفات . ولا بدَّ أن نؤكِّد أنَّ أعظم ثناء ناله هو من الله سبحانه وتعالى .
8- الرسول { في قلوب المؤمنين:
وسيظلُّ ذكرُ الرسول { مقترناً بذكر الله الذي لا إله إلا هو، وسيظلُّ حبّ الله ورسوله الحبّ الأكبر في قلوب المؤمنين، منه ينبع كل حبٍّ في الحياة الدنيا، وسيظلُّ العهد الأول مع الله سبحانه وتعالى، منه ينبع كلُّ عهد في الحياة الدنيا ويرتبط به، وسيظلُّ الولاء الأكبر هو لله سبحانه وتعالى، منه تنبع كلُّ موالاة في الحياة الدنيا، لتبني أُخوّة الإيمان بين المؤمنين جميعاً كما أمر الله ورسوله .
وهذا الإيمان الذي يدعو إليه الكتاب والسنة هو الذي يجمع المؤمنين أمة مسلمة واحدة، ممتدّة مع الدهر، يهابها أعداء الله ما التزم المؤمنون التزاماً صادقاً برسالتهم، وما داموا صفَّاً واحداً كما أمر الله، وما داموا يحملون رسالة الله يبلِّغونها إلى الناس كافَّة !
9- هل دين الله واحد أم أديان؟:
إن دين الله واحد للرسل جميعاً وهو الإسلام . فلقد كان الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله إلى عباده، والذين خُتموا بمحمد { فليس عند الله إلا دين واحد هو الإسلام . ولا يُعقل أن يكون هنالك أديانٌ سماوية توحيدية، كما يزعم الكثيرون، وكما يردِّد ذلك بعض المسلمين .فذلك تناقض واضح بين كلمة أديان وكلمة سماوية توحيدية .
وهل يُعقل أن يبعث الله لعباده بأديان مختلفة يتصارع الناس عليها، وهو الله الذي يريد لعباده جميعاً الإيمان الواحد الصادق، والذي جعل الجنَّة مأوى الصادقين والنار مأوى المكذّبين ! فلا بدَّ أن يكون الدين عند الله واحداً، وأن يبعث جميع الأنبياء والمرسلين بدين واحد، حتى لا يناقض نبيٌّ نبيَّاً، فيختلط الأمر على الناس .
ونحن المسلمين نؤمن بالأنبياء والرسل جميعاً، وبالكتب المنزلة قبل تحريفها جميعاً . وأيّ إخلال بذلك هو إخلال بالإيمان والتوحيد . فلا نؤذي نبيّاً ورسولاً، ولا نفرّق بين أحد منهم :
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير 285 {البقرة: 285}.
10- إيذاء رسول الله { يجلب لعنة الله وغضبه :
فالاجتراء على نبيٍّ من الأنبياء اجتراء على الله، وإيذاء النبيّ هو إيذاء لله، يُنزل الله به غضبه ولعناته :
إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا 57 {الأحزاب: 57}.
ولقد وجد أهل الكتاب صادق الرعاية والرحمة في ظلال حكم الله ورسوله، حكم الكتاب والسنَّة، ولقد أحسن محمد { إليهم إحساناً كبيراً، وكذلك فعل المؤمنون .
فما بال بعض النصارى، أو المنتسبين إلى دين عيسى عليه السلام، بعد أن حرَّفوه وبدَّلوا وغيَّروا، ما بالهم يحملون الأحقاد على الإسلام والمسلمين، وعلى رسول الله {. فلا تكاد تهدأ فتنة حتى تثور فتنة. وقد نبَّأنا الله في كتابه الحكيم أنه قد جعل لكل نبيّ عدوّاً من المجرمين، من شياطين الإنس والجن . وقد بدأت العداوة لمحمد { من لحظة ابتعاثه من قريش وبعد ذلك من اليهود، ثمَّ امتدَّ الحقد مع الزمن حتى تولَّى كبر ذلك: المشركون والكافرون والمنافقون والظالمون من أهل الكتاب في إيذاء بعد إيذاء عبر التاريخ، حتى الحروب الصليبية، وحتى ظلمهم وعدوانهم على مسلمي الأندلس، و كلما واتت فرصة لذلك !
وجاءت الحادثة الأخيرة عندما نشرت إحدى صحف الدنمارك صوراً مهينة ومؤذية لرسول الله {. واعتبرت الدولة أنَّ هذا من باب حريّة الرأي!، وكأنَّها اعتبرت الناس بلا عقول حتى يصدّقوا أنَّ هذا من باب حريّة الرأي . وإن كان الأمر كذلك فعلى دولة الدنمارك أن تراجع قوانينها، وأن تتعلَّم من الإسلام، ومن محمد {، حدود حريّة الرأي، وأدب الرأي، وحقوق الإنسان . ثمَّ تولّت صحيفة نرويجية نشر تلك الصور أيضاً، وفي بلادهم جميعاً مسلمون أقاموا عشرات السنين، ما قدَّموا إلا الخير والإحسان .(10/226)
لم يكن الأمر مصادفة أو زلّة رسَّام! فلقد أرسل المحرّر الثقافي في الجريدة دعواتٍ إلى أربعين رسَّاماً يدعوهم إلى رسم النبيّ {، فأجاب الدعوة اثنا عشر رساماً فقط. وكانت ملكة الدنمارك " مارغاريت " الثانية، قد اعتبرت أنَّ الإسلام يمثّل تهديداً على المستويين المحلي والدولي، وحثَّت حكومتها على عدم التسامح مع المسلمين والإسلام! ودون مبالاة لما قد تثير هذه السياسة من غضب خارجي! إنها لغة التهديد والإثارة بكل الاعتبارات اللغوية والسياسية والرسمية. ويرفض رئيس وزراء الدنمارك مقابلة السفراء المسلمين الرسميين في بلده . وتتولى أجهزة الدولة والصحافة صياغة المسوِّغات لهذا العمل، فكانت الأعذار أقبح من الذنب . عدوان إثر عدوان . وكان أوقح ما في هذه الأساليب قول الصحيفة: "إننا لا نعتذر عن عمل هو جزء طبيعي من النشاط الإعلامي....". الصحيفة الدنماركية هي صحيفة " يولاند بوستن "، والصحيفة النرويجية هي: "مغازينات"! وكذلك امتدَّت الهجمة على الإسلام بإعادة إذاعة هذه الصور الكاذبة في صحف فرنسا وإسبانيا وألمانيا وسويسرا. وربما تمتدُّ الهجمة إلى أبعد من ذلك .
ولا ننسى ذلك المخرج الهولندي الذي أخرج فيلماً مسيئاً إلى الرسول الكريم وإلى الإسلام، والذي أثار ضجّة كبيرة . ولا ننسى كذلك قضية المؤسسة التي أصدرت كتاباً أسمته " الفرقان " تزوّر فيه جملاً وكلمات تحريفاً لآيات الله في القرآن الكريم، وطعناً في الإسلام والإيمان والتوحيد . يضاف إلى ذلك جهود الحركات التنصيرية في العالم الإسلامي، وما تقوم به من محاولات لصرف المسلمين عن دينهم، وتشويه صورة الإسلام، وإثارة الفتن !
إنَّ هذا كلّه ليدلّ دلالة واضحة على أنَّ القوم يمضون على نهج وخطة وليس على عمل ارتجالي . ولا بدَّ للمسلمين أن يجابهوا ذلك بعمل منهجي مدروس يجمع جهود الأمة كلها.
11- واجب المؤمنين أمام هذا الاعتداء والنصيحة الواجبة :
القضيّة قديمة، بدأت، كما تذكر بعض الصحف، قبل ثلاثة أشهر، واشتدَّ التفاعل ضدّ هذه الإهانة الكبيرة منذ أسبوع أو أسبوعين . وإن كان قد بدأت محاولات هادئة لا تتناسب مع عظم الجريمة . إنها حقاً جريمة، وجريمة كبيرة في ميزان الإسلام . أين المسلمون ؟! وأين المليار من المسلمين ؟!
أُمة الحقِّ ! ما دهاكِ فأصْبح
تِ شظايا تطايرتْ في النجادِ
كلما رُمْتِ ملتقيً كُنتِ في السا
حةِ أوهى من حفنة من رمادِ(13)
لقد هان المسلمون في الأرض، وأصبحوا غثاءً كغثاء السيل، كما جاء في حديث رسول الله { يرويه ثوبان رضي الله عنه : (يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة على قصعتها " . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم كثير . ولكنكم غثاء كغثاء السيل . ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن " فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟! قال : حبُّ الدنيا وكراهية الموت!)(14).
منذ سنين طويلة، حين أصدرتُ كتابي : " دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية "، ذكرتُ هذا الحديث الشريف، متوقعاً أن حالة المسلمين ستتحسَّن مع الأيَّام ومع ضجيج الشعارات، وكثرة المؤتمرات، وتزاحم الكتب والمقالات، وتزاحم الدعاة هنا وهناك، وبعد هذه السنين أرى أننا ما زلنا غثاءً كغثاء السيل .
وأول سبب أجده لهوان المسلمين هو تمزّقهم أقطاراً ومصالح وأهواءً، وشيعاً وأحزاباً، يخالفون بذلك ما أمرهم الله به ورسوله {:
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على" شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون 103 {آل عمران: 103}.
ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم 105 {آل عمران: 105}.
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون 159 {الأنعام: 159}.
وآيات كريمة أخرى تنذر المسلمين إن تفرّقوا إنذاراً شديداً. وحسبك هذا الإنذار في الآية السابقة: وأولئك لهم عذاب عظيم !
وأهم سبب لهذا التمزّق والهوان، هو عدم التزام الإسلام التزاماً أميناً، وعدم التزام الكتاب والسنَّة التزاماً أميناً، وبذلك عدم طاعة الله ورسوله:
وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين 46 {الأنفال: 46}.
ولا بدَّ على ضوء ذلك أن توضع قاعدة عمليّة نابعة من قواعد الإيمان والتوحيد ومن منهاج الله، ومن مدرسة محمد {، قاعدة تثبّت مسؤوليات الفرد المسلم ودوره، ودور الأسرة في البناء والتعهد، ودور كل مؤسسة في الأمة المسلمة، وتبين قواعد التربية والبناء، والأهداف والصراط المستقيم الذي يوصل إلى الأهداف، ليكون الدرب ربانياً، والأهداف ربانية . لقد تناثرت الأهداف، وتباعدت الدروب، وقد جعل الله لعباده المؤمنين درباً واحداً
واحداً يجمعهم، ولغيرهم سبلاً شتَّى:(10/227)
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون 153 {الأنعام: 153}.
إنَّ الغرب ماضٍ في حربه ضدَّ الإسلام والمسلمين بصورة خفيّة، وإنَّ عداءهم هذا امتدَّ حتى اليوم لم يتوقّف، وإنَّ عمل الصحيفة الدنمركية لم يتوقف في الدنمارك، فسرعان ما تبنته النرويج، ثمَّ فرنسا، ثمَّ أخذت عواطف بعض الناس في تلك الدول تتأجج ضدّ المسلمين . ولم يكن ذلك ليتمَّ لولا الدعاية السيئة التي أشاعتها أجهزة الإعلام ضدَّ المسلمين .
والأمر العجيب أن الدول الغربية كلها لا تنظر في جرائم إسرائيل في فلسطين، ولا في انتهاكها لحقوق الإنسان، ولا في عدم التزامها بقرارات هيئة الأمم المتحدة!، ولا في ما تملكه من أسلحة نووية، أو أسلحة دمار شامل. كلُّ ما تفعله إسرائيل من جرائم يغضون الطرف عنه، ويغضون الطرف عما ترتكب الدول الغربية نفسها من جرائم بحق الشعوب، في تاريخ طويل مليء بالمجازر والتدمير .
إنها قصة التاريخ الممتدّ منذ أن بُعِثَ محمد {، بدأت عداوة المشركين لرسول الله { دون أن يؤذيهم أو يعتدي عليهم . دعاهم إلى الله الذي لا إله إلا هو، دعوة سلم وخير. فلم يُجْدِ السلم ولا الخير، وإنما بادروا بالإيذاء والعدوان . وكذلك اليهود الذين عاملهم الرسول أطيب معاملة قابلوا ذلك بالغدر والحرب والفتن . ومنذ ذلك العهد حتى اليوم فإنَّ الحرب ضدّ الإسلام لم تتوقف، ولن تتوقف . فإنها ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، يمحص به عباده لتقوم عليهم الحجة يوم القيامة أو تقوم لهم .
وإنا إذ نُحَيِّي النفوس المؤمنة التي غضبت لرسول الله {، والنفوس المؤمنة التي تداعت إلى النصرة بوسائل متعددة، فكلنا مع نصرة الله ورسوله.
لذلك فإنا ننصح بأن يراجع المسلمون أنفسهم لينظروا في واقعهم، ويروا كم يُرضون الله بما هم عليه، وبما يفعلون . ومن أهم مسؤوليات المسلمين أن يبلِّغوا رسالة الله ودين الإسلام إلى الناس كافَّة . فهل بلَّغ أحد هذا الدين إلى رئيس وزراء الدنمارك أو غيره من رجال الدولة، أو رؤساء الدول الأخرى، حتى نعذر أنفسنا بين يدي الله يوم القيامة .
مع أهمية ردود آفعال المسلمين التي عمَّت العالم الإسلامي إلا أن هذا وحده لا يكفي .فلا بدِّ من معالجة أخطائنا وتقصيرنا بحقِّ هذا الدين العظيم ونبيِّه العظيم .
فإن أدرك المسلمون جوانب الخلل في واقعنا اليوم، فليبادروا إلى إصلاح كل خلل يغضب الله، وإلى صدق التوبة والإنابة، عسى أن يكون الله معنا فيما نجابه من أحداث، لن نقوى على مجابهتها دون نصر يتنزَّل من عند الله:
وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون 31 {النور: 31}.
ومن خلال ذلك فلا بدَّ أن يقف المسلمون في العالم الإسلامي كله وقفة واحدة، لردِّ هذا الاعتداء، فهو اعتداء على كلِّ مسلم في الأرض، ولإِشعار هؤلاء أنَّ المسلمين ما زالوا أقوياء يفدون دينهم بكل شيء .
وهنا نقف أمام خيارين: إمَّا أن نطيع الله ورسوله، وننصر ديننا فننال رحمة الله وعونه، وإما أن نتهاون في هذا الأمر، فَيُنْزِل الله غضبه علينا . وإنها مسؤولية جميع مستويات الأمة المسلمة كلها ابتداءً من الفرد المسلم، على خطة إيمانيَّة واعية ونهج مدروس شامل، يعالج الواقع ويبني المستقبل بإذن الله .
الهوامش:
(1) ديوان مهرجان القصيد لصاحب المقال .
(2) أبو بكر الجزائري : " هذا الحبيب محمد "يا محب" ص : 112-119 .
(3) ديوان مهرجان القصيد مرجع سابق .
(4) ديوان الأعشى : دار صادر بيروت . ص : (45) .
(4) د . محمود حسن زيني : قصيدة البردة ص : (76) .
(5) البداية والنهاية 29/3، زاد المعاد لابن القيم : 2-54 . صفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم : ص : (189) . تحفة الرسائل : اختيار مؤسسة الوقف الإسلامي : من صفات الرسول { الخلقية والخلقية : ص : 2 .
(6) صحيح البخاري رقم: (3481).
(7) صحيح مسلم رقم: (5893).
(8) صحيح البخاري رقم: (3270) ومسلم رقم: (433).
(9) أخرجه أحمد (345/1)، (172/5) صحيح الجامع (1466).
(9) أحمد(345/1) صحيح الجامع (1472).
(10) البرفسور عبد الأحد داود : " محمد ({) في الكتاب المقدس " ص : ( 50-51) .
(11) المستشار محمد عزّت الطهطاوي : محمد { نبي الإسلام " ص : ( 11-30 )، ص : (31-56) .
(12) أحمد بن حَجَر آل بو طامي آل بن علي : " الإسلام والرسول { " في نظر منصفي الشرق والغرب . ص : (129-198) .
(13) د . عدنان النحوي : ملحمة أرض الرسالات . ص : (134) .
(14) أبو داود : 31-5-4297 الجامع الصغير وزيادته رقم : (8138).
=========================
النفاق أم الغطرسة؟!
د. نورة خالد السعد(10/228)
منذ أحداث 11سبتمبر 2001م والعالم الإسلامي يقع تحت تهمة الإرهاب.. جميعه لم يسلم ،أي مجتمع وأي فرد، إلا من أظهر المداهنة واعتمر قبعة محاباة الإدارة الأمريكية وبدأ في الهجوم على المتدينين واتهامهم بالتشدد والظلامية وكانوا يرددون أن للإدارة الأمريكية الحق في كل ما قامت به!! لأن هناك اعتداء على رموزها المالية والدفاعية وقتلى في البرجين..
حوكم (العالم الإسلامي جميعه) وحوربت مؤسساته المالية الخيرية تحت مظلة تسويق الإرهاب وحوربت معاهد تعليم القرآن ومدارس تحفيظه بتهمة أنها تحرّض على كره (الآخر)!! وتغذي في مرتاديها كره الآخر!! ولم يتصد لهم من يقول لماذا؟؟
على مدى خمسة أعوام والعالم الإسلامي والأقليات الإسلامية في دول أوروبا وأمريكا يطارَدون إذا ما تم ملاحظة أنهم ذوو لحى أو نساؤهم محجبات وحوكم طلاب سعوديون بتهم باطلة وبرئ منهم البعض وحكم بالسجن على حمدان الآن بسنوات طويلة لاتهامه أن خادمته تعمل تسع ساعات!!
وقضيته معروفة ونشر عنها في الصحف وفي الإنترنت وطالبوا أهله بكفالة مالية لإطلاق سراح زوجته تبلغ المليون ريال قبل إصدار الحكم مؤخراً.. ناهيك عن عذابات المعتقلين في غوانتانامو وإلغاء الشرعية الدولية في استصدار أي أحكام لمحاسبة الإدارة الأمريكية على اعتقالهم دون تهم!!
تم احتلال أفغانستان ودمرت القرى على أهلها وأسقطت عليهم آلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل الحارقة والعالم صامت!! منهم من يؤيد لخوف أو لرغبة في الحصول على غنائم الفوز بالاحتلال!!
واحتلت العراق!! تحت مزاعم عديدة وثبت الآن (كذبها) واعترف رئيس الدولة الكبرى بذلك.. وذهبت أرواح المائة ألف عراقي القتلى في طي النسيان!! ولم نجد من يقول: لماذا تعاقبون الجميع بجريمة قلة؟؟
وفي كل مرحلة من هذه المراحل الموغلة في الامتهان لسيادة الدول الإسلامية تحت مظلة وتهم إما الإرهاب!! أو امتلاك السلاح الذي سيدمر جيران العراق!!
في كل مرحلة كانت هناك جوقة عربية ومستعربة تمرر هذه الخروقات للشرعية الدولية، وبالطبع هناك جوقة غربية منها الدنمارك وسواها ممن يشارك بجنود في العراق أو بتأييد آخر في مجلس الأمن!!
في كل مرحلة كانت التهم تحيط بنا من كل جانب ومعظمنا صامتون.. والقلة من يدافع ويرفض ويستهجن..
?? ورغم ظهور حقائق الوضع الآن سواء في أفغانستان أو في العراق على لسان تقارير البنتاغون وما يتسرب منها لصحف أمريكا نفسها وأوروبا وبدأ الغرب ممثلاً في مفكريه وسياسييه يعلنون الحقائق كما هي ويكتبون عنها وعن سقوط أمريكا في المستنقع العراقي كما يقال..
?? ما أردت قوله اننا صمتنا على ظلمهم لنا واتهامهم الإسلام بالإرهاب.. ولهذا تجرأت الدنمارك ورساموها بل وسواها من مخرجي أفلام هوليوود ومؤلفي بعض الكتب عندهم على إعلان إساءتهم لمكانة رسولنا صلى الله عليه وسلم ودافعوا عنها بأسلوبهم الموغل في التناقض والازدواجية.. فهم يحترمون حرية التعبير عن الرأي!! والآن يوجهون أصدقاءهم في الاتحاد الأوروبي لإيقاف المقاطعة لمنتجاتهم!!
ويتحرك كوفي عنان متثاقلاً مؤخراً كي يبدي اندهاشه لما يحدث ويطالب الحكومات الإسلامية بالتهدئة لشعوبها!! أين هو من هذه المطالبة عندما دان عبارة الرئيس الإيراني ودعوته لاستضافة إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية؟!
وأين هو من إدانة اغتيال الشيخ أحمد ياسين من قبل عصابة شارون جهاراً أمام العالم!! والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي!! والآن يتم اغتيال قياديين من كتائب الأقصى بقصف الطائرات!! ولا يتحرك من يدين!! وكأن إرهاب دولة الصهاينة (شرعي)!! والدفاع عن الأرض سواء في فلسطين أو العراق (إرهاب)!!
?? ما يثير في هذه الأحداث المتسارعة هم هؤلاء (الجوقة) من العرب الذين لا يزالون يهاجمون الدين الإسلامي ويعيدون روايات تغذية الشباب بما في القرآن من آيات كره الآخر!! وحولوا اعتداء الدنمارك وسواها من دول أوروبا التي تعيد رسوم الكاريكاتير إمعاناً في استفزاز الشارع الإسلامي، ورغبة في تخفيف الضغط على مقاطعة منتجات الدنمارك، من ناحية أخرى.. حولوا هذه القضية إلى أنها ردة فعل لما يقوم به المسلمون من دفاع عن أرضهم وعن مقدساتهم!! بل ويرددون لماذا يعاقب الشعب الدنماركي بسبب رسوم رسام؟؟ ويجدون ساحات من قنوات لم تنشأ إلا لتسميم ذهنية المشاهد العربي وتحسين صورة النموذج الأمريكي والغربي بقيمه وثقافته وحتى (هيمنته واحتلاله وسطوته)!!
?? بل هناك من بدأ يتهم من يقاطع هذه المنتجات وهو (حق كل فرد) بتهمة أنه يسيء إلى صورة المسلمين!! أليست هذه (مهزلة)!!(10/229)
وكما يعرف أن الدنمارك كانت أول دولة استخدمت (سلاح المقاطعة) ضد ألمانيا بعد الحرب العالمية.. واستخدمته الإدارة الأمريكية ليس ضد العراق وليبيا والسودان فقط بل ضد فرنسا منذ أعوام عندما لم توافقها في حربها على العراق!! فكيف يشرعون لأنفسهم ما يرفضونه الآن لنا شعوباً إسلامية لنا الحق في التعبير عن مشاعرنا وأسلوب دفاعنا عن مكانة رسولنا صلى الله عليه وسلم.. وكيف نجد من بيننا من يدافع عنهم بهذه الصورة الغريبة؟؟
بل ان رئيس وزرائهم في آخر حديث له كان يكابر ويرفض الاعتذار!! ويتهم المتشددين الإسلاميين!! ويستنجد بخافيير سولانا كي يسافر للمنطقة حسب قوله لتصحيح الوضع!!
ينسى أنه شخصياً رفض مقابلة السفراء المسلمين واستهان بموقفهم ولم يتوقع هذه الردود الغاضبة التي امتدت من جميع أنحاء العالم.. بل كل ثانية يردد عن دعمه للحكومة الفلسطينية!!
بل ويتبجح في طلبه بأن نقف عن تصريحاتنا نحن وقادتنا (النارية)!! كما يقول!! وفي الوقت نفسه لا يمنع رئيس التحرير من الإساءة للمسلمين في كل مرة يتم اللقاء معه..
?? أليس هذا هو النفاق العالمي؟؟ في أن يبدأوا بإطلاق شرارة الغضب ثم يتهمون المسلمين بأنهم متشددون!!
تستهين ملكتهم بالإسلام وتتهمه بالإرهاب، وينسى رئيس وزرائها هذه العبارات..!!
يرفضون الاعتراف بالإسلام ديناً في دولتهم مع اعترافهم بديانات اليهودية والنصرانية والسيخ!!
ويستهينون بالأمة الإسلامية ويطالبوننا بأن نكون (حضاريين)!! ولا نحرق أعلام الدنمارك وكأن حرق (العلم) يرتقي إلى مستوى هذه الإساءات لمكانة الرسول الكريم.. أم ترى هو الألم من المقاطعة الاقتصادية التي ينبغي علينا نحن الشعوب استمرارها ولمدة أعوام وليس عاماً فقط.. فذلك حقنا في إبداء الرأي وحريتنا في الاختيار!!
11 تعليق
1
متعنا الله ببقائك قلم نابض للألم الإسلامي ووفقك الله في الدنيا والآخرة وجعل مايخطه يراعك في ميزان حسناتك آمين
جواهرعبدالله
05:55 صباحاً 2006/02/09
2
هو نفاق وغطرسة واستبداد.
أكثر من مليار مسلم يمثلون ربع سكان الكرة الأرضية أو خمسها ومع ذلك فهم أضعف سكانها. السبب لا يخفى على أحد. اختلفنا فضعفنا رغم أننا نقرأ القرآن ونقرأ هذه الآية الكريمة: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.
قبل أن نواجه أعداءنا علينا أن ننهي خلافاتنا. ولكن هذا لن يتم مادمنا نعتقد بأن الخطر القادم من الداخل أخطر من الخطر القادم من الخارج. إلى أين يوجه الجهاد الآن؟ الجهاد موجه لتصفية بعضنا بعضا. ثم نضرب كفا بكف حين نرى الآخرين يستضعفوننا ويحتقروننا ويستغلوننا ويحتلوننا.
تاريخنا يمتد إلى أكثر من ألف وأربعمائة سنة ومع ذلك لم نتعظ بعد. لم نفهم بعد أن طرفا لن يستطيع أن يصفي الآخر مهما أوتي من قوة. وأن الخطر القادم من الداخل ماهو إلا وهم خلقه العدو الذي يؤمن بسياسة فرق تسد.
لقد حان الوقت لأن يقوم مفكرونا بأكثر من التباكي الذي يجيده حتى من لا يعرف القراءة والكتابة. عليهم أن يعملوا لتوحيد الصف وأن يعملوا لكي يتقبل كل منا الآخر.
لقد وضعت الدورة الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي نقاطا رائعة تتعلق بالوحدة الإسلامية يستطيع من خلالها أن ينطلق كل مفكر لأن يعمل لوحدة الصف لكي نتحد جمعيا ضد أعداءنا. وضعنا اليوم يحتم علينا أن نرجع لتوصيات المؤتمر وتفعيلها وإلا فعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا.
محمد حسن اسماعيل
06:44 صباحاً 2006/02/09
3
نحن لا نلومهم سواء تغطرسوا أو اتفقوا.. فقد اتضحت الصورة! إنما نلوم أنفسنا!
هم يعملون ليل نهار... وقد اتضحت لنا الدمقراطية... وحقوق الانسان، و..و.. ولعله لا يخفى عليكم ما نشرته صحيفة "فليت إم زونتاج" الألمانية في عددها الصادر بتاريخ 30 مايو من عام 2004 م، مقالا بعنوان (مليون ضد محمد) ذكرت فيه أن للفاتيكان منظمة اسمها "رابطة الرهبان لتنصير الشعوب" هي من أقدم منظمات الفاتيكان وأكثرها نفوذا وأقلها شهرة، إنها تعمل في كل مناطق العالم بما في ذلك المناطق التي يسمونها مناطق الصمت؛ كدول الخليج واليمن والصين وفيتنام وكمبوديا. ويعمل تحت لوائها 85 ألف قسيس، و 450 ألف جمعية دينية، وأكثر من مليون مدرس يجوبون العالم كله، قرية قرية، ومدينة مدينة، وهي تملك 42 ألف مدرسة، و1600 مستشفى، و 6000 مؤسسة لمساعدة المحتاجين، و780 ملجأ لمرضى السرطان، و12 مؤسسة خيرية واجتماعية حول العالم. وتقول الصحيفة أن المنظمة تعمل اليوم بجيش يضم أكثر من مليون شخص " للحد من انتشار الإسلام في العالم، وعلى تشويه صورة النبي محمد، ونعته بأبشع الصفات.
لذا فنحن نلوم أنفسنا ك(دعاة، وعلماء، وكتاب، ومفكرين، وأكاديميين، ) وقبل هذا وذاك كحكومات. ماذا قدمنا للإسلام؟؟؟ كل منا عليه دور، كل منا في مجاله، كل منا على ثغرة من ثغور الإسلام، فالله... الله أن يؤتى الإسلام من قبلك...
عبدالعزيز بن علي العسكر
07:06 صباحاً 2006/02/09
4
المقاطعة ليست حل
د. نورة(10/230)
مع احترامي لرأيك ولكن انا ضد المقاطعة لأننا نخلق اعداء جدد ونفقد بعض الأصدقاء. انا مع الأحتجاجات الرسمية والشعبية المنظمة.
أمل
امل منصور
08:13 صباحاً 2006/02/09
5
بل كفروغطرسة
نور الله وجهك يانورة "خالد"وجعلك من المخلدين في الجنة"السعد" واسعدك الله في الدنيا والاخرة...كم نحن بحاجة الى من يكتب عن الاسلام بهذه الغيرة والاخلاص والدفاع عن مانتعرض له من هجوم ضد الاسلام من قبل المنافقين في الداخل والحاقدين في الخارج ولكن عزانا في قوله تعالى "لاتحسبوه شرا لكم بل هو خيرا لكم"
ابوعبدالله الدخيل
08:26 صباحاً 2006/02/09
6
المقاطعة هي سلاحنا الفتاك
المقاطعة هي التي ذبحتهم من الوريد الى الوريد
المفاطعة هي التي ستجعل رئيس وزرائهم يسقط عما قريب
المقاطعة هي التي ستجعل اصحاب المال عندهم باعادة انتخاب رئيس وزرا جديد
المقاطعة هي السلاح الفتاك الذي نمتلكه وليس سلاحا نوويا يمكن حضره عنا
المقاطعة هي التي ستجعلهم يفكرون الف مرة بنشر اي اساءة لديننا او نبينا عليه الصلاو والسلام
المقاطعة نود ان تمتد لسنوات لنرى هل يستطيعون العيش من غير اسواقنا
واذا هم يرون ان المقاطعة لم تؤثر علي اقتصادهم حسب قول رئيس وزرائهم امس
فالأيام بيننا.
اقترح عليهم بتصدير ما يتم تصديره لنا وللشرق الاوسط الى امريكا وأوربا ويتم الاستغناء عن اسواقنا
شكرا لك يادكتورة.
سالم السالم
08:53 صباحاً 2006/02/09
7
بارك الله بك.
اقول ان هذا الفعل الشنيع المملؤ بالحقد والكراهية الا دعوة للمسلمين الحق ان يصحوا من نوهم العميق وان هذه الافعال كشفت لنا من هو له غيرة ومؤمن بالاسلام ويكشف الله لنا من اللذين يدعون انهم مسلمون وهم بيننا.
اما المقاطعة فلتستمر فكل مسلم له الحق بالتصرف لنصرة نبينا الكريم (ص) ودين الايسلام وحبذا لو سخدمت مواردنا وثرواتنا للدفاع عن نبينا (ص) وديننا وليكن النفط اول الثروات.
صلاح العلي
02:59 مساءً 2006/02/09
8
نعم المقاطعة المستمرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,, اشكركم علي التعليقات ,, وارجوكم قراءة مقالة الأستاذ رضالاري في عدد اليوم فهي تضع النقاط علي الحروف لجذور هذا الأستخفاف بنا بصفتنا مسلمين ,, ولمن يدافع عن هذا الغرب المتعجرف ويدعي المعرفة بما هو الأسلوب الأمثل لردود أفعالنا التي استمدت قوتها من دعم الولاة الصالحين ,و ان كانوا قلة ,, ومن حبنا لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم , وايماننا بعقيدتنا السماوية , وليس ركضنا خلف ( ديموقراطية الغرب المزعومة ) ولمن في قلبه زيغ وانحراف عن الحق الذي لاينتظر أوامر امريكا ولا تقارير الأمم المتحدة.. ولا رضا الغرب او امتداحهم( لتحضرنا !!!) نقول لهم تمعنوا في آيات الله الكريمة ( خالق الكون ) جبار السماوات والأرض.. وأدعوا نفسى وإياكم إلي التبصر فى الآيات التالية وتدبرها مع تفسيرها.
يقول الله سبحانه وتعالى
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
آل عمران.. قل -أيها النبي- للمؤمنين: إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من ممالاة الكافرين ونصرتهم أم تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء, فإنَّ علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الأرض, وله القدرة التامة على كل شيء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) المائدة.. يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى حلفاءَ وأنصارًا على أهل الإيمان; ذلك أنهم لا يُوادُّون المؤمنين, فاليهود يوالي بعضهم بعضًا, وكذلك النصارى, وكلا الفريقين يجتمع على عداوتكم. وأنتم -أيها المؤمنون- أجدرُ بأن ينصر بعضُكم بعضًا. ومن يتولهم منكم فإنه يصير من جملتهم, وحكمه حكمهم. إن الله لا يوفق
د.نورة خالد السعد
03:28 مساءً 2006/02/09
9
لابد ان تستمر المقاطعة لأعوام ,,(10/231)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,, اشكركم علي التعليقات ,, وارجوكم قراءة مقالة الأستاذ رضالاري في عدد اليوم فهي تضع النقاط علي الحروف لجذور هذا الأستخفاف بنا بصفتنا مسلمين ,, ولمن يدافع عن هذا الغرب المتعجرف ويدعي المعرفة بما هو الأسلوب الأمثل لردود أفعالنا التي استمدت قوتها من دعم الولاة الصالحين ,و ان كانوا قلة ,, ومن حبنا لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم , وايماننا بعقيدتنا السماوية , وليس ركضنا خلف ( ديموقراطية الغرب المزعومة ) ولمن في قلبه زيغ وانحراف عن الحق الذي لاينتظر أوامر امريكا ولا تقارير الأمم المتحدة.. ولا رضا الغرب او امتداحهم( لتحضرنا !!!) نقول لهم تمعنوا في آيات الله الكريمة ( خالق الكون ) جبار السماوات والأرض.. وأدعوا نفسى وإياكم إلي التبصر فى الآيات التالية وتدبرها مع تفسيرها.
يقول الله سبحانه وتعالى
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
آل عمران.. قل -أيها النبي- للمؤمنين: إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من ممالاة الكافرين ونصرتهم أم تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء, فإنَّ علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الأرض, وله القدرة التامة على كل شيء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) المائدة.. يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى حلفاءَ وأنصارًا على أهل الإيمان; ذلك أنهم لا يُوادُّون المؤمنين, فاليهود يوالي بعضهم بعضًا, وكذلك النصارى, وكلا الفريقين يجتمع على عداوتكم. وأنتم -أيها المؤمنون- أجدرُ بأن ينصر بعضُكم بعضًا. ومن يتولهم منكم فإنه يصير من جملتهم, وحكمه حكمهم.
د.نورة خالد السعد
03:30 مساءً 2006/02/09
10
هذا ديدنهم !
الهجوم على الإسلام ليس وليد اليوم , فقد هوجم الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي العهود اللاحقة , وهجومهم على الإسلام هو تأكيد على تزايد الكره والبغضاء من قبلهم للإنسانية لأن الإسلام هو دين الإنسانية , واستمرار هجومهم هو الدليل على ما تفيض به نفوسهم من الحقد والكراهية , وإذا أردنا أن ندير الصراع لصالحنا علينا أن نرجع إلى الأدبيات التي رسمها لنا القرآن الكريم وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
سطام العوض
10:06 مساءً 2006/02/09
11
المقاطعة التجارية.. احتجاج سلمي.
أشكر الدكتورة نوره..
وأؤيد ما خطه يراعها..
أدامها الله فارسة على صهوة الصحيفة..
ودمتم بخير،،،
خالد الحجي
04:27 مساءً 2006/02/10
=========================
الهجرة النبوية المباركة
الكاتب: خالد محمود عبداللطيف
إذا كانت أمتنا الإسلامية تريد فعلاً الخروج من هذا المأزق الحضاري الذي تمر به الآن فإن هنالك ضرورة ملحة تحتم عليها بلورة آفاق وملامح ظاهرة الانفتاح الحضاري تطبيقياً عبر مسيرة التاريخ الإسلامي وذلك حتي يتسني لهذه الأمة فهم مدي ديناميكية هذه الظاهرة في واقعها التاريخي، ومن ثم تنطلق نحو المستقبل بثبات وثقة.
ولعل العامل الحيوي الذي حدا بنا إلي اختيار الهجرة المباركة علي النبي أفضل صلاة وأزكي سلام. في يوم هجرته كمرحلة أولي من مراحل التاريخ الإسلامي لتطبيق هذه الظاهرة تطبيقاً مثالياً لا نظير له في التاريخ البشري قاطبة هو أن الهجرة قد شهدت علي المستوي التطبيقي العملي، البلورة المثالية لظاهرة الانفتاح الحضاري في كل خطواتها، ومن هنا تعد الهجرة ولا ريب بمثابة نقطة تحول حضاري حاسمة ليس علي المستوي الإسلامي فحسب بل علي المستوي الكوني بأسره.. ولذا فإنه جدير بالدرس التاريخي الواعي أن يستهلم منها كل القيم المشعة التي يمكن أن تسهم اسهاماً حيوياً في إعادة صياغة الإنسان المسلم في هذا العصر الراهن علي ضوء نسق إيماني معجز تسهم الهجرة في إضفاء الطابع التكاملي علي تكوينه العضوي الحي.
ومن هنا فإن الهجرة النبوية المباركة كانت بمثابة النافذة التي أطل من خلالها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومعه الرعيل الأول من المسلمين علي الدنيا و ذلك لكي يعلن للكون انبثاق التحولات الجذرية في تكوين البشرية وجودياً وحضارياً وذلك بعد استلهام القيم الحضارية السامية التي جاء بها الدين الجديد، وهذه القيم لن تؤتي فعاليتها المنشودة إلا عبر الاستيعاب الموضوعي لها. فضلاً عن الانفتاح علي الآخرين أياً كانت وجهتهم: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات .(10/232)
وتتبلور هذه المظاهر الانفتاحية في الهجرة من خلال سلوكيات سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم التي جعلت من الهجرة حركة تاريخية رائدة فضلاً عن كونها المحك الإيماني الفذ الذي صنع الرجال، والبوتقة التي انصهرت فيها جميع التيارات الحضارية السائدةآنذاك، ولن يتحقق التجسيد الحيوي لأبعاد هذه المظاهر إلا من خلال معرفة أكيدة بأن رسولنا صلي الله عليه وسلم قد وضع خطواته الأولي في الدرب صوب يثرب المدينة وقلبه يخفق بهذا الدعاء: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً . وكان يعلم جيداً أن حركة الإنسان في التاريخ لا تستقيم وتصل إلي هدفها إلابأن يرفع الإنسان بصره وفؤاده وعقله وسمعه وحسه إلي السماء يتلقي عنها الصدق والنصر، صدق الحركة وانتصار قيمها لكنه لم ينس لحظة أن هذا التوجه إلي السماء يجب أن يقترن بثبات الخطي علي الأرض وبتحمل مسؤولية البصر والسمع والفؤاد بأمانة كاملة وبصياغة الحرية الإنسانية بما ينسجم في المدي القريب والبعيد مع قدر الله ونواميسه وسننه، ومن دون هذا التناغم بين مشيئة الله وحرية الإنسان بين نور السماء وشفافيتها، وبين كثافة الأرض ووعورة الطريق من دون هذا الحوار الدائم الفعال بين الإنسان وخالق الإنسان، بين انطلاق الروح وشد الجسد، من دون هذا التواصل الدائم بين الحضور والغياب بين عالم المشاهدة المباشرة والغيب البعيد من دون هذا وذاك، لن تكون هناك حركة جادة ولا مصير عظيم.
وفي ضوء هذا المنطلق الإيماني الراشد يمكن القول:إن الالتحام العضوي الحي بين الإرادة الإلهية العليا والإرادة البشرية السوية هو الذي ساعد علي نجاح حركة الهجرة التي قلبت موازين التاريخ البشري رأساً علي عقب حيث تولد عنها قيام الدولة الإسلامية ذات الطابع العالمي في المدينة المنورة لأول مرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية ثم الحضارة الإسلامية بنزوعها الكوني والإنساني. كما يمكننا التأكيد علي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد انفتح علي جميع التيارات السائدة في عهده وذلك من خلال الاستيعاب الموضوعي لمعطيات العصر آنذاك، فضلاً عن أنه صلي الله عليه وسلم لم ينس الاستضاءة بوحي السماء المسدد لخطاه علي درب الهجرة الطويل الذي جاءه الأمر الإلهي بالقيام بها، بعد أن تكالبت عليه كل قوي البغي و العدوان، وعلي كل المسلمين في مكة.
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي
صحيفة الراية القطرية
========================
الهجرة النبوية والدروس التربوية والدعوية
محمد عبد الله السمان 30/12/1426
30/01/2006
لا جدال في أن الهجرة النبوية ـ على صاحبها أفضل صلاة وأكمل تسليم ـ تمثل مرحلة من أهم مراحل الدولة الإسلامية وأخطرها. فهي مرحلة انتقالية لإثبات وجودها سياسياً وعقائدياً؛ فالمرحلة المكية على مسار ثلاثة عشر عاماً، كانت لإثبات العقيدة.. بل وتثبيتها في أذهان أتبعاها، من ناحية ـ ومن ناحية أخرى ـ لتعرية عقيدة الجاهلية ـ وبضدها تُعرف الأشياء ـ كما يقولون.
أضف إلى ذلك أن المرحلة المكية، كان لا بد منها، لصقل إيمان أتباعها، ليكونوا نواة المستقبل للدولة الإسلامية، وكانت توجيهات القرآن، وتوجيهات الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه- للنواة الأولى من أتباع الدعوة، تقوم على أساس الثقة في الله ـ عز وجل ـ والنصيحة في مواجهة ما يلحقهم من أذى بالغ من الضراوة والشراسة، ولعلنا نلمس ذلك من موقف لا نكاد نذكره. حيث كان رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يمر على آل ياسر وهم يُعذّبون، فيقول لهم: "صبراً آل ياسر.. فإن موعدكم الجنة"، واستجابوا، وكانت أم عمار أول شهيدة في الإسلام. وفي صحيح البخاري عن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال: "شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ـ فقلنا: "ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟." فقال: "قد كان مَن قبلكم يُؤخذ الرجل، فيحفرون له في الأرض، فيُجعل فيها.. ثم يُؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه.. والله ليُتمنّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"!
إن إرادة الله ـ عز وجل ـ اقتضت أن يكون الإسلام ديناً، يصحح مسار العقول التي حادت عن الطريق السويّ، ويصحح مسار الحياة البشرية التي شملتها الفوضى، بعد أن تحوّلت إلى غابة شاسعة، يفترس القوي فيها الضعيف، وأن يكون الإسلام دولة، تقيم العدل بعد أن اختلت موازينه، وتؤازر الحق، بعد أن أصبح مضغة في أفواه الباطل، فالعالم يومئذ تحكمه إمبراطوريتان، إحداهما صليبية تنكبت مبادئ المسيحية، والأخرى وثنية تمتهن العقل، أعني إمبراطوريتي: فارس والروم، وبذلك يكون الإسلام بدولته ضرورة لإنقاذ البشرية من الوحل، وكانت الهجرة البشرية هي البداية لإقامة دولته.(10/233)
يرى الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الأزهر الأسبق ـ في دراسته:"الإسلام والوجود الدولي للمسلمين" العدد الثالث من "سلسلة الثقافة الإسلامية" التي كنت أصدرتها (1958 ـ 1965 )! أن حادثة الهجرة، كانت نقطة تحوّل في تاريخ البناء الإسلامي، لتقوم فوق الأرض الجديدة ـ يثرب ـ دولة ذات منهج ونظام وهدف، والهجرة من الأحداث الفذة التي كانت تمهيداً لتثبيت البناء الإسلامي، وميلاد دولة داخل إطار من القوة، وبذلك أصبحت (الهجرة) من الأحداث الإسلامية الكبرى التي يجب أن تحمل العظمة في نفس كل مسلم.
ويضيف الشيخ: "وقد عُني المؤرخون كثيراً ـ وهم يتكلمون على هذا الحدث ـ بذكر حوادث الإيذاء التي كانت تتصل بالرسول وأصحابه الذين لبّوا دعوته، ومن هنا ألبسه أرباب الهوى الخاص ـ وهم يكتبون سيرة (النبي العربي) ـ ثوب الفرار وعدم الصبر والاحتمال في القيام برسالته، ولم يتورّعوا ـ إمعاناً فيما يشتهون ـ أن يلصقوا كلمة (النبي الفار) وقد ظنوا أن هذا الثوب المهلهل الذي خلعوه على هذا الحادث العظيم، يستطيع أن يستر الحقيقة التي يحملها بين جنبيه، والتي لم تلبث ـ بعد الوصول إلى المدينة، أن سطع نورها، وانتشر أريجها، وبدأت الغشاوة التي وضعها الجهل على العقل البشري حيناً من الدهر، والواقع أن هذه الهجرة (البدنية) لم تكن إلا أثراً من آثار هجرة القلوب، عما كان عليه القوم من عقائد فاسدة، وشرائع باطلة، وعقائد وتقاليد، كان لها في هدم الإنسانية، ما ليس للمعاول القوية في تقويض البناء الشامخ العنيد" .
وأقول: إن الهجرة كانت لتأكيد علمية الإسلام، وهي حقيقة حاول بعض المستشرقين ذوي الأهواء أن يطمسوها، متجاهلين ما أقره القرآن ـ كتاب الله ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ـ وقد تصدى عملاق الأدب الأستاذ العقاد لقوله تعالى:( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا...).[الشورى: من الآية7] لتنذر أم القرى ومن حولها، يقول:"وأياً كان القول في اللغة التي تكلم بها النبي، وفي صلاح هذه اللغة للدعوة العالمية، فإن النوع الإنساني يشمل أم القرى (مكة) وما حولها، ولا تعتبر هداية أهلها عزلاً لهم عمن عداهم من الناس؛ إذ كان خطاب الناس كافة يمنع أن يكون الخطاب مقصوراً على (أم القرى) ومن حولها، ولكن خطابه (أم القرى) ومن حولها، لا يمنع أن يعم الناس أجمعين..
فكيف يسيغ العقل أن يكون صاحب الدعوة المحمدية ـ خاتم النبيين ـ إذا كانت رسالته مقصورة على قوم لم يأتهم من قبل نذير؟! إن طائفة من المستشرقين تسيغ ما لا يسيغه العقل في أمر القرآن وأمر الإسلام".
ظهر حديثاً للشيخ عبد الجواد أحمد عبد المولى-الإمام والخطيب والمدرس بالأوقاف ـ كتاب يحمل عنوان "الدروس التربوية الدعوية من الهجرة النبوية" في زهاء مائتي صفحة من القطع الكبير، أشار في المقدمة إلى أن ما أراده من كتابه: دعوة للتفكر والتدبر، لبعض صفحات التاريخ الإسلامي، وبخاصة تاريخ الرسول وجهاده في هجرته، لنتعرف على سنن الله في خلقه، وسننه في أرضه، وسنن الله الثابتة لا تقبل تبديلاً ولا تحويلاً، والهجرة تبين لنا كيف أخذ المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بالأسباب الأرضية، وتوكل ـ في نفس الوقت ـ على الله، ولا تضادّ بينهما ـ وقد تعامل سلف هذه الأمة مع السنن الكونية، فسادوا العالم، ولم يع الخلف هذا المعنى، مما جعل الأمة اليوم في حال يُرثى لها ..
وما عرض له المؤلف:
ـ الهجرة النبوية المحمدية لم تكن بدعة، بل سنة قديمة، فقد هاجر من أنبياء الله: إبراهيم ولوط وموسى عليهم السلام.
ـ أسباب الهجرة: ذكر المؤلف الأسباب التقليدية التي سجلتها كتب السيرة، وكنت أود أن يهتم بمسألة ذات أهمية خاصة، وهي أن الهجرة كانت استجابة لأمر الله، ولم تكن مجرد خاطرة خطرت على بال الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فراراً من الأذى، فالله ـ عز جل ـ هو الذي قدر بعد أن حققت الدعوة أهدافها في مكة التي لم تكن تصلح لإقامة دولة .
ـ عوامل نجاح الهجرة: وضوح الهدف، المعرفة، اختيار الوقت المناسب، ولعامل التوقيت أهمية متنامية في عملية التخطيط، القدرة على مواجهة الظروف المتغيرة، إخلاص القائمين على التنفيذ، التهيئة والإعداد النفسي، ونسي المؤلف: عناية الله، وهي الأساس وفوق كل شيء.
ـ مظاهر نجاح الهجرة: خسرت قريش موازين القوى التي توارثتها على مدى قرون وزال عنها سلطانها، لم تعد قريش حاجزا في وجه الدعوة الإسلامية، إذا أسقطت الهجرة هيبتها من نفوس المستضعفين الخائفين..(10/234)
ذكر المؤلف في شجاعة أن الكتاب: جمع وإعداد، وليس تأليفاً، وهذا يعفيه من النقد، ويُحمد له، أن قدم لنا معاني كانت في حاجة إلى التحليل، الذي خلت منه بعض كتب التراث التي اهتمت بسرد الأحداث، لكنها حفظت لنا أهم حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية. إن الهجرة حفلت بالكثير من المؤلفات عدا ما دونته كتب السيرة قديماً وحديثاً، وهذا ما جعل مهمة من يكتب عن الهجرة شاقة؛ إذ لا بد من أن يضيف جديداً، ونجح المؤلف جهد استطاعته.
ويُؤخذ على هذه الدراسة: أن المؤلف خرج على الموضوع الأساسي أحياناً، صحيح أن ما زاده تضمن معاني جديرة بالاهتمام، كذلك كنا نود أن يربط الهجرة النبوية بالمعاصر، وقد أصبحت الأمة المسلمة التي أرادها الله خير أمة أخرجت للناس ـ عاجزة حتى عن الدفاع في مواجهة التحديات الشرسة، وذلك بعد أن كانت رأساً، و أصبحت تابعاً بعد أن كانت متبوعاً، وبقي أن نقول: إن المؤلف بذل جهداً كبيراً وشاقاً، وقدم لنا دراسة معاصرة يحتاجها الشباب قبل الشيوخ.
وبقي سؤال يطرح نفسه، وفي أسى مرير: أين اليوم من الهجرة التي لم تكن نقطة تحول في تاريخ دعوة المسلمين ـ وحسب ـ بل كذلك أرادها الله ـ عز وجل ـ منهجاً ومعنى وبرنامج عمل للمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ودرساً يجب أن يعيه المسلم في كل زمان ومكان.. فهل يليق بنا ألاّ نذكر الهجرة إلا أياماً معدودات في كل عام: أحاديث ومقالات يغلب عليها التكرار شبه الممل، ثم ننساها بعد ذلك؟
وحسبنا هنا أن نتوقف عند قضية لها أهميتها، أعني قضية ـ أو محنة ـ الأقليات المسلمة في شتى بقاع المعمورة، والعديد من هذه الأقليات تُشن عليها حروب إبادة شرسة، كما في الفلبين وبورما وتايلاند، وغيرها، إن كتاب الله تعالى كتب علينا الجهاد من أجل إخوة لنا في العقيدة مستضعفين في الأرض، وفي سورة النساء ـ :( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً). [النساء:75]. ولا جدال في أن الجهاد هنا فرض عين لا فرض كفاية، وإذا كان عقد الأمة الإسلامية اليوم قد انفرط، ولم يكن للدولة الإسلامية وجود.. نملك السلاح لا لنقاتل به الأعداء، بل ليقاتل به المسلم أخاه المسلم. دونما اعتبار لتحذير الرسول لنا في خطبة الوداع:"لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" وقوله في الصحيح المتفق عليه: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
أقول إذا كنا عاجزين عن الجهاد المسلح، فلماذا لا نلجأ إلى سلاح آخر: جهاد المقاطعة، وهو سلاح له خطورته، وإذا كان هذا السلاح تقرر بالنسبة للثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك وهم مسلمون، فمن باب أولى المعتدون على إخواننا من غير المسلمين، والمفاجأة التي ترتجّ لها السماوات السبع. هي أننا أصبحنا أصدقاء لأعدائنا، نمنحهم الولاء، ضاربين عرض الحائط بقوله تعالى محذراً في سورة المائدة :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ). [المائدة:51-52]. وأخيراً.. وليس آخراً: فليتنا نعي اليوم كلمات الشيخ شلتوت ـ رحمه الله-: "كانت الهجرة من بين الأحداث كلها جديرة أن تتجه إليها الأنظار، ويُتّخذ منها مبدأ للتاريخ الإسلامي، ليكون للمسلمين من ذكراها في كل عام، ومن التوقيت بها في مكاتباتهم وعقودهم وأحداثهم العامة والخاصة درس متصل الحلقات، يساير حياتهم كلها". ولله الأمر من قبل ومن بعد.
=========================
الوقاحة الدنماركية مع الذات النبوية
جريدة السياسية الكويتية
كتبه : محمد يوسف المليفي(10/235)
قام الاعلام الرسمي اخيراً في الدنمارك بالانضمام الى ركب المحاربين لله ولرسوله وللدين الاسلامي, حيث قام بعمل مسابقة على مستوى الدولة وبمباركة الحكومة الدنماركية, وهذه المسابقة هي افضل كاريكاتير ساخر للذات النبوية المحمدية صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الاطهار واصحابه الأخيار, فلما ضج المسلمون هناك من الحرب الاعلامية الساقطة ضد الاسلام والمسلمين, ازداد الاعلام الدنماركي عناداً فقام يدعو الشعب الدنماركي للمساهمة ببعث صور كاريكاتيرية جديدة للنبي صلى الله عليه وسلم لكي يطبعوها في كتاب خاص يوزع مع الصحف.
وفعلاً قامت جريدة « يولانس بوستن » الدنماركية الحكومية بنشر صور جديدة على صفحتها الأولى امعاناً في اذلال المسلمين, حيث صورتهم على هيئة خنازير ساجدة, وصور اخرى لكلب يفعل الفاحشة بمسلم وهو في هيئة السجود داخل المسجد وكتبت اسفل الكاريكاتير عبارة « من أجل هذا يصلي المسلمون هكذا » .
المصيبة ان الجالية الاسلامية هناك عندما استنكرت « مجرد استنكار » ما يفعله الاعلام الرسمي الدنماركي مع خاتم الانبياء والدين الاسلامي, قامت الهيئات الحكومية بالتضامن مع كل الصحف الوقحة ورفضت واستنكرت بشدة اعتراض المسلمين ونصرتهم لنبيهم, وفي الوقت ذاته رفض رئيس الوزراء الدنماركي فوغ راسموسن الموافقة على اجتماعه بـ 11 سفيراً إسلامياً في بلده لتسلم خطاب استنكاري وقال لهم هذه ديمقراطيتنا الدنماركية.
اذن يتضح لنا وبجلاء واضح ان المسألة ليست محصورة في جريدة او جريدتين, وانما هي حرب على الله ورسوله والمؤمنين من هذه الدولة التي تورد إلينا زبدتها الدنماركية الشهيرة, والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لنا جميعاً : ( ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني, ولكن الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ) وأي مسلم في قلبه ذرة من الغيرة على نبيه وعرض نبيه, يجب عليه ان يصدق ما وقر في قلبه من حب النبي وتعظيمه ويترجم هذا الحب الى عمل ينصر به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم, ونحن لا ندعو المسلمين الى جهادهم بالسلاح او رميهم بالمنجنيق, ولكن اقل ما يمكن ان يفعله المؤمن الموحد هو ان يقاطع المنتوجات الدنماركية ويحرمها على نفسه وأهل بيته.
هناك نظرية اميركية تقول « الذي في يده السلاح هو الذي يسن القوانين » وبما أننا في زمن الانكسار والهوان والذلة والصغار.. وبما أننا في زمن تركنا فيه الجهاد بل واصبحنا نجرم اهله, فلم يتبق في يدنا حيلة ولم يتبق عندنا سلاح, الا سلاح المقاطعة, فلنقاطع منتجاتهم وهذا هو اضعف الايمان, وان هذه الذات المقدسة العظيمة لم يمسها احد بسوء على مر التاريخ الا أذله الله واخزاه, كيف لا, والله تعالى هو الذي يكفي ويدافع عن نبيه, يقول تعالى مخاطباً نبيه وحبيبه { إنا كفيناك المستهزئين } ووالله ما آذى احد هذا النبي الكريم إلا أخزاه الله وأذله وذلك هو مصداق قوله تعالى { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذاباً مهيناً } .
معاشر السادة النبلاء
لابد من أن تتضافر الجهود الدفاعية عن الذات النبوية الشريفة, وأقل شيء يفعله العلماء وطلاب العلم هو ان يعقدوا مؤتمراً اسلامياً طارئاً لعلماء الاسلام ودعاته يصدرون فيه فتوى موحدة وبياناً شديد اللهجة للدولة الدنماركية ودعوة الى مقاطعة منتجاتها حتى يعتذروا ويتوقفوا عن هذا الانحطاط في حق سيد الانبياء وسيد البشرية جمعاء, ويا ليت ثم يا ليت يكون لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية دور بارز في هذا العمل الجليل فأي شيء أعظم من نصرة الحبيب يا محب?
* كاتب كويتي
mlaifi@maktoob.com
=======================
أما لهذه الهجمة من رادع ؟!
الكاتب: عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف النبيين محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .
( منذ 30 سبتمبر الماضي و الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- إلى هجوم حاد وحملة حاقدة في الصحافة الدانمركية، والتي بدأت عندما أراد مؤلف كتب أطفال دانماركي أن يضع على غلاف كتابه صورة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ورفض رسام الكاريكاتير المكلف بإعداد الغلاف رسم هذه الصورة، فقرر المؤلف إقامة مسابقة لرسم الرسول، حيث تقدم لها (12) رسام كاريكاتير أرسلوا (12) صورة مسيئة لرسولنا الكريم •
ولم تفوّت صحيفة (بيو لاندز بوستن) اليمينية المتطرفة والتابعة للحزب الحاكم هذه الفرصة، في التقاط هذه الصور ونشرها استهانة بمشاعر أكثر من مليار و(300) مليون مسلم ، بالرغم من أن مسلمي الدانمارك والبالغ عددهم (200) ألف، ( الإسلام هو الديانة الثانية في الدانمارك بعد المسيحية البروتستانتية ) حاولوا الاحتجاج على القرار، وذلك عن طريق رفع مذكرة إلى الحكومة الدانماركية، إلا أن الجواب كان هو الرفض، وإصرار الحكومة على دعم حملة الهجوم تحت مسمى ''حرية التعبير''(10/236)
بل كان الموقف الحكومي الدانماركي أكثر شراسة برفض المدعي العام تلبية طلب الجالية الإسلامية برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة بتهمة انتهاك مشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم، وقال المدعي العام الدنماركي: إن القانون الذي يُستخدم لتوجيه تهم بسبب انتهاك حرمة الأديان لا يمكن استخدامه ضد الصحيفة.
إن حالة العداء للإسلام والمسلمين في الدانمرك تجاوزت كل الخطوط؛ فهناك تعبئة عامة ضد الإسلام، على كافة المستويات بدءاً من التصريح الذي نقل على لسان ملكة الدانمرك (مارجريت الثانية) والذي قالت فيه: "إن الإسلام يمثل تهديداً على المستويين العالمي والمحلي"، وحثت حكومتها إلى "عدم إظهار التسامح تجاه الأقلية المسلمة"، انتهاءً بمواقع الإنترنت التي يطلقها دانمركيون أفراداً ومؤسسات خاصة ، تحذر من السائقين المسلمين، لأنهم "إرهابيون وقتلة" مروراً بالحملة العامة في الصحف ومحطة التلفاز العامة التي أعلنت الحرب ضد الإسلام والمسلمين) *.
ومن هنا رأيت أن اكتب في هذا الجانب المهم مذكرا النفس والإخوان بعظم حقه مستعينا الله تعالى فأقول :
إن من أعظم النعم التي أنعم الله علينا هي أن بعث لنا محمداّ صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاًُ :" لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " . وقال تعالى: " لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى :" هذه المنة التي امتن الله بها على عباده هي اكبر النعم بل اجلها وهي الإمتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة وعصمهم به من التهلكة " ا.هـ
نعم أيه الأحبة لقد بعث الله محمداَ صلى الله عليه وسلم إلى الخليقة بعد أن كانت تعيش في جاهلية جهلاء .. قويهم يأكل ضعيفهم قد وقع بأسهم بينهم .. وهم يعيشون ضلال وعمى جميعهم إلا بقايا من أهل الكتاب ..
فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ففتح الله به أعُينا عمياً .. وآذان صماً .. وقلوباً غلفاً .. فهدى به من العمى .. وبصر به من الضلالة ..
فلا إله إلا الله ما أعظم هذه النعمة وأجلها لمن تدبرها وعرف قدرها ...
ولقد اوجب الله تعالى على المومنين محبته وتعظيمه .. ولقد امر الله تعالى بتعظيمه رسول الله وتوقيره .. وتعظيم سنته وحديثه فقال تعالى : ((وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ))
ومن مظاهر التعظيم لرسول الله في الإسلام ...
أنه خصّه في المخاطبة بما يليق به، فقال: ((لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً)) [النور:63]، فنهى أن يقولوا: يا محمد، أو يا أحمد، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يانبي الله، وكيف لا يخاطبونه بذلك والله (سبحانه وتعالى) أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحداً من الأنبياء، فلم يَدْعُه باسمه في القرآن قط ...
ومن ذلك : أنه حرّم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذَن، وحرم رفع الصوت فوق صوته، وأن يُجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل...
ومن ذلك: أن الله رفع له ذكره، فلا يُذكر الله (سبحانه) إلا ذكر معه، وأوجب ذكره في الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام، وفي الصلاة التي هي عماد الدين...)
و إن تعظيم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من صلب إيمان المسلم .. فهو خليل الله المصطفى من خلقه .. وخاتم الأنبياء الذي بانتهاء رسالته انقطع وحي السماء .. والموصوف من ربه - جلا وعلا - بعظم خلقه .. وأحد خمسة من أولي العزم من الرسل. هذا التعظيم تحتمه سيرته الشريفة -صلى الله عليه وسلم- كما تمليه حقيقة شهادة أن (محمداً رسول الله) ...
ولم يغفل المسلمون - منذ جيل الصحابة الكرام - عن قدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن محبته وتعظيمه .. فنرى في سيرة هؤلاء الصحابة وتابعيهم وعلماء الأمة وعوامها من بعدهم أفضل نماذج لهذا التعظيم ..
ومن نافلة القول هنا أن يقال أن معنى التعظيم المشروع لرسول الله هو تعظيمه بما يحبه هو صلى الله عليه وسلم وعدم رفعة فوق منزلته النبوية وانه عبد لايعبد ورسول لايكذب فلا يرفع الى مقام الربوبية أو الإلوهية ..
وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة بتعظيم وإجلال رسول الله ..
ومن ذلك: مارواه الدارمي في سننه عن عبد الله بن المبارك قال : (كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله فلدغته عقرب ست عشرة مرة، ومالك يتغير لونه ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس، قلت: يا أبا عبدالله، لقد رأيت منك عجباً! فقال: (نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)
وقال الشافعي (رحمه الله تعالى):(يكره للرجل أن يقول: قال رسول الله، ولكن يقول: رسول الله؛ تعظيماً لرسول الله).(10/237)
وممن يجب تعظيمهم وإجلالهم _ وهو من إجلاله عليه الصلاة والسلام _ إجلال صحابة رسول الله، فيتعين احترامهم وتوقيرهم، وتقديرهم حق قدرهم، والقيام بحقوقهم (رضي الله عنهم).
ويلحظ اليوم وجود هجمة شرسة على جناب نبي الأمة يقوده الإعلام الغربي وإني لاتعجب ولاينقضي عجبي من الاعلام الاسلامي اين هو من مثل هذا الهجوم على نبينا زكأنً شيئاء لم يحدث ؟! وإين هو الاعلام الذي انشغل بالبرامج التافهة والفاضحة ونجومها المزوعومين ! فضلاً عن متابعة نجوم هليودو والفيديو كليب ! فيا أمة الإسلام، ويا إخوة العقيدة، ويا أبناء الرسالة الخالدة، هذا نبيكم وهذا فضله، ووصفه فهل ترضون بأهنته ؟!! فالواجب على الأمة بكل أفراده وطاقاتها أن تهب هبة الدفاع عن الحبيب صلى الله عليه واله وسلم والواجب أن يعيش معنا دائماً وأبداً في مشاعرنا، وآمالنا، وطموحاتنا.. يعيش معنا، قدوة وأسوة، وإماماً، ومعلماً، وأباً، وقائداً، ومرشداً.يعيش معنا في ضمائرنا عظيماً، وفي قلوبنا رحيماً، وفي أبصارنا إماماً، وفي آذاننا مبشراً ونذيراً " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتك ويكفي لنا شرفٌ نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا
* من مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم :
1) فأول علامات المحبة : الإتباع والاعتصام بالكتاب والسنة ..
وحيث كان ادّعاء حب الله من أسهل ما يكون على النفس جعل الله دلالته النبي صلى الله عليه وسلم كما في الاية السابقة " قل ان كنتم تحبون الله ..."
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كنت صادقا في حبه لأطعمته *** أن المحب لمن يحب مطيع
قال الحسن : ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية :" قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "
وثمرة الإتباع محبة الله للمتبع ... وشان عظيم أن تًحِب وأعظم منه أن تحب ..
2) الحذر من رد شيء من السنة :
قال احمد بن حنبل :" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " قال الله تعالى :" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم " .
قال ابن كثير رحمه الله :" أي : عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان " ا.هـ [ تفسير ابن كثير :2/307] ..
ومن مظاهر رد السنة السخرية والاستهزاء بالسنة النبوية ومعارضتها بالعقول والآراء والرغبات والعادات كالسخرية والاستهزاء باللحية ورفع الرجل ثوبة فوق الكعبين وحجاب المرأة والسواك والصلاة الى سترة وغير ذلك . فتسمع من يصف تلك الأعمال بأوصاف رديئة أو يتهكم بمن التزم بها فلم يجد هؤلاء مايملؤون به فراغهم الا الضحك والاستهزاء بمن عمل بالسنة وحافظ عليها فيجعلونه محلا لسخريتهم هازلي لاعبين فيصدق في مثلهم قوله صلى الله عليه وسلم :" وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم "
ويغفل كثير من الناس عن أمر خطير وهو أن الاستهزاء بالدين كفر سواء كان على سبيل اللعب والهزل والمزاح أو على سبيل الجد فهو كفرمخرج من الملة .
قال ابن قدامة : من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا وكذلك من استهزاء بالله تعالى او بآياته أو برسله أو كتبه .اهـ
وعن سلمة بن الاكوع رضي الله عنه : أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال : " كل بيمينك " قال : لا استطيع . قال : " لا استطعت ما منعه الا الكبر " قال : فما رفعها الى فيه .
قال التيمي : فليتق المرء الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف فانظر كيف وصل اليه شؤم فعله .
وعن ابي يحيى الساجي قال : كنا نمشي في أزقة البصرة الى باب بعض المحدثين فاسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن متهم في دينه فقال : ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها (كالمستهزئ) فلم يزل من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط .!!
والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ،،،
انطباعات وآراء
الكاتب: أحمد قائد الأسودي(10/238)
من حقي أن ابدي دهشتي الشديدة وفرحي العظيم.. لما رأيت وسمعت فقد دعيت لأول مرة في حياتي إلى مؤتمر عالمي إسلامي احتشد فيها علماء الإسلام ومفكريه و ناشطيه من كل الأطياف الإسلامية على اختلاف انتماءاتهم المكانية والفكرية واجتهاداتهم ..كان لقاءا بين علماء المسلمين ومفكريه ودعاته ووعاظه من جميع قارات العالم كان في يوم (الأربعاء 22/3/2006). الجميع أتوا بصفاتهم الشعبية ولا مكان فيه للحكوماتية..جميعهم اجتمعوا في مملكة عربية إسلامية صغيرة جدا فقيرة.. حسب معرفتي..مقارنة بجيرانها. لقد استضافت مملكة البحرين علماء المسلمين ومفكيريهم في قارات العالم الست..
ذلك البلد أصغير الذي استضاف قبل أيام قليلة أعظم مشروع إسلامي مصرفي سيكون هو الأكبر في العالم برأسمال سيتجاوز العشرة مليارات دولار..ماذا وراء هذا البلد الصغير الفقير(مقارنة بجيرانه)...؟؟..إنه يقفز هذه القفزات الكبرى إسلاميا وعالميا فهو يستضيف أعظم مؤتمر إسلامي عالمي نخبوي شعبي ويستضيف مصرفا إسلاميا سيكون هو الأعظم كمؤسسة اقتصادية مصرفية .. على مستوى العالم الإسلامي وكل ذلك يتم في فترة قصيرة.
يتم كل ذلك في أعظم الظروف صعوبة وأشدها على المسلمين حكاما ومحكومين وأقليات وأفراد أينما وجدوا.. و في أعقد المشكلات التي تطوق المسلمين في كل مكان في العالم..في ظرف الحرب فيه على الإسلام والمسلمين على أشدها من طغاة العالم.. إنه بكل صراحة بلد صغير المساحة والسكان والثروة ولكنه حقا عظيم الرجال عالي الهمم تميز به أبنائه وملكهم و ترجمتها قراراتهم ومواقفهم هذه
إنه بلد يسجل (ملكه العربي المسلم) اليوم ملاحم تاريخية كبرى ولكن من نوع جديد ... هذه الأعمال التي رسمت بل حققت للأمة الإسلامية ولكل مسلم في العالم انتقالات حياتية وحضارية كبرى..انتقالات جديدة كبرى على المستوى الاقتصادي الإسلامي وانتقالات أخرى كبرى عديدة افرزها المؤتمر العالي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم..تجاوزت بكثير ما كان مرجوا منه.
المفاجأة الكبرى
لقد بدأ المؤتمر الإسلامي العالمي لنصرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..كما هو مقرر له لتكون المفاجئة الكبرى غير المحسوبة..مفاجأة ميلاد وجود إسلامي عالمي جديد على غير المألوف في الكيانات السائدة والمعروفة ..لقد بدأ مؤتمرا لينتهي إلى إعلان منظمة عالمية إسلامية أعضائها المؤسسين من المشاركين في المؤتمر القادمين من كل قارات العالم والجنسيات والقوميات ومن كل تلك الأطياف الفكرية والمذهبية التي يمثلها المسلمون في العالم..لقد رأيت في المؤتمر المجتهدين و العلماء والدعاة والوعاظ والمفكرين والسياسيين والحزبيين والاقتصاديين ورأيت السني وما يمثله من أطياف و رأيت الشيعي والصوفي..رأيت الجميع هناك يجمعهم شعار واحد هو (...ومن نفسي يا رسول الله )..وكان للمرأة وجودا مشهودا.. فلقد سمعنا ورأينا مشاركات نسائية قوية عملاقة.. مصرية ومغربية وسعودية وغيرهن..
منجزات ومحصلات
على مدى قرابة العشرون ساعة التي استغرقها المؤتمر.. كانت المنجزات كبيرة والمحصلات عظيمة .. فأكاد أقول انه في مملكة البحرين الصغيرة.. صيغت محصلات كبرى تفوق التصور لقد أنجز المؤتمر اكبر مما كان متوقعا في تصوري.. فلقد بارك الله بالوقت القصير وعظم الله تلك الجهود المبذولة من ذلك العدد القليل(اللجنة التحضيرية) جزا هم الله خيرا.. الذين أوكلت إليهم مهمة الإعداد للمؤتمر وتنظيمه وإدارته.ولست هنا بصدد الإشارة إلى تلك المحصلات العديدة جميعها .. ولكني سوف اكتفي بالإشارة إلى بعض منها..مما رأيتها وعشتها خلال ساعات الصحوة ال35 التي قضيتها في مملكة البحرين...منها ساعات انتظار ساعة بدأ المؤتمر لوصولي قبل الموعد بساعات بسبب الطيران.. وساعات قضيتها مع زملاء من البحرين وأحبه جمعتني بهم الدراسة الجامعية قبل عقدين وأكثر لم أجدهم بعدها حتى يوم المؤتمر المبارك هذا
أنواع المحصلات
أ - محصلات محسوبة:
اشتملت التوصيات على كثير من المحصلات التي كانت متوقعة.
1 – كل ما ورد في محاور المؤتمر الذي تم إرساله للمشاركين.. تمت على نحو مرضي ورائع وانعكس ذلك فيما ورد في بنود التوصيات.
ب – محصلات غير محسوبة:
1- ا شتملت قرارات المؤتمر على تلك المحصلة التي لم تكن في جدول الأعمال ولم ترد ولم تشر إليها على نحو ما مباشر أو غير مباشر في المحاور التي أرسلت للمشاركين يتمثل أعظم المحصلات في قرار الإعلان عن إنشاء (المنظمة العالمية لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم).
2- تلاحم الجميع وشيوع الألفة والمحبة و المحبة بين جميع الحاضرين على اختلاف انتماءاتهم و أطيافهم الفكرية و السياسية والمذهبية والجغرافية.
3- غياب الخلافات المعتادة المعقدة في لقاءات هذا النسيج المتنوع أطيافه وقناعاته وتصوراته الدينية والحياتية.(10/239)
4 - التعارف بين المشاركين وتلاقي كثيرين ممن فرقتهم السنون من المتعارفين فقد كان المؤتمر لإحياء علاقات جديدة و إعادة الحياة إلى علاقات ربما كانت في حكم النسيان.
5 - التعرف على أحوال وتطورات الواقع المسلم في مختلف قارات العالم بالأخص تلك البقاع المنسية أو البعيدة من الإعلام الإسلامي والعربي في أوروبا وأفريقيا وغيرها.
6 - بعث حياة جديدة وحماسة عظيمة لدى كثير من المشاركين لمضاعفة القيام بواجب العمل الإسلامي و تجذ ير قيمه ومبادئه في السلوك و في النفس والواقع وتوسيع ساحته نشره لدى غير المسلمين.
7 - صيغة البيان الختامي على ذلك النحو الرائع المتماسك الحكيم المتوازن الذي عكس نضجا رفيع المستوى لدى هؤلاء المشاركين الذي تجسد فيه معاني وقيم و مبادئ الإسلام في التعامل مع المواقف الصعبة..وتقديم منطق ا لعقل والحكة والعدل على العاطفة..فلقد شاعت عبارات مثل ليسوا ساء ولا يجرمنكم شنئآن على أن لا تعدلوا..
8- إفساد ظن ما كان مروجا له من أنه سيكون موقفا متطرفا وشديدا وعنيفا فقد كان البيان عكس ما كان متوقعا لدى الكثيرين في الغرب والشرق من المرضى ومن الجهلة ومن يضمرون الشر للمسلمين.
9 - انتهاء المؤتمر في جو من المحبة والرضا لدى الجميع..وتجليات البركة والرحمة.
10 - تجليات ملامح إمكانية الوحدة بين المسلمين على نحو سريع فقابلية الوحدة بين شعوب المسلمين عالية جدا..أكدها المؤتمر في حواراته ومداخلاته و تلاحمه وأخيرا في إعلان منظمته العالمية الجديدة على ذلك النحو الإجماعي السريع.
آراء.. لتسريع التفعيل
ج - إذا كان هناك من اقتراحات و تصويبات لابد من الإشارة لتحقيق مزيد من الكمال لهذه الخطوة الجبارة..فأقول :
1 – مهم حشد اكبر عدد ممكن من المسلمين الجدد في أوروبا وأمريكا واستراليا وإفريقيا وغيرها ليكونوا أعضاء مؤسسين فذلك ملح جدا على أن يكونوا من الرجال والنساء علماء مفكرين تجار ساسة الخ..
2 – سرعة التحرك في أوساط المتعاطفين مع المسلمين من غير المسلمين والتواصل معهم وتمكينهم من المعلومة وتعريفهم بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من خلال مواقعهم في الشبكة الإكترونية.
3 – سرعة إصدار نشرة تخص الأعضاء المؤسسين لإبقائهم على حماسهم وعلى تواصل وذلك بتمكينهم من المستجدات وما عليهم فعله وغير ذلك إلى جانب تفعيل كبير للموقع المنظمة وتحديثه على مدار أل 24 ساعة ومحاولة أن يكون إلى جانب اللغتين العربية و الإنجليزية اللغة الفرنسية والاسبانية..وتكليف أعضاء المؤتمر لتغطية هذه اللغات وغيرها كمشاركة طوعية.
4 – تعجيل التعميم على الأعضاء المؤسسين في كل بلد أن يشكلوا فيما بينهم مجلسا يختارون فيه رئسا ونائبا ومقررا وعضوا تنظم لقاءاتهم ومشاركاتهم و لتشكيل نواة للمنظمة العالمية لنصرة النبي..يرتبون فيما بينهم لقاءات نصف شهرية لتفعيل المنظمة في ساحتهم من ناحية ومن ناحية أخرى لمد اللجنة التحضيرية بالأفكار المساعدة التي تعجل باستكمال الوجود الرسمي للمنظمة وتسجيلها محليا ودوليا..و كذلك لإشاعة مزيد من الألفة و تجذ يرها وتعميمها بين مختلف الأطياف الإسلامية داخل كل بلد.
5 – إشراك عالمين من اليمن من علماء الزيد ية والشافعية من المرجعيات من المعروفين بالحكمة وعدم التعصب..
6 – البدء في تنشيط المنظمة في التواصل مع الأوروبيين والأمريكان وغير المسلمين في العالم..وذلك من خلال تحفيز الساحة الشبابية الإسلامية في العالم من اؤلئك الناشطين و الموهوبين في مجال الانترنت والبرمجة وغرف الدردشة والمواقع المختلفة ..و ذلك بالتواصل معهم و حثهم على إيصال رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير المسلمين بصيغ قصيرة جدا واضحة جدا من خلال مدهم بمادة الرسالة المراد توصيلها إلى الملايين من غير المسلمين يوميا وعبر أدلة البحث.. وغيرها وهذا مجال واسع وفوري.وهناك طرق عديدة جدا.
7 – إشراك عدد من أبناء وبنات الحكام العرب والمسلمين في المنظمة
8 – إشراك شخصيات مثل د. محمد عبده يماني و مثل د. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وغيرهم ليكونوا إلى جانب المشير سوار الذهب
هذا ما لزم الإشارة إليه واشكر الذي كان سببا في حضوري هذا اللقاء الكبير المبارك والله اعلم وهو المستعان.
رئيس مركز القرن ال21 للتجديد والتنمية_ صنعاء _
==========================
بأبي أنت وأمي يا رسول الله
( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
صلى عليك الله يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازينت بحديثك الأقلامُ
ما أحسن الاسم والمسمَّى ، وهو النبي العظيم في سورة عمّ ، إذا ذكرته هلَّت الدموع السواكب ، وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب .
وكنت إذا ما اشتدّ بي الشوق والجوى *** وكادت عُرى الصبر الجميل تفصمُ
أُعلِّل نفسي بالتلاقي وقربه *** وأوهمها لكنّها تتوهم(10/240)
المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ، وصاحب الشفاعة والإسراء ، له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ، خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) .
السماوات شيّقات ظِماءُ *** والفضا والنجوم والأضواءُ
كلها لهفة إلى العلَم الها *** دي وشوق لذاته واحتفاءُ
تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ، ثم يبقى كنزاً محفوظاً لا يوفّيه حقه الكلام ، وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام ، إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا عن الكلمات ، وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ، ونسيت النفس همومها ، وأغفلت الروح غمومها ، وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ، هو الرمز لكل فضيلة ، وهو قبة الفلك للخصال الجميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .
مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .
صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ، علَّمَ الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ، وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ، وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .
وشبَّ طفل الهدى المحبوب متشحاً *** بالخير متزراً بالنور والنار
في كفه شعلة تهدي وفي دمه *** عقيدة تتحدى كل جبارِ
كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ، فبعثه الله على فترة من المرسلين ، وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ، وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان والصلبان ، للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسدّدون ويغلطون ، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ، عصم قلبه من الزيغ والهوى ، فما ضل أبداً وما غوى ، (إنْ هو إلا وحي يوحى) .
للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ، أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف .
قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ، وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.
أما محمّد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ، أن يُعبد الله فلا يُشرك معه أحد ، لأنه فرد صمد (لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد) .
يسكن بيتاً من الطين ، وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ، يلبس القميص المرقوع ، ويربط على بطنه حجرين من الجوع ، والمدائن تُفتَح بدعوته ، والخزائن تُقسم لأمته .
إن البرية يوم مبعث أحمدٍ *** نظر الإله لها فبدّل حالها
بل كرَّم الإنسان حين اختار من *** خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمةٍ *** جبت الكنوز وكسَّرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء ، أم أقول للسحاب سَلِمتَ يا حامل الماء ؟
اسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُّ رسالته في غار حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فتعس وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوَّماً على علامته فلا تركب ، بلال بن رباح صار باتِّباعه سيداً بلا نسب ، وماجداً بلا حسب ، وغنيّاً بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتبَّ ، (سيصلى ناراً ذات لهب) .
الفرس والروم واليونان إن ذكروا *** فعند ذكرك أسمال على قزم
هم نمَّقوا لوحة بالرِّقِ هائمة *** وأنت لوحك محفوظ من التهمِ
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خُلُق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلَّ ، وما زلَّ ، وما ذلَّ ، وما غلَّ ، وما ملَّ ، وما كلَّ ، فما ضلَّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده وهداه ، وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما ملّ لأنه أُعطي الصبر ، وشُرح له الصدر ، وما كلّ لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفساً طاهرة مستقيمة .
كأنك في الكتاب وجدت لاءً *** محرمة عليك فلا تحلُّ
إذا حضر الشتاء فأنت شمسٌ *** وإن حل المصيف فأنت ظلُّ(10/241)
صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقة من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعِظَم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ، كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ، ولا تسبح إلا في بحر مجده .
نور العرارة نوره ونسيمه *** نشر الخزامى في اخضرار الآسِ
وعليه تاج محبة من ربه *** ما صيغ من ذهب ولا من ماسِ
إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حباً لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه، فهو القدوة الإمام ، الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام .
صلى الله عليه وسلم، علَّم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلَّم القادة الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع الغنى لأنه ملك ملكاً كبيرا ، بُعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلّم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سُلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة .
أتاك رسول المكرمات مسلماً *** يريد رسول الله أعظم متقي
فأقبل يسعى في البساط فما درى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي
هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهّلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده يشرب ، وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق ، وكان الظلم قبل أن يبعث متراكماً كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى عثمان ذا النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدرة ، فكم من كافر عفرّه ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حُمُرٌ مستنفرة ، فرَّت من قسوره .
إذا كان هذا الجيل أتباع نهجه *** وقد حكموا السادات في البدو والحَضَرْ
فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم *** مع نوره لا تذكر الشمس والقَمرْ
كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة، فأذّن بلال بن رباح ، بحيَّ على الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علاّم الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبَّحت الأرواح في محراب العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .
كل المشارب غير النيل آسنةٌ *** وكل أرض سوى الزهراء قيعانُ
لا تُنحرُ النفس إلا عند خيمته *** فالموت فوق بلاط الحب رضوانُ
أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ، فهزّ بسيوفه رؤوس المشركين هزّاً ، لأن في الرؤوس مسامير اللات والعُزَّى ، عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منّة ، وأحيا الله برسالته السنن ، فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة . تعلَّم اليهود العلم فعطَّلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعملهم عليهم وبال ، وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد
أخوك عيسى دعا ميْتاً فقام له *** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم *** بك التشرف للتاريخ لا بهمِ
كتبه الشيخ الداعية /
د. عائض القرني
المقال من مكتب الشيخ عائض خاص بحملة مليار مع محمد صلى الله عليه وسلم ...
===========================
بشارات
د. محمد بن عبد الله السحيم
--------------------
البشارة الأولى: رؤيا رآها يعقوب عليه السلام في منامه، وذلك أنه رأى سلماً منصوباً من الأرض إلى السماء، وله خمس درجات، ورأى في منامه أمة عظيمة صاعدة في ذلك الدرج والملائكة يعضدونهم، وأبواب السماء مفتوحة فتجلى له ربه قائلاً: يا يعقوب أنا معك أسمع وأرى، تمن يا يعقوب. فقال: يا رب من أولئك الصاعدون في ذلك الدرج ؟ فقال الله له: هم ذرية إسماعيل. فقال يا رب بماذا وصلوا إليك ؟ فقال: بخمس صلوات فرضتهن عليهم في اليوم والليلة فقبلوهن وعملوا بهن فلما استيقظ يعقوب من منامه فرض على ذريته الخمس الصلوات، ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد فرض على بني إسرائيل صلاة في التوراة إلا القرابين يقربونها، وما زالت بنو إسرائيل وعلماؤهم يصلون الصلوات الخمس إتباعاً لسنة جدهم يعقوب عليه السلام، ولم تزل أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام يبشرون بظهور محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتمنون أن يكونوا في زمانه.(10/242)
البشارة الثانية: أن يعقوب عليه السلام لما دنت وفاته جمع أولاده وقال لهم: (تقربوا إليّ أقول لكم ما يظهر آخر الزمان. فلما اجتمعوا قال لهم: ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً، قال الإسكندراني: (ولم يوجد في التوراة أنه ذُكر شيء مما وعد به، بل مكتوب في التوراة أنه دعا لهم وتوفى، علم من ذلك أنهم محوا اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الآية.
قلت: إن الله صرفهم عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من وصية يعقوب، ففي هذا الإصحاح وبعد هذه الفقرة بفقرات يسيرة يرد إخبار يعقوب لأبنائه بما سيكون في آخر الزمان، وقد بقى هذا الإخبار إلى الآن يحمل بعض ألفاظه العبرية، وهو قول يعقوب عليه السلام: (لا يزول صولجان من يهوذا أو مشرّعٌ من بين قدميه حتى يأتي شيلوه، ويكون له خضوع الشعوب)، وقد منّ الله على المهتدي عبد الأحد داود فكشف اللثام عن هذه الوصية، وفي الأسطر التالية اقتبس بعض استدلالاته واستنتاجاته على أن هذه البشارة خاصة برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الاستدلالات هي:
1. أن كلمة "شيلوه" كلمة فريدة في العهد القديم، ولا تكرر في أي مكان آخر في العهد القديم.
2. أن كلمة شيلوه تتكون من أربعة أحرف عبرية هي: "شين"، "يود"، "لاميد"، "وهي"، وتوجد بلدة اسمها شيلوه ولكن لا يوجد فيها حرف "يود"، ولذلك لا يمكن أن يكون الاسم مطابقا أو مشيراً للبلدة، إذاً فالكلمة حيثما وجدت تشير إلى شخص وليس إلى مكان.
3. أن هذه العبارة اشتملت على ضمير لغير العاقل، وقد يشير إلى القضيب أو الصولجان، أو المشرع بصورة منفصلة أو مجتمعة، وربما يشير للطاعة، وعليه فإن معنى العبارة: (إن الطابع الملكي المتنبي لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجئ الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب).
4. بعد أن أورد بعض تحولات الترجمة لهذه الكلمة بين العبرية والسريانية قال: يمكن أن تقرأ هذه العبارة بالصورة التالية: (حتى يأتي الشخص الذي تخصه..)
5. أن الكلمة "شيلوه" مشتقة من الفعل العبري "شله" وهي تعني المسالم والهاي والوديع والموثوق.
6. من المحتمل أنه تم على هذه العبارة تحريف متعمد فتكون "شالوه" فحينئذ يكون معناها "شيلوح" وهذه العبارة مرادفة لكلمة "رسول ياه" وهو نفس اللقب الموصوف به محمد صلى الله عليه وسلم "وشيلواح إلوهيم" تعني: رسول الله.
7. لا يمكن أن تنطبق هذه البشارة على المسيح حتى لو آمن اليهود بنبوته، لأنه لا توجد أي من العلامات أو الخصائص التي توقعها اليهود في هذا النبي المنتظر في المسيح عليه السلام، فاليهود كانوا ينتظرون مسيحاً له سيف وسلطة، كما أن المسيح رفض هذه الفكرة القائلة بأنه هو المسيح المنتظر الذي تنتظره اليهود.
8. أن هذه النبوة قد تحققت حرفيا وعملياً في محمد صلى الله عليه وسلم ، فالتعابير المجازية "الصولجان" و "المشرع" قد أجمع الشراح المعلقون على أن معناها السلطة الملكية والنبوة. وهذا يعني علمياً أنه صاحب الصولجان والشريعة، أو الذي يملك حق التشريع وتخضع له الشعوب.
9. لا يمكن أن تنطبق هذه البشارة في حق موسى، لأنه أول منظم لأسباط بني إسرائيل، ولا في حق داود، لأنه أول ملك فيهم.
10. لو تم تفسير "شيلوه" بـ "شالا" الآرامية فهي تعني: هادي ومسالم وأمين، وهذا يتفق مع تفسير "شله" العبرية. وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة هو الأمين، وهو محل الثقة، وهو المسالم الهادي الصادق. وبعد هذه المحاولات التفسيرية والترجمة ينتقل المهتدي عبد الأحد إلى إلزام الخصم بهذه النبوة ومدلولاتها وهي ما يلي:
1. أن الصولجان والمشرع سيظلان في سبط يهوذا طالما أن شيلوه لم يظهر.
2. بموجب ادعاء اليهود في هذا "الشيلوه" فإن شيلوه لم يظهر، وأن الصولجان الملكي والخلافة تخصان ذلك السبط، وقد انقرضنا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.
3. أن سبط يهوذا اختفى مع سلطته الملكية وشقيقتها الخلافة النبوية، ومن الشروط الأساسية لظهور "الشيلوه" إبقاء السبط على وجه الأرض يعيض في أرض آبائه، أو في مكان آخر بصورة جماعية.
4. اليهود مضطرون أن يقبلوا واحداً من الخيارين: إما التسليم بأن "شيلوه" قد جاء من قبل، وأن أجدادهم لم يتعرفوا عليه. أو أن يتقبلوا أن سبط يهوذا لم يعد موجوداً، وهو السبط الذي ينحدر منه "شيلوه".(10/243)
5. أن النص يتضمن بصورة واضحة ومعاكسة جداً للاعتقاد اليهودي والنصراني – أن "شيلوه" غريب تماماً على سبط يهوذا وبقية الأسباط، لأن النبوة تدل على أنه عندما يجيء "شيلوه" فإن الصولجان والمشرع سوف يختفيان من سبط يهوذا، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان "شيلوه" غريباً عن يهوذا، فإن كان "شيلوه" منحدراً من يهوذا فكيف ينقطع هذان العنصران من ذلك السبط، ولا يمكن أن يكون "شيلوه" منحدراً من أي سبط آخر، لأن الصولجان والمشرع كانا لمصلحة إسرائيل كلها، وليس لمصلحة سبط واحد. وهذه الملاحظة الأخيرة تقضي على الادعاء النصراني في أن المسيح هو "شيلوه"، لأن المسيح منحدر من يهوذا من جهة أمه.
وقد أورد هذه البشارة النجار وقال إن المعنى: أن النبوة تبقى في سبط يهوذا – أكبر أولاد سيدنا يعقوب – حتى يأتي "شيلون" أي الإسلام، وتخضع له الأمم.
أولاً : بشارة سفر العدد: ما ورد في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال: (انظروا كوكباً قد ظهر من آل إسماعيل، وعضده سبط من العرب، ولظهوره تزلزلت الأرض ومن عليها) وقال المهتدي الإسكندراني: (ولم يظهر من نسل إسماعيل إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، وما تزلزلت الأرض إلا لظهوره صلى الله عليه وسلم. حقا إنه كوكب آل إسماعيل، وهو الذي تغير الكون لمبعثه صلى الله عليه وسلم ، فقد حرست السماء من استراق السمع، وانطفأت نيران فارس، وسقطت أصنام بابل، ودكت عروش الظلم على أيدي أتباعه.
وقد حرف هذا النص في الطبعات المحدثة إلى: (يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم موآب، ويهلك من الوغى).
ثانياً: بشارات سفر التثنية:
البشارة الأولى: لما هُزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة، توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعاً بمحمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: (اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر جيوش المؤمنين، فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل على العمالقة ببركات محمد صلى الله عليه وسلم) وقد استبدل هذا النص بالعبارات التالية: (اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا تلتفت إلى غلاظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته) ولا يمكن أن يكون هذا الدعاء – الذي في النص الأول – قد صدر من موسى عليه السلام ، لأنه ينافي كمال التوحيد.
البشارة الثانية: في الفصل الحادي عشر أن موسى قال لبني إسرائيل: (إن الرب إلهكم يقيم نبياً مثلي من بينكم، ومن إخوتكم فاسمعوا له) وقد ورد في هذا الإصحاح ما يؤكد هذا القول ويوضحه، وهو ما ورد في التوراة أن الله قال لموسى: (إني مقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوتهم، وأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها ذلك الرجل باسمي أنا أنتقم منه) وتكاد أن تكون هذه البشارة محل إجماع من كل من كتب في هذا الجانب، وقد بين هؤلاء المهتدون كيف تنطبق هذه البشارة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال الوجوه التالية:
1. اليهود مجمعون على أن جميع الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل من بعد موسى لم يكن فيهم مثله. والمراد بالمثلية هنا أن يأتي بشرع خاص تتبعه عليه الأمم من بعده، وهذه صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه من إخوتهم العرب، وقد جاء بشريعة ناسخة لجميع الشرائع السابقة، وتبعته الأمم عليها، فهو كموسى، هذا فضلاً عن أن لفظه (من بينهم) الواردة في البشارة قد أكدت وحددت الشخص المراد.
2. هذا النص يدل على أن النبي الذي يقيمه الله لبني إسرائيل ليس من نسلهم، ولكنه من إخوتهم، وكل نبي بعث من بعد موس كان من بني إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلام، فلم يبق رسول من إخوتهم سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
3. أن إسماعيل وذريته كانوا يسمون إخوة لبني إبراهيم عليه السلام، لأن الله قال في التوراة لهاجر – حسب رواية العهد القديم – عن ابنها إسماعيل: (بأنه قبالة إخوته ينصب المضارب) كما دعى إسحاق وذريته إخوة لإسماعيل وذريته.
4. أن في هذه الآية إشارة خفية غير صريحة، فائقة الحكمة، لأن موسى لو كان قصد بالنبي الموعود أنه من بني إسرائيل، لكان ينبغي أن يقول بدلا من (من إخوتكم): منكم، أو من نسلكم، أو من أسباطكم، أو من خلفكم، وبما أنه ترك هذا الإيضاح، علمنا أنه قصد بهذه الإشارة أنه من بني إسماعيل المباينين لهم.
5. إشتمل هذا النص على مفردة كافية للتدليل على أن هذه النبوة خاصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي قوله: "انتقم منه". وفي بعض الترجمات (وكل نفس لا تسمع لذلك النبي وتطيعه تستأصل). فهي تدل على أن من لا يسمع له ويطعه ينتقم منه ويستأصل. وهذا ينطبق تماماً مع حال المخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن تنطبق على عيسى عليه السلام الذي طارده وحاربه اليهود، ولم يقع عليهم الإنتقام منه أو من أتباعه، وهذه المفردة كافية للتدليل على صدقها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.(10/244)
البشارة الثالثة: جاء في الفصل العشرين: (أن الرب جاء من طور سينين، وطلع لنا من ساعير، وظهر من جبل فاران، ومعه عن يمينه ربوات القديسين فمنحهم العز، وحببهم إلى الشعوب، ودعا بجميع قديسيه بالبركة) وهذه البشارة كالتي قبلها كادت أن تكون محل إجماع وقبول ممن كتب في هذا الجانب.
وفاران هي مكة وأرض الحجاز، وقد سكنها إسماعيل، ونصت على ذلك التوراة (وأقام في برية فاران، وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر) وإذا كانت التوراة أشارت إلى نبوة تنزل على جبل فاران لزم أن تلك النبوة على آل إسماعيل، لأنهم سكان فاران.
أما من توهم أن فاران الواردة في هذه البشارة هي التي بقرب جبل سيناء – فليس ظنه صحيحاً، لأن فاران تلك هي برية فاران كما أفادت عنها التوراة. وهنا ذكر جيلاً. ودعيت تلك فاران بسبب أنها ظليلة من الأشجار. ولفظة فاران عبرية تحتمل الوجهين، فإذا ذكرت البرية لزم أنها ظليلة، وإن ذكر الجبل ينبغي أن يفهم بأنه جبل ذو غار، وفي هذه البشارة ذكر جبل فعلم أنه جبل فاران الذي فيه المغارة. كما أن لفظة فاران مشتقه من فاري بالعبرية وعربيتها: المتجمل. أي المتجمل بوجود بيت الله. وهذه الجبال قد تجملت ببيت الله.
ومعنى جاء الرب: أي ظهر دينه ودعي إلى توحيده. كما أن لفظة "رب" هنا تقع على موسى وعيسى ومحمد وهي مستعملة بهذا الإطلاق في اللغة السريانية والعربية فتقول العرب رب البيت بمعنى صاحب البيت ويقول السريان لمن أرادوا تفخيمه "مار" ومار بالسريانية هو الرب.
وقد أورد المهتدي الإسكندراني هذه البشارة باللغة العبرية ثم ترجمها إلى اللغة العربية ونص ترجمته هكذا: (جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران، وظهر من ربوات قدسه عن يمينه نور وعن شماله نار، إليه تجتمع الأمم، وعليه تجتمع الشعوب) وقال: (إن علماء بني إسرائيل الشارحين للتوراة شرحوا ذلك وفسروه بأن النار هي سيف محمد القاهر، والنور هي شريعته الهادية صلى الله عليه وسلم.
وقد يقول قائل: إن موسى تكلم بهذه البشارة بصيغة الماضي فلا تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم. والجواب أن من عادة الكتب الإلهية أن تستعمل الماضي في معنى المستقبل، ألم تر أنه أخبر عن عيسى في هذه البشارة كذلك بصيغة الماضي، فإن قبلت هذه البشارة في حق عيسى فهي في حق محمد ادعى للقبول.
وفي الإشارة إلى هذه الأماكن الثلاثة التي كانت مقام نبوة هؤلاء الأنبياء ما يقتضي للعقلاء أن يبحثوا عن المعنى المراد منه المؤدي به إلى إتباع دينهم. وقد ربط المهتدي إبراهيم خليل بين هذه البشارة وبين صدر سورة التين واستنتج منه تطابقاً كاملاً في الوسيلة والتعبير.
البشارة الرابعة: لما بعث المسيح عليه السلام إلى بني إسرائيل، وأظهر لهم المعجزات، نهض إليه عالم من علمائهم يقال له شمعون بلقيش وقال له: (لا نؤمن بك ولا نسلم لك فيما ادعيته، ولا فيما أتيت به، لأن موسى عليه السلام أخبرنا في شريعته عن الله عز وجل أن النبي المبعوث في آخر الزمان هو من نسل إسماعيل، وأنت من بني إسرائيل. واستدل على ذلك بقول موسى في التوراة: (لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى) وأفتوا بقتل عيسى عليه السلام. وعيسى لم يدع أنه مثل موسى، وإنما دعاهم إلى عبادة الله وحده، والعمل والتصديق بما في التوراة.
ثالثاً: بشارة اليأس:
ذكر المهتدي الإسكندراني أنه جاء في صحف إلياس عليه السلام أنه خرج في سياحته وصحبه سبعون رجلاً، فلما رأى العرب بأرض الحجاز قال لمن معه: انظروا هؤلاء الذين يملكون حصونكم العظيمة فقالوا: يا نبي الله ! ما الذي يكون معبودهم ؟ فقال عليه السلام: يوحدون الله تبارك وتعالى فوق كل منبر عال، فقال له أتباعه يا نبي الله ! من يدلهم على ذلك ؟ فقال: ولد يولد من نسل إسماعيل، اسمه مقرون باسم الله، حيث يذكر اسم الله تعالى يذكر اسمه. قال المهتدي الإسكندراني: ولم يكن ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
رابعا: بشارات المزامير:
البشارة الأولى: قول داود عليه السلام في المزمور الخامس والأربعين: (من أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد السيف أيها الجبار، لأن بهاءك وحمدك البهاء الغالب، وأركب كلمة الحق، وسميت التأله، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونه، والأمم يخرون تحتك) وقد أورد هذه البشارة المهتدي الشيخ زيادة في البحث الصريح بصورة أطول من هذه، وكل الصفات الواردة في كلا النصين تنطبق تماماً على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.(10/245)
البشارة الثانية: قول داود عليه السلام في المزمور الثامن والأربعين: (إن ربنا عظيم محمود جداً، وفي قرية إلهنا وفي جبله قدوس ومحمد، وعمت الأرض كلها فرحا) فقد صرح وأبان عن اسمه، وذكر مبعثه وهي أم القرى، ووصف حال الكون بعد مبعثه وهو الاستبشار والفرح، ألم تتلق الشعوب المغلوبة على أمرها جنوده بالفرح والاستبشار كما هو مدون في كتب السير والتأريخ. وقد حرف هذا النص في الطبعة التي بين يدي إلى: (عظيم هو الرب وحميد جداً في مدينة إلهنا قدسه) وقد يتضح القصد من إبدال القرية بالمدينة، حتى تنطبق هذه البشارة على أنبياء بني إسرائيل المبعوثين في مدنهم. وقد أعماهم الله عن تحريف الجزء الأول منه فلله الحمد والمنة.
البشارة الثالثة: قول داود عليه السلام في المزمور الخمسين: (إن الله صهيون إكليلاً محموداً، فالله يأتي ولا يهمل، وتحرق النيران بين يديه، وتضطرم حواليه اضطراماً) وقال المهتدي الطبري تعليقاً على هذه البشارة: (أفما ترون أنه لا يخلى داود عليه السلام شيئاً من نبواته من ذكر محمد أو محمود، كما تقرءون، ومعنى قوله إكليلاً محموداً: أي أنه رأس وإمام محمد محمود، ومعنى محمد ومحمود وحميد شيء واحد في اللغة، وإنما ضرب بالإكليل مثلاً للربانية والإمامية) وقد حرف هذا النص إلى: (من صهيون كمال الجمال الله أشرق، يأتي إلهنا ولا يصمت).
البشارة الرابعة: قول داود في المزمور الثاني والسبعين: (إنه يجوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه يخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، وتلحس أعداؤه التراب، تأتيه ملوك تاريس والجزائر بالقرابين، وتقرّب إليه ملوك سابا القرابين، وتسجد له الملوك كلهم، وتدين له الأمم كلها بالطاعة والانقياد، لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه، ويفتقد الضعيف الذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وينجي أنفسهم من الضر والضيم، وتعز عليه دماؤهم، وأنه يبقى ويعطى من ذهب سبأ، ويصلى عليه في كل وقت، ويبارك عليه كل يوم مثل الزروع الكثيرة على وجه الأرض، ويطلع ثماره على رؤوس الجبال، كالتي تطلع من لبنان، وينبت في مدينته مثل عشب الأرض، ويدوم ذكره إلى الأبد، وأن اسمه لموجود قبل الشمس، فالأمم كلهم يتبكون به، وكلهم يحمدونه) وقال المهتدي الطبري: (ولا نعلم أحداً يصلى عليه في كل وقت غير محمد صلى الله عليه وسلم) وغني هذا النص عن زيادة تعليق أو شرح، فلم تتحقق هذه الصفات متكاملة لنبي أو ملك قبل محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما تحققت له، وبمقارنة سريعة بين الآيات التي سأوردها وهذا النص يتضح التماثل التام بينهما، قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) وقال عز وجل: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأة فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).
وقد تضمن المزمور الذي وردت فيه هذه البشارة بعض الألفاظ التي لا تزال مشرقة وشاهدة وهي قول داود: (ويشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر) وهذا اللفظ يقع مباشرة قبل قوله: (إنه يجوز من البحر إلى البحر..) ولنفاسه هذا اللفظ أحببت إيراده. وقد ضُبطت لفظة "الصديق" بالشكل الذي نقلته، فهل بعد هذا الإيضاح يبقى إشكال لذي عقل؟ وقد ذكر صاحبه الصديق رضي الله عنه، وذكر سنة من سنن دينه وهي كثرة السلام إلى أن يضمحل القمر، واضمحلال القمر تعبير عن الساعة يشهد له أول سورة التكوير والانفطار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة أن يكون السلام على الخاصة.
البشارة الخامسة: قال داود في المزمور الحادي عشر بعد المائة: (قال يهوه لسيدي: اجلس على يميني إلى أن أجعل أعداءك مسنداً لقدميك) ويبرر المهتدي عبد الأحد داود إطلاق داود عليه السلام لهذا الوصف "سيدي" بما يلي:
1. أن داود كان ملكاً قوياً، ولا يتأتى أن يكون خادماً لأي كائن بشري.
2. لا يمكن أن نتصور أنه كان يعني بهذا اللقب أحد الأنبياء المتوفين.
3. لا يمكن لداود أن يدعو أحداً من سلالته "سيدي"، لأن اللقب المعقول حينئذ سيكون: يا بني.
4. لا يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو الذي عناه داود بسيدي، لأن المسيح قد استثنى نفسه من هذا اللقب بنص إنجيل برنابا.
أما الحجج التي احتج بها عبد الأحد على أن الموصوف بـ "سيدي" في هذا النص هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كالتالي:
1. أنه أعظم نبي، لأنه هو الذي نشر التوحيد، وقضى على الشرك، وطهّر الكعبة من الأصنام، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، إذاً ليس لداود فحسب، بل سيد الأنبياء ولا فخر.
2. أن عيسى اعترف أنه لم يكن سيد داود، فلم يبق سوى محمد صلى الله عليه وسلم سيداً لداود.(10/246)
3. بمقارنة ما قدمه محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية مع ما قدمه كافة الأنبياء، نخرج بنتيجة تفرض نفسها وهي أن محمد صلى الله عليه وسلم وحده هو الذي يستحق هذا اللقب المميز.
4. تفوقه صلى الله عليه وسلم في التنديد بالشرك والوثنية وبالثالوث النصراني.
5. أن هذا التشريف قد تم ليلة المعراج.
البشارة السادسة: قول داود عليه السلام في المزمور التاسع والأربعين بعد المائة: (من أجل أن الرب أتاح لشعبه وتطول على المساكين بالخلاص، فليتعزز الأبرار بالكرامة، ويسبحونه على مضاجعهم، ويكرمون الله بحناجرهم، لأن في أيديهم السيف ذا الشفرتين للانتقام من الشعوب وتوبيخ الأمم، وإثقال ملوكهم بالقيود، وعليّتهم ومكرّميهم بالسلاسل، ليحملهم على القَدَر المكتوب المبرم، فالحمد لجميع أبراره) ألم تحقق هذه النبوة في محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه؟ ألم يقل الحق عنهم: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) أما قوله: ويكرمون الله بحناجرهم. فهذا من أخص خصائص هذه الأمة، وهو الأذان والإقامة والتكبير والتسبيح والذكر. وقال المهتدي الطبري معلقاً على هذه البشارة: (أما ترون – يهديكم الله – هذه الصفات خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته ؟ فهو الذي معه السيف ذو الشفرتين، وهو المنتقم بأمته من جبابرة فارس وطغاة الروم وغيرهم، وهو الذي قيّدت أمته الملوك، وساقت جلّتهم وأولادهم في السلاسل والأغلال).
البشارة السابعة: قول داود عليه السلام في المزمور الثاني والخمسين بعد المائة: (لترتاح البوادي وقراها، ولتصر أرض قيدار مروجاً، وليسبح سكان الكهوف، ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب، ويذيعوا تسابيحه في الجزائر، لأن الرب يجئ كالجبار، كالرجل المجرب المتلظي للتكبر، فهو يزجر ويتجبر، ويقتل أعداءه) قال المهتدي الطبري: (من قيدار؟ إلا ولد إسماعيل عليه السلام، وهم سكان الكهوف الذي يحمدون الرب ويذيعون تسابيحه في الهواجر والأسحار) ولم يختص أبناء إسماعيل بسكنى الكهوف، وإنما ذكر في هذه البشارة سكان البوادي والقرى والكهوف وقلل الجبال والجزائر إشارة إلى شمول رسالته صلى الله عليه وسلم كافة أرجاء المعمورة، ولجميع الأماكن الممكنة لسكنى البشر كالبوادي والقرى والكهوف والجزائر وقلل الجبال، وليس وراء هذه الأماكن ما ينفع لإقامة البشر فيها واتخاذها مسكناً.
البشارة الثامنة: قول داود عليه السلام: (طوبى لكم يا بني إسماعيل سيبعث منكم نبي تكون يده عالية على كل الأمم، وكل الأمم تحت يده) وعلق الإسكندراني على هذه البشارة بقوله: (ومن المعلوم أن إسماعيل عليه السلام لم يكن ظهر له ملك، ولا علت يده على إخوته، ولا نزل إلى الشام ولا سكن، ولم يكن ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته هم الذين سكنوا بمساكن بني إسرائيل بمصر والشام) وهذه البشارة مماثلة للبشارة الأولى في سفر التكوين – وقد سبق إيرادها في هذا المبحث.
البشارة التاسعة: قول داود في المزمور: (عظموا الله يا كل الأمم، ووحدوا الله يا أهل الأرض، سيبعث لكم نبي الرحمة) فهل بعد هذا التصريح من تصريح؟ ومن غير محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ؟ .
خامساً : بشارات إشعياء:
البشارة الأولى: قول إشعياء في الإصحاح الأول: (اسمعي يا سموات، وقرّي يا أرض، ولماذا تقلقي؟ سيبعث عليك نبي به ترحمي) وهذه النبوة توافق النبوة الماضية في مزامير داود عليه السلام التي قال فيها: سيبعث لكم نبي الرحمة.
البشارة الثانية: قول إشعياء في الفصل الثالث: (إني رافع آية للأمم، من بلد بعيد، وأصفر لهم من أقاصي الأرض صفيراً، فيأتون سراعاً عجالاً، ولا يميلون ولا يتعثرون ولا ينعسون ولا ينامون ولا يحلون مناطقهم، ولا ينقطع معقد خفافهم، سهامهم مسنونة، وقسيهم موترة، وحوافر خيلهم كالجلاميد صلابة، وعجلهم مسرعة مثل الزوابع، وزئيرهم كنهيم الليوث، وكشبل الأسد الذي يزأر وينهم للفريسة، فلا ينجو منهم ناج، ويرهقهم يومئذ مثل دوي البحر واصطكاكه، ويرمون بأبصارهم إلى الأرض فلا يرون إلا النكبات والظلمات، وينكشف النور عن عجاج جموعهم) وقد استنبط المهتدي الشيخ زيادة من هذا النص الدلالات التالية:
1. هذه البشارة منطبقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كل وجه، بدليل قوله رابع آية للأمم. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو العلامة المرفوعة لسائر الأمم.
2. أن قوله: من بلد بعيد، إشارة إلى أن هذه العلامة ترفع للأمم من خارج أرض بني إسرائيل، ويتضح ذلك من قوله بعده: من أقاصي الأرض. فكأنه قال: إن أقصى أرض إسرائيل هي الأرض التي يخرج منها ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
3. نفى التعب والإعياء والنوم عن جيوشه، وإثبات السرعة، برهان ظاهر على أن المراد بهذه النبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الملائكة كانت تشارك في جيوشه، وهم الذين لا ينامون ولا يسأمون.. كما أن نفي النوم عنه يدل أيضا على نبينا، لأنه كان يقضي الليل في العبادة والذكر والصلاة، حتى تورمت قدماه.(10/247)
4. الشهادة لحوافر خيله بأنها مثل الصوان، مطابق لوصف الله لها في القرآن بقوله: (والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا) ولا يمكن أن تنطبق هذه البشارة على عيسى عليه السلام، لأنه لم يكن له خيل.
ولعل المراد من قوله: وأصفر لهم من أقاصي الأرض فيأتون سراعاً عجالاً. هو النداء بالحج إلى بيت الله الحرام الوارد في قوله تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). وعبر بالصفير عن النداء والأذان.
البشارة الثالثة: قول إشعياء في الفصل الخامس مفسراً ما تقدم من نبواته: (إن الأمة التي كانت في الظلمات رأت نوراً باهراً، والذين كانوا في الدجى وتحت ظلال الموت سطع عليهم الضوء، أكثرت من التبع والأحزاب، ولم تستكثر بهم، فأما هم فإنهم فرحوا بين يديك كمن يفرح يوم الحصاد، وكالذين يفرحون عند اقتسام الغنائم، لأنك فككت النير الذي كان أذلهم، والعصا التي كانت على أكتافهم، وكسرت القضيب الذي كان يستبعد بهم مثل كسرك من كسرت في يوم مدين وقال الطبري: (وذلك شبيه بما وصف الله تعالى عن النبي في القرآن وقال إنه يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
وهذا النص يصور حال أمته قبل بعثته، فقد كانت ترتع في ظلمات الجهل والشرك، ثم أضاء لها نور الوحدانية فاتبعته، وبعد أن كانت أمة مستضعفة، كثر أتباعها، وفرحوا بانضمامهم إليها، وبسبب هذه الرسالة رفع الله عنهم استبعاد الأمم لهم، وانقلبت حالهم فإذا هم المسيطرون على بني البشر.
البشارة الرابعة: قول إشعياء في الفصل الخامس: (إنه ولد لنا مولود، ووهب لنا ابن سلطانه على كتفه) هذا النص عن الترجمة السريانية، أما ترجمته عن اللغة العبرية فهو: (إن على كتفه علامة النبوة).
وقد أورد المهتدي الشيخ زيادة هذه البشارة بالنص العبري ثم ترجمها إلى اللغة العربية، وكانت بصورة أطول مما ذكره الطبري هنا، واستنتج منها الأدلة التالية الدالة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي:
1. أن اسمه عجيب، فلم يتسم أحد بهذا الاسم الشريف من قبل.
2. أنه من سلالة إسماعيل الذي لم يظهر منهم سواه.
3. أن لفظه "عجيباً" التي تضمنتها البشارة قد وجدت في التوراة اليونانية "رسولاً" وهو الاسم المتغلب عليه صلى الله عليه وسلم.
4. هذه النبوة تضمنت أن إشعياء سماه "مشاوراً"، ولم يكن أحد أكثر منه مشاورة لأصحابه صلى الله عليه وسلم.
5. أن إشعياء قال عنه: "سيد سلام"، وهذا يدل على أنه رئيس الإسلام والمسلمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين. ولا تنطبق هذه الأوصاف على عيسى عليه السلام، لأنه لا توجد على كتفه علامة النبوة، ولم يكن اسمه عجيباً فقد سبقه من تسمى بمثل اسمه، ولم يأت بشريعة مستقلة.
والمقصود بهذه البشارة الإشارة إلى خاتم النبوة الذي كان على كتفه الشريف، وقد استفاضت كتب السنة والسيرة والدلائل بذكر خبره وصفته، وكذلك القصص والحوادث المتعلقة به كقصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقصة بحيرا الراهب.
البشارة الخامسة: قول إشعياء في الفصل العاشر: (هكذا يقول الرب إنك تأتي من جهة التيمن، من بلد بعيد، ومن أرض البادية مسرعاً، مقداً مثل الزعازع من الرياح، ورأينا منظراً رائعاً هائلاً ظالماً يظلم، ومنتهياً ينتهب ... ولتقم السادة والقادة إلى أترستهم، فيدهنوها لأن الرب قال لي: هكذا أمض فأقم الربيئة على المنظرة، ليخبر بما يرى، فكان الذي رأى راكبين: أحدهما راكب حمار، والآخر راكب جمل.. فبينما أنا كذلك إذ أقبل أحد الراكبين وهو يقول: هوت بابل وتكسرت جميع آلهتها المنجورة على الأرض، فهذا الذي سمعت من الرب إله إسرائيل العزيز قد أنبأتكم). ويستنتج من هذا النص الدلالات التالية المؤكدة على أن المعنى بهذه البشارة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
1. أن إشعياء قال: ستأتي من جهة التيمن، من بلد بعيد، من أرض البادية، لئلا يدع حجة لمحتج، لأنه لم يأت أحد بهذه النوبة من أرض التيمن الواقعة في البادية البعيدة عن أرض إسرائيل سوى محمد صلى الله عليه وسلم.
2. أنه قال: (هوت بابل وانكسرت جميع آلهتها). ولم تزل الأوثان تعبد في بابل حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم ، فأطفأ نيرانهم، وهدم أوثانهم، واذعنوا لدين الله طوعاً أو كرهاً.
3. إذا كان راكب الحمار ينطبق على المسيح، فليس في الدنيا راكب جمل أولى بهذه النبوة من محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أورد المهتدي الإسكندراني النص العبري المتعلق براكب الحمار وراكب الجمل، ثم اتبعه بالترجمة العربية وجاء فيه: (فرأى ركب رديف خيل، ركب رديف حمار، ركب رديف جمل) وقال: هذه حال جيوشه صلى الله عليه وسلم ، خلاف عساكر الملوك، لأن الملوك لا تركب جيوشها مراديف، ولا يركبون الحمير والجمال.
أما قوله: (ظالماً بظلم، ومنتهبا ينتهب). فقصد به الإمبراطورية الفارسية والرومانية.(10/248)
البشارة السادسة: قول إشعياء في الفصل السادس عشر: (لتفرح أهل البادية العطشى، ولتبتهج البراري والفلوات، ولتخرج نوراً كنور الشسلبذ، ولتستر وتزه مثل الوعل، لأنها ستعطى بأحمد محاسن لبنان، وكمثل الدساكر والرياض، وسيرون جلال الله عز وجل وبهاء إلهنا) وقد اشتملت هذه البشارة على ذكر بلده وحال أمته، وصرحت باسمه، وتضمنت ما وعدوا به من النظر إلى وجهه تعالى في الآخرة.
البشارة السابعة: قول إشعياء في الفصل التاسع عشر: (هتف هاتف في البدو وقال: خلوا الطريق للرب، وسهلوا لإلهنا السبيل في القفر، فستمتلئ الأودية كلها مياهاً، وتنخفض الجبال انخفاضاً، وتصير الآكام دكا دكاً، والأرض الوعرة ملساء، وتظهر كرامة الرب، ويراه كل أحد، من أجل أن الرب يقول ذلك). ولم تدع أمه من البادية وتكرم هذا التكريم سوى الأمة الإسلامية. وقد أول الطري الجبال والروابي في هذه البشارة على أنهم الملوك والجبابرة، وأن الأودية الواردة هنا حقيقية.
ولعل الأولى أن يتم تأويل هذه الأودية على معنى معنوي كما أول الجبال والآكام فيكون المقصود بفيضان الأودية بالماء هو انتشار الإسلام، وإشاعة العلم الشرعي الذي لا تستغني عنه الأمة، كما أنها لا تستغني عن الماء، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما بُعث به بالغيث أصاب الأرض.
البشارة الثامنة: قول إشعياء في الفصل التاسع عشر: (من الذي نبه البر من المشرق، ودعاه إلى موطئ قدمه ليسلم إليه الأمم، ويذهل عنه الملوك، ويجعل سيوفه في عدد الثرى .. وقسيه في عدد الحزم المنثورة، فهو يغلبهم ويضرب وجوههم، ثم يحدث سلماً، ولا يطأ برجله سفراً). قال الطبري: (فإن الحجاز والعراق وما ولاها عند أهل الشام مشرق). ومعنى قوله من الذي نبه البر. لعله بمعنى من الذي نبه البار من المشرق، أو لعل المقصود بالبر الإيمان، كما جاء في قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر). أما بقية النص فهو متحقق في النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي سلمت إليه الأمم قيادها، وذهل منه الملوك، وكانت سيوفه بعدد الثرى، وهو الذي تغلب على الكفار وخذلهم، ولم تجتمع هذه الصفات لأحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
البشارة التاسعة: قول إشعياء في الفصل العشرين: (يا آل إبراهيم خليلي الذي قويتك، ودعوتك من أقاصي الأرض، ومن نجودها وعواليها، ناديتك وقلت لك: إنك عبدي وأنا اجتبيتك، ولم أستر ذلك، فلا تخف، لأني معك، ولا ترهب فها أنا إلهك أيدتك ثم أعنتك، وبيميني العزيزة البرة مهدت لك، ولذلك يبهت ويخزي المستطيلون عليك، ويضمحل ويتلاشى الذين يمارونك ويشاقونك، ويبيد القوم المنازعون لك، وتطلبهم فلا تحس منم أثراً، لأنهم يبطلون، ويصيرون كالنسئ المنسي أمامك لأني أنا الرب قويت يمينك، وقلت لك لا تخف، فإني أنا عونك ومخلصك، هو قدوس إسرائيلل، يقول الله الرب: (أنا جاعلك مثل الجرجر الحديد الذي يدق ما يأتي عليه دقاً، ويسحقه سحقاً، وكذلك تفعل أنت أيضاً، تدوس الجبال، وتدقها، وتجعل المدائن والتلال هشيماً تذروه العواصف، وتلوى به هوج الرياح، وتبتهج أنت حينئذ، وترتاح بالرب، وتكون محمداً بقدوس إسرائيل). وقد استبدل أول هذا النص بـ (وأما أنت يا إسرائيل عبدي، يا يعقوب الذي اخترته من نسل إبراهيم). كما استبدل آخره بـ (وأنت لتبتهج بالرب بقدوس إسرائيل تفتخر).
وقد تقدم في البشارات السابقة أن أرض الحجاز واقعة في أقاصي أرض إسرائيل، أما قوله: (فلا تخف لأني معك، ولا ترهب فها أنا إلهك أيدتك ثم أعنتك). فهو متفق مع قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس). أما قوله: (يبهت ويخزي المستطيلون عليك). فهو متفق مع قوله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) وقوله: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) كما أنه متفق مع حال المناوئين له والمخالفين لأمره ممن كانوا أمما أو أفراداً. ومعنى قوله: (تدوس الجبال وتدقها) .. فقد سبق تأويل الجبال بالملوك والجبابرة، وقد سحقوا أمام جيوشه وجيوش أصحابه، وأصبحوا هشيماً تذروه الرياح.
وقال المهتدي الطبري: (وإن شغب شاغب فأكثر ما يمكنه أن يقول: إن تفسير اللفظة السريانية هو: أن يكون محموداً وليس بمحمد. ومن عرف اللغة وفهم نحوها لم يخالفنا في أن معنى محمود ومحمد شيء واحد).(10/249)
البشارة العاشرة: قول إشعياء في الفصل العشرين: (إن المساكين والضعفاء يستسقون ماء ولا ماء لهم، فقد جفت ألسنتهم من الظمأ، وأنا الرب أجيب حينئذ دعوتهم، ولن أهملهم بل أفجر لهم في الجبال والأنهار وأجري بين القفار العيون، وأحدث في البدو آجاماً، وأجري في الأرض ماء معيناً، وأنبت في القفار البلاقع والصنوبر والآس والزيتون، وأغرس في القاع الصفصف والسرو البهية، ليروها جميعاً، وليعلموا ويتدبروا ثم يفهموا معاً أن يد الله فعلت ذلك، قدوس إسرائيل ابتدعه) وقد ذهب الطبري إلى أن الألفاظ الواردة في هذه النبوة على حقيقتها، فقال: (فأين لكم يا بني عمي المحيد عن هذه النبوة الواضحة الناطقة؟ وما عسيتم تقولون فيها؟ وقد سمى البلاد ووصف المعاطش والقفار البلاقع، وما فجر فيها من العيون، وأجرى من الأنهار، وغرس فيها من أنواع الأشجار، وسمي العطاش المساكين من أهل البوادي والحجاز..) ولكنني أرى أن المقصود بهذه الألفاظ هي المعاني المجازية التي يمكن تأويل هذه الألفاظ إليها استئناساً بقرينة الحال والواقع، لا أن المقصود بهذه الألفاظ المعاني الحقيقية، يؤكد ذلك أن الأرض التي أشرقت بنور الرسالة المحمدية لا تزال منذ أن سكنها إسماعيل عليه السلام إلى يوم الناس هذا واد غير ذي زرع، كما قال ذلك الخليل عليه السلام، فلم تنعم بالأنهار،ولم تتفجر فيها العيون، ولم تنبت الزيتون والآس. ولعل المراد من قوله: إن المساكين والضعفاء يستسقون ولا ماء لهم أن هذا كناية عن سؤالهم الله أن يغيثهم بالرسالة، ويزكيهم بالكتاب والحكمة وينزل على قلوبهم السكينة والطمأنينة، امتداداً لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام لما قال – كما أخبر بذلك الله عنه في محكم تنزيله -: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم).
وقد أورد المهتدي الشيخ زيادة نصاً عن إشعياء يتضمن أن "دوما" – وهي إحدى البلاد التي عمرها أحد أبناء إسماعيل عليه السلام – تستغيث بلسان حالها إلى الله سبحانه وتعالى أن يرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، ليخرجها من الظلمات إلى النور. فعلى ذلك يتيسر تأويل بقية النص الوارد إلى المعاني المجازية، فيكون المراد بالأنهار والعيون، وازدياد الخير والنماء وتبدل حال القفار ... هو انتشار الرسالة، وعموم نور الإسلام، وكثرة العلماء والدعاة الذين يرد إليهم الناس لسؤالهم والاستفادة من علمهم الذي هو للروح كالماء للجسد. وقد يكون من حكمة الله أن تظل هذه النصوص بهذه الألفاظ، لأنها لو وردت ظاهرة لتلقفتها أيدي اليهود النصارى بالتحريف والتغيير.
وبناء على ذلك يكون هذا النص – سواء كان ظاهراً أم مؤولاً – دالاً على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه ذكر الضعفاء والمساكين في البادية العطشى بين الجبال والقفار، وقد كانت أمته قبل بعثته على هذه الحال من الضعف والمسكنة والبداوة والسكنى بين الجبال وفي القفار والأودية العطشى.
البشارة الحادية عشر: قول إشعاء في الفصل الحادي والعشرين: (لتسبحني وتحمدني حيوانات البر من بنات آوى حتى النعائم، لأني أظهرت الماء في البدو، وأجريت الأنهار في بلد أشيمون، لتشرب منها أمتي المصطفاة فلتشرب منه أمتي التي اصطفيتها) وما ورد في هذه النبوة يؤكد ما جاء في النبوة السابقة، ويؤكد أيضاً تأويل الماء بالرسالة.
البشارة الثانية عشر: قول إشعياء في الفصل الثالث والعشرين متحدثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اسمعي أيتها الجزائر، وتفهمي يا أيتها الأمم، إن الرب أهاب بي من بعيد، وذكر اسمي وأنا في الرحم، جعل لساني كالسيف الصارم وأنا في البطن، وأحاطني بظل يمينه، وجعلني في كنانته كالسهم المختار وخزنتي لسره، وقال لي: إنك عبدي. فصرفي وعدلي قدام الرب حقا، وأعمالي بني يدي إلهي، وصرت محمداً عند الرب، وبإلهي حولي وقوتي) قال المهتدي الطبري: فإن أنكر منكر اسم محمد في الباب. فليكن محموداً، فلن يجد إلى غير ذلك من الدعاوي سبيلاً.(10/250)
البشارة الثالثة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (هكذا يقول الرب قدوس إسرائيل للذي كانت نفسه مسترذلة مهانة، ولمن كانت الأمم تستخف به، وأتباع السلطان يهينونه، ستقوم له الملوك إذا رأوه، وتسجد له السلاطين، لأن وعد الله حق، وهو قدوس إسرائيل الذي انتخبك واختارك، وهو الذي يقول أجبتك عند الرضى، وترث تواريث الخرابات، وتقول للأسرى: أخرجوا وانفكوا، وللمحبسين اظهروا وانطلقوا.. ويتوافى القوم من بلد شاسع بعيد: بعض من جهة الجريباء، وبعض من البحر، وبعض من بحر سنيم. فسبحي أيتها السماء، واهتزي أيتها الأرض فرحاً، وابتهجي أيتها الجبال بالحمد، فقد تلاقى الرب شعبه، ورحم المساكين من خلقه) ولم تتحقق هذه المعاني مجتمعة إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أمته قبل بعثته أمة مسترذلة مستضعفة، وببعثته صلى الله عليه وسلم أذعنت لهم الملوك، واستسلمت لهم الجبابرة، وقضوا على الإمبراطوريات القائمة، وحكموا البلاد والعباد.
أما قوله: (جعلتك ميثاقاً للشعوب). فهو متفق مع قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) والذي جاء مصدقاً لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه).
أما قوله: نوراً للأمم. فهو متفق أيضاً مع قوله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون). وقوله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) وقوله تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا).
أما قوله: (لتطمئن بك الأرض)، فهو مماثل لقوله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم يذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
أما قوله: (وترث ثواريث الخرابات) فتستطيع أن تلمح منه وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف كما في قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم .. ). أما بقية هذه البشارة فهي تصوير لتوافد الأمة الإسلامية في موسم الحج، وإقامة شعائر الله في تلك البقاع الطاهرة المباركة..
البشارة الرابعة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين مخاطباً مكة وهاجر: (أنا رسمتك على كفي فأسوارك أمامي في كل وقت، وسيأتيك ولدك سراعا، ويخرج عنك من أراد أن يتحيّفك ويخرّبك، فارفعي بصرك إلى ما فوقك، وانظري فإنهم يأتونك ويجتمعون عن آخرهم إليك يقول الله مقسماً باسمه: إني أنا الحي، لتلبسنهم مثل الحلة، ولتتزينين بالإكليل مثل العروس، ولتضيقن عنك قفارك وخراباتك، والأرض التي ألجئوك إليها، وضغطوك فيها من كثرة سكانها والراغبين فيها، وليهربن منك من كان يناويك ويهتضمك، وليقولن لك ولد عقمك: أيتها النزور الرقوب، إنه قد ضاقت بنا البلاد فتزحزحوا وانفرجوا فيها لتتسع في فيافيها، وستحدثين فتقولين: من رزقني هؤلاء كلهم، ومن تكفل لي بهم. وهذه البشارة لا تتطلب الشرح والتعليق لوضوحها، كما أنها لا تقبل أن تؤول على غير مكة أو هاجر، فمن الذي تكفل الله بحمايتها غير مكة؟ ومن الذي تكاثر عددها ونسلها، وضاقت عنهم أرضها، سوى هاجر ؟؟.
البشارة الخامسة عشرة: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (هكذا يقول الرب: ها أنا رافع يدي على الأمم، وناصب لهم آية، وهي أن الناس يأتونك بأبنائك على أيديهم، ويحملون بناتك على أكتافهم وتكون الملوك ظؤوتك، وعقائل نسائهم مرضعاتك، ويخرون على وجوههم سجداً على الأرض، ويلحسون تراب أقدامك، وتعلمين حينئذ أني أنا الرب الذي لا يخزي الراجون لي لدى). وفي هذا النص تقرير لخضوع الأمم لهذه الأمة الإسلامية، فيكون أبناؤها وبناتها خدماً لأبناء الأمة الإسلامية، وتكون نساؤهم مرضعات لأطفال المسلمين، وقد حدث ذلك نتيجة الفتوحات الإسلامية التي أثمرت عن انتشار الرقيق من سبايا الكفار، كما أن في قوله: (ويلحسون تراب أقدامك). تصوير لحال الصغار والذل الذي يلازم دافع الجزية كما في قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). وقد وافق إشعياء داود في هذه النبوة، ولم لا، والمصدر واحد، والموضوع واحد، والوصف واحد، وهو قوله: (ويلحسون تراب أقدامك).(10/251)
البشارة السادسة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (من الذي أقبل من أدوم؟ وثيابه أشد حمرة من البسر، وأراه بهياً في حلله ولباسه، عزيزاً لكثرة خيله وأجناده، وإني أنا الناطق بالحق والمخلص للأقوام، وإن لدينا ليوم الفتنة نكلاً، ولقد اقتربت ساعة النجاة، وحانت ساعة تخليصي، لأني نظرت فلم أجد من يعينني، وتعجبت إذ ليس من ينيب إلى رأيي، فخلصني عند ذلك ذراعي، وثبت بالغضب قدمي، ودست الأمم برجزي، وأشقيت حدودهم بغيظي واحتدامي، ودفنت عزهم تحت الأرض). تورد هذه النبوة بعضاً من صفاته صلى الله عليه وسلم في هيبته وجلاله، وطرفاً من ذكر بهائه، وإشارة إلى كثرة خيله وأجناده، وأن بمقدمه تتخلص الأقوام من قيد العبودية لغير الله، وتقترب ساعة نجاتها، كما تضمنت هذه النبوة صفة البشرية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ، وأنها لا تسمع لكلام الله، ولا تنصر المؤمنين به، فاستحقت بذلك غضب الله ومقته، فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم عقاباً لأمم الكفر، إذ ناصبهم العداوة، وشهر السيف في وجوههم، وأرغمهم على الإذعان له، ودفن مجد الكافرين تحت الأرض.
وقد يقول قائل: إن هذه البشارة ذكرت أنه أقبل من أدوم. ومحمد صلى الله عليه وسلم كان في أرض الحجاز، فلا تنطبق عليه هذه النبوة. والجواب على ذلك: أن الصفات الواردة في بقية النبوة لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، أما قوله: أقبل من "أدوم" فمن المعلوم أن المتحدث في هذه البشارة هو أحد أنبياء بني إسرائيل المقيمين في أرضها، و"أدوم" إقليم يقع بين الحجاز وفلسطين، إذ القادم من الحجاز إلى فلسطين لا بد أن يعبر من خلال "أدوم"، ويجب أن لا نغفل أن المتحدث – وهو إشعياء – يتحدث عن أمر غيبي مستقبلي فلا يمكن إذاً أن يقول: من الذي أقبل من الحجاز. لأنه سيقال له: أين منا الحجاز ؟؟. ولكنه يتحدث عن هذا النبي القادم بيقين لا شك فيه، حتى لكأنه يراه في أطراف أرض إسرائيل فيقول لهم: من هذا الذي أقبل من أدوم؟؟ وهو علىيقين منه، لأنه ذكر صفاته، ولكنه طرح الخبر بصيغة التساؤل حتى تستشرف النفوس، وتهفو الأرواح للقائه.
البشارة السابعة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين عن الله عز وجل أنه قال مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: (إني جعلت اسمك محمداً، فانظر من محالك ومساكنك يا محمد، يا قدوس، .. واسمك موجود منذ الأبد) فذكر اسمه مرتين في هذه النبوة، وهذه مماثلة لما ورد في نبوة داود عليه السلام عنه في المزامير من قول داود: (في جبله قدوس ومحمد). فليس وراء هذا مجل لمدعٍ أن يتمحل أو يجادل.
وقال الطبري: (إن القدوس في اللغة السريانية: الرجل البر الطاهر ... فإن غالط مغالط فقال: (يا محمد يا قدوس)، إنما يقع على المساكن التي ذكرها. فإن الكتاب السرياني يكذبه، لأنه لو أراد بذلك المساكن لقال: يا قدوسين ومحمدين. ولم يقل قدوساً ومحمداً.
البشارة الثامنة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (اعبروا اعبروا الباب، وردوا الطريق على الأمة، وسهلوا السبيل وذللوها، ونحوا الحجارة عن سبيلها، وارفعوا للأمة علماً ومناراً، فإن الرب أسمع نداءه من في أقطار الأرض، فقل لابنه صهيون إنه قد قرب مجيء من يخلصك، وأجره معه، وعمله قدامه، ويسمون شعباً طاهراً، يخلصهم الرب، وتسمين أنت أيتها القرية التي أدال الله لها من أعدائها ولم يخذلها ربها) وهذه البشارة شاهدة ومؤكدة للبشارة السابقة لإشعياء التي سبق إبرادها تحت مسمى البشارة التاسعة.
ويماثل قول إشعياء أسمع نداءه من في أقطار الأرض. قوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الدين: (لا يبقي على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل: إما يعزه الله فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم الله فيدينون لها.
أما قوله: فقل لابنة صهيون إنه قد قرب مجيء من يخلصك. فهو شاهد على أن هذا المخلص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه ذكر شيئا من صفاته، وهو أن أجره معه فهو لا يبتغي على رسالته أجراً من أحد سوى الله، كما أنه لا يعمل لدنياه بل يعمل لآخرته فعمله أمامه، ولم تتخلص ابنة صهيون – ولعل ذلك تعبير عن بيت المقدس – من ربقة السيطرة اليهودية، وضلال الوثنية النصرانية إلا على يد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو الذي ألبسها حلة الإيمان، وكساها رونق التوحيد، وكشف عنها ستار الجهالة. ويؤكد اختصاص هذه الأمة بهذه البشارة قوله: (ويسمون شعبا طاهراً ... وتسمين أيتها القرية التي أدال الله لها من أعدائها). فذكر حالهم وهو الطهارة، ولعنايتهم به جعله اسماً لهم، وهذا موافق لقوله r: (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء). وأشار إلى موطنهم وهو مكة، فهي القرية وهي أم القرى.(10/252)
البشارة التاسعة عشر: قول إشعياء في الفصل السادس والعشرون مخاطباً هاجر عليها السلام: (سبحي أيتها النزور الرقوب، واغتبطي بالحمد أيتها العاقر، فقد زاد ولد الفارغة المجفية على ولد المشغولة الحظية. وقال لها الرب أوسعي مواضع خيامك، ومدي ستور مضاريك، لأنك لا تنفسي ولا تضني، بل طوّلي أطنابك، واستوثقي من أوتادك، من أجل أنك تتبسطين وتنتشرين في الأرض يميناً وشمالاً، وترث ذريتك الأمم، ويسكنون القرى المعطلة اليبات). فذكر حال هاجر عليها السلام. وبشر هاجر بهذه الآمال العظيمة التي تستحق الحمد والشكر والاغتباط، وما ينتظر ذريتها من التوسع والسيطرة والغلبة على سائر الأمم، وبمقارنة هذا الوعد الذي وعد به إشعياء هاجر عليها السلام – مع الفتوحات التي تحققت للأمة الإسلامية على أيدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أنه قد تحقق فعلاً، وليس بعد شهادة الواقع وتصديقه لهذه النبوة مجال لمجادل أن يجادل أو يغالط فيدعي أن هذه البشارة لا تصدق هنا، وأنها دالة على قوم آخرين .. ويكفي في هذه النبوة حجة ودليلاً أنه نص على أن أبناء المجفية قد زادوا على أبناء المشغولة الحظية، ومن المجفية إلا هاجر؟ ومن الحظية إلا سارة؟. ولم تحصل هذه الزيادة، ولم تتحقق هذه الغلبة إلا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
البشارة العشرون: قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين مخاطباً هاجر عليها السلام: (أيتها المنغمسة المتغلغلة في الهموم التي لم تنل حظوة ولا سلوا، إن جاعل حجرك بلوراً .. ويعرفني هنالك جميع ولدك ولا ينكرونني، وأعلم أبناءك بالسلم، وتكونين مزينة بالصلاح والبر، فتنحي عن الأذى والمكارة، لأنك آمنة منها، فانحرفي عن الانكسار والانخذال فلن يقرباك، ومن انبعث من بين يدي فإليك يكون وفيك حلوله، وتصيرين وزراً وملجأً لقاطنيك وساكانك). قال الطبري: (فأي شهادة أعظم من شهادة الله لهم أنهم جميعاً يعرفونه ولا يجهلونه؟ وأنه صيّر بلدهم وزراً وملجأً للناس، أي حرماً آمناً).
البشارة الواحد والعشرون: قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (يا معشر العطاش توجهوا إلى الماء والورود، ومن ليس له فضة فليذهب ويمتار ويستسقي ويأكل من الخمر واللبن بلا فضة ولا ثمن). قال المهتدي الطبري: (فهذا من نبوة إشعياء دال على ما أنعم الله به على ولد هاجر من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أنهم صائرون إلى ما وعدهم الله تعالى في الآخرة من أنهار من خمر، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين. فانظروا إلى هذه المشاكلة والموافقة التي بين النبوتين جميعاً). وهذا إشارة منه إلى قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم).
البشارة الثانية والعشرون: قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (إني أقمتك شاهداً للشعوب، ومدبراً وسلطاناً للأمم، لتدعو الأمم الذين لم تعرفهم، وتأتيك الأمم الذين لم يعرفوك هرولة وشداً، من أجل الرب إلهك قدوس إسرائيل الذي أحمدك، فاطلبوا ما عند الرب، فإذا عرفتموه فاستجيبوا له، وإذا قرب منكم فليرجع عن خطيئته، والفاجر عن سبيله، وليرجع إليّ لأرحمه، ولينب إلى إلهنا الذي عمّت رحمته وفضله) قال الطبري: (فقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم باسمه، وقال: إن الله جعلك محمداً. فإن آثر المخالف أن يقول: ليس بمحمد، بل محمود وافقناه فيه، لأن معناهما واحد).
أما قوله: (أقمتك شاهداً للشعوب). فهو مماثل لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) وقوله عز وجل: (ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس). وقوله عز من قائل: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).
أما قوله: سلطاناً للأمم. فيحتمل أن يكون المراد منه المعنى المتبادر للذهن وهو السيادة والقيادة، وقد تحققت له هذه على الأمم في حياته وحياة أصحابه. ويحتمل أن يكون المراد منه أنه سلطان بمعنى حجة على الأمم، لأن السلطان في لغة التنزيل تأتي بمعنى حجة.
وأما قوله: (لتدعو الأمم الذين لم تعرفهم). فقد تحقق ذلك بإرساله صلى الله عليه وسلم الرسل والكتب إلى الملوك كهرقل وكسرى والمقوقس وغيرهم ممن لا يعرفهم كما هو مشهور في كتب السنة والسيرة.
وأما قوله: تأتيك الأمم الذين لم يعرفوك هرولة وشداً. فمصداق ذلك في انضواء الأمم التي لم تكن تعرفه من قبل، والتي لا تعد ولا تحصى تحت لوائه، والإذعان لأمره. كما أن هذه البشارة لا تنطبق على الأنبياء قبله، لأنهم دعوا أقوامهم وهم يعرفونهم، واستجابت لهم الأمم التي تعرفهم، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا من لم يعرفه، واستجاب له من لا يعرفه.(10/253)
وبقية النص تتعلق بالرحمة والمغفرة والتوبة، وهي معان ظاهرة في شريعته، أظهر من الشمس في رائعة النهار، ولا يمكن أن تكون هذه البشارة دالة على اليهودية أو على النصرانية لما يأتي.
1. أن اليهودية تعتقد أنها دين خاص ببني إسرائيل، وهذه البشارة قد تضمنت أنه يدعو الأمم ، وتأتيه الأمم، وهذا يناقض اعتقادها.
2. أن هذا النص تضمن أن صاحب هذه الرسالة يبشر بالتوبة والمغفرة والرحمة، وهذا يخالف اعتقاد اليهود والنصارى: فاليهود تعتقد أن من حق الكاهن المغفرة ومحو الخطايا كما أن النصرانية تعتقد أن البشرية كانت مثقلة بالخطيئة الموروثة التي رفعت عنهم بعد صلب المسيح – كما زعموا – ثم غفلت النصرانية عن كونها محت الخطيئة الموروثة فمنحت رجال الدين حق مغفرة الخطايا.
3. المسيحية ديانة خاصة ببني إسرائيل، لأن المسيح عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل حيث يقول لتلاميذه: (إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).
البشارة الثالثة والعشرون: قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين عن الله سبحانه وتعالى أنه قال: (إني أقسمت بنفسي وأخرجت من فمي كلمة الحق التي لا خلف لها ولا تبديل، وإنه تخرّ لي كل ركبة، ويقسم بي كل لسان، ويقولون معا: إن النعمة من عند الرب). قال المهتدي الطبري: (فمن هذه الأمة التي تقسم باسم الله؟ ومن ذا الذي يخر على الركب لاسم الفرد الواحد، ويحدث بنعم الله صباحاً ومساء، ويفرده بالدعاء والابتهال غير هذه الأمة ؟ فأما جماعة النصارى فإنهم ينسبون النعم إلى المسيح).
البشارة الرابعة والعشرون: قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (إن الله نظر ولم ير عدلاً، وأنكر ذلك، ورأى أنه ليس أحد يعين على الحق، فعجب الرب منه، وبعث وليه فأنقذه بذراعه، ومهد له بفضله، فاستلأم العفاف كالدرع، ووضع على رأسه سنور الإعانة والفلح، ولبس لباس الخلاص، لينتقم من المبغضين له والمعادين، ويجازي أهل الجزائر جزاءهم أجمعين، ليتقي اسم الله في مغارب الأرض، وليخشع في مشارقها لجلاله) وفي هذه النبوة تصوير لواقع البشرية قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام، كما أن فيها إشارة إلى اختيار الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ووصفاً لجهاده صلى الله عليه وسلم الكافرين والمعاندين، وبياناً للنتيجة التي تحققت على يديه وهي: دخول الأمم في دين الله أفواجاً، حتى شمل ذلك المشرق والمغرب.
البشارة الخامسة والعشرون: قول إشعياء مخاطباً هاجر عليها السلام وبلادها وهي مكة: (قومي وأزهري مصباحك فقد دنا وقتك، وكرامة الله طالعة عليك، فقد تخللت الأرض الظلام، وغطي على الأمم الضباب، فالرب يشرق عليك إشراقاً، وتظهر كرامته عليك، وتسير الأمم إلى نورك، والملوك إلى ضوء طلوعك، ارفعي بصرك إلى ما حولك وتأملي، فإنهم سيجتمعون كلهم إليك ويحجونك، ويأتيك ولدك من بلد بعيد، وتحج إليك عساكر الأمم حتى تعمرك الإبل المربلة، وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، ويساق إليك كباش مدين وكباش أعفا، وتأتيك أهل سبأ ويتحدثون بنعم الله ويمجدونه، وتسير إليك أغنام قيدار كلها، وتخدمك رخلات نبايوت، ويرفع إلى مذبحي ما يرضيني، وأحدث حينئذ لبيت محمدتي حمداً). فذكر هاجر وذكر البلد، وصرح بالحج وما يصاحبه من توافد الأمم، وسوق الهدي، كما صرح بأسماء بعض هذه الأمم الوافدة إلى الحج كأهل سبأ ومدين وغيرهما. أما قوله: (قيدار ونبايوت). فقال الطبري: هما من أولاد إسماعيل عليه السلام.(10/254)
البشارة السادسة والعشرون: قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (سيترجاني أهل الجزائر، ومن في سفن تارسيس كما فعلوا من قبل، ويوردون عليك أبناءك من بلد بعيد ومعهم فضتهم وذهبهم، من أجل اسم الرب إلهك قدوس إسرائيل الذي أحمدك وأكرمك، ويبني أبناء الغرباء سورك، وملوكهم يخدمونك، وتفتح أبوابك في كل وقت وأوان من آناء الليل والنهار فلا تغلق، ويدخل إليك أرسال الأمم، ويقاد إليك ملوكهم أسرى، لأن كل أمة ومملكة لا تخضع لك تتبدد ستورها، وتصطلم الشعوب بالسيف اصطلاماً، وتأتيك الكرامة من صنوبر لبنان البهي، ومن أبهلها ليبخر به بيتي، ويعظم به موضع قدمي ومستقر كرامتي، وتأتيك أبناء القوم الذين كانوا يذلونك، ويقبل آثار أقدامك جميع من كان يؤذيك ويضطهدك، وأجعلك كرامة إلى الأبد، وغبطة وفرحاً إلى دهر الداهرين، وسترضعين ألبان الشعوب، وستصيبين من غنائم الملوك، وتتمززين من غاراتك عليهم ... وأجعل السالمة مدبرك، والصلاح والبر سلطانك، ويكون الرب نورك ومصباحك إلى الأبد). فلم تتحقق هذه الصفات مجتمعة إلا لهذه الأمة الإسلامية، فتغلبت على الأمم، وقادت ملوكهم أسرى، وتبدد من أمامها الأمم التي لم تذعن لها. وكتب الله لها الغلبة والظهور إلى قيام الساعة وهو ما أشار إليه أشعياء في قوله: إلى دهر الداهرين .. إلى الأبد. وهو مماثل لقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال ناس من أمتي ظاهرين، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون).
البشارة السابعة والعشرون: قال إشعياء في الإصحاح الثاني والأربعين: (إن عبدي المجتبى عندي، ابن حبيبي اخترته وأرسلته إلى الأمم بأحكام صادقة).
وقد أورد المهتدي الترجمان وغيره هذا النص بصورة أطول، واشتمل على صفات هي ألصق بمحمد صلى الله عليه وسلم من غيره وهو قوله: (إن الرب سبحانه وتعالى سيبعث في آخر الزمان عبده الذي اصطفاه لنفسه، ويبعث له الروح الأمين، يعلمه دينه، ويعلم الناس ما علمه الروح الأمين، ويحكم بين الناس بالحق، ويمشي بينهم بالعدل، وما يقول للناس هو نور يخرجهم من الظلمات التي كانوا فيها، وعليها رقود، وقد عرّفتكم ما عرفني الرب سبحانه قبل أن يكون). فمحمد صلى الله عليه وسلم هو المبعوث في آخر الزمان، وهو الذي نزل عليه الروح الأمين، وهو الذي حكم بين الناس بالعدل وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
البشارة الثامنة والعشرون: قول إشعياء في الإصحاح الثاني والأربعين: (لترفع البرية ومدنها صوتها، والديار التي سكنها قيدار، ولتترنم سالع من رؤوس الجبال، ليهتفوا ليعطوا مجداً، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر الرب كالجبار، يخرج كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ على أعدائه). تضمن هذا النص الإشارة إلى مساكن العرب وهم ذرية قيدار أحد أبناء إسماعيل عليه السلام، والتصريح بذكر جبال المدينة المنورة وهو سالع، إذاً فلا تقبل هذه البشارة أن تنطبق على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقبل الانتقال إلى نبوات إرميا لا بد لي من الإشارة على أن النبوات التي أوردها إشعياء تكاد أن تأخذ طابعاً معيناً وهو: المباشرة في الطرح والتصريح بذكر الأسماء كمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإسماعيل، ومكة والعرب، أو الإشارة إلى صفته وصفات أمته وأصحابه كذكر الدروع والسيوف والجهاد .. كما مر سابقاً.
سادساً: بشارات إرميا:
البشارة الأولى: خاطب الله بها النبي صلى الله عليه وسلم على لسان إرميا في الفصل الأول فقال: (من قبل أن أصورك في الرحم عرفتك، ومن قبل أن تخرج من البطن قدستك، وجعلتك نبياً للأمم، لأنك بكل ما آمرك تصدع، وإلى كل من أرسلك تتوجه، فأنا معك لخلاصك، يقول الرب: وأفرغت كلامي في فمك إفراغاً، فتأمل وانظر، فقد سلطتك اليوم على الأمم والمملكات، لتنسف وتهدم وتتبر وتسحق، وتغرس من رأيت) قال المهتدي الطبري عن هذه البشارة: (هي شبيهة بنبوات إشعياء وغيره) وهو يقصد قول إشعياء: (إن الرب أهاب بي من بعيد، وذكر اسمي وأنا في الرحم، وجعل لساني كالسيف الصارم) وهذه هي البشارة الرابعة عشرة من بشارات إشعياء حسب ترتيب هذا البحث.
ويتفق أول هذه البشارة مع قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بالحق مصدقاً لما معهم بدليل قوله تعالى عنه: (بل جاء بالحق وصدّق المرسلين) وقوله تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه).
أما قول إرميا: (لأنك بكل ما أمرك تصدع). فيصدقه قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين). ويشهد لقوله: (وأفرغت كلامي في فمك). قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى). وبقية النص متوافق مع البشارات التي تحدثت عن جهاده صلى الله عليه وسلم.(10/255)
البشارة الثانية: قال إرميا في الفصل التاسع عشر مخبراً عن الله عز وجل أنه قال: (إني جاعل بعد تلك الأيام شريعتي في أفواههم، وأكتبها في قلوبهم، فأكون لهم إلها، ويكونون لي شعبا، ولا يحتاج الرجل أن يعلم أخاه وقريبه الدين والملة، ولا إلى أن يقول له أعرف الرب، لأن جميعهم يعرفونه صغارهم وكبارهم، وأنا أغفر لذلك ذنوبهم، ولا أذكرهم بخطاياهم). قال المهتدي الطبري معلقاً على هذه النبوة: (وقد صدق وعد الله، وازدرع حبه في قلوب هذه الأمة صغارها وكبارها، وأنطق ألسنتهم بشرائعه وتحاميده، وكل عارف بالله مؤمن به). واقرأ قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، وقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). وقوله عز من قائل (والذين آمنوا أشد حبا لله)، وقوله عز وجل: (يحبهم ويحبونه) وتأمل ما وصف الله به هذه الأمة في هذه النصوص من صفات خيّرة مباركة، فستجد أنها مماثلة لما وصفها الله به على لسان إرميا.
البشارة الثالثة: قول إرميا في الإصحاح الثامن والعشرين: (النبي الذي تنبأ بالسلام، فعند حصول كلمة النبي عرف ذلك النبي أن الله أرسله حقاً). هذه النبوة أوردها المهتدي عبد الأحد داود بالمعنى، ويرى أنها بمعنى: (إن النبي الذي تدور نبوءاته حول الإسلام "شالوم" عند ورود كلمة النبي، ذلك النبي المعروف أنه المرسل من قبل الله الحق) وبعد دراسته للنص السابق خرج منه بالنتائج التالية:
1. أنه لا يمكن أن يكون النبي صادقاً إلا إذا بشر بدين الإسلام ونشره، (إن الدين عند الله الإسلام).
2. من الحقائق المسلّم بها أن كلمة "شالوم" العبرية و "سلام" السريانية و "إسلام" العربية كلها من نفس الجذر السامي "شلام" وتحمل نفس المعنى، وهذا أمر يعترف به جميع علماء اللغات السامية، وفعل "شلام" يدل على الخضوع أو الاستسلام، ولا يوجد نظام ديني في العالم يحمل اسماً أو وصفاً أفضل وأشمل من الإسلام. فالدين الحق لله الحق.
3. أن إرميا هو النبي الوحيد قبل المسيح عليه السلام الذي استخدم كلمة "شالوم" بمعنى الدين، وهو النبي الوحيد الذي يستخدم هذه الكلمة بهدف إثبات صدق أحد من رسل الله. أي أن إرميا هو الوحيد قبل المسيح الذي جعل الإسلام هو المقياس الذي يعرف من خلاله النبي الصادق من الكاذب، وإلا فإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وكافة الرسل عليهم السلام كانوا مسلمين، واتخذوا الإسلام ديناً.
4. أن دين الإسلام – أي الإسلام – هو وحده القادر على تحديد الخصائص المميزة للنبي الصادق من النبي الكاذب، كما أنه لا يوجد في العالم دين يتبنى ويدافع عن هذه الوحدانية المطلقة سوى الإسلام.
البشارة الرابعة: قال إرميا في الفصل الثاني والثلاثين مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدوا لي آلات الحرب، فإني أبدد بك الشعوب، وأبدد بك الخيل وفرسانها وأبدد بك الطغاة والولاة، وأجازي بابل، وجميع سكان بلاد الكلدانيين بجميع أوزارهم التي ارتكبوها. هذا قول الرب). وبمقارنة النهاية التي آلت إليها الإمبراطورية الفارسية على أيدي المسلمين بما ورد في هذه النبوة، نجد أن هذا الوعد لهذه الأمة الإسلامية، وذلك الوعيد المتوعد به الأمة الفارسية قد تحقق فعلا، وأقامه الله شاهداً من شواهد التاريخ مصدقاً لما وعد الله به المؤمنين على ألسنة رسله وأوليائه.
سابعاً: بشارة حزقيال:
قال حزقيال في الفصل التاسع: (إن أمّك مغروسة على الماء بدمك، فهي كالكرمة التي أخرجت ثمارها وأغصانها من مياه كثيرة، وتفرعت منها أغصان كالعصى قوية مشرفة على أغصان الأكابر والسادات، وارتفعت وبسقت أفنانهن على غيرهن، وحسنت أقدارهن بارتفاعهن والتفاف سعفهن، فلم تلبث الكرمة أن قلعت بالسخط، ورمى بها على الأرض، وأحرقت السمائم ثمارها، وتفرق قواها، ويبس عصي عزها، وأتت عليها النار فأكلتها، فعند ذلك غرس في البدو وفي الأرض المهملة العطشى، وخرجت من أغصانه الفاضلة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصا قوية بعدها ولا قضيب ينهض بأمر السلطان). فتأمل ما في هذا النص من بلاغة في التصوير، ودقة في التعبير، فشبه الأمة اليهودية إبان عزها وسؤددها – لما كانت تعيش تحت مظلة الأنبياء – بالكرمة الحسنة، وبعد أن نزعت منها النبوة، وأغضبت ربها استأصل شأفتها، واقتلع جذورها، فذرتها الرياح، وأكلتها النار، وانتهى مجدها. واستبدل الله بها أمة هي خير أمة أخرجت للناس، وشبهها بشجرة قد غرست في أرض البادية العطشى من الماء المعنوي والحسي، فأثمرت هذه الشجرة الأغصان الفاضلة التي قضت على تلك الشجرة الأولى ولم تبق فيها عصا ولا قضيباً. وهذا حال الأمة اليهودية والأمة الإسلامية التي أشرق عزها، وتوسع نفوذها، حتى شمل بلاد بني إسرائيل وغيرها.(10/256)
البشارة الأولى: قال دانيال في الإصحاح السابع: (إن ملكوت الله وعظمة المملكة الممتدة تحت رقعة السماء كلها سوف تعطي لعباد الله تعالى وأوليائه. وسيكون ملكوتهم هذا مملكة أبدية، تخدمها جميع الممالك الأخرى، وتعمل بطاعتها) إن هذه البشارة لتدل بوضوح على أن في الإسلام توجد وحدة لا انفصام لها بين الدين والدولة. فالإسلام ليس ديناً فحسب، بل أيضاً المملكة الدنيوية. ولا بد من إلقاء نظرة خاطفة على التدرج التأريخي لهذا الملكوت حتى بلغ غايته، واكتمل بناؤه على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا التدرج هو كما يلي:
1. أن الإسلام قبل محمد صلى الله عليه وسلم لم تمثله دولة تحكم باسمه وتدافع عنه، وإنما كان الإسلام ديناً قائماً في حياة الأقوام التي آمنت به، ولم تقم له دولة في حياتهم، بل كان السلطان والقوة في أيدي الكفرة الوثنيين، في العموم الغالب، ويستثنى من ذلك فترات حكم كل من سليمان وداود ويوشع عليهم السلام.
2. إن المسيح عليه السلام قد بشر تلاميذه باقتراب ملكوت الله. وهذا الملكوت يعني وجود دين ومجتمع قوي من المؤمنين بالله، وهذا المجتمع يتسلح بالإيمان بالله وبالسيف لقتال أعدائهم الذين يريدون أن يحولوا بينهم وبين تبليغ كلمة الله إلى البشرية، أو بمعنى أوضح: إن ملكوت الله هو الإسلام. إذاً فالمسيح عليه السلام بشر تلاميذه باقتراب ظهور الإسلام على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، وأكد لليهود أن النبي الذي تنتظره اليهود ليس يهودياً، ولا من نسل داود عليه السلام، بل هو من نسل إسماعيل عليه السلام واسمه أحمد، وسيقيم الدولة الإسلامية وفق المنهج الذي ارتضاه الله لهم، وهذه الدولة مؤيدة بنصر الله ثم بسواعد المجاهدين في سبيله.
3. طبيعة هذا الملكوت وتكوينه: يتألف هذا الملكوت من المؤمنين بالله الذين يلازمهم ذكر الله سبحانه وتعالى في كل أحوالهم، فلا يقومون بأي عمل إلا ويبدءونه بذكر الله، ويحمدونه بعد الانتهاء منه.
وطبيعة هذا الملكوت أنه يتكون في جوهره من شقين: الأول: دين صحيح قائم على وجه الأرض وفق المنهج الذي ارتضاه الله في كتابه القرآن. والثاني: دولة إسلامية تقوم على هذا المنهج ويتصف المؤمنون بهذا المنهج بما يأتي:
أ ) أنهم يكونون أمة واحدة تربطهم أخوة واحدة هي أخوة الدين.
ب) أنهم كما وصفهم دانيال: جماعة القديسين. وهذه صفة تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار وعلى سائر المؤمنين بالله.
4. ديمومة هذه المملكة ورفعة شأنها: هذه الحقيقة أكدها دانيال بقوله: إن جميع الأمم تحت قبة السماء تخدم شعب الأبرار العامل بطاعة الله. ولم تتحقق هذه الصفة – وهي خدمة الأمم – إلا للأمة الإسلامية التي خدمتها الأمم في مشارق الأرض ومغاربها. ومن دواعي استمرار هذه الأمة وديمومتها أنها لا تعرف التمييز الطبقي في تشريعاتها بين أفرادها فالكل سواء أمام شرع الله، لا فرق بين الأبيض والأسود أو بين الحاكم والمحكوم.
البشارة الثانية: قال دانيال: (طوبى لمن أمل أن يدرك الأيام الألف والثلاثمائة والخمسة والثلاثين). قال المهتدي الطبري: (فأعملت فيه الفكر فوجدته يوحي إلى هذا الدين، وهذه الدولة العباسية خاصة، وذلك أنه لا يخلو دانيال من أن يكون أراد بهذا العدد: الأيام والشهور والسنين، أو سرا من أسرار النبوة بخرجه الحساب. فإن قال قائل: إنه أراد به الأيام. فإنه لم يحدث لبني إسرائيل، ولا في العالم بعد أربع سنين فرح ولا حادثة سارة، ولا بعد ألف والثلاثمائة وخمسة وثلاثين شهراً، فإن ذلك مائة وإحدى عشر سنة وأشهر. فإن قالوا: عني به السنين. فإنما ينتهي ذلك إلى هذه الدولة، لأن من زمن دانيال إلى المسيح نحواً من خمسمائة سنة... ومن المسيح إلى سنتنا هذه ثمانمائة وسبع وستون سنة ينتهي ذلك إلى هذه الدولة العباسية منذ ثلاثين سنة، أو يزيد شيئاً).
وبمقارنة هذا التاريخ الميلادي بالتاريخ الهجري تكون السنة التي أشار إليها هي سنة 253هـ تقريباً. ولعل في هذه البشارة سراً عجيباً وهو الإشارة إلى بلوغ الدولة الإسلامية غاية مجدها، وكمال سيطرتها، ونهاية فتوحاتها.
ثامناً: بشارات هوشاع:
البشارة الأولى: قول هوشاع: (قال الرب: إني أنا الرب الإله الذي رعيتك في البدو، وفي أرض خراب قفر غير مأهول، ليس بها أنيس). قال المهتدي الطبري: فلسنا نعرف أحداً رعاه الله في البدو، وفي أرض قفر غير النبي صلى الله عليه وسلم.
البشارة الثانية: قال هوشاع يصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم: (إنها أمة عزيزة لم يكن مثلها قط ولا يكون، وإن النار تحرق أمامها، وتتوقد خلفها الضرائر). ولم تنل أمة من العز والمنعة والسلطان في فترة طويلة وعلى رقعة واسعة كما نالت الأمة الإسلامية.
تاسعاً : بشارة ميخا:(10/257)
قال ميخا: (إنه يكون في آخر الأيام جبل بيت الرب مبنياً على قلال الجبال، وفي أرفع رؤوس العوالي، وتأتيه جميع الأمم، وتسير إليه أمم كثيرة، وهم يقولون: تعالوا نطلع جبل الرب). ويرى الطبري أن هذا النص يتضمن صفة مكة. بينما يرى الترجمان أن الجبل المشار إليه هو جبل عرفات، وأن الأمة المشار إليها في النص الذي أورده الترجمان هي الأمة الإسلامية. وعلى كلا الحالين فهذه النبوة شاهدة ومبشرة بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومبينة صفة أمته، ومشاعر ملته.
وقد حرف آخر هذا النص في الطبعة التي بين يدي فصار هكذا (... هلم نصعد إلى جبل الرب، وإلى بيت إله يعقوب من طرقه، ونسلك في سبيله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب). وقد أعماهم الله عن تحريف أول هذا النص، حتى يبقى شاهداً على الحقيقة، دالاً على النبوة. وقد توقع المهتدي الطبري مثل هذا التحريف فقال: عني بيت المقدس. فكيف يصح له ذلك ؟ وقد بين الله أن يكون ذلك في آخر الأيام, وكان بيت المقدس في زمان هذا النبي موجوداً، وإنما تنبأ النبي على شيء يحدث، لا على ما كان ومضى).
عاشراً : بشارة حبقوق:
قال حبقوق: (إن الله جاء من التيمن، والقدوس من جبل فاران. لقد انكسفت السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده، ويكون شعاع منظره مثل النور، يحوط بلده بعزه، وتسير المنايا أمامه، وتصحب الطير أجناده. قام فمسح الأرض، ثم تأمل الأمم وبحث عنها، فتضعضعت الجبال القديمة، واتضعت الروابي الدهرية، وتزعزعت ستور أهل مدين، ولقد حاز المساعي القديمة، وغضب الرب على الأنهار. فرجزك في الأنهار، واحتدام صولتك في البحار، ركبت الخيول، وعلوت مراكب الإنقاذ والغوث، وستترع في قسيك إغراقاً وترعاً، وترتوي السهم بأمرك يا محمد ارتواءً، وتحرث الأرض بالأنهار. ولقد رأتك الجبال فارتاعت، وانحرف عنك شئويوب السيل، ونعرت المهاوي نعيراً ورعياً، ورفعت أيديها وجلاً وخوفاً، وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك، تدوخ الأرض غضباً، وتدوس الأمم رجزاً، لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ شريعة آبائك). هذا النص أورده المهتدي الطبري بهذه الصيغة، وورد لدى كل من الشيخ زيادة، والترجمان، وإبراهيم خليل أحمد: بصور مختلفة طولاً وقصراً، مع اختلاف يسير في العبارات، واتفاقهم على محتوى السطر الأول. واتفق أيضاً كل من الترجمان والشيخ زيادة وإبراهيم خليل على أن المراد بجبال فاران هي جبال مكة. وأشار الطبري والشيخ زيادة إلى أن هذه النبوة موافقة لنبوة موسى عليه السلام الواردة في سفر التثنية وهي قوله: (جاء الله من سيناء، وأشرق من ساعير، وتلألأ من جبال فاران). كما أشار الشيخ زيادة إلى أن هذه النبوة موافقة لنبوة أشعياء التي ذكر فيها أن حوافر خيله مثل الصوان الذي ينبعث منه الشرر. وقد سبق الحديث عنهما. وأكد المهتدي الطبري والشيخ زيادة على أن هذا الوصف الوارد في هذه النبوة عن الخيل والسهام والسيوف، إنما ينطبق على جيوش محمد صلى الله عليه وسلم وقال المهتدي الطبري بعد أن أورد تطابق هذه النبوة مع حالة صلى الله عليه وسلم. (فإن لم يكن هو الذي وصفتا – أي محمد صلى الله عليه وسلم – فمن إذاً ؟ لعلهم بنو إسرائيل المأسورون المسببون، أو النصارى الخاضعون المستسلمون. وكيف يكون ذلك وقد سمي فيها النبي مرتين ووصف عساكره وحروبه ...).
وإن الاستفاضة في تأمل هذه النبوة ، واستخراج ما أشارت إليه، وبسطه، لتعجز عنه هذه الصفحات ، لأنه يستغرق كتاباً، وليس المجال هنا مجال البسط والتوسع، وإنما هو الاستدلال والإشارة فقط. ولكن استوقفتني بعض العبارات التي اشتمل عليها هذا النص، ولم أر هؤلاء الذين مر ذكرهم تعرضوا لها، فأردت أن أقف عندها وقفة يسيرة تكشف ما في النفس، ولا تطيل البحث. وأول هذه العبارات هي قوله: (قام فمسح الأرض). وهذه العبارة تحاكي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ...) أما الثانية فهي قوله: (لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ تراث آبائك). فمن أباؤه؟ إنهم إبراهيم وإسماعيل، وما هو إرثهم ؟ هل هو الملك أم الأموال أم ماذا ؟؟ إنه التوحيد والرسالة قال تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) وقال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله).
الحادي عشر: بشارة صفتيا:(10/258)
قال صفتيا: (يقول الرب: أيها الناس ترجوا اليوم الذي أقوم فيه للشهادة، فقد حان أن أظهر حكمي بحشر الأمم كلها وجميع الملوك، لأصب عليهم رجزي، وأليم سخطي، فستحترق الأرض كلها احتراقاً بسخطي ونكيري. هناك أجدد للأمم اللغة المختارة، ليذوقوا اسم الرب جميعاً، ويعبدوه في ربقة واحدة معاً ويأتون بالذبائح في تلك الأيام من معابر أنهار كوش). قال المهتدي الطبري معلقاً على هذه النبوة: وهذا صفنيا قد نطق بالوحي وأخبر عن الله بمثل ما أدى أصحابه، ووصف الأمة التي تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتجتمع على عبادته، وتأتيه بالذبائح من سواحل السودان ومعابر الأنهار واللغة المختارة هي اللسان العربي المبين ... وهي التي قد شاعت في الأمم فنطقوا بها.
الثاني عشر: بشارة حجي:
قال حجي: (ولسوف أزلزل كل الأمم، وسوف يأتي "حمدا" "Himada" لكل الأمم، وسوف أملأ هذا البيت بالمجد، هكذا قال رب الجنود، ولي الفضة، ولي الذهب، هكذا يقول رب الجنود، وإن مجد ذلك البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول. هكذا يقول رب الجنود، وفي هذا المكان أعطى السلام. هكذا يقول رب الجنود). وقد ترجمت كلمتي "حمدا" و "شالوم" العبريتين إلى الأمنية، أو المشتهى، أو السلام. وعندئذ تفقد هذه النبوة ما اشتملت عليه من معنى وتصبح ولا قيمة لها. ولكن الترجمة الصحيحة لهذه العبارات هي أن "شالوم" أو "شلاما" و "حمدا" تترجم إلى الإسلام، وأحمد. وتؤدي نفس الدلالة التي تؤديها تلك العبارات السابقة وبنفس الأهمية. وبين المهتدي عبد الأحد داود أصول هذه الكلمات ووضح ما ذهب إليه من أنها تترجم إلى الإسلام، وأحمد، فقال:
أ ) إن كلمة "حمدا" تقرأ باللغة العبرية الأصلية هكذا: (في يافوا حمداث كول هاجوييم) والتي تعني حرفياً: (وسوف يأتي حمداً لكل الأمم). وعليه فإن الحقيقة الناصعة تبقى بأن كلمة "أحمد" هي الصيغة العربية لكلمة "حمدا" العبرية، وهذا التفسير تفسير قاطع لا ريب فيه. ولقد جاء في القرآن الكريم في سورة الصف: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوارة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).
ب) إن كلمة "شالوم" و "شلاما" بالعبرية و "سلام" و "إسلام" باللغة العربية هما مشتقتان من أصل واحد، وتعنيان نفس المعنى وهو السلام والإذعان أو الاستسلام.
وبعد هذا التوضيح من قبل هذا المهتدي لهذه الألفاظ ذكر عدداً من البراهين التي استند إليها فيما ذهب إليه، وهي:
1. إن القرابة والعلاقة والتشابه بين هذين التعبيرين "حمدا" و "أحمد" وكذلك التشابه في الأصل الذي اشتق الاسم منهما لا يترك أدنى جزء من الشك، لأن المفهوم من الجملة هو (وسوف يأتي حمدا لكل الأمم) إنما هو "أحمد" أي محمد، ولا يوجد أدنى صلة في أصل الألفاظ ولا في تعليلها بين كلمة "حمد" وبين الأسماء الأخرى كمثل يسوع أو المسيح أو المخلص.
2. لو سلمنا جدلاً بالصيغة العبرية لكلمة "حمده" وأنها مجرد معنى اسمي لكلمات "أمنية أو مشتهى أو شهوة أو مدح" فإن هذا الجدل هو في صالح ما نطرحه من بحث هنا، وذلك لأن الصيغة العبرية تكون بحسب أصول الكلمات متساوية تماماً بالمعنى والتشبيه أو حتى في التطابق لكلمة "حمدا" وعلى أية حال فإن صلتها بـ "أحمد" أو "أحمدية" هي صلة قاطعة، وليس لها علاقة أبداً بـ "يسوع" أو "اليسوعية".,
3. إن هيكل "زورو بابل" كان يجب أن يكون أعظم مجداً من هيكل سليمان عليه السلام، ذلك لأن "ملاخي" تنبأ بأن الرسول العظيم لا بد أن يزوره فجأة، وهذا احصل فعلاً عندما زاره الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء.
4. إن "أحمد" وهي الصيغة الأخرى لاسم محمد ومن نفس المصدر والتعبير ومعناه "الأمجد"، وفي خلال رحلته الليلية صلى الله عليه وسلم زار تلك البقعة المقدسة كما ينص القرآن الكريم على ذلك، وهناك أدى الصلاة المباركة بحضور جميع الأنبياء عليهم السلام كما تدل أحاديثه الشريفة، وبهذا يتحقق المجد.
5. إن تسمية خاتم الأنبياء بـ "محمد" أو "أحمد" من أعظم المعجزات، لأنه أول اسم عرف بهذه الصفة في تاريخ البشرية.
الثالث عشر: بشارات زكريا عليه السلام:
البشارة الأولى: قال النبي زكريا عليه السلام في الإصحاح الثامن: (هكذا يقول رب الجنود: في تلك الأيام يجتمع عشرة رجال من كل لسانات الشعوب ويتمسكون بذيل رجل حميد، أعني أبو حيد، ويقولون: لنذهب معك، لأننا سمعنا أن الله معك) أورد المهتدي الشيخ زيادة هذه البشارة بلفظها العبري ثم ترجمها إلى اللغة العربية، وأطال الكلام حول هذه البشارة واشتقاقات اسم "حميد وأحمد" وبين أنه ظل سنين طويلة وهو يقرأ هذه النبوة ويفهمها على وفق الترجمة اليهودية، حتى يسر الله له كتب أصول اللغة العبرية – وكانت شبه معدومة – فوقف من خلالها على حقيقة هذا اللفظ "يا أودي" وأنه إذا ترجم إلى اللغة العربية صار: "حميد".
الرابع عشر: بشارات ملاخي:(10/259)
البشارة الأولى: قال ملاخي مخبراً عن الله أنه قال: (انظروا، إنني أبعث برسولي، وسوف يمهد السبيل أمامي، وسوف يأتي فجأة إلى هيكله السيد الذي تبحثون عنه، ورسول العهد الذي ترغبون. انظروا إنه قادم. هكذا يقول رب الجيوش أو الجموع) ويرى المهتدي عبد الأحد داود أن التحديد الدقيق لموضوع هذه النبوة أمر في غاية الأهمية، لأن الكنائس المسيحية اعتقدت منذئذ أن المقصود بها شخصان. ومما يدحض هذا الزعم انتهجته الكنائس ما يلي:
1. أن السيد أو الرسول الموعود كلف بتأسيس وإقامة دين قويم صالح، ومكلف بإزالة كافة العقبات التي تحول بين البشرية وربها، ومكلف أيضاً بأن يجعل الطريق سهلاً ممهداً مستنيراً ... وبالتأكيد فإن الرسول الرفيع الشأن المبعوث من الله لم يكن قادماً لإصلاح الطريق من أجل حفنة من اليهود، ولكن من أجل إقامة دين عام وثابت للناس كافة، والديانة اليهودية ديانة خاصة لشعب خاص، هذا بالإضافة إلى ما تشتمل عليه من طقوس وتضحيات، وخلوها من العقائد الإيمانية الإيجابية، كل ذلك يفقد هذه الديانة جوهرها، ويجعلها غير ملائمة إطلاقا، وغير واقعية باحتياجات الشعوب المختلفة، أما الديانة النصرانية فإن طقوسها السبعة، واعتقادها بالخطيئة الأصلية، وتجسد الإله والتثليث – وهي أمور لم تعهد في الديانات السابقة – بالإضافة إلى افتقادها إلى كتابها الأصلي الذي أنزل على مؤسسها عليه السلام، كل ذلك يجعلها غير مؤهلة لأن تقدم خيراً للبشر. وإذا كان الرسول الخاتم مكلفاً بإلغاء هذين الدينين، وإقامة دين إبراهيم وإسماعيل ودين كافة الأنبياء على أسس وتعاليم تصلح للبشر كافة، فإن هذا الدين الذي أقامه ودعا إليه هو الصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق الموصلة إلى الله عز وجل، وأسهل الأديان لعبادته، وأسلم العقائد الباقية على طهارتها ونقائها الأبدي. إذا كان منوطاً بهذا الرسول المبشر به في هذا النص أن يرسخ هذا الدين، ويقيم الوحدانية، ويحول دون تدخل الوسطاء بين الله والناس.
2. هذا النص أكد على أن هذا الرسول المبشر به لا بد أن يصل بصورة مفاجئة إلى بيت المقدس، منطلقاً من الحرم الأول "مكة" وهذا ما تحقق في ليلة الإسراء، وهذا يعني أن مهمة هذا الرسول تطهير هذه البقاع من الوثنية، ويلقن روادها الوحدانية، والإيمان بالله الواحد الأحد. وإذا تحقق هذا فهو بمثابة بناء طريق جديد يربط العبد بربه، وهذا الطريق الذي شرعه هو دين عالمي شامل يدعو إلى إلغاء الوسائط بين الله وعباده، فلا قديس ولا قسيس، ولا سر مقدس. وهذا لم يتحقق إلا على يد الرسول المنعوت بأنه "محمد صلى الله عليه وسلم ".
البشارة الثانية: قول ملاخي: (هاأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن). قال المهتدي النجار: (والمعنى أن الله يرسل قرب الساعة النبي أحمد صلى الله عليه وسلم "فيرد قلب الآباء على الأبناء" يرد بني إسماعيل – أعمام بني إسرائيل – إلى حقيقة وحي الأنبياء والمرسلين من أبناء أخيهم إسحاق "وقلب الأبناء على آبائهم" ويرد اليهود والنصارى على دين آبائهم الأنبياء نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).
تأمل ما في هذه البشارة من الوعد بمجيئه صلى الله عليه وسلم قبل يوم القيامة مع قوله صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة هكذا. ويشير بأصبعيه فيمد بهما).
هذه أسفار العهد القديم شاهدة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، شهادة لا تقبل التضليل، مصرحة باسمه ولغته وصفة أمته صراحة لا تحتمل التأويل، فمن كان طالباً للحق اتبعه إذا قام عليه الدليل، فكيف إذا تظافرت عليه الأدلة والبراهين، والحق هنا شهادة العهد التقديم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فمن أراد أن يدفع اليقين بأوهن الشكوك، وأفسد التأويل، ويدعي – مماحكة ومجادلة – أن هذه النبوات والشهادات وردت في حق عيسى عليه السلام – فيقال له ليس بعد التصريح بذكر اسمه وصفته وخبره وبلده وأمته – مجال للتأويل والاحتمال. كيف وقد شهد المسيح عليه السلام بنبوته وأخبر تلامذته باقتراب ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ؟؟ وهذه الشهادة ما يماثلها من شهادات العهد الجديد هي ما سيكون الحديث عنه في المطلب التالي.
============================
بعد تكرار نشر صور ساخرة لخاتم الأنبياء
نشرت جريدة الحياة اللندنية في 21/12/1426هـ:
بعد تكرار نشر صور ساخرة لخاتم الأنبياء: بعد الدنمارك ... النروج مرشحة لحملة مقاطعة شعبيبة في السعودية ورسائل الجوال تتصدى للحملة
الدمام - محمد المرزوق الحياة - 21/01/06//(10/260)
شهدت الأسابيع الماضية تداول رسائل عبر الجوال وعدد من مواقع الإنترنت تدعو إلى مقاطعة البضائع الدنمركية، على خلفية نشر إحدى صحفها رسوماً للكاريكاتير تسيئ إلى شخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتضمنت بعض الرسائل عدداً من المنتجات الدانمركية المطلوب مقاطعتها، ومن ضمنها «زبدة لورباك، وحليب نيدو، وأنكور، وأجبان بوك، وجميع أجبان الدنمارك». مع توصية بنشر الرسالة إلى أكبر عدد ممكن، وشبه أحدهم هذه الحملة بحملة مقاطعة البضائع الأميركية التي خلفت خسائر غير قليلة.
وتعود قصة الرسوم الكاريكاتيرية «كما ينقل أحد مواقع الانترنت» إلى طلب مؤلف كتب أطفال دنماركي من رسام الكاريكاتير المكلف بوضع صورة لغلاف كتاب، على أن تكون الصورة رسماً كاريكاتيرياً للرسول محمد، وحين أبدى الرسام رفضه ذلك الطلب، قام المؤلف بإعلان مسابقة لرسم الرسول في صحيفة « جيلاندر بوستن».
وتفاعل مع المسابقة 12 رساماً وقدموا رسومهم المسيئة إلى الرسول الكريم، في 26/8/1426 هجرية، الموافق 30 أيلول (سبتمبر) وتصور الرسوم الرسول في أشكال مختلفة، من بينها رسم يظهره مرتدياً عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه، وانتقلت الصور إلى شبكة الإنترنت في ما بعد، وتناقلها عدد من وكالات الأنباء العالمية.
وخلفت تلك الصور ردود فعل متفاوتة سواء من جانب المسلمين في الدنمارك أو خارجها، وطالبت جهات رسمية عربية وإسلامية عدة وضع حد لهذا التجاوز، وكانت الجامعة العربية على رأس المطالبين ممثلة في أمينها العام عمرو موسى، وكذلك وزراء خارجية الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي استنكرت العمل في اجتماعها الأخير في السعودية.
ولم تنص مطالب الجهات الرسمية على أي نوع من العقوبات على الدنمارك سواء اقتصادية أو غيرها، وعلى خلاف ذلك اتخذت أوساط شعبية في العالم الإسلامي رداً أكثر صرامة بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية وأيضاً الدعوة إلى تقديم الصحيفة إلى المحاكمة وعدم التذرع بـ «حرية التعبير والصحافة».
ويذكر أن المتحدث الرسمي باسم «اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء» المهندس سليمان البطحي أعلن أنه «بالتنسيق مع الجالية الإسلامية في الدنمارك، تم رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة التي نشرت الرسوم الكاريكاتيرية، وتم رفضها من جانب المحكمة بحجة حرية الرأي، وسيتم استئناف القضية إلى أن تعتذر الصحيفة عن ما قامت به».
وأنكر عدد من المسلمين إضافة إلى مواطنين دانماركيين هذه السخرية، ووجهوا رسائل إلى الحكومة وإلى الصحيفة مطالبين بالاعتذار عن هذا العمل. وشهدت العاصمة الدانماركية «كوبنهاجن» تظاهر أكثر من خمسة آلاف مسلم ومتعاطف مع القضية ضد الصحفية مطالبين بالاعتذار.
ويظهر أن عدوى السخرية من الرسول الكريم انتقلت إلى النروج وذلك بقيام صحيفة «مغازينت» بنشر صور ساخرة على الرسول، ما دعا منظمة المؤتمر الإسلامي وأمانة مجلس التعاون الخليجي إلى استنكار هذا الفعل والمطالبة بوضع حد له.
وفي وقت سابق اعتبرت ملكة الدنمارك مارغريت الثانية أنه من الضروري «أخذ التحدي الذي يشكله الإسلام على محمل الجد، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي». وجاء ذلك في كتاب مذكرات جديد.
وحذرت في الكتاب الذي حمل اسم «مارغريت» وكتبته الصحافية انيليس بيستروب من انه «تحد نحن مرغمون على أخذه على محمل الجد، لقد تركنا هذه المسألة قائمة لفترة طويلة جداً لأننا متسامحون ويسيطر علينا الخمول».
وذكرت في كتابها أنه «يجب التصدي للإسلام ويجب من حين لآخر أن نواجه مخاطر أن نوصف بأننا اقل مجاملة، لان هناك بعض الأمور التي لا يمكن التسامح حيالها».
ويضيف الكتاب «وحين نكون متسامحين يجب أن نعرف ما إذا كان ذلك عن قناعة أو عن راحة». وتابعت الملكة «الأمر لا يتعلق فقط بالتحدث أو فهم اللغة الدنماركية وإنما معرفة مصطلحات هذه اللغة وعلينا مساعدتهم في ذلك».والملكة هي رئيسة الكنيسة الانجيلية-اللوثرية التي يتبعها 85 في المائة من سكان الدانمارك البالغ عددهم 5.4 مليون نسمة، وهناك نحو ثلاثة في المائة من المسلمين.
تبادل تجاري مزدهر بين الدولتين
ويتخوف عدد من الاقتصاديين أن تؤثر دعوى المقاطعة في التبادل التجاري بين السعودية والدانمارك، وبخاصة أن العلاقات التجارية بين البلدين سجلت نمواً ثابتاً على مدى العقد الأخير، وشهد التبادل التجاري بين الدولتين نمواً في شكل سريع خلال السنوات الأخيرة.
وتعتبر السعودية اليوم الشريك التجاري الأكثر أهمية بالنسبة للدانمارك في منطقة الخليج العربي وفي الشرق الأوسط، ويذكر أن المنتجات الغذائية والزراعية الواردة إلى السعودية من الدانمارك تشكل أكثر من نصف صادراتها.(10/261)
ويعرف الدانمارك كبلد زراعي، استطاع أن يؤسس لنفسه اسماً على مدى أكثر من جيل كمنتج لأصناف عالية الجودة مع الحفاظ على مستوى عالٍ في سلامة الغذاء، ووجدت التجهيزات الخاصة بتصنيع الغذاء سوقاً لها في السعودية وبخاصة في مزارع الأبقار ومسالخ الدجاج، ويعرف المستهلك السعودي الكثير من العلامات التجارية مثل زبدة لورباك وجبنة الموزاريلا، وتتبوأ الأدوات الصحية والصيدلانية مكانة مرموقة وبارزة في العلاقات التجارية بين الدولتين.
وكانت دعوات مماثلة قد شهدتها السعودية، دعت إلى مقاطعة البضائع الأميركية ابان الحرب على افغانستان وكبدت تلك الدعوات شركات ضخمة أموالاً طائلة لتوضيح عدم ارتباطها بالسوق الاميركية، فيما اضطرت شركات اخرى لتغيير اسمها بهدف الابتعاد ما امكن عن امركة اسمائها.
=========================
بعدما اختطفوا عقولنا يريدون خطف قرارنا
جمال أحمد خاشقجي*
صانعو الكوابيس هم قوم من بيننا، لديهم مصالح تتعارض مع مصالحنا، يوظفون الحق من أجل باطلهم، يحركون عواطفنا، ومكامن الحب والإيمان في نفوسنا، وأسباب الغضب الكثيرة المحيطة بنا لجرنا إلى أهدافهم التحتية، وللأسف وجدوا في قلة الحكمة عندنا، وفي سكوت العقلاء الذين يخشون من غضبة الغوغاء ساحة رحبة يسرحون ويمرحون فيها.
في 11 سبتمبر اعتقدت القاعدة وحلفاؤها من صناع الكوابيس أن فرصتهم قد حانت لجرنا إلى مواجهة مع الغرب، فباء عملهم بالفشل، ذلك أن الجريمة كبيرة وصريحة فلم يستطيعوا إقناعنا بنظريتهم الموغلة في الغلو والتطرف والخارجة على النظام الإسلامي والدولي، فقاومناهم بما تبقى لدينا من فطرة وسماحة إسلامية طيبة، فرفض غالبنا دعواهم إلى تقسيم العالم إلى فسطاطين يصطرعان حتى أبد الآبدين، فانصرفوا إلى عوالمهم التحتية يتحينون فرصة أخرى.
إنهم لا يريدون إحقاق حق، أو نصرة مظلوم، وإنما التكسب بمظالمنا كي يبرروا وجودهم وما ينعمون به من مكاسب مادية ومعنوية في مجتمع ما زال يسحر بكلامهم، وإلا كانوا قد قبلوا الأخذ برأي الجماعة، وتغليب المصلحة العامة. إنهم يريدون سلطة وليتها من أجل البناء والرخاء والسعادة، وإنما سلطة على خراب، يسودها صراع بين الأمم والشعوب، بل حتى في داخل الأمة نفسها. إنهم يريدون إقناعنا أن العالم كله ضدنا، يكرهنا، ويكره نبينا وديننا، فوجدوا فرصتهم وقضيتهم الرابحة في رسوم كاريكاتيرية مقيتة نشرت قبل أشهر عدة، من قبل صناع كوابيس مثلهم ولكنهم في الضفة الأخرى، فصناع الكوابيس ليسوا عندنا فقط وإنما هم موجودون أيضا في الغرب، إنهم اليمين المحافظ المتحالف مع الصهيونية العالمية، والمتداخل مع اليمين المسيحي وغلاة العلمانية، كارهو الأجانب العنصريون والذين يتكسبون أيضا بصنع كوابيس يخيفون بها الناخب الأوروبي والأمريكي من أجل البقاء في مناصبهم، بل والتوسع في سلطاتهم، بكابوس الخطر الإسلامي يفوزون في الانتخابات، وبكابوس الخطر المسيحي واليهودي يتسلل أصحابنا إلى مفاصل القرار في عالمنا الغافل.
بينما الحقيقة أن غالبنا يريد العيش مع العالم كله في سلام مع احترام وعدل، وغالبهم أيضا كذلك، يحترمون ديننا ونبينا، أو في الحد الأدنى لا يهمهم ديننا ونبينا وربما لا يعرفون الكثير عنا وعن ديننا ونبينا وحري بنا لو جعلنا مما يحصل من تدافع بين حضارتينا فرصة للدعوة ونشر المعرفة بالإسلام الحقيقي من خلال الكلمة الطيبة وليس بدعوات الحرب والكراهية والمقاطعة وحرق الأعلام والسفارات.
إن قضية الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام نموذج واضح لمعركتنا الداخلية مع صناع كوابيسنا، ونموذج أيضا لفشل العقلاء في صفوفنا واندحارهم أمام زحف الكراهية التي يقودها هؤلاء والذين من الحكمة أن نعترف بهزيمتنا أمامهم، لقد انتصروا، واختطفوا عقل الشارع، ومن ثم فرضوا شروطهم على الحكومات والعقلاء، وجروهم إلى أجندتهم الخاصة. الحكومات التي كانت مشغولة بفتح الأسواق، وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة، وجلب الاستثمارات الأجنبية وجدت أنفسها في حرب دبلوماسية من أجل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل هناك شعار أعظم من هذا، من ذا الذي لا يحب رسول الله ؟ والذي حبه جزء لا يتجزأ من شروط الإيمان. الفقهاء والمفكرون العقلاء إما سكتوا أو انجروا إلى معركة لم يريدوها وهم المحبون للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنى والتفاعل مع الآخر، بعدما مارس عليهم صناع الكوابيس أسلوب محاكم التفتيش فنشروا قوائم المحبين لرسول الله الذين غضبوا وخطبوا وبكوا على شاشات التلفزيون ومنابر الجمعة، وأولئك الصامتون الغائبون عن نصرة الحبيب.(10/262)
لقد كشفت المعركة الدنماركية التي تزال تضرم رحاها وتهددنا بالاشتعال في كل أوروبا والعالم، كما يتمنى ويبغي صناع الكوابيس في المعسكرين ما لم يتدخل عاقل ويضع حدا لعبث هؤلاء، لقد كشفت عن جهلنا المزدوج، الأول بقدرات صناع الكوابيس ونواياهم، والثاني بأوروبا والعالم، إن حديث رئيس الوزراء الدنماركي - والذي يتحمل بعضا من المسؤولية لرد فعله المتأخر والبارد - عن حرية التعبير وأنه لا يستطيع التدخل ضد صحيفة حقيقي وصحيح. لقد تعرض نبي الله عيسى عليه السلام من كتاب وفنانين ومسرحين غربيين لشيء من الإساءة لم يتعرض له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع لا الفاتيكان ولا أي زعيم سياسي غربي وقف هؤلاء عند حدهم من الإساءة للمقدسات، ويكفي أن أذكر أن فنانا عرض تمثالا لسيدنا عيسى صنع من "..... بشرية " في المتحف القومي بنيويورك قبل أعوام، ما آثار ضجة كبرى، وقد اخترت هذا النموذج البالغ في القبح للدلالة على المدى الذي تنحدر إليه "حرية التعبير" في الغرب. إن رد فعلنا الغاضب طبيعي ومطلوب ولكن يحتاج إلى قدر من الحكمة، بتغليب آدابنا الإسلامية "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقوله تعالى "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم". ولكن غابت الحكمة، وغاب الوعي بالقرآن والسنة وكلنا نزعم أن غضبتنا من أجل رسول الله بينما غابت عنا سيرته وحكمته ومقاصد دعوته.
لنتأمل ما الذي كسبناه وخسرناه من هذه المعركة. هل أدبنا سفيهاً ؟ أم زدنا من عدد السفهاء؟ هل أوقفنا نشر الرسوم المسيئة للحبيب أم حرضنا على نشر المزيد منها؟ هل هدينا أحدا إلى الإسلام وحببناه في حبيبنا أم قدمنا صورة مشوهة عن إسلامنا وسيدنا محمد؟ سيعتذر الدنماركيون، ليس احتراما لنا وإنما حرصا على مصالحهم الاقتصادية، فهم ليسوا قوما تصوغهم العاطفة والغضب، فخرهم في الرخاء الذي يعيشونه، وأرقام الناتج القومي المحلي القياسية التي تضعهم على خريطة العالم، وسنعود لشراء منتجاتهم لأننا عاجزون بفضل جرينا وراء صناع الكوابيس عن بناء صناعة قوية، متنافسة، هل يستطيع أي من هؤلاء أن يقدم لمرضى السكر في بلادنا بديلا عن الأنسولين الدنماركي، أم إن أمراً كهذا لا يهمه أمام الجائزة الأكبر بالنسبة لأهدافه، وهي أن يضيف عدوا آخر للمسلمين إلى قائمة الأعداء الذين صنعوهم.
تقول الأرقام إن العالم الإسلامي هو الأفقر في العالم، والأحوج إلى جلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية - وكل ما سبق لغة لا تهم صناع الكوابيس - وبالتأكيد فإن ما حصل خلال الأسابيع الأخيرة سيزيد رجال الأعمال القلقين في الغرب قلقا والمتوجسين توجسا. وعندما يكون الاختيار للصناعي الأوروبي أن يفتح مصنعا أو يشارك مستثمرا في العالم الإسلامي أو في أحد الاقتصاديات الجديدة الناهضة كالهند أو الصين أو حتى فيتنام، فإنه في ظل صيحات الكراهية ودخان الحرائق في بلادنا فإن اختياره لإحدى دول المجموعة السابقة أدعى وأكثر أمنا وقبولا أمام مساهميه وشركات التأمين التي لا يتحرك بدون مشورتها، النتيجة أن العربي والمسلم سيزدادان فقرا، ومع الفقر يأتي الجهل والجاهل يكون أطوع وأسهل انقيادا لصناع الكوابيس.
هل هذا الذي نريد؟ هل نتركهم يستولون على قرارنا بعدما تركناهم يختطفون عقولنا ؟
*كاتب ومستشار إعلامي سعودي.
بل اطردوا سفراء الزبدة
انشرت جريدة الوطن في 25/12/1426هـ
=========================
بل اطردوا سفراء الزبدة
علي سعد الموسى
هل يكفي مجرد الامتناع عن أكل - زبدة - دنماركية لتكون هذه الخطوة البليدة الباردة بمثابة انتصار لنبي وهادي هذه الأمة؟ أولاً، فالمسألة ليست انتصاراً لنبي تعهد ربه أن يتم نوره: نحن ننتصر لأنفسنا ولكرامتنا أما نبينا المصطفى فقد عاش وانتصر لنفسه.
لم تزده أحابيل وحيل قريش إلا قوة ولم يمت عليه أفضل الصلاة والسلام إلا برأس شامخ مرفوع ولم يغمض عينيه غمضتهما الأخيرة إلا وقد رأى رسالته بشارة تضرب في أعماق الأرض. نحن لا ننتصر له لأننا أضعف بكثير من هذه الخطوة. نحن ننتصر لأنفسنا المهزومة المكسورة، فالنبي في الصحف الدنماركية إشارة لنا لا إشارة عليه أو له. النبي في غنى تام عن نصرتنا له ولو كان بيننا لطلبنا الانتصار لأنفسنا لا له.(10/263)
المسألة ليست في حاجة إلى بيانات شجب. إنها بحاجة إلى أجندة عمل. المسألة ليست بحاجة إلى بيانات منظمات وهيئات لا تخرج توصيتها عن الورق. المسألة بحاجة إلى قرارات دول. يفترض أن نضع هذه الزبدة على النار لا أن نحفظها في ثلاجة. أن تستدعي كل دولة سفراء الزبدة المعتمدين لتبلغهم قراراً واحداً واضحاً لا خيارات فيه: أن يوقفوا هذا العبث فورياً وخلال أسبوع وإذا لم يكن باستطاعتهم أن يوقفوه فليركبوا الطائرات في نهاية ذات الأسبوع وليعودوا إلى تلك - الكوبنهاجن - ليستمتعوا مع شعبهم هناك بقراءة الصحف. يفترض في القرار ألا تنفرد به دولة واحدة من دول الرابطة أو المؤتمر وألا تخذله أخرى تحت لغة دبلوماسية مغلفة. إذا لم تكن لدينا شيمة الاعتزاز بمبادئنا وعلى رأسها ديانتنا، فأين يكون الاعتزاز، وإذا لم تظهر هذه الكرامة واضحة جلية ولو بطرد سفير فإن أول من سيحتقرنا هم هؤلاء السفراء الذين تصلهم نسخ صحفهم إلى مكاتبهم عبر الحقائب الدبلوماسية. إنهم يقرؤون إهانة نبينا وإهاناتنا داخل سفاراتهم وتحت حصانة العرف الدبلوماسي.
أما أن تكون أغلى قراراتنا وزبدة احتجاجاتنا أن نقاطع زبدة، فهذا قرار ضعف يستحق رسوماً كاريكاتورية في ذات الصحف. نريد لقرارنا الجماعي أن يهز دولة لا أن يذهب إلى خراج بقرة. نريد أن نبلغ كل سفير أن المسألة أبلغ من اعتذار وأقوى من مساومة.
نريد أن نبلغهم أننا من بين كل ديانات الأرض، وحدنا، نصلي على موسى وعيسى ونعترف بكل الأنبياء ونقرّ أننا أتباعهم وعلى طريقتهم في الرسالة الخاتمة. نريد منهم، لا معاملة بالمثل، بل أن يوقفوا هذا العبث. نريد لأنفسنا ألا نكون مجرد أمة امتنعت عن زبدة ولو استمرأنا هذا الفعل لوجدنا أنفسنا غداً في صحف أخرى وفي دول أخرى نقاطع لها الأرز أو الكاكاو. عندما نهان أو تدوس العنصرية على كرامتنا لا أدري لماذا لا نفكر فوراً في احتجاجات المعدة وزبدة القولون ومشروب البطن. ذلك أننا اليوم مع الأمم مجرد بطن.
بل هو خير لكم خذ 20 فائدة..
عبدالعزيز بن عبدالرحمن المقحم - الرياض
لان الكلام كثر جداً حول هذا الموضوع وهي كثرة حميدة ومشكورة لكن لابد معها من الاختصار بل الاختصار الشديد جداً جداً من اجل ذلك لن اجعل حديثي هنا مسهباً منشوراً ,لكني سأجعله نقاطاً محددة وان كانت كل نقطة منها كفيلة بحديث مستقل طويل وهي عشرون نقطة بل عشرون فائدة لما اراد ان يكيدنا به سفهاء اليهود والنصارى فقلبها الله لنا عليهم كما قال سبحانه (ام يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون) وان أول ما بشر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين في حادثة الافك ان سماه افكا وثنى بقوله (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم).. وسنذكر هنا عشرين فائدة في حادثة الافك الدنماركي نختصرها اختصاراً والله قادر ان يجعل فوائدها اكثر واكثر.
1- ظهور منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند امته وبيان عظم التعرض له بما يكره.
2- ظهور هذا الحب الصادق - ان شاء الله- لرسوله صلى الله عليه وسلم عند المسلمين حتى كأنه صلى الله عليه وسلم حي بين اظهرنا.
3- تآلف هذه الامة بكل اطيافها وشعورهم انهم اتباع نبي واحد ودين واحد وان عدو احدهم عدو لجميعهم.
4- بروز العمل الشعبي وتقليص دور (وكلاء آدم) المزعومين على ذريته الذين يريدون ان يوكلهم الناس حتى في علاقتهم مع كنائسهم.
5- العلم يقيناً ان امة الإسلام (الامة) قادرة على فعل الكثير.
6- افتضاح ما يكنه اعداء محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين الناطقين والساكتين.
7- التحسر الحقيقي على الثقة بهؤلاء وصرف اموالنا لاثرائهم وتسويق منتجاتهم.
8- اليقين بوجوب السعي الحثيث لاستقلال الامة اقتصادياً وان من لم يسع لذلك عدو لها ولو كان من ابنائها.
9- كفانا الله بذلك الرد على من يتهمنا بالاقصاء وبغض الآخر ويحملنا قسراً على ما يسميه ثقافة العولمة والتسامح.
10- ظهور منافع الاعلام الحر كالقنوات الإسلامية والمواقع الالكترونية ولو كان الامر لاعلام السفاسف لسكت عن هذا وكم حدث مثله فلم يثره وانما يثير اخبار مغنيهم وممثليهم ولاعبيهم ويشغل الامة بها.
11- عصرنا عصر الاعلام ولا اعلام سوى الفضائيات فهل يعجز تجار هذه الامة عن مائة قناة فضائية؟ اين اولئك الذين ترتعد شفاهم واصابعهم امام شاشات الاسهم؟ ام (تجارة تخشون كسادها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله) واين تلك المليارات التي وقفت لاجل الإسلام؟ ايجهل نظارها اي المصارف انفع؟ وان قناة فضائية واحدة اعظم مما هم فيه ولو كانت هذه الاوقاف عند النصارىلرأينا كيف يدعون بها لدينهم ويؤذون بها المسلمين وقد فعلوا.(10/264)
12- يستطيع كل سفيه او حاقد في اوروبا وامريكا ان يفعل فعل هؤلاء ويعجز عنه منعه رئيس حكومته! فماذا لو فعلوا؟ هل عندنا قدر من المواجهة يقلب مكرهم عليهم؟ ام غاية وسعنا ان نحول اموالنا الغالية جداً من العدو رقم (20) إلى العدو رقم (1) كالمستجير من الرمضاء بالنار!!
13- (حوار الحضارات) برذعة مرقعة على (حمار الحضارات) ستزل بركابه الذين (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون) وقديماً قيل:
ستعلم حين ينكشف الغبار
جواد تحت رجلك ام حمار؟!
14- العاطفة مالم تقيد بالشرع عاصفة فمن نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفهاء اليهود والنصارى فلم لا ينصره صلى الله عليه وسلم على شهواته وعادته وكسله حتى يصبح نشيطاً في اتباعه خفيفاً إلى اجابة امره؟
15- هناك قواسم مشتركة يبصرها الاعمى ويسمعها الاصم بين ما في صحافة الدنمارك وصحافة العرب من الثناء على بعض الروايات وكتابها والتمجيد لهم والدعاية الصاخبة.
16- قد تعتذر حكومة الدنمارك لا احتراماً لنا ولا وجلاً منا ولكن حباً في اموالنا مع شديد العداوة لنا ولنبينا صلى الله عليه وسلم فلو فعلت هل نعود لهم وكأن شيئاً لم يكن مع يقيننا انهم كما قال خالقهم سبحانه (يرضونكم بافواهم وتأبى قلوبهم) لئن كان ذلك فبئس القوم نحن وبئس الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم اذ كان كل ذلك الغضب الواسع العميق يرفعه عنهم كلمة او كلمتان من طرف اللسان. هكذا غضب الاطفال ورضا الاطفال يقول الغزالي: العالم الإسلامي مليء بالذكور اما الرجال فلا!
17- من لم يصرح بموقفه من اعداء نبينا صلى الله عليه وسلم فهو منهم مهما كان موقعه ومهما لون اعذاره لانه اما راض بذلك او غير مكترث او يراعي شيئاً اهم عنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك اثماً مبيناً.
18- اليهود والنصارى لا يستكثر منهم ذلك ولا اقبح منه ولو امكنهم فوق ما فعلوا ما تلبثوا عن فعله حتى لو امكنهم ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قتلوا الانبياء من قبله بل تطاولوا على الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً وكتبهم المحرفة المسماة مقدسة مشحونة بذلك وهي احق بغضبتنا قديماً لو كانت عواطفنا اصح وانفع والله المستعان.
19- ماذا لو كان النيل من اوطاننا او شيوخنا او زعمائنا في العالم الإسلامي؟ ان هذا الافتراض يكشف مقدار ما نستطيعه من المواجهة ويقطع اعذارنا في التقصير والذين يحاجون في الله حجتهم داحضة.
20 لو بذلنا كل غالٍ ونفيس ليدرك الناس ما تقدم وغيره من منافع هذا الافك الاوروبي لكان قليلاً لكنه جاء بحمد الله من حيث لم نبذل ولم نحتسب. وصدق الله تعالى اذ يقول: (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) واذ يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم (وقلبوا لك الامور) وهم قلبوها عليه لكن ربه سبحانه جعل عاقبتها له صلى الله عليه وسلم واذ يقول سبحانه (انا كفيناك المستهزئين) فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه.
==========================
بل هو خيرٌ لكم..
بدرية العبد الرحمن 15/1/1427
14/02/2006
لم تكن الهجمة الشرسة التي تعرضت لها شخصية النبي -عليه الصلاة والسلام- في إحدى الصحف الدنمركية أمراً سيئاً حينما نضعه في ميزان الحقائق التي تفتقت عنها تلكم الحادثة الاستثنائية الغريبة والتي مازلنا نتألم منها ومن تداعياتها...
_لم نعد وحدنا المتعصبين!
لم تتعرض ديانة ما في العالم للإدانة كما تعرض الدين الإسلامي منذ حقبة السلام العالمي..ولم يكن هناك أفضل من المسلم ليكون المتهم الأول في أي حادث سيئ...
وتكفي القرائن التي تثبت عروبة أو إسلام شخص ما ليستحق التفتيش والاتهام والصراخ في وجهه بأنه إرهابي ومجرم (كما فعلت جودي فوستر بالراكب الباكستاني في فيلم(flight plan). المسلم دائماً يرفض الآخر ويتهمه بالكفر حتى إشعار آخر...وفي جوانب وحينما يكون نفطياً ..فإنه متغطرس غني متأنق من جهة ومتخلف من حيث هبطت عليه الثروة فجأة، ولم يكن أمامه وقت كافٍ ليتخلص من أوساخه الداخلية التي سببها له ارتباطه بالعروبة والإسلام..
حينما تحدث دعاة التسامح و"اللاتعصب" من الغربيين عن أنه حان الوقت لينتهي الحديث عن المسلم وفقاً للصورة المنمّطة بعد حقبة الحادي عشر من سبتمبر استبشرنا نحن المسلمين بموجة التثقيف الغربية التي يتزعمها دعاة التسامح لمحاولة فهم العقل المسلم أخيراً..
وأن حقبة التعصّب الديني ستنتهي إلى غير رجعة بإذن الله، وأن زمناً قادماً من التسامح والتفاهم بين الأديان سيتكفل بأن تنتهي نسبة كبيرة من الحروب، وأن نعيش رخاءً دينياً نسبياً في زمن قادم...
كل هذه الأحلام الجميلة تبخّرت في اللحظة التي اختارت فيها الدنمرك أن تكون (صليبية) بمنتهى القسوة.(10/265)
وأنا حينما أقول: إنها صليبية فأنا أعني ما نبهنا إليه الكثيرون من أن الدول الإسكندنافية مازالت تتخذ (الصليب) رمزاً وطنياً لها في أعلامها رغم ما يقال عن "لادينيّتها" (أو علمانيّتها).
حين يكون ذلك الرمز حاضراً لدى الدنمركي بهذه القوّة، فإن معالجة أي تصرّف بمعزل عن ذلكم الرمز الديني الوطني أمر صعب على العقل المسلم...
وأصعب منه أن نتخيّل أن يتخذ أي هجوم أوروبي ضد الإسلام صبغة دينية وأسوأ منها(صليبية)..
نحن لم ننس بعد كيف أثرت كلمة الرئيس الأمريكي بوش (الغلطة) حين وصف حربه ضد الإرهاب بالـ(صليبية)، وكيف استغربنا نحن المسلمين أن يبدو الغربي متديناً لهذه الدرجة، وفي وضع سياسي لا يحتمل الثرثرة بما هو ديني...
الآن تفعل الدنمرك نفس الشيء، وتجعل من تصرف أرعن وإساءة مقصودة للدين الإسلامي تعبيراً عن حرية التعبير، و"اللا خوف" من المسلم ومن إيذاء مشاعر الآخر بمسوّغات عدة..
حين تكون خلفية تلكم الإساءة دينية صليبية فالأمر سيكون مروّعاً ووخيما للغاية..
هذا ما سيحدث، وبهذا الشكل سيقرأ المسلمون الحادث ولا أستبعد أن نبدأ عهدا (صليبياً) جديداً.. تتحارب فيه الأديان كما لم تتحارب من قبل..
أمر آخر -بالحديث عن التعصّب الديني- كيف يبدو المسلمون في حميّتهم وغضبتهم للقضية الآن؟!
وما هي منطلقاتهم؟
الآن يبدو المسلمون وفي مظاهراتهم المحتجة وتنديداتهم الكلامية ومطالباتهم بالاعتذار أكثر تحضّرا وهدوءا وتعقّلاً من عاصوف (حرية الرأي والتعبير) الأوروبية التي لم نسمع بها بهذه الطريقة والوقاحة المنقطعة النظير!
الآن يظهر الوجه المختفي من الليبرالي الغربي ذي الحيادية والنزاهة واللامِساس...ويبدو أكثر شناعة وعناداً من صليبي متعصّب كان الليبرالي يتبرأ من تعصّبه الديني الدموي الفظيع لقرون طويلة..
-مرتبكون ...ولا يعرفون ما يفعلون!
وجه آخر كشفته الحادثة ويمكننا أن نفرح به جداً لنعرف أننا لسنا الوحيدين الموصومين بالحيرة والتخبّط في دفتر التاريخ المعاصر..
يبدو لنا الغربي الآن مرتبكاً لا يعرف ما يحترم...ما يقنن تصرفاته..ما حدود حريته التي هي أكبر وأفضل ما لديه ليدافع عنه الآن..
الآن تضع الإساءة الأوروبية والحدث الشنيع قيمة (الحرية) في محاكمة عادلة يتضح فيها ارتباك البشريين أمام ما يفترض أن يحترموه...وأمام الحد الذي يفصل بين الاحترام وبين الخوف من التعبير...
والحد الفاصل بين حرية التعبير والرأي وبين (قلة الأدب) والمسخرة..
والحد الفاصل بين الخوف على المصالح الاقتصادية...والخوف الحقيقي على القيم الأوروبية، واحترام الذات الأوروبية لنفسها وضميرها ومنطلقاتها..
تبدو أوروبا الآن مرتبكة ومحتارة ولا تدري ما تفعل..أمام ضميرها...أمام شعوبها...أمام قيمها...أمام المسلمين..أمام علاقاتها الدولية واقتصادها..
كثير من الكتّاب ينبهون أيضا أن الكاتب الإنجليزي الذي شكك في مذبحة الهولوكست الشهيرة يواجه حكما بالسجن لمدة ستة عشر عاما لمجرّد تشكيك في أساسات (السامية) على الرغم من أن منطلقاته كانت حوارية مدعّمة بالكثير من الأدلة والشواهد التاريخية العلمية...ولم تكن دوافعه استفزازية أو دعوة للصراع بين الأديان أو احتقارها.... كما يحصل في القضية الموصوفة بأنها تعبير عن حرية الرأي، وعدم الخوف من الدين والأديان..
هذه الانتقائية المقززة التي تمارسها أوربا تجعلنا نشعر بالقرف بقدر ما نشعر بالأسف لحجم التخبط الذي تعيشه أوروبا، والذي كشفه الحادث بشكل سافر وشنيع...
كون كثير من المسلمين حولوا المعركة الآن إلى (أرمجيدون) دينية صليبية إسلامية يمارس فيها الغربي فوقية لادينية، واستقواء ضد الفئة المسلمة القليلة..لا يعني أنه ليس بإمكاننا أن نربح المعركة بعد، وأن نحوّل التاريخ الذي كان ضدنا وضد صورتنا النزيهة كمتسامحين مدانين حتى إشعار آخر..التاريخ الذي وقف ضدنا لمدة خمس سنوات بعد الحادي عشر من سبتمبر يمكن أن نكسبه إلى صفّنا أخيراً، ونبدو نحن الأعقل والأكثر جدارة بالاحترام...والأكثر تحضّراً وقدرة على شفاء العالم من حالة الانبهار بالغربي الذي لم تستطع ناطحات سحابه ومؤسساته المستقلة أن تكون محترمة كفاية... وأن توجد الآن حلاً لمشكلة أساسها قلة الوعي (التعبيري)...بدلاً من التحدي المرتبك جداً والمتمثل في إعادة نشر الصور المسيئة بين اليوم والآخر، وفي أكثر من جريدة أوروبية..
أخيراً..رغم كل الاستياء الذي سببه الحادث المثير إلا أنه حدث (مفيد) وضروري لنا كمسلمين في حقبة العولمة أن نضع قوانيننا أخيراً فيما يتعلق بالإساءة للأديان...وأن تبدأ حملة جيدة وقوية وصارمة لتحدي المد اللاديني الذي يريد انتزاع قدسية الأديان واحترامها من قلوب العالمين...
"اللاديني" هو الخطر القادم الذي يتربص بأجيالنا القادمة، والذي يمكنه أن يكوّن عالماً فوضوياً لا يحكمه إلا قانون متحوّل لا يحلّ حلالاً، ولا يحرّم حراماً...(10/266)
حين لا يجد "اللاديني" من يقف أمامه بمنتهى الصرامة ليوقف سخريته بالأديان عند حده، فسنجد أنفسنا ندخل غمار حرب طويلة، وفي جبهات عدة يكون المتهم الأول والأخير فيها هو المتدين والدين بإثارة النعرات، والفرقة والتي لم يبدأها إلا "اللاديني"، ولكنه لم يجد وقفة صارمة وقانوناً محدداً وخطاً أحمر عريضاً لا يتجاوزه..
إنها دعوة لوقفة عالمية تتّحد فيها الأديان ضد من يريد الإساءة إليها، وينتقص من قداستها بدعوى حرية التعبير...دعوة لتفكير منطقي طويل وعادل في الحدود التي يمكن فيها وزن أي ممارسة نقدية ضد الأديان، وما هو الحد الذي يمكن اعتباره إساءة يتم تجريمها...وما هو الحد الذي يمكن اعتباره حواراً مقبولاً وتعبيراً عن الرأي محترماً..
كل هذا لم يكن ليحصل لو لم يحدث هذا الحدث الجلل والتجربة العنيفة...التي تذكرنا جيداً جداً بحادثة الإفك التي وإن كرهها المسلمون وقت حصولها، إلا أنها كان لابد منها ليتبين من كذب ممن صدق، ومن كانت خبثت نيّته ممن صفت، ولم تتكلم إلا بما هو خير..
كانت تجربة قاسية عسى أن نخرج منها بفوائد في تاريخنا ونفسياتنا ومستقبلنا القادم، وكيف ندير أزماتنا بمنتهى النزاهة والتجرد للحق...
حقاً... (...لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...)!!
============================
بل هي حرب على الإسلام
د. حمود ضاوي القثامي
اتحد العالم الإسلامي هذه المرة ضد من أساء إلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، على الأقل سمع العالم صوت المسلمين في كل مكان على اختلاف لغاتهم وجنسياتهم وأوطانهم وهذه بادرة جيدة تستحق الاهتمام.
لقد تحركت الشعوب الإسلامية بالمظاهرات والتنديد والاستنكار ومقاطعة البضائع، والمطالبة بالاستمرار في تجنيد كل الوسائل الممكنة حتى يعرف العالم بان مثل هذه الأمور لا يمكن نسيانها مع الزمن والقبول باعتذار هزيل، لان ما حصل يحصل للمرة الأولى.
انها سابقة خطيرة قد تقود إلى ما هو اخطر في المستقبل، ولهذا يجب علينا إعلان الحرب حتى النهاية وحتى لا تتكرر في المستقبل، إذ كيف تكون الإساءة للإسلام مباحة ولليهود محرمة ومحظورة ومن يقترب منها يا ويله ويا سواد ليله.
والمثل الشعبي يقول (من لا يعدّي عن حياضه شرعت) ومعنى يُعّدي (يدافع) والحياض جمع حوض، وشرعت (شرب ما فيها) والمعنى الكلي للمثل: ان من لا يدافع عن نفسه وحقه وشرفه، سوف يستهان به وبمكانته وقيمته ويضيع مع الضائعين.
انها الحرب على الإسلام وليست على الإرهاب الذي زاد ولم يتناقص، فقد ساهمت وسائل الإعلام الغربية في إشعال فتنة الكراهية والحقد ضد الإسلام، حتى وصل الأمر إلى درجة الاستهانة بمشاعر المسلمين بهذه الطريقة غير المسئولة، وكأن المسلمين ليست لهم مشاعرهم كغيرهم من البشر. سجون ومعتقلات وقتل وتدمير للمدن بالأسلحة المحرمة دوليا وعذاب وتعذيب لم يشهد له التاريخ البشري مثيلاً، وتطاول على الرموز الدينية بهذه الطريقة، والغريب ان ما يخص الإسلام يصنف على انه مجرد رأي شخصي والرأي الشخصي يجب ان يحترم.
ولكن مثل هذا الرأي إذا كان يخص اليهود فانه يصنف على انه جريمة نكراء بحق البشرية كلها تستنفر من اجلها وسائل الإعلام العالمية!!! هذه الحرية الشخصية المزعومة لا يمكن تطبيقها على اليهود.
والسبب ان اليهود هم من (يذود عن حياضه حتى لا تشرع) وبكل ما يمتلكون من قوة وقدرة، ولهذا أصبح العالم يخشاهم ويبتعد عن الإساءة إليهم حتى لا يتعرض من يتعرض لهم للمحاكمة والسجن والتعويض على الرغم من أقليتهم.
اما أكثر من مليار وربع المليار من المسلمين فان النظرة إليهم تختلف وكأنهم يعيشون خارج الكرة الأرضية، فالضغوط السياسية لا تتوقف عن المطالبة بالتخلي عن كل ما هو إسلامي، ووسائل الإعلام من جانبها تساهم في بث سمومها التي أفرزت تجمعات شبابية أوربية تحارب الإسلام بشكل علني.
حيث ظهرت الكتب والأفلام والرسوم المعادية للإسلام والمسلمين بشكل يخالف الأعراف والمبادئ الإنسانية، وهذا يعني ان الحرب المزعومة على الإرهاب لم تقتصر على ملاحقة الإرهابيين، وإنما تجاوزت كل الحدود وأباحت هذه الحرب كل المحرمات، فكانت فرصة سانحة وجد فيها كل من يريد إيذاء امة الإسلام ضالته ليفعل ما يشاء، فارتكبت الجرائم وحصلت المضايقات والاستهانة بالرموز الدينية الإسلامية كمنع الحجاب في فرنسا.
لان العالم الإسلامي أصبح عاجزا عن الدفاع عن نفسه، واقل ما يمكن هو إقامة الدعاوى ضد كل من يسئ للإسلام من بعيد أو من قريب لكي يفكر كل من يحاول الإساءة للإسلام عشرات المرات قبل إقدامه على فعلته، مع المطالبة بمساواة المسلمين باليهود المحميين عالميا في كل مكان، ومن هنا يأتي دور رجال القانون وأصحاب رؤوس الأموال، المهم ان تكون للأمة الإسلامية قوتها ومكانتها بين الأمم.
=========================
بيئة العنصرية وكراهية الآخر ... هل نحن في مواجهة مع الغرب؟
الكاتب: عبد الحسين شعبان(10/267)
اثار نشر صحيفة دنماركية صور مسيئة للرسول محمد (ص) استياء ملايين المسلمين في العالم، خصوصاً انه عكس الأجواء السلبية المشحونة بالتوتر وبرائحة العنصرية التي سادت لدى بعض الاوساط في اوروبا واميركا والتي اتخذت اجراءات «قانونية» وغير قانونية استهدف بعضها مباشرة الجاليات العربية والاسلامية، حيث شكلت مرتعاً خصباً لنزعات الكراهية والعداء للآخر وعدم التسامح، والتي تعاظمت إثر تفجيرات 11 ايلول (سبتمبر) الارهابية وراح ضحيتها أكثر من 3 ألف انسان بريء، وكذلك ما أعقبها من تفجيرات حصلت في العديد من البلدان الاوروبية.
ومعروف ان العنصرية بيئة مشجعة على الارهاب، لأنها لا تتسم بالعدل والمساواة والاقرار بالحقوق واحترام التنوع والاختلاف، فهي بيئة إلغائية استئصالية اقصائية، لتغذية العنف والعنف المضاد وردود الافعال والانتقام. واذا كان المتهم الاساسي الذي أدين في مؤتمر ديربن العالمي حول العنصرية 2001، هو «السياسة العنصرية» ومن يقف وراءها، حيث كانت سياسة اسرائيل العنصرية والتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني واعمال الابادة والارهاب الرسمي هي التي وقفت امام المساءلة وحظيت بحيز كبير من هذه الادانة، فإن وجهة الإتهام تحولت الى «العرب والمسلمين»، حين ظهر إنتماء من نفذوا العمليات الارهابية اليهم.
ولم يشفع لهم ادانتهم الشديدة لتلك الاعمال الارهابية وتعاونهم من اجل استئصال شأفة الارهاب، كما لم يغفر لهم انهم كانوا ضحية الارهاب على مدى يقارب عن ستة عقود من الزمان، سواء الارهاب الموجه من الخارج ضدهم، او الارهاب الداخلي الذي اشتد في الربع الأخير من القرن الماضي على يد جماعات متطرفة ومنغلقة وتدعي امتلاك الحقيقة، فكانت تنتهج نهج الارهاب والعنف واستخدام القوة وسيلة لاملاء ارادتها وفرض رأيها القائم على تحريم الاخر وتجريمه وتأثيمه، سواء كان هذا الاخر داخلياً ام خارجياً، فلا فرق لديها.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان بعض هذه الجماعات المتطرفة كانت تحظى بتأييد ودعم من «الغرب» بصورة معلنة او مستترة، بل إن بعضها جرت محاولات لتصنيعه، وتلك احدى مفارقات الصراع في منطقتنا وعلى ضفافها اذا جاز التعبير، سواء شمال المتوسط أو عبر القارات.
المعركة حالياً لا تدور بالجيوش وحدها، وسيلة للصراع، وليس الاقتصاد والايديولوجيا وحدهما علامات أساسية لهذا الصراع، بل امتد الصراع وشمل على نحو أوسع وأعمق تأثيراً الحقل الثقافي. وليس عبثاً أن يعبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك في حفل افتتاح مؤتمر اليونسكو الـ33 في تشرين الأول (اكتوبر) 2001 عن ذلك حين قال «ان القرن التاسع عشر شهد صراعات القوميات والقرن العشرين شهد صراع الايديولوجيات، اما القرن الحادي والعشرين فقد شهد صراع الثقافات».
لقد جعلت «العولمة» العالم كله «قرية كونية» وان كنت من الذين ينددون بالعولمة ويلحظون سلبياتها الكثيرة، الا ان للعولمة ايجابياتها غير القليلة ايضاً، وعلى النخب الفكرية والثقافية العربية والاسلامية والعالمثالثية ومعها نخب أوروبية وغربية متنورة، ان تسعى لعولمة حقوق الانسان والمعرفة وثقافة التسامح والعدل والاستفادة من المنجز العلمي - التقني على المستوى العالمي لما فيه خير البشرية وسلامها وتقدمها ورفاهها.
واذا كان رد الفعل شديداً وسريعاً ازاء ما نشرته الصحيفة الدنماركية وعدد من الصحف الاوروبية، فإن ردود الفعل العربية والاسلامية ازاء ما صدر من قوانين لمكافحة الارهاب رغم انها كانت مفصلة عليهم لم تكن بالمستوى المطلوب. ان بعض التصرفات العنصرية تثير العديد من التساؤلات القديمة الجديدة: هل نحن في مجابهة مع الغرب؟ وهل ثمة مواجهة بين الغرب والاسلام؟ هل هي مشكلة الحداثة او ما بعد الحداثة؟ هل في الاعلان عن دخول عالم «ما بعد التاريخ» الذي دعا اليه فرانسيس فوكوياما بإقرار ظفر الليبرالية على المستوى الدولي كنظام سياسي واقتصادي، يوصل العالم الى شاطئ السلام؟ أم الاقرار بـ «صراع الحضارات» الذي دعا اليه صموئيل هنتنغتون حين طلب شحذ جميع الاسلحة لمواجهة الخطر الراهن؟ وقصد به الاسلام بعد انهيار الشيوعية على المستوى الدولي.
اين هي حدود الوصل والفصل بين الدعوة الى التعددية واحترام حقوق الانسان وحرية السوق، ازاء محاولات فرض الاستتباع والهيمنة؟ وكيف السبيل الى اجراء اصلاحات ضرورية في العالم العربي والاسلامي كتعبير عن استحقاق وحاجة ماسة داخلية أولاً وقبل كل شيء وليس ارضاء لأحد أو استجابة لطلب خارجي!
ثمة وجهتا نظر مخطوءتان في رؤية كل من الغرب الى العرب والمسلمين وفي رؤية العرب والمسلمين الى الغرب بشكل عام، وان كنت لا أنفي التمايز في المواقف لكلا الفريقين، الا انه السائد بل اليومي الذي يحدد علاقة السياسة بالثقافة احياناً وبالعكس.(10/268)
وكمقدمة لهذه الفقرة اقول إن هناك نحو بليون وأربعمئة مليون مسلم أو ما يقارب ذلك متوزعين على أكثر من 60 بلداً بينهم 57 دولة اسلامية (عضو في المؤتمر الاسلامي) اضافة الى بلدان يشكل المسلمون جزءاً كبيراً من سكانها (اقلية عددية كبيرة) مثل الهند واثيوبيا، وهناك 16 مليون مسلم في روسيا وحدها. ان سكان العالم الاسلامي يؤلفون نحو خمس سكان العالم، كما تؤلف البلدان الاسلامية نحو ثلث دول العالم البالغة 190 دولة.
لقد ظل الفهم قاصراً في النظر الى المسلمين باعتبارهم «كتلة واحدة». و»الاسلام شيء واحد». بل هناك ادغام وتشوش احياناً بين الجماعات الاسلامية والاسلام أو بين المسلمين والاسلاميين والاسلامويين. وذلك في حمى الحديث عن «التهديد الاسلامي» و «الخطر الاسلامي»، وبإستعادة لغة الحرب احياناً عند الحديث عن الاسلام باعتباره «عدواً» وليس المكون الثقافي لمئات الملايين من البشر، وبذلك تكاد تكون غالبية المسلمين حسب وجهة النظر هذه «مجبولة» على الارهاب وعلى «العدوانية» التي تدمغهم دون تمييز او تمحيص او محاولة للفهم بأصول الدين وبالقانون والانظمة السائدة وبالسياسة المتبعة وبالعلاقات الدولية، ناهيكم عن التنوع والاختلاف التي تمتاز به المجتمعات الاسلامية مثل غيرها من المجتمعات.
فللإسلاميين وللمسلمين وبشكل عام آراء مختلفة في السياسة والمجتمع والعلاقات تبعاً لاختلاف المصالح والأهداف والتصورات. والاسلام ليس كله ولا حتى المسلمين كلهم أو معظمهم او حتى جزء مؤثر منهم يؤيدون تنظيم «القاعدة» أو رؤية حكومة «طالبان» الأفغانية أو نموذج اسامة بن لادن ولعلهم لا يرحبون بقيام دولة دينية لما أفرزته التجربة المريرة في أفغانستان أو غيرها من «الأنظمة الإسلامية»، بل ان قسماً كبيراً وحاسماً من الاسلاميين ناهيكم عن المسلمين لم يؤيدوا اجراءات حكومة «طالبان» وتعصب تنظيم القاعدة والتوجهات الارهابية التي اعتمدها، بما فيها تحطيم التماثيل البوذية في باميان باعتبارها «غير اسلامية» وهو موقف فيه الكثير من انعدام الذوق والحس الجمالي ناهيكم عن كونه تفريط بثروة تاريخية عالمية ذات قيمة لا تقدر بثمن، وكذلك الموقف من المرأة و قضايا التقدم الاجتماعي والمجتمع المدني والتفاعل مع الحضارة الانسانية.
المجتمعات العربية والاسلامية مثل غيرها من المجتمعات الانسانية تمثل حضارة وتاريخاً وقيماً وتوجهات فكرية وقومية وثقافية واختلافات سياسية ومدارس نظرية بخصوص التنمية والتطور، وهي تتأثر بالعالم وبكل ما يجري حولها من تقدم وعلوم وتكنولوجيا وافكار ومتغيرات. ومع ان هويتها العامة هي الاسلام، فهو ليس دين حسب، بل هو في نهاية المطاف حضارة لأمم وشعوب وتكوينات عرقية وأثنية ولغوية وأصول متنوعة، ساهم الاسلام في حياتها من دون ان يضع حاجزاً امام انخراطها في الركب الحضاري نحو الحداثة والديموقراطية وحقوق الانسان، وهو ما يتم التطلع نحوه بشكل كبير وهو ما يجري الصراع حوله بشكل أكبر بين التيار التقليدي والتيار الحداثوي.
واذا كانت نظرة «الغرب» الى الاسلام قاصرة وان كانت بالطبع نظرة غير موحدة بحكم وجود تيارات وتوجهات فكرية وثقافية مختلفة، إلا أن هذه هي نظرة الغرب السياسي، وبخاصة ازاء التيارات الاسلاموية التي قد تنسحب احيانا الى الاسلام ككل لأسباب سياسية، فإن النظرة السائدة في العالم العربي والاسلامي الى «الغرب» هي الاخرى نظرة «كلانية» او كلية، أي شمولية مستندة الى التاريخ أحياناً بل تلجأ الى استحضاره بشأن الصراع بين «الغرب» و»الاسلام» كلما وجدت حاجة الى دعم وجهات نظرها الراهنة، فهو صراع تاريخي، حتمي منذ حروب الفرنجة» ولا أقول الحروب الصليبية» وقبلها في الفتوحات الاسلامية، بل انها حرب «صليبية جديدة» كما يذهب البعض.
الصراع اذن حسب وجهة نظر بعض المتطرفين والمتعصبين في العالمين العربي والاسلامي هو صراع متوارث، قيمي وديني وأخلاقي، لا سبيل للتلاقي أو التعايش معه، لأن الحضارة الغربية هي حضارة مسيحية - يهودية ، ويتم دمغها احيانا «بالكافرة» وحسب هذا المفهوم فهو صراع تناحري لا سبيل الى حله سلماً او اعترافاً بالآخر. وذلك من دون النظر الى المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة والمشتركات الانسانية.(10/269)
واذا كانت السياسة هي في المحصلة تعبير عن صراع واتفاق المصالح وليس اختلافات عقائدية حسب، فإن الثقافة هي جسر التواصل بين البشر والكيانات بحثاً عن المشتركات الانسانية وفي اطار حقول المعرفة. والثقافة في نهاية المطاف معرفة، والمعرفة سلطة على حد تعبير الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون، وعلى العرب والمسلمين تنمية سلطتهم بالمعرفة. وكان تقرير التنمية البشرية لعام 2004 الصادر عن الامم المتحدة قد كشف حجم النقص الفادح في المعرفة والحريات التي تعتبر من اهم معوقات التنمية في البلدان العالمثالثية ومنها البلدان العربية والاسلامية، اضافة الى تهميش دور المرأة وعدم الاقرار بحقوق الاقليات.
المداولة والشراكة والحوار وسيلة للتواصل الحضاري ولتعزيز وتطوير جسر الثقافة، الذي يمكن استخدامه سلباً أو ايجاباً، فـ «الغرب» ليس وحده مسؤولاً وإن كانت مسؤوليته اساسية ولا يمكن تخفيفها تحت أي مبرر كان، في الاجابة عن بعض الاسئلة التي تضعها تحديات العولمة في اطار الثقافة الكونية متعددة المشارب والاصول والتكوينات، ومن هنا يتعاظم القلق المشروع لدى مئات الملايين من المسلمين حين تنتشر وتستشري بعض النزعات العنصرية في الغرب ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل على الصعيد الثقافي ايضا» تلك التي تستخف بمقدسات الآخرين.
باحث وكاتب عراقي
صحيفة الحياة اللندنية
==========================
بيان من أتباع دين الإسلام، أتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم
الكاتب: اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء
بتاريخ: 02/25/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
من أتباع دين الإسلام، أتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الثقلين من الجنّ والإنس.
السلام على من اتّبع الهُدَى.
أما بعد: فهذا خطابُ أمةٍ لا يُمثِّلُها ولا يَحُدُّها بلدٌ ولا مكان، ولا تنتمي إلى عرقٍ أو لَوْنٍ أو لغة، ولا تدعو إلى عقائد أو مفاهيم وضعها علماؤها ومفكّروها، ولا تُريدُ بَسْطَ نفوذها من خلال حضارتها البشريّة بِصَبْغ الناس بتصوّراتها المستمدّة من مذهبها أو تاريخها أو تقاليدها الآدميّة.
ولكنّها أمةٌ تدعو الناس بدعاية الله، وتُسمعهم خطابَ الخالق سبحانه، قائلةً للبشريّة جمعاء: أسلموا تسلموا.
إن هذا الخطاب الذي نوجَّهه للبشريّة ، بل للثقلين ، لا يحقّ لأحدٍ أن يتصوّر أنه يجوز له أن يكتبه من تلقاء نفسه وأن يُوجَّهَهُ لأحدٍ من الخَلْق ؛ لأنه خطابٌ يتضمّنُ ما لا يقدر عليه جميع البشر، إنه يتضمّن الوعدَ الأكيد المتحقّقَ بالحياة الطيّبة السعيدة في الدنيا، وبالثواب الأجلّ الأعظم في الآخرة { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
ولذلك فإن من ظنِّ أنه يحقّ له أن يُوجَّه مثل هذا الخطاب من تلقاء نفسه إلى البشريّة، كائناً من كان، فهو إنّما يُحِلُّ نفسه مَحَلّ الإله الخالق، ويَدّعي بذلك ما ادّعاه فرعون ونمرود من الألوهيّة، متعالياً على أبناء جنسه من البشر إلى هذا الحدِّ الأخرق من التعالي. ومن حقِّ البشر حينها، وكُلِّ واحدٍ منهم، أن يرفض الانصياع لمثل هذا الخطاب من بشرٍ مثله، بل على البشر أن يرفضوا سماعَ مثل هذا الخطاب، بل عليهم ألا يسمحوا لأحدٍ من البشر أن يترفّع عليهم وعلى جنسه البشري إلى هذه الدرجة الخرقاء من الترفّع؛ لأن في مجرّد سماعهم لهذا الخطاب البشريّ إقراراً بعبوديّتهم لبشرٍ مثلهم !!!
ولذلك (أخيراً) فإن مثل هذا الخطاب الذي نُوجّهه إلى البشريّة، لا نوجِّهه على أننا أمةٌ تنتمي إلى أي انتماء بشري، ولا يجمعها أيُّ اجتماع مكانيِّ أو زماني أو حضاري، ولا يؤلَفُ بينها أيُّ مطامعَ اقتصادَية أو مطامح سياسيّة أو مصالح دنيويّة. إنه خطابُ الأمّة التي اتّبعت دين الخالق الواحد الأحد، الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
نعم .. إننا أتباع دين الإسلام، الدين الذي رضيه الخالقُ للبشريّة، وجعله آخرَ دينٍ يُصلح به شأن الثقلين، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وتتحقَّق بالإيمان به والعمل ِ بأحكامه سعادتُهم في الدنيا والآخرة، ولن تتحقّق سعادتهم بغير هذا الدين؛ لأنه الدينُ الوحيد الذي يرضاه الله للبشريّة بعد بعثة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فهو دين الخالق، والخالق وحده هو العالم بمصالح العباد وبما يحقّق لهم منافعهم في الدنيا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، والخالق وحده هو الذي يملك أمر الدنيا والآخرة، ويُدبِّر شؤونهما، وبيده كُلّ شيء، وهو على كل شيء قدير. ثم هو وحده سبحانه الذي يُجازي المحسنين بالإحسان والمسيئين بالعقاب في اليوم الآخر، فهو سبحانه وحده { مالك يوم الدين} [الفاتحة : 4] { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ القهار} [غافر:16].(10/270)
إنها حقيقةٌ محضة، يجب أن يقرّ بها كل العقلاء: وهي أن الدين الذي يُلزمُ الخالقُ المخلوقين به، والذي يُنظِّمُ لهم فيه ربُّهم جميعَ شؤون حياتهم، من علاقتهم به سبحانه، وعلاقتهم بالمخلوقين أمثالهم، على اختلاف أجناسهم وأحوالهم، ويبيّنُ لهم فيه طريقَ سعادتهم في الدنيا والآخرة=أنه سيكون حقاً الوسيلة الوحيدة الحقّة لبلوغ تلك السعادة، وأن البشريّة لن تجد وسيلةً لبلوغها إلا هذه الوسيلة، وأنه لا يحق لها أصلاً ولا يجوز أن ترفض هذا الدين والنظام الإلهي لخالقها سبحانه.
إنّ وجود الخالق حقيقةٌ لا يشك فيها عاقلٌ، بل هي أعظمُ حقيقةٍ في الوجود على الإطلاق. ولا يشك عاقلٌ أيضاً أن من أنكر هذه الحقيقة بلسانه من البشر، أنه قد اعترف بها قلبُه ، بل قد أعلنها هو بوجوده، وأعلنها معه الوجود كلُّه من حوله. ولهذا سقطت الشيوعيّة، مع أنها سقطت من يوم أن وُلدت؛ لأنها صادمت أعظم حقائق الوجود، وهي أن الوجود يدل على أنه لا بُدّ له من خالق عليمٍ حكيم عظيم قادر.
وهذا الخالق العظيم سبحانه، الذي دلّت مخلوقاته على عظمته وعلمه وحكمته، بما أوجده من هذه الأفلاك العظيمة، وما فيها من النظام الدقيق المتناهي الدقّة، وما أوجده على وَجْه الأرض من الأحياء المختلفة في البر والبحر، والنباتات، والجمادات، وما بينها من التناسق، وما فيها من عجيب الصنعة ولطيف التدبير، وغير ذلك مما لا زال البشر يبحثون عن أسراره، ويسعون إلى اكتشافه=لا يُمكن أن يكون قد خلق الخَلْق عبثاً بغير حكمة، ولا أن يكون قد خصَّ الثقلين بالعقل من سائر مخلوقاته على وجه الأرض دون سبب ؛ لأن هذا العمل يعارضُ حكمته وعلمه وعظمته سبحانه التي دلّت عليها مخلوقاته (كما سبق)؛ ولذلك يقول تعالى { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون:115].
إذن فلا بُدَّ أن تكون هناك غاية من خَلْق الخَلْق، ولا بُدَّ أن يكون هناك غاية من خلق البشر الذين نحن منهم، خاصةً أنّهم قد مُيّزوا بنعمة العقل والتفكير، التي استطاعوا من خلالها (وهي هبةٌ من الخالق لهم) أن يُسخِّروا كثيراً من المخلوقات وأنظمةِ الكون من حولهم لتحقيق كثيرٍ من المنافع الدنيويّة لهم .
ثم هل يحق للبشر أن يحدّدوا غاية إيجادهم والسبب في تخصيصهم بنعمة العقل؟! بل هل يمكنهم أصلاً أن يعرفوا هذه الغاية ؟! لا شك أنهم أعجز من ذلك، وأن هذا هو حقُّ خالقهم وحده، ولا يحق لأحدٍ أن يدّعي له شيئاً من الحق فيه غيره سبحانه وتعالى؛ لأن المخلوق لا يعلم ما في نفس المخلوق، فأنَّى له أن يعرف ما في نفس الخالق؟!!
ولذلك فإن تَرْكَ البشريّة دون بيان الغاية من خَلْقهم يُعارضُ حكمةَ الخالق وعظمته وعلمه، ويُعارضُ عَدْلَه أيضاً؛ إذ فيه تكليف بما لا يدخل تحت قدرتهم. ويعارِضُ رحمته سبحانه بعباده، وهو الذي وسعت رحمته كل شيء، بأن يتركهم هملاً بغير نظامٍ يُبيِّن لهم فيه أسباب سعادتهم ، التي خلقهم من أجلها.
ولذلك أرسل الله تعالى الرسل عليهم السلام، لبيان دينه، الذي هو نظام البشرية، الذي به يَصْلُح أمر الدنيا والآخرة ، وبه يعرف الإنسان الغايةَ من خَلْقه ، ويعرف طريق الوصول إلى تحقيق هذه الغاية. إذ بغير إرسال الرسل لن يكون بإمكان البشر أن يعرفوا غاية خلقهم ولا بطريق بلوغها، وبذلك لا يُمكن أن يُثاب من حقّق تلك الغاية وأن يُعاقب من لم يحقّقها، كما قال تعالى { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165]، وقال تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء:15].
وبذلك يتّضح أن إرسال الرسل هي الحقيقة الثانية الكبرى، التي ألزمتْ بالإيمان بها الحقيقةُ الأولى، التي هي وجود الخالق سبحانه. فوجود الخالق يدلّ على وجوب الإيمان بإرسال الرسل، وهذا ما لا يصحّ من عاقلٍ أن يُكابر في إنكاره.
والرسل إنما جاؤوا لتبليغ دين الله تعالى، وسبق أن ذكرنا أن دين الخالق وحده هو الذي يضمن للبشريّة السعادة الدنيوية والأخرويّة، ولذلك فإنه يلزم أن تتّبعه البشرية. وهذه حقيقةٌ ثالثةٌ كبرى، سبق إثباتها شرعاً وعقلا.(10/271)
وكما أرسل الله تعالى إلى البشر رُسلاً منهم لتبليغ دينه إلى الأُمم السابقة، مثل نوح (عليه السلام)، وإبراهيم (عليه السلام)، وموسى (عليه السلام)، وعيسى بن مريم (عليه السلام) = فقد أرسل الله تعالى إلى البشريّة محمداً (صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أنبياء الله ورسله). فليست بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أمراً جديداً على البشرَية، كما قال تعالى { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ } [ الأحقاف :9]. فقد أرسل الله تعالى قبله رسلاً كثيرين، كما قال تعالى { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [النساء:163-165].
إذن فإنكار رسالة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم لمجرّد أنه رسول الله، لا يُقبل من أحد؛ لأنه إن كان هذا المُنْكِرُ ممّن يؤمن برسولٍ قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قد أقرَّ بذلك عقيدةَ إرسالِ الرُّسُل، فلمَ يُنكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؟! وإن كان هذا المُنْكِرُ ممن لا يؤمن برسول، فيلزمه أن ينكر وجود الخالق، وأن ينكر وجوده هو نفسه؛ للترابط بين هذه الحقائق الكبرى (كما سبق). وليس في الناس اليوم إلا أحد هذين الفريقين، فيلزم الناس كلّهم اليوم عدم إنكار نبّوة محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان إنكارهم لها مبنيّاً على مجرّد إنكار وَصْفِه بالرسالة.
وأمّا إن كان إنكار رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم لدعوى أنه لم يقم دليلٌ على صدق نبوّته، فهذا إمّا ناشئٌ من هذا المدّعي عن جَهْلِ وتقصير بالغ في البحث عن الحقيقة، أو ناشىءٌ عن عنادٍ واستكبار وإعراض عن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. وسنذكر – نحن– هنا في هذا الخطاب بعضَ دلائل نبوّته باختصار، تاركين مَهمّة البحث والتقصِّي للمنصفين الباحثين عن الحقيقة الكبرى، التي بها يسعدون في دنياهم وأُخراهم، وبالإعراض عنها يشقون في دنياهم وأخراهم. وقبل أن نذكر هذه الدلائل، فإنا نسأل أتباع الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم (كاليهود والنصارى): ماذا لديكم من أدلّة صدق نبوّة موسى وعيسى عليهما السلام؟ فإنهم لن يذكروا دليلاً إلا ولدينا – نحن المسلمين – من جنسه ما هو أعظم دلالةً وأوضح برهاناً على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم . بل الأغرب من ذلك: أننا أقدر على إثبات نبوّة موسى وعيسى (عليهما السلام) من أتباعهما، ولدينا من أدلّة صدق نبوّتهما (عليهما السلام) ما ليس عند أتباعهما !!! لكن تَميَّزَ نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بخلود بعض معجزاته، وعلى رأسها القرآن الكريم، كما يأتي بيانه.
وسنذكر دلائل من دلائل نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم باختصار، إذ هناك كتبٌ ومراجعُ فصّلتها وبيّنتها، وعلى الباحث عن سعادته في الدنيا والآخرة أن يبحث عنها ويدرسها. مع أنّ فيما سنذكره في آخر هذا الخطاب كفايةً (على وجازته) لمن أنصف وتخلى عن مألوفاته السابقة الراسخة في نفسه بغير دليل، ولم يستكبر في الاعتراف بالخطأ ولو كان خطأً كبيراً !!
إن هذة الدلائل المثبتة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هي آخر المطاف وآخر النتائج وآخر الحقائق الكبرى التي أردنا إعلانها للثقلين، وهي أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، بعثه الله بدين الإسلام، وأنزل عليه كلامه تعالى وهو القرآن الكريم. كما أرسل الرسل من قبله ، وبعثهم إلى أقوامهم بدينه سبحانه، وأنزل عليهم كتباً: التوراة إلى موسى (عليه السلام)، والإنجيل إلى عيسى(عليه السلام).
إنّ إرسال الرسل حقيقةٌ تقرُّها العقول الصحيحة (كما سبق)، ويؤمن بها أكثر أهل الأرض. وإرسال الرسل إنما كان لتبليغ دين الله تعالى، ودين الله تعالى هو حُكْمُهُ ونظامُه الذي أرشد إليه خَلْقَه لتحقيق سعادتهم، التي لا تتحقق إلا من خلال التزام دين الله تعالى، وهذه هي عبادة الله، التي خلق الله الخَلْقَ لأجلها. فعبادة الخالق لا ينتفع بها الخالق، وإنما ينتفع بها المخلوق، بل هي إنما شُرعت لتحقيق غايةِ النفع له.(10/272)
ومع أن الله تعالى قد أرسل الرسل بدينه، الذي هو هُداه ونوره للبشريّة، وأيّدهم بما يدل على صِدْقهم، إعذاراً إلى البشر وإقامةً للحجّة عليهم=إلا أن من الناس من أعرض عن هداية ربِّه، وعاند وأبى إلا اتّباع الشيطان، وأصرَّ إلا أن يُقيم دولةَ الباطل، وأن يعادي ويحارب أتباع دين الله تعالى، وأن يصرف الناس عن اتّباع الأنبياء والرسل ... إلى غير ذلك من أنواع الضلالات الكثيرة. فهل يُمكن أن يدع الله تعالى هؤلاء المعاندين لدينه، المقاتلين لأنبيائه وأوليائه، الظالمين لأنفسهم ولغيرهم، دون حساب وجزاء؟!!! { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [ القلم : 35-36]، وقال تعالى { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَوَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الجاثية:21-22].
لقد اقتضت حكمةُ الخالق وعدله سبحانه أن تكون هناك نهاية لهذه الحياة الدنيا ولهذا الوجود الأول، ليعقبه وجودٌ ثانٍ وحياةٌ أخرى، تكون داراً للحساب والجزاء ، ليُثاب المحسن الذي التزمَ دينَ الله تعالى بالإحسان، ويُعاقبَ المسيء الذي خالف دينَ الله تعالى بالإساءة.
وهذا يعني أنه لا بُدّ للدنيا من نهاية، وهذا مما لا يشك فيه عاقل. وما دامَ أنَّ هناك رسلاً وأدياناً أُرسلوا لأهل هذه الدنيا الفانية، فلابُدّ أن يكون منهم رسولٌ هو آخرَهم وسيكون الدين الذي بُعث به هو آخرَ الأديان قبل فناء الدنيا. وعليه فإن مبدأ وجودِ رسولٍ خاتمٍ ودينٍ أخير مبدأٌ يدلّ عليه العقل، و لا غرابة فيه. بل الأمر المستنكر المرفوض عقلاً تصوّرُ وجود رُسُلٍ وأديان بلا نهاية ، في عالمٍ فانٍ مُنْتهٍ!!!
ولقد كان اختيار الخالق سبحانه لخاتمِ رُسُله هو أن يكون محمداً صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون دينه الذي أُمر بتبليغه ( وهو الإسلام ) هو آخر الأديان : قال الله تعالى { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [ الأحزاب : 40] ، وقال صلى الله عليه وسلم ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي: كمثل رجلٍ بنى داراً فأتمَّها وأكملها، إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجّبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة (قال صلى الله عليه وسلم): فأنا موضع اللبنة، جئتُ فختمت الأنبياء)). وقال صلى الله عليه وسلم (( أُرسلتُ إلى الخلق كافّة ، وخُتِم بي النبيّون )).
ولذلك فإننا – نحن المسلمين– وإن كُنّا نؤمن أن جميع الأديان التي بُعث بها الرسل حَقٌّ من عند الله، وأنها تتفق في الأصول، كالدعوة إلى توحيد الله تعالى: بأنه سبحانه هو وحده الخالق المالك القادر على كل شيء، المدبِّرُ لهذا الكون، وأنه لا يحصل في الكون شيءٌ ( صَغُر أو كَبُر) إلا بعلمه و إذنه وأمره وحدَه سُبحانه. وأنه هو تعالى وحده المستحق للعبادة، فلا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له. وأنه عز وجل وحده صاحب الكمال المطلق في أسمائه وصفاته { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [ الشورى : 11].
ومن جملة الأصول التي تتفق عليها الأديان: الأمر بمحاسن الأخلاق، والنهي عن الفواحش، قال الله تعالى {قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء } [ الأعراف : 28]، وقال تعالى { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ النحل :90 ].
وهذا كُلّه هو أساس جميع الشرائع الإلهيّة، التي بُعث بها رُسل الله.
وإنّما تعدّد الرسل وتعدّدت الشرائع السابقة؛ لأن أتباع الأنبياء السابقين كُلّما مات فيهم رسول سُرعان ما تأتي أجيالٌ بعده تزيغُ عن شرعه، وتخالف الدين الذي بُعث به، وتحرّفُ كتاب الله الذي أُنزل عليه، حتى ربّما خالفت الأصل الذي بُعث به الأنبياء، وهو التوحيد ، فادّعوا لله تعالى الأبناء والأنداد والشركاء والشفعاء، وعبدوهم مع الله، أو عبدوهم من دون الله تعالى. فإذا فعل الأتباعُ ذلك أرسل اللهُ رسولاً ليعيدهم إلى شرعه، مجدِّداً ما خفي عليهم من معالم دينهم، ومصحِّحاً ما حرّفوه من كتاب ربِّهم. وهذا ما فعله موسى (عليه السلام) بعد يعقوب ويوسف (عليهما السلام)، وهذا ما فعله عيسى (عليه السلام) بعد موسى (عليه السلام)، وهذا مافعله (أخيراً) محمدٌ صلى الله عليه وسلم بعد موسى وعيسى وجميع أنبياءِ الله تعالى ورسله (عليهم وعلى نبيّنا أفضل الصلاة وأتم التسليم).(10/273)
ولذلك فإن الإيمان بالرسول السابق وبجميع الرسل السابقين لا يُغني شيئاً بعد إرسال رسولٍ جديد، ولابُدّ لمن أدرك الرسول الأخير أن يؤمن به وأن يدين بالدين الذي جاء به، ولن ينفعه شيئاً إيمانُه بمن سبقه من الرسل واتّباعُه الدين السابق؛ لأن كل شريعةٍ جديدة من الله تعالى إنمّا شرعها لتنسخ ما سبقها، ولأن تكذيب آخر رسول تكذيبٌ للدين الذين يلزم من أدركه الإيمان به واتّباع أحكامه. ولذلك فإن من لم يؤمن بموسى ممن أدركه من بني إسرائيل سيكونون كفاراً لا يستحقون النجاة من عقاب الله تعالى، ومن لم يؤمن بعيسى من اليهود سيكونون كفاراً لا يستحقون النجاة من عقاب الله تعالى، ومن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وجميع أمم الأرض سيكونون كفاراً لا يستحقون النجاة من عقاب الله تعالى.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم خاتمَ الأنبياء ودينُ الإسلام آخرَ الأديان لزم الثقلين أن يؤمنوا بهما، وأن يرضوا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، و بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبيّاً. ولذلك فقد أخذَ الله العهد على جميع أنبيائه ورسله أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لو أدركوه ، فكيف بأتباعهم؟! يقول الله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران : 81]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا حَظُّكم من الأنبياء وأنتم حظَّي من الأمم))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفس محمد بيده، لا يَسْمَعُ بي من هذه الأُمّه يهوديٌّ ولا نصرانيّ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به؛ إلا كان من أصحاب النار)). ولذلك (أيضاً) لن يقبل الله تعالى من الناس ديناً غير دين الإسلام بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما
قال تعالى { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. ولذلك (أخيراً) كان القرآن الكريم ناسخاً لجميع الكتب السابقة، حتى لو لم تُحرّف وتُبدَّل، كما قال تعالى { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [المائدة:48].
وهذا كُلُّه هو الذي أَلْزَمَنا بتوجيه هذا الخطاب إلى الثقلين، وأوجبَ علينا القيامَ بهذه الَمهَمّة العظمى والدعوة الكبرى والنداء الأشمل والبلاغ العامّ إلى الجنّة والناس أجمعين.
ولذلك أيضاً فإن مثل هذا الخطاب لا يحق لأحدٍ أن يوجِّهه إلى البشريَّة (كما ذكرنا في فاتحة هذا الخطاب)، إلا أمّة الإسلام، ممن آمنوا بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهُم وحدهم المبلّغون عن الله تعالى دينَه الذي أتمَّه وأكمله ورضيه للناس { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة : 30].
وسيجب القيام بمَهمة توجيه هذا الخطاب، وسيلزم القيام بدعوته الكبرى، وسَيُخْتَصُّ بذلك دون مَنْ سواه ممّن يخالفُه=كلّ من دخل في هذا الدين من جميع أمم الأرض، في أيّ زمان ومكان؛ لأنّ هذا الدين دين الله الخالق سبحانه، لا علاقة له بأيّ انتماءٍ بشريّ (كما تقدم).
وحقٌّ على البشر كلِّهم أن يسمعوا هذا الخطاب، وأن لا يُعرضوا عنه. بل يجب عليهم فَهْمُه بدقّة، والتمعُّنُ فيه، والبحثُ عمّا يتعلقُ به، وبَذْلُ غايِة الجهد وطويلْ ِ الأوقات في ذلك؛ حيث إِن القرار الذي سيتّخذه من بلغه هذا الخطاب بعد سماعه هو أعظم قرارٍ على الإطلاق، بل هو – في الفرق الشاسع بينه وبين جميع القرارات سواه– في الحقيقة ينفرد بكونه القرار الوحيد!!!
إنه القرار الذي سيحدّدُ به الإنسان مصيره، وسيرسم فيه خُطا مستقبله: إمّا سعادة الدنيا والآخرة، أو شقاوة الدنيا والآخرة!!!
وحقٌّ للبشر كلَّهم أن لا يسمحوا لأحدٍ، كائناً من كان، أن يمنعهم من سماع هذا الخطاب، أو أن يحول بينهم وبين فهمه ودراسته؛ لأنه بذلك يخونهم أعظم خيانة، ويرتكب في حقهم أقبح جُرْم، ويتعدى عليهم أشنع اعتداء=إذ إنه بذلك سيكون سبباً في اتخاذهم قراراً خاطئاً، في قرار هُمْ أحوج أن يصيبوا فيه من أي قرارٍ آخر!!!(10/274)
وحقٌ على البشر كُلِّهم، ممن بلغه هذا الخطاب، سواءً اتّخذَ أحدُهم فيه قراراً أو مازال في مجال اتّخاذ القرار=حقٌّ عليهم لأبناء جنسهم من البشر كُلِّهم أن لا يستأثروا بهذا الخطاب وحدهم، بل عليهم أن يُبلّغوه جميعَ البشر، وان يَسْعَوا في ذلك قَدْر وُسْعِهم؛ حيث إنّ لغيرهم من العقلاء حقَّ اتّخاذِ قراره بنفسه، وأن يحدّد مصيره بمحض إرادته، لا أن يكون تبعاً لغيره مُعيراً عَقْلَه وتفكيره للآخرين، خاصةً أنه قرار المستقبل والمصير، وأنه قرار القرارات كلها!!!
وإننا إذ ندعو إلى تدبُّر خطابنا هذا، ونحثُّ الناس جميعاً على التفكير العميق في مضامينه، وعلى البحث والقراءة والسؤال والدراسة الجادة الجاهدة بشأنه، من أجل الوصول إلى القرار الصحيح فيه=نكون قد أعلنّاها صريحةً واضحةً: بأن الحقّ المطلق هو ما تضمّنه هذا الخطاب، من الأمر باتباع دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربّه الواحد الأحد سبحانه؛ حيث إن الذي يأمر بالقراءة والبحث والدراسة لاتّخاذ قرارٍ عن اقتناع خاصّ وفي حُرّيةٍ كاملة، ويبلغ به التحدِّي لمن يخالفه هذا الحدَّ من التحدِّي، بل يصل به إلى تحدّي الثقلين جميعاً=لا يكون عاقلاً إلا وهو صاحب الحق المحض والصواب الخالص.
ولقد كان بإمكاننا أن نُجامل، وأن نتلطّف في العبارة، وأن نعرضَ خطابنا هذا على أنه خيارٌ من ضمن خيارات متعدّدة يحق للناس أن ينظروا فيها، ليتخيّروا منها ما شاؤوا. كان يمكننا أن نفعل ذلك، ونحن نعرف أن هذا هو الأليق، لكن في غير هذا الخطاب!! لأننا إنّما نبلّغُ دينَ الخالق سبحانه، وَفق أمر الله تعالى لنا بذلك. ولا نُبلِّغُ أفكارنا أو تصوُّراتنا التي ابتدعتها عقولنا أو حضارتنا، لكي يحق لنا حينها أن نعرضها بالأسلوب الذي نختاره أو الذي يختاره المخاطَبون.
لقد جاء هذا الخطاب قياماً ببعض الواجب علينا من ربَّنا في تبليغ دين الله تعالى، وقياماً ببعض حقّ رسولنا ورسول الثقلين كافّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي بلّغَ دينَ الله أحسن بلاغ وأتمَّه وأكمله، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، وقياماً بحقّ البشريّة علينا (كما سبق)، لكي تتحمل مسؤوليّة نَفْسها أمام خالقها، ولكي تختار لنفسها: إمّا رضى ربِّها وثوابَه أو غضَبَه وعقابَه، وسعادتَها الأبديّة أو شقاءها الأبدي.
ولذلك فقد كان لِزاماً علينا، قياماً بتلك الحقوق: لربّنا عز وجل، ثم لرسولنا صلى الله عليه وسلم، ثم للبشريّه جمعاء: أن نُعرّف البشريّة، بل الثقلين، بخاتم الأنبياء، الذي بُعث بآخر الأديان؛ حيث إنّ من آمن به رسولاً آمن بالدين الذي جاء به ديناً، ومن عاند وجحد رسالته كفر بالدين الذي جاء به من عند ربّه عز وجل، والذي لا يقبل الله تعالى من الثقلين ديناً سواه، والذي به يصلح شأنهم في الدارَين، ولن يصلح إلا به.
^
فمن هو خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم؟
هو عبدالله ورسوله: محمد بن عبدالله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، اختاره الله تعالى من أفضل بيوت العرب وأعزّها وأشرفها، لما يتميّزون به من كرم النسب (فهم رأس المنتسبين إلى الرسولين الكريمين إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام))، ولما عُرِفوا به من كريم الصفات في رجاحة العقول وحُسْن الأخلاق.
لقد وُلد محمد صلى الله عليه وسلم بمكّة، في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، في العام الذي أهلك اللهُ تعالى فيه جيشَ الحبشة الذي كان عازماً على هدم الكعبة المشرّفة، فأهلكه الله تعالى على مشارف مكّة، قبل أن يحقق ما خرج لأجله من أرض اليمن. وكان ذلك العام هو عام (570م).
لقد وُلد صلى الله عليه وسلم يتيماً، حيث إن أباه كان قد تُوفّي وهو حَمَلٌ فكفله جدّه عبد المطلب، الذي كان سيدّ العرب.
ثم إن أُمَّه آمنة بنت وهب توفِّيت أيضاً، وله من العمر ستّ سنين. وبعدها بقليل توفي جدّه أيضاً، ليكفله عمُّه أبو طالب، الذي كان عطوفاً على ابن أخيه شديدَ المحبّة له.
فنشأ في كنف عَمّه أبي طالب، ورعى الغنم صغيراً، ثم عمل لمّا شبَّ مع عمِّه في التجارة.
وكانت قد ظهرت له من حين مولده إلى حين بلوغه سنَّ الرجولة دلائلُ كثيرةٌ تدلّ على عناية ربّه عز وجل به، وعلى حياطته له وحِفْظه وتأديبه.
واشتُهر بين قبيلته (قريش) وغيرها بمكانةٍ سامية، وعرفوه بعظيم بركته، وجميل صفاته، ومحاسن أخلاقه: من الصدق، والأمانة، والعَدْل، وكمال الرجولة، وسداد الرأي، ورجاحة العقل.(10/275)
وقد حفظه الله تعالى قبل بعثته من أدناس الجاهليّة، ومن عبادة الأصنام، التي عبدها قومُه بعد تبديلهم ملّة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، اللذين كانا قد بلّغاها أجدادَ قومه صلى الله عليه وسلم، وهي ملّة (كباقي الملل الإلهيّة) قائمةٌ على توحيد الله تعالى. ولكن هذه الملّة التوحيديّة قد بُدّلت وغُيّرت، كما وقع للأديان الإلهية الأخرى جميعاً، مثل اليهوديّة والنصرانيّة، التي بُدّلت أيضاً، وحُرّفت كتب أنبيائها. فأظلمت الأرض لذلك بالشرك، وبأصناف الظلم والضلالات والفواحش.
وبعد أن أتمّ محمد صلى الله عليه وسلم أربعين عاماً (أي سنة610م)، ازدادَ تَهْيِيءُ ربِّه له لاستقبال وَحْيه إليه، ولتحمُّل أعباء الرسالةِ العُظْمى الرسالة الخاتمة. ومن ذلك أنه كان قد حُبّبَ إليه الانعزال في إحدى المغارات البعيدة عن بيوت مكّة، وهو غار حراء، ليتعبّدَ فيه خالقه الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
وفي إحدى الليالي من شهر رمضان من السنة المذكورة، وبينما كان يتعبّد كعادته في غار حراء ، فاجأه المَلَك جبريل (عليه السلام) بالنبوّة من الله عز وجل، كما نُبّئ غَيرُهُ من الرسل قَبْلَه. ولَقّنه جبريل (عليه السلام) حينها بضع آيات من كلام الله تعالى، فكانت أوّل ما يطرق سَمْعَه وسَمْع الدنيا من كلام الله تعالى، المسمى بالقرآن الكريم.
لقد كانت هذه الكلمات التي هي أول كلمات تتصل من السماء بالأرض، بعد رَفْع عيسى (عليه السلام)، وهي قوله تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق :1-5].
وبذلك يُعلن هذا الدين من ساعة مولده ، ومن أُولى لحظات وجوده: أنه دينُ العلم والثقافة والحضارة؛ حيث كانت أُولى كلماته (اقرأ)، وكان في أُولى آياته ذِكْرُ (القلم)، الذي هو أداة الكتابة. والقراءة والكتابة هما وسيلتا التعلّم والتعليم والبحث والاكتشاف والحضارة والتقدّم.
لقد أفزع هذا الحادثُ الجلَلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، حتى طَمْأَنتْهُ زوجُه خديجةُ لمّا رجع إليها، لِمَا عرفته عنه من كريم الصفات وشريف السجايا، التي لا يُمكن معها أن لا يحوطه خالقُه عز وجل بالحفظ والعناية. ثم طَمْأنه أيضاً ورقةُ بن نوفل، وهو رجل من قومه، كان على علمٍ بالأديان الإلهية السابقة، وما فيها من البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الوحي استمرّ في النزول عليه بآيات أخرى من القرآن الكريم، وأُمر فيها بتبليغ دين الله تعالى، وأن يصبر على أذى الناس في سبيل ذلك. فَأْتمر لأمر ربِّه، وابتدأ بالدعوة سِرّاً. فكان أسرعُ الناس إيماناً به أعرفَهم به، لما علموه فيه من الصدقّ والأمانة ورجاحة العقل وعظيم البركة. وكان من هؤلاء المؤمنين الأوائل: زوجه خديجة بنت خويلد، وصديقه أبو بكر، وابن عمِّه علي بن أبي طالب.
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - صدع بالدعوة، وأعلنها صريحةً على رؤوس الأشهاد. وأخذ يذهب إلى مجالس الناس ونواديهم ومجامعهم وأسواقهم، يدعوهم إلى دين الله تعالى، ويقرأ عليهم كلامه سبحانه (القرآن الكريم)، آمراً لهم بما في القرآن الكريم، من الإيمان بالله إلهاً وحدًا لا شريك له، وإفراده عز وجل بالعبادة، مُبيّناً لهم فساد الشرك الذي هم فيه، وبطلانَ عقائد مَنِ ادّعى مع الله أنداداً كالأبناء والشُّفعاء المعبودين مع الله ظلماً وضلالاً. كما كان يأمرهم بمحاسن الأخلاق جميعها، وينهاهم عن مساوئ الأخلاق جميعها.
فكان يأمرهم: بالصدق، والإحسان، والعدل، والرحمة، والعفو عن الإساءة، والأمانة، والوفاء بالوعد، والعِفّة، والحياء، والكرم، والإيثار، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، ونُصْرة المظلوم، وإعانة الضعفاء، والتصدّق على الفقراء والمحتاجين .. وغير ذلك من محاسن الأخلاق والأعمال، وكان ينهاهم عن أضدادها من مساوئ الأخلاق والأعمال.
ومع أن المصدّقين له صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به كانوا يزدادون يوماً بعد يوم، إلا أن المعاندين المستكبرين كانوا أيضاً يزدادون عناداً واستكباراً وإصراراً على كفرهم وضلالهم. ولم يكتفوا بذلك، بل قاموا بمعارضة دعوته صلى الله عليه وسلم، أشدَّ المعارضة، وحاربوها بكل ما أُوتوه من قوّة ومكر وخُبْث.(10/276)
ولمّا رأى أولئك المعاندون أن أتباعه يزدادون، ولما خشوا من إقبال الناس على الدين الذي جاءهم به من خالقهم=أخذوا في صدِّ الناس عن هذا الدين بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وبوَصْفه بأنه كذاب، أو ساحر، أو كاهن، أو شاعر. وأخذوا في إيقاع أشدّ أنواع الأذى بمن آمن به، فتفنّنوا في تعذيبهم بصنوف التعذيب المختلفة، وبالقتل. وبالغوا في القتل والتعذيب، حتّى اضُّطر بعضُ المسلمين، وبإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يُهاجروا من بلدهم ووطنهم، بل أن يتركوا بلاد العرب كلّها إلى الحبشة، فراراً بدينهم، الذي أوذوا من أجله أشدّ الإيذاء.
بل بلغ من إيذاء المشركين أن فرضوا حصاراً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه ومن يناصره من قراباته، لقد كان حصاراً اقتصاديّاً واجتماعيّاً، بألا يُشترى منهم شيء ولا يُباعوا شيئاً، وأن لا يُتزوَّجَ منهم ولا يُزَوَّجوا، وأن يُحْصَروا في أحد شعاب مكّة. ودام هذا الحصار ثلاث سنوات، أُوذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إيذاءً شديداً، حتى أكلوا أوراق الشجر والعظام البالية من شدّة الجوع.
ومع هذا الإيذاء الشديد من كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومع إيذائهم له أيضاً بالسبّ والافتراء عليه، والسخرية منه والاستهزاء به=فقد كان أشدّ أنواع الأذى وَقْعاً على نَفْسه، وأعظمها تأثيراً عليه، هو إصرارُ هؤلاء المعاندين على ضلالهم، مع ما يسمعونه من كلام الله تعالى المعجز ، ومع مايرونه من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم. حتى وَصَفَ الله تعالى حاله في ذلك، بأنه يكاد يُهلك نفسه حرصاً على إيمانهم ونجاتهم من عذاب الله تعالى، فقال تعالى {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6]، وقال تعالى {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِين} [الشعراء :3]. وبيّنَ له ربُّه عز وجل أن عدم إيمانهم به لم يكن لتقصيره صلى الله عليه وسلم في البلاغ، ولم يكن لنقصٍ في أدلّة نبوّته ؛ ولذلك فإن عدم إيمانهم لم يكن لأنهم يعتقدون كذبه حقيقة ، بل هم يعرفون صدقه ، ولكن العناد والاستكبار هو الذي يدعوهم إلى كل هذا الإصرار على الباطل. ثم يُذكّره ربُّه بأن هذه هي سُنَّة الله تعالى في الكون، وهي سنة الصراع بين الحق والباطل، وأن جميع الأنبياء والرسل قد قُوبلوا بمثل هذا التكذيب والإيذاء. فقال تعالى { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:33-34].
وقد حاول قومُه شتّى الأساليب أن يثنوه عن دعوته، بالأذى (كما سبق)، وبالإغراء بالمال والرياسة والنساء وغيرها من ملذّات الدنيا، وبالجدل والمغالطات الكلامية، وبالمطالبة بالمعجزات والخوارق، والتي وقع بعضها كما طلبوه، لكنهم صاروا يطالبونه بالمزيد منها على وَجْه السخرية، كما أخبر الله عنهم في قوله تعالى { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً[الإسراء:90-93]، فما زاده صلى الله عليه وسلم ذلك كله إلا صبراً على دعوته، وإصراراً على تمام تبليغها. مع رحمة هؤلاء الضُّلاّل، والعفو عن إساءتهم، رجاء أن يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، ولو بعد حين. مع أن الله سبحانه قد خيّره غير ما مَرّة أن يُنزل عليهم عذابه، فكان صلى الله عليه وسلم يختار إمهالهم رأفةً بهم وحرصاً على نجاتهم.(10/277)
وفي أثناء الحصار الذي ضربه المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، ماتت زوجُه خديجة وعمُّه أبو طالب، وكانا من أكثر الناس مناصرةً للنبي صلى الله عليه وسلم، فزوجه خديجة كانت أول من آمن به، وتعينُه برأيها السديد ومالها، وعمُّه كان يدافع عنه بجاهه ومكانته في قريش حميّةً لابن أخيه. فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم لموتهما، واشتدّ إيذاء المشركين له. فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على قبائل العرب التي تَرِدُ إلى مكة داعياً لهم إلى دين الله تعالى، عسى أن يجد فيهم من يؤازره منهم في الدعوة إلى الله وتبليغ شرعه. فلم يجد عند عامّة القبائل إلا الإعراض، بسبب الدعاية القويّة ضِدَّه التي كان قومُه من كفار مكّة يُذيعونها بين الناس والغرباء الواردين إلى مكة قبل لقائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومكث النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك أكثر من عشر سنين، لايجد في قبائل العرب من يناصره، حتى التقى في موسم للحج بوفد من الأوس والخزرج، وهما قبيلتان عربيتان من سكان المدينة النبويّة التي تبعد عن مكّة أكثر من أربع مئة كيلٍ شمالاً. فعرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلامَ عليهم، فأسلموا، وبايعوه على الدين الذي جاء به من الخالق سبحانه. وعادوا بعد موسم الحج إلى بلدهم المدينة، وبدؤوا هم أنفسهم بالدعوة إلى الدين الجديد الذي آمنوا به، فتابعهم بعضُ أهاليهم. ثم لمّا كان العام القابل، وجاء موسم الحج، التقى عددٌ آخر وأكبر من العدد الأول من الأوس والخزرج بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الإسلام، فآمنوا به، وبايعوه على المناصرة له وأن يمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم.
ثم إنه أُذن للنبيّ صلى الله عليه وسلم من ربِّه عز وجل أن يأمر أصحابه بمكة، الذين بلغ بهم الإيذاء أشدّ ما يمكن أن يبلغه، في أن يُهاجروا إلى المدينة؛ فراراً بدينهم، ونشراً لتعاليم الإسلام بين من أسلم من أهلها في اللقائين السابقين بالنبي صلى الله عليه وسلم، ودعوةً إلى الإسلام بين من لم يُسلم منهم.
وهذه هي الهجرة الثالثة للمستضعفين من المسلمين بمكّة، حيث سبقتها هجرتان إلى الحبشة، وهذه كانت بعد هاتين الهجرتين، وكانت إلى المدينة لا إلى الحبشة.
لقد خرج المسلمون من مكّة، وهي وطنهم وأحبّ بقاع الأرض إليهم، تاركين وراءهم فيها بيوتهم وأموالهم وأهاليهم من الآباء والأمهات والأبناء والزوجات، تقديماً لإقامة دين الله تعالى على الأرض وزهداً في كل ما سواه من أمور الدنيا ومتاعها وملذّاتها. وقد وقع لهم في سبيل ذلك أسمى ما يُقَصُّ وأجلّ ما يُذكر عن استرخاص الدنيا كلّها؛ مقابل رضى ربهم ورجاء بلوغ جنته والنجاة من عذابه في الآخرة.
لقد هاجروا إلى المدينة مستخفين عن كفار مكّة، آحاداً وجماعات، حيث إن كفار مكّة كانوا يمنعونهم من ذلك أشدّ المنع، لما يعلمونه من أن ذلك سيكون بداية إنشاء دولة الحق في المدينة.
وبعد أن هاجر أكثر المسلمين من مكّة إلى المدينة، أُذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يهاجر هو أيضاً إليها، وذلك بعد أن كان قد أقام بمكّة بعد بعثْته ثلاثة عشر عاماً، يدعو الناس فيها إلى دين الله تعالى وتوحيده بالعبادة ومحاسن الأخلاق والأعمال.
وقد كان المشركون يخشون من هجرته، وقد حاولوا مَنْعَه منها بكل ما يستطيعون من المكر وتدبير المكايد ومحاولة القتل والسجن. لكنّ الله مكّنه من الخروج من مكّة، مصطحباً معه أحبّ أصحابه إليه: وهو أبو بكر الصِّدّيق رضي الله عنه. فخرج صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه مستخفيَيْن من مكة، قاصدين المدينة، في حادثة تاريخية جليلة، مليئة بالعظات، ثريّةٍ بالمواقف الإيمانية التي تلين لها القلوب وتذرف منها العيون.
وقد واصل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبُه أبو بكر طريقهما إلى المدينة، حتى بلغا مشارف بيوتها، وفي منطقة عند مدخلها يُقال لها قُباء، خرج له المسلمون: من المهاجرين، ومن الأوس والخزرج (الذين لُقِّبوا بالأنصار)، فقد كانوا سمعوا بخروجه من مكّة، وكانوا يترقّبون وصوله في غاية الشوق إلى لقائه صلى الله عليه وسلم؛ فاحتفى به المسلمون من المهاجرين والأنصار أشدّ احتفاء، وفرحوا بَمقْدَمِه أعظم الفرح، وكان يوماً مشهوداً جليلاً، لا للمسلمين فَحَسْب، ولا للبشريّة كلّها وحدها، بل للحقّ وأهله من أهل السموات والأرض على مَرّ التاريخ، وإلى نهاية التاريخ في الدنيا، وإلى ما بعد ذلك في الحياة الأبديّة في الآخرة. ولذلك اتّخذ المسلمون هذا الحدث تاريخاً لهم ، وهو حَدَثُ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة.
وقد كان وُصُوله صلى الله عليه وسلم إلى قُباء يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، في وقت الضُّحى، حين اشتدت الشمس وكادت تعتدل في كبد السماء. وهو يوافق يوم عشرين سبتمبر من سنة (622م).(10/278)
ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في قُباء (على مشارف بيوت المدينة) أربع عشرة ليلة، أسَّسَ فيها أول مسجدٍ على وجه الأرض يُبْنَى في الإسلام.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة، ليبني فيها مسجدها وبيته بجواره. آمراً أصحابه ألا يتأنقوا في بناء المسجد والبيت، بل أن يكون عريشاً كعريش موسى (عليه السلام). وقد كان صلى الله عليه وسلم يبني المسجد والبيت معهم بنفسه، وينقل لَبِناتِه ويضعها معهم بنفسه .
لقد تأسست دولة الإسلام (وهي دولة الحق) فعلاً في المدينة، وصُدِحَ بالأذانِ لأول مرة في التاريخ من مسجدها بعد بنائه؛ ليكون هذا الأذان إعلاناً لقيام دولة الدين الذي رضيه الله تعالى للعالمين، وجُعل الأذانُ لذلك مرتبطاً بأعظم شعائر هذا الدين بعد الشهادتين (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ألا وهي الصلاة التي هي ثاني أركان دين الإسلام الخمسة، والتي هي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً.
وما إن استقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وبدأ يدعو الناس إلى دين الله عز وجل، حتى أسلم عامة أهل المدينة، إلا فئتين منهم، وهما: المنافقون، والمستكبرون الحاسدون من أهل الكتاب (كاليهود).
أمّا المنافقون، وهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، والذين إنمّا ظهروا لمّا أصبح للإسلام وأَهله شىءٌ من القوّة والمنعة : فقد كانوا (وما زالوا) من خلال تَخَفِّيهم الدنيءِ هذا في صفوف المسلمين، لا يألون جهداً في محاربة المسلمين بكل الوسائل، وهُمْ وإن كانوا قِلّةً من جهة العَدَد، لكن سُوءَ أثرهم على الأمة الإسلامية كان (وما زال) عظيماً؛ لأنهم كالداء الذي يَنْخُرُ في جسد الأُمّة من داخلها، ولأنهم جواسيسُ لأعدائها الخارجيين.
وأمّا اليهود الذين كان يقطن المدينه بعضٌ من قبائلهم، والذين عرفوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم من حين أن رَأَوْهُ، ولم يشكُّوا أنه هو الرسول الخاتم الذي بشَّرَ به الأنبياءُ من قبل ووُصف في كُتُب الله السابقة=فقد عاند أكثرهم، وحسدوا بني إسماعيل عليه السلام من العرب أن يكون خاتم الرسل منهم؛ فهم عند أنفسهم شعبُ الله المختار، وخير أمم الأرض قاطبة، وكل الناس عبيدٌ لهم !! وهُمْ بذلك متغافلون عمّا جاء في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم واسمه ونسبه، ومتغافلون أن هذا الاختيار حقٌ للخالق لا لهم، ومتغافلون أن اختيار الله تعالى للنبي الخاتم من أيّ جنس كان لا يُبيحُ لهم إلا الإيمان به واتّباع الدين الذي أُمر بتبليغه للناس كافّة، ومتغافلون (أخيراً) أنه لا علاقة بين جنس هذا الرسول الخاتم ورسالته العالميّة التي لا تُفرق بين أجناس الناس وبلدانهم وألوانهم ولغاتهم في شيءٍ من تعاليمها من أوامر الله تعالى ونواهيه وعبادته. لقد تغافلوا عن هذه الحقائق كلّها، بعد أن أعماهم الحقد والحسد، لما تَشَرَّبَتْهُ قلوبُهم من العنصريّة والتعالي على البشر جميعهم، فأصّروا على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربة دينه وأتباع الملّةِ التي بُعِث بها أشدَّ المعاداة والمحاربة؛ إلا العدد القليل منهم، ممن فتحوا أعينهم وقلوبهم لتلك الحقائق، وأنصفوا من أنفسهم، وأرادوا لها الخير في الدنيا والآخرة.
وهذا يعني أن إنشاءَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لنواة الدولة الإسلامية بالمدينة لم يُخفَّف شيئاً من عِبْءِِ دعوته صلى الله عليه وسلم، ولاهَوّنَ من عناء تبليغ دين الله تعالى الذي كان يعانيه بمكة. بل ما زال أعداؤه الأولون من مشركي مكة يحتالون بكل ما يستطيعون من مكرٍ وقوّة أن يُوقعوا به وبأتباعه وأن يُطفئوا نور الله الذي جاء به، ويُناصرهم في ذلك أعداؤه الجُدُد من المنافقين والحاسدين المعاندين من أهل الكتاب. وفي المقابل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال حريصاً على هداية هؤلاء جميعاً وعلى نجاتهم من سخط الله تعالى وعذابه، سالكاً في سبيل تحقيق ذلك كُلّ ما يستطيعه من جُهْد ووقت، ومن رفقٍ ورحمة وحكمة، ومن علم واحتجاج ممّا علّمه ربُّه عز وجل وبيَّن له من الحجج والبراهين، مُؤيَّداً مع ذلك كلّه بالمعجزات والخوارق التي يراها ويسمعها الجميعُ مؤمنُهم وكافرُهم.(10/279)
وأمامَ تكالُب الأعداء وشراسة حربهم ضدَّ الإسلام ونبَّيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبعد أن شعر أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار بأنّهم أصبحوا صفاً واحداً في مواجهة أعدائهم، بعد أن كانوا قبل الهجرة متفّرقين ليس لهم أيّ قوّة=تَمَنَّوْا أن لو أََذِنَ الله تعالى لهم بالدفاع عن دينهم وعن دولته الناشئة ولو بالقوة والقتال، حيث لم يكن مأذونا لهم بذلك في مكة ، ولمدة ثلاثة عشر عاماً فيها. فلقد علم المسلمون حينها من خلال السنوات التي مرت عليهم بمكة، ومن خلال الواقع الحالي لهم في المدينة، ومن خلال تاريخ الصراع الأزلي بين الحق وأتباعه والباطل وأتباعهً=أنه لابد من حصول مواجهة ومواجهات قوية وصارمة بينهم وبين أعداء دين الله تعالى وأتباع دينه. إنها سنةٌ كونيةٌ يكرّرُ التاريخُ فيها نَفْسَه في كل عصر وأوان: فأتباع الباطل لن يكفُّوا عن محاولة طمس ضوءِ الحق واستئصال أنصاره، كما أن على أنصار الحق أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يُبلّغوا الحق للناس، ممن لا يحول بينهم وبين الإيمان بالحقّ ومناصرته إلا أنهم لم يعرفوه ، فهم ليسوا كالمعاندين المستكبرين الذين يعرفون الحق ويصرون على الباطل. أما الحقَّ نَفْسُه فهو منتصرٌ منتصر؛ لأنه دين الإله الحق سبحانه وتعالى{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:18]، ويقول تعالى{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف:8-9].
ولقد كان المسلمون بعد إحساسهم بقوتهم، المستمدة من إيمانهم الصادق اليقينيّ أنهم هم وحدهم أنصار الحق، وأن الله تعالى مؤيدهم، وسيجعل العاقبة لهم ولو بعد حين. وبعد أن رأوا وِحْدَةَ صفِّهم، وما بينهم من الأُلْفَةِ والأخوّة الإيمانيّة القويّة والرحمة والتعاون على الخير والإيثار=يَتَشَوّقُون لذلك اللقاء الحاسم بينهم وبين أعداء دين الله تعالى. مع أنهم لا يشكُّونَ أدنى شك أنهم من جهة الموازين المادّيّة أضعف من عدوهم، وأقل عَدَدَاً وعُدَدَاً بما لا يمكن أن يوازن بينهما؛ فهم كسفينة في خضم محيط هائج مائج من الأعداء في كل بقاع الأرض. لكن إيمانهم ويقينهم ورغبتهم في رضا ربهم ونوال ثوابه جعلهم مستعدين لتقديم أعظم التضحيات، راغبين في أن ينجحوا في اختبار إيمانهم وثباتهم عليه ولو بإراقة دمائهم وبَذْل أموالهم ودنياهم كُلِّها.
ومع أن هذه المواجهة الحاسمة بقيت غير مأذون بها بمكة لمدة ثلاثة عشر عاماً، إلا أن الله تعالى بحكمته البالغة وعلمه بكل شيء وعدله الكامل سبحانه وتعالى قد أذن بها بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وقد جاء هذا الإذن في كتاب الله تعالى بأسلوب رائع معجز يأخذ بمجامع القلوب، في بضع آيات، تتضمّنُ بيانَ عدالةِ الإذن بالقتال، وأنه بسبب الظُّلم الذي وقع ويقع على أنصار دينه سبحانه، ومع أنه لم يقع من أنصار دينه عز وجل شيءٌ يقتضي مواجهتهم بالقوّة، إلا أنهم كانوا يقولون بأفواهم: "ربُّنا الله"، ولم يقاتلوا ولم يحاولوا ذلك، مع أنهم أولى بذلك وأحق؛ لأنّهم أهل الحق. وبذلك يظهر عِظَمُ ظُلْمِ أعداءِ دين الله تعالى، ومقدارُ شراسةِ حربهم ضدّ الإسلام وأتباعه، وعدالة تشريع القتال والإذن به لمواجهتهم. ثم يذكر الله تعالى أن هذه سنّةٌ كونيّة، وهي سُنّة المدافعة بين الحق والباطل، وأن الإذن بالقتال وتشريعه ليس خاصاً بدين الإسلام، فقد كان مأذونا به لموسى ويوشع بن نون وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، وهذا مما نؤمن به نحن المسلمين ، ويؤمن به أيضاً اليهود والنصارى (لأنه موجود في التوراة وأسفار الأنبياء التي بين أيديهم اليوم). وبَيّنَ عز وجل أن القتال لو لم يشرع لأنصار دينه من أهل الحق، لطمس الباطلُ الحقَّ، ولما أبقى أتباعُ الباطل من معالم دين الله من الكنائس والمعابد والمساجد شيئاً؛ فهم لو تركناهم ما تركونا!! و ما فترةُ عدم الإذن بالقتال عن المسلمين ببعيد، بما فيها من القتل والتعذيب!!! ثُمّ بيّنَ الله عز وجل الغرض من الإذن بالقتال للمؤمنين، وأنّه ليس لأي غرض دنيويّ ، بل هو لغرض ٍ واحد فقط، وهو إقامة دين الله على أرض الله وبين عباد الله عز وجل. ثم ختم الله تعالى الحديث عن هذا الموضوع ببيان أن مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكذيب ومناصبته العداء ليس أمراً خاصاً به، بل هي عادةُ المعاندين المستكبرين من أقوام الأنبياء السابقين، وأن العاقبة كانت في كل مَرّة لأهل الحق، بعد إمهال أهل الباطل فترةً من الزمن ؛ لتقوم الحجة الكاملة عليهم، واستدراجاً لهم.(10/280)
يقول تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [الحج: 39-44].
هذه هي الظروف والأحوال التي شُرع فيها الجهاد في سبيل الله تعالى، وهذه هي آية الإذن به. ومن هذين الأمرين يتضح غرض الجهاد وهدفُه غاية الوضوح ، وهو ما كان واضحاً عند المسلمين أيضاً غاية الوضوح. فهو إنما شُرع لمقاومة الباطل وَدفْع صولته على الحق، ولنشر الحق بين من لم يكن يحول بينه وبين اتّباعه إلا عدم رؤيته.
إذن فللجهاد سببان، لا ثالث لهما:
الأول: الدفاع عن الحقوق الشخصية: كالدين، والعرض، والنفس، والمال، والوطن. وهذا حقٌ لا خلاف في عدالة مشروعيتّه، إلا عند من أراد استعباد غيره من البشر وأن يسلبهم حُرّيتهم!
الثاني: لإيصال صَوْت الحق إلى الآذان التي لم تطرقها إلاّ أبواقُ الباطل وضجيجُه، ولعَرْض دين الله تعالى على القلوب التي مُنِعت من أن لا تعرف إلا ظلامَ الكفر وظُلم الشرك. فدولة الباطل وسدنته وطواغيتُه، وعلى رأسهم الشيطان (عدوّ البشريّة الأول، الذي أخرج أبويهم من الجنّة)، وهم الذين امتنعوا عن الخضوع لدين خالقهم، مع علمهم بأنه دين خالقهم، استكباراً وعناداً للخالق سبحانه وتعالى=لن يروق لهم أن تنتصر دولة الحق، وأن ينتشر دين الله تعالى بين الناس. وهم يعلمون أنهم على الباطل، وأن ظلام باطلهم لا يَقْوَى أمام ضياءِ الحق، وأن كثيراً من أتباع الباطل لو جاءهم بصيصُ ذلك الضياء لا نقادوا إليه. ولذلك فمن الطبيعي أن يحرص أعوان الباطل وطواغيته أن يسدوا الآذان ويحجبوا الأعين لأولئك الأتباع، وأن يبنوا الأسوار ويسدلوا الستور بينهم وبين الحق؛ لكي لا يفقدوا أولئك الأتباع، الذين لو تُركوا لسماع صوت الحق لانقادوا لحُجَجِه الآسرة للقلوب، ولأقبلوا عليه إقبال الظامئ إلى الماء الزلال. فلا مناص حينها للحق من أن يواجه دول الباطل بالقوة، وأن لا يقف مكتوف اليد أمام تلك الحجب التي ضربها الباطل على أعين وآذان وقلوب أتباعه، ممّن لو تبدَّى له حاجبُ شمس الحقّ لاَ نْقَشَعَ أمامَه ظلامُ الباطل وانزاحت سدوله مِن على قلبه. فعلى أنصار الحق وعلى أتباع دين الله تعالى: أن يكسروا أسوار الباطل، وأن يهتكوا ستور أعوانه، بأن يحاربوا دولته التي رفعت تلك الأسوار وأرخت تلك الستور بين الحق والظامئين له الراغبين فيه.
إذن فالفتوح الإسلامية لم تكن قطُّ لإجبار الناس على تغيير أديانهم بالقوة، ولم يعتقد المسلمون أنه يحقُّ لهم ذلك شرعاً في يوم من الأيام، كما أنه لا يصحّ لهم أن يعتقدوا أنه يحق لهم شرعاً أن يتركوا دول الكفر تمنعُ الناس وتصدّهم عن دين الله تعالى.
إن دين الإسلام الذي هو دين الخالق لم يُبح للمسلمين أن يجبروا الناس على تغيير أديانهم بالقوة، لا لأن تلك الأديان ليست باطلة، بل هي باطلةٌ كلّها إلا دين الإسلام ؛ ولكن لأن الخالق سبحانه (وهو الذي فطر البشر على ما هم عليه من الفطرة) يعلم أن الإنسان لا يمكن أن يغير معتقداته بالقوّة والإجبار، وأن العقائد لا تتبدّل بالترغيب والترهيب وحدهما، وإنما تتبدّل بالقناعة الناتجة عن الاختيار الحُرّ، ثم القناعة قد تكون قناعةً صحيحةً: إذا كانت ناتجةً عن دليل صحيح وبرهان حقيقي، وقد تكون قناعة غير صحيحة: إذا لم تكن ناتجة عن ذلك.
إذن فالفتوح الإسلامية إنما كانت حرباً لدول الكفر التي منعت شعوبها من سماع دعوة الحق، والتي صدت مواطنيها عن دين خالقها الذي لا سعادة لها ولا راحة ولا اطمئنان بغير الإيمان به وتطبيق أحكامه. ليكون الغرض من الجهاد حينها تمكين دولة الحق من عرض دين الله العرض الصحيح الكامل، لا العرض المشوه الناقص (كما يحصل قديماً وحديثاً من الباطل ودُوَلة وأنصاره)، وليُتَْركَ للناس بعد ذلك اختيارُ الطريق الذي يريدون، دون تدخل أحدٍ - بأي نوع من أنواع التدخُّل - في سبيل اتخاذهم قرارهم بكل وضوح وحُرّية، وليكون عليهم بعد ذلك أن يتحملوا نتيجة قرارهم { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42].(10/281)
وهذا هو معنى قوله تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال:39]؛ حيث إن القاعدة الراسخة في دين الإسلام، وهي عدم الإكراه في الدين، قد جاءت في كتاب الله واضحةً ناصعة { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وهذه القاعدة جاءت مشفوعة بما يُشْبه تَعْليلها وبيان سبب تقعيدها، حيث قال الله تعالى فيها { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَاخَالِدُونَ [البقرة:256- 257]، فعدم الإكراه في الدين كان لأنّه قد تّبينَ واتضح سبيل الرشاد من سبيل الغواية. وهذا كما أنه صريحٌ في وجوب ترك الناس أحراراً في اختيارهم للدين الذي كانوا عليه أو للدين الحق، فهو صريحٌ أيضاً في وجوب تحقيق أسباب هذا الاختيار الحُرّ، وهو أن يكون الرشد قد تبين وامتازَ عن الغيّ، وأمّا إذا لم يتبين الرشد من الغيّ: فكيف سيمكن أن يتحقق الاختيار الحر؟! بل كيف سيتحقق الاختيار أصلاً إذا لم يكن لديّ إلا خيارٌ واحد، بل سبيلٌ واحدٌ فقط، هو الغيّ وحده (أو الغيّ المختلط بالرشاد، أو الرشاد المشوّه الناقص، اللذان هما غيٌّ أيضاً)؟!! إنني في هذه الحالة، حالة عدم تبيّن الرشد من الغيّ، سأكون أبعد ما أكون عن الاختيار، بل أنا حينها مُكْرهٌ، شعرتُ أو لم أشعر!!!
ولذلك فقد جاءت الفتوح الإسلاميّة تحقيقاً للاختيار الحُرّ، بتبيين الرشد من الغي، وهو الاختيار الذي منعت دولُ الباطل شعوبَها من الوصول إليه أو أن يصل إليهم، بحصرهم ضمن اختيارٍ واحدٍ فقط، هو الغي!!!
إن الجهاد في سبيل الله، كاسمه: جهاد في سبيل الله، فهو مشروع لإقامة دين الله تعالى. وليس مشروعا استعباداً للبشر، ولا طمعاً في المكاسب المادية من الاستئثار بالثروات واغتصاب الأملاك وسَلْب الأموال، ولا ليكون سُلّماً لتحقيق المطامع المعنويّة من بَسْط النفوذ وفرْض السيطرة واستعراض القوّة. وقد كان هذا واضحاً غاية الوضوح عند المسلمين، حتى قالها أصغر جندي مسلم لأعظم قائد فارسي في زمن الفتوح الإسلامية: " جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة".
فلهذا الغرض الشريف والغاية السامية فُرض الجهاد في سبيل الله تعالى بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وبعد سنة ونصف تقريباً من وصوله صلى الله عليه وسلم وقع أوّل لقاءٍ بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر. لقد دارت رحى أوّل معركة إسلاميّة على أرض بَدْر، وهي موضع يبعد عن المدينة (155 كيلاً) جنوباً، وذلك في 17 رمضان في السنة الثانية من الهجرة، الموافق: فبراير من سنة 624م.
لقد كانت موقعة بَدْر مثالاً رائعاً للصِّدام المادِّي الحِسِّي الصريح بين الحق والباطل، ليجسِّدَ الصِّدامَ المعنويَّ الأبديَّ بينهما أوضح تجسيد، جاعلاً له بهذا التجسيد صراعاً مُشاهَداً ماثلاً للعيان، لا مجرّدَ صراع فكريّ أو حضاريّ، لِيَعْظُمَ اليقينُ بذلك على أن مثل هذه المواجهة لابُدّ أن تكون. إن هذه المواجهة حقيقيةٌ، ولو تأخَّرت أحياناً، لكنّها محتومة، لها أسبابها وأبعادها المعلومة، ونتيجتُها محسومة { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم:47].
وكان سبب هذه الغزوة أن كفار قريش الذين كانوا قد استلذّوا إيذاءَ المسلمين وتعذيبَهم وقَتْلَهم بمكّة، ولم يزدادوا مع امتداد الوقت إلا استمراءً لهذه اللذّة، مغترِّين بقوتهم وبعدم قتال المسلمين لهم ودفاعِهم عن أنفسهم=قد أسكرهم الغرور، حتى نَسُوا أن الهجرةَ قد وَحّدت صَفَّ المسلمين، وأن موقع المدينة في شمال مكّة يقع على مقربة من قوافلهم التجارية المتّجهة إلى بلاد الشام، وأن التعرُّضَ لها من قِبَل المسلمين أصبح أمراً مقدوراً لهم، وأنه هَدَفٌ قريبٌ وسهلٌ وعادلٌ لهم، بل هو - في الحقيقة - ردٌّ على شيءٍ قليل من الأذى والتعذيب والقتل الذي كانوا ( وما زال المستضعفون منهم بمكة ممن لم يهاجر) يُلاقونه منهم، واستردادٌ لشيءٍ من حقوقهم في بيوتهم وأموالهم وأملاكهم التي استولى عليها المشركون بعد هجرتهم.(10/282)
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ مواجهته الصريحة التي أُذن له بها بمواجهةٍ اقتصاديّة، وحَرْبٍ ماليّة، بَمْنع كُفّار مكة من أحد طرق قوافلها التجاريّة، عسى أن يكون ذلك سبباً لاستفاقة كفار مكة من سكرة غرورهم، وأن يعلموا أن الحقّ قد قامت له دولة، وهي وإن كانت في بداية نشأتها، لكنها قادرةٌ على أن تأخذ بعض حقّها. إذ لعل هذا ، لو تفطن له المشركون، يكون سبباً لأن يفيئوا إلى الحق، أو أن يكفوا بعض غلوائهم في إيذاء المسلمين وتدبير المكايد ضدّهم.
ولذلك لمّا بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرورُ قافلة تجارية لقريش، عائدة من الشام، على مقربة من المدينة، أمر أصحابه بالخروج لها. لكن القافلة استطاعت أن تُفْلت من أيدي المسلمين، حيث كان قد بلغ قائدها ما كان ينويه المسلمون، فغيّرَ مسارها، وتَخَفَّى بذلك، حتى ابتعد عن المسلمين ونجا بقافلته.
أمّا قريشٌ بمكّة، فإنه بلغها نَبَأُ احتمال وقوع قافلتها في أيدي المسلمين، فاستشاطت غضباً، واعتبرت ذلك كسراً لأنف كبريائها. فخرجت مغرورةً بعددها وعتادها، لإنقاذ القافلة. ثم إنّه بلغها نجاةُ القافلة أيضاً، فلم ترجع إلى مكة، لأنّها ترى أن مجرّد خروج المسلمين عن سكوتهم الطويل على إيذائهم إلى بداية الدفاع عن النفس والمطالبة ببعض الحق، أن ذلك إهانةٌ كبرى يستحقّون السَّحْقَ لأجلها، وأن يُبادوا عن بكرة أبيهم.
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد نجاة القافلة، بخروج قريش، وعلم أن الله تعالى شاء أن تكون أول مواجهةٍ صريحةٍ لا حرباً اقتصاديّة، بل حرباً عسكريَّة وقتالاً بين جند الرحمن وجند الشيطان. فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم في منطقة بدر (المشار إليها آنفاً)، وهي أقرب إلى المدينة بنحو نصف المسافة منها عن مكّة.
أمّا كفار قريش فخرجوا بخيلهم وخُيَلائهم، وهم في غاية الكبر والبطر، تغنِّيهم القيان، وتُضْرب الدفوف، ويشربون الخمور. وكأنّهم مقبلون على فرح أو عيد، إمعاناً في التعالي والغرور، إذ إنهم يعلمون أنهم يزحفون بجيش يفوق عدد المسلمين بثلاثة أضعاف، وأنهم أكثر سلاحاً وأشدّ عتاداً.
أمّا المسلمون فقد مكثوا ببدر، ينتظرون هذا اللقاء الحاسم، مستكينين لربِّهم عز وجل، يرجون رضاه عنهم ببذل أنفسهم في سبيل دينه، ويتضرّعون إليه تعالى بأن يرزقهم إحدى الحُسْنيين : النصر، أو الشهادة . معتمدين على تأييد ربِّهم لهم، ووعده بنصر المؤمنين، من غير أن يُغفلوا ما استطاعوا عليه من الأسباب الدنيويّة التي تعينهم على تحقيق النصر.
وأخيراً التقى الصفّان، والتحمَ الجيشان، ودارت رحى المعركة، على أرض بَدْر.
لقد كانت بَدْرٌ المعركةَ الأولى في تاريخ البشريّة الأخير، تاريخ آخر دين يرضاه الخالق للخَلْق، بين أنصار هذا الدين وقيادة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم وأنصار الكفر وقيادة فرعون هذه الأمة أبي جهل.
لقد صدق المسلمون مع ربِّهم، فصدقهم وَعْده، وأنزل عليهم نَصْرهُ، وهَوَت رؤوس الكُفْر على أرض بدر، فسقط سبعون منهم قتلى، وسبعون أسرى، وَوَلّى بقيّتهم الأدبار.
إنه أوّل يوم في تاريخ البشريّة الأخير، ينتصف فيه الحق من الباطل، وأول يوم ينتصرُ فيه الإسلام على الكفر باليد والسِّنان، وإن كان منتصراً دوماً بالحجة والبرهان؛ ولذلك سَمّى الله تعالى هذا اليوم بيوم الفرقان؛ لأنه يومُ ظهر فيه الحق على الباطل، وأسفر فيه وجه الخير بنوره، وتقنّعَ فيه وَجْهُ الشرّ بظُلمته.
وفي هذا العام، وهو العام الثاني: فُرض صوم رمضان، وفرضت زكاة المال والفطر، وحُوِّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة.
وما إن مَرَّ على غزوة بدر سنةٌ واحدة حتى عاد مشركو قريش لغزو المسلمين بالمدينة، انتقاماً وثأراً لما وقع لهم ببدر. وكانت هذه الغزوة على مشارف المدينة، عند جبل أُحد، الذي لا يبعد عن وسط المدينة إلا خمسة أكيالٍ ونصف كيلٍ فقط.
وبعد أن بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خروج قريش لحربهم من مكة جمع أصحابه من المهاجرين والأنصار، واستشارهم في أمر هذه المواجهة: هل يخرج للقاء المشركين خارج المدينة، أم يبقى في المدينة نفسها مستفيداً من تحصيناتها الطبيعيّة ومن حصونها وأسوارها؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤيّدُ الرأي الأخير، لكنّ حماسَ بعض المسلمين كان سبباً لتنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيه (الذي لم يكن قد أُوحي إليه فيه شيء)، فاختار المسلمون الخروج، وقَبِل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهو له كارهٌ، مرسياً بذلك مبدأ الشورى بين المسلمين على أنصع صوره.(10/283)
لقد بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن عددَ المشركين كبيرٌ، وأنه يفوق عدد المسلمين بثلاث مّرات. فخرج من المدينة إلى جبل أحد، ليختار ساحة القتال بنفسه، وهو يعلم أن قريش لن تتردّد أن تأتيه في أي مكان كان، فأحكَم صلى الله عليه وسلم خطّة القتال، واحتاط لكل الاحتمالات، ومن ذلك أنه أمر كتيبةً من جيشه أن تعسكر على جبل صغير مُطِلٍ على ساحة القتال، وشدّدَ عليهم الأمر بعدم مفارقة أماكنهم مهما كانت الظروف.
فلما أقبل المشركون يؤزُّهم الانتقام ويُحَمِّسُهم طلبُ الثأر لهزيمتهم السابقة ببدر. واجههم المسلمون في أُحُد بثبات المؤمنين الموقنين بالنصر المؤيد من الله تعالى، الراغبين في التضحية في سبيل الدين.
وقد تمّ اللقاء في وَسَط شهر شوال من سنة ثلاثٍ للهجرة، الموافق لمارس من سنة (625م).
ودارت رحى المعركة، فهوت ألوية الباطل، وبدأت فلول المشركين بالفرار، وكادت المعركة تُنهي فصولها على نصر جديد للمسلمين. غير أن الكتيبة التي أُمرت بالمرابطة على رأس ذلك الجبل، وأمرت أن لا تبرح مكانها مهما كانت الظروف، ظنّت المعركة قد انتهت، وأحبّت مشاركة بقية الكتائب المسلمة لذّة الظفر والانتصار، فخالفت ما أُمرت به، فهبطت عن الجبل. وتنبَّهَ لذلك قائدُ إحدى كتائب المشركين، فاغتنم هذه الفرصة لإنجاء قومه، فالْتفَّ بكتيبته من وراء الجبل، وفاجأَ المسلمين من خَلْفِهم، الذين باغتهم الحَدَثَ بهَوْل المفاجأة وشراسةِ الحيرة في الأوقات الحرجة، وتنبَّهَ بقيّةُ المشركين الذين كانوا أمامهم فاريّن أو على أهبة الفرار بما حدث، فقادتهم غريزةُ حبِّ البقاء إلى التجربة الأخيرة، ليعودوا إلى المسلمين بروح جديدة أشدّ شراسة، فوقع المسلمون بذلك بين فكَّين، ووقع الابتلاء العظيم.
لقد ضرب المسلمون في تلك اللحظات أمثلةً رائعة في التضحية، وصدق الإيمان، وحبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أحاطوا به، وجعلوا من أجسادهم درعاً له يحمونه بها. ولا يزداد المشركون في هذه الأثناء إلا سُرعة إقبالٍ من كلا الجانبين، حتى التقى الفكّان على قتلى المسلمين، وتراجع بقية المسلمين إلى جبل أحد، ليجعلوه خَلْف ظهورهم، خروجاً من المأزق الذي حُوصروا فيه، ليقف العدوّ أمامهم، بعد أن التقى طرفا جيشه، ليرى بقيّةَ جيش المسلمين قد نَجَا، وأنْ المفاجأة قد انتهت دَهْشتُها، وأنهم يستعيدون أنفاسهم. فأدرك المشركون أنه لا مطمع لهم في المسلمين أكثر ممّا وقع، وأنه لا بُدّ من المبادرة إلى إنهاء فصول هذه المعركة عند هذا الحدّ، قبل أن يعود إليهم المسلمون بما عرفوه عنهم من : صدق اللقاء، ومحبّة التضحية. فأسرع المشركون في مغادرة ساحة القتال، عائدين إلى مكّة، ولم يَجْرُؤوا على أن يحاولوا الإجهازَ على المسلمين، أو أن يدخلوا المدينة، التي أصبحت مكشوفةً لهم تماماً، فهم بينها وبين المسلمين.
لقد كانت غزوة أحد درساً قاسياً للمسلمين، لكنه درسٌ جديد، كان لا بُدّ منه. فهو كَمِبْضَعِ الطبيب، الذي يجرح ليداوي، فالمجروح به بعد جُرحه أصحّ وأقوى منه قبله.
إن أتباع الحق قد ينهزمون، لكن الحق بحُجّته وبرهانه لا ينهزم، وهذا هو سبب ثبات أتباعه حتى عند وقوعهم تحت أَلَم الهزيمة. فالهزيمةُ لا تجعل الحق باطلاً، ولا الباطل حقاً!! والضّعفُ الماديّ لا يقلب الحقائق، ولا يُغِّيرُ الثوابت.
أفتنسى النصرانيّةُ الاضطهاد الشديد الذي لاقَتْهُ على يد قياصرة الروم الوثنيين في أوائل تاريخها؟! أفتنسى القتل والتعذيب والتشريد؟!! والذي لم يكن ليُعجزَ أعداءهم أن يُلبسوهُ لباسَ العدالة، بإصدار تلك الأحكام بالقتل والتعذيب من أروقة محاكمهم التابعة لهم. ولم يكن ليعجز أعداءهم أيضاً أن يصفوا النصارى حينها بأقبح الأوصاف، وأن يُذيعوا هذه الأوصاف بكل الوسائل الإعلاميّة المتاحة لهم في ذلك الوقت، ليؤكّدوا بذلك على عدالة أحكامهم أيضاً. لم يكن ذلك كله (وقد وقع فعلاً) كافياً لقَلْبِ الحقائق، وإلا فهل أصبح النصارى هم أهل الباطل فعلاً حينها؟! هل تحوَّلَ دينُ الوثنيين ليكون هو الحقّ وأتباعه هم أهل الحق؟!! لمجرّد أن الوثنيين كانوا هم أهل الحضارة والتقدم والقوّة والسلطان، ولمجرّد أنهم كانوا هم القادرين على السَّحْق والإذلال القَسْري!!!
أم هل ينسى بنو إسرائيل ما لاقوه من فراعنة مصر؟! أو من بخت نصر في بابل؟!
أم هل تنسى كُلُّ أمة كانت على الحق ما مَرَّ بها من لحظات الهزيمة والضعف المادّي؟!!
لقد عاد المسلمون بعد أحد بدروس قاسية، لكن على قدر قسوتها كانت إفادتها.
وعاد المشركون الذين يقاتلون بغير مبدأ، لأن مبدأهم هو الباطل، بغير دروس؛ إلا من سُكْر الانتصار، وإشباع شهوة الانتقام، وانتهى الأمر عندهم إلى هذا الحدّ، إلا من هاجس الخوف المترقَّب، من أن تَقْوَى دولةُ الحق، حتى تغزوهم في عُقْر دارهم.(10/284)
إن المسلمين وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لديهم وقتٌ إلا لنشر دين الله تعالى، ولذلك فقد عادت وفود الدعاة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يُرسلهم إلى القبائل بالانتشار، والتي لم تكن لتنجو تلك الوفود من الغَدْر والخيانة ومن الأعداء المتربّصين بهم من كل جانب، كما حصل للقُراء في موقعة الرجيع مع قبيلة لحْيان، وفي موقعة بئر معونة في نجد.
وفي لحظات الضعف، كما في مثل أعقاب غزوة أحد، يظهر الخونةُ الغادرون، بنقض العهود، ومحالفة الأعداء، وإعانتهم على محاولة الإيقاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وهذا ما وقع من بني النضير من اليهود، فحاصرهم المسلمون، حتى رضي اليهود بالجلاء عن المدينة. كما جلا بنو قينقاع من اليهود أيضاً قبلهم، أعقاب غزوة بدر، الذين أغاظهم انتصار المسلمين ببدر، فنقضوا العهد الذي بينهم وبين المسلمين، وجاهروهم بالعداء؛ لشدّة ما تملّكهم من الحسد على المسلمين.
وفي يوم الاثنين لليليتين خلتا من شهر شعبان من سنة خمس، الموافق 28 ديسمبر من سنة (626م)، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق، وهم من قبيلة خزاعة العربيّة، وكانوا من أحلاف كفار مكّة، وممن أعانوا الكفار يوم أحد، وهم فوق ذلك سدنةُ صنمٍ شهير عند العرب، وهو مناة. وكان موقع هذه القبيلة مهمًّا جدًّا، حيث كانوا بين مكّة والمدينة، ويبعدون عن مكّة نحو مائة كيل شمالاً. وقد كانت نتيجة هذه الغزوة حاسمة حيث انتصر فيها المسلمون، وأعادوا هيبتهم بعد أُحُد، وبعد أن طمع فيهم العرب، ومنهم بنوا المصطلق هؤلاء، الذين كانوا عازمين على غزو المسلمين، فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبدأهم قبل أن يبدؤوا هم به. وكان ذلك قراراً حكيماً، حيث كان له الأثر الكبير في تحقيق نصر المسلمين.
ولا شك أن هذا الخبر قد ساءَ قريشاً كثيراً، وأشعرها بالقوّة التي بلغها المسلمون وبالشجاعة التي أُوتوها، وتملّكهم الفزع من أن يأتي اليوم الذي قد يقصد فيه المسلمون مكّةَ نفسَها. ولذلك فقد أعلن كفار مكّة الاستنفار العام، وأرسلوا إلى أحلافهم من القبائل، وإلى القبائل الكافرة القريبة من المدينة يعرضون عليها التحالف على تكوين جيش واحد يقضي على الإسلام تماماً ويستأصل شأفةَ المسلمين. وقد أعانهم على هذا التحزُّبِ يهودُ بني النضير وغيرهم من اليهود، الذين ملأ الحقد قلوبهم، خاصة بعد جلائهم من المدينة.
وقد تمّ لكفار مكّة تكوين الجيش الذي يريدون، وتحزّبَ الكُفّار بالفعل وأقبل الشركُ وأهلُه في جيش كثيف، يفوق عدد جيشهم في بَدْر بعشرة أضعاف، حيث كانوا عشرة آلاف مقاتل.
وفي هذه المرَّة عرف المسلمون أن الحماسَ الذي أخرجهم في أُحُدٍ من المدينة لن ينفعهم، وأنه لابد من الإفادة من طبيعة أرض المدينة، المحصّنةِ بالجبال والحِرار، والتي لا يمكن معها أن يدخل المشركون المدينة، إلا من جهةٍ واحدة؛ ولذلك فقد قاموا بحفر خندق في تلك الجهة، ليمكنهم تحصين بلدهم. ولذلك سُمّيت هذه الغزوة بغزوة الخندق، كما سُمّيت أيضاً بغزوة الأحزاب؛ لتحزُّبِ أعداءِ الإسلام وأهله على أن يقضوا على الإسلام وأهله. وقد وقعت في شهر شوّال من سنة خمس للهجرة، الموافق 1 فبراير من سنة 627م.
لقد وصل الأحزابُ المدينة في هذا التاريخ بالفعل، وقد فاجأهم الخندق الذي حُفر بسرعة غير متوقَّعة؛ لأنه حُفِر باشتراك جميع المسلمين، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفره معهم، ويضرب بمعوله معهم.
ووقف المشركون أمام هذا الخندق حائرين، الذي إن حاولوا اقتحامه، أمطرهم المسلمون بالسهام.
ولكن المشركين شدّدوا الحصار على المسلمين، الذي دام أربعة وعشرين يوماً، كانت من أشدّ ما تعرّض له المسلمون من الابتلاء. حيث اجتمع فيها مواجهةُ هذا الجيش الكثيف من الأحزاب الذي ينوي استئصالهم تماماً، والجوعُ وقِلّةُ المؤن، مع فشوّ خبر خيانة يهود بني قريظة الذين ينوون إدخال المشركين إلى المدينة من جهتهم وأن يعاونوهم في حرب المسلمين، مع إشاعة المنافقين لروح الهزيمة وسَعْيهم إلى إثارة وساوس الشك في أصل الدين.
لقد كان امتحاناً صعباً جدّاً، ذكره الله تعالى في كتابه، فقال تعالى {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:10-12].
فالذين جاؤوهم من فوقهم: هم الأحزاب، والذين جاؤوهم من أسفل منهم: يهود بني قريظة الذين خانوا المسلمين في أحرج ظرف، والمنافقون: اغتنموا الفرصة التي ظنّوا أنها آخر ساعات الإسلام وأهله.(10/285)
أما المؤمنون (فكالعادة) لا يزيدهم البلاء إلا عافية، ولا يخرجون من المِحَنِ إلا أكثر ثباتاً على الحق، كما قال تعالى { وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:22 – 23].
لقد كانت خاتمة هذا الضيق العظيم والمحنة الكبرى غير متوقّعةٍ أبداً، حيث ملَّ المشركون الانتظار، وابتلاهم الله تعالى بريح شديدة البرودة، أضعفتهم عن تحمُّلِ البقاء في العراء أكثر ممّا بقوا. فتفرّقت أحلافهم، وابتدأوا بالرجوع إلى ديارهم شيئاً فشيئا، حتى انفضّ الأحزاب، وكان من آخرهم رجوعاً كفار مكّة. وانتهت هذه المحنة الكبرى، التي كانت في ظاهرها أعظم من كل المحن السابقة، نهايةً كأنه لم يكن لها بداية، كما قال تعالى {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب:25].
لقد انتهت هذه المعركة بانتصارٍ حقيقي للمسلمين، حيث كلّفَ المشركين الكثير، ولم يكلف المسلمين إلا القليل. كما أنه قد أثبت عَجْزَ مشركي مكة من استئصال شأفة المسلمين، وأنّه لا أمل لهم في ذلك؛ لأنّهم قد بذلوا غاية ما يستطيعون في هذه الغزوة لتحقيق هذا الأمل الكبير لهم، ومع ذلك فقد رجعوا وقد فشلوا عن أقلّ ما يأملون فيه.
وقد الْتَفَتَ المسلمون بعد هذا النصر إلى أعدائهم الملاصقين لهم، والذين ما فتئوا ينقضون العهود، وقد نقضوه هذه المرّة في أحرج ظرف، وأبدَوْا بوضوح الرغبةَ نَفْسَها التي كانت عند مشركي مكَّة ،وهي استئصال المسلمين عن آخرهم. لقد الْتَفَتَ المسلمون إلى اليهود المجاورين لهم، الذين كان ضررهم والخوف منهم (بسبب المجاورة) أشدّ من غيرهم، والذين لم يراعوا شيئاً من العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين المسلمين. فحاصرهم المسلمون خمساً وعشرين ليلة، إلى أن استسلموا على أن يَحْكُمَ في جريمتهم أحدُ حلفائهم من المسلمين، الذي ظنّوا أنه سيكون أرْأفَ بخيانتهم من غيره. لكنّ هذا الحليف (هو سعد بن معاذ رضي الله عنه) قد حكمَ فيهم بالحُكْم الذي يستحقُّه كل من خان الخيانة العظمى، وهو الحُكْمُ نفسُه الذي كان اليهود قد أصدروه فعلاً ضدّ المسلمين، وأضافوا إلى إصداره السَّعْيَ إلى تنفيذه، وهو استئصال المسلمين، لولا إفشالُ الله تعالى لمؤامرتهم الكبرى في ذلك. بل الفرق كبيرٌ جدّاً بين حُكْم اليهود السابق لحكم المسلمين وحُكْمِ المسلمين: حيث إن حكم اليهود كان نقضاً للعهد، وكان خيانة للمواثيق، التي كانت بينهم وبين المسلمين، وكان من غير جُرْمٍ ارتكبه المسلمون، وكان في وقتٍ حرج يستحقُّ فيه المسلمون الإعانة على عدوِّهم الكافر المتحزِّب ضدّهم، وكان إصدار ذلك الحكم من اليهود على حين غِرّة وغفلة من المسلمين عنهم. أمّا حكم المسلمين فهو على الضدِّ من ذلك كُلّه، فهو جزاءٌ لنقض العهود ولخيانة المواثيق، وهو حكمٌ قضائيٌ عادل من قاضٍ اختاره اليهود أنفسهم، وهو حكمٌ بالمثل وجزاءٌ بالمثل.. إلى غير ذلك من أضداد حكم اليهود، ممّا يُبيّنُ عدالةَ حكم القاضي الذي رضيه اليهود وظُلْمَ واعتداء حكم اليهود.
لقد حَكَمَ فيهم سعدُ بن معاذ بقَتْل القادرين على القتال منهم، وأن يُسبى النساء والأطفال، ونُفَّذَ فيهم هذا الحكم، فقُتل نحو أربع مئة رجل، وسُبي النساء والصغار.
ولا نستغرب بالطبع أن يستنكر هذا الحكم اليهود، فما نكاد نعرف مجرماً رضي بعقوبة إجرامه. ولا نستغرب أيضاً أن يستنكره أعداءُ الإسلام، فهذا موقف كل عدوٍّ من عدوِّه.
لكنّنا نستغرب انسياقَ المنصفين وراء هؤلاء أو هؤلاء دون تأمُّل، ودون أن يستحضروا ما تذكره التوراة من معارك الأنبياء السابقين، وعدد ما سقط فيها من القتلى( )، ودون أن يستحضروا التاريخ القريب المعاصر، وكَمْ سَقَط فيه من الضحايا المدنيين ومن النساء والأطفال!!! نحن إنما نخاطب المنصفين، ولا نخاطب المتعالين، الذين ينظرون إلى غيرهم أنهم لا وزن لهم ولا قيمة، الذين يرون الحقوق لهم وحدهم ولا حق لغيرهم!!!
ثم ألا يكفي أن يرضى عن هذا الحكم خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، بل يُخبر أنه هو حكم الله فيهم؟!!!
وبعد عامٍ واحد من غزوة الأحزاب ، أي في ذي القعدة من سنة (6هـ)، (الموافق مارس من عام 628م) خرج النبي صلى الله عليه وسلم بألفٍ وأربع مئة من أصحابه متوجِّهين إلى مكّة، بنيَّة العُمرة، وأحرموا لذلك من ذي الحليفة.(10/286)
ولمّا بلغ كفار مكّة هذا الخبر، اعتبروا ذلك إهانةً لهم، خاصةً بعد فشلهم الذريع في العام الماضي في غزوة الأحزاب. كما أنّهم يعلمون أنه لا حقّ لهم في أن يمنعوا أحداً جاء لتعظيم البيت الحرام والطواف والسعي، وأن جميع العرب لا يقبلون ذلك منهم.
ولذلك ما إن بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منطقة الحديبية، وهي موضع يبعد عن مكة اثنين وعشرين كيلاً فقط، حتى أعلن كفارُ مكّة مَنْعَ المسلمين من دخولها، وابتدؤا عَقْدَ مفاوضات معهم بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا اعترافٌ ضمنيّ واضح، ولأول مَرّة، من مشركي مكّة، بالكيان الإسلامي. إنه الاعتراف الذي كان المشركون يَأْبَوْنَ الرضوخ له أشدَّ الإباء، فهاهم اليوم يسعون هم إليه ؛ بسبب موقفهم المحرج السابق ذكره.
وقد رضي النبيُّ صلى الله عليه وسلم (وهو الرؤوف الرحيم) من مشركي مكّة بهذا الرضوخ، واكتفى منهم (وهو العليم بكبريائهم) بهذا الجرح العميق لكبريائهم. ولذلك فقد رضي بشروط ظاهرها أنها ليست في صالح المسلمين، مكتفياً بهذا النصر المعنوي الكبير، الذي هو في حقيقته نَصْرٌ دعوي كبير، لأنه كَسَر غرور الكفر الذي كان يحجب الحق عن أصحابه، وفتح باب إعمال العقل في دعوته من قِبل المشركين. وهذا ماوقع بالفعل، حيث قذفت مكّةُ بعد هذا الصلح بفلذات أكبادها، وبخيرة قوّادها، مسلمين طائعين بمحض إرادتهم، دون أن يُجبروا على ذلك.
وهذا الصلح الذي لم يَرْضَ عنه بعضُ المسلمين أوّلَ إبرامه، وصفه الله تعالى بأنه (فتح)، وذلك في قوله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الفتح:1-3].
لقد أتاحت هذه المعاهدة للنبي صلى الله عليه وسلم فرصة كان ينتظرها، وهي توسيع نطاق دعوته. ممّا ترجمه بمكاتبة ملوك الآفاق يدعوهم للإسلام، فكاتب ملك الروم وملك الفرس وملك الأقباط بمصر وغيرهم من الملوك والأمراء يدعوهم للإسلام.
ونص خطاب النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هرقل ملك الروم هو هذا النصّ الصحيح الثابت:
(( بسم الله الرحمن الرحيم
من محمدٍ عبدِ الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم.
السلام على من اتّبع الهُدَى.
أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أَسْلِم تَسْلَمْ، يُؤْتكَ اللهُ أْجَركَ مرتين، فإن تولَّيت فإن عليك إثْمَ الأريسيين ( ).
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } )).
إن هذا الخطاب الإسلامي الدعوي النموذجي، يستحقّ منّا الوقوف معه قليلاً، في أثناء تعريفنا بنبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم.
فممّا نودّ التنبيه عليه بشأنه ما يلي:
أوّلاً: عالميّة دين الإسلام، وأنّه الدين الذي لا يرضى الله تعالى من العالمين سواه بعد بعثة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم به. وهذا ممّا يختصُّ به دينُ الإسلام، دون بقيّة الأديان السابقة، التي كانت أدياناً قوميّة (لاعالميّة).
ثانياً: بيان الأسلوب الحضاريّ الراقي للدعوة إلى الإسلام، الذي هو أسلوب هذا الخطاب النبويّ. حيث إن أسلوب الكتابة أسلوب لطيفٌ في التعبير عن خطأ المخالِف، أكثر من أسلوب المشافهة والمجابهة بذلك. ثم تضمّن الخطابُ وصفاً لهرقل بما يناسب مكانتَه: "عظيم الروم". ثم البداية بالسلام على من اتّبع الهدى، وما في هذا الافتتاح بالدعاء من حُسْن البَدْء وبراعة الاستهلال، دون أيّ مخالفةٍ شرعيّة.
ثالثاً: بيان أنّ من كان على دين النصارى الصحيح غير المحرَّف، ممّن لا يقولون بألوهيّة عيسى (عليه السلام)، بل إنه رسول الله كغيره من رُسُل الله=أنّ هذا لا يُنْجيهم عند الله تعالى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إن آمنوا بالنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم. فإن آمنوا فإنه يكون لهم أجران: أجر إيمانهم بعيسى نبيًّا ورسولاً، وأجر إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتمًا للأنبياء والمرسلين. ولذلك خَصّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأريسيين بالذكر؛ لأنهم كانوا من أهل التوحيد، وكان هرقل منهم (ولو في باطن أمره). فإصراره على عدم اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم وكُفْرُهُ بذلك، سيكون سبباً في إصرار هؤلاء (الذين هم أصحاب الدين الصحيح قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم) وسبباً في كُفْرهم أيضاً، فيكون عليه إثمهم؛ لأنه كان سببَ هذا الإثم، وسببَ صَدِّهم عن آخر الأديان (وهو الإسلام) الذي لا يقبل الله من العالمين سواه.(10/287)
رابعاً: ثم تأتي الآية مبينةً حقيقة دعوة الإسلام للنصارى خاصّة، ولغيرهم من الأمم، وأنّها دعوةٌ يستوي فيها المدعوُّ والداعي: دعوةٌ إلى توحيد الله تعالى بالعبادة، وأن يكون الحُكْمُ لله تعالى وحده، لا لنبيٍّ مرسل، ولا لملك مُقَرَّب. وهذا أحد أكبر الفوارق بين الإسلام والأديان الأخرى، تلك الأديان التي تُعْطي حَقَّ التحليل والتحريم لرهبانها وأحبارها، مع أنه في الإسلام حقٌّ لله تعالى وحده، ليس لأحدٍ فيه حقٌّ غيره سبحانه.
هذه هي حقيقةُ دعوة الإسلام أجملتها تلك الأسطر الرائعة!!!
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبيّة، وفي أوائل سنة سبع من الهجرة (يونيو سنة 628م)، توجّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لغزو خيبر، وهي قريةٌ تبعد عن المدينة (165 كيلاً) شمالاً، ومن أسباب ذلك : أن سكانها من اليهود كانوا ممن تمالؤوا على المسلمين، وأعانوا أحْزاب المشركين في غزوة الخندق.
فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وحاصر حصونهم، وانتصر عليهم، فدخل بعض الحصون عُنْوَةً، ودخل بعضها صُلْحاً، وسارع آخرون إلى طلب الأمان، فكان لكل صِنْفٍ حُكْمُهُ، ولم يُجْلِ أحداً من دياره، إلا أنه صالحهم على أن للمسلمين إجلاءهم متى شاؤوا.
وفي ذي القعدة من هذه السنة (مارس من سنة 629م) قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُمرته هو وأصحابُه، وهي عُمرته التي كان قد مُنِعَ من أدائها في عامه الماضي. وكان هذا القضاءُ للعمرة أحدَ شروط صلح الحديبية، الذي كان بينه وبين كفار مكّة.
وفي جمادى الأولى من عام ثمانية للهجرة (الموافق سبتمبر من سنة 629م) جَهّزَ النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامُهُ ثلاثة آلاف مقاتل، لم يَقُدْهُ النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جعل قيادته بيد زيد بن حارثة، فإن قُتل: فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل: فعبد الله بن رواحة. وكانت وِجهته لعربٍ من حلفاء الروم، هم الغساسنة، الذين أظهروا العداوة للمسلمين.
ولقد خرج المسلمون إلى بلاد الشام، إلى (مؤتة)، جنوب غرب الأردن، فَسُمِّيت الغزوة لذلك بغزوة مؤتة. لتَلْقَى هناك جموعاً هائلة، بلغت مائتي ألف مقاتل، حيث إن الروم كانوا قد أمدُّوا أحلافهم بمئة ألف مقاتل، انضمّوا إلى الغساسنة وأحلافهم الآخرين من العرب.
إن هذا الفارق الشاسع بين عدد الجيشين (3000 <---> 200000)، مع الفارق الكبير أيضاً في العتاد، يظهر أن الحرب غير متكافئة بكل المقاييس. ولذلك تردّد المسلمون في المواجهة، ثمّ عزموا على الإقدام. ولم يتردّدوا خوفاً، وإنّما مراعاةً للمصلحة ونظراً في الحكمة من المواجهة، ولا أقدموا إلا خشيةَ الإثم وأن يقعوا في سخط الله بمخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد بدأت هذه المعركة بذلك الميزان الطائش غير المتكافئ، وأَبْلَى المسلمون بلاءً حسناً، وأثبتوا للدنيا كيف ومتى تكون الآخرةُ أحبَّ إلى المرْءِ من الدنيا. وسَقَطَ القوّادُ الثلاثة شهداء في أرض المعركة، واحداً تِلْوَ الآخر، مُعَلِّمين العالمين درساً من الشجاعة لا يُنْسَى، حتى إن جعفر بن أبي طالب الذي كان القائد الثاني، لمّا قُطعت يُمْناه التي يرفع بها الرايّة، رفعها بيُسْراه، فلمّا قُطِعت يُسراه ضمَّها إليه، حتى استُشهد، ليتسلمها القائد الثالث بعده!!!
ثم رأى المسلمون، وهم في أرض المعركة، أن يُولّوا القيادة القائد الفذّ خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي رأى أن استمرار القتال لا يعني إلا الفناء المحقَّق. فدبَّر مكيدةً يُوهم العدوَّ بمجيء مَدَدٍ للمسلمين، و أَوْهَمَهُم أنه ينسحبُ انسحاب مخادعةٍ للإيقاع بهم، فانْفَصَل العدوُّ عنهم، ولم يُفكّر في تَعَقُّبهم. واستطاع خالدٌ بذلك أن ينجو بجيش المسلمين من الهلاك الكامل، وأن يعود بعدد قليل من الخسائر، ولذلك لم يُعتبر هذا الفعل من خالدٍ هزيمة، بل اعتُبرَ خطةً عسكرية من نوع الكرّ والفرّ في ساح القتال.
وفي هذا العام، وبعد معركة مؤتة نقضت قريشٌ عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كانت قد أبرمته في الحديبية، حيث أعانت أحلافاً لها على أحلافٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، الذين قُتِل منهم عشرون رجلاً.
لقد كان هذا الحَدَثُ خَرْقاً واضحاً من قريش لعهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، ولم تُحاول المبادرة إلى الاعتذار وإلى تجديد العهد؛ إلا مؤخّراً، بعد أن بلغتها أخبار استعداد المسلمين لمواجهةٍ ما معهم.
أمّا النبي صلى الله عليه وسلم فقد استنفر المسلمين، وأخْفَى مَقْصَده، حتى اجتمع عددٌ ضَخْمٌ لم يعرفه المسلمون في جيوشهم السابقة، وهو عشرة آلاف مقاتل. ومثل هذا العدد يُظهر مقدار انتشار الإسلام بعد صُلْح الحديبيّة، الذي كان فرصة دعوية كبرى للمسلمين.
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين من المدينة قاصداً مكّة، في 10 رمضان من سنة ثمان، الموافق 1 يناير من سنة 630م.(10/288)
ولمّا علم كفار مكّة بالخبر، حاولوا - بعد فوات الأوان - تجديد العهد، وجاء بعضُهم يعلنون دخولهم في الإسلام.
وأمّا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لمّا أقبل على مكّة أرسل إلى أهلها، أنه لن يُقاتل إلا من واجهه بالقتال، وأنّ من دخل داره فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو أمن، ومن دخل دار أبي سفيان (وهو سيّد قريش حينها بمكة) فهو آمن.
ولقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكّة في 19 رمضان في سنة ثمان، الموافق 9 يناير من سنة 630م. ولم يُواجَهْ جيشُ المسلمين إلا بمقاومةٍ يسيرة، من بعض جهات مكّة.
لقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكّة ودخلها لا دخول الجبابرة المتكبرين، بعد هذا الانتصار العظيم على أعداء دين الله تعالى. بل دخلها خاشعاً، خافضاً رأسه خَفْضَّا شديداً وهو على ناقته، قارئاً سورة الفتح.
وما إن جاء عَصْرُ ذلك اليوم، حتى أعلن النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَقْفَ كل أعمال القتال. ووقف عند الكعبة المشرّفة، وقريشٌ (أعداؤه لأكثر من عشرين عاماً) حَوْلَه مجتمعين، يخشون انتقامه العادلَ الذي سيكون في غاية الشدّة منهم. فقال صلى الله عليه وسلم منادياً فيهم: "ما تظنّون أني فاعلٌ بكم؟" فقالوا -في انكسارٍ ووجل: خيراً، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم - وبكل سهولة - : "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم".
هذه هي حروب الأنبياء، وهذه هي أخلاق حروبهم!!! إن الغرضَ منها ترقيق القلوب لقبول دعوة الحق، لا تمزيقُ القلوب للاستعباد والانتقام والاستحواذ على مزيد من الشهوات والملذّات.
هذا مع أن المعاقبةَ بالمثل عَدْلٌ ولا شك، ولذلك فقد خَيّرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بين المعاقبة والعفو، في قوله تعالى { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126]. فاختار النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصبر قائلاً: "نصبر ولا نعاقب". إنه خُلُقُ خاتم الأنبياء، الذي ما عرف الانتقام لنفسه يوماً من الأيام، إنما يغضب وينتقم إذا انتُهكت محارِمُ الله، فغضبُه وانتقامُه لله وحده.
وكان أوّل عملٍ يعمله النبي صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكّة، وعند دخوله المسجد الحرام، هو العمل الذي من أَجْلِهِ بُعِث، ومن أَجْله قُوتل، ومن أجله قاتل، ومن أجله فتح مكّة: إنه إقامة دين الله تعالى بتوحيده، والقضاء على الشرك ورموزه. ولذلك فقد دخل المسجد الحرام ليُسقط الأوثان التي كانت تُعبد من دون الله تعالى، ويَدْفعُها بقوسه، وهو يقرأ قول الله تعالى { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81].
لقد طُهِّر المسجد الحرام من كل أدناس الجاهليَة وأزُيح عنه ظلامُ الشِّرك؛ ليكون قِبلة التوحيد على وَجْهِ الأرض، ورمزاً لوحدة المسلمين جميعهم في أي بُقْعةٍ منها.
وبعد فَتْح مكّة بخمسة عشر يوماً فقط، خرج النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه الذي أصبح قوامه اثني عشر ألفاً، للقاء إحدى أكبر القبائل بجوار مكّة، وهي قبيلة هوازن، التي أحبّت أن تتولَّى زعامة الباطل، بعد أن انتهت زعامة قريش له، فأخذت في الاستعداد لقتال المسلمين.
ولذلك، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم للقاء هوازن، وليتمّ هذا اللقاء في منطقة حُنَين (التي تبعد عن مكّة نحو عشرين كيلاً فقط)، وذلك في العاشر من شوال من سنة ثمان، الموافق فبراير من سنة 630م.
لقد تمّ اللقاء، لكنْ (وَلأوّل مرة) والمسلمون مُعْجَبون بكثرتهم، فكان تأديب الله تعالى لهم سريعاً، حيث وَلَّوْا مدبرين، إلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ونفراً قليلاً حوله. ثم فاء المؤمنون إلى إيمانهم، وإلى عدم الاعتماد إلا على نصر الله وتأييده. فنزل النصر من الله تعالى للمسلمين، وأنزل الهزيمة على الكافرين.
كما قال تعالى { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:25-27].
لقد فرّت قبيلة هوازن متفرّقةً في البوادي، وفرَّ قائدهم وبعضُ من كان معه إلى قبيلة ثقيف في مدينة الطائف، التي تبعد عن حُنين نحو (100 كيل). فتعقّبه النبي صلى الله عليه وسلم، ليحاصر ثقيفاً في حصنها بالطائف، نحواً من خمسة عشر يوماً. ليعود ولم يفتحها، لكن ليُظهر قوّة المسلمين، لكي لا يطمع الكفارُ في أن يَتَوَلَّوْا زعامةً للباطل أمام المسلمين بعد ذلك.(10/289)
وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشارف مكّة، ليجد هوازن قد جاءت تعلن إسلامها؛ فأعادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهم ما سباه منهم من النساء والذُّريّة. وأعلن فيهم أنه سيُعيد إلى قائدهم سَبْيَه إذا جاءه مُسْلِماً، ففعل القائد ذلك، فأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأعاد عليه سَبْيَه.
وبذلك توطَدتْ دولةُ الإسلام في مقاطعة الحجاز من شبه جزيرة العرب، ليتوجَّهَ النبي صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك - إلى المدينة، لكن بعد أدائه العمرة من (جعرانة) التي أعاد عندها سبي هوازن إليهم.
ووصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في 24 من ذي القعدة سنة ثمان، الموافق مارس من سنة 630م.
ويفتتح المسلمون عام تسعة من الهجرة في 20 إبريل من سنة 630م، الذي سُمِّي بعام الوفود؛ لقدوم وُفُود العرب من أقطار شبه جزيرة العرب مُسْلِمين طائعين لله تعالى، مُعْلِنين دخولَهم في دين الله سبحانه.
وفي منتصف هذا العام كانت غزوة تبوك، أي في رجب من سنة تسع، أي الموافق أكتوبر من سنة 630م. وتبوك مدينة تبعد نحو (700 كيل) شمال المدينة، على مشارف بلاد الشام.
حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم في أكبر جيش نبويّ، بلغ عدد الجيش نحواً من ثلاثين ألفاً. فبلغ تبوكاً، ومكث بها عشرين يوماً، ولم يَلْقَ قتالاً. إلا أن سريّةً للمسلمين توجهّت إلى دومة الجندل، لتأسر أميرها، الذي صالح المسلمين على دَفْع الجزية، كما صُولح ملك أيلة (العقبة) على الجزية أيضاً.
وهذا أوّل تشريع للجزية في الإسلام، والجزية هي مالٌ يدفعه الكفار إذا لم يدخلوا في الإسلام، يُقدِّره الحاكم المسلم عليهم، بغير ظلم ولا إضرار، إعلاناً لدخولهم تحت حُكْم الإسلام. وهي تجب في السنة مَرّة، ولا تؤخذ من الأطفال ولا النساء، ولا الفقراء، ولا تؤخذ من كبار السن، ولا المرضى الذين لا يُرجى شفاؤهم، ولا العُمْي ولا العاجزون ولو كانوا أغنياء، ولا تؤخذ من الرهبان المنقطعين للعبادة، ولا تؤخذ من الفلاحين الذين لا يُقاتلون. وهي (أي الجزية) العَرْض الثاني الذي يُعْرَضُ على غير المسلمين في حكم الله تعالى، فالأول: هو الدخول في دين الله تعالى، والثاني: دفع الجزية إقراراً بالرضوخ لحكم الله تعالى، وأنه لا دولةَ للباطل في أرض الله تعالى، مع مَنْ بقي على دينه الباطل، فيُقَرُّ عليه، لكن بغير دولة (وهذا هو الصَّغار الذي يستحقُّه من أصرًّ على الباطل)، والثالث: القتال، وهو خاصٌّ بمن قاتل، أمّا من لم يرفع السلاح ولا أعان عليه فلا يُقاتل، ولذلك عُصِمت دماءُ شعوب الدول المفتوحة مع عدم دخولهم في الإسلام. فالجزية في حقيقتها رمزُ لقيام دين الله ودولته، ولسقوط الأديان الباطلة ودولتها.
ثم إن النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد إلى المدينة، ليكمل تبليغ دعوته إلى دين الله تعالى، وليعلّم الناس ويزكيهم. وتسارَع الناس إلى الدخول في الإسلام، وتعاظمَ الإسلام، حتى شمل جزيرة العرب.
وفي عام عشرة من الهجرة، الموافق 632م، خرج النبي صلى الله عليه وسلم لأداء فريضة الحج، وهي المسمّاة بحجّة الوداع؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم خَطَب المسلمين فيها خُطبةً جليلة، أشار فيها إلى دنوّ أجله، وقد تضمّنت خطبته هذه الوصيّة بأمور عظيمة، منها بيان حرمة الدماء والأعراض والأموال، وحثّ فيها على الإحسان إلى النساء والزوجات وإعطائهن حقوقهن كاملةً غير منقوصة، وأن يُعاملن مع ما يليق بطبيعتهن من الرقّة وحُسْن العشرة.
وفي يوم عرفة من هذه الحجّة نزل قول الله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3].
ولمّا رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعد حَجّه بثلاثة أشهر، بدأ مرضُ وفاته صلى الله عليه وسلم. وذلك في 27 صفر من عام (11هـ)، الموافق لمايو من سنة (632م)، ودام مرضُه عشرة أيام.
فكان من آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته : الحثّ على إقامة الصلاة، وعلى الإحسان إلى الرقيق والرفق بهم.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم توفي في يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول، من سنة إحدى عشرة، الموافق 9 يونيو سنة 632م ، ودُفن صلى الله عليه وسلم ببيته الذي بجوار مسجد مدينته طَيْبة الطيّبة.
وبذلك يكون صلى الله عليه وسلم قد عاش ثلاثاً وستين سنة، ثلاثةٌ وعشرون عاماً منها هي سنوات بعثتِه وتبليغِ دعوته إلى دين الله تعالى.
ولقد كانت سنوات بعثته الثلاثةُ والعشرون هذه منهجاً للبشرية لا مثيل له، في كل شؤون حياته صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].(10/290)
فهو صلى الله عليه وسلم: سيد ولد آدم، وإمام الأنبياء، وخاتم الرسل. أُرسل إلى الثقلين من الجن والإنس كافّة، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وأن لا يعبدوا إلا الله تعالى، وأن لا يدّعوا لله الأبناء والشركاء والشفعاء، وأن يُقيموا دين الله ونظامه الذي يُصْلِحُ أمورَ الدنيا كلّها وأمور الآخرة كلّها؛ لأن الإسلام يَجعل من حياة المسلم كلّها عبادة، إذا حُكّمَ فيها دينُ الله، الذي شملت أحكامُه كلَّ الحياة، كما قال تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
^
من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم
وأيد الله تعالى خاتم الرسل محمداً صلى الله عليه وسلم - كما أيَّدَ الأنبياء من قبله - بالآيات الدالّة على نبوّته، ومنها خوارقُ رآها الناسُ في زمنه.
وخصّه الله تعالى بخلود معجزته الكبرى، وهو القرآن الكريم؛ لأنه سبحانه أراد له أن يكون حجّته على العالمين إلى قيام الساعة، إذ هو كتابُ خاتم الرسل وآخر الأديان.
إن القرآن الكريم هو كلام الخالق سبحانه، تعهّد الله تعالى بحفظه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصّلت:42]. وتحدَّى الله به العرب أن يأتوا بمثله، بل تحدّى به الثقلين جميعاً، فقال تعالى { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]، بل لقد تحدى الله تعالى أن يؤتى بسورة واحدة من مثله، كما قال تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23-24]. فهو معجزة الإسلام الباقية إلى اليوم، وإلى قيام الساعة، الدالّة على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أنه خاتم الرسل لآخر الأديان.
وللقرآن في دلالته على صِدْقِ نُبوّةِ محمد صلى الله عليه وسلم وفي إعجازه أوجهٌ متعدّدة، منها: بلاغته، وجلالةُ نَظْمه، وعظمةُ أسلوبه، وروعةُ خطابه، التي تأسر القلوب، وتُخْضِعُ النفوس، وتُحيّر العقول، وتسلب الأسماع، وتُسْجِدُ الجباهَ لله رب العالمين.
لقد تُحدِّىَ به العرب، وهم أفصح الناس لساناً، وأبلغهم بياناً، فعجزوا أن يأتوا بسورة واحدةٍ من مثله، وعجز مَنْ جاء بعدهم، وعجز الناس كلهم إلى هذا اليوم، بل لقد عجز الثقلان، وسيعجزون (ولو أعان بعضهم بعضاً)، إلى قيام الساعة!!!
وها نحن اليوم (وبعد اليوم) نُنادي في البشرية، بل في الثقلين، مُبَلِّغين لهم تحدي إلههم وخالقهم لكل مَنْ على وَجْه الأرض بأن يأتوا بمثل هذا القرآن.
إن هذا التحدِّي الصارخ، والذي له أكثر من ألف وأربع مئة سنة، وما زال باقياً=دلالتُه ونتيجتُه قاطعةٌ، يلزم العاجز معه التراجع عمّا هو عليه، وأن يعترف بدلالة ذلك التحدِّي، وهو أن القرآن الكريم كلامُ الخالقِ المنزَّلُ على خاتمِ رُسُله محمد صلى الله عليه وسلم.
أمّا الإعراضُ عن هذا التحدِّي، أو التظاهر بالإعراض عنه، أو ادّعاؤه، ممّن لا يؤمن بالقرآن الكريم وبدلالته على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم=فإنه لا يُجْديِ شيئاً، وهو في حقيقته اعترافٌ بالعجز أمام هذا التحدِّي، وَلْيَعْرِفْ هذا المتظاهر بالإعراض أنه بتصرّفه هذا قد انهزَم أمام الناس وأمام نفسه، وأنه قد أصرَّ واستكبر على باطل، سيخسر معه دنياه وآخرته، حيث إن جميع العقلاء يعلمون أنه لو كان بإمكان أعداء الإسلام قديماً وحديثاً أن يكسبوا هذا الرّهان، وأن يقوموا بهذا التحدّي، لَبَادُرُوا إليه من حين إعلانه، لأنه أسهل ممّا بذلوه ويبذلونه إلى اليوم في حَرْبهم للإسلام: من مخاطرتهم بالأرواح والمُهجَ، ودَفْعِهم للأحبّة من الآباء والأولاد والأزواج إلى ساحات المعارك، ومن إنفاقهم للأموال الكثيرة، وصَرْفِهم الأوقات والطاقات=وكل ذلك في حرب الإسلام، وكم قد خسروا من ذلك، وكم سيخسرون. أوَ لم يكن أسهل عليهم أن يتعاونوا جميعاً (وما أكثر أعداء الإسلام) على أن يقضوا سنواتٍ في إعدادِ كتابٍ يُضاهي القرآنَ الكريم، لينتهي كل شيء؟!! فما بالهم لم يفعلوا ذلك، وقد مضى على إنزال القرآن أكثر من أربعة عشر قرناً؟!!! هذا هو العجز بعينه، وهذا هو الإعجاز الأكبر، وهذه هي الحُجّة الكبرى على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.(10/291)
ونحن إذ نعلن هذا التحدِّي ونكرِّرُ إعلانَه، لقد برئت ذِمَمُنا أمام ربِّنا بهذا البلاغ. إذ واجبُ من بلغه أن يسعى لسماع القرآن كله، من أوّله إلى آخره، وأن لا يرضى بأن يسمعه من الكافرين به، الذين هم بكفرهم به أعداءٌ له ولا شك، مهما تظاهر لك هذا المكذِّبُ به بالإنصاف، ومهما كنتَ حَسَنَ الظنِّ فيه؛ لأن عداوته له تُشكِّكُ في إنصافه (على أقل تقدير).
كما أنه لا يصحّ لك أن ترضى من نفسك أن تحكم على شيء، ستكون عاقبةُ حُكْمِك عليه مُحدِّدةً لمصيرك الأبدي، ثم لا تستكمل جميع مامن شأنه أن يجعل حُكمك صائباً، ومن ذلك أن تتدبّره من أوّله إلى آخره بعلمٍ وإنصاف.
ومن وجوه إعجازه: إعجازهُ التشريعي، الذي أذعن به كل من عرفه حقّ معرفته، وأنصف. فشموله لجميع مناحي الحياة: للفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة، وشموله للعبادات، والمعاملات، سواء أكانت اقتصاديّة، أو أحوالاً شخصيّة، أو سياسيّة، أو عسكرية، أو قضائيّة، أو آداباً، وتنظيمُه لذلك جميعه أبدع تنظيم وأحسنه، بكل دقّة وحِكْمة، ومعالجته للأخطاء البشريّة في ذلك كُلّه على أتمّ وَجْهٍ=هذا أمرٌ معجز، بل هو الأمر المعجز حقّاً!!. ويبلغ الإعجاز غايته بثبات تلك الأحكام والتنظيمات الدقيقة، وأنها لا تحتاج إلى تبديل أو تغيير في كل زمان ومكان، وأنه لا يَصْلُحُ أَمْرُ البشريّة إلا بها قديماً وحديثاً في أي بقعة من بقاع الأرض، وعلى اختلاف الأعصار والأقطار والعادات والتقاليد والحضارات. إن مثل هذا الثبات وذاك الشمول لمعجزةٌ لا يملك معها من كان عنده قَدْرٌ من الإنصاف إلا بأن يعترف بكونِ القرآن الكريم كلامَ الله!!!
ومن وجوه إعجازه: إخباره بمغيّبات لم تكن قد وقعت، ثم وقعت كما في خبره، وبعضها ما زلنا ننتظر وقوعه مما أخبر أنه سيقع في آخر الزمان. فقد أخبر بأن الروم سينتصرون عقب هزيمتهم أمام الفرس، وكانت هزيمتهم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يتحقق نَصْرهم إلاّ في عام الحديبية وهو العام السادس من الهجرة. وأخبر بمصير أُناس وأنهم من أهل النار، كأبي لهب وزوجه وغيرهما، وكانوا أحياءً عند نزول القرآن بذلك، وعاشوا بعد ذلك زماناً وقد علموا بخبر القرآن عنهم، فما دخلوا في الإسلام، ولا ادّعوا ذلك في الظاهر للتشكيك في خبره!!!
ومن وجوه إعجازه: إعجازه العلمي، وهو أنه قد ورد في القرآن الكريم ذِكْرُ كثيرٍ من الحقائق الكونيّة المختلفة الفنون: في علم الطّب والنبات والحيوان والفلك وغيرها من المعارف الإنسانية. وهي حقائق كثيرةٌ، وكثيرٌ منها دقيق جداً، لم يُكتشف إلا مؤخّراً، عن طريق الأجهزة الحديثة، ومن خلال التِّقْنِيّة المتطوِّرة، ولولا ذلك ما عرفها العلماءُ المتخصّصون المعاصرون. ومع ذلك فقد سبق القرآن إلى ذكرها، قبل أربعة عشر قرناً، يوم أن كانت هذه المعارف مجهولةً تماماً لدى الإنسانيّة جمعاء!!!
لقد أدهشت هذه الحقيقةُ وهذا السبقُ العلميُّ المعجزُ كثيراً من علماء الغرب والشرق، ممّن اطّلعَ عليه، بعد اعتقاده أن ما توصَّل إليه العلمُ الحديث لم يكن معلوماً للبشريّة من قبل. فآمن بعضُ هؤلاء العلماء المتخصصين ودخلوا في الإسلام، وأعلن آخرون دَهْشتهم الكبرى وعظيمَ حيرتهم تجاه ذلك، وتركوا الإجابة عن السؤال المُلِحِّ القائل: هل يُمكن ألا يكون هذا السبقُ إلا دليلاً على صِدْقِ نبوّةِ محمد صلى الله عليه وسلم ؟!!!
ولا يقتصرُ إعجازُ القرآن العلمي على سَبْقِه العلمي، بل يضمُّ إليه أيضاً: أنه على كثرة حديث القرآن الكريم عن أمورٍ كونيّة، وفي شتّى العلوم، ممّا لم يكن معروفاً لدى أحدٍ في زمن نزوله، أو كان معروفاً لقلةٍ من علماء الحضارات القديمة، أو معروفاً لأكثر الناس.. كل ذلك يُخبر به رجلٌ أُمِّي (لايقرأ ولا يكتب) وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أيضاً من أمةٍ (هم العرب) كانوا أبعدَ الناس عن الحضارة والعلم القديم الذي كان قبل أربعة عشر قرناً=ثمّ لا يُوجد في جميع ما تعرّض له من أمور الكون جميعه ما يُخالفُ الحقائق العلمية اليقينية الثبوت في العصر الحديث!!! هل تحقّق مثلُ ذلك في كتابٍ من كُتُب أكبر علماء ذلك العصر من علماء الحضارات الشهيرة حينها: أن يكون كلُّ ماأخبر به في شتى العلوم صواباً موافقاً لحقائق العلم الحديث؟ فكيف تحقّق ذلك للأُمّي العربي محمد بن عبد الله؟!!! هل كان ذلك إلا لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!! أم وقع ذلك كله مصادفة، مع كثرة تلك الحقائق وتنوّعها؟!!!
وهنا.. نعود إلى إعلان تَحَدٍّ جديدٍ للبشريّة : هذا القرآنُ بين أيديكم، وقد تعرّضَ للكثير جداً من حقائق الكون، أخرجوا لنا منه شيئاً (ممّا دَقّ أو جَلّ) يُخالفُ حقيقةً علميّةً لاشكّ في ثبوتها. إنّنا لَنُعْلِنُ هنا أيضاً: أنهم لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا؛ لأن القرآنَ الكريم كلامُ الخالق لهذا الكون!!!
ومن هذه الوجوه لإعجاز القرآن الكريم، ننتقل إلى بقيّة دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.(10/292)
فمن دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم، وهو يُشبهُ في وَجْهِ دَلالتهِ ما سبق من القرآن الكريم: أخباره صلى الله عليه وسلم في سُنَته وأقواله الثابتة: بالمغيّبات، وبالحقائق الكونية التي سَبَقَ فيها العِلْمَ الحديث، والتي مع كثرتها لم تُناقضْ ما أَثْبَتهُ العلمُ الحديثُ أيضاً.
ومن دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم: قُوّةُ الدين الذي بُعثِ به، وحِفظُه من التغيير والتبديل، أو الزيادة والنقصان، والعلومُ التي نشأت وتطوّرت لخدمته، ومراحل تلك التطوّرات، ومواجهةُ ماأحدق به من الأخطار بكل صرامةٍ وحزمٍ، على مختلف الأحوال التي مَرّت بأمّة الإسلام: من القوّة إلى الضعف، ومن العزّة إلى سيطرة الأعداء عليها.
ومن دلائل نبّوته: بشارةُ الأنبياء به في كتبهم، وإخبارهم لأقوامهم بصفته واسمه وصفة أمته ومكان بعثته ونسبه، وغير ذلك. كما قال تعالى { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6]، وكما قال تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157].
ومع تحريف كثيرٍ من أحبار اليهود ورهبان النصارى لتلك البشارات، وإخفائهم لبعضها، وتفسيرهم لبعضها الآخر بغير تفسيرها الصحيح؛ إلا أنه قد بقي ما يكفي منها لإقامة الحُجّة عليهم، وعلى كل من أنصف وبحث في الحقيقة.
وسنحيل هنا إلى بعض تلك البشارات في الكتاب الذي هم يؤمنون به.
فانظروا يا أهل الأرض في هذه الإحالات : سفر التثنية من التوراة (33/1) (18/15-19)، وسفر أشعياء (42/1-5)، وسفر حبقّوق (3/3)، وسفر المزامير (72/1-19)، وإنجيل يوحنا (14/16 ، 26) (15/26) (16/7-15) ورسالة يوحنا الأول (2/1). [الرقم الأول يشير إلى الإصحاح والذي بعد الخط المائل إلى رقم المقطع].
ومن دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم: تاريخُ دعوته، وسَيْرُ حوادثها، وفُتوحُ أتباع ملّته من بعده، وتهاوي الدُّول في وَجْهِ أصحابه الفاتحين، وسرعة انتشار الإسلام في أمم الأرض.
ومن دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم: حياتُه وسيرته، وشمائله وأخلاقه وصفاته، وكل ما يتعلّق بذاته وشخصّيته وسلوكه.
فهو صلى الله عليه وسلم في صفاته الخَلْقِية والخُلُقيّة يُمَثِّلُ الكمال البشريّ، الذي لم تعرف ولن تعرف البشريّةُ له شبيهاً، مما يقطع بنبوّته، بل أنه إمام الأنبياء وخاتم المرسلين.
فقد كان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس، وأحسنهم صورة، أنيقاً في ملبسه، يحبّ التطيب، ويلبس البياض، ويأمر بالنظافة والطهارة، وسئل مرة عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً فقال: "إن الله جميل يحب الجمال". وكان ذا ذوقٍ رفيع في مأكله ومشربه، بغير شره ولا إسراف، بل يقول صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدميٌ وعاءً شراً من بطن، بحسب ابن آدم أُكيلاتٍ يُقِمْن صُلْبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلثٌ لنفسه". وكان لبقاً في حديثه وتعامله، كثيرَ الابتسام، ظاهرَ البِشر، تحبُّه العيونُ والقلوب من حين تلقاه، لا يُمَلَّ حديثهُ ومجلسُه، بل ينسى جليسُه الدنيا بأسرها إذا حظي بالجلوس عنده، مع المهابة والجلالة، لا من السطوة والجبروت (كالملوك والسلاطين)، بل هي هيبةُ النبّوة والرسالة، وجلالةُ كمالِ العبوديّة لله عز وجل والخضوع له وحده سبحانه وتعالى.
ومن أعظم صفاته صلى الله عليه وسلم الرحمةَ، حتى قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107]، وقال تعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، وقال تعالى { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (( إنما أنا رحمةٌ مُهْداة)).(10/293)
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: حبه للمساكين، ومحبّتُه لمؤاكلتهم ومجالستهم، وعَطْفُه على المرضى في عقولهم وقضاؤه لحوائجهم، حتى ربما جاءته المرأة المريضة في عقلها، أو الطفلة الصغيرة، تطلب منه الحاجة التي تستلزمُ جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، فلا يتركها، بل يسعى معها في تحقيق رغبتها حتى تنقضي، أو ترضى بغيرها، ولا ينصرف عنها حتى تكون هي التي تنصرف عنه.
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: إكرامُه لليتامى، وإيصاؤه الشديدُ بهم، وحثُّه البالغُ بأن يُعْطفَ عليهم. وتودُّده إلى الأطفال، فكان يحملهم، ويقّبلُهم، ويمازحهم، ويُعلّم أمتّهَ كيف أنه للأطفال حقٌ في اللعب واللهو.
لقد تجاوزت رحمتُه بني آدم إلى غيرهم من المخلوقات على وجه الأرض، فكان يأمر بالرفق بالحيوانات، وينهى عن تعذيبها، حتى ما يؤكل منها: أمر بأن يُحْسن ذَبْحُها، وألا نُطيل عذابها قبل أن تموت. وعلمَ مَرّةً: أن أحدهم كان يكلّفُ جَمَله بعمل شاقّ، ولا يطعمه الطعام الكافي، فزجره عن ذلك، وذكر مَرّةً: أن أمرأةً دخلت النار بسبب هِرَّة، لأنها حبستها، لم تطعمها، حتى ماتت. وذكر مَرّةً: أن امرأةً بغيّاً سقت كلباً ظامئاً، فغفر الله لها، لرحمتها بالكلب. وقصَّ عن نبيٍّ من الأنبياء أن الله تعالى عاتبه لأنه أحرق بيتَ النمل بما فيه من النمل الكثير، لأن نملةً واحدةً منهن قرصته. حتى لقد سأله أصحابُه يوماً: وإن لنا في البهائم أجراً؟! فقال صلى الله عليه وسلم ((في كل كبدٍ رطبة أجر))، أي في الإحسان إلى كل حيّ من المخلوقات أجر.
وكان صلى الله عليه وسلم مع هذه الرحمة أشجع الناس، لكن شجاعته لا كشجاعة الجبابرة، بل هي شجاعةُ الواثق بوعد الله تعالى، القائمِ بدين الله تعالى، الذي لا يفرّق بين الموت والحياة، بل يقِّدمُ الموت إذا كان فيه رضى ربِّه عز وجل. ولذلك كان في ساحات المعارك، وإذا اشتد القتال=أقربَ الناس إلى أعدائه، يثبتُ حين يفرُّ الشجعان، ويلوذ به الأبطال وهو كأنه ليس في ساح القتال.
ومن شجاعته صلى الله عليه وسلم صَدْعُه بالحق في وَجْه أعدائه، وإعلانُه بالدعوة إلى دين الله تعالى في مقابل خصومه، الذين كانوا هم عمومَ أهل الأرض في أوّل دعوته. فلم يَخَفْ، ولم يتردّد، ولم يُداهن، ولم يتنازل عن شيءٍ من مبادئه بل واجه الدنيا بأسرها، ووقف يأَمر بالمعروف وينهى عن المنكر أمام جميع أهل الأرض.
وكان صلى الله عليه وسلم مع شجاعته عفوّاً عمّن أساء إليه، لا يعرف الحقد ولا الغضبَ للنفس ولا الانتقام لها أبداً. فكم من مَرّة عفا عمّن أساء إليه أعظمَ إساءة، بل أحسنَ إليه عند القدرة الكاملة على الانتقام منه. يقبل الاعتذار وهو يعلم أن المعتذرَ غيرُ صادقٍ في عُذْره، بل يتلمّسُ هو الأعذار لمن أخطأ عليه، ويتأوّلُ إساءته إحساناً، ويحمل خطأه على أحسن المحامل.
وكان صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، يُنفق إنفاقَ من لا يخشى الفقر، حتى أنه ما سُئل شيئاً قط فقال: لا. يُنفق ماله كلَّه للفقراء والمحتاجين، بل كان يستدين ليتصدَّق، ويؤثر على نفسه وعلى أهل بيته ضيوفَه والفقراءَ والسائلين، حتى إنه ربّما جاع أهلُه ليُطعمَ من هو أحوج للطعام منهم، ولذلك كان غالب طعامه وطعام أهله التمر والماء، ولربما مكثوا الأشهر المتوالية لا يوقد في بيتهم نارٌ على طعام لذلك.
ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم هو الزوج المثالي: في تودّده لأزواجه، وعَطْفه عليهن، وتحمُّله لأخطائهن البشريّة. ما ضرب واحدةً منهن قط، ولا شتم، ولا رفع صوته صارخاً. بل يعفو ويَحْلُم، ويمازح ويُلاعب، ويوافقهن فيما يُحْبِبْنَهُ ما لم يكن إثماً. ويعاونهنّ في أعمال البيت، ويخدمُ نَفْسَه بنفسه، فيخيط ثَوْبَه إذا انفتق، ويُصلح نَعْلَه بنفسه إذا انقطع. ويُوصي بالنساء كثيراً، وينهى عن ضربهن أو إهانتهن، ويقول ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))، وأوصى بالنساء وصيةً جامعة في خُطبته العظمى، في حجّة الوداع (كما سبق).
وكان صلى الله عليه وسلم حسن المعشر حتى مع من يخدمه، فكان صلى الله عليه وسلم يأمر بعدم تكليفهم بالأعمال الشاقّة عليهم، وأن يُطعَمُوا من طعام أهل البيت، وأن يُلْبَسُوا من لباسهم. بل يقول خادمُهُ صلى الله عليه وسلم، وهو أنس بن مالك رضي الله عنه: ما قال لي أفٍّ قط، ولا قال لي عن شيءٍ صنعتُه لم صنعتَ هذا هكذا؟! ولا قال لي عن شيءٍ لم أصنعه: ألا صنعتَ هذا هكذا؟! ولما رأى رجلاً يضربُ خادمه المملوكَ له قال صلى الله عليه وسلم: ((اعْلَمْ يا فلان: لَلَّهُ أَقْدَرُ عليك منك عليه))، فقال الرجل لمّا سمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو حُرٌّ لوجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم له: ((أما إنّك لو لم تفعل لمستك النار)).(10/294)
وكان صلى الله عليه وسلم شديدَ الحياء أشدَّ حياءً من العذراء في خِدْرها. لا يُحبُّ فُحْشَ القول، ولا يجري على لسانه لفظٌ بذيءٌ قطّ، ولا يتفوّه بعبارة تجرح الحياء والعفافَ. حتى كان يقول: ((الحياءُ خيرٌ كلَُه))، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)).
وكان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الناس تواضعاً، وهو القائل: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من كِبْر)). فكان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ولا يُقَام له إذا دخل على أصحابه؛ لأنه كان ينهاهم عن ذلك، مع شدّة محبتهم وتعظيمهم له، ولقد قامت له قلوبُهم لئن لم تَقُمْ له أجسادهم. وإذا مشى لايُصْرَفُ الناسُ عن طريقه، حتى عند شدّة الزحام، كما وقع في حَجّته صلى الله عليه وسلم، وربما اجتمعَ الناسُ عليه يسألونه حتى يبلغ به الإجهادُ مَبْلَغَهُ. ولم يكن يُمِّيزُ نَفْسَه عن أصحابه في مجلسه أو ملبسه أو مركبه، بل إنه يجلسُ حيث ينتهي به المجلس.
هذه بعضُ كوامل صفاته، وبعض عوالي أخلاقه؛ فهي لا تُدرك بكلام مختصر ولا مطوَّل. أثنى الله عز وجل على أخلاقه، فقال تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4].
وضمَّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كُلّه كمالَ العبودية لله تعالى، وكمال الخضوع والتضرُّع له عز وجل. فهو صلى الله عليه وسلم أعبدُ الناس، وأخشعُ الناس، وأورع الناس، وأزهد الناس.. صلى الله عليه وسلم.
فهو ذاكرٌ لله تعالى في كل أحيانه، لا يفتر لسانه عن التسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل وقراءة القرآن، كثير الاستغفار، غزير الاستعبار، يبكي من الخشوع لربّه حتى يبلّ لحيته، وحتى يُسمع لصدره صوتٌ من النشيج كصوت غليان القِدْر. يصومُ حتى يقال لايُفطر من كثرة الصوم، وقام الليلَ للصلاة حتى تفطّرت قدماه، فقيل له: لم تفعل ذلك وقد غُفِر لك ما تقدّم من ذنبك وماتأخّر؟!! فقال صلى الله عليه وسلم : ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
بل هو صلى الله عليه وسلم أعبد العابدين، وأذكر الذاكرين، وأحمد الحامدين، وإمام الأنبياء والمرسلين.
وهو صلى الله عليه وسلم في جمعه للكمال البشري في شؤون دنياه مع الكمال البشري في شؤون أُخراه=معجزةٌ خارقةٌ للعادات، وإنّها – تالله – لَشَمائلُ وصفاتُ نبيّ، بل هي أخلاقُ وسيرةُ خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
^
الخاتمة
هذه السيرةُ الشديدةُ الاختصار لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم هي التي أردنا أن نخاطب بها العالمين، وأن تُبَلّغَ للناس أجمعين. إذ في هذه السيرة، وفي الإيمان بصاحبها رسولاً ونبيّاً، وفي الاقتداء به في جميع أقواله وأفعاله=خيرُهم وسعادتُهم في الدنيا والآخرة، وبذلك تحصل نجاتهُم من عذاب الله تعالى.
وقد يستغرب بعضُ من يقرأ هذا الخطاب من أنّه لم يعرف هذه المعلومات عن سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم إلا من قراءاته له، وهذا قد يكون من تقصيرنا – نحن يا من عرفناه حق معرفته – في البلاغ والدعوة، ولكن السبب الأعظم لذلك هو حَجْبُ الباطل وأعوانه لهذه الحقائق عن الناس، وسَعْيُهم بكل وسيلةٍ إلى صَدِّ الناس عن سماعها، حتى لا ندري - نحن الآن أيضاً - هل سيصل هذا الخطاب إلى كل الآذان، أم سيمنع (كالعادة) عن كثير من الناس!!!
ولا ننسى أن نُذكِّرَ البشريّةَ بأن تقديس التقاليد والعادات، والعصبيّةَ للآباء والأجداد، وصعوبة الاعتراف بالخطأ الكبير=كل ذلك قد يحول دون الاستفادة من هذا الخطاب الفائدةَ التي لن يصلَ إليها إلا من استطاعَ تجاوزَ هذا كُلَّه، وحاكمَ تقاليدَه وموروثَه وآباءه وأجداده ونفسَه بكل إنصاف وتعقُّل.
كما لا ننسى أن اللهو واللعب، والشهوات والملذّات، والانشغال بتحصيل ذلك كُلّه، قد يصرف الإنسان عن هذا الخطاب. لكن ليذكر هذا المنهمك في ملذّاته أن الخالق (الذي لا يشك عاقلٌ في وجوده) لم يخلقه عبثاً، وأنه لن يدرك سعادته الحقيقية إلا من خلال الدين الأخير الصالح لكل زمان ومكان إلى نهاية الدنيا، وهو الإسلام، الذي جاء به خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم من الخالق سبحانه.
وأخيراً لا ننسى عدوّ البشريّة الأوّل، وهو الشيطان وأعوانه من شياطين الجن والإنس، الذين سيُزَيّنونَ لبني آدم الإعراضَ عن هذا الخطاب، وسيحاولون صَرْفَهم عن الحقائق الواردة فيه بأنواعٍ شتّى من الحيل النفسيّة والأباطيل والشُّبَه.
فعلى من أراد السعادة الحقّة، والنجاة من التعاسة الحقّة: أن يأخذَ على نفسه العهد، وأن يُصمِّمَ التصميم الصادق، بألا يُهمل هذا الخطاب حتى يدرسَه حق دراسته، ويبحث ويقرأ ويسأل عمّا تضمَنه من معلومات، إلى أن يصل إلى الحق.(10/295)
وليعلم أنه سَيُلاقي عقباتٍ كثيرةً، سبق ذكر بعضها آنفاً؛ لكن عليه أن يتجاوزها، مجتهداً في ذلك كل الاجتهاد؛ لأنّ ما يبحثُ فيه هو أجلّ شيءٍ - على الإطلاق - يبحثُ فيه المخلوق، إنه يبحث عن علاقته بربّه عزوجل، وعمّا يُكْسِبُه رضي خالقه عنه، ليحظى بتوفيقه وعنايته وحفظه وتأييده وطمأنينته في الدنيا، وبجنّةٍ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من النعيم الأبدي.
إننا على ثقةٍ تامة أنه مَنْ أَوْلى هذا الخطاب ما يستحقّه من الدراسة، متجاوزاً كل العقبات الحائلة بينه وبين دراسته له، مستعيناً بالخالق الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، على أن يدلَّه على الحقّ ويرزقه قبوله والخضوع له، مهما كان=أنه سيصل إلى مطلوبه الأعظم، وستنكشف له الحقيقة الكبرى!!!
وعندها سيكون هذا المسلم الجديد من أي بلدٍ كان، ومن أيّ عرق، ومن أي لون، وفي أي زمان=أحدَ من وَجّهوا هذا الخطاب أيضاً لغيره من البشريّة، ممن لم يسمعوا هذا الخطاب، أو سمعوه لكنهم خسروا أنفسهم وظلموها بعدم التصميم الصادق في اتّخاذ القرار الحكيم بشأنه.
{ هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ } [إبراهيم:52].
*****************************
الفهرس العام :
الباب الحادي عشر – مقالات وخطب حول ردود فعل المسلمين ... 1
أتسخرون من الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟!! ... 1
أخطر عقائد القرن ... 3
أريد أن أقول ثورة الغضب الإسلامية ... 6
أسباب ودوافع دينية وثقافية ونفسية وراء ما حدث من سب للنبي صلى الله عليه وسلم ... 19
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ... 23
ألا شاهت الوجوه وتبت الأيادي ... 25
ألا شاهت وجوه الأعداء ... 27
أهكذا نقف من إهانات أعدائنا لرسولنا؟! ... 32
أي حرية وأي ديمقراطية؟ ... 36
أيّهما أولى بالمقاطعة ؟ ... 48
إدانة الحكومة الدنمارك على خلفية الرسوم الكاريكاتيرية ... 50
إذا رمُتُ العُلا ... 55
إسرائيل وقضية الرسوم الكاريكاتورية ... 56
إلا تنصروه فقد نصره الله ... 59
(إلا محمد) ... 68
إن شانئك هو الأبتر ... 70
إنا كفيناك المستهزئين ... ... 72
إهانة نبي الإسلام تجدد السؤال من يكره من؟ ... 77
الكاتب: فهمي هويدي ... 77
اعتراضٌ وإنكارٌ على الإساءة النرويجية نحو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خالد بن عبدالرحمن بن حمد الشايع ... 82
الأساقفة الشواذ يهاجمون رسول الإسلام! ... 89
الإساءة للرسول.. بداية نصر جديد لو تعلمون ... 95
الإسلام.. والغرب.. حرب مجددة؟! ... 100
الإسناد عند المحدثين الدلالة التاريخ المنهج ... 115
منهج المحدثين في توثيق الإسناد ونقده. ... 155
الانتصار لرسول الله محمد أزكى البشرية ... 194
الانتصار للنبيِّ المختار صلى الله عليه وسلم ... 210
التميز الإداري في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ... 223
التنديد والاستنكار لا يُغنيان عن التبصير والحوار ... 231
الجرائم الغربية ... 236
الحرية الحقة ... 238
الحرية المطلقة .. كيف نفهمها ... 241
الحرية حين تكون سلوكاً إرهابياً ... 246
الحوارُ الحضاريّ بعد أزمة الرسوم ... 256
الدعاة ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم ... 263
الدعوة للفصل بين الكنيسة والدولة أكذوبة تفندها الوقائع ... 268
الدفاع عن حبيب الله ... 271
الدنمارك والهجوم على الرسول ... 274
فسيكفيكهم الله ... 288
إنا كفيناك المستهزئين ... 290
الذبّ عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 378
الرابحون والخاسرون من قضية الكاريكاتير ... 385
الرسوم الدنماركية المسيئة واستبداد الاعلام المتسلّط ... 388
الرسوم الكاريكاتيرية علامة على الإجحاف العميق في أوربا الغربية ... 392
الرسوم المسيئة جهل أم استفزاز؟ ... 395
الرسوم المسيئة حملة مدبرة وليست رصاصة طائشة ... 397
الرسوم المسيئة والرد عليها ... السلوكيات المؤسِّسة ... 402
الرسوم المسيئة ورقة في أيدي المتطرفين ... 405
السّنة النبوية: إضاءات ضروريّة ... 412
الصحف المتطاولة على الرسول خائنة لأمانة القلم ... 419
الصفات الخلقية لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ... 420
الصّراع الفكريّ بين الإسلام والغرب على القارّة السوداء" ... 440
العلاقة السرية بين الحكومة الدانماركية والبقر ... 445
الغرب بين حريّة سبّ الإسلام وحرمة الحديث عن الهولوكست . ... 448
الفاتيكان رأس حربة للصهيونية ... 450
الفوائد الجنية من الهجرة النبوية ... 457
القدوة الحسنة ! ... 480
الكمالات و الخصائص التي انفرد بها رسول الله ... 486
الليبرالية وراء سبّ سيد البشرية ... 510
المؤتمر الأول للنصرة ... 513
المصيبة العظمى.. بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ... 520
المقاطعة تستنفد طاقتنا الحيوية فيما لا ينفع !! ... 543
المقاطعة والمعاملات التجارية مع الأعداء ... 547(10/296)
المقاطعة وسيلة لنصرة المجاهدين ... 549
المُخْتار يا أُمَّةَ المِلْيار! ... 551
النبي العظيم بين حقد أعدائه وحب أبنائه ... 553
النبيُّ العظيم والرحمة المهداة بين وفاء المؤمنين وإيذاء المشركين ... 555
النفاق أم الغطرسة؟! ... 574
الهجرة النبوية المباركة ... 585
الهجرة النبوية والدروس التربوية والدعوية ... 587
الوقاحة الدنماركية مع الذات النبوية ... 592
أما لهذه الهجمة من رادع ؟! ... 594
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ... 605
بشارات ... 610
بعد تكرار نشر صور ساخرة لخاتم الأنبياء ... 651
بعدما اختطفوا عقولنا يريدون خطف قرارنا ... 654
بل اطردوا سفراء الزبدة ... 657
بل هو خيرٌ لكم.. ... 662
بل هي حرب على الإسلام ... 667
بيئة العنصرية وكراهية الآخر ... هل نحن في مواجهة مع الغرب؟ ... 668
بيان من أتباع دين الإسلام، أتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ... 674(10/297)
فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم وحقوقه ((9))
تابع الباب الحادي عشر – مقالات وخطب حول ردود فعل المسلمين
بين الدفاع عن السامية والتطاول على رسول الإنسانية
نشرت جريدة الوطن في 8/1/1427هـ
بين الدفاع عن السامية والتطاول على رسول الإنسانية
من الغريب جدا أن نسمع من يقول ما سبب سخرية الغرب واستهزائهم بشعائر المسلمين ومقدساتهم، ولكن لأننا أعرضنا عن كتاب الله واتباع سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فحق لمثلنا أن يكون هذا التساؤل على لسانه دائما، وإذا أردنا نصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يجب علينا أن ننصره في أنفسنا وفي مجتمعاتنا، ومن المؤسف أننا نجهل الكثير من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى في الأوساط الدينية، وعلى سبيل المثال لا الحصر كما ذكر ذلك فضيلة الدكتور محمد العريفي أنه لم تفلح شريحة من الطلاب الجامعيين في معرفة زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل الطامة في ذلك أن تذكر أمه (آمنة) وابنته (فاطمة) رضي الله عنهما من ضمن زوجاته صلى الله عليه وسلم، إننا نمر على سيرته العطرة مرور الكرام، وقد لا نتعب أنفسنا بقراءة كتاب من كتب السيرة المباركة، وأذكر لكم ما قاله لي أحد الإخوة وهو متدين منذ سنوات وبلغ الأربعين من عمره، فيقول: "والله إني ألخبط بين أركان الإسلام وأركان الإيمان"، وهي من الأصول الثلاثة الواجب على المسلم معرفتها والعمل بها، وهي مراتب الدين التي ثالثها الإحسان.
إن ثقافة المسلم الدينية ضعيفة في أوجب الأشياء عليه تجاه دينه، ناهيك عن السنن والمستحبات، ولهذا تنطبق علينا "ابدأ بنفسك أولا"، لأن الظل لا يستقيم والعود معوج، ولعل ما دفعني لكتابة هذا المقال ما لمسته من الكثير من زملاء العمل، حيث لا يمكن بحال من الأحوال أن يفرط أحدهم في ذكر تفاصيل جميع المباريات، بل حتى المشاكل الإدارية لتلك الأندية، ناهيك عن أسماء اللاعبين وهواياتهم، وعدد الأهداف وفي أي فريق، حتى إنهم يذكرون بطولات تلك الفرق مؤرخة باليوم والشهر والسنة، وأيضا متابعة "استار أكاديمي" الذي يذكرونه بالتفاصيل، بل يرشحون من سيفوز في النهاية، ولعل البعض منهم قد عد قطرات دموع الحزن التي ذرفتها عيون ذلك الشاب أو تلك الفتاة بعد خروجهما من المسابقة، ونجد في المقابل من حدثناه عن المقاطعة فقال أي مقاطعة؟ وهذا الشخص من المتابع للقنوات والصحف والمجلات والبلوتوث، وربما يكتفي بقول "لجناب الرسول رب يحميه".
إن الأمة يجب أن تكون يدا واحدة وتحت راية واحدة في الذب عن عرض رسول البرية صلى الله عليه وسلم، لأنه نبينا جميعا، ولا نريد كما قال العلماء والمفكرون أن تكون ردود الأفعال غير مرشدة، وفردية متسرعة غير مدروسة، لأنها إذا لم تكن على ذلك الحال فسوف تكون ضد المسلمين عاجلا أم آجلا بلا شك، كما أدعو جميع أفراد الأمة في كل مكان ألا يستهينوا بريال أو درهم أو دينار أو جنيه يشترون به من بضائع تلك الدول، ثم كيف يهنأ لك أن تأكل أو تشرب من منتجات بلد استهان بحبيبك صلى الله عليه وسلم وأنت تزعم حبه وتتمنى نصرته، حتى بعد الاعتذار الذي من وجهة نظري أنه لا يكفي، بل لا أنتظره ولا أرغب فيه، ولا أرى أن نطالبهم به، بل نقاطعهم وننبذهم، وبالله عليكم أي دولة غربية سلم منها جسد هذه الأمة، فهناك العديد من الدول قد طعنت هذا الجسد بخنجر الحقد والاستهتار واللامبالاة، فمن أقل الواجبات علينا أن نقاطع تلك الدولة.
أنا لست سياسيا وأهل السياسة هم أدرى وأعلم بها، ولكن لي تساؤل، لماذا الغرب في شتى هجماته على المسلمين يبرر بمبررات ساذجة باهتة مكشوفة للصغير قبل الكبير، والتناقضات في تصريحاتهم وأفعالهم وقوانينهم كثيرة جدا، ونحن نعلم ذلك، لماذا لا تكون ردودنا أقوى مما نسمع، لماذا لا نكشف كذبهم للعلم بطرحه في المنتديات العالمية والمحافل الدولية، وإذا كانت تلك الدول قوية وتملك قوى مادية، فنحن نملك ما هو أكبر منه (إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم) إن الله معنا، ولكن متى؟ عندما تزال الكراهية من بيننا، وتوحد صفوفنا تحت راية واحدة، لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.. وبعد ذلك نصر الله قريب.(11/1)
السامية التي أصدرت من أجلها القرارات والعقوبات على من تعدى على حرف من كلمتها، فما بالك بمن تمثله من الكيانات الزائلة بإذن الله، الدفاع عن السامية باب استخدم للضغط على الدول والتدخل في شؤونها - مثل باب معي أم مع الإرهاب -، والعلم بدقائق أموره، ولو تثاءب مسلم في بلد ما ولهم مآرب يريدون قضاءها من ذلك البلد لعد ذلك التثاؤب معاداة للسامية بزعمهم، فلماذا يهان الإسلام ومقدساته ونبيه صلى الله عليه وسلم وكأن شيئا لم يكن، بل يطلب منا أن نتقبل الإهانة لترقق علينا غيرها من الإهانات، أما السامية فلا!، (حرام على بلابله الدوح.. حلال على الطير من كل جنس)، إنها مفارقة عجيبة أن يكون هناك حرية للرأي كما يزعمون في الدنمارك، وإن كانوا جادين في ذلك فليتعرض أحد الصحفيين أو إحدى الصحف للسامية أو لأي رئيس أوروبي أو شيء من مقدساتهم، لنرى كذب تلك الحرية المزعومة.
إننا ماضون في مقاطعتنا للأبد وإذا كان لكم حرية الرأي وتتركون الحبل على الغارب لصحافتكم وكتابكم فلنا حرية في أن نختار ما نأكل ونشرب (بأبي أنت وأمي ونفسي ومالي يا رسول الله) ولا أظن أن هناك مسلما سيستسيغ أكلاً أو شرباً ممن استهزأ بنبيه، وإلا علينا السلام، فلو سب أحد من الناس آباءنا أو أمهاتنا لأقمنا الدنيا وأقعدناها وقاطعناهم لسنوات عديدة وهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكيف بمن سبوا واستهزأوا بمن نفديه بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا، ألا يستحق ذلك المقاطعة الأبدية، ليكونوا لمن خلفهم عبرة وآية، ولا ننسى بأن الله معنا.
مشبب عبدالله الزهيري - الرياض
=====================
بين السنة والسيرة
سلمان بن فهد العودة
من الأمور المهمة في مسألة الترجيح والتصحيح معرفة السيرة النبوية الكريمة من خلال النقول الصحيحة الثابتة .
ففي كتاب الله تعالى عرض لجوانب كثيرة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حربه وسلمه، وإقامته وظعنه، في أموره البيتية وغيرها، وقد كتب أحد المعاصرين كتاباً في السيرة النبوية من خلال نصوص القرآن الكريم سماه ( السيرة النبوية : صورة مقتبسة من القرآن الكريم ) .
وثمة مصدر ثر مهم للسيرة يغفل عنه الكثير وهو كتب السنة النبوية كالصحيحين والسنن والمسانيد والمعاجم و الموطئات وغيرها ..
ففي هذه الكتب مرويات هائلة وموثقة عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة المجتمع المسلم في عصره، قد لا توجد في كتب السيرة الأصلية .
وهذه المرويات عني بعض العلماء بجمعها، ومن أكثر من رأيت عناية بها وجمعها الإمام الحافظ ابن كثير في جزء السيرة النبوية من البداية والنهاية والذي طبعه ( مصطفى عبد الواحد ) في كتاب مستقل ، والإمام ابن القيم في كتابه الفذ ( زاد المعاد في هدي خير العباد ) فضلاً عن مصنفات مسندة تعنى بجانب معين من السيرة كـ ( دلائل النبوة ) لأبي نعيم والبيهقي وغيرهما .
وقد حاول عدد من الباحثين المعاصرين تناول بعض أحداث السيرة على ضوء روايات كتب السنة الموثوقة المعتمدة وهو منهجٌ حميدٌ يحسُن أن تقوم الأقسام العلمية في الجامعات بتوسيع دائرة البحث فيه .
وبين يدي عدد من الكتب والرسائل الجامعية، منها رسالة ( الهجرة ) للدكتور سليمان بن علي السعود من الجامعة الإسلامية، ورسالة ( السيرة النبوية من الصحيحين مقارنة بسيرة ابن إسحاق ) للدكتور سليمان العودة من كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية بالرياض، ومجموعة كبيرة من الرسائل في الجامعة الإسلامية تتناول المغازي والمعارك بصفة خاصة كـ ( مرويات غزوة بدر ) للعلمي ، و ( مرويات غزوة الحديبية ) للشيخ الحكمي، وغيرها كثير، وقد حاولت تطبيق هذا المنهج في كتابي ( الغرباء الأولون ) .
ليس مرادي سرد البحوث العلمية فهذا له ميدانه الخاص ، ولكن أريد الآن أن أؤكد أن الباحث قد يجهد في كتب السيرة ؛ ليوثق حادثة ما فلا يستطيع، لكنه يملك ذلك من خلال الرجوع إلى كتب السنة بكل يسر .
حادثة حصار الشعب وصحيفة قريش الظالمة الآثمة المعلقة في جوف الكعبة، تجد الإشارة الواضحة إليها في عدد من أحاديث الصحيحين، أذكر منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد قدوم مكة : ( منزلنا غداً ـ إن شاء الله تعالى ـ بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر ) يعني بذلك المحصب .
وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقريب منه رواية أسامة بن زيد بن حارثة المتفق عليها . وهذه الحادثة قد لا تجدها في كتب السيرة مروية بإسناد كإسناد البخاري ومسلم مثلاً .(11/2)
فأمثال هذه الرسالات تجعل الباحث في أي شأن من شؤون الحياة يستبطن صورة ذلك (( المجتمع )) بكاملها، إذاً السيرة ليست سجلاً لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة، كلا . بل هي تدوين أمين لحياة المجتمع المسلم بأكمله ، ورصد لتحركاته الاجتماعية والسياسية وغيرها .
وهذا الإدراك القوي لمجريات الأحداث في المجتمع الأول يمدّ الفقيه والدارس بوسائل جديدة للترجيح خاصة حين يقف أمام إشكالية تتمثل في تعارض نصين خاصين ـ ظاهراً ـ وبالذات في القضايا العامة التي تقع على مرأى ومسمع من الناس، أو تكون حاجات ضرورية تهم الجميع خذ قضية : الصلاة ومواقيتها وهيئتها العامة وأحكامها الإجمالية .. قضية الأذان والإقامة .. المياه وأقسامها وما يجتنب منها .. الوضوء والغسل .. معاملة المشركين واليهود وغيرهم .. إلى مسائل أخرى كثيرة لا يأتي عليها الحصر يمكن التماس القول المعتمد فيها من خلال النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة المجتمع الأول .
مثلاً :وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم مطلقاً حتى لو لم يجنب حال كفره .. مسألة فقهية خلافية .. نعم لكننا نعلم أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا كفاراً فأسلموا وهم يعدون بعشرات الألوف .. بل الذين حضروا معه حجة الوداع يزيدون على مائة ألف فهل من الممكن أن يكون هؤلاء جميعاً أمروا بالغسل ثم لا ينقل إلا أمره صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم ؟
صحيح أنه عليه السلام أمر قيساً بذلك لكن هذه القضية العينية الخاصة لا تدل على وجوبه على كل كافر أسلم بلا تفصيل .
مسألة أخرى : دعوى أن المشرك نجس العين يجب التحفظ منه حتى قال بعضهم: ( من صافح المشرك فليتوضأ ! ) هل يمكن قبولها في الوقت الذي نجد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يساكنون قريشاً المشركة في مكة، ثم اليهود في المدينة .. وربما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفاً على أحدهم أو أكل أو شرب في آنيتهم … ومن هنا جاء اعتماد الإمام مالك على المشتهر من عمل أهل المدينة لأنه سنة عملية يتلقاها اللاحقون عن السابقين .
وعلى العموم فإن هذه الجزئيات لا تعدوا أن تكون أمثلة فحسب،وإلا فالعناية بصحيح السيرة يمكن أن يستخرج منها المنهج العملي الإسلامي الذي يحكم جميع شؤون الحياة، سواء في معاملة المسلم داخل بيته أو مجتمعه، أو في علاقة الحاكم بالمحكوم، أو في علاقة الأمة المسلمة بغيرها في حال حربها وسلمها .
ولذا فإن من الضروري إخضاع مرويات السيرة لدراسة أخرى ـ غير الدراسة التوثيقية ـ تستهدف رسم معالم السياسات الإسلامية في العلاقات الدولية والاجتماعية، خاصة والمسلمون يعيشون مبادئ صحوة تدعو إلى تحكيم الإسلام في جميع مجالات الحياة .
============================
بين ثقافتي التسامح والكراهية
الكاتب: د. أحمد عبد الملك
بلاشك، فإن نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، أغضبت ملياراً وثلاثمائة مليون نسمة في العالم، ومناصريهم أيضاً ممن لا يجيزون التطاول على الأديان ورموزها أيا كانت تلك الأديان. ومن حق المسلمين، الذين شعروا بالإهانة والاستخفاف بأكرم خلق الله، أن يعبّروا عن غضبهم العارم، ويوصلوا صوتهم إلى العالم حتى لا تتكرر تلك الإساءة الكبيرة، ويعرف الذين يتغنون بالحريات والإباحيات بأن لكل حرية حدوداً... وأن التجاوز على حريات الآخرين ليس من الحرية.
من هنا، فإن الدعوات العاقلة التي خرجت من بعض البلدان العربية لمعالجة المشكلة مع الدانمرك، يجب أن تلقى التشجيع والتأييد، وحتى لا تبدأ معارك جديدة تسهم في صراع الحضارات، في الوقت الذي تتنادى فيه الدول لتبني مشاريع فاعلة نحو حوار الحضارات.
نعم حصل هنالك خطأ، وقد يكون مقصوداً ضد المسلمين، وتوجد حالات يتوجب فيها الاعتذار. ولو لم يتذرع أصحاب الصحيفة بالحرية وقاموا بالاعتذار عن الخطأ المشين، لما حصل ما حصل. لكن إعادة نشر الصور المسيئة مرة أخرى، وقيام صحف وتلفزيونات أوروبية وعربية بنشر تلك الصور، بل وقيام وزير إيطالي بارتداء قميص طبعت عليه تلك الصور، كل ذلك لا يندرج تحت الحرية، إن لم نصنّفه على أنه تحدٍ لمشاعر المسلمين، أو عبث سلوكي يُقصد به تأجيج الحرب وتعقيد حوار الحضارات.(11/3)
ولقد دخلت الهيئات الأوروبية على الخط، وقام ممثلو أبرز المجموعات السياسية في البرلمان الأوروبي بالدعوة إلى ربط الحرية بالمسؤولية، منددين في الوقت نفسه بالردود العنيفة المترتبة على نشر تلك الرسوم. لكن بعض ممثلي الهيئات الأوروبية تجاهل سبب المشكلة وركز على ردود الأفعال، ومنهم إمام المشرعين الأوروبيين الذي أبدى إدانة واضحة وقاسية لما تعرّض له مكتب المفوضية في غزة والبعثات في عدد من الدول، مشيراً إلى هدف هذه المؤسسات وهو تقديم المنافع للناس! ولكنه لم يشر إلى ضرورة عدم الاقتراب من حريات الآخرين في أديانهم ورموزهم الدينية. لكن البيان بعدم المبالغة في ممارسة حرية التعبير بالتحريض على الحقد الديني أو بنشر تصريحات عنصرية تدعو إلى كراهية الأجانب.
أما دعوة رئيس الوزراء الدانمركي بـ"تهدئة الخواطر" و"إعادة الحوار مع العالم الإسلامي إلى الطريق البناء"، فهي بلاشك محل تقدير، وعلى المسلمين التركيز على الجوانب الإيجابية في هذه القضية.
وإذا كانت العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي ظلت وطيدة وقائمة على الشراكة منذ زمن طويل، فإن استثمار دعوة سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة العربية السعودية، إلى المحافظة على العلاقات والمصالح والصداقات التي تربط الطرفين، وتفادي الوضع الناتج عن نشر تلك الرسوم، نقول استثمار تلك المواقف ممكن، تماماً مع الموقف الفرنسي الرسمي، وموقف الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، وكذلك آراء المسلمين المعتدلين الذين قبلوا اعتذار الصحيفة، ونعتقد أن قيام منظمة المؤتمر الإسلامي بصياغة مشروع قرار دولي يمنع الإساءة إلى الأديان سيكون خير علاج للظاهرة.
لكن حرق السفارات والسيارات، ومضايقة الأجانب، والمقاطعة، والهجوم الإعلامي على كل ما هو غربي... نعتقده يأتي من باب ردة الفعل العنيفة التي لا تحقق شيئاً إيجابياً، إن لم تأخذ الأمور إلى التعقيد.
إن إرساء قيم التسامح والعدالة والاعتراف بالآخر، هي السبيل الأمثل نحو تفاهم ثقافي بين الأمم والأفراد. وإن كسب المؤيدين لهذه الثقافة، لا يأتي عبر المنع والكراهية وأصوات الغوغاء. ونحن لا نختلف مع القائلين إن لكل شعب أو أمة تقاليدها وقيمها، وإن ما يأتي في باب المحرمات -لدى شعب من الشعوب- ليس بالضرورة يدخل في الباب نفسه لدى الشعوب الأخرى. ولا يجوز هنا تحوير المقاصد وإثارة الناس، بأن نشر الصور يدخل ضمن كراهية الأوروبيين ضد المسلمين، على اعتبار صكوك تاريخية إبان الحملات الصليبية، ناهيك عن بعض من يدّعون الدفاع عن الإسلام ويقومون باتخاذ مواقف متعارضة، حيث يتحدث بعض من يقيم في الدانمرك من المسلمين، بأنه ضد المقاطعة الإسلامية للدانمرك، ثم يتحدث من قناة عربية داعياً إلى زيادة رقعة المقاطعة!
هؤلاء هم نمط المندسين في الصف الإسلامي والذين تتبناهم أوروبا وتوفر لهم سبل العيش، لكنهم -في الوقت ذاته- يحقدون عليها، ويلعبون على عدة أوتار دون وازع من دين أو أخلاق وهم أشدّ على الأمة الإسلامية من مصوري ورسامي الكاريكاتير.
إن المسلمين محاطون بدول وثقافات أجنبية، وليس بمقدورهم بتر عالمهم الإسلامي ونقله إلى كوكب آخر يعيشون فيه بسلام، فإن مقاطعة الآخرين ليست من أسلحة العصر الحديث، تماماً كما هو حرق السفارات والتعرّض للأشخاص. كما أن إشاعة البغضاء -عبر الإعلام- وخلط الأوراق، لا يصب في مصلحة الأمة الإسلامية!
لذا، فإن عقلنة الإعلام في العالم الإسلامي من المهام الحضارية للدولة الحديثة، ولابد من إيجاد لغة تخاطب حضارية مع الآخر، وإن كنا -كمسلمين- نتألم من موقف الجريدة الدانمركية وغيرها. ويدخل ضمن تلك العقلنة تدريب الغوغاء على ثقافة الاعتراض، وعلى تنظيم المظاهرات السلمية التي تحقق أهدافها. فما الجدوى من تقاتل الجمهور الباكستاني مع الشرطة، وسقوط ثلاثة قتلى، وإتلاف المحال التجارية والسطو على البنوك على طريقة عصابات شيكاغو؟ هل هذه أساليب احتجاج على ظلم، والقيام بظلم واضح على مؤسسات ليست لها يد فيما حصل؟ بل وهل يرضى الرسول الكريم بتلك المصادمات بين أبناء الملة وإزهاق الأرواح؟ لعلنا نستذكر دخوله مكة فاتحا وظافرا، حيث أطلق أفضل قانون للتسامح -مع من آذوه وعذبوه- "اذهبوا فأنتم الطلقاء"! هذه هي روح الرسول وحكمته، فلم يقم بصلب من آذوه... أو حرقهم!
أعتقد أنها قضية أخذت بُعداً ثقافياً، ولابد من استغلال الإعلام "الضال" للحديث عن الأبعاد الثقافية للخلاف الحاصل.
فالحوار هو الذي يقرّب الأمم وليس التطاول والحرق والتحطيم وبث الكراهية.
صحيفة الإتحاد الأماراتية
===========================
.. بين محطم الأصنام، والباكين عليها..
عبدالله الناصر
(إسرائيل ابني البكر، هكذا يقول الرب) آية رقم 22 من سفر الخروج..!!(11/4)
من يستطيع أن يعترض على هذا الكلام ويعتبره تخريفاً أسطورياً وهرطقة..؟ لا أحد يستطيع وبالذات في أوروبا، وأمريكا، التي تتحدث عن حرية الفكر، وحرية الرأي، وزمن العولمة. لا أحد يستطيع أن يقول كيف لرب عظيم يصنع هذا الكون الهائل العظيم.. كيف له أن يتخذ ولداً اسمه إسرائيل، وأن بني إسرائيل من ذريته..؟ وأن أحفاده هم ابن غوريون، وغولدا مائير، وبيغن، وشارون..!!
? بعض مثقفينا «المحترمين»..!! يجرؤون على أن يقولوا كل شيء، في كل شيء، وأن يجادلوا، ويحاوروا، ويَكْفُروا، ويُلحدوا، ويطعنوا في دينهم.. ولكنهم يقفون ربما بإجلال، أمام هذا النص العبراني المقدس، وتخونهم هذه الهرطقة..!!
لكن أن يشتم نبي أمة كاملة فأمر أهون في نظرهم من أن يناقش، أو يثار، لأن المسألة مسألة حرية الرأي..
أنا لن أتحدث هنا عن رأي الغرب فينا، ورأيه في الحرية، والديمقراطية، ولا النزاهة، ولا العدالة، فقد عشت في الغرب أكثر من عشرين عاماً، وقرأت، وسمعت، وحضرت ندوات، ومؤتمرات، ولست محتاجاً إلى من يقنعني، أو يحاول تغيير موقفي من نظرة الغرب نحونا، ولاتجاه قضايانا، ولا من مفهومه للعدالة، والديمقراطية، التي تراد بنا، فالموقف بالنسبة إليّ واضح، ومحسوم، وهذا ما كتبت، وأكتب عنه بشكل مستديم، لا عن كراهية، أو بغضاء، ولكن عن تجربة وخبرة، فليس من طبيعة الحر النزيه، أن يغلب عاطفة الكراهية على قول الحق، ولا نزعة الشر على نزعة الخير، فأشهد أن في الغرب من الإيجابيات ما لا يعد، ولا يحصى، ولكن حينما يكون الأمر يخصنا، ويعنينا، فإن الأمور والموازين تتغير. وها هو اليوم يعلنها صريحة.. يعلن عن تكتل أوروبي ضد المسلمين، وذلك بإعادة نشر الصور في معظم البلدان الغربية، في موقف شبه موحد..
أقول لست أتحدث عن هذا، ولكنني أناقش، وأنادي، وأسأل أصحاب المبادئ، والعقول، والمخلصين من المثقفين، ومن أصحاب الرأي، والفكر، عن تلك الفئة التي تمارس على فكرنا وصاية، وتحكماً، بل وتمارس اضطهاداً قسرياً علينا، وعلى أجيالنا، في محاولة سمجة للدفاع عن مواقف الغرب حول قضايانا، وثقافتنا، ومعتقدنا..
أتحدث عن أولئك الذين ضجوا، وناحوا، وصاحوا في الصحافة، والإذاعات، عندما حُطّم صنم في أفغانستان، وطلبوا من الصغير، والكبير، أن يقف بخضوع، واعتذار، وانحناء، أمام تلك الحادثة..!!
وعندما يهاجَم مُحطمُ الأصنام الحجرية، والبشرية، ومُخّلص الإنسان من الأوثان، وعبادة الأوثان، الذي أخرج البدو من بيوت الشعر، ليعمروا الأرض بالجمال، والسلام.. عندما يشتم نبي أكثر من مليار مسلم، نراهم يلوذون بالصمت، ويغلقون أفواههم، ويصمون آذانهم، ويوارون أقلامهم، وهم أكثر الناس حديثاً عن الحرية، وحقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان..!! ولو افترضنا جدلاً، أن هؤلاء لا يؤمنون بمحمد، ولا بإله محمد، فلا أقل من الدفاع عنه من منظور ثقافي، فهو رمز ثقافة هذه الأمة، وهو معلمها الأول..
أذكر أن معظم هؤلاء رثوا الراهبة ماما «تريزا» وذرفوا عليها الدموع عند وفاتها، واعطوها من التبجيل، والتقدير، والتهويل، والتعظيم، ما لا ينطبق على بشر، ولا غضاضة في بكائهم، غير أني لا أعتقد أن ذلك كان عن قناعة بقدر ما كان إرضاءً لشهوة التمجيد لكل ما هو غربي..
لقد مجدوا سلمان رشدي، ودافعوا عنه باسم حرية التعبير، متجاهلين ما أثاره في قلوب ملايين الناس من حرقة، وألم، وكأن أولئك المسلمين لا مشاعر لهم، ولا أحاسيس لهم، بل وكأنهم كائنات نجسة يجب قمعها، وإذلالها.. ثم هللوا له عندما استقبله البيت الأبيض مكافأة له على قهر هذه الأمة وتكبيتها..
ورجموا المفكر، والفيلسوف روجيه جارودي بحجارة الحقد، ورموه بكل أنواع السباب، والشتائم، والصقوا به أوسخ التهم، ووقفوا إلى جانب أولئك الذين حكموا عليه، وقادوه إلى السجن، وهو في التسعين من عمره، لمجرد أنه تساءل عن صحة رقم محرقة «الهولوكوست»، مستنداً إلى وثائق، وكتب، وجرائد، ومجلات رسمية، وإحصائيات موثقة، إبان الحرب الثانية، تشير إلى أن عدد اليهود في أوروبا كلها كان لا يتجاوز الثلاثة ملايين.. فكيف يكون عدد المحروقين ستة ملايين..؟
بل لقد «زغرد» احدهم لفرنسا في زاويته «المتصهينة»، لأنها منعت المرحوم المفكر المسلم أحمد ديدات من دخولها.. كل هؤلاء لم يحركوا بنت شفة عندما شتم رئيس وزراء ايطاليا الإسلام، ودعا إلى حرب صليبية تنور المسلمين.. بينما لم يندد أحد من أولئك بمذابح شارون، ولا بقتل محمد الدرة، والشيخ أحمد ياسين، ولا الرنتيسي، أو ياسر عرفات.. لم يكتب من أولئك واحد مندداً بالمعتقلات الأمريكية في غوانتانامو، ولا في أوروبا، أو أبو غريب..(11/5)
لم يستنكر واحد منهم عملية حرق ومحو الثقافة العربية، وتدميرها، بكراهية، وحقد، على يد الجيش الأمريكي في بغداد. ورأيناهم في بداية غزو العراق، يجادلون بصفاقة حول استحالة سقوط طائرة «اباتشي» أمريكية برصاصة بندقية «بيرنو» قديمة، اطلقها فلاح عراقي!! أو يتندرون في مقالات طويلة، عريضة، على كلمة «علوج»، التي استعملها الصحاف، بينما بغداد تعتلجها الطائرات، والقنابل الجهنمية الملعونة، وكانوا بذلك يمارسون اتفه أنواع السفاهة، واحتقار عقل المثقف العربي وكرامته. بل نجد أنهم أمام تلك المشاهد، والجرائم البشعة، يدعون إلى الحوار مع الآخر، والتسامح، ونبذ العنف - المقاومة - ، بينما تاريخ الغرب يشهد أنه ما كان متسامحاً معنا ولو للحظة واحدة. فمنذ ما يقارب المائتي عام - إذا تجاوزنا محاكم التفتيش، والحروب الصليبية - وأرضنا، وشعوبنا، لم تنج يوماً واحداً من احتلال، أو ذبح، ويكفي أن بلداً عربياً واحداً أبيد من شعبه قرابة المليون ونصف المليون، في سبيل تحرير نفسه. ولا تزال طائرات الغرب، ودباباته، تصب حممها، ونيرانها على أطفالنا، وبيوتنا في العراق، وفلسطين، في الوقت الذي لا تزال طائرات الغرب، وسفنه، وسياراته، وقطاراته، ومكائن كهربائه، ومدافئ بيوته، تعمل بالنفط العربي..
أعتقد أنه طفح الكيل، وآن الأوان، لكي نواجه هذه الطغمة البذيئة التي تقف جنباً إلى جنب، مع أعداء هذه الأمة، كخصم لدود لطموحاتنا، وبناء أنفسنا، واستقلالنا، بل نراها تتطاول مع المتطاولين على لغتنا، وقوميتنا، وهويتنا، وديننا..! كل ذلك إرضاءً لنزوة العشق، والمظهر الشكلاني للثقافة الأمريكية، الامبريالية، الشوفينية، ذات البعد الواحد..
ويح هذه الأمة ألف مرة، ليس من أعدائها ولكن من أبنائها أو ممن ينتمون إلى ثقافتها وينسبون إلى جلدتها..!!
? وبعد: فلا بد لكل قارئ شريف، ومثقف شريف، أن يعي خطرهم، وأن يقف متوجساً، ومرتاباً، وحذراً، أمام كل طروحاتهم المغلة، الكارهة.. فوالله إنه ليشفي صدورهم، أن تتحطم هذه الأمة، وتحترق هذه الأوطان، وتنهدّ على رؤوس أهلها، حكاماً، وشعوباً..! فهل نحن متنبهون..؟!
=======================
تحبونهم ولا يحبونكم
الكاتب: محمد جلال القصاص
حادث سبِّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصحف الأوروبية ، ومن قبل امتهان أوراق القرآن الكريم ، والتعدي على المصحف ، وغير هذا مما يحدث من ( أهل الكتاب ) في واقعنا المعاصر ، وما حدث منهم على مر التاريخ ، حين دخلوا بيت المقدس وسفكوا فيه دم مائة ألف من النساء والأطفال ومن وضعوا السلاح حتى صار الدم بِرِكٌ تسبح فيها الخيل ، وما حدث في البوسنة والهرسك في العقد الماضي ، وما حدث في العراق من قصف ملاجئ الآمنين وطوابير المُنسحبين وحصارٍ دامَ لسنين ، وما حدث في الصومال من تجويع وتخريب ، وما حدث في أفغانستان ... كل هذا ـ وغيره ـ أمارات بينة على أن دعوى المحبة عند القوم كاذبة .
يدعي النصارى أن النصرانية دين محبة ، ويرددون نصا من الإنجيل ( حبوا أعدائكم ، باركوا لاعنيكم ، صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ) .
ويتكلم النصارى أن قلوبهم تفيض حبا وشفقة على الغير ، وأن المسيح ما جاء إلا للفداء ، وأنه جاء ليلقي سلاما على الأرض .
وكله كذب .
أين هذا على أرض الواقع ؟ بل أين هذا في كتابهم ( المقدس ) ؟
نحن لا نتكلم عن مسابّة بين شخصين من عوام الناس ، بل تهكم على أغلى ما عند المسلمين ـ النبي والقرآن ــ ، وبأسلوب يُستقبح من السفهاء وعوام الناس فما بالك بالمفكرين وأرباب الإعلام ؟
ونحن لا نتكلم عن حادث فردي حدث مرة أو مرتين ، وإنما عادة للقوم تتكرر في كل مكان وزمان حين يكون لأهل الصليب شوكة .
الحدث ليس فرديا .. فصحيفة نشرت . . وجمهور قرأ ولم ينكر . . ومثقفون لم يعتذروا أو يتبرؤوا . . و ( رجال دين ) سكتوا سكوت المقر الراضي بالحدث . . وحكومة سيق إليها كل عزيز كي تعتذر ولم تعتذر . ولم تر في الأمر شيئا . !!
وقل مثل هذا على باقي الأحداث التي تحدث هنا وهناك ، والتي حدثت بالأمس ، والتي تحدث اليوم .
فأين المحبة يا أدعياء المحبة ؟!
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن دين النصرانية دين لا يعرف أدبا مع المخالف . . أي أدب .. . وأن دين النصارى دين إرهاب هذا ما تقوله نصوص كتابهم المقدس في ( العهد الجديد ) و( العهد القديم ) .. وهذا ما يحدث على أرض الواقع بتمامه .وأنقل لك ــ أخي القارئ ــ بعض ما يقوله كتابهم لتعرف كيف يتطابق مع الواقع ، وأن القوم في سفاهتهم وبطشهم ينطلقون من منطلق عقدي ديني وليس تصرفات فردية كما يخدعون عوام الناس .
جاء على لسان المسيح ـ كما يزعمون ـ ( لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض.ما جئت لألقي سلاما بل سيفا ) ( متى : 10: 34 )
وجاء في سفر حزقيال [ 9 : 5 ـ 7 ]على لسان ( الرب ) :(11/6)
" اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ خَلْفَهُ وَاقْتُلُوا. لاَ تَتَرََّأفْ عُيُونُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا. أَهْلِكُوا الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ. وَلَكِنْ لاَ تَقْرَبُوا مِنْ أَيِّ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ َقْدِسِي. فَابْتَدَأُوا يُهْلِكُونَ الرِّجَالَ وَالشُّيُوخَ الْمَوْجُودِينَ أَمَامَ الْهَيْكَلِ. وَقَالَ لَهُمْ : نَجِّسُوا الْهَيْكَلَ وَامْلَأُوا سَاحَاتِهِ بِالْقَتْلَى، ثُمَّ اخْرُجُوا. فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَرَعُوا يَقْتُلُون "
أليس هذا ما حدث في بيت المقدس حين دخله الصليبيون أول مرة ؟؟!!
و( الكتاب المقدس ) هو الكتاب الوحيد الذي يأمر بقتل الأطفال ؟
جاء في سفر العدد ( 31: 1ـ 18 )
" وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى : انْتَقِمْ مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَعْدَهَا تَمُوتُ وَتَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِكَ . فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: جَهِّزُوا مِنْكُمْ رِجَالاً مُجَنَّدِينَ لِمُحَارَبَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالانْتِقَامِ لِلرَّبِّ مِنْهُمْ . فَحَارَبُوا الْمِدْيَانِيِّينَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ؛ وَقَتَلُوا مَعَهُمْ مُلُوكَهُمُ الْخَمْسَةَ: أَوِيَ وَرَاقِمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابِعَ، كَمَا قَتَلُوا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَسَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَغَنِمُوا جَمِيعَ بَهَائِمِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَسَائِرَ أَمْلاَكِهِمْ، وَأَحْرَقُوا مُدُنَهُمْ كُلَّهَا بِمَسَاكِنِهَا وَحُصُونِهَا ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الْغَنَائِمِ وَالأَسْلاَبِ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ، . . . . فَخَرَجَ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ وَكُلُّ قَادَةِ إِسْرَائِيلَ لاِسْتِقْبَالِهِمْ إِلَى خَارِجِ الْمُخَيَّمِ ، فَأَبْدَى مُوسَى سَخَطَهُ عَلَى قَادَةِ الْجَيْشِ مِنْ رُؤَسَاءِ الأُلُوفِ وَرُؤَسَاءِ الْمِئَاتِ الْقَادِمِينَ مِنَ الْحَرْبِ، وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا اسْتَحْيَيْتُمُ النِّسَاءَ؟ إِنَّهُنَّ بِاتِّبَاعِهِنَّ نَصِيحَةَ بَلْعَامَ أَغْوَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِعِبَادَةِ فَغُورَ، وَكُنَّ سَبَبَ خِيَانَةٍ لِلرَّبِّ، فَتَفَشَّى الْوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ، وَاقْتُلُوا أَيْضاً كُلَّ امْرَأَةٍ ضَاجَعَتْ رَجُلاً، وَلَكِنِ اسْتَحْيَوْا لَكُمْ كُلَّ عَذْرَاءَ لَمْ تُضَاجِعْ رَجُلاً ))
وجاء في سفر إشعيا [ 13 : 16 ] يقول ( الرب)
(( وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم ))
أليس هذا بتمامه ما شاهدناه في البوسنة والهرسك .
واسمع إلى إله الكتاب المقدس وهو يأمر بحرب أبادية كاملة
" أما مُدُنُ الشُّعُوبِ الَّتِي يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ مِيرَاثاً فَلاَ تَسْتَبْقُوا فِيهَا نَسَمَةً حَيَّةً، بَلْ دَمِّرُوهَا عَنْ بِكْرَةِ أَبِيهَا، كَمُدُنِ الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ " جاء في سفر التثنية ( 20 : 16 ) إِلهكم "
وغير هذا كثير . أمسكت عنه لضيق المقام وهو معروف مشهور للمتخصصين ، فمن شاء رجع إليه .
والمقصود أن هذا هو الوجه الحقيقي للنصرانية ، أنها لا تحب أحدا ، وأنها لا تحمل وقارا ( للآخر ) ، وليس عندها إلا القتل والسفك إن قدرت . هذا ما يقوله التاريخ ، وما ينطق به الواقع في ( أبو غريب ) و( جوانتنامو) و( قلعة حاجي ) في أفغانستان وغيرهم . وصدق الله العظيم " (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة : 8 ) .
وأين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ للجيش حين يغزوا (( انطلقوا باسْمِ الله وَبالله وَعَلَى مِلّةِ رَسُولِ الله، وَلا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً وَلاَ طِفْلاً وَلا صَغيراً وَلا امْرَأةً، وَلا تَغُلّوا وَضُمّوا غَنَائِمَكُم وَأصْلِحُوا وَأحْسِنُوا إنّ الله يُحِبّ المُحْسِنِينَ )) [ زيادة الجامع الصغير- للإمام السيوطي]
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( سِيُروا بِاسْمِ اللهِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ. قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ. وَلاَ تَمْثُلُوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً )) . [ رواه ابن ماجه] ](11/7)
نعم عندنا الولاء والبراء ، ونعم " ( لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة : 22 )
ولكن الكره والسيف عندنا لمن حاد الله ورسوله ... لمن كفر وحمل الناس على الكفر ، لمن ضل وأضل وأبى إلا ذلك بعد بذل كل سبل الحسنى له .
السيف عندنا لمن حمل في وجهنا السيف ، أما من وضعه وأغلق عليه باب داره فلا حاجة لنا فيه .
السيف عندنا بعيد كل البعد عن النساء والأطفال ومن ليس من أهل القتال .
لا نفعل بالنساء والأطفال والضعاف ما فعله القوم في بيت المقدس وما فعلوه في فلسطين والعراق والشيشان والبوسنة والهرسك وأفغانستان كما أمرهم كتابهم ( المقدس ) . بل عندنا : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة : 8 ) .
وليس في شرعنا ولا في تاريخنا ولا في واقعنا المعاصر أننا سببنا نبيا أو رسولا ، أو استهزءنا بعقيدة ما وإن كنا نقر بأنها محرفه .
فأينا المحب للخير ؟
وأينا المؤدب ؟
تحت ستار حرية الرأي ..
نشرت مجلة الدعوة في 26/12/1426هـ:
000000000000000000000
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) سورة المائدة}
وفي ظلال القرآن - (ج 1 / ص 422)
إنها صورة كاملة السمات ، ناطقة بدخائل النفوس ، وشواهد الملامح ، تسجل المشاعر الباطنة ، والانفعالات الظاهرة ، والحركة الذاهبة الآيبة . وتسجل بذلك كله نموذجاً بشرياً مكروراً في كل زمان وفي كل مكان . ونستعرضها اليوم وغدا فيمن حول الجماعة المسلمة من أعداء . يتظاهرون للمسلمين - في ساعة قوة المسلمين وغلبتهم - بالمودة . فتكذبهم كل خالجة وكل جارحة . وينخدع المسلمون بهم فيمنحونهم الود والثقة وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال ، ولا يقصرون في إعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم ، والكيد لهم والدس ، ما واتتهم الفرصة في ليل أو نهار .
وما من شك أن هذه الصورة التي رسمها القرآن الكريم هذا الرسم العجيب ، كانت تنطبق ابتداء على أهل الكتاب المجاورين للمسلمين في المدينة؛ وترسم صورة قوية للغيظ الكظيم الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين ، وللشر المبيت ، وللنوايا السيئة التي تجيش في صدورهم؛ في الوقت الذي كان بعض المسلمين ما يزال مخدوعاً في أعداء الله هؤلاء ، وما يزال يفضي إليهم بالمودة ، وما يزال يأمنهم على أسرار الجماعة المسلمة؛ ويتخذ منهم بطانة وأصحاباً وأصدقاء ، لا يخشى مغبة الإفضاء إليهم بدخائل الأسرار .
. فجاء هذا التنوير ، وهذا التحذير ، يبصر الجماعة المسلمة بحقيقة الأمر ، ويوعيها لكيد أعدائها الطبيعيين ، الذين لا يخلصون لها أبداً ، ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة . ولم يجيء هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصوراً على فترة تاريخية معينة ، فهو حقيقة دائمة ، تواجه واقعاً دائماً . . كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود . .
والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم : ألا يتخذوا بطانة من دونهم . بطانة من ناس هم دونهم في الحقيقة والمنهج والوسيلة . وألا يجعلوهم موضع الثقة والسر والاستشارة . . المسلمون في غفلة عن أمر ربهم هذا يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعاً في كل أمر ، وكل شأن ، وكل وضع ، وكل نظام ، وكل تصور ، وكل منهج ، وكل طريق!(11/8)
والمسلمون في غفلة من تحذير الله لهم ، يوادون من حاد الله ورسوله؛ ويفتحون لهم صدورهم وقلوبهم . والله سبحانه يقول للجماعة المسلمة الأولى كما يقول للجماعة المسلمة في أي جيل :
{ ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } . .
والله سبحانه يقول :
{ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ، وتؤمنون بالكتاب كله ، وإذا لقوكم قالوا : آمنا ، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } . .
والله سبحانه يقول :
{ أن تمسسكم حسنة تسؤهم ، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } . .
ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة ، ولكننا لا نفيق . . ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر . ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون ، ولا تغلسها سماحة يعلمها لهم الدين . . ومع ذلك نعود ، فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق! . . وتبلغ بنا المجاملة ، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها ، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام ، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله . ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي . ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا ، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا . .
وها هو ذا كتاب الله يعلمنا - كما علم الجماعة المسلمة الأولى - كيف نتقي كيدهم ، وندفع أذاهم ، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم ، ويفلت على السنتهم منه شواظ :
{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً . إن الله بما يعملون محيط } . .
فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء؛ وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع . الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل؛ ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبا لودهم المدخول . . ثم هو التقوى : الخوف من الله وحده . ومراقبته وحده .
هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله ، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه ، ولا تعتصم بحبل إلا حبله . . وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته؛ وستشد هذه الرابطة من عزيمته ، فلا يستسلم من قريب ، ولا يواد من حاد الله ورسوله ، طلباً للنجاة أو كسباً للعزة!
هذا هو الطريق : الصبر والتقوى . . التماسك والاعتصام بحبل الله . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها ، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها . . إلا عزوا وانتصروا ، ووقاهم الله كيد أعدائهم ، وكانت كلمتهم هي العليا . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين ، الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سراً وجهراً ، واستمعوا إلى مشورتهم ، واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء وأعواناً وخبراء ومستشارين . . إلا كتب الله عليهم الهزيمة ، ومكن لأعدائهم فيهم ، وأذل رقابهم ، وأذاقهم وبال أمرهم . . والتاريخ كله شاهد على أن كلمة الله خالدة؛ وأن سنة الله نافذة . فمن عمي عن سنة الله المشهودة في الأرض ، فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والإنكسار والهوان . .
بهذا ينتهي هذا الدرس ، وينتهي كذلك المقطع الأول في السورة . وقد وصل السياق إلى ذروة المعركة؛ وقمة المفاصلة الكاملة الشاملة .
ويحسن قبل أن ننهي هذا الدرس أن نقرر حقيقة أخرى ، عن سماحة الإسلام في وجه كل هذا العداء . فهو يأمر المسلمين ألا يتخذوا بطانة من هؤلاء . ولكنه لا يحرضهم على مقابلة الغل والحقد والكراهية والدس والمكر بمثلها . إنما هي مجرد الوقاية للجماعة المسلمة وللصف المسلم ، وللكينونة المسلمة . . مجرد الوقاية ومجرد التنبيه إلى الخطر الذي يحيطها به الآخرون . . أما المسلم فبسماحة الإسلام يتعامل مع الناس جميعا؛ وبنظافة الإسلام يعامل الناس جميعاً؛ وبمحبة الخير الشامل يلقى الناس جميعاً؛ يتقي الكيد ولكنه لا يكيد ، ويحذر الحقد ولكنه لا يحقد . إلا أن يحارب في دينه ، وأن يفتن في عقيدته ، وأن يصد عن سبيل الله ومنهجه . فحينئذ هو مطالب أن يحارب ، وأن يمنع الفتنة ، وأن يزيل العقبات التي تصد الناس عن سبيل الله ، وعن تحقيق منهجه في الحياة . يحارب جهاداً في سبيل الله لا انتقاماً لذاته . وحباً لخير البشر لا حقداً على الذين آذوه . وتحطيماً للحواجز الحائلة دون إيصال هذا الخير للناس . لا حباً للغلب والاستعلاء والاستغلال . . وإقامة للنظام القويم الذي يستمتع الجميع في ظله بالعدل والسلام . لا لتركيز راية قومية ولا لبناء امبراطورية!
هذه حقيقة تقررها النصوص الكثيرة من القرآن والسنة؛ ويترجمها تاريخ الجماعة المسلمة الأولى ، وهي تعمل في الأرض وفق هذه النصوص .(11/9)
إن هذا المنهج خير . وما يصد البشرية عنه إلا أعدى أعداء البشرية . الذين ينبغي لها أن تطاردهم ، حتى تقصيهم عن قيادتها . . وهذا هو الواجب الذي انتدبت له الجماعة المسلمة ، فأدته مرة خير ما يكون الأداء . وهي مدعوة دائماً إلى أدائه ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة . . تحت هذا اللواء . .
=======================
تحت ستار حرية الرأي ..
الصحافة الدانماركية تتطاول على سيد المرسلين
* وزراء الخارجية العرب ينتقدون موقف المنظمات الأوروبية المعنية بحقوق الإنسان
* المنظمات الإسلامية في أوروبا تعتزم ملاحقة المجلات في المحاكم الابتدائية والعليا
* رئيس الوزراء الدانماركي يعتبر نشر الرسومات يدخل في نطاق حرية الرأي؟!
تحقيق - محمد الخليل:
لم تقف أزمة الرسومات الكاريكاتورية التي نشرتها إحدى الصحف المتطرفة الدنمركية عند حدود الدولة الأوروبية فقط، بل تعدتها إلى دول وبلدان مسلمة حول العالم، بسبب ما أثارته هذه الرسومات من تجاوز لخطوط حمراء بالنسبة للمسلمين في كل مكان.
وإن كانت الحكومة الدنمركية لم تتخذ حتى الآن موقفاً رسمياً وواضحاً من التشويهات التي حاولت الصحيفة المحلية إحداثها فيما يتعلق بشخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فإن العديد من الحكومات والقيادات الإسلامية والسياسية في العالم العربي والإسلامي، قررت اتخاذ مواقف حازمة، أمام ما يمكن أن تمثّله هذه السابقة الخطيرة، وما قد تؤسس له في العقلية الغربية.
ففيما يفرض الدين الإسلامي على المسلمين، مبدأ احترام الأنبياء والرسل السماويين، واحترام نبي الله موسى (عليه السلام) نبي قوم بني إسرائيل، والمسيح عيسى (عليه السلام) وأمه مريم (عليها السلام)، تتبارى بعض وسائل الإعلام المتطرفة في تضمين كتاباتها ورسوماتها ومواضيعها، ما يسيء إلى الدين الإسلامي، كدين سماوي، وإلى شخصية الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم) كنبي مرسل من الله تبارك وتعالى.
وفي الدين الإسلامي هناك عقوبات وحدود تمنع أي مسلم من الإساءة إلى أي من أنبياء الله ورسله، بمن فيهم أنبياء اليهود والنصارى، وفي المقابل، نجد بعض الدول الغربية وقد رعت الإساءة إلى الدين الإسلامي، وحرّضت على المساس بمقداستهم وشرائعهم.
ورغم أن الإساءة الأخيرة للمسلمين لم تكن الأولى، إلا أن الإساءة لمقام الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
بدايات الأزمة
بداية الأزمة الحالية أشعلتها صحيفة (يولاندز بوسطن) الدنمركية المحلية، بنشرها مسابقة لاختيار أفضل رسم كاريكاتوري للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ادعت أنها تقع ضمن ما يسمى (بالحرية الفكرية).
وبعد وصول أكثر من 30 رسماً، أعلنت الصحيفة أنها رشّحت 12 رسماً منها للفوز، وقامت بنشر هذه الرسومات على صفحات جرائدها، في أواخر سبتمبر الماضي.
وشكّل نشر صور كاريكاتورية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) صدمة كبيرة في نفوس المسلمين في الدنمراك، ما برحت أن انتقلت إلى جميع المسلمين في العالم.ما مهّد حملة كبيرة من قبل المسلمين، لرد الاعتبار، وإيقاف تلك الصحفية عند حدودها، وإجبارها على الاعتذار (كأقل ما يمكن أن تقدمه على هذه الإساءة غير المسبوقة).
وفي أول رد فعل شعبي، خرجت مظاهرات منددة ضد الصحيفة المتطرفة، في الدنمرك، شارك فيها نحو 10 آلاف مسلم.بغية إيصال رسالة واضحة، إلى أن لا أحد من المسلمين يرضى بالتطاول على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
ردود الأفعال الرسمية
رسمياً، تمثّلت بدايات ردود الأفعال، بالتئام 11 بعثة لدول عربية وإسلامية في العاصمة الدنمركية (كوبنهاغن) سعت إلى لقاء رئيس الحكومة الدنمركي، بعد أن نظّمت لقاء داخلياً تدارسوا فيها ما قامت به الصحيفة الدنمركية، وطريقة الرد التي يجب أن تتبناها الدول الإسلامية لمواجهة ذلك.
إلا أن طلب البعثة الدبلوماسية قوبل بالرفض من قبل رئيس الوزراء الدنمركي أندرس فوغ راسموسن.
وجاء رده ليزيد من الاحتقان لدى المسلمين، حيث وصف ما فعلته الصحيفة المحلية بأنه (حرية رأي)، قائلاً في رده على طلب الدول العربية والإسلامية لقاءه: (إن الدانمارك دولة ديمقراطية وتحترم مبدأ حرية الرأي، وأن الرسومات تدخل في نطاق حرية الرأي)!!
وجاء في رسالته التي نشرتها الصحف (إن للصحافة مطلق الحرية في إبداء رأيها إزاء مختلف القضايا وأن ما حدث لا يخرج عن نطاق حرية الرأي)، ومضى يقول (على المتضرر أن يلجأ للقضاء).
سفيرة مصر بكوبنهاغن أعربت عن استيائها البالغ من موقف الحكومة الدانماركية الذي وصفته بالسلبي.
وذكرت منى عمر أن البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية كانت اتفقت فيما بينها على تقديم طلب رسمي للقاء رئيس الوزراء، لشرح انعكاسات السخرية من النبي صلى الله عليه وسلم ووقعها السيئ على المسلمين.(11/10)
وأشارت إلى أنه من الضروري أن تستوعب تلك الحكومة أن التوجه المعادي للإسلام والمسلمين الذي يتبناه عدد من السياسيين والإعلاميين، من شأنه أن يقوِّض جهود الحكومة التي تهدف إلى فتح قنوات حوار وتعاون مع الشرق الأوسط.
ولعل رئيس الوزراء الدنمركي قد فوّت على نفسه وعلى بلده فرصة تقليص المشكلة، التي أشعلتها صحيفة (يولاندز بوسطن)، وزاد هو من تأجيجها برفضه لقاء القيادات الدبلوماسية الإسلامية، ما أدى إلى ازدياد نقمة المسلمين على رد الفعل الرسمي.
وخلال الأيام التالية، عقدت منظمة المؤتمر الإسلامي قمة لها في السابع والثامن من شهر ديسمبر الماضي، في مكة المكرمة، تناولت قضية الرسوم الكاريكاتورية.
وقال القائم بالأعمال المصري في كوبنهاغن مهاب نصر مصطفى مهدي، نيابة عن السفير المصري: (أبلغتنا وزارة خارجيتنا أن قضية الرسوم الكاريكاتورية أدرجت على جدول أعمال قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الاستثنائية).
واستنكرت المنظمة ما ذهبت إليه الصحيفة الدنمركية من رسومات مسيئة لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، مقررة اتخاذ إجراءات عملية ضد هذه الإساءة المقصودة.
حيث قالت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في بيان صحافي عقب اجتماعاتها: (إنها قررت مقاطعة تظاهرة ثقافية دنماركية حول الشرق الأوسط) وطلبت من أعضاء المنظمة مقاطعتها.
وأضاف البيان أن الأمانة العامة للمنظمة بعثت مذكرة إلى المركز الدنمركي تشير فيها إلى أن (نشر تلك الصور أساء إلى مئات الملايين من المسلمين عبر العالم كما أن تعامل السلطات الدنمركية مع هذا الحدث زاد في مشاعر السخط والغضب في العالم الإسلامي).
وتابع إن (تعمد نشر تلك الصور عمل قصد به المس بمشاعر المسلمين واستثارتها ولا يمكن اعتباره عملاً بريئاً يدخل في نطاق حرية التعبير التي يؤمن بها الجميع).
وأكد البيان أن المنظمة (طلبت من جميع دولها الأعضاء ومؤسساتها الثقافية مقاطعة أنشطة المشروع الثقافي الدنمركي المذكور تعبيراً عن احتجاجها على هذا التصرف غير اللائق).
كما عبّر وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم الذي أعقب تأجيج الأزمة بين المسلمين والدنمرك، عن (دهشتهم واستنكارهم لرد فعل الحكومة الدنمركية الذي لم يكن على المستوى المطلوب رغم ما يربطها من علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية مع العالم الإسلامي).
وشدد الوزراء على أن الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة (جيلاندز بوستن) اليومية مسيئة للدين الإسلامي.وفق ما جاء في تصريح لوزراء الخارجية.
وانتقد الوزراء أيضاً موقف المنظمات الأوروبية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، مشيرين إلى أنها لم تتخذ موقفا واضحاً في هذه القضية التي أثارت غضب ملايين المسلمين.
وأدان بيان منفصل آخر، صدر عقب الاجتماع بشدة هذه الإساءة، مؤكداً أنها (تتنافى مع احترام وقدسية الأديان والرسل ومع قيم الإسلام السامية)•
كما قرر الوزراء تكليف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو بمتابعة القضية.
تحركات شعبية ورسمية
أمام جمود الموقف الرسمي الدنمركي، وتجاهل الصحيفة الدنمركية الأزمة التي أشعلتها بين بلدها والمسلمين في كل مكان، قررت العديد من الفعاليات الأهلية والرسمية الإسلامية، اتخاذ مواقف أكثر صرامة من التنديد والتهديد، وذلك برفع شكاوى قضائية ضد الصحيفة المتطرفة.
وقد بدأت أولى التحركات القضائية، بدعوة قدمتها 11 مؤسسة إسلامية في أكتوبر 2005م، إلى محكمة محلية بمدينة (فيبورج)، كونها الأقرب لمكان المنظمات الإسلامية.إلا أن هذه الخطوة لم تلق قبولاً من قبل المدعي العام المحلي.الذي اعتبر أن هذه الإساءة ليست من اختصاص المحكمة، وأن الدستور لا يجرّم مثل هذه التصرفات!!
وقال بيتير يورنسون (المدعي العام بفيبورج): (إن كلا من نص وروح المادة التي تجرم عدم احترام المقدسات بالقانون الدانمركي لا يصلحان للاستخدام ضد الصحيفة).
ورغم أن هذه القضية كانت ستكون حديث الحكومة والمحاكم لو أنها وجّهت إلى اليهود، إلا أن الأقلية المسلمة في الدنمرك قررت مواصلة تحركها، حيث قرر ممثلو الأقلية هناك؛ رفع دعوى قضائية أمام أعلى جهات الادعاء بالبلاد ضد صحيفة (ييلاندز بوستن) لنشرها الرسوم الكاريكاتورية.
وكشف قادة الأقلية المسلمة عن اعتزامهم تصعيد القضية على المستوى القاري أمام لجنة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي، إذا لم تؤت دعاواهم داخل الدانمرك ثمارها.
كما أكدت أسماء عبد الحميد (ممثلة المنظمات الإسلامية بالدنمرك) اعتزام المؤسسات الإسلامية رفع الأمر إلى النائب العام لعموم المملكة، موضحة أنه (ربما يكون له رأي آخر في القضية).
ويتيح القانون الدانمركي الشكوى للنائب العام بالمملكة، كفرصة أخيرة لقبول القضية.
تحركات عربية(11/11)
ولم تقف التحركات القضائية عند هذا الحد، حيث أعلنت جهات دينية واقتصادية في المملكة العربية السعودية، بتاريخ 21 يناير 2006م، عزمها مقاضاة الصحيفة الدنمركية في المحاكم الدولية.
حيث أعلن رجل الأعمال حسن آل مهدي (المالك والرئيس التنفيذي لمجموعة آل مهدي القابضة)، والمهندس سليمان البطحي (المتحدث الرسمي باسم اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء) عن تشكيل لجنة مشتركة باسم (اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء) تشمل كافة الدول الأوروبية، لتنسيق الجهود المشتركة، بهدف البدء باتخاذ إجراءات تنفيذية لمقاضاة الصحيفة الدنمركية التي نشرت رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
ومن المقرر أن يعقد الجانبان لقاءات قادمة، للبدء بالخطوات التنفيذية لمقاضاة الصحيفة الدنماركية.
وقال رجل الأعمال السعودي حسن آل مهدي: (إنه سيقدم دعمه المادي غير المحدود، مساندة للقضية التي باشر برفعها المهندس سليمان البطحي ضد الصحيفة الدنماركية التي أساءت للنبي).
وأضاف: (سيتم التنسيق بينه وبين البطحي لمتابعة الإجراءات والاستمرار في الدعوى القضائية).
كما أعلن الأزهر الشريف يوم السبت 10 ديسمبر الماضي، أنه سيتوجه إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لتصعيد قضية نشر صحيفة دانماركية رسوماً كاريكاتيرية تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، معتبراً ذلك (ازدراء واضحاً للمسلمين).
وقال مجمع البحوث الإسلامية في بيان له: (إن الأزهر يعتزم التوجه برفضه لما حدث من إساءة للرسول إلى اللجان المختصة بالأمم المتحدة وإلى منظمات حقوق الإنسان في كل مكان؛ دفاعاً عن حقوق الأفراد والشعوب، وحماية للتعددية الثقافية وما تتطلبه من احترام ثقافة الآخرين، والامتناع عن الترويج لثقافة الكراهية والازدراء بأولئك الآخرين).
تعاقب ردود الأفعال
رغم التحركات الأخيرة التي قد تؤدي إلى إدانة وتجريم الصحيفة الدنماركية، إلا أن العديد من الفعاليات الدينية في العالم الإسلامي والعربي، حملت على عاتقها لواء الدفاع عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم).
حيث أوضح الشيخ رائد خليل (رئيس لجنة الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدنمارك) أنه تم تنظيم تجمع يضم 40 مؤسسة ومسجدا لصد الحملات المستمرة ضد الإسلام والمسلمين، وخاصة ما نشرته الصحيفة الدنماركية المتطرفة.
كما كشف الدكتور محمد بشاري (رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا) عن توجه الاتحاد لطلب (فرض مقاطعة اقتصادية بل وجوية على الدول التي تصدر عنها تطاولات بحجم التهجم على سيد البشر).
وطالب بشاري بتحري النهج الأوروبي والأمريكي في التعامل مع القضايا الكبرى وفق إستراتيجية أساسية تصل إلى حد حظر دخول المنتجات.
وبيّن بشاري أنه في ضوء الفراغ القضائي الدنماركي وفي ظل (مزاعم حرية الفكر والصحافة) انتشرت حملات التطاول على المسلمين حتى وصلت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) و (إزكاء الفتن بين الجاليات المسلمة والدول الأوروبية)، الأمر الذي يستلزم، بحسب بشاري، (تحركاً فاعلاً يتجاوز أشكال المناشدة والمطالبة، بل والإدانة).
جمعية السنّة تستنكر الواقعة
ومن جهتها، أصدرت الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها بتاريخ 21 ذو القعدة 1426هـ، بياناً قالت فيه: (إن الجمعية العلمية السعودية تستنكر غاية الاستنكار وتأسف أشد الأسف لما صدر في بعض الصحف الدنماركية والنرويجية من الاستخفاف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووضعه موضع السخرية والاستهزاء).
ودعت الجمعية العقلاء والمنصفين في أقطار العالم إلى وقف هذه الممارسات الخطيرة، واتخاذ التدابير الواقية حتى لا يكون أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام محلاً لمثل هذه التجاوزات الخطيرة.
وأضاف البيان: (نذكر العالم أجمع بأن هذا النبي بعثه ربه سبحانه وتعالى رحمة للعالمين أجمعين وشاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ ونصح وأدى، فبسط الله به العدل والأمن والإحسان، وأقام به الحق وأخرج به العباد من الظلمات إلى النور، وختم برسالته رسالات إخوانه الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ومنهم أولو العزم من الرسل (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى).
ومضى البيان إلى القول: إن الجمعية لتستنكر ذلك، أداء لواجب النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، وقياما ببعض حقه صلى الله عليه وسلم على أمته وتعبيراً عن مشاعر الإساءة لدى كل مؤمن ومؤمنة تجاه هذه الجريمة المنكرة في حق نبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي يحبونه أشد من محبتهم لأولادهم ووالديهم والناس أجمعين، بل أشد من محبتهم لأنفسهم•.إذ إن المسلمين في أقطار الأرض آذتهم هذه التصرفات والرسومات البشعة التي خالفت بها هذه الصحف المواثيق والعهود الدولية التي ضمنت احترام دين الإسلام وكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم.(11/12)
كما دعت الجمعية المسلمين، وفي مقدمتهم ولاة الأمر والعلماء والمثقفون والإعلاميون والساسة، إلى الوقوف ضد هذه الإهانة لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم بما تبرأ به الذمة أمام الله تعالى، كل بحسب استطاعته وفق الأصول الشرعية مع التزام العدل والحكمة.
ودعت الجمعية كذلك الحكومتين الدانماركية والنرويجية إلى اتخاذ الإجراءات التي تكفل المحافظة على ما تضمنته العهود والمواثيق الدولية من احترام دين الإسلام، وكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى معاقبة من تسبب في هذه الإساءة لشناعتها، وخطورة تداعياتها والاعتذار الصريح في وسائل الإعلام عما صدر في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
إلى أين يمكن أن تذهب المشكلة بالمسلمين؟
أعلنت عدة مصادر رسمية وأهلية من أن تساهم هذه الأزمة الأخيرة، في إحداث انقسامات داخل المجتمعات الأوروبية، وتزيد من إحساس المسلمين هناك وفي بقية الدول، بالظلم والتحيّز الغربي ضدهم.
وتساءلت عدة وسائل إعلام عربية وإسلامية (ماذا كان سيحدث لو أن صحيفة أوروبية نشرت صوراً مسيئة بهذا القدر لليهودية)، مؤكدة أن الحكومات الغربية كانت ستتدخّل بقوة، بحجة ما يطلق عليه اسم (معاداة السامية).
واعتبر المحللون أن المساس بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي ينزله المسلمون منزلاً عظيماً في نفوسهم، لا يمكن تفسيره على أنه حرية رأي، (كيف يمكن فهم أن تقوم الحكومة الدانماركية الساعية لبناء حوار حضارات بينها وبين الدول الإسلامية بتحقير المسلمين بالنيل من رسولهم؟).
وحذر المراقبون من أن المساس بالرسول الكريم له انعكاسات سيئة من ناحيتين الأولى على الصعيد الداخلي في تحقيق الاندماج الحقيقي للمسلمين بالمجتمع الدانماركي، حيث تسعى الحكومة إلى إيجاد أجواء تهيئ لدمج المسلمين للتخلص من العنف والتقليل من نسبة الجرائم، ومن ناحية أخرى فهو يحمل إهانة لكل المسلمين.
ويأمل المسلمون في الدانمارك أن تصادق الحكومة على قانون يمنع الإساءة إلى الأديان السماوية والمقدسات الدينية، أسوة بالقوانين التي تمنع الإساءة إلى السامية والملكة والدستور الدانماركيين.
وأوضح الدكتور محمد فؤاد البرازي (رئيس الرابطة الإسلامية بالدانمارك) أن الجالية الإسلامية سعت عبر وسائل سلمية للتعبير عن رفضها المساس بالمقدسات الإسلامية، وذلك بتنظيم مظاهرة شارك فيها نحو عشرة آلاف متظاهر يوم الجمعة الماضي.
===========================
تعليقاً على الدراسة التي أدانت أداء الحكومة الدانمركية
الكاتب: د. الشريف حاتم بن عارف العوني
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اعتاد المسلمون في العالم الإسلامي أن يصفهم الغربيّون ببعض الأوصاف، واعتاد المسلمون أن لا يُصغي الغربُ إلى دفاعهم عن أنفسهم، واعتادوا أخيراً أن يخرجوا من (حوار الصُّمِّ) هذا بمقدار أكبر من الشعور بالكراهية لهذا العالم المتغطرس، كما اعتاد الغرب أن يخرج بمقدار أكبر من الشعور بالاستخفاف بذلك العالم المتخلّف.
ومن بين تلك الأوصاف التي يكررها الغرب في وصفه للمسلمين: أنهم أمّةٌ منغلقةٌ، لا قدرة لديها على التواصل الحضاري ، من خلال الحوار والتبادل الثقافي والفكري والفني، وغيرها من وسائل التواصل الإنسانيّة .
ولن أحاول الدفاع عن المسلمين هذه المرّة، لكي لا أكرّر (حوار الصُّمِّ) الذي اعتدناه، ولن أقول إن التبادل الثقافي والفكري.. (إلى آخره) إنما يحصل بين أمّتين تعترفان بأن لدى الأخرى منهما ما يُكْمِلُ بناء حضارتها، أمّا أن يقع من أمّة ترى أنها مستغنية عن كل ما لدى الأمّة الأخرى ، فهو لن يكون تبادلاً إلا من جهة ٍ واحدةٍ ، وحينها لا يكون تبادلاً، وإنّما يكون فرضَ قيمٍ وحضارة على قيمٍ وحضارة أخرى .
سأترك هذا الخطاب هذه المرّة جانباً ، ولن أعرّج عليه بغير هذه الإلماحة؛ لأني سأخطو خطوةً إلى الأمام ، وسآخذ بزمام المبادرة ، منتظراً من عقلاء الغرب أن يقدِّروا هذه الخطوة، ليتقدّموا إلينا بخطوة أخرى، عسى أن تتقارب وجهات النظر بيننا!
ذلك أنني سوف اعترف اعترافاً جديداً، بصفتي مسلماً من المسلمين، أُبيّنُ فيه تقصيري في فهم حقيقةِ إحدى القيم الغربيّة بكامل أبعادها، وهي قيمةُ (حرية التعبير). ولاشك أن هذا التقصير الذي أعترف به على نفسي ، وأحسبه يعمُّ كثيراً من المسلمين غيري= نقصٌ وعيبٌ فيمن أراد محاورة الغرب ؛ لأنه لن يستطيع فهم مُحَاوِرِهِ الفهمَ الكاملَ مع نقص تصوّره عن قيمةٍ ربما كانت سبب الاختلاف بينهما في بعض الأحيان.
وفي أزمة الرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة يولاند بوسطن الدانمركية، وآزرتها فيها الحكومة الدانمركيّة، اكتشفتُ قصوراً لديّ في فهم قيمة (حرية التعبير) لدى الغرب، وهي القيمة التي لم أكن غافلاً تماماً عن مكانتها في الثقافة الغربيّة؛ لكني لم أكن أتصورّها بكل معانيها لديهم.(11/13)
فقد فهمتُ من تلك الأزمة أن حرية التعبير لدى الغرب تفوق في قداستها قداسة الأمر الديني (أو هكذا يقول بعضهم) ، وأنّهم مستعدّون لأجل هذه القداسة أن يؤذوا مشاعر المسلمين جميعهم؛ ليُثبتوا للعالم وللمسلمين مقدار قداسة حرية التعبير عندهم.
وبذلك ازداد فهمي وضوحاً لمقدار التفاوت الكبير لرؤية المسلمين إلى حرية التعبير ولرؤية الغربيين إليها : حيث إن المسلمين يجعلون حرية التعبير قيمةً مقدّسة (مكفولة للمسلم) ما لم تَعْتَدِ على المقدّس الديني؛ لأنهم يرون مفسدة التطاول على المقدّس الديني، تفوق مصلحة حرية التعبير. وأمّا الغرب فيقدِّمُ حرية التعبير على المقدّس الديني، ولكنه لا يقدّمها على مَصَالِحِه الكبرى وعلى ما يُخلّ بأمنه القومي .
هاتان فائدتان استفدتهما من أزمة الرسوم المسيئة!!
كما أني خرجتُ من هذه الأزمة بألمٍ لا يُنسى وجُرح لن يبرأ من التطاول على مقام أحبّ مخلوق لديّ وأعظم إنسان في اعتقادي الجازم : ألا وهو حبيبي رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
فها هو اعترافي بهذه الحقيقة ، بعد أزمة الرسوم المسيئة.
وبعد أن صدرت الدراسة الرسميّة في الدانمرك ، التي أدانت الحكومة الدانمركية على سوء إدارتها للأزمة، وأنه " كان من واجب رئيس الوزراء أن يتحاور مع سفراء الدول الإسلاميّة " كما جاء في نصّ الدراسة؛ نريد أن نعرف بعد ذلك: من هو الذي كان منغلقاً فاقداً لسُبُلِ الاتصال الإنسانية من الحوار والتبادل والثقافي...؟!
أحسب أن الاعتراف التالي يجب أن يخرج من الحكومة الدانمركية ، والتي تمثّلُ أكثر الحكومات الغربيّة: فينبغي أن تعترف بأنها حكومةٌ منغلقة عن الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى، وإلّا لما رفضت مجرّد إجراء حوار عالي المستوى مع سفراء الدول الإسلاميّة، وهو الأمر الذي أخذته الدراسة الرسميّة لهذه الحكومة نفسها على أداء الحكومة ورئيس وزرائها كما سبق.
وهذا الموقفُ والاعترافُ المنتظر قد يعينُ على بداية انفتاح الأذهان لمسائل عديدة، منها مراجعة كثيرٍ من الأوصاف التي اعتاد الغربيون وصفَ المسلمين بها، والتي اعتادوا أن لا يُلقوا بالاً لدفاع المسلمين عن أنفسهم حيالها، التي قدّمتُ بها هذا المقال؛ لأن الانغلاق وعدم الحوار وعدم قبول التبادل الثقافي وعدم فهم الآخر...(إلى آخره) كانت تُهَماً و أوصافاً لا تكاد تفارق تصوّر كثير من الغربيين عن المسلمين، فإذا بهذه الأزمة تُظهر عكس ذلك تماماً!!
فهل نبدأ عهداً جديداً من محاسبة النفس، ومن ترك التعالي الذي يمنع من رؤية الحقيقة ؟!!
هذا مايرجوه كل من يتمنّى أن يسود التفاهم بين العالم، بدلاً من أن يتسلط القويُّ على الضعيف، ثم لا يفتأ أن يسوّغ لنفسه هذا التسلُّط ، لكي يخدِّر مشاعره ويخادعَ ضميره الذي يؤنبه على تصرّفاته اللاإنسانيّة .
هذا رجاءٌ صادقٌ، أتمنى أن يكون موجوداً لدى القادة و أصحاب القرار والفكر الغربيين !
تاريخ النشر في الموقع: 28/06/1427 هـ الموافق 07/24/2006 م
===========================
تنبيه هام جدا
الحمد لله الذي منَّ على من شاء من عباده بتوفيقه لنصرته , وخذل من شاء منهم بركونه إلى أعداء ملته , والصلاة والسلام على من لا خير إلا في طاعته ولا فلاح إلا في الانتصار لسنته , وعلى آله وصحابته ومن سار على هداه إلى يوم يلقاه . أما بعد
فلقد آتت غرسة الغيرة أكلها واستوت على سوقها فأغاظ الله بها الكافرين ولله الحمد على ذلك كله إذ هدانا لهذا الخير وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
ثم يا أيها الأكارم :
تعلمون أن الغرب الكافر إنما تحالف بينه لأنه يرانا الخطر الحقيقي الذي يهدده ولهذا فهو قد رسم لنفسه خططا يتخلص فيها مما يتوقعه منا من هجمات .
وتعلمون أن تلك الأمم الكافرة تعتبر المادة هي الأساس لكل شيء فلها يحيون ولأجلها يموتون .
وتعلمون أيضا أنهم يرون أن ما في أيدينا من الخير الذي جعله الله مخزونا في بلداننا والثروة المكنوزة في أراضينا حقا من حقوقهم وأننا همج رعاع لا نقدر على تصريف أمورنا وأننا أعراب يكفينا اليسير من العيش وإلا فهم سادته وقادته.
وأمور أخرى ليس هذا أوان حصرها .
لكنه لفت نظري اليوم وأنا أتابع الأحداث بلحظاتها وأرقب الوضع بتفاصيله أنه دخل علينا في الخط دولا تسمى زورا بالعظمى وهي أحقر من أن تذكر لتفاهة ما تعتقده من فكر منحط وسياسة انتقائية.
نعم لقد دخلت دول كفرنسا الحرية وغيرها ولعل القصد من هذا ظاهر لا يكاد يخفى على كل متابع وهو تفريق كلمتنا وإضعاف نار الغيرة في قلوبنا ولكي تكثر الظباء علينا فلا ندري ما نصيد.
إن دخول فرنسا وغيرها في هذه اللعبة القذرة والمعركة الخاسرة بحول الله وقوته يراد منه شيء خطير وهو :(11/14)
أن المسلم الغيور إذا طُلبت منه مقاطعة المنتجات الدنماركية والنرويجية والفرنسية والألمانية والهولندية وما سيقتحم الغمار بعد ذلك من الدول الأوربية أو النصرانية الحاقدة وربما المتعاطفة معها كالدول البوذية فلا شك أنه ربما يضعف عنده الحماس ويحس بشيء من الحرج والضيق ويصعب عليه الاستمرار كونه تكاثر عليه الأمر أو ربما لا يجد بديلا في الأسواق فيكون الغرب الكافر بهذا انتصر في المعركة من عدة جوانب :
1 = أنه تحقق له ما أراد من السخرية بدين المسلمين ورسولهم صلى الله عليه وسلم .
2 = أنه حطم معنويات المسلمين وأرغم أنوفهم وأجبرهم على خياره هو لا خيارهم هم .
3 = أنه زرع في الغيورين من المسلمين أن خيار المقاطعة والذي هو سلاح الشعوب المسلمة الفعال و القوي والوحيد خيار فاشل لا يؤتي ثماره بل لربما مارس علينا هذا الأسلوب مستقبلا لإذلالنا.
ولهذا فالذي أراه _ وقد أكون مخطئا في هذا _ أن تتظافر جهودنا في مقاطعة من كان السبب في هذه الجريمة مع رصد كل ما يمارسه الكفار في الدول الأخرى من استفزاز لمشاعرنا , وأن نقاطع وبقوة ,ونتواصى وبعزيمة على توحيد الصف وعدم التراخي مهما كلف الأمر وأن نتوحد في سيرنا هذا تحت راية العلماء العاملين الذين لهم دورهم المشكور والمبارك بإذن الله لكي نصدر عن رأي واحد يكون فيه إشعار لعدونا بجديتنا وحزمنا وأن صفنا لا يمكن أن يخترقه كيدهم ومكرهم الكبَّار .
فإذا ذاقت الدنيمارك والنرويج نار الحصار الاقتصادي وعلمت مغبة فعلها وفساد ما أقحمت نفسها فيه واستسلمت لكل مطالب الأمة وشروطها التفتنا إلى الخونة الذين كانوا يريدون توهين عزيمتنا وتهوين كرامتنا فعملنا معهم كما عملنا مع سابقيهم وهكذا .
ولكن ( العزيمة العزيمة يا أمة الإسلام ).
وحذار حذار من التشرذم والضعف فوالله ما أتانا العدو إلا من تفرقنا .
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )
هذا ما رغبت التنويه له والتنبيه عليه ولعل الله أن يكلل الجهود بالنجاح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه الشيخ الداعية /
سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الدويش
هاتف جوال : 0505124106
mamal_m_s@hotmail.com
المقال من الشيخ سليمان خاص بحملة مليار مع محمد صلى الله عليه وسلم ...
===========================
ثورة طلبة الإخوان دفاعًا عن الرسول القدوة [1938]صفحة من تاريخ الإخوان
الكاتب: عادل المحلاوي
في عام 1938 قام طلبة الإخوان المسلمين بالجامعة والأزهر والمعاهد والمدارس بثورة عارمة؛ اعتراضًا واحتجاجًا على تدريس كتب إنجليزية بكلية الآداب تتضمَّن إساءةً صريحةً لرسولنا الكريم وديننا الإسلامي.
وتقدم طلبة الإخوان بمذكرة لإلغاء تدريس هذين الكتابين، ورفض عميد الكلية د. طه حسين ذلك، فأعقب هذا الرفض حملةٌ في صحافة الإخوان، وإرسال برقيات ومذكرات إلى ملك البلاد وشيخ الأزهر وغيرهما من المسئولين، وقامت المظاهرات والإضرابات في المدارس والمعاهد، ثم تطور الأمر إلى مناقشة الموضوع داخل مجلس النواب، وانتهى بمنع تدريس الكتابين.
هي صفحة تبرز كيف كان الإخوان المسلمون- ممثَّلين في طلبتهم- في الصدارة دائمًا دفاعًا عن الإسلام ورسوله ومقدسات المسلمين، كما تبرز الموقف المتهافت دائمًا للعلمانيين في بلادنا تجاه قضايا الإسلام والمسلمين، كما يُبرز الإرهابَ الفكريَّ الذي تمارسُه إدارات الجامعات والكليات تجاه صحوة الطلاب وخصوصًا حين تستمد صحوتها وحركتها من العقيدة والدين.
يروي لنا الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد- أبو الجامعيين الإخوان وأحد شهود المعركة وأبطالها- تفاصيلَ ما حدث فيقول:
وقد حدث في هذا العام 1938 حادث الثورة على الكتب المقرَّرة في قسم اللغة الإنجليزية وهو كتاب "جان دارك" وكتاب "أحاديث خيالية" للكاتب الإيرلندي المشهور "برنارد شو" تناول فيه شخصيةَ الرسول عليه الصلاة والسلام تناولاً يتضمن الإساءةَ والتجريح، وإن كانت هذه في صورة حوار بين اثنين، ولكنَّ القارئ لهذا الحوار يحس روح المؤلف في السخرية والاستهزاء بالرسول- عليه الصلاة والسلام- وذلك لأن التجريح في هذا الحوار لم يقابله من الطرف الآخر، فتجلى التجريح مسيطِرًا على أسلوب الكاتب في هذا الحوار.
وهاك أيها القارئ الكريم نماذجُ مترجمةٌ ترجمةً حرفيةً، مما هو مقرَّرٌ في قسم اللغة الإنجليزية بالسنة الثالثة؛ لنعرض على الحكومة "الإسلامية" والرأي العام هذه السموم الفكرية التي تحطِّم في شبابنا روحَ الغيرة على الدين وتعوِّده الذلة والخنوع والاستهتار بكرامته كمسلم مصري شرقي، وذلك تحت ستار العلم وحريته والجامعة وآرائها التجديدية.
أولاً: نقلاً عن كتاب "سان جون" في محاورةٍ بين شخصين ص 157 تمامًا:(11/15)
كوشون: دعني أقل لك إن أمثال هذه الخطابات التي ترسلها "جان دارك" إلى الملوك والوزراء كانت قديمًا الوسيلةَ التي كان يلجأ إليها محمد- الملعون- عدوُّ المسيح، وبهذا الإلحاد تمكَّن ذلك العربي سائق الجِمال من مطاردة المسيح وكنيسته المقدسة (بيت المقدس) واتخذ طريقَه كالوَحْش الكاسر حتى انتهى رحله أخيرًا إلى البرانس، وقد رحم الله فرنسا من هذا (الجحيم)!! ولكن ماذا كان يفعل سائق الجِمال هذا إلا ما تفعله راعية الغنم هذه؟!
يقول إن صوت الله يهبط عليه بواسطة الملك جبريل، وهي تقول إن صوت الله يهبط عليها عن طريق القديسة كاترين ومارجريت وعن طريق ميكائيل المقدس، ولقد ادعى أنه رسول لله وكتب باسم الله إلى ملوك الأرض قاطبةً، وإذا نظرت وجدت خطابات تلك الفتاة كأنها السيل المنهمر.. ستكون دنيا دماء ودنيا رعب ودنيا خراب وستعود ثانيًا إلى الوحشية الأولى؛ لأننا الآن نجد محمدًا ومن حوله من الحمقى، ونجد جان دارك ومن حولها من الأغرار، ولكن ماذا يكون مصير العالم لو أن كل فتاة اعتقدت نفسَها مثل جان دارك وكل رجل اعتقد نفسه مثل محمد"؟!
وفي خلاله يصف وحي الرسول أنه عدوَى كالسرطان، إذا لم يُقضَ عليه ويُحرق فإنه لا ينفكُّ أن يقذف بالمجتمع الإنساني في الخطيئة والفساد والضياع والخراب!!
ويكمل الأخ محمد عبد الحميد قائلاً: وقد رأيت إزاءَ هذين الكاتبين أن أتقدم بطلب باسم طلاب الإخوان المسلمين وقسم اللغة الإنجليزية ولم يكن معنا في الواقع إلا شباب الإخوان فقط من جميع الأقسام، ولكننا تكلمنا باسم القسم كله لتعزيز طلبنا، وهذه بعض فقرات الاحتجاج المرفوع إلى عميد الآداب والذي أمضاه نحو أربعين طالبًا يناصر أكثرهم مبادئ الإخوان:
"حضرة صاحب العزة- عميد كلية الآداب
تحيةً واحترامًا وبعد!!
فنرفع إلى عزتكم هذه المذكرة، نحتجُّ فيها على تقرير رواية "سان جون" وهي تتضمن طعنًا صريحًا في شخص الرسول- عليه الصلاة والسلام- في عباراتٍ فاحشةٍ لا تتحمل تأويلاً ولا جدالاً.. وإن كلية الآداب لأوسعُ عقلاً وأعمق فكرًا من أن تخلط بين حرية الفكر وحرية الفحش والإجرام في أقدس شخصية في هذا العالم عند المسلمين، وإننا لننتظر من العميد الذي ينادي دائمًا بكرامة الجامعة واستقلال الجامعة وحرية التفكير أن يعيننا فيما يدعو إليه من كرامة الجامعة في أقدس ما نعتز به، فلسنا نريد أن يحيا العلم على حساب الكرامة، ولكنا نريد أن تحيا الكرامة في ظلال العلم..".
فما كان من الأستاذ العميد طه حسين إلا أن تعجَّب من هذه الثورة التي لا محلَّ لها في نظره، قائلاً: إن طريق الدفاع عن الإسلام لا يكون بالثورة وإنما يكون بالرأى والإقناع، فأجبته قائلاً: إن الإقناع بالرأي إنما يكون عند مقابلة الرأي بالرأي والفكرة بالفكرة، ولكنَّ أسلوب السباب والشتائم لا يعالَج بالرأي والفكر، وإنما يعالَج بالاحتجاج والثورة، وهذا الذي قمنا به إزاءَ هذه الشتائم والإهانات التي تُثير المشاعر فهي كمن يصفع خصمَه بيده فهل يدفع المصفوع عن نفسه بكلمةٍ من الكلماتِ أو برأيٍ من الآراء؟ أم يدفع بصفعةٍ أقوى وأردع؟!
صحافة الإخوان تتبنَّى القضية
وشنَّت مجلة (النذير) حملةً صحفيةً موفقةً، نشرت فيها مقتطفاتٍ مما حَوَته تلك الكتب من الشتائم والسباب، وعلَّقت عليه بأسلوب حماسي ملتهب، وكان أول تلك المقالات والذي أشعل شرارة الثورة بعنوان "الإسلام يهان في كلية الآداب رسميًّا"، وتضمن العناوين الرئيسة التالية: رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم- "يُلعن" في منهج الدراسة "علنًا".. بين جدران الكلية وعلى مسمع من الطلبة حرية الكفر والإلحاد تباح باسم حرية الفكر والآراء، وقال فيه كاتبه:
"من العجيب أن كلية الآداب- التي هي مصدر الأفكار الحرة والآراء الحديثة في مختلف نواحي الثقافة- قد أصبحت تعاني في ظل هذه الأفكار الحرة والآراء الحديثة من سيطرة النفوذ الأجنبي وخاصةً الإنجليزي؛ حيث المقررات يمليها هوى الأجانب الذين نهجوا في دراستهم نهجًا استعماريًّا رمَوا به إلى قتل روح العزة والكرامة في نفوس المسلمين والمصريين وإشباع فكرهم بالآراء الإباحية والإلحادية، ولكن الشباب الجامعي في هذه الأيام قد تيقَّظ وعرَف كيف يَغضب لكرامته ويذود عن شرفه، وما كرامته وشرفه إلا دينُه الذي يدين به ورسولُه الذي يعتز به.
وعلق الكاتب على موقف عميد الكلية د. طه حسين قائلاً:(11/16)
"وإذا كان هناك مخلوقٌ- مهما علا مركزه- يتشدَّق بحرية الفكر وحرية الجامعة في مثل هذا الإجرام، فإننا نتحداه أن يقرَّ لسانه سبَّ الذات الملكية باسم حرية الجامعة وحرية الآراء، أو أن يقرَّ نشرَ الآراء الشيوعية الهدامة باسم حرية الفكر والآراء، فإذا آمن أن حرية الفكر غير حرية الإباحية والإلحاد، وأن العلم الأثيم ليس إلا الجهل الأثيم نفسه.. فإننا سنرى أثرَ صيحتنا هذه الصادعة المدوية في الحكومة وأولي الأمر في الجامعة، لعلهم يضعون لهذا الإسفاف العلمي حدًّا، ولا يكون الإسلام عندهم تقليدًا باليًا كما يتوهم بعض الملحدين، وإنما يجب أن ترتفع في ظلاله الآراء الحرة، وتنبعث من روحه ثمرات التجديد والتخليد، وإن كلية الآداب التي تعرف جيدًا آداب بشار وأبي نواس ما أولاها إلى أن تعرف أيضًا آداب أبي بكر وعمر".
واهتمت الصحافة بهذا الموضوع، فقد ذهب وفدٌ من طلاب الإخوان إلى جريدة المصري، وقابلوا الصحفي المعروف الأستاذ الغمراوي، الذي "استقبل وفد شباب الإخوان أحسن استقبال ونشر احتجاجَهم على تقرير هذين الكتابين بقسم اللغة الإنجليزية تحت عنوان: تدريس الطعن في النبي الكريم في كلية الآداب، وهذا المقال هو الذي أثار ثائرة الرأي العام في مصر؛ وذلك لأن جريدة المصري كانت جريدةً وفديةً لها شعبيتُها الواسعة في مصر، وكان المحرر "الغمراوي" موفقًا في كلمته الخاصة تحت هذا العنوان، فهو لم يكتف بنشر الاحتجاج، وإنما كتب كلمةً مستفيضةً بأسلوبه الصحفي الممتاز يَعيب على المسئولين بالجامعة تقريرَهم مثلَ هذه الروايات لشبابنا المثقف".
وتوجَّهت إليه صحافة الإخوان بالشكر على هذا الموقف النبيل، فقالت:
"وشكر الله لإخواننا الذين أمضوا عن اقتناع وإيمان، كما شكَر الله للأستاذ الغمراوي الذي أحسن لقاء طلبة الإخوان، وعُني بموضوعهم وكتب عنه في جريدة المصري كتابةَ مسلم يَغار على الإسلام ويرتفع عن المجاملات والرسميات إلى الدفاع عن الحق للحق".
وقامت جريدة المصري بأخذ رأي عميد الكلية في الموضوع، فلم يخرج عن سابق حديثه مع وفد الطلاب، فعلقت عليه الصحيفة أيضًا قائلةً:
"وأما تصريح الدكتور طه حسين لجريدة المصري فلم يكن غريبًا كما يرى الأستاذ الغمراوي، وإنما كان رأيًا طبيعيًّا للدكتور العميد الذي يذهب منطقُه إلى ما ذهب إليه منطق زعيم من قبل (يقصد مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد) وهو أن الإسلام عالي الجنبات لا يؤثر فيه الطعن ولا الشتائم، وقد كفانا الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر ومعالي وزير المعارف وغيرهما مئونةَ الرد على هذه الفكرة التي لا ترتفع إلى حد الشبهة ولا تنهض إلى مكانة البحث والرأي".
ردود أفعال الأزهر والمعاهد والمدارس في أنحاء البلاد
"كان لهذه الحركة المباركة صداها القوي في الأزهر الشريف، فقامت كلية أصول الدين عن بكرة أبيها في مظاهرة رائعة وإضراب عن الدرس غضبًا لله والرسول، وأرسلوا البرقيات للجهات المسئولة، ويُحيِّي فيهم شيخ الأزهر هذه الغضبةَ الكريمةَ وتلك النفرةَ القدسيةَ، فما أروعه من منظر يطرب الإسلام ويقرُّ عينَ رسول الله!! وقد انتقل صدى هذه الحركة إلى معهد الإسكندرية وأضرب طلبتُه الكرام احتجاجًا على هذا الحادث.
وقد بلغنا أخيرًا تلك الحركة الباهرة الرائعة التي قام بها طلبة المدارس الثانوية وخاصةً الفاروقية ومعهد الزقازيق؛ حيث ألفوا مظاهرةً ضمت آلاف الشباب وهزوا مدينة الزقازيق هزًّا، وتجاوزت هتافاتهم عنانَ السماء: الرسول زعيم العالم- نموت فداء الرسول- كرامة الرسول فوق النقد والتجريح، وأخذوا يتغنون بأناشيد العزة الإسلامية:
قد محا الله الضلال وبدا نور اليقين
فاهتفوا في كل حال عاش دين المسلمين
وطالع بعض الإخوان بالمدرسة الفاروقية ما تُرجم من كتاب سان جون في عدد النذير السابق على الإخوان، فأثار شعورهم وخرجوا كتلةً واحدةً يهتفون بهذه الهتافات المجلجلة ويعلنون غضبة الإسلام في حرارة وإيمان، واقتحموا أبواب المعهد الثانوي فانضموا اليهم وأصبحوا قوةً تزلزل الإلحاد وتقرُّ عين المؤمنين، ثم قصدوا جميعًا إلى مدرسة الصنايع ثم إلى المدرسة الأميرية؛ حيث اصطدموا بقوة البوليس ولكنه لم يشتبك معهم، وردَّد طلبة المدرسة الأميرية هتافاتِ الإخوان، ولكنَّ الناظر طمأنَهم بمصادرة هذين الكتابين ولا داعي للإضراب والاحتجاج.
وأخيرًا توجهوا إلى دار الإخوان وأُرسلت البرقيات الآتية:
أولاً: برقية إلى جلالة الملك، وثانيةً: إلى الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر.
رد برنارد شو على ثورة طلبة الإخوان(11/17)
يقول الأخ محمد عبد الحميد: "طالعنا في الصحف المصرية دهشة المؤلف برنارد شو من ثورة الطلاب على روايتي "جان دارك" وقال إنني شخصيًّا أحترم محمدًا رسول الله، وقد أشدت به في كثير من مقالاتي، وإن الشتائم التي ذكرتها في روايتي لم تكن رأيي الخاص، وإنما هي على لسان شخصيةٍ أخرى في الحوار تعبِّر عن رأيها الخاص في هذا الرسول، وإني لا أحاسب الطلاب على ثورتهم على هذه الرواية، وإنما أحاسب أساتذتهم الذين عجزوا عن تفهيمهم مضمون هذه الرواية!! ثم عقَّب على هذا بقوله الهزيل المتهافت: ويكفي فخرًا لمحمد في روايتي أني شبهته بالقديسة "جان دارك"، وهذا مبلغ تعظيمِه لرسولنا العظيم كما يدَّعي أنه يشبهه بجان دارك.. فيا للمهزلة ويا للإسفاف"!!
وعلق على رد برنارد شو في صحيفة الإخوان فقال: "طالعنا أخيرًا في جريدة المصري رد برنارد شو مؤلف الرواية يتهكَّم فيه على الطلبة القائمين بهذه الحركة، ويصفهم بالجمود والجهل، وقد عدَّ مقارنته الرسولَ بجان دارك شرفًا للرسول، وهذه تهمةٌ أشنعُ مما اتُّهم به الرسول من قبل، وسوف نرى ردَّ قادةِ الفكر في الكلية على هذه التهمة الشنيعة؛ لعلهم يفطنون إلى ما يحركه لهم هؤلاء الأعداء الضالون المخادعون".
مناقشة القضية في مجلس النواب
وانتقلت القضية إلى مجلس النواب وتبنَّاها بعض أعضائه ذوي النخوة والشهامة والغيرة على الدين، وكانت جلسةً تاريخيةً قالت عنها (النذير):
"كانت جلسةً حاميةَ الوطيس حقًّا، اشتدَّ فيها الجدلُ والصراع إلى درجة اضطرب لها الحاضرون، ولقد كانت المشادةُ عنيفةً قالت عنها (الأهرام) إنها كادت تتطور إلى تماسكٍ بالأيدي، وتدافُعٍ حول المنبر، وتسابُقٍ بين الذراع واللسان.
قام النائب الجريء الدكتور عبد الحميد سعيد فتناول السياسةَ الدينيةَ للجامعةِ المصرية، وعلى الأخص في كلية الآداب، فكان موفقًا كل التوفيق في كلمته الجامعة، موفقًا في المقارنة بين حرص الممالك المسيحية على دينها وتعصبها لهذا الدين، وسنها القوانين للمحافظة عليه وحماية تقاليده مثل إنجلترا التي يقسم ملكُها على احترام دينها البروتستانتي، رغم وجود مختلف الأديان والمذاهب في إمبراطوريته الواسعة، وألمانيا التي وضعت قانونًا يحرِّم الكتابةَ والنشرَ ضد المذاهب المسيحية، وأمريكا التي وضعت أقصى العقوباتِ لمن يبشِّر بمذهب النشوء والارتقاء الذي يخالف عقيدةَ دينِها، وفرنسا التي قصَّر أحد مدرسيها في إعطاء (جان دارك) ما يجب لها من تقديس واحترام، فكان جزاءَه أن طُرد من المدرسةِ شرَّ طرد، وهاج ضده الطلبةُ حتى كادوا يُلقونه في نهر السين.
ولقد قام بعده نواب فضلاء.. نواب فهموا دينهم وعلموا أنه السبيلُ الأوحد إلى رُقي أمتهِم وسعادةِ وطنهم فنادوا بدعوتهم وأفادوا وسجَّلوا دليلَ اليقظة في صيحاتهم المدوية.
وهذا الأستاذ الجليل الشيخ دراز يحصي ما تناقله الناسُ عن النزعات الخطرة لأحد المشرفين على التعليم في الجامعة والقائمين فيها على تكوين عقائد الطلاب وتكوين مذاهبهم الفكرية، هذه النزعات الميَّالة إلى الإلحاد باسم حرية الفكر الجانحة إلى الهدم والإفساد والتشكيك باسم العلم.. ثم هو يتساءل: إلى أي هدف يُقصد بالطلبة أن ينساقوا إليه؟ وإلى أي طريق تسير هذه الكلية التي يُنفق عليها من مال الدولة الإسلامية؟!
ثم ختم كلمته الرائعة مستشهدًا بقول النائب الكريم المرحوم الأستاذ عبد الخالق عطية: "فعلى الذين يريدون أن يحرقوا بخور الإلحاد أن يحرقوه في قلوبهم لأنهم أحرارٌ في عقائدهم، أو أن يحرقوه في منازلهم لأنهم أحرار في بيئاتهم الخاصة.. أما أن يطلقوه في أجواء العلم ومنابر الجامعة فهذا ما لا يمكن أن نفهمه بحال من الأحوال".
صوت علماني صاخب في مجلس النواب
ولكن كان هناك علماني صميم في مجلس النواب تصدَّى لحملة النواب المدافعين عن المقدسات، ألا وهو الكاتب المعروف عباس محمود العقاد، فعلقت الصحيفة على موقفه قائلةً:
"وإن تعجب بعد ذلك فعجبٌ أن يعترض الأستاذ العقاد هذه الصيحات الظاهرة القوية بمنطقه المعروف فيأخذ على الدكتور عبد الحميد سعيد ويأخذ على إخوانه المجاهدين في الهداية والإرشاد فيحتج باسم الدستور، وعلام يحتج؟! يحتج على النواب المحترمين؛ لأنهم يصادرون حرية التفكير في هذا البلد، وحرية العقائد مكفولةٌ باسم الدستور".
"ومن عجب كذلك أن يعمد الأستاذ العقاد إلى المغالطة فيذكر كروية الأرض، ويذكر أن الناس فيما قبل كانوا يثورون على القائلين بها، ويذكر التشريح وأن الناس كانوا يثورون على القائلين به، وجاء زمنٌ آمن الناس بالكروية وآمنوا بالتشريح، فإذن على هذا المنطق- كما ردَّ على الشيخ دراز- لا داعي لأن نُحارب الإلحادَ والإباحيةَ؛ لأن ذلك إن كان في نظرنا اليوم بغيضًا مرذولاً فقد يجيء يوم يؤمن الناس بالإلحادِ ويقرِّر الناس الإباحةَ.. يا عجبًا كل العجب من هذا المنطق".
نجاح ثورة الطلاب وإلغاء تدريس الكتابين(11/18)
يقول الأخ محمد عبد الحميد: "وقد نجحت هذه الحركةُ باجتماعِ مجلسِ الكليةِ ومناقشتهم هذه الثورة الجامعية، وعلى الرغم من أنهم اعتبروها ثورةً على غير أساسٍ؛ لأن المؤلفَ في نظرهم لا يقصد الإهانة للرسول وإنما هي مجرد حوار يمثِّل روح العصر الصليبي، إلا أنهم اضطُّروا إلى إلغاء تدريسها بقسم اللغة الإنجليزية خضوعًا للرأي العام وثورة الطلاب الجامحة".
===========================
"جهود العلماء في مقاومة الوضع"
إعداد أحمد محمد بوقرين
ماجستير أصول دين
بالجامعة الأمريكية المفتوحة
" بسم الله الرحمن الرحيم "
الحمد لله الذي أنزل القرآن وتكفل بحفظه ورعايته فقال تعالى : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [1] والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد سيد الأولين والآخرين، أرسله ليبلغ الناس هذا الذكر ويبينه للعالمين، فقال سبحانه وتعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [2] فكان حفظ القرآن يتضمن حفظ سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - وحمايتها من كيد الوضاعين الكاذبين.
اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك و من الأمل إلا فيك و من التسليم إلا لك و من التفويض إلا إليك و من التوكل إلا عليك و من الرضا إلا عنك و من الطلب إلا منك و من الذل إلا في طاعتك و من الصبر إلا على بابك و من الرجاء إلا في يديك الكريمتين و من الرهبة إلا بجلالك العظيم.
اللهم تتابع برك و اتصل خيرك وكمل عطاؤك و عمت فواضلك و تمت نوافلك وبر قسمك و صدق وعدك و حق على أعدائك وعيدك ولم يبقى لي حاجة من حوائج الدنيا هي لك فيها رضا و لي فيها صلاح إلا قضيتها و أعنتني على قضائها يا أرحم الراحمين.
وبعد :
فهذا بحثي الفصلي لمادة علوم الحديث ، والذي أتناول فيه موضوع " جهود العلماء في مقاومة الوضع " ، حيث قسمت البحث إلى بابين ، الباب الأول يتناول التعريف بالحديث الموضوع، وعن عبارات العلماء في التعريف به ، وعن مصادر الحديث الموضوع ، وعن عقوبة الوضع في الحديث ، وعن توبة الوضاعين ، وعن حكم رواية الحديث الموضوع ، وعن أسباب الوضع في الحديث النبوي الشريف ، وعن حكم العمل بالحديث الموضوع،
ثم الباب الثاني وقد تحدثت فيه عن جهود العلماء في مقاومة الوضع ، وقد قسمت هذا الباب إلى خمسة فصول، الفصل الأول يتحدث عن جمع الأحاديث الثابتة ، والفصل الثاني يتحدث عن الاهتمام بالإسناد ، والفصل الثالث يتحدث عن مضاعفة النشاط العلمي في قواعد الحديث ، والفصل الرابع يتحدث عن نقد الرواة وتتبع كذب الوضاعين، والفصل الخامس يتحدث عن التأليف في الوضاعين، والفصل السادس يتحدث عن التأليف في الموضوعات، ثم ختمت بأهم ما تم التوصل إليه من خلال هذا البحث، ونسأل الله التوفيق والتيسير في هذا العمل، وأحب أن أنوه هنا أنني استفدت كثيرا في بحثي هذا مما كتبه الدكتور عبد الله بن ناصر الشقاري الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالرياض في بحثه الذي سماه " الآثار السيئة للوضع في الحديث النبوي وجهود العلماء في مقاومته " .
الباب الأول :
مباحث تتعلق بالحديث الموضوع
الحديث الضعيف لغة واصطلاحا :
أ- لغة : اسم مفعول من وضع الشيء يضعه - بالفتح - وضعاً، وتأتي مادة (وضع) في اللغة لمعاني عدة منها: الإسقاط، الترك، الافتراء والإلصاق [3].
ب- أما في اصطلاح المحدثين: فقد عرفه ابن الصلاح بقوله : هو المختلق المصنوع [4]، وعرفه غيره بأنه هو : ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم اختلاقا وكذباً مما لم يقله أو يفعله أو يقره [5].
التعريف بالحديث الموضوع :
الموضوع شر الحديث الضعيف جملة وتفصيلاً ، وقد جعله العلماء آخر درجات الحديث الضعيف، وإنما جعلوه من درجاته لأجل التقسيم المعرفي وبحسب إدعاء واضعه، وإلا فهو ليس من أنواع الحديث أصلاً.
عبارات العلماء في التعريف بالحديث الموضوع والإشارة إليه :
1- التصريح بوضعه فيقولون : موضوع، باطل، كذب.
2- قولهم في الحديث : لا أصل له، لا أصل له بهذا اللفظ، ليس له أصل.
3- قولهم في الحديث : لا يصح، لا يثبت، لم يصح في هذا الباب شيء.
مصادر الحديث الموضوع :
أ - قد يخترعه الواضع من نفسه ابتداءً، وينسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعرف ذلك : إما بإقراره أو ما ينزل منزلة الإقرار : كأن يدعو الحديث إلى مبدأ يدعو إليه الوضاع، أو تدل على ذلك قرائن الأحوال.
ب- قد يأخذ الواضع كلام غيره فينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الموضوع إما من كلام الصحابة أو من كلام التابعين أو بعض قدماء الحكماء.. ونحو ذلك [6].
ج- قد يهم الراوي فينسب كلام الغير إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن غير قصد وتعمد للوضع مثل "ومن كثرت صلاته في الليل حسن وجهه في النهار" [7]، ولذا عده بعضهم في حكم المدرج [8].
حكم الوضع في الحديث النبوي وعقوبة الوضاعين في الآخرة :(11/19)
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم : "وقد أجمع أهل الحل والعقد على تحريم الكذب على آحاد الناس، فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي والكذب عليه كذب على الله تعالى، قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [9] " [10].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم وضعه، وتوعد بالعقاب الشديد والعذاب الأليم لمن فعل ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم : "حدثوا عني ولا حرج، بلغوا عني ولو آية، إن كذباً علي ليس ككذب على أحد ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" [11] وقد حكي عن بعض الحفاظ أنه قال: "لا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرون بالجنة إلا هذا، ولا حديث يروى عن أكثر من ستين صحابيا إلا هذا" [12].
عقوبة من روى الحديث الموضوع في الدنيا :
أما عقوبة من روى الحديث الموضوع في الدنيا فقد أجاب ابن حجر الهيتمي المكي على سؤال ورد إليه ونصه كالتالي : لنا إمام يروي أحاديث لا يبين مخرجيها ولا رواتها فما الذي يجب عليه؟ فأجاب: " من فعله وهو ليس من أهل المعرفة بالحديث، ولم ينقلها عن عالم بذلك، فلا يحل له ومن فعله عزر عليه التعزيز الشديد.. ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه " هذا فيمن روى حديثاً مجهول الحال فضلاً عن أن يكون موضوعاً، أما عن الموضوع بالذات : فقد كتب البخاري على ظهر كتاب ورده فيه سؤال عن حديث مرفوع وهو موضوع، فكتب "من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل" .
توبة الواضع وحكم روايته بعدها :
لا خلاف بين العلماء أن توبة الواضع مقبولة، فمن تاب تاب الله عليه {ومن تاب وآمن وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} [13] ولكن مع قبول توبته هل تقبل روايته أم لا ؟ يرى الإمام أحمد وأبوبكر الحميدي شيخ البخاري وغيرهم أنه لا تقبل روايته أبدا، قال أبو بكر الصيرفي : "كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر" [14]، واختار النووي القطع بصحة توبته وقبول روايته كشهادته، وحاله كحال الكافر إذا أسلم [15].
حكم رواية الحديث الموضوع :
اتفق العلماء على تحريم رواية الحديث الموضوع، فلا تحل روايته لأحد علم حاله وعرف أنه موضوع، إلا مبينا حاله ومصرحاً بأنه موضوع، يقول الإمام مسلم : "إن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه.. وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلناه هو اللازم دون غيره، قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } [16] وقوله: {ممن ترضون من الشهداء} [17] فدل بما ذكر من الآيتين أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة " [18].
أما من السنة فها هو صلى الله عليه وسلم يصرح بذلك في حديثه المشهور : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين" [19]، وكفى بهذا الوعيد الشديد في حق من روى حديثاً يظن أنه كذب، فضلاً عن أن يروي ما يعلم كذبه ولا يبينه.
ولاشك أن من روى حديثاً موضوعاً فلا يخلو من أحد أمور ثلاثة : إما أن يجهل أنه موضوع، وإما أن يعلم بوضعه بواحد من طرق العلم به، وهذا إما أن يقرن مع روايته تبيان حاله، وإما أن يرويه من غير بيان لها.
فأما الأول: وهو من يجهل أنه موضوع، فلا إثم عليه إن شاء الله [20]، وإن كنا نعتقد أنه مقصر في البحث عنه، لكن لا يؤمن عليه العقاب في تركه البحث عن حال ما يحدث به، لاسيما وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إنماً أن يحدث بكل ما سمع" [21].
وأما الثاني: وهو من يعلم وضعه ويبين حاله فلاشيء عليه، إذ قد أمن ما كان يخشى منه وهو علوقه في الأذهان منسوباً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أما إذا كانت روايته له قاصداً بها إبانة حاله، فهذا مأجور لنفيه الدخيل عن الحديث الشريف وتنبيه الناس عليه، فهو من عدول خلف الأمة ومن خيارها الذين امتازوا عمن سواهم بأنهم ينفون عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأما الثالث: وهو من رواه من غير بيان لحاله مع علمه بأنه موضوع فهو مأزور وآثم، سواء ذكر إسناد الموضوع أم لا، إذ لا يكتفى بإيراد الإسناد في هذا الزمان، بل لابد من التصريح بأنه موضوع وكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكر الإسناد وعدمه سواء، يقول السخاوي : "ولا تبرأ العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده - أي الموضوع - لعدم الأمن من المحذور به، وإن كان صنعة أكثر المحدثين في الأعصار الماضية" [22] وهذا في عصر السخاوي في القرن التاسع فما بالك بعصرنا الحاضر ؟! فقد كانت طريقة الاكتفاء بالإسناد معروفة لدى القدماء، لأن علماء عصرهم يعرفون الإسناد، فتبرأ ذمتهم من العهدة بذكر السند، أما عصرنا هذا فقد سرت العدوى فيه من إضاعة الإسناد إلى إضاعة المتون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(11/20)
حكم العمل بالحديث الموضوع :
العمل بالحديث الموضوع حرام بالإجماع، لأنه ابتداع في الدين بما لم يأذن به الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" [23] ويقول: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [24] هذا في الأمور الدينية التعبدية، أما في الأمور الدنيوية : فالعمل به على أنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرام أيضاً، أما على غير ذلك فحكمه يختلف باختلاف تلك الأعمال، وتنطبق عليه الأحكام الشرعية والقواعد المرعية.
أسباب الوضع في الحديث النبوي :
1 – الخلافات السياسية ، وقد كانت الشرارة الأولى لهذه الخلافات بعد مقتل عثمان [25]رضي الله عنه ثم انتشرت الخلافات السياسية ، وانتشر معها الكذب نُصرة لطائفة أو خليفة ونحو ذلك .
2 – الخلافات المذهبية ، فقد أدّت الخلافات المذهبية إلى وضع الأحاديث ، حتى أن رجلاً كان من أهل الأهواء ثم تاب فقال : كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا.[26]
3 – الزندقة والطعن في الإسلام ، فقد أدرك الزنادقة وأعداء الإسلام أن قوة الإسلام لا تُقاوم ، فلجئوا إلى وضع الأحاديث التي تُنفّر الناس من الإسلام ، وتُشكك المسلمين بدينهم .
4 – القصص والوعظ ، فقد كان لديهم حرصا شديدا على ترغيب الناس أو ترهيبهم ، فما يجدون من يتحرّك إلا إذا وضعوا لهم الأحاديث في ذلك .
5 – الوعظ والتذكير ، فقد وضع أحد الوضاعين – وهو ميسرة بن عبد ربه – حديثاً في فضائل سور القرآن ، ولما سُئل عن ذلك قال : رأيت الناس انصرفوا عن القرآن ، فوضعتها أرغّب الناس فيها !
6 – التكسّب وطلب المال ، فيضع الوضّاع الحديث الغريب الذي لم يسمعه الناس ، ليُعطوه من أموالهم .
حدّث جعفر الطيالسي فقال : صلى أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام قاصّ فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة - فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه وهما يقولان : ما سمعنا بهذا إلا الساعة ! فسكتا حتى فرغ من قصصه وأخذ قطعة دراهم ثم قعد ينتظر ، فأشار إليه يحيى فجاء ، فقال يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال الكذّاب : أحمد وابن معين ! فقال : أنا يحيى وهذا أحمد ! ما سمعنا بهذا قط ، فإن كان ولا بُدّ من الكذب فعلى غيرنا !! فقال : أنت يحيى بن معين ؟!! قال : نعم . قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق !!! وما علمت إلا الساعة !! كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ؟!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين !! قال : فوضع أحمد كمّه على وجهه ، وقال : دعه يقوم . فقام كالمستهزئ بهما !!
7 – العصبية للجنس والقبيلة أو اللغة والوطن ، فقد وُضِعت الأحاديث في فضل العرب ، وفي فضل بعض البلدان أو ذمّهم ، ونحو ذلك .
8 – التقرب للحكام والسلاطين ! بما يوافق أهوائهم ، كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكذاب ، فقد وضع حديثاً في فضل اللعب بالحَمَام !
وذلك أنه دخل على المهدي ، وكان المهدي يُحب اللعب بالحَمَام ، فقيل لِغياث هذا حدّث أمير المؤمنين . فجاء بحديث : لا سبق إلا في نصل أو خفّ أو حافر – ثم زاد فيه – أو جناح !
فأمر له المهدي بصرّة ، فلما قام من عند المهدي قال المهدي : أشهد أن قفاك قفا كذّاب ! فلما خرج أمر المهدي بذبح الحَمَام !
9 – المصالح الشخصية أو قصد الانتقام من شخص أو فئة مُعيّنة ، فقد جاء ابنٌ لسعد بن طريف الإسكاف يبكي ، فسأله عن سبب بكاءه ، فقال : ضربني المعلّم . فقال سعد : أما والله لأخزينهم ! ثم وضع حديثا قال فيه : معلموا صبيانكم شراركم ...
10 – قصد الشهرة ، والتميّز على الأقران ، وهذا ما يفعله الذين يُريدون أن يُذكروا بعلوّ الإسناد ، أو كثرة الشيوخ ونحو ذلك ، فيُركّبون بعض الأحاديث ويضعونها لأجل ذلك .
الباب الثاني :
جهود العلماء في مقاومة الوضع
إن من ينظر إلى الكم الكبير من الأحاديث الموضوعة المبثوثة في بطون الكتب، وتتداولها ألسن الناس اليوم، قد يتساءل ماذا كان موقف العلماء تجاه هذه الأحاديث الموضوعة ، وقد اختلطت بالأحاديث الصحيحة ؟! وهو تساؤل في محله ،فقد عُرضَ على الإمام عبد الله بن المبارك فقيل له : هذه الأحاديث الموضوعة ؟؟ فقال: تعيش لها الجهابذة [27] {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظن} [28] وصدق الله العظيم فقد قيض لهذه الأمة رجالاً أمناء مخلصين، قاوموا الوضع والوضاعين وتتبعوهم، وميزوا بين الصحيح والسقيم، وبذلوا جهوداً جبارة في سبيل حفظ الشريعة وأصولها.
ونستعرض هنا جزءاً مما بذله علماءنا الإجلاء في مقاومة الوضع والتصدي للوضاعين:
الفصل الأول: جمع الأحاديث الثابتة(11/21)
كانت الأحاديث الثابتة مدونة في صدور الرجال ومسطرة في بطون الكتب، وكانت تلك الأحاديث وأولئك الرجال منتشرين في أنحاء العالم الإسلامي، وحين برز قرن الفتنة وظهرت معها طلائع الموضوعات ثم انتشرت وتكاثرت، خاف الغيورون على السنة من علماء الإسلام، فأسرعوا إلى الصحابة يسمعون عنهم ويستفتونهم، كما سارعوا إلى بطون صحفهم يستظهرونها.
وحين زاد تيار الوضع وطغى، وأخذت الزنادقة ومن لف لفهم يكتبون الموضوعات ويدسونها في الصحاح، ظهرت فكرة جمع الحديث في طبقة الإمام الزهري ومن بعدها كابن جريج وسفيان الثوري ومالك [29]، فدونوا الحديث على الهيئة التي وجدوه عليها، ثم بحثوا عن أحوال الرواة، فأسقطوا ما يعرفون أنه موضوع، فقد كانوا - كما قال أبو داود - يجتهدون غاية الاجتهاد فلا يتمكنون من الحديث المرفوع المتصل إلا من دون ألف حديث [30].
ومن أشهر تلك الكتب وأولها موطأ الإمام مالك الذي يقول عنه الشافعي : "ما على أديم الأرض بعد كتاب الله - كتاب أصح من موطأ مالك" [31].
ثم جاءت من بعدهم طبقة أخرى انتهجت جمع الأحاديث النبوية على طريقة المسانيد، فجمعت ما يروى عن الصحابي في باب واحد رغم تعدد الموضوع، ونقت الحديث من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين - بخلاف الطبقة السابقة - ومن هؤلاء : بقي بن مخلد وإسحاق بن راهوية، وأحمد بن حنبل الذي انتقى مسنده المشهور - كما يقول - من 750 ألف حديث [32]، ومن هذا يتبين لنا ما كانوا يكابدونه من جهد في جمع الأحاديث، لكنهم في طريقتهم يمزجون الصحيح بغيره من حسن وضعيف.
فجاء من بعدهم من قام بالعبء العظيم وأفرد الصحيح في كتاب مستقل، وهما الإمامان الجليلان البخاري ومسلم، فقد كان البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح [33]، وكذلك مسلم، فقد صنف صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة [34]، وبعد أصحاب المسانيد والصحاح تتابعت عقود السنن تترى من أبي داود والنسائي والترمذي.. وغيرهم، وبهذا تم جمع الحديث وتطهيره من دنس الوضع ومخلفاته.
الفصل الثاني: الاهتمام بالإسناد
أحس علماءنا الإجلاء بالخطر الداهم الذي نشأ مع الوضع، فانتدبوا للمحافظة على السنة واجتهدوا في ذلك، فعنوا بالإسناد واهتموا به، وفحصوا أحوال الرواة بعد أن كانوا يرجحون توثيق من حدثهم، وطلبوا الأسانيد منهم قبل المتون، لأن السند للخبر كالنسب للبشر، ويخبرنا الإمام محمد بن سيرين عن ذلك فيقول: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" [35] ولذا نجدهم يتواصون بالاهتمام بالإسناد والسؤال عنه، يقول هشام بن عروة: "إذا حدثك رجل بحديث، فقل: عمن هذا؟" [36] لأنه إذا أخبر عن الراوي بلسان المقال، فكأنه أخبر عن حال المروي بلسان الحال، وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد حثوا العامة على الاحتياط في حمل الحديث، وألا يأخذوا إلا حديث من يوثق به علماً وديناً، فهذا محمد بن سيرين يقول: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" [37] وقد شاعت كلمته وغيرها في الناس، فأصبح الإسناد أمراً بديهياً حتى عند العامة [38]. ولشدة اهتمام الأمة بالإسناد عده علماؤها من فروض الكفاية، قال الحافظ ابن حجر: "ولكون الإسناد يعلم به الموضوع من غيره، كانت معرفته من فروض الكفاية" [39].
الفصل الثالث: مضاعفة النشاط العلمي في قواعد الحديث
حين ظهر الوضع في الحديث ضاعف العلماء نشاطهم في الرواية والدراية على حد سواء.
ففي الرواية :
هرعوا إلى من بقي من الصحابة رضي الله عنهم يسألونهم عما يسمعون من الأحاديث وهل قالها النبي صلى الله عليه وسلم أم هي كذب مصنوع، ولحكمة يعلمها الله مد في أعمار بعض الصحابة كعبد الله بن عباس وعائشة وجابر وأنس وعامر بن الطفيل، فساعدوا في حفظ السنة من الضياع، وكذلك فعل الأتباع مع التابعين، يقول الأوزاعي : "كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزائف على الصيارفة، فما عرفوا منه أخذنا، وما تركوا تركنا" [40].
وفي علم الرواية أيضاً: نشأ ما يسمى بـ"الرحلات" فقد قطع الرواة الفيافي والقفار، للتأكد من حديث سمعوه، خشية خطأ الراوي أو تعمده في الزيادة. فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يسير شهراً إلى الشام ليسأل عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حديثاً سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [41]، وهذا سعيد ابن المسيب يقول: "إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد [42]" ويقول أبو العالية: "كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم" [43].
أما علم الحديث دراية :
فقد وضع العلماء قوانين مخصوصة يتميز بها الغث من السمين، وجعلوها قائمة على أصول أسسوها ليبنوا عليها أحكامهم، ومنها:(11/22)
1 - فن التواريخ، ليعلم منه تاريخ الراوي ووفاته، يقول سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ" [44].
2 - فن الجرح والتعديل، وبه استطاعوا معرفة أحوال الرواة، فانكشف لهم الوضاعون.
3 - النظر في كيفية التحمل وأخذ الرواة بعضهم عن بعض، وعن طريقه عرف العلماء اتصال الروايات من انقطاعها.. إلى غير ذلك من القواعد التي وضعوها لدراية الحديث، وبها حققوا أقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطاً لدينهم، وأرسوا أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأرقاها، وقد قلدهم فيها علماء الفنون الأخرى من لغة وأدب وتاريخ ونحوها، فابن قتيبة الذي يعد من أوائل نقاد الأدباء، استمد ذلك من معارفه الحديثية، وكذلك فعل ابن خلدون في تمييزه الزائف من أخبار المؤرخين، فمقاييسه التي طبقها هي بعينها الأمثلة التي وضعها مسلم لمعرفة المنكر من الحديث [45].
يقول السباعي رحمه الله تعالى: "وقد ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية، اعتمد فيها على قواعد مصطلح الحديث، واعترف بأنها أصح طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات" [46] ويقصد السباعي " أسد رستم "أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت سابقاً، والكتاب هو "مصطلح التاريخ".
الفصل الرابع: نقد الرواة وتتبع الكذبة
فأما نقد الرواة:
فقد أبلوا فيه بلاء حسنا، وتتبعوا الرواة ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرهم وما ظهر من أمرهم وما بطن، ولم يخشوا أحداً، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم من تجريح الرواة والتشهير بهم ورع ولا حرج، فكان شعبة يقول: " تعالوا حتى نغتاب في الله عز وجل" [47] وسئل أن يكف عن بيان - أحد الكذابين - فقال: "لا يحل الكف عنه، لأن الأمر دين" [48] يقول الإمام النووي: "اعلم أن جرح الرواة جائز بل واجب بالاتفاق، للضرورة الداعية إليه، لصيانة الشريعة المكرمة، وليس هو من الغيبة المحرمة، بل هو من النصيحة لله تعالى ولرسوله والمسلمين" [49] لذا نشط العلماء في هذا الباب حتى أصبح علماً قائماً بذاته وهو "علم الجرح والتعديل" وهو ميزان للرواة يعرف به الثقة من الوضاع، ويختص بسند الحديث، وصرح بعضهم بأنه نصف العلم [50].
وأما تتبع الكذبة:
فهو تطبيق عملي لما نتج عنه نقد الرواة، وهو جهد عظيم يضاف إلى جهود العلماء في مقاومة الوضع، فكما أنهم قاوموهم بسلاح الفكر، كذلك قاوموهم بسلاح اليد واللسان، فقد كان بعضهم يحارب القصاص والكذابين ويمنعهم من التحديث، فهذا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما حين دخل المسجد فوجد قاصاً يقص، فوجه إلى صاحب الشرطة أن أخرجه فأخرجه [51]، وكذلك فعل أبوه عمر من قبله، ومن أشهر من عرف بتصديه لهؤلاء من التابعين : عامر الشعبي، سفيان الثوري، عبد الرحمن بن المهدي وغيرهم.
ونتيجة لذلك توارى كثير من الكذابين، وأصبح عند العامة وعي جيد، يميزون به بين المحدثين والكذابين.
الفصل الخامس: التأليف في الوضاعين
جهد آخر يضاف إلى الجهود العظيمة التي بذلها العلماء من أجل حفظ الحديث وتخليصه من الوضع، متمثلا هذا الجهد في تلك الثروة العلمية الضخمة من كتب الموضوعات والوضاعين، فقد سجلوا العلماء أولئك الوضاعين في الصحف، كي يعرفهم من بعدهم فيجتنب أحاديثهم، واستلوهم من رواة الحديث كما تستل الشعرة من العجين، فطهروا منهم السنة الشريفة تطهيراً.
فوضع كثير من العلماء مؤلفات خصصوها للضعفاء والمتروكين من رواة الحديث، وأدرجوا فيها أسماء الوضاعين وأوصافهم وأقوال العلماء في نقدهم وتجريحهم، وذلك ككتب "الضعفاء" للإمام البخاري والنسائي وأبي حاتم ابن حبان، ثم جاء من بعدهم عبد الله بن عدي الجرجاني، فألف كتابه "الكامل " ذكر فيه كل من تكلم فيه ولو كان من رجال الصحيحين.
وكذلك أدرجوا الوضاعين في كتب التاريخ التي صنفت في أسماء الرجال وأخبارهم ومنها "تاريخ البخاري" الكبير والأوسط والصغير، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني، وتاريخ جرجان للسهمي وتاريخ دمشق لابن عساكر و"المنتظم" لابن الجوزي [52] وبعد هؤلاء جاء الحافظ الذهبي فوضع كتابه "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" وقد احتوى هذا الكتاب المطبوع في أربعة مجلدات ضخمة على ذكر الكذابين والوضاعين، ثم على المتهمين بالوضع، وقد فات الذهبي جماعة ذيلهم عليه الحافظ العراقي، وقد عقب عليه أيضا الحافظ ابن حجر في كتابه "لسان الميزان".
الفصل السادس: التأليف في الموضوعات
لم يكتف علماؤنا الأجلاء بتسجيل أسماء هؤلاء الكذابين في الكتب، بل جمعوا أكاذيبهم ودونوها ليس بقصد أن يقرأها ويطلع عليها الناس من باب الثقافة وزيادة المعلومات، بل لكي يجتنبوها وينبهوا على أضرارها وآفاتها.(11/23)
من أجل هذا فقد جمع كثير من العلماء ما تناثر في كتب من سبقهم من الموضوعات، فأودعوها أسفاراً أشهروها بين الناس، وفيها ما هو خاص بالأحاديث الموضوعة وتبلغ أربعين مؤلفا تقريباً [53]، ومن أهمها الكتب الآتية :
1 - تذكرة الموضوعات: لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، توفي سنة 507 ورتبه على حروف المعجم، وفيه يذكر الحديث ومن جرح راويه من الأئمة، طبع بمصر سنة 1323ه. وقد أعيدت طباعته عدة مرات.
2 – الموضوعات من الأحاديث المرفوعات : ويقال له "الأباطيل" لأبي عبد الله الحسين ابن إبراهيم الجورقاني المتوفى سنة 543 وقد أكثر فيه من الحكم بالوضع بمجرد مخالفته السنة الصريحة. [54]، وقد طبع هذا الكتاب تحت اسم ( الأباطيل والمناكير ) بتحقيق وتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي سنة 1403ه بالمطبعة السلفية في الهند.
3 – الموضوعات : لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي توفي سنة 597ه وهو أكبر كتب الموضوعات وأشهرها، تناول فيه ما ورد من الأحاديث التي يعتقد أنها موضوعة في "الكامل" لابن عدي، وكتب الضعفاء لابن حبان والعقيلي والأزدي، ومعاجم الطبراني الثلاثة.
4 - المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب: للحافظ أبى حفص عمر بن بدر الموصلي المتوفى سنة 623، اكتفى فيه بذكر الأبواب التي لم يصح فيها شيء.
5 - الدرر الملتقط في تنبيه الغلط : للعلامة رضي الدين حسن بن محمد العمري المعروف بـ (الصغاني ) المتوفى سنة 650.
6- موضوعات الصغاني : رضي الدين الحسن بن محمد العمري، جمع فيها بعضاً من الأحاديث الموضوعة وأدرج فيها كثيراً من الأحاديث التي لم تبلغ درجة الوضع [55].
7- الأحاديث الموضوعة التي يرويها العامة والقصاص: وهي رسالة لعبد السلام بن عبد الله.. ابن تيميه، جد شيخ الإسلام توفي سنة 652ه.
8- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: للإمام السيوطي المتوفى سنة 911، اختصر فيه كتاب الموضوعات لابن الجوزي، وحرر فيه تعقباته وانتقاداته عليه، وزاد فيه موضوعات أخرى لم يذكرها ابن الجوزي.
9- الذيل على اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للإمام السيوطي، وقد ذكر فيه عدداً آخر من الأحاديث الموضوعة لم يذكرها في الأصل ويسمى أيضاً (الذيل على الموضوعات) وله كتاب في التعقيب على الموضوعات أسماه (النكت البديعات على الموضوعات) ثم اختصره في كتاب آخر سماه (التعقبات على الموضوعات) وعدد الأحاديث التي تعقبه فيها ثلاثمائة ونيف [56].
10- الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة: لشمس الدين محمد بن يوسف بن علي الشامي الصالحي، صاحب السيرة توفي سنة 942 وقد أشار إلى هذا الكتاب في سيرته.
11 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة: لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني المتوفى سنة 963، لخص فيه ما في موضوعات ابن الجوزي واللآلي للسيوطي.
12- تذكرة الموضوعات : لرئيس محدثي الهند جمال الدين محمد بن طاهر الفتني المتوفى سنة 976ه وله أيضاً "قانون الأخبار الموضوعة والرجال الضعفاء".
13- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: ويسمى "تذكرة الموضوعات" للشيخ: الملا علي القاري الهروي المتوفي سنة 1014.
14- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع : للملا علي القاري، وقد رتبه على حروف الهجاء، وقد بلغت أحاديثه حسب تعداد المحقق 417 حديثاً [57].
15- الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة: للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المتوفى سنة 1033ه وقد نشره الأستاذ الصباغ محققاً في العدد السادس من مجلة "أضواء الشريعة" سنة 1395ه. ثم طبع هذا الكتاب منفرداً بتحقيق الأستاذ الصباغ في بيروت، الدار العربية سنة 1395ه.
16- الكشف الإلهي عن شديد الضعف والواهي: لمحمد بن محمد الحسيني السندروسي المتوفى سنة 1177ه جمع فيه الأحاديث الشديدة الضعف والواهية والموضوعة.
17- الدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات : للشيخ محمد بن أحمد السفاريني المتوفى سنة 1188ه، وقد اختصر فيه كتاب "الموضوعات" في مجلد ضخم [58].
18- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة : للقاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250ه.
19- الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: للعلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي المتوفى سنة 1304ه وقد أعيدت طباعة هذا الكتاب بتحقيق الشيخ محمد السعيد ابن بسيوني زغلول ونشرته دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1405ه.
20- اللؤلؤ المرصوع فيما قيل لا أصل له أو بأصله موضوع : للشيخ محمد بن خليل القاوقجي المتوفى سنة 1305ه. 21- تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين لمحمد البشير ظافر المتوفى سنة 1325ه ذكر فيه الأحاديث الموضوعة المشتهرة على الألسنة.
22- الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث : للشيخ أحمد بن عبد الكريم العامري الغزي، وقد طبع هذا الكتاب في طبعته الثانية بقراءة وتصحيح الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد سنة 1413ه.(11/24)
23- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة : للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهي سلسلة مقالات نشرها في مجلة "التمدن الإسلامي" ثم رأى طبعها تباعاً في أجزاء متسلسلة، وكل جزء 100 حديث، وكل خمسة أجزاء في مجلد [59].
وبالإضافة إلى ما تقدم من الكتب المؤلفة في الموضوعات خاصة، فقد تلقف العلماء رحمهم الله، ما يدور على ألسنة العامة من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واختبروها فعرفوا صحيحها من زائفها ونشروا ذلك في مؤلفات بين الناس، من أهمها:
1- التذكرة في الأحاديث المشتهرة: لبدر الدين الزركشي المتوفى سنة 794 ه. وطبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ مصطفى عبد القادر عطا.
2- اللآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة، مما ألفه الطبع وليس له أصل في الشرع: للحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852ه [60].
3- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902ه.
4- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : لجلال الدين السيوطي لخصه من "التذكرة" للزركشي وزاد عليه، وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ خليل محي الدين الميس.
5- الوسائل السنية من المقاصد السخاوية والجامع والزوائد السيوطية : لعلي بن محمد المنوفي المتوفى سنة 939 .
6- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث لعبد الرحمن بن علي بن الديبع المتوفى سنة 944 لخص فيه "المقاصد" وبين ما هو صحيح وموضوع.
7- البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير: لعبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973 انتخبها مما تقدم من الكتب وكذلك من كتاب "الغماز على اللماز" لجلال الدين السمهودي، وقد طبع هذا الكتاب قديماً بالقاهرة سنة 1277ه.
8- تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس: لمحمد بن أحمد القادري المتوفى سنة 1075ه.
خاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وعليه يصلح أمر الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وصفوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد :
فهذه خاتمة بحثي هذا " جهود العلماء في مقاومة الوضع " ، حيث مهدت للموضوع بباب تمهيدي تحدثت فيه عن تعريف الحديث الموضوع، وعن عبارات العلماء في التعريف به، وعن مصادر الحديث الموضوع، وعن عقوبة الوضع في الحديث، وعن توبة الوضاعين، وعن حكم رواية الحديث الموضوع، وعن أسباب الوضع في الحديث النبوي الشريف، وعن حكم العمل بالحديث الموضوع، ثم دخلت إلى الباب الثاني والذي يعتبر هو موضوعي الرئيس من هذا البحث، وقد تحدثت فيه عن جهود العلماء في مقاومة الوضع، وقد قسمت هذا الباب إلى خمسة فصول، الفصل الأول يتحدث عن جمع الأحاديث الثابتة ، والفصل الثاني يتحدث عن الاهتمام بالإسناد ، والفصل الثالث يتحدث عن مضاعفة النشاط العلمي في قواعد الحديث، والفصل الرابع يتحدث عن نقد الرواة وتتبع الكذبة، والفصل الخامس يتحدث عن التأليف في الوضاعين، والفصل السادس يتحدث عن التأليف في الموضوعات، والآن أختم بحثي هذا الذي حاولت أن أظهر مدى العمل الجليل والجهد الكبير الذي أولاه علماءنا الأجلاء في مقاومة الوضع في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أردت بيانه في هذا المقام فإن أصبت فمن توفيق الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــ
فهرس البحث
[1] سورة الحجر آية 9.
[2] سورة النحل آية 44.
[3] القاموس المحيط، مادة (وضع) 694، 695.
[4] علوم الحديث : لابن الصلاح ص 89.
[5] توضيح الأفكار: للصنعاني (الحاشية) ج2 ص 68.
[6] الفوائد الموضوعة: للكرمي ص101، الأسرار المرفوعة: للقاري ص 179، المصنوع ص 138.
[7] أورده ابن الجوزي في الموضوعات ج 2 ص 109 – 111.
[8] توضيح الأفكار : للصنعاني ج 2 ص 88-89.
[9] سورة النجم الآيتان 3، 4 .
[10] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص 70.
[11] هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه كتاب العلم باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
[12] علوم الحديث : لابن الصلاح ص 242-243.
[13] سورة الفرقان آية 7.
[14] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص 69.
[15] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص70.
[16] سورة الحجرات آية 6.
[17] سورة البقرة آية 282.
[18] صحيح مسلم شرح النووي ج1 ص 60-61.
[19] رواه مسلم في صحيحه في المقدمة باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين (1/9).
[20] توضيح الأفكار : (الحاشية) ج2 ص 73 ، المصباح : للاندجاني ص 96.
[21] رواه مسلم في صحيحه في المقدمة باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/10).
[22] فتح المغيث.. للسخاوي 1/175.(11/25)
[23] الفتاوى الحديثية : لابن حجر ص 32.
[24] الأباطيل والمناكير ج1 ص19-20.
[25] تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان للدكتور علي الصلابي.
[26] تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان للدكتور الصلابي.
[27] تدريب الراوي : للسيوطي ص 184.
[28] سورة الحجر آية 9.
[29] تقييد العلم: للخطيب البغدادي ص 105 وما بعدها.
[30] حجة الله البالغة ج1 ص 148 عن رسالة أبي داود لأهل مكة.
[31] سير أعلام النبلاء ج8 ص 111.
[32] السير ج 11 ص 329.
[33] تذكرة الحفاظ: للذهبي ج 2 ص 556.
[34] تذكرة الحفاظ : للذهبي ج 2 ص 589 .
[35] صحيح مسلم (المقدمة) ج1 ص15.
[36] الجرح والتعديل ج 2 ص 34.
[37] صحيح مسلم (المقدمة) ج1 ص14.
[38] أصول الحديث : للخطيب ص 428.
[39] قواعد التحديث : للقاسمي ص 174.
[40] الموضوعات : لابن الجوزي ح1 ص 103.
[41] علوم الحديث : لابن الصلاح ص 8.
[42] الرحلة في طلب الحديث ص127.
[43] الرحلة في طلب الحديث ص93.
[44] الكفاية في علم الرواية ص 147.
[45] مجلة الأزهر : مجلد 38 سنة 1386 ص 454.
[46] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 126.
[47] الموضوعات : المقدمة ج1 ص 50.
[48] الموضوعات : المقدمة ج1 ص 50.
[49] شرح صحيح مسلم للنووي ج1 ص 60.
[50] مقدمة تحفة الأحوذي : للمباركفوري ص 152.
[51] تحذير الخواص : للسيوطي ص 214.
[52] توضيح الأفكار : للصنعاني ح1 ص 46،47.
[53] أصول الحديث : للخطيب ص 435.
[54] الرسالة المستطرفة : للكتاني ص 149.
[55] الرسالة المستطرفة ص 152.
[56] الرسالة المستطرفة ص 150.
[57] المصنوع ص 177..
[58] الرسالة المستطرفة ص 150.
[59] سلسلة الأحاديث الضعيفة.. المقدمة ص 4.
[60] السنة قبل التدوين ص 290.
===========================
حادثة وحديث حول نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
عبيد بن عساف الطوياوي(*)
لقد غضب المسلمون غضباً شديداً مما أصابهم في نبيهم صلى الله عليه وسلم، حيث تجرأ بعض السفهاء على النيل منه، والاستهزاء به، ويحق لهم أن يغضبوا، يقول الإمام مالك -رحمه الله: (ماذا يبقى للأمة بعد سب نبيها صلى الله عليه وسلم؟!.). فهي وصمة عار في جبين الأمة، أنْ يُستهزأ بنبيها صلى الله عليه وسلم برسوم ساخرة، وأن يُرمى رسولها بتهم باطلة، وعلى يد طغمة حقيرة خبيثة حاقدة.
ومما لا شك فيه أن ذلك من منهج المجرمين ومسلك الشياطين من الجن والإنس الذين أخبر عنهم ربنا عز وجل، فما من نبي إلا وله أعداء يخالفونه ويعاندونه ويعادونه، يقول تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }، ويقول عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}ولكن مهما فعل المغرضون، وعمل الحاقدون، فإنَّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - منزلة عظيمة، ومكانة سامية، ودرجة رفيعة عالية عند الله عز وجل وعند عباده المؤمنين، فهو أكرم البشر، وأعظمهم جاهاً ومقاماً، زكاه الله عز وجل من فوق سبع سماواته، زكى عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}وزكى لسانه وقال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}وزكى كلامه وقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وزكى فؤاده وقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}وزكى بصره وقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} وزكى خلقه وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}بل زكاه كله وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } فاخسئوا معشر المجرمين وابشروا بلعنة رب العالمين في الدنيا والآخرة والعذاب المهين }فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}
إن الغضب من أجل النبي صلى الله عليه وسلم هو أقل ما يمكن أن يفعله المسلم، أما الدفاع عنه، والذب عن عرضه، فهو من أوجب الواجبات، ولن يبلغ العبد درجة كمال الإيمان إلا إذا كان يحب النبي -صلى الله عيله وسلم- أكثر من حبه لنفسه، ففي الحديث قال عمر -رضي الله عنه: (يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا نفسي). فقال - صلى الله عليه وسلم -: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) فقال رضي الله عنه: ( فأنت الآن والله أحب إليَّ من نفسي). فقال - صلى الله عليه وسلم -: (الآن يا عمر).(11/26)
إنَّ الإساءة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هي إساءة للدين ولكل مسلم من المسلمين، ولكن ينبغي للمسلم أن يتصرف بحكمة، وينصر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالطرق المشروعة، وقد قامت الدولة - وفقها الله - باستنكار ذلك المنكر العظيم، ومن الوفاء شكر ولاة أمرنا والدعاء لهم، ولا ننسى بعض تجارنا الذين غضبوا لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - فقاطعوا منتجات تلك الدولة، أسأل الله -عز وجل- أن يخلف عليهم خيراً، كما أسأله سبحانه أن يرينا بأعدائنا وأعداء نبينا عجائب قدرته، وفجاءة نقمته، وأليم عذابه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
(*)حائل - ص. ب: 3998
حتى يتفرق دمه في القبائل ...
أ.د. ناصر بن سليمان العمر ... ...
لم يكن يتصور المرء أن مؤامرة كفار قريش لقتل النبي _صلى الله عليه وسلم_ تعود مرة أخرى بهذه السرعة وبالمنوال نفسه وعلى أيدي الغربيين أعداء العرب والمسلمين، حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل.
يختلف الحدث والزمان والمكان وتتفق الحقائق "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" (الذريات:53).
لقد ابتدر أبو جهل تلك الفكرة الآثمة التي لم يبتدرها إبليس ولم يملك إلاّ أن يصفق لها قائلاً: "هذا هو الرأي"، فتآمروا قديماً على قتله -بأبي وأمي هو- وطلبوا من كل قبيلة أن تأتي برجل منهم حتى يتفرق دمه في القبائل –زعموا-.
واليوم وعندما تحمّلت الدنمارك كبر سبّ النبي _صلى الله عليه وسلم_، وكانت الوقفة المشرفة من الأمة ضد هذه الجريمة النكراء، وعندما بدأت تلك الدولة تترنح تحت وطأة آثار تلك الحملة، وبالذات المقاطعة الاقتصادية الشجاعة من لدن المسلمين، في دولة يعد ثدي البقرة أعظم من بئر نفط لدى ممالك النفط ، هنا هبّ الغرب في وقفة آثمة مع هذه الدولة الباغية من أجل تفتيت تلك المقاطعة، (حتى يتفرق أثرها في تلك الدول بدل دولة واحدة)، وهنا يقول بعض المسلمين: لا طاقة لنا بمحاربة هؤلاء القوم جميعاً؛ لأسباب لا تخفى على ذي عينين وعقل وأذنين.
ولذا كان لا بد من التيقظ والحزم وعدم الاستسلام لتلك المؤامرة، وهذا يقتضي أن تحصر المقاطعة في الدولة التي أيقظت الفتنة وهي نائمة "لعن الله من أيقظها" مع الاستمرار في المقاطعة وتفعيلها؛ لأنها بدأت تؤتي أكلها بإذن ربها، يقول رئيس تحرير تلك الصحيفة الآثمة: "علي أني أقول وأنا أشعر بالعار: إنهم انتصروا"، فحذار من إتاحة الفرصة لتفتيت هذه الوقفة الشجاعة بالتعجل بالدعوة لمقاطعة هذه الدول كلها، وهذا ما يريد أن يجرنا إليه الغرب الحاقد؛ لأنه يعلم أن من يقاتل فرداً ليس كمن يقاتل عشرة، ويدرك أنه بالدعوة إلى مقاطعة تلك الدول سينبري أناس من بني جلدتنا ضد هذه المقاطعات؛ لأنها ستمس مصالحهم مباشرة، وهنا يدب الخلاف ويكثر النزاع، وتتحول المعركة ضد العدو إلى معركة داخلية، والنتيجة هي الفشل _لا سمح الله_ "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [الأنفال: من الآية46].
ولا يعني هذا براءة تلك الدول، أو عدم استحقاقها للعقاب، كلاّ، ولكن السياسة الشرعية تقتضي التعامل بحكمة مع الحدث، وعدم تفتيت الجهود، أو الاندفاع العاطفي غير محسوب النتائج، أو الدخول في معركة لا نملك أدواتها.
وعندما نحصر الحرب في الدولة البادئة فلأنها هي التي تولت كبر الحدث والبادي أظلم، وهي التي سنت تلك السنة السيئة، فعليها وزرها ووزر من عمل بها، وعلى نفسها جنت براقش، فاجعلوها عبرة لمعتبر، تصديقاً لقوله _سبحانه_: "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" [الحشر: من الآية2]، وتحقيقاً لقول الباري _تعالى_: "فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ" [الأنفال: من الآية57]، وسبيل النجاة يكمن في قوله _جل وعلا_: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" [آل عمران: من الآية103].
وختاماً "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [آل عمران:200].
==========================
حدود حرية التعبير
يوسف القبلان
«كما دعت اللجنة إلى اتخاذ اجراءات حازمة لحظر القيام بنشر الأفكار والمواد القائمة على العنصرية».
أما اللجنة فهي لجنة حقوق الإنسان حين أشارت في دورتها الحادية والستين إلى ما يلحق الأقليات والطوائف المسلمة في بعض البلدان غير الإسلامية، وإلى التصوير السيئ للإسلام في وسائل الإعلام.
أما المتحدث فهو الدكتور محمد الحبيب بن الخوجه الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي وكان في حديثه يستهجن ويستغرب ما أثارته صحف دانماركية ونرويجية من إساءة للمسلمين بانتهاكها المبادئ الأساسية للصحافة تحت غطاء حرية التعبير.(11/27)
وأشار د.الحبيب في حديثه إلى أن القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة التي عقدت بمكة المكرمة في نهاية ديسمبر 2005 أكدت على مسؤولية جميع الحكومات عن ضمان الاحترام الكامل لجميع الأديان والرموز الدينية، وعدم جواز استغلال حرية التعبير ذريعة للإساءة إلى الأديان، ونحن نتفق مع ما ذهب إليه الأمين العام ونتساءل عن دور المنظمات الإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، والأزهر الشريف وغيرها، وهل يمكن مقارنة مواقفها في الذود عن الإسلام والمسلمين بما تقوم به منظمات حقوق الإنسان.
وإذا كنا نطالب باتخاذ إجراءات حازمة فما الذي تم في هذا الشأن وهل هناك تنسيق فعلي بين المنظمات الإسلامية وهل يقتصر دور هذه المنظمات على كشف سقطات بعض الصحف المتطرفة أم أن القضية أكبر وأشمل وتحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية الجميلة التي شوهها الإرهابيون المتطرفون وما هذه الحملات البغيضة ضد الإسلام إلا نتيجة لأعمال الإرهاب المنسوبة إلى المسلمين، فالإرهابيون لم يكتفوا بقتل الأبرياء بل شجعوا المتطرفين في الجانب الآخر على التمادي فيما يسمونه حرية التعبير، ولو اتجهت الأموال التي تمول الإرهاب إلى بناء المساجد والمراكز الثقافية والمكتبات والجمعيات الإنسانية لكان في ذلك أكبر خدمة للإسلام والمسلمين.
ليس المطلوب الآن من المنظمات الإسلامية الاكتفاء بإصدار بيانات الاستنكار والاستهجان ولا بيانات المناشدة، ولكن المطلوب وضع برنامج عمل مستمر ليس فقط من أجل الرد على ما تكتبه الصحافة المتطرفة ولكن من أجل وضع سياسة وبرنامج عمل منظم يأخذان في الاعتبار أحوال المسلمين في كل مكان ويقدمان الخدمات الإنسانية للإنسان مهما كانت ديانته أو جنسيته أو لونه انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي التي تحث على التكافل واحترام الأديان، والتآلف، والتسامح وغيرها من القيم الإسلامية العظيمة التي أساء إليها الإرهابيون، وتقع على المنظمات الإسلامية مسؤولية أبرازها كسلوك إسلامي.
أما قضية حرية التعبير التي يستند إليها الذين يهاجمون الإسلام ويسخرون من تعالسيمه بل ويتمادون في حريتهم بالسخرية من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها حرية مرفوضة، وهي حرية لا يجوز الدخول فيها أو ممارستها من قبل منسوبي كافة الأديان، وعلينا نحن أيضاً كمسلمين أن نجري عملية تقييم ذاتية صادقة وشفافة لكل مفردات خطابنا الديني، ومن الأولى أن يكون المسلم قدوة لغيره في القيم الإنسانية النبيلة التي تحترم كرامة الإنسان وتحترم أديانه.
yalgoblan@alriyadh.com
3 تعليقات
1
ايهما اعظم من نشر صور ام من صور فيلم
دار عرض أمريكية تعرض فيلما إباحيا بعنوان'الحياة الجنسية للنبي محمد'.
الإساءة فوبيا غربية قديمة
ولم تقتصر الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك فقط ولكنها امتدت لتشمل إساءات أشد مثل ما نشرته صحيفة هيوستن برس الأمريكية الأسبوعية في ولاية تكساس من إعلان عن دار عرض أمريكية تعرض فيلما إباحيا بعنوان'الحياة الجنسية للنبي محمد'.
ورغم الاحتجاجات التي تلقتها دار السينما من مسلمي ولاية تكساس إلا أنها رفضت إيقاف عرض الفيلم واستعانت بالشرطة لصد المتظاهرين. وبالطبع لم يتم اتخاذ أي إجراء لمنع عرض الفيلم من قبل المسئولين.
سالم الصقيه
06:52 صباحاً 2006/01/30
2
اتفق معكِ أخي يوسف.. ولكن. اختلف معك أيضاً
أولاً / أستاذ/ يوسف.. شكر الله لك تصديك ودفعاك عن الحبيب صلى الله عليه وسلم... وهذا أقل ما يفعله أحدنا...
ثانياً/ إنني أتفق معك... في كثير مما تطرقت إليه.. وأخالفك في البعض... ولعلك والأخوة القراء يتفقون معي أن اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية... فإن كان الحق معك.. وضحه لي في مداخلة.. أو في مقال آخر.. وإن كان الحق فيما ذكرته أنا.. فالأولى بالمسلم قبول الحق كما قال حبيبك وحبيبي صلى الله عليه وسلم [الحكمة ضالة المؤمن]
أخي الكريم يوسف..
ثالثاً/ أما قولك (وإذا كنا نطالب باتخاذ إجراءات حازمة فما الذي تم في هذا الشأن وهل هناك تنسيق فعلي بين المنظمات الإسلامية وهل يقتصر دور هذه المنظمات على كشف سقطات بعض الصحف المتطرفة أم أن القضية أكبر وأشمل وتحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية الجميلة التي شوهها الإرهابيون المتطرفون)
فأتفق معك جملة وتفصلاً..
بل وأضيف ~إليه.. إن ما قامت به الصفتين الدنمركية والنرويجية.. عين التطرف... والإرهاب.. فإن ينتقمون... من شعب أفغانستان.. وشعب العراق.. ويقصفون النساء والأطفال والعزل. والحيوانات.. (ليتمهم في نظر أمريكا سواء لكان تدخلت جمعية حقوق الحيوان) بسبب تفجير برجي التجارة العالمية في أمريكا... سواء ثبت أن القائم به مسلمون.. أم أن التهمة علقة على أناس متوفين قبل الحدث بسنين وأكثر.. كما اتضح لنا فيما بعد!!!
.. تابع التتمة من فضلك
أخوكم/ أبوعاصم
abo-aseem@maktoob.com(11/28)
عبدالعزيز بن علي العسكر
07:37 صباحاً 2006/01/30
3
تتمة اتفاقي.. معك.. ووجهات اختلافي
فإذا كان المعتدي ابن لادن أو فلان.. وفلان.. أليست أمريكا بأجهزة استخباراتها والموساد معها...و... , قادرة أن تقتنصه لوحدة كما اقتنصت (تلميذتها ) إسرائيل (أحمد ياسين) و)وعبدالعزيز الرنتيسي) ! وغيرهم كثير.. هل ما فعلته أمريكا بامتهان المصحف في قوانتامو وما فعلته في المعتقلات العراقية..و قصفها لشعب أفغانستان وشعب العراق وما فعلته الصحف الدنمركية من الديمقراطية والعدل؟
كما أننا ومن خلال تعاليم الإسلام.. نمقت ونحذر من العليات الإرهابية والانتقامية.. خصوصاً في البلاد الآمنة المستقرة.. التي لا حرب فيها.. كقتل المعاهدين والمستأمنين ومن دخلوا بلادنا بإذن من ولاة الأمر فقد قال صلى الله لعيه وسلم [من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة] فأي جهاد.. يزعمونه لا يدخلك الجنة؟؟
وإذا لم يدخل هؤلاء التفجيريين والتكفيريين.. الجنة فأين مصيرهم؟؟ والعياذ بالله !!
إلا أن ثمتَ تطرف آخر... في المقابل.. ألا وهو التغريب.. وزعم تحرير المرأة وقيادة المرأة.. فهذا وذاك سواء.. التكفيريين يفجرون المباني ويقتلون.. الأبرياء.. والتغريبيين.. يفجرون المشاعر.. ويثيرون العداوات.. ويقتلون المباني والقيم ويحاولون قتل العقائد.. ولن يستطيع التكفيريين ولا التغريبيين إدراك مأربهم. ومقاصدهم. {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} طالما وقفنا صفا واحدا خلف ولاة أمرنا (الأمراء والعلماء) قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
أما قولك (وما هذه الحملات البغيضة ضد الإسلام إلا نتيجة لأعمال الإرهاب المنسوبة إلى المسلمين، فالإرهابيون لم يكتفوا بقتل الأبرياء)
فهذا غير صحيح... فعداوة اليهود والنصارى أزلية منذ عهد النبوة والخلفاء والراشدين، ولن نصل معهم لائتفلاف فإن الله تعالى يقول {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} فهل يقبل مسلم أن يبع ملتهم؟؟؟
ولو فعل لأصبح كالأفارقة السود في أمريكا.. وما يعانونه من اضطهاد!
قبل تحياتي ودعوتي حبيبي يوسف.. واختلاف وجهات النظر لا تفسد للود قضية، أسأل الله أن يظهر الحق على يديك وعلى لسانك ومن خلال قلما، وأن يجمعني بك مع الحبيب صلى الله عليه وسلم عند حضه وفي الفردوس الأعلى. وصلى الله وسلم على الحبيب.
أخوكم/ أبوعاصم
abo-aseem@maktoob.com
عبدالعزيز بن علي العسكر
07:40 صباحاً 2006/01/30
========================
حديث عن المصطفى المختار
عبد الرحمن السديس إمام الحرم
مكة المكرمة
6/3/1426
المسجد الحرام
ملخص الخطبة
1- سبب عز الأمة وتمكينها. 2- سبب ذل الأمة وانهزامها. 3- الحديث عن المصطفى . 4- وجوب محبة النبي . 5- حقيقة محبة النبي . 6- فضائل النبي وشمائله. 7- ومضات من سيرة النبي . 8- جد النبي واجتهاده. 9- حقد الأعداء على النبي . 10- ضرورة الاستفادة من السيرة النبوية. 11- الحب الصادق والحب الكاذب. 12- محبة آل البيت وأزواج النبي والصحابة الكرام.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فإنَّ خيرَ ما تُفتَتح به الوصايا وتُختَتَم ويُستجلَب به الخير ويُستَتَمّ الحثُّ على تقوى الإلهِ وخشيته في السرِّ والعلن؛ فمن جعل التقوَى مرمَى بصرِه أفلح ونجَا، وفازَ بما أمَّل ورجا، وصدَر عن بهجةٍ وانشراح روح، ونفسٍ راضية مرضية في رياضِ السّعادة تغدو وتَروح.
أيّها المؤمنون، لسنا في نجوًى عن القول: إنّ أمّتَنا الإسلاميّة العتيدة إنما شدَّت ركابها شطرَ المجد والعلياء وتسنَّمت قِمَم السؤدَدِ والإباء وساقت الإنسانيّةَ إلى مرابِع الحضارة والمدنيّة والهناء وأفياءِ الأمن والرّخاء والعدل والإخاء ساعةَ استعصَمَت بالوحيَين الشريفين، واستمسَكت بالهديَين النيِّرين، وكانت مِلءَ سمعها وبصرها، ومُفعَم روحِها ومُستَولَى مشاعرها، سنّةُ نبيّها الغرّاء وسيرتُه وشمائِله الفيحاء.
خُلُقٌ كما خطَر النّسيم فهزَّ أعطافَ النبات وشمائلٌ علويّة أصفى من الماء الفرات
ويومَ أن شطَّ بها المزار عن ذلك الهديِ المتلألئ المِدرار فاءت الأمّةُ إلى يَبابِ التبعيّة والذيليّة والوهَن، وصارت والتنافُرَ والتناثرَ في قَرَنٍ، والْتأمَتْ مع الأسَى الممِضّ أمّةُ الاقتداء والوحيِ والاقتفاء على دعاوًى منَ الحبِّ مسطَّحةٍ زَيفاء، تكاد عند المحاقَقَة لا تبارِح الألسنة والشِّفاه، وذلك من مكامنِ دائها العُياء، فَدَاءُ الأمّة فيها، ولو أنها اعتصَمَت بالكتاب والسنّة ما استفحَل داؤها ولتحقَّق دواؤها.
إخوةَ الإيمان، ولئن ازدَانَت الغَبراء فَبُدِّلت وضَّاءةً خضراء منذ ما يربُو على أربعةَ عشر قرنًا من الزّمان ببعثة سيِّد الأنبياء وعطَّرت سيرته المونِقة الأقطارَ والأرجاء
فالكَونُ أشرَقَ والفَضاءُ تعطَّرَا والأُفْق ظلَّله السرور فهل تَرى(11/29)
بما تضمَّنته من حقائق المهابةِ والجمال والخشية والجلال ومسدَّدِ الحِكمةِ في الأقوالِ والفِعال، فإنَّ تلكم السيرةَ المشرقة الجبين المتلألِئة المُحَيَّا لا تزال تُهيب بوُرَّادها مناشِدَةً: إليَّ إليَّ، وحيَّهَلاً عليَّ عليَّ، نهلاً وفهمًا، واقتِباسًا ورِيًّا.
معاشر المحبين، إنَّ الحديثَ عن الحبيب المصطَفى والرسول المجتبى والخاتم المقتَفَى صلواتُ الله عليه وآلِه وسلّم لهو حديثٌ عَذبُ المذاق، مُجرٍ لدموع المآق، بَلسَم لجفوة القلوب ولقَسوَتها تِرياق، كيف لا وهو رسول الملِك العلام وحامِل ألوية العدلِ والسّلام ومُخرج البشريّة بإذن ربِّها من دياجير الانحطاطِ والوثنية والظلام ووِهاد الأرجاس والآثام إلى أنوار التوحيدِ والإيمان والوئام؟! صلوات الله وسلامه عليه ما ذرَّ شارق، وحنَّ إلى إِلفِه المفارق، نبيُّ المعجِزات، وآخذُنا عن النار بالحُجُزات، أمَنّ النّاس على كلِّ مسلم ومسلمة، وأحقُّهم نَقلاً وعقلاً بالمحَبّة الوادِقة والطاعة الصادقة، صاحِبُ المقامِ المحمود واللِّواء المعقود والحَوض المورود.
تجود بالدّمع عيني حين أذكرُه أمّا الفؤاد فلِلحوض العظيم ظَمِي
لا يتمّ دينُ المرءِ إلاّ بإجلاله والانقيادِ له وحبِّه، ومن صعَّر خدَّه هدم دينَه واتُّهِم في لُبِّه، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان: ((لا يؤمِن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده ووالدِه والناس أجمعين))[1].
تِلكم هي المحبّةُ الصادقة التي أفضَت إلى أصلِ الطّاعة والتسليم الذي دلَّ عليه قول الحقّ تبارك وتعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. أحبَّه مولاه واجتبَاه، وميَّزه على سائر الخليقة واصطفاه.
فكم حَبَاه ربُّه وفضّله وخصّه سبحانه وخوَّله
أبى الله إلاَّ رَفعه وعُلُوَّه وليس لما يُعلِيه ذو العرش واضعُ
بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام. أظهرُ الخليقَة بِشرًا وأُنسًا، وأطيبُهم نَفَسًا ونفْسًا، وأجملُهم وصفًا، وأظهرهم لُطفًا، لا يطوي عَن بَشَرٍ بِشْرَهُ، وحاشاه أن يشافِهَ أحدًا بما يكره، والبِشْرُ عنوان البشير، صلّى الله عليه ما همَى رُكام وما هَتن غَمام، كان ذا رأفةٍ عامّة وشفَقَة سابغة تامّة، أجملُ الناسِ ودًّا، وأحسنُهم وفاءً وعهدًا، تواضَعَ للناس وهمُ الأتباع، وخفض جناحه لهم وهو المتبوع المطَاع، كان شديدَ الخوف والعبادة، وافرَ الطاعة والقنوت والإفادة، له شجاعةٌ ونجدة وبسالة في الحقّ وشِدّة، يبذُل الرّغائب، ويعين على الصروفِ والنوائب، ما سئِل عن شيء فقال: لا، وما أشاحَ عن مُعتَفٍ ولا قَلَى. فيا للهِ، هل في طوقِ الأبيِنَاء من غَطارِفة البيان أن يتفرَّدوا بوصفِ نبيٍّ نُزِّه عن المثالب والنقائص وكُرِّم ببديع الشمائل والخصائص؟! كلا لعَمرو الحقِّ كلاّ.
مَلَكت سَجايَاه القلوبَ محبَّةً إنَّ الرسول إلى القلوبِ حَبيبُ
نبيٌّ تقيّ، ورسول نقيٌّ، زكَّى الباري لسانه فقال: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى [النجم:3]، وزكَّى بصره فقال: مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكَّى صدره فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]، وزكَّى فؤادَه فقال: مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]، وزكَّى جليسَه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى [النجم:5]، وزكّاه كلَّه فجاءت الشهادة الكبرى التي شرُف بها الوجود وانزَوَت لها كلُّ الحدود، إذ يقول البَرّ الودود: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
خُلُق عظيمٌ اشتُقَّ من عظمة هذه الرسالةِ العالمية الإنسانية، خُلُق لا يؤوده بلاغ الرحمة والعدل والفضيلة والقوّة والعزة والرفق والحكمة، وشعار المحِبّ دائمًا يعلو:
خيالُك في ذهني وذِكراك في فمي ومَثواك في قلبي فأين تغيب؟!
إخوةَ الإيمان، ولسيرةِ النبيِّ المختار هَديرُها ورِواؤها في سُويداءِ النفوس التي أحبَّته وأجلّته والأفئدةِ الموَلَّهَة العميدَةِ بخصالِه، وإبلالاً لذلك الصَّيهَج من الحبّ الطهور نُزجِي للعالَم ومضاتٍ ولُمَعًا من سيرتِه المنَشَّرَة بالرحمة والحنان، وهيهات أن يبلُغَ المرام بنان.
فيومَ أن اشتدَّ أذى قومِه له، فانطلَقَ وهو مهمومٌ على وجهه عليه الصلاة والسلام، فلم يستفِق إلاّ وهو بقرنِ الثعالب، فناداه ملك الجبال وقال: يا محمّد، إن شِئتَ أن أطبقَ عليهم الأخشبين، فقال وهو الرؤوف الرحيم: ((بل أرجو أن يخرِجَ الله من أصلابهم من يعبدُه وحدَه لا يشرك به شيئًا)) أخرجه الشيخان[2].
فسبحان الله عبادَ الله، انظروا كيفَ قابلوه بالتَّهَجّم والنكران، فنحَلَهم العفوَ والغفران، وصدق الله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّما أنا رحمةٌ مهداة)) خرَّجه البخاري[3].(11/30)
هو رحمةٌ للناس مهداة فيا وَيلَ المعانِدِ إنّه لا يُرحَم
وصرخةُ مَفؤودٍ متوجِّع ولَوعةُ مصدورٍ متفجِّع ممّن يقتِّلون الأنفس المعصومةَ البريئة، لا يتلذَّذون إلا بإراقةِ الدماء وتناثُر الأشلاء، في جهالاتٍ تتلوها حماقاتٌ، فيا لها من قِحَة جريئة وقلوب قاسيَة قبيحة، معاذَ الله ثم معاذَ الله أن يكونَ الفساد والدمار والإرهابُ والبوار من هديِ النبوّة وشمائلها في وردٍ أو صدر.
وفي فتحِ مكّةَ حين اشتدَّ الفزعُ الهالِع بمشركي قريش وظنّوا كلَّ الظنّ أنّ شأفتَهم مستأصلة وقف منهم الرسولُ الشاكر الرحيم المانّ الحليم وقال: ((ما تظنّون أنِّي فاعل بكم؟)) قالوا: خيرًا؛ أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: ((اللّهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اذهَبوا فأنتم الطلقاء))[4].
الله أكبر، يا له من نبيٍّ ما أعظَمَه، ومِن رسولٍ ما أكرمه.
لَه الصلاة والسلام تترَى ما شرى برقٌ على طيبَةَ أو أمِّ القرى
إنّه المثل الأعلى للإنسانيّة؛ انتَصَر فرحِم وعفا، وقدَر فصفَح وما جفا.
مَعالٍ جازَت الجَوْزا جَوازًا وحُسْنٌ قد حَوَى الحُسْنى وجازَا
وغيرُ خافٍ ـ يا أولي الألباب ـ ممّا يسهِّدكم تفصيلُه ويؤلمكم قليله ما مُنِي به بعضُ العُلاَة حينَ استبدَّ العتاة، فأهدَروا إنسانيّةَ الإنسان، وحطَّموا في صلَفٍ وعنجهيّة كلَّ المواثيق والحقوق، فأينَ الحَضيض من السِّماك الأعزل؟! وشتّان شتّان بين الاهتداء المنير والادِّعاء المبير.
ونظيرُ ذلك مما ينتَظِم في أسلاك الصّفحِ والنّبل والشهامة من نبيِّ الرحمة والكرامة ما كان منه إزاءَ ثمامَة وهِندٍ والثلاثة، ويكفي من القلادَةِ ما أحاط بالعنق.
وصفوةُ القول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، أسوةٌ في جميع ضروب الحياة وتصاريف الأمور والمعاملاتِ، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].
إنَّها النفس التي عانَقَت السماء، وعاشَت على الثَّرى دانيةً من الناس، مِلؤُها الإحسان المدِيد والعقلُ السديد والرأي الرّشيد والقول اللطيف الوئيد، في أقصى آمالِ الحِرص والإخلاص والصّدق والأمانة.
فعن حبِّه حدِّث عن البحر إنّه لبحرٌ ولكن بالمعاني انسيابُه
معاشرَ المسلمين، ثلاثةٌ وعشرون عامًا بل دُرّةٌ مِن الدعوة والصبر والتعليم والجهاد تقِف شامخةً على قمَّة الزمنِ والحضارة والتأريخ، لا تجِد فيها ساعةً أو خطوَة توصَف بالضياع أو الإهدارِ.
يا ربَّنا فاجمَعنا معًا بنبيِّنا فِي جنّةٍ تثنِي عيونَ الْحُسَّد
في جنّةِ الفردوس فاكتبها لنا يا ذا الجلالِ وذا العلا والسّؤدَد
أمّةَ الإسلام، أحباب سيّدِ الأنام، ومع كلِّ هذا الجلاء في سيرةِ خير الورَى والبهاء لا يزالُ أحلاسُ النّفاق وشُذّاذ الآفاق ومَردَة الكُفرِ والاستشراق ومُسوخ العولمة والتغريب ينشرون أباطيلَهم وحقدَهم الأرعن عبرَ الحمَلات والشبكات حِيالَ الجناب المحمدّيّ الأطهر والهديِ المصطفويّ الأزهَر، فيا وَيحهم، يا ويحهم يَرمون من أرسلَه الله رحمةً للعالمين بالقَسوة والجفاء والإرهابِ والغِلظة والشناءَة، في رسومٍ ساخِرة ودِعايات سافِرة وحملات ماكِرة، فالله حسبنا وحسيبُهم.
وهَل أنكروا إلاّ فضائلَ جمّةً؟! وهل يبصِر الخفّاش والنورُ ساطِع؟!
وما عُدَّتهم إلاّ الافتراء والزور، ينفثُها صدرُ كلِّ مأفونٍ موتور، تشكيكًا في النبوّةِ والرّسالة، فويلٌ لهم من وَصفِهم أشرفَ الورى بما اختَلقوا مِن عندهم والتّزَعُّمِ. وقد علِموا يقينًا قاطعًا أنّ النبيَّ الأمّيَّ الهاشميّ القرشيّ صلوات ربي وسلامُه عليه قد جاء للبشريّة بأسمى الحقائِق الكونية وأزكى الآداب الخلُقُية وأرقى النُّظُم الاجتماعيّة وأجلى الشرائع التعبديّة، ولكن وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]. الله أكبر، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، ولله درُّ حسّانَ رضي الله عنه:
هجوتَ مباركًا برًّا حنيفًا أمينَ الله شِيمتُه الوفاءُ
فإنَّ أبي ووالدَه وعِرضي لعِرضِ محمّدٍ منكم وقاء(11/31)
أمّةَ الإسلام في كلّ مكان، وإذا كانَت المآسي تلفَح وجوهَنا في كلِّ شبرٍ وواد من كلِّ باغٍ وعادٍ فإنّه لِزامًا على الأمّة وقد رضِيَت بالركون إلى هذه الدنيا والإخلاد ورَثَّ حبلُ صِلَتِها بهذِه السّيرةِ الهادِية أو كاد وغدَت سيرةُ الحبيب بعد الجدّة والإشراق أشبهَ بالأخلاط أن تَنثَنِي إلى السيرة النبوية في شمولٍ وعُمق وجِدٍّ وصِدق، وأن تكونَ أشدَّ تعلُّقًا بنبيِّها وسيرتِه عليه الصلاة والسلام تأسِّيًا وفهمًا وسلوكًا واستبصارًا واعتبارًا؛ لتنتشلَ نفسَها من كلاكل العجزِ والتمزّق والفِتن والانحدار التي مُنِيت بها في هذهِ الآونةِ العصيبة، ولْتعلِنها مدوّيَة خفّاقةً وشَجًى في اللّهواتِ المغرِضة الأفّاكة أنّ السيرة النبويّةَ والمناقب المحمّديّة على صاحبها أزكَى سلامٍ وأفضل تحيّة هي مناط العِزّ والنصر وأجلَى لُغاتِ العصر التي تعرُج بالأمة إلى مداراتِ السّؤدَد والتمكين، وهي التي تقضِي على جدلٍ كلِّ عنيد وخداع كلِّ ماكر ونَزَق كلِّ دعِيّ، وهي الحجّة القاطعة لدحرِ المتقحِّمين على أصولِ الشريعة والأحكام مِن قليلِي البصيرة وسُفَهاء الأحلام.
والسيرةُ النبويّة ـ يا رعاكم الله ـ هي الشمسُ الساطعة التي تربَّى عليها الأجيالُ بمنهج الوسَطِ والاعتدال بعدَ أن تلقَّفَتهم جحافِل الغرائز والشهوات في رائِيَات وفضائيّات، وطوَّقتهم فيالِقُ الشّبهات في شبكاتٍ ومنتدَيَات، وغزَتهم كتائبُ الانهزاميّة والفرقة والشّتات، حتى جفَّت في قلوبهم ينابيعُ الحبِّ المورِقِ لنبيِّهم وشمائِلِه وصَحبهِ إلاّ مَن رحم الله. ومنهج المحبِّ الصادِق:
لي فيك حبٌّ ليس فيه تملُّق أملاه دينٌ ليس فيه تكلُّف
يا أمّة الحبيب المصطفى ، ولن يتحقَّق الحبّ النبويّ المكين في أكملِ معانيه وأحكمِ مبانيه إلاّ إذا كانت لُحمتُه الاتِّباعَ والاقتداء، وسُداه الائتِساءَ والعمل والاهتداء.
إنِّي أرى حبَّ النبيِّ عبادةً ينجو بها يومَ الحساب المسلم
لكن إذا سلَك المحبّ سبيلَه متأسِّيًا ولِهديِه يترسَّم
واضَيعتاه لأمّةٍ ضيَّعت مبعَثَ آمالها ومُنتَهى آلامها. يا لَضَيعةِ السنّة السنيّة أن تكونَ من قبيل الغلوِّ والإطراءِ وإنشادِ القصائدِ الحوليّات وسَردِ القصَصِ والرّوايات والترانيم والمدائِحِ التي لا تغادِر الشّفاه في ليلةٍ مخصوصَةٍ أو شهرٍ معيَّن، من فئاتٍ رامت الإجلالَ فوقعت في الإخلالِ، فهم أقربُ ما يكونون إلى طلبِ العافيَة والبُعد عن ميدان الدّعوة والمصابَرة وتحمُّلِ التّبِعات، والحبُّ الصادِق:
حبٌّ مدَى الأيّام يُنشَر ذكرُه ويُذاع في كلِّ البقاع وينقَلُ
إنَّ السيرةَ الفَيحَاء لهي أعذبُ الموارد وأجَلّ من أن تؤسِّنَها بِدَع الموالِد، ومن للسنّة أحَبّ نافَح عنها وذبَّ، فمن ادَّعى المحبّة أُلزِم صِدقَ الشهداء، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكَاذِبُونَ [النور:13].
فإن كنتَ في دَعوى المحبّةِ صادقًا ففِي شرعِنا برهان دعوَى المحبّةِ
وفِي شرعِنا أنّ الْمَحبّة طاعة وسيرٌ على منهاج خيرِ البريَّة
فيا أيّها الجيل المحِبّ في كلّ مشرِق ومغرب، خِفّوا للتحلِّي بشمائل نبيِّكم وأخلاقِه، وتزيَّنوا بمناقبِه وآدابِه، وتمثَّلوا هديَه، وترسَّموا سنّتَه، وعَضّوا عليها بالنواجذ، تغنَموا وتنعَموا وتسودوا وتقودوا.
يا مسلمون لسنّة الهادي ارجِعوا واسترشِدوا بدروسها وتعلَّموا
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ [آل عمران:31، 32].
بارك الله لي ولكم في الوَحيين، ونفعني وإيّاكم بهدي سيِّد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه كان توّابًا.
---------------------------
[1] صحيح البخاري: كتاب الإيمان (15)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (44) عن أنس رضي الله عنه، ليس فيه قوله: ((من نفسه)).
[2] صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق (3231)، صحيح مسلم: كتاب الجهاد (1795) عن عائشة رضي الله عنها.
[3] أخرجه ابن سعد (1/192)، وابن أبي شيبة (6/325)، والدارمي في المقدمة (15)، والبيهقي في الشعب (2/144) عن أبي صالح مرسلا، ووصله الطبراني في الأوسط (2981) والصغير (264)، وابن عدي في الكامل (4/230)، والقضاعي (1160، 1161)، والرامهرمزي في الأمثال (13) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم (100)، ووافقه الذهبي، وهو في السلسلة الصحيحة (490). وفي الباب عن أنس وجبير بن مطعم وابن عمر رضي الله عنهم.(11/32)
[4] أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (4/412) فقال: "حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله قام على باب الكعبة فقال:..." فذكره في حديث طويل، وهذا سند معضل، وروي عن قتادة السدوسي مرسلاً، أخرجه الطبري في تاريخه (2/161) من طريق ابن إسحاق، وليس فيهما قوله: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعَلنا من خيرِ أمّة أخرِجت للناس، سبحانه وبحمدِه خصَّنا بشريعةٍ لا يعروهَا عِوَج ولا التباس، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له هو المجير من فِتَن الدّنيا والأرماد، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله أفضل من قادَ وساس، وخيرُ من سقانا بسيرتِه السنيّة أروى كاس، وعلى آلِه وصحبه الصّفوةِ من كل الملا والناس، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلَموا أنَّ من مقتضَى محبّة رسول الله محبّةَ آله الأطهار وصَحبه الأخيار المهاجرين منهم والأنصار، ووُدَّ أهل بيته الطيّبين الطاهرين وزَوجاته الطاهرات أمّهات المؤمنين وصحابَتِه الغرِّ الميامين، فلَيس في الأمّة كالصحابة في الفضلِ والمعروف والإصابة؛ أبرُّ الناس إيمانًا، وأهدَاهم قلوبًا، وأجفَاهم للهِ جنوبًا، انتَهَوا في محبَّتِهم لخير البريّة إلى تفديَتِه بالآباء والأمّهات، وإلى أعالي الدّرجات وسامي الغايات التي تمتنِع إلاّ على النفوسِ المشرقة باليقين.
ربَّيتَ جيلاً أبيًّا مؤمنًا يقِظًا حَسَوا شريعتَك الغرّاء في نهَمِ
فمَنْ أبو بكر قبل الوحي مَنْ عُمرُ؟! ومَنْ عَلِيٌّ ومَنْ عثمانُ ذو الرحم؟!
فمن أحبَّهم وأثنى عليهم برِئ من النّفاق وكان له من منازل الإيمان على قدرِ محبّتِه لهم والائتِساء بهم، يقول سبحانه: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].
إذا الله أثنَى بالذي هو أهلُه عليهم فما مقدار ما يمدح الورى؟!
وفي صحيحِ الخبَر عن سيِّد البشَر في بيان حقِّهم وعظيمِ قدرِهم: ((لا يحبُّهم إلا مؤمِن، ولا يبغِضهم إلاّ منافق، ومن أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضَهم أبغضه الله))[1].
أولئك أَحبابِي وصَحبِي ومَعشَري وقومي وإخواني وأعلامُ أمّتي
فمَن تطاول عليهم وافترى فقد ظلَم واجترى وجاء بأعظمِ الفِرى، فهم ـ وايمُ الله ـ لا يذكَرُون إلاّ بالجميل، ومَن ذكرهم بغير الجميل فهو على غير السّبيل.
وختامًا، فلتعلَموا ـ يا رعاكم الله ـ أنّ من أحبَّ شيئًا أجراه دومًا على لسانه ومكَّنه من سويداء جنانه.
ألا فأكثِروا ـ رحمكم الله ـ من الصلاة والسلامِ على الحبيب رسولِ الله كما أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه، فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه: ((مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا)).
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ المصطفى ما غرّدَت في الأيكِ ساجِعَة الرُّبى
صلّوا على من تدخلون بِهديِه دارَ السلامة تبلغون الْمطلَبَا
يا أيّها الراجون خيرَ شفاعةٍ من أحمدٍ صلّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلّم ذو الجلال عليه ما لبّى ملَبٍّ أو تَحلّل مُحْرِم
اللّهمّ فاجز عنّا نبيّنا محمّدًا خيرَ الجزاء وأوفاه، وأكمله وأسناه، وأتمَّه وأبهاه، وصلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً، ولحقِّه أداءً، ولفضلِه كِفاء، ولعظمته لِقاء، يا خيرَ مسؤول وأكرمَ مأمول.
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك، وحبَّ رسولك محمّد ، وحبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك. اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسنا ووالدينا والناس أجمعين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين...
---------------------------
[1] صحيح البخاري: كتاب المناقب (3783)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (75) عن البراء رضي الله عنه، قاله في الأنصار رضي الله عنهم.
=====================================================
نشرت جريدة المدينة في 26/1/1427هـ
صالح آل طالب : صفاء القلوب وحسن الظن بالآخرين من كمال الايمان
علي العميري - مكة المكرمة(11/33)
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته والبعد عن الحسد والبغض والكراهية. داعيا إلى صفاء القلوب ومحبة الناس وحسن الظن بالاخرين لانها من كمال الإيمان. وقال فضيلته في خطبة الجمعة يوم أمس بالمسجد الحرام ان القلوب اصدق العواطف ومحرك الأخلاق وموجه التصرفات وإذا صلحت صلحت كل الأخلاق والأعمال. وان تزكية النفوس هي الغايات التي بعث من اجلها الرسل وكثير ما تكون الآيات البينات من القرآن الكريم تصب معانيها عن القلب فذلك ان الشجاعة والكرم والحب والعطف والشفقة والاحسان والبر والتقوى والايثار والانس بالله واللذه بمناجاته والإيمان واليقين وكل أنواع الخير لا يمكن ان توجد الا بالقلوب الطاهرة الزكية ولا يمكن ان تسكن في قلب ملوث بالحسد والانانية والاثرة وسوء الظن بالاخرين.
ونوه فضيلته ان الاخيار من الناس يحرصون على ان تكون قلوبهم صالحة يتفقدونها ويصونونها مما يعكرها ويفسدها.
ولقد علق الله فلاح البعد على زكاء نفسه فقال سبحانه بعد ان اقسم احد عشر قسما قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها واضاف ان القلوب السليمة والزكية هي التي امتلأت بالتقوى والإيمان ففاضت بالخير والاحسان وانطبع صاحبها بكل خلق جميل وانطوت سريرته على الصفاء والنقاء وحب الخير للاخرين. وبين فضيلته ان صاحب القلب الخبيث والخلق الذميم فالناس منه في بلاء وهو من نفسه في عناء وان المسلم لا يحمل في نفسه على اخوانه حسداً أو ضغينة ولا تطيب السيرة الا بصفاء السريره واصحاب الأخلاق الحميده هم أقرب مجلساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم واخلاقهم وقلوبهم الصادقة توصلهم إلى الدرجات العليا من الجنة التي لن يبلغوها بنوافل العبادات الأخرى. فسلامة الصدور من كمال الإيمان وحسن الإسلام. مشيراً انه لا يصلح لسكنى الجنة من تلوث قلبه بالادران حتى يصفى القلب حيث قال سبحانه وتعالى في أهل الجنة (ونزعنا ما في صدورهم من غل). ويقول صلى الله عليه وسلم (يدخل الجنة اقوام افئدتهم مثل افئدة الطير) وقد امتدح الله الأنصار بانهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي غيرهم لاحسداً ولا غيرة ولا غلا.
========================
حرية التعبير أم كل الحقوق لكل الناس
الكاتب: هيثم مناع
جاءت حادثة الرسوم المسيئة للرسول الكريم لتعيد فتح النقاش واسعا حول مفهوم الحريات الأساسية والحقوق على الصعيد العالمي، لا لأن هناك قوى خفية تحرك النار تحت الهشيم وحسب، أو لأن سيطرة منطق يميني متطرف على الحكم في أكثر من بلد شمالي جعلت من العداء للآخر أيديولوجية رسمية غير معلنة، بل، أيضا وربما أولا، لأن لكل حادثة معاني ودلالات تتعدى مجرد المقاربة التآمرية. فلا يمكن صناعة قضية من العدم، وحتى عندما يحدث ذلك، لا بد من متابعة الأسباب والآليات التي حولتها إلى قضية.
أما أن نتوقف عند سفاهات وزيرة الخارجية الأميركية التي تعتقد بقدرة السلطات البعثية السورية على حشد مظاهرات في إندونيسيا، فإن ذلك يزجنا طوعا أو كرها في منطق مغلق الفكر ومغلق النهج، يسعى لتوظيف كل شيء في مقاربات سياسية سطحية وآنية تثير الشفقة على مصدّريها أكثر مما تبعث على الضحك.
هل هي الغيرة على حرية التعبير؟ أين كانت هذه الغيرة عندما أغلق تلفزيون أكراد تركيا أو محطة المنار؟ أين منّا تلك الغيرة التي تصمت بشكل مخجل عن اعتقال صحفيين أبرياء كسامي الحاج في غوانتانامو وتيسير علوني في مدريد؟ غيرة لا تعطي في الصحافة الأوروبية والأميركية حيزا يذكر لكارثة اغتيال واختطاف الصحفيين العراقيين من كل الأطراف المشاركة في الصراع على العراق.
أمام قراءة المزايدات اللفظية في حرية التعبير لا يمكن إلا استحضار جملة الصديق منصف المرزوقي حين يقول "يخيل إليك وأنت تقرأ من يلعب ورقة هذه الحجة أنهم يسخرون من ذكائك ... أو من اطلاعك على جملة المبادئ التي أسست لحرية تؤطرها قوانين تمنع الثلب والتحقير والافتراء وتعاقب عليها. فلا وجود في أي من البلدان الديمقراطية لمبدأ حق في المطلق وحرية غير مشروطة".
جمعت قضية الصور المسيئة ما يسميه المثل العراقي "الكشكول البهائي" من صحيفة في أزمة مالية، وأخرى في أزمة هوية، وثالثة تعيش من الإثارة في غياب أية قضية، إلى وزير بلا وزارة شمالا وأنظمة حكم بدون شرعية جنوبا، مع جماهير محرومة من الدور والفعل والحقوق الدنيا للبشر.(11/34)
ليس كل من يخوض الصراع يستحق الاحترام، ولا كل من يسعى للحوار بريئا.. فهذه القضية تفتح الأعين على حشد ضخم من التراجع والإحباط والخدع التي جعلت الشك يتحول إلى قيمة سلبية عامة في عالم أصبح التدخل فيه عدوانا على الحق في الاختيار، والحق في التكوين الذاتي للشخصية، والحق في تقرير المصير الفردي والجماعي، والحق في استعمال التقنيات الحديثة من دون رقيب يتابعنا حتى في السيارة الخاصة التي كان الرادار يكتفي بتسجيل رقمها فصار يصور من فيها، وأخيرا وليس آخرا، الحق في المشاركة في صنع العالم.
هذه الحقوق ضربها مفهوم مختزل وفوقي للتدخل يسمح لنفسه بإعادة رسم ثقافة الآخر ومكانه من خارجه ومن فوق رأسه، وفوق كل هذا يحتكر فيه امتياز "القدرة" على تقدير الأشياء وتحديد المواقف ورسم معالم ومعايير الخير والشر.
وهو بذلك يخلق لا محالة إحساسا متصاعدا بالإحباط والريبة بل الخوف من الآخر، خوف يختلط فيه العقلاني بالانفعالي لتضيع الحدود بين مجرد الحذر ومشاعر الحقد.
حققت ثورة الاتصالات تواصل العالم مع العالم بلا حدود، وفي أكثر المناطق محافظة واحتشاما يمكن لمراهق أن يتابع على الفضائيات أفلاما جنسية خليعة، وفي أكثر المناطق علمانية يمكن متابعة البرامج الدينية الأكثر محافظة دون الخروج من المنزل. العالم يكتشف في كل يوم نقاط تشابهه واختلافه، بشكل فوضوي وعشوائي، دون ضوابط ونواظم، قانونية أو أخلاقية.
وفي هذه الفوضى ومنها، يشعر كل مشارك بأنه طرف كامل العضوية في الفعل الثوري المشهدي l’acte révolutionnaire du spectacle . وبالتالي يشعر أنه قادر على استعماله وتوظيفه، إن لم يكن كمالك لوسيلة الإعلام، ففي الحد الأدنى كموضوع لها.
عالم جعلنا حتى أمس القريب نعيش مع عقدة اسمها الرقابة، باتت في أعماق كل مفكر حر أقوى من عقدة أوديب، ومع نظم رأي الآخر وموقفه في ثنائية الأفضل والأسوأ، الخير والشر، الديمقراطية والإرهاب، الثورة والثورة المضادة، الخ.. ثنائيات جعلت العدو شرطا من شروط الدينامكية الثقافية والسياسية والاقتصادية بالمعنى الأسوأ للدينامكية. هذا العالم يجعلنا نضطرب اليوم في هذا التشابك الحاد بالسلاح الأبيض والأسود بين أزمة الحضارة وطموحات من هم خارجها، بهدف إعادة صياغة العلاقة بين الحضارات والثقافات. لم يكن لهذا العالم أن يقدم لنا خيرات ثورته المعرفية ببراءة الأطفال ومثالية ثوريين أصبحوا جزءا من رومانسية التاريخ. لذا تم توظيف ثورة الاتصالات لخدمة منظومة اقتصادية سائدة ومنظومة معرفية مهيمنة، كما أصبح الدفاع الثقافي الذاتي يحمل معالم مقاومة الهيمنة الثقافية والاقتصادية ورفض الخضوع لصورة نمطية للعالم تفرض على الجميع.
في كتاب "الروح الطارق" l’esprit frappeur يذكّر الشاعر المصري السريالي جورج حنين بأوربة البائسة مرتين. يعنينا هنا أن نتوقف عند المرة الأولى، عندما كافحت أوروبا هذا الشرق وهو يمثل فرصة سانحة للعظمة.
يدوّن مؤرخو الأديان أن أوروبا التي فضلت قرونها الوسطى على حضارة العرب، كانت تقّدم رسول الإسلام في صورتي نبي العنف ونبي الشهوة.
هل بالصدفة أن تتكرر هذه الصورة في مسابقة تنظمها صحيفة لقرائها من أجل رسم تعبيري عن شخصية الرسول الكريم؟ هل هي الوعكة المعاصرة للحضارة الغربية التي بدأت بالرغبة الجامحة لعالمية قيمها l’universabilité de ses valeurs وتكاد تعد نعشها بانتكاس مصادر إلهامها إلى الصورة السلبية المتعالية في التعاطي مع الآخر؟ الآخر ليس، ولا يمكن أن يكون حتى في أحسن أحواله، كتلة بشرية متجانسة ومتماسكة تعبر عن الوحدة الأسطورية للأمم. نحن أمام صهاريج ثقافية هائلة. وهي إن كانت تحمل عناصر مشتركة ومختلفة عن النسق التقليدي الذي تسير فيه العولمة الثقافية، فلا شك بأنها تضم كل عناصر الخضوع والثورة، التلقيح والعقم، التأثير والتأثر، التعبئة والانفجار العشوائي، القوة والضعف. أليس من المثير للتساؤل أن تكون المناطق الأكثر تأزما بالمعنى الجيوسياسي هي المناطق الأكثر عنفا في رد فعلها وتعاملها مع أزمة الصور المسيئة؟
لكن كيف يمكن أن ندخل في منطق مواجهة رمزية بين الكل الإسلامي والكل الأوروبي، في فترة لا يمكن لعاقل أن يبصر فيها مخرجا من الهيمنة أحادية القطب للعالم بدونهما؟ هل يمكن أن نسمح لأنفسنا بهذا الترف في حقبة دخول العالم في منطق "تسونامي" غير طبيعي وغير إسلامي؟ تسونامي من نوع خاص، اسمه عولمة حالة الطوارئ وهيمنة القوانين الاستثنائية.
أي بتعبير آخر، تراجع منظومة حقوق الإنسان على الصعيد العالمي والاستهتار بالقانون الدولي والقواعد الأخلاقية من قبل الطرف الأكثر قدرة على الفعل العسكري والاقتصادي في العالم اليوم.
في مواجهة الجمع بين عنجهية القوة ومحدودية الخطاب السياسي للإدارة الأميركية، ثمة شعور قوي بأن هذا العالم يقبع في قارب مختل التوازن، ليس الربان فيه العنصر الأكثر حكمة وحنكة وخبرة.(11/35)
كما أن تراجع الأقوى عن القيم التي أوصلته لمواقعه، يخلق حالة خوف عامة عند أصحاب كل القيم على اختلافها وغناها وتنوعها.
فعندما تهتز نقاط الارتكاز يعود كل مشارك في اللعبة العالمية إلى دائرته الضيقة، باعتبارها النواة الصلبة القادرة على بث روح الطمأنينة الإنسانية الأولية في وجه غياب الأمن بالمعنى العام. كنا في التسعينيات نناضل لإصلاح الأمم المتحدة، أما اليوم فنناضل للمحافظة على مكاسب ولادتها. كنا نطمح لنسبية الدولة وعالمية الحقوق، وبتنا نخشى على مكتسبات الدولة الاجتماعية l’Etat providentiel وحلم دولة الرفاه. كنا نبحث عن المشترك العالمي، فصار الخوف من أمركة العالمي يزج الناس في خصوصياتهم. من الملاحظ أنه بالرغم من الاعتداء على القرآن الكريم في غوانتانامو والتعرض للمساجد في العراق، بقي العلم الأميركي خارج نطاق الحرق في أزمة الصور المسيئة.
فهل ذلك لأن مقاطعة الولايات المتحدة أصعب من مقاطعة بلد عدد سكانه أقل من 6 ملايين نسمة؟ أم أن غباء وتطرف رئيس الحكومة الدانماركية سبب كاف لأن يتحول بلد صغير إلى رمز سلبي بكل معنى الكلمة؟ وهل مهمة البرلمان الأوروبي دخول منطق "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"؟
المعارك التي تبدو في الظاهر سهلة هي أحيانا الأصعب في العمق. فأوروبا "العجوز" تحديدا، هي القادرة اليوم، بمؤازرة العالم الإسلامي، على لعب دور صمام الأمان الإستراتيجي والثقافي والسياسي على الصعيد العالمي، صمام أمان أمام سياسة أميركية متهورة، واستقالة صينية متعمدة، وإعادة رسم للخارطة في أميركا اللاتينية.
فما معنى خلق شرخ أوروبي إسلامي في هذا الوضع بالذات؟ ولخدمة من استمرار الأزمة وزيادة الاحتقان والتوتر والعنف بين الشعوب؟
الجزيرة.نت
=============================
حرية التعبير بين القانون الدولي والمعايير الغربية المزدوجة
الكاتب: خالد أحمد عثمان
لا جدل أن حرية التعبير عن الرأي تعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان التي حرصت دساتير وقوانين كثير من الدول على تأكيدها ووضعت الضوابط اللازمة لممارستها. ونظرا لما للصحافة من أهمية وتأثير كبير في تكوين الرأي العام، فقد حظي تنظيمها باهتمام خاص من قبل المشرعين، فهي في ظل النظم الاستبدادية مكبلة بقيود شديدة، وهي في ظل النظم الديمقراطية تتمتع بحرية واسعة في إطار ضوابط عادلة لآداب التعبير وضمان عدم التعدي على حقوق الغير. ولقد كانت حرية التعبير الحجة التي تذرعت بها الجريدة الدنماركية "يولاندز بوستن" لتبرير نشرها رسوما كاريكاتورية تتطاول على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتزدري بالدين الإسلامي على نحو بشع وكريه. وهي الحجة التي تذرع بها أيضا أندريز فوج راسموسن رئيس وزراء الدنمارك عندما رفض في بداية الأزمة الاجتماع مع مجموعة من سفراء الدول الإسلامية الذين كانوا يسعون إلى التعبير عن استنكارهم وقلقهم إزاء هذه الرسوم المسيئة. وسبق لنا تفنيد هذه الحجة ودحضها في مقال سابق بعنوان "للذود عن الإسلام والرسول" نشر في جريدة "الاقتصادية" في العدد الصادر يوم الخميس 3 المحرم 1427هـ الموافق 2 شباط (فبراير) 2006. واستكمالا لما قلناه في مقالنا السابق، نود هنا أن نسلط بعض الضوء على حرية التعبير عن الرأي في إطار القواعد المستقرة في القانون الدولي العام، وفي ضوء الممارسات الغربية، فنقول ما يلي:
أولا: في الدورة الأولى التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1946، قررت أن حرية الإعلام حق أساسي من حقوق الإنسان، ومحك لجميع الحريات التي نذرت الأمم المتحدة لها نفسها، وبناء على ذلك طلبت من المجلس الاقتصادي والاجتماعي مناقشة هذا الموضوع ووضع اتفاقيات دولية منظمة بشأنه.
ثانيا: في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 217، الذي اعتمدت بموجبه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد نصت المادة 19 من هذا الإعلان على ما يلي:
(لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة دون اعتبار للحدود).
ويبدو واضحا من قراءة هذا النص أنه جاء كمبدأ عام يهدف إلى التأكيد على حرية الرأي وحق التعبير عنه، ولكنه لم يضع الضوابط المحددة لكيفية ممارسة هذا الحق، ولذلك جاءت هذه الضوابط في وثائق دولية لاحقة.
ثالثا: في 16 كانون الأول (ديسمبر) 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 200 باعتماد اتفاقية أطلق عليها اسم "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وقد أصبح هذا العهد نافذا اعتبارا من 23 آذار (مارس) 1976، وقد نظمت المادة 19 من هذه الاتفاقية الحق في حرية الرأي والتعبير، حيث نصت على ما يلي:
1 – لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة.(11/36)
2 – لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3 – تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك، يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية:
أ – لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
ب – لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ثم وضعت المادة 20 من هذه الاتفاقية حظرا على حق التعبير عن الرأي في حالات محددة تضر بالمجتمع الدولي، فنصت على ما يلي:
1 – تحظر بالقانون أية دعاية للحرب.
2 – تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
ويرى بعض فقهاء القانون أن حظر الدعاية من أجل الحرب يقتصر فقط على الحرب العدوانية ولا يشمل الحرب من أجل الدفاع عن النفس أو لإخراج العدو من الأقاليم المحتلة، فهذه الحرب جائزة بحكم ميثاق الأمم المتحدة الذي حظر الحرب العدوانية، ولكنه أجاز الحرب الدفاعية.
رابعا: في 16 كانون الأول (ديسمبر) 1952، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 630 باعتماد الاتفاقية الخاصة بالحق الدولي في التصحيح، وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذة اعتبارا من 24 آب (أغسطس) 1962، وقد وضعت هذه الاتفاقية القواعد الخاصة بحق تصحيح المعلومات الكاذبة والمحرفة التي تنشرها وسائل الإعلام ووجوب تفادي نشر هذه المعلومات ومسؤولية من يقوم بنشرها.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن المواثيق الدولية وإن أكدت على حرية الرأي وحق التعبير عنه، إلا أنها لم تجعله حقا مطلقا من أي ضوابط. وأن من أهم ضوابط ممارسة هذا الحق احترام حقوق وسمعة الآخرين وعدم التحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية. والواقع أن الرسوم الدنماركية هي تحريض صريح على كراهية المسلمين، ولا تتوافق البتة مع مبدأ حرية التعبير.
وطالما أن الدنمارك عضو في الاتحاد الأوروبي، فمن المناسب أن نذكر بالحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 21 كانون الثاني (يناير) 1999، المتضمن أن حرية الصحافة لا تعني عدم مساءلة تجاوزات حرية التعبير متى كانت تندرج تحت الأفعال المجرمة في قانون العقوبات. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه توجد مادة في القانون الجنائي الدنماركي تعاقب من يسب علنا دينا تعترف به الدولة. والإسلام هو أحد الأديان المعترف بها في الدنمارك. ومع ذلك قضى النائب العام الدنماركي بعدم قبول شكوى تقدمت بها 11 منظمة إسلامية ضد الجريدة التي أقدمت على نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استند النائب العام الدنماركي في موقفه إلى مبدأ حرية التعبير عن الرأي.
وقد أيدت بعض الأوساط السياسية والإعلامية الأوروبية الموقف الدنماركي استنادا إلى حجة حرية التعبير، وهي حجة داحضة في ضوء القواعد الدولية سالفة الذكر، كما أن التذرع بهذه الحجة لتبرير هذا الموقف يدل على ازدواجية المعايير الغربية والكيل بمكيالين في هذا الشأن. وهو نهج دأب عليه الغرب وأصبح ديدنه، وندلل على ذلك بالسوابق التالية:
1 – في أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي أصدرت إحدى الجامعات الفرنسية قرارا لا سابقة له، يقضي بسحب درجة الدكتوراة من أحد الباحثين، الذي شكك في رسالته للدكتوراة في أعداد ضحايا المحرقة النازية من اليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من أن موضوع الرسالة كان من الموضوعات العلمية في مجال التاريخ، وبالرغم من أن الباحث حصل على الدكتوراة بعد إجازة رسالته طبقا للأصول العلمية المرعية، إلا أن الضغط الصهيوني الشديد استطاع أن يرغم الجامعة على أن تهدر مبدأ حرية التعبير عن الرأي وتجرد الباحث من الدرجة العلمية التي استحقها عن جدارة. كما أحيل المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي إلى إحدى المحاكم الفرنسية بتهمة معاداة السامية، لأنه ألّف كتابا تناول فيه بالنقد العلمي معظم الادعاءات والمزاعم اليهودية التي استندت إليها الحركة الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل، ومنها الادعاء أن عدد ضحايا اليهود في محارق النازية بلغ ستة ملايين، وأثبت أن هذا الرقم مبالغ فيه، وأنه استخدم لابتزاز التعويضات والمساعدات من الدول الأوروبية، وقد أصدرت المحكمة الفرنسية حكما يقضي بمعاقبة المفكر جارودي بجزاءات مالية وجزاءات سالبة للحرية "الحبس". وأصبح هذا الحكم سيفا مسلطا على رقبة كل من يحاول أن يوجه نقدا للحركة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية.(11/37)
2 – في سنة 2003، اضطرت الإمارات العربية المتحدة إلى إغلاق مركز زايد الثقافي بسبب الضغوط الأمريكية الشديدة واتهامها المركز بأنه يروج للفكر المعادي للولايات المتحدة الأمريكية والمعادي أيضا للسامية. وكان أكثر ما أخذ على المركز أنه استضاف الكاتب الفرنسي تيري ميسون، الذي شكك في أحد كتبه في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 واعتبرها أكذوبة. وهكذا خسر العالم العربي أحد المراكز البحثية المرموقة بسبب عدم استطاعة الغرب تحمل الرأي المخالف. علما أنه يوجد في الولايات المتحدة العديد من مراكز الأبحاث المتخصصة في نشر (الدراسات) التي لا تتسم بالموضوعية وتنطوي على الإساءة إلى العرب والمسلمين وبث الكراهية ضدهم.
3 – أقامت وسائل الإعلام البريطانية والغربية الدنيا ولم نقعدها حين نشر الدكتور غازي القصيبي، عندما كان سفيرا للسعودية في بريطانيا، قصيدته التي أشاد فيها بالفدائية الفلسطينية الشهيدة وفاء إدريس، واعتبرتها وسائل الإعلام الغربية قصيدة تحرض على الأعمال الانتحارية ضد إسرائيل، وتجاهل الإعلام الغربي أن هذه القصيدة كانت ردة فعل مواطن عربي لواقع احتلال إسرائيل الأراضي العربية وممارستها أبشع أنواع القمع والإرهاب وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
4 – في سنة 2004 صرح ألان مينارغ مدير الأخبار في إذاعة فرنسا الدولية، بأن إسرائيل دولة عنصرية، فشنت المنظمات الصهيونية ضده حملة شعواء أدت إلى استقالته من منصبه ولم يسعفه مبدأ حرية الرأي والتعبير في مواجهة تلك الحملة.
5 – في 18/11/2005 اعتقلت السلطات النمساوية المؤرخ البريطاني الشهير ديفيد إيرفينج بتهمة معاداة السامية، لأنه نفى وجود أفران الغاز والمحرقة النازية لليهود، ولم ينقذه مبدأ حرية الرأي والتعبير من الاعتقال.
6 – عندما نشر الكاتب البريطاني، الهندي الأصل، سلمان رشدي روايته المسماة "آيات شيطانية"، والتي تتضمن إهانة بالغة للإسلام والمسلمين، وصدرت في إيران فتوى بهدر دم المؤلف المذكور، ثارت بعض الدول الأوروبية وطالبت حكومة إيران بإلغاء هذه الفتوى بحجة حرية الرأي والتعبير، بينما داست هذه الدول على حرية الرأي والتعبير، عندما أصدرت قوانين منحت بموجبها اليهود والحركة الصهيونية الحصانة التاريخية المطلقة التي تحظر مناقشة مزاعمها وأساطيرها، وتعاقب كل من يخالف هذا الحظر بالحبس والغرامة المالية.
7 – قامت حكومة النمسا بتقديم اعتذار علني وصريح عقب رسم بعض الفنانين لوحة تضم صورا شاذة لكل من ملكة بريطانيا إليزابيث والرئيس الأمريكي جورج بوش والرئيس الفرنسي جاك شيراك. ولم يقل أحد إنه ما كان ينبغي على حكومة النمسا الاعتذار استنادا إلى حرية التعبير.
هذا غيض من فيض لمعايير الغرب المزدوجة. ومن الغرائب التي قيلت بشأن هذه الرسوم الشنيعة، تصريح دان فرايد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا، حيث قال إن رد فعل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه الجدل بشأن هذه الرسوم ينبغي أن يكون بتكثيف الجهود من أجل الإصلاح في الشرق الأوسط. وكأن المسؤول الأمريكي يريد أن يقول إنه إذا استطاعت أمريكا وأوروبا "إصلاح" الشرق الأوسط وفقا للمفاهيم الغربية، فإن العرب والمسلمين لن ينتفضوا غضبا إذا ما مست مقدساتهم وعقيدتهم بأي إساءة أو إهانة، لأن الإصلاح الغربي سيجعلهم يتقبلون أي إهانة بقبول (ديمقراطي) حسن. ولو راجع هذا المسؤول كتب التاريخ لوجد أن العدوان على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أيا كان نوعه ومهما كان عاتيا، لا يميتها وإنما يبعث فيها روح المقاومة ويجدد قدرتها على التصدي للمعتدين، وما ردة الفعل لدى المسلمين حيال إساءة الجريدة الدنماركية إلى رسولهم الكريم إلا دليل واضح على ذلك.
صحيفة الإقتصادية السعودية
=============================
حرية الرأي
الكاتب: هاني بن عبد الله جبير
(كفل الإسلام حريَّة الرأي والتعبير بمفهومها الإسلاميّ، وحرية الرأي والتعبير تعني : تمتع الإنسان بكامل حريته في الجهر بالحق، وإسداء النصيحة في كل أمور الدين والدنيا، فيما يحقق نفع المسلمين، ويصون مصالح كل من الفرد والمجتمع، ويحفظ النظام العام، وذلك في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ومع اهتمام الإسلام بحرية الرأي والتعبير إلاَّ أنَّه حرص على عدم تحريرها من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها، وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق جل وعلا، فهناك حدود لا ينبغي الاجتراء عليها وإلا كانت النتيجة هي الخوض فيما يُغضب الله، أو يُلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء، ويُخل بالنظام العام وحسن الآداب) (1).
ولهذا الحق المكفول طرق ووسائل توصِّل إليه، منها ما نص الشارع على عينه بإباحة أو تحريم، ومنها ما سكت عنها فلم ينص على اعتبارها ولا عدم اعتبارها، كوسائل الإعلام الحديثة .(11/38)
ويرى كل متابع ما يحصل من تداعٍ كبير لتناول الأطروحات، وتبادل الآراء، وتعاطي الحوارات، كما يشاهد ما يسلكه كل ذي رأي من وسائل للتعبير عمَّا في نفسه ليستشعر أنه بذل شيئاً مما تبرأ به الذّمة مهما كان حال هذه الوسيلة.
والباحث الشرعي إذ يدرس أي نازلة أو يبحث في أي فكرة؛ فهمّه تنزيل الأحكام على الوقائع، ورائده تطلُّب الحق والبحث عن الدليل وإعمال الضوابط بعد استطلاع الواقع ونشدانه .
وفي هذه الأوراق القليلة نظرات عاجلة تبيّن ضوابط في هذا الموضوع؛ علَّها تكون مقدمة لدراسات أكثر جداً وتوسعاً .
* أولاً : قواعد ومقدمات :
تحتاج كل حادثة إلى معرفة أُصول وقواعد يتفرع عن معرفتها وتقريرها بيان الحكم الشرعي لها، وسأتناول هنا مقدمات أصول أربعة :
الأولى : مجالات إبداء الرأي .
كل أمر جاء الشرع بحكمه بدليل من الأدلة، سواء كان متعلقاً بالعبادات أو المعاملات أو العقوبات أو العلاقات الشخصِيَّة، فهذا ليس للإنسان فيه إلا أن يعملبمقتضى الدليل ويتفقَّه فيه، "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" [الأحزاب: 36].
وهذا أظهر من أن يُستدل له ؛ إذ العبوديَّة لله تقتضي الامتثال لأمره . ومعنى الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً و بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ؛ هو التحاكم إلى منهاج الله تعالى ورد الأمر إليه، ولذا نفى الله تعالى الإيمان عمن لم يستكمل هذا فقال: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [النساء: 65].
وهذا أصل عظيم من أصول الإيمان، وهو معنى الإسلام، فإن حقيقة الإسلام هي الاستسلام لله والانقياد له، ومن لم يرد إليه الأمر لم ينقد له . ودين المسلمين مبني على إتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وهي الأصول المعصومة التي لا يجوز تجاوزها أو الخروج عنها (2). وعلى أساسها توزن جميع الآراء والأقوال والأعمال (3). قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه" [الحجرات:1]، قال الحافظ ابن كثير في معنى الآية: [أي لا تُسرعوا في الأشياء بين يديه، أي قبله، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ - رضي الله عنه - حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: بم تحكم ؟ قال: بكتاب الله تعالى . قال صلى الله عليه وسلم : فإن لم تجد ؟ قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فإن لم تجد ؟ قال: أجتهد رأيي. فضرب في صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله" (4). فالغرض منه أنه أخّر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدَّمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : ( "لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه": لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة". وقال مجاهد: "لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله تعالى على لسانه") (5).
وعلى هذا الهدي في الرد إلى الكتاب والسنة وعدم مخالفتهما مهما ظهر بالرأي والفكر مخالفتهما للمصالح ؛ سار سلف هذه الأمة .
قال أبو الزناد - رحمه الله - : "إن السنن لا تُخاصَم، ولا ينبغي لها أن تُتبع بالرأي والتفكير، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين ، ولكنه ينبغي للسنن أن تُلزم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه" (6).
ولذا كان مجال الرأي في الإسلام مجالاً محكوماً بالكتاب والسنة والإجماع ، فما قرر فيها فهو أصل معصوم لا يُخرج عنه .
وإذا أعمل الإنسان رأيه وقرر نتائج بناها على مقتضى المصالح أو غيرها وهي معارضة لكتاب الله وسنة رسوله ؛ فقد راغم الشرع ولم يقابله بالرضى والتسليم (7).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورّثها ولدها ومن معهم، فقام حَمَل بن النابغة الهذلي فقال : يا رسول الله ! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل؛ فمثل ذلك يُطَل ؟ (8) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع" (9).
قال العلماء إنما ذم سجعه لأنّه عارض حكم الشرع ورام إبطاله، ولذا شبهه بالكهان الذين يروّجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين (10).(11/39)
وأما ما لم يبين حكمه والموقف منه بعينه في الشرع ؛ فإن للمسلم أن يتخذ فيه رأياً يبديه لا يتعارض مع الضوابط العامَّة لإبداء الرأي . وذلك كطريقة تنفيذ ما أمر الله به وسكت عن طريقة تنفيذه، أو ما لم يرد به نص محكم . ولذا كان من القواعد المقررة عند أهل العلم أن (لا اجتهاد في موارد النص ) (11) ، وأن ما عارضالنص فاسد الاعتبار (12).
الثانية : صاحب الرأي .
ذمَّ الله تعالى من يقول بلا علم، فقال : "وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَيُفْلِحُونَ" [النحل:116] .
قال الشاطبي : "الاجتهاد في الشريعة ضربان : أحدهما المعتبر شرعاً ... والثاني غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه ؛ لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي والأغراض . وخبط في عماية، واتباع للهوى، فكل رأي صدر على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره ؛ لأنه ضد الحق الذي أنزل الله، كما قال تعالى : "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم" [المائدة:49] (13).
وهذا كما يكون في أحكام الشرع فهو في كل علم، فليس لأحدٍ أن يتناوله بغير إتقان له .
وقد ذم الله تعالى من يتبع الظن: "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً" [يونس:36]. وجعل طاعة من يتبع الظن ضلالاً: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ" [الأنعام:116].
فلا بُدَّ أن يكون صاحب الرأي من أهل الخبرة والاختصاص فيما يتكلّم عنه ، وكلام الإنسان فيما يجهله غير مفيد .
والله تعالى أمر بسؤال أهل الذكر دون غيرهم : "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" [النحل:43]، وهذا دليل على أن ما يقوله غير العالم لا عبرة به .
ولذا لما وصف أهل العلم رجال المشورة جعلوا من صفاتهم العلم فيما يُسْتشارون فيه، قال ابن خويز منداد : ( واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعَلَّق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلّق بمصالح البلاد وعمارتها ) (14).
فجعل كلاً يُسْتشار فيما هو مختص به .
وكذا إبداء الرأي لا يسوغ لمن لم يكن مختصاً في فن أن يتكلم فيه، ولذا ذكر الفقهاء أنه يُشرع الحَجْر على المتطبب الجاهل (15) ، فكذلك غير الطب يُمنع مَنْ لم يكن مؤهلاً من إبداء رأيه ؛ إذ لا يوثق برأيه .
فالعالم بالشرع يبين أحكام الشرع وضوابطه في كل أمر وتصرّف، لكن ليس له أن يصف العلاج المركَّب للمرضى إلا إذا كان مع ذلك طبيباً .
والمهندس له أن يتناول أموراً هندسيَّة بالرأي لكن الفتوى إنما تناط بالعالم بالشرع فقط .. وهكذا .
والسبب في هذا أن الرأي المعتبر هو المبني على العلم والتثبت، وأما ما لم يُبن عليهما فهو محض ظن لا يغني عن الحق شيئاً، ومعلوم أن للخيالات والأوهام رواداً لا يعبأ بهم في مجال الفكر، ومن هنا كان أهل العلم لا يعتبرون بكل خلاف حتى قيل :
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر
وإذا أريد قياس الرأي ومعرفة مكانته استند الناظر إلى ما استمد منه ؛ هل هو العلم والتثبت، أو بني على المصالح الشخصية والعصبيات الجاهلية ومحض الهوى ؟
وقد قرر أهل العلم أدلة يُبنى عليها الحكم الشرعي، وطرقاً للاستدلال والترجيح فيها توصّل للمطلوب، وإذا راعى أهل العلم ذلك في الأحكام الشرعية ؛ فهو تنبيه على اعتبار المنهج نفسه في سائر معمولات الذهن، فلا بد أن تُبنى على دليل معتبر، ولا بد من مراعاة طرق الترجيح بين الآراء .
وكما يُشترط لإبداء الرأي : القدرة على ذلك، والتأهل له، واستناده على ما يعضده ؛ فإنه يُشترط فيه أيضاً : إرادة الحق والخير، وهذا من معنى الإخلاص وحسن الإرادة التي هي مناط خيريّة العمل وصلاحه وقبوله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : » وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء مع وجود الاختلاف في قول كل منهما : أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد .. بخلاف أصحاب الأهواء فإنهم : "إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ" [النجم:23]، ويجزمون بما يقولون بالظن والهوى، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه، وكانوا ظالمين كالمغضوب عليهم، وجاهلين كالضالين .
فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق وقد سلك طريقه ، وأما متبع الهوى المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه، وثَمَّ قسم آخر وهو غالب الناس، وهو أن يكون له هوى، وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة ، فتجتمع الشهوة والشبهة .(11/40)
فالمجتهد المحض مغفور له أو مأجور، وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب، وأما المجتهد الاجتهاد المركب على شبهة وهوى فهو مسيء، وهم في ذلك على درجات بحسب ما يغلب « (16).
الثالثة : مراعاة مآل الرأي .
إنَّ إبداء الرأي الذي يستند لأصل ولا يخالف الشريعة، وإن كان في أصله مباحاً، قد ثبت الإذن بإبدائه بحسب الأصل، غير أنه في بعض الأحوال قد ينجر عنه في مآله من الأضرار والمفاسد ما ينافي مقصد الشرع في المصلحة والعدل ، فتكون الآراء المباحة أو المشروعة مؤدية إلى خلاف مقاصدها .
ويحدث ذلك بسبب عدم التبصّر بمآلات التصرّفات والآراء والأقوال، أو سبب الباعث السيئ عند متعاطيها . وسواء كان الباعث فاسداً أو صالحاً فإن مجرد مفسدة المآل، والنتيجة السلبيّة للرأي ؛ يجعل الرأي رأياً مذموماً واجب الكتمان .
فهذا معيار توزن به الآراء والاجتهادات، وهو مدى كون آثارها محقِّقة لمقاصد الشرع أو مناقضة له، قال الشاطبي : » لما ثبت أن الأحكام شُرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك ؛ لأنه مقصود الشارع فيها، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع ؛ لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها وإنما قصد بها أمور أخر هي معانيها، وهي المصالح التي شُرعت لأجلها، فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات « (17).
ومن هنا نشأت قاعدة : ( سد الذرائع المفضية للفساد )، ومقتضاها تحريم أمر مباح لما يفضي إليه من مفسدة .
وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين دفعاً لمفسدة تحدُّث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه ؛ فرد من أمثلة هذه القاعدة .
وعليه ؛ فإنه لا يسوغ لصاحب رأي ولا لمفت أو مفكر أن يقرر رأياً مهما كان صواباً إذا ترتب على ذلك مفسدة أعظم، أو كان مثيراً لفتنة .
فالذي ينتقد بعض كتب علماء أهل السنة، ويقرر أن فيها تقريرات غير معصومة ؛ فهو وإن قرر حقاً إن أظهر رأيه في زمن تشرئب فيه الفتن وتظهر البدع فقد ناقض هذا الأصل . وإذا حوّل إنسان دين الله تعالى ليكون وجهة نظر تُعرض إلى جانب وجهة نظر أخرى مخالفة ؛ فإنه، وإن تذرّع باستمالة المعارضين للإسلام، قد أعطى مُعارِض الشريعة شرعية وقدم مساواة مع الإسلام (18).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : » على المفتي أن يمتنع عن الفتوى فيما يضر بالمسلمين ويثير الفتن بينهم، وله أن يمتنع عن الفتوى إن كان قصد المستفتي كائناً من كان نصرة هواه بالفتوى وليس قصده معرفة الحق واتباعه « (19).
ومراعاة مآل الرأي يتضمن ملاحظة الوقت الذي يُبدي فيه الرأي، ومدى تعلّق أهل الفساد به، وهل يفهمه من خوطب به على وجهه أم لا .
وفي أخبار الصحابة وقائع تؤكد استشعار الصّحابة - رضي الله عنهم – لهذا الأصل، فعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : » إن فلاناً يقول لو قد مات عمر بايعتُ فلاناً .
فقال عمر : إني قائمٌ العشيّة في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم . قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس ؛ فأخشى أن تقول مقالةً يطير بها أولئك فلا يعوها، ولا يضعوها على
مواضعها، ولكن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسُّنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً، فيعون مقالتك ويضعونها مواضعها . فقال عمر :
لئن قدمت المدينة صالحاً لأكلمن بها الناس في أول مقام أقومه . فلما قدم المدينة قام على المنبر فكان مما قال : فإني قائل مقالةً من وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومَنْ لم يعها فلا أحل له أن يكذب عليَّ « . ثم ذكر قصة بيعة أبي بكر (20).
الرابعة : لا يسوغ الإلزام بما هو من موارد الخلاف .
المسائل في شريعة الإسلام منها ما هو قطعي محكم ؛ فهذا ثابت الحكم لا يتغيّر بتغير الزمان والمكان، ومنها مسائل الاجتهاد وموارد الخلاف التي لم يحسمها نص قاطع، ولم يثبتها دليل ظاهر ؛ فليس فيها نص شرعي ولا إجماع قطعي ، فهذه يحكمها اجتهاد المجتهدين المؤهلين، فيختار المجتهد منها أظهرها عنده .
فأما القسم الأول : فإن الناس ملزمون بالسير على وفقها التزاماً للشرع ، واتباعاً له، ولا يسوغ مخالفته كما سبق .
وأما الثاني : فهي منوطة باجتهاد المتكلم متى كان أهلاً فيتكلم فيها بالبينات والحجج العلمية، لكنها ليست مورداً للإنكار ولا محلاً للمفاصلة .(11/41)
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عمن قلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد ؛ هل ينكر عليه أو يهجر ؟ فأجاب : » مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه ولم يُهجر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه، فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به وإلا قَلّد بعض العلماء الذين يُعتمد عليهم في بيان أرجح القولين « (21).
ومن هنا فإن كل رأي لم يستند بقاطع في الشريعة ؛ فإنه لا يسوغ لقائله أن يستبد به ويحتكر الصواب، بل ما دام قولاً لغير معصوم فالخطأ عليه وارد والخلاف سائغ والإنكار ممنوع .
صدر عن منظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماعها بالقاهرة في 14/1/ 1411هـ البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإسلام، وتضمنت المادة الثانية والعشرون منه : (لكل إنسان الحق في التعبير بحريّة عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية، ولكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقاً لضوابط الشريعة الإسلامية) .
اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .
--------------------------------------------------------------------------------
(*) القاضي بالمحكمة الشرعية بمكة المكرمة.
(1) تضمين من كتاب حقوق الإنسان في الإسلام، د / سليمان الحقيل، ص 54 .
(2) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية، 20/164 .
(3) مجموع الفتاوى، (3/157) .
(4) سنن أبي داود (3592)، سنن الترمذي (1327)، مسند أحمد (5/ 236)، مسند الطيالسي
(559)، قال ابن حجر في التلخيص (4/182) : (إسناده ضعيف)، وصححه الخطيب البغدادي في
الفقيه والمتفقه، (1/189) .
(5) تفسير القرآن العظيم، (4/206) .
(6) الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، (1/392) .
(7) انظر : بيان الدليل على تحريم التحليل، ص 250 .
(8) يُطَل : يعني يلغى ويهدر .
(9) صحيح البخاري، رقم (5758)، صحيح مسلم، رقم (1681) .
(10) إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد، مع حاشيته العدة، (4/332) .
(11) المادة الرابعة عشرة من قواعد المجلّة، وانظر : شرح القواعد الفقهيّة، للزرقا، ص 147 .
(12) آداب البحث، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، (2/129) .
(13) الموافقات، (4/167) .
(14) تفسير القرطبي، (4/250) .
(15) القواعد النورانية الفقهية، ص 151، 152 .
(16) العناية شرح الهداية، للبابوني (8/186)، ونقل الاتفاق عليه .
(17) الموافقات، (2/385) .
(18) انظر : كلاماً للأستاذ محمد قطب حول (مؤتمر الإسلاميين والعلمانيين) في كتاب رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، ص 246، ونظيره في كتاب كيف ندعو الناس، ص 43، 72
(19) مجموع الفتاوى، (28/198) .
(20) مسند أحمد رقم 391، وهو مختصر في صحيح البخاري، رقم .(3445)، صحيح مسلم، رقم (1691) .
(21) مجموع الفتاوى، (20/257) . الإسلام اليوم
===========================
حقائق كشفها الزور
الحمد لله الذي أعز من شاء بطاعته وأذل من شاء بمعصيته , والصلاة والسلام على من لا خير إلا في اتباع هديه ولا فلاح إلا بسلوك طريقته , ولا كرامة بغير التأسي به وأن الإهانة بالبعد عن سبيله
( ومن يهن الله فماله من مكرم )
وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقته إلى يوم يبعثون أما بعد
فقد جاءت هذه الأزمة بخلاف ما ظنه من افتعلها بل وعلى خلاف ما تصورناه جميعا فالحمدلله على كل حال وله الشكر فهو ذو الإنعام والإفضال وسبحانه وهو الصادق حيث قال
( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )
وقديما قيل : قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ***ويبتلي الله بعض الخلق بالنعم
وقيل : وربما صحت الأبدان بالعلل.
أيها الفضلاء
إن تلك الحملات المسعورة المسمومة التي يطلقها الغرب الكافر لم تكن بدعا من الأمر ولن تقف إلى هذا الحد فهم يكيدون لنا منذ أن بزغ نور الرسالة وسطع شعاعها
ولن يزال كيدهم متواصلا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا , فهم من قال الله عنهم ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) وقال عنهم سبحانه ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) وقال ( ودَّ الذين كفروا من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ) ومن هنا يتضح أن عداوتهم متغلغلة ولا يمكن أن تزول وأنها مهما خبت أو اختفت لفترة من الفترات فإنما هي لتكتيك يمارسونه وليس لقناعة بأنهم على غير هدى.(11/42)
وما عملته صحيفة النرويج أو الممثل الهولندي أو صحيفة الدينمارك لم يكن اجتهادا عفويا ولا نتاج حرية عابرة بل هو أمر مقصود انطلقوا لفعله من عقيدة يؤمنون بها ويتنادون بينهم على الثبات عليها ونشرها وتبشير الناس بها ـ زعموا ـ , وهذه الأفعال التي صدرت منهم جاءت لتكشف حقيقتهم لمن كان منخدعا بهم و ليعلم أنهم وإن تشدقوا بالحريات واحترام المعتقدات فإنما هم كَذَبة فجرة يكيلون بمكيالين غير متوازنين , كما أن هذه الأزمة ولله الحمد قد كشفت لنا أمورا هامة على الصعيد الداخلي والخارجي ولعلي أن أوجز بعضا منها في هذا البيان باختصار فأقول مستعينا بالله وهو خير معين :
أولا : لعلكم تذكرون ما مارسه الغرب الكافر بقيادة أم الكفر ورأسه ضد إخواننا في أفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين وما يرفعونه من شعارات ويلوحون به من استنكارات من أننا نحن المسلمين لانحترم الأديان ولا نعرف حقها وما طالبوا به من وأد منهج الولاء والبراء وكل ماله علاقة به بل وتدخلوا بالضغط على جهات قيادية عليا لعزل كثير من الخطباء والدعاة لأنهم يدعون على النصارى واليهود , وما يمارسونه في العالم كله ضد من يحاول المساس باليهود أو يكذب محارقهم المزعومة . فأين حرية الرأي التي يحترمون ؟ وأين هي الديمقراطية التي يتشدقون بها؟أم هي ديمقراطية وحرية الكافر وحده
حرام على بلابلنا الدوح ==== حلال للطير من كل جنسِ
ثانيا : أن الشعوب المسلمة قادرة على التأثير والتغيير ولله الحمد والمنة وأنها إن اتحدت أنجزت ما قد تعجز عن إنجازه كثير من القنوات السياسية الأخرى وهذا ظاهر في مسألة المقاطعة التي تبنتها الشعوب المسلمة والتي حركت مسار القضية وأشعلت فتيل المواجهة المكشوفة الواضحة في حين كانت المسارات السياسية تقابل بالرفض وعدم الاكتراث إلا ما ندر.
ثالثا : أن الأمة المسلمة فيها خير كثير ولكنها تعيش فترة من التخدير والخمول ساعد في تفاقم هذا الوضع المزري مؤامرات الأعداء المستمرة ووجود آذان للعدو بين المسلمين تحاول جرهم إلى مالاينفعهم في دينهم ودنياهم من لهو ومجون .
وأن هذه الأمة إن وجدت من ينفض عنها غبار المهانة ويزيح ستار الغفلة ويبطل أثر ذلك التخدير فإنها تتحرك كالبركان وهذا ما رأيناه ولله الحمد من دموع المسلمين تحت أعواد المنابر وفي مجالس أهل العلم وما لاحظناه من تسابقهم في المساهمة وبذل المال وما أقدموا عليه من التنافس على معرفة منتج الكافر للتحذير منه وما نسمعه من أخبار تثلج الصدر من استنفار الأمة كلها الصغار والكبار, والرجال والنساء, العجزة وذوي القدرة .
وما رأيناه من مشاركات وأفكار وطروحات كان لها أثر كبير في كشف بعض المكانة التي يجب أن يعرفها عدونا لأمتنا.
رابعا : أن الأمة المسلمة تعيش أزمة حقيقية لاتقل عن أزمتها مع الكفار وهي الأزمة مع الإعلام الذي تسنم ظهره من ينتسب زورا لأمتنا في غالب الأحوال .
وإن أزمتنا التي نحن نتلظى بنارها كشفت أن إعلامنا لا يمثلنا بحال فهو إعلامُ كَذب ونفاق ومخادعة وتزوير للحقائق .
كنا نعتقد أن حدثا كهذا سيتسابق له رجال الصحافة والقنوات ليكشفوا من خلاله الخطر الذي يتهدد الأمة من أعدائها وإذا بنا نراهم الأعداء الحقيقيين للأمة حين انشغلوا بمتابعة الكرة وماقيل من النكات عن حماس وما يثار عن تبني بوش لولد غير شرعي وغير هذا من القضايا التي تظهر بمالايدع مجالا للشك أن الإعلام صوت للعدو أكثر منه للصديق .
من كان يظن أن قناة من القنوات تستضيف في وقت كهذا سفلة المجتمع ليتحدثوا عن قضية كقيادة السيارة أو حرية المرأة. ومن كان يظن أن صحيفة من صحفنا وهي تعيش في قلب الحدث تأتي لتعاكس التيار وتختلق للعدو الأعذار وكأنها تقول إن كل الأمة على باطل وزور وأن تلك الشركة أو الصحيفة على حق فاقبلوا به حتى ولو سخروا من دينكم وشتموا قدوتكم.
خامسا : أن دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وحدها لاتكفي فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ماوقر في القلب وصدقه العمل , وأن محبة النبي وآله لا تكون بإحياء الموالد وضرب الصدور والنياحة في حين أنه إذا انتقص شخصه واهين عرضه وأسيء إلى سنته دسسنا رؤوسنا في التراب .(11/43)
إن الذين كانوا يشنعون علينا لإنكارنا بدعة المولد لأنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاعن أحد من أصحابه , والذين كانوا يرموننا ببغض النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمنعنا وإنكارنا ترديد البردة للبوصيري وغيرها مما حوى عبارات شركية لاتليق إلا بالله العظيم سبحانه لم نرهم اليوم يشنعون على الكفار ماعملوه من إساءة بالغة لجنابه عليه الصلاة والسلام ولم نرهم يتكلمون عن من يتهم عرضه الشريف بالفاحشة عياذا بالله , بل المؤسف جدا أنك تراهم بدؤا بالتقارب معهم ومد جسور التقارب فسبحان الله أين هي دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وأين هي الغيرة على سنته ؟ أم هي البدعة التي يرعاها إبليس ويزينها في قلوبهم فيجعلها من الدين والدين منها براء؟.
وأين أؤلئك الذين قطعوا أجسامهم بالسلاسل وأثاروا غبار الأرض بوقع حوافرهم بكاء على أبي عبدالله الحسين رضي الله عنه وأرضاه ونادوه واستغاثوا به من دون الله عياذا بالله ,أين هم من الثأر لجده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم والحسين رضي الله عنه إنما لحقه الشرف من النبي صلى الله عليه وسلم , فهل الحسين عندهم أعظم من جده محمد صلى الله عليه وسلم والد الزهراء رضي الله عنها؟
مابالهم غضبوا ممن أساء إلى رموزهم المنحرفة الضالة وأهدروا دمه في حين أخرست ألسنتهم عن من أساء إلى خير البرية وأزكى البشرية صلى الله عليه وسلم.
إننا لانريد ضربا بالسلاسل ولا عويلا ولا بكاء ولا حسينيات ولا مآتم ولامظاهرات بل نريد منهم ماهو أقل من ذلك بكثير نريد منهم أن يكفوا ألسنتهم ليس غير.
نعم أقول لهؤلاء المدعين حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم زورا وبهتانا : أرأيتم من هو المحب الصادق في محبته؟ أعرفتم الفرق بين الحقيقة والدعوى؟ وأقول لهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن سبب صيام اليهود ليوم عاشوراء ( نحن أحق بموسى منهم ) نعم فنحن أحق بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله من غيرهم ممن حظه من محبته المدائح والأهازيج والموالد والحسينيات وحين تحتر الرمضاء يسكن إلى الظل والماء والنساء.
سادسا : أن المال قد يكون نعمة على صاحبه وقد يكون نقمة ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على المال في حال فقال ( نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح ) وأن الموفق من التجار من سخر ماله لمرضاة ربه والانتصار لدينه ولهذا فقد حظي من بادر إلى النصرة بالأجر بإذن الله تعالى وبالذكر الحسن في حين خسر هذا الفضل من آثر الفانية على الباقية ولم يتحرك عنده شعور الغيرة بعدُ.
وهذه مناسبة عظيمة أستغلها بتذكير أرباب الأموال بأن يعرفوا أنهم مهما بذلوا فهو خير لهم عند ربهم وهم المنتفعون به قبل غيرهم , فالمال مال الله والله تعالى يقول ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) ومن تصدق بصدقة يبتغي بها وجه الله ربَّاها الله له وأخلفه خيرا منها وهو خير الرازقين سبحانه .
كما يجب أن نعلم أن المال باب من أبواب الجهاد العظيمة والجهاد فيه على ضربين :
1= جهاد بدفعه وذلك متقرر معلوم .
2= جهاد بمنعه وهذا يتمثل بالمقاطعة التي تمنع وصول المال والانتفاع به من عدو الدين وهذا داخل في قوله سبحانه
( ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لايضيع أجر المحسنين).
ناهيك أن الشعوب المسلمة اليوم ترى الظلم الواقع على إخوتنا في كل بلاد الدنيا فمن حقهم علينا أن نضعف اليد التي امتدت إليهم بالأذى بمقاطعة منتجاتها ما أمكن والصبر على ماقد نلقاه من الحرج في بعض الأمور فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
ومن هنا أيضا أشكر الله سبحانه أولا أن جعل في أمتنا من يبذل ماله أو بعضه لله ونصرة لدينه ومن ثم أشكر هؤلاء التجار وأدعو الله لهم أن يبارك في أموالهم وأولادهم وأنفسهم وأن يعوضهم خيرا .
سابعا : أن الله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن وأن السلطان إذا انتصر لدينه وغضب لحرمات الله فقد فتح على نفسه وأمته من أبواب الخير والفضيلة مالا يخطر له على بال . وما نشاهده من تظافر الجهود والبدء بخطط علمية وعملية لطباعة الكتب ونشر المطويات المترجمة وترجمة مايمكن ترجمته من الكتب التي تعرف بالدين الإسلامي وفتح المجالات أمام الفرص المثمرة للتأليف والكتابة عن سيرة قائدنا العظيم صلى الله عليه وسلم جاء متزامنا مع الموقف الرسمي الرافض لسياسة الاعتداء على الدين من قبل تلك الدول الكافرة المارقة, فهنيئا لمن أمر بذلك ولمن أشار فقد كان قرارا حكيما وموقفا شجاعا نتمنى أن يتبعه موقف لايقل عنه حكمة ولاشجاعة يتمثل بطرد سفيرهم من بلادنا ليعلموا أننا قد نقبل المساومة والابتزاز في المال والتكنلوجيا وغير ذلك من عرض الدنيا الزائل ولكننا لايمكن بحال أن نقبل الابتزاز في ثوابتنا ولافي رموزنا التي دونها المهج فداء .(11/44)
كم هو مفرح للقلب ذلك الموقف وكم هو محفز لكثير من المسلمين حين يرى أنه يقف في الصف نصرة لله ولرسوله ومعه العالم والحاكم والصغير والكبير والذكر والأنثى.
ثامنا : أن زمن الخديعة لا يطول مهما كانت ولهذا فمن العيب أن يخدعنا بعض النكرات حين يساوم على بعض الأمور فإذا كان المحك والمعترك وجدته كالملح في الماء الحار .
ما أجمل أن يدافع الإنسان عن وطنه المسلم ويحبه لأن فيه الإسلام ولكنه قبيح جدا أن يجعل الوطن أغلى عليه من الإسلام والوطن إنما شرف بالدين ليس غير.
إن الوطنية حقا هي أن تنتصر للدين الذي انبثق من هذا الوطن وللنبي الذي بعث في هذا الوطن وللكتاب الذي أنزل في هذا الوطن أما أن تنتصر لتراب وحجارة وتقدسها وتجعل من نفسك الحامي لها والكفيل عليها والوكيل وتخون من شئت تحت مسمى عداء الوطن وتقرب من شئت تحت شعار الوطنية وأنت أبعد الناس وأقلهم دفاعا عن دين الوطن وكتابه وشريعته ورسوله فقد كذبت وخدعت وأنَّى لهذه الخديعة أن تطول.
لقد تحدثوا كثيرا أن ( الوطن أولا ) وهاهو دستور الوطن ونبيه وقدوته وهاهو منهاج الوطن يهان وهم يتباحثون في قضايا يهدمون بها ولا يبنون ويفسدون ولايصلحون ثم يخرجون من تحت أنقاض ماهدموه ليقولوا لمن أراد الإصلاح وترميم ما أفسدوه ( الوطن أولا ).
لقد آن الأوان لتعرف الجموع من هم أعداء الوطن ودين الوطن ودستور الوطن وقيادة الوطن .
إن من لم تشغله هذه الأزمة ولم يرفع بها رأسا أو كان ينظر إلى غيره ليرى هل تحرك أم لازال على حاله فليعلم أنه خسارة على الوطن وليس ربحا , وأن وجوده فيه مهانة له وذلا .
على هؤلاء الذين لاكوا ألسن العلماء والدعاة والمفكرين ردحا من الزمن تحت مظلة الغيرة والحمية لهذا الدين وجناب العقيدة والتوحيد أنهم قد أفلسوا وخسروا وأن سعيهم كسعي من يلحق السراب في قيعة , وهيهات أن يجد في السراب ماء.
أين تلك المواقف الثائرة والأمواج الهادرة والخطب الرنانة والجمل الطنانة وأين عبارات التفسيق والتبديع والتضليل والتجهيل التي أزكمت الأنوف ؟ ما بالها اختفت عن العدو الكافر الذي لايحتاج قوله وفعله إلى تحوير وتأويل وتعليل وتدليل؟
أين هجومهم على الأموات والأحياء من العلماء والدعاة ؟ أتُرى أؤلئك العلماء والدعاة أشد خطرا ممن سب القرآن وسخر بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ أم هو الهوى والزيغ عياذا بالله من الخذلان.
تاسعا : أن العلم لا يمكن أن ينفع صاحبه ولا أن يرفعه حتى يقوم بزكاته , وزكاة العلم هي ببذله ونشره بين الناس وأن يكون العالم رأسا للأمة في أزماتها وموجها لها وحالاًّ لإشكالياتها , فإذا تخلف العالم عن هذا الركب وسار الناس وتركوه فقد جنى على أمته وعلى نفسه , وهذا وربي من الكتمان الذي نهى الله عنه وحذر منه ( وإذْ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس مايشترون ) وما نشاهده اليوم من خذلان كثير من العلماء للأمة وتقاعسهم عن القيام بواجب إدارتها وتوجيهها إلا علامة حرمان وانتكاسة والعياذبالله.
إن العالِم إن لم يقل كلمة الحق ويصدع بها فسيتخلى الناس عنه وربما اتخذوا رؤوسا جهالا فسألوهم فأفتوهم بمالاعلم لهم به فأضلوهم وضلوا وكان للعلماء وزرهؤلاء وأؤلئك جميعا.
إن العلماء ورثة الأنبياء , والأنبياء لم يورثوا مالا ولا متاعا وهانحن نرى امتهان الأنبياء وتخاذل الورثة إلا مارحم الله فمن ياترى ينتفض لانتزاع الميراث إن تركه أهله؟
أين مواقف العلماء الناصرة للدين؟ أين تلك البيانات النارية والاستنكارات الشديدة لمواقف بعض المندفعين من شباب المسلمين؟
ياعلماء الإسلام
إنه الإسلام , نعم هو الإسلام ورسوله .
هو دين الله وهو الميراث الذي به رفعكم الله بين الناس وبوأكم هذه المكانة .
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حملكم أمانة كنزه.
إن لم تغاروا على الدين ونبي الله فمتى ستغارون وعلى من ستغارون؟
وبارك الله فيمن سعى من العلماء ونافح وجاهد وصدق وصابر وصبر وأجرى دمعه وأسال حبر قلمه غيرة لله ونصرة لدينه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فصرخة في وجوه هؤلاء أقول : أتريدون أن تذادوا عن حوضه يوم يقال ( إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك)؟
أم تريدون أن تتضاعف مهانة الأمة فلا يبقى فيها عرق نخوة ينبض ولا غيور لغبارها ينفض؟
وبارك الله فيمن جعل وقته لله وجهده وكل ماحباه الله وكأن لسان حاله يقول ( اللهم خذ مني حتى ترضى ) ويقول
( اللهم اشهد أننا لانرضى فاجعلها لنا عندك يوم نرد على حوضه فلانذاد )
عاشرا: أن التعاون والتكاتف سلاح أقوى في التأثير من كثير من الأسلحة الأخرى ولهذا فقد رأينا كيف كان وقع تلك الخطابات والمكاتبات والتحركات على كل المستويات ولكي يؤتي هذا العمل ثماره فعلينا أن نتحرى العدل فيما نقول ونفعل خشية أن نقع في ظلم أحد فيحبط ماصنعنا وتذهب بركته .(11/45)
ولهذا فمن الواجب التثبت من المنتج أو الجهة قبل نشرها حتى لايتضرر مسلم بشيءلا ذنب له فيه , ومن شك في شيء وخفي عليه علمه فليدعه ولايقحم نفسه فيه .
الحادي عشر : أن العمل النافع يحتاج إلى مجاهدة وصبر ولهذا قال الله تعالى
( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصلحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
ومن سلك هذا الطريق فيحتاج إلى توطين نفسه إلى أنه لن يجد الطريق أمامه معبدا بل قد يواجه فيه من الصعوبات مايحتاج معها إلى الاستعانة بالله العظيم والصبر والمصابرة.
سيجد المسلم في طريقه من يخذله أو يخوِّفه أو يحقِّّره وربما وجد من يتكلم بلسان العدو وكأنه هو العدو ذاته, فعليه أن يصبر على أذى هؤلاء كلهم لينعم بالوعد الصادق من الله
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ).
لقد حاول المنافقون في عهدرسول الله صلى الله عليه وسلم تخذيله والفتَّ في عضده بمثل قولهم
(الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ماقتلوا )
وقولهم ( وقالوا لاتنفروا في الحر ) وغير ذلك من عبارات التخذيل ولكن الله تعالى قال لنبيه
( يا أيها النبي اتق الله ولاتطع الكافرين والمنافقين )
فكان النصر لرسول الله والخيبة والخسران للمخذلين وأعداء الدين.
وإن صور التخذيل اليوم ظاهرة جلية وربما جاءت باسم الخوف من الله وكأن ما يقوم به المسلم الغيور من مقاطعة سلع الكفارحد من حدود الله قد انتهك وأنه لم ينتهك من حدود الله إلا هذا ؟
أرأيتم من يقول إن مقاطعة السلع لاتجوز إلا بأمر من ولي الأمر؟من أين أتى بهذا القول؟ ومادليله؟وهل من قاطع منتجات الكفار من تلقاء نفسه يعتبر آثما مفتاتا على ولي أمره؟ أم هو التخذيل للأمة وتشتيت مواقفها من عدوها؟.
وكذلك من يقول إن المقاطعة لاتضر الكافر بل تضر التاجر المسلم وغير ذلك من صور التخذيل المكشوفة .
إننا نتمنى من الله أن يوفق الحكومة لمنع بيع تلك المنتجات ومنع دخولها نكاية بأعداء الملة المعتدين .
ومثل تلك المواقف في التخذيل موقف بعضهم من محاولة نشر مواضيع وقضايا وطرحها للنقاش وهي أبعد ماتكون عن صلب اهتمام المسلمين لشغلهم ببنيات الطريق عن قضيتهم الأهم .
ومثله محاولة التفريق بين من يسب الله ويسخر من دينه من كفرة الشرق أو الغرب وأن القضية يجب أن تنحصر في الدنيمارك والنرويج وهولندا وهذا من الخلط العجيب والفهم الغريب فنحن ندافع عن ديننا ونبينا والدين هو الإسلام والنبي هو محمدصلى الله عليه وسلم ومن اعتدى على الدين والنبي فهو قضيتنا مهما كانت جنسيته ولونه .
الثاني عشر : أن قيامنا لنصرة هذا الدين يجب أن يكون من دافع حمية له لا من دافع المكاثرة والمفاخرة حيث بدأت تلوح في الأفق شعارات التفاخر بين الأطياف والجنسيات وإن كانت في بدايتها قد تأخذ طابع التحميس لكنها قد تنتهي بأهلها إلى منحى خطير وهذا مما يُضيع أجر العمل ويفسده ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية فأي ذلك في سبيل الله ؟ قال :
(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) وعلينا أن نعلم أن نصرة الله كرامة منه سبحانه وهي تحتاج منا إلى مزيد شكر واعتراف بفضل مسديها وهو الله سبحانه .
الثالث عشر : أن الأعداء قد يرجعون عن بعض إصرارهم ويذعنوا لقولنا رعاية لمصالحهم ولذا فيجب علينا أن نستمر في الضغط عليهم ليكون ذلك أبلغ في التنكيل وأعظم للردع والزجر ولأنه يفيد في تحصيل أكبر قدر من المكاسب والتنازلات من قبلهم , ولهذا فالوصية عدم التراخي حتى وإن اعتذروا عاجلا ولكي يفهم من وراءهم أننا لا نرضى بالدون.
الرابع عشر : أن منهج الشكر للمحسن والتنبيه للمسيء منهج مثمر ولهذا فقد أثمرت سياسة تشجيع المقاطعين ونشر خطاباتهم ثمرة نافعة بفضل الله حيث تسارعت الشركات لذلك ورفعت لافتات أمام واجهات محلاتها تظهر المقاطعة .ولهذا فعلينا التواصل مع من نعرفه ومن لانعرفه والتواصي وشكر المحسن وتنبيه المخطىء وإرسال الدعوات عبر الفاكس والجوال وغيرها لمن وقف نصرة لدينه من أصحاب المحلات التجارية أو المواقع الألكترونية أو القنوات والوسائل الإعلامية وبخاصة من كان له دور إيجابي ملحوظ في هذه الأزمة.
كما إن علينا إرسال رسائل الاستنكار والتنديد والتوبيخ للوسائل الإعلامية وغيرها والتي لم تقف موقف المحايد فحسب بل ربما تبنت موقف الضد عياذا بالله حتى تسمع وتعلم أننا لا نقبل المساومة على ديننا ومن ثم التلويح بهجرانها ومقاطعتها إن لم تكف أذيتها عنا.
الخامس عشر : أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حصن الأمة وسياجها ولهذا فلو تكاتف الناس فيما بينهم في مستقبل أيامهم ضد من يريد خرق سفينة الأمة كما يتكاتفون اليوم لارتعدت فرائص أهل الزيغ كما ارتعدت فرائص الحكومة النرويجية .(11/46)
هذا ماجال في خاطري وأنا أشاهد الحركة المباركة التي أتمنى أن تكون صحوة بلا انقطاع وأن يتبعها مزيد من حركات الخير المباركة المتعقلة نصرة لدين الله وذودا عن حياضه .
سائلا الله العلي القدير أن يكلل الجهود بالنجاح وأن ينصر الدين وأهله وأن يخذل الكافرين والمنافقين وأعداء الدين أجمعين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه الشيخ الداعية /
سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الدويش
هاتف جوال : 0505124106
mamal_m_s@hotmail.com
المقال من الشيخ سليمان خاص بحملة مليار مع محمد صلى الله عليه وسلم ...
=========================
حقاً.. إنّ شانئك هو الأبتر!
الكاتب: بدرية العبدالرحمن(11/47)
أعلم كم أرهقْتُكم بالكتابة حول الأزمة الإسلامية الدنمركية.. وأعلم بالمقابل أنها حديث الساعة الذي لايكاد يخلو مطبوعة ولا منتدى إنترنت منه..لدرجة قد (ملّ) الأغلب من الحديث عنها وحولها.. أنا شخصياً لا أريد الحديث عن شيء آخر غير الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم... ليس فقط لأنه موضوع جاهز للكسالى أمثالي..ولكن أيضاً لأنه حدث (متواصل) قد فتح شهيتي للثرثرة والتعليق والتفكير، كما لم لم تكن مفتوحة من قبل.. البارحة فقط كنت أقرأ خبراً مفرحاً ومبهجاً نشره موقع (إسلام أون لاين) حول موجة استنكار لإهانة الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام ..لا تبدأ هذه المرة من دولنا الإسلامية، وإنما من ممثلي الكنائس المسيحية على اختلافها في العالم أجمع...ليقولوا: إن ماحصل ضد الإسلام لم يكن إلا وصمة عار في جبين الشانئين والمتعصبين.. فقد أصدر المجلس الاوروبي لزعماء الأديان بياناً (رسمياً) عبّر فيه عن استيائه مما حصل جاء فيه: "ونشجب إساءة استخدام حرية التعبير لسبّ كل ما هو مقدس لدى المؤمنين.. إن سلسلة الرسومات الهجومية على النبي محمد هي إهانة بالغة لحوالي (1.3) مليار مسلم.. نحن نسلم بحق حرية التعبير كركيزة أساسية للديموقراطية، وحقوق الإنسان دون مثل هذه الإساءات". وأبلغ منه ما نقله الموقع عن نائب بطريرك الكاثوليك في مصر (يوحنا قلته) قوله: "إن مسيحيي الشرق يعرفون جيدًا حجم ومكانة الرسول الكريم". وأكد على أن الرسومات المسيئة للرسول هي إهانة وُجّهت للمسيحيين في العالم وليس للمسلمين فقط، مشيرًا إلى وجود تيار إلحادي في الغرب "يدعو إلى قيام حضارته بسقوط المقدسات وإهانة الأديان". إضافة إلى عاصفة من الاحتجاجات والبيانات وقّع عليها رجال الدين المسيحي في نابلس وتركيا.. تثير ليس فقط إعجابنا وحماسنا للروح النزيهة والشريفة التي دفعتهم لمثل هذا الموقف النبيل... ولكن تثير مزيداً من التساؤلات حول توقّف كثير من (ربعنا) المسلمين عند مثل هذه الحادثة وحديثهم عنها بأنها واقعة يجب ألاّ تُعطى أكبر من حجمها، وألاّ يتعامل معها المسلمون بهذه الحساسية!! المسألة حين ترى (مسلماً) يتعامل مع حادثة استفزاز للحميّة الدينية بهذا القدر من اللامبالاة فإنك تدرك وجود خلل مؤسف في تصوّر بعض المسلمين لقيم الحرية وقيم العالم الجديد.. لست بحاجة لتكرار ما تحدّثت عنه في مقالات سابقة من أن اللادينيّة هي ما يمكن أن يفسد علينا صفو عالمنا القادم.. وأن البهتان الذي تقوم به حين تتعدى على المقدّسات أمر سيجر ويلات لاطاقة لنا بها.. اللادينية حين تتوشح رداء عربياً كما في بعض سخافات القوم هنا وهناك، وحين تريد أن تستحيل إلى حركة سياسية تستبعد الدين من أجندتها، وتريد أن تتحرر من الدين ومن تخلّفه وويلاته التي جرها على الشعوب (زعمت).. حين تفعل اللادينية ذلك فإنها تصبح أمراً يستدر السخرية بشكل لايُطاق.. ليس فقط لأن الشعوب العربية والإسلامية شعوب متدينة بالفطرة، ولايمكن تخيّلها بمعزل عن دين الله تعالى الذي ارتضاه لها...ولكن أيضاً لأن وجود اللادينيين في الأغلب مرتبط ببرنامج كوميدي متكوّن من التهكّم والهجوم على المقدّسات والتشكيك اللاواعي في جذور المقدّس في العقل المسلم... أي إنه موقف حاقد...أو مهووس يريد الظهور والتمرّد بطريقة مفلسة..والإفلاس بهذا الشكل موقف يستدر الشفقة...ليس موقفاً فكرياً معتدلاً يستحق الاحترام.. إن هذه الوقفة التي يقفها المسيحيون معنا هي التي لابد أن يفقه اللادينيون منها أن الخلفية الدينية في عقل كل الشعوب (والإسلامية منها خاصة) أمر لايمكن تجاهله..وأن فطرة الله التي فطر الناس عليها ليست جيناً وراثياً يمكن تعديله في مختبر علمي ملحد..!! أمر آخر يمكننا قراءته وهو كيف أمكن للآخر المسيحي الذي طالما ارتبط تعصّبه (الديني الصريح) في عقل المسلم بملايين الضحايا بامتداد تاريخنا الإسلامي كان آخرها في حرب البلقان الطويلة ..كيف أمكنه أن يكون نزيهاً ومتسامحاً في النهاية ليعلن موقفاً فكرياً استثنائياً جداً وواضحاً؟! لم يكن الأمر صعباً هذه المرة أن يعلنوا مبدأهم حول الاحترام وحول التعايش...للدرجة التي تضمن إحدى البيانات التعبير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه (نبي الإسلام).. جاء في البيان الذي أصدره ممثلو ست كنائس رئيسة في تركيا: "كأبناء النبي إبراهيم، نشجب عدم احترام محمد نبي الإسلام الذي نحبه ونتعاون معه، ونحن نصلي مع إخواننا المسلمين ليحكم الحب الإلهي الأرض". هل ستكون حملة البيانات النزيهة هذه المرة بداية لعهد جديد يبدؤه المسلمون مع المسيحيين، وموقفاً جديداً تماماً هو نفسه موقف: (قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولانشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله...)[آل عمران:64]؟ هل سيبدأ السلام والحوار الديني..يبدؤه(11/48)
المسلمون من داخلهم في طوائفهم المتعددة ...يبدؤونه مع الآخرين لتكون كلمة الله هي العليا..؟ هل ستبدأ حملة للسلام والتحاور الديني أخيراً من أزمة أثارها الشانئ الأبتر (اللاديني) ليؤدي إلى آخر ماكان يتمناه؟ وهو حوار ديني متسامح؟ بأبي أنت وأمي يارسول الله...أرادوا أن ينتقصوك ويزدروا دينك وإيمانك، فلم يزد ذلك أمتك إلا رشداً..! الإسلام اليوم
=============================
حملة للفاتيكان شعارها مليون ضد محمد
عبدالحي شاهين
بدت حملات التّشويه التي تقودها منظمات الفاتيكان ضد الإسلام والمسلمين خلال العقود الأخيرة أكثر قوة وشراسة، متَّخذة في ذلك أساليب وطرقًا شتّى، فمن الهجوم على الإسلام كدين وتعاليم ربانية إلى الهجوم على معتنقي هذا الدين ووَصْفهم بالتخلّف والبربريّة.. واصلت جمعيات التنصير المسيحية حملاتها الشرسة لتنال من رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا يظننّ أحدٌ أن الهجوم على الرسول والإسلام حديث؛ بل إنه كان ممتداً منذ عقود طويلة تنوعت خلالها طرق الإساءة وتباينت.
الآن بعد مرور قرون عديدة على بزوغ فجر الإسلام، تُنظّم حملة كبرى من الجمعيات التّنصيرية، حُشد لها مليون منصّر بدعم من الفاتيكان للحدّ من انتشار الإسلام في العالم، والعودة بالبشريّة إلى المسيحيّة، ونشرت صحيفة (فليت إم زونتاج) الألمانية في 30 يونيو الماضي تقريراً عن منظمة رابطة الرهبان لتنصير الشعوب سلطت فيه الضوء على جهود المنظمة في نشر الدين المسيحي ومعتقداته حول العالم.
وكشفت الصحيفة في ثنايا تقريرها وهي تشيد بالمنظمة التنصيرية أن المنظمة وهي (المؤسسة الوحيدة في العالم التي تتصدى بفاعلية للصراع بين المسيحية والإسلام ) بحسب وصف الصّحيفة، تعمل بجيش يضم أكثر من مليون منصّر للحدّ من انتشار الإسلام في العالم وعلى تشويه صورة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما تسعى الرابطة أيضاً لإعادة البشر في كل أنحاء العالم للمسيحيّة.
ونقلت الصحيفة أيضاً في تقريرها أن الصراع الذي تقوده رابطة الرهبان لا يخلو من العنصر العسكري، واستدلت في ذلك بأن الكاردينال (كريشنسيو زييه) رئيس الرابطة دائماً ما يصف المُنَصِّرين العاملين معه بـ( قُوّاتي)، وهذا كما يؤكد التقرير ليس من قبيل الصدفة؛ فقادة الرابطة يعتبرون أنفسهم في حرب معلنة، إذ لا بد أن يكون هناك قادة وقوات كثيرة العدد، وهذا العدد عنصر مهمّ في هذه الحرب حول "العقيدة". ورابطة الرهبان وحدها كما يوضح التقرير موجودة في 40% من أراضي العالم المسيحي، ومعترف بها من 1081 أسقفية، ولرابطة 0الرابطة أكثر من مليون مدرس تعليم مسيحيّ تخرجوا في القسم المحارب للرابطة، وهم يجوبون كل مكان في العالم من قرية لقرية؛ لإقناع المترددين في الإيمان بالعقيدة المسيحية ولإنجاح هذه الأهداف يتم تأمين مبالغ مالية ضخمة تصل إلى 500 مليون دولار سنويًّا.
وبحسب الصحيفة الألمانية فإنّ الرابطة المسيحية وخلفها الكنيسة الكاثوليكية لم تنجحا في محاولاتهما الدّؤوبة في خلق معاملة بالمثل فيما يختص بتأمين ممارسة الشعائر للمسيحيين في السعودية، إذ إنه بالرغم من أنه سُمح للمملكة العربية السعودية ببناء مسجد ضخم في روما؛ فقد حُظر على المساجين المسيحيين في السعودية قراءة الإنجيل والاحتفال بالصلاة مع أحد القساوسة الكاثوليك.
وتقول الصحيفة: إن الصراع المسيحي الإسلامي ازداد شراسة حول العالم بعد أحداث11 سبتمبر، ورأت أنه أصبح هناك صراع على كل شخص مؤمن، وبات هناك مبدأ في الفاتيكان ألا يسافر رجال الكنيسة إلى أي دولة لا يتم فيها إظهار الصليب علانية حتى الكاردينال (زيبه) رئيس رابطة الرهبان الذي قام بتخبئة صليبه قبل وصوله لمطار قطر في الخليج. وأشارت الصحيفة إلى أنه بدعم من الكنيسة الكاثولوكية؛ فإنه يتم في هذه المدرسة التدريس لـ 400 طالب أقل من ثلثهم مسيحيون.
وتزعم رابطة الرهبان أنه في المدارس المسيحية التي يدرس بها مسلمون تكون هناك أفكاراً أقل سوءاً عن المسيحيين ويكون هناك تسامح، وتسعى الكنيسة الكاثولوكية في كل مكان بقارة آسيا بهذه الخطة لكي تمنع بقدر الإمكان نشر الإسلام على حساب المسيحية !! وأن تقلل من انتشاره في كل منزل وفي كل شارع، لذلك تمول الكنيسة الكاثولوكية في الهند التي يقل فيها عدد الكاثوليك عن2%، حيث يتم توجيه أكثر من 28% من النفقات الاجتماعية للمحتاجين وللمستشفيات والمدارس.(11/49)
الفاتيكان والمنظمات التي تعمل تحت لوائه تتخذ من الحد من انتشار الإسلام والإساءة للرسول -صلى الله عليه وسلم- هدفًا لها؛ تكرس من أجله كل إمكانياتها المادية والمعنوية. وفي ظل الحريات التي تبشر بها الولايات المتحدة العالم بدأت تتكشف بوضوح المعايير المزدوجة التي يُعمل بها؛ ففي الوقت الذي يضيق فيه الخناق على المؤسسات الإسلامية الخيرية -مع محدودية إمكانياتها- يسمح فيه لجمعيات التنصير ذات القدرات الكبيرة بالعمل بحرية في كافة أنحاء العالم.
اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- في السعودية أصدرت بياناً عقب إطلاق حملة (مليون ضد محمد) التي ترعاها رابطة الرهبان نددت فيه بهذه الحملة وأطلقت حملة مضادة شعارها(المليار مع الرسول محمد)، أهابت فيه بجميع المسلمين ببذل قصارى جهدهم لتوضيح الحقائق وتعريف العالم بشخصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الفذة، ودعتهم إلى الاستمرار في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالة الإسلام لجميع البشر، وتساءلت اللجنة في بيانها (يا أيها المليار هل أنتم مع نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؟).
حوار الحضارات أين هي حدود الحق والباطل؟
الكاتب: الصادق المهدي
ثقافات العالم تتجاوز عشرة آلاف. الثقافة الكاتبة الحاسبة الممتدة عبر حواضر تصير حضارة. حضارات العالم تزيد على العشرين بقي منها حيا دون العشر.
نعم للحضارة هوية دينية، ولغوية، وفنية غالبة ولكنها هوية فضفاضة لا تضم كيانا سياسيا واحدا ومصلحة اقتصادية واحدة، ولا أيديولوجية واحدة. لذلك لا يرد في أمرها حوار أو خصام. إن الذي أفرز الحديث عن الحضارات كأنها قابلة لذلك عوامل موضوعية أذكر منها:
مفكرون غربيون يهود ـ أمثال برنارد لويس ـ يسعون لإيجاد قاسم مشترك بينهم وبين ملة الغرب الغالبة (المسيحية) ويجدون المبرر لاصطفاف غربي ضد العرب والمسلمين.
مفكرون غربيون اعتبروا أن نهاية الحرب الباردة تجرد الولايات المتحدة مما حظيت به من ولاء غربي أثناء الحرب الباردة.. حديثهم عن حضارة غربية ذات دولة مركزية هي الولايات المتحدة، وعن حضارات أخرى مناوئة كالإسلامية والصينية يمد الولايات بسبب لشرعية قيادتها للغرب وبعدو مشترك.
الوفاق والشقاق وبالتالي الحوار والخصام يدور حول سبعة محاور هي:
الأول: الدين: فالأديان غالبا تقوم على نفي الآخر وكلها شهدت انتعاشا منذ ثمانينات القرن العشرين مما يزكي الصدام ويوجب الحوار.
الثاني: الأيديولوجية: الأيديولوجيات أديان وضعية وحولها يدور الصراع أو التعايش، ومع أنها منذ أواخر القرن الماضي انحسرت، فالتباين مستمر بين الرأسمالية والاشتراكية، وبين الديموقراطية والشمولية.
الثالث: المجتمعات التقليدية تقوم على ولاء وراثي لطائفة أو عشيرة، هذه الكيانات التقليدية ترفض الحداثة التي تقوم على المشاركة والمؤسسية. ههنا جدلية قابلة للمفارقة والموافقة.
الرابع: العولمة وهي إدماج رأس المال والتقنية والمعلومات بما يتعدى الحدود الوطنية ويخلق سوقا كونية واحدة. هذا هو وجه العولمة الموضوعي، ولكن في ظروف العالم اليوم والسيطرة الأمريكية على الاقتصاد وعلى السلاح وعلى الإعلام فإن العولمة تلبس وجها أمريكيا. العولمة بوجهها الموضوعي والأمريكي تواجهها في كل مكان الخصوصيات الثقافية فينشأ بينهما التوتر.
الخامس: شمال الكرة الأرضية غني ومع أن سكانه 20 % من سكان الأرض فإنه ينال 80 % من الدخل المادي فيها، هذا يخلق مجالا واسعا للصدام أو الحوار من أجل العدالة.
السادس: منذ نهاية الحرب الباردة برزت القطبية الواحدة التي تقودها الولايات المتحدة تنازعها عوامل التعددية الدولية المنطلقة لتوازن جديد في السياسة الدولية.
السابع: هنالك بؤر التهاب منشورة في العالم هي: فلسطين، كشمير، تايوان، الشيشان، جنوب السودان وغيرها، تخلق استقطابا أو وفاقا.
الصراع أو الحوار يدور حول هذه المحاور السبعة. العالم كله متجه صعودا نحو:
* تطور في الوعي الديني يشبع الحاجة الروحية وينفي الجهل والخرافة.
* تمدد عقلاني.
* تحول إلى الحرية.
*احتكام للعدالة.
* تطلع للتنمية المادية وتسخير الطبيعة للحاجات الإنسانية، وتحرير الجماليات كلغة عالمية للبشر من علائق الجهالة والخرافة.
لكي يكون الحوار بين أطرافه مثمرا فإن عليه أن يكون كذلك متناغما مع حركة التاريخ. نحن في الغالب نقبع خارج التاريخ، يكرس بقاءنا هناك:
الفقه الصوري الذي أدى إلى قفل باب الاجتهاد بحجة أن السلف قد استنبطوا من النصوص كل الأحكام فما علينا الا اتباعهم، وبحجة أن آية السيف قد حددت علاقتنا بالاخر المحلي والدولي على أساس اتباع ملتنا أو أداء جزيتنا أو السيف.
الاستبداد الذي قفل باب الاجتهاد السياسي وتحكم قبل الاستعمار وتحكم بعد رحيله، وعلى حد تعبير أمل دنقل:
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد(11/50)
التنمية العاجزة عن توفير الضروريات أو تلك التي تغذي الظلم الاجتماعي داخليا والتبعية خارجيا.
نحن بحاجة لمشروع نهضوي يخرجنا من التخلف والاستبداد والتبعية وما لم نحققه فلا جدوى من الحوار مع الآخر، لأن نهضتنا تبدأ بصحوة ذاتية.
الدول الغربية كذلك غارقة في مستنقعات أهمها:
* المسيحية واليهودية لا تعترفان ببعضهما ولا تعترفان بالآخر المحلي.
* تفوقهم المادي أورثهم استعلاء الغالب وجعلهم يكمّشون عطاء الآخرين.
* سياساتهم هي التي صنعت بؤر التوتر ولا يعترفون بهذا الدور وواجب العمل على إزالتها.
* هيمنة سياسات المحافظين الجدد على السياسة الأمريكية وهيمنة السياسة الأمريكية على السياسة العالمية.
* سياسة هؤلاء هي أقوى مبرر لسياسة الغلاة عندنا. قال السفير البريطاني لإيطاليا: «أكفأ «شاويش» تجنيد للقاعدة هو بوش نفسه لا غير».
سياسات غربية تجهض بشائر الاصلاح عندنا ـ مثلا ـ الموقف الأمريكي المعادي للديمقراطية الثالثة في السودان ـ عدم الاعتراف بالاختيار الفلسطيني الحر لأنه أتى بحماس ـ التحفز لقصف قناة الجزيرة مع أنها تمثل تحديثا إعلاميا ـ منع صفقة شركة موانئ دبي العالمية مع أنها تمثل خيارا عربيا مستصحبا للعولمة.
قال توماس فريدمان «نبغى ألا نشك بعد اليوم أن 11/9 قد صيرنا أغبياء»!.
المنكفئون والغلاة في الشمال مزودون باستعلائهم وتفوقهم التكنلوجي وأسلحة الدمار الشامل. وهم في الجنوب مزودون بغضباتهم وأسلحة الضرار الشامل.
العالم اليوم في كف عفريت بين وعد العقلاء من الطرفين أن يصالحوا أنفسهم مع تيار التاريخ الصاعد ويجرون حوارا مثمرا عبر الملفات السبعة يبني مستقبلا أعدل وأفضل، ووعيد فيه يضع الغلاة والمنكفئون من الطرفين أجندة المستقبل فيجرفون مسيرة التاريخ نحو مصير ظلامي:
أمامك فاختر أي نهجيك تنهجُ
طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية
=============================
حول الرسول صلى الله عليه وسلم
نسب النبي صلى الله عليه وسلم
الجذور الأولى للنسب الفاضل :
لقد اختار الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون النبي الخاتم الذي بشر به الأنبياء السابقون عليهم السلام . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا نسب شريف في قومه ، إذ إنه كان من أعرق قبيلة عربية وهي قريش ومن أشرف بيت في تلك القبيلة ، وهو بيت بني هاشم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله اصطفى كنانة من بني آدم ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيار من خيار ) وكان لهذا الاصطفاء أهمية ، إذ كانت الأنظار تحيط ببيت النبي صلى الله عليه وسلم والمتمثل في هاشم الجد الأعلى للنبي صلى الله عليه وسلم لذا حفظت سيرة ذلك البيت وأحداثه التاريخية منذ أن انتقلت الزعامة إلى هاشم حيث تولى سقاية الحاج ورفادتهم ، فأصبح قبلة وفخر قريش .
بعد وفاة هاشم تتبع الناس بأبصارهم وولائهم انتقال الزعامة إلى أخيه المطلب ، الذي كان رجلاً عظيماً مطاعاً ذا فضل في قومه . وكان لأخيه هاشم زوجة بالمدينة من بني النجار ، ولها من هاشم طفل وضعته بعد موته وسمته عبد المطلب ، فلما شب الطفل ذهب إليه عمه المطلب فأخذه من يثرب إلى مكة حيث تربى بها . ثم إن المطلب مات بردمان بأرض اليمن ، فولى الزعامة بعده ابن أخيه عبد المطلب ، فأقام لقومه ما كان يقيمه آباؤه من السقاية والرفادة وولاية شئون الناس ، فشرف في قومه شرفاً لم يبلغه أحد من آبائه ، وكان أعظم ما حدث له أنه رأى في المنام آمراً يأمره بحفر بئر زمزم ، وتكررت له هذه الرؤيا ثلاث ليال ، فعرف أن الأمر حق ، ففعل كما أمر ، إذ حفر بئر زمزم التي لا يزال ماؤها ينضح حتى اليوم .
ثم إن عبد المطلب ولد له عشرة من البنين ، منهم عبد الله ، وهو أحب أبنائه إليه ، وكان لعبد الله هذا واقعة مهمة مع أبيه جذبت أنظار قريش إليه ، ذلك أن عبد المطلب كان نذر أن يذبح أحد أبنائه قرباناً لله تعالى إن رزقه عشراً من البنين ، فلما بلغوا عشرا أقرع بينهم ، فوقع السهم على عبد الله ، فأعاد ذلك فخرج عليه مرة أخرى ، فذهب به إلى الكعبة ليذبحه وفاءً نذره ، فمنعته قريش من ذلك لما كان لها من حب لعبد الله ، ثم إن عبد المطلب لجأ إلى عرافة لترى له مخرجاً من نذره ، فأخبرته أن يقرع مرة أخرى فإذا خرج السهم على عبد الله جعل محله عشرة من الإبل ،ثم يعيد ذلك كلما خرج السهم على عبد الله ،ولم يخرج السهم على الإبل حتى بلغت المائة عندئذ خرج عليها ، فنحرها عبد المطلب جميعاً فداء لابنه ،ففرحت قريش بذلك.
وقد كانت هذه الواقعة تقديراً من الله تعالى ، إذ إن عبد الله هذا هو والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقد أشار صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله : {أنا ابن الذبيحين }يشير بذلك إلى قصة جده إبراهيم الخليل عليه السلام حيث أمره الله تعالى بذبح ابنه في رؤيا رآها، وقصة جده عبد الطلب هذه مع أبيه عبد الله .(11/51)
بهذه النبذة اليسيرة يتبين أن مكانة أسرة النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أحداثها تحظى بالاهتمام والمتابعة ، مما جعل أهم تفاصيلها معلومة بدقة تامة ، حتى زواج عبد الله من آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب ، ووفاة عبد الله بعد هذا الزواج الذي خلف لعبد الله ابنه الوحيد من آمنة والذي ولد بعد وفاته بقليل وكان هذا المولود هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ،رسول الله صلى الله عليه وسلم .
نسب النبي صلى الله عليه وسلم :
لقد اشتهرت العرب بالاهتمام بالأنساب ومعرفتها متصلة متسلسلة بدقة تامة ، لذا حفظ التاريخ كثيراً من التراث النسبي في مؤلفات كثيرة تذكر أنساب القبائل وفروعها ، ومما حفظته المصادر ، نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ اتفقت جميع المصادر على سلسلة نسببه صلى الله عليه وسلم بلا خلاف يذكر رواية وكتابة ، فنسبه صلى الله عليه وسلم هو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر – وهو الملقب بقريش ، وإليه تنسب القبيلة – ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان .
الطفولة والصبا
لقد سجلت المراجع التاريخية المروية بأسانيد متصلة إلى جميع المصادر الثابتة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم – تفاصيل نشأة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما مر بها من أحداث خلال فترة الطفولة والصبا ، فذكرت تلك المصادر أنه صلى الله عليه وسلم بعد ولاته تولت إرضاعه حليمة السعدية ، حيث كانت عادة العرب أن تدفع بأطفالها إلى نساء البوادي ليقيمن بإرضاع الأطفال في البادية حتى ينشأوا على الفصاحة ، والفطرة السليمة ، والقوة البدنية .
وقد روت المصادر الإرهاصات التي حدثت لحليمة وزوجها منذ أن حل بهم الطفل الجديد – محمد صلى الله عليه وسلم – إذ تحول حالهما من العسر إلى اليسر ، فقد أصبحت شاتهم العجفاء دارة للبن ، وحتى حليمة ذاتها أصبح ثديها مدرارا للبن لانها رضيع النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما روته حليمة فيما ذكرته المصادر .
وقد بقى الصبي مع حليمة حتى بلغ الخامسة من عمره ، وما أعادته إلا أنها خافت عليه من واقعة حدثت له،وهي حادثه شق الصدر . ذلك أن ملكين جاءاه صلى الله عليه وسلم وهو بين صبية يلعبون فأخذاه وشقا صدره وأخرجا قلبه وغسلاه في طست ثم أعاداه موضعه فالتام الجرح كأن شيئاً لم يكن ، فلما حكى الصبية وفيهم صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة لحليمة وزوجها خافا عليه خوفاً شديداً فقررا إعادته إلى ذويه بمكة ، ولكن ما بلغ الصبي السادسة من عمره حتى توفيت أمه آمنة ، فتولى تربيته جده عبد المطلب فلما بلغ الصبي ثماني سنين وشهرين وعشرة أيام توفى جده عبد المطلب فانتقلت رعايته إلى عمه أبي طالب ، فبقى بكنفه حتى بلغ أربعين سنة . وكان صلى الله عليه وسلم في أول شبابه عمل في رعي أغنام قريش على دراهم يعطونها إياه على ما هي عليه سنة الأنبياء من قبله .
الزواج والرجولة
كان صلى الله عليه وسلم مميزاً في شبابه كما هو مميز في طفولته وصباه ، فقد برزت فيه أسمى الصفات الخلقية حتى إن قريش لقبته بالأمين ، وكانت تضع عنده أماناتها ، فلما كانت هذه حاله في قومه فقد جذبت هذه الخصال إليه سيدة قريش وصاحبة التجارة والمال فيهم خديجة بنت خويلد، فأوكلت إليه الاتجار في مالها فكان نعم التاجر الأمين فجرى على يديه لتجارتها نمو كبير ، فلما رأت همته وصدقه وأمانته وخصاله الحسنة عرضت عليه الزواج من نفسها وهي بنت الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين فأجابها وتم الزواج ، وبقى معها زوجاً وفياً حتى بلغ الأربعين من العمر .
وكان أعظم ما مر به مع قريش قبل النبوة ، أن قريشاً أرادت أن تعيد بناء الكعبة بعد أن تهدم جزء منها ففعلت حتى إذا بلغت موضع الحجر الأسود ، وهو حجر معظم فيها اختلفت قريش فيمن يكون له شرف وضع ذلك الحجر في موضعه واشتد خلافهم حتى أوشكوا أن يفتتنوا ، إلا أنهم رضوا برأي من أشار عليهم بتحكيم أول مارّ بهم ، فكان أول من مرّ بهم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فلما رأوه هللوا جميعاً فرحاً : رضينا بالأمين حكماً . فعرضوا عيه الأمر ، فطلب منهم ثوباً وضع عليه الحجر الأسود وطلب من كل فريق أن يرشح واحداً منهم ،فرشحت كل قبيلة واحداً منها ، وطلب منهم أن يأتوا فيرفعوه جميعاً ، حتى إذا بلغوا به موضعه من الكعبة أخذه هو –صلى الله عليه وسلم – فوضعه في مكانه ، فازداد بهذا الحدث ذكره عند قريش وغيرهم .
الوحي والنبوة(11/52)
مما يجدر ذكره قبل التعرض للوحي والنبوة ،واقعة مهمة حدثت في حياة محمد صلى الله عليه وسلم ذلك أنه لما بلغ العاشرة – أو يزيد قليلاً – خرج به عمه أبو طالب في رحلته التجارية إلى الشام ، حتى بلغوا بصرى ، وهي بلدة في الطريق إلى الشام ، التقوا فيها براهب يدعى بحيرا ، واسمه جرجيس ، نزل عنده الركب ، فأكرمهم وأحسن ضيافتهم ، ثم إنه رأى معهم الصبي محمد بن عبد الله ،فعرفه بوصفه المذكور في كتبهم ، فقال وهو آخذّ بيد الصبي : هذا سيد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ، ثم سأل عن أبيه، فقال أبو طالب أنا أبوه ، فقال بحيرا : لا ينبغي أن يكون أبوه حياً .
فأخبره أبو طالب بقصته فقال له بحيرا : هذا هو النبي الذي بشر به عيسى ، وأنا نجد صفته في كتبنا ، ثم قال: احذره من يهود. وقد شب صلى الله عليه وسلم بمكة حتى بلغ الأربعين متميزاً بخصاله التي بهرت من حوله ، فقد كان قوي الفطنة ، طيب المعشر ، جميل السيرة، سليم السريرة ، كامل الخلق والخلق ، تام المروءة ، عالي الهمة طويل الصمت في التأمل والتفكير ، محباً للخلوة معتزلاً للهو والعبث ، هاجراً للأوثان ، مطمئن القلب ، سامي النفس ، حتى إذا كان قريب عهد من النبوة حببّ إليه الخلاء . فكان يخلو بنفسه الليالي ذوات العدد يخلد فيهن إلى غار حراء يتحنث فيه ، متأملاً متدبراً .
ثم توالت آثار النبوة تلوح عليه ، وكان أعظم ذلك الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى شيئاً في منامه إلا كان مثل فلق الصباح في تحققه حتى مضى على ذلك ستة أشهر ، ثم نزل عليه الوحي بالقرآن الكريم وهو متحنث في غار حراء،وذلك شهر رمضان في السابع والعشرين منه – على الأرجح – وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه عائشة زوجه رضى الله عنها قالت : { أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي ، الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء مثل فلق الصبح . ثم حبّب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه – أي يتعبد فيه- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة –زوجه – فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال صلى الله عليه وسلم : فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال :اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ .فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ،ثم أرسلني فقال : ((اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق .اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم )) فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ،فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال زمّلوني زملونّي ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكّل وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر .
فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن عبد العزّى- ،ابن عم خديجة – وكان امرءً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمى –فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى – عليه السلام – يا ليتني جذعاً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً . ثم لم ينشب ورقة أن توفى ،وفتر الوحي }
بعد هذه الواقعة استمر نزول الوحي بالقرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر سنة ، ثم بالمدينة النبوية بعد الهجرة عشر سنين ، حتى اكتمل نزول القرآن، فكان هو الكتاب المتضمن لمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم في لغته ومضمونه ومعانيه ، بما حواه من أخبار وآيات في الآفاق والأنفس ، وحقائق علمية معجزة بجانب كونه الكتاب المتضمن لشرائع الإسلام وأحكام به.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم سنين بعثته الأولى وهي ثلاث عشر سنة بمكة التي أضطهده فيها أهلها وأخرجوه منها مهاجراً إلى المدينة المنورة التي أنشأ فيها دولة الإسلام وتكاملت بها تشريعات الإسلام وتوسعت دائرته إلى خارج الجزيرة العربية حتى توفاه الله تعالى في السنة العاشرة للهجرة.
==================================
خصوصيات الر سول صلى الله عليه وسلم(11/53)
في الوقت الذي يظنّ فيه البعض أن أسباب النصر مقتصرة على من ملك القوّة والعتاد، في الأسلحة والرجال ، وغيرها من الأسباب الحسّية ، تأتي السنّة لتكشف عن جانب آخر من أسباب النصر ، ألا وهو النصر بالأمور المعنوية كالرعب والهيبة ، وهي إحدى الخصوصيّات التي منحها الله لنبيّه – صلى الله عليه وسلم - ، وأسهمت بشكلٍ فعّال في نشر الدعوة ، والدفاع عن الملّة ، وقذف الرعب في قلوب الأعداء .
فقد روى الإمام البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر... ) .
ويظهر أثر هذه الهيبة بجلاء على الصعيدين الفردي والجماعي ، فأما الفردي فقد كان فيها عصمةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس ، ووقايةٌ له من مكائدهم ، تحقيقاً لقوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } ( المائدة : 67 ) .
ولو استعرضنا سيرته عليه الصلاة والسلام لوجدنا عدداً من الحوادث التي تؤكّد هذه القضيّة على المستوى الشخصي ، فعلى الرغم من صولة قريشٍ وجبروتها ، وقسوتها وطغيانها ، إلا أن ذلك لم يكن ليقف أمام شخصيّة النبي – صلى الله عليه وسلم – المهيبة، والتي كان وقعها على أهل الكفر والعناد أشدّ من وقع الأسنّة والرماح ، فقد اجتمعت قريش تسخر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتستهزيء به ، فقال لهم : ( تسمعون يا معشر قريش : أما والذي نفس محمد بيده ، لقد جئتكم بالذبح ) فبلغ بهم الرعب مبلغاً عظيماً ، ووقعت هذه الكلمة في قلوبهم وكأنّ على رؤوسهم الطير ، حتى أن أشدّهم جرأة عليه يحاول أن يسترضيه بأحسن ما يجده من القول ، فيقول له " انصرف يا أبا القاسم راشداً ؛ فوالله ما كنت جهولاً " رواه أحمد .
ولمّا سمع عتبة بن ربيعة النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ قوله تعالى : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} ( فصلت : 13 ) أصابه الرعب وقال : حسبك حسبك .
وفي غزوة ذات الرقاع ، نزل جيش النبي - صلى الله عليه وسلم – في وادٍ كثير الشجر ، وتفرّق الناس يبحثون عن الظلّ ، وانفرد عليه الصلاة والسلام بشجرة ليرتاح تحتها ، فعلّق بها سيفه وافترش الأرض ، وبينما هو نائم جاءه أعرابيٌّ يريد قتله ، فأخذ السيف المعلّق وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : من يمنعك مني ؟ فأجابه بقوله : ( الله ) ، فارتعد الرجل وسقط السيف من يده ، وسرعان ما تحوّل الاستكبار والتهديد إلى توسّل ورجاء حين أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم – السيف وقال له : ( من يمنعك مني ؟ ) ، والقصّة في صحيح البخاري .
وحين دار الحوار المشهور بين هرقل وبين أبي سفيان ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ودعوته ، قال هرقل : " ليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ " ، فلما سمع ذلك أبو سفيان قال لأصحابه بعد خروجهم : " إنه ليخافه ملك بني الأصفر " .
وأما على الصعيد الجماعي ، فقد انتصر النبي - صلى الله عليه وسلم – في غزوة بدر بعد أن قذف الله الرعب في قلوب أعدائه ، كما قال الله تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } ( الأنفال : 12 ) .
ولما انتهت غزوة أحد ، وتوجّه المشركون إلى مكّة ، ندموا حين لم يقضوا على المسلمين قضاءً تامّاً ، وتلاوموا فيما بينهم ، فلما عزموا على العودة ألقى الله في قلوبهم الرعب ، ونزل في ذلك قوله تعالى : { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } ( آل عمران : 151 ) أخرجه ابن أبي حاتم .
وتحدّث القرآن الكريم في سورة كاملة ، عن الهزيمة الكبرى التي لحقت بيهود بني النضير، عندما أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أراضيهم ، فكانت الدائرة عليهم وتخريب بيوتهم بسبب ما أصابهم من الرعب ، كما قال الله عنهم : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } ( الحشر : 2 ) .
ولما ضرب المؤمنون الحصار على بني قريظة ، سارع أهلها بالاستسلام ، وفتحوا أبواب حصونهم ، ونزلوا على حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيهم ، بعد أن انهارت معنويّاتهم وقذف الله الرعب في قلوبهم ، قال سبحانه : { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا } ( الأحزاب : 26 – 27 ) .
وفي غزوة تبوك تسامع أهل الروم ومن معهم من القبائل العربية الموالية بقدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتالهم ، فتفرّقوا من بعد اجتماعهم ، وآثروا السلامة في نفوسهم وأموالهم وأراضيهم ، مما دفعهم إلى مصالحة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفع الجزية ، على الرغم من تفوّقهم العددي والحربي ، وهو جزءٌ من الرعب اللذي يقذفه الله في قلوب أعدائه .(11/54)
ولم يكن هذا الأمر هو الوحيد من خصوصيّاته - صلى الله عليه وسلم – الحربيّة ، فقد كانت له خصوصيّاتٌ أخرى تتعلّق بهذا الجانب ، منها : إحلال الغنائم له دون من سبقه من الأمم ، فقد كان الناس في السابق يعتبرون الغنائم كسباً خبيثاً لأنها أُخذت من العدو، وكان مصيرها أن تُجمع ثم تنزل نارٌ من السماء فتحرقها ، كما في قصة نبي الله يوشع عليه السلام التي رواها البخاري .
أما الأمة المحمّدية ، فقد أباح الله لها الغنائم رحمة بها ، وتخفيفاً عنها ، وكرامةً لنبيّها - صلى الله عليه وسلم – ، قال عليه الصلاة والسلام : ( ... ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا ) رواه مسلم .
ومن خصوصيّاته - صلى الله عليه وسلم – الحربية ، أن الله تعالى أحلّ له مكة ساعةً من نهار ، وذلك يوم الفتح ، فأباح له القتال فيها ، ولم يبح ذلك لأحد قبله ولا لأحدٍ بعده ، فقد حرّم الله هذا البلد يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، كما في حديث البخاري .
وبذلك يتّضح كيف كان لخصوصيّاته عليه الصلاة والسلام أثرٌ بالغٌ في تمكين المؤمنين ونصرتهم من جهة ، وهيبة جانبهم من جهة أخرى .
=============================
خطوات عملية للانتصار لخير البشرية
د.محمد موسى الشريف.
إن الجريمة العظمى التي أقدم عليها رئيس وزراء الدانمرك وحكومته لا ينبغي أن تمر دون محاسبة.
وإنما قلت رئيس وزراء الدانمرك وحكومته لأنه هو المسؤول الأول عما يجري في بلاده ، ولأنه تهاون في هذه المسألة تهاوناً أدى به إلى رفض مقابلة وفد مسلمي الدانمرك ، ولأنه كاذب فيما يدعيه من حرية التعبير لأنه لو سُب المسيح عليه الصلاة والسلام هذا السب أو سُب البابا هذا السب لما قبل العالم كله منه هذا العذر المريض ، ولانتفض النصارى وغيرهم وحصل له ما لا يحمد عقباه لكن المسلمين لا بواكي لهم.
والذي ينبغي عمله في هذه النازلة الخطيرة عدة أمور ، منها :
1- عمل الحكومات الإسلامية :
أ - طرد السفير الدنمركي وإغلاق السفارة.
ب - قطع العلاقات السياسية مع الدنمرك.
ج- إيقاف استيراد البضائع الدنمركية ، والامتناع من تصدير أي سلعة إسلامية إليها.
وأنا أكتب هذا الكلام وأعلم أن غالب الدول الإسلامية سيقف موقف المتخاذل لأنها عودتنا على ذلك من قبل ، لكني أقول للحكومات محذراً ، إن الحكومة التي تتخاذل في نصرة خير البرية إنما تعرض نفسها لانتقام الله تعالى ، لأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خليل الرحمن ، والله تعالى يغار على انتهاك حرمته ولا شك، وأخشى أن الله تعالى سيصب غضبه على من تخاذل في نصرة حبيبه وخليله صلى الله عليه وسلم.
وبادرة المملكة في سحب سفيرها من الدنمرك خطوة أولى مهمة أرجو أن تتبعها خطوات أخرى.
2- عمل الشعوب والهيئات الشعبية :
إن من فضل الله تعالى على الشعوب أنها تستطيع عمل الكثير في مقاومة هذه الهجمة ، وعدد المسلمين مليار وثلث المليار ، وهذا عدد عظيم يستطيع لو اجتمع عشرة بالمائة منه على عمل شيء أن يغيروا عدداً من الموازين بإذن الله تعالى ، ومما يستطيع عموم المسلمين عمله هو الآتي :
أ - المقاطعة التامة لكل منتجات الدنمرك ، خاصة منتجات الحليب مثل زبدة لورباك ، وعدة أصناف من الحليب المجفف والسائل ، والجبن الدنمركي المنتشر في البلاد العربية ، وغير ذلك ، وقد صدرت عدة إعلانات من بعض الشركات في المملكة العربية السعودية أنها تقاطع المنتجات الدنمركية وأرسلت رسائل للسفارة ، وهذه بادرة جيدة.
والمقاطعة فعالة جداً ، وقد صدرت جملة من الفتاوى المحرمة للتعامل مع الأمريكان والبريطانيين ، وأحسب أن جرم الدنمرك الأخير لا يقل جرماً عن الأمريكان والبريطانيين. وليس للشعوب الإسلامية عذر في شراء المنتجات الدنمركية حيث يوجد لها بدائل كثيرة في الأسواق.
ب - إرسال رسائل الاستنكار الكثيرة إلى السفارات الدنمركية حول العالم الإسلامي وإلى الحكومة نفسها ، وهذه الرسائل إن بلغت حداً من الكثرة كبيراً فإنه يؤثر ، لأن الغرب يهتمون بهذه الرسائل التي تعبر عن الرأي العام.
ج- إقامة المحاضرات والدروس في نصرة خير البرية ، ولإعلام العوام بمنزلته الرفيعة عند الله وعند الناس.
د- مشاركة القنوات في الذب عن مقامه الرفيع صلى الله عليه وسلم ، وذلك عن طريق إقامة البرامج المخصوصة ، وتخصيص يوم كامل لاستقبال ملاحظات الناس ومناقشاتهم ، ومن أجل مشاركة العلماء والمشايخ في الرد.
هـ- إقامة حملة تبرعات كبيرة من خلال وسائل الإعلام وغيرها ، من أجل توفير مبلغ مالي كبير يخصص من أجل إقامة وقف عالمي كبير للدفاع عن خير البرية صلى الله عليه وسلم.
3- عمل المشايخ والعلماء :(11/55)
وهؤلاء عليهم واجب كبير جداً في تحمل عبء هذه القضية ، وللأسف فإننا إلى الآن لم نجد ذلك الرد الجيد ، ومن أضعف الردود رد شيخ الأزهر الذي قال : إنه لا يصح الكلام في الأموات !!! وغضب عدد كبير من الناس من رده المتهافت هذا كتهافت أكثر كلامه وفتاواه ، ولم نسمع من مشايخ كثيرين ما ينبغي أن نسمعه في هذا الموقف الجليل.
لذا ينبغي أن يكون لهؤلاء المشايخ والعلماء وقفة كبيرة وصادقة عن طريق مشاركاتهم الفردية وعن طريق مؤسساتهم التي يشاركون فيها خاصة مؤسسات الإفتاء وكليات الشريعة وأصول الدين ، وهذا ينبغي إلا يُتردد فيه ولا يتوانى فيه.
4- عمل الدعاة :
وهؤلاء عليهم واجب عظيم في التعريف بمنزلته صلى الله عليه وسلم في العالم كافة، وعمل البرامج والخطب والمحاضرات في نصرته صلى الله عليه وسلم في وسائل الإعلام كافة ، وفي المساجد والمراكز.
5- عمل الأقليات المسلمة في الغرب :
وهؤلاء عليهم واجب كبير في البحث عن القوانين الغربية التي ترفض مثل هذه الإهانات ، وإن لم يوجد يسعى مفكرو وعلماء هذه الأقليات إلى تأسيس مثل هذه القوانين التي تحمي المسلمين وعلى رأسهم سيدهم صلى الله عليه وسلم من الإهانات المتكررة ، ومخاطبة الاتحاد الأوروبي وغيره بهذا حتى تصان حقوق المسلمين في المستقبل إن شاء الله تعالى.
وكذلك من واجب الأقليات المسلمة أن يقيموا سلسلة من البرامج والمحاضرات للتعريف بالإسلام وبنبي الإسلام عليه أفضل الصلوات والسلام ، وأن يجتهدوا في إيصال ذلك إلى الناس كافة في بلدانهم وبلغاتهم.
وختاماً أقول :
إننا إن لم نتحرك التحرك الكافي لمواجهة هذه الجريمة فسنهون على العالم أجمع ، وسيسهل على كل من يريد الهجوم على المسلمين بعد ذلك أن يقدم على ذلك بدون النظر في العواقب.
وأنا واثق من أننا إن قمنا بهذه الخطوات فسيخضع المغرورون في الدنمرك وغيرها ، وسيهرولون طلباً للاعتذار ، والله أعلم.
الله زاد محمداً تكريما*** وحباه فضلاً من لدنه عظيما
واصطفاه في المرسلين كريما*** ذا رأفة بالمؤمنين رحيما
صلوا عليه وسلموا تسليما
ما المطلوب من الدنمرك ؟
المطلوب من الدنمرك ما يلي :
أ - الاعتذار الواضح من قبل حكومة الدنمرك على هذه الإساءة.
ب - تقديم من قام بكبر الاستهزاء إلى المحكمة الدنمركية لتنظر في شأن العقوبة المناسبة الرادعة له ولأمثاله.
ج- وضع القوانين - الكفيلة بعدم تكرار ما حدث - في صلب القوانين الدنمركية.
فإن حدث هذا أو شيء يقاربه أو شيء بديل عنه فإنه ساعتئذ يراجع المسلمون شأن العلاقة مع الدنمرك وكيف تعود المياه إلى مجاريها.
هذا والله أعلم وأحكم ، وصلى اللهم وسلم على سيد الخلق محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.
==============================
خطيب العالم
الكاتب: د.سلمان بن فهد العودة
في الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا؛ فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ, يَا بَنِي عَدِي, لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا, فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ, فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ, فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ, لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟).
قَالُوا: نَعَمْ, مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا.
قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ!).
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ, أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الخطبة أيضاً: (يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَي, أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ, يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ, أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ, يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ, يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ, يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ, يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ, يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ؛ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا). رواه مسلم هكذا كانت أشهر خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وبها انتقلت الدعوة من السر إلى العلن، كانت تبليغاً وإنذاراً وتبشيراً بكلمات قلائل، ووقت يسير، ولم تأخذ هذه الخطبة وقتاً طويلاً ولاشرحاً مملاً، ولا سجعاً متكلفاً مما تنوء به بعض الخطب.(11/56)
بهذه الخطبة أوجز النبي - صلى الله عليه وسلم - كلامه، وأوتي في كل حديثه جوامع الكلم, واختصر له الكلام اختصاراً, ومع أهمية هذه الخطبة وتاريخيتها ودورها في فجر هذا الدين الإسلامي؛ فإنها لم تتشعب في التفاصيل, ولم تسهب في الشرح، فهي خطبة عظيمة لعظم المعنى الذي تحمله، والألفاظ التي عبّرت عن هذا المعنى، وجزالة الحرف، وصدق اللهجة, وشرف الموقف.
ومثل ذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسلم، ولقد تعجبت يوم اطلعت على كتب السنة المعروفة؛ كالصحيحين, والسنن وغيرها, فلم أجد تلك الخطب الطويلة، والأحاديث المسهبة، وما يمكن وصفه بالطول تجد أن له متعلقاً بقصة أو معركة، فخطبته - صلى الله عليه وسلم - كلمات معدودة، لكنها تمتاز بخصائص نموذجية عالية مثل (الشمولية) في المعالجة للموضوعات المختلفة في شتى شؤون الحياة والعلم والدعوة, والسياسة والفقه, والعسكرية والإيمان؛ فهي ليست وعظاً محضاً مجرداً، بل يمتزج فيها الترغيب بالترهيب، والقصة بالعبرة، والحدث بالتحليل، والماضي بالحاضر بالمستقبل، وقضايا الإيمان واليقين بمسائل التشريع والتوجيه والتربية.
في لغة سهلة قريبة يفهمها الجميع، ولم تكن خطاباً خاصاً موجهاً للنخبة أو العلية، ولا لشريحة معينة؛ فالصغار والبسطاء والعامة مخاطبون بشكل مباشر, ولهم أهميتهم وقدرهم في خطاب لا تستهلكه الأحداث عن التوجيه والتربية العامة، كما لا يغيب عنها طرفة عين، كيف؟ وهو الصانع الرئيس لأهم الأحداث عليه السلام، والمشارك الأساس للناس في همومهم ومعايشة أدق التفاصيل في حياتهم.
ومن أعمق الملاحظات في وصف خطبه - صلى الله عليه وسلم - القول بأنها لغة (حوارية)؛ ممتلئة بكل أشكال تفاعل الناس والتفاعل معهم، والكثير الكثير من خطبه تجد أن أحداً يقوم فيسأل, وآخر يقوم فيستشكل، وثالث يشكو, ورابع يحكي..
وفي الصحيحين - فقط - من ذلك شيء عجيب, مثل حديث أنس, حينما كان صلى الله عليه وسلم يخطب, فدخل رجل فقال: يا رسول الله ألا تستسقي لنا؟!
فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقاهم الله, ثم في الجمعة القادمة دخل رجل؛ فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يمسكه عنا (أي: المطر).
ففعل صلى الله عليه وسلم، فأمسكه الله.
وفي خطبة عيد الأضحى, قام أبو برزة فقال: يا رسول الله إني ذبحت عناقاً.. إلخ وما أكثر الذين يقومون أو يدخلون من باب مسجده؛ فيسألونه وهو يخطب.
ومن ألطف هذا التفاعل نزوله - صلى الله عليه وسلم - من منبره وقد أَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ - رضي الله عنهما - عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ, فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا, فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ). ثم أكمل خطبته. كما عند أهل السنن وأحمد.
وهو صلى الله عليه وسلم بدوره كان يسأل ويوجّه, ويقيّم الذين لم يؤدوا تحية المسجد، ليعلم الناس أن هذه الخطب النبوية الشريفة تعايش واقع الناس, وتفهمه, وتوجهه إلى أرشد سبيل وأقوم نهج, بأسلوب علمي وعملي, دون أن تلحقه آفات التجريد والتنظير التي شغل بها بعض المعاصرين، أو سيئات التحزب والتصعيد التي فتن بها آخرون, وطريق الاعتدال هو بين الغياب عن هموم الناس وأحداثهم وبين أن تستهلكه مجموعة من الأحداث التي تفقده توازنه وتماسكه.
وأذكر لمّا دخل النظام البعثي الكويت صليت الجمعة مع أحد الخطباء، وكان الناس ينتظرون توجيهه حول الحدث والتعليق عليه، لكن فوجئت وفوجئ المستمعون بأنه كان يتحدث عن عذاب القبر, ولا أحد يقلل من قيمة الحديث عن ذلك, ولكن الموقف كان يستدعي نوعاً من الكلام المختلف، يتطلب شيئاً من التوعية والإضاءة للناس، فلو تكلم عن الإيمان أو التوكل أو الصبر أو أي شيء قريب من ذلك يمكن ربطه بالحدث؛ لكان أقرب إلى عقول الناس وحديثهم.
إن على من يريد توجيه الناس وإصلاحهم وبث الوعي الإيجابي ودعوتهم للإسلام أن يطالب نفسه باستخدام لهجة يفهمها الناس ويعرفونها، واستعمال أسلوب يتعاطى مع حسهم قبل أن يصف الناس بقلة الفهم وانحطاط الوعي والإدراك، وقبل أن يصفهم بالبعد عن الدين والعلم. إن اللغة السهلة القريبة الرقيقة هي جسر التواصل بين الخطباء والناس؛ فتأهيل الخطيب بفقه عام لأحوال الناس ولغتهم بُنْيةٌ أساسية لتحقيق فهم الناس للخطبة أولاً، وتفاعلهم واستجابتهم لها ثانياً، وهذا التأهيل أو قريب منه هو الذي اعترف به قوم صالح لنبيهم صالح عليه السلام، حين قالوا عنه: {يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} (سورة هود:62)، لقد كان (مَرْجُوًّا) لأنهم يعرفونه, وعاش معهم لحظات الوجود أولاً بأول، فكان خطابه محرجاً للجميع؛ لأنه جاء بالحق والدين والإيمان في واقع يعرفه جيداً, ولأناس هم قومه الذين عرفهم وعرفوه فكان (مَرْجُوًّا) فيهم.(11/57)
ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - خير من أثبت في خطبته معنى الاهتمام بمخاطبة الناس, حتى إنه كان يفرق صلى الله عليه وسلم بين فئات المجتمع, ويدرك الفروق، وفي الصحيحين قصة خطبته للنساء, ووعظه لهن, وتفاعل النساء وأسئلتهن له صلى الله عليه وسلم، فالنساء تقوم, فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستفسر وتستوضح في جو من التفاهم بديع.
وحتى منبره - صلى الله عليه وسلم - كان أرفع من الناس قليلاً, ليكون أقرب لشد انتباه الناس, واسترعاء اهتمامهم.
وكذا صوته صلى الله عليه وسلم، فلم يكن على وتيرة واحدة، فالطريقة الواحدة تبعث الملل، فكان يرفع صوته ويخفضه، ولذا كانت خطبة الجمعة خطبتين, بينهما جلسة قصداً لتيسير فهم الخطبة, والاستجابة لها.
ويقول جابر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب يرفع صوته ويخفضه, ويحمر وجهه, وتنتفخ أوداجه؛ كأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم ومسَّاكم. رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما.
وبالطبع فهذه ليست كل أحواله في خطبه، فهي تختلف في احتياجها لمثل هذا الشعور، فالموضوع والحدث يفرض أحياناً نوعاً من الاهتمام يختلف عن موضوع وحدث آخر.
لكن؛ بهذه الأوصاف جميعاً تدرك دقة المتابعة, ورقي الإحساس النبوي في الخطبة، وترى في الوقت ذاته غفلة بعض الخطباء عن هذه المعاني والأوصاف، وترى بُعدهم عن الهدي النبوي, فتشاهد إما طولاً مفرطاً, أو لغة رديئة، أو بعداً عن هموم الناس ومشاعرهم، أو ركاكة في التعبير، أو انفعالاً يبتعد عن سبيل الاعتدال الذي هو سمة هذه الأمة حين تُخاطب الناس, لتكون شهيدة عليهم, ومبلغة لرسالة الدين والحق, على خطى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (سورة البقرة: 143).
صحيفة الجزيرة السعودية
د مازن مطبقاني هذه حقيقة الفاتيكان
حوار : عبد الله بن محمد الرشيد
(مثل هذه الحملة ليست مستغربة إطلاقاً ولا جديدة على الفاتيكان) هكذا يكشف ضيفنا حقيقة الفاتيكان الذي يقوم بحملة شعارها (مليون ضد محمد) ، مؤكّداً أنّ ذلك ينبع من الحقد المتأصّل في نفوس النّصارى ضد المسلمين ، مشيراً إلى ألاعيب السياسة وراء هذه الحملة التي تتعاون مع دول الإرهاب للحرب على الإرهاب ، ويرى الدكتور مازن مطبقاني أنّ هذه الحملة ليست موجّهة للنّصارى فقط ، بل هي لجميع شعوب العالم ومنها الشعوب الإسلاميّة ، مؤكّداً أنّ المدّ الاستشراقي يلعب دوراً مهماً في تحريك مثل هذه الهَجَمات .
ويقول الدكتور مازن في ختام حديثه: "إنّه لا ينبغي أنْ نعوّل كثيراً على دور الحكومات العربيّة؛ فهي مشغولة بتثبيت حكمها، وتحقيق أدنى قبول شعبي لها ، وكيف نعوّل عليها وهي التي تفتح أراضيها لإرساليّات التنصير؟!
ويعزو الدكتور "ضعف التفاعل الشعبيّ العامّ" مع هذه القضية إلى وسائل الإعلام العربيّة التي ما فتئت تحارب ما يسمّى " بالأصوليّة الإسلاميّة "، وتروّج لأفكار الانحلال والانحراف .
والدكتور مازن صلاح مطبقاني أستاذ مشارك بعمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الدكتوراه في الدّراسات الإسلاميّة من قسم الاستشراق بكلية الدّعوة بالمدينة المنورة عام 1415هـ، وحصل قبلها على الماجستير في التاريخ الحديث من قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1406هـ. ويشرف حالياً على موقع في الإنترنت حول الاستشراق هو مركز المدينة المنوّرة للدّراسات وبحوث الاستشراق وعنوانه هو: www.mazen-center.8m.com
وله عدد من المؤلفات في دراسة الاستشراق والتنصير منها : الاستشراق المعاصر في منظور الإسلام ، و الاستشراق والاتجاهات الفكريّة في التاريخ الإسلامي ، و أصول التنصير في الخليج العربي( ترجمة عن الإنجليزية)
وحضر عدداً من المؤتمرات الدوليّة منها : المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلاميّة ، في تطوان بالمغرب عام 1997م ، و المؤتمر الدولي حول الاستشراق: الخطاب والقراءة بجامعة وهران عام 2001م وغيرها .
نشرت صحيفة "فليت إم زونتاج" الألمانيّة في عددها الصادر بتاريخ 30 مايو من عام 2004 م، مقالا بعنوان (مليون ضد محمد) ذكرت فيه أنّ للفاتيكان منظمةً اسمها "رابطة الرهبان لتنصير الشعوب" هي من أقدم منظمات الفاتيكان وأكثرها نفوذا وأقلّها شهرة، إنّها تعمل في كل مناطق العالم بما في ذلك المناطق التي يسمّونها مناطق "الصّمت"؛ كالسعوديّة واليمن والصين وفيتنام وكمبوديا . بداية نودّ أنْ نعرف مدى الامتداد التاريخي لهذا الهجوم العلنيّ ضد المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل رؤوس الدّيانة المسيحيّة؟ و بماذا تفسر تبني الفاتيكان لها وهي المرجعيّة الدينيّة الأولى لنصارى اليوم ؟وهل هذه العمليّة مستغربة وجديدة في تاريخ الفاتيكان كمؤسسة؟(11/58)
يجب ألا يغيب عن بالنا لحظةً ما ورد في القرآن الكريم حول موقف النصارى من الإسلام والمسلمين، ومن ذلك قول الله عز وجل( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبعَ ملتهم) [البقرة:120] وقوله تعالى ( يُرضُونكم بأفواههم وتأبى قلوبُهم)[التوبة:8] (قد بدت البغضاءُ من أفواههم وما تُخفي صدورُهم أكبر) [آل عمران:118]
إنّ جهود التنصير في محاربة الإسلام وأهله قديمة، وقد اتخذت عدة أشكال منها: العسكري،و الفكري، والثقافي، والاجتماعي. أمّا الفكري والثقافي فقد بدأ منذ وقت مبكر حين ظهر" يوحنا الدمشقي" يناظر المسلمين ويطعن في الإسلام ومعتقداته. واستمر النصارى يكتبون الكثير حول الإسلام، حتى إنّ الإنتاج الفكريّ في العصور الوسطى(الأوروبية) كثرت فيها هذه الكتابات، وكانت على درجة من السوء والتحيّز والتعصّب حتى كتب في ذلك "ريتشارد سوذرن" كتابه المشهور عن صورة الإسلام في القرون الوسطى، ثم جاء بعده "نورمان دانيال" في كتابه (الإسلام والغرب) وفيه نقد قويّ لما كتبه النصارى حول الإسلام في تلك الفترة.
وظهرت ترجمات لمعاني القرآن الكريم قام بها قساوسة وباحثون أوروبيّون كانت نماذج للحقد والكراهيّة. وقد صرّح الكثيرون منهم أنّهم بحثوا عن أسوأ الأوصاف والنعوت وأطلقوها على الرّسول صلى الله عليه وسلم. ومن نماذجهم القريبة القس البلجيكي- الذي عاش في لبنان- "هنرى لامانس" الذي نعت الرّسول صلّى الله عليه وسلم بشتى النّعوت البذيئة التي لا يليق بعالم أنْ يتلفظ بها لا أنْ يكتبها.
واستمرّت الهجمة على الإسلام والمسلمين وعلى شخصيّة الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى عصرنا الحاضر الذي تنشط فيه الكنائس الغربيّة ومؤسسات التنصير المختلفة، حتى إنّ بابا الفاتيكان الحالي قام بجولة في عدد من دول أفريقيا لتشجيع البعثات التنصيريّة على العمل وحدّد لهم الهدف بأنْ يعملوا على جعل أفريقيا قارة نصرانيّة بحلول العام 2000م، ولكن خاب ظنّه وتخطيطه. وقد مرّت ثلاث سنوات ونصف على هذا التاريخ ومازال الإسلام قوياً في أفريقيا، ويزداد الإقبال عليه. ولعلهم أدركوا استحالة تحقيق هذا الهدف، فغاظهم فقرروا خُطة جديدة لعلها تكون هذه الخُطّة التي نتحدث عنها الآن.
ومثل هذه الحملة ليست مستغربة إطلاقاً ولا جديدة على الفاتيكان الذي حرّض النصارى في القديم على القيام بالحَمَلات الصليبيّة، والذي تعاون مع قوى الاحتلال حديثاً، فلا يستغرب منه مطلقاً أن يشنّ الحملة تلو الحملة ضد الإسلام والمسلمين.
بحكم تخصصكم، ما هي دوافع هذه الحملة ضدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ وهل تنطلق من منطلق دينيٍّ بحت ؟ أم أنّ هناك دوافعَ سياسيةً في الموضوع؟
دوافع هذه الحملة وما قبلها من حملات هو الحقد المتأصل في نفوس النصارى ضد الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومع الدّوافع العقديّة من حقد دفين على الإسلام فهناك الدوافع السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. فإن كان الأوروبيون يزعمون أن جذور الفكر الغربي هي الجذور اليهودية-النصرانية فإن ما يقف ويقاوم هذه الجذور الفكريّة وينال القبول في أنحاء العالم هو الإسلام؛ لذلك لا بد من الحَمَلات المحمومة التي نحن بصددها وما سيتلوها، والتي لا تخرج أهدافها عن السّعي إلى هدم الإسلام والقضاء عليه، وذلك من خلال تشويه هذا الدين ومعتقداته وشريعته، وتشويه صورة نبيّه عليه الصلاة والسلام. وهذه الحملات تتوجه بالخطاب ليس للنصارى فحسب، ولكن لكل شعوب العالم ومنها الشعوب الإسلاميّة.
أما عن الدوافع السياسيّة لهذه الحملة فأمر مؤكد ذلك؛ لأن الارتباط بين التنصير والاستعمار قديم في حملات الكنائس وارتباطها بالحكومات الغربية. فأوروبا تؤكد على علمانيّتها في الداخل ولكنها تدعم كل نشاط تنصيريّ بالخارج؛ وبخاصة في بلاد المسلمين. وما زلت أذكر الكتاب الذي وفقني الله عز وجل لترجمته حول البعثة "العربية" التنصيرية التي كانت بقيادة صموئيل زويمر وزملائه الأربعة التي وصلت إلى الجزيرة العربية عام 1317هـ (1889م) واستمرت حتى عام 1394هـ(1974). وكانت هذه البعثة تعمل تحت حماية بريطانيا وأمريكا، حتى إنّ أحد مسؤولي الخارجيّة الأمريكيّة خاطب أحد رؤساء الدول في الخليج العربيّ بفظاظة وقسوة لعدم السماح للبعثات التنصيريّة بالعمل في بلاده!!
وهل هذه الحملة تخدم وتدعم المخطط التنصيريّ ؟ أم أنها تسبب تخريباً له بسبب نفرة المسلمين ممن يتهجّم على نبيّهم ؟(11/59)
لا بد أنّهم درسوا هذه الحملة دراسة عميقة ودقيقة قبل أن تنطلق، فلا شك أنها ستخدم أهدافهم وتحقّق لهم ما يريدونه؛ لأن الإعلام العربيّ الإسلاميّ منشغل باللهو والترفيه والتسلية في غالبه. ففي الوقت الذي تتعدّد القنوات الفضائيّة التنصيريّة ومحطات الإذاعة نجد أن الإعلام الإسلاميّ منحصر في عدد محدود من القنوات الفضائيّة وما يتبقى من خُطّة برامج المحطات الرسميّة العربيّة والإسلاميّة. فالقنوات الفضائيّة العربيّة التجاريّة تصبّ جامّ غضبها على الإسلام والدعاة المسلمين؛ لأنها تسير في رِكاب الإعلام الغربيّ في محاربته للإسلام، ولأنّ هذا الإعلام ارتبط الإسلام عنده بـ" التطرّف" و "العُنف" و "الأُصوليّة" مع أن الدّعاة المسلمين والحركات الإسلاميّة "في غالبيتها العظمى" تدعو إلى العودة الصحيحة إلى الإسلام وتطبيقه في شؤون الحياة كلها: العقديّة والتشريعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
أمّا أن الحملة سوف تسبّب تخريباً للمخطّط التنصيري لأن المسلمين ينفرون ممن يتهجّم على نبيهم فأمر يمكن أن يحدث لو كان المسلمون يدركون هذه الحملات ويعرفونها، ولو أنّ الإعلام الإسلاميّ يفضح ما يقولونه بالتفصيل. وإنْ حدث تخريب للمخطط التنصيري؛ فلأنّ هذا الدين محفوظ بحفظ الله له؛ ولأنّ الله عز وجل وعد بانتصاره (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون) [الصف:8]
توقيت هذه الحملة برأيك هل يحمل دِلالات معينة ؟ وهل لها علاقة بالحرب على ما يسمى "بالإرهاب" بحيث تكون هذه الحملة جانباً من جوانب هذه الحرب ؟
يجب أن ندرك أنّ الغربيين –عموماً- لا ينطلقون في أي عمل من أعمالهم إلا بعد دراسة وتنسيق، والتنسيق موجود بين الفاتيكان وقادة الدول الغربيّة، ولعلّ من آخر رؤساء الدول الغربية لقاءً للبابا هو الرئيس الأمريكي (بوش). وربْط الإسلام بالإرهاب أمر اتفق الغربيّون وبعض المتغرّبين عليه. ولو عدنا إلى الحملة التي انطلقت بعد الحادي عشر من سبتمبر لتأكّد لنا هذا الأمر، ولكنّهم وجدوا أنّ الإقبال على معرفة الإسلام وحتى الدخول فيه قد ازداد بعد هذه الحَمَلات؛ لذلك فكّروا في حملة جديدة للهجوم على شخصيّة الرّسول صلى الله عليه وسلم. وقد بدأها قساوسة ورؤساء كنائس في الولايات المتحدة الأمريكيّة. وها هو الفاتيكان يشاركهم في هذه الحَمَلات.
هل يمكننا أنْ نقول: إنّ هذا التحامل على النبي صلى الله عليه وسلم متركز أكثر في المذهب الكاثوليكيّ ؟ أم أنّه متأصل لدى المذاهب المسيحيّة الأخرى ؟
إنّ دارسي الاستشراق وبخاصة الفرنسي منه يؤكدون على أنّ الاستشراق الفرنسيّ الكاثوليكي هو أشد المدارس الاستشراقية قسوة وتطرّفاً وعنفاً في الهجوم على الإسلام وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم. ولو رجعنا إلى المواجهات بين العلماء المسلمين والمستشرقين الكاثوليك في الدول التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي لأدركنا حجم الخُبث الكاثوليكي الاستشراقي في هجمته على الإسلام. ويكفي مراجعة صحف ومجلات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر.
لقد وصل الأمر بالمحتلين الفرنسيين أو ما كان يُطلق عليهم (المعمّرين) أنّهم كانوا يطلقون على الخادمة اسم (فاطمة) فمن أراد أنْ يبحث عن خادمة يقول: إنّه يبحث عن (فاطمة).
والأمر لا يختلف بالنسبة للمذاهب النصرانيّة الأخرى فيكفي الرجوع إلى كتابات "مارتن لوثر" مؤسس البروتستانت لنعرف حجم الحقد والكراهيّة للإسلام والمسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم. وممّا يؤكد على العداء البروتستانتي هو ما نشاهده من بحوث ودراسات تقوم بها مؤسسات بروتستانتيّة ومراكز بحوث وأقسام علمية في هذه المؤسّسات لدراسة أوضاع المسلمين في أوروبا وأمريكا. فهناك دراسات واسعة قام بها مدير مركز العلاقات النّصرانيّة الإسلاميّة بجامعة "بيرمنجهام" ببريطانيا حول المسلمين في أوروبا. وكذلك ما قامت به جامعة نيويورك من عقد دورات لدراسة المسلمين في أوروبا. وقد عقد معهد دراسة الأديان بجامعة "ليدن" بهولندا مؤتمره السنويّ بعنوان (التغيرات الدينيّة في سياق متعدد) تركزت العديد من بحوثه حول المسلمين في أوروبا.
كيف ترى هذه المفارقة : منظمة يعمل تحت لوائها 85 ألف قسيس ، و 450 ألف جمعية دينية ، وأكثر من مليون مدرس يجوبون العالم كله، قرية قرية، ومدينة مدينة، وهي تملك 42 ألف مدرسة، و1600 مستشفى، و 6000 مؤسسة لمساعدة المحتاجين، و780 ملجأ لمرضى السرطان، و12 مؤسسة خيرية واجتماعية حول العالم . وتجيّش أكثر من مليون شخص لحسابها بحريّة مطلقة في حين أن المؤسسات الدعويّة و الإغاثيّة الإسلاميّة ، تحاسب حسابًا عسيراً ويضيّق عليها؟(11/60)
نعم إنّها لمفارقة كبيرة ومحزنة ما نشاهده من ضخامة الجهد التنصيريّ وسكوت العالم عنه، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لقيام بضع مؤسسات إسلاميّة إغاثيّة. نعم الأرقام التنصيريّة ضخمة، ولا يمكن مقارنتها بما يقوم به المسلمون، ومع ذلك فإنّ الغربيين وبخاصة أمريكا –زعيمة من يزعم محاربة الإرهاب- لا تتوقف عن محاربة الجمعيّات والمؤسسات الإسلاميّة. ولكنْ يجب ألا يغيب عن بالنا الدّعم الذي تلقاه المنظمات التنصيريةّ من الحكومات الغربيّة بينما يندر هذا التأييد من الدول الإسلاميّة للمنظمات الإسلامية الإغاثية والدعويّة. ومع كل ذلك علينا أن نتذكر أنّهم ينفقون هذه الأموال التي ستكون عليهم حسرة، ثم يُغلبون كما جاء في الآية الكريمة ( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون..) [الأنفال:36]
هل للمد الاستشراقي دور في إذكاء هذه المحاولات لتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل مازال الفاتيكان يستفيد من الاستشراق ؟ وما قولك فيمن يرى أن الاستشراق والحديث عنه أصبح جزءاً من فترة تاريخيّة ماضية ؟
نعم للمدّ الاستشراقي دور في هذه الحملات فالاستشراق –في الغالب- والتنصير وجهان لعمله واحدة؛ فالمُنَصِّر عندما يعمل في البلاد الإسلاميّة لا بد أن يكون مستشرقاً: عارفاً بالإسلام واللغات التي يتكلمها المسلمون، عارفاً بتاريخهم وعقيدتهم وثقافتهم. وقد انطلق الاستشراق في أصله ونشأته وجذوره من الكنيسة فمنها بدأ وإليها يعود.
ولا شك أنّ الاستشراق الإيطالي وعناية الفاتيكان به كبيرة. وهو مجال مازال بحاجة إلى دراسة عميقة لمعرفة ما يدور في الأوساط الاستشراقية الإيطاليّة. وحبذا لو قام المسلمون الإيطاليّون بمثل هذه الدراسات.
أما القول بأن الاستشراق والحديث عنه أصبح جزءاً من فترة تاريخية ماضية فلا يقول ذلك إلاّ شخصٌ لا يعرف الاستشراق، ولا يدري ما الاستشراق. يكفي الاطّلاع على مواقع أقسام دراسات الشرق الأوسط، والمعاهد للدراسات الإسلاميّة في الغرب ليدرك عمق الارتباط بين الاستشراق القديم المتمثل في كبار المستشرقين" ك جولدزيهر" و"مارغليوث" و"شاخت" و"كولسون" ليدرك أنّ الاستشراق قائم ومستمر. ولو بحثنا في المراجع والكتب التي يستقي منها خبراء الشرق الأوسط المعاصرين لأدركنا أنّ الاستشراق لم يمت وإنْ تمّ إدخال بعض التعديلات على أشكال الاهتمام وطريقة تناول قضايا العالم الإسلامي.
ولقد وجد المستشرقون في بعض أبناء البلاد العربيّة الإسلاميّة من يقوم بالمهمة نيابة عنهم في الهجوم على الإسلام وتاريخه وقيمه وأخلاقه.
بعد هذه الحملة التي تزعّمها الفاتيكان ضد النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، ما رسالتك إلى من يعتقد بجدوى حِوار الأديان ؟
حِوار الأديان أمر يتزعّمه الغرب في الوقت الحاضر، يزعمون به الرّغبة في التعرّف إلى العقائد الأخرى والتقريب بين الأديان، ولكنّ الأصل في الحِوار هو أنّنا أصحاب الدعوة الحقّ وعلينا أنْ ننطلق بدعوتنا إلى عُقر دارهم عملاً بقول الله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)[يوسف:108] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( بلّغوا عنّي ولو آية) وقوله صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فبلّغها إلى مَن لم يسمعها، فربّ مبلّغٍ أوعى من سامع، أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
نحن نملك الهداية والرحمة والخير للبشرية؛ فعلينا ألا نترك فرصة للحوار وبخاصة أنّ الله عز وجل يعلم أنّهم سيطلبون الحِوار والجدال فأمرنا ألا نجادلهم إلاّ بالتي هي أحسن( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن) [العنكبوت:46] وقوله تعالى ( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل:125]
أما حِوار الأديان في شكله الحالي فلا يخدم أهداف المسلمين؛ لأنّه يُعقد في سريّة و نادراً ما يحضره علماء مسلمون أقوياء، وهو لا ينطلق من أسس ثابتة مثل اعتراف النصارى أو المتحاورين النصارى برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الحِوار الحقيقيّ الذي ينطلق بين أنداد، فإذا كانوا لا يعترفون برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فأيّ حوار يمكن أن يكون معهم؟(11/61)
ولذلك لا ينبغي أنْ يكون الحِوار إلاّ من قبل مسلمين أقوياء في عقيدتهم عارفين بعقائد النصارى، وأن يكون الحِوار علنياً، فقد علمت أنهم يحرصون على سِرّية هذه الحِوارات مما لا يتيح للمسلمين إظهار ما عندهم من الحقّ الذي يعرفه النصارى كما يعرفون أبناءهم كما جاء في قوله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)[البقرة:146] وأكدّه أحد الإخوة الذين أسلموا في أمريكا، وكان يدرس اللاهوت وهو "روبرت كرين" (عبد الحق الفاروق) الذي كان مستشاراً للرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" حيث عرف زملاؤه إقباله على الإسلام فاجتمعوا به ليستنكروا توجّهه إلى الإسلام، وليقولوا له: " إنّ لديك مشكلة ونحن نريد حلّها" فقال لهم :" أنتم تعرفون أنّه ليس لديّ مشكلة، وإنّما أنا أتّبع الحق الذي تعرفون.." فما كان منهم إلا أنْ رضخوا للحقّ، واعترفوا معه أنّه على الحق وأن الإسلام هو الدّين الحق.
كيف تقيّم موقف الحكومات الإسلاميّة من هذا الهجوم الذي تبناه الفاتيكان ؟ وهل تتفق من أنّه جزء من الحملة بسبب دعمه للإرساليّات التنصيريّة ؟ و ما رأيك في البلاد التي فتحت أراضيها لوفودهم ؟
يجب ألا نتوقع الكثير من الحكومات الإسلاميّة فهي منشغلة بتثبت أنظمتها، وتحقيق الحد الأدنى من القبول من شعوبها. فكيف تتوقع منها أن تقوم بعمل حقيقي لوقف الهجمات التنصيرية. ولو كان الهجوم التنصيري على شخصيّة أحد الزعماء العرب المسلمين لكان الأمر مختلفا،ً لجُنّدت الطاقات الإعلاميّة الممكنة وغير الممكنة للذب عن عِرض هذا الزعيم.
نعم كثير من الحكومات الإسلاميّة فتحت أبواب بلادها للتنصير وأساليبه الخبيثة الماكرة، وعرفت ارتباط هذه البعثات التنصيريّة بالدول الغربية، وغضّت الطّرف عن ذلك. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ما واجب الأمّة المسلمة أفراداً ومؤسساتٍ تجاه نبيّها محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلى ماذا تعزو الضّعف الشعبيّ العام تجاه هذه القضيّة وانحسار التفاعل معها في أوساط نُخَبٍ معينة؟
واجب الأمّة الإسلاميّة كبير أولاً على المستوى المؤسّساتي، فهذه المؤسّسات يجب أن تسعى إلى تحريك الأفراد للعمل ضدّ هذه الحَمَلات بكتابة الخطابات والعرائض إلى الفاتيكان نفسه، وإلى الحكومات الغربيّة تستنكر وتندّد بكل مَنْ يحاول تشويه صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولنذكّرهم بالصورة العظيمة التي يقدّمها القرآن الكريم والسنّة المطهّرة لعيسى المسيح عليه السلام ولأمّه.
كما يجب على الإعلام العربيّ الإسلاميّ أن يتصدى لهذه الحملات فيوضّح تفاصيلها ومنطلقاتها والقائمين عليها، وأنْ يقدّم للمسلمين الحقائق عن الديانة النصرانيّة وما مرت به من تحريفات. لماذا يستخدم المنصّرون الإعلام بصورة قويّة؟ أمّا الدعوة الإسلاميّة فما زالت بحاجة إلى استخدام هذه الوسيلة أولاً في الدعوة إلى الخير وإلى الهداية والرّشاد، ثم الذبّ عن رسالة الإسلام وعن الرّسول صلى الله عليه وسلم.
أما على المستوى الفرديّ فإنّ على المسلم أنْ يتذكر قولة الصدّيق رضي الله عنه: "الله الله أنْ يُؤتى الإسلام وأنا حيّ" فجعل نفسه مسؤولاً عن الإسلام كله... فأين نحن من تحمّل المسؤولية؟! وإنّها لمسؤوليّة يجب أنْ يتحمّلها العلماء وبخاصة القادرين على الكتابة باللغات الأجنبيّة من فرنسيّة وإنجليزيّة وألمانيّة وإيطاليّة ليبعثوا إلى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وليرسلوا الرسائل إلى المواقع التنصيريّة التي تطعن في الإسلام وفي رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما الضّعف الشعبيّ العام تجاه هذه القضيّة فذلك لأن وسائل إعلامنا انشغلت بملء وقتنا بالتّفاهات والتّسلية والتّرفيه، فكيف بربك نهتم بالقضايا الكبرى ولا شغل للإعلام الفضائيّ سوى الفنانين والفنّانات والاهتمام بما يزعمونه "الإبداع في الغناء والرّقص والتّمثيل"؟! أين العناية بالإبداع في الكتابة والتأليف والدّفاع عن الإسلام وأهله؟!
===============================
درس في النصرة من سلمة بن الأكوع رضي الله عنه
الكاتب: د.عبدالوهاب بن ناصر الطريري
أوتي سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- بسطة في الجسم فكان أيدًا شديدًا ربما أغار على الجيش فهزمه وحده، وكان عدّاء لا يُسبق شدًا فهو متوافر القوة، متناسق الجسم واسع الخطو.(11/62)
وكان له خبر عاجبٌ يوم الحديبية حينما كانت الرسل تختلف بين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأهل مكة تهيئ للصلح الذي أزمع النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يعقده معهم، فلما كانت قائلة النهار ذهب سلمة إلى شجرة يستظل بظلها فكسح شوكها والتقط ما تناثر منها وهيأ لنفسه مقيلاً اضطجع فيه عند أصلها، فجاء أربعة من المشركين من أهل مكة فعلقوا سلاحهم على الشجرة وجلسوا يتحدثون ويقعون في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولقد كان أهون على سلمة أن يسمع سب أبيه وأمه من أن يسمعهم يقعون في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فآذاه ذلك غاية الأذى فترك الشجرة لهم وتحول إلى شجرة أخرى ليبعد مسامعه عن وقيعة أولئك المشركين في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فبينما هو كذلك إذ سمع صارخًا ينادي يا للمهاجرين.. قُتل ابنُ زنيم فظن سلمة أن المشركين نقضوا مسعى الصلح فاخترط سيفه ثم شدّ على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذ أسلحتهم فجمعها في يده ثم قال لهم: والذي أكرم وجه محمدٍ لا يرفع أحدٌ منكم رأسه إلا ضربته بالسيف، ثم جاء بهم يسوقهم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم جاء عمه عامر بتسعين من المشركين حاولوا مناوشة المسلمين يسوقهم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فنظر إليهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم قال: (دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثناه) أي: يكون لهم أول الغدر وآخره.. ثم عفا عنهم رسول الله –صلى ا لله عليه وسلم- وصرفهم. صحيح مسلم (1807).
إن في هذه القصة دلالات مهمة منها:
1- لا نعلم أحدًا أشد حبًا لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أصحابه الذين آمنوا به، واستنارت أعينهم برؤية محياه، وتعطرت أسماعهم بسماع حديثه، وصحبوه في أحوال حياته وتقلبات أموره، فاستكن حبه شغاف قلوبهم وخالط لحمهم ودمهم وعصبهم فيالله لسلمة –رضي الله عنه- وهو يسمع مسبّة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من رهطٍ من المشركين يشاركونه ظل الشجرة التي يقيل تحتها، فكم قاسى حينئذٍ من الألم النفسي، وكم تدفقت في دمائه زخات الحنق والغضب ممّا سمع، ولكنه كظم غيظه وسيطر على عواطفه ولم يفرط منه أي تصرفٍ انفعالي، مع أنه كان في عنفوان شبابه، وفي العشرين من عمره، لقد ترك لهم الظل الذي هيأه لنفسه وتنحى عنهم بعيدًا ليكون بمنأى عن هذا الإيذاء الذي لا يستطيع احتماله، ولم يمنعه أن يُنفذ غضبه ويشفي غيظ قلبه ضعف ولا عجز فقد كان الشجاعَ قلبًا، القوي بدنًا، السريع عَدْوًا، ولكنه تعامل مع مشاعره بانضباطٍ كامل، بعيدًا عن أي تصرفٍ يمكن أن يتداعى إلى تطوراتٍ غير محسوبة، وتحمل الألم النفسي باصطبارٍ جميل وبصيرة نافذة، وحتى عندما سمع الصارخ ينادي بما يدل على غدرٍ أو مقتلة لم يُبادر إلى قتل هؤلاء مع أن الفرصة كانت له مواتية، فقد علقوا أسلحتهم فهم عزل، ورقدوا بغير تهيئ أو احتراز، ولكنه اكتفى بسوقهم إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- ليكون التصرف من المرجعية العامة للمسلمين.
إن سلمة يُقدم للأمة من خلال هذا الموقف درسًا بليغًا في الانضباط وقيادة العواطف والسيطرة على مشاعر الانفعال. وعدم الاندفاع لردة فعلٍ غير محسوبة أو تصرف غير رشيد رغم قوة المؤثر وشدة الاستثارة.
2- كما يلفتنا التعالي الأخلاقي الذي تعامل به النبي –صلى الله عليه وسلم- مع هؤلاء الذين وقعوا فيه بالمسبة والتنقص، ومع التسعين الذين جيء بهم إليه وهم يحاولون مناوشة المسلمين، ومع ذلك عفى عن الجميع وتركهم يبوؤن بأول الغدر وآخره، وكان عفوًا نبويًا كريمًا حيث لم يصدر منه –صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء توبيخٌ أو ملاومة وإنما هو الخلق العظيم والصفح الجميل.
لقد كان أمام النبي –صلى الله عليه وسلم- هدفٌ كبير واضح، وهو أن يتم الصلح بينه وبين أهل مكة، ولذلك لم يسمح لهذه الاستفزازات المتكررة من رعاع المشركين أن تعرقل مساعيه أو تحرف وجهته عن هدفه، فكان أقوى من هذه الاستثارة، فحجمها بحجمها الطبيعي ضمن الحدث الذي يعايشه، والهدف الذي يصمد إليه، ولذا انتهى الأمر إلى ما أراد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فتم الصلح وكُتبت الصحيفة، وحصل بذلك الفتح المبين وعاد –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وآيات الله تتنزل عليه "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا".
إن عدم وضوح الأهداف وفقدان الخطة للعمل يجعل الأمة مرتهنة بردّات الفعل المتذبذبة. وإن الاستجابات الفردية غير المدروسة يمكن أن تعرقل مسيرة منطلقة، وتهدر فرصًا ضخمة، وتجهض أهدافًا كبيرة.
فصلوات الله وسلامه على من أنزل الله عليه الكتاب وآتاه الحكمة "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا".
======================
دروس الرسوم الدنماركية
الكاتب: رضي السماك(11/63)
مع أفول الشهر الفائت فبراير بدأ تدريجياً انحسار الاحتجاجات العنيفة والصاخبة التي اندلعت في معظم البلدان العربية والإسلامية ضد الرسوم الدنماركية البذيئة المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التي نشرتها صحيفة «بولاند بوستن» الدنماركية وأعادت نشرها صحف غربية وعربية عديدة، على أن ثمة دروساً بالغة الأهمية من هذه المعركة ينبغي الاستفادة منها واستلهامها من قبل مختلف الأطراف المعنية:
1 - رغم ما تبينه مظاهر الاحتجاجات الواسعة من عمق الأحاسيس والمشاعر الدينية لعامة المسلمين وقوة غيرتها على دينها، بما يؤشر على أهمية السلاح الديني إذا ما أحسن توظيفه عقلانيا في توحيد الشعوب الإسلامية ضد أعدائها والتفافها حول قضاياها المصيرية إلا أنه تبين في ذات الوقت التغييب الملحوظ لهذا السلاح للدفاع عن قضية المسلمين المركزية - القضية الفلسطينية - حيث بيت المقدس والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.
أكثر من ذلك ومما يثير الدهشة والعجب معاً أن تاريخا طويلاً من مخزون الممارسات الإسرائيلية واليهودية العنصرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، هو من البذاءة والحجم المتراكم بما لا يقارن البتة بما ظهر من ممارسات دنماركية، ومع ذلك لم يفعل هذا السلاح ولم نجد كل أشكال تلك الاحتجاجات ضد الرسوم الدنماركية ولا بقوتها، يكفي أن نشير إلى ما ظهر منها خلال المعركة الأخيرة بإعادة صحف إسرائىلية عمداً نشر هذه الرسوم، وقبلها بأشهر وتحديداً في أغسطس 2005 عثر على رأس خنزير وضعت عليه كوفية كتب عليها اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مسجد حسن بك في يافا، وقبل ذلك في يونيو من نفس العام قام حراس صهاينة في مسجد مجدو في فلسطين بتدنيس القرآن الكريم، أما الحالات المماثلة منذ ظهور الدولة العبرية على مدى نصف قرن ونيف فهي أكثر مما يحصى.
2 - بقدر ما تظهر معركة الاحتجاجات شموليتها العام الإسلامي فإنها تظهر بنفس القدر غياب التنسيق لتفعيل هذا السلاح الديني على نحو عقلاني، وذلك كما تجلى ليس في أعمال الحرق والاعتداءات التي طاولت الإعلام ومقار وهيئات دبلوماسية واقتصادية للدنمارك وبلدانا غربية بل وفي أخذ البرىء منها بجريرة المذنب، ذلك أن ثمة شركات دنماركية عديدة ليست فقط لاذنب لها في هذه القضية، التي تتضرر منها هي فحسب بل وقطاعات واسعة من العاملين الدنماركيين من بينهم مسلمون وعاملون عرب، لا بل إن الدنمارك هي أكثر الدول التي آوت واستضافت المطاردين، لاسيما من الجماعات الإسلامية، كما أن المعارضة الديمقراطية الدنماركية هي من أكثر من تصدى للرسوم المسيئة، ناهيك عن الفاتيكان والمجلس الأوروبي ورموز وقوى ديمقراطية عالمية عديدة في أوروبا والغرب مما يعني أنه من الخطأ البالغ وضع الدنمارك أو الغرب برمته في سلة واحدة.
3 - بيّنت المعركة بجلاء أن بعض الأطراف والجهات التجارية والأنظمة السياسية الشمولية لاتتورع عن توظيف الدين توظيفاً انتهازياً فجاً لخدمة مصالحها، الأولى لدغدغة مشاعر زبائنها رغم تورطها في أعمال الغش والغلاء الفاحش التي تتنافى مع الإسلام، والثانية لصرف أنظار شعوبها عن قضايا الإصلاح الآنية الملحة (طهران ودمشق وليبيا نموذجاً).
4 - رغم وجاهة ومشروعية الاحتجاجات ضد الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن هذه الاحتجاجات تكشف تدني الوعي الديني بخطورة ولا أخلاقية الإساءة إلى القيم والمبادئ الدينية الإسلامية الأخرى كحرمة حياة الإنسان، وذلك كما تجلى ابان الأزمة في غرق العبارة المصرية، ناهيك عن المذابح الجماعية العراقية اليومية بحق المدنيين الأبرياء على أيدي من يدعون الإسلام نفسه.
5 - شاءت المقادير أن تكشف الاحتجاجات ازدواجية المعايير لدى قطاع كبير من المسلمين، ففي الوقت الذي يدينون فيه الغرب «الصليبي» لتدنيس أو الإساءة إلى معتقداتهم فإنهم لايتورعون عن ممارسة هذه الموبقات تجاه مقدساتهم الدينية في العراق بتفجير القبة وحرق المساجد.
6 - مع أن الإسلام أكثر ديانات العالم في قيم التسامح فإن استمرار انفجار مخزون الغضب الذي ولدته الرسوم أظهرنا وكأننا نرفض الاعتذارات مهما تكررت ومهما كانت واضحة وحازمة.
7 - غاب الجدل العقلاني حول مرامي الصحف العربية والعالمية التي أعادت نشر الرسوم، فمنها من ابتغى ذلك استفزازاً ومنها من أراد إطلاع الرأي العام العربي أو العالمي على حقيقتها.. فالسؤال: أليس من حق الرأي العام العربي والإسلامي الاطلاع عليها ولو من باب الاحاطة قبل أن يتفجر غضباً من التسليم مقدماً ببذاءتها؟
صحيفة الشرق القطرية
========================
دفاعاً عن نبي الرحمة
نداء الحق والعدالة... عن لسان مُستشرق مُنصف!
د. زيد المحيميد*(11/64)
رداً على ما نُشر في الصحيفتين (يلاندز بوسطن) الدنمركية و(ماغازينت) النرويجية، من رسوم مسيئة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم... تجسدت بعض المعاني في خاطري دفاعاً عن نبي الرحمة وقد ارتسمت تلك المعاني على لسان مستشرق منصف يقول: أيها المدعوون.... (رسامو الكاريكاتير) في الصحيفتين، لقد آلمنا أشد الألم وبعث في أنفسنا نحن الباحثين من المستشرقين الشرفاء أشد المرارة لما بدر منكم، ومن أقلامكم (البريئة) منكم كبراءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب عليه السلام، فتصرفكم أرعن شاذ كشذوذ عقولكم وما اقترفته أيديكم من رسم شيطاني لرجل نعتبره من أعظم عظماء التاريخ، ولم يجد الدهر بمثله أبداً، والدين الذي جاء به أوفى الأديان وأتمها وأكملها، فلقد استطاع توحيد العرب بعد شتاتهم، وأنشأ فيهم أمة موحّدة فتحت العالم المعروف يومئذ، وجاء لها بأعظم ديانة حفظت للناس حقوقهم وواجباتهم وأصول تعاملهم، على أسس ومعايير دستورية تعد من أرقى دساتير العالم وأكملها، والكلام الذي سقناه ليس منقولاً من العرب، بل من كافة المنصفين، وإن أردتم كلاماً دقيقاً فأرعوا سمعكم لما قاله (مايكل هارت) في كتابه (مائة رجل في التاريخ)، حيث قال: (إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي)، وفي نفس المعنى يقول (سنرستن الآسوجي) أستاذ اللغات السامية، في كتابه (تاريخ حياة محمد): (إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمدٌ معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مُصِرَّاً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ...) ويقول المفكر الفرنسي المعاصر (بوازار) في كتابه (إنسانية الإسلام): (تسهم شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتصرفاته وأقواله في صياغة (الروح الإسلامية). فليس في البشرية كلها اسم أكثر شعبية وشيوعاً من اسم محمد أو معادله (أحمد) أو (محمود). وهناك عاطفة إجلال شعبي تكاد تتخذ صورة التفاني والوفاء الشخصي، تشكّل عنصراً من أكثر العناصر حفزاً في حياة الجماهير الإسلامية وتفكيرها، مساهمة في الحفاظ على نوع من التماثل الجوهري في المجتمع)، وفي هذا السياق يقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر) في كتابه (الشرقيون وعقائدهم): (كان محمد رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبيُّ بين ظهرانيها، فكان النبيُّ داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً، حتى مع أعدائه. وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية، وهما: (العدالة والرحمة)، من أجل هذا كله نطالبكم أن تعتذروا لأتباع محمد عما بدر منكم لا سيما أننا ندرك من عظيم أخلاق محمد أنه يقبل الاعتذار ويصفح عن الخطأ والجريمة، ومن ذلك اعتذار عبد الله بن الزبعري، الذي كان يؤذي محمداً بالبذيء من الكلام فلما أسلم قال شعراً:
يا رسول المليك إن لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أباري الشيطان في سنن الغي
ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربي
ثم قلبي الشهيد أنت النذير
ونحن نقول لكم (رسامو الكاركاتير) إن منفذ أقلامكم الضيق انطلق ما احتشد به من أفكار شيطانية في عقولكم المريضة، فبادروا بالاعتذار لرجل عظيم مات قبل 1400 سنة، وأقول لكم ما قاله أحد أصحاب محمد عندما قال:
هجوت محمداً، فأجبت عنه
وعند الله في ذلك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
وعلى هذا المنوال لنا في سيرة محمد خير برهان، فقد عفا عن قريش العدو الألد له، ومن تواضعه لربه أنه دخل مكة وهو متطامن حتى إن لحيته لتمس رحل ناقته تواضعاً لله وخشوعاً، فلم يدخل وهو الظافر المنتصر دخول الظَّلمة الجبارين السفاكي الدماء البطاشين بالأبرياء والضعفاء، لهذا فالمسلمون على امتداد التاريخ لم يكونوا قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستلاب والتدمير، بل كانوا على الضد من ذلك، أمة موهوبة، جليل الأخلاق والسجايا، تواقة إلى ارتشاف العلوم، محسنة في اعتبار نعم التهذيب، تلك النعم التي انتهت إليها من الحضارات السابقة. ويقول Zaborouriski (إن الجنس العربي مجمع عليه بأنه من أشرف الأجناس البشريه، ونحن معجبون كغيرنا من الباحثين، بعظمته وسمو استعداده، كعزة النفس وغيرها).(11/65)
(رسامو الكاريكاتير) يتعيَّن عليكم أن تتذكّروا أن المسلمين قد احترموا مشاعر غير المسلمين منذ عصور الازدهار والنهضة الإسلامية إلى يومنا هذا، عصر ضعفهم وعجزهم، ولم يشوّهوا نبياً من الأنبياء ولم يحتقروا أحداً من الناس، وأنتم أيها الضعفاء تفعلون ذلك! ألا تخافون عقوبة ولعنة ربانية، تنزل عليكم وعلى من سار على نهجكم؟! ويقول أحد علماء المسلمين السابقين (ابن تيمية) في تحليل تاريخي دقيق: (إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمُكِّن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَا به أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْارِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لمَّا حاصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحاصِرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه).
ثم إنكم (رسامو الكاريكاتير) لم تنتبهوا إلى مسألة مهمة قد يلحقكم من جرائها خسائر فادحة بسبب المقاطعة المحتملة لبضائعكم من قبل العرب والمسلمين، ذلك بأنهم يغارون على نبيهم أكثر من غيرتهم على أنفسهم... فإن لم يكن ثمة خلق يردع فليس أقل من عقل يعي ويسمع! وأخيراً أقول لكم، بحق هذه الأمانة، أمانة (القلم) الذي منَّ الله به علينا وجعلنا من أهله لنسهم به في كل ميدان إصلاح وتنوير... وأعرض عليكم (رسامو الكاريكاتير) أن تنتهوا عن أفعالكم المشينة، فما يفعل فعلتكم إلا ساذج أو أحمق. فبادروا بالاعتذار.... ثم نحن قد كتبنا ما كتبنا مجيبين لنداء الحق والعدالة، ومنصفين لا متحيزين.. متطلعين لغد أكثر إشراقاً وحوار حضاري أكثر ترسخاً وأطيب أثراً...
* أكاديمي سعودي
zeidlolo@hotmail. com
===========================
دور المرأة وفقه السنّة.. قبل الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلى الأحدب*
كنت من أوائل الذين كتبوا في صفحات الرأي منبهين إلى الخطأ الذي ارتكبه رئيس الوزراء الدنماركي بعدم إدانته للسخرية من رسول الله عليه الصلاة والسلام والتي قام بها بعض رسامي الكاريكاتير الدنماركيين، ويعود فضل السبق الذي أحرزتُه - بعد الله سبحانه - إلى صحيفة الوطن لأنها أول من نشر الخبر بالتفصيل منذ شهرين تقريباً مما دعاني إلى كتابة مقالي "لماذا الهجوم على الإسلام ورسوله؟" والذي نشر بتاريخ 5/12/2005؛ ومع أن "الوطن" تابعت تداعيات الخبر
وتتابعت معها مقالات بعض الكتاب والكاتبات حول نفس الموضوع، فإن بعض الذين استلّوا أقلامهم للدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام ما زالوا يهاجمون "الوطن" ويتهمونها بأنها تغريبية وأن أغلب كتابها علمانيون أو طابور خامس؛ ولكن الهجوم على "الوطن" وكتابها يهون إذا ما قورن بما تفوّه به هؤلاء على رموز الوطن نفسه؛ ومع أن بعضهم حاول التلطيف من أسلوبه لغاية في نفس يعقوب فإنه لم يفوّت الفرصة ليعلن أن وجود النساء في وفود خارجية قد يؤذي مشاعر بعض الشباب "المتحمس" لدرجة قد يقوم بها ببعض ردود الفعل غير المرغوبة، ويمكن بسهولة لمن يقرأ بعض ما كتب في مواقع الإنترنت الأصولية أن يعلم مدى تربص هؤلاء ليبرروا الأعمال الإرهابية التي تضرّ الوطن ويبرأ منها الدين.(11/66)
دعونا في البداية نناقش اعتراضاتهم لنرى مدى شرعيتها وخاصة أنهم ممن يتجلببون بعباءات الشرع، وبالطبع هذا النقاش ليس ليقتنعوا به، فهم قد آلوا على أنفسهم ألا يقتنعوا إلا بأفكارهم ما دام الدين - حسب رأيهم- حكراً عليهم ولا يعلمه إلا الراسخون في العلم من أمثالهم، لكن غاية النقاش أن يعلم بعض تلامذتهم مدى ضعف حججهم وضخامة غوغائيتهم؛ وتتمثل هذه الاعتراضات في تواجد النساء في بعض الوفود الخارجية وهو ما يعني اختلاطهن بالرجال وفي كشف وجوههن وفي سفرهن من غير محرم؛ وإذا بدأنا باصطحاب النساء في السفر فهي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، سواء كن أمهات المؤمنين أو غيرهن، ومن المعلوم أن بعض الصحابيات كن يتطاولن لنيل ذلك الشرف خاصة في الغزوات ومنها تلك التي حدثت بعد فرض الحجاب كغزوة خيبر وحنين، وإذا كان الجهاد في العهد النبوي تمثّل بعد استقرار الدولة المسلمة والتمكين لها في المدينة المنورة بالجهاد القتالي فإن أحد أهم أركان هذا الجهاد هو إعداد القوة المادية، وهو الركن المفروض على الأمة سواء كان التمكين لها أم لغيرها، أي سواء كان الجهاد القتالي مفروضاً عليها أم لا؛ وفي حال غياب هذا التمكين - كما هو حال المسلمين اليوم- فإن قوة الإيمان وحدها لا تكفي ولا بد من التماس القوة المادية سواء على الصعيد الداخلي بإعلاء قيم تماسك المجتمع أو على الصعيد الخارجي بفتح الأبواب الموصدة أمام المسلمين وهو ما يدخل في إطار السياسة الشرعية التي تصبّ في المصلحة العامة، وبالتأكيد فإن مصلحة المسلمين عامة - وليس مصلحة السعوديين فحسب- تكمن في تقديم نموذج مشرق لإسلام وسطي معتدل يعطي المرأة حقوقها في الأسرة والمجتمع، ولا يخفى على عاقل أن وجود النساء في تلك الوفود المبارك يتضمن إشارةً واضحةً لسياسة المملكة الإصلاحية في تمسّكها بالأصالة دون أن تعني تخلفاً عن ركب المعاصرة.
أما مشاركة النساء للرجال في بناء المجتمع فهي أصل موجود في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة، فالولاية بين المؤمنين والمؤمنات التي تدلّ عليها الآية الكريمة: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) لا يمكن أن تتحقق بدون هذا الالتقاء، ومن المعلوم أن ثمة ضوابط تحكم هذه المشاركة ومنها التزام المرأة باللباس الشرعي المكوَّن من الخمار الساتر للشعر والنحر، والثوب السابغ للجسد، وذلك لأن الإسلام يقوم على دعامتين: دعامة من الأخلاق الفردية كالغض من البصر، ودعامة من الأخلاق الاجتماعية كالتزام النساء بالاحتشام والعفة؛ وقد ذكرت في مقالات عديدة أن وجه المرأة ليس فيه فتنة إلا إذا نظر الرجل بشهوة، والأمر بالغض من البصر قد ورد في القرآن للرجال والنساء، أما إذا غطت المرأة وجهها وكفيها وتسربلت بالسواد العريض من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، لها، فعمّ يغض الرجل بصره؟ يجب أن نقول للمصرّين على هذا الفهم الخاطئ والذين يخشون على أنفسهم حتى من سواد الثياب: المقصود بالبصر هو الحاسة التي محلّها العين، وليس تخيلات الرجل وأوهامه وهواجسه بشأن ما غطّته الثياب السابغة، وذلك لأن الخيالات قد تعنو للمريض النفسي فيتخيل امرأة داخل ثياب معروضة في واجهة محل للأزياء، فهل نمنع عرض الأزياء في المحلات بما فيها العباءات السوداء؟ حاشا القرآن أن يقول كلمةً لا داعي لها، وحاشا القرآن أن يخطئ لأنه إذا كان المقصود تغطية الوجه في عبارة (وليضربن على جيوبهن)، لوجب أن تستبدل بعبارة (وليضربن على وجوههن) كما قال الإمام ابن حزم، ويكفي بالحديث المروي في البخاري:(لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين) دلالة على عدم اعتبار الوجه والكفين عورة داخل الإحرام حتى يكون ذلك عورة خارجه، ولمن قال بالإسدال فهو مجرد خيار لمن اعتادت في قبيلتها أو قومها ستر الوجه وليس فرضاً على جميع المسلمات.(11/67)
وأما الدليل على جواز سفر المرأة من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات؛ فهو ما رواه البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي في آخر حجة حجّها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن ونساء النبي على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك، وهذا يعتبر إجماعاً؛ وكذلك ما رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم فقد حدثه النبي عليه الصلاة والسلام عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع منارة في الأرض فكان مما قال:(فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد..) ويضيف الدكتور يوسف القرضاوي قاعدتين جليلتين: الأولى: إن الأصل في أحكام المعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد، كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له؛ والثانية: إن ما حُرِّم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حُرم لسد الذريعة فيباح للحاجة، ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حُرم سدا للذريعة؛ إضافة إلى أن السفر في عصرنا لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية محفوفا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم؛ بل أصبح السفر بواسطة وسائل نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات والسيارات الكبيرة أو الصغيرة التي تخرج في قوافل، وهذا يجعل الثقة موفورة ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة، لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن.
الغريب في الأمر أن بعض هؤلاء الإخوة المعترضين صفقوا للدكتورة ريم الطويرقي التي ظهرت في فرنسا بنقابها، ولكنهم تغاضوا عن كشفها ليديها، فما السبب؟ وعلى أي نص استندوا بأن الوجه له حكم غير حكم اليدين؟ بالطبع لا يمكن أن نجد جواباً لديهم خاصة أن التذبذب في أمر الحجاب موجود لديهم ولدى غيرهم، على سبيل المثال أبدى أحد الكتاب وجهة نظره باقتناعه بأن الوجه والكفين ليسا بعورة في إحدى مقالاته، لكن لما ظهرت صورة الطويرقي قارنها- في مقالة أخرى - مع الجالسة إلى جانبها فاعتبر الطويرقي رافعة رأسها شامخة في حين أن من بجانبها منكوسة الرأس، علماً بأن التي بجانبها التزمت بالحجاب الذي كان يدعو له في المقالة الأولى؛ وربما غاب عنه وعن غيره أن هذه السيدة ليست سوى الدكتورة سهير يوسف القرضاوي.
هذا التذبذب أو هذا الجهل - سَمِّه ما شئت - هو أحد أسباب تخلفنا ولكن السبب الرئيسي الذي لا يجعلنا نرتقي لدرجة شرف الدفاع عن أكرم الخلق هو أننا تركنا سنته في حسن الظن بالمؤمنين والابتعاد عن التنابذ والتفرق والتبديع والتفسيق والتكفير فوصفنا المختلفين معنا بالمارقين عن الدين أو الرويبضة أو منكوسي الرؤوس، واعتبر كل منا جماعته أو طائفته أو فرقته هي الجماعة السنية والفرقة الناجية والطائفة المنصورة، مع أن حديث اختلاف الأمة إلى بضع وسبعين فرقة حديث فيه كلام؛ ومع أن الله أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يبرأ ممن فرقوا دينهم شيعاً فقال جلّ من قائل:( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).
*طبيبة وكاتبة ومستشارة اجتماعية
============================
ذكر النبي الخاتم ووصف أمته ومكان دعوته ما زال بين سطور التوراة
الكاتب: الدكتور محمد عبد الخالق شريبة
قال الله تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[سورة الأعراف:157].(11/68)
في نسخ التوراة الحالية في سفر أشعياء الإصحاح 59 - 63 ، تحكي لنا التوراة عن صفات الأرض الجديدة التي ستكون موطنا للإيمان على الأرض ويستفيض النص في شرح صفات هذه الأرض ووصف النبي الخاتم الذي سيبعث فيها ووصف أمته .. وهذه الصفات قاطعة أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وموطن دعوته ووصف أمته ..وبالرغم من بعض الألفاظ الواضح إقحامها على النص إقحاما ؛ فإنه ما زال يشتمل على الصفات التي لا يمكن حملها إلا على مكة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته .. والنص يبدأ بإيضاح أن الظلم قد انتشر في الأرض ، وأن الخراب قد عم ربوعها ، ولم يبق بها إلا الشر والفساد ، وأن الله قد غضب على الناس وعلى بني إسرائيل الذين حادوا عن الحق ، واتكلوا على الباطل والإثم ، وكذبوا على الله .. ولذلك كان لابد من ظهور شمس أخرى ، وبزوغ فجر جديد لإعلاء الحق في الأرض.. وفي وسط ذلك الجو العام من السخط الإلهي والغضب على شعب إسرائيل وعلى ما صار إليه حال الأمم نجد إقحاما غريبا يفيد بأن الله راض عليهم وعلى نسلهم من بعدهم للأبد..هكذا بدون مقدمات!!،ثم يبدأ النص في الحديث عن الأرض التي سيأتي نورها ويشرق عليها مجد الله بينما الظلام الدامس يغطي باقي الأرض.. ويستفيض النص بما لا يدع مجالا للشك أن الكلام عن مكة ، وفجأة أيضا بدون مقدمات تجد إقحاما غريبا للفظ ابنة صهيون أو أورشليم!!.. والنص كله يظهر بوضوح أنه يتحدث عن الأرض الجديدة التي ستصبح معقلا للإيمان والصلاح على الأرض بعد خرابها وما حل عليها من ظلم وفساد وبعد عن طريق الله ، وعن الشعب الذي سيرث الأرض ، وعن نبي آخر الزمان الذي سيرسله الله ليصلح الأرض بعد فسادها وليبشر المساكين ويخرج الناس من الظبلمات إلى النور ، ولكي ينتقم به الله من أعدائه ويكون وسيلته للتعبير عن سخطه وغضبه على الأمم التي اتبعت الباطل والإثم وزاغت عن طريق الحق ..
59 :1 ها ان يد الرب لم تقصر عن ان تخلص و لم تثقل اذنه عن ان تسمع
59 : 2 بل اثامكم صارت فاصلة بينكم و بين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع
59 : 3 لأن ايديكم قد تنجست بالدم و اصابعكم بالاثم شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر
59 : 4 ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلون على الباطل ويتكلمون بالكذب قد حبلوا بتعب وولدوا اثما
59 : 5 فقسوا بيض افعى و نسجوا خيوط العنكبوت الاكل من بيضهم يموت والتي تكسر تخرج افعى
59 : 6 خيوطهم لا تصير ثوبا و لا يكتسون باعمالهم اعمالهم اعمال اثم و فعل الظلم في ايديهم
59 : 7 ارجلهم إلى الشر تجري و تسرع إلى سفك الدم الزكي افكارهم افكار اثم في طرقهم اغتصاب وسحق
59 : 8 طريق السلام لم يعرفوه و ليس في مسالكهم عدل جعلوا لانفسهم سبلا معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاما
59 : 9 من اجل ذلك ابتعد الحق عنا و لم يدركنا العدل ننتظر نورا فاذا ظلام ضياء فنسير في ظلام دامس
59 : 10 نتلمس الحائط كعمي و كالذي بلا اعين نتجسس قد عثرنا في الظهر كما في العتمة في الضباب كموتى
59 : 11نزار كلنا كدبة و كحمام هدرا نهدر ننتظر عدلا و ليس هو وخلاصا فيبتعد عنا
59 : 12 لان معاصينا كثرت امامك و خطايانا تشهد علينا لان معاصينا معنا واثامنا نعرفها
59 : 13 تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء الهنا تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا و لهجنا من القلب بكلام الكذب
59 : 14 وقد ارتد الحق الى الوراء و العدل يقف بعيدا لان الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول
59 : 15 وصار الصدق معدوما والحائد عن الشر يسلب فراى الرب وساء في عينيه انه ليس عدل
59 : 16 فراى انه ليس انسان و تحير من انه ليس شفيع فخلصت ذراعه لنفسه و بره هو عضده
59 : 17 فلبس البر كدرع و خوذة الخلاص على راسه و لبس ثياب الانتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء
59 : 18 حسب الاعمال هكذا يجازي مبغضيه سخطا واعداءه عقابا جزاء يجازي الجزائر
59 : 19 فيخافون من المغرب اسم الرب و من مشرق الشمس مجده عندما ياتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه
59 : 20 و ياتي الفادي الى صهيون و الى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب(!!!)
59 : 21 اما انا فهذا عهدي معهم قال الرب روحي الذي عليك و كلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك و لا من فم نسلك و لا من فم نسل نسلك قال الرب من الان و الى الابد
60 : 1 قومي استنيري لانه قد جاء نورك و مجد الرب اشرق عليك 60 : 2 لانه ها هي الظلمة تغطي الارض و الظلام الدامس الامم اما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى
60 : 3 فتسير الامم في نورك و الملوك في ضياء اشراقك
60 : 4 ارفعى عينيك حواليك و انظري قد اجتمعوا كلهم جاءوا اليك ياتي بنوك من بعيد و تحمل بناتك على الايدي
60 : 5 حينئذ تنظرين و تنيرين و يخفق قلبك و يتسع لانه تتحول اليك ثروة البحر و ياتي اليك غنى الامم(11/69)
60 : 6 تغطيك كثرة الجمال بكران مديان و عيفة كلها تاتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب
60 : 7 كل غنم قيدار تجتمع اليك كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحي و ازين بيت جمالي
60 : 8 من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام الى بيوتها
60 : 9 ان الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الاول لتاتي ببنيك من بعيد و فضتهم و ذهبهم معهم لاسم الرب الهك
60 : 10 وبنو الغريب يبنون اسوارك وملوكهم يخدمونك لاني بغضبي ضربتك وبرضواني رحمتك
60 : 11 و تنفتح ابوابك دائما نهارا وليلا لا تغلق ليؤتى اليك بغنى الامم وتقاد ملوكهم
60 : 12 لان الامة و المملكة التي لا تخدمك تبيد و خرابا تخرب الامم
60 : 13 مجد لبنان اليك ياتي السرو والسنديان و الشربين معا لزينة مكان مقدسي و امجد موضع رجلي
60 : 14 و بنو الذين قهروك يسيرون اليك خاضعين و كل الذين اهانوك يسجدون لدى باطن قدميك و يدعونك مدينة الرب صهيون قدوس اسرائيل(!!!)
60 : 15 عوضا عن كونك مهجورة ومبغضة بلا عابر بك اجعلك فخرا ابديا فرح دور فدور
60 : 16 و ترضعين لبن الامم و ترضعين ثدي ملوك و تعرفين اني انا الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب(!!!)
60 : 17 عوضا عن النحاس اتي بالذهب و عوضا عن الحديد اتي بالفضة و عوضا عن الخشب بالنحاس و عوضا عن الحجارة بالحديد و اجعل وكلاءك سلاما وولاتك برا
60 : 18 لا يسمع بعد ظلم في ارضك و لا خراب او سحق في تخومك بل تسمين اسوارك خلاصا وابوابك تسبيحا
60 : 19 لا تكون لك بعد الشمس نورا في النهار ولا القمر ينير لك مضيئا بل الرب يكون لك نورا ابديا والهك زينتك
60 : 20 لا تغيب بعد شمسك و قمرك لا ينقص لان الرب يكون لك نورا ابديا و تكمل ايام وحك
60 : 21 و شعبك كلهم ابرار الى الابد يرثون الارض غصن غرسي عمل يدي سأتمجد
60 : 22 الصغير يصير الفا والحقير امة قوية انا الرب في وقته اسرع به
61 : 1 روح السيد الرب علي لان الرب مسحني لابشر المساكين ارسلني لاعصب منكسري القلب لانادي للمسبيين بالعتق و للماسورين بالاطلاق
61 : 2 لانادي بسنة مقبولة للرب و بيوم انتقام لالهنا لاعزي كل النائحين
61 : 3 لاجعل لنائحي صهيون لاعطيهم جمالا عوضا عن الرماد و دهن فرح عوضا عن النوح ورداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة فيدعون اشجار البر غرس الرب للتمجيد
61 : 4 و يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الاول ويجددون المدن الخربة موحشات دور فدور
61 : 5 و يقف الاجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم
61 : 6 اما انتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام الهنا تاكلون ثروة الامم وعلى مجدهم تتامرون
61 : 7 عوضا عن خزيكم ضعفان و عوضا عن الخجل يبتهجون بنصيبهم لذلك يرثون في ارضهم ضعفين بهجة ابدية تكون لهم
61 : 8 لاني انا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم و اجعل اجرتهم امينة و اقطع لهم عهدا ابديا
61 : 9 و يعرف بين الامم نسلهم و ذريتهم في وسط الشعوب كل الذين يرونهم يعرفونهم انهم نسل باركه الرب
61 : 10 فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالهي لانه قد البسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة و مثل عروس تتزين بحليها
61 : 11 لانه كما ان الارض تخرج نباتها وكما ان الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برا و تسبيحا امام كل الامم
62 : 1 من اجل صهيون لا اسكت و من اجل اورشليم لا اهدا (!!!)حتى يخرج برها كضياء وخلاصها كمصباح يتقد
62 : 2 فترى الامم برك و كل الملوك مجدك و تسمين باسم جديد يعينه فم الرب 62 : 3 وتكونين اكليل جمال بيد الرب و تاجا ملكيا بكف الهك
62 : 4 لا يقال بعد لك مهجورة و لا يقال بعد لارضك موحشة بل تدعين حفصيبة وارضك تدعى بعولة لان الرب يسر بك وارضك تصير ذات بعل
62 : 5 لانه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس بالعروس يفرح بك الهك
62 : 6 على اسوارك يا اورشليم(!!!)اقمت حراسا لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام يا ذاكري الرب لا تسكتوا
62 : 7 ولا تدعوه يسكت حتى يثبت و يجعل اورشليم تسبيحة في الارض
62 : 8 حلف الرب بيمينه و بذراع عزته قائلا اني لا ادفع بعد قمحك ماكلا لاعدائك ولا يشرب بنو الغرباء خمرك التي تعبت فيها
62 : 9 بل ياكله الذين جنوه و يسبحون الرب و يشربه جامعوه في ديار قدسي
62 : 10 اعبروا اعبروا بالابواب هيئوا طريق الشعب اعدوا اعدوا السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب
62 : 11 هوذا الرب قد اخبر الى اقصى الارض قولوا لابنة صهيون هوذا مخلصك ات ها اجرته معه و جزاؤه امامه
62 : 12و يسمونهم شعبا مقدسا مفديي الرب وانت تسمين المطلوبة المدينة غير المهجورة
63 : 1 من ذا الاتي من ادوم بثياب حمر من بصرة هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته انا المتكلم بالبر العظيم للخلاص..(11/70)
63 : 2 ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة 63 : 3 قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي احد فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرش عصيرهم على ثيابي فلطخت كل ملابسي
63 : 4 لان يوم النقمة في قلبي وسنة مفديي قد اتت
63 : 5 فنظرت ولم يكن معين و تحيرت اذ لم يكن عاضد فخلصت لي ذراعي و غيظي عضدني
63 : 6 فدست شعوبا بغضبي واسكرتهم بغيظي و اجريت على الارض عصيرهم
والنص كله كما ترون يتكلم عن مدينة الله الجديدة ، وعن نبي آخر الزمان الذي سيبعثه الله ليرث الأرض هو وأمته ويقيم الحق فيها بعد انتشار الظلم والفساد .. ويخرج الناس من الظلمات إلى النور .. وينتقم به الله من أعدائه ..
والنص يستفيض في شرح الأحوال والظروف التي كانت تسود الأرض والتي سبقت بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – ( آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم.. أيديكم تنجست بالدم..حبلوا بتعب وولدوا إثما..فقسوا بيض أفعى..أعمالهم أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم ..ليس من يدعو بالعدل ويحاكم بالحق..أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم الزكي..طريق السلام لم يعرفوه..تعدينا وكذبنا على الرب..ارتد الحق إلى الوراء.. وصار الصدق معدوما..معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا..ننتظر نورا فإذا ظلام ضياء فإذا ظلام دامس.. فرأى أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع… ) وتلك الأحوال والظروف لم تجتمع كلها معا ، ولم تكن بهذا السوء إلا قبل بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بعد فترة من إنقطاع الرسل على الأرض ، وهذه الظروف لم تكن هكذا قبل بعثة المسيح عليه السلام ، كما أن قوله (فرأى أنه ليس إنسان) متوافق مع حال البشرية قبل بعثة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ، ولا يتوافق مع حالها قبل بعثة المسيح ؛ فالأرض لم تكن تخلو من الصالحين والمؤمنين الذين يدعون إلى الخير ، بل إن المسيح قد بعث في وجود يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) عليهما السلام.
وفي النص إشارة واضحة لما قام به علماء بني إسرائيل من تحريف الكتاب والكذب على الله 59 : 13(تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب)..
وفي النص إشارة إلى النور الذي سيشرق على الأميين في هذه الأرض 60 : 3 ( فتسير الأمم في نورك ) والأمم هنا ليست ترجمة لكلمة nations كما هو متوقع ولكن ترجمة لكلمة gentiles وتترجم بالعربية إلى الأميين وهم الأمم من غير أهل الكتاب ..ويقول قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ أن اليهود يستخدمونه على الأمم الأخرى من غيرهم ، فهم يعتبرون أنفسهم حملة الرسالات وشعب الله المختار ، ويقول أيضا أن اليهود يستخدمونه كمصطلح لاحتقار الأمم الأخرى من غير اليهود باعتبارها أمم وثنية .. وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم باعتبارهم أيضا من أهل الكتاب ، وهذا هو الحق عند المسلمين وهو أن هذا اللفظ كان يستخدم لوصف الأمم من غير أهل الكتاب قبل ظهور الإسلام كما يخبرنا القرآن الكريم :
(وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا). آل عمران 20.. (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) آل عمران : 75 ..وهم الذين بعث فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم- ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الجمعة 2 ..(الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) ..الأعراف 157.. (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف 158 ..
ونجد في النص إشارة واضحة إلى قوافل الإبل التي كانت تأتي من جنوب الجزيرة العربية والمشار إليها بمملكة سبأ 60 : 6 ( تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا ) وهذه النبؤة لم تتحقق للقدس ، بل تحققت لمكة ، ولابد لهذه النبؤة أن تكون قد حدثت بالفعل في الماضي ؛ فقد انتهى عصر الإبل وعصر القوافل..
وكذلك نجد في نص أشعياء السابق إشارة واضحة إلى نحر الذبائح (كل غنم قيدار تجبي إليك ،كباش نبايوت تخدمك ، تصعد مقبولة على مذبحي).
وذلك يؤكد أن الكلام عن مكة وليس بيت المقدس ؛ لأن القدس ليس لها علاقة بغنم قيدار بن إسماعيل الذي تنسب إليه قبائل مكة ، والذي يخبرنا الكتاب المقدس أنه قد سكن في بلاد العرب ( وحي من جهة بلاد العرب…يفنى كل مجد قيدار ).. كما أنه لا يخفى على أحد أن نحر الذبائح هو أحد مناسك الحج في الإسلام .
وفي النص السابق نجد إشارة واضحة إلى الطرق التي يسلكها الحجاج لأداء فريضة الحج :
60: 6 تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتى من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب.
60: 8 من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها.(11/71)
60: 9 إن الجزائر تنتظرني و سفن ترشيش في الأول لتأتي ببنيك من بعيد و فضتهم و ذهبهم معهم لاسم الرب إلهك.
فالأولى تتحدث عن الجمال ، والثانية يتعجب المتحدث من هؤلاء الطائرين كسحاب أو حمام ولا يعرف ما هم وهو إشارة واضحة إلى الطائرات ، والثالثة تشير إلى السفن.. و(ترشيش) لم يحدد قاموس الكتاب المقدس ما المقصود بها فقال أن هذا الإسم كان مشهورا أيام سليمان عليه السلام ، وقال أيضا أنه اسم كان يطلق على مكان في أسبانيا أثناء حكم العرب ، ورجح في النهاية أنه لفظ يطلق على كل السفن الضخمة .
وفي النص أيضا إشارة لصفة الصحابة رضي الله عنهم 61 : 9( و يعرف بين الأمم نسلهم و ذريتهم في وسط الشعوب كل الذين يرونهم يعرفونهم انهم نسل باركه الرب ) 61 : 11 ( لأنه كما أن الأرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برا و تسبيحا أمام كل الأمم)وهي الصفة التي ذكرها القرآن في سورة الفتح : (محمد رسول الله ، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ) ..
ونجد في النص إشارة إلى حدوث النصر والفتح على يد آبائنا الأوائل من المسلمين ، وإلى ما فعلهوه من تطهير الأرض وتنقيتها من الحجارة والأصنام 62 : 10(اعبروا اعبروا بالأبواب هيئوا طريق الشعب أعدوا أعدوا السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب)..
ونجد في النص إشارة إلى غير العرب الذين يبنون أسوار مكة 60 :10 ( وبنو الغريب يبنون أسوارك ) ، وكم من الأيدي العاملة الآن وذوي الخبرات من مختلف الأقطار يعملون فيها ، ويشيدون قلاعها تحت الأرض وفوق الأرض ..
ونجد إشارة واضحة إلى كثرة الثروات والكنوز التي سيمن الله بها على هذه الأرض60 : 5 ( تتحول إليك ثروة البحر ويؤتى إليك غنى الأمم ) ، والثروات والكنوز لم تكن للقدس أبدا ، وإنما لمكة التي تعد من أغنى بقاع الأرض..(1) لا أرى تفسيرا لجملة ( تتحول إليك ثروة البحر ) إلا تلك الكنوز البترولية الضخمة النائمة في قاع البحر الأحمر والخليج العربي والتي حولت الجزيرة العربية من صحراء قاحلة إلى بقعة تعج بالأموال والثروات .
وفي النص السابق أيضا إشارة إلى انتشار دولة الإسلام وتحولها من الضعف والقلة إلى القوة والكثرة ؛ فالأمة التي بدأت برجل ضعيف يدعو إلى ربه سرا متخفيا من أعدائه قد صار أمة قوية وملك الأرض من مشرقها إلى مغربها.. وبشر المساكين وأخرج من الحبس المأسورين .. وأخرج الناس جميعا من ظلمات الكفر والشرك إلى عبادة الله الحق .. وانتقم به الله من أعدائه وعزى به كل النائحين .. 60 : 22 ( الصغير يصير ألفا والحقير أمة قوية أنا الرب في وقته أسرع به ، روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي المسبيين بالعتق والمأسورين بالإطلاق لأنادي بسنة مقبولة للرب و بيوم انتقام لإلهنا لأعزي كل النائحين)..
وليخبرنا أهل الكتاب عن نبي اجتمعت فيه صفات التحول إلى القوة والكثرة بعد الضعف والقلة وجمع بين تبشير المساكين وتعزية النائحين وبين الانتقام من أعداء الله غير نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ..
ونجد إشارة إلى ميراث أمة الإسلام للأمم الأخرى61 : 6 (اما انتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام الهنا تاكلون ثروة الامم وعلى مجدهم تتآمرون) .. وليس أدل على ميراث أمة الإسلام للأمم الأخرى من أن أرض المشرق التي تشمل بلاد الشام والبلاد العربية وبلاد فارس ؛ تلك الأرض التي كانت معقلا لنشأة وانتشار الرسالات السابقة ، وتكاد تخلو الأرض الآن من عبادة الله إلا منها ، وتكاد تغطي الأرض نزعات الإلحاد والمادية والطبيعية فيما سواها ، والتي يكاد ينحصر كلام الكتاب المقدس نفسه بعهديه القديم والجديد عليها وعلى تاريخ الأمم والأنبياء بها..قد صارت كلها إسلامية!( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )!!
وفي النص أيضا إشارة واضحة إلى أن الناس سوف يقصدون هذه الأرض ويطلبون زيارتها ، وأنها ستكون الأرض المعمورة !! 62 : 12(وأنت تسمين المطلوبة المدينة غير المهجورة)
وليخبرنا الذين يحملون النبوءة على القدس : متى تحققت تلك الصفات للقدس في يوم من الأيام ؟!!
وهذه الصفات لا بد أن تكون قد تحققت بالفعل كما أوضحنا .. ولا معنى لما يدعيه اليهود من أن هذه النبؤة لم تتحقق بعد ، وأن هذا المخلص الذي سوف ينتصر لهم ، ويدوس العالم بقدمه ، ويلطخ بعصير الناس من غير اليهود ملابسه لم يأت بعد!!..وما زالوا منتظرين!!
ويخبرنا معجم الطرق القديمة ( إنشنت تراد روتس ) أن إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية ، وأنها امتدت من هذا الخط لتشمل كل الأراضي على الساحل الشرقي للبحر الأحمر ..(11/72)
وتجمع كتب الحديث على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يلبس حلة حمراء لم ير أجمل منه ولا أبهى منه أحد قط ، بل لم ير أجمل منه شيء قط!!..فقد روي عن البراء رضي الله عنه أنه قال في صفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : (لقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه) متفق عليه..
ولا يختلف أحد من الأولين والآخرين في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخرج في غزواته بنفسه وحوله قوته من الصحب الكرام رضي الله عنهم..
وتخبرنا كتب السير أن مدينة بصرى بالشام (بصرة كما ورد في النص ) وهي تنطق بضم الباء وهي مكتوبة في النسخة الإنجليزية هكذا :
(BUZRA )
تخبرنا كتب السير أنها كانت مركز تجاري هام يحصل منه أهل مكة على الملابس والبضائع وذلك عن طريق القوافل التجارية..
وأعود الآن لأطرح نفس التساؤل عن ذلك النبي الذي سيبعثه الله ويأتي آخر الزمان لكي يقيم الحق في الأرض ، ويستمر مجده ومجد مدينته إلى قيام الساعة ، وأكرر نفس السؤال الذي ورد في النص: من ذا الآتي من ادوم بثياب حمر من بصرة ؟ من هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته؟
هل يكون ذاك النبي هو موسى عليه السلام ؟!
بالطبع لا.. فموسى لم يأت من إدوم ، كما أن النص يشير لنبي يأتي بعد أن يعم الخراب في الأرض ، وينتشر الفساد في ربوعها ؛ فيبعثه الله لإصلاحها ، ويخبر النص أيضا أن مجده ومجد أمته يستمر إلى الأبد ، ولم يدع أحد أن موسى كان آخر الأنبياء ، مما يجعل حمل النص على موسى غير وارد على الإطلاق ..
هل يكون المسيح عليه السلام ؟!
بالطبع لا أيضا .. فالمسيح لم يأت من إدوم ، ولم يكن عليه السلام يرتدي ملابس مستوردة من بصرى ! ولم يكن له أيضا قوة عظيمة يخرج فيها..كما أن تلك الصفات لم يتحقق منها شيء على القدس بعد بعثة المسيح عليه السلام ؛ فلم تأت إليها الإبل من جنوب الجزيرة العربية!!! ولم تجتمع إليها أغنام قبائل مكة!!! ولم يحل بها أمن أو أمان ، بل إن أول ما حدث بعد رحيل المسيح عليه السلام هو اضطهاد تلاميذه وفررارهم في ربوع الأرض! ، وتاريخ القدس على مر العصور خير شاهد على الظلم والدمار وسفك الدماء ، ولا زالت القدس حتى الآن تعاني الجراح ، وتشتكي الآلام ، ولازال شعارها المرفوع دائما هو الأرض ( مقابل السلام!!) ..كما لم يزعم أحد من الأولين أو الآخرين أن الله قد بعث المسيح عليه السلام لكي ينتقم به من أعدائه أو ليدوس الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ويرش عصيرهم على ثيابه ويلطخ كل ملابسه !! ، وبذلك فلا يمكن حمل النص أيضا على المسيح عليه السلام..
إذن فمن يكون ذلك الأخير الذي بعثه الله لإصلاح الأرض بعد إفسادها ؟!!
من يكون ذاك الذي أيده الله بالقوة الروحية فبشر المساكين وعصب منكسري القلب ونادى المسبيين بالعتق والمأسورين بالإطلاق وعزى النائحين ، وأيده بالقوة المادية فانتقم من أعداء الله وداس الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ورش عصيرهم على ثيابه ولطخ كل ملابسه ؟!!!
من يكون ذلك البهي المتعظم في كثرة قوته ؟!!
من يكون إذن يا ترى ؟!!!!
ويعود النص ليؤكد أن الأمن والسلام هما شعار هذه الأرض ؛ فيخبر أن أبوابها تفتح ولا تغلق ، وأنها لا يظلم فيها أحد بعد اليوم ولا يحل بها خراب :
60: 11 وتنفتح أبوابك دائما نهارا وليلا لا تغلق ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم.
60: 18 لا يسمع بعد ظلم في أرضك و لا خراب أو سحق في تخومك بل تسمين أسوارك خلاصا وأبوابك تسبيحا .
وهذا الكلام لا ينطبق أبدا علي القدس كما قلنا.. أليست القدس هي أرض الظلم ، وأرض الخراب ، وأرض الحروب والنزاعات إلى اليوم؟!!
أليست تهدم البيوت بالدبابات ، ويقتل الغلمان بالرشاشات ، ولا تكاد تسمع فيها سوى صوت الانفجارات ؟!!
ثم إن أبوابها تغلق أكثر مما تفتح !!.
هل يصر الآن عاقل أن هذا النص يتحدث عن القدس؟!!
إذا أصر على رأيه فإن عليه أن يقتل التاريخ ، وإن لم يستطع أن يقتل التاريخ فليقتل حتى آرييل شارون!!!
أما مكة فهي الأرض المطمئنة ، والبلد المعمورة ، التي لا تقام فيها الحروب ، ولا تسفك فيها الدماء ، ولا تغلق أبدا أبوابها ، ولن تغلق أبدا ؛ لأنها الأرض التي وطأتها خير قدم ، واستظل بسمائها أكرم بشر ، وعاش عليها النبي المحمد ، الذي رفع الله قدره ، وأعلى شأنه .. حتى قبل أن يبعثه ..حتى قبل أن يخلقه ..حتى قبل أن يخلق العالم ..
EDOM
e’-dom
GEOGRAPHY
The country of Edom began at a line from the south end of the Dead Sea stretched to the Arabian desert areas to the east. From this line, Edom claimed all the land south to the Red Sea, and farther along the east coast of the Red Sea. How far south depended on daily politics, since it is nothing but desert for the most part. However,it included part of the Incense Route which extends farther south to Sheba the Yemen area today.(11/73)
نسخة مما ذكره معجم الطرق القديمة عن مملكة إدوم http://www.ancientroute.com/empire/edom.htm
وترجمته بالعربية :((إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق ، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضى جنوب البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقى للبحر الأحمر..والجزء الجنوبى من إدوم كان عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على جزء من طريق البخور يمتد جنوبا إلى شيبا والتي تمثل منطقة اليمن حاليا)) .
لمراسلة مؤلف المقال:
Doctor_abdelkhalek@yahoo.com
جميع حقوق الموقع محفوظة
لموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
==========================
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
الكاتب: د. جمال الحسيني أبوفرحة
روى البخاري في صحيحه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي". . وقال : "من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني".
وقد أساء بعض الناس – في رأيي - فهم هذين الحديثين وأمثالهما من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن رؤيته – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فضلوا وأضلوا؛ فظنوا أن كل من رأى في المنام أنه رآه فقد رآه حقيقة، وظنهم باطل؛ بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا صفاته.
وإنما معنى الحديث – في رأيي – أن من رآني على صورتي التي خلقت عليها فقد رآني؛ إذ لا يتمثل الشيطان بي؛ فلم يقل: من رأى أنه رآني، وإنما قال:" من رآني في المنام فقد رآني". وأنّى لهذا الذي رأى أنه رآه في منامه أنه رآه على صورته الحقيقية؟. ما لم يكن الرائي صحابيًا قد رأى النبي – صلى الله عليه وسلم- قبل موته.
فحتى صفته – صلى الله عليه وسلم– المروية في كتب الحديث والسير فهي من العموم الذي لا يمنع الاشتراك فيها معه، وليست كرؤية العين حتى يجزم الرائي برؤيته له – صلى الله عليه وسلم- .
ومن هنا فإن رؤيته – صلى الله عليه وسلم – في المنام آمرًا، أو ناهيًا، أو مظهرًا لحبه أو كرهه لشيء؛ لا يترتب عليها أي حكم شرعي: من وجوب، أو استحباب، أو إباحة، أو كراهة، أو تحريم، أو ولاء، أو براء – كما ظن بعض الناس؛ فضلوا وأضلوا – وإنما يعرض ما يكون من ذلك على القرآن والسنة؛ فإن وافقهما فبها ونعمت، وتكون الحجة هي الشريعة، أما الرؤيا فللتأنيس فقط ؛ وإن لم يوافق ذلك الشريعة رفض ولا شك؛ فإن الله تعالى لم يقبض إليه رسوله- صلى الله عليه وسلم – إلا بعد أن أكمل الدين، وأتم النعمة، وترك الأمة على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
د. جمال الحسيني أبوفرحة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com
======================
رب ضارة ناجعة
أ. د. عبدالله الربيعي
الفعل الذي ارتكبه دانمركي احمق تمثل بنشر رسوم لا تليق برسول البشرية صلى الله عليه وسلم اقول هذا الفعل جوبه برد فعل من المسلمين بدأ بمسلمي الدانمرك ومروراً بمشارق الأرض ومغاربها، معبرين عن سخطهم، لأن المساس برسول البشرية عليه السلام اعلان حرب على القيم والاخلاق والحرية باعتبارها عند الغرب «اعمل ما شئت شريطة ان لاتؤذي الآخرين». ولعلي اجمل القول عن اشكالية العلاقة بين الشرق والغرب منذ تنصر الرومان مروراً بالعصور الوسطى الى عصرنا الراهن:
م- في عام 313م اعترف الامبراطور الروماني البيزنطي قسطنطين الكبير بالنصرانية ديناً ضمن ديانات الامبراطورية وتنصرت امة هيلانة واكتشفت الصليب الحقيقي الذي صلب عليه شبه المسيح عليه السلام، الامر الذي جعل الامبراطورية البيزنطية تقوم على اساس عقدي نصراني، غير ان المؤرخين الغربيين رددوا مقولة: «لم يتنصر الرومان بل ترومت النصرانية» بمعنى ان الغربيين اعتنقوا ديناً شرقياً صاحبه ناصري من فلسطين، ولكن بأسلوب اوروبي فابتدعوا المذهب الكاثوليكي المفصل محلياً، وصوروا المسيح وامه عليهما السلام بملامح اوروبية استنكافاً منهم ان يعبدوا رموزاً شرقية.
ح- عندما غلب الفرس الروم في عهد هرقل (610-641م) عام 614م واحتلوا سوريا وفلسطين ونهبوا القدس بتواطؤ يهودي استهزأ كفار مكة من الرسول صلى الله عليه وسلم قائلين ان اصحابنا (المجوس) هزموا اصحابكم (اهل الكتاب) فنزلت سورة «الروم» تبشر بقرب انتصار النصارى على المجوس، وهذا يدل دلالة جلية على ان الإسلام ما جاء ليصفي اهل الكتاب بل جاء بحوار حضاري معهم لعلهم يهتدون واروني كتاباً مقدساً احتفل بانتصار الآخر مثل ما احتفل الإسلام بظفر الروم؟!(11/74)
م- عندما استعاد صلاح الدين القدس من المستعمرين الفرنج عام 583ه-1187م ارسل البطريرك الكاثوليكي من عكا فريقا دعائيا يجوب اوروبا رافعاً صورة فيها رجل عربي يرمز الى محمد صلى الله عليه وسلم يضرب المسيح عليه السلام، والدماء تنزف من المسيح، كما ارسل المركيز مونفيرا صورة لكنيسة القيامة، وبدأ فيها فارس مسلم يبول فرسه على قبر المسيح، هذه الصور بثت في اوروبا، واثارت النفوس واقبل الناس على جمع التبرعات للقيام بحملة صليبية ثالثة، وفرضوا ضريبة سميت ب«عشر صلاح الدين» وهكذا تحركت الجيوش الجرارة بقيادة اعتى قادة اوروبا فريدريك بربروسا الالماني وريتشارد قلب الأسد الانجليزي وفيليب اوغست الفرنسي وغيرهم من الادواق والكونتات والامراء ولاحظوا كيف كان رد الفعل الغربي جراء صور رسموها هم لا المسلمون، ولكم ان تقدروا حجم الكارثة لو فعل ذلك رسامون مسلمون؟
د- في عام 1215م اعلن الباب انوسنت الثالث عزمه على قيادة حملة صليبية خامسة ضد المسلمين في الشام وفلسطين وبث دعايات مضللة قائلاً: «ان المسلمين ينتهكون حرمة كنيسة القيامة، ويسخرون من الصليب» وقرر المجلس البابوي مقاطعة المسلمين بتحريم الاتجار معهم بناءً على اقاويل ولكم ان تتصوروا الامر لو حدث مثل ذلك فعلاً من بعض المسلمين علماً بأن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يستلزم الايمان بجميع الانبياء والرسل الوارد ذكرهم في القرآن المجيد وفي السنة النبوية الصحيحة.
ر- تعامل الآخر الغربي مع المفاهيم الإسلامية بأسلوب تحريفي متعمد، وسمت بعض قواميسه «محمد» «Mohamet» وتعني الشيطان، واطلق رجال الدين الغربيون علينا «عبيد سارة» وترجموا معاني القرآن المجيد حسب اهوائهم وانتشر في كتبهم في القرن السابع عشر روح الكراهية لرسول البشرية ووصفوه بالمزيف والشهواني المحتال، واثمر هذا العداء استعماراً اوروبياً لبلاد المسلمين.
س- وفي القرن العشرين شجعت مؤسسات ثقافية اوروبية عدداً من المسلمين والمسلمات على الخروج عن ثوابتهم، فظهرت روايات تمس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم واعتبر ذلك ابداعاً تحميه النظم الديمقراطية التي تقدس الحرية، ولكن عندما الف رجاء جارودي كتابه عن دولة اسرائيل حوكم وصودرت كتبه ولم ينعم بالحرية المزعومة!
ل- ولما دعي الى عقد لقاءات «حوار الاديان» ابدى علماؤنا تفهماً لهذا التقارب من اجل الاتفاق على قرارات تنفع البشرية مثل حماية الانسان في نفسه وعرضه وماله ودينه ومحاربة المخدرات ومقاومة المجاعات والامراض. ولكن ظلت هذه الامور اماني وكأن الآخر ينتظر تنازلاً من جهة المسلمين عن ثوابتهم كشرط للتفاوض اننا بحاجة الى مواصلة حوار الاديان من اجل خير الانسان، وان نتفق على احترام الاديان ونضع قوانين دولية تضمن ذلك تماماً كما اتفقنا على محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات وتبييض الأموال والجرائم الدولية.
أ- في الوت الذي ابتهجنا فيه باتحاد المسلمين ضد هذا التطاول فإننا ندعو الى استراتيجية بعيدة المدى لبناء مصطلحات فكرية تتفق مضامينها مع اصول الإسلام موجهة نحو الآخر فمصطلح «الرب» و«النبي» مختلف عندنا وعندهم فهم ينظرون الى مصطلحاتنا بخلفياتهم العقدية عنا. وعلى مراكز البحوث الإسلامية بما فيها العربية ان تتفق على كلمة سواء لمواجهة هذا التباين في المفاهيم ليتمكن غير المسلم من ادراك المصطلح الإسلامي كما هو في الواقع.
ل- القضية ليست اعتذارا من هنا او هناك وليست «حب اخشوم» القضية اكبر من ذلك وعلى القانون ان يدخل في القضية باعتبار ما حدث تعدياً على رمز دين عالمي، وعلى المجرم ان يحاكم ليتعظ غيره، كما ان على الشعب الدانمركي ان يحمي مصالحه، وينظر الى من تولى كبر ذلك كعدو لمصالح الدانمرك العليا، لأن من حق المسلمين ان يقاطعوا بضاعة قدمت من دولة سمحت لفئة قليلة منها ان تسيء الى رسولنا العظيم والمقاطعة عقاب عام وعلى المتضررين ان يتلمسوا مصلحتهم ليجدوها في ازالة السبب ومعاقبة المتسبب ووضع التدابير اللازمة لعدم تكرار هذه المهزلة.
ل- من الحكمة ان نحصر القضية في جهتها الاصلية ولاننساق نحو تعميمها وهذا ما ارادته «فرانس» - سوار» لأن المذنب مسؤول عن اصل عمله وما ترتب عليه من آثار ومنها النسخ والتصوير والانتشار. كما ارجو من المسلمين التزام النظام في تظاهراتهم وعدم تدنيس الاعلام التي تحمل رموزاً دينية لان ديننا ينهانا عن سب الاديان وحتى نحصر الامر في مصدره ولانعممه.(11/75)
ه- في فقرة (ه) وهو الحرف الاخير من عبارة «محمد رسول الله» اود الاشادة بالروح الإسلامية تجاه رسولنا العظيم رغم تعدد مذاهبنا ومشاربنا واتمنى ان تنمى هذه الروح من اجل مزيد من احاطة رسولنا بالاطار الذي اطره به ربه، وان يشمل هذا الحب كل جوانب هذه الشخصية الخاصة والعامة، وان يتجاوز هذا الحب اللحظة العاطفية الى اتخاذه قدوة لنا في كل شيء ومقتضيات هذا الحب ان نلتزم بأوامر محبوبنا ونجتنب نواهيه، ولعل وزراء التربية والتعليم المسلمين ومنهم العرب ان يقرروا مادة «السلوك» للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية مستقاة من السيرة النبوية وهي مادة تطبيقية يتعلم فيها الفتى اسلوب التعامل الحضاري مع الاسرة والمجتمع والآخر كما طبقه رسول البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأهل بيته الطاهرين وصحابته اجمعين واتباعه على الحق والحقيقة الى يوم الدين.
* استاذ العلاقات الحضارية - استاذ الدراسات العليا
كلية العلوم الاجتماعية، قسم التاريخ والحضارة
==========================
ربيع المتطرفين
نشرت جريدة الوطن في 10/1/1427هـ
حمزة قبلان المزيني*
من الحقائق التي يحاول إخفاءها المستفيدون من أزمة الرسوم المستهزئة بالرسول صلى الله عليه وسلم التي نشرتها صحيفة يولاند بوسطن الدنماركية أن هذا التطاول لا يمثل إلا المحطة الأخيرة في مسار طويل من الصراع "الثقافي" بين المتطرفين من المهاجرين العرب والمسلمين من جهة والمتطرفين من الأوروبيين من جهة أخرى. فيصور هؤلاء هذا الحادث كأنه جاء من فراغ وأنه لا أسباب له إلا العداء المتأصل للعرب والمسلمين الذي يتصف به الأوروبيون جميعا. والغرض من إخفاء هذه الحقيقة تصعيد ردود الفعل ضد هذا الفعل المغرِق في عدوانيته واستهتاره بمشاعر المسلمين.
أما الواقع فهو أن هذا الحادث سبقته حوادث كثيرة تشهد بوجود هذا الصراع الذي يمكن وصفه بـ "صدام الجهالات" بتعبير إدوارد سعيد. أما مسؤولية هذا الصدام فتقع على الفريقين كليهما.
وأحد منابع هذا الصدام الرئيسة ما أسهمت به نظرة المتطرفين الأوروبيين السلبية للمسلمين بسبب اختلافهم عنهم في اللون واللباس والمأكل والدين والعادات والتقاليد الأخرى وللخوف المَرَضي من الغريب عموما.
ومما رسَّخ هذه النظرة أن كثيرا من العرب والمسلمين لم ينجحوا في الاندماج في هذه المجتمعات الجديدة وظلوا على هامش الحياة اليومية. وزاد الأمر حدة حين سعى المتطرفون من العرب والمسلمين إلى تأكيد هويتهم بشكل لا يراد منه تأكيد الهوية بقدر ما كان مبعثه الرغبة في التمايز عن المواطنين الأصليين في الوطن الجديد.
ومما يدل على هوية هذا الجو الصراعي أن أكثر الفاعلين فيه من الجانب الأوروبي ينتمون إلى التيارات اليمينية أو من غلاة العلمانيين الذين يبالغون في تأكيد علمانيتهم نكاية بالمهاجرين الجدد وإيذاء لهم.
فمن التصرفات الحمقاء لهؤلاء تبنيهم لبعض المسلمين الذين يعلنون عداءهم للعادات والتقاليد الإسلامية؛ ومنهم النائبة الهولندية من أصل صومالي التي استحوذت على اهتمام التيارات اليمينية والعلمانية الأوروبية حين تنقصت من بعض المظاهر الثقافية الدينية للوافدين الجديد.
وزادت أحداث الحادي عشر من سبتمبر هذا العداء تأجيجا حتى وصل إلى مستويات غير معقولة.
وقد كشفت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية في عددها الصادر في 5/2/2006م، عن أوجه كثيرة لهذا الصراع المتأجج منذ زمن حتى وصل إلى حدود غير معقولة.
فمن شواهده صدور ما سمي بقانون "اختبار المسلم" الذي شرَّعه الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في إحدى الولايات الألمانية ليطبق على المسلمين الذين يتقدمون للحصول على الجنسية الألمانية ويقضي بسؤال هؤلاء عن آرائهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعلاقات المثلية وعما إن كانوا يسمحون لبناتهم المراهقات بالانخراط في دروس لتعليم السباحة.
ومنها في الدنمارك وصف بعض المعلقين "الثقافة الإسلامية" بأنها تتناقض مع ثقافة الدنمارك التنويرية ذات الأصول الأوروبية اليهودية المسيحية وهو ما يجعل اندماج المسلمين فيها مستحيلا.
كما صدرت مؤخرا سلسلة من القوانين الجديدة التي تتعلق بالزواج والجنسية وإلزام المسلمين بدراسة اللغة الدنماركية وتتبُّع الأئمة ومحاصرة نشاطاتهم.
وفي مقابل هذه الظواهر التمييزية قام بعض المتطرفين من المسلمين بما زاد هذه الأوضاع سوءا. ومن ذلك قتل أحد المتطرفين المسلمين للمخرج الهولندي ثيو فان جوخ الذي أخرج فيلما يصور فيه ما يرى أنه معاملة "سيئة" للمرأة في الثقافة الإسلامية.
ومنها أن الخلية التي خططت لهجوم الحادي عشر من سبتمبر كانت تتخذ من إحدى المدن الألمانية مقرا لها. يضاف إلى ذلك ما شهدته بريطانيا من سطوة التيارات الإسلامية المتشددة طوال السنين الماضية بقيادة متطرفين أمثال أبو حمزة المصري وأبو قتادة وغيرهما.(11/76)
وأشاعت هذه التيارات المتطرفة جوا من الخوف في هذه الدول، ويصور هذا ما يقوله محرر الشؤون الخارجية في صحيفة يولاند بوسطن من أنه "عُرض في الموسم المسرحي (الدنماركي) خلال الخريف الماضي ثلاثة عروض تضمنت نقد الرئيس الأمريكي جورج بوش أو السخرية منه، ومع هذا فقد خلا (الموسم) من أي عرض عن بن لادن" بسبب الخوف من ردود فعل المتطرفين من المسلمين هناك.
هذه هي إذن الأجواء المشحونة بالعداء بين المتطرفين من الجانبين التي حدث في سياقها نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. ففي هذه الأجواء المسمومة، كما تروي صحيفة الجارديان البريطانية، كان الكاتب الدنماركي كير بلوتجين يبحث عن رسام يساعده في رسم بعض المشاهد في كتاب للأطفال ألفه عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم. لكنه لم يجد أحدا يقوم بهذه المهمة خوفا من غضب المسلمين. وقد اعتذر أحد الرسامين خوفا من الانتهاء إلى مصير المخرج الهولندي ثيو فان جوخ. كما اعتذر رسامان آخران عن القيام بهذا العمل. إلا أن رساما آخر لم يعلن عن اسمه قام بذلك في نهاية الأمر.
وقادت مشكلة بلوتجين إلى إثارة النقاش في عدد من الصحف الدنماركية (ومنها صحيفة يولاند بوسطن) عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الصحافة الدنماركية في الرقابة الذاتية التي تفرضها على نفسها في تناولها لبعض القضايا الإسلامية، وما مصير حرية التعبير التي يتهددها هذا الخوف من ردود فعل المسلمين؟
ومن أجل التجريب لقياس رد فعل المسلمين طلب من اثني عشر رساما أن يرسموا رسوما ساخرة للنبي صلى الله عليه وسلم. وأجاز رئيس تحرير الصحيفة، كورتين جوست، نشر هذه الرسوم التي تعمد رساموها السخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم في عددها الصادر في الثلاثين من سبتمبر العام الماضي.
ولم يكن رد الفعل الأولي على نشر هذه الرسوم قويا إذ اقتصر على بعض الرسائل الغاضبة التي أرسلها بعض القراء للجريدة. لكنه في منتصف أكتوبر تلقى اثنان من الرسامين تهديدات بالقتل وهو ما أثار نقاشا غاضبا في البرامج التلفازية الدنماركية.
وكان عدم كفاءة القيادات الإسلامية في الدنمارك في معالجة هذه المشكلة بالأساليب القانونية وراء استفحالها. ويدل على ذلك فشلهم في رفع قضية في المحاكم الدنماركية، وهو ما دعاهم لإرسال وفد يحمل بعض تلك الرسوم إلى بعض البلاد العربية استنجادا بها. ولم يقتصر هؤلاء على ما نشرته الصحيفة من رسوم بل إن ثلاثة من أقذع الرسوم التي جاء بها هؤلاء لم تنشرها الصحيفة.
ويمكن أن نلحظ من خلال البرامج الحوارية التلفازية أن بعض القيادات الإسلامية الدنماركية تؤكد أن بعض الزعامات الإسلامية ذهبت بأمر هذه الرسوم إلى حد يفوق ما هو لازم. ومن ذلك ما كرره الإمام عبدالواحد الذي ظهر في عدد من هذه الحوارات (ويبدو أنه من أصول دنماركية)؛ فقد أكد في حوار شارك فيه مع رئيس وزراء الدنمارك أن ما سمعه من اعتذار رئيس الوزراء كاف، وأن المحكمة العليا قبلت أخيرا النظر في القضية التي رفعها بعض المسلمين ضد الصحيفة. وكرر الإمام عبدالواحد هذا في برنامج "الحدث" في إحدى القنوات اللبنانية، وأشار إلى أن اعتذار صحيفة يولاند بوسطن كاف واعتذار رئيس الوزراء، على ضعفه، كاف كذلك. كما اشتكى من أن المتطرفين اختطفوا هذه القضية وذهبوا بها إلى حدود غير معقولة.
ومن الملاحظ أن المتطرفين في العالم الإسلامي على مختلف انتماءاتهم وجدوا في أزمة الرسوم المسيئة للرسول الله صلى الله عليه وسلم فرصة ثمينة لتأجيج العواطف الدينية والوطنية واستغلال حب المسلمين لنبيهم إلى حد صار لا يسمح للأصوات التي تدعو إلى التعقل في حل هذه الأزمة بالتعبير عن نفسها.
فقد سخروا من التذكير بتسامح الرسول صلى الله عليه وسلم مع من أساء إليه من أجل أخذ العبرة في معالجة هذه الأزمة ووصموا من يرى معالجتها بالطرق السلمية والحكيمة بأبشع الأوصاف واتهموه بخيانة الأمة وعدم محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كما سخروا من اقتراح عدم تعميم الإدانة على الدنماركيين وعدم إلحاق الضرر عن طريق المقاطعة الاقتصادية بمن ليس له يد في هذه الجريمة.
ووصل تطرف هؤلاء إلى أن يؤكدوا في منتدياتهم الإنترنتية أنه لا يمكن قبول اعتذار الدنمارك مهما كان، وأصدر بعضهم فتاوى بقتل الرسامين، أو جلبهم للمحاكمة في البلدان الإسلامية. ويشاركهم في ذلك السفيرة المصرية السابقة في الدنمارك التي كانت تخشى أن يعتذر رئيس وزراء الدنمارك عن إساءة الصحيفة!
وتوفر هذه الأجواء الساخنة جوا طالما حلم المتطرفون بخلقه وسعوا إلى إيجاده، وهو الذي يستطيعون فيه تنفيذ برامجهم للسيطرة على المجال العام؛ فهو ربيعهم!
وقد رأينا ما آلت إليه الأمور في المظاهرات التي اجتاحت السفارتين الدنماركيتين في دمشق وبيروت والتدمير الذي لحق بهما واستنكره حتى الذين قادوا تلك المظاهرات.(11/77)
ومن نتائج التطرف في معالجة هذه الأزمة أن صار المسلمون الآن في موقف الدفاع بعد أن كانوا في موقف قوة. وأصبحوا يعتذرون للدنمارك بدلا من اعتذارها لهم.
وتوجب هذه الحادثة وردود الفعل الغاضبة عليها أن يقف العقلاء من الغربيين ومن العالم الإسلامي صفا واحدا لانتزاع زمام المبادرة من أيدي المتطرفين من الجانبين الذين يريدون أن يقودوا العالم إلى "حرب جهالات" ساخنة لا تبقي ولا تذر، وأن يرسموا خططاً محكمة بعيدة المدى للتصدي للمشكلات التي صارت في الوقت الحاضر أسبابا يمكن أن تشعل حرائق مدمرة في كل مكان.
*كاتب وأكاديمي سعودي
========================
ردع التطاول على النبي.. أسبقية عقدية ودبلوماسية وإعلامية
الكاتب: زين العابدين الركابي
بتاريخ: 01/23/2006
هذه تحية من (نوع مختلف): تحية معجونة بالحقد والكراهية وانتهاك (حقوق الآخر) ـ الذي هو مسلمو العالم ـ أي تحية هذه؟..
لقد نشرت مجلة (مسيحية) نرويجية رسما هازلا ساخرا هازئا (كاريكاتير) لنبي الاسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومتى؟
أول أيام عيد الاضحى. بالضبط يوم الثلاثاء 10 ذي الحجة (10 يناير ايضا)، أي في ذات اللحظات التي بدا فيها مسلمو العالم يبتسمون لإشراقة باكورة أيام عيدهم. وكأنّ هذه المجلة ومن وراءها، قد تعمدوا تهنئة المسلمين بتوجيه الاهانة الى نبيهم المحبوب.. وكانت صحيفة دانماركية قد مارست الفعل ذاته من قبل، بل ان الفعل الثاني (محاكاة) للفعل الاول: وفي كل شهر.
ولو كنا (كافرين) بالمسيح عيسى ابن مريم، لطالبنا رسامي الكاريكاتير في العالم العربي الاسلامي برسومات تستهزئ به، بناء على قاعدة (المعاملة بالمثل). ولكن هذا الطلب ممتنع أبدا من حيث انه (كفران) مبين بالنبي محمد نفسه، صلى الله عليه وسلم. فالتفريق بين الانبياء في الايمان بهم، بمعنى الايمان بنبي والكفر بآخر، انما هو كفر حقيقي وصريح بهم جميعا: «إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا».. يُضم الى هذا الفيصل الايماني: موجب عدلي.. وموجب اخلاقي. اما الموجب العدلي فهو ان المسيح ـ صلى الله عليه وسلم ـ بريء من التهجم على أخيه محمد. وكيف يتهجم عليه وهو الذي بشر بمجيئه: «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد».. وأكابر اهل الكتاب كانوا يعلمون هذه الحقيقة ويجهرون بها. فعندما سمع النجاشي القرآن النازل في حق عيسى وأمه مريم، من الوفد المسلم المهاجر اليه قال: «اشهد انه رسول الله وانه الذي نجد في الانجيل وانه الذي بشر به عيسى ابن مريم».. وحين سمع هرقل ملك الروم، وصف النبي من أبي سفيان بن حرب، قال هرقل: «ان يكن ما تقول فيه حقا، انه لنبي، وقد كنت اعلم انه خارج».. والانجيل هو مصدر علم هرقل.. ومن هنا: ليس من العدل: ان يحمّل المسيح مسؤولية ما لم يفعل، وما لم يرض.. واما الموجب الاخلاقي فهو: ان المسلمين يحملون (مسؤولية اخلاقية) مطلقة ودائمة تجاه الانبياء والمرسلين.. مسؤولية اخلاقية تتمثل في الدفاع عن مقامهم وجلالهم وكرامتهم وسمعتهم وحقوقهم التي تنبغي لهم. ولذا فإن قاعدة (المعاملة بالمثل) في هذا المقام: معطلة أبدا، بل ملغاة بإطلاق، فلا يحل لمسلم: رسّام او كاتب او غير ذلك: ان يهزأ بنبي الله عيسى ابن مريم، ولا بأي نبي آخر.
بيد ان استحالة (المعاملة بالمثل) ـ للاسباب العقدية والاخلاقية التي ذكرت ـ لا تعني الصمت وابتلاع الاهانة. فالتطاول السفيه على مقام خاتم الانبياء والمرسلين، ليس مسألة يمكن الاغضاء عنها، ولا التساهل فيها. ذلك انها (قضية عقدية مبدئية كبرى) تنتظم منظومة من القضايا التي تُعد كل واحدة منها: أسبقية فكرية وثقافية ودبلوماسية وحضارية.
1 ـ قضية: ان عدم وجود (ردع) فكري ودبلوماسي واعلامي يشجع على ارتكاب المزيد من السفاهات ضد نبي الاسلام.
فبالأمس تطاول سفهاء في الدانمارك. واليوم يتطاول سفهاء في النرويج.. ومن المحتمل ان يتبعهم غيرهم: ما لم يحصل (ردع) فكري ودبلوماسي واعلامي، يشعر السفهاء ودولهم: انهم يدفعون ثمنا باهظا بسبب هذا التطاول: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض».
2 ـ قضية (حق الشعوب المسلمة) في ان يحمي حكامها وقادتها عقائدها ومقدساتها من العدوان، ليس بحرب تقليدية، ولا بحرب نووية. فهذا أمر غير وارد، لا من حيث الامكان، ولا من حيث الحاجة اليه. وانما يتعين على قادة الشعوب المسلمة: ان يحموا عقائدها ومقام نبيها بـ(الطرق السلمية) المستطاعة: بالردع الاعلامي المبرمج.. وبالحركة الدبلوماسية الجادة النشطة، بما في ذلك: الاتصالات المكثفة والاحتجاج بالبيانات الواضحة الحازمة عن طريق السفراء، او وزراء الخارجية، بالتحرك الجماعي او الفردي.(11/78)
3 ـ قضية (الاستفادة) من اليهود في مواقفهم من كل ما يمس مقدساتهم ومعظماتهم.. نعم. على المسلمين ان يتعلموا من اليهود في هذا المجال: ان يتعلموا منهم (يقظة الذاكرة)، ورهافة الحس، وسرعة المبادأة. طبعا مع إسقاط (الزوائد الباطلة) مثل الدس والمبالغة والافتراء والابتزاز والانتقال من (حق الدفاع عن النفس) الى (باطل ظلم الآخرين).
ثمة ما يشبه (الحصانة) لكل ما هو يهودي في عالمنا هذا.. وبلوغ هذا المستوى من التقدير لكل ما هو يهودي، لم يأت بلا جهد.. وانما تحقق بـ:
أ ـ وضوح الهدف.
ب ـ الايمان الراسخ بالقضية.
جـ ـ النشاط المتدفق الوثاب.
د ـ التناغم في حركة الفريق: جيئة وذهوبا، دفاعا وهجوما، تركيزا لجهد الذات، او تشتيتا لجهد الفريق المقابل المنازل.. وبديه ان اليهود لا تؤيدهم الملائكة، وليس معهم جن سليمان، ولا يعملون بـ (خوارق العادات). ولكنهم قوم آمنوا بقضيتهم، وبذلوا اقصى نشاطهم في خدمتها.. وهذا (نموذج حي) وماثل، يمكن ان (ينشّط) المسلمين: حكاما وشعوبا، وان يريهم: كيف يكون الدفاع المتصل عن القضايا، مع حذفه مضامين الافتراء والظلم كما قلنا.. وهذا (نوع من الحكمة العملية) الانسانية التي يتوجب على المسلمين: الانفتاح عليها بثقة، ورؤيتها بوضوح، والتقاطها بذكاء واستثمارها بحرص.. وفي الحديث النبوي الصحيح: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».
4 ـ قضية ان الدفاع عن الانبياء والمرسلين: مضمون كل اساس، ومقصد رئيسي من مضامين القرآن ومقاصده: ومن ذلك: كف الاذى والاستهزاء عن الانبياء والمرسلين.. مثال ذلك:
أ ـ «وكم أرسلنا من نبي في الأولين. وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون. فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين».
ب ـ «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها».
جـ «والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم».
5 ـ قضية: انه لا قيمة ولا كرامة لأي انسان: اذا أهين الانبياء والمرسلون. ذلك ان النبيين هم (قمة النوع الانساني) وخلاصة رصيد الانفس والاعلى والانبل في الطهر النفسي، والسمو الاخلاقي، والتحقق بـ (الانسانية الكاملة) او الكمال الانساني. ومن هنا، فأيما إهانة توجه اليهم ـ ولو في صورة واحد منهم ـ انما هي اهانة تشمل الناس كافة. فالمتطاول على مكانة (الاعلى) انسانيا واخلاقيا. يسهل عليه ـ بداهة ـ انتهاك كرامة من هو ادنى من الانبياء في هذا المجال.. ومن دون انتقاص من مقامات النبيين، فإن الناس قد تعارفوا على ان اهانة رأس الدولة تعني اهانة الشعب او الامة كلها.
6 ـ قضية (تقويض) أسس (حوار الاديان) او حوار الحضارات. فكيف يحاور المسلمون اقواما يسخرون ممن كان سببا في وجودهم المعنوي والمادي، وسببا لسعادتهم في الدنيا والآخرة وهو: نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!.. ويتعين ان يتفطن لهذه الحقيقة المنهجية (دراويش) الحوار في الطرف الاسلامي لئلا يجمّلوا وجه من يهدم اسس الحوار بالتطاول على خاتم الانبياء والمرسلين.. وقد يقال: ليسوا جميعا يفعلون ذلك.. والرد في القضية القادمة رقم (7).
7 ـ قضية: سكوت الكنائس ورجالها.. حقيقة: لماذا هذا السكوت؟.. ان أسباب السكوت الطويل: اما عدم العلم بالتطاول على نبي الاسلام.. وهذا احتمال مستبعد.. واما حسبان هذا التطاول امرا ثانويا هامشيا لا يستحق الاكتراث. وهذا موقف لا يقفه رجال دين: المفترض فيهم تعظيم الانبياء، او احترامهم على الاقل.. واما ان يكون السبب هو الرضى والتواطؤ.. ومن هنا ننفذ الى القضية الثامنة.
8 ـ قضية: ان الرضى بهذا السلوك السفيه: يرفع معدلات (التوتر الديني/ في العالم، وهو توتر يؤجج التطرف، ويضرب السلام العالمي في مقتل.. نعم. فالسلام العالمي لا تهدده ترسانات السلاح النووي فحسب، بل تهدده (الغام دينية) شديدة الانفجار، تتكون (عبواتها) من التوترات الدينية التي تستمد خميرتها من الغضب العاصف على ما يمس المقدسات ورموزها العليا.. في النمسا نصبت لوحات عليها رسومات تخدش شخصيات اوروبية منها اليزابيث: ملكة بريطانيا، وجاك شيراك رئيس الجمهورية الفرنسية، ولم تكد اللوحات تظهر حتى ماجت بريطانيا وفرنسا واوروبا كلها بالغضب.. وفي ساعات قليلة أزيلت اللوحات المسيئة.. فهل يتصور عاقل: ان غضب المسلمين لنبيهم أقل من غضب الانجليز والفرنسيين لملوكهم ورؤسائهم!.(11/79)
9 ـ قضية: نقض (الدروشة) في رفع الشعار المستهلك: شعار (الآخر). فقد اندفع أناس من المسلمين يرفعون هذا الشعار رفعا جلدوا به الأمة العربية الاسلامية بحسبانها هي (الرافض) الاعظم للآخر. ولسنا ننفي ان بيننا غلاة يفعلون ذلك. لكن جلد الامة كلها بسبب هذه التهمة، سلوك فيه من الافتراء والبهتان والجور ما فيه، بدليل ان هذا الآخر الذي يتباكون عليه لأنه منبوذ وغير معترف به.. هذا الآخر نفسه يمارس ضد المسلمين: النبذ... والاقصاء.. والكراهية.. والحقد.. والعداوة، والتطاول على نبيهم.. والغريب العجيب المريب: ان الذين رفعوا أصواتهم عالية جدا: دفاعا عن (حق الاخر): التزموا الصمت المطبق تجاه هذا (الآخر): الكاره، النابذ، المقصي، المعتدي!!!
=========================
رسول الأُمِّيّين
الكاتب: د.سلمان بن فهد العودة
يا رسولَ الله..
حبُّك في مهجتي كالدر في الصدفِ
والشذى في الروضة الأنفِ
والفرات العذب في الدِّيمِ
ليس كالمختار في البشرِ..
فهو كل السمع والبصرِ..
واحد التاريخ والسيرِ..
وإمام الرسل والأممِ
لقد قرأت سير المصلحين, والعظماء والزعماء, وأئمة المذاهب الكبار, حتى إني قد أشعر حين أقرأ عن أحدهم أني أمام جبل وعر صعب المرتقى؛ لأنهم أخذوا أنفسهم بشيء من الجد الذي يصيب المرء بالعجز عن إدراكه, وصعوبة الاقتداء به، وربما استحالته, أما إمام هؤلاء جميعاً وسيدهم قاطبة محمد صلّى الله عليه وسلم؛ فتشعر وأنت تقرأ سيرته بالسهولة والقابلية للتطبيق, والقرب من النفس البشرية وطباع الناس، وهذا سر بديع من أسرار إعجاز الشخصية النبوية.
وهو صلّى الله عليه وسلم قائد الركب, وسيد ولد آدم:
وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ
غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
وهذا المعنى -والله أعلم- هو سر بشريته, وعظمته في آن.
* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}(الحاقة:44-47)، أمام المؤمن والمشرك, والوثنيون يحاربونه, ويشنّون عليه حملات إعلامية وكلامية, باحثين عن أيّة ثغرة ينفذون منها للطعن في مصداقية الدعوة والداعية، فلم يكن ذلك يثنيه عن التبليغ بكل شيء, ولو كان هذا الشيء معاتبة له من الله عز وجل.
وفي المدينة: يتربص يهودها ومنافقوها بهذا الدين الدوائر، ويرجعون البصر كرة وكرتين في حقيقة الرسالة:
هل يرون من فطور؟
* أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}(عبس:2)، وكان يعلِّمها أصحابه, ويؤمهم بها في الصلاة، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكتبون كل كلمة وحرف, ويدوّنون كل همسة ولمسة تصدر منه صلّى الله عليه وسلم؛ فسيرته سجل مفتوح للناس كلّهم أجمعين, ومدوّنة واضحة دقيقة في كل شيء يخصه عليه أفضل الصلاة والسلام.
وبكل هذا الجلاء في سيرته دون استثناء كان أمثل خلق {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4)؛ وأصدق لسان{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}(النجم:3)، وأبين حجة {بِلِسَانٍ عَرَبِي مُبِينٍ} (الشعراء:195)، وهو في كل ذلك (إنسان) له صفات الإنسان؛ ليكون أيسر في الاتباع, وأسهل في الاقتداء، ولكي يعلم الأتباع المؤمنون -ولو بعد عدة قرون- أن مشاعر النبي صلّى الله عليه وسلم وأحاسيسه ليست بدعاً من المشاعر، وأن ما يلحق الناس من أذى ومضايقة من المشركين وغيرهم, أو فرح وسرور ينال النبي صلّى الله عليه وسلم منه أوفر الحظ والنصيب، فغدت هذه الأيام التي يداولها الله على الناس تبييناً لمعدن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسمُوِّ أرومته، وطريقة تعامله مع الأحداث المختلفة والظروف العادية والاستثنائية{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}( النساء:165).
وسيد الرسل هو محمد صلّى الله عليه وسلم, الذي كان كالشمس للدنيا, وكالعافية للناس فهل لهما من بديل أو عنهما من عوض؟
ولا شك أن النبي صلّى الله عليه وسلم أكمل صورة بشرية جاء للناس من أنفسهم فلم ينزل من السماء، ولم يكن مَلكاً {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}( الأنعام:9)، بل كان بشراً رسولاً {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128), لقد كانوا يعرفونه عليه السلام, ويعاملونه, ويصفونه بالصادق الأمين، ولم يزل صلّى الله عليه وسلم يترقّى في مدارج ومعارج الكمال حتى قُبِض على أكمل ما يكون صلّى الله عليه وسلم، قُبِض وهو متلبّس بالعبادة والدعوة, والتوجيه والإرشاد, والأمر والنهي, والوصية حتى في اللحظة التي انتقل فيها من هذه الدنيا-بأبي هو وأمّي عليه السلام- عملاً بقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الحجر:99).
* وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}(الضحى:6-8).(11/80)
(مرسلٌ) قد صاغه خالقه
من معاني الرسل بدءاً وختاما
قد سعى والطرق نارٌ ودمٌ
يعبر السهل ويجتاز الأكاما
نزل الأرض فأضحت جنةً
وسماءً تحمل البدر التماما
وأتى الدنيا فقيراً فأتت
نحوه الدنيا وأعطته الزماما
ورعى الأغنام بالعدل إلى
أن رعى في مرتع الحق الأناما
عربيّ مدّن الصحرا كما
علّم الناس إلى الحشر النظاما
يا رسول الحق خلدت الهدى
وتركت الظلم والبغي حطاما
وإذا جاءت كل أمة بعظيمها ومتبوعها، وقدمت زعيمها أتيناهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون، ذلكم أن شخصيته عظيمة بكل المقاييس، صالحةٌ لكل العصور والبيئات والمستويات والمجتمعات والحضارات، وبها تحلّ مشكلات الأمم والعالم وهو يحتسي قهوة الصباح!
فرسولنا صلّى الله عليه وسلم نفسه معجزة في شخصيته, وأخلاقه, وهديه, وعبادته, وقيادته, تضاف إلى معجزاته الأصلية المعروفة كمعجزة القرآن الكريم العظمى، ومعجزة الإسراء والمعراج، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}(سورة الإسراء:1).
ومعجزة انشقاق القمر، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}(سورة القمر:1)، ولمّا كان القرآن العظيم معجزة، كان صلّى الله عليه وسلم خلقه القرآن -كما وصفته عائشة (رضي الله عنها)- عند مسلم وأبي داود- فخلقه معجزة، في صبره وكفاحه, وبلائه وتجرده وإنسانيته.
فله صلّى الله عليه وسلم كل خصائص الإنسان؛ كما أن له -أيضا- كل صفات العظمة البشرية مجتمعة..
صلّى عليك الله يا علم الهدى
ما ناح طير أو ترنّم حادي
اللهم صلِّ على محمد, وعلى آل محمد, كما صلّيت على إبراهيم, وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد، وبارك على محمد, وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم, وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
صحيفة الجزيرة السعودية
============================
رسومات شيطانية ...
أول كتاب يطرح أزمة الإساءة إلى الرسول الكريم
صدر منذ مؤخرا أول كتاب عن أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. ويحاول الكتاب الذي أصدرته دار "ميديا هب انترناشيونال" للنشر في دبي وضع أزمة الرسوم في سياقها الصحيح في ظل تشابك العلاقات وتباين المواقف على مستوى مختلف أطراف الازمة. وعلى مدى سبعة فصول يرصد المؤلفان الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد ومصطفى محمد تفاصيل الأزمة وأبعادها المختلفة مقدمين رؤية تحليلية معمقة بشأن موقعها من العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب.
ويشير المؤلفان إلى أنهما حاولا رغم الطبيعة الشائكة التي تتسم بها الأزمة خاصة لجهة مساسها بالرسوم الكريم أن يلتزما أكبر قدر من الموضوعية في تناول الموضوع بالشكل الذي يمكنهما من تقديم رؤية متكاملة للقارئ تعينه على فهم واستيعاب ما جرى في ضوء ما يشيرا إليه من محورية الأزمة في تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب. وهنا يؤكدان على أنهما إذا كانا حاولا تجاوز حالة الغضب التي اجتاحت الشارع العربي والإسلامي وتحولت إلى غليان أدى إلى انقلاب في الأوضاع لغير صالح الإسلام والمسلمين بحيث تحول الجاني إلى ضحية والعكس، فإنهما في الوقت ذاته يحاولان أن تجاوز حالة التفريط التي بدا عليها البعض حتى خرج من بين المسلمين من يلوم من خرجوا للتعبير عن الغضب على ما وقع من إساءة للرسول.
ويحاول الكتاب التأكيد على نقطة أساسية هي أن الإمعان في الأزمة بأبعادها المختلفة يكشف عن أن الكل شاب موقفه قدر من الخطأ.. وإن اختلف مقدار هذا الخطأ، وأنه بقدر ما كانت الإساءة بالغة لا تغتفر، فإن بعض ردود الفعل اتسمت هي الأخرى بالإساءة من زاوية ثانية. غير أنهما يحذران هنا من الانجرار وراء ما يحاوله البعض من تحويل القضية من كونها إساءة الى النبي الى كونها بحثاً في طبيعة المسلمين وردودهم الانفعالية، رغم أهمية هذه الرؤية في تعامل المسلمين مع أنفسهم، غير أنها لا تمثل القضية الأهم وإن كانت تأتي في مرتبة ثانية، حتى لا يكون تناول القضية بذلك كمن يقدم العربة على الحصان.
وتحت عنوان "الأزمة... الأسباب والمسببات" يبدأ المؤلفان في رصد البدايات الأولى لفكرة إعداد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة في سبتمبر 2005 ثم تطور نشرها تحت زعم مساندة حرية الرأي والتعبير وتضامنا مع الصحيفة الدنماركية في موقفها تجاه الرافضين للنشر في العالم الاسلامي.
ويقدم الفصل الثاني قراءة في ردود الأفعال المختلفة تجاه الأزمة مشيرا الى أنها تراوحت بين التأييد والمؤازرة لموقف الصحيفة الدنماركية والتوجهات الغربية القائمة على مزاعم حماية حرية الرأي والتعبير.(11/81)
ويشير الكتاب الى أن ردود الأفعال الرسمية على كافة المستويات سواء الاوروبية أم العربية والإسلامية شابها قدر من التناقض مما كان يعكس عمق الأزمة فيما حاولت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام كوفي عنان، الإمساك بالعصا من المنتصف، حيث إنه في الوقت الذي أدان فيه نشر الرسوم إرضاءً للعالمين العربي والإسلامي، دافع بشدة عن المساحة المفروضة لحرية التعبير والرأي منادياً بضرورة احترام حرية الصحافة. ثم يعرض الكتاب في إطار هذا الجزء للبدايات الاولى للاحتجاجات على نشر الرسوم.
ويتناول الكتاب بعد ذلك في الفصل الثالث التداعيات السياسية المختلفة للأزمة مشيرا الى أنه في ظل أجواء الغضب الشعبي والاحتقان والتوتر اللذين عما العالمين العربي والإسلامي، صبت بعض الصحف الأوروبية والعربية الزيت على النار، عبر اعادة نشرها لتلك الرسوم، مما زاد من حدة الغضب الجماهيري والرسمي وأدى بالتالي الى تصاعد حدة التظاهرات التي صاحبتها اعمال العنف في أماكن مختلفة من العالم
ويعرض الكتاب في هذا الفصل لتفاصيل تطورات حملة المقاطعة الشعبية العربية والإسلامية للمنتجات الدانماركية وأثر تلك المقاطعة على مسار أزمة الرسوم، في ضوء الإقرار بشرعيتها وتأثيرها القوي على عملية صنع القرار في الدول الغربية، وهو الامر الذي بدت إرهاصاته في التحول الجزئي في موقف الحكومة الدنماركية. ويعرض الكتاب في الفصل الرابع للجهود العربية الإسلامية لاحتواء الأزمة مشيرا الى المبادرات العديدة التي قامت بها هيئات وشخصيات قيادية مسلمة من شتى أنحاء لعالم للدفاع عن صورة الإسلام.
ثم يتطرق المؤلفان بعد ذلك في الفصل الخامس الى نماذج معاصرة من الإساءة للإسلام مشيرين إلى أنه إذا كانت الأزمة الحالية المتعلقة بالرسوم قد أخذت كل هذه الأبعاد المتعددة المعقدة والمتشابكة وأثارت كل هذه التداعيات بما يجعلها مرحلة فاصلة جديدة في علاقات العالم الإسلامي مع الغرب، فمما قد يكون من نافلة القول الإشارة الى أنها لا تعد الأولى في مجال الإساءة الى الإسلام أو الى الرسول ، وأن الاختلاف يتمثل في طبيعة الفترة التي نحياها بما يجعل من حقيقة تحول العالم الى قرية صغيرة حقيقة لا مراء فيها. وهنا يشيران الى حقيقة أن الأزمة لم يكن لها أن تأخذ الأبعاد التي أخذتها لولا تكنولوجيا الإتصالات المتطورة التي أذاعت الصور عبر العالم.
ويتبنى الكتاب في معرض الحديث في هذا الجانب فرضيتي الجهل والتعمد في الإساءة الى الرسول والإسلام بشكل عام. فالى جانب التفسير الذي يعتمد وجود مساع للإساءة الى الإسلام في الغرب لا يستبعد المؤلفان مبدأ الجهل وكونه يسيطر على قطاع كبير في الغرب بشأن الإسلام والمسلمين مما قد يكون سببا في بعض الأحيان في عمليات الإساءة لهم سواء كأفراد أو مجموعات، الأمر الذي يعني من ناحية أخرى سهولة تمرير الصور النمطية السلبية الى ذهن المواطن الغربي.
وضمن تحليل للأزمة في إطارها الشامل يشير الكتاب الى تشابهها مع أزمتي الروائي البريطاني سلمان رشدي على خلفية روايته آيات شيطانية والكاتبة البنغالية تسليمة نسرين وروايتها "العار" باعتبار أن القاسم المشترك بين هذه القضايا أو الأزمات الثلاث دعوى حرية التعبير التي يرفع لواءها الغرب في مواجهة الكثير من القضايا التي تمثل مجالا للاحتكاك مع العالم الإسلامي او العربي.
ثم يتطرق الكتاب في الفصل السادس الى القضية الرئيسية التي تعد جوهر الازمة من وجهة نظر المؤلفين وهي قضية حرية التعبير ، ويشيران الى أن مفهوم حرية التعبير كان الضحية الرئيسية التي جرى الاعتداء السافر عليها ضمن تداعيات الأزمة ما أعاد الى الذهن نماذج أخرى من تشويه المفاهيم في السياقات الغربية، والتوظيف السياسي لها على غرار مفهوم الإرهاب ونشر الديمقراطية، وثقافة السلام.
ورغم ذلك يشير المؤلفان الى أن الفهم الكامل لأبعاد الموقف الغربي لا يمكن أن يتم إلا مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف الثقافي والحضاري هناك عنه في العالم الإسلامي. فلقد وصل الغرب الى مرحلة تاريخية تجاوز خلالها المقدسات الدينية ونزع عنها كل صفات التقديس، بغض النظر عن إنشائه لمقدسات أخرى غير دينية على رأسها محرقة اليهود أو غيرها. وفي ظل هذه الأجواء فإن الأديان أو الأنبياء ليس لهم نفس المكانة التي يحظون بها في العالم الإسلامي، حيث أنه ليس لله أو الأنبياء أو الشعائر الدينية في ثقافة الأوروبيين والأميركيين المهابة نفسها التي يقوم عليها الأمر في ثقافة المسلم.
غير أن المؤلفين يشيران الى أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذا الحال يعني حرية الإساءة للأديان، الأمر الذي يعزز في النهاية فرضية أن نشر الرسوم على هذا النحو يتجاوز مقولتي الجهل وحرية التعبير وهما قائمتان في أي الأحوال، الى جوانب أخرى تمثل في أساسها حملة ثقافية سياسية هدفها الإساءة للعرب والمسلمين.(11/82)
ويتبنى الكتاب الرأي الذي يقر بعدم وجود حرية تعبير مطلقة مهما كان ثمنها ومحتواها، وعلى ذلك يؤكد المؤلفان ضرورة أن يسود الوعي عربيا وإسلاميا بأن قسطا كبيرا من السياسات والممارسات الغربية لا يمكن تفسيره بالحجج والذرائع المعلنة، رغم أهميتها، وأن ذلك لا ينطبق على قضية الرسوم فقط وإنما على الكثير من القضايا التي تعد مثار نزاع في السياسات الدولية والتي تأتي الدول العربية والإسلامية في القلب منها.
ويؤكد الكتاب في هذا الجانب ضرورة الالتزام بالحرية المنضبطة، مشيرا الى أنه على قدر ما بدا من لا مبالاة غربية بنشر الرسوم تحت دعوى حرية التعبير، كانت ردة الفعل في العالم العربي والإسلامي تنطلق من رؤية تلتزم مجموعة من الضوابط الواجب الالتزام بها عند أي حديث عن حرية التعبير سواء انطلاقا من الإطار الإسلامي أم من الإطار الإنساني الذي تحكمه وتنظمه قواعد وقوانين دولية.
وعلى ذلك فقد تمحورت النقطة الأساسية للمعبرين عن الرؤية الإسلامية حول ضرورة التفرقة بين حرية التعبير التي تعني أن يكون الإنسان قادرا على إبداء رأيه في المسائل التي تتباين فيها المواقف وبين الحدود التي لا يكون الأمر فيها متعلقا برأي وتكون تجاوزا لكل الأعراف الخلقية والحضارية.
ويخصص المؤلفان في هذا الفصل جزءا لتفنيد دعوى حرية التعبير مؤكدين على الإزدواجية الغربية في التعامل مع المفهوم .. فالرؤية المتأنية لمواقف الحكومات الغربية وسياساتها تكشف عن لجوئها في أحيان كثيرة الى عدم التقيد بإلزامية المبادئ والثوابت الكونية التي ترفعها عندما تتعارض مع مصالحها واختياراتها الاستراتيجية.
وضمن تفنيد دعوى حرية التعبير يقدم الكتاب جزءا في هذا الفصل للحديث عن مزاعم المحرقة اليهودية مشيرا الى مفارقة أنه فيما يجيز الغرب أن تكون العقائد محلا للجدل والإستهزاء تحت مثل هذه الدعوى نجد أن هذه الحرية مصادرة بشأن قضية محرقة اليهود وتزداد الدهشة في ضوء معرفة أن قوانين صدرت تحرم التشكيك في الرواية التاريخية بشأن المحرقة بما جعل منها قضية مقدسة لا تقبل الجدال.كما يتطرق الكتاب إلى قضية طالبان مع تماثيل بوذا في أفغانستان مشيرا إلى أنها تعد نموذجا آخر على الازدواجية الغربية في المواقف بشأن الرموز الدينية وكذلك بشأن وجود موقف مسبق تجاه قضايا الإسلام.
وفي فصل ختامي وتحت عنوان حصاد الأزمة ومستقبل العلاقات مع الغرب يشير المؤلفان إلى أنها تعبر عن أزمة أشمل وأعمق هي أزمة ثقة تحكم إطار العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب وهي أزمة، حسبما يشير المؤلفان، تضرب بعمقها في التاريخ إلى الحد الذي يعود بها البعض إلى ظهور الإسلام . وجوهر الأزمة حسبما يقرر الكتاب إنما يكمن في عدم التفهم الصحيح من قبل الغرب للمسلمين والإسلام والحكم عليهم من خلال أحكام نمطية مسبقة لم يجر تمحيصها بدقة. فلقد تعاظمت الصور النمطية التي تشكلت في العقلية الغربية في العقد الأخير حتى أصبح مجرد ذكر كلمة مسلم يستدعي الإرهاب والتخلف ورفض الآخر!
ويرجع المؤلفان أسباب تصاعد الأزمة في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب إلى الأزمات المحورية التي كان لها ومازال تأثيرها السلبي على هذه العلاقات ومن بين هذه الأزمات أحداث سبتمبر وما تركته من صور ذهنية سلبية في الوعيين الغربي والإسلامي، وعلى ذلك ففي ظل أجواء معبأة بحالة التحفز في الغرب وحالة الشعور بالاستهداف في العالم الإسلامي جاءت الرسوم لتعكس الأجواء السلبية الحونة بالتوتر وبرائحة العنصرية التي سادت لدى بعض الأوساط في أوروبا وأميركا والتي اتخذت إجراءات قانونية وغير قانونية استهدف بعضها مباشرة الجاليات العربية والإسلامية حيث شكلت مرتعا خصبا لنزعات الكراهية والعداء للآخر وعدم التسامح والتي تعاظمت إثر تفجيرات 11 سبتمبر.
وقد انعكس تصاعد هذا القلق وانعكس في انتشار مفهوم "الإسلاموفوبيا" والذي يمثل أبلغ دلالة على الموقف العام في الغرب تجاه العرب والمسلمين حيث يعكس بشكل عام انتشار نزعة العداء للمسلمين.
وعلى نفس المنوال يشير المؤلفان إلى أنه إذا كانت أحداث سبتمبر أحيت نظرية صدام الحضارات التي طرحها صموئيل هنتنجتون في إطار البحث عن الإجابة السهلة بشأن كراهية المسلمين للغرب فإن قضية الرسوم أعادت إلى الحياة مرة أخرى نفس النظرية التي رأى البعض أنها يمكن أن تفسر ما يحدث من أفعال وردود أفعال من قبل طرفي الأزمة خاصة في ضوء نظرة البعض لها أنها تعبر عن نوع من الصراع يشبه أو يمثل تكراراً لتاريخ الحرب الباردة.. وعلى ذلك فقد ساد توجه عام يعبر عن قدر من الحقيقة يشير إلى أن الأحداث تعد مرحلة جديدة في المعركة التاريخية بين الإسلام والغرب رغم الانتقاد الذي يلقاه هذا التفسير من تصويره لوجود معركة مستمرة يتم توصيف أي حدث انطلاقا منها.(11/83)
في محاولة لتحديد حصاد الأزمة يشير الكتاب إلى أنها كشفت عن استمرار الصورة الذهنية النمطية عن الإسلام والمسلمين في العقلية الغربية، بل وأضافت إليها ما يراكم من صعوبة تغييرها، بمعنى أن بعض فصول الأحداث عزز هذه الصورة النمطية بسبب بعض الانحرافات التي آلت إليها الاحتجاجات في بعض البلدان الإسلامية، وهو ما يعني ضرورة تجاوز ردود أفعال المسلمين إزاء استهدافهم واستهداف دينهم وحضارتهم الإطار الذي يتسم بالعشوائية على النحو الذي اتصفت به مواقفهم في الأزمة الأخيرة، وهو ما يعني ضرورة الابتعاد عن الأساليب السطحية التي استخدمت في السابق وأدت إلى تأثيرات سلبية.
وهنا يدعو الكتاب إلى ضرورة أن تكون الأزمة فرصة للاهتمام بالعلاقات الثقافية بين الأمم والبحث عن الوسيلة التي تجنب تكرار مثل هذه الجريمة من خلال سن قانون دولي يمنع المس بالأديان على غرار إقدام العالم الغربي على سن قانون معاداة السامية.
وفي ظل توقع أن تحدث إساءات جديدة سواء بشأن الإسلام والمسلمين أو الدين عموما في ظل ثقافة معولمة تنحو الى توجهات أكثر علمانية فإن المؤلفين يطرحان سؤالا جوهريا حول :كيف يمكن أن يتعامل المسلم مع مثل هذا الأمر؟ فهل يجب ترك الإساءة تمر دون الوقوف عندها وحتى لا يساهم رفضها في شهرة من تصدر عنه، أم أنه يجب الوقوف أمام كل إساءة ومحاولة رد صاحبها عن فعلته؟ يؤكد المؤلفان على أهمية البحث عن إجابة واضحة لهذا السؤال لا تعتمد التفريط أو التشدد وإنما تقوم على التأني والاستفادة من دروس أزمة الرسوم. ويضيف المؤلفان أنه إذا تم إقرار رؤية البعض والتي تقوم على أسس منطقية مفادها صعوبة التغاضي عن الإساءة إلى الدين.. فإن السؤال يتحول ليصبح: كيف يمكن لنا أن نعبر عن احتجاجنا بطريقة حضارية تليق بديننا وقيمنا؟ وتعبر عنه أفضل التعبير؟ هنا يشير المؤلفان إلى تجارب الرفض الشعبي للغزو الأميركي البريطاني للعراق والذي تم من قبل شعوب هذه الدول بشكل لم يسئ إلى الجماهير التي خرجت تندد بعملية الغزو وهو ما يتطلب حسبما يشيران نوع من المراجعة النقدية الذاتية وأن تكون الأزمة فرصة لإعادة النظر في موقفنا وفي علاقتنا مع الآخر وبشكل خاص الغرب.
وأما على صعيد مسؤولية الغرب ذاته يشير الكتاب إلى أنه إذا أراد علاقات صحية وسليمة مع العالم الإسلامي فإن عليه أن يعي أن تجاهل مشاعر الآخرين ذوي الخلفيات العرقية والثقافية المختلفة لم يعد ممكنا كما كان سابقا وذلك لعدة أسباب أهمها أن نسبة الأقليات التي تعيش اليوم في الغرب كبيرة ولكي يحافظ على أمنه المحلي وتجانسه فهو ملزم بإيجاد الوسائل الأفضل لإدماج هذه الأقليات واحترام ثقافاتها وخلفياتها وقيمها التي تؤمن بها.
المؤلف في سطور:
مؤلف الكتاب فهو الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد، فلسطيني من مواليد غزة عام 1953 حاصل على ليسانس الحقوق عام 1987ودكتوراه في الصحافة عام 1998، ويمارس العمل الصحافي منذ عام 1981 في دولة الامارات العربية المتحدة، وله العديد من المؤلفات أبرزها: البحث عن فلسطين، نقاط فوق الحروف، أمريكا مرت من هنا، دبي مدينة الأحلام، الإمارات تحفة المعمار. كما عضو في جمعية الصحافيين في الإمارات، عضو نقابة الصحافيين العرب والفلسطينيين وأخيرا عضو الجمعية الكندية للصحافيين.
==========================
سب النبي صلى الله عليه وسلم فرصة لمريدي الخير
الكاتب: محمد جلال القصاص
سبِّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس حدثا عابرا قامت به صحيفة سيئة الأخلاق نفثت به عن حقدها في عدد من أعدادها ، وليس هو همُّ حفنه من أراذل الكفار مُلئت قلوبهم غيظا وحنقا على شخص الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقاموا يمثلون وينكتون ويسخرون .بل لو كان الأمر كذلك لكان مما يسعه الصدر ـ على عظمه ـ إذ أن مجاراة السفهاء أمر يترفع عنه العقلاء . . .ولكن .. الأمر أعمق من هذا كله .
هذه الأمور ليست إلا كما يقول الله عز وجل : ( . . . قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) (آل عمران : من الآية 118 ) . وهاأنذا أنادي العقلاء . فهل يسمعون ؟ . . . وهل يجيبون ؟ . . . وليت أولى العزم من العقلاء مَن يلبون ؟
من قبل كان النصارى في حملاتهم ( التبشيرية ) يتكلمون عن النصرانية ... يبترون ويكذبون ويبدون قليلا ويخفون كثيرا كي يُظهروا دينهم المحرف في صورة يتقبلها الآخر . واتخذوا مما يسمى بحوار الأديان ... هذا الحوار الذي يجرى مع علماء الدين الرسميين وسيلة ليقولوا لمن يخاطبونهم من ضعاف المسلمين في أدغال أفريقيا وجنوب شرق أسيا أن الإسلام يعترف بنا ولا يتنكر لنا فكله خير ـ بزعمهم ـ .(11/84)
وكانت حملتهم على الإسلام حملة على شعائره ... يتكلمون عن التعدد وعن الطلاق وعن الحدود وعن الجهاد وعن الميراث وعن ناسخ القرآن ومنسوخة ، ثم في الفترة الأخيرة وخاصة بعد انتشار الفضائيات ودخولها كل البيوت تقريبا ، وكذا بعد ظهور تقنية الإنترنت عموما والبالتوك خصوصا ، أخذ القوم منحى آخر وهو التركيز على شخص الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .قاموا ينقضون الإسلام بتشويه سورة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ودعك من كلام الأراذل ، هناك طرحٌ يُلْبِسُه دعاة الكفر ثوب العلمية ويدَّعون أنه الحقيقة التي لا مراء فيها يخاطبون بهذا الهراء قومهم ومن يتوجهون إليهم بالتنصير ... هذا توجه عام داخل حملات التنصير اليوم . والأمر بيِّن لمن له أدنى متابعة لما يتكلم به القوم . وما حدث في الصحيفة الأوربية هو طفح لما يُخاطب به القوم في الكنائس وغرف البالتوك عن نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فهم يحاضرون ويؤلفون عن ( أخلاق نبي الإسلام ) ، يتكلمون عن زواجه بتسع من النساء ـ وقد اجتمع عند سليمان عليه السلام تسعمائة من النساء وهذا في كتابهم ـ ، وعن زواجه من عائشة ومن زينب ومن صفية ـ رضي الله عنهن ، وعن غزواته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ وبطريقة البتر للنصوص واعتماد الضعيف والشاذ والمنكر من الحديث يخرجون بكلامهم الذي يشوهون به صورة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ولكنه في الأخير يبدو للمستمع أن هذا كلام ( بن كثير ) و ( الطبري ) و( بن سعد ) علماء الإسلام . فيظن المخاطبون أنها الحقيقة التي يخفيها ( علماء ) الإسلام .
دعاة النصرانية يغرفون من وعاء الشيعة الكدر النجس حين يتكلمون عن أمهات المؤمنين وعن صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل وفي كلامهم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحيانا ، ويغرفون من وعاء ( القرآنيون ) الذين يتركون السنة تشكيكا في ثبوتها أو في عصمة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم .
والمطلوب هو قراءة جيدة لما يحدث ، والتصدي له على أرض الواقع . لا نريد ثورة كلامية ، وغضبة لا يفهم منها ( الآخر ) إلا أنها نفرة المتعصب ، نريد قطع الطريق على هؤلاء وإحباط كيدهم ، وإنقاذ الناس من الكفر بربهم .
مطلوب خطاب أكاديمي يجفف منابع المنصرين ، أعني ما يقوله القرآنيون والشيعة . وما يفتريه النصارى بالبتر للنص واعتماد المكذوب والشاذ والضعيف من الحديث .ومعنيٌ بهذا طلبة درجات التخصص العليا في الكليات الشرعية . وإن أخذ الأمر وقتا ولكنه سيثمر بإذن الله يوما ما .
ومطلوب خطاب لعامة الناس يبين لهم كيف كان نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعيدا كل البعد عما يقولوه النصارى ، وأن ما يقال محض كذب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان كل الكمال وجملة الجمال ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت * * * مثل النبي رسول الأمة الهادي .
وأيضا لا ينفك عن هذا أبدا بيان عقيدة النصارى ... ما يعتقدونه في ربهم وما يعتقدونه في أنبيائهم وما يعتقدونه في أحبارهم ورهبانهم ...من يعبد النصارى؟ . وهل النصرانية دين يتبع ؟!!
لم نسكت عنهم وهم يرموننا بكل ما في جعبتهم ؟!
أسياسة ؟ . . . أم جبن وخور ؟ . . . أم غفلة ؟!
إن مما ابتلي به مسلمو اليوم هو التآلف مع النوازل بعد قليل من نزولها ، فقط نثور قليلا ثم نسكت ولا نتكلم وكأن شيئا لم يحدث ، وهذا الأمر فهمه عدونا ، فلم يعد يبالي بجعجعتنا التي تتجاوز الكلام ، وهو يستفيد من هذا الكلام . فليتنا نكون على قدر المسئولية ونبدأ في تصعيد مستمر وتبصير للناس ، بحقيقة من يتكلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحقيقة دينهم ، وحقيقة ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم .
فهل من مجيب ؟!
فديتك نفسي يا رسول الله . . . فديتك نفسي يا رسول الله . . فديتك نفسي يا رسول الله .
mgalkassas@hotmail.com
==============================
سلاح المقاطعة وأثره في نصرة المسلمين
تاريخ الإجابة 05/02/2006
موضوع الفتوى السياسة الشرعية
نص السؤال ما حكم مقاطعة البضائع والسلع الأمريكية والإسرائلية وبخاصة في هذا الوقت الذي بلغ اعتداؤهم وتطاولهم على المسلمين ومقدساتهم مداه في كل مكان؟
اسم المفتي الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فسلاح المقاطعة من أنجح الأسلحة وأشدها فتكا بالأعداء في هذا الوقت، وهذا واجب الأفراد والهيئات والحكومات سواء بسواء ، كل يقوم بواجبه وبقدر ما يستطيع وعلينا أن نركز على البضائع الصهيونيةالصنع أو الأمريكية الخالصة التي لا يدخل في شراكتها أحد من المسلمين ولا يترتب عليها ضرر أكبر للمسلمين وعلى المشاركين لليهود والأمريكان أن يقاطعوهم أيضا ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل الواجب علينا مقاطعتهم ثقافيا وتربويا واجتماعيا ونعود لهويتنا الإسلامية وتقاليدنا الأصلية حتى نتخلص من قيد هذا الاحتلال.(11/85)
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
فمما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة: أن الجهاد لتحرير أرض الإسلام ممن يغزوها ويحتلها من أعداء الإسلام واجب محتم وفريضة مقدسة، على أهل البلاد المغزوة أولاً، ثم على المسلمين من حولهم إذا عجزوا عن مقاومتهم، حتى يشمل المسلمين كافة.
فكيف إذا كانت هذه الأرض الإسلامية المغزوة هي القبلة الأولى للمسلمين. وأرض الإسراء والمعراج، وبلد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله؟ وكيف إذا كان غزاتها هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ وكيف إذا كانت تساندها أقوى دول الأرض اليوم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، كما يساندها اليهود في أنحاء العالم؟
إن الجهاد اليوم لهؤلاء الذين اغتصبوا أرضنا المقدسة، وشردوا أهلها من ديارهم، وسفكوا الدماء، وانتهكوا الحرمات، ودمروا البيوت، وأحرقوا المزارع، وعاثوا في الأرض فسادا.. هذا الجهاد هو فريضة الفرائض، وأول الواجبات على الأمة المسلمة في المشرق والمغرب. فالمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، وهم أمة واحدة، جمعتهم وحدة العقيدة، ووحدة الشريعة، ووحدة القبلة، ووحدة الآلام والآمال كما قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة) (إنما المؤمنون إخوة) وفي الحديث الشريف: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله".
وهانحن نرى اليوم إخواننا وأبناءنا في القدس الشريف، وفي أرض فلسطين المباركة، يبذلون الدماء بسخاء، ويقدمون الأرواح بأنفس طيبة، ولا يبالون بما أصابهم في سبيل الله، فعلينا ـ نحن المسلمين في كل مكان ـ أن نعاونهم بكل ما نستطيع من قوة (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (وتعاونوا على البر والتقوى).
لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه، ثم خرج معتمرًا، فلما قدم مكة، قالوا: أصبوت يا ثمامة؟ فقال: لا، ولكني اتبعت خير الدين، دين محمد، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خرج إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قد قطعت أرحامنا، وقد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل .
والبضائع الأمريكية مثل البضائع الإسرائيلية في حرمة شرائها والترويج لها. فأمريكا اليوم هي إسرائيل الثانية. ولولا التأييد المطلق، والانحياز الكامل للكيان الصهيوني الغاصب ما استمرت إسرائيل تمارس عدوانها على أهل المنطقة، ولكنها تصول وتعربد ما شاءت بالمال الأمريكي، والسلاح الأمريكي، والفيتو الأمريكي.
وأمريكا تفعل ذلك منذ عقود من السنين، ولم تر أيَّ أثر لموقفها هذا، ولا أي عقوبة من العالم الإسلامي.
وقد آن الأوان لأمتنا الإسلامية أن تقول: لا لأمريكا. ولبضائعها التي غزت أسواقنا، حتى أصبحنا نأكل ونشرب ونلبس ونركب مما تصنع أمريكا.
إن الأمة الإسلامية التي تبلغ اليوم مليارًا وثلث المليار من المسلمين في أنحاء العالم يستطيعون أن يوجعوا أمريكا وشركائها بمقاطعتها. وهذا ما يفرضه عليهم دينهم وشرع ربهم.
فكل من اشترى البضائع الإسرائيلية والأمريكية من المسلمين، فقد ارتكب حرامًا، واقترف إثمًا مبينًا، وباء بالوزر عند الله، والخزي عند الناس.
إن المقاطعة سلاح فعال من أسلحة الحرب قديمًا وحديثًا، وقد استخدمه المشركون في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فآذاهم إيذاءً بليغًا.. وهو سلاح في أيدي الشعوب والجماهير وحدها، لا تستطيع الحكومات أن تفرض على الناس أن يشتروا بضاعة من مصدر معين.
فلنستخدم هذا السلاح لمقاومة أعداء ديننا وأمتنا، حتى يشعروا بأننا أحياء، وأن هذه الأمة لم تمت، ولن تموت بإذن الله.
على أن في المقاطعة معاني أخرى غير المعنى الاقتصادي: أنها تربية للأمة من جديد على التحرر من العبودية لأدوات الآخرين الذين علموها الإدمان لأشياء لا تنفعها، بل كثيرا ما تضرها…. وهي إعلان عن أخوة الإسلام، ووحدة أمته، وأننا لن نخون إخواننا الذين يقدمون الضحايا كل يوم، بالإسهام في إرباح أعدائهم. وهي لون من المقاومة السلبية، يضاف إلى رصيد المقاومة الإيجابية، التي يقوم بها الإخوة في أرض النبوات، أرض الرباط والجهاد.
وإذا كان كل يهودي يعتبر نفسه مجندًا لنصرة إسرائيل بكل ما يقدر عليه. فإن كل مسلم في أنحاء الأرض مجند لتحرير الأقصى، ومساعدة أهله بكل ما يمكنه من نفس ومال. وأدناه مقاطعة بضائع الأعداء. وقد قال تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وإذا كان شراء المستهلك للبضائع اليهودية والأمريكية حرامًا وإثمًًا، فإن شراء التجار لها ليربحوا من ورائها، وأخذهم توكيلات شركائهم أشد حرمة وأعظم إثمًا، وإن تخفت تحت أسماء يعلمون أنها مزورة، وأنها إسرائيلية الصنع يقينًا.(11/86)
(فلا تهنوا وتدعو إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم).
===============================
سلاح حضاري لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مبارك بن عبيد الحربي / إمام وخطيب جامع عمر بن الخطاب بالخرج
ملايين من البشر يغضبون، وأمثالهم يستنكرون، وقريب منهم يتظاهرون في مسيرات حاشدة، وتجمعات غاضبة لسان حالهم (إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
إنها الغضبة الإسلامية الحميدة للدفاع عن سيد البشرية صلى الله عليه وسلم. إنها الهبة الإيمانية العظيمة للذب عن صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم فحق لهذه الملايين من المسلمين أن تغضب وحق لأمة المليار وربع المليار أن تستنكر وتشجب بل حق لها أن تقول بصوت مسموع، وأن تنكر بلغة واضحة وأن تندد بحق هذه الإساءات بفعل شرعي يمتد أثره ليعرف أولئك الدنماركيون حجم فعلهم، وشناعة صنيعهم، وقبح تصرفهم، وهنيئاً لكل من غضب لحبيبه صلى الله عليه وسلم وانتصر لرسوله عليه الصلاة والسلام، وهنيئاً لمن كان له دور ومشاركة وإسهام ومؤازرة للدفاع عن صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم علناً أن نكون بهذه الهبة، وتلك النصرة أيها الإخوة من إخوانه صلى الله عليه وسلم الذين ود رؤيتهم صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا رأينا إخواننا. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟
قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: رأيت لو أن رجلاً له خيل غير محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنه يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض.. الحديث).
إن الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب متحتم على كل من يؤمن بالله وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
إذ كيف يتأخر المسلم عن نصرة حبيبه صلى الله عليه وسلم وكيف يتردد المؤمن عن الذب عن الرحمة المهداة، والنعمة المسداة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، مثل هذا لا يتصور من مسلم ولا يظن بمؤمن إذ إن القلوب المؤمنة مجبولة على محبته صلى الله عليه وسلم والأنفس المسلمة تواقة لنصرته عليه الصلاة والسلام.
والقلوب المحبة له مشتاقة لبيان شوقها وحبها واقعاً ملموساً مشاهداً.
وإننا إزاء هذه الأحداث وأمام تلك الإساءات ومع فرحنا بتلك المواقف الإسلامية الرائعة الرسمية والشعبية، ومع ابتهاجنا بتلك الهبة الإيمانية للأمة المحمدية تجاه تلك الإساءات، إلا أنه يجدر بنا أن نقف وقفات سريعة ومهمة مع هذه القضية.
الوقفة الأولى:
ثمرة اتحاد موقف الأمة الرسمي والشعبي تجاه هذه الإساءات وأثر هذا الاتحاد في الموقف ليس على الدولة المسيئة (الدنمارك) بل على الدول الغربية جميعاً، ولعل ردود الأفعال الغربية الرسمية تؤكد مدى ما نتج عن هذا الموقف الإسلامي الموحد، من آثار لعل من أهمها إحساس المجتمع الغربي بثقل هذه الأمة، وأهمية احترامها واحترام معتقداتها ومقدساتها، وهذا ما نادى به بعض زعمائهم وساستهم الذين يدركون أبعاد هذا الموقف. فليت الأمة الإسلامية تدرك أن قوتها في وحدتها، وأن تأثيرها في اجتماع كلمتها، وأن سماع صوتها مرهون بمدى تضامنها دائماً واتحاد هدفها وأن هذه الأمة المسلمة ليست صفراً يسار الرقم بل هي رقم صحيح سليم تستطيع من خلاله أن تفعل شيئاً بل أشياء عديدة كبيرة، وأن يكون فعلها مؤثراً وفاعلاً متى ما وجدت الإرادة الصادقة، والتخطيط السليم، والتفكير المتعقل، والعمل المدروس، والتعاون والتكاتف ، بعيداً عن الاجتهادات الفردية، والتحركات الارتجالية، والتشنيج والانفعال الذي ربما قاد إلى عكس ما سعينا له وطلبناه، ومتى استمر هذا الموقف المسلم المتضامن والمتحد فستكشف الأيام للدنماركيين وللغرب أجمع من هم المسلمون؟!
والأمل بالله عز وجل كبير في هذه الأمة المسلمة أن تكون هذه الإساءات التي حصلت قائدة إلى قيام العمل الإسلامي المؤسسي الموحد في أشكال مختلفة للتصدي لمثل هذه القضايا بدلاً من أن تستمر ردود أفعالنا فردية أو وقتية، وقد عودتنا الأحداث، أن هذه الأمة هي أقوى الأمم في رد الفعل الفردي ولكنا مازلنا الأقل في رد الفعل المؤسساتي، ولا شك أن الرد الفردي وإن كانت له محاسن فله من السلبيات والعيوب الشيء الكثير يكفي من أهمها سرعة التلاشي لردة الفعل، أو ردة الفعل غير المسؤولة، أما ردود الأفعال المؤسسية فهي في غالبها ردود أفعال منضبطة ومتزنة، وذات أبعاد مدروسة ومسؤولة، وهي أيضاً في ذات الوقت مدخل للعمل مع مؤسسات عالمية يمكن من خلالها أن نطرح آراءنا ومطالبنا، وأن نحقق أهدافنا السامية النبيلة.(11/87)
ولعل المنظمات السياسية وعلى رأسها الأمم المتحدة، التي فيها كثير من الأنظمة والقوانين التي يمكن توظيفها للعمل على وقف أي تشويه أو إساءة للأديان والمعتقدات ولعل منها ذلك القرار الذي يدعو إلى مناهضة تشويه الأديان في العالم.
وتفعيل مثل هذا القرار وغيره من القرارات، أو السعي المؤسسي مع مثل هذه الهيئات لاستصدار قرارات مشابهة، يجعلنا في منأى إلى حد ما عن كل شائنة يقذف بها ديننا ونبينا وقيمنا بين الفينة والأخرى.
ولعله لا يفوتني أن أذكر في هذا المقام أهمية أن تستفيد الحكومات والمؤسسات الإسلامية من هذه الهبة الشعبية الغاضبة لتكون وسيلة من وسائل الضغط على المؤسسات والحكومات الغربية لتحقيق مزيد من الحقوق للمسلمين وألا تمر ثورة الشعوب الإسلامية على الحكومات والمؤسسات الإسلامية مرور الكرام.
بل تستثمر هذه الأزمة لاستصدار القرارات والأنظمة والمواثيق التي تحمي من الاعتداءات على الأديان والمقدسات وتستثمر كذلك ببرامج عملية مؤسسية تُعرف الغرب بالإسلام ونبي الإسلام وآداب الإسلام.
الوقفة الثانية:
العاطفة أمر في غاية الأهمية، وهي الروح التي تسري في الأجساد، والدماء التي تسيل في العروق، وهي المحرك لكثير من الأعمال والأفعال، ولكن المهم أن تكون العاطفة التي قادتنا لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم عاطفة متزنة حكيمة غير متهورة، راشدة لا طائشة، تحسب لأعماله وتخطط لأهدافها، ولذا كان من الأهمية بمكان توجيه هذه العواطف التوجيه الأمثل، وإرشادها نحو العمل الصحيح وعلينا أن ننأى بأنفسنا عن كل ردة فعل غير مسؤولة، وأن تكون غيرتنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم منضبطة بضابط الشرع، ملتزمة النهج المحمدي، والهدي النبوي، سائرة في ركاب العلماء، آخذة بتوجيهات الحكماء والصلحاء، مما يعكس سمو هذا الدين، وسمو هذه الرسالة، ورقي اتباع هذا النبي العظيم صلوات ربي وسلامه عليه الذي أوذي عليه الصلاة والسلام كثيراً من أعدائه اليهود والمشركين والمنافقين، فكانت ردود أفعاله صلى الله عليه وسلم سبباً في إسلام كثير منهم، لذا فمن الأجدر بأتباعه عليه الصلاة والسلام وهم يواجهون هذه المحنة أن تكون ردود أفعالهم ردوداً تتفق مع النهج المحمدي، الذي يمثل الطابع الحضاري في التعامل مع مثل هذه الأحداث فلا إحراق السفارات، ولا الاعتداءات على الأشخاص، ولا تخريب الممتلكات من الهدي المحمدي في شيء، بل إن هذه الأعمال تسيء إلى قيمنا الإسلامية، وتبعثر جهودنا وتعكس صوراً غير حميدة عن المسلمين لدى المجتمع الغربي والشرقي على حد سواء الذين بدأوا ينظرون للمسلمين ويتساءلون ما سر هذه الغضبة؟! ومن هذا الرجل الذي غضب لأجله المسلمون؟! وماذا يمثل لدى المسلمين؟! إلى غير ذلك من التساؤلات المراقبة لمجريات الأحداث، وردود الأفعال، فيجب أن تكون عواطفنا لنصرة نبينا صلى الله عليه وسلم سبباً من أسباب نشر شريعته، وبث مبادئه والتعريف بما نحن عليه من قيم وآداب، تجعل المراقب والمتأمل بعقل وعدل وإنصاف ينقاد إلى هذا الدين والإيمان بهذا الرسول العظيم بكل سلاسة ويسر.
الوقفة الثالثة:
الحرية لها إطار معين ونظام تدور في فلكه، حتى يتم حفظ الأمن بجميع أنواعه، وحتى لا تستغل حرية الرأي في الاعتداء على حقوق الآخرين، فتعم الفوضى، وينعدم النظام، وتضيع القيم والأمم، وديننا الإسلامي هو من كفل حرية الرأي وأياً كان الحق في ممارستها، فلا بد أن تكون هناك خطوط حمراء، ونقاط تستوجب الوقوف والتروي وإمعان النظر قبل اجتيازها وإلا ساد العالم شيء من الفوضى العارمة، ونكون ابتعدنا عن المجتمع الإنساني المتحضر، وانتقلنا إلى عالم الغاب وعالم العداء والبربرية؛ لذا كان من المهم معرفة معنى حرية الرأي ومعرفة آلية ممارسة هذه الحرية، وحدود ممارستها، وإلا صارت الحرية تعدياً على الغير وانتهاكاً لحقوقه الدينية والاجتماعية، والثقافية والفكرية والأدبية والنفسية.
فأي حرية رأي تلك التي يتحدث عنها الغربيون اليوم.
أهي حرية الصفاقة والتطاول على المعتقدات الدينية والتجرؤ على الأنبياء والرسل؟!
أم هي حرية السب والشتائم؟!.
أم هي حرية التهكم والازدراء؟!.
أي حرية تلك التي تخترق أقدس المقدسات وأعز ما ينطوي عليه الوجدان، وهو الإيمان بالله وبرسوله وإذا لم يكن في هذه الدساتير الغربية العرجاء الشوهاء، ما يحفظ للمسلم حريته في المعتقد وممارسة شعائره وعباداته، فما هي إذاً حدود هذه الحرية ومعالمها وهويتها؟!
أين هي حرية الرأي لديهم يوم أن أرغم القائمون على المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لتقديم اعتذارهم الشديد لمجرد أن مجلة المنتدى نشرت مقالاً طالب فيه كاتبه بمقاطعة إسرائيل إلى أن تنتهي من إساءة معاملة الفلسطينيين؟! فأين هي حرية النشر وحرية الرأي في ثقافتهم؟!(11/88)
أين هي حرية الرأي لديهم، يوم كانت الصحافة الغربية تتحدث عن قضية تاريخية ليست مقدسة وهي محرقة (الهولوكست اليهودية) فصدر قرار رسمي بمنع الحديث عنها احتراماً لمشاعر بضعة ملايين من اليهود فلم تعد تجرؤ صحيفة أو صحفي للحديث عنها؟!
أم أن هذه الحرية لا تأخذ مداها الواسع إلا في شتم نبي الإسلام وأمة الإسلام ثم لا يعتقدون أنها توجب الاعتذار إلى ألف مليون مسلم، بينما يتم الاعتذار لمشاعر 10 ملايين يهودي؟! لتأذيهم من إنكار المحرقة؟!
إن هذا يظهر بجلاء ويبيّن بوضوح ازدواجية المعايير لديهم، وتناقض المبادئ عندهم، والمهم في الأمر أن لا ننخدع بالعبارات ولا ننجرف وراء التصريحات. وأن نعلم أن ما أحدثته هذه الصحيفة الدنماركية وغيرها من الصحف الغربية من حملة تشويه متعمد لشخص رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه،
إنما هو في حقيقته فجور إعلامي منسلخ من ضوابط الحرية الإعلامية فهي تطاول على المعتقدات، وتطاول على مقدس ديني من أعظم المقدسات الدينية، وهو في ذات الوقت تصعيد للتوتر العرقي وتعزيز لمبادئ الفرقة والكراهية، وتنمية للصراع العنصري، ولو أن مثل هذا خرج من صحيفة مسلمة أو رئيس دولة مسلمة ضد أمر غربي لطالب العالم الغربي بمساءلة ومحاكمة تلك الصحيفة بل ربما طولب بمساءلة الحكومة والدولة، ولعل تصريحات الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) تجاه إسرائيل خير شاهد على هذا التلون في المجتمع الغربي تجاه حرية الرأي مما يؤكد لنا أن هذا المصطلح شماعة يرفعونها لامتصاص حماس البسطاء من المسلمين والسذج من أهل الإسلام الذين يقولون إنكم لا تفهمون حرية الرأي لدى الغرب؟! فيا ليت هؤلاء يتطوعون ليتحدثوا عن محرقة الهولوكست اليهودية لنرى هل ستنشر مقالاتهم في الصحف الغربية أم ماذا سيقال لهم؟!
الوقفة الرابعة:
علينا أن ندرك أن للإعلام دوره، وتأثيره وبخاصة في عالمنا اليوم، لذا كان من الأهمية بمكان أن يُعنى المسلمون بالإعلام ووسائله المعاصرة المقروءة والمسموعة والمرئية، وأن ندرك مدى تأثير هذه الوسائل في الرأي العام العالمي، ومدى تأثيرها في إيصال رسالتنا للعالم، فحري بأبناء الأمة المسلمة الاهتمام بهذه الوسائل والعناية بها لتكون هي الناقل لصوتنا، المعبر لرأينا، الناشر لفكرنا وقيمنا الإسلامية الأصيلة، وكم هو مؤلم أن تكون هذه الحادثة الأليمة ثم تمر دون أن يجيرها الإعلام الإسلامي لبيان ما هية الإسلام، وشخصية رسول الإسلام وآداب الإسلام وأخلاق أهله وحملته، مؤلم حقاً أن تجد ثقافة الغرب التي تتدعي التحضر والرقي وسائل إعلام تقدمها للعالم بصورة جميلة، تغطي القبيح من أخلاقهم وتسكت عن التلون في مبادئهم والانتقائية في توجهاتهم ثم لا يجد هذا الدين العظيم، وهذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، إعلاماً يقدم للعالم سمو رسالته وعلو مقاصده ونبل أهدافه وأنه النبي الخاتم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين.
بينما يعج الإعلام بثقافة أولئك الغربيين، المنسلة من عصور الغابات، وقطيع الأبقار، وفلسفات المجانين، وتنظير الملحدين.
فهل ندرك أبعاد الإعلام، وهل يدرك أبناء الأمة المسلمة الأثرياء دور الإعلام في نصرة دين الإسلام ونبي الإسلام.
هل يستيقظ إعلاميو العالم العربي والإسلامي من سباتهم العميق، وتوجههم المغرق في التقليد والتبعية، وينفضوا عنهم غبار المادة ويتركوا اللهث وراء الفسق والمجون والفن الرخيص.
ليقوموا بواجبهم تجاه نصرة حبيبهم صلى الله عليه وسلم، عار والله أن تكون هناك قنوات فضائية عربية وإسلامية رسمية وتجارية، ثم لا نشاهد فيها إلا الساقط والمنحل، والرخيص والمسف إلا ما رحم ربك منها وكأن الأمر لا يعنيهم، والمصيبة لا تطرق مسامعهم، والقضية لا تمثل لهم شيئاً، عار على تلك القنوات الفضائية أن ينتسب ملاكها وأهل القرار فيها إلى أمة هذا النبي الكريم العظيم صلى الله عليه وسلم ثم لا يقدمون شيئاً لنصرته صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الخامسة:
كم هو مفرح للقلوب تلك المواقف الإسلامية التي قامت لنصرة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وكم هو مبهج للنفس تلك المواقف الإيمانية العظيمة التي انطلقت دفاعاً عن نبي الرحمة والملحمة صلوات ربي وسلامه عليه.
فرأينا المقالات الصحفية، ورأينا القصائد الشعرية، ورأينا الخطب المنبرية والمواقف الرسمية لبعض الدول العربية والإسلامية، والمواقف الشعبية للأمة الإسلامية ولعل المقاطعة الاقتصادية للبضائع (الدنماركية) كانت هي الشاهد الأكبر لهذه النصرة، ولا شك ولا ريب أن سلاح المقاطعة ذلك السلاح الحضاري هو سلاح مضاء ذو فاعلية عظيمة تجعل (الدنمارك) التي تعتز بثروتها الحيوانية البقرية رقماً خاسراً، ولا شك أيضاً أن هذه المقاطعة - بإذن الله - ستجعل حكومة (الدنمارك) تتذكر بألم كيف لم تستطع حماية مصالحها الاقتصادية، يوم أن سمحت لتوجه عنصري أن يسيء لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم غير آبهة بمشاعر المسلمين.(11/89)
إن هذه المقاطعة الاقتصادية ستجعل (الدنمارك) في حصار ضيق مهلك وستؤثر هذه المقاطعة على الحياة العامة عندهم، وستكون هذه المقاطعة بإذن الله إذا استمرت درساً لا يُنسى ليس للدنمارك وحدها بل لكل من يفكر بمواجهة أمة الإسلام بأية صورة تسيء لهذا الدين، سواء عبر رواية أو فيلم أو رسم كاريكاتوري أو مقال صحفي.
والمهم في هذه المقاطعة أن لا تكون فعلاً وقتياً سريعاً، ولا عملاً يتلاشى خلال أيام أو أسابيع، بل لابد أن يمتد لأشهر وسنين، وأن يكون سلوكاً للمسلم ينتهجه في نفسه ويربي عليه أبناءه وأهل بيته نصرة للحبيب صلى الله عليه وسلم وحينها (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
======================
سليمان البطحي نبذل ما نستطيع وأي عمل يحتاج إلى دعم
حوار: الإسلام اليوم
في إطار تعاون موقع الإسلام اليوم مع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، في حملتها الموجهة ضد ما يتعرض له المصطفى صلى الله عليه وسلم من حملة تشويه يقوم بها الفاتيكان، كان لنا هذا اللقاء مع المشرف على موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء م/ سليمان بن حمد البطحي..
ما هي الدّوافع وراء تزايد الحملة ضدّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الإعلام الغربّي بعد حادثة "11 سبتمبر"؟.
إنّ ما يحدث الآن هو من قبيل اقتناص الفرص، وهي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام ونبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- في قلوب جميع البشر غير المسلمين.
باعتقادك هل تقوم منظمات العالم الإسلامي بجهد كافٍ لصدّ الهجوم عن الإسلام ورسوله؟
بكل أسف لا؛ فالكل منشغل بإبعاد تهمة الإرهاب وتمويل الإرهاب عن نفسه، وبالتالي أصبح ذلك الأمر ليس من الأولويات، أضف إلى ذلك أنّ كل منظمة تعمل بمعزل عن الأخرى، ولا يوجد أي مستوى من التنسيق؛ فالجهود مبعثرة في الوقت الذي نحن بحاجة إلى جهد تكاملي يقوي الجميع.
تقومون بجهد كبير في اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-... لماذا تمّ تأسيس هذه اللجنة في هذا الوقت بالذات؟ وهل هناك إيجابيات تحققت على يد هذه اللجنة؟
إنّ أي عمل يحتاج إلى تمويل ماديّ، والمال في هذه الأيام شحيح فالكل (حكاماً ومحكومين) أصبحوا يخافون من تهمة "الإرهاب".
على كل حال نحن في اللجنة نبذل ما نستطيع، وقد قمنا بتنفيذ عددٍ من البرامج العمليّة منذ تأسست اللجنة من عقد للمؤتمرات إلى طباعة الكتب و المطويّات والردّ على المشكّكين وغيره مما يمكنكم الاطّلاع عليه على موقع اللجنة (www.icsip.com) ، ولكن يبقى ما تحقق هو أدنى من مستوى الطموح، فلدينا برامج كثيرة جاهزة للتنفيذ، ولكنها تفتقر فقط إلى التمويل المادي.
هل تعتقد فعلاً أنّ الفاتيكان هو من يقود الحملة التي سميت بـ (مليون ضد محمد ) في العالم الغربي؟ ولماذا في هذا الوقت ؟!
منظمة "رابطة الرّهبان لتنصير الشعوب" والتي أسّسها البابا "بيوس" بين عامي 1566-1572م، هي منبثقة عن "رابطة الرهبان" التابعة للفاتيكان وهي تحاول منذ إنشائها نشر المعتقدات المسيحيّة حول العالم، وأعتقد أنه بسبب إحساسهم بضعف الدعوة الإسلاميّة في هذه المرحلة التي تمر بها في ظل أحداث ما بعد 11 سبتمبر وتداعياته؛ أطلقت هذه المنظمة هذه الحملة.
هل هناك آليّات وخُطُوات متّخذة لدى الفاتيكان لترويج هذه الحملة؟ وهل تقف وراءها قوى سياسيّة؟
المطّلع على ما يجري الآن في الساحة الدوليّة يرى أنه لا فصل بين الدين والسياسة، فجميع الحملات التنصيريّة تدعمها في الغالب – مباشرة أو بصورة غير مباشرة- القوى السياسيّة بطريقة أو بأخرى.
تبدو العلاقة عكسيّة بين تمدّد العمل التنصيري، ومحاولات تقييد العمل الإسلامي في العالم... علاقة يعتريها الكثير من المتناقضات.. ماذا تقول في ذلك ؟!
هذا واقع نراه الآن، ولا تناقض فيه؛ ففي الوقت الذي تدعم الحكومات الغربية هذا المدّ التنصيري، وتقدم له جميع التسهيلات؛ نجدها في نفس الوقت تضغط على الحكومات العربية الإسلامية وخاصة المملكة العربية السعودية (مهبط الوحي) لإيقاف أي أنشطة دعويّة تهدف إلى " نشر الكراهية وعدم التسامح" تحت حجة "محاربة الإرهاب".
هل ترى أنّ العمل الإسلامي يستطيع خلال المرحلة القادمة أن يعاود نشاطه بنفس القوة.. ؟
هذا ما أتمناه وأرجوه، ورغم أني لست متفائلاً على المدى القريب، لكنّي أرى أنه إذا قام كل مسلم بدوره تجاه هذا الدين بتقديم زكاة إسلامية كما قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: " بلغوا عني ولو آية" فسنستطيع -بإذن الله- أن نتجاوز ذلك كله، ولن يستطيع أحد أن يوقف انتشار هذا الدين مهما بذل هؤلاء من جهد ومال وعداء ( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ...) [الأنفال:36].
=======================
سنة الأنبياء
الكاتب: د.سلمان بن فهد العودة(11/90)
أذكر أني قابلتُ أحد الشباب في الحرم المكي أيام رمضان, وكان يعتمر ويعتجر عمامة بيضاء، وشعره يضرب إلى منكبيه، ويلبس ثوباً قصيراً ربما إلى نصف ساقيه, وفوق هذا الثوب قميص أسود شبيه بالرداء.. في مشهد لافت للنظر, ومثير للانتباه؛ فكل من نظر إليه صعَّد النظر فيه وصوَّبه..
جلس معي, وسألته عن هيئته! فردَّ بأنه يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في لباسه وشعره، فأجبته بأن الصحيح أن مسألة العمامة ليست سنة, وإنما هي من عادات العرب في الجاهلية, وأما لبس الرسول صلى الله عليه وسلم لها فهو من باب العادة, فلا نقول: إنها مأمور بها ولا منهي عنها؛ بمعنى أنها أمر متروك لعادات الناس وأعرافهم، ولا يصح في العمامة حديث, هذه واحدة.
والثانية: أن الراجح في الشَّعر أنه من العادات؛ فطول شَعره صلى الله عليه وسلم ليس سنة وإنما عادة، ومن كان له شعر فليكرمه، والأمر فيه يسير.
أما الأمر الثالث: فهو أنك معتمر, والسنة التي لا خلاف عليها هو حلق الرأس للمعتمر, وقد دعا صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ), ثم قال في الثالثة: (وَلِلْمُقَصِّرِينَ)، فلماذا تركت هذه السنة الواضحة الثابتة؟!
أما رابعاً وأخيراً: فانتبه إلى حظوظ النفس, أن تجد مدخلاً من جهة لفت النظر والتميز, وأن تعمل ببعض الظواهر المختلف فيها لاسترعاء اهتمام الناس، وما في ذلك من كيد الشيطان الخفي، ونسيت أن صاحب السنة صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الشهرة، وهذا ما لم يذكره صاحب هذا الاقتداء المنقوص.
إن هذا نموذج للوعي السلبي بالاهتمام بالتفاصيل العادية غير المؤثرة, وفي المقابل خرم القواعد الكبار, تحت عباءة السنة النبوية وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم, فليست السنة امتحان الناس في تفاصيل التفاصيل, ولا تحميل الناس ما لا يطيقون من جزئيات وفرعيات وافتراضات؛ يتورعون فيها عن خفايا ودقائق لا ترد على البال إلا بتكلف وتعسُّف, ثم ينتهكون الحرمات المتفق عليها من أعراض الناس وحقوقهم, وواجبات التعامل الأخلاقي معهم, ورعايتهم والاهتمام بهم, وجمعهم على سبيل الوحدة والإيمان.
إن السنة النبوية العظيمة ليست حصراً في دقائق العبادات مع الإيمان بدخول ذلك في معنى السنة، إنها أعم من ذلك وأشمل وأعظم؛ إنها معانٍ شريفة في تحقيق مقاصد النبوة والرسالة، ووسائل صالحة نافعة لأداء هذه المقاصد التي خلق الله جنس الإنسان من أجل تحقيقها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: 56), ولقيام الناس بمعنى الإيمان والسعي للخير, ومكارم الأخلاق وأصولها, وأركان الإسلام من الشهادتين, والصلاة, والزكاة, والصيام, والحج؛ ولهذا لمَّا أخبر الله عن الأنبياء في السورة التي حملت اسم (الأنبياء) ذكر السنن العظام للأنبياء: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} الأنبياء: 73). فالخيرات ركن عظيم وسنة كبيرة من سنن المرسلين، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وعبادة الله.
وحين ذكر الله قصص أنبياء آخرين قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}الأنبياء: 90), وختم قصص الأنبياء في السورة بقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} الأنبياء: 92)، ثم خاطب رسول هذه الأمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}الأنبياء: 107- 108).
هذه هي مقاصد الأنبياء, ومعاني الرسل والرسالة، والقواعد الأساسية للسنة النبوية التي حكاها الله في كتابه الكريم، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه, كما في حديث جبريل الطويل عن أصول الإسلام والإيمان والإحسان؛ من فعل الخيرات, وإقامة أركان الدين العملية, وتحقيق الإيمان, واليقين, والخشوع, والعبادات القلبية, وتهذيب السلوك والنفس, وتوحيد الأمة على عبادة الله، وعدم السعي في تشتيتها أوزاعاً وأحزاباً تقتات من بعضها، وتطبيع معنى الرحمة والتبشير: (بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا) رحمة للعالمين أجمع.
هذه هي أهم السنن، فهل ترى سنة النبي صلى الله عليه وسلم مخالفةً لأصول الأخلاق, أو مجافيةً لمعنى الرحمة التي جعلها الله مقصداً للرسالة، أم هل ترى فيها سعياً لبث الضيق والتنفير بدل السعة والتبشير؟!(11/91)
وهؤلاء هم أحباب محمد صلى الله عليه وسلم في العالم الإسلامي, بل العالم أجمع يهبُّون لنصرته بالدعوات, والمؤتمرات, واللقاءات, والمقاطعات, بل والملصقات، فالله الله أن يكونوا على أثر محمد صلى الله عليه وسلم في تحقيق مقاصده؛ مقاصده في جمع الكلمة, ونبذ الفرقة، وفي تحقيق الإيمان والدعوة إليه، وفي مواقفه النبيلة عليه السلام.. ولنا في كل ذلك سنة واقتداء ولو كره المبطلون.
وأظن أنه لم يمر بالمسلمين عصرٌ يحتاجون فيه إلى إحياء سنته صلى الله عليه وسلم العلمية والعملية ومقاصده مثلما يحتاجون في هذا العصر، هنا وهناك انقسامات مذهبية حاضرة لتقديم شخصيات إسلامية إما نظرياً أو عملياً فوق مستوى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى مستواه، وانقسامات فكرية داخل مجتمعات المسلمين, قد تكون بسبب مؤثرات داخلية أو خارجية سواء كانت أفكاراً شرقيةً أو غربية، ولَّدت أشكالاً من التفرق، وانقسامات حركية في الجماعات الإسلامية المختلفة حتى ربما أعطي زعيم الجماعة -أحياناً- نوعاً من المكانة والهالة عند بعض الأتباع مما يرفضه المتبوع نفسه بسبب الارتباط العاطفي المتضخم, والولاء الفكري الراسخ.
ونحن في حاجة إلى سنته عليه السلام في صبره ويقينه، وعلى سبيل المثال: كان صلى الله عليه وسلم يتدرج في الدعوة إبان الفترة المكية، وتدرُّجه نوعٌ من الصبر الذي وصف الله به الأنبياء: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة: 24)، ومن هذه الآية قال سفيان كلمته الشهيرة: (بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين).
ولمَّا هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم كان يمشي بخطوات ثابتة ومواقف مدروسة، ولم يكن يغريه أن يقفز قفزات غير مناسبة, أو يحرق المراحل، وحتى ما يعدُّه الناس تراجعاًً أو فشلاً كان ينظر إليه وفق خطة عامة ذكية على أنه نجاح كبير, مثل صلح الحديبية, فمع أن بعض الصحابة صنَّفوه على أنه نوع من التنازل عدَّه صلى الله عليه وسلم نجاحاً كبيراً، بل سمَّاه الله فتحاً, كما قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}الفتح: 1-2)، فإن الآيات في صلح الحديبية على قول أغلب المفسرين.
ولمَّا رجع الناس من غزوة مؤتة -كما عند البيهقي في الدلائل وسيرة ابن إسحاق- كان بعض مَن استقبل المسلمين في المدينة يَحْثُونَ فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ! أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسُوا بِفُرَّارٍ, وَلَكِنَّهُمْ كُرَّارٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ينظر للأمر من مبدأ عام, ويمشي بخطوات ثابتة حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى المستوى والتأثير المعروف.
وإن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهمه لنفسيات الناس, وإدراكه لطريقة التعامل معهم, وحسن أخلاقه, ولطفه, وتجرُّده من أدواء النفس وخفاياها وأوضارها، وربما وجدت داعية إلى سنته صلى الله عليه وسلم يبتعد مع الأيام في قضاياه عن الدعوة؛ لكي يقترب من نفسه، فيرتبط بموقفه الخاص أكثر, ويغريه اهتمام الناس بذلك وحديثهم عنه, فتدور نقاشاته حول ذاته، وحتى حزنه على مَن رد دعوته هو في حقيقته ليس لفوات الخير عن الناس ورحمته لهم، بل لإحساسه بالتعرض لنوعٍ من الإهانة والابتذال، لتنتهي حقيقة الدعوة عند هذا وتبدأ حظوظ النفس ومشكلات القلوب.
ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي يقفزها الكثير من أتباعه مساعدته للناس على قبول دعوته، ولقد بلغ في هذا إلى قدر عظيم, حتى بنى جسراً للعدو الهارب, وفتح خطاً للرجعة لمن رفض القبول، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يذكّرهم ويعيّرهم بالماضي الذي قد يؤذيهم أو يبعدهم من هذه الدعوة, بل ساعدهم على النسيان حتى عفا عمن أخطؤوا عليه عام الفتح, وقال: (اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ) كما في السيرة النبوية وسنن البيهقي وتاريخ الطبري. ونهى عن سب المشركين الأموات حتى لا يؤذوا الأحياء.
وقد تجد من المصلحين اليوم من يشرف بنفسه على صنع الخصومة, ويضع العقبات لمن يظهر منه استجابة، من حيث يشعر أو لا يشعر، ويفتح باباً طويلاً عريضاً للمحاسبة في أخطاء الماضي وللشروط في قبول الدعوة كأنه يسعى لتأجيل استجابة الناس وتأخير وصولهم إلى بر الأمان.(11/92)
يعمل كل هذا في غفلةٍ عن أن الداعية مبلِّغ رشيد؛ يردم ما فسد من عوادي الزمن والأمم، ويخفف أجواء الشر والفتنة, بدل أن يحترق معها أو يحتطب لها أو يضيف إليها وقوداً جديداً في سبيل ما يظن أنها دعوة للسنة النبوية. فهذه هي السنة النبوية، وهذه سنن المرسلين لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فهم لا يسألون الناس أجراً, بل هم هدًى للعالمين وصدق الله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}الأنعام: 90).والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
صحيفة الجزيرة السعودية
===========================
شواهد ربانية تلهم التغيير
الكاتب: . باسم عبد الله عالِم
لم يكن بالمستغرب ولا بالمستهجن أن تتكالب الأمم علينا كما تتكالب الأكلة على قصعتها. واختلاق الأعذار لإيذاء المسلمين ومحاصرة الإسلام هو من أبجديات الصراع القائم حتى قيام الساعة. وأن يجد الغرب مدخلاً من صنيعته ويحيطه بإيحاءات تظهر وكأنه من أرباب العدالة أمرمتاحاً لأنه وببساطة يملك المعلومة والماكينة الإعلامية وأدوات الضغط السياسية والاقتصادية والعسكرية التي من شأنها أن تجبر الباقون على الانضمام على جوقة الشرف بقيادة الغرب على وجه العموم والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.
وإن كنت ممن أسهم في تنفيذ الادعاءات الغربية فإنني إنما أقوم بذلك لفضح النوايا وتبيان الحقائق كي لا يغتر به المغتر أو يسير في ركابهم وهو يظن أنه يحسن صنعاً. أما الولايات المتحدة الأمريكية ومن دار في فلكها عن دراية وقناعة وإيمان، فهم جميعاً قد اختاروا لأنفسهم أن يكونوا في فسطاط همه الأكبر محاربة الله ورسوله والنيل من هذا الدين وأهله. ولا بأس في ذلك فوجود فسطاطين هو من صميم الاختبار الرباني للأمة وناموس من نواميس الكون الباقية إلى يوم القيامة ولكل أن يتحمل تبعية اختياره في الدنيا والآخرة.
وانتفاخ الباطل وصولته وظهوره و استعلاوه أمر دائم التكرار بل لعله من المتطلبات المهيئة والممهدة لكي يكون انهياره انهياراً مدوياً. فالسقوط من علٍِ أبلغ مثلاً وأمعن عقوبة من التعثر على قارعة الطريق. وعندما أقول بأن ما يحدث اليوم أمراً طبيعي إنما أجعل ذلك في إطار السنن لا في إطار القبول والخضوع له وشتان بين الأمرين.
والمؤلم أشد الإيلام هو أن نرى تخاذل وخضوع مراكز القوى المسلمة إفراطاً في حماية مصالحها وتفريطاً في حق الأمة، بينما الباطل يجتهد في إعلاء باطلة. بالرغم من تفوقه المادي. وقد راقبت ردود الفعل العربية والإسلامية على اتهامات الغرب للأمة بأنها موئل الإرهاب ومصدره فما كان من مراكز القوى إلا أن تسارعت ميممة نحو أعتاب الغرب كل يحاول أن يبرهن على براءته من هذه التهمة وأدى ذلك إلى المزيد من التدخل الغربي زاد مراكز القوى عناءً ورهقاً فلم يعد يكفي إعلان البراءة ولم يعد يكفي إعلان الولاء. لقد وجد الغرب ثغرة من خلال ضعف نفوسنا فزاد من مطالبه محاولاً الإملاء علينا ما يجب أن نقوله ومن يجب أن نتبرع له وكيف يجب أن نعلم أبناءنا ومن يجب أن نناصر ومن يجب أن نناوئ ومن يجب أن نسالم ومن يجب أن نعادي وجراء ذلك كله توقفت الإعانات والتبرعات وكل أعمال الخير في سرعة عجيبة وكأنها وافقت هوى في النفس عند البعض وظهر الضعف الذي جعلنا غثاء كغثاء السيل ومن تبقى منهم يغالب نفسه ويقدم النزر اليسير على استحياء مشترطاً تارة ومرتجياً تارة أخرى أن يظهر اسمه وأن لا يذهب المال إلى أولئك الذين لا ترضى عنهم أمريكا ولا يرضى عنهم الغرب. ويتلفت أحدنا من حوله فيجد صورة بائسة لأطلال كانت يوماً ما مصدر إشعاع للخير، فالمساجد والمدارس والجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والأئمة والدعاة وهيئات الإغاثة ودور الرعاية للعجزة أو الأرامل أو اللقطاء والمستشفيات الميدانية كلها أصبحت اليوم رسما ومبنىً دون معنى، أصبحت كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة على فراش الموت. وما أن يستصرخنا مسلم ويهيب بنا بنداء واهٍ قائلاً (وا إسلاماه) حتى تتفاعل النفوس في لحظة من لحظات الصحوة، ولكنها في مواجهة ما حدث، لا تجد ما يحمل همها من تلك المؤسسات والهيئات بعد أن أدى تخوفها وتقاعسها فيما سبق إلى أن تموت الرواحل والمراكب عطشاً وجوعاً. وعلى النقيض من ذلك تتيه الجمعيات الغربية الإغاثية والخيرية وتتفاخر بأنها أول من أغاث المنكوبين وبأنها وصلت إلى المحتاجين من المسلمين قبل أن يصل إليهم أخوانهم من بني جنسهم ودينهم إن ذلك لعمري من السخريات التي ساهمنا في صناعتها وتحقيقها على أرض الواقع وكأننا ممثلون على مسرح ساخر هدفه التحكم والنيل من الإسلام والمسلمين درينا أم لم ندر.(11/93)
واليوم ونحن في غاية الوجل والخوف بدأنا نلحظ مواقف كنا نظنها من المستحيلات. فالمواقف الأمريكية والغربية السابقة لم تكن لتنبئ بأنهما يستران خوفاً وجزعاً عميقين من الإسلام وأهله، فاليوم نجد الغرب بكل طغيانه وجبروته يساوم حماس وهي على ضعفها وقلة حيلتها وابتعاد مراكز القوى عنها ململمة أطراف أثوابها كي لا يتلطخ ثوبها بالدم المتطاير لما يعتقدونه من دنو أجل حماس على أيدي أمريكا والعدو الصهيوني. ولكن ظهور حماس معتدة بمبادئها عزيزة في مواقفها تتعامل مع العدو بالعزة والندية أربك العدو وأربك الغرب وأظهر عوار الهيمنة الغربية ومواطن ضعفها، فالغرب لا يهيمن أو يسيطر إلا من حيث يجد فينا خوراً أو ضعفاً ولا يتبجح ويصول وينتفخ إلا عندما نتوارى ونبتعد ونذل ونكسر كبريائنا وننهزم في داخلنا فيخلو له الأمر إذ لا يجد ما يهزمه فينا وقد كفيناه المؤونة في ذلك. وما ينطبق على حماس ينطبق على غيره من الكيانات المسلمة أو ذات التوجه الإسلامي رسمية كانت أو غير رسمية دولية كانت أو محلية.
واليوم أتسائل، ماذا لو أن رجال الأعمال قرروا مجتمعين أن يضربوا بعرض الحائط مخاوفهم ويعلنوا على قلب رجل واحد نصرتهم لقضايا الإسلام والمسلمين وتبرعهم المباشر دعماً لإخوانهم وأخواتهم في كل موطن من مواطن الاحتياج سواء كان ذلك في فلسطين أو العراق أو أفغانستان؟ وماذا لو أن الحكومات العربية والإسلامية قررت مجتمعة أن ترفض المطالب الأمريكية بتجميد الحسابات وحجز الأموال؟ وماذا لو قررت المصارف العربية والإسلامية حماية عملائها وسريتهم، فرفضت مراقبة حساباتهم أو الكشف عنها؟ وماذا لو تم تجنيد القوى الاقتصادية والقوى الشرائية في سبيل إملاء شروطنا ومطالبنا الأمنية والسياسية لنخفف عن أسرانا في السجون الأمريكية والأوروبية؟ ترى ماذا سيقول الغرب وكيف يصنع في مواجهة هذه المواقف؟ لقد من الله علينا ليرينا ما قدّر أن يكشفه ويظهره من إمكانيات كامنة فينا من جهة وضعف وهلع مستتر في الغرب من جهة أخرى. ولعلنا اليوم نشير إلى الحالة الحماسية عنواناً لمواقف حماس وردود الفعل الغربية المتحولة والمتغيرة بحسب صرامة رد فعل الشارع المسلم وقدرته في التأثير. إن هاتين الحالتين خير مثال وخير مؤشر وخير مرشد.
ولطالما بحثت الأمة عن تلكم الطليعة التي تقدم نفسها فداء للأمة، فقدر الله أن ينيط هذا الشرف بأخوة لنا في فلسطين يتمثلون في حركتي حماس والجهاد وفي كل من آمن بحقه في الذود عن مقدساته ومقاومة العدوان والاحتلال بكل الوسائل المشروعة التي أقرها الله سبحانه وتعالى القائل: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير). أما في محيط الأمة وهيمنة الحكومات ومراكز القوى فيها فقد أظهرت لنا الأحداث أن هذه الحكومات اندهشت من الموقف المتراخي للغرب أمام صمود حماس وصمود الشعوب الإسلامية في الحالة الدنماركية فمنهم من سارع أن يلملم ما تبعثر ويضمد الجراح وكأنه يقول لحماس ولشعبه على استحياء (إنه لم يكن يقصد القيطعة أو الطرد ولم يكن يقصد التسلط والتجبر) محاولاً البحث عن ثوب جديد يناسب الحالة الجديدة بعد أن اضطرت أمريكا نفسها، والغرب من ورائها، أن يجدوا لانفسهم ثياباً وأزياء تنكرية جديدة تناسب الحالة. وهناك آخرون استيقنوا أن الإذعان للغرب ومراده لم يكن في محله وأصبح غير مبرر، وعندما ضربت حماس مثالاً استيقظوا من سباتهم وأصبحت مواقفهم أكثر ملاءمة وألصق برغبات شعوبهم ومواقفها. إننا اليوم أمام مفترق طرق حقيقي ينبئ بصعود مؤشر الرفض الإسلامي واستقلالية القرار والأخذ بزمام المبادرة مروراً بالتأثير ثم الغلبة وانتهاء إن شاء الله بالتمكين ولكن كل ذلك لن يكون ما لم نعمل بسيرة الأولين في إطار المعطيات الراهنة كل حسب إمكانياته ولنا في حماس من جهة وباقي الشعوب الإسلامية من جهة أخرى قدوة ومثال على إنزال متطلباتنا منزل التفعيل في كل زمان ومكان. إنني أدعو وبكل صدق أن يعيد كل منا النظر في ذاته وفي مواقفه وفي مخاوفه ومصالحه واضعاً الأولويات التي من شأنها في خاتمة المطاف أن تحافظ على هذه المصالح ومصالح الأجيال القادمة مهما ظهرت من خسائر أولية. إنها دعوة إلى كل إنسان مسلم من خلال إمكانياته سواء كان تاجراً أو مصرفياً أو إعلامياً أو سياسياً أو مستهلكاً لسلعة أو مربياً في مدرسة أو خطيباً في مسجد أو صاحب مهنة حرة أو فناناً مبدعاً أو صاحب حرفة يدوية أو حاكماً أو مسؤولاً لأن نعيد صياغة المواقف والمفاهيم وننفض غبار الذل والخضوع متحدين بذلك كل من أراد أن يفرض علينا رؤيته أو يجبرنا أن نشاركه ظلم إخواننا وبني ديننا. يمكننا اليوم, لما نراه من شواهد, أن نقول (لا) وأن نعمل بمقتضاها.
والله من وراء القصد,
E-mail: alim@alimlaw.com
نشرت بالعدد (15647) من جريدة المدينة، يوم الجمعة بتاريخ 25محرم 1427ه الموافق 24 فبراير 2006م،
===========================
شيء من عبق الرسول(11/94)
منصور النقيدان
بقيت أوصاف الرسول الخَلقية والخُلقية، التي حكاها أصحابه وتناقلتها كتب السير والشمائل ملهمة لأتباعه يتطلعون للاقتداء به، ويسعدون حين تقارب سحنة أحدهم وصفاً يقاربه أو حالاً يتفق مع شيء من أحواله
يذكر سمير غريب رئيس قسم التنسيق الحضاري بوزارة الثقافة المصرية أن أحد أباطرة الصين طلب من بعض فناني المسلمين عمل صور للرسول محمد عليه الصلاة والسلام بعد وفاته بمئتي عام، فقاموا في البدء بجمع أوصافه من كتب المسلمين، مثل السيرة النبوية وكتب الشمائل المحمدية، وبعدها قدمت له صورته وفق ما توفر لديهم، وهذه القصة تشابه قصة مجموعة الجمال وهي إحدى وأربعون لوحة قام بعملها مجموعة من الفنانين الألمان، تلبية لرغبة ملك بافاريا الملك لودفيغ، تختصر جمال نساء الكون في تلك الإحدى والأربعين فتاة اللواتي استغرق البحث عنهن مايقارب خمسة وعشرين عاماً.
وكان بعض سلاطين العثمانيين وملوك الفرس يحتفظون في قصورهم بجداريات تضمنت رسوماً للرسول، وحسب معلوماتي فإنه من ضمن 600 قطعة يحتفظ بها متحف (الأمانة المقدسة) في إستانبول بعض من هذه الجداريات التي لا يتاح معظمها للزوار، والتي كانت ضمن مقتنيات الباب العالي، وفي بازارات مدينتي مشهد وقم الإيرانيتين تباع منسوجات عليها صورة ل(حضرت محمد)، في فترة صباه شاباً يافعاً يرتدي رداءً، مفلوج الأسنان، حيث يجيز عدد من مراجع المذهب الشيعي تصوير الرسول إذا كان ذلك في إطار الصورة المتخيلة للجمال والبهاء النبوي. لكن بعض ملامحه، مثل حاجبيه المفروقين وأنفه، لاتتطابق مع ماتناقلته مرويات أهل السنة عن أوصاف الرسول بعد النبوة، من أنه كان أقرن الحاجبين أشم الأنف.
بعد وفاة الرسول بفترة وجيزة كان الصحابة والتابعون يتقفرون بقايا صورته في بعض أهل بيته والأدنين من عشيرته، آثاراً من أوصافه تذكرهم به وبسيرته وحياته، وكان قثم بن العباس ابن عم الرسول أشبههم به، ولهذا كان محظياً من والده العباس وله مكانة خاصة وكان العباس يرقصه وهو طفل صغير ويلاعبه وينشد: حبي قثم ? حبي قثم ? شبيه ذي الأنف الشم ? رسول ربي ذي النعم
وكان جعفر بن أبي طالب هو أكثرهم شبها بالرسول، ولكن جعفراً توفي في غزوة مؤتة والرسول بين ظهراني المؤمنين .
بقيت أوصاف الرسول الخَلقية والخُلقية، التي حكاها أصحابه وتناقلتها كتب السير والشمائل ملهمة لأتباعه يتطلعون للاقتداء به، ويسعدون حين تقارب سحنة أحدهم وصفاً يقاربه أو حالاً يتفق مع شيء من أحواله، طريقته في التبسم، وهيئته حينما يلتفت، ونهجه الأعظم في التعامل مع الأطفال والنساء، وأسلوبه في الحديث والخطابة، وحياؤه الشديد وخجله حينما يبدو على وجهه الغضب كحبات الرمان، أوحينما يغضي حياء عن الإساءة.
وحيث إن المسلمين لا يملكون أي صور أو رسوم للرسول عليه السلام ألبتة، لا في حياته ولا بعد وفاته مع إمكان ذلك واقعاً، لا بين ظهراني عرب الحجاز ولا عند غيرهم ممن هم مظنة ذلك، كما في القصة الشهيرة لالتقاء الرسول ببحيرا الراهب في الشام قبل النبوة، حيث كان الأخير مهتماً به، مندهشاً حسب ما يحكى من علامات رآها وآيات تعزز اعتقاده بأن محمداً سيكون نبي العرب القادم، فقد عوض المسلمون عن ذلك وسدوا النقص بحكاية أدق الأشياء عنه: عدد الشعرات البيضاء في لحيته، وفي رأسه واختلاف أحوال شعر رأسه حسب المناخ، من لمة إلى وفرة، إلى جمة، وبياض أسنانه ولون بشرته، وشعر جسده، وشكل فمه، وطوله وعرضه، ولهذا ارتبطت مصداقية رؤيا المؤمن للنبي في المنام بمدى مطابقتها للأوصاف التي ذكرت له واستوفتها كتب السنة والسيرة وأفردت في كتب عرفت باسم الخصائص المحمدية أو باسم الشمائل.
روى البخاري أن الرسول قال: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي»، ولهذا طفحت كتب السلف والصوفية والنساك بقصص الأشخاص الذين رأوه في المنام، وكانت رؤيتهم له انقلاباً ومنعطفاً كبيراً في حياتهم، إما لأنه أفضى إليهم بأشياء تخص روابطهم الأسرية والاجتماعية، أوذات علاقة مباشرة بصلتهم بالله ومدى تمسكهم بشعائر الدين، أو لأن لقاءهم به حمل بشرى ووعداً لهم بالنجاح ويسر الأمور وتجاوز المحن، أو كانت الرؤيا سبباً في حل إشكال عقدي ومسألة فقهية مستعصية، لكن أحداً من علماء السنة قطعاً لم يقل بجواز أن يستلهم من تلك الأخيلة والمنامات التي يتم اعتبارها رؤى حقيقية و(وحياً من الله)- حيث الرؤيا الصادقة جزء من النبوة، ومن المبشرات- صوراً تجسده أو تقارب خياله في رؤى الصالحين من عباده.(11/95)
وأحد مبررات التحريم لدى المانعين أنه لايمكن مهما حاول بنو الإنسان أن يقاربوا صورته وخياله الشريف أن يطابقوا الواقع أو أن يقاربوه، ولكننا نجد في السيرة النبوية قصصاً تحكى عن أشخاص لم يلتقوا بالرسول من قبل، تمكنوا من معرفته وتمييزه بين أصحابه وهو ساكن لا حراك له، وحواريوه يحيطون به كالعقد، ولولا الأوصاف التي نقلت عنه ومقاربة الآخرين لأخيلة في أذهانهم لشكله لما عرفوه، وهذا شيء بديهي، وفي سورة الأنعام يقول القرآن الكريم: {ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم مايلبسون}. ولو كان الرسول شيئاً متعالياً عن الشبيه لما كان لآية: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} أي خصوصية بالله كما يعتقد المسلمون.
كما يذكر آخرون أن سبب التحريم هو أن محاولة تصويره إساءة له بحد ذاتها، وأنا أترك التعليق على هذه النقطة.
وثالثها حرمة التصوير في الإسلام، وتشتد حرمته حسب المانعين له إذا تعلق بالرسول الخاتم، فيكون تحريماً مضاعفاً، مثل مقارفة الكبيرة في الحرم، وتخبيب زوجة الجار، وزنا المحارم.
يذكر المفكر الإسلامي التونسي يوسف الصديق أن مسألة تصوير الرسول عليه السلام تحليلاً أو تحريماً بقيت مسألة مسكوتاً عنها لأربعة أو خمسة قرون من وفاته، مستدلاً بأن القرآن خال تماماً من أي ذكر لها. كان الرسول كثيراً ما يضرب الأمثلة لأصحابه ويستخدم الرسوم لتوضيح مراده كما في وصفه لصراط الله المستقيم وللسبل التي تتناوحه وتختطف المسلم وتضله عن سبيل الله، حيث قام برسم خط مستقيم وحوله خطوط، وعند المسلمين أن الملائكة في مرتبة تضاهي مرتبة الأنبياء، ومنهم رسل مثل جبريل صديق الرسول ومبلغ الوحي الأمين، وأحاديث السنة تطابقت على أنه كان يأتي إلى الرسول بصورة تتطابق مع صورة دحية الكلبي، الذي يقال إن الشيطان جاء مرة على هيئته أيضاً في إحدى غزوات الرسول مرجفاً بينهم يبث الشائعات لإحداث فتنة بين المسلمين والتشبيه عليهم.
لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة عام الفتح لتطهيرها من الأصنام وبقايا الجاهلية وجد رسوماً على جدرانها تصور إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فأنكر ذلك واستعظمه وبرأهما، وقام فبلل رداءه بالماء ومسح تلك الصور، وكانت تلك الحادثة مع أخريات غيرها من وقائع ووصايا للرسول تحدد موقف الإسلام من التصوير والرسوم عامة، ومن صور تسيء إلى الأنبياء خاصة وتصورهم بغير الحقيقة القرآنية.
ويذكر ابن القيم الحنبلي في كتاب زاد المعاد أن علياً بن أبي طالب دخل إحدى الكنائس فوقف طويلاً يتأمل ويتعجب من رسوم تصور المسيح وأمه العذراء.
يذكر أحد الصحابة أنه رأى الرسول عليه السلام ذات مرة ورأى القمر ليلة البدر، فلا يدري أيهما أجمل، الرسول أما البدر، ويقول أنس بن مالك خادمه إنه لم يمس يداً ألين وأنعم من القطن مثل كف الرسول.
تذكر عائشة زوج النبي أنها ذكرت للرسول أحد المنافقين وجعلت تحاكي مشيته وتسخر منه، فكره الرسول ذلك منها وقال: «ياعائشة ما أحب أنك فعلت ذلك».كان هذا الموقف الأخلاقي العظيم لنبي مؤيد من السماء، في حديث خاص بينه وبين أحب نسائه على قلبه , وأكثرهن حظوة عنده، إنسانة بلغ من ثقتها بحبه لها، أن قالت لأبيها والرسول يسمعها بعد تبرئتها من قصة الإفك المؤلمة: «والله لا أقوم له، ولا أحمد إلا الله»، في إشارة منها إلى عتبها على الرسول وحزنها مما نالها، منعه نبل أخلاقه من أن تهزأ زوجته بأحد أعدائه وتحاكيه وتصور له مشيته لايسمعهما إلا الله، نبي بلغ من تعظيم معظم علماء أمته له أن منعوا أي تصاوير له مهما كانت دوافع أصحابها، ومهما أظهرت تلك الصور في قالب الإجلال والتعظيم والافتتان بجماله الروحي والجسدي، فإن على أولئك الذين يعترفون بقرارات ألسنتهم - كما في لقاء راديو ال«بي. بي. سي» مع محرر القسم الثقافي في صحيفة لاندز بوستن الدينماركية - أنهم لايعرفون إلا القليل جداً عن الإسلام والرسول محمد، أن يتوقعوا ردة الفعل الصاعقة من المسلمين في أنحاء المعمورة، حينما يصورون نبيهم وحبيبهم ومن هو أعز عليهم وأغلى لديهم من أبنائهم وأموالهم بصور مهينة تحط من قدره وتسخر به، إنه لأمر مثير للقرف أن تبرر الصحيفة تلك الإهانة المتعمدة بأنها نشرت قبل سنتين رسوماً ليسوع المسيح وهو مصلوب وبيده قناني الخمر، فلم المسلمون غاضبون؟!
وتبلغ الصفاقة مداها حينما تعتقد الصحيفة بأن نشر تلك الرسوم ستخلق جواً من الحوار الحضاري.
حتى أولئك الذين لايعتقدون بالإسلام، ولايؤمنون بمحمد نبياً ورسولاً، عليهم أن ينكروا ماحدث، لأن محمداً كان ولم يزل من أعظم من عرفته البشرية عدلاً ونبلاً ورحمة وإنسانية وتحضراً، وأنه لو لم يكن شيء من ذلك أساساً فإن إنساناً يتبع ديانته ربع أهل الأرض لخليق بالحكماء والعقلاء أن يحسبوا لكلمة نابية بحقه أو صورة تنال من مقامه ألف حساب، وعليهم حينما يشطحون أن لا ينتظروا سلماً أو طمأنينة.
4 تعليقات
1
رسول رب العالمين(11/96)
جزاك ا لله خيراً يامنصور...
وهداك الى الطريق الحق والإستقامة.آمين
Falcon eyes
07:42 صباحاً 2006/02/10
2
اللهم صل و سلم على محمد
(لأن محمداً كان ولم يزل من أعظم من عرفته البشرية)
بل هو هو أعظم البشر على الإطلاق و هو سيد ولد آدم صلى الله عليه و سلم.
بارك الله فيك يا منصور و كثر من الصلاة عليه خاصة يوم الجمعة و أنت الكسبان
عبدالله المسلم
01:59 مساءً 2006/02/10
3
اهلا بك يامنصور
نشتاق لقلمك العاقل المنطقي. ونتمني ان تستمر.
بخصوص تلك الرسوم السخيفة. اكرر رائيي الشخصي انها اظهرة ضفنا وليس قوتنا للاسف.
ومبرري ان سفهاء العالم ليسوا قلة يمكن ان نربطهم. بل كثرة من ان نعدهم. ولا استبعد ان يتم استفزازنا مرات عديده من طالبي الشهرة والمال.
سلمان رشدي كاتب فاشل. شهرناه بالضجيج. واصبح كاتب يبيع الملايين من النسخ من فكره السخيف. ولو تم تجاهلة لقبع في مكانه الصحيح. ومن هذا المنطلق سنجد كثيرون يمكن ان يحدوا حدوه من رسامين او صحففين مغمورين او حتي صحف علي حافة الافلاس او مخرج افلام مغمور.
المفروض ان يتناول هذا الامر العقلاء وليس العامه. العقلاء يملكون مفاتيح الحلول والعامه يملكون الغوغاء.
خوفي وقلقي ان تلك السخافات تتكرر من الكارهين او المغمورين. وسؤالي ماذا نحن فاعلون.
الموضوع الان الخاسر الاكبر منه التجار العرب او المسلمين الذين تمت مقاطعتهم والبضائع اغلبها غذائيه لها تاريخ محدد. الدنماركيون خسروا المبيعات المستقبليه ولكنهم لم يخسروا قطعة زبدة واحده في مستودعاتهم. المفروض انه تم التنسيق مع الغرف التجاريه لامهال التجار فترة معينه لتصريف بضائعهم ومن ثم يتم تحذيرهم بعدم الاستيراد. وبعدها تعلن المقاطعه.
ولكن للاسف الخاسرون هم تجارنا المسلمون. لان من تبني هذا الامر لم يكن يخشي علي اموال المسلمين بقدر ماكان له اجندة مختلفة ليس الدفاع عن نبينا عليه السلام فيها. بل استعداء العالم الاسلامي لماهو غربي نتيجة لموقفه من ايران.
الشاوي
02:33 مساءً 2006/02/10
4
؟ !
اقتباس :
" وعليهم حينما يشطحون أن لا ينتظروا سلماً أو طمأنينة ".
كنا ننتظر منك أن لا تزيد فتيل الغضب الجارف... !
ولماذا لا ينتظرون سلماً ؟ !
ألم يكن الرسول الكريم يتعرض للسب والشتم والأذى في حياته... !
هلاّ قلت لنا كيف كان يواجه الرسول الكريم تلك الإساءات ؟ !
بالغضب ؟ بالحرب ؟ بالمقاطعة وعدم الدعوة ؟ بماذا ؟ !
كلنا يعلم أن الرسول الكريم كان يواجه تلك الإساءات بالصبر والحكمة والموعظة والدعوة الحسنة !
أغلب من يقاسي آثار المقاطعة هم أناس لا ناقة لهم ولا جمل في الموضوع !
علي محمد
02:58 مساءً 2006/02/10
=======================
صبر النبي عليه الصلاة والسلام على الدعوة
الكاتب: د.عبدالوهاب بن ناصر الطريري
أيها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات حياكم الله مع لقاء يتجدد نرحل به مع قلوبنا أرواحنا وجداننا، نرحل به إلى هناك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع رسول الله في دعوته، هذه الدعوة التي كان مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ملحمة في الصبر، دأب وطول الأمل واليقين والثبات، هذه المعاني ليست معاني مجردة نذكرها سرداً وعداً لكنها حقائق تشرق من حال النبي صلى الله عليه وسلم.
عندما نتقفى هذه السيرة نفوسنا ظمئة يرويها أن ترد معين السيرة ومعين حال النبي صلى الله عليه وسلم فتتروى من هديه وهداه، نحن أحوج ما نكون إلى أن نورد قلوبنا المكدودة معين سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجد هناك مستراحها وأنسها، ولذلك استنهض نفوسكم أيها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات أن نذهب إلى هناك، نرحل مع خبر تقصه علينا أمنا عائشة.
أمنا تستنطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستروي خبره فيخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تستقرئه وتسترويه مسيرته مع دعوته، تستروي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تحضره من أحواله وقصته مع الدعوة، تفتح وعي أمنا عائشة رضي الله عنها مع الرسول والرسالة على حوادث وافتها لحداثة سنها وصغر عمرها، أحداث أخر ولذلك كان أشد ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم مما أدركه وعي عائشة يوم أحد وإذا بها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ما قبل يوم احد، فتقول له : يا رسول الله هل مر عليك يوم هو أشد عليك من يوم أحد؟ سؤال من أمنا عائشة وكانت صغيرة السن لكنها عبقرية ذكية ولماحة، هي تعلم ماذا لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد، في يوم أحد شج جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كسرت رباعيته، غاصت حلقتان من حلقات المغفر في وجنتيه صلى الله عليه وسلم.
صرع أصحابه حوله، وقف على جثمان عمه حمزة أحب الناس إليه وخيرة أهل بيته، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جثمانه وقد بقر بطنه، واستخرجت أحشائه، ومثل به، فوقف صلى الله عليه وسلم كاسفاً حزيناً على هذا الجثمان الطاهر وهو يقول: لن أصاب بعد اليوم بمثل مصيبتي فيك.(11/97)
كل هذا أصاب النبي صلى الله عليه وسلم في أحد، فهل أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أشد من ذلك؟ يا رسول الله هل أصابك ما هو أشد عليك مما أصابك يوم أحد، سؤال أمنا عائشة فما كان الجواب، ماذا كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنما تنكأ جراحاً غائرة في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد لقيت من قومك أذاً شديداً كأنما كان سؤال عائشة يسترجع ذكريات مضى عليها زمن طمرتها السنين، فإذا بعائشة تستثيرها وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يجيب وكأنما عادت هذه المشاهد حية أمام ناظريه صلى الله عليه وسلم، لقد لقيت من قومك أذاً كثيراً يعني نعم، مر عليّ ما هو أشد من يوم أحد فما الذي كان أشد من يوم أحد، ما الذي كان أشد من جرح في الجبين وكسر السن وأن تغار حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وأن يرى أصحابه يصرعون حوله وأن يقف على جثمان عمه حمزة مشوهاً ممثلاً به، ما هو أشد من ذلك أشد من ذلك ما سيرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد من ذلك يوم عرضت دعوتي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال، ما هو خبر هذه الدعوة وخبر هذا العرض، نحتاج أن نذكر ما لم يذكر ونظهر المضمر، فنقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أزيد من عشر سنين قبل الهجرة وهو يدعو قريشاً ويصبر لها ويصابرها عشر سنين في دعوة وثبات وصبر على الأذى، حتى جرأ سفهاء قريش وملؤها على أنواع من أذى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً بعد موت عمه أبي طالب، جرؤوا عليه جراءة شديدة فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد طول الصدود وكثرة الجحود، إذا به يبحث عن تربة يلقي فيها بذرة دعوته لعله يستنبت هذه الدعوة في أرض أخرى فتنمو فيها وتورق.
خرج من مكة إلى الطائف عله أن يجد في الطائف أذاناً صاغية تستجيب لدعوته وتتبع رسالته وتحمل هديه وهداه ودينه، خرج من مكة ماشياً إلى الطائف يقطع طريقاً يزيد الآن على مائة كيلو من الطريق المعروف الآن بطريق السيل، وكان يسمى أولا وادي نخلة، طريق وادي نخلة الذي هو طريق السيل الآن ووادي نخلة هو الذي يسمى الآن الزيمة، قطعه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مولاه زيد ابن حارثة مشياً على الأقدام في وقت الصيف القائض، حتى وصل إلى الطائف وبقي هناك عشرة أيام يعرض فيها دينه ويبلغ رسالته، يغشاهم في نواديهم ويغشاهم في مجتمعاتهم يقرأ عليهم القرآن حتى قال بعض أهل الطائف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف يقرأ والسماء والطارق فحفظتها وأنا مشرك وقرأتها وأنا مسلم.
عشرة أيام قضاها النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه إلا بالصدود والإعراض فلما خشي ملأ أهل الطائف من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستميل الناس إليه أغروا به سفهائهم فردوا عليه أقبح الرد، حتى قال له بعضهم أما وجد الله غيرك رسولاً فيرسله إلينا، فلما أغروا به سفهائهم فواجهوه بأقبح الرد إذا به صلى الله عليه وسلم وهو يواجه بهذا الصدود وهذا الإعراض يرجع حزيناً مكلوم الفؤاد مغموم النفس، وهو الذي خرج من مكة بعد أن جحده قوم أهل الملأ فيها وجرؤوا عليه بالأذى أملاً أن يجد في الطائف مستنبتاًً لدعوته فيصد بهذا الصدود ويقابل بهذا الجحود، فإذا به صلى الله عليه وسلم وهو الحامل لهم رسالته يغتم لذلك أشد الغم، ويحزن لذلك أشد الحزن، وتتراكب الهموم على القلب الكريم الطيب فلا يتنفس ولا ينفس عن ذلك إلا بدعوات يصدع بها السماء "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، لك العتبة حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
دعاء مكروب مغموم يصدع السماء، ثم ينقلب النبي صلى الله عليه وسلم بعد عشر ليال طوال قضاها في الدعوة والمصابرة يرجع إلى مكة لكن كيف كان الرجوع، ويسير في الطريق ولكن كيف كان المسير، كيف قطع الطريق من الطائف عائداً إلى مكة، مكة التي خرج منها وبمرأى وبمسمع من أهلها يرونه ويعلمون إلى أين سيذهب وما هي قضيته وما هو هدفه في ذهابه إلى الطائف، وسيرجع إليهم وقد سبقته إليهم أخبار أهل الطائف معه، فكيف سيدخل إلى بلد وكيف سيلقى قومه وهم الذين كانوا جرؤوا عليه فكيف سيكون حاله بعد أن يرجع إليهم، ولذلك عاد مكروباً مغموماً فإلى أي درجة بلغ غمه وعلى أي حال كان حزنه.
يصف ذلك فيقول "فلم استفق إلا وأنا في قرن الثعالب"، قرن الثعالب هو السيل الكبير يبعد عن الطائف ستة وأربعين كيلو قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم مشياً، ولكنه كان في حال من الاستغراق مع غمه وهمه وحزنه لأجل دعوته بحيث أنه لم يستفق ولم يشعر بما حوله إلا وهو في قرن.
برنامج (كلمة مضيئة) ـ قناة المجد
=======================(11/98)
صراع الكاريكاتورات أم صراع المصطلحات؟
الكاتب: أحمد أبو لبن
يشاع الآن أن الشعب الدنمركي يواجه أحرج ظروفه منذ الحرب العالمية الثانية أو منذ عام 1938، والجانب الإيجابي هنا أن هذا الشعب الطيب وهذا المجتمع المبدع قد خرج من حالة الركود الرتيبة ومن وضع الانعزال عن العالم، وهو منهمك في الحوار مع نفسه باحثاً عن الإجابة لسؤالين مهمين:
ما الخطأ الذي وقع؟
ولماذا يفور المسلمون بالغضب؟
ويأتي هذا بعد أحداث 30 سبتمبر تماماً كما سأل الأمريكيون أنفسهم بعد 11 سبتمبر ما الخطأ الذي وقع؟ ولماذا يكرهوننا؟ ... والفارق هذه المرة أن المسلمين لا يكرهون الدنمرك ، بل هناك طرف أو أكثر أدى بسوء تصرفه وخطأ حساباته إلى هذه التعقيدات التي توهم الدنمركيين بأنهم مكروهين ويأتي على رأس مهماتنا تحديد هوية المخطأ وربما تحميله المسئولية بكل أوزارها!
لقد طالت الدندنة حول فكرة حوار الحضارات حتى دغدغت العواطف وداعبت أحلام البائسين ويبدو أن فكرة الحوار قد تهشمت في مطحنة المواجهات الحربية والنزاعات الدموية لضمان المصالح المادية، كما يبدو أن نتائج المؤتمرات الدولية المعدودة قد احتجبت تحت ستار المجاملات بين الوفود المحتشدة في قاعات الفنادق الفاخرة وعلى موائد الضيافة الشهية، دون أن تصل أصداؤها إلى القواعد الشعبية وذلك يجبرنا على العودة إلى الجذور والبداية من الأسس حتى تتضح الصورة من وجهة نظر المسلمين الدنمركيين، وبعبارة أخرى نحن نواجه صراع من المصطلحات قبل أن يكون صراع الكاريكاتورات.
أولا: يصنف علماء الاجتماع والسياسة ما تواجهه الأمم والحضارات من حوادث إلى ثلاث مراحل متصاعدة:
(1) المشكلة، ثم (2) الأزمة، وأخيراَ (3) الكارثة.
فدعونا من مناورات السياسيين وبلاغتهم ومن تهويل الصحفيين ومبالغاتهم ولنستخدم المصطلح المناسب لوصف حالتنا الراهنة وهو أننا نمر بـ"مشكلة" وبمنتهى البساطة هي مشكلة وأصولها:
(1) أن الدنمرك عضو في الأمم المتحدة واستقبلت اللاجئين التزاماً بالميثاق الذي وقعته عند تأسيس الأمم المتحدة كما وقعت ما تلاه من اتفاقيات جنيف عام 1952م، وينبغي أن تتعامل مع الوافدين بمقتضى معايير حقوق الإنسان التي أكدها وأعاد صياغتها الاتحاد الأوروبي.
(2) أن الدنمرك استسلمت إعلامياً وسياسياً لهستيريا الخوف من الأجانب فبينما كانت الأجهزة الرسمية تقدم لهم الخدمات بشكل قانوني وإنساني، انساق الخطاب العلني مشهراً بالجالية المسلمة إلى مدى مزعج لا يليق بالمتحضرين لأن قدرات الأقلية المسلمة المحدودة لن تتيح لها فرصة للدفاع عن نفسها بشكل منصف.
(3) أن صناع القرار في برلمان وحكومة الدنمرك أقاموا في عقلهم الباطن حاجزاً منعهم من رؤية الإسلام كدين يحض على القيم الأخلاقية الراقية ويدعو إلى التسامح، وظلت نفوسهم تغلي بالشكوك والتساؤلات حول نوايا ومواقف المسلمين الملتزمين وهل هم عنصر استقرار يفضل التعامل معهم أم مصدر خطر وإزعاج يتحتم عزلهم وإبعادهم؟
ثانيا: أنفلونزا الطيور وباء دقت له إنذارات الخطر واستنفرت له الدول والمختص به هو الأجهزة الطبية، وإعصار كاترينا واحد من الأعاصير الموسمية والقائم على تتبعه ومراقبته هم علماء الأرصاد الجوية، فيا ترى هل لوباء العنصرية (Racisme)فيروس يمكن اكتشافه وهل لأعاصير التمييز (Discrimination) علامات يمكن رؤيتها والحذر منها؟
من مراصد المؤرخين وسجلاتهم ومن ذخائر علم الاجتماع وحقائقه، نرى أتباع كل ثقافة معتزين بثقافتهم وتتحدد مواقفهم تجاه أصحاب الثقافات الأخرى في أربعة مواقف تعبر عنها المصطلحات التالية:
(1) التجاهلو(2) الحساسيةو(3) التحامل و(4) التعالي والغرور.
1. Disinterestedness
2. Allergy
3. Prejudice
4. Arrogance
وعند بحث الحالة الدنمركية وعلاقتها بالإسلام الممثل بالجالية المغتربة فمن الأفضل والأقرب إلى المنطق استخدام مصطلح الحساسية، ولتفسير معنى الحساسية نضرب بعض الأمثلة. فعندما يتفجر العنف في مظاهرات السويديين ضد العولمة في جوتنبرج منذ سنتين لا نجد حساسية في أوروبا لتقبل نتائج هذا العنف بشكل عادي وإذا شاب بعض العنف مظاهرة ديمقراطية في بلد مسلم ثارت الدنيا ولم تقعد، وعندما يطلب زائرك الأوروبي طعام نباتي (فيجيتار) فذلك أمر طبيعي وعندما يطلب التلميذ المسلم طعاماً حلالاً في مدرسته تظهر الحساسية لتصفه بأنه أصولي متخلف، وعندما تقدم صحيفة اليولاندس بوسطن على نشر رسوم عن رجل هو النبي الذي بلًّغ دين الإسلام عليه الصلاة والسلام، نرى مجموعة من السياسيين ممتعضين لكثرة الكلام عن الدين!(11/99)