[16] و أولهم كان ورقة بن نوفل كما مر في المقدمة ثم كان عبد الله بن سلام و هو من علماء اليهود و فضلائهم و كعب الأحبار و هو من علمائهم أيضا و من النصارى فقد آمن به النجاشي ملك الحبشة مع أنه لم يره و لم يخش على ملكه منه وقال عندما سمع القرآن "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة " و غيرهم كثير و في العصور الوسطى هناك مثلا القس الإندلسي بن محمد عبد الله الترجماني الميروقي،الذي ألف بعد إسلامه كتاب تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب و في عصرنا الحالي هناك مثلا القس دافيد بنجامين الكلداني كان قسيسا للروم من طائفة الكلدان و بعد إسلامه تسمى بعبد الأحد داوود و ألف كتاب الإنجيل و الصليب و القس إسحاق هلال مسيحه الذي كان رئيس لجان التنصير في شمال أفريقيا و قصته التي يرويها بنفسه مسجلة هناhttp://media.islamway.com/lessons/several//converts.rm: و كذا القس المصري إبراهيم خليل فلوبرس الأستاذ السابق بكلية اللاهوت الإنجيلية الذي حصل على ماجستير من جامعة برينستون الأمريكية في مجال التهجم على الإسلام ً ثم سمى نفسه إبراهيم خليل أحمد و الشماس الدكتور وديع أحمد وهذا هو موقعه: http://www.wadee3.5u.com و القس المصري "فوزي صبحي سمعان" الذي أسلم هو وأبوه وأخته لله رب العالمين و يعمل الآن مدرسا للدين الإسلامي و كذا القُمُّص المصري "عزت إسحاق معوَّض" الذي صار داعية مسلما و هؤلاء و غيرهم يمكنك قراءة قصصهم من: http://tanseer.jeeran.com/priests.html أما من غير العرب فهم كثيرون أيضا فمنهم القس الأمريكي يوسف استس و هذا هو موقعه http://www.islamtomorrow.com/ و هذه مجموعة من اليهود المعاصرين الذين دخلوا في الإسلام http://www.jews-for-allah.org/ /
[17] و هل أدل على ذلك من حكم الطلاق الذي أباحه الإسلام كحل أخير حين تصل المشاكل بين الزوجين إلى طريق مسدود و حرمته الكنيسة فلما ظهر أن منعه يصادم طبيعة البشر و ظهرت كثير من الأمراض الاجتماعية نتيجة لتحريمه – كالزنا مثلا – أباحته كثير من الدول اليوم. و كذلك تحريم الإسلام لأكل لحم الخنزير و إباحة الكنيسة له ثم ظهر علميا أن الخنزير هو المسبب لمرض الالتهاب السحائي المخي وأنفلونزا الخنزير كما أنه تعيش في أمعائه الدودة الشريطية التي تنتقل إلى أمعاء من يأكلها وتسبب له التهاب الأعصاب وارتفاع ضغط الدماغ و قد وجد الأطباء مؤخرا دودة في مخ امرأة بعد تناولها وجبة لحم خنزير هذا بالإضافة إلى صفات الخنزير التي تنتقل إلى آكلها مثل انعدام الغيرة و هذا مشاهد.
[18] ترجم للعربية بعنوان الخالدون مائة أعظمهم محمد ويقول مايكل هارت فيه: "كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح في مهمته إلى أقصى حد، سواء على المستوى الديني أم على المستوي الزمني"
[19] كما فعل مدعي النبوة الكذاب الذي سيأتي ذكره في النصف الثاني من الرسالة
[20] فقد كان قيام الليل في حقه صلى الله عليه و سلم فرضا فيقوم من ثلث الليل إلى ثلثيه كل ليلة في حين أنه في حق بقية المسلمين تطوع
[21] و ذلك برغم بلايين الدولارات التي تنفقها المؤسسات التبشيرية النصرانية للصد عن سبيل الله.
[22] النبأ العظيم ص 48
[23] و معنى تواتر الخبر أن يتناقله جمع كبير من الناس يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جمع كبير مثلهم و هكذا إلى يومنا هذا فقارن بين هذه الطريقة و الطريقة التي نقلت بها الكتب الأخرى كما في آخر الرسالة
[24] ذلك بأن الذي يمسكه أن يزول هو الذي يمسك السماوات و الأرض أن تزولا.
[25] النبأ العظيم بتصرف
[26] يقول بروفيسور الرياضيات الأمريكي المسلم جيفري لانغ في كتابيه حتى الملائكة تسأل و الصراع من أجل الإيمان:(القرآن هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة، وتملّك قلبي، وجعلني أستسلم لله، والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى، حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة، فهو يحمل عليك، وكأن له حقوقاً عليك! وهو يجادلك، وينتقدك ويُخجلك ويتحداك … لقد كنت على الطرف الآخر، وبدا واضحاً أن مُنزل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي … لقد كان القرآن يسبقني دوماً في تفكيري، وكان يخاطب تساؤلاتي)(5/160)
[27] للمفكر التركي محمد فتح الله كولن. وله أيضا:" لقد أتى القرآن بنظرة متميزة للكون وللأشياء وللإنسان بأسلوب غاية في الروعة والسحر. لأنه يتناول الإنسان ككل ضمن الوجود بأكمله، ولا يهمل أيَّ شيء، بل يضع كل شيء مهما كان صغيرا في مكانه المناسب. الأجزاء فيه رتبطة ارتباطا وثيقا ودقيقا بالكل، والأجوبة المختلفة عن أدق الأسئلة التي تخطر على بال الإنسان في هذا المعرض الكوني الهائل ترد فيه. وبينما يقوم بتحليل أدق المسائل الموجودة سواء في عالم الشهود أم فيما وراء الأستار حتى أدق تفاصيلها، لا يدع هناك أي تردد أوبهة أو علامة استفهام في العقول. أجل! إن القرآن في جميع هذه التفاصيل الدقيقة التي يوردها لا يدع أي فراغ في هذا الموضوع لا في العقول ولا في القلوب ولا في المشاعر ولا في المنطق، لأنه يحيط بعقل الإنسان وبأحاسيسه وبمشاعره وإدراكه"
[28] لم يكن الإنجيل قد ترجم للعربية بعد أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم
[29] فمثلا ذكر القرآن عن فرعون موسى بعد أن غرق في البحر(فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) وعندما تم دراسة مومياء منفتاح التي يظن أنها لفرعون موسى في فرنسا بواسطة فريق من علماء التشريح توصلوا إلى أن سبب وفاته هو الغرق فعلا و نلاحظ أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ذكر بقاء جثة فرعون محفوظة بعد غرقه – فهل كان محمد على علم ببراعة المصريين في التحنيط؟ ثم أسلم رئيس الفريق الفرنسي و هو الدكتور موريس بوكاي و عكف على دراسة القرآن والإنجيل والتوراة لمدة عشر سنين ثم ألف كتاب القرآن والإنجيل والتوراة والعلم الذي أصبح من أكثر الكتب انتشارا وترجم لعدة لغات عالمية
[30] فترى مثلا في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم عاشوا في الكهف ثلاثمائة سنة شمسية وفي القرآن أنهم(لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا) و هذه السنون التسعة هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية والقمرية فانظر إلى هذا الحساب الدقيق في أمة أمية لا تقرأ ولا تحسب! – النبأ العظيم
[31] الجبال ممتدة في باطن الأرض من أسفل فهي تشبه الوتد و السحب يصل وزن الواحدة منها إلى أكثر من عشرة ملايين طن من الماء على هيئة بخار و الرياح تحمل حبوب اللقاح فتلقح الأزهار و تسير السحب المشحونة كهربيا حتى تلامس بعضها فيحدث التفريغ الكهربي و البحر تخرج من قيعانه صهارات و حمم بركانية ملتهبة تم تصويرها بالغواصات الحديثة وللمزيد من صور الإعجاز العلمي يمكنك الرجوع إلى www.55a.net
[32] منهم مثلا الدكتور كيث مور Keith Mooreعالم الأجنة الشهير صاحب كتاب The Developing Humanالذي ترجم لأكثر من25 لغة ووقف مرة في أحد المؤتمرات قائلا:
"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول مالم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن هذا القرآن لايمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله" وصدق الله إذ يقول(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
[33] إنه الله العليم الحكيم. قال تعالى:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد)
[34] " تعاوا نعيد النظر فيما نعتقد" تاليف حسن يوسف
[35] النبأ العظيم
[36] حتى أنه قيل له:( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً)
[37] انظر مثلا لوقا 26:2 و 67:1 و 15:1
[38] "هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟" للدكتور. منقذ بن محمود السقار.... بتصرف
[39] فأين هذا من رؤيا يوحنا التي وصف الله فيها بأنه خروف ذو سبعة قرون؟!!
[40] في حين قرر مجمع روما سنة1215 ما يلي: "على الناس أن يتلقوا قول الكنيسة بالقبول وافق العقل أو خالفه وعلى المسيحي إذا لم يستسغ عقله قولا قالته الكنيسة أو مبدأ دينيا أعلنته عليه أن يروض عقله على قبوله فإذا لم يستطع فعليه أن يشك في عقله ولا يشك في قول البابا"!!
[41] وأنت ترى نتائج هذه الرهبانية في عدد حوادث الاغتصاب التي اقترفها رجال الكنيسة حتى أن عدد القسس الذين ارتكبوا جرائم من هذا النوع وأعلن عنها في الجرائد في الولايات المتحدة وحدها يصل إلى 1608 قسيسا و هذه بعض مواقع ضحايا الاعتداءات الجنسية لرجال الكنيسة الغربية:http://www.snapnetwork.org و http://www.thelinkup.org و http://www.survivorsfirst.org أما نتائج الإباحية المنحلة بين عوام النصارى في أكثر دول العالم فواضحة ولا تحتاج إلى بيان!(5/161)
[42] من تفسير "في ظلال القرآن" بتصرف
[43] "الإسلام ليس فلسفة ولكنه منهاج حياة.. ومن بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده، يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا، ولا يؤجَّل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية، ومن بين سائر الأديان نجد الإسلام وحده يتيح للإنسان أن يتمتع بحياته إلى أقصى حدٍ من غير أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة، فالإسلام لا يجعل احتقار الدنيا شرطاً للنجاة في الآخرة.. وفي الإسلام لا يحق لك فحسب، بل يجب عليك أيضاً أن تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الإفادة.. إن من واجب المسلم أن يستخرج من نفسه أحسن ما فيها ) من كتاب(الإسلام على مفترق الطرق) للمفكر محمد أسد(كان يهوديا وأسلم) ص 19- 25
[44] المستشرق روم لاندو في(الإسلام والعرب) ص(9-246)
[45]وكم من أناس دخلوا الإسلام بسبب رؤيتهم للمسلمين وهم يصلون. يقول المفكر الفرنسي رينان: "الإسلام دين الإنسان.. وكلما دخلت مسجداً هزني الخشوع وشعرت بالحسرة لأني لست مسلماً" وصدق الله العظيم إذ يقول(رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ. ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)
[46] هذه الأمور وغيرها جعلت الكثيرين يدخلون الإسلام بمجرد سماعهم عنه أو تعاملهم مع المسلمين وإلا كيف انتشر الإسلام في الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والأمريكتين؟؟
[47] وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وتسليماته
[48] ولاحظ أن القرآن سمى سورة كاملة بسورة مريم و سورة أخرى باسم آل عمران ولم يسم سورا باسم فاطمة أو عائشة أو آل محمد
[49] رواه أحمد في مسنده.
[50] و قال أيضا "ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار".
[51] قال تعالى:(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37} )
[52] مثال ذلك « لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته » أيام 2- 25/4.
و: « الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله » رومية 2/6.و في التوراة «وكلم الرب موسى وهارون قائلاً: افترزا من بين هذه الجماعة فاني أفنيهم في لحظة. فخرّا على وجهيهما وقالا: اللهمّ اله أرواح جميع البشر، هل يخطئ رجل واحد فتسخط على كل الجماعة» العدد 26/23، واستجاب له فعذب بني قورح فقط. وأيضا(وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب. أما الابن فقد فعل حقاً وعدلاً حفظ جميع فرائضي وعمل بها فحياة ً يحيا. النفس التي تخطيء هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن. برّ البارّ عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون... فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً فحياةً يحيا. لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره) حزقيال 18: 19-22.
[53] متى 12: 36
[54] كل مولود في الإسلام يولد على الفطرة مبرئا من كل خطيئة كالصفحة البيضاء ثم هو مسئول عن نفسه أمام الله لا يحاسب إلا على سعيه
[55] استنتج المفكر البريطاني إينوك باول Enoch Powellفي كتابه تطور الإنجيل(The Evolution of the Gospel) بعد أن قام بإعادة ترجمة إنجيل متى من اليونانية إلى أن قصة الصلب لم تكن موجودة في النص الأصلي للأناجيل ولكنها أضيفت في مرحلة متقدمة
[56] المسيح والتثليث- د. محمد وصفي
[57](مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
[58] (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)
[59] تقول دائرة معارف لاروس: "إن تلاميذ المسيح الأولين الذين عرفوا شخصيته وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس في الاعتقاد بأنه أحد الأقانيم الثلاثة... وما كان بطرس تلميذ المسيح يعتبر المسيح أكبر من رجل يوحى إليه.(5/162)
[60] انظر أعمال(2/46) واقرأ ما كتبه الدكتور Robert Alleyالأستاذ بجامعة Richmond : " إن الفقرات التي يتكلم فيها المسيح عن ابن الله هي إضافات متأخرة تمثل ما كانت الكنيسة تعتقده وادعاء مثل هذا لا يتناسب مع حياة المسيح التي نتخيلها. فأول ثلاثة عقود بعد(موت المسيح) كانت المسيحية فرعا بداخل الديانة اليهودية وأول ثلاثة عقود في تاريخ الكنيسة كان وجودها داخل هيكل اليهود ولا يمكن تصور أبدا أن أتباع المسيح كانوا يعلنون ألوهية المسيح تحت هذه الظروف" و مما يجدر ذكره أن هذا الرجل فقد منصبه كرئيس قسم الأديان بالجامعة لقوله " لا يمكنني أن أتخيل ولو لدقيقة واحدة أن المسيح امتلك الشجاعة الكافية لكي بدعي الألوهية لنفسه"
[61] من " المسيح والتثليث" للدكتور محمد وصفي- بتصرف
[62] جاء في العهد القديم أن أنبياء آخرين قد حصلت لهم معجزة إحياء الموتى انظر حزقيال(1:37-10) وملوك أول(17:17-24) وملوك ثاني(22:4-27)
[63] قال تعالى عن المسيح عليه السلام:(إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ)
[64] جاء تفسير مصطلح ابن الله بمعنى المؤمن بالله:(وأما الوصف الذي قَبِلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باْسمه) يوحنا: 1: 12
[65] انظر ً:(خروج 4: 22، مزمور 2: 7، وأخبار الأيام الأول 22: 10.9، متى 5: 9، ولوقا 3: 38 و أما إطلاق المسيح هذا الوصف عن نفسه فلم يرد إلا في مكانين بإصحاحي 5, 11 بإنجيل يوحنا. يقول Hastingsفي قاموسه للكتاب المقدس إن استعمال المسيح لهذا المصطلح هو أمر مشكوك فيه ويقول شارل جنيبر: " والنتيجة الأكيدة لدراسات الباحثين، هي: أن المسيح لم يدع قط أنه هو المسيح المنتظر، ولم يقل عن نفسه إنه ابن الله... فتلك لغة لم يبدأ في استخدامها سوى المسيحيين الذين تأثروا بالثقافة اليونانية"
انظر: المسيحية، نشأتها وتطورها، ص.50.
[66] من كتاب سر الأزل.
[67] من كتابه: الحق.
[68] جاء في دائرة المعارف الأمريكية عن عقيدة التثليث [.. أن عقيدة التثليث هي العقيدة المسيحية التي تقول بالطبيعة الثلاثية للإله هي عقيدة ليست من تعاليم العهد القديم ولا توجد في أي مكان بين ثناياه..] دائرة المعارف الأمريكية ط 1959
وقد اعترف كبار علماء اللاهوت في قاموس الكتاب المقدس أن: مادة التثليث لم ترد في الكتاب المقدس ويظن أن أول من صاغها هو ترنفيان في القرن الثاني الميلادي وقد خالفه الكثيرون ولكن مجمع نيقية أقر التثليث عام 325 أ.هـ. فانظر كيف يحفل الكتاب المقدس بقصص الزانيات والزواني ويخلو من أهم مبادئ العقيدة النصرانية!!
[69]. ومن يدري لعل هذه الجملة تروق لأباء الكنيسة يوما فيضيفونها في طبعات الكتاب المقدس الجديدة بدلا من الجملة الأصلية!!
[70] جاء في مقدمة هذا الكتاب
[ The writers of this book are convinced that another major theological development is called for in this last part of the Twentieth Century. The need arises from growing knowledge of Christian origins and involves a recognition that Jesus was(as he is presented in Acts 2.21) “A man approved by God “ for a special role within the Divine purpose, and that the later conception of him as God Incarnate, The Second Person of the Holy Trinity living a human life, is a mythological or poetic way of expressing his significance for us. ]. وترجمتها
و ترجمته: [ إن كُتَّاب هذا الكتاب مقتنعين بأن هناك، في هذا الجزء الأخير من القرن العشرين، حاجة ماسة لتطور عقائدي كبير آخر. هذه الحاجة أوجدتها المعرفة المتزايدة لأصول المسيحية، تلك المعرفة التي أصبحت تستلزم الاعتراف بعيسى أنه كان(كما يصفه سفر أعمال الرسل: 2/21): " رجل أيده الله " لأداء دور خاص ضمن الهدف الإلهي، و أن المفهوم المتأخر عن عيسى و الذي صار يعتبره " الله المتجسد و الشخص الثاني من الثالوث المقدس الذي عاش حياة إنسانية " ليس في الواقع إلا طريقة تعبير أسطورية و شعرية عما يعنيه عيسى المسيح بالنسبة إلينا [
[71] انظر عدد 8 أبريل 98 بعنوان The Search For Jesus و15 أغسطس 88 بعنوان Who Was Jesusو 12 أبريل 2004 بعنوان Why Did Jesus Have To Die? و18 ديسمبر 95 بعنوان Is the Bible Fact or Fiction? فكلها أمثلة توضح حيرة الإنسان الغربي إزاء هذه العقيدة الغامضة
[72] وهنا أطلب من القارئ أن يحاول بنفسه تطبيق المعايير التي وضعناها في أول الرسالة للحكم على أي إنسان يدعي النبوة والرسالة على بولس هذا.
[73] يقول دجوستاف ليون "ولو قيل للحواريين الاثنى عشر أن الله تجسد في يسوع. ما أدركوا هذه الفضيحة ولرفعوا أصواتهم محتجين" حياة الحقائق / ص 163، و187
[74] أعمال 9/26(5/163)
[75] تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: "إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وأن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة".
[76] يوحنا 8/17 ويلاحظ هنا أنه جعل الشهادة الأخرى هي شهادة الله عز وجل له. فهل بعد هذا نقول أن الله هو المسيح؟؟!
[77] فقد ذكر في أعمال الرسل إصحاح 9/7 أن الرجال المسافرين معه وقفوا يسمعون الصوت بينما في إصحاح 22/9 المسافرون لم يسمعوا الصوت وفي أعمال 9/4 أن بولس "وحده سقط على الأرض"ينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع
سقطوا، فقد جاء فيها " سقطنا جميعا على الأرض" أعمال 26/14
[78] وهذا يعطينا فكرة عن الأهداف التي كانت تحرك بولس. فأين هذا من قول الله للنبي أكثر من مرة في القرآن " اتق الله "؟
[79] فأين هذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وقوله(لا تفضلوني على يونس بن متى) وقول الله له:(ليس لك من الأمر شيء)؟
[80] لوقا 21:2
[81] عبرانيين 7/17
[82] قال فرانس أوفربيك Frans Overbeck(أحد قيادات رجال اللاهوت الأحرار): إن كل الجوانب الحسنة التي تشهدها المسيحية ترجع إلى عيسى، أما الجوانب السيئة(وهي تطغي على الجوانب الحسنة بأضعاف مضاعفة) فقد أحدثها بولس فيها.(مبادئ المسيحية)
[83] يقول إريك بروك Erick Brockفي كتاب مبادئ المسيحية Die Grundlagen desChristentumsعن بولس: " إن أهم جذور كل البلاء الذي أصاب المسيحية جاءت من أفكاره، وكم نحن الآن في حاجة إلى أن نشير مراراً إلى أن الحقيقة تؤكد أن كل المفكرين الأحرار المعتدلين قد أشاروا إلى أن المبادئ الخربة التي تتبناها المسيحية اليوم ما هي إلا مبادئ مخزية ولكن لم يرق الحال للكنيسة لتخلصنا من هذه الرسائل والأفكار البوليسية".
[84] يقول جوستاف لوبون كان بولس مفطورًا على فرط الخيال وكانت نفسه مملؤة بذكريات الفلاسفة (حياة الحقائق) ص 163، 187
[85] لمسيحية نشأتها وتطورها / شارل جنيبر ص70 ويقول أيضا [.. لقد تطورت المسيحية إلى تأليف ديني تجمع فيه سائر العقائد الخصبة والشعائر النابعة من العاطفة الدينية الوثنية قامت المسيحية بترتيبها وتركيبها وأضفت إليها الانسجام] وراجع كتاب The Bible Myths and their Parallels in other Religions لمؤلفه T.W Doaneوكتاب Mythology Christianity and
لمؤلفه John Mackinnon Robertson
[86] يقول الدكتور خالد شلدريك الذي أسلم بعد أن فهم عقيدة التثليث: "إن عقيدة الأب والابن من عقائد الوثنيين القدماء فإن البوذيين يعبدون بوذا في طفولته مع أمه ياما في نفس الصورة التي نراها منقوشة في كل كنيسة للمسيح في طفولته مع أمه مريم واتخذ النصارى من عيد الوثنيين للاعتدال الخريفي 25 ديسمبر موعد ولادة الشمس عندهم عيدا لميلاد المسيح" وقد كان الثالوث موجودا أيضا في ديانات وثنية سابقة ففي الهند كان عندهم الثالوث الإلهي براهما و كريشنا و سيفا وكان عند المصريين القدماء الثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس وصدق الله العظيم إذ يقول(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) وهذا من إعجاز القرآن أنه أخبرنا كيفية نشأة عقيدة النصارى في المسيح. فهل كان محمد على اطلاع بتاريخ الحضارات القديمة؟
[87] يعلق المؤرخ أرنولد توينبي على مسألة أكل لحم المسيح وشرب دمه بأن سكان منطقة البحر المتوسط كانوا قديما يفعلون ذلك تقربا إلى أحد آلهة الإنبات التي تنبت عناصر الخبز والنبيذ في هذه المناطق وقد انتقلت هذه الطقوس إلى المسيحية عن طريقهم وليس لها أصل في الدين المسيحي. أ.هـ والآن أيها القارىء الفطن هل تظن حقا أن الخبز والخمر يتحول إلى جسد المسيح حقا؟ وإذا كان المسيح هو الإله فهل يصير الخبز والخمر لحم الإله ودمه؟؟ أللإله لحم ودم كالبشر؟! ألا تستحي أو تشمئز من أن تأكل لحم إلهك وتشرب دمه؟!!
[88] المسيحية نشأتها / جنيبر ص 105 وجاء في كتاب يسوع المسيح للقس بولس إلياس:(لقد لقح الفكر المسيحي بالأفكار الوثنية وقد حافظت الكنيسة المسيحية على تقاليد الشعوب الوثنية و على تنوع الطقوس عند مختلف الطوائف) ثم يستطرد قائلا(إنه في مفتتح القرن السابع الميلادي كتب البابا غريغورس الأول إلى القديس أوغسطينوس قائلا: "دع البريطانيين وعاداتهم واترك لهم أعيادهم الوثنية واكتف بتنصير تلك الأعياد والعادات مكتفيا بوضع إله المسيحيين موضع آلهة الوثنيين")(5/164)
[89] تكررت قصة بولس بحذافيرها في الإسلام مع رجل يهودي يدعى عبد الله بن سبأ لم ير النبي قط دخل الإسلام نفاقا ومواراة بعد وفاة النبي وأثار الفتن ضد عثمان بن عفان و نسب الألوهية لعلي بن أبي طالب وظهرت بسببه عقيدة التشيع التي أخذت كثيرا مما عند ديانة الفرس وهذا يدل على الدور الخبيث الذي يلعبه اليهود لتشويه العقائد على مر التاريخ.
[90] و من أمثلة ذلك ما صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني في الستينات من تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام ضاربا بنصوص الكتاب المقدس عرض الحائط إكراما لليهود!!
[91] يقول العالم الألماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص الذي وضع فيه ما يعتقد صحته: " لا ندري السر في اختيار الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره، واعتباره مقدساً منزلاً دون سواه مع كون جميع الأشخاص الذين كتبوها في نظرها رجال قديسون... ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل...إن الكنيسة أخطأت خطأ لا يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الأخرى واجتهادها.. ".و قال جون لوريمر في تاريخ الكنيسة عن هذه الأناجيل [.. لم يصلنا إلى الآن معرفة وافية عن الكيفية التي اعتبرت بها الكتب المقدسة كتب قانونية..] فإذا كانت قد فرضت بالقوة فمن الذي فرضها ولمصلحة من؟ وإذا كان ليس هناك معرفة عن كيفية اختيارها لتكون كتبًا قانونية فكيف تكون مقدسة؟
[92] هذا مثال واحد من آلاف الأمثلة وهو للأمريكية: Barbara A. Brown التي أسلمت في أوائل التسعينات وألفت كتاب A closer look at Christianity: ويمكنك قراءته من هنا http://home.swipnet.se/islam/books/Closer-Look/frcont13.htm
ويمكنك التعرف على نماذج أخرى ممن دخل الإسلام من http://thetruereligion.org/modules/xfsection
[93] فقد ظل مكتوبا باللغة اليونانية حتى القرن السادس عشر عندما تم ترجمته للغة اللاتينية التي يعرفها الناس وقد دفع أحد المترجمين حياته ثمنا لهذه الجريمة!!
[94] وجعلت الكنيسة البابا نائبا للمسيح على الأرض وبالتالي فأرائه غير قابلة للنقاش، وما يحدده في العقيدة يعتبر قضايا يقينية حتى كاد البابا أن يكون إلها رابعا(وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً)!!
[95] برغم ما جاء في سفر الخروج:.(لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة مما في السماء فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن، ولا تعبدهن؛ لأني أنا الرب إلهك، إله غيور) 20/3- 6ولو كان استعمال هذه الصور والصلبان صوابا لاستعملت أيام المسيح أو في الثلاثة أجيال الأولى على الأقل
[96] مثل حركة البروتستانت وهي تعني بالعربية المعارضين التي تزعمها مارتن لوثر في القرن السادس عشر هي تخلو من كثير من هذه المظاهر الوثنية واستعباد البشر الذي عند طوائف النصارى الأخرى
[97] مثل ما جاء على لسان بولس: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " غلاطية 1/6-8 ويقول مرقس: " من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها "(مرقس 8/35). ويقول،" انْطَلَقَ يَسُوعُ إِلَى مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، يُبَشِّرُ بِإِنْجِيلِ اللهِ قَائِلاً: 15«قَدِ اكْتَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ. فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ "(مرقص 1/15-16) فأي إنجيل ترى كان هذا الذي يعنيه المسيح؟؟ أكان يدعو الناس للإيمان بإنجيل لم يُكتب بعد؟؟
[98] ويمكنك قراءة بعض فصوله بالعربية من: http://www.multimania.com/barnaba/ وبالإنجليزية من http://www.barnabas.net وهذه مقدمة إنجيل برنابا يوضح فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب:
برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع سكان الأرض سلاماً و عزاءً. 2- أيها الأعزاء إن الله العظيم العجيب(وهي تسمية لا تصح لله) قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى.3- مبشرين بتعليم شديد الكفر. 4- داعين المسيح ابن الله. 5- ورافضين الختان الذي أمر الله به دائماً. 6- مجوزين كل لحم نجس. 7- الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع بالغ الأسى. 8- وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكون في دينونة الله. 9- وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصاً أبدياً.
[99] عجيب أن يقرأ الإنسان في العهد القديم معتقدا بقدسيته بدون أن يدري على الأقل أسماء مؤلفي أسفاره!!
[100] جاء في مجلةLOOKعام 1952 في مقال بعنوان حقيقة الكتاب المقدس أن العهد الجديد وحده به نحو 20ألف خطأ!!
[101] Robert Kehl. Zeller(5/165)
[102] جاء في خاتمة إنجيل يوحنا"هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق "(يوحنا 21 / 24). فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب. إلا إذا كانت من إضافة أحد الناسخين أو المترجمين بدون إشارة منه بذلك وفي هذه الحالة ما الذي يضمن ألا تكون أجزاء أخرى هي من إضافة الناسخين؟
[103] يمكنك مراجعة ذلك بنفسك في الموسوعة البريطانية في أي مكتبة عامة تحت كلمة Bible أو Gospel
[104] يفهم من هذه المقدمة أمور أخرى منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه. نقلا عن(هل العهد الجديد كلام الله)
[105] فأين هذا من دقة تدوين الأحاديث النبوية التي يُعرف سلسلة رواتها من أول رجل سمعها من النبي إلي آخر رجل في السلسلة يرويها اليوم للناس كما سمعها و كل منهم يقول: قال فلان حدثنا فلان؟؟
[106] جاء في مقدمة الطبعة الأمريكية المعدلة عام 1952 أن طبعة الملك جيمس حوت أخطاء جسيمة كثيرة جدا!
[107] يوجد اختلاف بين علماء التاريخ حول تاريخ ولادة المسيح عليه السلام
[108] Davies, A. Powell. The Meaning of the Dead Sea Scrolls.
[109] ويسمى أيضا Spouter or Preacher of lies
[110] انظر 4Q541 frag. 9 col. I ونبينا محمد هو الذي حارب أعداءه وحكم سيفه و بالتالي لا تنطبق هذه الصفات على غيره. والله اعلم
[111] مخطوطات البحر الميت - أحمد عثمان ص127- 147
[112] من أوائل من كتب فيه ريشارد سيمون ((Richard Simonفي كتابه التاريخ النقدي للعهد القديم Critical History of the Old Testament"."
[113] وما جاء على لسان الأب كارل رانير في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي انتهى عام 1965 قوله: " لقد أصبح من الصعب تصديق الأناجيل من كثرة ما تم بها من تحريف وقد ألح العديد من رجال الكهنوت في المجمع على ضرورة القيام بمراجعة الأناجيل حتى لا يصاب المسيحيون بالإحباط وحتى لا يتعرض المثقفون للفضيحة وحتى لا تتعرض العقيدة المسيحية نفسها للسخرية!!"
[114](هل العهد الجديد كلمة الله) ص 151
[115] Foi en la Resurrection, Resurrection de la foi""
[116] Initiation to the Gospels.
[117] عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال:(إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو إن الشيطان- ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي}) فرده الله خاسئا
[118] يقول(ول ديورانت) فى كتابه المشهور قصة الحضارة "مهما يكن من أمر هذه الكتابات الغرامية فان وجودها في العهد القديم سر خفي.... ولسنا ندرى كيف غفل أو تغافل رجال الدين عما في هذه الأغاني من عواطف شهوانية وأجازوا وضعها في الكتاب المقدس" الجزء 3 صفحة 388.
[119] من كتاب هل العهد القديم كلمة الله؟؟ د. منقذ السقار
Maurice Bucaille, The Bible, The Quran and Science[120] يمكنك قراءته من: http://home.swipnet.se/islam/books/maurice/frcont15.htm(5/166)
[121] يقول الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس ":" لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف بينهم محصور فيمن قام بهذا التحريف. ومن الطريف أن د. روبرت قد أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس، ثم منع من طبعها، ولما سئل عن السبب في منعها قال: " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب ". ولعل أهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون(في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض) هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد "(يوحنا(1) 5/7 - 8)، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن. وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، ومثلها صنعت طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، لكن الفقرة موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة العالم الجديد البرتسنتية وترجمة الكاثوليك العربية المسماة بالرهبانية اليسوعية، فإنهما أزالتاها، واعتبرتا نص التثليث المهم نصاً دخيلاً ملحقاً بالكتاب المقدس. وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة(R. S. V)، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية. وكذلك ما جاء مرقص(16/9-20) فإنها موجودة في بعض النسخ دون بعض فقد ذكر جورج بوست في قاموس الكتاب المقدس أنها لم تكن في الكتب القديمة وغير ذلك من نصوص مثل يوحنا 53:7 ويوحنا8:1 -11 ومتى 17:21
[122] من كتابه هل الكتاب المقدس كلام الله ص 17
66. ... ما أحوج العالم إلى محمد!
محمد العبد الكريم
يقول المفكر الإنجليزي برنارد شو عن حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: " ما أحوج العالم إلى محمد ليحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجان قهوة ".
إن من أهم سمات ديننا وشرع ربنا: الاختصار والاقتضاب، وحمل المعاني في صورة كلمة محدودة أو كلمات معدودة؛ تمتد عبر الزمان والمكان: بمفهومها وبإيمائها وبإشارتها وبمقتضاها...إلى فضاء اللا محدود من المعاني.
في قوله تعالى على سبيل المثال: (ولا تقل لهما أف) فالملفوظ كلمات معدودة، والمسكوت عنه معانٍ تتناول كل أنواع الأذى وهذا ما يُسمى بالتنبيه بالأدنى على الأعلى: أي دون الحاجة لذكر النهي عن الضرب والشتم، فهي معلومة ضرورية لكل مبتدئ باللغة: إنها من باب أولى، فهو اختصار لكنه يحمل من "عمومه المعنوي" ما "يستغرق" الأذى والاعتداء.
لقد كان من صفاته عليه الصلاة والسلام أنه أوتي جوامع الكلم واختصرت له الحكمة اختصاراً، بل كان ينهى عن التكلف والتقعر والتشدق في الكلام وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم: (هلك المتنطعون قالها ثلاثاً: المبالغون الأمور).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تخلل البقرة).
وعقد النووي -رحمه الله- في رياض الصالحين: باب كراهية التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشيّ اللغة ودقائق الإعراب في اللغة. إن استطلاع الشريعة يدل بكل تأكيد على منحى الاختصار في الكلام والعلاج بالإيجاز في الحديث ما أمكن، وفي وصية النبي عليه السلام لجرير بن عبد الله البجلي يتأكد هذا المعنى حين يقول له: (يا جرير: إذا قلت فأوجز، وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف).
فالمبالغة في الكلام والثرثرة لا تدل في الغالب إلا على غشاوة الفكرة التي يُراد إيضاحها فلا يُستطاع إلى إيصالها إلا بكلام كثير يزيد الغبار ويحفر في البحر ولا يحقق للقارئ إلا نتائج رمادية أو ضبابية، هي كما يُقال: تحصيل حاصل، في حين اختزال المعاني في كلمات معدودة يدل على وضوح ماذا نريد على وجه التحديد.
من جانب آخر فإن تحقيق نتائج ذات مستوى متقدم يتطلب عملاً جيداً خير من كلام جيد، فلو كنا نسعى إلى تحقيق مستوى متقدم من التآلف وجمع القلوب، فإن في سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- كلاماً قليلاً وعملاً جباراً كثيراً تحقق في صور كثيرة، من أدلها زواجه عليه الصلاة والسلام من قبائل مختلفة استطاع من خلاله أن يقلل الشحن النفسي ضد الدعوة، فللزواج بعد آخر لا يقف عند حدود العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا المعنى يجب أن يتجلّى في سيرة رموز "الصحوة " على وجه الخصوص.(5/167)
فنحن نجد اليوم في سيرة بعض السياسيين زواجاً لا يمكن تفسيره هكذا دون أن نستبطن من ورائه مصالح " عُليا " قد تكون شخصية، لكنها في كل الأحوال تخفي ورائها أبعاداً مختلفة.
وعلى كل حال يجب ألا نعتمد في فلسفة شخصياتنا على غرس الإكثار من الأحاديث والمقالات والكتابات المطولة والخطب المطولة والحوارات... دون أن يكون لها رصيد تطبيقي واضح، ورضي الله عن ابن مسعود القائل: " كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلم ما فيهن من العلم والعمل" . فالاتجاه إلى العمل والإنجاز يجب أن يكون فورياً غير مؤجل مسبوقاً بقدر من التخطيط في زمن محدود؛ حتى ولو كان العمل كمياً فإنه يحقق "الكيف" على المدى الطويل، لاسيما إذا أُتبع بالبحث والتطوير والتجديد.
كما يجب أن تتميز شخصيات الدعاة والخطباء والمحاضرين... بعمق اللفتات اللفظية التي توجز وتحدّ من الإسهاب. وهذا التميّز بلا شك يستدعي عملاً علمياً "وفنياً " في مؤهلات الداعية.
وللحقيقة ؛ فإننا قد مَلِلنا من وقوف كثير من الدعاة في المساجد وعلى منابر الجمعة... يتحدثون أمام الناس فيسهبون في التذكير دونما احترام لأداء الرسالة، ولولا الوجوب الشرعي في الحضور والاستماع لما رأيت سامعاً أو حاضراً لأكثر الذين يخطبون وفي جعبتهم الهاجس الأمني والمصلحة الشخصية التي صارت فوق كل اعتبار؛ مما بدّد طاقتهم وتركيزهم في درء احتمالات نسبتها واحد في المليون .
هؤلاء يجب يدركوا أن مساحة المتاح والممكن أوسع مما أوهمهم به الشيطان، ولو أتعبوا أنفسهم قليلاً في تطوير أدائهم الفني لرسالة الجمعة، وأتبعوا ذلك توسعاً في المعلومات لأمكن من خلالهم تحقيق إنجازات في مجالات مهمة وحساسة، لكن الحق أن أكثرهم ربما يلحظون الجانب الشخصي لهم ويلبسونه ثوب المصلحة الشرعية، وهكذا تدور الأيام ويحسبون أنهم مهتدون!
========================
الباب الخامس -المنصفون
1. ... مفكر فرنسي: الجهل بالإسلام وراء أزمة الرسوم المسيئة
اليابان تندد بالرسوم المسيئة وتعتبرها عملاً طائشًا
مفكرة الإسلام: اعتبر وزير الخارجية الياباني أن وسائل الإعلام الأوروبية التي نشرت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قامت بعمل 'طائش' أثار الاحتجاجات وغضب العالم الإسلامي.
وقال الوزير الياباني تارو آسو: 'حتى لو كنا غير مسلمين، فإننا ندرك جيدًا أن الإسلام يحرم التمثيل التصويري للنبي محمد' صلى الله عليه وسلم.
وتابع: 'يبدو لي عملاً طائشًا أن يقوم المرء بنشر الرسوم رغم أنه يدرك سلفًا هذا الأمر' المتصل بالإسلام'، بحسب ما نقلته [الجزيرة].
وكانت كل الصحف اليابانية الكبرى قد امتنعت عن نشر تلك الرسوم التي تسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. ... اليابان تندد بالرسوم المسيئة وتعتبرها عملاً طائشًا
مفكر فرنسي: الجهل بالإسلام وراء أزمة الرسوم المسيئة
مفكرة الإسلام: أدان المفكر الفرنسي الشهير ريجيس دوبريه قيام صحف الدانمارك والدول الغربية, بنشر الرسوم التي أساءت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأكد دوبريه أن نشر الرسوم تسبب في جرح مشاعر المسلمين؛ لأنها مست عقيدتهم, وأوضح أن حرية الصحافة ليست مطلقة؛ بل يجب أن تخضع لقوانين تُحقق توازنًا بين الحرية والمسئولية, في إطار يرفض الدعوة لاحتقار وازدراء الأديان والمعتقدات.
وأشار دوبريه إلى أن الرسوم تنم عن جهل الغرب بالإسلام, مؤكدًا أن هذا الجهل عمّق الفجوة بين الغرب والإسلام.
وأعرب ـ بحسب صحيفة الوفد ـ عن أسفه لأن الغرب يهتم بالأمر عندما يتعلق بالإساءة 'للمسيحيين' أو اليهود أكثر من اهتمامه بما إذا كانت الإساءة تمس المسلمين.
جاء ذلك في الندوة التي نظمتها 'اللجنة العربية لحقوق الإنسان المصرية' و'مراسلون بلا حدود' و'اللجنة الدولية للدفاع عن تيسير علوني' مراسل قناة الجزيرة المسجون في إسبانيا تحت عنوان 'الحماية والحرية والمسئولية', وعُقدت بنقابة الصحافيين بالقاهرة.
================
3- عديد منهم قالوا :
إعداد: محمود أحمد إسماعيل **
بين يديك جلة من أقوال بعض المستشرقين الذين أعجبوا بشخصية الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم)، ومع كونهم لم يرتدوا عباءة الإسلام فإنهم قالوا كلمة حق سطرها التاريخ على ألسنتهم وفي كتبهم وتراثهم، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته قد فاضت بكم من الرقي الشخصي والأخلاقي والحضاري إلى أبعد حد مما جعلهم معجبون به إلى حد جعلهم يسطرون فيه الكتب ويذكرون شخصه في كل وقت. وهذا جزء من كل ما قالوا في عظيم شخصه وصفاته الجليلة.
1- مهاتما غاندي ... 2- راما كريشنا راو ... 3- ساروجنى ندو ...
4- لامرتين ... 5- مونتجومري ... 6- بوسورث سميث ...
7- جيبون أوكلي ... 8- الدكتور زويمر ... 9- سانت هيلر ...
10- إدوار مونته ... 11- برناردشو ... 12- السير موير ...
13- سنرستن الآسوجي ... 14- المستر سنكس ... 15- آن بيزيت ...(5/168)
16- مايكل هارت ... 17- تولستوي ... 18- شبرك النمساوي ...
1- مهاتما غاندي:*
غاندي ...
"أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة".
2- راما كريشنا راو*:
"لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا".
3- ساروجنى ندو شاعرة الهند:*
"يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقًا للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن الله أكبر.. ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر".
4- المفكر الفرنسي لامرتين: * ...
لا مارتين ...
"إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل (محمدا (صلى الله عليه وسلم)) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم).
بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
5- مونتجومري: *
إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد.
6- بوسورث سميث: *
لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها.
7- جيبون أوكلي: *
جيبون وكلي ...
ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنا من الزمان.(5/169)
لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة في نطاق العقل والدين.
8- الدكتور زويمر: *
إن محمداً كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء.
9- سانت هيلر: *
كان محمد رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.
10- إدوار مونته: *
عرف محمد بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظاً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم.
11- برناردشو: *
برناردشو ...
إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
12- السير موير: *
إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم.
13- سنرستن الآسوجي: *
إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ.
14- المستر سنكس: *
ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة.
إلى أن قال:
إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان. ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ـ إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة.
15- آن بيزيت: *
من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم.
هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة 26 عاماً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره - السن التي تخبو فيها شهوات الجسد - تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.
فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سبباً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية.
16- مايكل هارت: *(5/170)
إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها.
17- تولستوي: *
تولستوي ...
يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.
18- شبرك النمساوي: *
إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته.
** محرر الصفحات المتخصصة على الموقع
(1) مهاتما غاندي في حديث لجريدة "ينج إنديا" وتكلم فيه عن صفات سيدنا محمد صلى الله علية وسلم
(2) البروفسور رما كريشنا راو في كتابه "محمد النبي".
(3) لامرتين من كتاب "تاريخ تركيا"، باريس، 1854، الجزء الثاني، صفحة 276-277.
(4) مونتجومرى وات، من كتاب "محمد في مكة"، 1953، صفحة 52.
(5) بوسورث سميث، من كتاب "محمد والمحمدية"، لندن 1874، صفحة 92.
(6)إدوارد جيبون وسيمون أوكلي، من كتاب "تاريخ إمبراطورية الشرق"، لندن 1870، صفحة 54.
(7) الدكتور زويمر الكندي مستشرق كندي ولد 1813 ـ 1900 قال في كتابه (الشرق وعاداته).
(8) العلامة برتلي سانت هيلر الألماني مستشرق ألماني ولد في درسدن 1793 ـ 1884 قال في كتابه (الشرقيون وعقائدهم).
(9) الفيلسوف إدوار مونته الفرنسي مستشرق فرنسي ولد في بلدته لوكادا 1817 ـ 1894 قال في آخر كتابه (العرب).
(10) برناردشو الإنكليزي ولد في مدينة كانيا 1817 ـ 1902 له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية.
(11) السير موير الإنكليزي في كتابه (تاريخ محمد).
(12) العلامة سنرستن الآسوجي: مستشرق آسوجي ولد عام 1866، أستاذ اللغات الساميّة، ساهم في دائرة المعارف، جمع المخطوطات الشرقية، محرر مجلة (العالم الشرقي) له عدة مؤلفات منها: (القرآن الإنجيل المحمدي) ومنها: (تاريخ حياة محمد).
(13) المستر سنكس الأمريكي: مستشرق أميركي ولد في بلدته بالاي عام 1831، توفي 1883 في كتابه: (ديانة العرب).
(14) آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر 1932.
(15) مايكل هارت: في كتابه مائة رجل من التاريخ.
(16) ليف تولستوي «1828 ـ 1910» الأديب العالمي الذي يعد أدبه من أمتع ما كتب في التراث الإنساني قاطبة عن النفس البشرية.
(17) الدكتور شبرك النمساوي.
===============
4- قال المنصفون منهم في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
لا يجد المرء ردًّا على ما وُجِّه للنبي محمد، صلي الله عليه وسلم، من إهانات وشتائم تارة، وكذب وتدليس تارة أخرى، أبْلَغُ مِن عَرْض آراء المعتدلين من أصحاب النظرة الحيادية والمنهج الموضوعي، والأمانة العلمية والأخلاقية، من بني جنسهم، ودينهم، في شخصية الرسول، صلي الله عليه وسلم، ومكانته، ذلك أن أعداء الدين الإسلامي قد سدوا آذانهم، وأعموا قلوبهم، وقنعوا بما تلقوا من أوهام عن الإسلام وأهله، حتى صار الأمر عندهم كأنه من المسلَّمات التي لا تقبل المناقشة.
ومن هنا كان من المناسب أن يكون الردُّ عليهم من كتابات أبناء جلدتهم من كتابهم ومفكريهم، أولئك النَّفر من المحايدين الذين أبوا على أنفسهم أن يلووا أعناق النصوص ويقلبوا الحقائق التاريخية، أو يختاروا منها ما يحقق غايتهم، هؤلاء القلائل الذين التزموا ما يقتضيه البحث العلمي من الأمانة العلمية والأخلاقية في العرض والأخذ والرد.
وقد شهدت العصور الوسطى في أوروبا بعض المحاولات التي كانت تهدف إلى تقديم صورة أكثر موضوعية عن الإسلام ونبيه، صلى الله عليه وسلم، مثل تلك المحاولة التي قام بها "بيتر المبجل" في القرن الثاني عشر الميلادي؛ حيث استعان باثنين من العرب في ترجمة القرآن الكريم، وكانت هذه الترجمة من أحسن الترجمات، لكن هذه الترجمة حُوربت من قبل رجال الدين المتعصِّبين؛ لأنّها كانت ستؤدي إلى انتشار الإسلام بين الغربيين في تلك الحقبة، وقد شهد عصر النهضة مزيدًا من المحاولات المنصفة للإسلام.(5/171)
ومن الأحداث المهمة في ذلك العصر صدور ترجمة للقرآن باللغة الإنجليزية، وقد تولَّى هذه الترجمة العالم الإنجليزي "جورج سيل" في عام 1734م، وهذه الطبعة سرعان ما تُرجمت ونُشرت باللغات الألمانية والفرنسية والهولندية، فكانت المصدر المهم المعوَّل عليه في أوربا لمدة تناهز القرن، لمعرفة القضايا التي عالجها القرآن، وقد نوه فيها "سيل"- تمشيًا مع روح عصر النهضة- بكثير من فضائل الدين الإسلامي، وأشار إلى عظمه نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم.
* وفي 1720 نشر "هنري دي بولونفيرس" كتابه "سيرة حياة محمد" وفيه دفاع عن سيرة النبي، ورد على المطاعن والانتقاصات السابقة من شخصيته، صلى الله عليه وسلم، موضحًا أن محمدًا مبدع ديني عقلي يستحق التقدير حتى في الغرب.
وكان لكتاب"بولونفيرس" الأثر البالغ في تفكير "فولتير"، وتغيير نظرته للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ألف فولتير كتابًا بعنوان "التعصب أو النبي محمد" وصف فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، بأنه منافق وخَدَّاع ومحب للملذات الجسدية ومستبد، وقد كان فولتير بهذا النعت غير المنصف والطعن في شخصية محمد يستهدف دحض الأفكار الدينية المتعصبة بصورة عامة في فترة سادت فيها حملة عامة واسعة لدحض الأفكار الدينية المسيحية؛ تجاوبًا مع مبادئ عصر النهضة والتنوير العقلي.
لكن فولتير بعد أن طالع كتاب "سيرة حياة محمد" ألف كتابه (بحث في العادات) سنة 1765 مدح به الإسلام وأشاد بنبي الإسلام محمد وبكتابه القرآن، وقد نعت محمدًا بأنه مع "كونفوشيوس" و "زرادشت" من أعظم مشرِّعي العالم.
* الشاعر الألماني الكبير "جوهان فولفجاج فون جوته" أحد رموز الثقافة الغربية، شاعر وروائي عملاق يعترف بقَدْرِه الجميع هنا وهناك، كان شديد الإعجاب بالإسلام ، وقد استوحي العديد من آيات القرآن الكريم، ومن شعر المعلقات في أشعاره قرأ جوته "ألف ليلة وليلة" في طفولته ، وفي شبابه ترجم عن الفرنسية كتاب "محمد" لفولتير ، وكان يحفظ أشعار الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي .
كان جوته شديد التدين وكان منذ طفولته يشارك في خدمة القداس الكنائسي ، ويقرأ يوميًّا الكتاب المقدس ، وقد اعترف بأنه مدين له بثقافته الروحية والعقلية ، ولم يَحُل ذلك دون أن يعرب عن إعجابه الشديد بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وبالإسلام، وكان يزمع تأليف مسرحية عن النبي محمد (صلي الله عليه وسلم ) .
ويا ليت الذين يتهجمون اليوم على الإسلام وعقيدته، ورمزه الأعلى محمد، يقرؤون شعر جوته الذي حاول أن يعبر الجسر بين الشرق والغرب ، وأن يقيم توازنًا روحيًّا بينهما ، وقد أخرج ديوان شعر اسماه "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" يقول في إحدى قصائده، التي ترجمها د.عبد الرحمن بدوي:
من حماقة الإنسان في دنياه أن يتعصب كل منا لما يراه
وإذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم
فإننا جميعا ، نحيا ونموت مسلمين .
-----------------
* وقد أشاد "هيردر ولايبنيتز" في كتابه "أفكار حول فلسفة تاريخ الإنسانية"، بشخصية النبي محمد، وحماسه العالي لفكرة "وحدانية الله"، وحكمة عبادته، بواسطة الطهارة والتأمل والعمل الصالح.
وقد رد هيردر على التقاليد اليهودية والمسيحية البالية، وأشاد بسيرة محمد والثقافة الإسلامية، وأطرى تعاليم الدين الإسلامي التي حرمت الخمر والمأكولات النجسة والربا والقمار والميسر، وبيّن أن تأثيرات العبادة اليومية وأفكار الرحمة، والطاعة لإرادة الله التي نص عليها القرآن تمنح المسلمين اطمئنانًا نفسيًا.
*"أدريانس ريلند" المستشرق الهولندي في القرن الثامن عشر، من أهم مؤلفاته كتاب: "في الديانة المحمدية" باللغة اللاتينية، وفيه عَرْض أمين للعقيدة الإسلامية كما يفهمها المسلمون، وتصحيح للأفكار المغلوطة السائدة في أوروبا، في العصور الوسطى، عن الإسلام والنبي والقرآن، وتتميز آراؤه بإنصافها للإسلام وكتاباته بالموضوعية.
*"ميشيل جان دي خويه" المستشرق الهولندي كتب بحثًا عن "رسالة محمد" دافع فيه عن رسالة النبي ضد ما كتبه في هذا الموضوع "باروتس".
*ألويس أشبرنجر: مستشرق نمساوي الأصل، اشتهر بكتابه عن حياة النبي محمد.. وقد حضّر له بسفره إلى الدول العربية فأصدر القسم الأول بعنوان: "حياة محمد، من المصادر الأصلية" عام 1851، ثم أصدر كتاب "حياة محمد وتعاليمه" في ثلاثة أجزاء باللغة الألمانية.
ومن الكتابات التي تميزت أيضًا بالإنصاف والموضوعية في هذا المقام:
* ما كتبه "مايكل هارت" عالم الفلك الشهير في الرياضيات وصاحب كتاب "العظماء مائة" حيث قال في مقدمة كتابه: "إن اختياري محمدًا، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.(5/172)
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدؤوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكنَّ محمدًا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته.
ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضًا، وحّد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها".
* "توماس كارلايل" هذا الرجل المنصِف الذي اخذ يدافع عن محمد، صلى الله عليه وسلم، ويَذُبّ عنه كل الافتراءات التي حاول أن يلصقها به أعداؤه، وذلك من خلال مجموعة من المحاضرات تحت عنوان (الأبطال وعبادة الأبطال).
وقد ناقش "كارلايل" مواضيع من أخطر المشكلات التي يثيرها الغرب، وقام بالذّب عن الإسلام حتى كأننا إذ قرأنا الكلام بدون اسمه فكأننا بداعية إسلامي كبير يدافع عن الإسلام ويَذُبّ عنه كيد الأعداء، ومِنْ أبرز التهم التي يَذُبّ عنها كارلايل تهمة "حد السيف" وتهمة "الخداع".
وفي كتاب الأبطال وصف كارلايل محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه "كان واحدًا من هؤلاء الذين لا يستطيعون إلا أن يكونوا في جَدٍّ دائمًا.. هؤلاء الذين جُبلت طبيعتُهم على الإخلاص... فلم يقم هذا الرجل بإحاطة نفسه داخل إطار من الأقوال والصفات الطيبة ولكنَّه تفرد مع روحه ومع حقيقة الأشياء يستمد منها ما نطلق عليه الإخلاص... شيء يملكه اسمى من طبيعة البشر، فَقَد كانت رسالة هذا الرجل تنبعث من فطرة قلبه وروحه"، ولهذا يجب أن يستمع ويعمل الرجال وليس لأي شيء آخر، فكل شيء غير ذلك إنما هو هباء تذروه الرياح.
وهذه مقولة له عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "رجل واحد في مقابل جميع الرجال" [المصدر: "محمد الخليفة الطبيعي للمسيح" للداعية أحمد ديدات].
وأيضا ما قاله في كتابه (الأبطال وعبادة الأبطال): "لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدِّن في هذا العصر أنْ يُصغي إلى القول بأنّ دين الإسلام كذب، وان محمدًا خدّاع مزور، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرجل ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنًا لمئات الملايين من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا".
أكان أحدهم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والعد أكذوبة وخدعة؟ أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدًا، فلو أن الكذب والغش يروّجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان ذلك التصديق والقَبول، فما الناس إلا بُله ومجانين، وما الحياة إلا سخف وعبث، كان الأولى ألا تخلق".
* أما "تساريس وادي" المستشرقة الإنجليزية فتقول في كتابها (العقل المسلم) فقد أدركت إنسانيات محمد ليس في حجم الكلمات والتصرفات التي كان يتصرف بها فقط، بل في تعبيره عن الحق بأنه الصراط المستقيم، وهو تعبير عدل وصدق، أيضًا في سعيه لأن يساوي بين البشرية في تدينها.. لقد دافع عن صلات الرحم والعقيدة بين الرسل، وآمُل أن يكون تعاونًا بين أهل الأديان، وعندما خاب أمله ظل على احترامه للأديان الأخرى.. لقد أنضج (محمد) ثقافة السلام، ووضع الفقراء، والعبيد، والمرأة في صف الأغنياء، والأحرار والرجال، لقد أعاد تنظيم السياسة والاقتصاد وحافظ على سمتها الإنساني، وأشاع حياة المساواة بشكل لم يكن معروفًا ولا مقبولاً في ذلك الوقت.
* ويحدد "جولز ماسيرمان" المحلل النفسي الأمريكي، وأستاذ في جامعة شيكاغو، ثلاثة أسس لاختيار القائد الأعظم لجميع الأزمنة، وهى:
1- يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة.
2- يجب أن يوفر القائد أو من يكون قائدًا نظام اجتماعي يشعر فيه الناس نسبيًّا بالأمن والطمأنينة.
3- يجب على القائد أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من المعتقدات.
وعلى ضوء هذه المتطلبات الثلاثة السابقة يبحث "ماسيرمان" في التاريخ ويقوم بالتحليل والتمحيص ليقرِّر أنّ أعظم قائد كان على مر العصور هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي جمع الأعمال الثلاثة، وقد فعل موسى نفس الشيء بدرجة أقل".
* كما قال "باول شمتز" صاحب كتاب (الإسلام قوة الغد العالمية)، لقد جاهدت البشرية كثيرًا لتضع ما سماه علماء القانون والسياسة، الحقوق الطبيعية للإنسان.. لقد فعلها محمد- صلى الله عليه وسلم- بعفوية وبساطة عندما وقف حاجًّا في مكة فيما يعرفه المسلمون بحجة الوداع وقرر حق الإنسان في الحياة والتدين والحرية والثراء الحلال والمساواة وحرمة الدم والعرض والكرامة.
*وقال عنه "لامارتين": "رجل أسَّس عشرين إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية".
*وقال عنه أحد المفكرين الغربيين أنه لو أعطى لمحمد زمام الأمور في هذا العالم المليء بالملابسات والمشكلات لقاد البشرية إلى بر الأمان. [راجع كتاب الداعية أحمد ديدات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم](5/173)
* في أوائل القرن التاسع الميلادي، كتب المؤرخ القسطنطيني (ثيوفينيس) عن رسول الله (محمد بن عبد الله) عليه السلام، ورغم أن هذا المؤلف كان يكنّ الحقد للإسلام، إلا أنه وصف الرسول الكريم بـ(شفيع الشرقيين ومخلصهم العظيم).
* "ألفونس إينين دينيييه" مستشرق فرنسي عكف على دراسة الإسلام وتعاليم الرسول عليه السلام؛ حتى وجد نفسه يقتنع بدين (محمد) فيعلن إسلامه عام 1927 وعمره ستون عامًا، وقد أطلق على نفسه اسم (ناصر الدين).. كما كتب عدة مؤلفات عن الإسلام منها: (السراب)، (ربيع القلوب)، (الشرق كما يراه الغرب)، (رسالة الحج إلى بيت الله الحرام).. وكتابه الأخير هذا قد تناول فيه بعضًا من سيرة النبي عليه السلام، وقد وضعه بالاشتراك مع صديق له اسمه (سليمان بن إبراهيم).
*ولم يستطع المستشرق الأمريكي (أرفنج) الذي ألف كتابًا عن حياة الرسول الأعظم، بالرغم من تحامله الشديد على الإسلام أن يغفل عظمة الرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم) ونزاهته وإيثاره ودوره العظيم والأساس في تأسيس الدولة العربية الإسلامية.
وأمثال هؤلاء كثر من المستشرقين الذين كانت دوافعهم مخلصة، وأهدافهم نزيهة ومقاصدهم خدمة العلم وقول الحق عن الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو الأعظم، إنه بحق الأعظم، فإذا كان في البشرية من يستحق العظمة فهو محمد، هذا كان كلام علماء الغرب المنصفين عنه صلى الله عليه وسلم، والذي حفل بالحقائق التي لا تقبل الشك فهل يعي هؤلاء الذين سولت لهم أنفسهم الإساءة لخير الناس وإمام الرسل؟!
=============
5- قالوا عن نبينا وإسلامنا وحضارتنا..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
إن ديننا الحنيف قد أثَّر في كثير من كبار العقليات الغربية من أهل الإنصاف، مما جعلهم يجهرون بشهادتهم لنبينا صلى الله عليه وسلم ورسالته إما تصريحا أو إشارة من خلال مدح حضارتنا الإسلامية عبر التاريخ، وهذا على مرأى ومسمع من العالمين، رغم أنف المعاندين والحاقدين، فشهدوا شهادة عدل وإحسان وإن لم يسلموا، لأن الباحث الغربي المنصف لا يملك إلا أن يقف إجلالا لشخصية نبينا ورسالته . بله الذين أسلموا منهم فإن أعدادهم لا تحصى.
مما دعاني إلى أن أذكر بعض ما كتبوه ودونوه فيكون هدية مني لِذَا الملتقى المبارك بأهله، وبفضل الله وعونه، حتى صار حبيبا صعبا فراقه، وسيلا عِلميا عذبا مذاقه، قليله منه يغرق العصابة من الرجال، ونزر يسير من علمه يُمَسِّكُنَا بممدود الحبال. الخُلق الرفيع عند أهله أسّ البنيان، والأدب السامي منهم يروى عطش الظمآن.
فأرجو أن يشاركني المشائخ الأفاضل وطلبة العلم في هذا الموضوع لإثرائه، دونما خروج عن هذا الإطار وبنائه، من غير إسهاب مُمِلّ، ولا تلخيص مُخِل.
وهذا مما دونته خلال قراءاتي القديمة، ومعظم الفقرات لم أكتب رقم الصفحة التي أخذتها منها الفقرة ، ومنها ما أخذته نقلا عن كتاب آخر. فتنبه.
فلنبدأ الرحلة على بركة الله:
يقول مايكل هارت في كتابه "الخالدون مئة" ص13، وقد جعل على رأس المئة سيدَنا محمدا صلى الله عليه وسلم لاقتناعه بأنه هو أفضل شخصية عرفها التاريخ،
يقول:"لقد اخترت محمدا صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي.
وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد 13 سنة من وفاته، فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويا متجددا.
وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا، إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فهو قد ولد سنة 570 م في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم، بعيدة عن مراكز التجارة الحضارة، والثقافة والفن. " وقال ص 18: "ولما كان محمد جبارة، فيمكن أن يقال أيضا إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ"
------------
قال يان سامويلسون في كتابه: "الإسلام في السويد":
"إن الإسلام أشدّ حضارية ممّا يظنّه الكثير من المسيحيين و يذهب إلى القول أيضا بأنّ الإسلام هو مدرسة قائمة في حدّ ذاتها وليس الإسلام صورة منسوخة عن المسيحية كما يعتقد كثير من المسيحيين في الغرب."
أقوال بعض المستشرقين الذين أعجبوا بالرسول العظيم صلى الله عليه وسلم
(جمعه : ممدوح أبو العلا)
- برناردشو ( برناردشو الإنكليزي ولد في مدينة كانيا 1817 ـ 1902 له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية. )(5/174)
برناردشو إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا).
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
--------------
- السير موير ( السير موير الإنكليزي في كتابه (تاريخ محمد). )
إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم.
--------------
- سنرستن الآسوجي (العلامة سنرستن الآسوجي: مستشرق آسوجي ولد عام 1866، أستاذ اللغات الساميّة، ساهم في دائرة المعارف، جمع المخطوطات الشرقية، محرر مجلة (العالم الشرقي) له عدة مؤلفات منها: (القرآن الإنجيل المحمدي) ومنها: (تاريخ حياة محمد). )
إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ.
----------------
- المستر سنكس ( المستر سنكس الأمريكي: مستشرق أميركي ولد في بلدته بالاي عام 1831، توفي 1883 في كتابه: (ديانة العرب).)
ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة.
إلى أن قال: إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان. ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ـ إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة.
-------------
- آن بيزيت ( آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر 1932. )
من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم.
هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة 26 عاماً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره - السن التي تخبو فيها شهوات الجسد - تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.
فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه الزيجات كانت سبباً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية.
----------------
* تولستوي (ليف تولستوي «1828 ـ 1910» الأديب العالمي الذي يعد أدبه من أمتع ما كتب في التراث الإنساني قاطبة عن النفس البشرية. )
يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة.
--------------
- شبرك النمساوي (الدكتور شبرك النمساوي)
إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته
-------------
قال الفيلسوف الفرنسي "جوستاف لوبون" في كتابه "حضارة الغرب"
..هل يتعين أن نذكر أن العرب، والعرب وحدهم، هم الذين هدونا إلى العالم اليوناني والعالم اللاتيني القديم، وأن الجامعات الأوربية ومنها جامعة باريس عاشت مدة ستمئة عام على ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث، وكانت الحضارة الإسلامية من أعجب ما عرف التاريخ".
------------
وتقول زيجريد هونكه الألمانية في كتابها "شمس الله تشرق على الغرب ":(5/175)
" إن أوربا مدينة للعرب وللحضارة العربية، وإن الدين الذي في عنق أوربا وسائر القارات للعرب كبير جدا. وكان يتعين على أوربا أن تعترف بهذا الفضل منذ زمن بعيد، لكن التعصب واختلاف العقيدة أعميا عيوننا وتركا عليها غشاوة، حتى إننا لنقرأ ثمانية وتسعين كتابا ومئة، وفلا نجد فيها إشارة إلى فضل العرب وما أسدوه إلينا من علم ومعرفة، اللهم إلا تلك الإشارة العابرة إلى أن دور العرب لا يتخطى دور ساعي البريد الذي نقل إلينا الثرات الإغريقي"
وقالت في نفس الكتاب: "وفي مراكز العلم الأوربية لم يكن هناك عالم واحد إلا ومد يده إلى الكنوز العربية يغترف منها، وينهل كما ينهل الظامئ من الماء العذب..ولم يكن هناك ثمة كتاب واحد من بين الكتب التي ظهرت في أوربا في ذلك الوقت، وإلا وقد ارتوت صفحاته بوفرة من نبع الحضارة العربية"
عندما تغير العالم The Day The Universe Changed
تأليف جيمس بيرك James Burke
ترجمة ليلى الجبالي
مراجعة شوقي جلال
هذا الكتاب يتحدث عن التطور المعرفي و الحضاري في العالم و لكنه منصب أساسًا على العالم الغربي .. يقول الكاتب ص48 : (( و لكن من حسن المصادفات أن جاءت لحظة تاريخية مذهلة أعيد فيها اكتشاف المعرفة . ففي عام 1085 ، سقطت قلعة توليدو العربية في إسبانيا ، لتجد القوات المسيحية المنتصرة بين أيديها كنزًا أدبيًا ، كان أبعد ما يكون عن كل أحلامهم . فمنذ ما يزيد على مائة عام ، لم تكن أوروبا تعرف شيئًا عن العرب الأسبان إلا القليل . . . و منذ ذلك الوقت انتشر الحديث في أوروبا عن الحضارة القائمة خلف جبال البرانس ))
و يقول ص50 : (( و قد تميز موقف هذا المجتمع الثري الحضاري ذي الثقافة الرفيعة بالتسامح مع العقائد الأخرى ، حيث عاش في ظل حكم الخلفاء المسلمين آلاف اليهود و المسيحيين في سلام و انسجام كامل . و استخدمت عوائد الأرض لتطوير مستوى الحياة . و الأهم من ذلك كله ، أن الدين و الثقافة تعايشا معًا في تواؤم ، فحيثما وجد الإسلام ، وجد معه التعطش إلى المعرفة و تطبيقاتها على شتى مناحي الحياة ))
و يقول ص51 : (( و من الناحية الفعلية ، كان الخليفة في قرطبة هو الحاكم المطلق لشمال أسبانيا ، حيث كان المسيحيون يعيشون في قلاعهم المكشوفة في مدينتي ليون ، و نافاري ، في حالة من القذارة و الجهل مثلما كان عليه الحال في بقية شمال أوروبا . و قد اعتاد الخليفة أن يرسل على فترات منتظمة حملات إلى الشمال للتأكد من استقرار الأمن و القيام ببعض المناوشات و نهب ما يقع عليه الاختيار من بلدان الريف ، و غالبا ما كانت هذه العملية تنفذ طبقًا لجدول زمني محدد خلال الربيع و الخريف . أما خلال فترة هدوء الصيف ، فقد اعتاد المسيحيون أن يرسلوا إلى قرطبة طالبين استئجار أطباء الأسنان ، و مصففي الشعر ، و الجراحين ، و المهندسين المعماريين ، و الموسيقيين ))
و يقول ص54 : (( استمر تدفق طلاب العلم على أسبانيا في طوفان منتظم فاستقر بعضهم هناك ، و تفرغ آخرون لترجمة النصوص التي كانوا يبحثون عنها ثم عادوا مرة أخرى إلى بلادهم في الشمال ، غير أن الجميع أصابه الذهول من تلك الحضارة التي وجدوها في الأندلس . لقد كان العرب ينظرون إلى الأوروبيين الشماليين على أنهم لا يزيدون في مستواهم الفكري و الثقافي على مستوى الصوماليين . أما المثقفون الشماليون فقد وجدوا في أسبانيا ، مجتمعًا ثقافيًا على درجة عالية جدا من التفوق بالمقارنة مع مستوى المحتمع الثقافي في بلادهم مما ترك لديهم إحساسًا بالغيرة من الثقافة العربية التي ظلت تؤثر في الفكر الغربي مئات السنين ))
و يستشهد في ص55 بقول أديلارد الذي كان أول من نقل العلوم العربية لأوروبا : (( كلما اتجهت أكثر إلى الجنوب ، اكتشقت أنهم يعرفون المزيد من العلم . إنهم يعرفون كيف يفكرون و قد تعلمت من العرب شيئًا واحدًا يتلخص في : " إذا كانت السلطة هي التي تقودك ، فهذا معناه أنك دابة يقودها رسن " ))
و الكتاب يتحدث في هذا الفصل عن انبهار العالم الأوروبي بهذه الحضارة المذهلة من جميع النواحي في أسبانيا و التي دامت قرونًا خلف جبال البرانس ، و لولا ضيق الوقت لنقلت الفصل كله فهو نفيس جدًا .
-------------
وقال المستشرق "سبانسر فاميري":
"لا يستطيع عالم واحد أن يتأمل القبة الزرقاء دون أن يلفظ اسما عربيا، ولا يستطيع عالم طبيعي أن يحلل ورقة من الشجر أو يفحص صخرة من الصخور دون أن يذكر درسا عربيا، ولا يقدر أي قاض أن يبت اليوم في خلاف دون أن يستدعي مبدأ أنلته العرب، ولا يسع أي طبيب أن يتأمل دائرة أحد الأمراض المعروفة منذ القدم لأإا أن يهمس بآراء طبيب عربي ولا يستطيع رحالة أن يدلف إلى أبعد زوايا آسيا وإفريقيا دون أن يعمد عن اللغة العربية"
قام طاقم من الخبراء في شتى المجالات بإعداد كتاب بعنوان " الخمسون الذين كانوا أعظم شأن في التاريخ" وقد تم اختيارهم من عدد قدره 11 مليار إنسان [هكذا قالوا].(5/176)
وبعدها خلصوا إلى خسمين شخصا، وبقي عليهم أن يرتبوهم حسب الأهمية وكانت المسألة الحساسة كون من هو الشخص الذي سيكون رقم " واحد ".
معاييرهم في الاختيار:
أشار مؤلف الكتاب أولف نيلسون ( Ulf Nilson ) مرة بعد مرة في كتابه كون منهجهم في الاختيار لم يبن على اختيار أشهر إنسان أو أنبل إنسان، بل على أكثرهم تأثيرا على التاريخ البشري.
هؤلاء الناس حسب طاقم التحرير كانوا أكثر الناس تأثيرا على الحياة البشرية من حيث القيم والتطور.
ذكر نيلسون في مقدمة كتابه المشاكل التي واجها، والسؤال الذي كان يرجع مرة بعد مرة: من هو الشخص الذي سيكون رقم " واحد " ؟؟
كل هذا لمدى حساسية الموضوع.
الشخص الذي تم اختياره هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحينها أقام البعض الدنيا ولم يقعدوها، فإذا بامرأة شابة قالت غاضبة لنيلسون حينما رأت أن أفلاطون جاء في مرتبة أقل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ما أرى هذا إلا خزعبلات تجارية!
لم يتمكن نيلسون من طلب استفسار منها لأنها خرجت؟!
ثم ذكر نيلسون المعايير الثلاثة التي تم استخدامها في الاختيار والتي نتجت إلى كون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم على الإطلاق.
1 ـ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عاش في فترة زمنية بعيدة عن حاضرنا. مما جعله يؤثر على قيم وأفكار أجيال متعاقبة وأضافوا أن تأثيره مازال قائما إلى يومنا هذا.
2 ـ اختلافا عن النبي عيسى عليه السلام والذي كان قائد روحيا فقط ، فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قائد روحيا وسياسيا تمكن من إنشاء أمة بأكملها خلال 23 سنة فقط.
3 ـ وختم كون محمد صلى الله عليه وسلم كتب القرآن ( المؤلف إنسان كافر لا يؤمن بالوحي ـ هداه الله للإسلام ـ ) مما يجعل دعوته قائمة مادام لأتباعه بقية. وأتباعه المؤمنون لا يحيدون قيد أنملة عن أوامره ونواهيه، فالخمر والزنا لن يقربهما المسلمون ماداموا يؤمنون به.
ثم تطرق الكاتب على غرار أسلافه إلى الأحكام المسبقة الزاعمة أن الإسلام دين الرجال وأن المرأة مهضومة الحقوق، لكن لو كلف الكاتب نفسه قليلا بالبحث والتعمق في مقاصد الشرع للاحت له لآلئ ما كانت لتخطر له على بال.
ترتيبهم كان كالتالي:
1 ـ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
2 ـ النبي عيسى عليه الصلاة والسلام.
3 ـ المشرك بودا.
4 ـ إسحاق نيوتن (الفيزيائي المشهور)
5 ـ يوهان غوتانباري
6 ـ ألبارت آنشتاين
7 ـ كارل ماركس
8 ـ أفلاطون
9 ـ غاليليو غاليلي
10 ـ شارل داروين
المصدر:
Nilson, Ulf: De 50 som betytt mest - en mänsklighetens ranking list. Jugoslavien, Wiken 1989. ISBN: 91-7024-444-8.
-----------
لومارتان : من كتاب "تاريخ تركيا"، باريس، 1854، الجزء 11، صفحة 276-277.
"إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
وأكمل لو مارتان كلامه فقال:
لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله). كان طموح النبي موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد
بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد ؟
جاء في موسوعة مشاهير العالم إعداد موريس فرادوارد (4/130) ط 2002
-------------
وفي الحديث عن غوته الشاعر الألماني الكبير (1749-1832)
قال وقد كتب عن الإسلام والمسلمين مصححا بعض مفاهيم الغرب عنهم ثم قال (أي غوته الشاعر):(5/177)
"وهكذا نرى أن هذا المذهب (الإسلام) لا يفتقر إلى شيء، وأننا لا نفوقهم بشيء على الرغم من تعدد مذاهبنا، ولا يستطيع أحد أن يتقدمهم في شيء " اهـ .
إلى أن قال المؤلف : كما قرأ القرآن الكريم في ترجمتين مختلفتين، وقد انعكس هذا الاهتمام في مجموعته الشعرية "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" الذي نشره سنة 1819 ، ونهل فيه من ينابيع الحكمة الشرقية حتى جاءت بعض القصائد وكأنها ترجمة لبعض آيات القرآن الكريم ومحاكاة لتسابيح سعدي وحافظ
من ذلك قوله في قصيدة شهيرة: " لله المشرق والمغرب، أرض الشمال والجنوب، كلها غارقة في السلام بين يديه إنه العادل الأوحد، الذي يريد الحق للجميع فلنسبح باسمه هذا من أسمائه المئة، آمين، آمين يكاد الضلال يتقاذفني، ولكنك تعرف كيف تهديني، فأرشدني فيما أعمل وأشعر إلى الصراط المستقيم" اهـ ص131.
قال مصطفى غفر الله له:
ونحن لا ندري هل أسلم هذا الشاعر الألماني أو لا، لأنه عرف أنه شاعر المرأة وما التقى بامرأة إلا ووقع في حبها وألف قصيدة أو ديوانا عنها،
ولكنني بتتبعي البسيط وجدت أنه قد ألف كتبه وأشعاره عن المرأة والعاطفة وغيرها، قبل 1819م، السنة التي ألف فيها "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" الذي أبرز فيه إيمانه بالله سبحانه، كما هو مسطور أعلاه.
ورسائله ل"بتينا" كانت قبل ذلك التاريخ ولقاؤه بها كان سنة 1807، وتزوجت بصديق أخيها سنة 1811،
وفي سنة 1873 وقع في غرام شارلوت بوف وهي بطلة كتاب "آلام فرتر"
وله كتب أخرى يدافع فيها عن البلاد كما في رواية "ولهلم مايستر" وهي من جزءين صدر أولهما في سنة 1796 يركز فيها على واجب العمل وخدمة المجتمع والعلاقة بين الطبقات التي يردها علاقة ود لا علاقة تطاحن وصراع.
وفي رواية "أغمونت" وهي نثرية عالج فيها مشكلة حرية الإرادة وتجري أحداثها في بروكسيل في عهد فيليب الثاني.
والتقى بنابليون، ووصفه نابليون فقال :" هذا رجل!"
المهم أن حديثه عن الإسلام والمسلمين كان في أواخر حياته، فإن أسلم فنسأل الله أن يتقبل منه، وإن لم يؤمن فلعنة الله على الكافرين
بوسورث سميث : من كتاب "محمد والمحمدية"، لندن 1874، صفحة 92
لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها.
إدوارد جيبون وسيمون أوكلي، من كتاب "تاريخ إمبراطورية الشرق"، لندن 1870، صفحة 54.
ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنا من الزمان.
لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة في نطاق العقل والدين.
--------------
الدكتور زويمر الكندي ،مستشرق كندي ولد 1813 ـ 1900 قال في كتابه (الشرق وعاداته).
إن محمداً كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء
-----------
يقول الشيخ مصطفى الزرقا في مقدمة كتاب المدخل الفقهي العام (1/6)
نذكر أنه في مثل هذا اليوم من العام الفائت (الثاني من تموز 1951م) عقدت شعبة الحقوق الشرقية من " المجمع الدولي للحقوق المقارنة" مؤتمرا في كلية الحقوق من جامعة باريس للبحث في الفقه الإسلامي تحت اسم "اسبوع الفقه الإسلامي" برئاسة المسيو (ميو Montet) استاذ التشريع الإسلامي في كلية الحقوق بجامعة باريس دعت إليه عددا كبيرا من أساتذة كليات الحقوق العربية وغير العربية وكليات الأزهر، ومن المحامين الفرنسيين والعرب وغيرهما، ومن المستشرقين. ................
إلى أن قال:
وفي خلال بعض المناقشات وقف أحد الأعضاء وهو نقيب محاماة سابق في باريس، فقال:(5/178)
" أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لما عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلوحه أساسا تشريعيا يفي بحاجيات المجتمع العصري المتطور، وبين ما نسمعه الآن في المحاضرات ومناقشتها مما يثبت خلاف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادئ. "
وفي ختام المؤتمر وضع المؤتمرون بالإجماع هذا التقرير الذي نترجمه فيما يلي:
--- إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة (حقوقية تشريعية ) لا يمارى فيها.
--- وإن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية، هي مناط الإعجاب، وبها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، والتوفيق بين حاجاتها." اهـ
وقال الشيخ الزرقا في هامش ص 9
_باختصار_
أن "الجمعية الدولية للحقوق المقارنة" بتلخيص وقائع أسبوع الفقه الإسلامي، ونشرت هذه الخلاصة في 30 صفحة في "المجلة الدولية للحقوق المقارنة"
revue internationale de droit comparé
في العدد الرابع من السنة الثالثة، ايلول-تشرين الأول/1951
ولقد أصدرت كتابا يحوي كل المحاضرات التي ألقيت في المؤتمر، مكتبة "مجموعة سيريه" (ٍsirey) للبحوث القانونية سنة 1953، بإشراف المسيو ميو رئيس المؤتمر.
قال مصطفى غفر الله له:
هذا حكم من يفهم من العقلاء، لا كما يردد هؤلاء الببغوات، من الإعلاميين الغربيين، وأذيالهم من علمانيّي بلداننا.
يا ليت قومي يعلمون !!
إنا لله وإنا إليه راجعون.
--------------
قال ستانلي لين بول Stanley Lane-Poole في كتابه قصة العرب في إسبانيا The Story of the Moors in Spain ط 1986:
"...وإنا لنحس فضل العرب وعظم آثار مجدهم، حينما نرى بإسبانيا الأراضي المهجورة القاحلة التي كانت في أيام المسلمين جنات تجري من تحتها الأنهار، تزدهر بما فيها من الكروم والزيتون وسنابل القمح الذهبية. وحينما نذكر تلك البلاد التي كانت في عصور العرب تموج بالعلم والعلماء، وحينما نشعر بالركود العام بعد الرفعة والازدهار."
يقول الكاتب البريطاني هـ. ج. ويلز H.G. Wells في كتابه معالم تاريخ الإنسانية:
"...وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الإغريق، ودرسوا علم وظائف الأعضاء، وعد تدبير الصحة، ويكاد علم الأقرباذين لديهم أن يكون نفس ما لدينا اليوم، ولا يبرح كثير من طرق العلاج عندهم مستعملا بين ظهرانينا إلى اليوم، وكان لجراحيهم دراية باستعمال التخدير، وكانوا يجرون طائفة من أصعب الجراحات المعروفة. وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه ممارسة الطب انتظارا منها لتمام الشفاء بموجب المناسك الدينية التي يتوالاها القساوسة، كان لدى العرب علم طبي حق" اهـ
ولم يمنع الحقد المستشرق الإنجليزي برنارد لويس من أن يقول كلمة حق وذلك في كتابه "العرب في التاريخ"، فقال:
"...السمة الأولى التي تسترعي انتباهنا هي المقدرة الاستيعابية للثقافة العربية التي غالبا ما وصمت بأنها قائمة على المحاكاة والتقليد، فقد وحد الفاتحون العرب _ ولأول مرة في التاريخ _ الأقاليم الشاسعة الممتدة من حدود الهند والصين إلى تخوم اليونان وإيطاليا وفرنسا. ومن خلال قواهم العسكرية والسياسية لبعض الوقت، ثم لفترة طويلة بعد ذلك من خلال لغتهم وعقيدتهم؛ وحد العرب بين ثقافتين كانتا تتصارعان في الماضي، هما الثرات المتنوع لحوض البحر الأبيض المتوسط البالغ العمر ألف عام (ثرات اليونان وروما وبني إسرائيل والشرق الأدنى القديم)، وحضارة فارس الثؤية وأنماطها الخاصة في الحياة والفكر، وصلاتها المثمرة بالحضاران العضيمة في الشرق الأقصى. ذلك أنه في خلال التعايش بين الكثير من الشعوب والعقائد والثقافات داخل حدود المجتمع الإسلامي ولدت حضارة جديدة؛ متنوعة من حيث أصولها ومبدعيها، لكنها تحتمل في كل مظاهرها البصمة المميزة للعروبة والإسلام، ومن هذا التنوع الذي اتسم به العالم الإسلامي نشأت سمة ثانية لافتة بصفة خاصة لأنظار المراقب الأوربي، هي تسامحه بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى. فعلى النقيض من معاصريه الغربيين نادرا ما شعر المسلم في العصور الوسطى بالحاجة لفرض عقيدته بالقوة على كل الخاضعين لحكمه، لقد ترسخ في وعيه مثلهم أن أولائك الذين يعتنقون عقيدة مغايرة سيحرقون في الجحيم في الوقت المقدر لذلك، لكنه على خلافهم لم ير ثمة فائدة في استباق القضاء الإلهي في هذه الدنيا، وكان قانعا في أغلب العصور بالانتماء إلأى العقيدة السائدة في مجتمع متعدد العقائد. لقد فرض على الآخرين قيودا اجتماعية وتشريعية معينة كرمز لسيادته، وكان يذكرهم تذكرة فعالة إذا ما بدا أنه في سبيله للنسيان، وفي ما عدا ذلك ترك لهم حرياتهم الدينية والاقتصادية والثقافية، كما ترك فرصة الإسهام البارز في حضارته هو" اهـ
والنص من ترجمة أ. محمد غريب جودة.
من آخر كتب برنارد لويس هو "أزمة الإسلام"
ومن أراد أن يتعرف أكثر على الرجل:
حياته(5/179)
ولد برنارد لويس في لندن عام 1916م( 1334هـ)، حصل على الشهادة الجامعية من جامعة لندن عام 1936م( 1355هـ) وهو لم يتجاوز العشرين، ودرس في باريس سنتين مع المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون وغيره، ثم عاد إلى بريطانيا ليحصل على الدكتوراه عام 1936م( 1358هـ) عن رسالته بعنوان (أصول الإسماعيلية) تحت إشراف المستشرق هاملتون جب. له عدد كبير من البحوث والكتب والمقالات الصحفية . من أشهر كتبه (العرب في التاريخ) وقد أعيد طبعه سبع مرات. و( ظهور تركيا الحديثة) و(استنبول وحضارة الإمبراطورية العثمانية ) و( الغرب والشرق الأوسط) و ( العرق واللون في الإسلام) و( يهود الإسلام) والحشاشون فرقة ثورية في الإسلام وآخر كتبه ( اللغة السياسية في الإسلام)
عمل لويس في جامعة لندن مدرساً في قسم التاريخ- مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية- حتى ترأس هذا القسم في أول أكتوبر 1957م(1266هـ) وظل رئيساً له مدة خمسة عشر عاماً حتى انتقل إلى قسم دراسات الشرق الأدني بجامعة برنستون بولاية نيوجرسي الأمريكية عام 1973 م( 1394هـ) بالإضافة إلى عضويته الدائمة في معهد برنستون للدراسات المتقدمة وهو المعهد الذي كان يعمل فيه ألبرت إينشتين صاحب النظرية النسبية.
حصل لويس على الجنسية الأمريكية عام 1982م وهو الآن أستاذ متقاعد ، ولكنه مازال يحتفظ بمكانته العلمية في الجامعة ، وقد أصبح عام 1986 مديراً مشاركاً لمعهد بحوث أننبرج للدراسات اليهودية ودراسات الشرق الأدنى بمدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا.
هذا وأشرف لويس على العشرات من الطلاب العرب والمسلمين وغيرهم. وكانت معاملته لهم راقية جداً حتى إنه كان نادراً ما يشكو طالب من سلوكه معه على العكس كان الكثير من الطلبة يحبونه ويتعلقون به. وقد أفادني بهذا الدكتور شارل عيساوي وأكده كل من محمد مناظر أحسن ومايكال كوك. وملاحظة هامشية هنا إن لويس لا يفعل كما يفعل بعض المشرفين في بلادنا وفي بلادهم أيضاً حيث يصرون على أن مهمتهم هي عرقلة سير الطالب وملء حياته بالغم والكمد واستغلاله أسوأ استغلال. ونظراً ليهوديته وصهيونيته فلا بد أنه ضايق بعض الطلاب في اختيار موضوعات بحوثهم أو توجيهها وجهة معينة.
وأنصح بالرجوع إلى كتاب "بحوث في الاستشراق الأمريكي المعاصر" تأليف د. مازن مطبقاني
--------------
قال أناتول فرانس في روايته "الحياء المزهرة" على لسان البطل دوبوا قائلا لسيدة أندرياس:
"ما هو أشأم يوم عرفته فرنسا يا سيدتي؟؟
قالت: هو اليوم الذي انهزم المسلمون فيه في معركة Poitier (بلاط الشهداء سنة 732)، ضد الفرنسيين ! ! ! "
قال مصطفى غفر الله له:
أي أن هذه المرأة كانت تتمنى أن ينتصر المسلمون في المعركة لتصل فرنسا حضارةُ المسلمين وتنقذهم من أحبال الظلام والرجعية التي كانوا يعيشون فيها آنداك.
--------------
يقول المستشرق مرماديوك باكسال
يكفى محمدا فضلا ان اصحابه ظلوا اثنتى عشرة سنة فى اضطهاد وتعذيب ومع ذلك كانوا يزيدون ولا ينقصون ويكفى كتاب الاسلام جلالا انه مضى عليه اربعة عشر قرنا لم يصب اسلوبه بجفاف بل ظل غضا نديا كان عهده بالحياة امس
ومما يؤكد ما ذكره أناتول فرانس، ما قاله كلود فرير أستاذ اللغات الشرقية في "الكليج دو فرانس"
"..حلت بالإنسانية في القرن الثامن الميلادي كارثة لعلها أسوأ ما شهدته القرون الوسطى، تخبط من جرائها العالم الغربي سبعة قرون أو ثمانية في الهمجية قبل ظهور النهضة.
وما تلك الكارثة إلا ذلك النصر الهائل الذي أحرزته الجماعات الجرمانية بقيادة " شارل مارتل" على فرق العرب والبربر؛ ففي مثل ذلك اليوم المشؤوم تقهقرت الحضارة ثمانمئة عام.
وحسب المرء أن يذكر ما كان يمكن أن تصل إليه فرنسا لو أن الإسلام النشيط الحكيم الحاذق الرصين المتسامح استطاع أن ينتزع وطننا فرنسا من فظائع لا نجد لها اسما" اهـ
الفيلسوف إدوار مونته الفرنسي مستشرق فرنسي ولد في بلدته لوكادا 1817 ـ 1894 قال في آخر كتابه (العرب).
عرف محمد بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظاً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم.
--------------
قال ويل ديورانت Well Durant في قصة الحضارة ص 8914 ، وويل ديورانت خير من كتب في تاريخ الحضارات، إلى جانب أرنولد توينبي Arnold Toynbee المؤرخ البريطاني الكبير صاحب الموسوعة التاريخية "دراسات في التاريخ" والذي أمضى في كتابته 40 عاما، وأوزويلت شبينجلر الذي اشتهر بكتاب "أفول الغرب"، وتوماس أرنولد، صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام". وهؤلاء قمة في الموضوعية في الطرح.
قال: (أي ويل ديورانت)(5/180)
"ولاقى يهود "الشتات" هؤلاء أقل العناء والشقاء في ظل السلاطين الأتراك والبابوات في فرنسا وإيطاليا، وعاشت الأقليات اليهودية آمنة في القسطنطينية وسالونيك وآسيا الصغرى وسوريا وفلسطين والجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقية وأسبانيا تحت حكم العرب. وتسامح البربر معهم كارهين. على أن سيمون ديوران ترأس مستوطنة مزدهرة في الجزائر،
وعاشت الجالية اليهودية في الإسكندرية- كما وصفها الحبر أوباديا برتينورو في 1488- حياة طيبة، وشربوا الخمر بكثرة،
وتربعوا على البسط كما فعل المسلمون، وخلعوا نعالهم عند دخول المعبد أو بيت أحد الأصدقاء. وكتب اليهود الألمان الذين لجئوا إلى تركيا إلى أقربائهم وصفاً خماسياً للحياة الطيبة التي ينعمون بها هناك. ورخص الباشا (الوالي) العثماني في فلسطين لليهود هناك في أن يبنوا معبداً على جبل صهيون. وحج بعض اليهود الغربيين إلى فلسطين، واعتقدوا أن من حسن حظهم أن تفيض أرواحهم في الأرض المقدسة، والأفضل منها في أورشليم بالذات.اهـ
قال مصطفى غفر الله له:
هذه هي حياة الرفاهية التي كانت تعيشها الأقليات الكافرة تحت ظل الخلافة الإسلامية، خير مما تعيشه الأقليات المسلمة في الغرب في هذه الأيام. وهذا باعترافهم هم. لا كما ينشره هؤلاء الناعقون في آذان الناس، ويتلقفه علمانيونا بألسنتهم، ويلبسون به على عقول الناس.
أخي الفاضل الأديب الأريب مصطفى الفاسي – أحسن الله إليك، ونفع بك - :
------------
ومما يذكر في هذا المقام قول مهاتما غاندي:
( أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر..لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب، وليس السيف. بل بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي آسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة).
-------------
وقال جورج برنارد شو:
( كنت دوما أرى دين محمد في مكانة عالية بسبب حيويته الرائعة، وهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه قادر على استيعاب التغيرات التي تحدث في العالم في كل عصر، لقد درست سيرته، إنه رجل رائع، وهو في رأيي أبعد ما يكون عن عداوة المسيح، وينبغي أن يسمى منقذ البشرية.
وأظن أن رجلا مثله لو حمل على عاتقه دكتاتورية العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته، بطريقة تجعل العالم ينعم بالسعادة والسلام اللذين يحتاجهما.
وإني أتنبأ بأن دين محمد سيكون له شأن في أوروبا غدا، كما أن بواكير قبوله في أوروبا بدأت اليوم، وإذا كان ثمة دين له فرصة الحكم في انجلترا، بله أوروبا في غضون مائة سنة قادمة فإنه سيكون الإسلام).
--------------
قال ليون روش: 1841 ـ 1842 (ضابط في الجيش الفرنسي ومترجم رسمي له إلى اللغة العربية التي كان يتقنها تماما، خالط أهل الجزائر في جميع مرافق الحياة، واثناء الهدنة بين الامير عبدالقادر وفرنسا دخل روش في خدمة الأمير عبدالقادر ابتداء من سنة 1837م، ولازمه في حروبه الداخلية واجتماعاته واصبح احد كتابه الخاصين، ساعده الأمير عبدالقادر في تعلم اصول الدين الاسلامي، فاعلن اسلامه وزوجه من مسلمة.
قال في "ثلاثون عاما من الإسلام"
(اعتنقت الإسلام زمنا طويلا لأدخل مُنْدَسّأ عند لاأمير عبد القادر الجزائري ونجحت الحيلة ووثق بي الأمير كل الثقة وجعلني سكرتيرا له..لكنني مالبثت أن وجدت دين الإسلام أفضل دين عرفته، فهو دين إنساني طبيعي اقتصادي أدبي، ولم يدر بخلدي شيئا من قوانيننا الوضعية إلا وجدته مستنا في الإسلام. بل إني عدت إلى التشريع الذي يسميه غول سيمون (التسريع الطبيعي) فوجدته أخذ من الشريعة الإسلامية.
وقال
(..وهو الدين الوحيد الذي حل مشكلة حقوق وواجبات الأبناء حلا عادلا، باعترافه بالمولود ورفضه للوضع الشاذ المخالف لنواميس الطبيعة الذي فرضه المذهب الكاثوليكي تجاه الأولاد الشرعيين كل الحقوق وحرم غير الشرعيين من كل الحقوق)
قال مصطفى غفر الله له:يشير إلى قاعدة "الولد للفراش"
-----------
قال واشنطن إيرفينغ Washington Irving في كتابه "محمد وخلافاؤه" (Mohomet and his Successors) ترجمة د. هاني يحيى نصري ط المركز الثقافي العربي 1999 ص 453:
"والرسول كان عادلا يحب العدل، فقد كان يعامل الصاحب والغريب، والفقير والغني، والقوي والضعيف بالتساوي، وكان محبوبا بين الناس، بسبب التفاته إلى الكل وسماعه من الجميع، وعدله المطلق بينهم"
هذا الكتاب طبعته Hudson Edition , G.P. Putman and son 1868 N. Y
وقال في نفس الصفحة :(5/181)
" ...لأنه أكد في غير مناسبة نفيه لأي معجزة سوى القرآن الكريم (على زعمه)، الذي يعتبر من أعجز وأفضل ما قدم إلى البشرية من نص مكتوب، لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال مقارنته بسواه من النصوص" اهـ
-------------
قال السير أنتوني ناتنج Sir Antony Nating في كتابه "العرب: تاريخ وحضارة" وهو يتحدث عن حضارة الأندلس من خلال الحديث عن الواقع في قرطبة العاصمة الأموية آنذاك:
"..وكان تعداد سكان قرطبة يناهز 800 ألف نسمة، وارتفع عدد المساجد إلى 700 ، وكان في المدينة 300 من الحمامات العمومية في وقت كانت فيه الشعوب الأوربية لا تزال تعتبر الاستحمام عادة وثنية، وكانت الشوارع ممهة ومضاءة - وطولها 10 أميال _
وهو تقدم كان مقدرا ألا تنعم به لندن وباريس قبل 700 عام تالية، كان المواطنون أثناءها يتحسسون طريقهم ليلا في الظلام الحالك يتخبطزن في وحول تغوص فيها الأقدام حتى الكعبين،وكانت المدينة تضم 70 مكتبة عامة، وفي عهد الحكم بن عبد الرحمن، الذي كان شغوفا بالكتب جمعت مجموعة من 400 ألف كتاب من المكتبات العامة والخاصة في الاسكندرية ودمشق وبغداد، في حين لم يكن يكن يوجد في أي مكان في العالم أكثر من عشرة آلاف كتاب باللغة الإنجليزية،
وكان حكام ليون ونافار وبرشلونة يرسلون إلأى قرطبة إذا احتاجوا إلى طبيب أو مهندس معماري، لا إلى فرنسا ولا إلى إلى ألمانيا، وكانت قرطبة تجتذب الطلاب من أوربا وإفريقيا وآسيا.
وكانت معرفة القراءة والكتابة عامة، حتى أكد المؤرخ راينهارت دوزي أن كل فرد تقريبا كان يقرأ ويكتب، في حين أن معرفة القرءة والكتابة في أوربا كانت لا تزال ميزة لرجال الدين وقلة من الكتبة المحترفين . اهـ
قال مصطفى غفر الله له:
ارفع رأسك أيها المسلم وقُلها مدوية : لا إله إلا الله محمد رسول الله،
إن الغربيين يعرفون صدق رسالتنا وعُلوية مكانتها، ويعلمون أن خلاصهم في الاستسلام لله، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
-----------------
نكتة جرت بيني وبين دانمركي وقد جاء مع 30 شخصا في مؤسستنا:
قال لي بعد انتهائي من المحاضرة : لماذا أنتم _المسلمين _متمسكون بالقرآن وهو كتاب قديم كتب منذ 14 قرن من الزمان، وتتركون الديمقراطية !!؟؟؟
قلت لأنني أخذت بنفس مبدئك:
وهو أن أتبع الأحدث، باعتبار أن الديمقراطية _ كمصطلح وفكرانية (آيديولوجية) _ نشأت منذ 500 سنة قبل ميلاد المسيح. والإسلام هو الأحدث.
فانظر إلى من هو المتحضر منا !!!!
فبهت الذي كفر، وضحك الآخرون بكل اعجاب.
-------------
يقول جورج سارتون البليكي المولد الأمريكي الجنسية،
مؤرخ العلم الأستاذ في جامعة هارفرد (George Sarton (1884-1956 في كتابه " الشرق الأوسط في مؤلفات الأمريكيين":
" ...إن المسلمين يمكن أن يعودوا إلى عظمتهم الماضية، وإلى زعامة العالم السياسية والعلمية، كما كانوا من قبل، لو أنهم عادوا إلأى فهم حقيقة الحياة في الإسلام والعلوم لاتي حث الإسلام على الأخذ بها." اهـ
-------------
قال جاك ريسلر الفرنسي Jaque Risler في كتابه الحضارة العربية (the culture of arabs):
" ...وطوال الألف سنة حالكة الظلمة في تاريخ العصور الوسطى، كان يشع عبر العالم الإسلامي اسم العالم أو الريحان محمد بن أحمد البيروني، الذي قدر له أن يبلغ شهرة واسعة، فقد ترك البيروني _ الفيلسوف والمؤرخ والرياضي والفيزيقي واللغوي والشاعر _ في هذه الميادين المختلفة مؤلفات هامة جعلت منه (ليوناردو دافينشي العالم الإسلامي)
------------
ويقول توماس أرنولد في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) ص 73:
«ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في بلدة فحل، كتب الأهالي النصارى في تلك البلاد إلى العرب الفاتحين يقولون: يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأنتم أوْفى لنا وأرأف بنا، وأكفُّ عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا».
وقال «وغلَّق أهل حمص أبواب مدينتهم، دون جيش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الإغريق والروم وتعسفهم».
وقال:
"لقد عامل المسلمون المسيحيين العرب بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة واستمر هذا التسامح في القرن المتعاقبة ونستطيع بحق أن نحكم أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامحاهـ
الفرنسي "غستاف دوكا" : وهو مستشرق فرنسي، كان يدرس اللغات الشرقية في باريس، له العديد من المقالات عن جغرافية البلدان الإسلامية، وألف كتاباً اسمه :"تاريخ فلاسفة المسلمين وفقهائهم".(5/182)
"للدين الإسلامي أثر كبير في تهذيب الأمم وتربية مشاعرها ووجدانها، وترقية عواطفها، فإذا قرأت تاريخ العرب قبل البعثة، وعلمت ما كانت عليه، اعتقدت أن للشريعة السمحة في تهذيب الأخلاق التأثير الأكبر، إذ ما كاد يتصل بالأمة العربية ذلك الإصلاح الروحي المدني، حتى انتشر العدل وزال النفاق والرياء والعدوان"اهـ.
وقال كذلك "توماس أرنولد" في مقدمة كتابه السابق "الدعوة إلى الإسلام" ص 10:
"ومع أنَّ هذا المؤلف، وهو أمر مسلم به كما يتضح في التمهيد، عبارة عن سجل لجهود نشر الدعوة، وليس تاريخاً للاضطهاد".
وقال في ص 30:
"إننا لم نضع هذا الكتاب لدراسة تاريخ الاضطهادات الإسلامية، وإنَّما وضعناه لدراسة الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم، فليس الغرض تاريخ الحملات التي استعملت فيها القوة لإدخال الناس في الدين الإسلامي، وقد عني الكُتَّاب الأوربيون ببيان هذه الحملات حتى لم يعد ثمة خوف من إغفالها".
--------------
الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل يقول في كتابه الأبطال : " لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمداً خدّاع مزوِّر .
وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ؛ فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس ، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة ؟ !
إلى أن قال : " وعلى ذلك ، فلسنا نَعُدُّ محمداً هذا قط رجلاً كاذباً متصنعاً ، يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته ، ويطمح إلى درجة ملك أو سلطان ، أو إلى غير ذلك من الحقائر . وما الرسالة التي أدَّاها إلا حق صراح ، وما كلمته إلا قول صادق .
كلا ، ما محمد بالكاذب ، ولا المُلفِّق ، وهذه حقيقة تدفع كل باطل ، وتدحض حُجة القوم الكافرين .
ثم لا ننسى شيئاً آخر ، وهو أنه لم يتلق دروساً على أستاذ أبداً ، وكانت صناعة الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلاد العرب ـ وعجيب وأيم الله أُمِّيَةَ العرب ـ ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر ، ولم يغترف من مناهل غيره ، ولم يكن إلا كجميع أشباهه من الأنبياء والعظماء ، أولئك الذين أشبِّههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور .
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ ، صادق العزم بعيداً ، كريماً بَرًّا ، رؤوفاً ، تقياً ، فاضلاً ، حراً ، رجلاً ، شديد الجد ، مخلصاً ، وهو مع ذلك سهل الجانب ، ليِّن العريكة ، جم البشر والطلاقة ، حميد العشرة ، حلو الإيناس ، بل ربما مازح وداعب ، وكان ـ على العموم ـ تضيء وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق ؛ لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله " . ويقول:
: " كان عادلاً ، صادق النية ، كان ذكي اللب ، شهم الفؤاد ، لوذعياً ، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ، ممتلئاً نوراً ، رجلاً عظيماً بفطرته ، لم تثقفه مدرسة ، ولا هذبه معلم ، وهو غني عن ذلك"
و بعد أن أفاض كارليل في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه الكلمات : "هكذا تكون العظمة· هكذا تكون البطولة·هكذا تكون العبقرية"
------------
أما <لا مارتين> الفيلسوف الفرنسي فيدافع بحرارة النبي صلى الله عليه وسلم وينفي بصرامة وقوة أن يكون كاذباً أو مفترياً على الله فيقول:
<إن حياة محمد، وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده، ورباطة جأشه لتثبيت أركان العقيدة الإسلامية··· إنه فيلسوف وخطيب ومشرع وهاد للإنسانية إلى العقل وناشر للعقائد المعقولة الموافقة للذهن وهو مؤسس دين لا فرية فيه ومنشئ عشرين دولة في الأرض وفاتح دولة في السماء من ناحية الروح والفؤاد، فأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية ما أدرك محمد وأي آفاق بلغ إنسان من مراتب الكمال ما بلغ محمد· و يقول في موضع آخر : "أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية ، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، ومن ذا الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟! ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه ، عند النظر إلى جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه الذي كان مكرساً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوي هذه كلها تدل على إيمان كامل مكّنه من إرساء أركان العقيدة . إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخرى الذي أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو محمد ، لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق
و هذا جوتة الأديب الألماني : " "إننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا ، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"[5]
-----------(5/183)
ويقول الأديب الروسي (ليو تولستوي) والذي حرمته الكنيسة بسبب آرائه الحرة الجريئة :
"أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه ، وليكون هو أيضاً آخر الأنبياء … ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام ، وفتح لها طريق الرقي والمدينة"[6]
------------
ويقول العلامة شيريل ، عميد كلية الحقوق بفيينا :"إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها"
الفونس ايتين دينيه ـ الفرنسي ـ قال في كتابه ـ محمد رسول الله ـ (صلى الله عليه وسلم) صفحة 48:
إن حدود هذا السفر لن تسمح لنا بأن نقدم لك جميع التفاصيل وجميع النواحي لحياة حافلة بالعظائم إلى هذا الحد كما هو الشأن في حياة النبي محمد نبي المسلمين وقال صفحة 49 منه:
والحق أننا نرى من بين جميع الأنبياء الذين أسسوا ديانات، أن محمداً هو الوحيد الذي استطاع أن يستغني عن مدد الخوارق والمعجزات المادية، معتمداً فقط على بداهة رسالته ووضوحها، وعلى بلاغة القرآن الإلهية، وإن في استغناء محمد عن مدد الخوارق والمعجزات لأكبر معجزة على الإطلاق.
وقال صفحة 52 منه:
إن في مرأى المؤمنين وفي أعمالهم لصورة تلمحها منعكسة من مآثر محمد وإذا كانت بالطبع باهتة بالقياس إلى كمالاته العليا، فإنها لا جدال في صحتها، هذا على حين تجد قياصرة روما مع دقة تماثيلهم لا يطالعنا منهم سوى قناع مزيف لوجوههم الجامدة تحت صورة من الخيلاء، إن صورهم تظل ميتة يعجز خيالنا عن أن يلمح لها شيئاً من الحياة، وإنه لبوحي هذه الحقيقة قامت برؤوسنا فكرة نشر لوحات في تاريخ محمد ، تمثل المآثر الدينية لأتباعه، وبعض صور من حياة العرب، وبعض مدن الحجاز الذي هو وطنه.
وقال صفحة 87 منه:
حقاً إنه ليدهشني أن يرى بعض المستشرقين أن محمداً قد انتهز الفرصة فروى ورتب عمله للمستقبل بل لقد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فوسوس بأن محمداً ألف في تلك الفترة القرآن كله !!
أحقاً لم يلاحظوا أن هذا الكتاب الإلهي خال من أية خطة سابقة على وجوده، مرسومة على نسق المناهج الإنسانية وإن كل سورة من سوره منفصلة عن غيرها وخاصة بحادثة وقعت بعد الرسالة طيلة فترة تزيد على عشرين عاماً وإنه من المستحيل على محمد أن يتوقع ذلك ويتنبأ له. اهـ
---------
قال المؤرخ الأمريكي فكتور روبنسن صاحب قصة الطب:
"كانت أوربا في ظلام حالك بعد غروب الشمس بينما كانت قرطبة تضيئها المصابيح العامة كانت أوربة تغطيها الهوام بينما أهل قرطبة مثال النظافة كانت أوربا غارقة في الوحل بينما كانت قرطبة مرصوفة الشوارع كانت سقوف أوربا مملوءة بثقوب المداخن بينما قصور قرطبة تزينها الزخرفة العربية العجيبة وكان أشراف أوربا لا يستطيعون توقيع أسمائهم بينما كان أطفال قرطبة العربية يذهبون إلى المدارس وكان رهبان أوربا يلجئون إلى تلاوة سفر الكنيسة بينما كان معلموا قرطبة قد أسسوا مكتبة تضارع في ضخامتها مكتبة الإسكندرية العظيمة".
المسيو ميخائيل اماري - الإيطالي - قال في كتابه - تاريخ المسلمين - :
لقد جاء محمد نبي المسلمين بدين إلى جزيرة العرب يصلح أن يكون ديناً لكل الأمم لأنه دين كمال ورقي، دين دعة وثقافة، دين رعاية وعناية، ولا يسعنا أن ننقصه، وحسب محمد ثناء عليه أنه لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة في موضوع رسالته، على كثرة فنون المساومة واشتداد المحن، وهو القائل ( لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته) عقيدة راسخة، وثبات لا يقاس بالنظير، وهمة تركت العرب مدينين لمحمد بن عبد الله ، إذ تركهم أمة لها شأنها تحت الشمس في تاريخ البشرية.
----------
اقرأوا هذا الحوار
دار بين الأستاذ محمود بيومي والمستشرق البلغاري الدكتور توفيان تيوفا نوفا الذي اعتنق الإسلام
http://www.islamtoday.net/articles/s...4&artid=4 845
حوار: محمود بيومي 11/11/1425
23/12/2004
بلغاريا .. هي إحدى دول أوروبا الشرقية وإحدى دول البلقان .. التي فتحها المسلمون في نهاية القرن الثامن الهجري .. واستمر الحكم الإسلامي لها لمدة تزيد عن خمسة قرون ونصف .. تأصلت خلالها هوية المجتمع الإسلامي .. كما انتشرت المؤسسات الإسلامية في كافة أنحاء البلاد .. حتى بلغ عدد المساجد الكبرى أكثر من (1200) مسجد .. وعدد مماثل من المدارس الإسلامية والمكتبات .. وكان الكتاب الإسلامي من أكثر الكتب رواجاً وانتشاراً .. ونشطت مؤسسات الدعوة والتعليم في إبلاغ هدايات الدين الحنيف إلى كافة السكان في بلغاريا والمناطق المجاورة لها مثل رومانيا ويوغوسلافيا السابقة.(5/184)
في بدء الحوار .. قلت للمستشرق البلغاري الدكتور توفيان تيوفا نوفا .. قام عدد من المستشرقين باعتناق الإسلام طواعية مثل جارودي وهوفمان وغيرهما.. ومنهم من بقي على ديانته ودافع عن الإسلام مثل المستشرق المجري روبرت سيمون والمستشرق الأسباني سيمون هايك وغيرهما .. فما هي الدوافع التي أدت إلى اعتناقكم للإسلام؟
في الحقيقة .. أنا أدرس الإسلام واللغة العربية منذ مدة طويلة .. حيث تخرجت في جامعة بغداد قسم اللغة العربية ثم التحقت بجامعة القاهرة لدراسة اللغة العربية وآدابها .. وحصلت على الدكتوراه في معهد الاستشراق في روسيا .. وأنا أعمل أستاذًا للدراسات الإسلامية في جامعة " صوفيا " ببلغاريا وأستاذًا بالمعهد الإسلامي هناك .. وعضو بجمعية المستشرقين الأمريكان، وعضو جمعية بحوث الشرق الأوسط البريطانية .. وعضو اتحاد المستشرقين الأوروبيين .. وقد أهّلني ذلك لإصدار مجموعة من الكتب حول الحضارة الإسلامية والعربية.
وأضاف: وقد لاحظت أن بعض المستشرقين – غير الموضوعيين يطعنون في الإسلام .. وتركّزت مطاعنهم في القرآن الكريم .. فقالوا: إنه كلام بشري لا رباني، كما طعنوا في الآيات المكيّة والآيات المدنيّة .. وأنكروا حقيقة الوحي وغير ذلك من الافتراءات التي تعوّدوا على ترديدها في الساحة العلمية .. وأنا – وكل مستشرق موضوعي – يرفض هذا المنهج الاستشراقي الذي يشوّه صورة الاستشراق الموضوعي ويطعن في الإسلام بلا مبرر.
وأنا أؤكد هنا .. أن الاستشراق ليس شراً كله على الإسلام والمسلمين .. صحيح أن هناك العديد من الأخطاء في ترجمات معاني القرآن الكريم .. التي أعدّها نفر من المستشرقين .. إلاّ أننا يجب أن نفرّق بين الأخطاء المتعمّدة والأخطاء غير المتعمدة؛ فالذين يُخطئون – بصورة عفوية – يكون ذلك دائمًا نتيجة عدم إلمامهم باللغة العربية – التي هي لغة القرآن الكريم – ونتيجة أيضًا لعدم فهمهم لمعاني الآيات القرآنية الكريمة .. وأنا شخصيًا قد أُخطئ في بعض دراساتي ولكنها أخطاء غير متعمّدة .. والذي أود أن أوضحه هنا أن لكل مستشرق إسهاماته في فهم الإسلام والحضارة الإسلامية .. وكل مستشرق في هذا المجال له خبرته .. وأنا أحمد الله –تعالى- أن وفقني لإنجاز الترجمة التي قمت بها لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة البلغارية .. حيث التزمت فيها بدقة المعنى.. مما جعل دار الإفتاء العامة في بلغاريا تعتمدها وتقوم بتوزيعها على عدد كبير من المؤسسات الإسلامية، وفي مقدمتها المساجد بالإضافة إلى عدد لا بأس به من المسلمين.
أود أن أؤكد هنا أن الإسلام ليس خطرًا على الآخرين .. ونحن أمام حقائق مهمة .. وفي مقدمتها أن أوروبا استفادت من عطاءات الحضارة الإسلامية ومُعطيات المسلمين الثقافية والعلمية والحضارية .. في مجالات الطب والصيدلة والرياضيات والفلك وغير ذلك من الإنجازات التي كان للمسلمين فضل السبق فيها .. والحقيقة التي لا يمكن أن تُنكر .. أن الحضارة الأوروبية المعاصرة قامت على ركائز الحضارة الإسلامية .. فحضارة الغرب أساسها حضارة الإسلام والمسلمين.
النظرة الاستشراقية
ما هي نظرة المؤسسات الاستشراقية لكم بعد اعتناقكم للإسلام؟ وما هي نظرتكم لهذه المؤسسات ومناهج المستشرقين بعد أن أصبحت مسلمًا؟
كما سبق أن ذكرت لكم أن هناك عددًا من المستشرقين يطعنون في الإسلام، وذلك بإثارة الشبهات حول ما جاء في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الشريفة، وفي صحة الوحي الرباني .. فيدّعون أن القرآن الكريم ليس وحيًا ربانيًا إنما هو كلام بشري وغير ذلك من الافتراءات والأباطيل .. ولا شك أن هذا المنهج الاستشراقي منهج خاطئ ونتيجة مباشرة للخصومة التاريخية التي نشأت في الغرب منذ مدة طويلة.
وأضاف : وأنا كمستشرق أدّت بي الدراسات الموضوعية الصحيحة لاعتناق الإسلام .. فأتصدى لهذه المنهجية الاستشراقية المعادية للإسلام والمسلمين .. وأدافع عن الدين الإسلامي الذي درسته واعتنقته .. وأنا واحد من المستشرقين الذين التزموا بالمنهج الموضوعي في دراساتهم الإسلامية .. ولا شك أن المنهج الاستشراقي غير الموضوعي هو وليد الحركة الاستعمارية والمنهج التنصيري الذي يستهدف تشويه الإسلام وصورته وبث الأخطاء المُتعمّدة حول الإسلام .. وأنا أعتقد أن هذا هو الجزء الأكبر في الحركة الاستشراقية العالمية التي يجب التصدّي لها بكافة السبل المتاحة لدى المؤسسات الإسلامية العالمية.(5/185)
وقال د . توفيان: أما المنهج الاستشراقي الموضوعي فيرتبط بغاية علمية واضحة المعالم .. وهو دراسة الإسلام والتعرّف على حقائقه ودراسة التراث الإسلامي والتأكد من دور الحضارة والثقافة الإسلامية في ترقية المجتمعات البشرية .. ولا شك أن نظرتي للمؤسسات الاستشراقية غير الموضوعية- هي نظرة الحذر الشديد لكل ما يصدر عنها من دراسات .. واعتناقي للإسلام جعلني في موقف المدافع عن الإسلام ضد كل هذه الدراسات الاستشراقية المعادية للإسلام والمسلمين .. أما نظرة هذه المؤسسات الاستشراقية لي بعد اعتناقي للإسلام .. فلم تتغير – حسبما لمسته – فلازلت عضوًا في عديد من الجمعيات الاستشراقية في الغرب.
الخريطة العقديّة
هل يمكن أن نتعرّف على أهم ملامح الخريطة العقديّة في بلغاريا وما هي أحوال المسلمين هناك؟
يقول المستشرق البلغاري المسلم د . توفيان نوفا: ونحن نتحدث عن الخريطة العقديّة في بلغاريا .. يجب أن نتوخى الدقة والصراحة معًا .. فعدد سكان بلغاريا الآن قد بلغ أكثر من ثمانية ملايين نسمة .. منهم أقلية مسلمة بلغت نسبتها 12.3% من إجمالي عدد السكان .. بينما بلغ عدد النصارى 83.7% من عدد السكان – وبالرغم من بعض الشكوك في دقة هذه الإحصائية – فإن المجتمع البلغاري يتكوّن من عدّة عناصر مختلفة حسب الجنسية والانتماء العقديّ.
وأضاف د . توفيان تيوفا نوفا: فالمسلمون البلغار هم الذين اعتنقوا الإسلام خلال فترة الحكم الإسلامي للدولة العثمانية – لكنهم لم ينتموا إلى الأتراك ولا يتحدثون اللغة التركية، فهم يجدون حتى الآن صعوبة في تحديد هُويّتهم .. فهم ينتمون إلى البلغار من حيث الجنسية واللغة.. وينتمون إلى الأتراك من حيث العقيدة .. كما أن السلطات البلغارية قد عاملتهم بشيء من القسوة في بعض الأحيان عبر المراحل التاريخية المختلفة .. مما دفع بعضهم إلى تغيير عقيدتهم من الإسلام إلى المسيحية في محاولة منهم للاندماج في المجتمع البلغاري.
وقال د . توفيان تيوفا نوفا: وقد أثبتت الدراسات العلمية .. أن المسلمين البلغار الذين يُعرفون باسم "البوماق" يفضلون الانتماء إلى الأتراك عندما يسكنون في بيئة بلغارية مسيحية.. كما يفضلون الانتماء إلى البلغار عندما يعيشون في بيئة تركية .. ويجوز لهم – في حالات استثنائية أن يغيّروا عقيدتهم من الإسلام إلى المسيحية ومن المسيحية إلى الإسلام في محاولة منهم للالتصاق بإحدى القوميتين التركية أو البلغارية .. بينما تُوجد جماعة أخرى من "البوماق" يعلنون بكل صراحة أنهم مسلمون بلغار – بصرف النظر عن كونهم من الأتراك أو البلغار – وكل محاولة من هؤلاء لتغيير انتماءاتهم العقدية أو العرقية تؤدي إلى القلق والتوتر في المجتمع البلغاري.
الصراع العقديّ والعرقيّ
وما هو السبب الكامن وراء هذا الخلل الذي يعاني منه المجتمع البلغاري بشأن العقيدة والانتماء العرقي؟
لا شك أن وراء ذلك – بصورة مباشرة – هو الصراع الذي دار بين المسيحية والإسلام في قارة أوروبا .. حيث أصبح هذا الصراع العقدي جزءًا لا يتجزأ من التاريخ البلغاري ومن كيان الشعب البلغاري أيضًا .. ولا شك أن الظروف الحالية في هذه المنطقة من العالم .. ترتبط ارتباطًا كبيرًا مع ما ورثه سكان بلغاريا من أحداث الماضي .. كما أن الاعتبارات السياسية قد تدخلت في الأمور العقديّة .. وبالرغم من كل ذلك فإن هناك نوعًا من التعايش بين فئات المجتمع البلغاري .. قائم على أساس الاعتراف المتبادل بينهم باستقلالية كل فئة من هذه الفئات في الدين واللغة والحضارة والتقاليد وغيرها – وذلك في نطاق وحدة المجتمع البلغاري – إلا أنه بصورة عامة في بلغاريا – فإن المسلم يعني التركي حتى الإسلام يُطلق عليه هناك اليوم اسم "الدين التركي" .. والبلغاري يعني المسيحي .. أما "البوماق" فهم جماعة خاصة تتغير عن بقية المجتمع البلغاري.
الشيوعيّة هي السبب
نعرف جميعًا .. أن المسلمين في بلغاريا قد عانوا من حماقة الممارسات الشيوعية .. التي أجبرتهم على تغيير عقيدتهم – حتى الأموات منهم – واضطرتهم للهجرة الإجبارية إلى الدول المجاورة خاصة إلى تركيا – فهل ترى أن جزءًا من هذه الممارسات لا زالت مستمرة تجاه المسلمين في بلغاريا ؟(5/186)
لا شك أن العامل الديني له أهمية بالغة في المجتمع البلغاري .. إلاّ أن الانتماء العرقي مُقدّم على الانتماء العقديّ في بلغاريا .. ونحن نلاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد عدد المؤمنين – سواء أكانوا من المسلمين أو المسيحيين – إلاّ أن الواقع البلغاري يؤكد أن المؤمنين هناك لا يتعمقون في عقائدهم ولا يلتزمون بها إلاّ في إطار الاحتفالات الدينية .. وأنهم يكتفون بمعلومات قليلة عن عقائدهم .. ويُقبلون على أديانهم بصورة اختيارية وليست إجبارية .. وذلك كله بسبب النظام الشيوعي الذي ساد هناك فترة من الزمن .. ومنع الناس من القيام بممارسة شعائرهم الدينية بصورة صحيحة .. وما زالت الآثار الشيوعية في هذا المجال بادية في بلغاريا حتى بعد مرور (14) سنة على انهيار النظام الشيوعي.
-----------
السير موير الإنجليزي في كتابه (تاريخ محمد)
إن محمداً نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمداً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمداً في طليعة الرسل ومفكري العالم.
-----------
قال جرجس سال في كتابه (مقالة في الإسلام) صفحة 75:
(إن محمداً رسول الإسلام كان صالح الاخلاق ولم يكن على الشر والخبث كما يصفه به خصومه). ثم مضى يقول:
(قال جيبون: عقيدة محمد خالصة ليس فيها لبس ولا إبهام، والقرآن شاهد عدل وبرهان قاطع على وحدانية الله سبحانه.
لقد هجر نبي الإسلام عبادة الأصنام والبشر، سواء أكانوا من النجوم أم من الكواكب السيادة، أم من غير ذلك، بناء على القاعدة العلمية الصحيحة وهي: إن كل قابل للتلاشي لا بد أن يبيد ويفنى، وكل مولود لا بد أن يموت، وكل بازغ لا بد له من أفول.
كانت لمحمد حماسة حكيمة، اعترف بمبدع هذا الكون، وعبده على عقيدة أنه أبدي غير محدود، بلا صورة، ولا مكان ولا ولد، ولا شبيه، يعلم خطايا الأفكار وأسرار القلوب، وجوده من نفسه، وصفاته وعلمه وكماله من نفسه).
وفي الختام قال:
(وهذه الحقائق السامية مبنية على وجه معقول بغاية الإحكام في تراجم القرآن، فكل من يؤمن بالله إيمانا علميا فلسفيا، قادر على أن يشارك المحمديين في اعتقادهم المقبول).
------------
المستر جان ليك ـ الإسباني ـ قال في كتابه ـ العرب ـ صفحة 43:
ما أجمل ما قاله المعلم العظيم (محمد) (الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله) ثم أطال في الثناء على الرسول . أليس من المعجزات الباهرات، أن محمداً بالقوة الأدبية، وبلفظ واحد جعل الصادقين من أتباعه في حرز من شر المسكرات جيلاً بعد جيل، فسلم من هذا الشر مئات الملايين من البشر، حياة محمد التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفها الله نفسه بألفاظ قليلة، بيّن بها سبب بعثة النبي محمد (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف، ولكل محتاج إلى المساعدة، كان محمد رحمة حقيقية لليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب الكد والعناء، وإني بلهفة أصلي عليه وعلى أتباعه.
العلامة كارل هيرنش بكر ـ الألماني ـ قال في كتابه ـ الشرقيون ـ :
لقد أخطأ من قال أن نبي العرب دجال أو ساحر لأنه لم يفهم مبدأه السامي، إن محمداً جدير بالتقدير، ومبدؤه حري بالاتباع وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم، وأن محمداً خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال، كما أننا لا نرى أن الديانة الإسلامية بعيدة عن الديانة المسيحية.
0000000000000
قالت مجلة الأزهر الصادرة في أيار سنة 1952 عن الكولونيل ر. ف. بودلي ـ الإنكليزي ـ وعن كتابه "حياة محمد" أو "الرسول"
لقد لخص بودلي في كتابه حياة محمد عقيدة الإسلام بأنها دعوة إلى السلام وإلى التسليم بإرادة الله والإيمان بوحدانيته، حيث قال:
إن من أعظم الكبائر في نظر الإسلام الشرك بالله. وقال: إن محمداً لم يدع لنفسه صفة إلهية وإنه صرح كثيراً بأنه بشر يوحي إليه، وإن السبب في سرعة انتشار الإسلام عن غيره من الأديان، هو عدم ادعاء النبي صفة إلهية، وعدم دعوته إلى عبادة شخصه، وكذلك تسليم القرآن بصحة الديانات المنزلة من قبل. ثم أنحى بودلي باللائمة على المتعصبين من الكتاب وما راحوا يروجونه من أباطيل وسخافات عن الإسلام منذ الحروب الصليبية، وعزا إليهم أنهم لم يفهموا محمداً وشريعته، ثم لخص عقيدة الإسلام بأنها دعوة إلى الإسلام وإلى التسليم لإرادة الله والإيمان بوحدانيته.
وقال هو في كتابه السابق ص 6: "لا نعرف إلا شذرات عن حياة المسيح، أما في سيرة محمد فنعرف الشيء الكثير ، ونجد التاريخ بدل الظلال والغموض".(5/187)
وقال عن زواج النبي بعائشة " ولكن هذا الزواج شغل بعض مؤرخين لمحمد ... نظروا اليه من وجهة نظر المجتمع العصري الذي يعيشون فيه فلم يقدروا ان زواجا مثل ذاك كان ولا يزال عادة اسيوية ولم يفكروا في ان هذه العادات لا زالت قائمة في شرق اوروبا وكانت طبيعية في اسبانيا والبرتغال الى سنين قليلة وانها ليست غير عادية اليوم في بعض المناطق الجبلية البعيدة بالولايات المتحدة"
قال مصطفى غفر الله له:
ولد بفرنسا من أبوين انجليزيين وهو حفيد توماس بودلي مؤسس المكتبة البودلية في أكسفورد، ومن أراد أن يتعرف على بعض سيرة المؤلف ولقائه بلورانس العرب، فليرجع إلى كتاب ديل كارنيجي "وقّف القلق وابدأ الحياة"، باب "لقد عشت في حديقة الله" والذي كتب الشيخ الغزالي كتابه "جدد حياتك" مناقشا لديل كارنيجي فيه ، وقد رد الشيخ كل النتائج التي توصل إليها ذلك المؤلف إلى أصولها الإسلامية وبين له أن ما ذكره، قد سبقه إليه الإسلام بقرون.
استفدت ذلك من هذا الرابط، والقصة فيه:
http://www.suhuf.net.sa/2001jaz/mar/2/ar1.htm
أما تعليقي فهو مستفاد من قراءتي لكتاب "جدد حياتك للغزالي"
------------
ـ قال: المستر داز الإنكليزي قال في كتابه "مع الشرق والغرب" :
كان محمد زراعياً وطبيباً وقانونياً وقائداً، اقرأ ما جاء في أحاديثه تعرف صدق أقواله ويكفي أن قوله المأثور عنه (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) هو الأساس الذي بني عليه علم الصحة، ولا يستطيع الأطباء على كثرتهم ومهارتهم حتى اليوم أن يأتوا بنصيحة أثمن من هذه.
وقال في نفس الكتاب: إن محمداً هو الذي استطاع في مدة وجيزة لا تزيد على ربع قرن أن يكتسح دولتين من أعظم دول العالم، وأن يحدث ذلك الانقلاب المدهش، وأن يكبح جماح أمة اتخذت الصحراء المحرقة سكناً لها، واشتهرت بالشجاعة والغزو ورباطة الجأش والأخذ بالثأر، فمن الذي يظن أن القوة الخارقة للعادة التي استطاع بها محمد أن يقهر خصومه هي من عند غير الله.
-----------
وقال المستشرق ادوارد مونتيه أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف قال في كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله):
أما فكان كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم، صادق اللفظ، وقد كانت الصفة الغالبة عليه هي صحة الحكم، وصراحة اللفظ والاقتناع التام بما يقبله ويقوله، إن طبيعة الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ، بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص، فقد كان مصلحاً دينياً، ذا عقيدة راسخة ولم ينهض إلا بعد أن تأمل كثيراً، وبلغ من الكمال بهاتيك الدعوة العظيمة، التي جعلته من أسطع أنوار الإنسانية، وهو في قتاله الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه، كان في بلاد العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا كباراً جداً في تاريخ قومهم، ولقد جهل كثير من الناس وبخسوه حقه، وذلك لأنه من المصلحين الذي عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها.
-----------
قال اللورد هدلي (إنكلترا) ولد سنة 1855، وكان من أكبر شخصيات الأشراف البريطانيين، وكان سياسياً ومؤلفاً، ومن مؤلفاته (رجل من الغرب يعتنق الإسلام)، وقد أعلن إسلامه سنة 1913، وأصبح اسمه الشيخ رحمة الله الفاروق.
(.. والأنبياء والرسل قوم اصطفاهم الله واختارهم وفضلهم على الناس، وبعثهم إليهم مبشرين ومنذرين كما يقول القرآن الكريم: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). وقد تحققت بعد طول البحث والاستقراء أن محمداً نبي الإسلام لم يكن مدعياً ولا دجالاً كما يدعيه خصومه، ولكن كان رسولاً نبياً جاء برسالة إلهية صادقة لا ريب فيها هدى للمتقين، أوحى الله بها، وكلفه بتأديتها فجاءت مخففة لصرامة التوراة ومكملة لكتاب المسيح عليه السلام).
......ولقد كتب مستر يورث سميث أحد كتاب المسيحيين رسالة جاء فيها: إن محمداً كان موفقاً عظيماً فريداً في بابه لم يحدثنا التاريخ عن مثله، فقد جمع بين زعامات ثلاث، هي زعامة الشعب وزعامة الدين، وزعامة الحكم والسلطان، وجاء بكتاب جمع بين البلاغة والتشريع والعبادات وهو الآن موضع احترام أكثر من سدس العالم..)اهـ
------------
ويقول " باسنتا كومار بوز " في كتاب " المحمدية " طبعة كلكتا ( 1931 ) ص 4 :
" فلم يكن هناك مجال لأي تزييف أو حيلة كاذبة في القرآن وهذا ما يميزه عن جميع الأعمال الدينية الهامة تقريبا التي ترجع إلى الأزمنة القديمة ..
إنه لأمر بعيد جدا أن يكون هذا الإنسان الأمي قد ألف أفضل كتاب في اللغة العربية "
وتقول بيانكا سكارسيا في (العالم الإسلامي وقضاياه التاريخية) ص 214:
"عمل الاستشراق لصالح الاستعمار بدلاً من إجراء التقارب بين الثقافتين . إن إنشاء هذا العلم لم يكن إلا من أجل تقديم أدوات للاختراق أكثر براعة ، فهناك فعلاً عملية ثقافية مستترة ماكرة ومرائية ، وهذا ما يفسر ريبة المسلمين حيال كل ما يقال عنهم في الغرب".
------------
وقال (أميل دير مانجم) في كتابه (حياة محمد):(5/188)
"إن محمدا لم يكن شخصيا إلا رجلا أميا خلوا من الثقافة تقريباً كجميع بني بلدته في عصره، ولكنه كان يعلم أن الإله رحيم رحمة لا حدّ لها، فاجهد نفسه في أن يعلو على الطبيعة البشرية، وأن يقهر في نفسه الميول الانتقامية"
ثم قال: "إن إخلاص محمد لا يمكن أن يكون في العصر الحاضر موضع شك، فإن حياته كلها تشهد أنه كان يؤمن برسالته إيمانا عميقا، وأنه تقبلها –لا بغير بطولة- كعبء يجب عليه أن يتحمل ثقل أوزاره".
وقال: "إن قوة عبقرية محمد الإنشائية واتساعها، وذكاءه العظيم ونظره الصائب إلى الحقائق، وسيادته لنفسه، وقوة إرادته، وحكمته واستعداده للعمل، وحياته الواقعية، كل ذلك يجعل الزيف في مبدأ رسالته يستحيل القبول. فكيف يتصور أن ينقلب كاذبا فجأة، ذلك الذي كان نجاحه يظهر له كبرهان ساطع على تأييد الإله لدعواه، وكيف يمكن أن يجرأ على تشويه رسالته في الوقت الذي كان يرى فيه أنها مقدسة مؤيدة من الإله".
وقال: "وهكذا نهض محمد رسول الإسلام ليدعو بني جنسه إلى دين واحد هو دين الإله الواحد، وليوقظ جزءا من آسيا وأفريقيا، وليحرر من عبودية الجامدين كل الذين يفهمون رسالته الحقيقية، ولكي يحرر فارس التي كان النعاس يشملها، ولينعش المسيحية الشرقية التي شوهتها المجادلات البيزنطية الخالية من الحماسة، ومن الاعتقاد المجرد من الوحدة".
وقال: "إن محمدا كان يجهل كل ما ليس علما مطلقا، وكان أمياً بالمعنى الكامل لهذه الكلمة، وليس معناها، فيما أرى، العامية أو الخلو عن التأدب، وإنما الأمي هو بالأحرى الرجل النقي الذي جمع بين الطبيعة وما فوق الطبيعة، والبرئ من الأحكام المتسرعة، ومع ذلك فقد نهض لكي يدعو العلماء إلى أن يفهموا ما يقولون، وليقوّم الطرق الملتوية التي يضل فيها من يزعمون أنهم حكماء".
ثم قال: "إن الناس حالة سماعهم خطب محمد المهمة، وكتاباته الملتئمة مع عصره، قد أحسوا بجاذبية تصلهم بالسر الخفي الذي يقودهم إليه، فخضعوا للإله، فرأوا كيف يستطيعون أن يهذبوا وجودهم المؤقت، وهكذا وجدوا فيه مثالا حياً لا يستطيع الفلاسفة ولا رجال الحكومة أن يقدموه".
"إن محمداً رسول الإسلام قد أوجدت دعوته في جزيرة العرب تقدماً غير قابل للاعتراض، سواء أكان ذلك في دائرة الأسرة أم في دائرة المجتمع أم الناحية الصحية، وإن حظ المرأة قد تحسن، وإن الفحش والزواج المؤقت، والمعاشرة الحرة (الزنا) قد حظرت وقد حرم ايضاً إكراه الإماء على أتخاذ الفحش وسيلة لثراء مواليهن، كما كان متبعاً في ذلك العهد "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً" القرآن.
ثم قال : "إن محمداً قد أباح الرق، ولكنه نظمه، وضيق حدوده، وجعل العتق عملاً خيراً، بل كفارة عن بعض المعاصي"
ثم قال "إن الغنائم الحربية كانت في ذلك العهد، النتيجة العادية لكل جهاد، بل يمكن أن يقال: إنها كانت مع التجارة وتربية الحيوان هي الصناعة الوطنية العربية، فأعلن محمد رسول الإسلام إباحتها لأتباعه استجابة لضعفهم، ولكنه حددها بقواعد دقيقة، فخصص الجزء الاكبر منها للصدقات ولحاجات الجيش كما أنه قد حظر في قسم الأسرى إبعاد الأطفال عن أمهاتهم".
وفي الختام قال: "إنه لم يكن ليستطيع أن يغير أخلاق شعبه تغييراً تاماً، ولكنه نجح في أن يقومها في نقط كثيرة".
------------
يقول المستشرق النمساوي " ليوبولد فايس"
"إن أوربا لتعرف هذه الحقيقة حق المعرفة لأن ثقافتها هي نفسها مدينة للإسلام بتلك النهضة على الأمل بعد قرون من الظلام الدامس .... ولم يقف الإسلام يوماً سدّاً في وجه التقدم العلمي , إنه يقدر الجهود الفكرية في الإنسان إلى درجة يرفعه فيها فوق الملائكة وما من دين ذهب أبعد من الإسلام في تأكيد غلبة العقل وبالتالي غلبة العلم على جميع مظاهر الحياة."
"إن كل ما كان في الإسلام تقدماً وحيويةً، أصبح بين المسلمين اليوم تراخياً وركوداً، وكل ما كان في الإسلام من قبل كرماً وإيثاراً، أصبح بين المسلمين ضيقاً في النظر، وحباً للحياة الهينة".
ويقول أيضاً: "تحققت أن هناك سبباً واحداً للانحلال الاجتماعي والثقافي بين المسلمين، ذلك السبب يرجع إلى الحقيقة الدالة على أن المسلمين أخذوا شيئاً فشيئاً يتركون اتباع روح تعاليم الإسلامية".
"كنت كلما ازددتُ فهماً لتعاليم الإسلام وعظيم أحكامه ومبادئه، ازددت رغبة في التساؤل عمّا دفع المسلمين إلى هجر تطبيقها تطبيقاً تامّاً في حياتهم اليومية... لقد ناقشت هذه المشكلة مع كثير من المسلمين المفكرين في جميع البلاد، ثم زادت رغبتي في ذلك بشدة، حتى أني ـ وأنا غير المسلم ـ أصبحت أتكلم إلى المسلمين مشفقاً على دين الإسلام من إهمال المسلمين أنفسهم وتراخيهم".
-----------
قال المستر جيبون في كتاب (محمد في الشرق)، ص 17:(5/189)
إن دين خال من الشكوك والظنون، والقرآن أكبر دليل على وحدانية الله، بعد أن نهى محمد عن عبادة الأصنام والكواكب. وبالجملة دين محمد أكبر من أن تدرك عقولنا الحالية أسراره، ومن يتهم محمداً أو دينه فإنما ذلك من سوء التدبر أو بدافع العصبية، وخير ما في الإنسان أن يكون معتدلاً في آرائه، ومستقيماً في تصرفاته.
------------
ويقول " تشارلز فرانسيس بوتر " في كتاب " الأديان التي يحيى بها البشر " . نشر كينجزوود ، سرى ( 1955 ) ص 81 :
" إن القرآن هو الأكثر قراءة من أي كتاب آخر في العالم "
وقال: "قد يكون الكتاب المقدس المسيحي أكثر الكتب مبيعا في العالم، ولكن هناك حوالي 250 مليون مسلم من أتباع النبي محمد يقرأون أو يتلون أجزاء طويلة من القرآن خمس مرات يوميا في كل يوم من أيام حياتهم من يوم استطاعتهم الكلام ".
يقول الفيلسوف الإنكليزي توماس1795-1881م:
"ما كان محمداً أخا شهوات برغم ما اتهم ظلماً وعدواناً وما أكثر ما نجور ونخطىء إذا حسبناه رجلاً شهوانياً لا هم له إلا قضاء مآربه الملاذْ كلا فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ مهما كانت" نقلا عن" الإسلام بين الإنصاف والجحود" لمحمد عبد الغني حسن
ويقول :
"الحق أقول لقد كان أولئك العرب قوماً أقوياء النفوس كأن أخلاقهم سيول دفاقة لها شدة حزمهم وقوة إرادتهم أحصن سور وأمنع حاجز وهذه وأبيكم أم الفضائل وذروة الشرف الباذخ وقد كان أحدهم يضيفه ألد أعدائه فيكرم مثواه ( ونحن نعلم أن صلاح الدين الأيوبي أرسل طبيبه الخاص لمداواة ريتشارد قلب الأسد قائد الحملات الصليبية على المسلمين وبيت المقدس عندما علم أنه مريض) وينحر له فإذا أزمع الرحيل خلع عليه وحمله وشيعه ثم هو بعد كل ذلك لا يحجم عن أن يقاتله متى عادت به إليه الفرص وكان العربي أغلب وقته صامتاً فإذا قال أفصح إني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت , يسكت حيث لا موجب للكلام" من كتاب "محمد المثل الأعلى" لتوماس كار ليل
وقال: من الشبهات التي يثيرها بعض المسيحيين هي : أن النبي قام بنشر الدين الإسلامي بقوة السيف وهذا القول بعيد كل البعد عن الصواب لأن الذين يدعون ذلك عليهم أن يتدبروا قليلاً ، فلابد أن يكون هناك سر في هذا السيف الذي خرج في جزيرة العرب ووصل بأيدي القادة المسلمين إلى جبال ( إسبانيا ) غرباً ، وإلى ( سمر قند ) شرقاً.
فما هو هذا السر ؟
بلا شك أن السر في ذلك يقود إلى الشريعة الإلهية التي جاء بها النبي محمد ، تلك القوة العظمى التي دفعت بعبدة الأصنام والأوثان في جزيرة العرب إلى القبول والإذعان بهذا الدين الذي جاء بالقوانين الإلهية التي وضعها الحكيم العليم ، والتي تضمن سعادة الإنسان ورقيه .
والمسألة الأخرى التي نلفت الأنظار إليها هي أن الإسلام عنما انتشر شرقاً وغرباً كان قد قضى على جميع العقائد والمذاهب الباطلة ، لأنه كان حقيقة ثابتة نابعة من صميم الإنسان ، وما غيره من الطرق والمذاهب مزيف لا ينسجم مع الطبيعة الإنسانية كما هو زائل أو في طريقه إلى الزوال .
وقال: وينعى صاحب كتاب "الأبطال" توماس كارليل على قومه عداوتهم لمحمد وجهلهم بحاله فيقول: (لقد أصبح من العار على أي فرد من أبناء العصر أن يصغي إلى ما يقال: من أن الدين الإسلامي باطل، وأن محمداً خداع ومزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من تلك الأقوال السخيفة المخجلة. فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول الكريم مازالت السراج المنير مدة ثلاثة عشر قرناً.
وقال: إن أقوال أولئك السفهاء من المستشرقين في محمد ، إنما هي نتائج جيل كفر ، وعصر جحود وإلحاد ، وهي دليل على خبث القلوب وفساد الضمائر ، وموت الأرواحز اهـ من كتاب آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في الغرب" أنور الجندي ص51
قال مصطفى غفر الله له:
التقى السيد أحمد خان المصلح الهندي ت 1889م، بتوماس كارلاييل عندما سافر إلى لندن صحبة ابنه محمود سنة 1869م، لإلحاقه بالجامعة، وفي الوقت نفسه لجمع مادة علمية يستعين بها في الرد على كتاب السير وليم ميور "حياة محمد" الذي شحنه بالافتراءات على النبي
وأثر ذلك اللقاء كثيرا في توماس كارلايل حيث حدث السيد أحمد كثيرا عن سيدنا محمد مما جعل توماس يكتب فصلا خاصا بالنبي في كتابه "الأبطال"
استفدت هذه المعلومة من هذا الرابط:
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...rticle35.SHTML
-----------
وقال شبلي شميل وهو من أصل مسيحي قال في عدد يناير من ( مقتطف) سنة 1910 ما نصه : "خذ مثالاً شريعة القرآن فإنها بين الشرائع الدينية الشريعة الوحيدة الاجتماعية العملية المستوفاة التي ترعى إلى أغراض دنيوية حقيقة يعني أنها لم تقتصر على الأصول الكلية الشائعة بين جميع الشرائع بل اهتمت اهتماماً خاصاً بالأحكام الجزئية فوضعت أحكام المعاملات حتى فروض العبادات أيضاً، وهي من هذه الجهة شريعة علمية مادية" .د
------------
يقول المؤلف الكبير ماكس فان برشم في مقدمة كتابه "العرب في آسيا"(5/190)
"إن محمداً نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، إن ظهور محمد للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال وإن افتخرت آسيا بأبنائها (1) فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم، إن من الظلم الفادح أن نغمط حق محمد الذي جاء من بلاد العرب وإليهم، وهم على ما علمناه من الحقد البغيض قبل بعثته، ثم كيف تبدلت أحوالهم الأخلاقية والاجتماعية والدينية بعد إعلانه النبوة، وبالجملة مهما ازداد المرء اطلاعاً على سيرته ودعوته إلى كل ما يرفع من مستوى الإنسانية، أنه لا يجوز أن ينسب إلى محمد ما ينقصه ويدرك أسباب إعجاب الملايين بهذا الرجل ويعلم سبب محبتهم إياه وتعظيمهم له".
-------
(1) قال: الحق أن محمداً هو فخر للإنسانية جمعاء وهو الذي جاءها يحمل إليها الرحمة المطلقة فكانت عنوان بعثته (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
--------------
يقول (ارنيست رينان) :
إن ألْبرت الكبير مدين لابن سينا في كل شيء وأن (سان توما الأكويني ) مدين في جميع فلسفته لابن رشد , إن راهباً دينياً أوربياً هو الكاردينال " أكزيمنيس" شارك في أكبر جريمة ضد المعرفة بإصداره أمراً بإحراق كتب المسلمين في غرناطة في أعقاب سقوط الفردوس الإسلامي هناك وكان المرسوم الذي أصدره يقضي بإحراق ثمانين ألف مخطوطة عربية في الأماكن العامة بغرناطة
وقال: إن تياراً رشدياً سريا في الجامعات الفرنسية إبان عصر النهضة يقوم على العقل وشروح (آفيروس) ابن رشد لأرسطو ..وقد عرف العالم فضله في الوقت الذي كان ينكره ولا يعرفه فيه العرب
قال مصطفى غفر الله له:
توما الأكويني هو الإيطالي المشهور صاحب نظرية السيفين أو الولاء المزدوج
من أهم كتب أرنست رينان : ابن رشد والرشدية،
وقد سبق أن قال: إن الإسلام قد دخل السربون من أوسع أبوابه، (يقصد بذلك مترجمات كتب ابن رشد(
-----------
قال ادوارد لين الإنكليزي في كتابه " أخلاق وعادات المصريين":
إن محمداً كان يتصف بكثير من الخصال الحميدة، كاللطف والشجاعة ومكارم الأخلاق، حتى أن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر، كيف لا، وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته بصبر وجلد عظيمين، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد من يصافحه حتى ولو كان يصافح طفلاً، وأنه لم يمر يوماً من الأيام بجماعة رجالاً كانوا أو أطفالاً دون أن يقرأهم السلام، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة، وقد كان محمد غيوراً ومتحمساً، وكان لا يتنكر للحق ويحارب الباطل، وكان رسولاً من السماء، وكان يريد أن يؤدي رسالته على أكمل وجه، كما أنه لم ينس يوماً من الأيام الغرض الذي بعث لأجله، ودائماً كان يعمل له ويتحمل في سبيله جميع أنواع البلايا، حتى انتهى إلى إتمام ما يريد. اهـ
----------
- ويقول " دو لاسي أوليرى " في كتاب " الإسلام في مفترق الطرق " طبعة لندن ( 1923 ) ص 8 :
" وبالرغم من ذلك فقد أوضح التاريخ أن الأسطورة القائلة باجتياح المسلمين المتعصبين للعالم وفرضهم الإسلام على الأجناس المقهورة تحت تهديد السلاح ، هي إحدى كبرى الأساطير أو الخرافات الخيالية ، التي رددها في أي وقت المؤرخون ، سخافة ومنافاة للعقل " .
-----------
قال ساديو لويس الفرنسي
"لم يكن محمد نبي العرب بالرجل البشير للعرب فحسب بل للعالم، لو أنصفه الناس، لأنه لم يأت بدين خاص بالعرب، وأن تعاليمه الجديرة بالتقدير والإعجاب تدل على أنه عظيم في دينه، عظيم في أخلاقه، عظيم في صفاته، وما أحوجنا إلى رجال للعالم أمثال محمد نبي المسلمين."
-------------
قال القس ميشون الألماني في كتابه "سياحة دينية في الشرق" صفحة 31:
"إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التعامل وفضائل حسن المعاملة، وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم، كل ذلك بفضل تعاليم نبيهم محمد "
-----------
ويقول " هاملتون جب " في كتاب " المحمدية " طبعة لندن ( 1953 ) ص 33 :
" إذن لو كان القرآن من تأليف محمد لكان من الممكن أن ينافسه ويضارعه رجال آخرون . وليأتوا بعشر آيات من مثله مفتريات . وإذا لم يستطيعوا ( ومن الواضح أنهم لم يستطيعوا ) فليقبلوا القرآن كمعجزة وبرهان ظاهر " .
قال الدكتور ليتنز في موضوع له في مجلة المقتطف المجلد الخامس الجزء 4 :
إن محمداً، نبي وقد أوحى الله إليه، ومرة أوحى إليه وحياً شديد المؤاخذة، لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى، ليخاطب رجلاً غنياً من ذوي النفوذ، وقد نشر ذلك الوحي، فلو كان كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذلك الوحي من وجود، ولتركته العصور التي مرت عليه أنقاضاً.
يقول جولد تسيهر Goldziher المستشرق اليهودي المجري:(5/191)
"إن الشجاعة الفردية , والكرم العظيم والبذخ والإسراف في تكريم الضيف والانتصار لذوي القربى والأخذ بالثأر بلا شفقة أو رحمة إذا وقع اعتداء على شخصه أو على عشيرته كانت أبرز فضائل الجاهلية , أما في الإسلام فنجد الصبر والاحتمال وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة شخصية كانت أو قبليه نجد عدم الاكتراث بالأمور الدنيوية والأعراض الزائلة وتجنب الرياء والفخر وغير ذلك مما جاء به الإسلام وكانت هذه الفضائل كفيله بأن تدفع المسلمين على احتقار هذه المثل العليا للجاهلية
وقال في كتابه "العقيدة والشريعة في الإسلام":
"كانت الهجرة إلى المدينة تحولا كبيرا في سياسة الرسول فقد أصبح محمد -بعد الهجرة- مجاهداً وغازياً، ورجل دولة، ومنظم جماعة جديدة أصبحت تتسع وتنمو شيئاً فشيئاً، وعندئذ اتخذ الإسلام شكله النهائي، وعندئذ ظهرت البذور الأولى لنظامه الاجتماعي والفقهي والسياسي"
.
ثم قال: (في مكة كان الرسول يدعو إلى تعاليم دينية في جماعة صغيرة، أما في المدينة فقد ظهر الإسلام نظاماً له طابع خاص، وله في الوقت نفسه صورة الهيئة المكافحة. وفي المدينة قامت طبول الحرب التي تردد صداها في جميع أزمنة التاريخ، وصار محمد ينظم أعمالاً حديثة، فأصبح ينظم طرق توزيع الغنائم، وينظم المواريث، ويشرع القوانين، ويضع أسس أمور الدين العملية وأهم احتياجات الحياة الأجتماعية،. وفي المدينة رسمت الخطوط الرئيسية لحياة الإسلام التاريخية، وبدأ محمد مع الصحابة رضي الله عنهم تحقيق حياة مطابقة لما جاء به من دين ومذهب".
قال مصطفى غفر الله له:
إن جولد زيهر هذا قال في الكتاب نفسه أباطيل رد عليها الشيخ الغزالي في كتاب "دفاع عن العقيدة والشريعة"
وهذا المستشرق من الذين بدا حقدهم الدفين على الإسلام وله كتاب "دراسات في الحديث النبوي" قال فيه أن أحاديث النهي عن كتابة الحديث قد أتى بها الفقهاء، كما أن أحاديث جواز كتابته جاء بها المحدثون، يقصد أنهم وضعوها. مع أن حديث أبي سعيد الخدري في النهي هو في صحيح مسلم كالشمس في وضح النهار. وأحاديث جزاز الكتاب أكثر من أن تحصى.
وله كتاب "دراسات محمدية"
وكان من الذين قالوا بأن محمدا هو الذي جاء بمذهب الإسلام
وقال إن التشيع بدأ بعد موت المبي مباشرة وبالضبط بعد حادثة السقيفة كما في العقيدة والشريعة ص174
وكان أستاذا من أساتذة طه حسين الذين علموه، ومن أساتذته أيضا عالم الاجتماع دوركايم اليهودي.ومن أساتذته مرجليوث اليهودي الإنجليزي وغيرهم، نعم المشايخ !! ؟؟؟
وقال إن الشريعة الإسلامية مستمدة من القانون الروماني، وقال بذلك كثيرون أمثال:فون كريمر، وشيلدون آموس وغيرهم.
تنبيه
لا تظنوا أحبتي الكرام أن كل المنقول عنهم هم من الموضوعيين والعقلاء، بل منهم:
من هو حاقد كما بينت كبرنارد لويس، وجولد تسيهر، وهاملتون جيب ودوركايم والسير موير وغيرهم وكلهم يهود
ومن هو متردد كفرونسوا فولتير الذي اختلفت تصريحاته، وجوستاف لوبون، وغيرهم
وبين موضوعي منصف كويل ديورانت وتوماس أرنولد وأرنولد توينبي، زيجريد هونكي وآنا ماري شيمل الألمانيتين وبوجينا غيانة ستجشيجيفسكا البولونية ومارسيل بوازار وغوته وغيرهم
فلا تظنوا أن كل ما نقلنا عنه هو من المنصفين، وإنما هي عبارة في ثنايا كلامه تأدي مقصودنا فننتزعها من الحاقدين منهم انتزاعا.
-----------
يقول أليكسي جورافيسكي في كتابه: "الإسلام والمسيحية"ص 105
: "إن الأغلبية المطلقة من المستشرقين لم يتخلصوا من المواقف المعادية للإسلام".
---------
يقول فرونسوا فولتير كما جاء في قاموسه الفلسفي (6/4)
"قانون يحرّم عليكم الطعام والشراب طوال النهار في شهر الصيام .. إذا فرض عليكم الحج في صحراء محرقة.. إذا فُرض عليكم إعطاء 2,5 % من مالكم للفقراء .. إذا حُرِّم عليكم شرب الخمور ولعب الميسر .. إذا كنتم تتمتعون بزوجات تبلغ ثماني عشرة زوجة أحياناً، فجاء من يحذف أربع عشرة من هذا العدد ، هل يمكنكم الادّعاء مخلصين بأن هذه الشريعة شريعة لذّات ؟"
----------
وجاء في كتاب "دفاع عن الإسلام" للمستشرق : فاغليري ترجمة منير بعلبكي
ويقول "هنري دي شاميون" تحت عنوان "الانتصار الهمجي على العرب" لولا انتصار جيش "شارل مارتل" الهمجي على العرب في فرنسا في معركة (تور) على القائد الإسلامي "عبد الرحمن الغافقي" لما وقعت فرنسا في ظلمات العصور الوسطى . ولما أصيبت بفظائعها ولما كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الديني- ولولا ذلك الانتصار البربري لنجت إسبانيا من وصمة محاكم التفتيش ، ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون بينما كنا مثال الهمجية"
--------------
رجوعا إلى هـ. ج. ويلز وكتابه "معالم تاريخ الإنسانية"
يقول "كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط. ولم أجد ديناً يسير مع المدنية أنى سارت سوى دين الإسلام".
----------
ويقول مرماديوك باكتول:(5/192)
"إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم بنفس السرعة التي نشروها بها سابقاً ، إذا رجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حينما قاموا بدورهم الأول .لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع أن يقف أمام حضارتهم"
عن كتاب "الرعب من الإسلام" لسعيد جودت ص 19-23، وذكر ذلك غوستاف لوبون في كتابه "حضارة الإسلام".
-------
ويقول " جون أوستن " في مقال له بعنوان " محمد نبي الله " في مجلة ت. ب. وكاسل الأسبوعية في 12 سبتمبر سنة 1927 بعد المسيح :
" لقد أصبح محمد بالفعل في خلال ما يربو قليلا عن العام ما يمكن أن نسميه بالحاكم الروحي والدنيوي للمدينة ، ويده على الرافعة التي كان مقدر لها أن تهز العالم " .
---------
وقال المسيو جان سبيرو السويسري:
"إنه مهما زاد الإنسان اطلاعاً على سيرة محمد النبي لا بكتب أعدائه وشانئيه بل بتأليفات معاصريه، وبالكتاب والسنة، إلا وأدرك اسباب إعجاب الملايين من البشر في الماضين وحتى الآن بهذا الرجل، وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه".
يقول " جون وليام دريبر " الحاصل على دكتوراة في الطب والحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الأوروبي " . طبعة لندن ( 1875 ) المجلد الأول، ص 229 و 230:
" ولد في مكة بجزيرة العرب عام 569 بعد المسيح ، بعد أربع سنوات من موت جوستنيان الأول ، الرجل الذي كان له من دون جميع الرجال ، أعظم تأثير على الجنس البشري .. وهو محمد " -----------
يقول المؤرخ الإنكليزي "جون دوانبورت" :
"أعتذر عن التصورات والأحكام التي كانت شائعة في الغرب حول نبي الإسلام" عن "محمد في الآداب العالمية المنصفة " محمد عثمان ص: 117.
وقال:
"لو لم تقم في جنوب أوروبا الحضارة الأندلسية العربية، لظلت هذه القارة تسبح مع شعوبها المختلفي النحل والنزعات في حلك من ظلمة الجهل والبداوة، ولما ظهر للمدنيّة الأوربية الحالية أثر في الوجود"
-----------
وروى جون دوانبورت في كتابه "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى" هذين الرسالتين من جورج الثاني ملك انجلترا إلى الخليفة الأندلسي هشام الثالث ، والجواب عليها.
رسالة الملك الإنكليزي جورج الثاني
من جورج الثاني ملك إنكلترا والغال والسويد والنروج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام:
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أربعة أركانها. وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج. م . أ
جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد:
إلى ملك إنكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأجلّ
اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا، والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس
هشام
الرسالتان مستفادتان من هذا الرابط:
http://www.geocities.com/nassershamali/new_page_91.htm
زار الفيلسوف "أونكيست كونت" مصر بعد أن كان يكره الإسلام ويطعن فيه، فهنا تأثر ببعض علمائها، فأقام في الأندلس لدراسة الإسلام والسيرة النبوية، وبعد ذلك اتجه إلى روما، وذهب إلى مكتبة الفاتيكان فطالع ما فيها من كتب عن الموضوع، وهنالك غير رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره، ولكنه لم يتقبل أمية النبي حتى سأل البابا بولوس التاسع عن صدق ما تدعيه التواريخ العربية من ذلك فأجابه البابا نعم إنه كان أمياً فلطم الفيلسوف وجهه، وقال: واخجلتاه منك يا محمد إنني ظلمتك فالويل كل الويل لك يا أوغست ....... إلا أنني أقر وأعترف بأن محمداً أصغر من إله ولكنه بكل حال أسمى من البشر."اهـ(5/193)
وقال: "أخذت مبادئ التنكرية العقوقية تضمحل في بعض أرجاء أوربا بعد ظهور العربية الإسلامية في الأندلس التي سطع إشراقها من وراء جبال البيرنه إلى أواسط فرنسا، فتناول طلاب التجدد التعاليم الاجتماعية البارعة التي انبثقت عن الحضارة العربية العظيمة وأخذوا في تبنيها، فأيقظت فيهم رويداً رويداً شعور مكافحة التنكر والغرور، واستبدلوها بطلب التجدد، وظلت هذه الميول تختمر في الرؤوس حتى ظهرتْ بوادر الثورة الفرنسية الثانية، وأعقبتها الثورة الثالثة • وماهَلّت طلائع القرن التاسع عشر حتى تسربتْ تعاليم الروح الاشتراكية إلى المجتمع الأوربي، وكان ذلك أول تقليد شريف للعرب والإسلام تجلببتْ به أوربا لتخطو خطواتها الكبرى في سبيل تنظيم حياة شعوبها السياسية والاقتصادية والإجتماعية"اهـ
--------------
ويقول رينيه ديكارت (1596-1650) الذي يعتبر أو يعتبره الفرنسيون أباً للفلسفة الحديثة في "مقالة الطريقة":
"نحن والمسلمون في هذه الحياة .. ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية ، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان"
-----------
وقال البطريرك "عيشويابه" 665 هـ
"إن العرب الذي مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا بعدالة كما تعرفون أنهم ليسوا أعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قديسنا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديارنا".
--------------
ويقول دينونبورت في كتابه "اعتذار إلى محمد والإسلام" :
"إن من الحماقة أن نظن أن الإسلام قام بحد السيف، فإن هذا الدين يحرم سفك الدماء، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وقد أمر بالشورى ونهى عن الاستبداد، ومنح الإنسان حقوقه المدنية، ولتتذكر أوروبا أنها مدينة بحضارتها للمسلمين أنفسهم."
------------
قال الإنجليزي مافيز جولي
"لقد رأيت الإسلام يقرر أن الرسل رجال لم يتدنسوا بالخطايا، وأن الوحي ليس شيئاً جديداً، فقد أنزل على أنبياء اليهود من قبل، وأن عيسى كان هو الآخر رسولاً غير أن لغزاً ظل يراود فكري لماذا لا ينزل الوحي على رسل في القرن العشرين ؟! وكانت الإجابة أن أتدبر ما قرره القرآن الكريم أن محمداً رسول الله وخاتم النبيين. وكان رداً مفحماً تماماً، إذ كيف يتأتى أن يرسل الرسل بعد محمد والقرآن المجيد هو الكتاب الشامل الذي جاء تبياناً لكل شيء ومصدقاً لما بين أيدينا، وهو باق ثابت إلى الأبد بلا نسخ ولا عبث، كما يقرر القرآن ويؤكد الواقع إنا نحن نزلنا الذكر -أي القرآن- وإنا له لحافظون . لا شك أنه ليس هناك من داع بعد ذلك إلى رسل ورسالات"
رجوعا إلى بوسورث سميث وكتابه "محمد والمحمدية"
قال: "كان محمد في وقت واحد مؤسساً لأمة، ومقيماً لدولة، وبانياً لدين وهو وإن كان أمياً فقد أتى بكتاب يحوي أدباً وقانوناً وأخلاقاً عامة، وكتباً مقدسة في كتاب واحد. وهو كتاب يقدسه إلى يومنا سدس مجموع النوع البشري لأنه معجزة في دقة الأسلوب، وسمة الحكمة، وجلال الحق، كما يقول عنه محمد :إنه معجزته الخالدة، حقاً إنه لمعجزة.
ثم إذا نظرنا إلى الظروف والأحوال وإلى ما كان لمحمد من الاحترام الفائق الوصف عند أتباعه وقارناه بآباء الكنيسة وبقديسي القرون الوسطى فإن أدعى شيء للدهش من محمد أنه لم يدّع قط القدرة الذاتية على إحداث المعجزات. نعم كان يفعل ما يقول.
وكان أتباعه يرونه يقوم بتحقيق كل ما يقول: أفنريد بعد هذا برهاناً قاطعاً على صحة صدقه وإخلاصه. لم يحرص محمد إلى آخر حياته على شيء، إلا على الذي يلقب به من أول أمره، وهو لقب أعتقد بأنه سيأتي يوم ترضى فيه أي فلسفة، وأخلص مسيحية أن تسلم له به وهذا اللقب هو: "رسول الله"، نعم إنه رسول الله حقاً.
-----------
قال جان جاك روسو عن القرآن :
"من الناس من يتعلم قليلاً من العربية , ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ولو أنه سمع محمداً يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب ورآه يؤيد أحكامه بقوة البيان , لخر ساجداً على الأرض و ناداه : أيها النبي يا رسول الله خذ بأيدينا إلى الشرف والفخار , أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نود الموت أو الانتصار."
قال مصطفى غفر الله له
جان جار روسو لا يخفى على أحد، هو صاحب نظرية الطبيعة في التربية، وادعى لنفسه نظرية العقد الاجتماعي في كتابه " العقد الاجتماعي" وفي الحقيقة هذه النظرية تطورت عبر مراحل بين جون جاك روسو و توماس هوبز وجون لوك،
وهذه النظرية باختصار: إن الشعوب الأوربية بعد المعاناة من جراء الكنيسة وتسلط رجال الدين، كان من آثارها أن تبحث _ أي الشعوب _ على تحقيق شيئين اثنين الحرية والإرادة، فقالوا نقوم بعقد بيننا كشعوب وبين عقلائنا ومفكرينا وهم منا، على أن يعملوا على تحقيق هذين المبدأين لنا، بصفتهم مفوضين من الشعب، وكان هذا أول طريق إلى الديمقراطية في الغرب،(5/194)
وكان ذلك أول مرحلة من مراحل العلمانية وتسمى بالعلمانية الجزئية قبل الوصول إلى العلمانية الشاملة التي بدورها مرت بثلاث مراحل وهي مرحلة التحديث ثم الحداثة ثم ما بعد الحداثة.
-------------
رجوعا إلى ويل ديورانت في قصة الحضارة في حديثه عن الحضارة الإسلامية: ص4498-4499
ولهذا لم يدع الإسلام إلى مقابلة الإساءة بالإحسان . "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" (سورة البقرة 194) "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" (سورة الشورى 41)، تلك أخلاق تليق بالرجال، شبيهة بما جاء في العهد القديم، فهي تؤكد فضائل الرجولة كما تؤكد المسيحية فضائل الأنوثة. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" (سورة آل عمران 200) هكذا كان يقول أيضاً زرادشت الذي نادى بمبادئ نتشة قبل وجود نتشة بزمن طويل.
والمسلمون يعظمون القرآن إلى درجة تقرب من العبادة، وقد كتبوا المصاحف وزينوها وبذلوا في سبيل ذلك كل ما يستطيعون من عناية مدفوعين إليها بحبهم له، وهو الكتاب الذي يبدأ منه أطفال المسلمين بتعلم القراءة، وهو المحور الذي يدور عليه تعليمهم والذروة التي ينتهي بها هذا التعليم. وقد ظل أربعة عشر قرناً من الزمان محفوظاً في ذاكرتهم، يستثير خيالهم، ويشكل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس الساذجة _الأفضل أن يقال السليمة- الفطرة ولقد آمن بالقرآن كثير من رجال العلم والفكر في كل عصر من العصور الماضية وفي هذا العصر الذي نعيش فيه؛ كما آمن به من لا يحصون كثرة من الناس على اختلاف حظوظهم من العقل والفكر؛ وما ذلك إلا لأنه جاء بالعقيدة الحقة الواضحة التي يتقبلها الجميع. فهي أسهل العقائد، وأقلها غموضا، وأبعدها عن التقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحضهم على إتباع القواعد الصحية، وحرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسن أحوال الأرقاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء المتأخرين) درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض. ولقد علم الإسلام الناس أن يواجهوا صعاب الحياة، ويتحملوا قيودها، بلا شكوى ولا ملل، وبعثهم في الوقت نفسه إلى التوسع توسعاً كان أعجب ما شهده التاريخ كله. وقد عرَّف الدين وحدده تحديداً لا يجد المسيحي ولا اليهودي الصحيح العقيدة ما يمنعه من قبوله.
"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبهِ ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساءِ والضراءِ وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" (سورة البقرة الآية 177).اهـ
قال مصطفى غفر الله له:
لا أوافق الدكتور عبد المعطي الدالاتي في كتابه "ربحت محمد ولم أخسر المسيح" ص 91 بأن وضع ويل ديورانت من المتعصبين، بل كان موضوعيا، فلا ينبغي أن نطالب غير المسلم بأن يمدح أو يعترف بفضل الإسلام وأهله كما لو كان مسلما، وأظن أنه قد أنصف الإسلام وأهله إلى حد بعيد مقارنة مع المستشرقين المتعصبين كبرنارد لويس وزويمر ويوسف شاخت وجولد زيهر وأمثالهم، وما نقلناه من كتابه لهو خير دليل على ما أقول.
والله تعالى أعلم
--------------
قال درابر drabber الأستاذ في جامعة نيويورك، في كتابه ( المنازعة بين العلم والدين):
( إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين، ومن اليهود على مجرد الاحترام، بل فوضوا إليهم الكثير من الأعمال الجسام، ورقوهم إلى المناصب العالية في الدولة، حتى إن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت إشراف حنا مسنيه( يوحنا بن ماسويه)... وكانت إدارة المدارس مفوضة إلى النسطوريين تارة، وإلى اليهود تارة أخرى، ولم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيه العالم، ولا إلى الدين الذي ولد عليه، بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته من العلم والمعرفة).
نقلا عن الإسلام والنصرانية للشيخ محمد عبده ص 15.
وقال غوستاف لوبون في كتابه ( حضارة العرب):(5/195)
والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشافات العلم. ومن أعظمها تأديبا للنفوس، وحملا على العدل والإحسان والتسامح... وسيرى القارئ حين نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم، أن القوة لم تكن عاملا في انتشار القرآن، فقد ترك العرب المغلوبين أحرارا في أديانهم، وإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام من النصرانية الإسلام، واتخذوا العربية لغة لهم، فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من ساداتهم السابقين...
----------
قال الكاتب "جون وليام درابر" ت 1882م في كتابه: "التطور الفكري في أوروبا"
" في سنة 569 بعد موت جستنيان بأربع سنوات، ولد في مكة في الجزيرة العربية الإنسان الوحيد بين جميع البشر الذي كان له أكبر الأثر على الجنس البشري... محمد"
---------
ورجوعا إلى المؤرخ الفرنسي"غوستاف لوبون" في حضارة العرب ص 579:
"ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب" وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين , والسهولة العجيبة التي ينتشر بها القرآن في العالم شاملة للنظر تماماً فالمسلم أينما مر ترك خلفه دينه وبلغ عدد أشياع النبي ملايين كثيرة في البلاد التي دخلها العرب بقصد التجارة "لا فاتحين" كبعض أجزاء الصين وأفريقيا الوسطى وروسية وتم اعتناق هذه الملايين للإسلام طوعاً , لا كرهاً ولم يسمع أن الضرورة قضت بإرسال جيوش مع هؤلاء التجار العرب المسلمين لمساعدتهم ويتسع نطاق الإسلام بعد أن يقيمه هؤلاء في أي مكان كان .
----------
وقال لوبون : القاعدة عند العرب جرب ,وشاهد, ولاحظ تكن عارفاً ويقول : إن المسلمين العرب وحدهم كانوا أساتذة الأمم المسيحية عدة قرون ونحن الغربيين لم يتح لنا الإطلاع على التراث اليوناني والروماني في جامعاتنا عما نقل إلى لغاتنا من كتب العرب إلا في أزمان متأخرة .
من كتاب " الإسلام بين الإنصاف والجحود" لمحمد حسن عن تنزيه الدين وحملته، المجموعة الكاملة ، ثقافة 1/444.
ومن كتاب معاملة غير المسلمين في الإسلام 1/256 – إعداد : المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – الأردن
وقال:" لم ينتشر القرآن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرها العرب مؤخراً كالترك والمغول( ففي الإيمان بالقضاء طمأنينة تجعل ثمرة السعي في الحياة لذيذة حين النجاح وسائغة عند الإخفاق وبهذا يتم التوازن في سعادة الإنسان"
وقال: إن العرب هم الذين فتحوا لأوروبا ما كانت تجهله من عالم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية بتأثيرهم الثقافي، فكانو ممدنين لنا وأئمة لنا ستة قرون.
--------------
يقول البروفيسور بروخمان :
" لا عجب أن شارك الهولنديون بقية أوروبا الإجحاف بالإسلام والعرب وقد استمر عدم الفهم هذا لدى الهولنديين طوال القرون الوسطى حتى طرأ على الأوضاع السياسية الداخلية في هولندا بعض المتغيرات التي أدت في العام 1575م إلى تأسيس جامعة ليدن في شمال هولندا ، ولاعتبارات دينية اهتمت الجامعة باللغات التي كتبت بها الكتب المقدسة وبشكل منطقي أدت هذه الاهتمامات إلى دراسة اللغة العربية ، حيث مرت بمراحل متدرجة إلى أن أقيم أول كرسي للغة العربية بجامعة ليدن على يد " أربين " عام 1613 واستمر نحو أحد عشر عاماً ، ألف خلالها كتابه في النحو العربي وأغرق في مقدمته بالحمد للحضارة العربية والأدب العربي وللتاريخ والفلسفة العربية
------------
ويقول: دكتور شوميس
"يقول بعض الناس إن القرآن كلام محمد وهو حقاً محض افتراء، فالقرآن كلام الله الموحى على لسان رسوله محمد، فليس في استطاعة محمد ذلك الرجل الأمي في تلك العصور الغابرة أن يأتينا بكلام تحار فيه عقول الحكماء، ويهدي الناس من الظلمات إلى النور.
وربما تعجبون من اعتراف رجل أوروبي بهذه الحقيقة. إني درست القرآن فوجدت فيه تلك المعاني العالية، والنظم المحكمة، وتلك البلاغة التي لم أجد مثلها قط في حياتي، جملة واحدة منه تغني عن مؤلفات. هذا ولا شك أكبر معجزة أتى بها محمد عن ربه".
-----------
ونرجع إلى هـ. أ. ر. جب في كتاب " المحمدية " طبعة لندن ( 1953 ) ص 33
حيث قال:
" إنه من المسلم به عالميا بصفة عامة أن إصلاحاته " أي محمد " رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الإجتماعي والشرعي " .
-----------
قال بروفيسور هيرجوني Prof. Hurgronje:
"عصبة الأمم التي أسسها نبي الإسلام أرست مبادئ الوحدة الدولية والأخوة الإنسانية على أسس عالمية لتكون شمعة للأمم الأخرى.. الحقيقة أنه لا توجد أمة في العالم تستطيع أن تقدم مثيلاً لما قدمه الإسلام لبلوغ فكرة عصبة الأمم".
-----------
قال المسيحي بولس سلامة عن نفسه:(5/196)
"مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم، رجل ليس من مواليد حواء أعظم منه قدراً وأخلد ذكراً وأبعد أثراً، رجل أطل من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد، كتب عليه بأحرف من نور، لا إله إلا الله، الله أكبر."
من ترى ذلك الصبي الذي إن *** ذر دمعاً فالجو في إعطاء
مبسم من لآلئ الفجر أنقى ***وجبين كالنجمة الغراء
هلّ يوم في صفحة الدهر فذ ***طيب الفوح رافل بالبهاء
حُسب الرمل ذلك اليومَ تبرا ً ***يُنبت الحلم في عيون الرائي
فسهول الحجاز بحرُ نُضا ر ***من نثير السبا ئك الصفراء
ضحك السَّبْسَبُ الخلي وشَقَّْت ***أنملُ الورد صفحةَ الدهناء
ذاك عرس الدنيا ولا غرو إن ***بثت صلاها ونمنمت في الكساء
رحبت بالوليد جاء يتيماً ***فهو والفقرَ توأم في رداء
يا فقيراً ودونه الشمسُ عِزاًّ ***سوف تعلو مناكبَ الجوزاء
خلفك النسرُ والسُّها والثريا ***سائرات في الركب سيرَ الإماء
فقرُ كفٍّ والنفس كنزُ خلود ***هكذا كان مولد الأنبياء
------------
قال الزعيم الهندي "جواهر لال نهرو"في كتابه "لمحات من تاريخ العالم"
"إنهم - العرب - أباء العلم الحديث وإن بغداد تفوقت على كل العواصم الأوروبية فيما عدا قرطبة عاصمة أسبانيا العربية " الأندلس " وإنه كان لا بد من وجود ابن الهيثم والخازن والكندي وابن سينا والخوارزمي والبيروني لكي يظهر عند الغرب "جاليلو وكبلر وكوبرنيق ونيوتن" .
أورده الدكتور عبدالحليم منتصر في مصنفه تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه.
------------
ويقول " أ. س. تريتون " في كتاب " الإسلام " طبعة لندن ( 1951 ) ص 21 :
" إن صورة الجندي المسلم المتقدم وبإحدى يديه سيفا وبالأخرى مصحفا هي صورة زائفة تماما " .
يقول البروفيسور يوشيودي كوزان - مدير مرصد طوكيو
------------
"البروفيسور يوشيودي كوزان: "قلت: إنني متأثر جداً باكتشاف الحقيقة في القرآن".
الشيخ الزنداني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنه يتكلم بلغته الأصلية اللغة اليابانية إنه البروفيسور يوشيودي كوزان مدير مرصد طوكيو عرضنا عليه عدداً من الآيات المتعلقة بوصف بداية الخلق وبوصف السماء وبعلاقة الأرض بالسماء فلما قرأ معاني هذه الآيات وسألنا عن القرآن وعن زمن نزوله فأخبرناه أنه نزل منذ 1400 عام وسألناه نحن عن هذه الحقائق التي تعرضت لها هذه الآيات فأجاب وكان بعد كل إجابة يجيب بها نعرض عليه النص القرآني. ولقد عبر عن دهشته فقال: "إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود فكل شيء أمامه مكشوف إن الذي قال هذا القرآن، يرى كل شيء في هذا الكون، فليس هناك شيء قد خفي عليه" . سألناه عن الفترة الزمنية التي مرت بها السماء يوم أن كانت في صورة أخرى فأجاب: لقد تضافرت الأدلة وحشدت وأصبحت الآن شيئاً مرئياً مشاهداً نرى الآن نجوماً في السماء تتكون من هذا الدخان الذي هو أصل الكون كما نرى في (هذا الشكل):هذه الصورة حصل عليها العلماء أخيراً بعد أن أطلقوا سفن الفضاء إنها تصور نجماً من النجوم وهو يتكون من الدخان. انظروا إلى الأطراف الحمراء للدخان الذي في بداية الالتهاب والتجمع وإلى الوسط الذي اشتدت به المادة وتكدست فأصبح شيئاً مضيئاً وهكذا النجوم المضيئة كانت قبل ذلك دخاناً وكان الكون كله دخاناً. وعرضنا عليه الآية وهي قول الله جل وعلا: ?ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين? (سورة فصلت،الآية:11).إن بعض العلماء يتكلمون عن هذا الدخان فيقولون إنه ضباب فبين البروفيسور يوشيودي كوزان أن لفظ الضباب لا يتناسب مع وصف هذا الدخان، لأن الضباب يكون بارداً وأما هذا الدخان الكوني فإن فيه شيئاً من الحرارة. نعم، الدخان عبارة عن غازات تعلق فيها مواد صلبة. ويكون معتماً وهذا وصف الدخان الذي بدأ منه الكون. قبل أن تتكون النجوم كان عبارة عن غازات تعلق فيها مواد صلبة وكان معتماً. قال: وكذلك كان حاراً، فلا يصدق عليه وصف الضباب، بل إن أدق وصف هو أن نقول: هو دخان.(5/197)
وهكذا أخذ يفصل فيما عرض عليه من آيات وأخيراً سألناه: ما رأيك في هذه الظاهرة التي رأيتها بنفسك، العلم يكشف بتقدمه أسرار الكون، فإذا بكثير من هذه الأسرار قد ذكرت في القرآن أو ذكرت في السنة هل تظن أن هذا القرآن جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم من مصدر بشري؟ كما نرى هذه المحاورة معاً.البروفيسور يوشيودي كوزان: وقبلنا كان هؤلاء الفلكيون المعاصرون يدرسون تلك القطع الصغيرة في السماء. لقد ركزنا مجهودنا لفهم هذه الأجزاء الصغيرة لأننا نستطيع باستخدام التلسكوب أن نرى كل الأجزاء الرئيسية في السماء، ولذلك أعتقد أنه بقراءة القرآن وبإجابة الأسئلة أنني أستطيع أن أجد طريقاً في المستقبل للبحث في الكون.الشيخ عبدالمجيد الزنداني: قال كما رأينا لا. لا يمكن أن يكون من مصدر بشري. وقال: إننا نحن العلماء نركز على جزء صغير في دراستنا، أما من يقرأ القرآن فإنه يرى صورة واسعة لهذا الكون. قال: إنني عرفت منهجاً جديداً في دراسة الكون لا بد أن ننظر إليه نظرة شاملة لا أن ننظر إليه من هذه النقطة الضيقة الجزئية المحدودة. قال: إنني سأنهج هذا المنهج وقد عرفت بعد أن قرأت القرآن وهذه الآيات المتعلقة بالكون عرفت مستقبلي، أي إنني سأخطط أبحاثي على هذه النظرة الشاملة التي استفدتها من كتاب الله.سبحانك يا رب سبحانك ها هم علماء الشرق وعلماء الغرب يحنون رؤوسهم إجلالاً لهذا الكتاب الكريم، هذه حجة محمد . هذه هي معجزته الباقية المتجددة، هذه هي المعجزة الحية التي تقنع المسلمين وغير المسلمين وتقنع الأجيال إلى يوم الدين.
?لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه…? (سورة النساء، الآية:166).?وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها?(سورة النمل، الآية:93).
?ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هوالحق ويهدي إلى صراط العزيزالحميد?(سورة سبأ الآية:6)
------------
يقول المستشرق آرثر آربري :
"عندما أستمع إلى القرآن يتلى بالعربية ، فكأنما أستمع إلى نبضات قلبي"
نقلاً عن "حتى الملائكة تسأل" د.جيفري لانغ 206
----------------
وتقول المستشرقة الألمانية أنا ماريا شميل Annemarie Schimmel، في مقدمتها لكتاب "الإسلام كبديل" Der Islam als Alternative لمراد هوفمان ص 11: ترجمة غريب محمد غريب نشر مؤسسة بفاريا، مع مجلة النور الكويتية.
"القرآن هو كلمة الله ، موحاة بلسان عربي مبين ، على النبي الأمين وأن ترجمته لا يمكن إلأا أن تكون تقريبية ضمنية لا تضارع الأصل، إذ لا أحد، مهما بلغ من الحذق والكفاءة، يقدر أن يترجنم ذلك الإعجاز الإلهي إلى لغة أخرى" .
------------
يقول محمد أسد في مقدمة كتابه "الإسلام على مفترق الطرق"
"جاءني الإسلام متسللاً كالنور إلى قلبي المظلم ، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلك البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه ، فالإسلام بناء تام الصنعة ، وكل أجزائه قد صيغت ليُتمَّ بعضها بعضاً… ولايزال الإسلام بالرغم من جميع العقبات التي خلّفها تأخر المسلمين أعظم قوة ناهضة بالهمم عرفها البشر ، لذلك تجمّعت رغباتي حول مسألة بعثه من جديد"
وقال في نفس المصدر 102-103:
"إن الإسلام يحمل الإنسان على توحيد جميع نواحي الحياة … إذ يهتم اهتماماً واحداً بالدنيا والآخرة ، وبالنفس والجسد ، وبالفرد والمجتمع ، ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من طاقات ، إنه ليس سبيلاً من السبل ، ولكنه السبيل الوحيد ، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هادياً من الهداة ولكنه الهادي" .
"إن الرجل الذي أُرسل رحمة للعالمين ، إذا أبينا عليه هُداه ‘ فإن هذا لا يعني شيئاً أقل من أننا نأبى رحمة الله .
قال مصطفى غفر الله له
رجعت من النمسا وتركت السلطات هناك قد وافقت للمسلمين لكي يسموا شارعا باسم "محمد أسد" هذا الرجل الذي اعتنق عقيدة التوحيد بعد حيرة. وكان ذلك بعد جهد جهيد وقد حاول الحاقدون عرقلة الموضوع.
يقول الكاتب والمخرج الأمريكي الكبير مايكل وولف الذي هداه الله إلى الإسلام في كتابه "رحلة حاج أميركي إلى مكة":
"رحلة تعطي الفرصة للحاج ليستعيد شيئاً من المساحة النقية في حياته، هذا شيء مركزي في هذه الفريضة هو أمر ثمين جداً لأننا جميعاً نضيع في هذا العالم،"
----------
وفي حوار لجريدة "سان خوزيه ميركوري" الأميركية يقول وولف:
"عندما ترى الكعبة للمرة الأولى تنظر إليها بعد أن تكون قد صليت باتجاهها لسنوات فتجدها رائعة جداً وجميلة جدا، الناس دائماً يبكون عندما يرون الكعبة بالرغم من كونها مبنى مربعاً بسيطاً• عندما تؤدي الطواف تشعر بإحساس عظيم من السمو الروحي، ولكن في الوقت نفسه تحس بالتجمع الهائل والتكامل مع الآخرين وهذا يجعلك تسمو روحياً دون أن تشطح عن حدودك الجسدية واتزانك الطبيعي" اهـ
يقول أستاذ الفلسفة راما كريشنا راو في كتابه "محمد نبي الإسلام":(5/198)
" إن إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالإطلاع على عدد كبير من المشاهد : فهناك محمد الرسول ، ومحمد المجاهد ، ومحمد الحاكم ، ومحمد الخطيب ، ومحمد المصلح ، ومحمد ملجأ الأيتام ، ومحمد محرر العبيد ، ومحمد حامي المرأة ، ومحمد القاضي ، ومحمد العابد لله .. كل هذه الأدوار الرائعة تجعل منه أسوة للروح الإنسانية"
-------------
يقول مراد هوفمان في "الطريق إلى مكة" ص 148:
"الإسلام دين شامل وقادر على المواجهة ، وله تميزه في جعل التعليم فريضة ، والعلم عبادة … وإن صمود الإسلام ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث ، عُدَّ في جانب كثير من الغربيين خروجاً عن سياق الزمن والتاريخ ، بل عدّوه إهانة بالغة للغرب"
دراسات مركز "رصد العقائد" في مدينة " برن " بسويسرا يقول أن أسرع دينا انتشارا في العالم هو الإسلام ، وهذا ما أكده دارسو الأديان والعقائد.
------------
قالت الباحثة الكهنوتية الأمريكية كارول أنوي في كتاب "سر إسلام الأمريكيات" ص180 .
:"الإسلام هو أسرع الأديان انتشاراً في أمريكا الشمالية"
------------
ويقول د. هستون سميث في كتابه " ديانات الإنسان".:
"إن الإسلام في هذا العصر كما في العصور السابقة أسرع الأديان إلى كسب الأتباع المصدّقين".
---------
ويقول المبشر جون تكل
: "الإسلام آخذ في الانتشار رغم أن الجهود التي تبذل في سبيله تكاد تكون في حكم العدم" عن كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" ل.شاتلييه
قال مصطفى غفر الله له:
هذه الثلاثة نقلا عن كتاب الدكتور الدالاتي "ربحت محمدا ولم أخسر المسيح ص 77
رجوعا إلى بيانكا سكارسيا،
تقول في " العالم الإسلامي وقضاياه التاريخية" ص (40-207) :
"إن الشريعة القرآنية تمارس جاذبيتها على ملايين الناس ، فالإسلام يشهد بشكل دائم إقبالاً أكثر على اعتناقه ، ويصعب تفسير تنامي هذه الظاهرة ، في أوروبة خاصة ، إذ أن الإسلام ينحو لأن يُمثل اليوم خياراً بديلاً عن الحضارة الغربية".
ويقول المستشرق هيل في حضارة العرب:
"لا نعرف في تاريخ البشر أن ديناً انتشر بهذه السرعة وغيّر العالم كما فعل الإسلام".
---------
قال المستشرق الألماني Becher. G.H يشهد على سماحة الإسلام:
( فالدين الإسلامي أقام بناءه المذهبي في جو من التفكير الحر، بعكس الدين المسيحي، الذي تمثله كنيسة قائمة على طغمة، أي على نظام تصاعدي، وبيدها خلاص الناس..
ففي الإسلام كان مجال الاختلاف أوسع بكثير منه في المسيحية، لأنه لم يكن به شئ يشبه القاضي الذي يصدر الحكم الفاصل لا استئناف له...).
-----------
يقول العلامة لوزان في كتابه "الله في السماء" :
"ليس محمد نبي العرب وحدهم بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله، وأن دين موسى وإن كان من الأديان التي أساساها الوحدانية، إلا أنه كان قومياً محضاً وخاصا ببني إسرائيل، وأما محمد فقد نشر دينه بقاعدتيه الأساسيتين وهما التوحيد والإيمان بالبعث. وقد أعلن دينه لعموم البشر في أنحاء المسكونة.
ويقول في الكتاب نفسه:
"فرسول كهذا الرسول يجدر باتباع رسالته والمبادرة إلى اعتناق دعوته، إذ أنها دعوة شريفة، قوامها معرفة الخالق، والحث على الخير والردع عن المنكر، بل كل ما جاء به يرمي إلى الصلاح والإصلاح، والصلاح أنشودة المؤمن، هذا هو الدين الذي أدعو إليه جميع النصارى."
---------
وقال شاتليه الفرنسي :
"إن رسالة محمد هي أفضل الرسالات التي جاء بها الأنبياء قبله".
-------------
قال العلامة جان ميكائيليس في كتابه "العرب في آسيا" :
"لم يكن محمد نبي العرب المشعوذ ولا الساحر كما اتهمه السفهاء في عهده، وإنما كان رجلاً ذا حنكة وإدارة وبطولة وقيادة وأخلاق وعقيدة، فلقد دعا لدينه بكل صفات الكمال وأتى للعرب بما رفع فيه شأنهم، ولم نعرف عن دينه إلا ما يتلاءم مع العصور مهما تطورت، ومن يتهم محمداً ودينه بخلاف هذا فإنه ضال عن الطريقة المثلى، وحري بكل الشعوب أن تأخذ بتعاليمه".
وقال المستشرق الألماني ( بلسنر) مارتن، المحاضر في جامعة فرانكفورت...: ( ولا يكاد يوجد شئ من جهود المسلمين في ميدان العلوم لم يتأثر به الغرب بطريق أو بآخر..
لم تكن علوم المسلمين – بطبيعة الحال – العامل الوحيد الذي أدى إلى إحياء العلم في الغرب، فتقاليد العلوم القديمة لم تتلاش تماما وسط الفوضى التي عمت خلال عصر غزوات البرابرة لأوربا، ومع ذلك فمن الصحيح أن علماء المسلمين أعطوا العلم الأوربي قوة دفع جديدة، والأهم من ذلك أن هذا العلم الغربي قد اكتسب مادة أدت إلى إثرائه بدرجة لا نظير لها بفضل الترجمات العربية عن الإغريق، وكذلك بفضل الإنتاج العلمي المستقل للمسلمين أنفسهم..).
------------
يقول البحاثة الكبير لبيب الرياشي اللبناني في كتابه "فلسفة الرسول العربي" صفحة 6 :
ما ندمت على شيء في حياتي ندماً عصبياً ساحقاً مثل ندمي على جهلي نفسية الرسول العربي.(5/199)
أما لو أدرك المسلمون سيرة الرسول بجوهرها، وشرع الرسول بسنائه، وحكم الرسول بجلالها، وإبداع الضمائر الجديدة التي ابتدعها الرسول بجدتها الوضاءة، وعملوا بما أدركوا لكان المسلمون غير هؤلاء المسلمين، ولكان العالم غير هذا العالم.
ثم قال: أما لو درس عشاق الرسول وعشاق العظماء والحكماء والمبدعين غير العرب، بطهارة وجدان وبراءة سريرة، وتحليل عبقري، حياة الرسول العربي، وسمو الرسول العربي وبراءة سريرته وأعماله وشرعه لاستكشفوا أعظم شخصية وأقدس رسالة للتاريخ الإنساني، ولقد طالعت مئات المجلدات وقرأت حياة ألوف العظماء والرسل، ولكن مئات المجلدات وحياة ألوف العظماء والرسل ما فعلت بنفسي وأثرت في دماغي وهذبت وثقفت وأدهشت، مثلما فعلت حياة الرسول العربي العالمي محمد بن عبد الله.
--------------
وقال الأستاذ "دينيس سورا" Saurat, Denis. الأستاذ في جامعة لندن في أول كتابه "تاريخ الأديان A HISTORY OF RELIGIONS" الذي نشره 1933م:
"إن محمداً رسول الإسلام يكاد يكون هو الوحيد الذي نعرفه عن طريق التاريخ من بين عظماء مؤسسي الأديان، إذ أن الخرافات لم تستطع أن تخفيه، وأن دين مواطنيه إبان ظهوره، كان قد هوى إلى أدنى الدركات، أو قل إنه "دين مواطنيه" كان لميماً من بقايا عقائد بدائية"
قال مصطفى غفر الله له:
وهو صاحب كتاب " ميلتون الرجل والمفكر"، " روح فرنسا" "الآداب الفرنسية الحديثة". وغيرها.
-----------
رجوعا إلى آنا ماري شيمل في "سيقهر الماء صم الحجر" ص 63:
"كلا.. إنني لم أجد في القرآن ولا في السنة أي أمر يدعو إلى الإرهاب، أو الاختطاف، أو نص يجيزهما. بل إن مدار الأخلاق في الإسلام هو القاعدة الذهبية"
--------
قالت الشاعرة الهندية ساروجيني نايدو Sarojini Naidu في كتاب "مثاليات الإسلام":
"إن الإسلام أول دين ينادي ويطبق الديمقراطية.. عندما ينادي للصلاة في المسجد ويتجمع المصلون تُطبَّق الديمقراطية خمس مرات في اليوم عندما يركع الفلاح والملِك قائلين "الله أكبر"، وأعجبتني مرارًا تلك الوحدة الإسلامية التي جعلت البشر إخوة بالفطرة".
S. Naidu, "Ideals of Islam," vide Speaches ~ Writings, Madras, 1918, p. 169
قال مصطفى غفر الله له:
طبعا هي تقصد بالديمقراطية العدالة والتضامن والتعاون والوحدة الإسلامية التي عبرت عنها بنفسها،
وحتى إن كانت تقصد الديمقراطية بالمعنى الآيديولوجي فلا لوم عليها، فهي غير مسلمة، والديمقراطية هي أسمى ما وصل إليه فكرهم واجتهادهم.
---------
وقال الفرنسي كارا دو فو Bernard Carra De Vaux في كتابه "المحمدية":
"إن محمداً أتم طفولته في الهدوء، ولما بلغ سن الشباب اشتهر باسم الشاب الذكي الوديع المحمود، وقد عاش هادئاً في سلام حتى بلغ الأربعين من عمره، وكان بشوشا نقياً لطيف المعاشرة". ثم قال:
"إن محمداً كان هو النبي والملهم والمؤسس، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العليا التي كان عليها، ومع ذلك فإنه لم ينظر إلى نفسه كرجل من عنصر آخر، أو طبقة أخرى غير طبقات بقية المسلمين. إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه "محمد" بين أعضاء الجمعية الإسلامية، كان يطبق تطبيقاً عملياً، حتى على النبي نفسه".
-------
رجوعا إلى الكاتب الروسي ليو تولستوي في "من هو محمد؟" يقول:
"إن محمدا هو مؤسس ورسول الديانة الإسلامية التي يدين بها في جميع جهات الكرة الأرضية مائتا مليون نفس".
هذا حسب رؤيته وقتئذ.
وقال: "ولد النبي محمد في بلاد العرب سنة 571 بعد ميلاد المسيح من أبوين فقيرين، وكان في حداثة سنه راعياً وقد مال منذ صباه إلى الانفراد في البراري والأمكنة الخالية، حيث كان يتأمل في الله وخدمته.
إن العرب المعاصرين له، عبدوا أربابا كثيرة، وبالغوا في التقرب إليها واسترضائها، فأقاموا لها أنواع التعبد، وقدموا لها الضحايا المختلفة، ومنها الضحايا البشرية، مع تقدم سن محمد كان اعتقاده يزداد بفساد تلك الأرباب، وأن ديانة قومه ديانة كاذبة، وأن هناك إلهاً واحداً حقيقياً لجميع الشعوب. وقد ازداد هذا الاعتقاد في نفس محمد حتى اعتزم في نفسه أن يدعو مواطنيه إلى الاعتقاد باعتقاده الصحيح الراسخ في فؤاده.
ثم قد دفعه إلى ذلك عامل داخلي هو: إن الله اصطفاه لإرشاد أمته، وعهد إليه هدم ديانتهم الكاذبة، وإنارة أبصارهم بنور الحق، فأخذ من ذلك العهد ينادي باسم الواحد الأحد وذلك بحسب ما أوحى الله إليه، وبمقتضى اعتقاده الراسخ".
وقال: "وفي سني دعوة محمد الأولى، تحمل كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه الاضطهادات لم تثن عزمه، بل ثابر على دعوة أمته، مع أن محمداً لم يقل أنه نبي الله الوحيد بل اعتقد أيضاً بنبوة موسى والمسيح ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً، وقال إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم، بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبياءهم"..(5/200)
"ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظماء الرجال المصلحين، الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية.
وهذا عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا لجدير بالاحترام والإجلال".
يقول " ديوان شند شرمة " في كتابه : " أنبياء الشرق " . طبعة كلكتا ( 1935 ) ص 122 :
" لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة وكان الذين حوله يلمسون تأثيره ولم يغب عنهم أبدا " .
-----------
رجوعا إلى الباحثة الأمريكية جودي آنوي التي أسلمت:
قالت في "سر إسلام الأمريكيات" ص 38 :
"أثناء دراستي للإسلام كانت جميع أسئلتي تجد الإجابة الشافية فنحن لا نُعاقب على خطأ آدم الذي طلب المغفرة من ربه فعفا عنه ربنا الرحيم ، لقد وجدت تعاليم الإسلام تضع كل شيء في إطاره الصحيح ، وتلبي حاجة قلبي وعقلي … إنها تعاليم الفطرة ، فليس فيها غموض"
وقالت في 82-83 :
"لقد استمتعت بالوضوء وبارتداء ملابس الصلاة ، وبأداء الصلاة ، لأني أشعر أنني أقترب أكثر من خالقي … وإن أعظم الحقوق الإسلامية منزلة هو الحجاب ، فإن لي الحق أن ينظر الناس إليّ على أني امرأة ذات أخلاق فاضلة ، لا على أنّي أنثى ، فالحرية الحقيقية أجدها في الحجاب".
قالت في 173:
"إن ربط كل حياتي بالله هو في نظري الجزء المليء بالمعاني في الإسلام فالإسلام يلبّي كل جوانب الحياة ، وأشعر أني قد ولدت مسلمة ، ولكن تربيتي كانت كاثوليكية ، وها قد نجحت الآن ورجعت إلى الإسلام".
----------
يقول جان بول رو في كتابه "الإسلام في الغرب"
" Jean-Paul Roux, " L’Islam en Occident
"إن عودة الإسلام إلى أوربة هي موجة جديدة لن يقدر على وقفها أو الحد منها أية عقيدة أو مبدأ أو دين"
"لم يكن محمداً نبياً عادياً ، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء ، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عادياً من يقسم أنه "لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها" ! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلماً"
الباحث الفرنسي كليمان هوارت عن "محمد في الآداب العالمية المنصفة" ص 142
---------
رجوعا إلى زيجرد هونكه
لكن هذه المرة مع كتابها "الله، ليس كذلك" Allah ist ganz anders ص62-63، ط مؤسسة بفاريا للنشر والإعلام، الطبعة الثانية أبريل 1998، ترجمة غريب محمد غريب قالت:
"وعندما سئلت في إحدى المؤتمرات الإسلامية، مل نصيحتي للمرأة العربية؟
(قلت لهن: إذا أرادت المرأة العربية طي الماضي بخلعها الحجاب، فلا ينبغي عليها أن تتخذ المرأة الأوربية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها، أو أن تهتدي بفكر عقائدي مهما كان مصدره، لأن في ذلك تمكينا جديدا للفكر الدخيل المؤدي إلى فقدها لمقومات شخصيتها، وإنما ينبغي عليها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح، اللاتي عشنه منطلقات من قانون الفطرة التي فطرن عليها، وأن تلتمس العربية لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقا لها، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة المتمثلة في كونها أم جيل الغد العربي، الذي يجب أن ينشأ عصاميا، يعتمد على نفسه)"
----------
قال عالم الفلسفة اللاهوتية أوليفروس من كولونيا في رسالته إلى السلطان الكامل سنة 1221:
نقلا عن كتاب زجريد هونكة "الله ليس كذلك" ص 25
" منذ تقادم العهود، لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود، خاصة إزاء أسرى العدو اللدود، ولما شاء الله أن تكون أسراك، لم نعرفك مستبدا طاغية، ولا سيدا داهية، وإنما عرفناك أبا رحيما شملنا بالإحسان والطيبات، وعونا منقذا في كل النوائب والملمات. ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة في أن مثل هذا الجود والتسامح والرحمة من عند الله.. إن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأذقانهم مر العذاب، لما غدونا أسراهم وكدنا نموت جوعا، راحوا يؤثروننا على أنفسهم على ما بهم خصاصة، وأسدوا إلينا كل ما استطاعوا من إحسان، بينما كنا تحت رحمتهم لا حول لنا ولا سلطان"
قال المستشرق الفرنسي المسلم " ناصر الدين رينه " : وكان النبي يعنى بنفسه عناية تامة ، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة ، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال ، وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن يروق الخالق سبحانه وتعالى
ومع هذا كان يحزم بشدة التغالي في الملبس ، وعلى الخصوص لبس الحرير؟ حتى لا يتيح للأغنياء فرصة التعالي على الفقراء
----------
وقال جوستاف لوبون ـ العبارة الأصلية "هوس " وهو يقصد بذلك الحماسة والاندفاع ـ بعد أن نقل أوصاف الرسول من المصادر الإسلامية(5/201)
ويضاف إلى الوصف السابق ما رواه مؤرخو العرب الآخرون من أن محمدا كان شديد الضبط لنفسه ، كثير التفكير ، صموتا ، حازما ، سليم الطوية ، عظيم العناية بنفسه ، مواظبً على خدمتها بالذات حتى بعد اغتنائه
وكان محمد صبوراً قادرا على احتمال المشاق ، ثابتاً ، بعيد الهمة ، لين الطبع ، وديعاً ، فذكر أحد خدمه أنه ظل عنده ثماني عشرة سنة فلم يعزره قط في تلك المدة ولو مرة واحدة
وكان محمد مقاتلاً ماهراً ، فكان لا يهرب أمام المخاطر ، ولا يلقي بيديه إلى التهلكة ، وكان يعمل ما في الطاقة لإنماء خلق الشجاعة والإقدام في بني قومه
"حضارة العرب " ترجمة عادل الزعيتر
ولا يقف أي قول بخداع محمد ثانية أمام سلطان النقد ، ومحمد كان يجد في حماسه ما يحفزه إلى اقتحام كل عائق ، ويجب على من يود أن يفرض إيمانه على الآخرين أن يؤمن بنفسه قبل كل شيء ، ومحمد كان يعتقد أنه مؤيد من الله فيتقوى فلا يرتد أمام أي مانع
وجَمع محمد قبل وفاته كلمة العرب ، وخلق منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد ، فكانت في ذلك آيته الكبرى
ومهما يكن الأمر ، فان مما لا ريب فيه أن محمداً أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام ومنها اليهودية والنصرانية ؟ ولذلك كان فضل محمد على العرب عظيما ، ويتجلى هذا الفضل العظيم في جواب رسل عمر بن الخطاب إلى كسرى حين سألهم عن أعمال النبي ، قال أولئك الرسل
فأما ما ذكرت من سوء حالنا فما كان أحد أسوأ حالا منا ، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات ، فكنا نرى ذلك طعامنا ، وأما المنازل ، فكانت ظهر الأرض ، ولم نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ، كان ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً ويغير بعضنا على بعض ، وكان أحدنا يدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا ، فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرنا لك ، فبعث الله إلينا رجلا معروفاً نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده ، فأرضه خير أرضنا ، وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا ، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه ، فما قال لنا فهو قول الله ، وما أمرنا فهو أمر الله ، فقال لنا : إن ربكم يقول : إني أنا الله وحدي لا شريك لي ، كنت إذ لم يكن شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهي ، وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء ، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ، ولأحلكم داري دار السلام ، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق
وإذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم من عرفهم التاريخ ، وأخذ بعض علماء الغرب ينصفون محمداً مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخيهم عن الاعتراف بفضله
--------------
قال العلامة بارتلمي سنت هيلر : كان محمد أكثر عرب زمانه ذكاء ، وأشدهم تديناً ، وأعظمهم رأفة ، ونال محمد سلطانه الكبير بفضل تفوقه عليهم ، ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته
--------------
وقال كارليل : " لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد ممدن في هذا العصر أن يصغي إلى ما يظهر من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمدا خداع مزور ، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنا لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا ، أكان أحدهم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائتة الحصر أكذوبة وخدعة ؟ ، أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً ، فلو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول ، فما الناس إلا بله ومجانين ، وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة ، كان الأولى بها أن تخلق "
وما نظن أكبر محب للرسول يقول فيه وفي دعوته عن طريق المنطق أحسن من هذا
----------
وقال تولستوي الحكيم الروسي : " ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية ، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام "
-------------
وقال وليم موير في كتابه "سيرة محمد" : " امتاز محمد بوضوح كلامه ويسر دينه ، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول ، ولم يعهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس ، وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة ، في زمن قصير كما فعل محمد "
-----------(5/202)
ويؤخذ مما قاله لين بول : " إن محمداً كان يتصف بكثير من الصفات الحميدة كاللطف والشجاعة ومكارم الأخلاق ، حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يثار بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر ، ودون أن يكون هذا الحكم صادرا عن غير ميل أو هوى ، كيف لا وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته أعواما ، فلم يهن له عزم ، ولا ضعفت له قوة ، وبلغ من نبله أنه لم يكن في حياته البادئ بسحب يده من يد مصافحه ، حتى ولو كان المصافح طفلا ، وأنه لم يمر بجماعة يوما ، رجالا كانوا أو أطفالا دون أن يقرئهم السلام ، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة ، وفي فيه نغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر سامعها ، وتجذب القلوب إلى صاحبها جذبا "
ومما قاله أيضا : " إن كثيراً من كتاب التراجم والسير من الأوربيين الذين تناولوا الكلام على سيرة محمد لم يتعففوا عن أن يشوهوا هذه السيرة بما أدخلوه عليها من افتراءات وادعاءات ، كاتهاماتهم إياه بالقسوة وارتكاب الموبقات والانهماك في الشهوات ، وأنه كان دجالا دعيًّا وطاغية متعطشا لسفك الدماء "
-----------
وعلل مونتيه طعن بعض الغربيين على الرسول بقوله : " كثيراً ما حكمت عليه الأحكام القاسية ، وما ذلك إلا لأنه ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثله ، وأن ما قام به من إصلاح الأخلاق وتطهير المجتمع ، يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية "
وقال : " لا مجال للشك في إخلاص الرسول وحماسته "
------------
قال جان جاك روسو في القرن الثامن عشر: " من الناس من يتعلم قليلا من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ، ولو أنه سمع محمداً يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة ، وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب ، ورآه يؤكد أحكامه بقوة البيان ، لخر ساجداً على الأرض وناداه : أيها النبي رسول الله خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار ، أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نود الموت أو الانتصار "
--------------
وقال كارلايل أيضا : " إن فرط إعجاب المسلمين بالقران وقولهم بإعجازه أكبر دليل على تباين الأذواق في الأمم المختلفة ، والترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة وحسن الصياغة "
-------------
وجاهر كلود فارير في القرن العشرين بأن : " آيات القرآن جميلة وتحسن تلاوتها ، فيها نفحة طاهرة عجيبة ، لأنها تأمر بالشجاعة والصدق والأمانة ، وتدعو إلى حماية الضعيف إلى عبادة إله واحد "
-------------
وقالت لورافيشيا فاعليري ـ أستاذة اللغة العربية وتاريخ الحضارة الإسلامية في جامعة نابولي بإيطالية ـ : " وحاول أقوى أعداء الإسلام ـ وقد أعماهم الحقد ـ أن يرموا نبي الله ببعض التهم المفتراة ، لقد نسوا أن محمداً كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته ، ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد على تهديد الكاذبين والمرائين ، في بعض آيات القرآن اللاسعة ، بنار الجحيم الأبدية لو كان هو قبل ذلك رجلا كذاباً ، كيف يجرؤ على التبشير ، على الرغم من إهانات مواطنيه ، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه ـ وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة ـ حثا موصولاً ؟؟ كيف استطاع أن يستهل صراعا كان يبدو يائساً ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات في مكة في نجاح قليل جذا وفي أحزان لا تحصى ، إذا لم يكن مؤمنا إيمانا عميقاً بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء ، وأن يؤازروه ، ويدخلوا الدين الجديد ، ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء ، والضعفاء ، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلماته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك ، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد كان عميقا وأكيدا "
http://www.khayma.com/nuzhatalmutaqi...amed/moh2.html
-------------
قال المسلم الإسباني فرانشيسكو كوديرا .
"الإسلام قادم رغم كل العقبات ، لكنه يحتاج إلى دعاة حقيقيين يقدمون تعاليمه بالحب والعمل".
يقول المسلم جون وبستر : "يظهر أن الغرب المسيحي قد تآمر منذ الحروب الصليبية على التزام الصمت تجاه محاسن الإسلام، وحاول تشويه مبادئه بطريقة متعمدة"
.عن "محمد في الآداب العالمية المنصفة" محمد عثمان ص59 .
يقول روم لاندو في "الإسلام والعرب" ص126:
" وكان موقف صلاح الدين معاكساً للمذابح التي ارتكبها النصارى فأطلق الأسرى وقدم الهبات للأرامل واليتامى".
نقول عالمة الاجتماع المسلمة ديانا روتنشتوك :
"إن أهل أوربة في أمسِّ الحاجة إلى الإسلام ، ولكن الوضع السياسي حالياً يشوّه الإسلام".
عن حوارات مع مسلمين أوربيين للدكتور عبد الله الأهدل ص75.
يقول المفكر المسلم علي عزت بيغوفيتش في كتابه الفريد "الإسلام بين الشرق والغرب"(5/203)
: "إن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا من نظامه ولا من عبادته ، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه ! من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني … من قوة النفس في مواجهة محن الزمان … من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به القدَر … من حقيقة التسليم لله … إنه استسلام لله …والاسم : إسلام" اهـ
يقول فون هامر في مقدمة ترجمته للقرآن:
"القرآن ليس دستور الإسلام فحسب ، وإنما هو ذروة البيان العربي ، وأسلوب القرآن المدهش يشهد على أن القرآن هو وحي من الله ، وأن محمداً قد نشر سلطانه بإعجاز الخطاب ، فالكلمة لم يكن من الممكن أن تكون ثمرة قريحة بشرية"
ويقول الكونت كاتياني في كتابه "تاريخ الإسلام" :
"أليس الرسول جديراً بأن تقدَّم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب والسلام، وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها ، فتاريخ عيسى وما ورد في شأنه في الإنجيل لا يشفي الغليل" .
ويقول الأمير البريطاني تشارلز في محاضرة "الإسلام والغرب" التي ألقاها في مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993 . :
"إن الإسلام يمكن أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم ، الأمر الذي فقدته المسيحية ، فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة ، والدين والعلم ، والعقل والمادة".
يقول المستشرق بارتلمي سانت هلر:
"إن دعوة التوحيد التي حمل لواءها الإسلام ، خلصت البشرية من وثنية القرون الأولى"
عن كتاب "مقدمات العلوم والمناهج" "8 / 119" لأنور الجندي .
رجوعا إلى نيتشه:
"لقد ديست بالأقدام تلك المدنية العظيمة في الأندلس ! ولماذا ؟ لأنها نشأت من أصول رفيعة ، ومن طباع شريفة ، نعم من رجال الإسلام . إن المدنية الإسلامية لم تتنكر يوماً للحياة"
عن كتاب ظلام من الغرب للغزالى ص 140
-------------
ويقول البروفسور غريسيب ، مدير جامعة برلين :
"أيها المسلمون ما دام كتابكم المقدس عنوان نهضتكم موجوداً بينكم ، وتعاليم نبيكم محفوظة عندكم ، فارجعوا إلى الماضي لتؤسسوا المستقبل".
عن كتاب "هكذا كانوا يوم كنا د. حسان شمسي باشا ص9 .
نقلا عن الدكتور الدالاتي ص 130
يقول جورج سارتون:
"المسلمون عباقرة الشرق ، لهم مأثرة عظمى على الإنسانية ، تتمثل في أنهم تولّوا كتابة أعظم الدراسات قيمة ، وأكثرها أصالة وعمقاً ، مستخدمين اللغة العربية التي كانت بلا مراء لغة العلم للجنس البشري.. لقد بلغ المسلمون ما يجوز تسميته "معجزة العلم العربي""
نفس المرجع السابق ص8 .
-------------
ويقول روم رولان :
"تفرد العلم الإسلامي بأنه لم ينفصل عن الدين قط ، والواقع أن الدين كان ملهمه وقوته الدافعة الرئيسة، ففي الإسلام ظهر العلم لإقامة الدليل على الألوهية".
---------
ونرجع إلى جوستاف لوبون ونعيد وكتابه حضارة العرب ص26 – 276 – 430 – 566 .:
"إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية ، فلقد كان العرب أساتذتنا … وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب ، فهم الذين مدّنوا أوربة مادة وعقلاً وأخلاقاً ، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه … إن أوربة مَدينة للعرب بحضارتها … والحق إن أتباع محمد كانوا يذلّوننا بأفضلية حضارتهم السابقة ، وإننا لم نتحرر من عقدتنا إلا بالأمس ! وإن العرب هم أول من علّم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين … فهم الذين علّموا الشعوب النصرانية وإن شئت فقل حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان … ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبة … ".
----------
وتقول الدكتورة لويجي رينالدي :
".. لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا ، تقدمنا إلى العرب ومددنا إليهم أيدينا لأنهم كانوا الأساتذة الوحيدين في العالم"
عن "مقدمات العلوم والمناهج" أنور الجندي 7/141
---------------
وقال المستشرق بارتلمي سانت هلر مرة أخرى:
قد أمر الإسلام بخمس صلوات في اليوم ليضطر الإنسان للتخلي عن اشتغالاته المادية لحيظات في اليوم، ليرتفع خلالها إلى مولاه، وأمر ألا تجعل العبادة موجهة لأغراض ذاتية فإن الله أعلم بما هو أصلح لنا.. ثم إن محمداً بتحريمه الصور في المساجد وكل ما يمثل الله قد خلص الفكر الإنساني من وثنية القرون الوسطى الخشنة، واضطر الإنسان بهذه الصورة أن يرجع إلى نفسه، وأن يبحث عن الله خالقه في صميم روحه، وأن يرتفع إليه عقب ذلك بالعبادة القلبية المملوءة بالاحترام والشكر والحب.
------------
وقال الأستاذ ماسينيون:(5/204)
" إن لدى الإسلام من الكفاية ما يجعله يتشدد في تحقيق فكرة المساواة وذلك بفرض زكاة يدفعها كل فرد لبيت المال والإسلام يناهض الديون الربوية والضرائب غير المباشرة التي تفرض على الحاجات الأولية الضرورية ويقف في الوقت نفسه إلى جانب حقوق الوالد والزوج ويشجع الملكية الفردية ورأس المال التجاري وبذا يحل الإسلام مرة أخرى مكاناً وسطاً بين نظريات الرأسمالية البرجوازية ونظريات البلشفية الشيوعية
-----------
قال مستر هراس ليف الكاتب الإنكليزي في مقال له نشر في المجلة الإسلامية الإنكليزية
"ما كان شيء في العالم ليقضي بأن أي دين من الأديان يدعو إلى المساواة بين الناس ولو أن بعضها يتظاهر بهذه الدعوى فقد زرت كثيراً من الكنائس والمعابد مرات فرأيت التفريق بين الطبقات داخل المعابد كما هو موجود خارجها وكان اعتقادي بالطبع إن الأمر لا بد كذلك داخل المساجد الإسلامية ولكن ما كان أشد دهشتي حينما رأيت الشعور بالمساواة على أتمه بين المسلمين في عيد الفطر في مسجد ( ووكبخ) هنالك وجدت أناساً مختلفين على اختلافهم في المراتب اختلافاً يمكن أن تسميه بحق أخوياً ولم أكن شاهدت مثل ذلك , ترى في المسجد نوبياً من بلاد ممباسه يصافح عظيماً من رجال الأعمال المصريين أو سياسياً من بلاد العرب وقد ارتفعت الكلفة من بينهم جميعاً فلا يأنف أحدهم مهما عظم قدره من أن يجاوره في الصلاة أقل الناس شأناً منه وإنك لا تجد أقل محاولة لتخطي الصفوف إلى مكان بالمسجد لأنه ليس هناك أي مكان ممتاز فالكل عند الله سواء لا فضل لأحد على أحد وإنك حين تتحدث إلى قوم مختلفي الأجناس تجد من الود الخالص والثقة التامة ما تعجب به كأنك واحد منهم فيدفعك ذلك إلى الاعتقاد بأن الدين يمكن أن يكون وسيلة لإزالة جميع الموانع التي تفرق بين الإنسان وأخيه الإنسان ."
ويقول المستر ليونارد:
"علينا أن نعترف بأن أوربا المسيحية بذلت كل ما في وسعها في جميع القرون الماضية لتخفي فضل الإسلام عليها ولكنها لم تفلح ولن تفلح"
عن كتاب الإسلام الدين الفطري الأبدي للطرازي ص 229
-----------
يقول يوهان غوته فيقول : "يسوع كان طاهر الشعور ولم يؤمن إلا بالله الواحد الأحد ، ومن جعل منه إلهاً فقد أساء إليه ، وهكذا فإن الحق هو ما نادى به محمد"
من قصيدة "هذه الأسماط من اللآلئ" غوته ، نقلاً عن "غوته والعالم العربي" كاتارينا مومزن ص 255
وقال في ص 257
"تريدين أن تُقدمي إلي هذه الصورة البائسة للمصلوب على الخشب على أنه الله"
نقلت ذلك من كتاب الدالاتي "ربحت محمدا ولم أخسر المسيح"
ويقول غوته : "إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة … فالقرآن كتاب الكتب ، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم … وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي … ولما بلغ غوته السبعين من عمره أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بليلة القدر التي أنزل فيها القرآن على النبي محمد، ولما أبصر غوته ريشة طاووس بين صفحات القرآن هتف : "مرحباً بك في هذا المكان المقدس ، أغلى كنز في الأرض"
نفس الكتاب "جوته والعالم العربي" كاتارينا مومزن (177-188-261) .
وقال : "درست تاريخ الأديان على مدى خمسين عاماً ، وإن العقيدة التي يُربّى عليها المسلمون لتدعو لأعظم دهشة!! إذ تقوم على أساس الإيمان بأنه لن يصيب الإنسانَ إلا ما كتبه الله له ، وإنه ما من شيء ينقص هذه العقيدة ، ولن يكون بإمكان أي امرئ أن يتجاوزها … إن الإسلام هو الدين الذي سنقرّ به جميعاً إن عاجلاً أو آجلاً … وأنا لا أكره أن يقال عني أني مسلم"
نفس المصدر 223 – 226 .
ويقول غوته كذلك:
"ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد".
عن كتاب شمس الله تشرق على الغرب ص 465
--------------
يقول الدكتور إيرنبرج أستاذ في جامعة أوسلو
"لا أجد صعوبة في قبول أن القرآن كلام الله ، فإن أوصاف الجنين في القرآن لا يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع ، الاستنتاج الوحيد المعقول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله. "
وقال المفكر الفرنسي" أوجين بوغ
"... نعترف نحن الأوربيين أنه لا يمكننا في أية حال أن نجزي – يعني المسلمين – جزاؤهم الأوفى فإنهم الأساتذة الذين تلقينا عنهم العلوم وعلاوة على ذلك، فقد علمَنا العربُ دروساً في التسامح والكرم فإنهم لم يرغموا الشعوب على تغيير معتقدهم الديني وأن من يمتزج بالمسلمين يتأكد من أنهم يحملون قلوباً بيضاء سليمة"
----------
رجوعا إلى برناردشو
قال: "لقد وضعت دائماً دين محمد موضع الاعتبار السامي بسبب حيويته المدهشة، فهو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز أهلية الهضم لأطوار الحياة المختلفة، بحيث يستطيع أن يكون جذاباً لكل جيل من الناس.(5/205)
لا مشاحة في أن العالم يعلق قيمة كبيرة على نبوءات كبار الرجال، ولقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوروبا غداً. وقد بدأ يكون مقبولاً لديها اليوم. لقد صور أكليروس القرون الوسطى الإسلام بأحلك الألوان، إما بسبب الجهل أو بسبب التعصب الذميم، ولقد كانوا في الواقع يربون على كراهية محمد ، وكراهية دينه، وكانوا يعتبرونه خصماً للمسيح.
ولقد درسته باعتباره رجلاً مدهشاً، فرأيته بعيداً عن مخاصمة المسيح بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية وإني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثله قيادة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة اللذين هو في أشد الحاجة إليهما.
ولقد أدرك في القرن التاسع عشر مفكرون أمثال (كارلايل) و(جوته) و(جيبون) القيمة الذاتية لدين محمد وهكذا وجد تحول حسن في موقف أوروبا من الإسلام، ولكن أوروبا في القرن الراهن تقدمت في هذا السبيل كثيراً، فبدأت تعشق دين محمد ، وفي القرن التالي، ربما ذهبت إلى أبعد من ذلك فتعترف بفائدة هذه العقيدة في حل مشاكلها، فبهذا الروح يجب أن تفهموا نبوءتي. وفي الوقت الحاضر كثيرون من أبناء قومي ومن أهل أوروبا قد دخلوا في دين محمد حتى ليمكن أن يقال أن تحول أوروبا إلى الإسلام قد بدأ
------------
قال الشيخ محمد علي السايس في كتابه "تاريخ الفقه الإسلامي" ص 150
قرر مؤتمر القانون المقارن الذي عقد في مدينة لاهاي في جمادة الآخرة 1356 هـ آب عام 1937 م
ومثل الأزهر فيه مندوبان من كبار علمائه حاضرا عن المسؤولية الدينية في الإسلام ونفي أية علاقة بين القانون الروماني والشريعة الإسلامية
قرر المؤتمر بالإجماع ما يلي:
1. اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع العام
2. اعتباره حية صالحة للتطور
3. اعتباره شريعةً قائمة بذاتها، ليس مأخوذة من غيرها.
4. تسجيل البحث الأول في سجل المؤتمر باللغة العربية واعتباره بين لامجموعة العلمية التي تدخر للرجوع إليها.
----------
يقول الأديب الإنكليزي جوني لوركس
"لم نعلم مما جاءنا من التاريخ الصحيح أن محمداً نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم، تسربل بأي رذيلة مدة حياته".
قول العالم الهندي: ت. ل. قسوائي
"إليك يا محمد أقدم إجلالي وتعظيمي بكل خضوع وتكريم، إليك أطأطئ رأسي، فإنك حقاً رسول من عند الله، وإن قوتك العظيمة كانت مستمدة من عالم الغيب الأزلي الأبدي".
يقول البروفسور "رينولد نيكلسون" في كتابه "التاريخ الأدبي للعرب"
"القرآن الكريم وثيقة إنسانية رائعة ، توضح بدقة سر تصرفات محمد في جميع أحداث حياته ، حتى إننا لنجد فيه مادة فريدة لا تقبل الشك أو الجدل ، نستطيع خلالها أن نتتبع سير الإسلام منذ نشأته وظهوره في التاريخ المبكر ، وهذا ما لا تجد له مثيلاً في البوذية أو المسيحية أو أي دين من الأديان القديمة .." .
---------
يقول الدكتور إيزكو انساباتو :
"إن الشريعة الإسلامية تفوق في كثير من بحوثها الشرائع الأوربية ، بل هي تعطي للعالم أرسخ الشرائع ثباتاً"
----------
رجوعا إلى "ويلز" وكتابه "معالم تاريخ الإنسانية" :
يقول: "إن أوروبة مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية .." .
--------------
وقال "بريفولت" في كتابه "تكوين الإنسانية" :
" العلم هو أعظم ما قدمت الحضارة الإسلامية إلى العالم الحديث ، ومع أنه لا توجد ناحية واحدة من نواحي النمو الأوروبي إلا ويلحظ فيها أثر الثقافة الإسلامية النافذ … وهذه الحقائق مؤداها أن الإسلام بناء حضاري .." .
------------
وقال بروفيسور جارسان دي تاسي في كتابه "الإسلام":
"إن محمداً رسول الإسلام ولد في حضن الوثنية، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة انزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة، وإخلاصاً ونية حسنة غير عاديين، إلى درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم "الأمين".
ويقول العلامة "شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فينا" في مؤتمر الحقوق سنة 1927 :
"إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد صلى الله عليه وسلم إليها ، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة" .
---------
ويقول "أدموند بيرك" :
"إن القانون المحمدي قانون ضابط للجميع من الملك إلى أقل رعاياه ، وهذا القانون نسج بأحكم نظام حقوقي ، وشريعة الإسلام هي أعظم تشريع عادل لم يسبق قط للعالم إيجاد نظام مثله ، ولا يمكن فيما بعد .." .
-------------
قال القانوني الكبير "فمبري" :
"إن فقه الإسلام واسع إلى درجة أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانكم وبلادكم ."
----------
وقال "سيديلوت" في كتابه "تاريخ العرب" :(5/206)
"كان المسلمون في القرون الوسطى متفردين في العلم والفلسفة والفنون ، وقد نشروها أينما حلت أقدامهم ؛ وتسربت عنهم إلى أوروبة ، فكانوا سبباً لنهضتها وارتقائها .."
يقول الياس أبو شبكة في كتابه" روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة":
" إن زوال الحضارة العربية كان شؤما على أسبانيا وأوربا , فالأندلس لم تعرف السعادة إلا في ظل العرب, وحالما ذهب العرب حل الدمار محل الثراء والجمال والخصب..".
----------
ويقول الدكتور عبد الكريم جرمانيوس الأستاذ في جامعة بودابست
" إن الإسلام دين الأذهان المستنيرة وانا أعرف في بلادي وفي أوروبا رجالا مستنيرين في أرفع الأسر يحترمون الإسلام ويوشكون ان يتخذوه دينا ولو في سرائرهم."
نقل مصطفى غفر الله له:
الحاج عبد الكريم جرمانوس مستشرق مجريّ وعالِم، طبقت شهرته آفاق العالم. وُلد في بودابست، وتعلّم اللّغات الغربيّة: اليونانيّة، والّلاتينيّة، الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والإيطاليّة، والمجريّة، ومن اللّغات الشرقيّة: الفارسيّة والأورديّة، وأتقن العربيّة والتركيّة على أستاذيه: فامبيري، وغولد زيهر اللّذين ورث عنهما ولَعهما بالشرق الإسلاميّ. ثمّ تابع دراستهما بعد عام 1905م في جامعتي استانبول وفينّا. وصنّف كتاباً بالألمانيّة عن الأدب العثمانيّ (1906)، وآخر عن تاريخ أصناف الأتراك في القرن السابع عشر ، فنال عليه جائزة مكّنته من قضاء فترة مديدة في لندن، حيث استكمل دراسته في المتحف البريطانيّ.
وفي عام 1912م عاد إلى بودابست، فعُيِّن أستاذاً للّغات العربيّة والتركيّة والفارسيّة، وتاريخ الإسلام وثقافته في المدرسة العليا الشرقيّة. ثمّ في القسم الشرقيّ من الجامعة الاقتصاديّة، ثمّ أستاذاً ورئيساً للقسم العربيّ في جامعة بودابست (1948)، وظلّ يقوم فيه بتدريس اللّغة العربيّة، وتاريخ الحضارة الإسلاميّة، والأدب العربي قديمه وحديثه، محاولاً إيجاد حلقات اتصال بين نهضات الأُمم الإسلاميّة الاجتماعيّة والسيكولوجيّة، حتّى أُحيل على التقاعد (1965).
ودعاه "طاغور" إلى الهند أستاذاً للتاريخ الإسلاميّ، فعلمه في جامعات دلهي، ولاهور، وحيدر آباد (1929ـ1932)، وهناك أشهر إسلامه في مسجد دلهي الأكبر، وألقى خطبة الجمعة، وتسمّى ب "عبد الكريم". وقدم القاهرة وتعمّق في دراسة الإسلام على شيوخ الأزهر، ثمّ قصد مكّة حاجّاً وزار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وصنّف في حجّته كتابه: الله أكبر، وقد نُشر في عدّة لغات (1940)، وقام بتحرِّيات علميّة (1939ـ1941) في القاهرة والسعوديّة نشر نتائجها في مجلّدين: شوامخ الأدب العربي (1952)، ودراسات في التركيبات اللّغوية العربيّة (1954).
وربيع عام 1955 عاد ليقضي بضعة أشهر في القاهرة والإسكندريّة ودمشق بدعوة من الحكومة ليحاضر بالعربيّة عن الفكر العربيّ المعاصر، وعن صور من الأدب المجريّ، ثمّ رجع إلى الشرق العربيّ في شتاء 1958، لاستكمال مصادر كتابه الجديد عن أدبائه المعاصرين. والذي صدرت بعض فصوله، وفيها قصص الكتّاب المعاصرين. وقد انتخب عضواً في المجمع الإيطالي(1952)، ومراسلاً للمجمع اللّغويّ بالقاهرة (1956)، وفي المجمع العلميّ العراقي (1962).
إرهاصات اعتناقه الإسلام
يروي الدكتور "عبد الكريم جرمانوس" خلفيّات اهتدائه إلى الإسلام فيقول: "كان ذلك في عصر يوم مطير، وكنتُ ما أزال في سنّ المراهقة، عندما كنتُ أقلِّب صحائف مجلّة مصوّرة قديمة، تختلط فيها الأحداث الجارية مع قصص الخيال، مع وصف لبعض البلاد النائية؛ بقيت بعض الوقت أقلِّب الصحائف في غير اكتراث إلى أن وقعت عيني فجأة على صورة لوحة خشبيّة محفورة استرعت انتباهي، كانت الصورة لبيوت ذات سقوف مستوية تتخلّلها هنا وهناك قباب مستديرة ترتفع برفق إلى السماء المظلمة التي شقّ الهلال ظلمتها..
ملكت الصورة عليَّ خيالي.. وأحسستُ بشوق غلاّب لا يقاوم إلى معرفة ذلك النور الذي كان يُغالب الظّلام في اللّوحة.. بدأتُ أدرس اللّغة التركيّة، ومن ثمّ الفارسيّة فالعربيّة. وحاولتُ أن أتمكّن من هذه اللّغات الثلاث حتّى أستطيع خوض هذا العالم الروحيّ الذي نشر هذا الضوء الباهر على أرجاء البشريّة".
وفي إجازة صيف كان من حظّه أن يُسافر إلى البوسنة وهي أقرب بلد شرقيّ إلى بلاده. وما كاد ينزل أحد الفنادق حتّى سارع إلى الخروج لمشاهدة المسلمين في واقع حياتها.. حيث خرج بانطباع مُخالف لما يُقال حول المسلمين.. وكان هذا هو أوّل لقاء مع المسلمين. ثمّ مرّت به سنوات وسنوات في حياة حافلة بالأسفار والدراسات، كان مع مرور الزّمن تتفتّح عيونه على آفاق عجيبة وجديدة.
ورغم تطوافه الواسع في دنيا الله، واستمتاعه بمشاهدة روائع الآثار في آسيا الصغرى وسوريا، وتعلّمه اللّغات العديدة وقراءاته لآلاف الصفحات من كتب العلماء، قرأ كلّ ذلك بعين فاحصة: "ورغم كلّ ذلك فقد ظلّت روحي ظمأى" كما يقول.(5/207)
أثناء وجوده في الهند، وفي ذات ليلة رأى ـ كما يرى النائم ـ كأنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه بصوت عطوف: "لماذا الحيرة؟ إنّ الطريق المستقيم أمامك مأمون ممهّد مثل سطح الأرض. سرْ بخطى ثابتة وبقوّة الإيمان".. وفي يوم الجمعة التالية، وقع الحدث العظيم في مسجد الجمعة في دلهيّ.. حينما أشهر إسلامه على رؤوس الأشهاد..
وعن تلك اللّحظات المفعمة بالأحاسيس يتذكّر "الحاج عبد الكريم جرمانوس" فيقول: "كان التأثّر والحماس يعمّان المكان، ولا أستطيع أن أتذكّر ماذا كان في ذلك الحين.. وقف الناس أمامي يتلقّفونني بالأحضان. كم من مسكين مجهد نظر إليَّ في ضراعة، يسألني "الدعوات" ويريد تقبيل رأسي، فابتهلتُ إلى الله أن لا يدع هذه النفوس البريئة تنظر إليِّ وكأنِّي أرفع منها قدراً، فما أنا إلاّ حشرة من بين حشرات الأرض، أو تائه جادّ في البحث عن النور، لا حول لي ولا قوة، مثل غيري من المخلوقات التعيسة.. لقد خجلتُ أمام أنّات وآمال هؤلاء الناس الطيِّبين.. وفي اليوم التالي وما يليه كان الناس يفدون عليَّ في جماعات لتهنئتي،ونالني من محبّتهم وعواطفهم ما يكفيني زاداً مدى حياتي.
من آثاره
إضافة إلى ما ورد في ثنايا البحث، من عناوين مؤلّفاته، فقد ترك تراثاً علميّاً زاخراً بالعمق والتنوّع: قواعد اللّغة التركيّة (1925)، والثورة التركيّة، والقوميّة العربيّة (1928)، والأدب التركيّ الحديث (1931)، والتيّارات الحديثة في الإسلام(1932)، واكتشاف الجزيرة العربيّة وسوريا والعراق وغزوها (1940)، ونهضة الثقافة العربيّة (1944)، ودراسات في التركيبات اللّغويّة العربيّة (1954)، وابن الروميّ (1956)، وبين المفكِّرين (1958)، ونحو أنوار الشرق، ومنتخب الشعراء العرب (1961)، وفي الثقافة الإسلامية، وأدب المغرب (1964)،
-----------
يقول موريس بوكاي
في كتابه "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ص 222
"بالنظر إلى مستوى المعرفة في أيام محمد فإنه لا يمكن تصور الحقائق العلمية التي وردت في القرآن على أنها من تأليف بشر. لذا فمن الإنصاف تمامأ أن لا ينظر فقط إلى القرآن على أنه التنزيل الإلهي فحسب بل يجب أن تعطى له منزلة خاصة جداَ للأصالة التي تقدمها المعطيات العلمية التي وردت فيه والتي إذا ما درست اليوم تبدو وكأنها تتحدى تفسير البشر"
وقال في " القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم"، ص 150.
"لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة باحثًا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف، قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعًا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ولكن معرفتي كانت وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل. أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخًا في عصرنا. وأما بالنسبة للأناجيل.. فإننا نجد نصّ إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا ، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمرًا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض"
وفي ص 145، قال:
"لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية. فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحدّ من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقته تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة"
".. تناولتُ القرآن منتبهًا بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي. أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرة والتي لم يكن ممكنًا لأي إنسان في عصر محمد أن يكون عنها أدنى فكرة..".
وقال في ص 150:
".. كيف يمكن لإنسان – كان في بداية أمره أمّيًا -.. أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكونها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة"
----------
يقول دوقلس أرثر :(5/208)
" لو أحسن عرض الإسلام على الناس لأمكن به حل كافة المشكلات ، ولأمكن تلبية الحاجات الاجتماعية والروحية والسياسية للذين يعيشون في ظل الرأس مالية والشيوعية على السواء ، فقد فشل هذان النظامان في حل مشكلات الإنسان ، أما الإسلام فسوف يقدم السلام للأشقياء ، والأمل والهدى للحيارى والضالين ، وهكذا فالإسلام لديه أعظم الإمكانيات لتحدي هذا العالم وتعبئة طاقات الإنسان لتحقيق أعلى مستوى من الإنتاج والكفاية ".
يقول سنرستن الآسوجي :
"إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ"
-------------
يقول بورنز ايدوارد:
" إن عظمة الحضارة الإسلامية وأهميتها لا ترجع إلى أنها فقط بدين جديد آمن به الملايين من الناس في أماكن متعددة ومتفرقة – وإنما فيما أحدثته أيضاً من تغيرات اجتماعية وسياسية كثيرة ، نتج عنها ثراء فكري وتراث حضاري لم يسبق له مثيل . وقد تضمنت الحضارة الإسلامية الآداب والخلاق والفلسفة والمنطق كما كانت ذات تأثير خاص في الحياة السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية "
Burns Edwared in "western civlization" W .W – morton Scompany New York 1973
---------
رجوعا إلى ديكارت:
يقول في كتاب مبادئ الفلسفة:
" على أي معنى يمكن القول بأن من جهل الله فلن يستطيع أن يعرف شيئا آخر معرفة يقينية "
ويقول أيضاً :
" في إمكان إثبات وجود الله من أن ضرورة الكينونة أو الوجود متضمنة في تصورنا له ، بمعنى أن من تصور الوجود الضروري الأبدي متضمناً في فكرته عن الوجود الكامل إطلاقاً لزم أن يستنتج أن هذا الوجود الكامل بإطلاق موجود حقاً" .
ويقول أيضاً : " في أن آجالنا في حياتنا كافية وحدها لإثبات وجود الله"
-------------
ويقول الفرنسي لوي سيديو Louis Sédillot
"إن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب مالك هو شرح الدردير على متن خليل"
عن "الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام" للمستشار علي علي منصور، طبعة دار القلم، القاهرة بدون تاريخ، ص 47:
وقال:
"إن نتاج أفكار العرب والمسلمين يشهد بأنهم أساتذة أوربا في جميع فروع المعرفة".
وقال:
"لم يشهد المجتمع الإسلامي ما شهدته أوربة من تحجر العقل ، وشل التفكير ، وجدب الروح ومحاربة العلم والعلماء ، ويذكر التاريخ أن اثنين وثلاثين ألف عالم قد أُحرقوا أحياء ! ولا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر ، بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة ، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ، ومنح مخالفيه في العقيدة كل أسباب الحرية كما فعل الإسلام" هذه الفقرة "عن "هكذا كانوا يوم كنا" د. حسان شمسي باشا.
تعريف
هو مستشرق فرنسي عكف عن نشر مؤلفات أبيه جان جاك سيديو الذي توفي عام 1832 قبل أن تتاح له فرصة إخراج كافة أعماله في تاريخ العلوم الإسلامية . وقد عين لويسا أمينا لمدرسة اللغات الشرقية (1831) وصنف كتابا بعنوان ( خلاصة تاريخ العرب) ضلا عن ( تاريخ العرب العام ) , وكتب العديد من الأبحاث والدراسات في المجلات المعروفة .
------------
قال دو هومبلد:
"كان المسلمون مستعدين بما يدعو إلى العجب ليمثلوا دور الوسيط ويؤثروا في الأمم القاطنة فيما بين نهر الفرات ونهر الوادي الكبير وفي القسم الجنوبي من أوربا وأواسط وشمال أفريقيا. المسلمون كانوا ذوي نشاط منقطع النظير وهذا النشاط هو آية دور ممتاز في تاريخ الدنيا".
قال: هنري دي كاستري
"...أن الناس بالغوا كثيرا في مضار تعدد الزوجات عند المسلمين أن لم نقل أن ما نسبوه إليه من ذلك غير صحيح . فما تعدد الزوجات هو الذي ولد في الشرق تلك الرذائل الفاضحة ,بل المعقول انه من شأنه تلطيفها , على أنني لست ادري إن كانت تلك الرذائل أكثر منها في الغرب ,بل تلك وصمة ألصقت بالإسلام بواسطة السواح الذين يرون أمرا في فرد فيجعلونه عاما من غير تثبيت فيه لولا هذا التعميم السطحي لما وجدوا شيئا يملأون به مؤلفاتهم والواقع أن الرذائل الفاضحة موجودة في كل أمة ولقد يقع منها في باريس ولندن وبرلين أكثر مما يحث في الشرق بأجمعه لأن النبي بالغ في تحريمها ولم يعدها من الذنوب الخفيفة."
وقال:
"من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم أن عقد الزواج عند المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيئا مملوكا لزوجها لأن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقا أدبية وحقوقا مادية من شانها إعلاء منزلتها في الهيئة الاجتماعية.."(5/209)
"لم يقتصر القرآن في التضييق على تعدد الزوجات على عددهن , بل حرم ما كان معروفا عند العرب قبله من الزواج لزمن محدد وفي ذلك شبه تحريم للطلاق لكونه لا يتأتى إلا بشروط مخصوصة... " ""...إننا لو رجعنا إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومكان ظهوره لما وجدنا عملا يفيد النساء أكثر مما أتاه فهن مدينات لنبيهن بأمور كثيرة وفي القرآن آيات ساميات في حقوقهن وما يجب لهن على الرجال ..ويرى القارىء من جميع تلك الآيات مقدار اهتمام "الإسلام" بمنع عوامل الفساد الناشئة عن التعشق بين المسلمين لكي يجعل الأزواج والآباء في راحة ونعيم ..ولقد-أصبحت- للمسلمين أخلاق مخصوصة ,عملا بما جاء في القرآن أو في الحديث ,وتولدت في نفوسهم ملكات الحشمة والوقار, وجاء هذا مغايرا لآداب الأمم المتمدنة اليوم على خط مستقيم ومزيلا لما عساه كان يحدث عن ميل الشرقيين إلى الشهوات لولا هذه التعاليم والفروض.والفرق بين الحشمة عند المسلم وبينها عند المسيحي كما بين السماء والأرض .. " "
تعريف
الكونت هنري دي كاستري (1850-1927) Cte.H.de castries
مقدم في الجيش الفرنسي , قضى في إفريقيا الشمالية زمنا طويلا.
من آثاره : ( مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (1905) , (الأشراف السعديون) (1921) , (رحلة هولندي إلى المغرب ) (1926) , غيرها. .
----------
يقول مراد هوفمان في الإسلام كبديل ص 132.:
"الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته ، وإذا رآه البعض قديماً فهو أيضاً حديث ومستقبليّ لا يحدّه زمان ولا مكان ، فالإسلام ليس موجة فكرية ولا موضة، ويمكنه الانتظار …" .
قال غوستاف لوبون في "حضارة العرب"، للدكتور غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الرابعة ص 270، 272
"وعاهد فرديناند (نصراني أسباني كاثوليكي استولى على أخر مملكة إسلامية وهي غرناطة سنة 1492م.) العرب على منحهم حرية التدين واللغة، ولكنه في سنة 1499م، لم تكد تحل حتى حل بالعرب دور الاضطهاد والتعذيب الذي دام قرونا، والذي لم ينته إلا بطرد العرب من أسبانية، وكان تعميد العرب كرها فاتحة ذلك الدور، ثم صارت محاكم التفتيش تأمر بإحراق كثير من المعمدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة.
ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيسا لمحاكم التفتيش، بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب رجالا ونساء وشيوخا وولدانا، ولم ير الراهب الدومينيكي "بليدا" الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن، قتل جميع العرب بحد السيف، لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم.
ولم تر الحكومة الأسبانية أن تعمل بما أشار به هذا الدومينيكي الذي أيده الأكليروس في رأيه، لما قد يبديه الضحايا من مقاومة، وإنما أمرت في سنة 1610م بإجلاء العرب عن أسبانية، فقتل أكثر مهاجري العرب في الطريق، وأبدى ذلك الراهب البارع "بليدا" ارتياحه لقتل ثلاثة أرباع هؤلاء المهاجرين في أثناء هجرتهم، وهو الذي قتل مائة آلف مهاجر من قافلة واحدة، كانت مؤلفة من أربعين ألفا ومائة ألف مهاجر (140000)مسلم حينما كانت متجهة إلى إفريقية.
وخسرت أسبانية بذلك مليون مسلم من رعاياها في بضعة أشهر، ويقدر كثير من العلماء، ومنهم "سيديو" عدد المسلمين الذين خسرتهم أسبانية منذ أن فتح "فرديناند" غرناطة حتى إجلائهم الأخير بثلاثة ملايين، ولا تعد ملحمة سان باتلمي إزاء تلك المذابح سوى حادث تافه لا يؤبه له.
ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين.
ومما يرثى له أن حرمت أسبانية عمدا، هؤلاء الملايين الثلاثة الذين كانت لهم إمامة السكان الثقافية.. والصناعية..
وسيرى القارئ في الفصل الذي خصصناه للبحث في وارثي العرب، مقدار الانحطاط الذي أسفر عن إبادة العرب، وإذا كنت قد أشرت إلى هذا هنا فلأن شأن العرب المدني لم يبد في قطر ملكوه كما أبيد في أسبانية، التي لم تكن ذات حضارة تذكر قبل الفتح العربي، فصارت ذات حضارة ناضرة في زمن العرب، ثم هبطت إلى الدرك الأسفل من الانحطاط بعد جلاء العرب، وهذا مثال بارز على ما يمكن أن يتفق لعرق من التأثير..."
قال مصطفى غفر الله له
أرجو من إخوتي المشرفين أن لا يحذفوا شيئا
كارثة عظيمة نسير إلى الوقوع في مثلها، لكن هذه المرة في عقر دارنا وهذا أسوأ،
والأدهى والأمر أن هؤلاء قتلوا على إسلامهم فلا خوف على آخرتهم، وأما كثير من أمة محمد سيموت على ...،(5/210)
وهم الآن يحاربوننا على جهاز مناعتنا وهي عقيدة التوحيد ويخرجون أبناءنا من النور إلى الظلمات، هذا يعيش من أجل الفن، والآخر يعيش من أجل الليبرالية، والآخر يعيش من أجل التعددية، والآخر يعيش من أجل...،
فالاستعمار أخذ منا ديارنا في القرن الماضي والذي قبله لكنه لم ياخذ منا عقيدتنا، والآن يراهن عليها بخيله ورجله وهذا هو الامتحان لنا جميعا،
فهل سنعيش في ترف معلوماتي، ونوم داخل بطون الكتب ولا أثر دعويا في الواقع يذكر،
فلوانشغل الصحابة الكرام وتابعوهم بالمناقشات ما وصل الإسلام إلى المغرب والسينغال، لكن المعين الصافي الذي سقوا منه جعلهم يعرفون دورهم وينطلقون من أجله، وهذا الذي جعل تلك القرون خير القرون.
يا أهل الحديث أنقذوا من استطعتم من النار، يا أهل الحديث سبيل أتباع النبي هي الدعوة إلى الله على بصيرة،
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله وما أنا من المشركين
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين
انقذوا من استطعتم ، أرجوكم..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
----------
قال غيلوم بستل في كتاب "النحو العربي" :
" ندين للعرب بعلم النجوم وبالتطبيق العلمي للطب ولدي الشجاعة أن أقسم بأنه لا وجود لعالم أو متخصص بشكل علمي في عصرنا هذا إلا وهو مشغول بالمؤلفات العربية ، وإلا فمن يجسر على عدم الاعتراف بأن القرون غير مشبعة بالتقدم ، ولكننا ولحسن حظنا ندين في كثير من الأمور التي نطبقها في هذا القرن للعرب وليس لجالينوس . فبالإمكان الحصول على مؤلفات جالينوس باللغة اللاتينية من قبل علماء اللاتينية ، لكنها معتمدة على ترجمات عربية نقية ، وعلينا أن نعرف أنه ما كان قد عالجه جالينوس بأسلوبه الباروكي ، في خمسة أو ستة كتب ضخمة كان قد عالجه ابن سينا في نحو صفحة أو صفحتين"
عن هولندا والعالم العربي لمجموعة من أساتذة جامعة ليدن ، هولندا
----------
يقول المستشرق الفرنسي " جاك رسلر " في كتاب " الحضارة العربية " :
" في غضون خمسمائة سنة ما بين 700 و 1200 ساد الإسلام على العالم بقوة حضارته وعلمه .. فكان المقاتل العربي في القرن الحادي عشر مزوداً بالقوس والقذافة قبل الغربيين بمائتي عام وكانت القذافة تستعمل لغرضين فهي لم تكن تسمح فقط بإطلاق عدة أسهم فحسب ، بل كانت قادرة على قذفها لمسافة بعيدة ، ومنها ما كان يطلق من على منصات إطلاق ثقيلة . ثم كان العرب أول من صنع البارود بعد ذلك بنصف قرن"
----------
يقول محمد أسد النمساوي "ليوبولد فايس"
"إن الشريعة الإسلامية , بمقتضى الحكمة التي تأخذ الطبيعة البشرية بعين الاعتبار الكلي دائما , لا تأخذ على عاتقها أكثر من صيانة الوظيفة الاجتماعية – البيولوجية للزواج، فتسمح لرجل بان يتخذ لنفسه أكثر من زوجة واحدة ولا تسمح للمرأة بان تتخذ لنفسها أكثر من زوج واحد في الوقت نفسه , في حين أنها تترك للشريكين مسالة الزواج الروحية التي لا يمكن أن تقاس, وبالتالي تقع خارج دائرة الشريعة. فمتى كان الحب تاما كاملا فعندئذ تنعدم الرغبة عند كل منهما في الزواج ثانية ومتى كان الرجل لا يحب زوجته من كل قلبه ولا يرغب مع ذلك في فقدها , فان بإمكانه أن يتزوج بأخرى... ومهما يكن فانه لما كان الزواج في الإسلام عقدا مدنيا فحسب فان في مكنة الشريكين في الزواج أن يلجا دائما إلى الطلاق خصوصا وان الوصمة التي تلصق بالطلاق , سواء بشدة اقل أو أكثر , في المجتمعات الأخرى , معدومة في المجتمع الإسلامي"
"إن الحرية التي تمنحها الشريعة الإسلامية كلا من الرجل والمرأة على حد سواء لعقد الزواج أو حل هذا العقد , يفسر السبب الذي من اجله تعتبر هذه الشريعة الزنا من أقبح الآثام : ذلك انه تجاه هذا التسامح وهذه الحرية لا يمكن أن يكون هناك أيما عذر للوقوع في حبائل العاطفة أو الشهوة..."
"جاء النبي بما لم يسمع به من قبل الرجال والنساء سواء أمام الله , وان جميع الواجبات الدينية مفروضة على الرجل والمرأة على حد سواء. والحق انه ذهب إلى ابعد من ذلك فأعلن....أن المرأة شخص بملء حقها وليس لمجرد صلتها بالرجل كأم أو زوجة أو أخت أو ابنة , وأنها لذلك من حقها أن تقتني ملكا وان تتعاطى التجارة على حسابها ومسؤوليتها وان تهب لنفسها لمن تشاء عن طريق الزواج"
تعريف
مفكر , وصحفي نمساوي , أشهر إسلامه , وتسمى بمحمد أسد , وحكى في كتابه القيم (الطريق إلى مكة ) تفاصيل رحلته إلى الإسلام . وقد أنشأ بمعاونة وليم بكتول , الذي اسلم هو الآخر , مجلة "الثقافة الإسلامية" , في حيدر آباد , الدكن (1927) وكتب فيها دراسات وفيرة معظمها في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الإسلام .
من آثاره : ترجم صحيح البخاري بتعليق وفهرس , وألف "أصول الفقه الإسلامي", و "الطريق إلى مكة" , و "منهاج الإسلام في الحكم" , و "الإسلام على مفترق الطرق".(5/211)
عندما جاء عالم الفلك المسلم عناية الله المشرقي وأظنه من الهند إلى لندن للقاء السير جيمس جينز العالم الفلكيزن دلوه عليه فإذا بالثاني يقرأ الكتاب المقدس والمطر ينزل عليه، وكان المطر في بدايته، فنبهه العالم عناية الله إلى أن المطر يهطل والكتاب سيبتل، - وكان الآخر منغمسا في القراءة -،
فتعرف عليه وأخذه إلى بيته، وهناك قال له عناية الله المشرقي:
- كيف تقرأ الإنجيل وأنت عالم فلكي كبير، أليس هذا من مظاهر التخلف عنكم أن يقرأ الإنسان المتحضر الكتاب المقدس.
قال جيمس جينز:
- كلما قرأت هذا الكتاب أخذتني القشعريرة، وعلمت أن الذين يعرفون الله حق المعرفة ويخافونه حق الحشية هم العلماء.
قال له عناية الله:
- إن هذا موجود في كتابنا العزيز ، يقول الله عز وجل: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"
فصرخ قائلا: مدهش وغريب! إنه الأمر الذي كشفت عنه بعد دراسة استمرت خمسين سنة! ،
هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟!
لو كان الأمر كذلك فلابد أن يكون القرآن كتابا موحى به من عند الله.
قال مصطفى
هذه أحفظها منذ ثلاث سنوات من محاضرة ألقاها الشيخ عدنان إبراهيم عندما كان ضيفا علينا في الدانمرك ونسيت أن أسأله عن مصدرها. ووجدت بعضها متناثرا في الشبكة من غير عزو كذلك.
ويقول المستر إسحاق الطيار وهو رئيس كنيسة، في خطبة التي ألقاها في مؤتمر الكنيسة:
"الإسلام ينشر لواء المدنية التي تعلم الإنسان ما لم يعلم ومنافع الدين الإسلامي لا ريب فيها وفوائده من اعظم أركان المدنية"
-----------
يقول الماجور ارثوليونرد :
"خلف محمداً للعالم كتاباً هو آية في البلاغة، وسجل الأخلاق، وكتاب مقدس، وليس بين المكتشفات العلمية الحديثة مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية فالانسجام تام بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية."
------------
ويقول أميل درمنجهم الذي كتابه عن سيرة النبي :
"ولما نشبت الحرب بين الإسلام والمسيحية ، اتسعت هوة الخلاف ، وازدادت حدة ، ويجب أن نعترف بأن الغربيين كانوا السابقين إلى أشد الخلاف فمن البيزنطيين من أوقر الإسلام احتقاراً من غير أن يكلفوا أنفسهم مؤنة دراسته ، ولم يحاربوا الإسلام إلا بأسخف المثالب – فقد زعموا أن محمداً لص! ، وزعموه متهالكاً على اللهو! ، وزعموه ساحراً !، وزعموه رئيس عصابة من قطاع الطرق! بل زعموه قسا رومانياً !!، مغيظاً محنقاً، إذ لم ينتخب لكرسي البابوية – وحسبه بعضهم إلهاً زائفا!!!ً يقرب له عباده الضحايا البشرية وذهبت الأغنيات إلى حد أن جعلت محمداً صنماً من ذهب وجعلت المساجد ملأى بالتماثيل والصور"
عن قصة الحضارة لويل ديورانت
-----------
يقول جار ريسلر في " الحضارة العربية":
" لقد وصلت الثقافة العربية إلى درجات العرش حيث كان الخليفة يتحاور مع ابن رشد حول " أرسطو وأفلاطون " في وقت كانت طبقة النبلاء في الغرب تتباهى بجهلها بالقراءة والكتابة ، وفي قرطبة كان الحاكم الأموي يملك مكتبة تضم أكثر من 400.000 كتاب بينما لم يكن ملك فرنسا شارل الخامس قادراً بعد ذلك بأربعة قرون على جمع أكثر من ألف كتاب . أما مكتبة ابن عباد فكانت تحوي من الكتب أكثر مما كان يمكن إحصاؤه في كل مكتبات أوروبا مجتمعة ----------
يقول الأمريكي "جورج سارتون " عن الحسن بن الهيثم :
"إنه أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة ، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى ، ومن علماء البصريات القليلين في العالم كله "
عن ابن الهيثم ، مؤسس علم الضوء ، د. عمر الطباع ، أ. عبدالمنعم الهاشمي .
------------
يقول المؤرخ الإنكليزي "جون دوانبورت"
"لو لم تقم في جنوب أوروبا الحضارة الأندلسية العربية، لظلت هذه القارة تسبح مع شعوبها المختلفي النحل والنزعات في حلك من ظلمة الجهل والبداوة، ولما ظهر للمدنيّة الأوربية الحالية أثر في الوجود"·
---------
وقال ويل ديورانت:
"القباب المتلألئة والمآذن المذهَّبة جعلت بلاد الأندلس في القرن العاشر الميلادي أعظم البلاد المتحضرة في العالم كله في ذلك الوقت· وكان زائرو مدينة قرطبة يُدهشون من ثراء الطبقات العليا ومما كان يبدو أنه رخام عام"
-----------
تقول بوجينا غيانا ستشيجفسكا Bozena-Gajane Strzyzewskz المستشرقة البولونية في كتابها "تاريخ التشريع الإسلامي" ص 17 منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الأولى 1980:
"...ومع هذا فلما انتصر عليهم يوم فتح مكة عفا عنهم وأحسن إليهم، ولذلك أحبوه وأسلموا طواعية واختيارا، والقول أن الإسلام انتشر بالسيف كلام يكذبه التاريخ ويكذبه الواقع"
------------
قال دونالد ر-هيل Donald R. Hill في كتابه "العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية" "Islamic Science and Engineering " ص 288 ، ترجمة أحمد فؤاد باشا صدرت عن عالم المعرفة عدد 305:(5/212)
"كان القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر أعظم فترة انتشر خلالها العلم الإسلامي في الغرب، وقد أعطت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي الدفع الضروري لنمو العلم الأوروبي"
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25810
--------------------
6- محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
"إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي.. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية".
(العالم الأمريكي مايكل هارث)
----------------
إبراهيم خليل أحمد
[ 1 ]
"هذه هي حقيقة يثبتها التاريخ: فبينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة يعيش في دياجير ظلام الفكر وفساد العبادة، بزغ من مكة المكرمة في شخص محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، نور وضاء أضاء على العالم فهداه إلى الإسلام"(1).
[ 2 ]
"إن سيدنا عيسى عليه السلام يتنبأ عن الرسول الكريم محمد [صلى الله عليه وسلم] بقوله: (وأما متى جاء ذاك: روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية)(2) .."(3).
[ 3 ]
"يقول برنابا: (سيأتي مسيا (أي الرسول) المرسل من الله لكل العالم،.. وحينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة..)(4) .."(5).
[ 4 ]
".. كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى، ولعل هذا هو الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلام، أنه كان بشرى من الله للرحمة، وبشرى بتبشيره عن المسيا الذي سيأتي للعالمين هدى ورحمة، ألا وهو الرسول الكريم سيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم]"(6).
[ 5 ]
"يقول عيسى [عليه السلام] في إنجيل برنابا: (لأن الله سيصعِّدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إيّاي. ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار زمنًا طويلاً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة)(7) .."(8).
__________________
(1) ... محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 47 .
(2) ... إنجيل يوحنا ، 16 : 12 و .
(3) ... محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 98 .
(4) ... إنجيل برنابا ، 82 : 16 – 18 .
(5) ... محمد في التوراة ، ص 105 .
(6) ... نفسه ، ص 114 .
(7) ... إنجيل برنابا ، 80112 - 16 .
(8) ... محمد في التوراة ، ص 141 .
------------------
آرنولد
[ 1 ]
".. لعله من المتوقع، بطبيعة الحال، أن تكون حياة مؤسس الإسلام ومنشئ الدعوة الإسلامية [صلى الله عليه وسلم]، هي الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين. وإذا كانت حياة النبي [صلى الله عليه وسلم] هي مقياس سلوك عامة المؤمنين، فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة الإسلام. لذلك نرجو من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئًا عن الروح التي دفعت الذين عملوا على الاقتداء به، وعن الوسائل التي ينتظر أن يتخذوها. ذلك أن روح الدعوة إلى الإسلام لم تجئ في تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر، وإنما هي قديمة قدم العقيدة ذاتها. وفي هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] يعد نموذجًا للداعي إلى الإسلام.."(1).
[ 2 ]
".. من الخطأ أن نفترض أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] في المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره، انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق الدين.."(2).
[ 3 ]
".. إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي [صلى الله عليه وسلم] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه.."(3).
_________________
(1) ... الدعوة إلى الإسلام ، ص 34 .
(2) ... نفسه ، ص 54 .
(3) ... نفسه ، ص 55 عن: Muir (Sir Wiliam): Life of Mahomet, PP.107-8 (London, 1858-,1) .
------------
واشنجتون إيرفنج
[ 1 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله"(1).
[ 2 ]
"كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في [أعقاب فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"(2).
[ 3 ](5/213)
"لقي الرسول [صلى الله عليه وسلم] من أجل نشر الإسلام كثيرًا من العناء، وبذل عدة تضحيات. فقد شك الكثير في صدق دعوته، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحًا كبيرًا، وتعرض خلال إبلاغ الوحي إلى الإهانات والاعتداءات والاضطهادات، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر العقيدة"(3).
[ 4 ]
"برغم انتصارات الرسول [صلى الله عليه وسلم] العسكرية لم تثر هذه الانتصارات كبرياءه أو غروره، فقد كان يحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصية، وحتى في أوج مجده حافظ الرسول [صلى الله عليه وسلم] على بساطته وتواضعه، فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها كانت دولة الإسلام، وقد حكم فيها بالعدل، ولم يفكر أن يجعل الحكم فيها وراثيًا لأسرته"(4).
[ 5 ]
"كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار الإسلام، وفي معاونة فقراء المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في بيت المال.. وهو لم يخلف وراءه دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض في الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة"(5).
______________
(1) ... حياة محمد ، ص 72 .
(2) ... حياة محمد ، ص 72 .
(3) ... نفسه ، ص 300 .
(4) ... نفسه ، ص 302 – 303 .
(5) ... نفسه ، ص 303 .
--------------
بارت(1)
[ 1 ]
"كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به"(2).
[ 2 ]
"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادًا. حتى أتى محمد [صلى الله عليه وسلم] ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس"(3).
_____________________
(1) رودي بارت Rudi, Part
عالم ألماني معاصر، اضطلع بالدراسات الشرقية في جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة علوم العربية والإسلام، وصنف فيها عددًا كبيرًا من الأعمال، منها ترجمته للقرآن الكريم التي استغرقت منه عشرات السنين وأصدرها بين عامي 1963 و1966، وله كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
(2) ... الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 15 .
(3) ... نفسه ، ص 20 .
---------------
بروي(1)
[ 1 ]
"جاء محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم]، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبض النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل.."(2).
__________________
(1) إدوار بروي Edourd Perroy
باحث فرنسي معاصر، وأستاذ في السربون.
(2) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 112 .
---------------
بلاشير
[ 1 ](5/214)
".. إن معجزة النبي [عليه الصلاة والسلام] الحقيقية والوحيدة هي إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى عرب الحجاز في أوائل القرن السابع ؟ إن محمدًا [عليه الصلاة والسلام] لا يبدو في القرآن إطلاقًا، منعمًا عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع في نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هي حاجاتهم، وهو يصرّح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [الكهف 110]. وهو لم يتلق أي قدرة على صنع المعجزات، ولكنه انتخب ليكون منذرًا ومبشرًا للكافرين. إن نجاح رسالته مرتبط إذن في قيمتها الإحيائية وإلى شكلها المنقطع النظير. ولم يكن محمد [عليه الصلاة والسلام] رغم ذلك، صاحب بيان ولا شاعرًا، فإن الأخبار التي روت سيرته لم تحسن الاحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية، وثمة عوامل تحملنا على الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع، أو أنه تلقى من السماء فنّ ارتجال الشعر. وعندما قال عنه المكّيّون المشركون أنه شاعر، أو حين عرّضوا بأن مصدر الوحي جنّي معروف أزال الله عنه هذه التهمة: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ، لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس 69–70]. وهكذا يطرح هذا الوحي البالغ جماله حد الإعجاز، الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية، كظاهرة لا علاقة لها بالفصاحة ولا الشعر"(1).
[ 2 ]
".. أما عن انتصار الإسلام فثمَّة أسباب تداخلت وفي طليعتها القرآن والسنة وحالة الحجاز الدينية، ونصح وبيان وأمانة الرجل المرسل لإبلاغ الرسالة المنزلة عليه.."(2).
______________________
(1) ... تاريخ الأدب العربي ، 2 / 14 – 15 .
(2) ... نفسه ، 2 / 50 .
----------------
مارسيل بوازار
[ 1 ]
"سبق أن كتب كل شيء عن نبي الإسلام [صلى الله عليه وسلم]، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها. والصورة التي خلفها محمد [صلى الله عليه وسلم] عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية في الحدود التي تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية.."(1).
[ 2 ]
"لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] على الصعيد التاريخي مبشرًا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق.."(2).
[ 3 ]
"منذ استقر النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان منظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.. وكما يظهر التاريخ الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله"(3).
[ 4 ]
".. لقد كان محمد [صلى الله عليه وسلم] نبيًا لا مصلحًا اجتماعيًا. وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة في المجتمع الإسلامي المعاصر.."(4).
[ 5 ]
".. مما لا ريب فيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد اعتبر، بل كان في الواقع، ثائرًا في النطاق الذي كان فيه كل نبي ثائرًا بوصفه نبيًا، أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه.."(5).
____________________
(1) ... إنسانية الإسلام ، ص 40 – 41 .
(2) ... نفسه ، ص 42 .
(3) ... نفسه ، ص 46 .
(4) ... نفسه ، ص 61 .
(5) ... نفسه ، ص 66 .
----------------
توينبي(1)
[ 1 ](5/215)
"لقد كرّس محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية [وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم]. وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي.."(2).
[ 2 ]
".. لقد أخذت سيرة الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا"(3).
_______________
(1) آرنولد توينبي Arnold Toynbee
المؤرخ البريطاني المعاصر، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها – ولا ريب – مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ. ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت إشراف توينبي نفسه – مختصرًا في جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدمًا عباراته الأصلية في معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء، وهو الذي اعتمدناه هنا.
(2) مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381 .
(3) نفسه ، 3 / 98 .
--------------
فيليب حتي
[ 1 ]
"إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الأساس الذي قامت عليه أمة جديدة أخرجت للناس، أمة جاءت بها بعثة محمد [صلى الله عليه وسلم] من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل أن تجتمع على رأي واحد. وهكذا استطاع رسول الإسلام [صلى الله عليه وسلم] أن يضيف حدًا جديدًا (رابعًا) إلى المأثرة الحضارية ذات الحدود الثلاثة من الدين والدولة والثقافة، ذلك الحد الرابع الجديد كان (إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات).."(1).
[ 2 ]
"إن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان في الحقيقة عملاً جريئًا جديدًا قام به النبي العربي [صلى الله عليه وسلم].."(2).
[ 3 ]
"في الكتاب المعاصرين لنا نفرٌ يحاولون أن يكتشفوا الأعمال الباهرة (التي حققها محمد صلى الله عليه وسلم) أو أن يعالجوا حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسي، فلا يزيدون على أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الآراء الهوائية أحكامًا من زيف العلم.."(3).
[ 4 ]
"صفات محمد [صلى الله عليه وسلم] مثبتة في القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر. إن المعارك التي خاضها والأحكام التي أبرمها والأعمال التي قام بها لا تترك مجالاً للريب في الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص البالغ وغير ذلك من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ. ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيمًا فقيرًا، فقد كان في قلبه دائمًا سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة"(4).
[ 5 ]
"إذا نحن نظرنا إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينًا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر"(5).
_______________
(1) ... الإسلام منهج حياة ، ص 19 – 20 .
(2) ... نفسه ، ص 51 .
(3) ... نفسه ، ص 54 .
(4) ... نفسه ، ص 54 .
(5) ... نفسه ، ص 56 .
-----------------
جورج حنا
[ 1 ](5/216)
".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يخرج من سويعات [لقائه مع جبريل عليه السلام] بآيات تنطق بالحكمة، داعيًا قومه إلى الرجوع عن غيّهم، والإيمان بالإله الواحد الكليّ القدرة، صابًا النقمة على الآلهة الصنمية، التي كان القوم يعبدونها فكان طبيعيًا أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر، لما كان في دعوته من خطر على زعامتهم، وهي ما كانت قائمة إلا على التعبد للأصنام التي جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها. لكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يهادن في بث دعوته، ولم يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له، بل كان يتحداهم، فيزدادون حقدًا عليه وتآمرًا على حياته. فلم تلبث دعوته حتى تحولت من دعوة سلمية إلى دعوة نضالية. إنه لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى في طريقه غير هيّاب، في يده الواحدة رسالة هداية، يهدي بها من سالموه، وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير.. كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]"(1).
[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة أكثر اطمئنانًا على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان في مكة.. كانت يثرب مدينة العامة التابعة، لا مدينة الخاصة المتبوعة. والعامة دائمًا أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة، لا سيما إذا كانت كلمة الحق هذه، تحررها من عبوديتها للخاصة"(2).
[ 3 ]
"محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم] كان ثائرًا، عندما أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الأصنام وفي عاداتهم الهمجية وفي مجتمعهم البربري. فأضرمها حربًا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال في نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر في أقطار المعمورة"(3).
______________________
(1) ... قصة الإنسان ، ص 76 .
(2) ... نفسه ، ص 77 .
(3) ... نفسه ، ص 252 .
---------------
أميل درمنغم
[ 1 ]
".. إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بني الإنسان!"(1).
[ 2 ]
".. ولد لمحمد [صلى الله عليه وسلم]، من مارية القبطية] ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..) فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال.."(2).
[ 3 ]
".. تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي الذي أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبي الذي جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة.."(3).
[ 4 ]
"[إن] محمدًا [صلى الله عليه وسلم] الذي خلق القيادة لم يطلب معاصريه بغير ما يفرض عليهم من الطاعة لرجل يبلّغهم رسالات الله، فهو بذلك واسطة بين الله رب العالمين والناس أجمعين.. وكان ينهى عن عدّه ملكًا.. ولقد نال السلطان والثراء والمجد، ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلام رجل على أعظم الغنائم، ومما كان يمضه عجز كثير من الناس عن إدراك كنه رسالته.."(4).
[ 5 ]
".. الحق أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحسّ ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية"(5).
_____________
(1) ... حياة محمد ، ص 8 .
(2) ... نفسه ، ص 318 .
(3) ... نفسه ، ص 359 .
(4) ... نفسه ، ص 360 .
(5) ... نفسه ، ص 368 – 369 .
------------------
دُرّاني(1)
[ 1 ]
"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم] لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره"(2).
[ 2 ](5/217)
".. وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة، وأصبحت تلك الأمة، التي لم تنجب رجلاً عظيمًا واحدًا يستحق الذكر منذ عدة قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه ونظام الحياة الإسلامية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"(3).
[ 3 ]
".. تحمل [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة عشر عامًا كاملةً من المتاعب [في مكة] دون انقطاع، وثمانية سنوات [في المدينة] دون توقف، فتحمل ذلك كله، فلم يتزحزح شعرة عن موقفه، وكان صامدًا، رابط الجأش، صلبًا في أهدافه وموقفه. عرضت عليه أمته أن تنصبه ملكًا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات البلاد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته. فرفض هذه الإغراءات كلها فاختار بدلاً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته. لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدًا للثروات والجاه والملك والمجد والراحة والدعة والرخاء ؟ لابدّ أن يفكر المرء في ذلك بعمق شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه"(4).
[ 4 ]
"هل بوسع المرء أن يتصور مثالاً للتضحية بالنفس وحب الغير والرأفة بالآخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجلاً يقضي على سعادته الشخصية لصالح الآخرين، بينما يقوم هؤلاء القوم أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده في سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والإساءة إليه ونفيه وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى في منفاه، وأنه رغم كل ذلك يرفض أن يكف عن السعي لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة السعي لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة مزيفة؟ هل يستطيع أي مدخول غير مخلص.. أن يبدي هذا الثبات والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل أو تعثر أمام الأخطار وصنوف التعذيب التي يمكن تصورها وقد قامت عليه البلاد بأكملها وحملت السلاح ضده؟"(5).
[ 5 ]
"إن هذا الإيمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي قاد به محمد [صلى الله عليه وسلم] حركته حتى النصر النهائي، إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته. إذ لو كانت في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدًا أن يصمد أمام العاصفة التي استمرّ أوارها أكثر من عشرين عامًا كاملة. هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف واستقامة في الخلق وسموّ في النفس كل هذه العوامل تؤدي لا محالة إلى الاستنتاج الذي لا مفر منه وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقًا. هذا هو نبينا محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ كان آية في صفاته النادرة ونموذجًا كاملاً للفضيلة والخير، ورمزًا للصدق والإخلاص.. [إن] حياته وأفكاره وصدقه واستقامته، وتقواه وجوده، وعقيدته ومنجزاته، كل أولئك براهين فريدة على نبوته. فأي إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقًا رسول من عند الله، وأن القرآن الذي جاء به للناس هو كتاب الله حقًا. وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لابدّ أن يصل إلى هذا الحكم"(6).
________
(1) الدكتور م. ج. دُرّاني Dr. M. H. Durrani
سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث جاءه الإسلام "كما يأتي فصل الربيع"، فعاد إلى دين آبائه وأجداده.
(2) ... رجال ونساء أسلموا ، 4 / 27 – 28 .
(3) ... نفسه ، 4 / 28 – 29 .
(4) ... نفسه ، 4 / 29 – 30 .
(5) ... نفسه ، 4 / 30 .
(6) ... نفسه ، 4 / 30 – 31 .
---------------
سانتيلانا(1)
[ 1 ]
"ما كان من محمد [صلى الله عليه وسلم] إلا أن تناول المجتمع العربي هدمًا من أصوله وجذوره وشاد صرحًا اجتماعيًا جديدًا.. هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خلدون) النفاذة الثاقبة. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] هدم شكل القبيلة والأسرة المعروفين آنذاك، ومحا منه الشخصية الفردية Gentes والموالاة والجماعات المتحالفة. من يعتنق دين الإسلام عليه أن ينشئ روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته، إلا إذا كانوا يعتنقون دينه (إخوته في الإيمان). فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول لهم كما قال إبراهيم [عليه السلام] لأهله: (لقد تقطعت بيننا الأسباب.."(2).
[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب"(3).
___________________
(1) دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) David de Santillana(5/218)
ولد في تونس، ودرس في روما، أحرز الدكتوراه في القانون، فدعاه المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين التونسية، فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على قواعد الشريعة الإسلامية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين الأوروبية. كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي، وفي سنة 1910 عين أستاذًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية، وله محاضرات قيمة فيها. ثم استدعته جامعة روما لتدريس التاريخ الإسلامي.
من آثاره: (ترجمة وشرح الأحكام المالكية)، كتاب (الفقه الإسلامي ومقارنته بالمذهب الشافعي).. إلخ.
(2) تراث الإسلام ( إشراف سير توماس آرنولد )، ص 405 – 406 .
(3) نفسه ، ص 406 .
--------------
هنري دي فاستري
[ 1 ]
"إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر على الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبي [صلى الله عليه وسلم] ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولاً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية علّني أجد في هذا البحث دليلاً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحي"(1).
[ 2 ]
"ثبت إذن أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يقرأ كتابًا مقدسًا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه.."(2).
[ 3 ]
".. ولقد نعلم أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلامًا نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه [صلى الله عليه وسلم] ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك.. إلا أن يقول مرارًا ويعيد تكرارًا هذه الكلمات (الله أحد الله أحد). كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد.."(3).
[ 4 ]
".. لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل المتكلمون من المسيحيين لأمكننا الوقوف على حالة مشيد دعائم الإسلام وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين.. ومن الصعب أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل [عليه السلام].. إلا أن معرفة هذه الحقيقة لا تغير موضوع المسألة لأن الصدق حاصل في كل حال"(4).
[ 5 ]
"لا يمكن أن ننكر على محمد [صلى الله عليه وسلم] في الدور الأول من حياته كمال إيمانه وإخلاص صدقه، فأما الإيمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني [الدور المدني] وما أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على الإيمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا لا محل للزيادة فيه.. وما كان يميل إلى الزخارف ولم يكن شحيحًا.. وكان قنوعًا خرج من [الدنيا] ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته.. تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد العرب ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرًا ولا حشما، وقد احتقر المال.."(5).
_______________
(1) ... الإسلام: خواطر وسوانح ، ص 6 .
(2) ... نفسه ، ص 16 .
(3) ... نفسه ، ص 16 – 17 .
(4) ... نفسه ، ص 21 .
(5) ... نفسه ، ص 24 .
----------------
اينين دينيه
[ 1 ]
"إن الشخصية التي حملها محمد [صلى الله عليه وسلم] بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدًا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد.."(1).
[ 2 ]
"إن نبي الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى إلا بلاغة التنزيل الحكيم.."(2).
[ 3 ]
".. إن سنة الرسول الغرّاء [صلى الله عليه وسلم] باقية إلى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص ديني تفيض به نفوس [مئات الملايين] من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة(3).
[ 4 ]
"كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يعنى بنفسه عناية تامة، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال، وكان ينظر نفسه في المرآة.. ليتمشط أو ليسوي طيات عمامته.. وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن يروق الخالق سبحانه وتعالى.."(4).
[ 5 ]
"لقد (دعا) عيسى [عليه السلام] إلى المساواة والأخوة، أما محمد [صلى الله عليه وسلم] فوفق إلى (تحقيق) المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته"(5).
________________
(1) ... أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 15 .
(2) ... نفسه ، ص 16 .
(3) ... محمد رسول الله ، ص 51 .
(4) ... نفسه ، ص 312 .
(5) ... نفسه ، ص 323 .
-----------------
ول ديورانت
[ 1 ](5/219)
".. يبدو أن أحدًا لم يعن بتعليم [محمد صلى الله عليه وسلم] القراءة والكتابة.. ولم يعرف عنه أنه كتب شيئًا بنفسه.. ولكن هذا لم يحل بينه وبين قدرته على تعرف شؤون الناس تعرفًا قلّما يصل إليه أرقى الناس تعليمًا"(1).
[ 2 ]
"كان النبي [صلى الله عليه وسلم] من مهرة القواد.. ولكنه كان إلى هذا سياسيًا محنكًا، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم"(2).
[ 3 ]
"إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانًا غيره حقق ما كان يحلم به.. ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه.. وكانت بلاد العربي لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينًا سهلاً واضحًا قويًا، وصرحًا خلقيًا وقوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم"(3).
[ 4 ]
".. لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد [صلى الله عليه وسلم] لإعانة الفقراء.."(4).
[ 5 ]
"تدل الأحاديث النبوية على أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان يحث على طلب العلم ويعجب به، فهو من هذه الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين.."(5).
________________________
(1) ... قصة الحضارة ، 13 / 21 – 22 .
(2) ... نفسه ، 13 / 38 .
(3) ... نفسه ، 13 / 47 .
(4) ... نفسه ، 13 / 59 .
(5) ... نفسه ، 13 / 167 .
---------------
رودنسن(1)
".. [بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر] بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد [صلى الله عليه وسلم] الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع"(2).
______________________
(1) مكسيم رودنسن
ولد عام 1915، من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس، ثم مديرها.
من آثاره: (مباحث في فن الطبخ عند العرب) (1949). ونشر عددًا من الدراسات في المجلات المعروفة من مثل (دانتي والإسلام)، و(حياة محمد والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بأصول الإسلام)، و(دراسة الصلات بين الإسلام والشيوعية).
(2) تراث الإسلام ، (تصنيف شاخت وبوزوث)، 1 / 67 – 68 .
-----------------
فرانز روزنثال
[ 1 ]
"إن أفكار الرسول [صلى الله عليه وسلم] التي تلقاها وحيًا أو التي أدى إليها اجتهاده نشّطت دراسة التاريخ نشاطًا لا مزيد عليه، فقد أصبحت أعمال الأفراد وأحداث الماضي وحوادث كافة شعوب الأرض أمورًا ذات أهمية دينية، كما أن شخصية الرسول [صلى الله عليه وسلم] كانت خطًا فاصلاً واضحًا في كل مجرى التاريخ، ولم يتخط علم التاريخ الإسلامي هذا الخط قط.."(1).
[ 2 ]
"تبقى حقيقة، هي أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] نفسه وضع البذور التي نجني منها اهتمامًا واسعًا بالتاريخ.. لقد كان التاريخ يملأ تفكير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لدرجة كبيرة، وقد ساعد عمله من حيث العموم في تقديم نمو التاريخ الإسلامي في المستقبل، رغم أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذي سيتم باسم دينه"(2).
____________________________________
(1) ... علم التاريخ عند المسلمين ، ص 40 .
(2) ... نفسه ، ص 45 .
---------------
جاك ريسلر
[ 1 ]
"القرآن يكمله الحديث الذي يعد سلسلة من الأقوال تتعلق بأعمال النبي [صلى الله عليه وسلم] وإرشاداته. وفي الحديث يجد المرء ما كان يدور بخلد النبي [صلى الله عليه وسلم]، العنصر الأساسي من سلوكه أمام الحقائق المتغيرة في الحياة، هذه الأقوال ، أو هذه الأحاديث التي يشكل مجموعها السنة دونت مما روي عن الصحابة [رضي الله عنهم] أو نقل عنهم مع التمحيص الشديد في اختيارها وهكذا جمع عدد كبير من الأحاديث.. والسنة هي المبينة للقرآن التي لا غنى عنها للقرآن.."(1).
[ 2 ]
".. كان لزامًا على محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يبرز في أقصر وقت ممكن تفوّق الشعب العربي عندما أنعم الله عليه بدين سام في بساطته ووضوحه، وكذلك بمذهبه الصارم في التوحيد في مواجهة التردد الدائم للعقائد الدينية. وإذا ما عرفنا أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل أعظم أمل لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم تاريخ الشعوب والأديان"(2).(5/220)
_____________________
(1) ... الحضارة العربية ، ص 32 .
(2) ... نفسه ، ص 37 .
--------------
جورج سارتون
[ 1 ]
"صدع الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام] ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدًا وفقيهًا ومشرعًا ورجلاً عمليًا.."(1).
[ 2 ]
"إنه لم يتح لنبي من قبل.. أن ينتصر انتصارًا تامًا كانتصار محمد [صلى الله عليه وسلم].."(2).
[ 3 ]
".. لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] نبي الإسلام فحسب، بل نبي اللغة العربية والثقافة العربية، على اختلاف أجناس المتكلمين بها وأديانهم"(3).
_________________
(1) ... الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 29 – 30 – 31 .
(2) ... نفسه ، ص 43 .
(3) ... نفسه ، ص 43 .
-----------------
نصري سلهب
[ 1 ]
"في مكة . . أبصر النور طفل لم يمرّ ببال أمة، ساعة ولادته، أنه سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقًا.."(1).
[ 2 ]
"هنا عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم]. لقد استطاع، خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يحدث شريعة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة"(2).
[ 3 ]
".. هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ولا الراحة ولا الاستقرار، استطاع وسط ذلك الخضم الهائج، أن يرسي قواعد دولة، وأن يشرّع قوانين ويسنّ أنظمة، ويجود بالتفسير والاجتهادات.. ولم ينس أنه أب وجد لأولاد وأحفاد، فلم يحرمهم عطفه وحنانه، فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلات، المتعددة الأبعاد والجوانب، الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات، وبما حباها من إمكانات، كان بذلك كله، عالمًا قائمًا بنفسه"(3).
[ 4 ]
"تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، في ما يعاني البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس. كل سؤال له عندك جواب. كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت، نجد لها في آثارك حلاً"(4).
[ 5 ]
".. لم يكن النبي [صلى الله عليه وسلم] رسولاً وحسب، يهدي الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيمًا وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد"(5).
_________________
(1) ... في خطى محمد ، ص 42 .
(2) ... نفسه ، ص 196 .
(3) ... نفسه ، ص 273 – 274 .
(4) ... نفسه ، ص 396 .
(5) ... نفسه ، ص 409 .
-------------------
أحمد سوسة
[ 1 ]
".. أي غاية أسمى وأقرب إلى الإنسانية ودين الله من تلكم الغاية التي كان يرمي إليها الرسول [صلى الله عليه وسلم] في توحيد القلوب وإظهار الحقيقة ؟ لنتصور محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وهو يملي على أهل الكتاب وحي الله قائلاُ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران 64].."(1).
[ 2 ]
".. إن نبي الإسلام شخصية تاريخية مبجلة. ما حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية.."(2).
[ 3 ]
".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته"(3).
"إن التاريخ ينبئنا أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] ضحى بكل شيء من أجل رسالته إذ أتيحت له مرات فرصة الاختيار بين أمرين أولهما حياة راحة وهناء وغنى على أن ينبذ [دعوته] وثانيهما حياة عسر واضطهاد مقرونة بنشر رسالته، وقد فضل الأمر الثاني لأن إيمانه برسالته كان قويًا وكان قد أوحي إليه بأنه قد اختاره ربه لبث هذه الرسالة على الإنسانية جمعاء فكان ما أراد الله له"(4).
___________________________________
(1) ... في طريقي إلى الإسلام ، 1/72-73 .
(2) ... نفسه ، ص 1/174 .
(3) ... نفسه ، ص 1 / 174 – 175 .
(4) ... نفسه ، 2 / 130 .
--------------
لويس سيديو
[ 1 ]
"لقد حلّ الوقت الذي توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التي كانت مجهولة الأمر في زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون . ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد، هو محمد [صلى الله عليه وسلم].."(1).
[ 2 ](5/221)
".. لم يعد محمد [صلى الله عليه وسلم] نفسه غير خاتم لأنبياء الله [عليهم السلام] وهو قد أعلن أن عيسى بن مريم كان ذا موهبة في الاتيان بالمعجزات، مع أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يعط مثل هذه الموهبة، وما أكثر ما كان يعترض محتجًا على بعض ما يعزوه إليه أشد أتباعه حماسة من الأعمال الخارقة للعادة!"(2).
[ 3 ]
".. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أثبت خلود الروح.. وهو مبدأ من أقوم مبادئ الأخلاق. ومن مفاخر محمد [صلى الله عليه وسلم] أن أظهره قويًا أكثر مما أظهره أي مشرّع آخر.."(3).
[ 4 ]
".. ما أكثر ما عرض محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته للخطر انتصارًا لدعوته في عهده الأول بمكة، وهو لم ينفك عن القتال في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه.. وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين، ومن الحق أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه.. وبساطته، ومن يجهل أنه لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض.. وكان [صلى الله عليه وسلم] حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه، وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. ودلّ [صلى الله عليه وسلم] على أنه سياسي محنّك.."(4).
[ 5 ]
"بدت في بلاد العرب أيام محمد [صلى الله عليه وسلم] حركة غير مألوفة من قبل، فقد خضعت لسلطان واحد قبائل العرب الغيرى على استقلالها والفخورة بحياتها الفردية، وانضم بعض هذه القبائل إلى بعض فتألفت أمة واحدة"(5).
__________________
(1) ... تاريخ العرب العام ، ص 15 .
(2) ... نفسه ، ص 90 .
(3) ... نفسه ، ص 93 .
(4) ... نفسه ، ص 102 – 103 .
(5) ... نفسه ، ص 123 .
----------------
هنري سيروي
[ 1 ]
"ومحمد [صلى الله عليه وسلم] لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضًا المدنية والأدب"(1).
[ 2 ]
"محمد [صلى الله عليه وسلم] شخصية تاريخية حقة، فلولاه ما استطاع الإسلام أن يمتد ويزداد، ولم يتوان في ترديد أنه بشر مثل الآخرين مآله الموت، وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله عز وجل. وقبل مماته أراد أن يظهر ضميره من كل هفوة أتاها فوقف على المنبر مخاطبًا: أيها المسلمون، إذا كنت قد ضربت أحدًا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره، أو سلبته مالاً فمالي ملكه. فوقف رجل معلنًا أنه يدينه بثلاثة دراهم، فردّ الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائلاً: أن يشعر الإنسان بالخجل في دنياه خيرٌ من آخرته. ودفع للرجل دينه في التو. وهذا التذوق والإحساس البالغ لفهم محمد [صلى الله عليه وسلم] لدوره كنبي يرينا بأن (رينان) كان على غير حق في نعته العرب قبل الإسلام بأنها أمة كانت تحيا بين براثين الجهل والخرافات.."(2).
[ 3 ]
"إن المحاولة الإسلامية في التاريخ ذات أثر كبير، والعبقرية العربية تجد في محمد [صلى الله عليه وسلم] منشئًا لحضارة التوحيد التي تعتبر ذات أهمية كبيرة، إذا فكرنا في القيمة الفلسفية للتوحيد، وفي تفوقها الكبير الذي جعل كل الشعوب الآرية تمارس أفكار تلكم الفلسفة. وهذه الثروة الروحية الغزيرة في الأمة العربية، راجعة إلى الغريزة النبوية والتي تعد واضحة لدى الشعوب السامية، فاليهود الذين يستطيعون الفخر بأنبيائهم الكبار، يقرون بأن روح النبوة قد اختفت لديهم بعد هدم معبدهم الثاني، وهذا ما يفسر بمعنى أكيد العداوة العنيفة والكثيرة التكرار في القرآن بالنسبة إليهم"(3).
[ 4 ]
".. إن الحضارة الفكرية الذهنية الحقيقية لم تظهر وتوجد – لدى العرب – إلا لدى وصول محمد [صلى الله عليه وسلم]"(4).
__________________
(1) ... فلسفة الفكر الإسلامي ، ص 8 .
(2) ... نفسه ، ص 17 .
(3) ... نفسه ، ص 31 .
(4) ... دفاع عن الإسلام ، ص 24 .
----------------
لورافيشيا فاغليري
[ 1 ]
".. كانت حملة كبيرة على سوريا.. رهن الإعداد، عندما أسكت الموت إلى الأبد صوت النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي كان قد أحدث هذه الهزة العميقة في تلك القلوب كلها، والذي كان مقدرًا له أن يستهوي عما قريب شعوبًا أخرى تقيم في مواطن أكثر إمعانًا في البعد. وكان في السنة الحادية عشرة من الهجرة"(1).
[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا اعتقادًا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدًا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري"(2).
[ 3 ](5/222)
"حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله [صلى الله عليه وسلم] ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدًا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد [صلى الله عليه وسلم] على تهديد الكاذبين والمرائين، في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك [وحاشاه] رجلاً كاذبًا ؟ كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه، وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة، حثًا موصولاً ؟ كيف استطاع أن يستهل صراعًا كان يبدو يائسًا ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، في مكة، في نجاح قليل جدًا ، وفي أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد [صلى الله عليه وسلم] كان عميقًا وأكيدًا"(3).
[ 4 ]
"دعا الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة الأوثان وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية. وارتضى أن يخوض صراعًا مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى.."(4).
[ 5 ]
".. إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] طوال سنين الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج، كمؤسسة اجتماعية، مفقودًا أو يكاد، وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلاً إلى أبعد الحدود، لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير، هي خديجة [رضي الله عنها] التي كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج كرة ثانية، وأكثر من مرة، إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره. لقد كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو سياسي، ذلك بأنه قصد من خلال النسوة اللاتي تزوجهن إلى تكريم النسوة المتصفات بالتقوى، أو إلى إنشاء علاقات زوجية مع بعض العشائر والقبائل الأخرى ابتغاء طريق جديد لانتشار الإسلام وباستثناء عائشة [رضي الله عنها]، ليس غير، تزوج محمد [صلى الله عليه وسلم] من نسوة لم يكنّ لا عذارى، ولا شابات، ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية ؟ لقد كان رجلاً لا إلهًا. وقد تكون الرغبة في الولد هي التي دفعته أيضًا إلى الزواج من جديد، لأن الأولاد الذين أنجبتهم خديجة [رضي الله عنها] له كانوا قد ماتوا. ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه النهوض بأعباء أسرة ضخمة، ولكنه التزم دائمًا سبيل المساواة الكاملة نحوهن جميعًا، ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفاوت مع أي منهن. لقد تصرف متأسّيًا بسنة الأنبياء القدامى [عليهم السلام]، مثل موسى وغيره، الذين لا يبدو أن أحدًا من الناس يعترض على زواجهم المتعدد. فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل حياتهم اليومية، على حين نعرف كل شيء عن حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] العائلية؟"(5).
-___________________
(1) ... نفسه ، ص 33 .
(2) ... نفسه ، ص 73 .
(3) ... نفسه ، ص 37 – 38 .
(4) ... نفسه ، ص 43 .
(5) ... نفسه ، ص 99 – 100 .
------------------
ليوبولد فايس
[ 1 ]
".. إن العمل بسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام. لقد كانت السنة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وأنك إذا أزلت هيكل بناء ما، أفيدْهِشُك أن يتقوض ذلك البناء، كأنه بيت من ورق؟"(1).
[ 2 ]
".. إن السنة هي المثال الذي أقامه لنا الرسول [صلى الله عليه وسلم] من أعماله وأقواله. إن حياته العجيبة كانت تمثيلاً حيًا وتفسيرًا لما جاء في القرآن الكريم، ولا يمكننا أن ننصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتبع الذي قد بلّغ الوحي"(2).
[ 3 ]
".. إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدي الحديث على أنه نظام ما، فإن أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي. وأنه من الصعب أن يفعل أحد ذلك، لأن الجامعين لكتب الحديث الأولى، وخصوصًا الإمامين البخاري ومسلمًا قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضًا أشد كثيرًا من ذلك الذي يلجأ إليه المؤرخون الأوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم"(3).
[ 4 ](5/223)
".. إن رفض الأحاديث الصحيحة، جملة واحدة أو أقسامًا، ليس حتى اليوم.. إلا قضية ذوق، قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثًا علميًا خالصًا من الأهواء.."(4).
[ 5 ]
".. إن العمل بالسنة [يجعل] كل شيء في حياتنا اليومية مبنيًا على الاقتداء بما فعله الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهكذا نكون دائمًا، إذا فعلنا أو تركنا ذلك، مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه، ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا طوال الحياة.."(5).
_________________
(1) ... الإسلام على مفترق الطرق ، ص 87 .
(2) ... نفسه ، ص 88 .
(3) ... نفسه ، ص 92 .
(4) ... نفسه ، ص 97 .
(5) ... نفسه ، ص 109 .
---------------------
كارلايل(1)
[ 1 ]
".. هل رأيتم قط .. أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا.. إنه لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل.."(2).
[ 2 ]
".. إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] لم يتلق دروسًا على أستاذ أبدًا وكانت صناعة الخطّ حديثة العهد آنذاك في بلاد العرب، ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يعرف الخط والقراءة، وكل ما تعلم هو عيشة الصحراء وأحوالها وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهده بعينيه ويتلقى بفؤاده من هذا الكون العديم النهاية.. أنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسّر له أن يبصره بنفسه أو يصل إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب، ولم يضره.. أنه لم يعرف علوم العالم لا قديمها ولا حديثها لأنه كان بنفسه غنيًا عن كل ذلك. ولم يقتبس محمد [صلى الله عليه وسلم] من نور أي إنسان آخر ولم يغترف من مناهل غيره ولم يك في جميع أشباهه من الأنبياء والعظماء – أولئك الذين أشبههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور – من كان بين محمد [صلى الله عليه وسلم] وبينه أدنى صلة وإنما نشأ وعاش وحده في أحشاء الصحراء.. بين الطبيعة وبين أفكاره"(3).
"لوحظ على محمد [صلى الله عليه وسلم] منذ [صباه] أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ.. وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم كريمًا برًّا رؤوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد.. عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك.. فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء"(4).
[ 4 ]
".. ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن صادقًا في رسالته.. أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة [مع خديجة رضي الله عنها] لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا دوي، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة.. ولم يكن إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هاجعًا وثار يريد أمرًا جليلاً وشأنًا عظيمًا"(5).
[ 5 ](5/224)
".. لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير [صلى الله عليه وسلم] ابن القفار والفوات العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرًا وحنانًا وبرًا وحكمة وحجى ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ ترى محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يرض أن يلتفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سرّ الوجود يسطع لعينيه بأهواله ومخاوفه ومباهره، ولم يكن هنالك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكأنه لسان حال ذلك السرّ يناجيه: هاآنذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية وكل القلوب واعية. وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء.."(6).
[ 6 ]
"إني لأحب محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لبراءة طبعه من الرأي والتصنّع. ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي لا يعول إلا على نفسه ولا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبرًا ولكنه لم يكن ذليلاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحرّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة. وكان يعرف لنفسه قدرها.. وكان رجلاً ماضي العزم لا يؤخر عمل اليوم إلى غد.."(7).
____________________________________
(1) توماس كارلايل ( 1795 – 1881 ) Th. Carlyle
الكاتب الإنجليزي المعروف.
من آثاره: (الأبطال) (1940)، وقد عقد فيه فصلاً رائعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، (الثورة الفرنسية).. إلخ.
(2) الأبطال ، ص 43 .
(3) نفسه ، ص 5 .
(4) نفسه ، ص 50 – 51 .
(5) نفسه ، ص 51 .
(6) ... نفسه ، ص 51 – 52 .
(7) ... نفسه ، ص 64 .
---------------
كاهن(1)
[ 1 ]
"اصطبغت شخصية محمد [صلى الله عليه وسلم] بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى"(2).
[ 2 ]
"يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيًا وفكريًا، كما استطاع في الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل البقاء والخلود للرسالة التي بشر بها. وحتم علينا أن نلقى محمدًا [صلى الله عليه وسلم] بعواطف الإجلال والاحترام لما تحلى به من سمو الإلهام ومن قدرة على تذليل العقبات الإنسانية عامة والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة. وربما أثارت فينا بعض جوانب حياته شيئًا من الارتباك تبعًا لعقليتنا المعاصرة. فقد أكدت المهاترات على شهوات الرسول [صلى الله عليه وسلم] الدنيوية وألمحت إلى زوجاته التسع اللائي اتخذهن بعد وفاة خديجة [رضي الله عنه]. لكن الثابت أن معظم هذه الصلات الزوجية قد طبعت بطابع سياسي، وأنها استهدفت الحصول على ولاء بعض الأشراف وبعض الأفخاذ. ثم إن العقلية العربية تقرّ الإنسان إذا استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله"(3).
[ 3 ]
".. الحق أننا نتجاوز النقد العلمي الصحيح إذا نحن أنكرنا على كل حديث صحته أو قدمه. ولقد باشر العلماء بمثل هذا التمحيص منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد لا يعمّان على نسق واحد واستندوا في ذلك إلى بعض الأحاديث التي يمكن اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها. بمعنى أن الموقف النقدي مفروض على الباحث المنصف. وفقهاء المسلمين أنفسهم هم قدوة لنا في هذا المضمار لأنهم – على طريقتهم – قد التزموا بذلك الموقف منذ العصر الوسيط"(4).
_________________
(1) كلود كاهن Cl. Cahen
ولد عام 1909، وتخرج باللغات الشرقية من السوربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا، وعين محاضرًا في مدرسة اللغات الشرقية في باريس (1938)، وأستاذًا لتاريخ الإسلام في كلية الآداب بجامعة ستراسبورغ (1945)، وفي جامعة باريس.
من آثاره: عدد كبير من الدراسات والأبحاث في المجلات الشهيرة، وحقق العديد من النصوص التاريخية المهمة، كما أنجز عددًا من المؤلفات عن الحروب الصليبية.
(2) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، 1 / 14 .
(3) نفسه ، 1 / 18 .
(4) نفسه ، 1 / 95 .
----------------
هاملتون كب
[ 1 ]
".. اقتضى الأمر نشوء علم جديد غايته جمع الحديث ونقده وتصنيفه وتنسيقه والحصول في النهاية – بقدر الإمكان – على مجموعة متفق عليها يتقبلها الجميع. وقد استأثرت هذه المهمة بالكثير من طاقات الفقهاء والعلماء في القرن الثالث، ولكن القائمين عليها أحرزوا نجاحًا حتى أصبح حديث الرسول [صلى الله عليه وسلم] يعتبر مرجعًا ثانيًا معتمدًا للفقه والعقيدة"(1).
[ 2 ](5/225)
".. يكاد يكون من المؤكد أن الآراء التي تعبر عنها الأحاديث [التي تم جمعها في القرن الثالث] تمثل تعاليم القرآن ومبادئه الخلقية تمثيلاً صادقًا"(2).
[ 3 ]
"إن بدايات التاريخ العلمي بالعربية تقترن بدراسة سيرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ودراسة أعماله. وعليه فإننا نجد مصدر هذه الدراسة في جمع الحديث النبوي وبخاصة الأحاديث المتعلقة بمغازي الرسول [صلى الله عليه وسلم]. وكان موطن هذه الدراسة هو المدنية.. ويفسر لنا ارتباط المغازي بالحديث، هذا الارتباط الذي ترك طابعًا لا يمحى في المنهج التاريخي باستخدام هذا المنهج للإسناد، ما طرأ من تغير هائل ظهر منذ هذه اللحظة في طبيعة الأخبار التاريخية عند العرب، ودقتها المؤسسة على النقد. ويمكننا أن نشعر لأول مرة بأننا نستند إلى أساس تاريخي قويم حتى وإن اعترفنا بوجود بعض العناصر المشكوك فيها في أخبار الفترتين، المدنية والمكية، من حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم]"(3).
[ 4 ]
"ومهما نقل في قوة النزعة الإسلامية نحو محمد [صلى الله عليه وسلم] وفي آثارها فإنا لا نوصف بالغلو. فقد كان إجلال الرسول [صلى الله عليه وسلم] شعورًا طبيعيًا محتومًا في عصره وفيما بعده، غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الإجلال. فإن العلاقات الشخصية من الإعجاب والحب اللذين بعثهما في نفوس صحابته ظل صداها يتردد خلال القرآن، والفضل في ذلك يعود إلى الوسائل التي أقرّتها الأمة لتستثير بهما مجددين في كل جيل"(4).
[ 5 ]
".. لولا الحديث لأصبح [لمحمد صلى الله عليه وسلم] في أقل تقدير صورة معممة – إن لم نقل بعيدة – في أصولها التاريخية والدينية. أما الحديث فقد صور وجوده الإنساني في مجموعة وفيرة من التفصيلات الحية المحسوسة، وبذلك قدم للمسلمين حين ربط بين المسلمين وبين نبيهم بنفسه الروابط الذاتية الوثيقة التي كانت تصله بأصحابه الأولين، وهي روابط نمت على مر القرون وكانت أقوى من أن تصاب بالضعف. ولم يصبح شخص محمد [صلى الله عليه وسلم] أبدًا ذا صبغة مرسومة مقررة، ويكاد لا يكون من الغلو أن نقول إن حرارة ذلك الشعور الشخصي نحو الرسول الحبيب [صلى الله عليه وسلم] كانت أبدًا أقوى عنصر حيوي في دين الجماهير الإسلامية أو كانت كذلك بين أهل السنة، على الأقل"(5).
".. ما تزال الاحتفالات العائلية تختم بأدعية وأناشيد في تمجيد الرسول [صلى الله عليه وسلم] وكل الأمة تراعيها وتشهدها بحماسة في ذلك اليوم المجيد، يوم مولد النبي [صلى الله عليه وسلم] في الثاني عشر من شهر ربيع الأول. هنالك ترى المجددين والمقلدين والصوفية والسلفية والعلماء وأفراد الجمهور يلتقون جميعًا معًا على بقعة واحدة، وقد يكون بين نزعاتهم العقلية تنوع واسع متباين، ولكنهم جميعًا وحدة متآلفة في إخلاصهم وحبهم محمد [صلى الله عليه وسلم]"(6).
__________________
(1) ... دراسات في حضارة الإسلام ، ص 20 .
(2) ... نفسه ، ص 21 .
(3) ... نفسه ، ص 147 .
(4) ... نفسه ، ص 257 .
(5) ... نفسه ، ص 257 – 258 .
(6) ... نفسه ، ص 259 .
-------------
ايقلين كوبولد
[ 1 ]
".. هذه هي مدينة الرسول [صلى الله عليه وسلم].. تعيد إلى نفسي ذكرى جهوده في سبيل لا إله إلا الله، وتلقي في روعي صبره على المكاره واحتماله للأذى في سبيل الوحدانية الإلهية"(1).
[ 2 ]
"كان العرب قبل محمد [صلى الله عليه وسلم] أمة لا شأن لها ولا أهمية لقبائلها ولا لجماعتها، فلما جاء محمد [صلى الله عليه وسلم] بعث هذه الأمة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجالاً وآجالاً.."(2).
[ 3 ]
".. لعمري، ليجدن المرء في نفسه، ما تقدم إلى قبر [الرسول صلى الله عليه وسلم] روعة ما يستطيع لها تفسيرًا، وهي روعة تملأ النفس اضطرابًا وذهولاً ورجاء وخوفًا وأملاً، ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في سبيل الإنسانية وخير البشرية"(3).
[ 5 ]
"لقد استطاع النبي [صلى الله عليه وسلم] القيام بالمعجزات والعجائب، لَمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام وقبول الوحدانية الإلهية.. لقد وفّق إلى خلق العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"(4).
[ 6 ]
"مع أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان سيد الجزيرة العربية.. فإنه لم يفكر في الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها، بل ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله، وأنه خادم المسلمين، ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده، كريمًا بارًا كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان في أكثر الأحايين قليلاً لا يكاد يكفيه"(5).
_____________________
(1) ... البحث عن الله ، ص 39 – 40 .
(2) ... نفسه ، ص 51 .
(3) ... نفسه ، ص 52 .(5/226)
(4) ... نفسه ، ص 66 – 67 .
(5) ... نفسه ، ص 67 .
---------------
كولد تسيهر(1)
[ 1 ]
".. إن محمدًا قد بشر بمذهبه للمرة الأولى بحماس لم يفترا ولم تعوزه المثابرة، وبعقيدة ثابتة بأن هذا المذهب يحقق صالح الجماعة الخاصة، وقد كان في ذلك كله مظهرًا لإنكار الذات برغم سخرية الجمهور"(2).
[ 2 ]
".. الحق، أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان بلا شك أول مصلح حقيقي في الشعب العربي من الوجهة التاريخية"(3).
[ 3 ]
"في هذا العصر نرى النبي [صلى الله عليه وسلم] يستخدم حنكته المفكرة ورويته الدقيقة وتبصره العالمي، في مقاومة خصومه الذين شرعوا في معارضة مقاصده وغاياته في داخل موطنه وخارجه"(4).
___________________
(1) كولد تسيهر (1850-1921م) Y. Gldziher
تخرج باللغات السامية على كبار أساتذتها في بودابست وليبزج وبرلين وليدن. ولما نبه ذكره عين أستاذًا محاضرًا في كلية العلوم بجامعة بودابست (1873) ثم أستاذ كرسي (1906). رحل إلى عدد من البلدان العربية وتضلع بالعربية على شيوخ الأزهر. انتخب عضوًا في عدد من المجامع العلمية وحضر عددًا من المؤتمرات الاستشراقية.
من آثاره: كتب سيلاً من المقالات والأبحاث في المجلات الآسيوية والغربية بأكثر من لغة. وكتاب (العقيدة والشريعة في الإسلام) (باريس 1920)، و(درس في الإسلام) في جزأين كبيرين. كما حقق العديد من النصوص القديمة.
(2) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 12 – 13 .
(3) نفسه ، ص 13 .
(4) نفسه ، ص 21 – 22 .
عبد الله لويليام
[ 1 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] على أعظم ما يكون من كريم الطباع وشريف الأخلاق ومنتهى الحياء وشدة الإحساس.. وكان حائزًا لقوة إدراك عجيبة وذكاء مفرط وعواطف رقيقة شريفة. وكان على خلق عظيم وشيم مرضية مطبوعًا على الإحساس.."(1).
[ 2 ]
".. إن بعض كتاب هذا العصر الحاضر كادوا أن يعرفوا بأن الطعن والقدح والشتم والسب ليس بالحجة ولا البرهان فسلموا بذكر كثير من صفات النبي [صلى الله عليه وسلم] السامية وجليل أعماله الفاخرة.."(2).
[ 3 ]
".. ما اهتدى مئات الملايين إلى الإسلام إلا ببركة محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي علمهم الركوع والسجود لله وأبقى لهم دستورًا لن يضلوا بعده أبدًا وهو القرآن الجامع لمصالح دنياهم ولخير أخراهم.."(3).
[ 4 ]
"لما شرف محمد [صلى الله عليه وسلم] ساحة عالم الشهود بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلاء النوع الإنساني وترقيه في درجات المدنية أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة. ومن نظر بعين البصيرة في حال الأنام قبله عليه الصلاة والسلام وما كانوا عليه من الضلالة.. ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظيمًا كما بين الثريا والثرى"(4).
[ 5 ]
".. امتدت أنوار المدنية بعد محمد [صلى الله عليه وسلم] في قليل من الزمان ساطعة في أقطار الأرض من المشرق إلى المغرب حتى إن وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولي الألباب. وما السبب في ذلك إلا كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى الحكمة"(5).
__________________
(1) ... العقيدة الإسلامية ، ص 96 – 97 .
(2) ... نفسه ، ص 113 – 114 .
(3) ... نفسه ، ص 38 (عن لوزون في خطبته المذكورة ).
(4) ... أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ، ص 21 – 22 .
(5) ... نفسه ، ص 22- 23 .
---------------
روم لاندو
[ 1 ]
".. لم ينسب محمد [صلى الله عليه وسلم] في أيّما يوم من الأيام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية. على العكس، لقد كان حريصًا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحي للناس"(1).
[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] تقيًّا بالفطرة، وكان من غير ريب مهيّأ لحمل رسالة الإسلام التي تلقاها.. وبالإضافة إلى طبيعته الروحية، كان في سرّه وجهره رجلاً عمليًا عرف مواطن الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي، وأدرك أن الإصلاحات الضرورية ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطًا وإلى المدنيين الوثنيين، وفي آن معًا، على نحو تدريجي. وفي الوقت نفسه كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يملك إيمانًا لا يلين بفكرة الإله الواحد.. وعزمًا راسخًا على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب"(2).
[ 3 ](5/227)
"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هائلة. كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية (وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد [صلى الله عليه وسلم] في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد [صلى الله عليه وسلم] بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام، أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً"(3).
[ 4 ]
"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هي القضاء على النظام القبلي القوي الذي كان مسؤولاً عن اندلاع نار الحرب، على نحو موصول تقريبًا، بين العرب، والاستعاضة عنه بولاء لله يسمو على جميع الروابط الأسرية والأحقاد الصغيرة. كان عليه أن يعطي الناس قانونًا كليًا يستطيع حتى العرب المتمردون قبوله والإذعان له، وكان عليه أن يفرض الانضباط على مجتمع عاش على العنف القبلي والثأر الدموي لضروب من المظالم بعضها واقعي وبعضها متوهم. كان عليه أن يحلّ الإنسانية محل الوحشية، والنظام محل الفوضى، والعدالة محلة القوة الخالصة"(4).
[ 5 ]
"عندما توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] عام 632م كان في نجاح الإسلام ما زكى إيمان خديجة [رضي الله عنها] بالوحي الذي تلقاه زوجها، وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة في سبيلها إلى القيام بفتح روحي ومادي لا يضارعه أي فتح في التاريخ البشري"(5).
________________
(1) ... الإسلام والعرب ، ص 32 .
(2) ... نفسه ، ص 33 .
(3) ... نفسه ، ص 33 – 34 .
(4) ... نفسه ، ص 34 .
(5) ... نفسه ، ص 35 .
-------------
لايتنر(1)
[ 1 ]
"بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد [صلى الله عليه وسلم] ليس اقتباسًا بل قد (أوحي إليه به) ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [صلى الله عليه وسلم] وأنه قد أوحي إليه"(2).
[ 2 ]
"إن الديانة النصرانية التي ودّ محمد [صلى الله عليه وسلم] إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح [عليه السلام] تخالف التعاليم السّرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد [صلى الله عليه وسلم] وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم [عليه السلام] لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام"(3).
[ 3 ]
".. لما بلغ [صلى الله عليه وسلم] السنة الخامسة والعشرين من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عامًا، وهذه تشابه امرأة عمرها خمسون عامًا في أوربا، وهي أول من آمن برسالته المقدسة.. وبقيت خديجة (رضي الله عنها) معه عشرين عامًا لم يتزوج عليها قط حتى ماتت (رضي الله عنها). ولما بلغ من العمر خمسًا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الأخرى. لكن ليس من الاستقامة والصدق أن ننسب ما لا يليق لرجل عظيم صرف كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف فلا ريب أن لزواجه بسن الكبر أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص، وما هي تلك الأسباب يا ترى ؟ ولا ريب هي شفقته على نساء أصحابه الذين قتلوا.."(4).
[ 4 ]
".. مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان [صلى الله عليه وسلم] كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك الوحي من وجود"(5).
[ 5 ]
".. إني لأجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى المسيح [عليه السلام] احترامًا عظيمًا وذلك باحترامهم محمدًا [صلى الله عليه وسلم]، ولا ريب في أن المسيحي المعترف برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم] وبالحق الذي جاء به هو المسيحي الصادق"(6).
_______________________
(1) لايتنر Lightner
باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها.
(2) دين الإسلام ، ص 4 – 5 .
(3) نفسه ، ص 5 .(5/228)
(4) نفسه ، ص 12 – 13 .
(5) نفسه ، ص 132 – 133 .
(6) نفسه ، ص 6 .
---------------
غوستاف لوبون
[ 1 ]
"جمع محمد [صلى الله عليه وسلم] قبل وفاته كلمة العرب، وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد، فكانت في ذلك آيته الكبرى.. ومما لا ريب فيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية ولذلك كان فضله على العرب عظيمًا.."(1).
[ 2 ]
"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد [صلى الله عليه وسلم] من أعظم من عرفهم التاريخ، وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله.."(2).
[ 3 ]
"استطاع محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يبدع مثلاً عاليًا قويًا للشعوب العربية التي لا عهد لها بالمثل العليا، وفي ذلك الإبداع تتجلى عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم] على الخصوص.. ولم يتردد أتباعه في التضحية بأنفسهم في سبيل هذا المثل الأعلى.."(3).
[ 4 ]
".. لا شيء أصوب من جمع محمد [صلى الله عليه وسلم] لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن نقدر قيمة ذلك بنتائجه، فقد فتح العرب العالم في قرن واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد [صلى الله عليه وسلم]"(4).
______________________
(1) ... دين الإسلام ، ص 16 .
(2) ... حضارة العرب ، ص 115 .
(3) ... نفسه ، ص 116 .
(4) ... نفسه ، ص 393 – 394 .
------------
لوقا(1)
[ 1 ]
".. ما كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل [عليهم السلام]، وهمة البطل، فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّي فيه الرجل"(2).
[ 2 ]
"لا تأليه ولا شبهة تأليه في معنى النبوة الإسلامية.. وقد درجت شعوب الأرض على تأليه الملوك والأبطال والأجداد، فكان الرسل أيضًا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية بسبب من الأسباب، فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا في الرسول أو النبي أنه ليس بشرًا كسائر البشر وأن له صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواترًا مكررًا في آيات القرآن، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر" {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف 110]، وفي تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة، والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى البشرية بحال من الأحوال. بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى فيما جاء بسورة الشورى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ} [الشورى 48]، وظاهر في هذه الآية تعمد تنبيه الرسول نفسه [صلى الله عليه وسلم] إلى حقيقة مهمته، وحدود رسالته التي كلف بها، وليس له أن يعدوها، كما أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها"(3).
[ 3 ]
".. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو في سريرته، قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادي، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة. يطريه أصحابه بالحق الذي يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيمًا له، فينهاهم عن ذلك قائلاً: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا"(4).
[ 4 ]
"ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلاً قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعًا أو شبه متوقع لذلك الداعي إلى الله في عاصمة الأوثان والأزلام.. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث آله، ولم يجعل لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحرم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يمكن لنفسه ولا لذويه. وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض أي قالة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذ المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة في الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى.. وما ضلّ وما غوى.. وما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين.."(5).
[ 5 ](5/229)
"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من (أبي القاسم) [صلى الله عليه وسلم] الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام؟"(6).
[ 6 ]
"كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] يملك حيويته ولا تملكه حيويته. ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه. فهي قوة له تحسب في مزاياه، وليست ضعفًا يعد في نقائصه. لم يكن [صلى الله عليه وسلم] معطل النوازع ولكنها لم تكن نوازع تعصف به، لأنه يسخرها في كيانه في المستوى الذي يكرم به الإنسان حين يطلب ما هو جميل وجليل في الصورة الجميلة الجليلة التي لا تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره. وبيان ذلك في أمر بنائه بزوجاته التسع [رضي الله عنهن].."(7).
__________________
(1) د. نظمي لوقا Dr. N. Luka
مسيحي من مصر. يتميز بنظرته الموضوعية وإخلاصه العميق للحق. ورغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان صبيًا، فإنه كثيرًا ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة الرسول عليه السلام. بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره. ألف عددًا من الكتب أبرزها (محمد الرسالة والرسول)، و(محمد في حياته الخاصة).
(2) محمد الرسالة والرسول ، ص 28 .
(3) محمد الرسالة والرسول ، ص 85 – 86 .
(4) نفسه ، ص 179 – 180 .
(5) نفسه ، ص 183 – 186 .
(6) محمد في حياته الخاصة ، ص 12 .
(7) نفسه ، ص 39 – 40 ، ويمكن للقارئ أن يرجع للكتاب نفسه (محمد في حياته الخاصة)، فهو بمجمله يمكن أن يعدّ شهادة قيّمة على حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] العائلية الخاصة.
------------
ماسيه(1)
[ 1 ]
"بفضل إصلاحات محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"(2).
[ 2 ]
".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] هو المشرّع الملهم والمحرك الأول للوحدة الدينية بين جميع الأقوام، .. وكان بسيطًا وحازمًا.."(3).
_________________
(1) هنري ماسيه H. Masse
ولد عام 1886، عمل مديرًا للمعهد الفرنسي بالقاهرة، وعين أستاذًا في جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا في مجمع الكتابات والآداب وفي المجمع العلمي العربي بدمشق، وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو في لجنة المستشرقين.
من آثاره: نشر كتابًا عن الشاعر (سعدي) (1919)، وصنف كتابًا بعنوان: (الإسلام) (1957)، كما ترجم وحقق العديد من النصوص العربية، ونشر العديد من الأبحاث في المجلات الاستشراقية الشهيرة.
(2) الإسلام ، ص 55 .
(3) نفسه ، ص 59 .
-----------
مونته(1)
[ 1 ]
"إن طبيعة محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية تدهش كل باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص. فقد كان محمد مصلحًا دينيًا ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيرًا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التي جعلته من أسطع الأنوار الإنسانية في الدين. وهو في قتاله الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلاد العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كبارًا جدًا في تاريخ قومهم. ولقد جهل كثير من الناس محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وبخسوه حقه وذلك لأنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها"(2).
[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله"(3).
[ 3 ]
".. ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل [محمد [صلى الله عليه وسلم]] وإن ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية"(4).
[ 4 ]
"لا مجال للشك في إخلاص الرسول [صلى الله عليه وسلم] وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره.."(5).
_________________
(1) مونته ( 1856 – 1927 ) Montet
أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن)، وترجمة جيدة للقرآن، و(حاضر الإسلام ومستقبله).
(2) محمد والقرآن ، ص 18 ( عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي 1 / 32 ).
(3) نفسه ، ( عن ستودارد 1 / 32 ).
(4) حاضر الإسلام ومستقبله (عن محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية 1/67).
(5) نفسه ، 1 / 67 .
---------------
نهرو(1)
[ 1 ](5/230)
".. لربما خامرت هؤلاء الملوك والحكام [الذين تسلموا كتب الرسول [صلى الله عليه وسلم]] الدهشة من هذا الرجل البسيط الذي يدعوهم إلى الطاعة. ولكن إرسال هذه الكتب يعطينا صورة عن مقدار ثقة محمد [صلى الله عليه وسلم] بنفسه ورسالته. وقد هيأ بهذه الثقة وهذا الإيمان لأمته أسباب القوة والعزّة والمنعة وحوّلهم من سكان صحراء إلى سادة يفتحون نصف العالم المعروف في زمانهم.. وقد توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] بعد أن جعل من القبائل العربية المتنافرة أمة واحدة تتقد غيرة وحماسًا.."(2).
________________
(1) جوار لال نهرو J. Lal Nahro
ولد في عام 1889، في مدينة الله آباد، في الهند، والتقى بغاندي في أوائل عام 1919، اعتقل عدة مرات، وانتخب رئيسًا لحزب المؤتمر الهندي الوطني عدة مرات، دخل الوزارة، وتولى الشؤون الخارجية، وأصبح نائبًا لرئيس المجلس التنفيذي، أول من تولى رئاسة الوزراء الهندية بعد استقلال الهند، له عدة مؤلفات في التاريخ والسياسة والشؤون الهندية، توفي عام 1964م.
(2) لمحات من تاريخ العالم ، ص 25 – 26 .
---------------
هارث(1)
[ 1 ]
"إن اختياري لمحمد [صلى الله عليه وسلم] ليكون رأس القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، ربما أدهش كثيرًا من القراء،.. ولكن في اعتقادي أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي"(2).
[ 2 ]
"لقد أسس محمد [صلى الله عليه وسلم] ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام. ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنًا تقريبًا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويًا وعارمًا.."(3).
[ 3 ]
".. من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح (عليه السلام)"(4).
[ 4 ]
".. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يختلف عن المسيح بأنه كان زعيمًا دنيويًا فضلاً عن أنه زعيم ديني، وفي الحقيقة إذا أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الأجيال"(5).
[ 5 ]
".. إن هذا الاتحاد الفريد لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخول محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية"(6).
___________________
(1) الدكتور مايكل هارث Michael Hart
أمريكي، حصل على عدة شهادات في العلوم وعلى الدكتوراه في الفلك من جامعة برنستون، عام 1972، عمل في مراكز الأبحاث والمراصد، وهو أحد العلماء المعتمدين في الفيزياء التطبيقية.
(2) دراسة في المائة الأوائل ، ص 19 .
(3) نفسه ، ص 19 .
(4) نفسه ، ص 23 .
(5) نفسه ، ص 24 .
(6) نفسه ، ص 25 .
------------
مونتغمري وات
[ 1 ]
"منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد [صلى الله عليه وسلم] في كتابه (الأبطال وعبادة البطل) أدرك الغرب أن هناك أسبابًا وجيهة للاقتناع بصدق محمد. إذ إن عزيمته في تحمل الاضطهاد من أجل عقيدته، والخلق السامي للرجال الذين آمنوا به، وكان لهم بمثابة القائد، وأخيرًا عظمة عمله في منجزاته الأخيرة، كل ذلك يشهد باستقامته التي لا تتزعزع. فاتهام محمد [صلى الله عليه وسلم] بأنه دجال Imposteur يثير من المشاكل أكثر مما يحلّ. ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حط من قدرها في الغرب كمحمد [صلى الله عليه وسلم]. فقد أظهر الكتاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ الأمور عن محمد [صلى الله عليه وسلم] وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من الوقائع ممكنًا قبوله. ولا يكفي، مع ذلك، في ذكر فضائل محمد أن نكتفي بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه. وإذا أردنا أن نصحح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل حالة من الحالات، لا يقوم الدليل القاطع على ضدها، أن نتمسك بصلابة بصدقه. ويجب علينا أن لا ننسى عندئذ أيضًا أن الدليل القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنًا وأنه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه.."(1).
[ 2 ]
"هناك – على العكس – أسباب قوية تؤكد صدق (محمد) [صلى الله عليه وسلم] ونستطيع في مثل هذه الحالة الخاصة أن نبلغ درجة عالية من اليقين، لأن النقاش حول هذه المسألة.. يعتمد على وقائع ولا يمكن أن يتضمن خلافًا في التقدير حول الأخلاقية.."(2).
[ 3 ](5/231)
".. ليس توسع العرب شيئًا محتومًا أو آليًا وكذلك إنشاء الأمة الإسلامية. ولولا هذا المزيج الرائع من الصفات المختلفة الذي نجده عند محمد [صلى الله عليه وسلم] لكان من غير الممكن أن يتم هذا التوسع، ولاستنفذت تلك القوى الجبارة في غارات على سوريا والعراق دون أن تؤدي لنتائج دائمة. ونستطيع أن نميز ثلاث هبات مهمة أُوتيها محمد [صلى الله عليه وسلم]. وكانت كل واحدة منها ضرورية لإتمام عمل محمد [صلى الله عليه وسلم] بأكمله. لقد أوتي أولاً موهبة خاصة على رؤية المستقبل. فكان للعالم العربي بفضله، أو بفضل الوحي الذي ينزل عليه حسب رأي المسلمين، أساس فكري (إيديولوجي) حلت به الصعوبات الاجتماعية، وكان تكوين هذا الأساس الفكري يتطلب في نفسه الوقت حدسًا ينظر في الأسباب الأساسية للاضطراب الاجتماعي في ذلك العصر، والعبقرية الضرورية للتعبير عن هذا الحدس في صورة تستطيع إثارة العرب حتى أعمق كيانها.. وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] ثانيًا رجل دولة حكيمًا. ولم يكن هدف البناء الأساسي الذي نجده في القرآن، سوى دعم التدابير السياسية الملموسة والمؤسسات الواقعية. ولقد ألححنا خلال هذا الكتاب غالبًا على استراتيجية محمد [صلى الله عليه وسلم] السياسية البعيدة النظر على إصلاحاته الاجتماعية ولقد دلّ على بعد نظره في هذه المسائل الانتشار السريع الذي جعل من دولته الصغيرة إمبراطورية، وتطبيق المؤسسات الاجتماعية على الظروف المجاورة واستمرارها خلال أكثر من ثلاثة عشر قرنًا. وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] ثالثًا رجل إدارة بارعًا، فكان ذا بصيرة رائعة في اختيار الرجال الذين يندبهم للمسائل الإدارية. إذ لن يكون للمؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق خاطئًا مترددًا. وكانت الدولة التي أسسها محمد [صلى الله عليه وسلم] عند وفاته، مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود في وجه الصدمة التي أحدثها غياب مؤسسها، ثم إذا بها بعد فترة تتلاءم مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساعًا رائعًا"(3).
[ 4 ]
"كلما فكرنا في تاريخ محمد [صلى الله عليه وسلم] وتاريخ أوائل الإسلام، تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل. ولا شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فرصًا للنجاح لم تتحها لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف تمامًا. فلو لم يكن نبيًا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلاً مهمًا في تاريخ الإنسانية. ولي أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام ، من جديد ، برجل هو أعظم رجال أبناء آدم"(4).
_____________________
(1) ... محمد في مكة ، ص 94 .
(2) ... نفسه ، ص 497 – 498 .
(3) ... نفسه ، ص 510 – 511 .
(4) ... نفسه ، ص 512 .
ولز(1)
[ 1 ]
".. هل تراك علمت قط أن رجلاً على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانًا به. وقد آمنت به خديجة [رضي الله عنها] كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر [رضي الله عنه] شاهد أفضل وهو لم يتردد قط في إخلاصه. كان يؤمن بالنبي [صلى الله عليه وسلم] ومن العسير على أي إنسان يقرأ تلك الأيام إلا يؤمن بأبي بكر [رضي الله عنه]، وكذلك علي [رضي الله عنه] فإنه خاطر بحياته من أجل النبي [صلى الله عليه وسلم] في أحلك أيامه سوادًا.."(2).
[ 2 ]
"حجّ محمد [صلى الله عليه وسلم] حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها"(3).
[ 3 ]
"لقد منح [ العرب ] العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم أما الرجل الذي أشعل ذلك القبس العربي فهو محمد [صلى الله عليه وسلم](4).
_______________
(1) هربرت جورج ولز (1866 – 1946) H. G. Wells(5/232)
الكاتب والأديب البريطاني المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل (آلة الزمن) و(الرجل الخفي)، فضلاً عن رواياته النفسية والاجتماعية من مثل (ميكا فيللي الجديد) و(الزواج). ولم يغفل ولز البحث في التاريخ فأنجز عام 1920 (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) (1944). ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان: (تجربة في كتابة السيرة الذاتية).
(2) معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 639 .
(3) نفسه ، 3 / 640 – 641 .
(4) موجز تاريخ العالم ، ص 200 – 201 .
7-
الفهرس العام
المدخل لهذه الشهادات ... 1
1. ... ( سنرستن الآسوجي ) أستاذ اللغات السامية ... 24
2. ... (مايكل هارت) في كتابه مائة رجل في التاريخ ... 25
3. ... أرنولد ... 25
4. ... الأديب العالمي (ليف تولستوي) ... 26
5. ... الأمير تشارلز ... 27
6. ... الانجليزي ( برناردشو ) ... 27
7. ... البروفيسور ( راما كريشنا راو ) ... 27
8. ... الدكتور (شبرك) النمساوي ... 28
9. ... العظماء مائة أولهم محمد ... 28
10. ... الفيلسوف الإنجليزي ( توماس كارليل) ... 37
11. ... المستشرق الألماني ( برتلي سانت هيلر ) ... 37
12. ... المستشرق الأمريكي ( سنكس ) ... 38
13. ... المستشرق الكندي الدكتور ( زويمر ) ... 38
14. ... ايقلين كوبولد ... 38
15. ... كولد تسيهر ... 40
16. ... اينين دينيه ... 41
17. ... بارت ... 42
18. ... بروي ... 43
19. ... بلاشير ... 43
20. ... توينبي مؤرخ بريطاني معاصر ... 44
21. ... جوتة الأديب الألماني ... 45
22. ... جورج حنا ... 46
23. ... دُرّاني ... 47
24. ... رودنسن - فرانز روزنثال - جاك ريسلر - جورج سارتون ... 50
25. ... روم لاندو - لايتنر ... 51
26. ... سانتيلانا ... 55
27. ... عبد الله لويليام ... 56
28. ... غاندي ... 57
30. ... غوستاف لوبون ... 57
31. ... لوقا ... 58
32. ... فيليب حتي ... 61
33. ... كارلايل ... 63
34. ... كلود كاهن ... 66
35. ... هاملتون كب ... 67
36. ... لورافيشيا فاغليري ... 69
37. ... لويس سيديو ... 72
38. ... هنري سيروي ... 73
39. ... ليوبولد فايس ... 75
40. ... مارسيل بوازار ... 76
41. ... ماسيه ... 78
42. ... مونته ... 78
43. ... نهرو ... 79
44. ... هارث ... 79
45. ... مونتغمري وات ... 80
46. ... ولز ... 83
47. ... نصري سلهب ... 84
48. ... هنري دي فاستري ... 85
49. ... واشنجتون إيرفنج ... 87
51. ... محمد صلى الله عليه وسلم المثال الأسمى.. ك. س. رامكرشنة راو ... 88
52. ... الرسول في عيونهم ... 94
53. ... المصطفى ... 101
54. ... الصادق ... 114
55. ... تراث خالد للعالم ... 123
56. ... لايتنر: المسيحي الصادق من يعترف بمحمد ... 129
57. ... دُرّاني: محمد رجل فوق التصور ... 131
58. ... ذكر النبي الخاتم ووصف أمته ومكان دعوته ما زال بين سطور التوراة ... 133
59. ... يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ... 146
60. ... قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ... 200
61. ... نبي الإسلام في كتب البراهمة والزرادشتية والصابئة ... 204
62. ... إنجيل برنابا.. الشاهد والشهيد ... 205
63. ... بحث.. محمد رسول الله في التوراة والإنجيل ... 209
64. ... النبوءات عن النبي محمد في التوراة والإنجيل ... 296
65. ... رسالة إلى العقل والقلب [دراسة مقارنة عن النبي محمد] ... 300
66. ... ما أحوج العالم إلى محمد! ... 384
الباب الخامس -المنصفون ... 387
1. ... مفكر فرنسي: الجهل بالإسلام وراء أزمة الرسوم المسيئة ... 387
2. ... اليابان تندد بالرسوم المسيئة وتعتبرها عملاً طائشًا ... 387
3- عديد منهم قالوا : ... 388
4- قال المنصفون منهم في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ... 396
5- قالوا عن نبينا وإسلامنا وحضارتنا.. ... 403
6- محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ... 509(5/233)
فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم ومناقبه وحقوقه(5)
الباب السادس- دلائل ومعجزات النبوة
شبهات وأباطيل
قصة الصراع بين الحق والباطل والخير والشر قصة قديمة بدأت فصولها مع بداية وجود الإنسان على الأرض، وسوف تتواصل فصولها طالما كان هناك إنسان في هذا الوجود.
وعندما ظهر الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لم يتوقف سيل الشبهات التي يثيرها المشككون من خصوم هذا الدين تشكيكا في مصادره أو في نبيه أو في مبادئه وتعاليمه. ولا تزال الشبهات القديمة تظهر حتى اليوم في أثواب جديدة يحاول مروجوها أن يضيفوا عليها طابعا علميا زائفا.
ومن المفارقات الغريبة في هذا الصدد أن يكون الإسلام – وهو الدين الذي ختم الله به الرسالات ، وكان آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض – قد اختص من بين كل الديانات التي عرفها الإنسان سماوية كانت أم أرضية بأكبر قدر من الهجوم وإثارة الشبهات حوله.
ووجه الغرابة في ذلك يتمثل في أن الإسلام في الوقت الذي جاء فيه يعلن للناس الكلمة الأخيرة لدين الله على لم ينكر أيا من أنبياء الله السابقين ولا ما أنزل عليهم من كتب سماوية ، ولم يجبر أحد من أتباع الديانات السماوية السابقة على اعتناق الإسلام . ولم يقتصر الأمر على عدم الإنكار ، وإنما جعل الإسلام الإيمان بأنبياء الله جميعا وما أنزل عليهم من كتب عنصرا أساسيا من عقيدة كل مسلم بحيث لا تصح هذه العقيدة بدونه.
ومن شأن هذا الموقف المتسامح للإسلام إزاء الديانات السابقة أن يقابل بتسامح مماثل وأن يقلل من عدد المناهضين للإسلام.
ولكن الذي حدث كان على العكس من ذلك تماما. فقد وجدنا الإسلام – على مدى تاريخه – يتعرض لحملات ضارية من كل اتجاه . وليس هناك في عالم اليوم دين من الأديان يتعرض لمثل ما يتعرض له الإسلام في الإعلام الدولي من ظلم فادح وافتراءات كاذبة.
وهذا يبين لنا أن هناك جهلا فاضحا بالإسلام وسوء فهم لتعاليمه سواء كان ذلك بوعي أو بغير وعى ، وأن هناك خلطا واضحا بين الإسلام كدين وبعض التصرفات الحمقاء التي تصدر من بعض أبناء المسلمين باسم الدين وهو منها براء.
ومواجهة ذلك تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من اجل توضيح الصورة الحقيقة للإسلام ، ونشر ذلك على أوسع نطاق.
ولم يقتصر علماء المسلمين على مدى تاريخ الإسلام في القيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل الأقوم للرد ، وهناك محاولات جادة بذلت في الفترة الأخيرة للدفاع عن الإسلام في مواجهة حملات التشكيك.
وسنعرض لبعض الشبهات التي أثارها الحاقدون والرد عليها بالحجة الدامغة.
الشبهة الأولى: حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة:
هناك من لا يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ، ويقدمون الأدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل الرسول صلى الله عليه وسلم ، زوجاته ، ونزلت الآية الكريمة التي تنهاه عن ذلك
الرد على الشبهة:
إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عصمة كل الرسل - عليهم السلام - يجب أن تفهم في نطاق مكانة الرسول.. ومهمة الرسالة.. فالرسول: بشر يوحَى إليه.. أي أنه - مع بشريته - له خصوصية الاتصال بالسماء ، بواسطة الوحي.. ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه ، كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.
والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ، والدعوة إليها ، والجهاد في سبيل إقامتها وتطبيقها.. وله على الناس طاعة هي جزء من طاعة الله - سبحانه وتعالى – {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ولذلك كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة في هذا البلاغ الإلهي الذي اختيروا ليقوموا به بين الناس.. وبداهة العقل - فضلاً عن النقل - تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفي الصدق على رسالته ، كان عابثًا.. وهو ما يستحيل على الله، الذي يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهي.. والحُجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون.
وفى التعبير عن إجماع الأمة على ضرورة العصمة للرسول فيما يبلغ عن الله.
الشبهة الثانية: قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب الجحيم!
الرد على الشبهة:(6/1)
ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟ مادام هو صلوات الله وسلامه عليه قد برئ من هذه الخطيئة ولاسيما في مرحلة ما قبل النبوة ، وكانت مرحلة الشباب التي يمكن أن تكون إغراء له ولأمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة ؛ لاسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك وكان الزنا فيه من الأمور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا أيضًا. وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ، وتُعلق على أبوابها علامات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ، وتعرف بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات.
ومع هذا الاعتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة ، ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم وتقديرهم ، وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر. هذه واحدة والثانية: أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه وسلم حرّمت الزنا تحريماً قاطعاً وحملت آياتها في القرآن الكريم عقاباً شديداً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هي أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علناً بحيث يشهدها الناس لتكون عبرة وزجراً لهم عن التورط فيها
فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة في المجتمع الذي كان يراها عادية ومألوفة ، ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ، وتضع مرتكبيها في مرتبة الانحطاط والشذوذ عن الأسوياء من البشر..
فلِمَ يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟! وهل يصح في منطق العقلاء أن يعيبوا إنساناً بما في غيره من العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الآخرين وخطاياهم ؟.
وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !
أن الإسلام يمتاز بأمرين مهمين:
أولهما: أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ولا يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح آيات القرآن يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ثم: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وورد هذا النص في آيات كثيرة.
أما الأمر الثاني: فيما أقره الإسلام في مسألة الخطيئة فهو أنها لا تورث، ولا تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو بين الآباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}.
{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ}.
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}.
{وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.
وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقرَّه الإسلام من أن الخطايا فردية وأنها لا تورث ولا يجزى فيها والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً.
وما دام الأمر فلا أن فلم يلام محمد صلى الله عليه وسلم ولا يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ولا يجزى فيها شيئاً أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها.
وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبداً في هذه الخطيئة لا قبل زواجه ولا بعده ، ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في المصرف الحلال الذي حض الإسلام عليه وهو النكاح الشرعي الحلال ، ودعا المسلمين إلى عدم المغالاة في المهور تيسيراً على الراغبين في الحلال.
الشبهة الثالثة: محمد صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله
الرد على الشبهة:
استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا الاتهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وهذه الآية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل عند إحداهن وأكل عندها طعامًا لا يوجد في بيوتهن ، فأسر إلى إحداهن بالأمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحرّم صلى الله عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن.(6/2)
والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحرّم ما أحل الله هو تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له..
فمطلع الآية {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} هو فقط من باب " المشاكلة " لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآني ليس اتهامًا له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحرّم شيئًا أو أمرًا أو عملاً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته من خلقه العالي الكريم.
ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.
وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله من المستحيلات على مقام نبوته التي زكاها الله تبارك وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.
فمقولة بعضهم أنه يحرّم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ، وما هو إلا وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه فهو بمثابة يمين له كفارته ولا صلة له بتحريم ما أحل الله.
الشبهة الرابعة: محمد صلى الله عليه وسلم أمي فكيف علّم القرآن ؟
الرد على الشبهة:
والأمي إما أن يكون المراد به من لا يعرف القراءة والكتابة أخذًا من " الأمية " ، وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذًا من " الأممية " حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على من ليس من جنسهم.
فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من لا يعرف القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ، بل لعله أن يكون تأكيدًا ودليلاً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو وحى أُوحى إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد ولا تعلمه من غيره. بهذا يكون الاتهام شهادة له لا عليه.
وقد رد القرآن على هذه المقولة ردًا صريحًا في قوله:
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}.
وحسب النبي الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يكون الكتاب الذي أنزل عليه معجزًا لمشركى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة ؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من مثله.
كفاه بهذا دليلاً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ولا من الشعر ولا من قول البشر ".
أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد (أنه " أمي " على معنى أنه من الأمميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه. بل إنه لشرف له أنه من الأمميين أي أنه من غير اليهود.
ذلك لأن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " الأمميين " واعتبار أنفسهم وحدهم هم الأرقى والأعظم وأنهم هم شعب الله المختار ـ كما يزعمون.
كل هذا مما يتنافى تمامًا مع ما جاء به محمد (من المساواة الكاملة بين بني البشر رغم اختلاف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذي اعتبر اختلاف الأجناس والألوان والألسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ لا يعطى تميزًا لجنس على جنس ، فليس في الإسلام ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم شعب الله المختار.
ولكن التمايز والتكريم في منظور الإسلام ؛ إنما هو بالتقوى والصلاح كما في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
الشبهة الخامسة: محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الانتحار
الرد على الشبهة:
الحق الذي يجب أن يقال.. أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا خصوم الإسلام ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري ـ رضي الله عنه ـ ؛ لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة ، ولكن أوردها تحت عنوان " البلاغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ ، ومعروف أن البلاغات في مصطلح علماء الحديث: إنما هي مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن.
وقد علق الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بقوله:
" إن القائل بلغنا كذا هو الزهري ، وعنه حكي البخاري هذا البلاغ ، وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر ".
هذا هو الصواب ، وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار ، أو حتى على مجرد التفكير فيه.
وعلى كلٍ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بشراً من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.(6/3)
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم يعتني بها ، وقد قال القرآن الكريم في ذلك: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً}.
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - في علوم عصرنا - بالإحباط أو الضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه ؛ لأنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.
وحين فتر (تأخر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه يستشرف لقاء جبريل ، فهو محبّ للمكان الذي جمع بينه وبين حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ، فماذا في ذلك أيها الظالمون دائماً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما يدع ؟
وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الآية الكريمة: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}.
فالآية لا تشير أبداً إلى معنى الانتحار ، ولكنها تعبير أدبي عن حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن الإسلام ، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى الله ، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور.
وهذا خاطر طبيعي للنبي الإنسان البشر الذي يعلن القرآن على لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله - رداً على ما طلبه منه بعض المشركين-: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه}. فكان رده: {سبحان ربى} متعجباً مما طلبوه ومؤكداً أنه بشرٌ لا يملك تنفيذ مطلبهم: {هل كنت إلا بشراً رسولاً}.
أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.
حيث ثبت في صحيح الأخبار معجزات حسية تمثل معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاءت الرسل بالمعجزات من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ، ومنها سماع حنين الجذع أمام الناس يوم الجمعة ، ومنها تكثير الطعام حتى يكفى الجم الغفير ، وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه فَحُفِظَ ، ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر بيانه في كل جيل بما يكتشفه الإنسان ويعرفه.
الشبهة السادسة: مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم
الرد على الشبهة:
حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ، وبما لا يعيب ، واتهامه بما لا يصلح أن يكون تهمة ، حتى إنك لترى من يعيب إنساناً مثلاً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل القامة ، أو مثلاً قد أصيب بالحمى ومات بها ، أو أن فلاناً من الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلاً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلاء ويرفضونه ويرونه إفلاسًا وعجزًا.
أن محمداً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم.
وينقلون عن تفسير البيضاوي:
أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس - وهى امرأة سلام بن مشكم (اليهودي) - عن أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها: إنه يحب الذراع لأنه أبعدها عن الأذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى سمّ لا يلبث أن يقتل لساعته فسمَّت به الشاة ، وذهبت بها جارية لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا محمد هذه هدية أهديها إليك.
وتناول محمد الذراع فنهش منها.. فقال صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة ؛ ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت: نلت من قومي ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون اليهود في المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها.
ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي:
أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهري.
فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثرًا بذلك السُّم إلا أن جمع الله له بين الحسنيين ، أنه لم يسلط عليه من يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأيضًا كتب له النجاة من كيد الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم وما أعظم أجر الشهيد.
وأيضًا.. لا شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ، وعَلَمًا من أعلام نبوته يبرهن على صدقه ، وعلى أنه رسول من عند الله حقًا ويقينًا.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الأجل الذي أجله له رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد ذلك بسنوات.(6/4)
الشبهة السابعة: يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عليه
الرد على الشبهة:
الحق أن الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ومن المؤمنين ليست دليل حاجة بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير له من الحق سبحانه وتقدير له من أتباعه ، وليست كما يزعم الظالمون لسد حاجته عند ربه لأن ربه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
لأن أي مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالات ، وأتم به التنزيل ، وأتم به النعمة ، فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالات.
لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم ومعاملات وما ينبغي أن تكون عليه من أخلاق وحضارة مما افتقدت مثل كماله كل الرسالات السابقة.
وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة عامة للبشرية كلها كما قال القرآن: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم رسولهم كما قال تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله}.
{وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله}.
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله}.
وهكذا كل رسول كان مرسلاً إلى قومه..
لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى الناس كافة كما جاء في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}.
ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي باحتياجات البشر جميعاً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة.
وفى هذا قال الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}.
وقال في وصفه لإكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم (الإسلام): {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ، وباعتبارها الرسالة الكاملة والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مصداقاً لقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}.
الشبهة الثامنة: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام.
الرد على الشبهة:
إن وجود البشارات وعدمها في الكتب المشار إليها آنفا سواء ، وجودها مثل عدمها ، وعدمها مثل وجودها. فرسالة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها ، بحيث إذا لم يوجد ذلك الدليل " الخارجي " بطلت - لا سمح الله - تلك الرسالة ؛ فهي رسالة دليلها فيها ، ووجود البشارات بها في كتب متقدمة - زمنا - عليها لا يضيف إليها جديداً ، وعدم وجود تلك البشارات لا ينال منها شيئاً قط.
فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغنى عما سواها. ودليلها قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان ، باق بقاء رسالته أبد الدهر أشرق ولم يغب ، ظهر ولم يختف ، قوى ولم يضعف. علا ولم يهبط ، إنه دليل صدق الأنبياء كلهم. فكل الأنبياء مضوا ولم يبق من أدلة صدقهم إلا ما جاء في هذا الدليل " القرآن العظيم " حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله المكرمون..
فلا يظنن أحدُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة برسول الإسلام إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لإثبات صدق رسول الإسلام في دعواه الرسالة. فرسول الإسلام ليس في حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره.
والبشارات موجودة في الكتب السابقة وقد وضعت فيه أبحاث وكتب من أراد الإطلاع عليها فليرجع مثلا إلى كتاب إظهار الحق للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا.
1. ... آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثبات معجزاته الباهرة للعقول(6/5)
اعلم أخي القارئ أنه قد كان في الأنبياء عليهم السلام من له المعجزة والنبوة معاً مثل موسى والمسيح عليهما السلام وقد ذهبت معجزاتهما بذهابهما، فلم يبق في أيدي الناس منها إلا ذكرها، ومنهم من كانت له نبوة ولم تكن له معجزة مثل زكريا وناحوم وميخا وملاخي وغيرهم، وها هو يوحنا المعمدان يقول عنه متى:((يوحنا عند الجميع نبي)) متى 21: 26، و في موضع آخر((أفضل من نبي)) متى 11: 9 ورغم ذلك لم يأت بآية واحدة، يقول يوحنا:((فأتى إليه كثيرون و قالوا أن يوحنا لم يفعل آية واحدة)) يوحنا 10: 41. وقد أثبت كتاب النصارى المقدس نبوة جماعة من النساء مثل: مريم أخت موسى [خروج 15 عدد 20] وحنة بنت فنوئيل [ لوقا 2 عدد 36 ] وخلده [ 2 ملوك 22 عدد 14 ] ودبوره [ القضاة 4 عدد 4 ] وأستير، وغيرهن ولم يكن لواحدة منهن كتاب ولا معجزة إلا أنهن معدودات في زمرة الأنبياء عندهم.
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له النبوة والمعجزة معاً وقد كانت معجزة القرآن الكريم المعجزة العقلية البيانية التي جاء بها الرسول الأمي هي من أعظم معجزاته وقد تميز بها على سائر الأنبياء ببقائها حتى قيام الساعة، أما معجزات من سبقه من الأنبياء فقد كانت معجزات حسية انتهت بانتهاء وقتها، فلو أنك سألت أي نصراني اليوم أرني معجزة من معجزات المسيح فلن يجيبك.
وبجانب معجزة القرآن الكريم - أخي القارئ - هناك الكثير من المعجزات والآيات الحسية قد قام بصنعها الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرتها الأحاديث الصحيحة وقد أشار إليها القرآن الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى في سورة الصافات: { وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا أن هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ }
ففي هذه الآية الكريمة نجد أن التعبير بـ(وَإِذَا رَأَوْا آيَةً) يدل بوضوح على أنهم شاهدوا معجزة أو معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي أجمع عليه كافة علماء المسلمين المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة أيضاً. ومن المسّلم به أن الآيات القرآنية سمعية وليست بصرية، وعليه لا يمكن أن يكون قوله تعالى:((وَإِذَا رَأَوْا آيَةً)) عائد للآيات القرآنية، بالإضافة إلى ذلك فأن التعبير بـ:((السحر المبين)) يتناسب تماما مع المعجزات وخوارق العادات، والواقع أن اتهامهم نبي الإسلام بالسحر، وترويجهم لهذه المسالة بشكل واسع يدل على أنهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات،
أما ما ذهب إليه البعض أن هناك آيات في القرآن الكريم تدل على أن نبي الإسلام لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم واستدلالهم بالآية 59 من سورة الإسراء التي تقول: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}، وكذلك بالآية 90 إلى 93 من سورة الإسراء والتي جاء فيها: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلاً * أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً}.
فالجواب عن ذلك هو:أن هؤلاء المشركين لم يكن يقترحون ويسألون عن تلك المعجزات اِسْتِرْشَادًا وطلباً للحق وإنما كانوا يَطْلُبُونَ ويقترحون ذَلِكَ كُفْرًا وَعِنَادًا فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم والمعجزات الأخرى، عند ذلك لم يستجيب الله عز وجل لطلب المشركين، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز، و قد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون سحر مستمر أو ساحر مبين كما ذكرنا سالفاً… وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول.
فالحاصل: أن عدم إجابة المشركين على تعنتهم لا تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات، فإن هذا يرده التأمل في معجزة القرآن وما نقل من معجزاته صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلائل النبوة.(6/6)
يقول أهل التفسير في قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بِالآيات إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } أي وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بالآيات الَّتِي اقْتَرَحَهَا أَهْل مَكَّة إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ لَمَّا أَرْسَلْنَاهَا فَأَهْلَكْنَاهُمْ وَلَوْ أَرْسَلْنَاهَا إلى هؤلاء لَكَذَّبُوا بِهَا وَاسْتَحَقُّوا الإهلاك وَقَدْ حَكَمْنَا بِإِمْهَالِهِمْ لإتمام أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى الطبري عن الحسن فِي قَوْل اللَّه تَعَالى:{وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بِالآيات إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} قَالَ: رَحْمَة لَكُمْ أَيَّتهَا الأمة، أنا لَوْ أَرْسَلْنَا بالآيات فَكَذَّبْتُمْ بِهَا، أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلكُمْ. وجاء في تفسير القرطبي: وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بالآيات الَّتِي اِقْتَرَحُوهَا إلا أن يُكَذِّبُوا بِهَا فَيَهْلِكُوا كَمَا فُعِلَ بِمَنْ كَأن قَبْلهمْ. فَأَخَّرَ اللَّه تَعَالى الْعَذَاب عَنْ كُفَّار قُرَيْش لِعِلْمِهِ أن فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِن وَفِيهِمْ مَنْ يُولَد مُؤْمِنًا. قال الإمام ابن كثير: وَكَذَلِكَ وَقَعَ فَإن مِنْ هؤلاء مَنْ أَسْلَمَ بَعْد ذَلِكَ وَحَسُنَ إسلامه حَتَّى عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة الَّذِي تَبِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ أَسْلَمَ إِسْلَامًا تَامًّا وَأنابَ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
أن المعجزات التي اقترحها هؤلاء لا تستند إلى أساس البحث عن الحقيقة، وإنما هي (اقتراحية) وتعللية، ولو نفذت طلباتهم لما آمنوا أيضًا.
هذا وأن الالتفات إلى الكلمة التي وردت في أقوال جمع من المفسرين الكبار توضح أن المعجزات على نوعين:
النوع الأول: هي المعجزات الضرورية لإثبات صدق دعوى النبي، وترغيب الناس إلى الإيمان، وتخويف المنكرين، وهي المعجزات المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة، بحيث يعبر القرآن في ذيل الآية الأولى منها بقوله: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا}، (سورة الإسراء: 59).
النوع الثاني من المعجزات: هي المعجزات التي تسمى بـ(الاقتراحية)، أي المعجزات التي يطالب بها لا لأجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الإيمان واعتناق الإسلام، وإنما بقصد تعجيز الطرف الآخر فأن وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر.
والأنبياء كانوا يتجهون صوب القسم الأول ولا يستسلمون إطلاقا لمقترحات المتعللين والمعجزات الاقتراحية. وفي الأناجيل التي مع النصارى نجد أن هناك حالات لم يقدر المسيح عليه السلام أن يعمل فيها معجزات كما في مرقس 6: 5:(ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة) ويقول مرقس أيضاً:(فخرج الفريسيون و ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه، فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية. ثم تركهم…)(مرقس 8/11-13).
يشير لحن الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء بشكل واضح إلى أن هذه المطالب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها هو البحث عن الحقيقة، بل الغاية منها هي اختلاق الأعذار والتشكيك في نبوة نبي الإسلام وإرساء دعائم الشرك والصنمية، ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلامهم، فمن ضمن مطالبهم مثلاً(الصعود إلى السماء)، ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون: نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه، {أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } وتارة يطلبون الأمور المستحيلة كقولهم: {وَقَالُوا لولا أنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [ الأنعام: 8 ]
ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقيقة النبي فلم يطلبون ست معجزات مختلفة؟ أليس المورد الواحد منها كافيا؟.
من هنا لم يتسن لأي نبي أن يستسلم لهذا النوع من الأراجيف والأباطيل، فضلا عن أن الإعجاز ليس من شأن النبي واختياره، وإنما هو من شأن اللّه تعالى واختياره.
أن النبي بإمكانه أن يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع بين يديه أي مورد يراه صالحًا، ولهذا نقرأ في ذيل الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء هذا المعنى:(قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولاً) وكذا في سورة الرعد آية 38:(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه).(6/7)
ملخص الكلام هو أنه من الصحيح القول: بأن القرآن لوحده معجزة خالدة، ولو لم يكن هناك معجزة أخرى سوى هذه المعجزة للنبي لاستطاعت أن تكون شاهداً على صدقه، ولكن هذا لا يدل على أن النبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية غير هذه المعجزات الروحية والمعنوية، بل ذهبت الآيات والروايات والتواريخ الإسلامية وسيرة النبي إلى القول: بأنه كان يمتلك ذلك، ولا شك في أن انضمام المعجزات المحسوسة والمادية إلى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر حقيقة الدعوة النبوية بصورة أجلى وأوضح.
ولنذكر الآن بعض من المعجزات الحسية التي قام بصنعها رسولنا الكريم:
1- معجزة نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم. [ صحيح البخاري ج 1 / ص 74] [ صحيح مسلم ج4 / ص 1783 ] [ صحيح ابن حبان ج/14 ص/ 477 ]
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة(أي أناء صغير من جلد) يتوضأ فجهش الناس نحوه(أي تجمعوا) قال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. [ صحيح البخاري ج / 3 ص1310/ ] [ صحيح ابن حبان ج14/ص480 ]
والروايات في هذه المعجزة مشهورة بين الصحابة وقد رواها جمع كثير منهم أنس وجابر بن عبد الله وابن عباس، والبراء بن مالك وأبو قتادة، وغيرهم وخبرها متواتر مستفيض. وقد تكررت في أكثر من مناسبة.
2- معجزة شفاء علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة:
قال عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر:-(لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال : "فأرسلوا إليه (ائتوني به) فأُتي به فنفث في عينه بقليل من ريقه عليه الصلاة والسلام فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط. [ رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل الصحابة ]
وقد قام المسيح عليه السلام بالتفل في عين أحد العميان فشفي من مرضه [ مرقس 8: 22 ]:((وجاء إلى بيت صيدا.فقدموا إليه أعمى وطلبوا إليه أن يلمسه. فاخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل أبصر شيئًا.))
_ وأصيب سلمة يوم خيبر بضربة في ساقه، فنفث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث نفثات فما اشتكاها قد. عن يزيد بن أبي عبيد قال:((رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس أصيب سلمة … فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة.)) [ صحيح البخاري ج 4 / 1541/ صحيح أبي داود / 3295 صحيح ابن حبان ج14 / ص 439]
_ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن عبد الله بن عتيك لما قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه، قال: فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أبسط رجلك" فبسطها فمسحها فكأنما لم أشكها قط. [ صحيح البخاري ج 4 / ص 1483]
_ وعن معاذ بن رافع بن مالك عن أبيه قال:((رميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء)) [ أخرجه ابن أبي شيبه والحاكم والبيهقي وأبو نعيم ]
3- معجزة ردّ عين قتادة بعد تدليها:
في غزوة أحد أُصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت وتدلت على وجنته(أي على أحد خده) فردها عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة فبرأت على الفور، وصارت عينيه تلك أحسن عينيه... فتلك من آيات الله التي أيد الله بها رسوله. والرواية أخرجها ابن إسحاق في السيرة النبوية(3 / 30)، وابن حجر في الإصابة، وابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة النعمان، وأبو يعلى، والبيهقي في الدلائل، وأبو نعيم في الدلائل برقم(418، 417) وذكرها الحاكم في المستدرك(3 / 295)
4- معجزة شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم:
عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أدع الله أن يعافيني فقال: (إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وأن شئت دعوت لك) قال:لا، بل ادع الله لي قال:- فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء:-(6/8)
(اللهم أني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة،يا محمد أني أتوجه بك في حاجتي هذه فتُقضى،اللهم شفعة في) ففعل الرجل فبرأ،فشفاء هذا الضرير آية من نبوته [ رواه البخاري في التاريخ الكبير 6/210،والطبراني في المعجم الكبير 9/19 وصححه وسلمه الذهبي، والبيهقي في دلائل النبوة 6/166 وغيرهم ]
وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم وليس بعد مماته فلُيعلم.
5- خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم:
عن أبن عباس رضي الله عنهما قال:-أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:يا رسول الله أن به لمماً، وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال:- فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ (أي قاء أو سعل مرة واحدة) فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى. [ رواه الدرامي ]
6- معجزة فيضأن ماء بئر الحديبية:
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه لما كان بالحديبية هو وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان بالحديبية بئر ماء فنزحها أصحابه بالسقي منها حتى لم يبقى فيها ما يملأ كأس ماء وكانوا ألفًا وأربعمائة رجل، وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم، فجاء فجلس على حافة البئر، فدعا بماء فجئ به إليه فتمضمض منه،ومج ما تمضمض به في البئر، فما هي إلا لحظات، وإذا البئر فيها ماء فأخذوا يسقون فسقوا وملئوا أوانيهم وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمائة رجل، وهم أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم وأنزل فيهم قوله تعالى من سورة الفتح:-(لَقَد رَضِيَ الله عَنِ المُؤمِنِينَ إَذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الَشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأنزَلَ السَّكِيَنَة عَلَيْهِمْ وأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً). [ رواه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة ]
7- معجزة الطعام القليل يشبع العدد الكثير:
روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: قال أبو طلحة لأم سُليم: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت:نعم، فأخرجت أقراصًا من شعير، ثم أخرجت خِماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(أرسلك أبو طلحة؟) فقلت: نعم، قال:(بطعام؟) قلت:نعم، فقال:- رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه(قوموا) فأنطلق، وانطلقت ين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة:- يا أم سُليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(هلم يا أم سُليم ما عندك؟) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت أم سُليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول،ثم قال:-(ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا،ثم خرجوا، ثم قال،(ائذن لعشرة)، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال،(ائذن لعشرة) فأكل القوم كلهم، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً.أليست هذه معجزة؟ بلى وربي أنها لمن أعظم المعجزات. [ صحيح البخاري / علامات النبوة ] [ صحيح مسلم / الأشربة ]
8- معجزة تكثير الطعام:
عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته ووصيف لهم حتى كالوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو لم تكيلوه لأكلتم منه ولقام لكم" [ صحيح مسلم في معجزات النبي ، رواه احمد في مسنده ]
قال أبو طلحة الأنصاري في حديثه المشهور:((أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين رجلاً من أقراص شعير جاء بها أنس تحت إبطه)) [ البخاري في كتاب المناقب _ ومسلم 3 / 1612 والترمذي 5 / 595 والبيهقي في الدلائل ]
وقال جابر بن عبد الله:((أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق من صاع شعير وعناق(الأنثى من أولاد المعز) ألف رجل حتى تركوا وانحرفوا(مالوا عن الطعام)، وأن البرمة لتغط كما هي وأن العجين ليخبر)) [ البخاري في كتاب المغازي ومسلم 3 / 1610 والترمذي 5 / 595 ](6/9)
إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات المرات، وفي ظروف مختلفة، ومناسبات عديدة، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه:(( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير قال فنفدت أزواد القوم _ أي نفد زادهم واحتاجوا إلى طعام _ قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها؟(أي بقاياه) قال ففعل قال فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره قال وقال مجاهد وذو النواة بنواه قلت وما كانوا يصنعون بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم قال فقال عند ذلك: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" [ صحيح مسلم، والنسائي ]
9 - معجزة تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم:
عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:- كانت لأمي أم سليم شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها ربيبة، فقالت:يا ربيبة أبلغي هذا العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها، فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سُليم قال:-(أفرغوا لها عكتها) فأفرغت العكة ودفعت إليها قالت:- فانطلقت بها، وجئت وأم سليم ليست في البيت،فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت:يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت:- بلى قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت ومعها ربيية، فقالت يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال:-(قد فعلت، قد جاءت) قالت:والذي بعثك بالحق، ودين الحق أنها لممتلئة تقطر سمناً، قال أنس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه! كلي وأطعمي) قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا، وتركت فيها ما أتئد منا به شهراً أو شهرين، فكون العكة تمتلئ بعد إفراغها والأكل منه طرة شهرين من معجزاته.
10- معجزة نزول المطر بدعائه:
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة(جدب) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما رأينا في السماء قزعة (قطعة سحاب) فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار(أنتشر) سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر(يتقاطر) على لحيته قال: فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال:"اللهم حوالينا ولا علينا" قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة (أي حتى صارت السحب والغيوم محيطة بالمدينة) في السحاب، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود. [ صحيح البخاري / كتاب الجمعة ]
11- معجزة حنين جذع النخل شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه، صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر)) [ رواه البخاري ]
وحديث حنين الجذع هو حديث مشهور معروف متواتر قد خرجه أهل الصحيح ورواه الأكابر / من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم / أبي ابن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة وسهل ابن سعد.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في كتاب المناقب(فتح 6/601) والترمذي في كتاب الجمعة(2 / 379،) والبيهقي في الدلائل(6 / 66).
12- معجزة تحول جذل الحطب سيفاً:
الجذل:هو عود غليظ من أصل الشجرة، لقد انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذل حطب فقال له:-(اضرب به) فانقلب في يده سيفاً، صارماً طويلاً أبيضاً شديد المتن، فقاتل به، ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة، وبعدما قتل بلعت الأرض ذلك السيف.
13- معجزة نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم:(6/10)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية، فشدوها على عمود فسطاط، فقالت: يا رسول الله أني أُخذت ولي خِشفان(الولد الصغير) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم(أين صاحب هذه؟) فقال القوم نحن يا رسول الله قال:-(خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم) فقالوا من لنا بذلك؟ قال:-(أنا) فأطلقوها،فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت إليهم، فأوثقوها فمر بهم صلى الله عليه وسلم فقال:-(أين صاحب هذه؟) فقالوا:-هذا يا رسول الله فقال(تبيعونها؟) فقالوا:- هي لك يا رسول الله، فقال:-(خلو عنها فأطلقوها) فذهبت،فنُطقها آية من نبوته.
14- معجزة انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:- سهرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً أفيح(أي واسعاً رحباً) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فأتبعتُه بإداوةٍ فيها ماء، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذ شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق إلى إحداهما فأخذ ببعض من أغصانها، وقال:-(انقادي علي بإذن الله) فانقادت معه كالبعير المخشوش (الذي جعل في أنفه الخشائش وهو العود، يجعل في عظم أنف الجمل لينقاد) الذي يُصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لاءم أي جمعهما، وقال:-(التئما إلي علي بإذن الله) فالتأمتا، قال جابر:- فخرجت أحضر(أي أعدو بشدة) مخافة أن يحس بقربي منه فيبعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني التفاته، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا. [ صحيح مسلم ]
وعن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال:((أرأيت أن دعوت هذا العذق من الشجرة تشهد أني رسول الله؟)) قال: نعم. قال: فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط إلى الأرض ينقز، فأقبل إليه، وهو يسجد ويرفع ويمجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له:((ارجع)) فرجع إلى مكانه، فقال الأعرابي: والله لا أكذبك بشيء تقوله بعدها أبداً، أنا أشهد أنك رسول الله، وآمن. [ أخرجه البخاري في تاريخه، والترمذي في أبواب المناقب(3628) وأخرجه البزار، وأبو يعلى ]
15 - معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول:
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال:((اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.)) وفي رواية: فضربه برجله وقال:((أثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان)) [ رواه البخاري في كتاب فضال الصحابة] [صحيح ابن حبان ج14/ص415].
16 - من معجزاته صلى الله عليه وسلم إخبار الشاة له أنها مسمومة:
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، ولما أكل منها أخبرته الشاة أنها مسمومة، فجيء باليهودية إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، قال: "لا، ما كان الله ليسلطك علي". [ متفق عليه ] [ أخرجه البخاري في كتاب الهبة ومسلم 4 / 1721 ] [البيهقي في الدلائل ]
17 - ومن علامات نبوته ذعر أبو جهل عندما أراد أن يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم فقال: واللات والعزى لإن رأيته يفعل ذلك لأطإن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، _ ليطأ على رقبته _ قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال: فقيل له مالك؟ فقال: أن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً)) [ صحيح مسلم 17/ 14 ]
18- من علامات النبوة إخباره عليه الصلاة والسلام عن غيوب مستقبلية فوقعت كما أخبر:
أولاً:- قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنهما:((إن ابني هذا سيد وسيُصلح الله به بين فئتين عظيمتين)) فكأن الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصلح به بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي الله عنهم. [ رواه البخاري في صحيحه ]
ثانيًا:- قوله صلى الله عليه وسلم:-((اُثبت أُحد فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان)).
فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فمات أبو بكر بمرض أصابه، وقُتل عمر في المحراب شهيداً،وقُتل عثمان في داره شهيداً، فرضي الله عنهم أجمعين. [ رواه البخاري ]
ثالثا: إخباره صلى الله عليه وسلم عن فتح القسطنطينية ورومية(روما)(6/11)
روى أحمد في مسنده عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو ابن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً، أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مدينة هرقل تفتح أولاً)) يعني القسطنطينية. والحديث صححه الحاكم والذهبي ووافقهما الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وقد وقع الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم فتحقق فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله كما هو معروف بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح.
رابعاً :- قوله صلى الله عليه وسلم:-(إن هذا قبر أبي رِغال، وإن معه غصناً من ذهب) فحفروه فوجدوه كما أخبر النبي صلى الله عله وسلم، وذلك حين كان ذاهباً إلى الطائف، فكان هذا الخبر آية نبوته صلى الله عليه وسلم.
خامساً:- قوله صلى الله عليه وسلم لخباب بنت الأرتّ وقد جاء يشكو إليه ما يلقي المؤمنون كفار قريش، يطلب من أن يستنصر الله تعالى لهم، قال له وقد أحمر وجهه صلى الله عليه وسلم أو تغير لونه، فقال له:-(لقد كان من قبلكم تحفر له الحفرة، ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق نصفين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت، ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه). وقد تم هذا كما أخبر صلى الله عليه وسلم. [ صحيح البخاري ]
سادساً :- قوله صلى الله عليه وسلم:(مُنعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أرد بها ودينارها، وعُدتم من حيث بدأتم) فهذا الخبر قد وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد منعت العراق، ومنعت الشام، ومنعت مصر، ما كانوا يؤدونه إلى أهل الحجاز من خراج وغيره، وعاد أهل الحجاز كما بدؤوا فمسهم الجوع، ونالهم بعد ما أصابهم من رغد العيش وسعة الرزق.
سابعاً :- قوله صلى الله عليه وسلم:((الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)) فهذا الخبر من أنباء الغيب، إذ كانت خلافة أبي بكر سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة إلا اثني عشر يوماً، وكانت خلافة علي خمس سنوات إلا شهرين، وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، إذ كانت نحو من ستة أشهر، ثم نزل عليهما لمعاوية عام أربعين من الهجرة
أبو بكر 2 سنة 3 أشهر 20 يوم
عمر 10 سنوات 6 شهر 4 أيام
عثمان 11 سنة 11 شهر 18 يوم
علي 4 سنوات 10 أشهر
الحسن شهرين
المجموع = 30 سنة
ثامناً:- قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه،((افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) وذلك في حديث صحيح ونصهُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً(بستان) فدلى رجليه في القف(الدكة تجعل حول البئر يجلس عليها وتدلى الأرجل في الماء المستخرج من البئر) فقال أبو موسى وكان معه:- لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال:أفتح فقلت من أنت؟ قال أبو بكر، فأخبرتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(أفتح له وبشرهُ بالجنة) ثم جاء عمر، فقال كذلك، ثم جاء عثمان فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) فهذا الخبر من أنباء الغيب الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
تاسعاً: قوله صلى الله عليه وسلم:-((إن جبريل كان يعارضني القرآن كل عام مرة،وإنه عارضني العام مرتين، وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي))، فبكت فاطمة ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وأنها أول أهله لحوقاً به، فكان كما أخبر إذ ماتت بعده بستة أشهر، ولم يمت قبلها من آل البيت أحد، فكأن هذا الخبر آية من نبوته صلى الله عليه وسلم.
عاشراً: قوله صلى الله عليه وسلم لنسائه:-((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحواب)) وكان ذلك كما أخبر، فقد خرجت عائشة رضي الله عنها تُريد الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في وقعة الجمل، فلما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، فقالت رضي الله عنها:أي ماءٍ هذا؟ فقالوا: ماء الحواب،فقالت: ما أظنني إلا راجعه:فقال بعض من كان معها: بل تقدمي فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه سلم قال لنا ذات يوم:- قال:-((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحواب)) فهذا الخبر الصادق قد وقع كما أخبر به قبل وقوعه بكذا سنة.(6/12)
الحادي عشر:- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث احمد عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي حين ولى غزوة العشيرة:(يا أبا تراب ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين؟) قلنا بلى يا رسول الله: قال(أحيمر ثمود، الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه - يعني قرنه - حتى يبل أي بالدم هذه أي لحيته) [ صحيح الجامع الصغير ]
فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد ضربه رضي الله عنه عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج بالكوفة فقتله على نحو ما أخبر عليه الصلاة والسلام.
الثاني عشر:- قوله صلى الله عليه وسلم((سيكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند)) فهذا الخبر الصادق وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد فتح المسلمون الهند أيام معاوية سنة 44هـ أربع وأربعين ثم توالى الغزو والفتح كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
رابع عشر:- قوله صلى الله عليه وسلم في سُهيل بن عمرو:-(عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر) وذلك يوم صلح الحديبية حيث غضب عمر رضي الله عنه من تعنت سُهيل وكان ممثلاً لقريش يومئذ فقال له صلى الله عليه وسلم:-(عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر) وكان الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم واضطربت البلاد ونجم الكفر ووقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه بباب الكعبة بمكة فخطب فثبت أهل مكة وقوى بصائرهم فحفظهم الله من الردة بسببه وهو موقف سر عمر والمؤمنين وصدق عليه الصلاة والسلام.
خامس عشر: النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة أن أمته ستفتح كنوز كسرى:
روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل. فقال: [يا عدي، هل رأيت الحيرة؟] قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: [فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار(الدعار هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى]. قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: [كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمأن يترجم له، فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك فيقول بلى فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى!! فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم]. قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اتقوا النار ولول بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة]. قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج ملء كفه.(رواه البخاري)
سادس عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
سابع عشر: الإخبار عن فتح خيبر من الغد فتم ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: قال عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر:-( (لأعطين هذه الراية غدا رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب" فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال : فأرسلوا إليه (ائتوني به) فأُتي به فنفث في عينه بقليل من ريقه عليه الصلاة والسلام فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط. [ رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل الصحابة]
وفي الحديث معجزتين ظاهرتين للنبي صلى الله عليه وسلم الأولى إخباره بأن الله تعالى يفتح على يديه خيبر فكان كما أخبر، والثانية شفائه علي رضي الله عنه وأرضاه.
الثامن عشر: ومن علامات نبوته صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن مصارع المشركين في بدر قبل مصرعهم: روى مسلم في صحيحه وأحمد _ واللفظ له _ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فترائينا الهلال وكنت حديد البصر فرأيته فجعلت أقول لعمر: أما تراه، قال سأراه وأنا مستلق على فراشي، ثم أخذ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس، يقول:((هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى، وهذا مصرع فلان غداً أن شاء الله تعالى)) قال: فجعلوا يصرعون عليها قال، قلت والذي بعثك بالحق ما أخطئوا تيك كانوا يصرعون عليها.(6/13)
التاسع عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم عن مقتل أمراء مؤتة قبل أن يأتي الخبر بمقتلهم:
روى البخاري في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب - وعيناه تذرفان _ حتى أخذها سيف من سيوف الله _ يعني خالد ابن الوليد رضي الله عنه _ حتى فتح الله عليهم)) [ الفتح 9 / 54 ]
عشرون: إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال المسلمين وقتالهم بعضهم بعضاً بعد فتح فارس والروم:
قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ ] قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أو غير ذلك. تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض](مسلم 4/2274)
قلت: وللأسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً في الجمل وصفين!! فأنا لله وأنا إليه راجعون
الحادي والعشرون: أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى تقاتل أمته قوماً صغار الأعين ذلف الأنوف(قصر الأنف مع انبطاحه)، وهذه حلية التتار، فكان كذلك ووقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
الثاني والعشرون: أخبر صلى الله عليه وسلم بأن عماراً ستقتله الفئة الباغية، فقتل يوم صفين مع علي رضي الله عنه [ رواه البخاري: الصلاة [ 1 / 644 ] ومسلم: الفتن [ 4 / 2915 ] وأخرجه مسلم في صحيحه رقم(2916) من حديث أم سلمة.
الثالث والعشرون: أخبر صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج، ووصف لهم الثدية، فحدث كما وصف سواء بسواء. وأحاديث قتال الخوارج متواترة، أنظرها في السنة لأبن أبي عاصم(2 / 623 _ 2233) من حديث أبي بكرة.
الثالث والعشرون: أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بأنه سوف تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، فوقع ما أخبر به، وكان ظهور هذه النار في سنة بضع وخمسين وستمائة، وتواتر أمرها. [ البخاري: الفتن 13 / 84 ] [ مسلم: الفتن 4 / 2227 ] رقم(2902) قال النووي: تواتر العلم بخروج هذه النار عند أهل الشام _ وبصرى مدينة معروفة بالشام، تبعد عن دمشق حوالي 100 كم شرقاً.
وأخيرًا وبعد هذا العرض لبعض المعجزات الظاهرة للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم نقول: تعساً والله لمن لا يعتبر..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاللمين
2. ... شبهة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بمعجزة
مقدمة:
طبع أحد المستشرقين كتاباً مختصراً يحتوي على ترجمة لحياة النبي(صلى الله عليه وآله)، وعلى غلاف الكتاب وضعت صورة خيالية للنبي(صلى الله عليه وآله)، كتب تحتها العبارة الآتية: متى يُطلب منه – يقصد بذلك النبي(صلى الله عليه وآله) – الإتيان بمعجزة، كان يقول: ليس لدّي معجزة، وأن الله لم يمنحنيها.
رد الشبهة:
إنّ هذا المستشرق خلط الحق بالباطل بهذه الشبهة، فعندما قال النبي(صلى الله عليه وآله): المعجزة ليست بيدي، هذا الكلام حق، ويعرفه الناس جميعاً، والآية الكريمة الآتية تؤيّد ذلك، قال الله تعالى:(وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ) الرعد: 38، غافر: 78.
وفي معاجز النبي عيسى(عليه السلام) يؤكّد القرآن الكريم على هذا المضمون، قال تعالى:(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ) آل عمران: 49.
وخلاصة القول: أنّ الأنبياء(عليهم السلام) جميعاً لا يستطيعون عمل شيء إلاّ بإذن الله تعالى، وهذا الكلام يدعمه الدليل العلمي والفلسفي.
نعود الآن إلى الادِّعاء الثاني من الشبهة، وهو: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: بأنّ الله لم يعطني أي معجزة.
وهذا الادِّعاء مرفوض، لأنّ القرآن الكريم، والأخبار، والأحاديث المتواترة، التي جمعها المحدّثون في كتبهم، اتفقت جميعها على حدوث كثير من المعجزات على يد النبي(صلى الله عليه وآله)، وأنّها كانت بتسديد من الله عزَّ وجل.
لنصرف النظر الآن عن كتب الحديث والرواية، ونذهب إلى القرآن الكريم، ليقضي بيننا في هذا الأمر، نجد القرآن الكريم قد ذكر كثيراً من المعجزات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 - شق القمر(سورة القمر).
2 - المعراج(سورة الإسراء).
3 - المباهلة(آل عمران: 61).(6/14)
وبناءً على ذلك يكون الرسول(صلى الله عليه وآله) قد جاء بالمعجزات كباقي الأنبياء(عليهم السلام) عندما كان الناس يطالبونه بها لإثبات نبوته، علماً أنّ معجزات الأنبياء(عليهم السلام) كانت خاصّة بزمانهم ومكانهم.
أما معجزات النبي(صلى الله عليه وآله) فمنها ما كان مختصّاً بزمان ومكان معين، ومنها التي لم تتقيّد بحدود المكان والزمان، وبقت وستبقى شاهدة على نبوته(صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وهي معجزة القرآن الكريم.
القرآن الكريم الذي تحدَّى الناس أجمعين من الأولين والآخرين، بأن يأتوا ولو بآية من مثله، لكنهم عجزوا عن ذلك، لذلك – وأمام هذا التحدي – نجد بعض المغرضين، أو قاصري النظر، تصوّروا بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) ليس لديه معجزة غير القرآن.
في الوقت الذي صرَّحت به كثير من الآيات والروايات بأنّ للنبي(صلى الله عليه وآله) معجزات أخرى غير القرآن الكريم، وقد ذكرنا قسماً منها فيما تقدّم.
3. ... المعجزة الكبرى.. القرآن الكريم
أعطى الله عز وجل كل نبي من الأنبياء عليهم السلام معجزة خاصة به لم يعطيها بعينها غيره تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه
فلما كان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة، بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العزيز الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار.
وأما عيسى عليه السلام فبعثه الله في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد، أو على مداواة الأكمه والأبرص،
وكذلك نبينا بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء، فأتاهم بكتاب من عند الله عز وجل، فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه وافتراه من عنده فتحداهم ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله وليستعينوا بمن شاءوا فعجزوا عن ذلك كما قال تعالي: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) - سورة الإسراء آية 88 وكما قال الله تعالي: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ) - سورة الطور ايات 33 و 34
ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في سورة هود: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).
ثم تنازل إلى سورة فقال في سورة يونس: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وكذلك في سورة البقرة وهى مدنية أعاد التحدي بسورة منه، وأخبر تعالى أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا لا في الحال ولا في المآل فقال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (سورة البقرة:23-24).
وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا؛ فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟
وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز: ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد لا يختلف ولا يتفاوت ولا تختلف خصائصه معجز في بنائه الفكري وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كل توجيهاته وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن تصطدم بالفطرة الإنسانية معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها وقد سرد هبة الدين الحسيني الشهرستاني المزايا الإجمالية للقرآن ومنها:
- فصاحة ألفاظه الجامعة لكل شرائعها.
- أنباؤه الغيبية، وأخباره عن كوامن الزمان، وخفايا الأمور.
- قوانين حكيمة في فقه تشريعي، فوق ما في التوراة والإنجيل، وكتب الشرائع الأخرى
- سلامته عن التعارض والتناقض والاختلاف.
-أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إلا بمعونة الأدوات الدقيقة والآلات الرقيقة المستحدثة.
- ظهوره على لسان أمي لم يعرف القراءة ولا الكتابة.
-خطاباته البديعة، وطرق إقناعه الفذة.
- سلامته من الخرافات والأباطيل.
-تضمنه الأسس لشريعة إنسانية صالحة لكل زمان ومكان.(6/15)
قال الحافظ بن كثير: إن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن، بعشر سور مثله، بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون كما قال تعالى:(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) -( سورة البقرة آية 24) أي فان لم تفعلوا في الماضي، ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحد ثان، وهو أنه لا يمكن معارضتهم له في الحال ولا في المآل ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن لبشر معارضته، ولا الإتيان بمثله، ولو كان من عند نفسه لخاف أن يعارض، فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد من متابعة الناس له..
4. ... عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس
لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعدائه كثير الأذى وعظيم الشدة منذ أن جهر بدعوته ولكن الله تبارك وتعالى حفظه ونصره وعصمه من الناس كما قال تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ - سورة المائدة آية 67.
وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس قبل نزول هذه الآية من قبل بعض أصحابه فلما نزلت هذه الآية قال: يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل
ومن الأمثلة على عصمة الله لرسوله وكف الأعداء عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ - أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو التراب قال: قيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله رضي الله عنه وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال فما فجئهم(أي بغتهم) منه إلا وهو ينكص على عقبيه(أي رجع يمشي إلى ورائه) ويتقي بيديه قال فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولاً وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا - رواه البخاري مختصرًا ورواه مسلم واللفظ له.
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قصة الهجرة النبوية قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك فقلت: أتينا يا رسول الله فقال: لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها فقال: إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب. فدعا له النبي صلى الله عليه و سلم فنجا فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتكم ما هنا فلا يلقى أحدًا إلا رده قال: ووفيلنا - رواه مسلم والبخاري مطولاً.
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينًا فولى صحابة النبي صلى الله عليه و سلم فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه و سلم(أي أتوه من كل جانب) نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه(أي قبحت) فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم غنائمهم بين المسلمين - رواه مسلم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل نجد(أي ناحية نجد في غزوته إلى غطفان وهي غزوته ذي أمر موضع من ديار غطفان) فأدركنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في واد كثير العضاه(هي كل شجرة ذات شوك) فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن رجلاً أتلني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتًا(أي مسلولاً) في يده فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله. قال: فشام السيف(أي رده في غمده) فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه و سلم - رواه البخاري ومسلم.
جالس أمامها ولا تراه:
قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } جاءت العوراء أم جميل، ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: مذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني، وقرأ قرآنًا اعتصم به منها: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً}.
قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك(أي أنه حكى ما قاله ربه، وما كان هذا كلامه، وإنما كلام ربه تعالى فلم يكن هاجيًا له)، قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أني بنت سيدها - رواه أبو يعلى.(6/16)
مر صلى الله عليه وسلم عليهم وألقى على رءوسهم التراب ولا يرونه:
لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه يوم الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه، ويريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فأخذ حفنة من البطحاء، فجعل يذره على رءوسهم، وهم لا يرونه وهو يتلو { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً، وجاء رجل ورأى القوم ببابه، فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدًا قال: خبتم وخسرتم، قال: والله مر بكم وذرّ على رءوسكم التراب، قالوا: والله ما أبصرناه.
وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم، وهم: أبو جهل والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. أخرجه ابن سعد وابن هشام وأحمد، وقد حسنه ابن كثير وابن حجر في الفتح.
أراد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فخذله الله:
عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه: أقتل لكم محمدًا، فقالوا: كيف تقتل؟ قال: أفتك به، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمد، أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، فأخذه واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله(أي فيخذله الله)فقال: يا محمد، أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، فأخذه واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال: يا محمد أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك
قال: ألا تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا يمنعني الله منك.
ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ) - سورة المائدة، من الآية:11- أخرجه أبو نعيم.
أراد أن يدمغ النبي صلى الله عليه وسلم بحجر فيبست يده على الحجر:
عن المعتمر بن سليمان عن أبيه: أن رجلاً من بني مخزوم قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده فهر(حجر يملأ الكف) ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتاه وهو ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدمغ(أي ليرمي) به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبست يده على الحجر فلم يستطع إرسال الفهر من يده، فرجع إلى أصحابه فقالوا: أجبنت عن الرجل؟
قال: لم أفعل ولكن هذا في يدي لا أستطيع إرساله. فعجبوا من ذلك، فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر، فعالجوا أصابعه حتى خلصوها، وقالوا هذا شئ يراد. أخرجه أبو نعيم في الدلائل.
أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه شواظ من نار:
قال شيبة بن عثمان: لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم حنينًا، تذكرت أبي وعمي قتلهما علي وحمزة فقلت: اليوم أدرك ثأري في محمد،فجئت من خلفه فدنوت منه ودنوت حتى لم يبق إلا أن أسوره بالسيف، رُفع لي شواظ من نار كأنه البرق فخفت أن يحبسني فنكصت القهقرى
فالتفت إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا شيبة! قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدري فاستخرج الله الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري وهو أحب إلي من سمعي وبصري ومن كذا. أخرجه أبو نعيم في الدلائل.
منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من القتل في غزوة ذات الرقاع:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاة(أي كثير الأشجار)، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلن بالشجر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتًا في يده
فقال لي: من يمنعك مني؟
قال: قلت: الله
ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟
قال: قلت: الله
قال: فشام السيف(أي أغمده)، فها هو جالس، ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم، كتاب الفضائل
هذا الرجل اسمه غورث بن الحارث، وقيل: اسمه غويرث، وقيل: دعثورا.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الذي غل في سبيل الله:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فقال صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله(الغلول: أخذ شيء من أموال الغنائم أو المال العام خفية)، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزًا من خرز اليهود لا تساوي درهمين.(6/17)
صحيح: أخرجه مالك في الموطأ في الجهاد، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
كن أبا خيثمة فكان:
لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، تخلف عنه بعض الصحابة رضي الله عنهم بدون شك ولا ارتياب، منهم أبو خيثمة السالمي، ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامًا، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء، وهيأت له فيه طعامًا، فلما دخل قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح(الشمس) والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في ماله مقيم، ما هذا بالنصف(الإنصاف العدل)، ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زادًا، ففعلتا، ثم قدم ناضحه(بعيره) فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبًا، فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك، قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، قالوا: يا رسول الله! هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى لك يا أبا خيثمة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرًا ودعا له بخير.
رواه ابن هشام، عن ابن إسحاق بلا سند، وفي حديث كعب بن مالك الطويل المخرج في البخاري ومسلم: فبينما هو على ذلك رأى رجلاً مبيضًا يزول به السراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون.
أخبر أنه من أهل النار فكان كذلك:
عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل(الثقل: العيال، وما يثقله من الأمتعة) النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو في النار، فذهبا ينظرون، فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلها. أخرجه البخاري، وأحمد، وأخرجه ابن ماجة كتاب الجهاد باب في الغلول.
إجابة النبي صلى الله عليه وسلم السائل قبل أن يسأله:
عن وابصة الأسدي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أع شيئًا من البر والإثم إلا سألته عنه، وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه، فجعلت أتخطاهم، فقالوا: إليك وابصة عن رسول الله فقلت: دعوني فأدنو منه، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه، قال: دعوا وابصة، ادن يا وابصة، مرتين أو ثلاثًا. قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، فقال: يا وابصة أخبرك أم تسألني؟ فقلت: لا، بل أخبرني فقال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ فقلت: نعم، فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك استفت نفسك(ثلاث مرات) البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في صدرك، وإن أفتاك الناس وأفتوك.صحيح: أخرجه أحمد.
إخباره صلى الله عليه وسلم أن غلامه غل شملة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما أصيب مدعم غلام النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر قالوا: هنيئًا له الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا، فجاء رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال: شراك أو شراكان من نار. صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود والنسائي.
وقوف الكفار أمام باب الغار:
جدت قريش في طلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، وأخذوا معهم القافة(متبعو الأثر) حتى انتهوا إلى باب الغار فوقفوا عليه، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أن
أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن فإن الله معنا. صحيح: رواه البخاري ومسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعان كلامهم فوق رءوسهما، ولكن الله عمَّى عليهم أمرهما.
5. ... دلائل نبوته فيما يتعلق ببعض الحيوانات
قصة البعير وسجوده وشكواه لرسول الله صلى الله عليه و سلم:(6/18)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أهل البيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه(أي نستقي عليه) أنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه: قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه و سلم نحوه فقالت الأنصار: يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف عليك صولته فقال: ليس عليََ منه بأس. فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل نحوه حتى خر ساجداً بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بناصيته أذل ما كانت قط، حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه: هذه البهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن أحق أن نسجد لك. فقال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفس محمد بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه - رواه الإمام أحمد في مسنده
وعن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسر إليَ حديثاً لا أخبر به أحداً أبداً وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل(أي جماعة النخل) فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر(أي ردد صوته في حنجرته) وذرفت عيناه قال بهر وعفان: فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم حنَ وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته(الظهر وقيل السنام) وذفراه(العظم الشاخص خلف الأذن) سكن فقال: من صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله. فقال: أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه - رواه أبو داوود والإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك.
إخبار الذئب بنبوته صلى الله عليه و سلم:
عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه فقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي؟ فقال: يا عجبي ذئب يقعي على ذنبه يكلمني كلام الإنس. فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره.
فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي: الصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده - رواه الأمام أحمد في المسند، و الحاكم في المستدرك، وابن سعد في الطبقات.
وفي رواية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما كلم الذئب راعي الغنم فقال الرجل: تالله إن رأيت كاليوم ذئباً يتكلم. فقال الذئب: أعجب من هذا الرجل في النخلات بين الحرتين(أي المدينة المنورة) يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم وكان الرجال يهودياً، فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وخبَره فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم - رواه الإمام أحمد في المسند3/88
الوحش يوقر الرسول صلى الله عليه وسلم:
قالت عائشة رضي الله عنها: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم(أي سكن ولم يتحرك) ما دام رسول اله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه - صحيح، أخرجه أحمد، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد.
وافد الذئاب يرضى بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن حمزة بن أبي أسيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع، فإذا الذئب مفترشًا ذراعيه على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جاء يستفرض فافرضوا له. قالوا: ترى رأيك يا رسول الله. قال: من كل سائمة شاة في كل عام قالوا: كثير. قال: فأشار إلى الذئب أن خالسهم فانطلق الذئب. حسن بشواهده - أخرجه البيهقي في الدلائل، ورواه البزار وأبو نعيم.
ورضي الذئب بأن يأخذ منهم الشياة خلسة كما عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6. ... تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة(إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء) فتوضأ فجهش الناس نحوه - و الجهش: (أن يفزع الإنسان إلى الإنسان وهو مع ذلك يريد أن يبكي كالصبي يفزع إلى أمه)
فقال: ما لكم؟(6/19)
قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا
قلت: كم كنتم؟
قال: لو كنا مئة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مئة - رواه البخاري ورواه مسلم مختصرًا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وحانت صلاة العصر فالتمس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم. رواه البخاري ومسلم.
قال المزنى- رحمه الله- نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه و سلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى عليه السلام بالعصا فتفجرت منه المياه لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم.
تكثيره الطعام والشراب صلى الله عليه و سلم:
فأما الطعام:
فقد وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم مرات عديدة منها ما روي عن جابر بن عبد الله- رضي لله عنهما- في الخندق حيث يقول جابر: لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصًا(الخمص: خلاء البطن من الطعام) فانكفأت(أي انقلبت ورجعت) إلى امرأتي فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصًا شديدًا فأخرجت لي جرابًا(أي وعاء من جلد) فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن قال: فذبحتها وطحنت ففرغت إلي فراغي فقطعتها في برمتها ثم وليت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت في نفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: "يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا" (وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقًا) فحيهلا بكم ومعناه أعجل به
وقال: رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم، حتى أجي فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت: بك، وبك - أي ذمته ودعت عليه فقلت: قد فعلت الذي قلت لي - معناه أني أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها صلى الله عليه و سلم وبارك ثم عمد إلي برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال: ادعى خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم(أي اغرفي والمقدح المغرفة) ولا تنزلوها، وهم ألف فأقسم بالله! لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا(أي شبعوا وانصرفوا) وإن برمتنا لتغظ(أي تغلي ويسمع غليانها) كما هي وإن عجينتنا- أو كما قال الضحاك- لتخبز كما هو(أي يعود إلي العجين) رواه البخاري ومسلم
وأما الشراب:
فنأخذ من ذلك مثالاً واحداً وهو اللبن، فمن أدلة تكثيره صلى الله عليه و سلم اللبن ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه كان يقول: ألله الذي لا اله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع
ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية في كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية في كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه و سلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: يا أبا هر. قلت: لبيك يا رسول الله قال: الحق، ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له، فوجد لبناً في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة قال: يا أبا هر. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: الحق إلي أهل الصفة فادعهم لي قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأؤون على أهلٍ ولا مالٍ ولا على أحدٍ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها و أشركهم فيها، فساءني ذلك. فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه و سلم بد فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: يا أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم فقال: يا أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله قال: بقيت أنا وأنت قلت: صدقت يا رسول الله(6/20)
قال: اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب، حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً، قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة - انظر البخاري لفتح 11-6452.
ثمانون رجلاً يأكلون بعض أرغفة الخبز وتكفيهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟، قالت: نعم، فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دستني تحت يدي ولاثتني ببعضه(أي لفتني به)، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، قال: بطعام؟ قلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقلت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلم يا أم سليم ما عندك؟ فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتّ وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا. صحيح، أخرجه البخاري في المناقب، وأخرجه مسلم في الأشربة، والترمذي في المناقب.
قصعة الثريد يأكل منها المئات:
عن سمرة بن جندب قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أُتي بقصعة فيها ثريد(الخبز المختلط باللحم والأرز) قال: فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر؛ يأكل القوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعاقبونه، قال: فقال له رجل: هل كانت تُمد بطعام؟ قال: أما من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تمد من السماء - رواه أحمد.
البركة في الشعير:
عن جابر رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم(أي لاستمر دائمًا أبدًا وما انقطع خيره) - رواه مسلم في كتاب الفضائل.
البركة في السمن:
عن جابر رضي الله عنه: أن أم مالك كانت تُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنًا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندهم شئ، فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنًا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعصرتيها؟ قالت: نعم، فقال: لو تركتيها ما زالت قائمة - رواه مسلم في كتاب الفضائل.
البركة في مزود أبي هريرة رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بتمرات فقلت: ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصفهن بين يديه ثم دعا، فقال لي: اجعلهن في مزود(الوعاء من الجلد وغيره، ويجعل فيه الزاد) وأدخل يدك ولا تنثره، قال: فحملت منه كذا وكذا وسقًا(الوسق: 50كيلة = 4 أردب وكيلتان) في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع حقوي فسقط. حسن، رواه أحمد، والترمذي في مناقب أبي هريرة.
وفي رواية: أنه قال: أُصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أُصب بمثلهن:
1. موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه.
2. وقتل عثمان.
3. والمزود.
قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
قال: قلت تمر في مزود
قال: جئ به، فأخرجت تمرًا فأتيته به
قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود
فقال: يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئًا، فأدخل يدك فيه ولا تكفه
قال: فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي، وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه، أكلت منه أكثر من مائتي وسق(الوسق: 50كيلة = 4 أردب وكيلتان) - دلائل النبوة للبيهقي.
البركة في شطر الشعير:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي شئ يأكله ذو كبد إلا شطر شعير(أي نصف قدح من شعير أو شئ قليل من الشعير) في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، ثم كِلته ففني - صحيح، أخرجه البخاري ومسلم.
7. ... إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم(6/21)
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كما وصفه ربه عز وجل : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) - سورة التوبة آية 128 فكان ينظر إلى أصحابه نظرة الرحمة والشفقة فكلما ألم بأصحابه مكروه من عاهة أو مرض أو تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم للتخفيف عنهم ولكي ينالوا بركة دعوته صلى الله عليه و سلم أما بالنسبة للكفار والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو عليهم حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تآلفهم.
وإذا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأناس أو دعا عليهم فإنك تجد ما دعا به قد تحقق قطعًا وهذه بعض الأمثلة من دعواته المستجابة صلى الله عليه و سلم
سرعة الإجابة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال (المراد هنا المواشي خصوصًا الإبل وهلاكها من قلة الأقوات بسبب عدم المطر والنبات) وانقطعت السبل (أي انقطعت الطرق فلم تسلكها الإبل إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه) فادع الله يغثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا
قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (القطعة من الغيم)/ وما بيننا وبين سلع (جبل قرب المدينة) من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس (هو ما يتقي به السيف ووجه الشبه الاستدارة والكثافة لا القدر) فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت.
قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا
قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا
قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال: اللهم حولنا ولا علينا اللهم على الآكام (جمع أكمة وهي الرابية المرتفعة من الأرض) والظراب (جمع ظرب وهي صغار الجبال والتلال) ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس - رواه البخاري ومسلم
يمهل ولا يهمل:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور (أي ناقة) بالأمس فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا (هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان وهي من الآدمية المشيمة) جزور بني فلان فيأخذه فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم (وهو عقبة بن أبي معيط) فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه و سلم وضعه بين كتفيه قال: فاستضحكوا (أي حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية) وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة (أي لو كان لي قوة تمنع أذاهم أو كان لي عشيرة بمكة تمنعني) طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم والنبي صلى الله عليه و سلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة. فجاءت وهي جويرية (تصغير جارية بمعنى شابة أي أنها إذ ذاك ليست بكبيرة) فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا ثم قال: اللهم عليك بقريش (ثلاث مرات) فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة (اتفق العلماء على أنه غلط وصوابه: الوليد بن عتبة) وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط" وذكر السابع فلم أحفظه فو الذي بعث محمدًا صلى الله عليه و سلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب (القليب هي البئر التي لم تطو وإنما وضعوا في القليب تحقيرًا لهم ولئلا يتأذى الناس برائحتهم) قليب بدر قال أبو إسحاق: الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث - رواه مسلم
دعوة وهداية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعونها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "اللهم اهد أم أبي هريرة"
فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف (أي مغلق) فسمعت أمي خشف (أي صوتهما في الأرض) قدمي فقال: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء (أي صوت تحريكه).
قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.(6/22)
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا
قال قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني - رواه مسلم.
نزول المطر الشديد يوم تبوك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن الخطاب، حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد(أي قلة نزول المطر)، فزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرجل فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه(أي روثه وفضلاته) فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله لنا فقال صلى الله عليه وسلم: أو تحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
أخرجه البيهقي في الدلائل، وقال ابن كثير في البداية: هذا إسناد جيد قوي ولم يخرجوه.
سعد مُجاب الدعوة بسبب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك. فكان لا يدعو إلا استجيب. أخرجه الترمذي، والحاكم صححه.
ومن هذا ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: شكا أهل الكوفة سعدًا، يعني ابن أبي قاص رضي الله عنه، إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا(أي سعدًا رضي الله عنه) حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي! فقال: أما والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها؛ أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسمعة، فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن.
قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن، وكان بعد ذلك إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. صحيح، رواه البخاري ومسلم.
الفرس الضعيف يسبق ويدر الأموال الطائلة:
عن جعيل الأشجعي رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة، قال: فكنت في أُخريات الناس، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: سر يا صاحب الفرس فقلت: يا رسول الله، عجفاء ضعيفة قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة معه فضربها بها وقال: اللهم بارك له. قال: فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفًا. رواه البخاري في التاريخ، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في الدلائل.
دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك. رواه البخاري. قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا لرجوت أن أصيب تحته ذهبًا أو فضة. أخرجه ابن سعد والبيهقي.
وفتح الله له أبواب الرزق، ومن عليه ببركات من السماء والأرض، وكان حين قدم المدينة فقيرًا لا يملك شيئًا، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه، فقال سعد لعبد الرحمن: إن لي زوجتين فاختر أجملهما أطلقها ثم تعتد ثم تتزوجها، وإن لي من المال كذا وكذا فخذ منه ما شئت. فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، بارك الله لك في زوجتيك ومالك، ثم قال: دلوني على السوق. أخرجه البخاري.(6/23)
فصار يتعاطى التجارة، وفي أقرب زمن رزقه الله مالاً كثيرًا ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم، حتى أنه لما توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين، حُفِر الذهب من تركته بالفئوس، حتى جُرِحت الأيدي من كثرة العمل، وأخذت كل زوجة من زوجاته الأربع ربع الثمن ثمانين ألفًا. وقيل: إن نصيب كل واحدة كان مائة ألف، وقيل: بل صولِحت إحداهن على نيف وثمانين ألف دينار، وأوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى بحديقة لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، بيعت بأربعمائة ألف، وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة، فأخذوها وأخذ عثمان فيمن أخذ، وهذا كله غير صدقاته الفاشية في حياته، وعطاءاته الكثيرة، وصلاته الوفيرة؛ فقد أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا، وتصدق مرة بعير: وهي الجمال التي تحمل الميرة، وكانت سبعمائة بعير، وردت عليه، وكان أرسلها للتجارة، فجاءت تحمل من كل شيء فتصدق بها وبما عليها من طعام وغيره بأحلاسها وأقتابها.
وجاء أنه تصدق مرة بشطر ماله، وكان الشطر أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفًا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم تصدق بخمسمائة فرس في سبيل الله ثم بخمسمائة راحلة.
زاد أولاده عن المائة وزاد عمره عن المائة وزاد ماله عن المائة ألف بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
إنه أنس بن مالك رضي الله عنه.. يحدثنا عن ذلك فيقول: جاءت أم سليم، وهي أم أنس، رضي الله عنهما، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بخمارها وردَّتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله هذا أُنيس أتيتك به يخدمك فادع الله له، قال: اللهم أكثر ماله وولده. صحيح: أخرجه البخاري في الدعوات. وفي لفظ: اللهم أكثر ماله وولده وأطِل عمره واغفر له.
قال أنس: فو الله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو المائة. قال: وحدثتني ابنتي أُمَيْنة أنه قد دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة: تسعة وعشرين ومائة.
وروى الترمذي وغيره أن أنس بن مالك رضي الله عنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منها ريح المسك. حسن: أخرجه الترمذي في المناقب، وقال: حديث حسن.
وفي رواية قال: دفنت من صلبي مائة واثنتين، وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة، وأرجو الرابعة.
فولده إذن يزيدون على المائة، وأما عمره فقد مات وعمره مائة عام وقيل: عشرة ومائة، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين على الراجح، وأما ماله فقد كانت السحابة تمطر في أول أرضه ولا تمطر في آخرها لعظم مساحة أرضه.
دعا له فطال عمره وهو شاب:
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده على رأسه، فطال عمره حتى بلغ أربعًا وتسعين سنة، وهو تم تام القامة معتدل، ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومُتِّع بحواسه قواه. صحيح: أخرجه البخاري كتاب المناقب، ومسلم في الفضائل.
ابن عباس حبر الأمة بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضع له وضوءًا، فلما خرج قال: من صنع هذا؟ قالوا: ابن عباس، قال: اللهم فقهه في الدين. صحيح، أخرجه البخاري في الوضوء، ورواه مسلم.
وعنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي ثم قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. صحيح، أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح، ورواه البيهقي في الدلائل.
وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة في ابن عمه؛ فكان إمامًا يُهتدى بهداه، ويُقتدى بسناه في علوم الشريعة، ولا سيما في علم التأويل وهو التفسير؛ فإنه انتهت إليه علوم الصحابة قبله، وما كان عقله من كلام ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره أحد منا، وكان يقول: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. رواه الحاكم في المستدرك.
هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع وثلاثين سنة، فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة؟!. وقيل: خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة، ففسر لهم سورة البقرة تفسيرًا لو سمعه الروم والترك والديلم لأسلموا. _ رضي الله عنه وأرضاه _.
دعا صلى الله عليه وسلم عليه فاختلج لسانه:
عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كان فلان يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء اختلج (ردد الكلام على هيئة المستهتر) بوجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كن كذلك، فلم يزل يختلج حتى مات.
أخرجه البيهقي في الدلائل.
ثبوت جرير على الفرس بعد أن كان لا يثبت:(6/24)
عن جرير البجلي رضي الله عنه قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب بيده على صدري حتى رأيت أثر يده على صدري، وقال: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا، فما سقطت عن فرسي بعد. رواه أبو نعيم.
وأخرجه الشيخان عنه بلفظ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخَلَصة، صنم، فقلت: يا رسول الله، لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري وقال: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا، فسرت إليها في مائة وخمسين فارسًا من أحمس، فأتيناها فحرقناها.
أخرجه الشيخان.
شلت يده:
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يأكل بشماله فقال له: كل بيمينك.
قال: لا أستطيع
قال: لا استطعت.
قال الراوي: فما رفعها إلى فيه (فمه). رواه مسلم في الأشربة.
كان إذا باع شيئًا ربح فيه بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له:
صاحب هذه الشهادة عروة بن أبي الجعد المازني، رضي الله عنه، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ليشتري له به شاة، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار، فقال له: بارك الله لك في صفقة يمينك.
وفي رواية: فدعا له بالبركة في البيع، فكان لو اشترى التراب لربح فيه. أخرجه البهقي في الدلائل.
لا يشبع أبدًا:
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كنت ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه، فجاءني فحطاني حطوة (أي قفدني يعني ضربه بيده وهي مبسوطة الكفين) أو حطوتين وأرسلني إلى معاوية في حاجة، فأتيته وهو يأكل، فقلت: أتيته وهو يأكل، فأرسلني الثانية فأتيته وهو يأكل، فقلت: أتيته وهو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه. فما شبع بعدها.
قال ابن كثير: وقد كان معاوية، رضي الله عنه، لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته فيقال: إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعامًا بلحم وكان يقول: والله لا أشبع وإنما أعيي. البداية والنهاية (6/189).
قلت: وهذا الأمر جاء لمعاوية على أنه استجابة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وابتلاء من الله تعالى لمعاوية، ولم يكن غضبًا ولا سخطًا من الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية رضي الله عنه.
حضور الطعام الطهي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن واثلة بن الأسقع، رضي الله عنه، حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشَّاه، فأتت علينا لم يأتنا أحد، وأصبحنا صيامًا، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها شيء؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم: ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاجتمعوا، فدعا وقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك. فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته.
حسن: أخرجه البيهقي في الدلائل، ورواه الطبراني وإسناده حسن
8. ... الإسراء والمعراج
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "أتيت بالبراق-وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه-قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن
فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟
قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل: من أنت؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟
قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل: من أنت؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟
قال:قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل: من هذا؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟
قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل: ورفعناه مكانًا عليًا، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل: من هذا؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟(6/25)
قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون عليه السلام فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل: من هذا؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟
قال:قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل: من هذا؟
قال: جبريل
قيل: ومن معك؟
قال: محمد
قيل: وقد بعث إليه؟
قال:قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام مسندُا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إليّ ما أوحى ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى عليه السلام فقال: ما فرض ربك على أمتك؟
قلت: خمسين صلاة.
قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم.
قال: فرجعت إلى ربي
فقلت: يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسًا فرجعت إلى موسى.
فقلت: حط عني خمسًا
قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرًا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا فإن عملها كتبت سيئة واحدة.
قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلام فأخبرته
فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه - رواه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على قوم يزرعون ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال لجبريل عليه السلام: "ما هذا؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين.
ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال: "ما هذا يا جبريل؟" قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة
ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم فقال: "ما هؤلاء؟" قال: هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وما ظلمهم الله وما ربك بظلام للعبيد.
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيئ في قدر خبيث فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال جبريل: هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيبًا فتأتي رجلاً خبيثًا فتبيت عنده حتى تصبح.
ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها.
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة.
ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها.
ثم أتى على واد فوجد فيه ريحًا طيبة باردة وريح مسك وسمع صوتًا فقال: ما هذا يا جبريل؟
قال: هذا صوت الجنة تقول: رب آتيني بما وعدتني فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني وفضيتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي ولبني وخمري فآتيني بما وعدتني
قال: لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحًا ولم يشرك بي شيئًا ولم يتخذ من دوني أندادًا ومن خشيني فهو آمن ومن سألني فقد أعطيته ومن أقرضني جازيته ومن توكل علي كفيته إنني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين
قالت: قد رضيت ثم أتى على واد فسمع صوتًا منكرًا ووجد ريحًا منتنة فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: رب آتيني بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد قعري واشتد حري فآتيني بما وعدتني
قال: لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب قالت: قد رضيت فسار حتى أتى بيت المقدس - رواه الطبراني والبزار.
9. ... مقدمة(6/26)
والمعجزة على شقين شق هو من نوع قدرة البشر، فعجزوا عنه فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه كتحدي اليهود أن يتمنوا الموت، وشق خارج عن قدرتهم، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كانشقاق القمر، مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله تعالى فيكون ذلك على يد النبي من الله وتحدى من يكذبه أن يأتي بمثله تعجيزا له.
ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ظهرت على يديه تشمل كلا النوعين فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل معجزات وأبهرهم آيات وأظهرهم برهانا فله من المعجزات مالا يحصى، وقد ألفت في معجزاته صلى الله عليه وسلم المؤلفات الكثيرة، وتناولها العلماء بالشرح والبيان ممن اعتنى بجمعها من الأئمة أبو نعيم الأصبهاني والبيهقي.
ومعجزاته صلى الله عليه وسلم منها ما نقل إلينا نقلاً متواترًا من طرق كثيرة تفيد القطع عند الأمة ومنها ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين.
أولاً: نوع مشتهر منتشر، رواه العدد وشاع الخبر به عند أهل العلم بالآثار، ونقلته السيرة والأخبار، كنبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم، وتكثير الطعام
ثانياً: نوع منه اختص به الواحد والاثنان ورواه العدد اليسير ولم يشتهر اشتهاره غيره لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى واجتمعا على الإتيان بالمعجز.
وبعد هذا التمهيد الموجز، نورد بإذن الله تعالى جملة من معجزات ودلائل نبوة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم مما ساندها الدليل الصحي
10. ... إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات (1)
أولاً: نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته ما اطلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلية وإخباره عنها ومن المعلوم المقرر أن علم الغيب مختص بالله تعالى وحده وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه العزيز قال تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)- سورة النمل آية 65 وقال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) - سورة الأنعام آية 59
ومن المعلوم أيضًا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يعلمون الغيب ولا اطلاع لهم على شيء منه قال الله تعالى مخبرًا عن غير واحد من رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام أنهم قالوا لأقوامهم: (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) سورة الأنعام آية 50
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية.
وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله تبارك وتعالى قد اختص بمعرفة علم الغيب وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ)- سورة آل عمران آية 179 وقال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً {26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)- سورة الجن آية 26 و 27
فتلخص من ذلك أن ما وقع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخبار بالمغيبات فبوحي من الله تعالى وهو من إعلام الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم للدلالة على ثبوت نبوته وصحة رسالته.
وقد اشتهر وانتشر أمره صلى الله عليه وسلم بإطلاع الله له على المغيبات
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا فما ترك شيئًا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه رواه البخاري ومسلم.
وقال عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا. رواه مسلم.
والمغيبات التي تغيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقسام ثلاثة
أولاً: نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
وهو ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه من المغيبات فوقع أثناء حياته ومن أمثلة ذلك
قتل أمية بن خلف.
ثانياً: نبوءات تحققت بعد زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
وهو ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه من المغيبات فوقع بعد مماته.
ثالثًا: قسم في المستقبل لم يتحقق بعد.
و ستجد تفصيل ذلك في القبسات التالية.
أولاً: نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في مكة في فئة مستضعفة أن دينه سيعم الجزيرة كلها:(6/27)
فعن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: }ألا تستنصر لنا الله تبارك وتعالى، أو ألا تستنصر لنا؟
فقال صلى الله علي وسلم:"قد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض، فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل بنصفين فما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك، والله ليتمن الله عز وجل هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون{." - رواه أحمد.
وقد وقع هذا الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم فدانت الجزيرة كلها بالإسلام، وآمن الناس فيها من أقصاها إلى أقصاها...وكان تصور هذا ضرب من الخيال، فقد كان القتل وقطع الطريق، والإغارة والنهب والسلب في كل ركن من أركانها إلا المسجد الحرام فقط.
إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح جزيرة العرب ثم فارس ثم الروم، ووقوع الأمر كما حدث به تماماً:
قال مسلم رحمه الله: حد ثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصرف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد قال: فقالت لي نفسي ائتهم فقم بينهم وبينه لا يغتالونه.
قال: ثم قلت لعله نجى معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال:"تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله".
قلت: ويبقى فتح الدجال، وسيقع الأمر فيه كما حدث صلى الله عليه وسلم تماماً، وسيكون ذلك آية أخرى لمن يشهدها في وقتها.
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة أن أمته ستفتح كنوز كسرى:
روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند الني صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل.
فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟
قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها
قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار (الدعار هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى.
قلت: كسرى بن هرمز؟
قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك فيقول بلى
فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟
فيقول: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم
قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج ملء كفه - رواه البخاري.
وقد روى هذا الحديث أبو نعيم بإسناده في دلائل النبوة أن الشعبي رحمه الله دخل على عدي بن حاتم الطائي فقال: إنه بلغني عنك حديث كنت أحب أن أسمعه منك
قال: نعم، بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكنت من أشد الناس له كراهية، وكنت بأقصى أرض العرب من الروم، فكرهت مكاني أشد من كراهيتي لأمري الأول، فقلت لآتين هذا الرجل، فإن كان صادقاً لا يخفى علي أمره، وإن كان كاذباً لا يخفى علي، أو قال: لا يضرني، قال: فقدمت المدينة، فاستشرفني الناس فقالوا: عدي بن حاتم
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عدي أسلم تسلم
قلت: إن لي ديناً، قال: أنا أعلم بدينك منك
قلت: ما يجعلك أعلم بديني مني؟
قال: أنا أعلم بدينك منك. ألست ترأس قومك؟
قلت: بلى
قال: ألست تأخذ المرباع - أي ربع الغنيمة
قلت: بلى
قال: فإن ذلك لا يحل لك
قلت: أجل
قال: فكان ذلك أذهب بعض ما في نفسي
قال: أنه يمنعك من أن تسلم خصاصة فقر من ترى حولنا، وإنك ترى الناس علينا إلباً واحداً، أو قال يداً واحدة
قلت: نعم
قال: هل أتيت الحيرة؟
قلت: لا، وقد علمت مكانها
قال صلى الله عليه وسلم: يوشك الظعينة أن تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز
قال: قلت: كنوز كسرى بن هرمز
قال: كنوز كسرى بن هرمز ويوشك أن يخرج الرجل الصدقة من ماله فلا يجد من يقبلها منه
قال عدي رضي الله عنه: فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على السواد، والله لتكونن الثالثة أنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.(6/28)
وفي رواية أبي بكر بن خلاد ومحمد بن أحمد قال عدي فأنا سرت بالظعينة من الحيرة، قال: إلى البيت العتيق في غير جوار، يعني أنه حج بأهله، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن، والله لتكونن الثالثة كما كانت هاتان أنه تحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي
وفي رواية أخرى
قدم عدي بن حاتم الطائي الكوفة، فأتيته في أناس منا، من أهل الكوفة، قلنا: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة ولا أعلم أحداً من العرب كان له أشد بغضاً مني، ولا أشد كراهية له مني، حتى لحقت بأرض الروم، فتنصرت فيهم، فلما بلغني ما يدعو إليه من الأخلاق الحسنة، وما اجتمع إليه من الناس ارتحلت حتى أتيته، فوقفت عليه وعنده صهيب وبلال وسلمان
فقال: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم
فقلت: أخ أخ فأنخت، فجلست وألزقت ركبتي بركبته
فقلت: يا رسول الله ما الإسلام؟
قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره. يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى تفتح خزائن كسرى وقيصر. يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى تأتي الظعينة من الحيرة –ولم يكن يومئذ كوفة- حتى تطوف بالكعبة بغير خفير، لا تقوم الساعة حتى يحمل الرجل جراب المال فيطوف به فلا يجد أحد يقبله، فيضرب به الأرض فيقول: ليتك كنت تراباً - دلائل النبوة لأبي نعيم 2/693-696.
إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وهبته الشيماء بنت نفيلة لخريم بن أوس:
قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن معمر قال ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، قال: ثنا أبو السكين زكريا بن يحيى الطائي، قال حدثني عم أبي زخر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال
قال جدي خريم بن أوس: هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقدمت عليه مُنْصَرَفَةُ من تبوك، فأسلمت فسمعته يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغله شهباء معتجرة بخمار أسود.
فقلت: يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف فهي لي؟
قال: هي لك.
قلت: ثم كانت الردة، فما ارتد أحد من طيء، فأقبلنا مع خالد بن الوليد نريد الحيرة، فلما دخلناها كان أول من تلقانا الشيماء بنت نفيلة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها.
فقلت: هذه وصفها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني خالد بالبينة فأتيت بها، فكانت البينة محمد بن مسلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان، فسلمها إليّ خالد، ونزل إليها أخوها عبد المسيح بن نفيلة يريد الصلح
فقال: بعينها
فقلت: لا أنقصها والله من عشر مائة فأعطاني ألف درهم وسلمتها إليه
فقالوا لي: لو قلت مائة ألف لسلمها إليك
فقلت: ما كنت أحسب أن عدداً أكثر من عشر مائة
قلت: وهذا صحابي لا يعلم بعد الألف عدداً وهذا الحديث من أعلام نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حدث عن أمر من الغيب لا يمكن تصوره بالظن ولا التخييل ولا التوقع فإن تصور انتصار العرب المسلمين على الفرس كان أبعد من الخيال ولقد حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بصفته حقيقة واقعة ووقع الأمر كما حدث به تماماً.
وقد روى هذا الحديث الإمام ابن حبان رحمه الله كما في الموارد: أخبرنا ابن أسلم حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم بن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها
فقام رجل فقال: هب لي يا رسول الله ابنة نفيلة
فقال: هي لك فأعطوها إياه
فجاء أبوها فقال: أتبيعنها
فقال: نعم
قال: بكم؟
قال: احتكم ما شئت
قال: بألف درهم
قال: قد أخذتها فقيل: لو قلت ثلاثين ألفاً
قال: وقال: وهل عدد أكثر من ألف؟
قال الحافظ الهيثمي: قلت هكذا وقع في هذه الرواية أن الذي اشتراها أبوها وإن المشهور أن الذي اشتراها عبد المسيح أخوها والله أعلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم بحسن إسلام الفرس بعد الفتح:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة (وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثاً، وفينا سلمان الفارسي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء.
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا عبد العزيز أخبرني ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لناله رجال من هؤلاء - البخاري 8/641.
بشر الرسول المسلمين بغزو قريش:(6/29)
ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني:" لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم". فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو الذي يغزوها، حتى فتح الله عليه مكة.
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن سلمان الفارسي، أنه قال : ضربت في ناحية من الخندق، فغَلُظت عليّ صخرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني؛ فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة؛
قال: ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى؛
قال : ثم ضرب به الثالث، فلمعت تحته برقة أخرى .
قال : قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟
قال : أو قد رأيت ذلك يا سلمان ؟
قال : قلت : نعم.
قال: أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن؛ وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب؛ وأما الثالثة فإن الله فتح على بها المشرق.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول، حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وزمان عثمان وما بعده : افتتحوا ما بدا لكم، فو الذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك.
ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم . فلم تغزهم قريش بعد ذلك، وكان هو الذي يغزوها، حتى فتح الله عليه مكة.
إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم يوم بدر:
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم بدر قبل قتال المشركين وقال: هذا مصرع فلان، ووضع يده على الأرض، ثم قال: هذا مصرع فلان، ووضع يده عليها، وذكرهم واحدًا واحدًا مشيرًا إلى مصارعهم، فصرعوا كذلك، ما تجاوز أحد منهم موضعه الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم بخراب خيبر:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر صلى بهم الصبح وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون، بل خرجوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا: محمد والله، محمد والجيش، ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر خربت خيبر، الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين".
أخرجه البخاري ومسلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه هو الذي يقتل أبيًا:
رام إمام الكفر أبيّ بن خلف _ لعنه الله_ قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا أقتل أبيًا"، وذلك الذي تم كما جاء في الحديث: أقبل أبي بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عمير، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبيّ من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، وطعنه بحربته فسقط عن فرسه ولم يخرج من طعنته الدم فكسر ضلعًا من أضلاعه، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك، إنما هو خدش.
فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتل أبيًا، ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون، فمات أبي قبل أن يقدم مكة، فأنزل الله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنا) - سورة الأنفال، من الآية:17. أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
وكان أبيّ بن خلف الكافر الوحيد الذي قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وما سمع أنه قتل بعده أحدًا.
إخباره صلى الله عليه وسلم بإسلام أبي الدرداء قبل أن يسلم:
عن جبير بن نفير قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يعبد صنمًا في الجاهلية، وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما دخلا بيته فسرقا صنمه، فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك ويقول: ويحك، هل امتنعت، ألا دفعت عن نفسك؟
فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحدًا أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه ونفعها
فقال أبو الدرداء: أعدي لي في المغتسل ماء، فجعلت له ماء فاغتسل وأخذ حلته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً، فقال: هذا أبو الدرداء ما أراه جاء إلا في طلبنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، إنما جاء ليسلم؛ فإن ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم. أخرجه البيهقي في الدلائل.
إعلامه صلى الله عليه وسلم بعدم غزو المشركين المسلمين بعد الخندق:
لما انصرف أهل الخندق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن نغزوهم ولا يغزوننا.
صحيح: أخرجه البخاري وأحمد وابن إسحاق.
فلم تغز قريش بعد هذه الغزوة، وكان صلى الله عليه وسلم يغزوهم حتى فتح الله عليه مكة.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن إسلام أبي طلحة قبل أن يسلم:(6/30)
لما مات زوج أم سليم رضي الله عنها، جاءها أبو طلحة الأنصاري خاطبًا فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك. فقال: ما ذاك دهرك! (ما هذه عادتك)، قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء (الذهب) والبيضاء (الفضة)، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام فإن تسلم فذاك مهري ولا أسألك غيره، قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك.
قال ثابت البناني، راوي القصة عن أنس: فما بلغنا أن مهرًا كان أعظم منه أنها رضيت الإسلام مهرًا. صحيح، رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود الطيالس
11. ... إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات (2)
ثانياً: نبوءات تحققت بعد زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
المسلمون يفتحون فارس موقنين بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي حدثنا بكر بن عبد المزني وزياد بن جبير عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأنصار، يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان
فقال له عمر: إني مستشيرك في مغازي هذه
قال: نعم، مَثَلُها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس، وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.
وقال بكر بن زياد جميعاً عن جبير بن حية قال: فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو، خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم.
فقال المغيرة بن شعبة: سل عما شئت
قال: ما أنتم؟
قال: نحن أناس من العرب، كنا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمر نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أن من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم.
وروى الحاكم رحمه الله هذا الحديث قال: حدثنا علي بن جمشاد العدل، ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة ثنا أبو عمران الجوني، عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان
فقال يا أمير المؤمنين: أصبهان الرأس وفارس وآذربيجان الجناحان، فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب بالمسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلي فانتظره حتى قضى صلاته.
فقال له: إني مستعملك.
فقال: أما جابياً فلا!! وأما غازياً فنعم.
قال: فإنك غاز.
فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم حذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، والزبير بن العوام، والأشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب، وعبد الله بن عمرو، فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر، فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولاً وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه فقال: ما ترون أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته؟
فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريرة، ووضع التاج على رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والأسورة، فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه، وبيده الرمح والترس والناس حوله سماطين على بساط له، فجعل يطعنه برمحه فخرقه لك لي يتطيروا، فقال له ذو الحاجبين: إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم فإن شئتم مرناكم (من الميرة يعني الطعام) ورجعتم إلى بلادكم.
فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنا كنا معشر العرب نأكل الجيفة والميتة، وأنه قد وعدنا أن هاهنا سيفتح علينا، وقد وجدنا جميع ما وعدنا حقاً، وإني لأرى ها هنا بزة وهيئة ما أرى من معي بذاهبين حتى يأخذوه
فقال المغيرة: فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة فزجني وجعلوا يحثونه
فقلت: أرأيتم إن كنت أنا استحمق فإن هذا لا يفعل بالرسل، وإنا لا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا
فقال: إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئنا قطعنا إليكم
فقلت: بلى نقطع إليكم، فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل سبعة في سلسلة، وخمسة في سلسلة حتى لا يفروا
قال: فرامونا حتى أسرعوا فينا
فقال المغيرة للنعمان: إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل(6/31)
فقال: إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله، ولكني أنا شهدت رسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار، أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الريح، وينزل النصر
فقال النعمان: يا أيها الناس اهتز ثلاث هزات فأما الهزة الأولى فليقضي الرجل حاجته، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وسيفه، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد، وإن قتلت فلا تلووا علي، وإني داع الله بدعوة فعزمت على كل امرىء منكم لما أمن عليها فقال: اللهم ارزق اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين، وافتح عليهم.
فأمن القوم..وهز لواءه ثلاث مرات، ثم حمل فكان أول صريع رضي الله عنه فذكرت وصيته فلم ألوي عليه، وأعلمت مكانه فكنا إذا قتلنا رجلاً منهم، شغل عنا أصحابه يجرونه ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على المسلمين، وأتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء فجعلت أصبه على وجهه أغسل التراب عن وجهه
فقال: من هذا
فقلت: معقل بن يسار
فقال: ما فعل الناس
فقلت: فتح الله عليهم
فقال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر.
وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس فقال: فأتينا أم ولده فقلنا: هل عهد إليك عهداً قالت: لا إلا سفيط له فيه كتاب فقرأته فإذا فيه: إن قتل فلان ففلان، وإن قتل فلان ففلان - المستدرك 3/293.
قلت: فانظر كيف زحف المسلمون وهم قلة قليلة إلى الفرس وهم أضعاف أضعافهم ولكن المسلمين كانوا موقنين بالنصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بذلك، والرسول لا يقول إلا حقاً.
إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله
وقال البخاري رحمه الله: حدثنا إسحاق سمع جريراً عن عبد الملك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله
وأخرجه أيضاً من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتفتحن عصابة من المسلمين -أو من المؤمنين- كنز آل كسرى الذي في الأبيض.
قلت: وقد وقع الأمر تماماً كما قال صلى الله عليه وسلم فإنه لم يأت بعد كسرى كسرى غيره، ولما هدمت دولة القياصرة فلم تقم لهم دولة بعد ذلك وإلى يومنا هذا.
فأي دليل أعظم من هذا الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بالوحي الذي لا يعلمه إلا الله، فإنه لم يكن يتصور أحد أن دولة الأكاسرة التي استمرت نحو ألف عام أن يكون سقوطها وزوالها بأيدي المسلمين، وأن الأكاسرة لا يستطيعون، وإلى قيام الساعة أن يعيدوا ملكهم مرة ثانية.
إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال المسلمين وقتالهم بعضهم بعضاً بعد فتح فارس والروم:
قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟
قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض" - مسلم 4/2274.
قلت: وللأسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً في الجمل وصفين!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بفتح القسطنطينية:
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى"
فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)-سورة التوبة آية 33 أن ذلك تاما!!ً.
قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله - رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها - رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر".(6/32)
وعن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له خلق قال: فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدينة هرقل تفتح أولاً - يعني قسطنطينية - رواه أحمد والدارمي وغيرهما وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فتح بيت المقدس:
فتح بيت المقدس فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اعدد ستاً بين يدي الساعة) وذكر منها (فتح بيت المقدس) - رواه البخاري.
وهذا الشرط قد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 36هـ.
طاعون عمواس:
طاعون عمواس وهي بلدة في فلسطين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اعدد ستاً بين يدي الساعة) وذكر منها (ثم موتان يأخذ فيكم كقصاص الغنم) رواه البخاري ، قال ابن حجر : "إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس" أهـ . وكان ذلك عام 18هـ وبلغ عدد من مات فيه خمسة وعشرين ألفاً من المسلمين.
استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة:
قال صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبله منه صدقه ، ويدعى إليه الرجل فيقول : لا أرب لي فيه" - رواه البخاري.
وهذا تحقق كثير منه في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما وقع من الفتوح، ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله، وسيكثر المال في آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى عليه السلام إن شاء الله.
ظهور الفتن:
ظهور الفتن ، قال صلى الله عليه وسلم : "إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً"- رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد حدث كثير من الفتن من عهد الصحابة رضي الله عنهم حتى الآن وأعظم الفتن جاءت من الشرق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق : "ألا إن الفتنة ها هنا ألا إن الفتنه هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان - رواه البخاري.
ومن الفتن التي حدثت: مقتل عثمان رضي الله عنه، وموقعة الجمل وصفين، وظهور الخوارج، وموقعة الحرة ، وفتنة القول بخلق القرآن.
ظهور مدعي النبوة:
ظهور مدعي النبوة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله" - رواه مسلم
وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين : مسيلمة الكذاب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والأسود العنسي في اليمن وقتله الصحابة، وظهرت سجاح فادعت النبوة ثم رجعت إلى الإسلام، وظهر طليحة بن خويلد الأسدي ثم رجع إلى الإسلام، ثم ظهر المختار، ومنهم الحارث الكذاب ظهر في خلافة عبد الملك بن مروان، وخرج في خلافة بني العباس جماعة.
وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند، ولا يزال يظهر هؤلاء الكذابون حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال كما قال صلى الله عليه وسلم : "وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الكذاب" - رواه أحمد
ومن هؤلاء الكذابون أربع نسوة ، قال صلى الله عليه وسلم : "في أمتي كذابون ودجالون ستة وعشرون منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي" - رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
ظهور نار الحجاز:
ظهور نار الحجاز، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى" - رواه البخاري.
وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام 654 هـ، وكانت ناراً عظيمة أفاض العلماء ممن عاصر ظهورها ومن بعدهم بوصفها، قال النووي : خرجت في زماننا نار في المدينة سنة أربع وخمسين وست مائة وكانت ناراً عظيمة جداً من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، وتواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة.
ونقل ابن كثير أن غير واحد من الأعراب ممن كان بحاضرة بصرى شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وذكر القرطبي في التذكرة أن هذه النار رئيت من مكة ومن جبال بصرى.
فساد الأخلاق وضياع الأمانة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة".
قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟
قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة - رواه البخاري
ومن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف إلى غير أهلها القادرين على تسييرها.
كثرة الشرطة وأعوان الظلمة:(6/33)
فقد روى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال-أو قال-يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم سياط كأنها أذناب البقر ، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه".
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس"
انتشار الزنا:
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن من أشراط الساعة ـ فذكر منها ـ ويظهر الزنا"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط" - رواه أبو يعلي وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
قال القرطبي : "في هذا الحديث علم من أعلام النبوة إذا أخبر عن أمور ستقع فوقعت خصوصاً في هذه الأزمان" أ هـ، فإذا كان هذا في زمن القرطبي فهو في زمننا هذا أكثر ظهوراً.
الربا:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "بين يدي الساعة يظهر الربا"- رواه الطبراني في الترغيب والترهيب وقال المنذري رواته رواة الصحيح. وهذا الحديث ينطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن.
ظهور المعازف واستحلالها:
فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ".
قيل : ومتى ذلك يا رسول الله ؟
قال: "إذا ظهرت المعازف والقينات" - رواه ابن ماجه ، وقال الألباني صحيح. وهذه العلامة قد وقع شيء كثير منها في السابق وهي إلى الآن أكثر ظهوراً.
كثرة شرب الخمر واستحلالها:
فقد روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أشراط الساعة ـ وذكر منها ـ ويشرب الخمر.
وروى الأمام أحمد عن عباده بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه"
ارتفاع الأسافل:
فيكون أمر الناس بيد السفهاء والأراذل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة، قال: السفيه يتكلم في أمر العامة" - رواه أحمد وقال أحمد شاكر : إسناده حسن.
أن تكون التحية للمعرفة فقط:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة" - رواه أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن.
ظهور الكاسيات العاريات:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سرج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات" - رواه أحمد وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح.
ومعنى كاسيات عاريات أي: كاسية جسدها ولكنها تشد خمارها وتضيق ثيابها حتى تظهر تفاصيل جسمها، أو تكشف بعض جسدها، وهذا حادث.
كثرة الكذب وعدم التثبت في نقل الأخبار:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"سيكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم" - رواه مسلم.
كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق" - رواه أحمد وقال أحمد شاكر: صحيح.
النفاق في العلائق وقطعية الأرحام:
للحديث: "إذا الناس أظهروا العلم وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم"- ابن أبي الدنيا.
زخرفة المساجد والتباهي بها:
فقد روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد".
التطاول في البنيان:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عندما سأل عن وقت قيام الساعة: "ولكن سأحدثك عن أشراطها ـ فذكر منها ـ وإذا تطاول رعاء البهائم في البنيان فذاك من أشراطها"، وقد ظهر هذا في زماننا جلياً فتطاول الناس في البنيان وتفاخروا.
كثرة التجارة وفشوها بين الناس:(6/34)
كثرة التجارة وفشوها بين الناس حتى تشارك المرأة فيها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: "بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تشارك المرأة زوجها في التجارة"- رواه أحمد وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وهذا الشرط واقع حادث.
كثرة الزلازل:
كثرة الزلازل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل" - رواه البخاري.
ذهاب بركة الأوقات:
للحديث: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار"- أخرجه الترمذي.
تداعى الأمم على أمة الإسلام:
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قائلاً: "يوشك أن تداعى عليكم الأممُ من كل أفق كما تداعى الأكلةُ على قصعتها،
قال: قلنا يا رسول الله أمن قلت بنا يومئذٍ؟
قال: أنتم يومئذٍ كثيرٌ ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن،
قلنا وما الوهن؟
قال: حب الدنيا وكراهية الموت" رواه أحمد في كتاب باقي مسند الأنصار.
صدقت يا سيدي يا رسول الله فأصبحت الأمة الإسلامية الآن مطمعاً لكل لئيم بعدما ترك المسلمون الجهاد و تكالبوا على الدنيا.
إخباره صلى الله عليه وسلم بأن خلافة النبوة ثلاثون سنة:
عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء. وفي رواية: ثم تكون ملكًا. أخرجه أبو داود.
وقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر، يضاف إليها ستة أشهر وهي مدة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، فتصير ثلاثين سنة؛ لأن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول سنة إحدى عشر، وتنازل الحسن لمعاوية رضي الله عنهما كان في ربيع الأول سنة إحدى وأربعون من الهجرة النبوية.
شفي وطال عمره كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويستضر بك آخرون"؛ وذلك أن سعدًا مرض بمكة، وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، واشتد مرضه حتى أشفى (أي أشرف على الموت) فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، ولم يكن لسعد إلا بنت، فقال: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا، إلى أن قال: فالشطر، قال: لا، فقلت: الثلث، قال: الثلث والثلث كثير، ثم قال له صلى الله عليه وسلم: لعلك تخلف –أي تعيش- حتى ينتفع بك أقوام ويستضر بك آخرون"، فشفاه الله من ذلك المرض، وفتح الله العراق على يديه، وهدى الله به ناسًا من الكفار جاهدهم وقتل منهم وسبى، وكانت المدة التي عاش فيها بعد ذلك المرض نحو خمسين سنة. أخرجه البخاري ومسلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم الزبير بأنه سيقاتل عليًا:
لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي رضي الله عنه وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام؛ فإني علي، فدُعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير أنشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا؟
فقال: يا زبير تحب عليًا؟
فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني
فقال: يا علي أتحبه؟
فقلت: يا رسول الله، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني
فقال: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم
قال: بلى، والله لقد نسيته منذ سمعته من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك،
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال: مالك؟ فقال: ذكرني علي حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: لتقاتلنه وأنت له ظالم، فلا أقاتله
قال: وللقتال جئت! وإنما جئت تصلح بين الناس ويصله الله هذا الأمر
قال: قد حلفت ألا أقاتله
قال: فأعتق غلامك جرجس وقف حتى تصلح بين الناس، فأعتق غلامه ووقف، فلما اختلف الناس ذهب على فرسه - صحيح، أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في الدلائل.
إخباره صلى الله عليه وسلم أن عمارًا تقتله الفئة الباغية:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار:" تقتلك الفئة الباغية". أخرجه الشيخان.
ومعلوم أن عمارًا رضي الله عنه كان في جيش علي يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام، وكان الذي قتله رجل يقال له أبو الفادية رجل من غوغاء الناس، وقيل: قتله اثنان: هذا ويسار بن أزيهر الجهني من قضاعة.(6/35)
إخباره صلى الله عليه وسلم أن آخر شربة لعمار مذقة لبن:
عن مولاة لعمار رضي الله عنه قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها؟ فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله، فقال: ما تبكون؟ أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي من الدنيا مذقة لبن.
وعن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخر شربة تشربها م الدنيا شربة لبن"، فشربها ثم تقدم فقتل - أخرجه أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن مروق مارقة أثناء فرقة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق" - أخرجه مسلم.
وهذه الفرقة هي الخوارج، وقد ظهرت أثناء القتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقتلها أقرب الطائفتين إلى الحق، وهو علي رضي الله عنه ومن معه.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن أول أهله لحوقًا به:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبًا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثًا فبكت
فقلت: استخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث لِمَ تبكين؟
ثم أسر إليها حديثًا فضحكت
فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عما قال لها
فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه أسر إلي: أن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحوقًا بي، ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين؟ فضحكت.
ولا جدال أنها كانت أول أهله لحوقًا به صلى الله عليه وسلم، واختلف في مدة مكثا بعده؛ فقيل: مكثت شهرين، وقيل: ثلاثة أشهر، وقيل: ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وأصح الروايات: أنها ستة أشهر.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن أسرع أزواجه لحوقًا به:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا". قالت: فكن يتطاولن أيهن أطول يدًا، قالت: فكانت زينب أطولنا يدًا لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق. صحيح، أخرجه مسلم وغيره.
إخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة بأنها شهيدة:
عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله عنها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرًا
قالت: تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله تعالى يهدي لي الشهادة؟
قال: إن الله تعالى مهد لك الشهادة، فكان يسميها الشهيدة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وأنها غمتها جارية لها وغلام كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر فقيل: إن أم ورقة قتلتها جاريتها وغلامها وأنهما هربا، فأتي بهما فصلبهما فكانا أول مصلوبين في المدينة، فقال عمر رضي الله عنه: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: انطلقوا نزور الشهيدة. أخرجه الإمام أحمد والبيهقي.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن موقع الفتن:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان يمان، والفتنة ها هنا، ها هنا يطلع قرن الشيطان" - أخرجه البخاري ومسلم.
وقد وقع الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فخرجت الفتنة من العراق ومن نجد وما حولهما.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغزوة الأولى في البحر:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يومًا فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟
قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر (أي ظهره أو وسطه)، ملوكًا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة"
فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك
قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟
قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كما قال في الأولى
قالت: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم
فقال: أنت من الأولين
قال: فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. أخرجه البخاري ومسلم.
وقد وقعت هذه الغزوة سنة سبع وعشرين في زمان عثمان رضي الله عنه بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
مقتل الحسين:(6/36)
وذلك يم عاشوراء سنة إحدى وستين. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني الحسين مقتول في أرض الطف وإن أمتي ستفترق بعدي". حسن، أخرجه الطبراني.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه ويتتبعه فيها، قال: قلت: يا رسول الله، ما هذا؟
قال: "دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم".
قال عمار بن أبي عمار الراوي عن ابن عباس: فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم، قلت: يعني العاشر من محرم (عاشوراء) سنة إحدى وستين.
ولاية اثنا عشر خليفة كلهم من قريش:
عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أسمعها فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش.
أخرجه البخاري.
إلى هذه اللحظة المدينة لم يدخلها الطاعون:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. أخرجه الشيخان.
وقد وقع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فحتى الآن لم نسمع بدخول الطاعون المدينة.
وصول مساكن المدينة إلى أهاب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبلغ المساكن أهاب أو يهاب، قال زهير: قلت لسهيل، أحد الرواة: فكم ذاك من المدينة؟ قال: كذا وكذا ميلاً.
صحيح، أخرجه مسلم.
وقد وصلت مساكن المدينة أبعد من المدينة عددًا من الأميال.
ظهور التتار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة (المجان: جمع مِجَن وهو الترس، والمطرقة التي قد عوليت بطراق وهو الجلد الذي يغشاه، وقيل: التي يطرق بعضها على بعض، كالنعل المطرق المخصوفة)، نعالهم الشعر ( أي يصنعون من الشعر حبالاً و يصنعون منها نعالاً).
أخرجه البخاري.
وقد جاء التتار (المغول) إلى بلاد الإسلام في القرن السابع الهجري، فاجتاحوا ديار الإسلام وقتلوا مئات الألوف وهدموا البيوت والقصور، وأذاعوا الفسق في كل مكان، وقتلوا الأمراء والسلاطين، وأزالوا الخلافة العباسية خلافة الظهور، وخرجوا من بلد إلى بلد ليقضوا على العلم والنور، ثم كانت هزيمتهم على يد المسلمين تحت قيادة سلطان مصر قطز.
وبلغ البناء سلعًا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: إذا بلغ البناء سلعًا فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعًا خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة (على بعد أميال من المدينة) استجابة لأم سول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنه خرج مطرودًا منفيًا من جانب عثمان رضي الله عنه كما يزعم الرافضة والمستشرقون اعتمادًا على روايات باطلة وأخبار واهية وفهم سقيم وسوء نية وفساد طوية. وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من المدينة إذا بلغ البناء سلعًا لما كان يخشى عليه ولما كان يعلم من حاله من مبالغة في الزهد وأخذ بالعزيمة وجبر الناس عليها، وتم الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعندما زادت الأموال في عصر عثمان رضي الله عنه، وسارع الناس إلى جمع الثروات وبناء المساكن وشراء الأراضي، خرج أبو ذر يطالبهم بإنفاق أموالهم والاكتفاء بما يسد حاجتهم منها، واستغل عبد الله بن سبأ اليهودي، كعادة اليهود، هذا ا لرأي استغلالاً مدمرًا؛ فأشعل نار الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم، ووقعت الفتنة الكبرى.
أخرجه الطبري في تاريخه، وساقها الذهبي في سير أعلام النبلاء، وقال المحقق: رجاله ثقات.
أبو ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده، ووقع الأمر كما حكى سيد البشر:(6/37)
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال الرجل يتخلف فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه، حتى قيل: يا رسول الله! تلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه، فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيًا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله! إن هذا الرجل ماشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله! هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فضرب الدهر ضربه (أي مرت الأيام) وسار أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا مت فاغسلاني وكفناني من الليل ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر، فلما مات فعلوا به كذلك، فاطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركابهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقال: ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه (دفنه وأقبره).
حسن: أخرجه ابن إسحاق، وإسناده حسن كما قال ابن كثير في البداية.
عثمان تصيبه البلوى:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: توضأت في بيتي ثم خرجت فقلت: لأكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت المسجد فسألت عنه فقالوا: خرج وتوجه هاهنا، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس، وما بها من جريد، فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس، فجئته فسلمت عليه، فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه، فرجعت إلى الباب وقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أنشب أن دق الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر، قلت: على رسلك، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فخرجت مسرعًا حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ، وقد كان قال لي: أنا على إثرك، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرًا يأت به. قال: فسمعت تحريك الباب فقلت: من هذا؟ قال: عمر، قلت: على رسلك، قال: وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فجئت وأذنت له وقلت له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قال: ثم رجعت فقلت: إن يرد الله بفلان خيرًا يأت به، يريد أخاه، فإذا تحريك الباب، فقلت: من؟ قال: عثمان بن عفان، قلت: على رسلك، وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا عثمان يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، قال: فجئت فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك، فدخل وهو يقول: الله المستعان، فلم يجد في القف مجلسًا فجلس وجاههم من شق البئر وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما. أخرجه الشيخان.
قال سعد بن المسيب: فأولتها قبورهم؛ اجتمعت وانفرد عثمان. وهذا البلاء الذي أصاب عثمان رضي الله عنه هو ما وقع من قتله وحصره ومنع الماء عنه، على يد رعاع أهل الأمصار ومن دبر هذه المكيدة وخطط لها وأشعلها من اليهود خصوصًا عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف بابن السوداء لعنه الله، وبعد أن قتلوه ألقوه على الطريق أيامًا لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه، حتى غُسل بعد ذلك وصُلي عليه ودُفن بحش كوكب، بستان في طريق البقيع. وقد بلغ هؤلاء القتلة الخونة الفجرة من الخسة والدناءة والوقاحة ما لا يخطر على بال؛ حين قتلوه، رضي الله عنه، وهو يقرأ القرآن، فتقدم أحدهم عليه فركل المصحف برجله.
قتل المسلمين بعضهم بعضًا:(6/38)
عن أبي موسى قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين الساعة لهرجًا، قال: قلت: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: القتل القتل، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بقتل المشركين ولكن بقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته".صحيح: أخرجه ابن ماجه.
وفي رواية: "إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه". رواه مسلم.
هيمنة الأمة الإسلامية على العالم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها". أخرجه مسلم.
وقد حدث هذا في أيام الصحابة رضي الله عنهم، قبل نهاية القرن الهجري الأول؛ حيث سيطر المسلمون على قارات العالم الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، وزالت إمبراطورتا الفرس والروم.
أخذ الأمة الإسلامية بأخذ القرون قبلها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، قيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك". رواه البخاري عن أبي هريرة.
وقد سارت الأمة على مناهج الشرق الملحد والغرب الكافر، وجربت الشرق مرات وجربت الغرب مئات المرات، وأبت أن تسير على منهج الله تعالى مرة واحدة.
تبرج النساء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". رواه البخاري.
أذناب البقر: ذيول.
كاسيات عاريات: كاسيات من نعمة الله عاريات عن شكرها، أو كاسيات بعض الأعضاء عاريات البعض الآخر، أو كاسيات في الظاهر عاريات في الحقيقة لشفافية الثياب.
مميلات مائلات: أي يمشين المشية الميلاء ذات التبختر والكبرياء، ويعلمن غيرهن هذا الصنيع.
رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة: يعظمن ويكبرن رؤوسهن كأسنمة الإبل.
ظهور أقوام يغيرون شعرهم باللون الأسود:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة". حديث صحيح: رواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس.
أي أن هؤلاء القوم يغيرون شعرهم وشيبهم بالسواد كما يفعل في عصرنا.
إنكار السنة النبوية المطهرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يقعد الرجل متكئًا على أريكته، يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه". أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الألباني.
ظهرت في هذه الأيام جماعة يسمون أنفسهم القرآنيون، يقرءون القرآن الكريم وينكرون السنة النبوية بالكلية، والحق أنهم منكرون للقرآن الكريم قبل إنكار السنة؛ فمنكر السنة منكر للقرآن بلا ريب؛ إذ كيف يصلي وكم صلاة يصليها، وما أركان الصلاة، وما سننها ومبطلاتها؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف يحج؟ وأنكر بعض المعاصرين السنة القولية، وأقر السنة العملية. وأنكر بعض المعاصرين ممن ليس لهم اختصاص بالسنة أحاديث الشفاعة، وأولوا الآيات القرآنية الصريحة في الشفاعة، والبعض الآن يتكئ على أريكته وينفخ أوداجه ثم يضعف أحاديث الشيخين البخاري ومسلم التي أجمعت الأمة على صحتها.
قوله صلى الله عليه وسلم إن البراء لو أقسم على الله لأبره:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من ضعيف مستضعِّف ذي طمرين (أي ثوبين خَلِقين) لو أقسم على الله لأبرَّه، منهم البراء بن مالك". حسن: رواه الترمذي والحاكم والبيهقي.
وإن البراء لقي زحفًا من المشركين فقالوا: يا براء إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أقسمت على الله لأبرَّك، فأقسم على ربك، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، فمُنحوا أكتافهم، ثم التقوا على قنطرة السوس، فأوجعوا في المسلمين، فقالوا: أقسم يا براء على ربك
قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقني بنبيك، ثم حملوا فانهزم الفرس وقُتل البراء شهيدًا. وكان قتل البراء شهيدًا يوم تستر في عهد عمر رضي الله عنه.
إشارته صلى الله عليه وسلم إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم عمر، وإشارته إلى قصر خلافة الصديق وطول خلافة الفاروق:
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين من بعدي، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما". حسن، أخرجه الترمذي.(6/39)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنزع منها ذنوبًا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غرْبًا (أي الدلو العظيمة، وهذا تمثيل معناه أن الفتوحات كانت في زمن عمر أكثر)، فلم أر عبقريًا (العبقري هو سيد القوم وكبيرهم) من الناس يفري فريه (يعمل عمله ويقطع قطعه)، حتى ضرب الناس بعطن (العطن: مبارك الإبل نحو الماء). أخرجه البخاري.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن قتل مسيلمة الكذاب:
عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال: "إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني أراك الذي أريت فيه ما أريت وهذا ثابت بن قي يجيبك عني، ثم انصرف.
قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنك الذي أريت فيه ما أريت "، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي، فهذان هما أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة". أخرجه البخاري، ومسلم في الرؤية.
إسلام أهل اليمن قبل أهل الشام:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل اليمن (أي تجاهها وناحيتها) فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر قِبَل الشام فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر قِبَل العراق فقال: وبارك لنا في صاعنا ومدنا (الصاع: مُدان، والمد حفنة بيد الرجل المتوسط)
قال ابن كثير: وهكذا وقع الأمر، أسلم أهل اليمن قبل أهل الشام، ثم كان الخير والبركة قِبَل العراق، ووعد أهل الشام بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر الأمر.
إعلامه صلى الله عليه وسلم بمواقيت الحج:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة (موضع بينه وبين مكة 450 كيلو متر يقع في شمالها)، ولأهل الشام الجحفة (موضع غي الشمال الغربي من مكة بينه وبينها 187 كيلومتر، وهي قرية من رابغ، ورابغ بينها وبين مكة 204 كيلومتر، وقد صارت رابغ ميقات أهل مصر والشام ومن يمر عليها، بعد ذهاب معالم جُحفة)، ولأهل نجد قرن المنازل (جبل شرقي مكة يطل على عرفات، بينه وبين مكة 94 كيلومتر)، ولأهل اليمن يلملم (جبل يقع جنوب مكة، بينه وبينها 54 كيلومتر)، ولأهل العراق ذات عرق (موضع في الشمال الشرقي لمكة، بينه وبينها 94 كيلومتر)، وقال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن". أخرجه الشيخان.
ولم تكن هذه البلاد قد فتحت كلها بعد، ثم مرت الأيام وفتحت هذه البلاد في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما.
أصابه العمى كما قال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه يعوده من مرض كان به، فقال: "ليس عليك من مرضك هذا بأس، ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت؟" قال: إذًا أصبر وأحتسب، قال: "إذًا تدخل الجنة بغير حساب"، فعمي بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو داود، وأحمد، والحاكم، وابن عساكر في تاريخه واللفظ له، والبيهقي في دلائل النبوة.
وعنه قال: رمدت عيني، فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا زيد، لو أن عينك لما بها كيف كنت تصنع؟" قال: كنت أصبر وأحتسب، قال: "لو أن عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت كان ثوابك الجنة". أخرجه البخاري في الأدب.
كثرة عدد النصارى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تكون الروم أكثر أهل الأرض". صحيح: أخرجه مسلم.
ونحن الآن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والنصارى يبلغون أكثر من ثلث سكان العالم، ولا تبلغ أمة من الأمم عدد أمة الروم. أما المسلمون فعددهم الآن مليار وثلث، وهذا يزيد قليلا عن خمس سكان العالم.
الحديث في المساجد في الدنيا:
عن الحسن البصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة". أخرجه البيهقي في الشعب عن الحسن مرسلاً.
وهذا كثير في المساجد الآن سيما من خدم المسجد والمسئولين عن إدارته يحولون المساجد إلى مجلس للدنيا والطعام والشراب.
مقاطعة العالم للعراق:(6/40)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها. وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم". أخرجه مسلم.
وعن أبي نضيرة قال: كنا جلوسًا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز (مكيال العراق) ولا درهم، قلنا: من أين؟ قال: من قِبَل العجم (غير العرب)، يمنعون ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مدى، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قِبَل الروم (النصارى)، ثم أسكت هنية. ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا. لا يعده عددا". أخرجه مسلم.
أما قطع المعونات عن العراق فهذا حدث منذ احتلال العراق للكويت سنة 1991م، وأما قطع الأموال من بلاد الشام (سوريا- لبنان- فلسطين- الأردن) فلم يحدث بعد والآن تستعد أمريكا لتنفيذ المقاطعة ضد سوريا.
-----------------
12. ... إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات (3)
ثالثًا: نبوءات أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المستقبل لم يتحقق بعد:
ظهور الإسلام:
في الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان وهو حديث صحيح أن النبي قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" - رواه أحمد في المسند (4/ 273) وصححه الألباني في الصحيحة رقم 5 .
وفى الحديث الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق المصدوق قال: "إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها".
الرسول وهو في أحلك الأزمات والأوقات وهو يُطارد، وأصحابه مهاجرون يقول لخباب بن الأرتّ: "والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه".
قبض العلم وظهور الجهل:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل" - رواه البخاري ومسلم، وقبض العلم بقبض العلماء، قال النووي رحمه الله: (هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بحهالتهم فيضلون ويضلون).
وقال الذهبي رحمه الله: وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل، في أناس قليل، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل فحسبنا الله ونعم الوكيل
وهذا في زمان الذهبي رحمه الله فما بالك بزماننا هذا ؟ فإنه كلما بعد الزمان من عهد النبوة قل العلم وكثر الجهل ولا يزال يقبض العلم حتى لا يعرف من الإسلام إلا اسمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله" - رواه مسلم.
كثرة القتل:
فقد روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج" قالوا : وما الهرج يا رسول الله قال: القتل القتل".
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل"
فقيل : كيف يكون ذلك ؟
قال : "الهرج القاتل والمقتول في النار".
ذهاب الصالحين:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ، فيبقى عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً" - رواه أحمد وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
صدق رؤيا المؤمن:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب" - رواه مسلم.
كثرة النساء:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أشراط الساعة ـ وذكر منها ـ وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد" - رواه البخاري.
كثرة موت الفجأة:
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة" - رواه الطبراني في الصغير والأوسط وقال الألباني: حسن.
وقوع التناكر بين الناس:(6/41)
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الساعة فقال:" علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو، ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ـ وذكر منها ـ ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحد" - رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً" - رواه مسلم.
كثرة المطر وقلة النبات:
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطراً عاماً ولا تنبت الأرض شيئًا - رواه أحمد ، وقال الهيثمي : رجاله ثقات.
حسر الفرات عن جبل من ذهب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو"- رواه البخاري.
أولى العلامات الصغرى المصاحبة للكبرى التي بدأت في الظهور.. هي انحسار نهر الفرات عن جبل الذهب.. ستظهر هذه العلامة قرب ظهور المهدي.. وبالفعل بدأ نهر الفرات في انخفاض منسوب مياهه.. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقبل الناس عليه.. فيقتتل من كل مائة تسعة وتسعون.. ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو ".. وتلك فتنة شديدة ومقتلة عظيمة.. قتال دائر بين الرجال من أجل أخذ الذهب.. ولا يصل إليه أحد.. ومن حضر تلك العلامة فلا يأخذ من الذهب شيئاً كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم..: "يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيء".
كلام السباع والجمادات الإنس:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الراعي الذي تكلم معه الذئب ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم
ثم قال: "إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه ما أحدث أهله بعده"- رواه أحمد، وقال أحمد شاكر صحيح.
هذه العلامة قد ظهرت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم! في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ذئب إلى راعي الغنم فأخذ منه شاه فطلبه الراعي حتى انتزعها منه. قال: فصعد الذئب على تل فأقص– جلس على أسته واستذفر– أدخل ذنبه بين فخذيه- فقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز وجل وانتزعته مني، فقال الرجل: تالله إن رأيت كاليوم ذئباً يتكلم! قال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم. وكان الرجل يهودياً فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخبره.. فصدقه النبي عليه الصلاة والسلام.. ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" إنها أمارة من إمارات بين يدي الساعة قد أوشك الرجل أن يخرج حتى تحدثه نعلاه وسوطه ما أحدث أهله بعده "..
كثرة الروم وقتالهم للمسلمين:
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اعدد ستاً بين يدي الساعة، فذكر منها: "ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً"- رواه البخاري.
وجاء في وصف هذا القتال أنه عظيم شديد فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا -ونحاها نحو الشام فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام.
قلت: الروم تعني؟
قال: نعم وتكون عند ذلكم القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم فيقتلون مقتلة – إما قال لا يرى مثلها، وإما قال لم ير مثلها – حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يخر ميتاً فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك فجاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلفم في ذراريهم ، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إني لأعرف أسمائهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ"- رواه مسلم.
قتال اليهود:(6/42)
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود - متفق عليه.
ظهور المهدي المنتظر:
اعلم أن المحدثين متفقون على صحة حديث خروج المهدي فقد صرح الحافظ ابن حجر بثبوته والحافظ السيوطي بل قال إنه متواتر تواترًا معنويًا وأكثر الأئمة الذين ألفوا في الحديث أو خلق كثير منهم وضعوا ترجمة لخروجه بل أفرد عدة منهم التأليف في أخباره كالحافظ نعيم بن حماد والسيوطي، ولا عبرة بطعن أناس ليسوا من المحدثين في ذلك. فإن عدد من روى حديث المهدي 38 نفسا منهم 33 صحابة و5 تابعيون، ومن جملة ما ورد في المهدي.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ - رواه مسلم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ قَالَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ اتَّفَقُوا حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي زَادَ فِي حَدِيثِ فِطْرٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا". وَقَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: " لَا تَذْهَبُ أَوْ لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي". رواه أَبُو دَاوُد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ " الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الْأَنْفِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ"- رواه أبو داود.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ مِنْ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ فَإِنْ طَالَ عُمْرُهُ أَوْ قَصُرَ عُمْرُهُ عَاشَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا وَتُمْطِرُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا" - رواه أحمد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا" - رواه أحمد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا - رواه أحمد.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ النَّاسِ وَزَلَازِلَ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ يَقْسِمُ الْمَالَ صِحَاحًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا صِحَاحًا؟ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِنًى وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ حَتَّى يَأْمُرَ مُنَادِيًا فَيُنَادِي فَيَقُولُ مَنْ لَهُ فِي مَالٍ حَاجَةٌ فَمَا يَقُومُ مِنْ النَّاسِ إِلَّا رَجُلٌ فَيَقُولُ ائْتِ السَّدَّانَ يَعْنِي الْخَازِنَ فَقُلْ لَهُ إِنَّ الْمَهْدِيَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُعْطِيَنِي مَالًا فَيَقُولُ لَهُ احْثِ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ وَأَبْرَزَهُ نَدِمَ فَيَقُولُ كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْسًا أَوَعَجَزَ عَنِّي مَا وَسِعَهُمْ قَالَ فَيَرُدُّهُ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ فَيُقَالُ لَهُ إِنَّا لَا ن َأْخُذُ شَيْئًا أَعْطَيْنَاهُ فَيَكُونُ كَذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ أَوْ قَالَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ .- رواه أحمد.(6/43)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيَّ يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا زَيْدٌ الشَّاكُّ قَالَ قُلْنَا وَمَا ذَاكَ قَالَ سِنِينَ قَالَ فَيَجِيءُ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي أ َعْطِنِي قَالَ فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ - رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ تُؤْتَى أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئًا وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي فَيَقُولُ خُذْ"- رواه ابن ماجه.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-:"لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا"- رواه الحاكم وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا"- رواه ابن حبان.
فالمهدي عليه السلام اسمه محمد بن عبد الله وهو حسني أو حسني من ولد فاطمة رضي الله عنها، وقد ورد في الأثر أنه يسير معه في أول أمره ملك ينادي" يا أيها الناس هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه "، وورد في الأثر أيضا أن المهدي أول ما يخرج يخرج من المدينة ويخرج معه ألف من الملائكة يمدونه وينتظره في مكة ثلاثمائة من الأولياء هم أول من يبايعه ثم يخرج جيش لغزوه فيخسف الله به الأرض فيما بين مكة والمدينة، بعد ذلك يأتي إلى بر الشام.
والمهدي رجل طويل القامة آدم -أي أسمر – وجهه كالكوكب الدري في الحسن والوضاءة، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أكحل العينين واسعهما، أزج- أي دقيق الحاجبين طويلهما- أبلج- أي مفروق الحاجبين غير مقرونهما – في خده الأيمن خال أسود، كث اللحية، براق الثنايا.
يولد بالمدينة المنورة وينشأ بها ثم يأتي إلى مكة فيبايعه الأولياء ثم يأتي إلى بر الشام وأما وقت ظهوره فلم يعينه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن لا نعين ولكن له علامات على ظهوره وأكبرها أن تمتلأ الأرض ظلمًا وجورًا.
ظهور الدجال:
هو أعظم فتنة تمر بالبشر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من الدجال" - رواه مسلم.
علامات خروجه:
أ- قلة العرب: روى أحمد ومسلم والترمذي عن أم شريك: أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول: "ليفرن الناس من الدجال في الجبال" قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟.
قال: هم قليل.
ب_ الملحمة وفتح القسطنطينية: روى أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال".
ج_ الفتوحات: روى أحمد ومسلم وابن ماجة عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتيبة رضي الله عنهما؛ قال: كنا مع الرسول صلى الله عليه و سلم في غزوة، قال: فأتى النبي صلى الله عليه و سلم قومٌ من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف، فوافقوه عند أكمةٍ، فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد، قال: فقلت لي نفسي: ائتهم، فقم بينهم وبينه لا يغتالونه.
قال: ثم قلت: لعله نجي معهم، فأتيهم، فقمت بينهم وبينه
قال: فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال: "تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله عز وجل، ثم فارس، فيفتحها الله عز وجل، ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله".
د- انحباس القطر والنبات: ستكون بين يدي الدجال ثلاث سنوات عجاف، يلقى الناس فيها شدة وكرباً؛ فلا مطر، ولا نبات، يفزع الناس فيها للتسبيح والتحميد والتهليل، حتى يجزئ عنهم بدل الطعام والشراب، فبينما هم كذلك؛ إذ تناهى لأسماعهم أن إلهاً ظهر ومعه جبال الخبز وأنهار الماء، فمن أعترف به رباً؛ أطعمه وسقاه، ومن كذبه؛ منعه الطعام والشراب، فالمعصوم عندها من عصمه الله وتذكر لحظتها وصايا المصطفى صلى الله عليه و سلم: "لن تروا ربكم حتى تموتوا، وأنتم ترون هذا الأفاك الدجال ولم تموتوا بعد".
مكان خروجه:(6/44)
روى أحمد والترمذي والحاكم وابن ماجة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها: خرسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المُطرقة".
وأول ظهور أمره واشتهاره والله أعلم يكون بين الشام والعراق؛ ففي رواية مسلم عن نواس بن سمعان: "إنه خارج خلة بين الشام والعراق".
أتباعه:
أ- اليهود: روى أحمد ومسلم عن أنس بن مالك: أن الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً، عليهم الطيالسة".
ب- الكفار والمنافقين: روى الشيخان والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال؛ إلا مكة والمدينة، وليس نُقب من أنقابها إلا عليها الملائكة حافين تحرسها، فينزل بالسبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق".
ج_ جهلة الأعراب: ودليل ذلك ما رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم والضياء عن أبي أمامة، وفيه: ". . . وإن من الفتنة أن يقول الأعرابي: أرأيت إن يبعث لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يابني! اتبعه؛ فإنه ربك.
د- من وجوههم كالمجان المطرقة، ولعلهم الترك: عن أحمد والترمذي والحاكم وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خرسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة.
هلاكه:
أ- في بلاد الشام حرسها الله: روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: يأتي المسيح من قبل المشرق، وهمته المدينة، حتى ينزل دُبُر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهناك يهلك.
ب- قاتله هو عيسى بن مريم عليهما السلام: روى الترمذي عن مجمع بن جارية الأنصاري؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد " ولن يسلط عليه أحد إلا عيسى بن مريم عليه السلام".
صفاته الخلقية:
أ- أعور العين أو العينين: روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يخفي عليكم، إن الله تعلى ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية".
ب- مكتوب بين عينيه كافر: روى الشيخان عن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه - ك ف ر".
د- قصير، أفحج، جعد، أعور، عينه ليست بناتئة ولا جحراء: روى أحمد وأبو داود عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال: قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بنائتة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم؛ فاعلموا أن ربكم ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.
هـ_ هجان، أزهر، كأن رأسه أصلة: روى أحمد وابن حبان عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "الدجال: أعور، هجان، أزهر ( وفي رواية أقمر )؛ كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك؛ فإن ربكم تعالى ليس بأعور"
أعماله:
أ - يدعي الألوهية للحديث: "معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار" - رواه مسلم.
ب- تسخر له الجن والسماء والأرض زيادة في الفتنة للحديث: يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك، فيأتي على القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم: فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم" - رواه مسلم.
جـ- أن يهبه الله إمكانية القتل ودعوة المقتول إلى الاستواء فيستوي زيادة في الفتنة للحديث: ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائما" - رواه مسلم.
د- ومكوثه في الأرض أربعون للحديث: قلنا: يا رسول الله وكم لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما" - رواه مسلم.
هـ- للنجاة منه: أن تقرأ فواتح سورة الكهف للحديث: "فمن أدركه منكم فليقرأ عليه بفواتح الكهف فإنها جواركم من فتنته"- رواه مسلم.
نزول عيسى بن مريم عليه السلام:
للحديث: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية"- رواه البخاري ومسلم.
هلاك الدجال على يد المسيح عليه السلام للحديث: "فيطلبه حتى يدركه بباب لُدّ فيقتله" - رواه مسلم.
مكوثه أربعين سنة: للحديث: "ينزل عيسى بن مريم فيمكث في الناس أربعين سنة - رواه الطبراني وابن عساكر.
"ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفن في الحجرة الشريفة فيكون قبره رابعا"- رواه البخاري في تاريخه.(6/45)
يعيش الناس في خير عظيم وأمان يسع الجميع: قال ابن مسعود: يقول الرجل لغنمه ودوابه اذهبوا فارعوا وتمر الماشية بين الزروع لا تأكل منه سنبلة والحيات والعقارب لا تؤذي أحدًا والسبع على أبواب الدور لا يؤذي أحدًا ويأخذ الرجل المد من القمح فيبذره بلا حرث فيجيء منها سبعمائة مد.
يأجوج ومأجوج:
قال تعالى: )حَتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)- سورة الأنبياء آية 96 .
و قال تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً)- سورة الكهف آية 94.
الفتن تتوالى، وما أن يخرج المسلمون من فتنه ويحمدوا الله على الخلاص منها؛ إذا هم بفتنة جديدة لا تقل خطراً عن سابقتها. فها هم قد انتهوا من الدجال، وقد قتله الله على يدي عيسى بن مريم عليه السلام، وقد أحاط بعيسى عليه السلام قومٌ وهو يحدثهم عن درجاتهم في الجنة، وقد عصمهم الله من الفتنة الدجال، وقد أبلغنا رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أن من نجا من فتنته؛ فقد نجا".
وما زالوا يحفرون في السد حتى يخرقونه فيخرجون إلى الناس وعيسى عليه السلام يحدث المؤمنين عن منازلهم في الجنة وفجأة يطلب إليهم عيسى بوحي من السماء أن يحصنوا أنفسهم بالطور؛ فقد أخرج الله عباداً لا قبل لأحدهم بقتالهم، وهم يأجوج ومأجوج. ولا تقل فتنتهم عن فتنة الدجال الذي يدعي الألوهية، وهم يدعون قدرتهم على قتل من في السماء تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
من البشر من ذرية آدم:
يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم؛ خلافاً لمن قال غير ذلك، وذلك لما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري- واللفظ للبخاري-؛ قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: "يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم
فيقول: لبيك ربنا وسعديك
فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار
قال: يارب! وما بعث النار؟
قال: من كل ألف- أراه قال- تسع مئة وتسعة وتسعين؛ فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي صلى الله عليه و سلم: من يأجوج ومأجوج تسع مئة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل أهل الجنة".
يخرجون على الناس بمشيئة الله تعالى:
روى أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم: ارجعوا؛ فسنحفرُه غداً، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس؛ حفرو، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم: ارجعوا؛ فستحفرونه غداً إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه، ويخرجون على الناس، فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي أجفظ فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها.
كيف يقتلهم الله عز وجل:
فيرسل عليه النغف في رقابهم وفي رواية دودا كالنغف في أعناقهم (ويكون في أنوف الإبل والغنم) فيصبحون موتى كموت نفس واحدة لا يسمع لهم حس".- رواه مسلم.
أي يرسل عليهم النغف، فيأخذ بأعناقهم، فيموتون موت الجراد، يركب بعضهم بعضاً الدواب ترعي لحومهم وتسمن عليها ففي حديث أبي سعيد الخدري وفيه: ". . . فيحرج الناس، ويُخلون سبيل مواشيهم، فما يكون لهم رعيٌ إلا لحومهم، فتشكر عليها كأحسن ما شكرت على نبات قط".
مقتلهم عند جبل بيت المقدس:
ففي حديث النواس بن سمعان وفيه: ". . . ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس".
أسلحتهم وقود للمسلمين:
روى ابن ماجه والترمذي نحوه عن النواس: سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين.
المطر الغزير لإزالة آثارهم:
ففي حديث النواس، وفيه: ". . . ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر؛ إلا ملأه زهمُهم ونتنهم(دسمهم ورائحتهم الكريهة)، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت( نوع من الجمال)، فتحملهم، فتطرحهم حيث يشاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يُكن منه بيت مدر(هو الطين الصلب) ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يجعلها كالزلفة(المرآة في صفائها ونظافتها)".
طيب العيش وبركته بعد الخلاص منهم:(6/46)
ففي حديث النواس، وفيه:". . . ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك؛ فيومئذ تأكل العصابة (الجماعة) من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل (اللبن)، حتى إن اللقحة(قريبة العهد بالولادة) من الإبل لتكفي الفئام(الجماعة الكثيرة) من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ(الجماعة من الأقارب) من الناس.
دابة الأرض:
قال تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) - سورة النمل آية 82 و هي دابة تخرج من الأرض؛ تكلم الناس، وتسمهم على خراطيمهم؛ لقد أصبحت الساعة قريباً جداً منهم؛ فقد بدأ أيضاً في هذا الوقت تغير العالم العلوي بطلوع الشمس من مغربها. هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يُخرج الله لهم دابة من الأرض- قيل: من مكة-، فتكلم الناس.
الإيمان عند خروجها لا ينفع:
والدابة أحد ثلاث آيات لا ينفع الإيمان عند معاينتها، بل ينفع الإيمان من أدركته واحدةً من الثلاث مؤمناً عاملاً روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض"
وقت خروجها:
تخرج الدابة عل الناس ضحى وفي وقت طلوع الشمس من مغربها، وأيهما كانت قبل الأخرى؛ فالأخرى في أثرها قريباً
وسمها للناس على خراطيمهم
روى أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي أمامة يرفعه للنبي صلى الله عليه و سلم؛ قال: " تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمرن فيكم، حتى يشتري الرجل الدابة، فيقال: ممن اشتريت، فيقول: من رجل المخاطم " وأما طبيعة هذا الوسم، وكيف يكون؛ فلا أعلم بذلك حديثاً صحيحاً.
طلوع الشمس من مغربها:
للحديث:"لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً"-رواه البخاري.
خروج نار من اليمن:
نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم للحديث: "ستخرج نار من حضرموت، أو من بحر حضرموت، قبل القيامة تحشر الناس"
قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام - أخرجه الترمذي.
وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "يحشرُ الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير،ويحشر بقيتهم النار؛ تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".
المراجع/
معجزات الرسول صلى الله عليه و سلم- ألف معجزة من معجزات الرسول للدكتور مصطفى مراد.
----------------
13. ... معجزاته صلى الله عليه وسلم في أنواع الجمادات
حنين الجذع شوقاً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وشفقاً من فراقه:
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل- يا رسول الله، ألا نجعل لك منبراً؟
قال: إن شئتم.
فجعلوا له منبراً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمه إليه، يئن أنين الصبي الذي يسكن قال: "كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها"- رواه البخاري.
وفي رواية أخرى عن جابر رضي الله عنه قال: كان المسجد مسقوفاً على جذوع من نخل، فكان النبي إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار (جمع عشراء، وهى الناقة التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها)، حتى جاء النبي فوضع يده عليها، فسكنت. رواه البخاري.
وفى رواية من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال صلى الله عليه و سلم: "ولو لم أحتضنه لحنَ إلى يوم القيامة"- رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه. وكان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بحديث حنين الجذع يقول يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
عذق النخلة ينزل منها ويمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بما أعرف أنك رسول الله؟
قال: أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟
قال: نعم.
قال: فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: ارجع، فرجع حتى عاد إلى مكانه.
فقال: أشهد أنك رسول الله، وآمن - صحيح، رواه البيهقي في الدلائل، والحاكم في المستدرك.
انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه و سلم:(6/47)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا واديًا أفيح (أي واسعًا) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئًا يستتر به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي (أي جانبه) فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش (هو الذي يجعل في أنفه خشاش وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبًا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع لصعوبته فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئًا) الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف (هو نصف المسافة) مما بينهما لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا قال جابر: فخرجت أحضر (أي أعدو وأسعى سعيًا شديدًا) مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه و سلم بقربي فيبتعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلاً وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا؟ وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينًا وشمالاً ثم أقبل فلما انتهى إلي قال: يا جابر هل رأيت مقامي؟ قلت: نعم يا رسول الله قال: "فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنًا فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنًا عن يمينك وغصنًا عن يسارك". قال جابر: فقمت فأخذت حجرًا فكسرته وحسرته (أي أحددته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به) فانذلق لي (أي صار حادًا) فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت غصنًا عن يميني وغصنًا عن يساري ثم لحقته فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك؟ قال: إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما (أي يخفف) ما دام الغصنان رطبين"- رواه مسلم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: أين تريد؟.
قال: إلى أهلي.
قال: هل لك في خير؟
قال: وما هو؟.
قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله
قال: ومن يشهد على ما تقول؟
قال: هذه السلمة (شجرة من أشجار البادية).
فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد (تشق) الأرض خدًا حتى قامت بين يديه فأشهدها ثلاثًا فشهدت ثلاثًا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه وقال: إن اتبعوني آتك بهم وإلا رجعت فكنت معك. رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح.
تسليم الحجر عليه صلى الله عليه و سلم:
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن". رواه أحمد ومسلم والترمذي.
قال الإمام النووي معلقًا على هذا الحديث: فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ)- سورة البقرة آية 74 . وقوله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَه)- سورة الإسراء آية 44.
تسبيح الطعام بحضرته صلى الله عليه و سلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفًا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فقال الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال: "حي على الطهور المبارك والبركة من الله". فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. أخرجه البخاري في صحيحه.
الشجرة تنتقل من مكانها ثم ترجع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء (أي ملأت الدماء رأسه) من ضربة بعض أهل مكة فقال له: مالك؟
قال: فعل بي هؤلاء وفعلوا.
فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية؟
فقال: نعم
قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة، فدعاها.
قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه
فقال: مرها فلترجع، فأمرها، فرجعت إلى مكانها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي (أي يكفيني اطمئنانًا) - صحيح، أخرجه أحمد في مسنده، ورواه ابن ماجة في سننه.
الأربعون نخلة تثمر في عام زرعها:
عن بريدة رضي الله عنه قال: جاء سلمان الفارسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب، فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا سلمان، ما هذا؟(6/48)
فقال: صدقة عليك وعلى أصحابك،
فقال: ارفعها؛ فإنا لا نأكل الصدقة،
قال: فرفعها، فجاء الغد بمثله، فوضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما هذا يا سلمان؟
فقال: هدية لك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ابسطوا (يعني ابسطوا أيديكم وكلوا).
ثم نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به، وكان لليهود، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهمًا على أن يغرس نخلاً فيعمل سلمان فيه حتى تُطعِم، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخيل إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة التي زرعها عمر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأن هذه النخلة؟
فقال عمر: يا رسول الله، أنا غرستها،
فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرسها، فحملت من عامها- حسن، أخرجه أحمد، والترمذي في الشمائل، وابن حبان، والحاكم.
وفي هذا الحديث أربعون معجزة؛ لأن كل نخلة تثمر في عامها معجزة وحدها؛ فالنخلة لا تثمر إلا بعد سبع سنوات على الأقل.
تسبيح الحصى:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت رجلاً ألتمس خلوات النبي الله صلى الله عليه وسلم لأسمع منه أو لآخذ عنه، فهجرت يومًا من الأيام، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكأني حينئذ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال: ما جاء بك؟ فقلت: جاء بي الله ورسوله، فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء لا يذكره لي، فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرعًا فسلم عليه فرد السلام ثم قال: ما جاء بك؟ قال: جاء بي الله ورسوله.
فأشار بيده أن أجلس فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها الطريق، حتى إذا استوى أبو بكر جالسًا، فأشار بيده، فجلس إلى جنبي عن يميني، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة، ثم جاء عثمان فسلم فرد السلام وقال: ما جاء بك؟ قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار إليه بيده، فقعد إلى الربوة، ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر،
فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه قال: قليل ما يبقين، ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النخل في كف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبحن في كف أبي بكر، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن فصرن حصى، ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في كف أبي بكر وعمر، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن.
حسن: أخرجه البيهقي في الدلائل، ورواه السيوطي في الخصائص الكبرى، وعزاه للبزار والطبراني في الأوسط وأبي نعيم.
أنطق الله عز وجل الشجرة له:
عن معن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقًا: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك، يعني ابن مسعود: أنه آذنته بهم شجرة.
وكان ذلك ليلة الجن عندما غاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه، وجاءه داعي الجن فذهب معهم، وقرأ عليهم القرآن، وآمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه. رواه مسلم.
من آذن النبي صلى الله عليه وسلم: أي أعلمه بحضور الجن.
14. ... إفحام النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب
كان أهل الكتاب كثيرًا ما يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء على سبيل الامتحان والتعجيز وليس على سبيل الهداية والانصياع للحق فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يورد الجواب على وجهه ويأتي به على نصه كما هو معروف لديهم ومقرر في كتبهم.
وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولم يتلق العلم على أيديهم ومع هذا لم يحك عن واحد من اليهود والنصارى على شدة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وكثرة سؤالهم له وتعنتهم في ذلك أنه أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرح بصحة نبوته وصدق مقالته والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
وها هي بعض النماذج التي سئل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب بما طابق الحق المقرر عند أهل الكتاب.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي
قال: ما أول أشراط الساعة (العلامات التي تتقدمها)؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه (أي يجيء يشبهه) ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: خبرني بهن آنفًا جبريل
قال فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة(6/49)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت
وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها
قال: أشهد أنك رسول الله
ثم قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت (أي يكذبون على الناس) إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟
قالوا: أعلمن وابن أعلمنا وأخبرنا وابن أخبرنا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟
قالوا: أعاذه الله من ذلك, فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه - رواه البخاري.
عن ثوبان رضي الله عنه قال: كنت قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء حبر من أحبار اليهود - أي عالم من علمائهم فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟
فقلت: ألا تقول يا رسول الله
فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي
فقال اليهودي: جئت أسألك
فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟
قال: أسمع بأذني. فنكت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعود معه (أي يخط بالعود في الأرض ويؤثر به فيها) فقال: سل
فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هم في الظلمة دون الجسر - المراد به: الصراط
قال: فمن أول الناس إجازة - المقصود: الجواز والعبور؟
قال صلى الله عليه و سلم: فقراء المهاجرين
قال اليهودي: فما تحفتهم (وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به) حين يدخلون الجنة؟
قال: زيادة كبد النون - أي الحوت
قال: فما غذاؤهم على إثرها؟
قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها
قال: فما شرابهم عليه
قال: عينا فيها تسمى سلسبيلا
قال: صدقت.
قال: أردت أن أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان.
قال: ينفعك إن حدثتك.
قال: أسمع بأذني.
قال: جئت أسألك عن الولد.
قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله تعالى.
فقال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف.
فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألني عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به"- في صحيح مسلم.
من كتاب ألف معجزة من معجزات الرسول للدكتور (مصطفى مراد)
-------------------
15. ... بركة النبي صلى الله عليه وسلم
أفاق جابر برش الوضوء النبوي عليه:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضي الله عنه في بني سلمة، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي، فأفقت، فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)– سورة النساء: من الآية 11 - أخرجه البخاري ومسلم.
بصق في عين علي رضي الله عنه فبرأت:
في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله و يحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدركون أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس، غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يا رسول الله، هو يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: يا رسول الله! أقاتلهم، حتى يكونوا مثلنا؟ قال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير من أن يكون لك حمر النعم". صحيح، أخرجه البخاري ومسلم.
بركة مسحه صلى الله عليه وسلم على رأس حنظلة بن خديم:
قال والد حنظلة بن خديم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: بأبي وأمي، أنا رجل ذو سن، وهذا ابني حنظلة فسَمِّت عليه (أي ادع الله له)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام، فأخذ بيده فمسح رأسه، وقال له: بورك فيه، أو قال: بارك الله فيك،
ورأيت حنظلة يؤتى بالشاة الوارم ضرعها والبعير والإنسان به الورم، فيتفل في يده ويمسح بصلعته ويقول: بسم الله على أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمسحه، فيذهب عنه. أخرجه أحمد والبخاري وابن سعد والطبراني والبيهقي، وغيرهم.
الأثر النبوي سبب في عدم نسيان أبي هريرة رضي الله عنه:(6/50)
قال أبو هريرة رضي الله عنه: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم والله الموعد، وإنكم تقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأحاديث؟ وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الأسواق، وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم والقيام عليها، وإني كنت امرأ مسكينًا، وكنت أكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وإن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يومًا فقال: من يبسط ثيابه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه، فإنه لا ينسى شيئًا سمعه مني أبدًا،
قال: فبسطت ثوبي أو قال: نمرتي، ثم حدثنا فقبضته إلي، فو الله ما نسيت شيئًا سمعته منه، وأيم الله، لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدًا، ثم تلا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )– سورة البقرة: الآية 159. صحيح، أخرجه مسلم، والبيهقي في الدلائل.
ظهور آثار النبوة في عمرو بن أخطب:
عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادن مني، قال: فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم قال: اللهم جمله، وأدم جماله. قال: فبلغ بضعًا ومائة سنة، وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير، ولقد كان منبسط الوجه ولم يتقبَّض وجهه حتى مات. حسن، أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وحسنه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح موصول.
تفل النبي صلى الله عليه وسلم في يد الصحابي فاجتمعت وبرأت:
عن خبيب بن أساف رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا: إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدًا، قال: أسلمتم؟ قلنا: لا، قال: فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني، فتعلقت يدي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل فيها وألزقها، فالتأمت وبرأت، وقتلت الذي ضربني، ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني، فكانت تقول: لا عدمت رجلاً وشَّحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلاً أعجل أباك إلى النار. حسن، أخرجه البيهقي في الدلائل، ورواه الإمام أحمد.
رُزقا عشرة أولاد ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
لما تزوجت أم سليم أبا طلحة الأنصاري رُزقت بمولود محبوب، كان أبوه يحبه حبًا شديدًا، فمرض الطفل، فمات وكان أبوه في عمله، فلما رجع سأل عن ولده، فقالت له زوجته: هو أسكن ما كان، ووضعت العشاء، ثم تطيبت ولبست له خير لباس لها، فقضى حاجته
فلما كان آخر الليل قالت له: أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا قومًا عارية (أمانة ووديعة) فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟
قال: لا
قالت: فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر....
فاسترجع (قال: إنا لله وإنا إليه راجعون)، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صباحًا فأخبره
فقال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما (سالف ليلتكما)، فحملت، ثم جئ بالمولود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بعض التمر فمضغهن ثم جمع بزاقه ثم فغر فاه وأوجره إليه، فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمَّظ
قالت: يا رسول الله سمِّه، فسماه عبد الله، فما كان في المدينة شاب أفضل منه، وخرج منه رجل (جمع راجل ضد الفارس، أي يجاهدون في سبيل الله على أرجلهم) كثير، واستشهد عبد الله بفارس.
وفي رواية: رزق أبو طلحة بعشرة أولاد كلهم يحفظون القرآن. صحيح، رواه مطولاً أبو داود الطيالسي، ورواه البخاري، ومسلم، وأحمد وابن حبان، والبيهقي.
برأ ببصاق النبي صلى الله عليه وسلم:
عن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع فقلت: ما هذه الضربة؟ قال: ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيت منها حتى الساعة. صحيح، أخرجه البخاري.
برأ بمسح النبي صلى الله عليه وسلم رجله:
عن البراء رضي الله عنه أن عبد الله بن عتيك لما قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسر ساقه، قال: فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابسط رجلك، فبسطتها، فمسحها فكأنما لم أشكها قط. صحيح، أخرجه البخاري.
16. ... الجذع يحن إليه!!
الجذع يحن إليه!!
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- قصة:
فحنّ الجذع، وسمع الناس له صوتا كصوت العشار، حتى تصدع وانشق، حتى جاء فوضع يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال: (إن هذا بكى لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة)، فأمر به فدفن تحت المنبر.
- محبة مفترضة:(6/51)
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبته، وقد ورد الأمر بها في القرآن، قال الله تعالى:
- {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
وموضع الشاهد: ما في الآية من الوعيد، لمن كانت محبته لشيء، أكثر من محبته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، في كلمتين هما:
أولا: قوله: {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}. والتربص هنا للعقوبة، ولا تكون العقوبة إلا لترك واجب.
ثانيا: قوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين}. فقد وصفهم بالفسق، وذلك لا يكون إلا بفعل كبيرة فما فوقها، من كفر وشرك، لا في صغيرة.
فمن قدم شيئا من المحبوبات على محبة النبي صلى الله عليه وسلم فهو فاسق، متربص ببلية تنزل عليه.
وقد اقترنت محبته صلى الله عليه وسلم بمحبة الله تعالى، وذلك يفيد التعظيم، كاقتران طاعته بطاعة الله تعالى.
وثمة نصوص نبوية صريحة، في وجوب تقديم محبته عليه الصلاة والسلام على كل المحبوبات الدنيوية:
- النص الأول:
كان النبي آخذا بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر:
- (يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.
- فقال النبي: لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك.
- فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي.
- فقال النبي: الآن يا عمر). [البخاري، الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي].
النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته عليه الصلاة والسلام على النفس..
فأَمْرُه بتأخير محبة النفس، وتقديم هذه المحبة النبوية عليها، مع كون محبة النفس جبلة في الإنسان، يقدمها على كل شيء، ولا يلام على ذلك في أصل الأمر، إلا إذا تجاوز بها إلا محظور: دليل وجوب، لا استحباب.
إذ لا يؤمر الإنسان بترك فطرة فطر عليها، وليست مذمومة في أصلها، إلا إذا قادته إلا محظور. وتقديم محبة النفس على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، تقود إلى فعل المحظورات، كما هو مجرب، فلذا وجب التقديم.
أمر ثان: النفس هالكة، لولا فضل الله تعالى على الناس بهذا النبي، فهو سبب نجاتها، فمحبته أحق بالتقديم.
- النص الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) البخاري، الإيمان.
هذا نص في وجوب أن يكون عليه الصلاة والسلام أحب إلى المرء من كل شيء دنيوي، وذلك لأمور:
- كونه نفى حصول الإيمان إلا بكونه أحب شيء، والإيمان واجب، وما تعلق به فهو واجب.
- ثم إن الخطاب جاء في حق الأعيان في قوله: (أحدكم)، فكل مؤمن مخاطب بهذه المحبة.
- ثم إنه أتى بصيغة التفضيل: (أحب)، وهو صريح في تقديم محبته مطلقا على كل شيء دنيوي.
وهذه المحبة الواجبة من فرط فيها فهو آثم مذنب، ومن قدم عليه محبة: الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو شيء من متاع الدنيا، فهو آثم فاسق، مستحق للعقوبة، فقوله: (لا يؤمن أحدكم..) نفي للإيمان الواجب، بمعنى أن من فعل ذلك فقد نقص إيمانه، نقصا يستحق به الإثم والعقوبة. فالشارع لا ينفي واجبا، ثبت وجوبه، إلا لترك واجب فيه.
والإيمان واجب، ولا ينفى بقوله: (لا يؤمن.. ) إلا لترك واجب فيه، كالصلاة لا تنفى إلا لترك واجب فيها، كقوله: (لا صلاة لمن لا وضوء له). [رواه أحمد]
والإثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم:
- فتارة يكون كفرا، وذلك في حالين:
- الأول: إذا كان التقديم مطلقا، فلا يتعارض شيء مع محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا قدم ذلك الشيء، وهكذا في كل شيء، فهذا يعبد هواه، ولا يعبد الله تعالى في شيء.
- الثاني: إذا كان التقديم في بعض الأحوال، لكن في أمور كفرية، ينقض بها أصل دينه، فيقدم محبة الأمور الكفرية على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، كمن نصر الكافرين على المسلمين.
- وتارة يكون كبيرة، وذلك إذا قدم محبة الكبائر على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فشرب الخمر وزنا، ولم يطع النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه عنها، فهذا قدم محبة هذه الكبائر.
- وتارة صغيرة، وذلك إذا فعل الصغائر، فقدم حبها على حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته.
- عبودية لا إلهية:
وليس فوق محبة النبي صلى الله عليه إلا محبة الله تعالى، فإن محبة الله تعالى هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الإطلاق، ولا يجوز أن يساوى بينه تعالى وبين غيره في المحبة، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على المحبوبات الدنيوية، لكنها تبقى في مرتبة البشرية، لا تبلغ مرتبة الألوهية، فلله تعالى محبة تخصه تسمى محبة: التأله، والخلة. ويقال كذلك: المحبة الذاتية. فلا يجب شيء لذاته إلا الله تعالى.
ومن هنا يفهم خطأ من بالغ في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جعله كمحبة الله تعالى، فنسب إليه خصائص الخالق سبحانه:
- من علم الغيب.
- وتدبير الخلق.(6/52)
- ونسبة إجابة الدعوات إليه.
- ودعاؤه والاستغاثة به من دون الله تعالى، في قضاء الحوائج، وتفريج الكربات.
- وسؤاله شيئا لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وإن اقترنت بمحبة الله تعالى، إلا أنها كاقتران طاعته بطاعته، أما المحبة الإلهية فشيء وراء المحبة البشرية، وما أرسل النبي صلى الله عليه إلا ليعلق القلوب بالله تعالى، ويخلص الناس محبتهم لله تعالى فلا يشركوا فيها معه غيره، وهذه هي العبودية، التي قال تعالى فيها:
- {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، أي ليخلصوا المحبة والخضوع والطاعة لله تعالى.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك غاية التحذير، وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله تعالى في المحبة، فقال عليه الصلاة والسلام:
- (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله).
ومعنى الأثر: لا تبالغوا في مدحي، وتغلوا كغلو النصارى في عيسى عليه السلام.
فإن النصارى زعموا فيه أنه إله، وأنه ابن الله تعالى:{كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}، فقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك، فنهى عن المبالغة في مدحه.
وقد وقع ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، حيث غلا فيه أناس حتى جعلوه في مرتبة الألوهية والربوبية:
- فنسبوا إليه ما لا يليق إلا بالخالق، وصنعوا به كما صنع النصارى بالمسيح، غير أنهم لم يقولوا: هو ابن الله. لكنهم نسبوا إليه: التصريف، وعلم الغيب، وإجابة الدعاء. وهذا إنزال له في مرتبة الألوهية، وإن لم يقولوا: إنه الله. فإن العبرة بالمعاني والحقائق.
- كما أنهم ابتدعوا له عيدًا، يحتفلون فيه بمولده صلى الله عليه وسلم، كابتداع النصارى عيد الميلاد للسيد المسيح عليه السلام، ولم يفعله ولم يأمر به عليه السلام، كما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر في حق نفسه الشريفة.
لقد اتبع طائفة من المسلمين سنن اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
نعم النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق، وسيد ولد آدم، وخليل الله تعالى، وأعلى الناس منزلة يوم القيامة، وفي الجنة، وهو إمام الأنبياء والمرسلين، لا يبلغ مقامه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، غير أنه تحت سقف العبودية، دون مرتبة الألوهية، وقوله:
- (إنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله).
تقرير على هذه الحقيقة، ولجم وإبطال لدعاوى فريقين:
- الأول: الغالي، الذي رفعه عن مرتبة العبودية، وذلك بقوله: (فقولوا عبد الله).
- والثاني: الجافي، الذي عامله كسائر الناس، فلم يميزه بالمرتبة العالية، وذلك بقوله: (ورسوله).
قال الله تعالى:{قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}.
وتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء له أربعة أسباب، الاثنان الأولان منها على سبيل الوجوب، والآخران على سبيل الاستحباب:
- الأول: أمر الله تعالى به، حيث تقدمت الأدلة الدالة على هذا، وهذا السبب وحده يكفي في الوجوب.
- الثاني: منته صلى الله عليه وسلم على أمته، إذا هداهم الله به، ودلهم على طريق السعادة والنجاة من شقاء الدنيا والآخرة.
- الثالث: كماله الخُلقي: كرمًا، وشجاعة، وإحسانًا، ومروءة، وصدقًا، وعدلاً، وأمانة، وحلمًا، ورحمة، وعفوا وصفحًا. بالإضافة إلى العلم والفقه والبصيرة، وأية واحدة من هذه السجايا توجب محبة من تحلى بها، فكيف بمن اجتمعت فيه على أكمل وجه، قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
- الرابع: كماله الخَلقي. فقد كان جميلاً، منيرًا كالشمس، طيب الرائحة، عرقه كالمسك، معتدل القوام، حسن الشعر، جميل العين، أبيض البشرة. فله أوصاف الجمال، فمن رآه أحبه.
- الشوق إلى النبي:
وعلامات المحبة متعددة، هي: الإيمان به، وتوقيره، ونصرته، وطاعته.
ثم إن منها كذلك: الشوق والطرب عند ذكره، وتمني رؤيته، والجلوس إليه، ولو كان ذلك لا يحصل إلا بإنفاق كل المال، وما عرف عن الصادقين من المؤمنين إلا مثل هذا الشعور الصادق، وهذه آثارهم:
1- سأل رجل فقال: " متى الساعة؟.
- قال: ( وما أعددت لها)؟.
- قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله.
- فقال: (أنت مع من أحببت).
- قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي: أنت مع من أحببت.
- قال أنس: فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل أعمالهم" [البخاري، الأدب، باب علامة الحب في الله دون قول أنس].
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفس محمد بيده! ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني. ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم ) [رواه مسلم في الفضائل، باب: فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم، وتمنيه 4/1836].
3- وجاء أن امرأة قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله فقالت:(6/53)
- "ما فعل رسول الله؟.
- قالوا: خيرًا، هو بحمد الله كما تحبين.
- فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل". [الروض الأنف للسهيلي 6/25، الشفا 2/22]
4- ولما احتضر بلال قالت امرأته: " واحزناه.
- فقال: واطرباه، غدًا نلقى الأحبة .. محمدًا وحزبه". [سير أعلام النبلاء1/359، الشفا2/23].
5- ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان:
- " أنشدك الله يا زيد!، أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك يضرب عنقه، وأنك في أهلك"؟.
- فقال زيد: "والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وإني جالس في أهلي".
- فقال أبو سفيان: "ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا". [السيرة النبوية الصحيحة للعمري 2/400، سيرة ابن هشام 3/160، الروض الأنف 6/166، الشفا 2/23].
6- وكان خالد بن معدان لا يأوي إلى فراشه إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله وإلى أصحابه، ويسميهم ويقول: "هم أصلي وفصلي، وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل رب قبضي إليك"، حتى يغلبه النوم. [سير أعلام النبلاء 4/539، الحلية 5/210، الشفا 2/21].
7- وقد كانت الجمادات فضلاً عن المؤمنين تشتاق إلى رسول الله وتحبه وكذا البهائم:
- فقد كان عليه السلام يخطب إلى جذع نخلة، فلما صنع له المنبر، تحول إليه، فحنّ الجذع، وسمع الناس له صوتا كصوت العشار، حتى تصدع وانشق، حتى جاء رسول الله فوضع يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال النبي: (إن هذا بكى لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة)، فأمر به فدفن تحت المنبر.
- وكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكى وقال: "يا عباد الله! الخشبة تحن إلى رسول الله شوقًا إليه بمكانه فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه". [بتصرف، وأصله مروي في صحيح البخاري، في المناقب، باب: علامات النبوة قبل الإسلام3/1314، انظر الشفا 1/304، صحيح الجامع2256].
8- وقد كان الطعام يسبح في يده والشجر والجبل والحجر يسلم عليه. [ الشفا 1/306، وأثر التسبيح عند البخاري، في المناقب، باب: علامات النبوة قبل الإسلام 3/1312، وأثر تسليم الحجر في مسلم، الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة 4/1782]
9- لما قدم عمر الشام، سأله المسلمون أن يسأل بلالاً يؤذن لهم، فسأله، فأذن يومًا، فلم ير يومًا كان أكثر باكيًا من يومئذ، ذكرًا منهم للنبي صلى الله عليه وسلم. [سير أعلام النبلاء 1/357]
10- عن أبي بن كعب قال: " كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام فقال:"أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه".
- فقلت: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟. قال: ما شئت.
- قلت: الربع؟، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير.
- قلت النصف؟، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير.
- قلت: الثلثين؟، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير.
- قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفى همَك، ويغفر لك ذنبك". [رواه الترمذي، صفة القيامة، وأحمد 5/136]؛ لأن من صلى على النبي صلى الله عليه بها عشرًا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر ذنبه. [انظر جلاء الأفهام لابن القيم ص46].
كثير من الصالحين يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، بعضهم كان يراه في كل ليلة، فإذا ما لم يره في ليلة اتهم نفسه بالنفاق، ورؤيته في المنام صلى الله عليه دليل على تعلق القلب به، واشتغال اللسان بالصلاة عليه، والعين بالنظر في سنته، والأذن في سماع حديثه.
أما أولئك الذين:
- لا يصلون عليه حتى إذا ذكر.
- ولا يسمعون لحديثه ولو تلي.
- ولا ينظرون في سنته، ولو مر بهم كتاب حديث.
فإنه لن يكون له في قلوبهم: ذكر، ولا شوق.
فأنى لهم أن يروه في المنام، ولو لمرة، فهل لهم أن يتهموا أنفسهم بالنفاق؟!..
000000000000000
17. ... 1- القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم.. المقدمة
القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم
وما أظهره الله على يديه من الآيات وشرفه به من الخصائص والكرامات
أبو يوسف محمد زايد
الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله..
أصل هذا المؤلف من كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض رحمه الله، الباب الرابع؛ وكان عملي فيه كما يلي:
1-تخريج الآيات القرآنية وكتابتها مشكولة بالضبط التام.
2- تخريج الأحاديث وتدوينها كاملة اللفظ، كلما أمكنني ذلك.
3- إضافة فوائد كثيرة من كتب عدة في السيرة والتاريخ..
4- وقفات مع نخبة طيبة من العلماء حول بعض القصص.
5- إلباس الكتاب حلة ترتاح لها عين القارئ الكريم...
ويشتمل هذا الكتاب على مقدمة و 28 فصلاً، وخاتمة...
والفصول كما وردت في المصفى من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ هي:
1- في أن الله تعالى قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده.
2- في معنى تسمية من جاءت به الأنبياء معجزة.(6/54)
3- في إعجاز القرآن ـ الوجه الأول: حسن تأليفه، والتئام كلمه، وفصاحته.
4- في إعجاز القرآن ـ الوجه الثاني: النظم والأسلوب.
5- في إعجاز القرآن ـ الوجه الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات.
6- في إعجاز القرآن ـ الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة، والشرائع الداثرة.
7- هذه الوجوه الأربعة من الإعجاز لا نزاع فيها ولا مرية.
8- من وجوه الإعجاز: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته.
9- ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آيةً باقيةً لا تعدم ما بقيت الدنيا.
10- في وجوه أخرى للإعجاز.
11- في انشقاق القمر وحبس الشمس.
12- في نبع الماء من بين أصابعه و تكثيره بركة.
13- ومما يشبه هذا من معجزاته.
14- ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه.
15- في كلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته.
16- في قصة حنين الجذع.
17- ومثل هذا في سائر الجمادات.
18- في الآيات في ضروب الحيوانات.
19- في إحياء الموتى و كلامهم، و كلام الصبيان والمراضع و شهادتهم لهم بالنبوة.
20- في إبراء المرضى وذوي العاهات.
21- في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم.
22- في كرامته صلى الله عليه وسلم وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره.
23- فيما أطلع عليه من الغيوب وما يكون.
24- في عصمة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من الناس.
25- من معجزاته الباهرة ما جمعه الله له صلى الله عليه وسلم من المعارف والعلوم.
26- من خصائصه صلى الله عليه وسلم وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملائكة والجن.
27- من دلائل نبوته وعلامات رسالته صلى الله عليه وسلم.
28- فيما ظهر من الآيات عند مولده صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة- معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر معجزات الرسل عليهم السلام.
اَلْمُقَدِّمَةُ
قال القاضي أبو الفضل: حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا لطاعن في معجزاته، فنحتاج إلى نصب البراهين عليها، وتحصين حوزتها، حتى لا يتوصل المطاعن إليها، ونذكر شروط المعجز والتحدي وحده، وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع، ورده، بل ألفناه لأهل ملته، الملبين لدعوته، المصدقين لنبوته، ليكون تأكيداً في محبتهم له، ومنماةً لأعمالهم، وليزدادوا إيماناً مع إيمانهم.
وبنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته، ومشاهير آياته، لتدل على عظيم قدره عند ربه. وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد، وأكثره مما بلغ القطع، أو كاد، وأضفنا إليها بعض ما وقع في مشاهير كتب الأئمة. وإذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره، وحميد سيره، وبراعة علمه، ورجاحة عقله وحلمه، وجملة كماله، وجميع خصاله، وشاهد حاله، وصواب مقاله ـ لم يمتر في صحة نبوته، وصدق دعوته. وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به.
-فروينا عن الترمذي، وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم ـ أن عبد الله بن سلام، قال: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جئته لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب). حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله، قال: حدثنا أبو الحسين الصيرفي، و أبو الفضل بن خيرون عن أبي يعلى البغدادي، عن أبي علي السنجي، عن ابن محبوب، عن الترمذي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدي، ويحيى بن سعيد، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن زرارة ابن أوفى، عن عبد الله بن سلام... الحديث.
قلت: * رواه ابن ماجه في السنن، والتبريزي في مشكاة المصابيح، والمنذري في الترغيب والترهيب، ولفظه في سنن الترمذي: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة إنجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم..قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استثبت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. وكان أول شيء تكلم به أن قال: "أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام". قال أبو عيسى هذا حديث صحيح.
** وقال الشيخ الألباني: صحيح سند الحديث حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن جعفر وبن أبي عدى ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال...
-وعن أبي رمثة التيمي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي ابن لي، فأريته، فلما رأيته قلت: هذا نبي الله.
قلت:
* رواه الإمام الترمذي في الشمائل - باب ما جاء في خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي قال: فأريته فقلت لما رأيته: هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان (وفي رواية: بردان) أخضران وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر.(6/55)
* وفي رواية أخرى: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن لي فقال: "ابنك هذا؟" فقلت: نعم أشهد به.. قال: "لا يجني عليك ولا تجني عليه". قال: ورأيت الشيب أحمر.
قال أبو عيسى: هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسر لأن الروايات الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب.. وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربي التيمي.
-وروى مسلم وغيره أن ضِماداً لما وفد عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله" قال له: أعد علي كلماتك هؤلاء، فلقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك.
قلت: رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى. كلاهما عن عبد الأعلى. قال ابن المثنى: حدثني عبد الأعلى (وهو أبو همام) حدثنا داود عن عمرو بن سعيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن ضمادًا قدم مكة. كان من أزد شنوءة. وكان يرقي من هذه الريح. فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال فلقيه. فقال: يا محمد! إني أرقي من هذه الريح. وإن الله يشفي على يدي من يشاء. فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله. نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد". قال فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثلاث مرات. قال، فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء. فما سمعت مثل كلمات هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس البحر. قال، فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال فبايعه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعلى قومك". قال: وعلى قومي. قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه. فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئًا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردوها. فإن هؤلاء قوم ضماد.
-وقال جامع بن شداد: كان رجل منا يقال له طارق، فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال: هل معكم شيء تبيعونه؟ قلنا: هذا البعير. قال: بكم؟ قلنا: بكذا و كذا وسقاً من تمر، فأخذ بخطامه، وسار إلى المدينة، فقلنا: بعنا من رجل لا ندري من هو،ومعنا ظعينة، فقالت: أنا ضامنة لثمن البعير، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم.
فأصبحنا، فجاء رجل بتمر فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر، وتكتالوا حتى تستوفوا. ففعلنا.
قلت: جامع بن شداد، هو أبو صخرة الأسدي المحاربي، أخرج له النسائي وأبو داود – توفي رحمه الله عام 118هـ. والحديث أخرجه البيهقي، والحاكم، والدارقطني وهو عند هذا الأخير:(6/56)
حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل نا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان نا ابن نمير عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد نا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بسوق ذي المجاز وأنا في تباعة لي هكذا قال أبيعها فمر وعليه حلة حمراء وهو ينادي بأعلى صوته: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".. ورجل يتبعه بالحجارة وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب.. قلت: من هذا؟ فقالوا هذا غلام بني عبد المطلب..قلت: من هذا الذي يتبعه يرميه؟ قالوا هذا عمه عبد العزى.وهو أبو لهب... فلما ظهر الإسلام وقدم المدينة أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الربذة حتى نزلنا قريبًا من المدينة ومعنا ظعينة لنا قال: فبينا نحن قعود إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم فرددنا عليه، فقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا من الربذة وجنوب الربذة.. قال ومعنا جمل أحمر. قال: تبيعوني جملكم.. قلنا نعم.قال: بكم؟ قلنا بكذا وكذا صاعًا من تمر..قال: فما استوضعنا شيئًا، وقال: قد أخذته.. ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة فتوارى عنا، فتلاومنا بيننا: وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه. فقالت الظعينة:لا تلاوموا، فقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم.ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.. فلما كان العشاء أتانا رجل، فقال: السلام عليكم. أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا.. قال: فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا حتى استوفينا. فلما كان من الغد دخلنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك... فقام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا فرفع يديه حتى رأينا بياض إبطيه، فقال: ألا لا يجني والد على ولده.
-وفي خبر الجلندي ملك عمان ـ لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام ـ قال الجلندي: والله، لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، و لا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له، و أنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي.
قلت:
* ذكر ابن حجر في فتح الباري قصة " الجلندي" قال:
وقال الرشاطي عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ ينسب إليها الجلندي رئيس أهل عمان ذكر وثيمة أن عمرو بن العاص قدم عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه.. وذكر غيره أن الذي آمن على يد عمرو بن العاص ولدا الجلندي عياذ وجيفر وكان ذلك بعد خيبر ذكره أبو عمرو انتهى.. وروى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى الملوك فذكر الحديث.. وفيه وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى ملك عمان.. وفيه فرجعوا جميعًا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمرا فإنه توفي وعمرو بالبحرين وفي هذا إشعار بقرب عمان من البحرين وبقرب البعث إلى الملوك من وفاته صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بعد حنين فتصحفت.
* وقال ابن الجوزي في المنتظم: وفي هذه السنة ـ أي السنة العاشرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص بعد رجوعه من الحج لأيام بقين من ذي الحجة إلى جيفر وعبد ابني الجلندي بعمان يدعوهما إلى الإسلام .
وكتب معه كتابًا إليهما وختم الكتاب قال عمرو : فلما قدمت عمان عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقًا فقلت : إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك فقال أخي المقدم بالسرّ والملك : وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ كتابك فمكثت أيامًا ببابه ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختومًا ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إلى أخيه فقرأه إلا أني رأيتَ أخاه أرق منه فقال : دعني يومي هذا وارجع إليّ غدا فلما كان الغد رجعت إليه فقال : إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلًا ما في يدي قلت : فإني خارج غدًا فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إليّ فدخلت عليه فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعًا وصدقا بالنبي صلى الله عليه وسلم وخليا بينيِ وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونًا على من خالفني فأخذت الصدقة من أغنيائهم فرددتها في فقرائهم ولم أزل مقيمًا بينهم حتى بلغنا وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر الواقدي إن هذا كان في سنة ثمان . قال المؤلف : وما ذكرناه أصح . وقال ابن مسعود : هذا آخر بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك .(6/57)
** ونص كتاب رسول الله إلى ملكي عمان، كما أورده الشيخ أحمد بن محمد القسطلاني في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، هو: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى جَيْفَر وعبْد ابنَي الجُلَنْدي: السلام على من اتبع الهدى، أما بعد:أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة،لأُنذر من كان حيا ويحقّ القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما،وتظهر نبوتي على ملككما.
-وقال نفطويه ـ في قوله تعالى:(يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) (النور: 35): هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، يقول: يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآناً كما قال ابن رواحة:
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر
وقد آنَ أنْ نأخذ في ذكر النبوة والوحي والرسالة، وبعده في معجزة القرآن، وما فيه من برهان ودلالة
00000000000000
18. ... وانشق القمر
الكاتب: د. جمال الحسيني أبو فرحة
يقول تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر. وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" القمر: 2:1. وكثيرًا ما كانت هذه الآية محلا للطعن من غير المسلمين، والتأويل من بعض المسلمين؛ بحجة أن هذه المعجزة لو وقعت لسجلها تاريخ الأمم الأخرى.
وجواب ذلك: أن هذا هو ما حدث بالفعل؛ فقد سجلتها كتب بعض مؤرخي الهند، وأرخت بها لبناء بعض الأبنية؛ ففي المقالة الحادية عشرة من تاريخ فرشته أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أيضًا.
وقد نقل ابن تيمية عن بعض المسافرين أنه ذكر أنه وجد في بلاد الهند بناءً قديمًا مكتوبًا عليه: ( بني ليلة انشق القمر ).
ثم إن انشقاق القمر لم يكن أحد من أمم أهل الأرض يترصده وينتظره، وكان في ليل، وفي زمان البرد، ولفترة وجيزة؛ فقلما يراه أحد.
ثم إنه قد يحول بين الرائي والقمر في بعض الأماكن سحاب كثيف؛ فلا يرى هذه المعجزة، هذا بالإضافة إلى اختلاف مطالع القمر؛ فهو لا يرى لكل أهل الدنيا مرة واحدة.
ومن ثمة فإنه من المتوقع ألا يكون رآه إلا عدد محدود من أهل الأرض متفرقين في بلدان شتى، ربما حمل معظم المؤرخين روايتهم على تخطئة الأبصار، أو على نوع من الخسوف.
أضف إلى ذلك أن وصفه تعالى لانشقاق القمر بأنه (آية) : "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر "؛ يمنع أي محاولة لتأويل هذه المعجزة.
ثم إن نزول القرآن على العرب وتحديه لهم وفيه هذه القصة مع عدم اعتراض أحد منهم عليه ليؤكد حدوثها كما ذكرت الآية الكريمة.
أما في عصرنا الراهن فنجد في موقع وكالة ناسا الفضائية الأمريكية على شبكة (الإنترنت) http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap021029.html صورة لصدع طولي رهيب على سطح القمر يظهر بوضوح من الصورة في أعلى المقال يمتد لمئات الكيلومترات، عبارة عن حزام من الصخور المتحولة، وكاتب المقال يتساءل:
What could cause a long indentation on the Moon?
أي ما الذي يمكن أن يحدث شقًا بهذا الطول في القمر؟
والكيفية التي طرح بها السؤال تبين بجلاء حيرة العلماء في تفسير تكون هذا الشقٍ، وهو ما ينم عن حدث عظيم تعرض له القمر ترك هذا الأثر المحيّر، ولو كان سببه زلزالا عاديًا أو بركانًا لما استغلق على العلماء فهمه كل هذه المدة إذ أنه اكتشف منذ أكثر من 200 عام كما يذكر موقع وكالة ناسا.
والطريف في الأمر أن هؤلاء العلماء ليسوا مسلمين ولا علم لهم بنسبة هذه المعجزة لنبينا – صلى الله عليه وسلم - ؛ فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: "ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " سبأ :6 .
-------------------
19. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(2).. معجزة القرآن
الفصل الأول:
في أن الله تعالى قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده:
-اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده، والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء، كما حكي عن سنته في بعض الأنبياء، وذكره بعض أهل التفسير في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى: 51).
وجائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلغهم كلامه، وتكون تلك الواسطة، إما من غير البشر، كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم، كالأنبياء مع الأمم، ولا مانع لهذا من دليل العقل.
وإذا جاز هذا ولم يستحل، وجاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاته وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به، لأن المعجزة مع التحدي من النبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام قول الله: صدق عبدي فأطيعوه واتبعوه، وشاهد على صدقه فيما يقوله، و هذا كاف.
والتطويل فيه خارج عن العرض، فمن أراد تتبعه وجده مستوفي في مصنفات أئمتنا رحمهم الله.(6/58)
فالنبوة في لغة من همز مأخوذة من النبأ، وهو الخبر، وقد لا تهمز على هذا التأويل تسهيلاً
والمعنى أن الله تعالى أطلعه على غيبه، وأعلمه أنه نبيه، فيكون نبي منبأ فعيل بمعنى مفعول، أو يكون مخبراً عما بعثه الله تعالى به، ومنبئاً بما أطلعه الله عليه فعيل بمعنى فاعل، ويكون عند من لم يهمزه من النبوة، وهو ما ارتفع من الأرض، ومعناه أن له رتبة شريفة، ومكانة نبيهة عند مولاه منيفة فالوصفان في حقه مؤتلفان. وأما الرسول فهو المرسل، ولم يأت فعول بمعنى مفعل في اللغة إلا نادراً. وإرساله أمر الله بالإبلاغ إلى من أرسله إليه، واشتقاقه من التتابع، ومنه قولهم: جاء الناس أرسالاً، إذا اتبع بعضهم بعضاً، فكأنه ألزم تكرير التبليغ، أو ألزمت الأمة اتباعه.
واختلف العلماء: هل النبي والرسول بمعنى، أو بمعنيين؟ فقيل: هما سواء، وأصله من الإنباء وهو الإعلام، واستدلوا بقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج: 52))، فقد أثبت لهما معاً الإرسال، قال: و لا يكون النبي إلا رسولاً ولا الرسول إلا نبياً.
و قيل: هما مفترقان من وجه، إذ قد اجتمعا في النبوة التي هي الاطلاع على الغيب والإعلام بخواص النبوة أو الرفعة لمعرفة ذلك، وحوز درجتها، وافترقا في زيادة الرسالة للرسول، وهو الأمر بالإنذار والإعلام كما قلنا. وحجتهم من الآية نفسها التفريق بين الاسمين، ولو كانا شيئاً واحداً لما حسن تكرارهما في الكلام البليغ، قالوا: والمعنى: ما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبي ليس بمرسل إلى أحد.
وقد ذهب بعضهم إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ، ومن لم يأت به نبي غير رسول، وإن أمر بالإبلاغ والإنذار. والصحيح، والذي عليه الإجماع الغفير، أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.
وأول الرسل آدم، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه: إن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي. وذكر أن الرسل، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، أولهم آدم عليه السلام.
فقد بان لك معنى النبوة والرسالة، وليستا عند المحققين ذاتاً للنبي، ولا وصف ذات، خلافاً للكرامية، وفي تطويل لهم، وتهويل، ليس عليه تعويل.
قلت:
* حديث أبي ذر رضي الله عنه، أخرجه البيهقي، قال:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري ببغداد ثنا الحسن بن عرفة العبدي حدثني يحيى بن سعيد السعيدي البصري ثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فذكر الحديث إلى أن قال فقلت يا رسول الله كم النبيون قال مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي قلت كم المرسلون منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر تفرد به يحيى بن سعيد السعيدي.
وأما الوحي فأصله الإسراع، فلما كان النبي يتلقى ما يأتيه من ربه بِعَجَل سمي وحياً، وسميت أنواع الإلهامات وحياً، تشبيهاً بالوحي إلى النبي، وسمي الخط وحياً، لسرعة حركة يد كاتبه، ووحي الحاجب واللحظ سرعة إشارتهما ومنه قوله تعالى: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (مريم: 11)، أي أومأ ورمز. و قيل: كتب، ومنه قولهم: الوحا، الوحا، أي السرعة.
وقيل أصل الوحي السر ولإخفاء، ومنه سمي الإلهام وحياً، ومنه: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم، أي يوسوسون في صدروهم، ومنه قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) (القصص: 7)، أي ألقي في قلبها.
وقد قيل ذلك في قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى: 51)، أي ما يلقيه في قلبه دون واسطة.
الفصل الثاني:
في معنى تسمية من جاءت به الأنبياء معجزة:
اعلم أن تسميتنا ما جاءت به الأنبياء معجزة، هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها، وهي على ضربين: ضرب هو من نوع قدره البشر، فعجزوا عنه، فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه، كصرفهم عن تمني الموت. وتعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن على رأي بعضهم، ونحوه.
وضرب هو خارج عن قدرته، فلم يقدروا على الإتيان بمثله، كإحياء الموتى، وقلب العصا حية، وإخراج ناقة من صخرة، وكلام شجرة، ونبع الماء من الأصابع، وانشقاق القمر، مما لا يمكن أن يفعله أحد، إلا الله، فكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى و تحديه من يكذبه أن يأتي بمثله تعجيز له(6/59)
و اعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم دلا ئل نبوته و براهين صدقه ـ من هذين النوعين معاً ـ و هو أكثر الرسل معجرةً، وأبهرهم آيةً، و أظهرهم برهاناً، كما سنبينه، وهي ـ في كثرتها ـ لا يحيط بها ضبط، فإن واحداً منها ـ و هو القرآن ـ لا يحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين، ولا أكثر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجز عنها.
قال أهل العلم: (إنا أعطيناك الكوثر). فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة، ثم فيها نفسها معجزات على ما سنفصله فيما انطوى عليه من المعجزات.
ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين:
قسم منها علم قطعاً:، ونقل إلينا متواتراً كالقرآن،فلا مرية، ولا خلاف، بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم به، وظهوره من قبله، واستدلاله بحجته، وإن أنكر هذا معاند جاحد، فهو كإنكاره وجود محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا. وإنما جاء اعتراض الجاحدين في الحجة به، فهو في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة ووجه إعجازه معلوم ضرورةً ونظراً، كما سنشرحه.
قال بعض أئمتنا: ويجري هذا المجرى على الجملة أنه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغ واحد منها معيناً القطع فيبلغه جميعها، فلا مرية في جريان معانيها على يديه، ولا يختلف مؤمن ولا كافر ـ أنه جرت على يديه عجائب، وإنما خلاف المعاند في كونها من قبل الله.
وقد قدمنا كونها من قبل الله، وأن ذلك بمثابة قوله: صدقت.
فقد علم وقوع مثل هذا أيضاً من نبينا ضرورةً لاتفاق معانيها، كما يعلم ضرورة جود حاتم، وشجاعة عنترة، وحلم أحنف، لاتفاق الأخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا، وشجاعة هذا، وحلم هذا، وإن كان كل خبر بنفسه لا يوجب العلم، ولا يقطع بصحته.
والقسم الثاني: ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع، وهو على نوعين: نوع مشتهر منتشر، رواه العدد، وشاع الخبر به عند المحدثين والرواة ونقلة السير والأخبار، كنبع الماء من بين الأصابع، وتكثير الطعام.
ونوع منه اختص به الواحد والاثنان، ورواه العدد اليسير، ولم يشتهر اشتهار غيره، لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى، واجتمعا على الإتيان بالمعجز، كما قدمناه.
-قال القاضي أبو الفضل: وأنا أقول صدعاً بالحق: إن كثيراً من هذه الآيات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم معلومة بالقطع:
* أما انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه، وأخبر عن وجوده، ولا يعدل عن ظاهر إلا بدليل، وجاء برفع احتماله صحيح الأخبار من طرق كثيرة، ولا يُوهِن عزمَنا خلاف أخرق منحل عُرى الدين، ولا يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء المؤمنين، بل نرغم بهذا أنفه، وننبذ بالعراء سخفه.
وكذلك قصة نبع الماء، وتكثير الطعام ـ رواها الثقات والعدد الكثير عن الجماء الغفير، عن العدد الكثير من الصحابة.
-ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصلاً عمن حدث بها من جملة الصحابة وإخبارهم أن ذلك كان في موطن اجتماع الكثير منهم في يوم الخندق، وفي غزوة بواط، وعمرة الحديبية، وغزوة تبوك، وأمثالها من محافل المسلمين ومجمع العساكر، ولم يؤثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه، ولا إنكار لما ذكر عنهم أنهم رأوه كما رآه، فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق، إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل، والمداهنة في كذب، وليس هناك رغبة أو رهبة تمنعهم، ولو كان ما سمعوه منكراً عندهم وغير معروف لديهم لأنكروه، كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رواها من السنن والسير وحروف القرآن. وخطأ بعضهم بعضاً، ووهمه في ذلك، مما هو معلوم، فهذا النوع كله يلحق بالقطعي من معجزاته لما بيناه.
وأيضاً فإن أمثال الأخبار التي لا أصل لها، وبنيت على باطل، لا بد بعد مرور الأزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف ضعفها، وخمول ذكرها، كما يشاهد في كثير من الأخبار الكاذبة، والأراجيف الطارئة. وأعلام نبينا هذه الواردة من طريق الأحاد لا تزداد مع مرور الزمان إلا ظهوراً، ومع تداول الفرق، وكثرة طعن العدو، وحرصه على توهينها، وتضعيف أصلها، واجتهاد الملحد على إطفاء نورها، إلا قوة وقبولاً، وللطاعنين عليها إلا حسرة وغليلاً.
وكذلك إخباره عن الغيوب، وإنباؤه بما يكون وكان معلوم من آياته على الجملة بالضرورة.(6/60)
وهذا حق لا غطاء عليه، وقد قال به من أئمتنا القاضي، والأستاذ أبو بكر وغيرهما، رحمهم الله، وما عندي أوجب قول القائل: إن هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إلا قلة مطالعته للأخبار وروايتها، وشغله بغير ذلك من المعارف، وإلا فمن اعتنى بطرق النقل، وطالع الأحاديث والسير لم يرْتب في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه. ولا يبعد أن يحصل العلم يالتواتر عند واحد ولا يحصل عند آخر، فإن أكثر الناس يعلمون ـ بالخبر ـ كون بغداد موجودة ً، وأنها مدينة عظيمة، ودار الإمامة والخلافة، وآحاد من الناس لا يعلمون اسمها، فضلاً عن وصفها، وهكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة وتواتر النقل عنه ـ أن مذهبه إيجاب قراءة أم القرآن في الصلاة للمنفرد والإمام، وإجزاء النية في أول ليلة من رمضان عما سواه، وأن الشافعي يرى تجديد النية كل ليلة، والاقتصار في المسح على بعض الرأس، وأن مذهبهما القصاص في القتل بالمحدد وغيره، وإيجاب النية في الوضوء، واشتراط الولي في النكاح، وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل، وغيرهم ممن لم يشتغل بمذاهبهم ولا روى أقوالهم لا يعرف هذا من مذاهبهم فضلاً عمن سواه.
وعند ذكرنا آحاد هذه المعجزات نزيد الكلام فيها بياناً إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث:
في إعجاز القرآن:
الوجه الأول: حسن تأليفه، والتئام كلمه، وفصاحته
-قال القاضي أبو الفضل رحمه الله:
اعلم ـ وفقنا الله وإياك ـ أن كتاب الله العزيز مُنطوٍ على وجوه من الإعجاز كثيرة، وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه:
أولها: حسن تأليفه، والتئام كلمه، وفصاحته، ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة عادة العرب، وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن، و فرسان الكلام، قد خصوا من البلاغة و الحكم بما لم يخص به غيرهم من الأمم، وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان، ومن فضل الخطاب ما يقيد الألباب جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقة، وفيهم غريزة وقوة، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كل سبب، فيخطبون
بديهاً في المقامات وشديد الخطب، و يرتجزون به بين الطعن والضرب، ويمدحون ويقدحون، ويتوسلون ويتوصلون، ويرفعون ويضعون، فيأتون من ذلك بالسحر الحلال، ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللآل، فيخدعون الألباب، ويذللون الصعاب، ويذهبون الإحَن، ويهيجون الدِّمن ويجرئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملاً ويتركون النبيه خاملاً.
منهم البدوي ذو اللفظ الجزل، والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهري، والمنزع القوي.
ومنهم الحضري ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة، والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرف في القول القليل الكُلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية.
و كلا البابين لهما في البلاغة الحجة البالغة، والقوة الدامغة، والقدح الفالج، والمهيع الناهج، لا يشكون أن الكلام طوع مُرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، قد حوَوا فنونها واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحاً لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين، وتقاولوا في القل والكثر، وتساجلوا في النظم والنثر، فما راعهم إلا رسول كريم، بكتاب عزيز ((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42)، أحمكت آياته، و فصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظافر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه، واعتدل مع إيجازه حسن نظمه، وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه، وهم أفسح ما كانوا في الباب مجالاً، وأشهر في الخطابة رجالاً، وأكثر في السجع والشعر سجالاً، وأوسع في الغريب واللغة مقالاً، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يتناضلون، صارخاً بهم في كل حين، ومقرعاً لهم بضعاً وعشرين عاماً على رؤوس الملأ أجمعين:((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (يونس: 38).
((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة 23) * (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة: 24).
و (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء: 88).(6/61)
و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (هود: 13). وذلك أن المفتري أسهل ووضع الباطل والمختلق على الاختيار أقرب، واللفظ إذا تبع المعنى الصحيح كان أصعب، ولهذا قيل: فلان يكتب كما يقال له، وفلان يكتب كما يريد.
و للأول على الثاني فضل، و بينهما شأو بعيد.
فلم يزل يقرعهم أشد التقريع، ويوبخهم غاية التوبيخ، ويسفه أحلامهم، ويحط أعلامهم، ويشتت نظامهم، ويذم آلهتهم وآباءهم، ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم، وهم في كل هذا ناكصون عن معارضتيه، محجمون عن مماثلته، يخادعون أنفسهم بالتشغيب و التكذيب، والإغراء بالإفتراء، وقولهم:(إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (المدّثر: 24)، و(سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) (القمر: 2)، و(إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ) (الفرقان: 4)، و (َأسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (الأنعام: 25)، والمباهتة والرضا بالدنية، كقولهم: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 88).
(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) (فصلت 5). (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت: 26)) والادعاء مع العجز بقولهم:((وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ) (الأنفال: 31)
وقد قال لهم الله: (وَلَن تَفْعَلُواْ ) (البقرة: 24)، فما فعلوا ولا قدروا. ومن تعاطى ذلك من سخفائهم ـ كمسيلمة ـ كشف عواره جميعهم، وسلبهم الله ما ألفوه، من فصيح كلامهم، وإلا فلم يخف على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم، ولا جنس بلاغتهم، بل ولوا عنه مدبرين، وأتوا مذعنين من بين مهتد و بين مفتون.
ولهذا لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90) .
قال: والله، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوةً، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر.
-وذكر أبو عبيد أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ:
(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر: 94) فسجد، و قال: سجدت لفصاحته. وسمع آخر رجلاً يقرأ: ((فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً ) (يوسف: 80)
فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام.
-وحكي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يوماً نائماً في المسجد فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق، واستخبره، فأعلمه أنه من بطارقة الروم ممن يحسن كلام العرب وغيرها، وأنه سمع رجلاً من أسرى المسلمين يقرأ آية من كتابكم فتأملتها، فإذا هي قد جمع فيها ما أنزل على عيسى ابن مريم من أحوال الدنيا والآخرة، وهي قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور: 52)
-وحكى الأصمعي أنه سمع كلام جارية، فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أو يعد هذا فصاحةً بعد قول الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص: 7)، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين، وخبرين، و بشارتين.
فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته، غير مضاف إلى غيره على التحقيق والصحيح من القولين.
وكون القرآن من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أتى به معلوم ضرورة، وكونه متحدياً به معلوم ضرورة، وعجز العرب عن الإتيان به معلوم ضرورة، وكونه في فصاحته خارقاً للعادة معلوم ضرورة للعالِمين بالفصاحة ووجوه البلاغة، وسبيل من ليس من أهلها علم ذلك بعجز المفكرين من أهلها عن معارضته واعتراف المفسرين بإعجاز بلاغته.
وأنت إذا تأملت قوله تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 179 ).
وقوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ) (سبأ: 51)).
وقوله:(إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).(6/62)
و قوله:(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44)
و قوله (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40).
وأشباهها من الآي، بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيجار ألفاظها، وكثرة معانيه، وديباجة عبارتها، وحسن تأليف حروفها، وتلاؤم كلمها، وأن تحت كل لفظة منها جملاً كثيرة، وفصولاً جمة، وعلوماً زواخر، ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها، وكثرت المقالات في المستنبطات عنها.
ثم هو في سرده القصص الطوال، وأخبار القرون السوالف، التي يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلام ويذهب ماء البيان ـ آية لمتأمله، من ربط الكلام بعضه ببعض، والتئام سرده، وتناصف وجوهه، كقصة يوسف على طولها.
ثم إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حتى تكاد كل واحدة تنسي في البيان صاحبتها، وتناصف في الحسن وجه مقابلتها، ولا نفور للنفوس من ترديدها، ولا معاداة لمعادها.
الفصل الرابع:
في إعجاز القرآن ـ الوجه الثاني: النظم والأسلوب:
الوجه الثاني من إعجازه صورة نظمه العجيب، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذي جاء عليه، ووقفت مقاطع آية، وانتهت فواصل كلماته إليه، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، بل حارت فيه عقولهم، وتدلهت دونه أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم، أو سجع أو رجز، أو شعر.
ولما سمع كلامه صلى الله عليه وسلم الوليد بن المغيرة، وقرأ عليه القرآن ـ رقّ، فجاءه أبو جهل منكراً عليه ـ قال: والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا.
قلت:
أخرج الألباني قصة الوليد بن المغيرة، في صحيح السيرة، باب مجادلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة الحجة الدامغة عليهم واعترافهم في أنفسهم بالحق وإن أظهروا المخالفة عنادا وحسدا وبغيا وجحودا.....قال:
روى إسحاق بن راهويه بسنده عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له.. فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له. قال: وماذا أقول؟ فو الله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن... والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا... و والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر فيه.
فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فنزلت: (دَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً*سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ *فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ *فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ *) المدثر/. هكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن إسحاق.(6/63)
قلت[ الألباني]: وفي ذلك قال الله تعالى إخبارا عن جهلهم وقلة عقلهم (بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ) (الأنبياء: 5) فحاروا ماذا يقولون فيه؟ فكل شيء يقولونه باطل لأن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ... قال الله تعالى: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً) (الإسراء: 48)
قلت:
أورد الشيخ أحمد بن محمد القسطلاني القصة في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية قال:
عن عكرمة في قصة الوليد بن المغيرة، وكان زعيم قريش في الفصاحة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي... فقرأ عليه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90) قال: أعد... فأعاد صلى الله عليه وسلم، فقال[ الوليد]:والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر، ثم قال لقومه والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا أشعار الجن فو الله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا.. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى.
- وفي خبره الآخرـ حين جمع قريشً عند حضور الموسم، وقال: إن وفود العرب ترد فأجمعوا فيه رأياً لا يكذب بعضكم بعضاً، فقالوا: نقول كاهن. قال: والله ما هو بكاهن. ما هو بزمزمته ولا سجعه.قالوا: مجنون: قال: ما هو بمجنون، ولا بخنقه ولا وسوسته.
قالوا: فنقول شاعر. قال: ما هو بشاعر. قد عرفنا الشعر كله، رجزه، وهزجه، وقريضه، و مبسوطه، ومقبوضه، ما هو بشاعر. قالوا: فنقول ساحر. قال: ما هو بساحر، ولا نفثه ولا عقده.
قالوا: فما نقول: قال: ما أنتم بقائلين من هذا شيئاً، إلا وأنا أعرف أنه باطل، وإن أقرب القول أنه ساحر، فإنه سحر يفرق بين المرء وابنه، والمرء وأخيه، والمرء وزوجه، والمرء وعشيرته.
فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس، فأنزل الله تعالى في الوليد: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً *وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً *وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ*سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *) -(المدثر).
-وقال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن: يا قوم، قد علمتم أني لم أترك شيئاً إلا وقد علمته وقرأته وقلته، والله لقد سمعت قولاً.. والله ما سمعت مثله قط، ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة. -وقال النضر بن الحارث نحوه.
قلت:
* أخرج الألباني قصة عتبة بن ربيعة، في صحيح السيرة، قال:(6/64)
وروى الإمام عبد بن حميد في (مسنده) بسنده عن جابر بن عبد الله قال: اجتمعت قريش يومًا فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة. فقالوا: أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرًا وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى. أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحدًا وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرغت؟). قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الرحمن الرحيم. حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ *) [ فصلت: 1 - 13 ]. فقال عتبة: حسبك ما عندك غير هذا؟ قال: (لا). فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم. ثم قال: لا والذي نصبها بينة ما فهمت شيئًا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئًا مما قال غير ذكر الصاعقة.
وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم بسنده عن الأجلح به وفيه كلام وزاد: وإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسا ما بقيت. وعنده أنه لما قال:_(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم. فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا صبا إلى محمد وأعجبه كلامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه. فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما جئنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدًا أبدًا وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً ولكني أتيته - وقص عليهم القصة - فأجابني بشيء - والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة - قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم...حتى بلغ: فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب.(6/65)
ثم روى البيهقي بسنده عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: (يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله). فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فو الله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء إن بني قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا السقاية. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا: نعم. ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي والله لا أفعل. وهذا القول منه - لعنه الله - كما قال تعالى مخبرا عنه وعن أضرابه: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان 41- 42).
-وفي حديث إسلام أبي ذر ووَصَف أخاه أنيساً، فقال: والله ما سمعت بأشعر من أخي أنيس، لقد ناقض اثني عشر شاعراً في الجاهلية، أنا أحدهم، وإنه انطلق إلى مكة، وجاء إ لى أبي ذر بخبر النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر: كاهن، ساحر، لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم، وما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، وإنه لصادق، وإنهم لكاذبون. -والأخبار في هذا صحيحة كثيرة.
قلت:
حديث إسلام أبي ذر رضي الله عنه رواه مسلم،وأحمد، والبيهقي، وهو في صحيح مسلم- كتاب فضائل الصحابة-
حدثنا هداب بن خالد الأزدي. حدثنا سليمان بن المغيرة. أخبرنا حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت. قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار. وكانوا يحلون الشهر الحرام. فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا. فنزلنا على خال لنا. فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا. فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له. فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا. فاحتملنا عليها. وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة. فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها. فأتيا الكاهن. فخير أنيسا. فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.قال: وقد صليت، يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال: لله. قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي. أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء. حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة. فراث علي. ثم جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك. يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء.
قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة. فما هو بقولهم. ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر. فما يلتئم على لسان أحد بعدي؛ أنه شعر. والله! إنه لصادق. وإنهم لكاذبون...(الحديث)
-والإعجاز بكل واحد من النوعين: الإيجاز والبلاغة بذاتها، أو الأسلوب الغريب بذاته، كل واحد منهما نوع إعجازه على التحقيق، لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما، إذا كل واحد خارج عن قدرتها، مباين لفصاحتها و كلامها، وإلى هذا ذهب غير واحد من أئمة المحققين.
و ذهب بعض المحققين المقتدى بهم إلى أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب، وأتى على ذلك بقول تمجه الأسماع، وتنفر منه القلوب. والصحيح ما قدمناه، و العلم بهذا كله ضرورة قطعاً.
ومن تفنن في علوم البلاغة، وأرهف خاطره ولسانه أدب هذه الصناعة لم يخف عليه ما قلناه.
-وقد اختلف أئمة أهل السنة في وجه عجزهم عنه، فأكثرهم يقول: إنه ما جمع في قوة جزالته، ونصاعة ألفاظه، وحسن نظمه، وإيجازه، وبديع تأليفه وأسلوبه لا يصح أن يكون في مقدور البشر، وأنه من باب الخوارق الممتنعة عن إقدار الخلق عليها، كإحياء الموتى، وقلب العصا، وتسبيح الحصى.
وذهب الشيخ أبو الحسن إلى أن مما يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر، ويقدرهم الله عليه، ولكنه لم يكن هذا ولا يكون، فمنعَهم اللهُ هذا، و عجَّزهم عنه.
-وقال به جماعة من أصحابه.
-وعلى الطريقين فعجز العرب عنه ثابت، وإقامة الحجة عليهم بما يصح أن يكون في مقدور البشر، وتحديهم بأن يأتوا بمثله قاطع، وهو أبلغ في التعجيز، وأحرى بالتقريع، والاحتجاج بمجيء بشر مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر لازم، وهو أبهر آية، وأقمع دلالة.(6/66)
وعلى كل حال فما أتوا في ذلك بمقال، بل صبروا على الجلاء، والقتل، وتجرعوا كاسات الصَّغار والذل، وكانوا من شموخ الآنف، وإباية الضيم، بحيث لا يؤثرون ذلك اختياراً، ولا يرضونه إلا اضطراراً، وإلا فالمعارضة لو كانت من قدرهم، الشغل بها أهون عليهم وأسرع بالنجح وقطع العذر وإفحام الخصم لديهم، وهم ممن لهم قدرة على الكلام، وقدوة في المعرفة به لجميع الأنام، وما منهم إلا من جهد جهده، واستنفد ما عنده في إخفاء ظهوره، وإطفاء نوره، فما جلوا في ذلك خبيئةً من بنات شفاههم، ولا أتوا بنطفة من معين مياههم، مع طول الأمد، و كثرة العدد، وتظاهر الوالد وما ولد، بل أبلسوا فما نبسوا، ومنعوا فانقطعوا، فهذان نوعان من إعجازه.
الفصل الخامس
في إعجاز القرآن:
الوجه الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات
-الوجه الثالث من الإعجاز ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما لم يكن ولم يقع، فوجد، كما ورد وعلى الوجه الذي أخبر به، كقوله تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ) (الفتح 27)
وقوله تعالى:(وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (الروم: 3).
وقوله تعالى:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33)
وقوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55)
-وقوله تعالى:(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) –(النصر)
فكان جميع هذا، كما قال...فغلبت الروم فارس في بضع سنين، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً، فما مات صلى الله عليه وسلم وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام.واستخلف الله المؤمنين في الأرض، ومكَّن فيها دينهم، و ملكهم إياها من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "زويت إلى الأرض، فأريت مشارقها و مغاربها، و سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها.
قلت: أخرج هذا الحديث ابن ماجه في السنن؛ والألباني في صحيح السيرة، ولفظه:
" زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكنزين الأصفر أو الأحمر والأبيض، (يعني الذهب والفضة) وقيل لي إن ملكك إلى حيث زوي لك.. وإني سألت الله عز وجل ثلاثا: أن لا يسلط على أمتي جوعا فيهلكهم به عامة، وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض، وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فلا مرد له وإني لن أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع عليهم من بين أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وإذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم القيامة.. وإن مما أتخوف على أمتي أئمة مضلين.. وستعبد قبائل من أمتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين.. وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي، ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل".. قال أبو الحسن لما فرغ أبو عبد الله من هذا الحديث قال ما أهوله..
قال الشيخ الألباني: صحيح.. سند الحديث: حدثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا سعيد بن بشير عن قتادة أنه حدثهم عن أبي قلابة الجرمي عبد الله بن زيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:... (الحديث).
-وقوله: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، فكان كذلك، لا يكاد يعد من سعى في تغييره وتبديل محكمه من الملحدة والمعطلة، لا سيما القرامطة، فأجمعوا كيدهم وحولهم وقوتهم، اليوم نيفاً على خمسمائة عام، فما قدروا على إطفاء شيء من نوره، ولا تغيير كلمة من كلامه، ولا تشكيك المسلمين في حرف من حروفه، و الحمد لله.
ومنه قوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر: 45)
-وقوله:(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) (التوبة 14)
وقوله:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة 33)
وقوله: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) (آل عمران: 111).(6/67)
فكان كل ذلك.وما فيه من كشف أسرار المنافقين واليهود، ومقالهم وكذبهم في حلفهم، وتقريعهم بذلك،
كقوله:(وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (المجادلة 8)
وقوله: (يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران: 154).
وقوله:(مِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة 41)
وقوله: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي) (النساء: 46).
وقد قال مبدياً، ما قدَّره الله واعتقده المؤمنون يوم بدر: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (الأنفال: 7)
ومنه قوله تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر: 95).
ولما نزلت بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه بأن الله كفاه إياهم، وكان المستهزئون نفراً بمكة ينفرون الناس عنه و يؤذونه فهلكوا.
وقوله (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (المائدة: 67).
فكان كذلك على كثرة من رام ضره، وقصد قتله، والأخبار بذلك معروفة صحيحة.
قلت: ذكر ابن كثير في التفسير أسماء هؤلاء المستهزئين كما رواه ابن إسحاق، قال:
قوله تعالى: {وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين} أي بلغ ما أنزل إليك من ربك, ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله {ودّوا لو تدهن فيدهنون} ولا تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم, كقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن, حدثنا إسحاق بن إدريس, حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم, عن أنس قال: سمعت أنساً يقول في هذه الآية, {إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر} قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل, أحسبه قال: فغمزهم, فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا.
قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر, وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه, فقال: «اللهم أعم بصره, وأثكله ولده». ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة, ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, ومن بني سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد, ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين... إلى قوله }فسوف يعلمون}.
وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت, فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه, فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه, فاستسقى بطنه, ومر به الوليد بن المغيرة, فأشار إلى أثر جرحٍ بأسفل كعب رجله, وكان أصابه قبل ذلك بسنتين, وهو يجز إزاره, وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له, فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش, وليس بشيء, فانتفض به فقتله, ومر به العاص بن وائل, فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف, فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه فقتلته, ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله.(6/68)
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل, عن ابن عباس قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم, وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق به, عن يزيد عن عروة بطوله, إلا أن سعيداً يقول: الحارث بن غيطلة, وعكرمة يقول الحارث بن قيس. قال الزهري: وصدقا هو الحارث بن قيس, وأمه غيطلة, وكذا روي عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة. وقال الشعبي: كانوا سبعة, والمشهور الأول.
الفصل السادس:
في إعجاز القرآن:
الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة، والشرائع الداثرة:
الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة، والشرائع الداثرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك، فيورده النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه، ويأتي به على نصه، فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه، وأن مثله لم ينله بتعليم.
وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة، ولم يغب عنهم، ولا جهل حاله أحد منهم.
وقد كان أهل الكتاب كثيراًما يسألونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذا، فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكراً، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى والخضر، ويوسف وإخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، ولقمان وابنه، وأشباه ذلك من الأنبياء والقصص، وبدء الخلق وما في التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، مما صدقه فيه العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها، بل أذعنوا لذلك، فمن موفق آمن بما سبق له من خير، ومن شقي معاند حاسد، ومع هذا لم يحك عن واحد من النصارى واليهود على شدة عداوتهم له، وحرصهم على تكذيبه، وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم، وتقريعهم بما انطوت عليه مصاحفهم، وكثرة سؤالهم له صلى الله عليه وسلم، وتعنيتهم إياه ـ عن أخبار أنبيائهم، وأسرار علومهم، ومستودعات سيرهم، وإعلامه لهم بمكتوم شرائعهم ومضمنات كتبهم، مثل سؤالهم عن الروح، وذي القرنين، وأصحاب الكهف، وعيسى، وحكم الرجم وما حرم إسرائيل على نفسه، وما حرم عليهم من الأنعام، ومن طيبات أحلت لهم فحرمت عليهم ببغيهم.
وقوله: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح: 29) وغير ذلك من أمورهم التي نزل فيها القرآن، فأجابهم وعرفهم بما أوحى إليه من ذلك أنه أنكر ذلك أو كذبه، بل أكثرهم صرح بصحة نبوته، وصدق مقالته، واعترف بعناده وحسدهم إياه، كأهل بجران، وابن صوريا، وابني أخطب وغيرهم.
ومن باهت في ذلك بعض المباهتة، وادعى أن فيما عندهم من ذلك لما حكاه مخالفةً ـ دعي إلى إقامة حجته، وكشف دعوته، فقيل له: (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94). (آل عمران )
فقرع ووبَّخ، ودعا إلى إحضار ممكن غير ممتنع، فمن معترف بما جحده، ومتواقح يلقي على فضيحته من كتابه يده. و لم يؤثر أن واحداً منهم أظهر خلاف قوله من كتبه، ولا أبدى صحيحاً ولا سقيماً من صفحه، قال الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) -المائدة.
الفصل السابع:
هذه الوجوه الأربعة من الإعجاز لا نزاع فيها ولا مرية:
هذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينة لا نزاع فيها ولا مرية.
ومن الوجوه البينة في إعجازه من غير هذه الوجوه آي وردت بتعجيز قوم في قضايا، وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك، كقوله لليهود: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 94) (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) (البقرة: 95)(6/69)
-قال أبو إسحاق الزجاج: في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة، لأنه قال: (فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ)، وأعلمهم أنهم (لَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)، فلم يتمنه واحداً منهم.
-وعن النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه. يعني يموت مكانه.
فصرفهم الله عن تمنيه وجزعهم، ليظهر صدق رسوله، وصحة ما أوحي إليه، إذا لم يتمنه أحد منهم، وكانوا على تكذيبه أحرص لو قدروا، ولكن الله يفعل ما يريد، فظهرت بذلك معجزته، وبانت حجته.
-قال أبو محمد الأصيلي: من أعجب أمرهم أنه لا يوجد منهم جماعة، ولا واحد، من يوم أمر الله بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم ـ يقدم عليه، ولا يجيب إليه. وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم.
قلت: قال السيوطي في الدر المنثور:
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال: قل لهم يا محمد {إن كانت لكم الدار الآخرة} يعني الجنة كما زعتم {خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} إنها لكم خالصة من دون المؤمنين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} يعني عملته أيديهم {والله عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية: والله لا يتمنونه أبدا".
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فتمنوا الموت} أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (قل إن لكم الدار الآخرة) يعني الجنة {خالصة} خاصة {فتمنوا الموت} فاسألوا الموت {ولن يتمونه أبدا} لأنهم يعلمون أنهم كاذبون {بما قدمت} قال: أسلفت.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: لو تمنى اليهود الموت لماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار".
وكذلك آية المباهلة من هذا المعنى، حيث وفد عليه أساقفة نجران وأبوْا الإسلام، فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة بقوله: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران: 61).
فامتنعوا منها، ورضوا بأداء الجزية، وذلك أن العاقب عظيمهم قال لهم: قد علمتم أنه نبي، وأنه ما لاعن قوماً نبي قط فبقي كبيرهم ولا صغيرهم.
قلت: قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية الكريمة:
قال تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم, أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} أي نحضرهم في حال المباهلة {ثم نبتهل} أي نلتعن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} أي منا أو منكم.
وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران, أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية, فأنزل الله صدر هذه السورة رداً عليهم, قال ابن إسحاق في سيرته المشهورة وغيره: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكباً, فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم: العاقب واسمه عبد المسيح, والسيد وهو الأيهم, وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل, وأويس بن الحارث, وزيد, وقيس, ويزيد ونبيه, وخويلد, وعمرو, وخالد, وعبد الله, ويُحَنّس, وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم وهم العاقب, وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم, والذي لا يصدرون إلا عن رأيه, والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم, وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم, وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل, ولكنه تنصر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه, وبنوا له الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلابته في دينهم, وقد كان يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وشأنه مما علمه من الكتب المتقدمة, ولكن حمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها.(6/70)
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير, قال: قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر, عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب, قال: يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم: وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعوهم» فصلوا إلى المشرق, قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة, والعاقب عبد المسيح, والسيد الأيهم وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون: هو الله, ويقولون: هو ولد الله, ويقولون: هو ثالث ثلاثة, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. وكذلك قول النصرانية, فهم يحتجون في قولهم هو الله, بأنه كان يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص والأسقام, ويخبر بالغيوب, ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً, وذلك كله بأمر الله. وليجعله الله آية للناس, ويحتجون على قولهم بأنه ابن الله يقولون: لم يكن له أب يعلم, وقد تكلم في المهد بشيء لم يسمعه أحد من بني آدم قبله, ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول الله تعالى: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحداً ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت, ولكنه هو وعيسى ومريم ـ تعالى الله وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً ـ وفي كل ذلك من قولهم: قد نزل القرآن, فلما كلمه الحبران, قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلما» قالا: قد أسلمنا, قال: «إنكما لم تسلما فأسلما». قالا: بلى قد أسلمنا قبلك. قال: «كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير». قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما, فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها, ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها إلى أن قال: فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك, فقالوا: يا أبا القاسم, دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه, ثم انصرفوا عنه, ثم خلوا بالعاقب, وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً لنبي مرسل, ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم, ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط, فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم, وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم, فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم, فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم, فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم, قد رأينا ألا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا, فإنكم عندنا رضا, قال محمد بن جعفر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين» فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ, رجاء أن أكون صاحبها, فرحت إلى الظهر مهجراً, فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر, سلم ثم نظر عن يمينه وشماله, فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه, فقال: «اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه». قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة رضي الله عنه.
وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن محمود بن لبيد, عن رافع بن خديج: أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحوه, إلا أنه قال في الأشراف: كانوا اثني عشر, وذكر بقيته بأطول من هذا السياق, وزيادات أخرى.
وقال البخاري: حدثنا عباس بن الحسين, حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن صلة بن زفر, عن حذيفة رضي الله عنه, قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه, قال: فقال: أحدهما لصاحبه: لا تفعل فو الله لئن كان نبياً فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا, قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعث معنا إلا أميناً, فقال: «لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين» فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: « قم يا أبا عبيدة بن الجراح» فلما قام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أمين هذه الأمة» رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة, عن حذيفة, بنحوه وقد رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق, عن صلة, عن ابن مسعود بنحوه.(6/71)
وقال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن خالد, عن أبي قلابة, عن أنس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «لكل أمة أمين, وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد, حدثنا فرات عن عبد الكريم بن مالك الجزري, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: قال أبو جهل قبحه الله, إن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لاَتينه حتى أطأ على رقبته, قال: فقال: «لو فعل لأخذته الملائكة عياناً, ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار, ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً», وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق, عن معمر, عن عبد الكريم به, وقال الترمذي: حسن صحيح.(6/72)
وقد روى البيهقي في دلائل النبوة قصة وفد نجران مطولة جداً, ولنذكره فإن فيه فوائد كثيرة, وفيه غرابة, وفيه مناسبة لهذا المقام, قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل, قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أحمد بن عبد الجبار, حدثنا يونس بن بكير, عن سلمة بن عبد يسوع, عن أبيه, عن جده, قال يونس ـ وكان نصرانياً فأسلم ـ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه(طس) سليمان: «باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب, من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران أسلم أنتم, فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد, وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد, فإن أبيتم فالجزية, فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب, والسلام». فلما أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به, وذعره ذعراً شديداً, وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة, وكان من همدان, ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب, فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه, فقال الأسقف: يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة, فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل, ليس لي في أمر النبوة رأي, ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأيي واجتهدت لك, فقال الأسقف: تنح فاجلس, فتنحى شرحبيل فجلس ناحية, فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل, وهو من ذي أصبح من حمير, فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل, فقال له الأسقف: تنح فاجلس, فتنحى عبد الله فجلس ناحية, فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس, فأقرأه الكتاب, وسأله عن الرأي فيه؟ فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله, فأمره الأسقف, فتنحى فجلس ناحية, فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً, أمر الأسقف بالناقوس فضرب به, ورفعت النيران والمسوح في الصوامع, وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار, وإذا كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع, فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح, أهل الوادي أعلاه وأسفله. وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع, وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل, فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وسألهم عن الرأي فيه, فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي, فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدنية وضعوا ثياب السفر عنهم, ولبسوا حللاً لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب, ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه, فلم يرد عليهم, وتصدوا لكلامه نهاراً طويلاً, فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب, فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف, وكانا معرفة لهم, فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس, فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن, إن نبيكم كتب إلينا كتاباً فأقبلنا مجيبين له, فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا, وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً, فأعيانا أن يكلمنا, فما الرأي منكما, أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم, ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه, ففعلوا فسلموا عليه فرد سلامهم, ثم قال: «والذي بعثني بالحق, لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم». ثم سألهم, فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى, فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى, يسرنا إن كنت نبياً أن نسمع ما تقول فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عندي فيه شيء يومي هذا, فأقيموا حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى» فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الاَية {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ *(آل عمران) } فأبوا أن يقروا بذلك, فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر, أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له, وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة, وله يومئذ عدة نسوة, فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا(6/73)
إلا عن رأيي, وإني والله أرى أمراً ثقيلاً, والله لئن كان هذا الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعناً في عينيه ورداً عليه أمره, لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة, وإنا لأدنى العرب منهم جواراً, ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه, لا يبقى منا على وجه الأرض شعر ولا ظفر إلا هلك, فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: أرى أن أحكمه, فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً, فقالا: له: أنت وذاك, قال: فلقي شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له: إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك. فقال: وما هو؟ فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح, فمهما حكمت فينا فهو جائز, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعل وراءك أحداً يثرب عليك»؟ فقال شرحبيل: سل صاحبي, فسألهما فقالا: ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم حتى إذا كان من الغد أتوه, فكتب لهم هذا الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبي محمد رسول الله لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل عليهم, وترك ذلك كله لهم على ألفي حلة, في كل رجب ألف حلة, وفي كل صفر ألف حلة» وذكر تمام الشروط وبقية السياق.
والغرض أن وفودهم كان في سنة تسع, لأن الزهري قال: كان أهل نجران أول من أدى الجزية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وآية الجزية إنما أنزلت بعد الفتح, وهي قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} الآية, وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن داود المكي, حدثنا بشر بن مهران حدثنا محمد بن دينار, عن داود بن أبي هند, عن الشعبي, عن جابر, قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيب, فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة, قال: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين, ثم أرسل إليهما, فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي بعثني بالحق لو قالا: لا, لأمطر عليهم الوادي ناراً» قال جابر, وفيهم نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} قال جابر {أنفسنا وأنفسكم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب {وأبناءنا} الحسن والحسين {ونساءنا} فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى, عن أحمد بن محمد الأزهري, عن علي بن حجر, عن علي بن مسهر, عن داود بن أبي هند به بمعناه, ثم قال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه هكذا قال وقد رواه أبو داود الطيالسي, عن شعبة, عن المغيرة عن الشعبي مرسلاً, وهذا أصح, وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك, ثم قال الله تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد {وما من إله إلا الله, وإن الله لهو العزيز الحكيم * { فإن تولوا} أي عن هذا إلى غيره {فإن الله عليم بالمفسدين} أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به, وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي لا يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته... اهـ
ومثله قوله: ((وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة 23-24).
فأخبرهم أنهم لا يفعلون، كما كان.
وهذه الآية أدخل في باب الإخبار عن الغيب، ولكن فيها من التعجيز ما في التي قبلها.
الفصل الثامن
من وجوه الإعجاز:الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه،
والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته.
ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله، وإنافة خطره، وهي على المكذبين به أعظم، حتى كانوا يستثقلون سماعه،(وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً) (الإسراء: 41)، كما قال تعالى، و يودون انقطاعه لكراهتهم له.
و لهذا قال: إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه، وهو الحكم، وأما المؤمن فلا تزال روعته به، وهيبته إياه،مع تلاوته ـ توليه انجذاباً، وتكسبه هشاشة، لميل قلبه إليه، وتصديقه به، قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23)(6/74)
وقال: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر: 21)
ويدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من لا يفهم معانيه، ولا يعلم تفاسيره، كما روي عن نصراني ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف يبكي، فقيل له: مم بكيت؟ قال: للشجا والنظم.
وهذه الروعة قد اعترت جماعةً قبل الإسلام وبعده، فمنهم من أسلم لها لأول وهلة وآمن به، ومنهم من كفر.
-فحكي في الصحيح، عن جبير بن مطعم، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية:(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)) - كاد قلبي أن يطير للإسلام.
-وفي رواية: و ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي.
-وعن عتبية بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه، فتلا عليهم:(حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ *ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ *)(سورة فصلت: 1 – 13).
فأمسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم أن يكف.
-وفي رواية: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره، معتمد عليهما، حتى انتهى إلى السجدة، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه، فاعتذر لهم، وقال: والله لقد كلمني بكلام والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له.
-وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة وهيبة كف بها عن ذلك.
فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك ورامه، وشرع فيه، فمر بصبي يقرأ: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44) ـ فرجع فمحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض، وما هو من كلام البشر، وكان من أفصح أهل وقته.
-وكان يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه، فحكي أنه رام شيئاً من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها، وينسج ـ بزعمه ـ على منوالها ـ قال: فاعترتني خشية ورقة حملتني على التوبة والإنابة.
الفصل التاسع:
ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آيةً باقيةً لا تعدم ما بقيت الدنيا
-ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آيةً باقيةً لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) وقال: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42)(6/75)
-وسائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها، فلم يبق إلا خبرها، والقرآن العزيز، الباهرة آياته، الظاهرة معجزاته على ما كان عليه اليوم ـ مدة خمسمائة عام و خمس و ثلاثين سنةً لأول نزوله إلى وقتنا هذا ـ حجته قاهرة، ومعارضته ممتنعة، والأعصار كلها طافحة بأهل البيان، وحملة علم اللسان، وأئمة البلاغة، وفرسان الكلام، وجهابذة البراعة، والملحد فيهم كثير، والمعادي للشرع عتيد،فما منهم من أتى بشيء يؤثر في معارضته، ولا ألف كلمتين في مناقضته، ولا قدر فيه على مطعن صحيح، ولا قدح المتكلف من ذهنه في ذلك إلا بزند شحيح، بل المأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه والنكوص على عقبيه.
الفصل العاشر:
في وجوه أخرى للإعجاز
وقد عدَّ جماعةٌ من الأمة ومقلدي الأمة في إعجازه وجوهاً كثيرةً، منها أن قارئه لا يمله، وسامعه لا يمجه، بل الانكباب على تلاوته يزيد حلاوةً، وترديده يوجب له محبةً، لا يزال غضاً طرياً، وغيره من الكلام ـ و لو بلغ في الحسن والبلاغة مبلغه ـ يمل مع الترديد، ويعادى إذا أعيد، وكتابنا يستلذ به في الخلوات، ويونس بتلاوته في الأزمات، وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك، حتى أحدث أصحابها لحوناً وطرقاً يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراء تها.
ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عبره، ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل، لا يشبع منه العلماء، ولا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، هو الذي لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا:( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً*) الجن 1، 2 ).
قلت: الحديث رواه الترمذي ؛ولفظه:
مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث. قال: وقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون فتنة... فقلت: ما المخرج منها، يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل.. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين،وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء،ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه... هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد}..من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم...
خذها إليك يا أعور.
قال أبو عيسى هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول، وفي الحرث مقال.
وقال الألباني:(ضعيف).
ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عامةً ولا محمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته خاصة، بمعرفتها، ولا القيام بها، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم، فجمع فيه من بيان علم الشرائع، والتنبيه على طرق الحجج العقليات، والرد على فرق الأمم، ببراهين قوية، وأدلة بينة سهلة الألفاظ، موجزة المقاصد، رام المتخذلقون بعد ـ أن ينصبوا أدلةً مثلها فلم يقدروا عليها؛ كقوله تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (يس: 81 )
وقوله: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس: 79 ).
وقوله: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء: 22 ).
إلى ما حواه من علوم السير، وأنباء الأمم، والمواعظ، والحكم، وأخبار الدار الآخرة، ومحاسن الآداب والشيم.
-قال الله ـ جل اسمه ـ: (ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38 )
-وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 89 ).
-وقال: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) (الروم: 58 ).(6/76)
-وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل هذا القرآن آمراً وزاجراً، وسنةً خاليةً، ومثلاً مضروباً، فيه نبؤكم، وخبر ما كان قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلقه طول الرد، و لا تنقضي عجائبه، هو الحق ليس بالهزل، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن قسم به أقسط، ومن عمل به أجر، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله، ومن حكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد.
قلت: أخرجه الترمذي في سننه، والسيوطي في الجامع الصغير؛ من حديث علي رفعه، وقد سبق، وضعفه الألباني.
-ونحوه عن ابن مسعود، وقال فيه: ولا يختلف ولا يتشانّ، فيه نبأ الأولين والآخرين.
قلت: لعله أشار إلى الحديث الذي أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب
عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف.
وهذا ضعفه الألباني، لكنه صحح طرفه الأخير الذي رواه الترمذي، قال:
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو بكر الحنفي أخبرنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن موسى، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قرأن حرفا من كتاب اللّه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف وميم حرف". هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويروي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن مسعود رواه أبو الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود، ورفعه بعضهم، ووقفه بعضهم عن ابن مسعود، ومحمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة.
قال الشيخ الألباني: صحيح. سند الحديث: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن موسى قال سمعت محمد بن كعب القرظي قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورواه الدارمي قال: حدثنا أبو عامر قبيصة انا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: تعلموا هذا القرآن فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات أما اني لا أقول بألم ولكن بألف ولام وميم بكل حرف عشر حسنات.
ورواه الحاكم في المستدرك قال: حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه ثنا مسدد بن قطن بن إبراهيم ثنا داود بن رشيد ثنا صالح بن عمر أنبأ إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف ولام وميم". هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر.
-وفي الحديث: قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: إني منزل عليك توراة حديثة، تفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فيها ينابيع العلم، وفهم الحكمة، وربيع القلوب.
قلت: أخرجه ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن هشام عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن مغيث بن سمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزلت علي توراة محدثة، فيها نور الحكمة وينابيع العلم، لتفتح بها أعينًا عميًا، وقلوبًا غلفًا، وآذنًا صمًا، وهي أحدث الكتب بالرحمن.
وأخرجه الدارمي قال:حدثنا عمرو بن عاصم ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن مغيث عن كعب قال:عليكم بالقرآن فإنه فهم العقل ونور الحكمة وينابيع العلم وأحدث الكتب بالرحمن عهدًا، وقال في التوراة يا محمد إني منزل عليك توراة حديثة تفتح فيها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا..
وعن كعب: عليكم بالقرآن، فإنه فهم العقول، ونور الحكمة.
-وقال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل: 76 ).
-وقال:(هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 138 ).
فجمع فيه مع وجازة ألفاظه، وجوامع كلمة أضعاف ما في الكتب قبله التي ألفاظها على الضعف منه مرات.(6/77)
ومنها جمعه فيه بين الدليل ومدلوله، وذلك أنه احتج بنظم القرآن، وحسن رصفه وإيجازه وبلاغته، وأثناء هذه البلاغة أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فالتالي له يفهم موضع الحجة والتكليف معاً من كلام واحد وسورة منفردة.
-ومنها أن جعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد، ولم يكن في حيز المنثور، لأن المنظوم أسهل على النفوس، وأوعى للقلوب، وأسمع في الآذان، وأحلى على الأفهام، فالناس إليه أميل، والأهواء إليه أسرع.
-ومنها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه، وتقريبه على متحفظيه، قال الله تعالى:( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر: 17...) وسائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم، فكيف الجماء على مرور السنين عليهم. والقرآن ميسر حفظه للغلمان في أقرب مدة.
-ومنها مشاكلة بعض أجزائه بعضاً، وحسن ائتلاف أنواعها، والتئام أقسامها، وحسن التخلص من قصة إلى أخرى، والخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه، وانقسام السورة الواحدة إلى أمر ونهي، وخبر واستخبار، ووعد ووعيد، وإثبات نبوة، وتوحيد وتفريد، وترغيب وترهيب، إلى غير ذلك من فوائده، دون خلل يتخلل فصوله.
والكلام الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته، ولانت جزالته، وقل رونقه، وتقلقت ألفاظه.
فتأمل أول سورة (ص) –( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)، وما جمع فيها من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم، وما ذكر من تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتعجبهم مما أتى به، والخبر عن اجتماع ملئهم على الكفر وما ظهر من الحسد في كلامهم، و تعجيزهم و توهينهم، ووعيدهم بخزي الدنيا والآخرة، وتكذيب الأمم قبلهم، وإهلاك الله لهم، ووعيد هؤلاء مثل مصابهم، و تصبير النبي على أذاهم وتسليته بكل ما تقدم ذكره، ثم أخذ في ذكر داود و قصص الأنبياء، كل هذا في أوجز كلام وأحسن نظام.
-ومنه الجملة الكثيرة التي انطوت عليها الكلمات القليلة، وهذا كله وكثير مما ذكرنا أنه ذكر في إعجاز القرآن، إلى وجوه كثيرة ذكرها الأئمة لم نذكرها، إذ أكثرها داخل في باب بلاغته، فلا يجب أن يعد فناً منفرداً في إعجازه، إلا في باب تفضيل فنون البلاغة، وكذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يعد في خواصه وفضائله، لا إعجازه.
وحقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة التي ذكرنا، فليعتمد عليها، وما بعدها من خواص القرآن وعجائبه التي لا تنقضي. والله ولي التوفيق.
-------------------
20. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(3).. انشقاق القمر, نبع الماء من بين أصابعه
الفصل الحادي عشر:
في انشقاق القمر وحبس الشمس
قال الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ(1) وَأن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ(2) - القمر.
-أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي، وإعراض الكفرة عن آياته، وأجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه.
-أخبرنا الحسين بن محمد الحافظ من كتابه، حدثنا القاضي سراج بن عبد الله، حدثنا الأصيلي، حدثنا المروزي، حدثنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا مسدد، حدثنا يحي، عن شعبة، و سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، و فرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشهدوا"
-وفي رواية مجاهد: ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم
-وفي بعض طرق الأعمش: ونحن بمنى.
-ورواه أيضاً ـ عن ابن مسعود ـ الأسود، وقال: حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر.
-ورواه عنه مسروق ـ أنه كأن بمكة ـ و زاد: فقال كفار قريش: سحركم ابن أبي كبشة!
فقال رجل منهم: أن محمداً أن كأن سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها، فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر: هل رأوا هذا؟ فأتوا، فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك.
-وحكى السمرقندي عن الضحاك نحوه، وقال: فقال أبو جهل: هذا سحر، فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا: أرأوا ذلك أم لا؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقاً، فقالوا ـ يعني الكفار: هذا سحر مستمر.
-ورواه أيضاً ـ عن ابن مسعود ـ علقمة، فهؤلاء أربعة عن عبد الله.
-وقد رواه غير ابن مسعود، كما رواه ابن مسعود، منهم أنس، وابن عباس وابن عمر، وحذيفة، وعلي، وجبير بن مطعم، فقال علي ـ من رواية أبي حذيفة الأرحبي: انشق القمر و نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم.
-وعن أنس: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهم. رواه عن أنس قتادة.
-وفي رواية معمر وغيره، عن قتادة، عنه: أراهم القمر مرتين انشقاقه، فنزلت:(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ(1)(سورة القمر1).
-ورواه عن جبير بن مطعم ابنه محمد و ابن ابنه جبير بن محمد.
-ورواه عن ابن عباس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. -ورواه عن ابن عمر مجاهد، ورواه عن حذيفة أبو عبد الرحمن السلمي ومسلم بن أبي عمر أن الأزدي(6/78)
وأكثر طرق هذه الأحاديث صحيحة، والآية مصرحة، ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول، بأنه لو كأن هذا لم يخْف على أهل الأرض، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم، إذ لم ينقل لنا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق، ولو نقل إلينا عمن لا يجوز تمالؤهم ـ لكثرتهم ـ على الكذب، لما كانت علينا به حجة، إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض، فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين، وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابليهم من أقطار الأرض، أو يحول بين قوم و بينه سحاب أو جبال، ولهذا نجد الكسوفات في بعض البلاد دون بعض، وفي بعضها جزئية، وفي بعضها كلية، وفي بعضها لا يعرفها إلا المدعوون لعلمها،(ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(الأنعام: 96).
وآية القمر كانت ليلاً، والعادة من الناس بالليل الهدوء والسكون وإيجاف الأبواب، وقطع التصرف، ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيئاً، إلا من رصد ذلك، واهتبل به
ولذلك ما يكون الكسوف القمري كثيراً في البلاد، وأكثرهم لا يعلم به حتى ينجز، وكثيراً ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها من أنوار ونجوم طوالع عظام تظهر في الأحيان بالليل في السماء، ولا علم عند أحد منها.
قلت: حديث انشقاق القمر في الصحيحين روى البخاري ـ في كتاب فضائل الصحابة، باب انشقاق القمرـ قال:
1- حدثني عبد الله بن عبد الوهاب: حدثنا بشر بن المفضل: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء بينهما.
2- حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله رضي الله عنه قال: انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، فقال:(اشهدوا). وذهبت فرقة نحو الجبل.
وقال أبو الضحى، عن مسروق، عن عبد الله: انشق بمكة، وتابعه محمد بن مسلم، عن ابن نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله.
3- حدثنا عثمان بن صالح: حدثنا بكر بن مضر قال: حدثني جعفر ابن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله رضي الله عنهما قال: انشق القمر.
5-حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن شعبة، وسفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال:انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اشهدوا).
6- حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: أخبرنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله قال:انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين، فقال لنا:(اشهدوا.. اشهدوا).
وروى مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر قال:
1- حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب. قالا: حدثنا سفيأن بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله قال:
انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا".
2-) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم. جميعا عن أبي معاوية. ح وحدثنا عمر بن حفص بن غياث. حدثنا أبي. كلاهما عن الأعمش. ح وحدثنا منجاب بن حارث التميمي(واللفظ له). أخبرنا ابن مسهر عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود. قال:
بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، إذا انفلق القمر فلقتين. فكانت فلقة وراء الجبل، وفلقة دونه. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا".
3- حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود قال:
انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين. فستر الجبل فلقة. وكانت فلقة فوق الجبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم! اشهد".
4- حدثنا عبيد الله بن معاذ. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. مثل ذلك.
5-وحدثنيه بشر بن خالد. أخبرنا محمد بن جعفر. ح وحدثنا محمد بن بشار. حدثنا ابن أبي عدي. كلاهما عن شعبة. بإسناد ابن معاذ عن شعبة. نحو حديثه. غير أن في حديث ابن أبي عدي: فقال: "اشهدوا. اشهدوا".
6- حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد. قال: حدثنا يونس بن محمد. حدثنا شيبان. حدثنا قتادة عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية. فأراهم انشقاق القمر، مرتين.
7- وحدثنيه محمد بن رافع. حدثنا عبد الرزاق. أخبرنا معمر عن قتادة، عن أنس. بمعنى حديث شيبان.(6/79)
8- وحدثنا محمد بن المثنى. حدثنا محمد بن جعفر وأبو داود. ح وحدثنا ابن بشار. حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وأبو داود. كلهم عن شعبة، عن قتادة، عن أنس. قال: انشق القمر فرقتين.
وفي حديث أبي داود: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
9- حدثنا موسى بن قريش التميمي. حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر. حدثني أبي. حدثنا جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: أن القمر انشق على زمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
* قوله باب انشقاق القمر، أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة له وقد ترجم بمعنى ذلك في علامات النبوة، قال: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر ـ
* قوله عن أنس زاد في الرواية التي في علامات النبوة أنه حدثهم (حدثني عبد الله بن محمد: حدثنا يونس: حدثنا شيبان، عن قتادة، عن أنس بن مالك. وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر.)
- قوله أن أهل مكة هذا من مراسيل الصحابة لأن أنسا لم يدرك هذه القصة وقد جاءت هذه القصة من حديث بن عباس وهو أيضًا ممن لم يشاهدها ومن حديث بن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها ولم أر في شيء من طرقه أن ذلك كأن عقب سؤال المشركين إلا في حديث أنس فلعله سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في بعض طرق حديث بن عباس بيان صورة السؤال وهو وأن كأن لم يدرك القصة لكن في بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن بن مسعود كما سأذكره فاخرج أبو نعيم في الدلائل من وجه ضعيف عن بن عباس قال اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظرائهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسأل ربه فانشق.
-قوله: شِقتين بكسر المعجمة أي نصفين وتقدم في العلامات من طريق سعيد وشيبأن عن قتادة بدون هذه اللفظة.
*وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرتين
وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان.. قلت وهو في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضًا.. وكذلك أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق.. وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين قال البيهقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين قلت لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم ولم يقع في شيء من طرق حديث بن مسعود بلفظ مرتين إنما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام وكذا في حديث بن عمر فلقتين وفي حديث جبير بن مطعم فرقتين وفي لفظ عنه فانشق باثنتين وفي رواية عن بن عباس عند أبي نعيم في الدلائل فصار قمرين وفي لفظ شقتين وعند الطبراني من حديثه حتى رأوا شقيه ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل وانشق مرتين بالإجماع ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين.. وتكلم بن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر ولعل قائلها أراد فرقتين قلت وهذا الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت وذاك مرتين بالإجماع والنص والتواتر السماع فجمع بين قوله فرقتين وبين قوله مرتين فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرًا سيأتي بيانه.
-قوله حتى رأوا حِراء بينهما أي بين الفرقتين، وحِراء على يسار السائر من مكة إلى منى.(6/80)
* قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري المروزي قوله عن الأعمش عن إبراهيم وقع في رواية السرخسي والكشميهني في آخر الباب من وجه آخر عن الأعمش حدثنا إبراهيم قوله عن أبي معمر هذا هو المحفوظ ووقع في رواية سعد أن بن يحيى ويحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أخرجه بن مردويه ولأبي نعيم نحوه من طريق غريبة عن شعبة عن الأعمش والمحفوظ عن شعبة كما سيأتي في التفسير عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر وهو المشهور وقد أخرجه مسلم من طريق أخرى عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن بن عمر وسيأتي للمصنف معلقا أن مجاهدًا رواه عن أبي معمر عن بن مسعود فالله اعلم هل عند مجاهد فيه إسنادان أو قول من قال بن عمر وهم من أبي معمر.
* قوله عن عبد الله هو بن مسعود، قوله انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى في رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن الأعمش بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر وهذا لا يعارض قول أنس أن ذلك كأن بمكة لأنه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كأن ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فهي من جملة مكة فلا تعارض.. وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود قال انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين وهو محمول على ما ذكرته.. وكذا وقع في غير هذه الرواية وقد وقع عند بن مردويه بيأن المراد فاخرج من وجه آخر عن بن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضح أن مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة ويجوز أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى.
-قوله فقال: اشهدوا أي اضبطوا هذا القدر بالمشاهدة.. قوله وقال أبو الضحى الخ يحتمل أن يكون معطوفًا على قوله عن إبراهيم فأن أبا الضحى من شيوخ الأعمش فيكون للأعمش فيه إسنادان ويحتمل أن يكون معلقًا وهو المعتمد فقد وصله أبو داود الطيالسي عن أبي عوانة ورويناه في فوائد أبي طاهر الذهلي من وجه آخر عن أبي عوانة وأخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق هشيم كلاهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا الإسناد بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت كفار قريش: هذا سحر سحركم بن أبي كبشة، فانظروا إلى السفار فأن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق.. قال فما قدم عليهم أحد إلا أخبرهم بذلك... لفظ هشيم وعند أبي عوانة انشق القمر بمكة نحوه، وفيه فأن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
* قوله وتابعه محمد بن مسلم هو الطائفي وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبيه بتحتانية ثم مهملة خفيفة ومراده انه تابع إبراهيم في روايته عن أبي معمر في قوله أن ذلك كأن بمكة لا في جميع سياق الحديث والجمع بين قول بن مسعود تارة بمنى وتارة بمكة إما باعتبار التعدد أن ثبت, وإما بالحمل على أنه كأن بمنى ومن قال أنه كأن بمكة لا ينافيه لأن من كأن بمنى كأن بمكة من غير عكس ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها ونحن بمنى والرواية التي فيها بمكة لم يقل فيها ونحن وإنما قال انشق القمر بمكة يعني أن الانشقاق كأن وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة وبهذا يندفع دعوى الداودي أن بين الخبرين تضادًا والله أعلم... وابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي معمر و هذه الطريق وصلها عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه البيهقي في الدلائل عن بن عيينة ومحمد بن مسلم جميعًا عن بن أبي نجيح بهذا الإسناد بلفظ رأيت القمر منشقًا شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء، والسويداء بالمهملة والتصغير ناحية خارج مكة عندها جبل.. وقول بن مسعود على أبي قبيس يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على مكان مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ويحتمل أن يكون القمر استمر منشقًا حتى رجع بن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد، والذي يقتضيه غالب الروايات أن الانشقاق كأن قرب غروبه ويؤيد ذلك إسنادهم الرؤية إلى جهة الجبل ويحتمل أن يكون الانشقاق وقع أول طلوعه فأن في بعض الروايات أن ذلك كأن ليلة البدر أو التعبير بأبي قبيس من تغيير بعض الرواة لأن الغرض ثبوت رؤيته منشقًا إحدى الشقتين على جبل والأخرى على جبل آخر ولا يغاير ذلك قول الراوي الآخر رأيت الجبل بينهما أي بين الفرقتين لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق أنه بينهما وأي جبل آخر كأن من جهة يمينه أو يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اشهدوا.. اشهدوا" وليس فيه تعيين مكان وأخرجه بن مردويه من رواية بن جريح عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال الله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر) يقول كما شققت القمر كذلك أقيم الساعة.(6/81)
قوله في حديث بن عباس أن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أورده مختصرًا وعند أبي نعيم من وجه آخر انشق القمر فلقتين قال بن مسعود لقد رأيت جبل حراء من بين فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الأولى في ذكر حراء وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين بأن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء أن كانوا كفارًا أن يناظروا أولاً على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران: (أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه؛ لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترًا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد فكذلك الانشقاق كأن آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجًا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أمره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التيسير والتنجيم إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لأن القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نيامًا ومستكنين بالأبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل أنه كان في ذلك الوقت مشغولاً بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم أبدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه إلا القرآن بما حاصله أن معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في إدراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الإفهام ولو كان إدراكها عامًا لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم. وذكر أبو نعيم في الدلائل نحو ما ذكره الخطابي, وزاد ولا سيما إذا وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون أنها سحر ويجتهدون في إطفاء نور الله.
قلت: وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة وأما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه وهذا كاف فإن الحجة فيمن أثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي حتى أن من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الاثبات.
وقال بن عبد البر: قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجمع الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالآية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر، ثم أجاب بنحو جواب الخطابي وقال: وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين وأيضًا فإن زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى آفاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك، وذلك لأن المسافرين في الليل غالبًا يكونون سائرين في ضوء القمر ولا يخفى عليهم ذلك.(6/82)
وقال القرطبي: الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد إليه غير منحصرة ويحتمل أن يكون الله صرف جميع أهل الأرض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها إلى غيرهم اهـ. وفي كلامه نظر لأن أحدا لم ينقل أن أحدا من أهل الافاق غير أهل مكة ذكروا أنهم رصدوا القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه، فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي أبداه القرطبي جيدًا، ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الأرض شيء من ذلك، فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله اعلم.
وأما الآية فالمراد بها قوله تعالى:(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ *)(القمر:1) لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله:(وانشق القمر) أي سينشق كما قال تعالى:(أتى أمر الله) أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع.. والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به بن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك:(وَأن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرّ ٌ*)(القمر:2) فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله:(وانشق القمر) وقوع انشقاقه لأن لكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة. وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحًا في حديث بن مسعود كما بيناه قبل.
ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من الناس من يقول أن المارد بقوله تعالى:(وانشق القمر) أي سينشق. قال الحليمي: فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا فشاهدت الهلال ببخارى في الليلة الثالثة منشقًا نصفين عرض كل واحد منهما كعرض ليلة أربع أو خمس ثم اتصلا فصار في شكل أترجة إلى أن غاب.. قال: وأخبرني بعض من أثق به أنه شاهد ذلك في ليلة أخرى اهـ. ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر هذا مع إيراده حديث بن مسعود المصرح بأن المراد بقوله تعالى:(وانشق القمر) أن ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ساقه هكذا من طريق بن مسعود في هذه الآية:(اقتربت الساعة وانشق القمر) قال لقد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساق حديث بن مسعود..
قال القاضي عياض:-وخرج الطحاوي ـ في مشكل الحديث، عن أسماء بنت عميس من طريقين ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوحي إليه، ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت يا علي؟ قال:لا. فقال: اللهم إنه كأن في طاعتك و طاعة رسولك فاردد عليه الشمس.
قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم طلعت بعد ما غربت، ووقفت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء في خيبر. قال وهذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات.
-وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كأن يقول: لا ينبغي لمن يكون سبيله العلم المتخلف عن حفظ حديث أسماء، لأنه من علامات النبوة.
-وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن إسحاق: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التي في العير قالوا: متى تجيء؟ قال: يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجيء؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزيد له في النهار ساعة، وحبست عليه الشمس.
قلت : قال الشيخ محمد بن أحمد القسطلاني في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية:
قال بعضهم هذا الحديث ليس بصحيح وأن أوهم القاضي عياض له في الشفا عن الطحاوي من طريقين، فقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: إنه موضوع بلا شك وفي سنده أحمد بن داود وهو متروك الحديث كذاب.، كما قال الدارقطني، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.
قال ابن الجوزي: وقد روى هذا الحديث ابن شاهين فذكره ثم قال: حديث باطل، قال: ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة فضيلة، ولم يلمح عدم الفائدة فيها، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس تصير قضاء, ورجوع الشمس لا يعيدها أداء..اهـ
وقد أفرد ابن تيمية تصنيفًا مفردًا في الرد على الروافض ذكر فيه الحديث بطرقه ورجاله وأنه موضوع، والعجب من القاضي مع جلالة قدره وعلو خطره في علوم الحديث كيف سكت عنه موهما صحته، ناقلا ثبوته، موثقًا رجاله.. اهـ
وقال شيخنا ك قال أحمد: لا أصل له. وتبعه ابن الجوزي فأورده في الموضوعات.. ولكن قد صححه الطحاوي والقاضي عياض، وأخرجه ابن منده وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس، وابن مردويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.. اهـ(6/83)
ورواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد حسن كما حكاه شيخ الإسلام ابن العراقي في شرح التقريب عن أسماء بنت عميس ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء ثم أرسل علياًَ في حاجة فرجع وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر عليّ ونام، فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم أن عبدك عليًا احتبس بنفسه على نبيه فرد عليه الشمس....قالت أسماء: فطلعت علبه الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، وقام عليّ فتوضأ وصلى العصر ثم غابت،وذلك بالصهباء.
وفي لفظ آخر: كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يغشى عليه، فأنزل الله عليه يوماًَ وهو في حجر عليّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " صليت العصر يا عليّ؟" فقال: لا يا رسول الله... فدعا الله فرد عليه الشمس حتى صلى العصر..قالت أسماء: فرأيت الشمس طلعت بعدما غابت حبن ردت حتى صلى العصر.
قال: وروى الطبراني أيضاً في معجمه الأوسط بإسناد حسن عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار.
وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن إسحاق، مما ذكره القاضي عياض: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التي في العير، قالوا: متى تجيء؟ قال: يوم الأربعاء.. فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون، وقد ولى النهار، ولم تجيء...فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس.اهـ.
وهذا يعارضه قوله في الحديث: لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع بن نون، يعني حين قاتل الجبارين يوم الجمعة..فلما أدبرت الشمس خاف أن تعيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم، فدعا الله تعالى فرد عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم.
قال الحافظ ابن كثير:فيه أن هذا كأن من خصائص يوشع، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى عليّ بن أبي طالب...وقد صححه أحمد بن صالح المصري، ولكنه منكر.ليس في شيء من الصحاح والحسان.وهو مما تتوفر الدواعي على نقله, وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها.اهـ
ويحتمل الجمع: بأن المعنى لم تحبس الشمس على أحد من الأنبياء غيري إلا ليوشع... والله أعلم.
وكذا روي حبس الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم أيضاً يوم الخندق، حين شغل عن صلاة العصر، فيكون حبس الشمس مخصوصاً بنبينا r وبيوشع، كما ذكره القاضي عياض في الإكمال، وعزاه لمشكل الآثار، ونقله النووي في شرح مسلم في باب حل الغنائم عن عياض، وكذا الحافظ ابن حجر في باب الأذان في تخريج أحاديث الرافعي ومغلطاي في الزهر الباسم، وذكروه..وتعقب: بأن الثابت في الصحيح وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر في وقعة الخندق بعدما غربت الشمس.. وذكر البغوي في تفسيره أنها حبست لسليمان عليه السلام أيضاً، لقوله :(ردوها عليَّ) ونوزع فيه بعدم ذكر الشمس في الآية.. فالمراد: الصافنات الجياد. والله أعلم.
قال القاضي عياض: واختلف في حبس الشمس المذكور هنا، فقيل: ردت على أدراجها، وقيل: وقفت ولم ترد، وقيل: بطء حركتها... قال: وكل ذلك من معجزات النبوة...اهـ...
وقفة مع ابن حجر العسقلاني
البخاري حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام ابن منبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها ولم يبن بها، ولا أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات، وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر، أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم فجاءت - يعني النار - لتأكلها فلم تطعمها، فقال: أن فيكم غلولاً، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا).(6/84)
قوله عن بن المبارك كذا في جميع الروايات لكن قال أبو نعيم في المستخرج أخرجه البخاري عن محمد بن العلاء عن بن المبارك أو غيره وهذا الشك إنما هو من أبي نعيم فقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلاء عن بن المبارك وحده به قوله غزا نبي من الأنبياء أي أراد أن يغزو وهذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الأحبار وبين تسمية القرية كما سيأتي وقد ورد أصله من طريق مرفوعة صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس... وأغرب بن بطال فقال في باب استئذان الرجل الإمام في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلاة والسلام أنه قال في غزوة خرج إليها لا يتبعني من ملك بضع امرأة ولم يبن بها أو بنى دارًا ولم يسكنها ولم أقف على ما ذكره مسندًا لكن أخرج الخطيب في ذم النجوم له من طريق أبي حذيفة والبخاري في المبتدأ له بإسناد له عن علي قال سأل قوم يوشع منه أن يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فأراهم ذلك في ماء من غمامة أمطرها الله عليهم فكان أحدهم يعلم متى يموت فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر فاخرجوا إلى داود من لم يحضر أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم قلت وإسناده ضعيف جدًا وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع ولا يعارضه ما ذكره بن إسحاق في المبتدأ من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر أن يطلع وكأن وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل لأن الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا ينفي أن يحبس طلوع الفجر لغيره وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام في قصيدة فو الله لا أدري أحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع ولا يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في مغازي بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشًا صبيحة الإسراء أنه رأى العير التي لهم وإنها تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير وهذا منقطع لكن وقع في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار وإسناده حسن ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس إلا ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وقد أخطأ بن الجوزي بإيراده له في الموضوعات وكذا بن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه والله أعلم...وأما ما حكى عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها الله عليه حتى صلى العصر كذا قال وعزاه للطحاوي والذي رأيته في مشكل الآثار للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء؛ فإن ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء أيضًا أنها حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبًا وجاء أيضًا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام وهو فيما ذكره الثعلبي ثم البغوي عن بن عباس قال: قال لي علي ما بلغك في قول الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلاة والسلام ردوها علي فقلت قال لي كعب كانت أربعة عشر فرسًا عرضها فغابت الشمس قبل أن يصلي العصر فأمر بردها فضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يومًا لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي كذب كعب وإنما أراد سليمان جهاد عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملائكة الموكلين بالشمس بإذن الله لهم ردوها علي فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم قلت أورد هذا الأثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم قال بن عباس قلت لعلي وهذا لا يثبت عن بن عباس ولا عن غيره والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله ردوها للخيل والله أعلم قوله بضع امرأة بضم الموحدة وسكون المعجمة البضع يطلق على الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلاثة لائقة هنا ويطلق أيضًا على المهر وعلى الطلاق وقال الجوهري قال بن السكيت البضع النكاح يقال ملك فلان بضع فلانة قوله ولما يبن بها أي ولم يدخل عليها لكن التعبير بلما يشعر بتوقع ذلك قاله الزمخشري في قوله تعلى: (ولما يدخل الإيمان في(6/85)
قلوبكم) ووقع في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن عوانة وابن حبان لا ينبغي لرجل بنى دارًا ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم يدخل بها وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا يخفى فرق بين الأمرين وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا قوله ولم يرفع سقوفها في صحيح مسلم ومسند أحمد ولما يرفع سقفها وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية ووهم من ضبط بالإسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث للسقف قوله أو خلفات بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل من النوق وقد يطلق على غير النوق وفي قوله غنمًا أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه أو هو على إطلاقه لأن الغنم يقل صبرها فيخشى عليها الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها إلا مع الحمل ويحتمل أن يكون قوله أو للشك أي هل قال غنمًا بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل كذا قال بعض الشراح والمعتمد أنها للتنويع فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات قوله وهو ينتظر ولادها بكسر الواو وهو مصدر ولد ولادًا وولادة قوله فغزا أي بمن تبعه ممن لم يتصف بتلك الصفة قوله فدنا من القرية هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر سماها الحاكم في روايته عن كعب, وفي رواية مسلم فأدنى للقرية أي قرب جيوشه لها قوله فقال للشمس انك مأمورة في رواية سعيد بن المسيب فلقي العدو عند غيبوبة الشمس وبين الحاكم في روايته عن كعب سبب ذلك فإنه قال أنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل وبهذا يتبين معنى قوله وأنا مأمور والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات أمر تسخير وأمر العقلاء أمر تكليف وخطابه للشمس يحتمل أن يكون على حقيقته وأن الله تعالى خلق فيها تمييزًا وإدراكًا كما سيأتي البحث فيه في الفتن في سجودها تحت العرش واستئذانها من أن تطلع ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل استحضاره في النفس لما تقرر أنه لا يمكن تحولها عن عادتها إلا بخرق العادة وهو نحو قول الشاعر:
شكى إلي جملي طول السرى
ومن ثم قال اللهم احبسها, ويؤيد الاحتمال الثاني أن في رواية سعيد بن المسيب فقال اللهم أنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها علي حتى تقضي بيني وبينهم فحبسها الله عليه, قوله اللهم احبسها علينا في رواية أحمد اللهم احبسها علي شيئًا وهو منصوب نصب المصدر أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد قال عياض اختلف في حبس الشمس هنا فقيل ردت على أدراجها وقيل وقفت وقيل بطئت حركتها وكل ذلك محتمل, والثالث أرجح عند بن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذ يكون النهار في غاية الطول قوله فحبست حتى فتح الله عليه.(6/86)
في رواية أبي يعلى فواقع القوم فظفر قوله فجمع الغنائم فجاءت يعني النار في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار زاد في رواية سعيد بن المسيب وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها قوله فلم تطعمها أي لم تذق لها طعمًا وهو بطريق المبالغة قوله فقال أن فيكم غلولاً هو السرقة من الغنيمة كما تقدم قوله فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت فيه حذف يظهر من سياق الكلام أي فبايعوه فلزقت. قوله: فلزقت يد رجلين أو ثلاثة في رواية أبي يعلى فلزقت يد رجل أو رجلين وفي رواية سعيد بن المسيب رجلان بالجزم قال بن المنير جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه أو أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة قوله فيكم الغلول زاد في رواية سعيد بن المسيب فقالا أجل غللنا قوله: فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فآكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم في رواية النسائي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أن الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفًا خففه عنا قوله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا في رواية سعيد بن المسيب لما رأى من ضعفنا وفيه أشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت الفضل وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى: (فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً), فأحل الله لهم الغنيمة وقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث بن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش وذلك قبل بدر بشهرين ويمكن الجمع بما ذكر بن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب في هذا الحديث أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا وهو كما قال لكن تقدم ما يعكر على إلحاقه بما بعد الدخول وأن لم يطل بما قبله ويدل على التعميم في الأمور الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن المسيب من الزيادة أو له حاجة في الرجوع وفيه أن الأمور المهمة لا ينبغي أن تفوض إلا لحازم فارغ البال لها لأن من له تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت رغبته في الطاعة والقلب إذا تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى عنهم فضيحة أمر عدم القبول فلله الحمد على نعمه تترى ودخل في عموم أكل النار الغنيمة والسبى وفيه بعد لأن مقتضاه إهلاك الذرية ومن لم يقاتل من النساء ويمكن أن يستثنوا من ذلك ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم ويؤيده إنهم كانت لهم عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل على الحصر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف ولم أر من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن كما في هذه القصة وقد تكون بحسب الأمر الظاهر كما في حديث إنكم تختصمون إلي الحديث واستدل به بن بطال على جواز إحراق أموال المشركين وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل الغنائم لهذه الأمة وأجيب عنه بأنه لا يخفى عليه ذلك ولكنه استنبط من إحراق الغنيمة بأكل النار جواز إحراق أموات الكفار إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة وهو ظاهر لأن هذا القدر لم يرد التصريح بنسخه فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخه واستدل به أيضًا على أن قتال آخر النهار أفضل من أوله وفيه نظر لأن ذلك في هذه القصة إنما وقع اتفاقا كما تقدم نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة في قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس وتهب الرياح فالاستدلال به يغنى عن هذا.
الفصل الثاني عشر:
في نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره بركة
-أما الأحاديث في هذا فكثيرة جداً.
-روى حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة، منهم أنس، وجابر، وابن مسعود:(6/87)
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءتي عليه، حدثنا القاضي عيسى بن سهل، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد، حدثنا أبو عمر بن الفخار، حدثنا أبو عيسى، حدثنا يحيى، حدثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، و حانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده، و أمر الناس أن يتوضئوا منه.
قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ حتى توضئوا من عند آخرهم.
-ورواه أيضاً ـ عن أنس ـ قتادة، و قال: بإناء فيه ماء يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر. -قال: كم كنتم؟ قال: كنا زهاء ثلاثمائة.
-وفي رواية عنه: و هم بالزوراء عند السوق.
-ورواه أيضاً حميد، و ثابت و الحسن، عن أنس.
-وفي رواية حميد: قلت: كم كانوا؟ قال: ثمانين.
-ونحوه عن ثابت عنه.
-وعنه أيضاً: وهم نحو من سبعين رجلاً.
قلت: متفق عليه.
*رواه البخاري في كتاب الوضوء باب التماس الماء إذا حضرت الصلاة
حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضئوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، حتى توضئوا من عند آخرهم.
*ورواه مسلم في كتاب الفضائل باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
1_ وحدثني أبو الربيع، سليمان بن داود العتكي. حدثنا حماد (يعني ابن زيد). حدثنا ثابت عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح. فجعل القوم يتوضئون. فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين. قال: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه.
2_ وحدثني إسحاق بن موسى الأنصاري. حدثنا معن. حدثنا مالك. ح وحدثني أبو الطاهر. أخبرنا ابن وهب عن مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك؛ أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه. فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده. وأمر الناس أن يتوضئوا منه. قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه. فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم.
3 حدثني أبو غسان المسمعي. حدثنا معاذ (يعني ابن هشام). حدثني أبي عن قتادة. حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله وأصحابه بالزوراء (قال: والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمه) دعا بقدح فيه ماء. فوضع كفه فيه. فجعل ينبع من بين أصابعه. فتوضأ جميع أصحابه. قال قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة.
4_وحدثنا محمد بن المثنى. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا سعيد عن قتادة، عن أنس؛
أن النبي كان بالزوراء. فأتي بإناء ماء لا يغمر أصابعه. أو قدر ما يواري أصابعه. ثم ذكر نحو حديث هشام.
وأما ابن مسعود ففي الصحيح من رواية علقمة: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس معنا ماء، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتى بماء فصبه في إناء، ثم وضع كفه فيه، فجعل الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: رواه البخاري في كتاب المناقب، حدثني محمد بن المثنى: حدثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:
كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقل الماء، فقال:(اطلبوا فضلة من ماء). فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال:(حي على الطهور المبارك، والبركة من الله). فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
-وفي الصحيح عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر رضي الله عنه: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها، وأقبل الناس نحوه، وقالوا: ليس عندنا ماء إلا ما في ركوتك، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون.
وفيه: فقلت: كم كنتم؟ قالوا: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.
-وروي مثله عن أنس، عن جابر، وفيه أنه كأن بالحديبية.
قلت: رواه البخاري في كتاب المناقب1 وفي كتاب المغازي 2 قال:(6/88)
1-حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبد العزيز بن مسلم: حدثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية، والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ، فجهش الناس نحوه، فقال:(ما لكم). قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.
2-حدثنا يوسف بن عيسى: حدثنا ابن فضيل: حدثنا حصين، عن سالم، عن جابر رضي الله عنه قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما لكم). قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة
- حدثنا الصلت بن محمد: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول: كانوا أربع عشرة مائة، فقال لي سعيد: حدثني جابر: كانوا خمس عشرة مائة، الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية. قال أبو داود: حدثنا قرة، عن قتادة. تابعه بن بشار: حدثنا أبو داود: حدثنا شعبة.
وأخرج مسلم طرفه الأخير في كتاب الإمارة قال:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير. قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس. ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم. حدثنا خالد (يعني الطحان). كلاهما يقول: عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر. قال:لو كنا مائة ألف لكفانا. كنا خمس عشرة مائة.
-وفي رواية الوليد بن عبادة الصامت عن جابر، في حديث مسلم الطويل في ذكر غزوة بواط، قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر، ناد الوضوء... و ذكر الحديث بطوله، وأنه لم يجد إلا قطرة في عزلاء شجب، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فغمزه وتكلم بشيء لا أدري ما هو، وقال: ناد بجفنة الركب، فأتيت بها، فوضعتها بين يديه، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده في الجفنة، وفرق أصابعه، وصب جابر عليه، وقال: بسم الله، كما أمره صلى الله عليه وسلم، قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلأت، وأمر الناس بالإستقاء، فاستقوا حتى رووا. فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملائ.
قلت: الطرف الذي أشار إليه من الحديث الذي رواه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، هو:
قال جابر: ـ فأتينا العسكر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر! ناد بوضوء" فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال، قلت: يا رسول الله! ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، في أشجاب له، على حمارة من جريد. قال فقال لي: "انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ؟" قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها. لو أني أفرغه لشربه يابسه. قال: "اذهب فأتني به" فأتيته به. فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو. ويغمزه بيديه. ثم أعطانيه فقال: "يا جابر! ناد بجفنة" فقلت: يا جفنة الركب! فأتيت بها تحمل. فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا. فبسطها وفرق بين أصابعه. ثم وضعها في قعر الجفنة. وقال "خذ. يا جابر! فصب علي. وقل: باسم الله", فصببت عليه وقلت: باسم الله. فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت. فقال: "يا جابر! ناد من كأن له حاجة بماء" قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا. قال فقلت: هل بقي أحد له حاجة. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى....
-وعن الشعبي: أتي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره بإداوة ماء، وقيل: ما معنا يا رسول الله ماء غيرها، فسكبها في ركوة، ووضع إصبعه وسطها، وغمسها في الماء، وجعل الناس يجيئون ويتوضئون ثم يقومون.
قال الترمذي وفي الباب، عن عمران بن حصين...(6/89)
قلت: قول الترمذي هذا أورده بعد حديث أنس حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضئوا منه.. قال فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم قال أبو عيسى وفي الباب عن عمران بن حصين وبن مسعود وجابر وزياد بن الحارث الصدائي وحديث أنس حديث حسن صحيح..
قال القاضي عياض- ومثل هذا في هذه المواطن الحفلة والجموع الكثيرة لا تتطرق التهمة إلى المحدث به، لأنهم كانوا أسرع شيء إلى تكذيبه، لما جبلت عليه النفوس من ذلك، ولأنهم كانوا ممن لا يسكت على باطل، فهؤلاء قد رووا هذا، وأشاعوه، ونسبوا حضور الجماء الغفير له، ولم ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوا وشاهدوه، فصار كتصديق جميعهم له.
الفصل الثالث عشر:
ومما يشبه هذا من معجزاته.
ومما يشبه هذا من معجزاته تفجير الماء ببركته، وانبعاثه بمسه ودعوته فيما روى مالك في الموطأ عن معاذ بن جبل في قصة غزوة تبوك، وأنهم وردوا العين وهي تبض بشيء من ماء مثل الشراك، فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه، وأعاده فيها، فجرت بماء كثير، فاستقى الناس.
-قال ـ في حديث ابن إسحاق: فانخرق من الماء ما له حس كحس الصواعق. ثم قال: يوشك يا معاذ، أن طالت بك حياة أن ترى ها هنا قد مليء جناناً.
قلت: حديث الموطأ رواه مالك في كتاب قصر الصلاة في السفر، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر؛ وهو:
* وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا ثم قال: إنكم ستأتون غدًا أن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي... فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبض بشيء من ماء؛ فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل مسستما من مائها شيئا؟ فقالا نعم.. فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال لهما ما شاء الله أن يقول؛ ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً, قليلاً حتى اجتمع في شيء.. ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فأستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك يا معاذ أن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا"..
ورواه مسلم في كتاب الفضائل قال:حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. حدثنا أبو علي الحنفي. حدثنا مالك (وهو ابن أنس) عن أبي الزبير المكي؛ أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره. أن معاذ بن جبل أخبره.
قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك. فكان يجمع الصلاة. فصلى الظهر والعصر جميعًا. والمغرب والعشاء جميعًا. حتى إذا كان يومًا أخر الصلاة. ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا. ثم دخل ثم خرج بعد ذلك. فصلى المغرب والعشاء جميعًا. ثم قال: "إنكم ستأتون غدًا، إن شاء الله، عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار. فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان. والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. قال فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل مسستما من مائها شيئًا؟" قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً, قليلاً. حتى اجتمع في شيء. قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ووجهه. ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء منهمر. أو قال غزير - شك أبو علي أيهما قال - حتى استقى الناس. ثم قال: "يوشك يا معاذ! أن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا".
-وفي حديث البراء، ومسلمة بن الأكوع ـ وحديثه أتم ـ في قصة الحديبية، وهم أربع عشرة مائة، وبئرها لا تروي خمسين شاة، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها.
قال البراء، و أتي بدلو منها، فبصق فدعا.
وقال سلمة: فإما دعا، وإما بصق فيها، فجاشت، فأرووا أنفسهم وركابهم.
-وفي غير هاتين الروايتين ـ في هذه القصة ـ من طريق ابن شهاب، في الحديبية:
فأخرج سهماً من كنانته، فوضع في قعر قليب ليس فيه ماء؟ فروي الناس حتى ضربوا بعطن.
قلت: حديث البراء، رواه البخاري في كتاب المناقب قال:
حدثنا مالك بن إسماعيل: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه قال:(6/90)
كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء، فمضمض ومج في البئر، فمكثنا غير بعيد، ثم استقينا حتى روينا، وروت أو صدرت ركائبنا.
وفي كتاب المغازي قال:
1- حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كأن فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ، ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
2- حدثني فضل بن يعقوب: حدثنا الحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحراني: حدثنا زهير: حدثنا أبو إسحاق قال: أنبانا البراء بن عازب رضي الله عنهما: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى البئر وقعد على شفيرها، ثم قال:(ائتوني بدلو من مائها). فأتي به، فبصق فدعا ثم قال:(دعوها ساعة). فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا.
قال ابن حجر: والحديبية بئر يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك... قوله فنزحناها كذا للأكثر ووقع في شرح بن التين فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن لا يبقى منه شيء قوله فلم نترك فيها قطرة في رواية فوجدنا الناس قد نزحوها قوله فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء في رواية زهير ثم قال: ائتوني بدلو من مائها قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد في رواية زهير فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله ثم أنها أصدرتنا (أي رجعتنا) يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا وفي رواية زهير فأرووا أنفسهم وركابهم والركاب الإبل التي يسار عليها...
أما الحديث الذي ورد فيه فأخرج سهماً من كنانته: فرواه البخاري. في كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط. قال:
- حدثني عبد الله بن محمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري قال: أخبري عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، حتى كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين). فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا خلأت القصواء، هلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل). ثم قال:(والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها). ثم زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، يتبرضه الناس تبرضًا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه،.(الحديث).
وأخرجه أحمد في المسند قال:... حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضًا فلم يلبثه الناس أن نزحوه فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يج حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضًا فلم يلبثه الناس أن نزحوه فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه علوه فيه قال فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.(6/91)
وقال ابن أبي شيبة: وهذه من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في تكثير المياه ونبعها من الأرض والأشياء ومن بين أصابعه.... قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أترون أن نمضي لوجهنا، ومن صدنا عن البيت قاتلناه، ألم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم، فإن أتبعنا منهم عنق قطعة الله، قالوا: يا رسول الله! الأمر أمرك، والرأي رأيك،.. فتيامنوا في هذا الفعل، فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم فترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم يقال له بلدح، فبركت فقال: حل حل، فلم تنبعث، فقالوا: خلات القصواء، قال: إنها والله ما خلات، ولا هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، أنا والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعوني فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها)، ثم زجرها فوثبت، فرجع من حيث جاء عوده على بدئه، حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربض الناس ماءها تبرضًا، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر رجلاً فغرزه في جوف القليب، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن..
-وعن أبي قتادة ـ وذكر أن الناس شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش في بعض أسفاره، فدعا بالميضأة فجعلها في ضَبْنِه، ثم التقم فمها، فالله أعلم ـ نفث فيها أم لا، فشرب الناس حتى رووا وملئوا كل إناء معهم، فخيل إلي أنها كما أخذها مني، وكانوا اثنين وسبعين رجلاً.
-وروى مثله عمران بن حصين.
-وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح ـ وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممداً لأهل مؤتة عندما بلغه قتل الأمراء:
وذكر حديثاً طويلاً فيه معجزات وآيات للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إعلامهم أنهم يفقدون الماء في غد.
وذكر حديث الميضأة، قال: والقوم زهاء ثلاثمائة.
وفي كتاب مسلم أنه قال لأبي قتادة: احفظ علي ميضأتك، فإنه سيكون لها نبأ.. و ذكر نحوه.
قلت: رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة قال:
*وحدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا سليمان (يعني ابن المغيرة) حدثنا ثابت عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدًا". فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد. قال أبو قتادة: فبينما صلى الله عليه وسلم يسير حتى إبهار الليل وأنا إلى جنبه. قال: فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته. من غير أن أوقظه. حتى اعتدل على راحلته. قال ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته. قال فدعمته من غير أن أوقظه. حتى اعتدل على راحلته. قال ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة. هي أشد من الميلتين الأوليين. حتى كاد ينجفل. فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: "من هذا " قلت: أبو قتادة. قال: "متى كان هذا مسيرك منى؟" قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة. قال: "حفظك الله بما حفظت به نبيه" ثم قال: "هل ترانا نخفى على الناس؟" ثم قال: "هل ترى من أحد؟" قلت: هذا راكب. ثم قلت: هذا راكب آخر. حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب. قال فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق. فوضع رأسه. ثم قال: "احفظوا علينا صلاتنا". فكأن أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره. قال فقمنا فزعين. ثم قال: "اركبوا" فركبنا. فسرنا. حتى إذا ارتفعت الشمس نزل. ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شئ من ماء. قال فتوضأنا منها وضوءا دون وضوء. قال وبقي فيها شئ من ماء. ثم قال لأبى قتادة: "احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ", ثم أذن بلال بالصلاة. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين. ثم صلى الغداة فصنع كما كأن يصنع كل يوم. قال وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه. قال فجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: "أما لكم في أسوة؟ "ثم قال: ليس في النوم تفريط. إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها" ثم قال: "ما ترون الناس صنعوا؟" قال: ثم قال: "أصبح الناس فقدوا نبيهم. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم. لم يكن ليخلفكم. وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا".(6/92)
قال فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شئ. وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا. عطشنا. فقال: "لا هلك عليكم" ثم قال: "أطلقوا لي غمري" قال ودعا بالميضأة. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم. فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا الملأ. كلكم سيروى", قال ففعلوا. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم. حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "اشرب". فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال: "أن ساقي القوم آخرهم شربًا" قال فشربت. وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فأتي الناس الماء جامين رواء.
قال فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع. إذا قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث. فإني أحد الركب تلك الليلة. قال قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم. قال فحدثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته.
-ومن ذلك حديث عمران بن حصين حين أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عطش في بعض أسفارهم، فوجه رجلين من أصحابه، وأعلمهما أنهما يجدان امرأةً بمكان كذا معها بعير عليه مزادتان... الحديث، فوجداها وأتيا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل في إناء من مزادتيها، وقال فيه ما شاء الله أن يقول، ثم أعاد الماء في المزادتين، ثم فتحت عزاليهما، وأمر الناس فملئوا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئاً إلا ملئوه.
قال عمران: و تخيل إلي أنهما لم تزدادا إلا امتلاءً، ثم أمر فجمع للمرأة من الأزواد حتى ملأ ثوبها. وقال: اذهبي، فإنا لم نأخذ من مائك شيئاً، و لكن الله سقانا... الحديث بطوله.
قلت: رواه الشيخان، وهو عند مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة قال:
وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي. حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد. حدثنا سلم بن زرير العطاردي. قال: سمعت أبا رجاء العطاردي عن عمران بن حصين. قال:
كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له. فأدلجنا ليلتنا. حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا. فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس. قال فكان أول من استيقظ منا أبو بكر. وكنا لا نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ. ثم استيقظ عمر. فقام عند نبي الله صلى الله عليه وسلم. فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير. حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال: " ارتحلوا " فسار بنا. حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة. فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا. فلما انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا فلان! ما منعك أن تصلي معنا؟ " قال: يا نبي الله! أصابتني جنابة. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم بالصعيد. فصلى. ثم عجلني، في ركب بين يديه، نطلب الماء. وقد عطشنا عطشًا شديدًا. فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين. فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهاه. أيهاه. لا ماء لكم. قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة. قلنا: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها. فاستقبلنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسألها فأخبرته مثل الذي أخبرتنا. وأخبرته أنها موتمة. لها صبيان أيتام. فأمر بروايتها. فأنيخت. فمج في العزلاوين العلياوين. ثم بعث براويتها. فشربنا. ونحن أربعون رجلا عطاش. حتى روينا. وملأنا كل قربة معنا وإداوة. وغسلنا صاحبنا. غير أنا لم نسق بعيرًا. وهي تكاد تنضرج من الماء (يعني المزادتين) ثم قال: "هاتوا ما كأن عندكم" فجمعنا لها من كسر وتمر. وصر لها صرة. فقال لها: "اذهبي فأطعمي هذا عيالك. واعلمي أنا لم نرزأ من مائك". فلما أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر. أو إنه لنبي كما زعم. كأن من أمره ذيت وذيت. فهدي الله ذاك الصرم بتلك المرأة. فأسلمت وأسلموا.
- ورواه البيهقي في باب التطهر في أواني المشركين إذا لم يعلم نجاسة قال:(6/93)
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشر أن رحمه الله تعالى ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن عوف عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين قال سرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر هو وأصحابه فأصابه عطش شديد فأقبل رجلان من أصحابه أحسبه عليًا والزبير أو غيرهما قال إنكما ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير عليه مزادتان فأتياني بها فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين على البعير فقالا أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ومن رسول الله هذا الصابي. قالا: هو الذي تعنين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فجاءا بها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بعزلاء المزادتين ففتحت ثم أمر الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملئوه قال عمران فكان يخيل إلي أنها لم تزدد إلا امتلاء قال فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بثوبها فبسطت ثم أمر أصحابه فجاءوا من زادهم حتى ملئوا لها ثوبها ثم قال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئًا ولكن الله سقانا... قال فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت جئتكم من أسحر الناس أو إنه لرسول الله حقا قال فجاء أهل ذلك الحواء حتى أسلموا كلهم.
مخرج في الصحيحين من حديث عوف بن أبي جميلة وفيه فكان آخر ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء فقال اذهب فأفرغه عليك وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها.
-وعن سلمة بن الأكوع: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل من وضوء؟ فجاء رجل بإداوة فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا نُدَغْفِقُه دغْفقةً أربع عشرة مائة... الحديث بطوله .
قلت: رواه مسلم عن إياس بن سلمة عن أبيه؛ في كتاب اللقطة، باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت، والمؤاساة فيها؛ قال:
حدثني أحمد بن يوسف الأزدي. حدثنا النضر(يعني ابن محمد اليمامي). حدثنا عكرمة(وهو ابن عمار). حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه، قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة. فأصابنا جهد. حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا. فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا. فبسطنا له نطعا. فاجتمع زاد القوم على النطع. قال: فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحزرته كربضة العنز. ونحن أربع عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعًا. ثم حشونا جربنا. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم (فهل من وضوء؟) قال: فجاء رجل بإداوة له، فيها نطفة. فأفرغها في قدح. فتوضأنا كلنا. ندغفقه دغفقة. أربع عشرة مائة.
قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرغ الوضوء).
ورواه ابن خزيمة في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، باب إباحة الوضوء من فضل وضوء المتوضىء؛ قال:
أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أخبرنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا فِي الْقَوْمِ طَهُورٌ؟ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ بِفَضْلِ مَاءٍ فِي إِدَاوَةٍ، قَالَ: فَصَبَّهُ فِي قَدَحٍ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ثُمَّ أن الْقَوْمَ أَتَوْا بَقِيَّةَ الطَّهُورِ، فَقَالَ: تَمَسَّحُوا بِهِ، فَسَمِعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي الْقَدَحِ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: أَسْبِغُوا الطُّهُورَ، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِي أَذْهَبَ بَصَرِي، قَالَ: (وَكان قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ) لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ حَتَّى تَوَضَّئُوا أَجْمَعُونَ قَالَ عَبِيدَةُ: قَالَ الأَسْوَدُ: حَسِبْتُهُ قَالَ: كُنَّا مِائَتَيْنِ أَوْ زِيَادَةً.
-وفي حديث عمر ـ في جيش العسرة: وذكر ما أصابهم من العطش، حتى أن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه فيشربه، فرغب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت، فملئوا ما معهم من آنية، ولم تجاوز العسكر.
قلت: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب ذكر الدليل على أن الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجس.(6/94)
- أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا فادع لنا..فقال: أتحب ذلك؟ قال نعم.. فرفع يده فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلمت ثم سكبت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر... قال أبو بكر فلو كان ماء الفرث إذا عصر نجسًا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينجس بعض بدنه وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه, فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك الماء فجائز إحياء النفس بشرب ماء نجس إذ الله عز وجل قد أباح عند الاضطرار إحياء النفس بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير إذا خيف التلف إن لم يأكل ذلك والميتة والدم ولحم الخنزير نجس محرم على المستغني عنه مباح للمضطر إليه لإحياء النفس بأكله فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيي نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه فأما أن يجعل ماء نجسًا على بعض بدنه والعلم محيط أنه أن لم يجعل ذلك الماء النجس على بدنه لم يخفف التلف على نفسه ولا كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه إحياء نفسه بذلك ولا عنده ماء طاهر يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء فهذا غير جائز ولا واسع لأحد فعله.
ورواه ابن سعد في طبقات...ومنه:
أن الرجلين والثلاثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد وأصابهم عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا ماءها.
-وعن عمر بن شعيب ـ أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو رديفه بذي المجاز: عطشت وليس عندي ماء، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب بقدمه الأرض، فخرج الماء، فقال: اشرب.
والحديث في هذا الباب كثير، ومنه الإجابة بدعاء الاستسقاء وما جانسه.
قلت: أشار القاضي عياض رحمه الله إلى الحديث المتفق عليه والذي رواه البخاري في كتاب الاستسقاء باب: الاستسقاء في المسجد الجامع.قال:
* حدثنا محمد قال: أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال:حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر: أنه سمع أنس بن مالك يذكر:
أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال:(اللهم اسقينا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا). قال أنس: لا والله، ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، ولا شيئًا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس ستًا. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول الله يديه، ثم قال:(اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال، والآجام والظراب، والأودية ومنابت الشجر). قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس.
قال شريك: فسألت أنسًا: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري.
وفي باب: الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة.
* حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك، عن أنس بن مالك:
أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة، من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال:(اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا). قال أنس: ولا والله، ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. فلا والله ما رأينا الشمس ستًا. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة - يعني الثانية - ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله يديه، ثم قال:(اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر). قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.
قال شريك: فسألت أنسًا بن مالك: أهو الرجل الأول؟ فقال: لا أدري.
وفي باب: الاستسقاء على المنبر.(6/95)
* حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذا جاءه رجل فقال: يا رسول الله، قحط المطر، فادع الله أن يسقينا. فدعا، فمطرنا، فما كدنا أن نصل إلى منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة. قال: فقام ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يصرفه عنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم حولينا ولا علينا). قال: فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينًا وشمالاً، يمطرون ولا يمطر أهل المدينة.
وأخرجه مسلم في كتاب صلاة الاستسقاء باب الدعاء في الاستسقاء.قال:
* حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر(قال يحيى: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا إسماعل بن جعفر) عن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك
أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة. من باب كأن نحو دار القضاء. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا. ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل. فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: " اللهم أغثنا... اللهم أغثنا... اللهم أغثنا ". قال أنس: ولا والله! ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة. وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال فطلعت من و رائه سحابة مثل الترس. فلما توسطت السماء انتشرت. ثم أمطرت. قال: فلا والله! ما رأينا الشمس ستًا. قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فاستقبله قائمًا. فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل. فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: "اللهم حولنا ولا علينا... اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر" فانقلعت. وخرجنا نمشى في الشمس. قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدرى.
* وحدثنا داود بن رشيد. حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي. حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك. قال: أصابت الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة. إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال وجاع العيال. وساق الحديث بمعناه. وفيه قال: "اللهم حوالينا ولا علينا" قال: فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت. حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة. وسال وادي قناة شهرًا. ولم يجيء أحدًا من ناحية إلا أخبر بجود.
* وحدثني عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن أبي بكر المقدمي. قالا: حدثنا معتمر. حدثنا عبيد الله عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك. قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة. فقام إليه الناس فصاحوا. وقالوا: يا نبي الله! قحط المطر، واحمر الشجر، وهلكت البهائم وساق الحديث. وفيه من رواية عبد الأعلى: فتقشعت عن المدينة. فجعلت تمطر حواليها. وما تمطر بالمدينة قطرة. فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الأكليل.
* وحدثناه أبو كريب. حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، بنحوه. وزاد: فألف الله بين السحاب. ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله.
* وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا ابن وهب.حدثني أسامة؛ أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول:
جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وهو على المنبر وإقتص الحديث. وزاد: فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى.
* وحدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني، عن أنس. قال: قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر. قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه. حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى".
--------------------
21. ... البرق بين العلم الحديث والكلام النبوي الشريف
البرق بين العلم الحديث والكلام النبوي الشريف
Lightning Between Science and Prophet Speech
بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
ملخص البحث
يتضمن هذا البحث كشفاً جديداً في الإعجاز العلمي في السنَّة النبويَّة المطهَّرة، وذلك في حديث المرور على الصراط يوم القيامة، فأسرعُ الناس يمرّ كالبرق، وآخرهم يزحف زحفاً. هذا الحديث الشريف ينطوي على معجزة علمية في قول الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]. ومن خلال البحث في المعنى اللغوي الذي يحمله هذا الحديث العظيم، ومقارنة ذلك بآخر ما وصل إليه العلم في مجال هندسة البرق، تبيَّن لنا التطابق التام والكامل بين الكلام النبوي الشريف، وبين ما كشفه العلماء مؤخراً من عمليات معقدة ودقيقة جداً تحدث في ومضة البرق.(6/96)
فقد بينت التجارب الجديدة أن أي ومضة برق ليست مستمرة كما نراها، بل تتألف من عدة أطوار، أهمها طور المرور وطور الرجوع، أي ما يسميه العلماء اليوم بـ "القائد المارّ" Stepped Leaderوهو الشعاع الذي يمر ويخطو من الغيمة باتجاه الأرض، و"الضربة الراجعة" Return Strokeوهي الشرارة التي ترجع باتجاه الغيمة. أي أن شعاع البرق يمرّ ثم يرجع خلال زمن غير مدرك بالعين، وهذا الزمن يقدر وسطياً بعشرات الأجزاء من الألف من الثانية.
وفي هذا البحث سوف نرى بأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد تحدّث بدقة بالغة عن هذه الأطوار والمراحل بل وحدَّد زمنها أيضاً! وكلّ هذا في ما لا يتجاوز عدة كلمات، بل إن الحديث الذي سنتناوله بالدراسة والتحليل العلمي، يؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من تحدَّث عن سرعة البرق بوضوح كامل، وهو أول من تحدَّث عن الآلية الهندسية الدقيقة للعمليات الفيزيائية التي تحدث في البرق، وأول من حدّد زمن هذه العمليات التي لا تدركها أعيننا.
مقدمة
الحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإيمان، ومنَّ علينا بهذا النبي الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام وبعد:
فإن الحديث عن ظاهرة البرق ظل مرتبطاً بالخرافات والأساطير لآلاف السنين، وفي الزمن الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي في القرن السابع الميلادي لم يكن لأحد علم بالعمليات الدقيقة التي تحدث داخل البرق. ولكن الذي لا ينطق عن الهوى والذي أرسله الله رحمة للعالمين حدثنا عن هذه العمليات بكلمات قليلة في قوله عليه الصلاة والسلام: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]. ففي هذه الكلمات معجزة علمية شديدة الوضوح، خصوصاً إذا علمنا أن العلماء يستخدمون نفس الكلمة النبوية من خلال تعبيرهم عن طوري المرور والرجوع، وأن هذين الطورين يستغرقان مدة من الزمن تساوي تماماً الزمن اللازم لطرفة العين!
لقد بدأتُ بتأمل الحديث الشريف، وبدأتُ معه رحلة في عالم المكتشفات العلمية وآخر ما توصل إليه العلماء من حقائق يقينية ثابتة حول هذه الظاهرة الجميلة والمخيفة. هذه الظاهرة ظلَّت مستعصية الفهم أمام العلماء لقرون طويلة، وبالرغم من التطور العلمي والتقني الذي نراه اليوم، إلا أن الآلية الدقيقة لحدوث البرق لم تزل غامضة (1). ولكن في السنوات القليلة الماضية استطاع العلماء فهم الخطوط العريضة لهندسة البرق والعمليات الفيزيائية الأساسية التي تحدث خلاله.
ومن خلال هذا البحث سوف نثبت أن الإنسان لا يمكنه أبداً أن يلاحظ بالعين المجردة هذه الأطوار، والسبب هو أن الزمن اللازم لكل طور يقاس بأجزاء من الألف من الثانية، وبالطبع لا تستطيع العين أن تحلّل المعلومات القادمة إليها خلال زمن كهذا، وهذا يثبت أن الرسول الكريم يحدثنا عن أشياء لم نتمكَّن من رؤيتها إلا بأجهزة التصوير المتطورة والتي تلتقط أكثر من ألف صورة في كل ثانية(2).
هنالك عمليات تحدث داخل البرق وهي محلّ اتفاق من قبل جميع العلماء، ويمكن رؤيتها اليوم بفضل هذه الكاميرات الرقمية المتطورة، كما يمكن اعتبار هذه العمليات كحقائق يقينية لا شكّ فيها. وعلى الرغم من التطور التقني الكبير لهذه الأجهزة تبقى المراحل الدقيقة للبرق لغزاً محيراً للعلماء.
ففي ظل الظروف السائدة داخل شعاع البرق لا يمكن لأي جهاز أن يتحمل ضخامة الحرارة والتوتر العالي جداً. فدرجة الحرارة تصل إلى 30 ألف درجة مئوية، أي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس! ويصل التوتر الكهربائي إلى ملايين الفولتات، وبالتالي تُعتبر دراسة البرق من أصعب أنواع الدراسة وأكثرها تعقيداً، لأن زمن المراحل التي تشكل ومضة البرق من مرتبة المايكرو ثانية، أي جزء من المليون من الثانية، وهذه صعبة الإدراك.
سوف نرى معجزة نبوية أيضاً في هذا الحديث تتمثل في إشارة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام إلى سرعة البرق وأنه يستغرق زمناً ليمر، وليس كما كان الاعتقاد السائد أن البرق يقطع أي مسافة دون الحاجة إلى زمن بل بلمح البصر. فصحَّح هذا النبي الكريم المعتقد الخاطئ بكل صراحة ووضوح.
إنه بحق حديث يفيض بالمعجزات، ولو كان هذا الحديث من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أو أصحابه إذن لامتزج بخرافات وأساطير عصره، وهذا يدلّ على أن كل كلمة نطق بها سيد البشر وخير الخلق هي وحيٌ من عند خالق البرق سبحانه وتعالى، وأن الله أعطى الرسول الكريم القرآن وأعطاه مثله معه، والمعجزة التي سنراها في هذا البحث تثبت أن الرسول على حق وأن الإسلام دين علم وليس كما يدعي أعداؤه أنه دين تخلف وأساطير!(6/97)
وسوف نرى أيضاً التطابق الكامل بين ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي، وبين ما توصل إليه العلماء في القرن الحادي والعشرين. وأن هذا الحديث الشريف هو من دلائل نبوّة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأنه حقاً كما وصفه الله تعالى بقوله:(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].
حقائق تاريخية
ظلت ظاهرة البرق حدثاً مخيفاً ومحيِّراً للعلماء على مدى قرون طويلة، ونُسجت الأساطير الكثيرة حول منشأ البرق وتأثيراته، فكل حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث مقدس يرتبط بالآلهة، وكل حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير لهذا الحدث المرعب. ففي الميثولوجيا الإغريقية مثلاً كان البرق هو سلاح الإله زيوس، الذي استخدمه لقتل أعدائه(3). على حد زعمهم المفترى.
ثم جاء العصر الحديث عندما قام العلماء بتجارب متعددة منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي وحتى يومنا هذا، أي على مدى أكثر من قرنين ونصف، قام خلالها العلماء بآلاف التجارب في سبيل فهم هذه الظاهرة المحيرة، والتي لا تزال التفاصيل الدقيقة مجهولة تماماً بالنسبة لنا حتى الآن.
ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر قام بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin بأول تجربة علمية منظّمة أثبت من خلالها الطبيعة الكهربائية للبرق، وأن البرق ما هو إلا شرارة كهربائية ناتجة عن التقاء شحنتين كهربائيتين متعاكستين. فقد قام هذا العالم بربط سلك من الحرير إلى طائرة ورقية وأرسله عالياً أثناء وجود غيوم كثيفة وممطرة، أي أثناء وجود عاصفة رعدية، وربط نهاية السلك بقضيب معدني وغلفه بعازل من الشمع لكي لا تتسبب الشرارة القوية بقتله.
وقد نجحت التجربة، وعندما قرَّب القضيب من الأرض انطلقت شرارة قوية تشبه شرارة البرق، فأثبت بذلك هوية البرق الكهربائية وآلية حدوثه، ولكن النتائج التي حصل عليها كانت متواضعة جداً ولم يستطع إدراك العمليات الدقيقة التي تسبب هذه الشرارة القوية.
أما الفيزيائي السويدي رتشمان G. W. Richmann, والذي قام بتجربة أثبت فيها أن الغيوم الرعدية تحوي شحنات كهربائية، وقد قُتِل بسبب صدمة البرق التي تعرض لها أثناء قيامه بالتجارب. واستمرت التجارب، ولكن المعرفة بالبرق بقيت متواضعة حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما أصبح التصوير الفوتوغرافي ممكناً، عندها أصبح بإمكان العلماء التقاط صور لومضات البرق ومن ثم تحليلها ومعرفة بعض تفاصيلها التي لا تدركها عين الإنسان.
ولكن أجهزة التصوير كانت بطيئة وبقيت العمليات الدقيقة التي ترافق ظاهرة البرق مجهولة حتى الستينات من القرن العشرين، حيث تطورت التجارب وازداد الاهتمام بها لتجنب صدمات البرق التي تتعرض لها المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت الصناعية. وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب الفضائية والرادارات والحاسوب لمعالجة ودراسة البيانات التي قدمتها مختبرات مراقبة البرق (4).
وقد استطاع العلماء أخيراً بفضل التصوير فائق السرعة والمعالجة الرقمية للبيانات أن يثبتوا أن ومضة البرق الواحدة قد تتألف من عدة ضربات، وكل ضربة تتألف من عدة مراحل أو أطوار. وقد تم قياس الأزمنة لكل مرحلة بدقة كبيرة، ورؤية هذه المراحل، ولم يتحقق هذا إلا في نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين.
أنواع البرق
قبل البدء بالتعرف على أسرار البرق وتفاصيله الدقيقة نود أن نعرِّف القارئ الكريم بأهم أنواع البرق والتي قد لا تخطر بباله، لبيان مدى تعقيد هذه الظاهرة والتنوع الكبير في ضربات البرق، فالبرق يمكن أن يضرب في أي مكان على الأرض أو في السماء.
يحدث البرق على عدة أنواع حسب مكان وجود الشحنتين الموجبة والسالبة. وقد دلّت الإحصائيات الحديثة أنه في كل ثانية هنالك مئة ضربة برق على سطح الكرة الأرضية (Uman,1984). وجميع هذه الضربات متشابهة من حيث آلية الحدوث وزمنه.
أكثر الأنواع شيوعاً وأهمية هو البرق الناتج من التقاء شحنتين متعاكستين بين الغيمة والأرض. فغالباً ما تكون الغيمة ذات شحنة سالبة عند الجهة القريبة من الأرض، أما سطح الأرض فيكون ذا شحنة موجبة، ويسمي العلماء هذا النوع "غيمة-أرض" أي Cloud-Groundواختصاراً يرمز لهذا النوع بالحرفين CG.
أما النوع الثاني فهو ما يحدث بين الغيمة وغيمة أخرى، وبما أن الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالحقول الكهربائية فإن احتمال تلامس الشحنات المتعاكسة والتقائها كبير جداً، ولذلك فإن هذا النوع يمثل ثلاثة أرباع ضربات البرق، والتي تقدر كما قلنا بمئة ضربة في كل ثانية وذلك في مختلف أنحاء العالم. ويعرف هذا النوع ببرق "غيمة-غيمة" أي Cloud-Cloudويرمز له بالحرفين CC.(6/98)
أما النوع الثالث فهو ما يحدث بين الغيمة والهواء. حيث تكون الغيمة محمّلة بشحنة كهربائية، والهواء المحيط بها من أحد جوانبها يحمل شحنة معاكسة. ويعرف هذا النوع بـ "غيمة-هواء" أي Cloud-Airويرمز له بالرمز CA.
البرق من الفضاء
البرق بين الغيمة وطبقات الجو العليا، ويحدث هذا البرق بين الطبقات العليا في الغيوم وبين طبقة الأيونوسفير والتي تحوي حقلاً كهربائياً، وقد أمكن رؤية برق كهذا بواسطة أجهزة التصوير المثبتة على الأقمار الاصطناعية (5).
وهنالك أنواع أخرى كثيرة نذكر منها ما يحدث داخل الغيمة ذاتها، وإذا علمنا بأن أية غيمة تحمل شحنة موجبة في أحد طرفيها، فلا بد أن تحمل شحنة سالبة في طرفها المقابل، وهكذا وفي ظروف العواصف الرعدية يحدث التلامس ويتحقق البرق الذي يضيء الأرض ولكنه لا يصل إليها.
هنالك أيضاً البرق الناتج بين غيمة وهدف على الأرض، مثل شجرة أو بيت أو عمود كهرباء. وفي جميع هذه الأنواع تتم المراحل ذاتها، بنفس المرور والرجوع لشعاع البرق، وبنفس السرعة ونفس الزمن.
كما أن العلماء يعددون أنواعاً لا يمكن إحصاؤها من البرق، مثل كرة البرق، والبرق الصيفي، وهو ما يحدث في أشهر الصيف، والبرق الموجب والبرق السالب، والبرق الصفائحي، وغير ذلك كثير(6). كما أن العلماء رصدوا ضربات برق على بعض الكواكب مثل المشتري وكانت أشد بمئة مرة من تلك الضربات على الأرض [2].
الغيوم الرعدية
إن البرق لا يحدث في أية غيوم، بل هنالك غيوم محددة يسميها العلماء بالغيوم الرعدية، وهي البيئة المناسبة لحدوث البرق، وقد تكون هنالك غيمة واحدة أو عدة غيوم وهو الأغلب. وهذه الغيوم تكون عادة ممتلئة بالحقول الكهربائية بسبب الرياح التي تسوق جزيئات بخار الماء وتدفعه للأعلى وتسبب احتكاك هذه الجزيئات بعضها ببعض مما يولد هذه الحقول الكهربائية. فنجد أن الغيمة تتجمع فيها بنفس الوقت شحنات سالبة وأخرى موجبة، وغالباً ما ترتفع الشحنات الموجبة للأعلى وتبقى السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من الأرض.
إن ضربات البرق ما هي إلا تفريغ للكهرباء الموجودة على الغيوم، فلذلك يعمل البرق كصمام أمان، لأن هذه الشحنات العملاقة إذا زادت كثيراً فإنها تؤدي إلى تكهرب الجو بكامله؛ تماماً مثل البطارية إذا ظللنا نشحنها فإنها ستنفجر في النهاية. فسبحان الله!
حقائق وأرقام
ولكي نأخذ فكرة أوسع عن البرق الذي يحدث على الأرض نتأمل هذه الإحصائيات (7):
ـ في كل ثانية هنالك مئة ومضة برق في العالم.
ـ وفي كل يوم هنالك 8,6 مليون ضربة برق.
ـ وفي سنة واحدة يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية فقط 20 مليون ضربة برق.
ـ كل ومضة برق تولد توتراً يتراوح من 100 مليون وحتى 1000 مليون فولت.
ـ كل ومضة برق تنتج تياراً من 10 آلاف أمبير وحتى 200 ألف أمبير.
ـ إذا نظرنا للكرة الأرضية في أية لحظة نرى فيها 2000 عاصفة رعدية تحدث في نفس اللحظة.
العمليات الدقيقة داخل البرق
نعلم من قوانين الكهرباء أنه عندما تلتقي الشحنات المتعاكسة ينتج عنها ومضة أو شرارة كهربائية، وهذا ما يحدث في البرق. فالغيوم تتكون نتيجة تجمع جزيئات البخار المرتفع من الأرض، هذه الجزيئات تكون محمَّلة بشحنات كهربائية موجبة وسالبة نتيجة تفاعلها واحتكاكها واصطدامها، وكما قلنا غالباً ما تكون الشحنات السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من الأرض، وذلك بسبب تأثير الجاذبية التي تقوم بدورها في توزيع الشحنات، وتكون الشحنة الموجبة في أعلى الغيمة، وهذا يحدث في ما يسمى بالغيوم الرعدية التي تسبب البرق دائماً.
إن الشحنة الكهربائية أو ما يسمى بالكهرباء الساكنة هي تماماً ما نحسّ به عندما نلمس قبضة الباب بعد احتكاك أقدامنا بالسجادة، أو عندما نلمس شاشة الكومبيوتر أحياناً فنحسّ بلدغة كهرباء خفيفة، وما هي إلا عبارة عن شرارة برق مصغرة! وعندما نجري تلامساً بين سلكين كهربائيين أحدهما موجب والآخر سالب فإننا نرى شرارة تتولد بينهما.
عندما يكون هنالك زيادة في عدد الإلكترونات ذات الشحنة السالبة فهذا يعني وجود حقل كهربائي سالب، أما عند زيادة عدد البروتونات الموجبة فهذا يعني وجود شحنة أو حقل كهربائي موجب.(6/99)
وعندما تتجمع كميات مناسبة من الإلكترونات في أسفل الغيمة تنتقل هذه الشحنات السالبة بواسطة الهواء الرطب الموجود بين الغيمة وسطح الأرض، وتقترب من سطح الأرض ذي الشحنة الموجبة، ينطلق شعاع البرق القادم من الغيمة وتتشكل قناة دقيقة جداً في قاعدة الغيمة. وبسبب وجود حقل كهربائي بين الغيمة والأرض ينطلق ما يسميه العلماء الشعاع "القائد Leader" باتجاه الأرض، وهذا الشعاع الذي يمرّ ويخطو بخطوات متتالية هو أول مرحلة من مراحل البرق. وعندما يصل هذا القائد إلى الأرض وبفعل الحقل السالب الذي يحيط به يجذب إليه الشحنات الموجبة الموجودة بالقرب من سطح الأرض، وتتحرك هذه الشحنات الموجبة باتجاه الشعاع القائد وتصطدم به على ارتفاع عشرات الأمتار عن سطح الأرض، وتتشكل قناة اتصال بين الغيمة والأرض.
وعندها تنهار عازلية الهواء ويصبح ناقلاً للكهرباء ويتولد تيار كهربائي قوي ينير على شكل ومضة باتجاه الأعلى، ويدعى طور الرجوع Return Stroke ، وهذه الضربة الراجعة هي ما نراه فعلاً لأن معظم الضوء يتولد عنها. وهذه الضربة الراجعة تستغرق أقل من 100 مايكرو ثانية وتُنتج التيار الراجع والذي يقدر ب 30 ألف أمبير.
وبعد ذلك تمر فترة توقف مدتها من 20 وحتى 50 ميلي ثانية ثم تتكرر العملية من جديد باستخدام نفس القناة التي تم تأسيسها من قبل، وهكذا عدة ضربات. وقد تكون ومضة البرق مفردة أو متعددة حسب كمية الشحنات المتوفرة بين الغيمة والأرض، وحسب الظروف الجوية السائدة. وقد يصل عددها إلى عشر ضربات متتالية وسريعة ولكننا نراها ومضة برق واحدة ولا ندرك مرور ورجوع البرق بأعيننا (8).
قد يحدث العكس أحياناً، فتأتي الشحنة الموجبة من الغيمة باتجاه الشحنة السالبة للأرض، وتتولد الومضة الموجبة وهذه تكون وحيدة وعنيفة ولا يتبعها ضربات أخرى.
في أقل من نصف ثانية تحدث 3-4 ضربات برق كلها نراها في ومضة برق واحدة. ويمكن أن يصل التيار الناتج من الضربة الراجعة إلى 200 ألف أمبير، وتسير الضربة الراجعة بسرعة تصل إلى نصف سرعة الضوء (9).
البرق خطوة خطوة
لكي نسهل رؤية ما يحدث تماماً في البرق نستعين بالرسوم التوضيحية (10). وهذه الرسوم هي تقريب لما يحدث، والواقع أن ضخامة وسرعة العمليات الخاطفة في شرارة البرق لا يمكن إدراكها أبداً.
1- يبدأ البرق بالخطوة الأولى المتمثلة بانطلاق شعاع يسميه العلماء بالقائد، Leaderوهذا الشعاع لا ينزل دفعة واحدة، بل يمرّ مروراً على شكل خطوات. وغالباً ما تكون شحنة هذا الشعاع سالبة أما شحنة الأرض فهي موجبة.
* الخطوة الأولى: تبدأ شحنة سالبة دقيقة تدعى القائد المارّ بالانطلاق من الغيمة باتجاه الأرض على خطوات طول كل منها 50 متراً بزمن 1 مايكرو ثانية، ويتفرع هذا الشعاع إلى عدة فروع ويحمل بحدود 100 مليون فولت، ويأخذ فترة توقف بين الخطوة والأخرى مقدارها 50 مايكرو ثانية، ويبقى يتقدم حتى يجد هدفاً ليصطدم به، وإلا فيرجع ويعيد الكرة. ويتألف الشعاع الواحد من عشرة آلاف خطوة!!
2- ثم تأتي الخطوة الثانية ليصل هذا الشعاع إلى هدفه على الأرض ويصطدم مع شحنتها الموجبة، ويحدث التصادم عادة فوق سطح الأرض على ارتفاع عشرات الأمتار.
* الخطوة الثانية: حالما يصل الشعاع القائد إلى الأرض يبدأ بجذب الشحنة الموجبة على سطح الأرض، وبسبب الشحنة الضخمة التي يحملها هذا الشعاع فإنه يؤسس قناة من الأرض للغيمة والتي ستجري داخلها الشحنات، ويحدث اللقاء بين الشحنتين على ارتفاع 30-100 متر فوق سطح الأرض.
3- أما الخطوة الثالثة ففيها يبدأ تدفق الشحنة السالبة من الغيمة باتجاه الأرض، وذلك على طول القناة التي أسسها الشعاع القائد.
* الخطوة الثالثة: وفيها تبدأ الشحنة السالبة بالتدفق إلى الأرض، وتجذب إليها الشحنة الموجبة من الأرض.
4- فيما بعد تتم أهم خطوة وهي الضربة الراجعة من الأرض باتجاه الغيمة، ومع أننا نظن بأن البرق يتجه من الغيمة إلى الأرض، إلا أن الحقيقة هي أن الشعاع يتجه من الأرض راجعاً باتجاه الغيمة، ولكن سرعة العملية تجعلنا نرى العكس.
* الخطوة الرابعة: تبدأ الضربة الراجعة على شكل موجه موجبة بسرعة أكثر من 100 ألف كيلو متر في الثانية، بالتوجه نحو الأعلى وينتج تيار كهربائي الذي يستغرق 1 مايكرو ثانية للوصول إلى 30 ألف أمبير وسطياً، وتنتج هذا البرق الراجع أكثر من 99% من إضاءة البرق وهو ما نراه فعلاً أي نرى رجوع البرق من الأرض باتجاه الأعلى.
5- وأخيراً تنتهي ضربة البرق بصعود الشعاع الراجع إلى الغيمة، وتكون هنالك فترة توقف تقدر بعشرات الأجزاء من الألف من الثانية، ثم ترجع الضربة لتتكرر من جديد بنفس الخطوات، وهكذا يمكن أن تتكرر ضربة البرق عدداً من المرات لتعطي ومضة واحدة. وقد تم تسجيل 47 ضربة برق في ومضة واحدة، إن الزمن الفاصل بين الضربات هو عشرات الأجزاء من الألف من الثانية(11).(6/100)
* الخطوة الخامسة: بعد عودة الشعاع الراجع هنالك فترة توقف 20-50 ميلي ثانية، فإذا توفرت شحنات كافية في الغيمة فإن هذه الضربة ترجع وتتكرر وتستخدم نفس القناة التي تم تأسيسها من قبل.
والآن وبعدما رأينا نتائج وأبحاث وتجارب استمرت قرنين ونصف من الزمن، وبعدما رأينا علماء أفنوا حياتهم ومنهم من مات في سبيل معرفة هوية البرق وأطواره ومراحله، وكم من الأموال قد صرفت في سبيل التعرف على ضربة برق لا يتجاوز زمنها طرفة العين! نأتي بعد هذه الحقائق العلمية لنرى الحقائق النبوية، ونعيش رحلة ممتعة مع كلام النبي الأميّ الذي علّم العلماء، ونقارن ونتدبر، ونتساءل: أليس هذا الحديث الشريف يطابق ويوافق مئة بالمئة ما توصل إليه العلماء اليوم؟!
حديث يفيض بالمعجزات
تحدث الرسول الأعظم عليه صلوات الله وسلامه عن يوم القيامة ومرور الناس على الصراط، وعن سرعة مرور كل منهم حسب عمله في الدنيا. فأحسنُهم عملاً هو أسرعُهم مروراً على الصراط، وهذا هو سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول على لسان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم: (فيمرُّ أوَّلكم كالبرق)! فيقول أبو هريرة: بأبي أنت وأمي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال عليه الصلاة والسلام:(ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟)[رواه مسلم] (12).
الإشارة الأولى
الواضح من خلال هذا الحديث أن الصحابي راوي الحديث رضوان الله عليه استغرب من تعبير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حول مرور البرق وحركته وسرعته. فقد كانوا يظنون أن البرق والضوء لا يحتاج إلى زمن ليمرّ! بل لم يكن أحد يتخيل أن للضوء سرعة! فقد كانوا يعتقدون أن الضوء يسير بلمح البصر، ولذلك قال هذا الصحابي الجليل: (بأبي أنت وأمي أي شيء كمرِّ البرق؟)! فقد تعجب من قوله عليه الصلاة والسلام (كمرّ البرق) إذ لم يكن يتصوّر أن البرق يمرّ ويتحرك ويسير!!
وهذه هي أول إشارة نلمسها في الحديث الشريف إلى أن البرق يسير بسرعة محددة. ففي قوله صلى الله عليه وسلم: (فيمرُّ أوَّلكم كالبرق)، إشارة واضحة جداً إلى وجود زمن لمرور وتحرك البرق! وكما قلنا كان الاعتقاد السائد وحتى زمن قريب هو أن البرق والضوء لا يحتاجان لزمن ليمرّا. ولكن الحقائق العلمية التي رأيناها في هذا البحث تثبت أن البرق يمرّ ويخطو ويتحرك. وكما رأينا تسير الضربة الراجعة بسرعة أكثر من مئة ألف كيلو متر في الثانية. ومع أننا لا ندرك هذه السرعة بأبصارنا إلا أن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام حدثنا عنها وأشار إليها في قوله (كيف يمرُّ ويرجع).
الإشارة الثانية في هذا الحديث الشريف
وتتضمن آلية مرور البرق ورجوعه في قوله عليه الصلاة والسلام: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟)،وهذا ما كشفه العلم مؤخراً. فقد انتهى العلماء كما شاهدنا من خلال الحقائق الواردة إلى أن البرق ما هو إلا شرارة كهربائية ضخمة، هذه الشرارة تحدث نتيجة تلامس الشحنة الكهربائية السالبة الموجودة في الغيمة مع الشحنة الكهربائية الموجبة الموجودة في الأرض، وأن هنالك طورين رئيسيين لا يمكن لومضة البرق أن تحدث من دونهما أبداً، وهما طور المرور وطور الرجوع.
وتأمل معي هذه المصطلحات العلمية، فكلمة "Step" التي يستخدمها العلماء للتعبير عن المرحلة الأولى تعني "يخطو أو يمر"، وكذلك كلمة "Return" والتي يستخدمها العلماء للتعبير عن طور الرجوع تعني "يرجع"، بما يتطابق مع التعابير النبوية الشريفة!! وهذا يدل على دقة الكلام النبوي الشريف ومطابقته للحقائق العلمية بشكل كامل. ولكن ماذا يعني أن يستخدم العلماء اليوم التعابير النبوية ذاتها؟
إنه يعني شيئاً واحداً ألا وهو أن الرسول الكريم حدثنا عن حقائق يقينية وكأننا نراها، وذلك قبل أن يراها علماء عصرنا هذا. ويدل أيضاً على إعجاز غيبي في كلام هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام. فم الذي أخبره بأن العلماء بعده بأربعة عشر قرناً سيستخدمون هذه الكلمات؟؟ ولو كان الرسول الأعظم كما يدَّعون أنه تعلَّم هذه العلوم من علماء عصره، إذن لجاءنا بالأساطير والخرافات السائدة والتي كان يعتقد بها علماء ذلك الزمان!!
الإشارة الثالثة
هنالك إشارة رائعة في الحديث النبوي إلى الزمن اللازم لحدوث البرق، فقد حدده الرسول الأعظم عليه وآله الصلاة والسلام بطرفة عين! والعمل الذي قمت به ببساطة أنني بحثت في اكتشافات العلماء وقياساتهم الحديثة للزمن الذي تستغرقه موجة البرق ذهاباً وإياباً أي كم يستغرق البرق ليمرّ ويرجع؟ فوجدت بأن الزمن هو أجزاء قليلة من الثانية، ويختلف هذا الزمن من مكان لآخر ومن وقت لآخر، ومتوسط زمن البرق هو عشرات الأجزاء من الألف من الثانية (13).(6/101)
وبدأت أتساءل: هل هنالك علاقة بين الزمن اللازم لضربة البرق، وبين الزمن اللازم لطرفة العين؟ وإذا كانت الأزمنة متساوية إذن يكون الحديث الشريف قد حدَّد زمن ضربة البرق قبل العلماء بأربعة عشر قرناً. وكانت المفاجأة وهي أنني عندما بحثت عن زمن طرفة العين والمدَّة التي تبقى فيها العين مغلقة خلال هذه الطرفة، وجدتُ بأن الزمن هو أيضاً عشرات الأجزاء من الألف من الثانية!!! وهو نفس الزمن اللازم لضربة البرق (14).
ووجدتُ بأن زمن ضربة البرق يختلف من غيمة لأخرى حسب بعدها عن الأرض وحسب الظروف الجوية المحيطة، ولكن هذا الزمن يبقى مقدراً بعدة عشرات من الميلي ثانية، وكذلك الزمن اللازم لطرفة العين يختلف من إنسان لآخر حسب الحالة النفسية والفيزيولوجية، ولكنه أيضاً يبقى مقدراً بعدة عشرات من الميلي ثانية.
وسبحان الله! ما هذه الدقة في تحديد الأزمنة؟ أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزمن والمجال الذي يتراوح ضمنه هذا الزمن، فهل بعد هذا الإعجاز كلام لأحد بأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معجزة من الناحية العلمية والكونية؟
ردّ على شبهة
وقد يدعي بعضهم أن الرسول الكريم لم يأت بشيء جديد! فأي بدوي يعيش في الصحراء ويراقب ظواهر الطبيعة يمكن أن يرى مرور البرق ورجوعه! وهذا الكلام غير منطقي وغير علمي، ولكي لا ندع مجالاً لكل من يعتقد بذلك ليشكك بإعجاز هذا الحديث، فإننا نتوجه للعلماء بسؤال: هل يمكن ملاحظة عمليات البرق هذه بالعين البشرية؟
وطبعاً نجد الجواب بالنفي، فالعين لا يمكن أبداً أن تلاحظ الأحداث التي تتم في أجزاء من الألف من الثانية، فعلى الرغم من أننا نرى وميض البرق يبدو وكأنه مستمر، إلا أن الدراسة الدقيقة أظهرت وجود عمليات ومراحل متتالية تتم خلال زمن قصير جداً لا يمكن إدراكه بالعين.
وهذه دراسة حول البرق يقول صاحبها بالحرف الواحد (15):
"A single flash is usually composed of many distinct luminous events (strokes) that often occur in such rapid succession that the human eye cannot resolve them".
ومعنى هذا الكلام:"الومضة الواحدة تتألف عادة من أطوار متعددة الإنارة، ولكنها تحدث بتعاقب سريع لا يمكن للعين البشرية أن تحلّله".
ويمكن القول: إن أية محاولة لنقد هذا الحديث الشريف أو التقليل من أهميته العلمية لن تنجح، وذلك لأنه شديد الوضوح. ولكي ندفع أي شك في ذلك فسوف نلجأ إلى اللغة العربية ونبحث عن المعنى المباشر لكلمتي (يمرّ) و(يرجع)، لندرك بما لا يقبل الشك أن ما تعنيه هاتين الكلمتين مطابق تماماً لما رأيناه في هذا البحث.
المعنى المباشر للكلمتين
جاء في لسان العرب: "مرر: مَرَّ عليه وبه يَمُرُّ مَرًّا أَي اجتاز. و مَرَّ يَمُرُّ مَرًّا و مُروراً: ذَهَبَ، واستمرّ مثله. قال ابن سيده: مَرَّ يَمُرُّ مَرًّا و مُروراً جاء وذهب". وجاء في القاموس المحيط معنى (مرّ): "مَرَّ مَرّاً ومُروراً: جازَ وذَهَبَ. مَرَّهُ، ومرّ به: جازَ عليه. واسْتَمَرَّ: مَضَى على طَريقَةٍ واحدَةٍ".
أما كلمة (رَجَعَ) فنجد معناها في القاموس المحيط: "رَجَعَ يَرْجِعُ رُجوعاً ومَرْجِعاً، ورجع الشيء صَرَفَه ورَدَّه، الرَّجيعُ من الكلامِ: المَرْدودُ إلى صاحِبِه، وراجَعَه الكلامَ: عاوَدَه".
ونلاحظ المعنى الواضح لمرور البرق، أي ذهابه ثم رجوعه أي ردّه ومعاودته وسلوكه للطريق ذاتها، أي استخدام نفس القناة التي تم تأسيسها من قبل. وفي كلتا الكلمتين نلحظ إشارة للتكرار والمعاودة، وهذا ما يحدث تماماً في ومضة البرق من تعدد لضربات البرق وتكرارها ورجوعها ومعاودتها المراحل ذاتها.
الإشارة الرابعة
في قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (ألم تروا)، معجزة علمية أيضاً، ففي عصر الصحابة وهم المعنيون بالحديث، فإنهم لم يدركوا هذا المعنى العلمي لمرور البرق ورجوعه، بسبب عدم وجود وسائل لقياس زمن البرق في عصرهم. ولكنهم صدَّقوا كل كلمة يقولها نبيّهم وقدوتهم وأسوتهم محمد عليه وآله الصلاة والسلام. وبما أننا استطعنا اليوم رؤية مرور البرق ورجوعه، أي تحقّق قولُه صلى الله عليه وسلم: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع؟)، ألا تظن معي أن الحديث النبوي الشريف يخاطب علماء هذا العصر!؟
كذلك في تشبيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام للبرق بطرفة العين كل الدقة العلمية، وليس غريباً أن نجد أن العلماء اليوم يستخدمون التعبير النبوي ذاته!! وهذه إحدى الدراسات عن البرق والرعد يصف مؤلفها ضربة البرق وما تحدثه من تسخين وتمدد وتقلص للهواء (16):
A lightning strike can heat the air in a fraction of a second. When air is heated that quickly, it expands violently and then contracts, like an explosion that happens in the blink of an eye.
وهذا يعني:
"ضربة البرق تسخن الهواء في جزء من الثانية. عندما يسخن الهواء بسرعة، يتمدد بعنف ثم يتقلص، مثل انفجار يحدث في طرفة عين".(6/102)
إذن علماء عصر الفضاء والذرة والكومبيوتر يستخدمون التشبيه النبوي ذاته، ألا يعني ذلك أن العلم النبوي أعظم وأكبر من علوم البشر؟ ألا يعني هذا أن الكلام الذي جاء به رسول الله لا يمكن أن يكون من عنده، بل هو من عند الله تعالى؟ أكرمه بالمعجزات في كلامه أثناء حياته وبعد موته وإلى يوم القيامة، لتكون أحاديث الرسول الكريم شاهدة على صدق رسالته للناس جميعاً.
نتائج البحث ووجوه الإعجاز
لنلخص أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث والتي تمثل معجزات علمية في مجال هندسة الكهرباء والبرق، جميعها في كلمات لا يتجاوز عددها السطر الواحد:
1- تضمّن الحديث الشريف إشارة واضحة لتحرك البرق ومروره وأنه يسير بسرعة محددة، وليس كما كان يُظن ويعتقد بأن البرق يسير بلمح البصر ولا وجود لأي زمن.
2- تضمّن الحديث إشارة إلى أطوار البرق التي اكتشفها العلماء حديثاً، وأن البرق يحدث على مراحل وليس كما كان يعتقد أنه يحدث دفعة واحدة، أي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حدد المراحل الأساسية التي يحدث خلالها البرق، ومن دونها لا يمكن لضربة البرق أن تحدث أبداً.
3- حدّد الحديث الشريف اسم كل مرحلة (يمرّ ويرجع)، باسمها الحقيقي والفعلي، وبما يتناسب مع الاسم العلمي لها. أيضاً الرسول الكريم هو أول من تحدث عن رجوع البرق وصحّح ما نتوهمه من أننا نرى ومضة واحدة، والحقيقة أن هنالك عدة ضربات راجعة.
4- حدّد الحديث النبوي زمن ضربة البرق الواحدة بطرفة عين، وقد رأينا كيف تساوى هذان الزمنان، أي أن التشبيه النبوي للبرق بطرفة عين هو تشبيه دقيق جداً من الناحية العلمية.
خاتمة
وفي ختام هذا البحث لا بدّ من الإجابة عن سؤال قد يخطر ببال من يقرأ هذا البحث للمرة الأولى: إذا كان هذا الحديث يتضمن كل هذه الدقة العلمية والتفاصيل حول عملية البرق المعقدة، فلماذا لم يكتشف علماء المسلمين هذه المراحل؟ بل على العكس فإننا نرى بأن علماء الغرب وهم من غير المسلمين يكتشفون هذه العمليات وهم لم يقرءوا هذا الحديث ولم يطلعوا عليه؟
والجواب ببساطة أن المسلمين يصدّقوا كل ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن غير المسلم هو من سيستفيد من هذه الحقائق وهذه المعجزات لتكون برهاناً ملموساً له على صدق رسالة الإسلام. فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما يخاطب الملحدين بحقائق علمية هم من سيكتشفها فإن هذا قمة التفوق والإقناع بأن الرسول على حق!
والشيء المعجز حقاً أ، الرسول الأعظم استخدم هذه المعجزة العلمية أثناء الحديث عن القيامة التي ينكرها الملحدون، وكأنه يريد أن يخاطبهم بلغة العلم التي يفهمونها جيداً ويؤكد لهم: كما أنهم رأوا حقيقة مرور البرق ورجوعه وهي حقيقة يقينية، فكذلك سوف يرون حقيقة يوم القيامة والمرور على الصراط. أليس الإسلام يخاطب أعداءه بلغة العلم؟
أما المؤمن يزداد إيماناً عندما يرى هذه المعجزة النبوية، وإذا لم تتيسر له رؤية هذه المعجزة أو غيرها فلن يختل إيمانه أبداً! بينما الملحد لا تقنعه إلا البراهين العلمية المادية، وما هذا الحديث إلا واحد منها، فهل تقتنع برسالة الإسلام يا صديقي الملحد؟! أم أنك ستفتش كعادتك عن حجج واهية لتنقُد هذه المعجزة وتقلل من شأنها؟
شكر ودعاء
نسأل الله تعالى أن يجعل في هذا البحث الخير والهداية والإقناع لكل من يشكّ برسالة الإسلام وبنبوّة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، وأن يجزي الله خير الجزاء من لَفَتَ انتباهنا لهذا الحديث الأخ الكريم أبو همام حفظه الله وجعل ذلك في ميزانه يوم القيامة. وكذلك الأخ الأستاذ فراس مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي لجهوده المباركة في تعريف الناس بمعجزات كتاب الله عزّ وجلّ وسنَّة نبيّه عليه الصلاة والسلام، وكلّ من يساهم في إعلاء شأن هذا الدين الحنيف.
وندعو كل مؤمن محبّ لكتاب الله وسنّة رسوله أن يتأمل أقوال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويتفكَّر في إعجازها العلمي واللغوي والغيبي، فنحن أمام بحر يزخر بالعجائب والأسرار! والكنوز النبوية لم يُستخرج منها إلا القليل، وهنالك الكثير والكثير من الأحاديث التي لم تُدرس بعد، وهي بانتظار من يستخرج إعجازها. وأن نتعاون على البر والتقوى، كلٌّ حسب اختصاصه، لنصل إلى مرضاة الله جلَّ وعلا عسى أن نكون جميعاً من هؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه بقوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 90].
وأخيراً(6/103)
نتذكر قول الحقّ تعالى عن أولئك المشكّكين بكتاب الله وسنّة رسول الله، والذين دأبوا على نقد أيّة معجزة نبوية تصادفهم، وأنهم لن يحصدوا أية نتيجة من محاولتهم لإطفاء نور الحق، وندعوهم لتأمّل المعجزات التي تضمّنها هذا الكلام النبوي الشريف، وأن يستيقنوا بصدق كلام الله تعالى القائل: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 32-33].
بقلم المهندس: عبد الدائم الكحيل
باحث في إعجاز القرآن الكريم
newmiracle7@hotmail.com
ــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) يعترف العلماء اليوم بأنهم لا يزالون يجهلون الكثير عن العمليات الفيزيائية التي تحدث داخل البرق والعواصف الرعدية، انظر مثلاً هذا البحث العلمي على الرابط:
http://www.aldis.at/research/index.html
(2) جاء في إحدى الدراسات الحديثة عن البرق: إننا لم نستطع رؤية أطوار البرق إلا عام 2000 عندما تمكنّا من تصنيع آلة تصوير تستطيع التقاط 1000 صورة في الثانية الواحدة. انظر المقالة على الرابط:
http://www.aldis.at/research/projects.html
(3) يمكن مراجعة المقالات الواردة حول علاقة البرق بأساطير الإغريق على الرابط:
http://www.crystalinks.com/greekmythology.html
(4)يرجى الاطلاع على سلسلة مقالات شيقة ومبسطة على موقع وكالة ناسا حول مبادئ البرق، وذلك على الرابطين:
http://thunder.nsstc.nasa.gov/primer/
http://thunder.nsstc.nasa.gov/shuttle.html
(5) يمكن مراجعة هذه المعلومات من على هذا الرابط:
http://earthobservatory.nasa.gov/Study/aces/index.html
(6) انظر مقالة موسعة حول أنواع البرق على الرابط:
http://en.wikipedia.org/wiki/Lightning
(7) هذه الحقائق واردة على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/mlb/ltgcenter/ltg_facts.html
(8) يمكن مراجعة هذا المسرد المطوّل حول البرق وآلية تشكله على أحد المواقع المتخصصة في دراسات البرق والحماية منه على الرابط:
http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm
(9) المعلومات من على الرابط:
http://www.educ.uvic.ca/Faculty/mroth/438/LIGHTENING/JASONS/Formation5.html
(10) يمكن مطالعة المبادئ المبسطة للبرق الواردة على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/srh/jetstream/lightning/lightning_max.htm
(11) مقالة حول البرق متوفرة على الرابط:
http://www.fma-research.com/Q&A.htm
(12) روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه في وصف الصراط ومرور الناس عليه يوم القيامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وترسل الأمانة والرحم فتقومان على جنبتي الصراط يمينا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق)، قال: قلت بأبي أنت وأمي، أي شيء كالبرق؟ قال: (الم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرحال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلِّم سلِّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا) [رواه مسلم].
(13)يحدد العلماء الزمن المنقضي بين ضربة البرق ورجوعها بعشرات الميلي ثانية على الرابط:
http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm
وانظر أيضاً هذا البحث:
http://www.fma-research.com/Q&A.htm
بحث حول قياس مدة ومضات البرق وجاء فيه أن القياسات الحديثة تظهر مدة ومضة البرق (التردد العالي جداً) يستمر لعشرات قليلة من الميلي ثانية، على الرابط:
http://www.pa.op.dlr.de/eulinox/publications/finalrep/Thery1/Final_Report_Thery1a.html
حقائق عن البرق وفيها أن البرق بجميع أطواره الذهاب والإياب يستغرق عدة عشرات من الميلي ثانية. على الرابط:
http://home.earthlink.net/~jimlux/lfacts.htm
(14) في بحث موسع يحدد الزمن المنقضي خلال طرفة العين وسطياً 30-50 ميلي ثانية. على الرابط:
http://www.freepatentsonline.com/4059348.html
وفي دراسة إحصائية فإن الزمن اللازم لطرفة عين هو 25 ميلي ثانية حسب الإحصائيات، وذلك على الرابط:
http://www.csgnetwork.com/timemath.html
(15) مقالة بعنوان "ما هو البرق" على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/mlb/ltgcenter/whatis.html
وجاء في إحدى المقالات "لا تستطيع العين التمييز بين الضربات المتتالية للبرق"، المقالة على الرابط:
http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm
(16) يمكن مراجعة هذه المقالة على الرابط:
http://weathereye.kgan.com/cadet/lightning/glossary.html#thunder
المراجع من المقالات والأبحاث الجديدة على الإنترنت(6/104)
يمكنك عزيزي القارئ الرجوع مباشرة إلى هذه المقالات والأبحاث المفيدة حول موضوع البرق، وأحدث ما وصل إليه العلماء من معلومات حول هذه الظاهرة، وذلك من خلال الروابط المذكورة:
1- مجموعة شيقة من المقالات على موقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا حول مبادئ البرق. هذه السلسلة متوفرة على الرابط: http://thunder.msfc.nasa.gov/
2- مقالة عن البرق على الرابط:
http://www.crystalinks.com/lightning.html
3- مقالة بعنوان: "أسرار صدمة البرق" على الرابط:
http://www.nytimes.com/library/national/science/071800sci-environ-lightning.html
4- مقالة بعنوان "درس في البرق" على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/abq/preparedness/ffwxwk.htm#Lightning%20-%20Frequently%20Asked%20Questions
5- مقالة بعنوان "ماذا يحدث عندما يلتقي البرق والإنسان" على موقع وكالة ناسا على الرابط:
http://science.nasa.gov/newhome/headlines/essd18jun99_1.htm
6- مقالة بعنوان "آلية الرعد" على موقع السلامة من البرق على الرابط:
http://www.lightningsafety.com/nlsi_info/thunder.html
7- مقالة بعنوان "الشحنات الموجودة في العواصف الرعدية والبرق" على الرابط:
http://www.ce-mag.com/archive/02/09/mrstatic.html
8- مقالة بعنوان "علم البرق" على موقع الفضاء:
http://www.space.com/scienceastronomy/lightning_backgrounder.html
9- دراسة حول تأثيرات البرق على موقع السلامة من البرق:
http://www.lightningsafety.com/nlsi_lhm/effect.html
10- معلومات مهمة حول البرق على الرابط:
http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/electric/lightning2.html#c2
11- كذلك يمكن مراجعة المقالات المنشورة حول البرق ومراحل تشكله على الروابط التالية:
http://science.msfc.nasa.gov/newhome/headlines/essd24may99_1.htm
http://wwwghcc.msfc.nasa.gov/overview/lightning.html
http://science.msfc.nasa.gov/newhome/headlines/essd16jun99_1.htm
http://earthobservatory.nasa.gov/Study/aces/index.html
http://www.thomson.ece.ufl.edu/lightning/SGEB17.html
http://www.physicstoday.org/pt/vol-54/iss-11/p41.html
http://home.earthlink.net/~jimlux/lfacts.htm
http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/electric/ligseq.html
المراجع من الكتب:
كما يمكن الرجوع لكتاب "البرق" للكاتب المعروف مارتن يومان، والذي يعتبر من المراجع الأساسية في هذا العلم والصادر عام 1984:
Martin A. Uman, Lightning, Dover Publications, Inc. New York, 1984.
وكذلك كتاب "البرق" لمؤلفه دين كونتز Dean R. Koontz والصادر عام 2003.
---------------------
22. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(4). .تكثير الطعام ببركته، كلام الشجرة وشهادتها بالنبوة
الفصل الرابع عشر:
ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله، حدثنا العذري، حدثنا الرازي، حدثنا الجلودي، حدثنا ابن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن أعين، حدثنا معقل، عن أبي الزبير، عن جابر ـ أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كالَه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "لو لم تكِلْه لأكَلتم منه ولقام بكم".
قلت: رواه مسلم في كتاب الفضائل قال:
حدثني سلمة بن شبيب. حدثنا الحسن بن أعين. حدثنا معقل عن أبي الزبير، عن جابر؛
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه. فأطعمه شطر وسق شعير. فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما. حتى كاله. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم".
-ومن ذلك حديث أبي طلحة المشهور، وإطعامه صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلاً من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت يده، أي إبطه، فأمر بها ففُتِّت، و قال فيهما ما شاء الله أن يقول.
قلت: أشار إلى حديث أنس المتفق عليه والذي رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور
حدثنا قتيبة، عن مالك، عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالك قال: قال أبو طلحة لأم سليم:(6/105)
لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخذت خماراً لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أأرسلك أبو طلحة). فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: (قوموا). فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلمِّي يا أم سليم ما عندك). فأتت بذلك الخبز، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الخبز ففت، وعصرت أم سليم عكَّة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: (ائذن لعشرة). فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: (ائذن لعشرة). فأذن لهم، فأكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً...
ومسلم في كتاب الأشربة قال:
حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم:
قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا. أعرف فيه الجوع. فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصًا من شعير: ثم أخذت خمارًا لها. فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبي. وردتني ببعضه. ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد. ومعه الناس. فقمت عليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسلك أبو طلحة؟) قال فقلت: نعم. فقال (ألطعام؟) فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: (قوموا) قال فانطلق وانطلقت بين أيديهم. حتى جئت أبا طلحة. فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس. وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلمي. ما عندك. يا أم سليم!) فأتت بذلك الخبز. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت. وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته. ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول. ثم قال: (ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا. ثم خرجوا. ثم قال: (ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: (ائذن لعشرة) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا. والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون.
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله بن نمير. ح وحدثنا ابن نمير (واللفظ له). حدثنا أبي. حدثنا سعد بن سعيد. حدثني أنس ابن مالك قال:
بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه. وقد جعل طعامًا. قال فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس. فنظر إلي فاستحييت فقلت: أجب أبا طلحة. فقال للناس: (قوموا) فقال أبو طلحة: يا رسول الله! إنما صنعت لك شيئًا. قال فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة. ثم قال: (أدخل نفرًا من أصحابي، عشرة) وقال: (كلوا) وأخرج لهم شيئًا من بين أصابعه. فأكلوا حتى شبعوا. فخرجوا. فقال: (أدخل عشرة) فأكلوا حتى شبعوا. فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل، فأكل حتى شبع. ثم هيأها. فإذا هي مثلها حين أكلوا منها.
- وحدثني سعيد بن يحيى الأموي. حدثني أبي. حدثنا سعد بن سعيد. قال: سمعت أنس ابن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وساق الحديث بنحو حديث ابن نمير. غير أنه قال في آخره: ثم أخذ ما بقي فجمعه. ثم دعا فيه بالبركة. قال فعاد كما كان. فقال: (دونكم هذا).
- وحدثني عمرو الناقد. حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي. حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أنس بن مالك. قال: أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا لنفسه خاصة. ثم أرسلني إليه. وساق الحديث. وقال فيه:
فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده وسمى عليه. ثم قال: (ائذن لعشرة) فأذن لهم فدخلوا. فقال: (كلوا وسموا الله) فأكلوا. حتى فعل ذلك بثمانين رجلاً. ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت. وتركوا سؤرًا.
- وحدثنا عبد بن حميد. حدثنا عبد الله بن مسلمة. حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أنس بن مالك، بهذه القصة، في طعام أبي طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال فيه:(6/106)
فقام أبو طلحة على الباب. حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله! إنما كان شيء يسير. قال: (هلمه. فإن الله سيجعل فيه البركة).
- وحدثنا عبد بن حميد. حدثنا خالد بن مخلد البجلي. حدثني محمد بن موسى. حدثني عبد الله ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث. وقال فيه: ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت. وأفضلوا ما أبلغوا جيرانهم.
- وحدثنا الحسن بن علي الحلواني. حدثنا وهب بن جرير. حدثنا أبي. قال: سمعت جرير ابن زيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك. قال:
رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في المسجد. يتقلب ظهرًا لبطن. فأتى أم سليم فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في المسجد. يتقلب ظهرًا لبطن. وأظنه جائعًا. وساق الحديث. وقال فيه: ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس بن مالك. وفضلت فضلة. فأهديناه لجيراننا.
- وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي. حدثنا عبد الله بن وهب. أخبرني أسامة؛ أن يعقوب ابن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري حدثه؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول:
جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا. فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب بطنه بعصابة - قال أسامة: وأنا أشك - على حجر. فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا: من الجوع. فذهبت إلى أبي طلحة، وهو زوج أم سليم بنت ملحان. فقلت: يا أبتاه! قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة. فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع. فدخل أبو طلحة على أمي. فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم. عندس كسر من خبز وتمرات. فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه. وإن جاء آخر معه قل عنهم. ثم ذكر سائر الحديث بقصته.
- وحدثني حجاج بن الشاعر. حدثنا يونس بن محمد. حدثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في طعام أبي طلحة، نحو حديثهم.
-وحديث جابر في إطعامه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق.
وقال جابر: فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في العجين والبرمة، وبارك.
رواه عن جابر سعيد بن ميناء، وأيمن.
قلت: حديث جابر متفق عليه، رواه البخاري في كتاب المغازي؛ قال:
-حدثنا خلاد بن يحيى: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه قال: أتيت جابرًا رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: (أنا نازل). ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية، فعاد كثيبا أهيل، أو أهيم، فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج، فقلت: طعم لي، فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلان، قال: (كم هو). فذكرت له، قال: (كثير طيب، قال: قل لها: لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التنور حتى آتي، فقال: قوموا). فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: (ادخلوا ولا تضاغطوا). فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: (كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة).(6/107)
- حدثني عمرو بن علي: حدثنا أبو عاصم: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان: أخبرنا سعيد بن ميناء قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصًا شديدًا، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا شديدًا، فأخرجت إلى جرابًا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشعير، ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سورًا، فحي هلا بكم). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء). فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت، فأخرجت له عجينًا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: (ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها). وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، إن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو...
ورواه مسلم في كتاب الأشربة قٌال:
حدثني حجاج بن الشاعر. حدثني الضحاك بن مخلد، من رقعة عارض لي بها، ثم قرأه علي. قال: أخبرناه حنظلة بن أبي سفيان. حدثنا سعيد بن ميناء. قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:
لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا. فانكفأت إلى امرأتي. فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا شديدًا. فأخرجت لي جرابًا فيه صاع من شعير. ولنا بهيمة داجن. قال فذبحتها وطحنت. ففرغت إلى فراغي. فقطعتها في برمتها. ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. قال فجئته فساررته. فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا. وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا. فتعال أنت في نفر معك. فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا. فحيهلا بكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تنزلن برمتكم ولا تخبرن عجينتكم، حتى أجئ) فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس. حتى جئت امرأتي. فقالت: بك. وبك. فقلت: قد فعلت الذي قلت لي. فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك. ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك. ثم قال: (ادعي خابزة فلتخبز معك. واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها) وهم ألف. فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا. وإن برمتنا لتغط كما هي. وإن عجينتنا - أو كما قال الضحاك - لتخبز كما هو...
-وعن ثابت مثله، عن رجل من الأنصار وامرأته، ولم يسمهما، قال: و جيء بمثل الكف، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبسطها في الإناء ويقول ما شاء الله، فأكل منه من في البيت والحجرة والدار، وكان ذلك قد امتلأ ممن قدم معه صلى الله عليه وسلم لذلك، وبقي بعد ما شبعوا مثل ما كان في الإناء .
وحديث أبي أيوب أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ادع ثلاثين من أشراف الأنصار) فدعاهم فأكلوا حتى تركوا، ثم قال: (ادع ستين) فكان مثل ذلك، ثم قال: (ادع سبعين) فأكلوا حتى تركوا، وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع.
قال أبو أيوب: فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلاً.
قلت:أورده البيهقي في دلائل النبوة؛ ورواه الطبراني في معجمه، قال:(6/108)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن عَبَّادٍ الْخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ طَعَامًا قَدْرَ مَا يَكْفِيهُمَا، فَأَتَيْتُهُمَا بِهِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الأَنْصَارِ، فَشَقَّ عَلَيَّ ذَلِكَ، قُلْتُ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ أَزِيدُهُ، فَكَأَنِّي تَغَفَّلْتُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا، فَقَالَ: اطْعَمُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي سِتِّينَ مِنْ أَشْرَافِ الأَنْصَارِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: وَاللَّهِ لأَنَا بِسِتِّينَ أَجْوَدُ مِنِّي بِالثَّلاثِينَ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَوَقَّفُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي تِسْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَلأَنَا أَجْوَدُ بِالتِّسْعِينَ وَالسِّتِّينَ مِنِّي بِالثَّلاثِينَ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي ذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلا كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ...
-وعن سمرة بن جندب: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل، يقوم قوم ويقعد آخرون.
قلت رواه البيهقي في دلائل النبوة؛ والنسائي في سننه؛والترمذي في جامعه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا يزيدُ بنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا سُلِيمَانُ التَّيميُّ عَن أبي العلاءِ عَن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ قَالَ:
- "كنَّا مع النَّبيّ صلى الله عليه وسلم نتداولُ من قَصعةٍ من غُدْوَةٍ حتَّى الليل تقومُ عشرةٌ وتقعُدُ عشرةٌ. قلنَا فما كَانَت تُمَدُّ؟ قَالَ من أيِّ شيءٍ تعجبُ ما كَانَت تُمَدُّ إلا من ههنا وأشارَ بيدهِ إِلى السَّمَاءِ". هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
-ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، وذكر في الحديث أنه عجن صاع من طعام، وصنعت شاة، فشوي سواد بطنها قال: وأيم الله، ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له حزةً من سواد بطنها ثم جعل منا قصعتين، فأكلنا منها أجمعون، وفضل في القصعتين، فحملته على البعير.
قلت: حديث متغف عليه؛ رواه البخاري في كتاب الهبة وفضلها، قال:
حدثنا أبو النعمان: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل مع أحد منكم طعام). فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثم جاء رجل مشرك، مشعان طويل، بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بيعا أم عطية، أو قال: أم هبة). قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة، فصنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى، وأيم الله، ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز النبي صلى الله عليه وسلم له حزة من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاها إياه، وإن كان غائبًا خبأ له، فجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون وشبعنا، ففضلت القصعتان، فحملناه على البعير، أو كما قال.
وروا ه مسلم في كتاب الأشربة قال:(6/109)
وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ وَ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. جَمِيعاً عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ مُعَاذٍ). حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ (وَحَدّثَ أَيْضاً)، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثِينَ وَمِائَةً. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟" فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ. ثُمّ جَاءَ رَجُلٌ، مُشْرِكٌ مُشْعَانّ طَوِيلٌ، بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيّةٌ أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةٌ؟" فَقَالَ: لاَ. بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَىَ مِنْهُ شَاةً. فَصُنِعَتْ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَىَ. قَالَ: وَايْمُ اللّهِ مَا مِنَ الثّلاَثِينَ وَمِائَةٍ إِلاّ حَزّ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حُزّةً حُزّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا. إنْ كَانَ شَاهِداً، أَعْطَاهُ. وَإِنْ كَانَ غَائِباً، خَبَأَ لَهُ.
قَالَ وَجَعَلَ قَصْعَتَيْنِ. فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ. وَشَبِعْنَا. وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ. فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ.
-ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، عن أبيه، ومثله لسلمة بن الأكوع، وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فذكروا مخمصة أصابت الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فدعا ببقية الأزواد، فجاء الرجل بالحثية من الطعام، وفوق ذلك، وأعلاهم الذي أتى بالصاع من التمر، فجمعه على نطع. قال سلمة: فحزرته كربضة العنز، ثم دعا الناس بأوعيتهم، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقي منه.
قلت: رواه مسلم في كتاب الإيمان قال:
حدثنا سهل بن عمان وأبو كريب محمد بن العلاء، جميعا عن أبي معاوية. قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة. قالوا:
يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا. فقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "افعلوا" قال فجاء عمر، فقال: يا رسول الله! إن فعلت قل الظهر. ولكن ادعهم بفضل أزوادهم. وادع الله لهم عليها بالبركة. لعل الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال فدعا بنطع فبسطه. ثم دعا بفضل أزوادهم. قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة. قال ويجيء الآخر بكف تمر. قال ويجيء الآخر بكسرة. حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة. ثم قال: "خذوا في أوعيتكم" قال فأخذوا في أوعيتهم. حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه. قال فأكلوا حتى شبعوا. وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك، فيحجب عن الجنة".
-وعن أبي هريرة: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو له أهل الصفة، فتتبعتهم حتى جمعتهم، فوضعت بين أيدينا صفحة، فأكلنا ما شئنا، وفرغنا وهي مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع.
قلت: رواه أبو نعيم، والطبراني، وابن أبي شيبة في مسنده قال:
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: اُدْعُ لِي أَصْحَابَك، يَعَنْي أَصْحَابَ الصُّفَّةِ ، فَجَعَلْت أَتَّبِعُهُمْ رَجُلاً، رَجُلاً أُوقِظُهُمْ حَتَّى جَمَعْتُهُمْ، فَجِئْنَا بَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَّا فَأَذِنَ لَنَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا صَحْفَةٌ فِيهَا صَنِيعٌ قَدْرُ مُدَّيْ شَعِيرٍ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: خُذُوا بِسْمِ اللهِ، فَأَكَلْنَا مَا شِئْنَا، ثُمَّ رَفَ، عَنَّا أَيْدِيَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ وُضِعَتْ الصَّحْفَةُ: وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ طَعَامٌ غَيْرُ شَيْءٍ تَرَوْنَهُ، فَقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: قَدْرُ كَمْ كَانَتْ حِينَ فَرَغْتُمْ، قَالَ: مِثْلَهَا حِينَ وُضِعَتْ إلاَّ، أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الأَصَابِعِ..(6/110)
-وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب، وكانوا أربعين، منهم قوم يأكلون الجذعة، و يشربون الفرق، فصنع لهم مداً من طعام فأكلوا حتى شبعوا، وبقي كما هو ثم دعا بعس، فشربوا حتى رووا، وبقي كأنه لم يشرب منه.
قلت:رواه الإمام أحمد في (مسنده) قال:
عن علي قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكلا لجذعة ويشرب الفرق قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب فقال: (يا بني عبد المطلب إني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟). قال: فلم يقم إليه أحد قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال: فقال: (اجلس) قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: (اجلس) حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي....
-وقال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب أمره أن يدعو له قوماً سماهم، وكل من لقيت، حتى امتلأ البيت والحجرة، وقدم إليهم تورًا، فيه قدر مد من تمر جعل حيساً، فوضعه قدامه، وغمس ثلاث أصابعه وجعل القوم يتغدون ويخرجون، وبقي التور نحواً مما كان، وكان القوم أحداً، أو اثنين وسبعين.
-وفي رواية أخرى في هذه القصة أو مثلها، إن القوم كانوا زهاء ثلاثمائة، وأنهم أكلوا حتى شبعوا. وقال لي: ارفع، فلا أدري حين وضعت كانت أكثر أم حين رفعت.
قلت: رواه البخاري في كتاب النكاح، باب: الهدية للعروس؛ قال
- وقال إبراهيم: عن أبي عثمان، واسمه الجعد، عن أنس بن مالك قال:
مر بنا في مسجد بني رفاعة، فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب، فقالت لي أم سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فقلت لها: افعلي، فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتخذت حيسة في برمة، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه، فقال لي: (ضعها). ثم أمرني فقال: (ادع لي رجالا - سماهم - ادع لي من لقيت). قال: ففعلت الذي أمرني، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على تلك الحيسة وتكلم بها ما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة, عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: (اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجل مما يليه). قال: حتى تصدعوا كلهم عنها، فخرج منهم من خرج، وبقي نفر يتحدثون، قال: وجعلت أغتم، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحجرات وخرجت في إثره، فقلت: إنهم قد ذهبوا، فرجع فدخل البيت، وأرخى الستر وإني لفي الحجرة، وهو يقول: (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعتيم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق).
قال أبو عثمان: قال أنس: إنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس؛ قال:
حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا جعفر (يعني ابن سليمان) عن الجعد أبي عثمان، عن أنس بن مالك. قال:
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله. قال: فصنعت أمي أم سليم حيسًا فجعلته في تور. فقالت: يا أنس! اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت بهذا إليك أمي. وهي تقرئك السلام. وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول الله! قال: فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: إن أمي تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول الله! فقال "ضعه" ثم قال: " اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا. ومن لقيت" وسمى رجالاً. قال: فدعوت من سمى ومن لقيت: قال: قلت لأنس: عدد كم كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة.(6/111)
وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس.. هات التور" قال: فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه" قال: فأكلوا حتى شبعوا. قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم. فقال لي: "يا أنس ارفع" قال: فرفعت. فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت. قال: وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط. فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه. ثم رجع. فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه. قال: فابتدروا الباب فخرجوا كلهم. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل. وأنا جالس في الحجرة. فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج علي. وأنزلت هذه الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأهن على الناس: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي)؛ إلى آخر الآية. قال الجعد: قال أنس ابن مالك: أنا أحدث الناس عهدًا بهذه الآيات. وحجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
- وحدثني محمد بن رافع. حدثنا عبد الرزاق. حدثنا معمر عن أبي عثمان، عن أنس. قال:
لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أهدت له أم سليم حيسًا في تور من حجارة. فقال أنس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فادع لي من لقيت من المسلمين" فدعوت له من لقيت. فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون. ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه. وقال فيه ما شاء الله أن يقول ولم أدع أحدًا لقيته إلا دعوته. فأكلوا حتى شبعوا. وخرجوا. وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه الحديث. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحي منهم أن يقول لهم شيئًا. فخرج وتركهم في البيت. فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غيرناظرين إناه} (قال قتادة: غير متحينين طعامًا) {ولكن إذا دعيتم فادخلوا}. حتى بلغ: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.
والآية الكريمة هي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً) (الأحزاب: 53)
-و في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه ـ أن فاطمة طبخت قدراً لغذائها ووجهت علياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتغدى معهما، فأمر فغرفت منها لجميع نسائه صفحةً صفحةً، ثم له صلى الله عليه وسلم ولعلي، ثم لها، ثم رفعت القدر، وإنها لتفيض، قال: فأكلنا منها ما شاء الله.
قلت: أخرجه ابن سعد في طبقاته
-وأمر عمر بن الخطاب أن يزود أربعمائة راكب من أحمس، فقال: يا رسول الله، ما هي إلا أصوع. قال: اذهب، فذهب فزودهم منه، و كان قدر الفصيل الرابض، من التمر، وبقي بحاله. -من رواية دكين الأحمسي، و من رواية جرير.
-ومثله من رواية النعمان بن مقرن الخبر بعينه، إلا أنه قال: أربعمائة راكب من مزينة.
قلت رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مستد أبيه قال:
حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا اسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد الخثعمي قال:
-أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: قم فأعطهم..قال: يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية؛ قال وكيع والقيظ في كلام العرب أربعة أشهر؛ قال: قم فأعطهم قال عمر يا رسول الله سمعًا وطاعة. قال: فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب قال دكين فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض قال شأنكم قال فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء قال ثم التفت وإني لمن آخرهم وكأنا لم نرزأ منه تمرة.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال:(6/112)
-أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين راكبُا وأربعمائة نسأله الطعام فقال لعمر: اذهب فأعطهم, فقال يا رسول الله ما بقي إلا آصع من تمر ما أرى أن يقيظني قال: اذهب فأعطهم. قال: سمعًا وطاعة قال: فأخرج عمر المفتاح من حجزته ففتح الباب فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر فقال: لتأخذوا فأخذ كل رجل منا ما أحب ثم التفت وكنت من آخر القوم وكأنا لم نرزأ تمرة.
-ومن ذلك حديث جابر في دين أبيه بعد موته، وقد كان بذل لغرماء أبيه أصل ماله، فلم يقبلوه، ولم يكن في تمرها سنين كفاف دينهم، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره بجدها، وجعلها بيادر في أصولها، فمشى فيها، ودعا، فأوفى منه جابر غرماء أبيه، وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة.
-وفي رواية مثل ما أعطاهم، قال: وكان الغرماء يهود، فعجبوا من ذلك.
قلت رواه البخاري في كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس؛ باب: إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز.
- حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله: أخبرنا يونس، عن الزهري قال: حدثني ابن كعب بن مالك: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره: أن أباه قتل يوم أحد شهيدًا وعليه دين، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا، فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي، وقال: (سنغدوا عليك). فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة، فجددتها فقضيتهم، وبقي لنا من تمرها.
وفي باب: إذا قاص أو جازفه في الدين تمرًا بتمر أو غيره.
- حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا أنس، عن هشام، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه أخبره: أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لجابر: (جد له، فأوف له الذي له). فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوفاه ثلاثين وسقًا، وفضلت له سبعة عشر وسقًا، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبره بالفضل، فقال: (أخبر ذلك ابن الخطاب). فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها.
-وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أصاب الناس مخمصة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل من شيء) قلت: نعم، شيء من التمر في المزود. قال: (فأتني به)، فأدخل يده فأخرج قبضة، فبسطها ودعا بالبركة، ثم قال: ادع عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم عشرة كذلك، حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا. قال: (خذ ما جئت به، وأدخل يدك، واقبض منه ولا تكبه)، فقبضت على أكثر مما جئت به، فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، إلى أن قتل عثمان، فانتهب مني، فذهب.
-وفي رواية: فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله.
-وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك، وأن التمر كان بضع عشرة تمرة.
قلت رواه البيهقي في دلائل النبوة قال:
باب ما جاء في مزود أبي هريرة رضي الله عنه وما ظهر فيه ببركة دعاء النبي من آثار النبوة.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف (الإسفرائيني) الفقيه أنبأنا بشر ابن أحمد بن بشر حدثنا أحمد بن الحسين بن نصر الحذاء حدثنا علي بن المديني حدثنا حماد بن زيد حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة عن أبي العالية عن أبي هريرة قال:
أتيت رسول الله بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال: خذهن فاجعلهن في مزود. أو قال: في مزودك, فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثرهن نثرًا. قال فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقًا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارق حقوي فلما قتل عثمان انقطع.
أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار أنبأنا الحسين بن يحيى بن عباس القطان حدثنا حفص بن عمرو حدثنا سهيل بن زياد أبو زياد حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: كان رسول الله في غزوة فأصابهم عوز من الطعام فقال: يا أبا هريرة عندك شيء؟ قال: قلت: شيء من تمر في مزود لي؛ قال: جيىء به.. قال فجئت بالمزود؛ قال: هات نطعًا... فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة ثم قال: بسم الله...فجعل يضع كل تمرة ويسمى حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه فقال: ادع فلانا وأصحابه... فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا؛ ثم قال: ادع فلانا وأصحابه.. فأكلوا وشبعوا وخرجوا؛ ثم قال: ادع فلانا وأصحابه.. فأكلوا وشبعوا وخرجوا؛ وفضل تمر. قال فقال لي: اقعد.. فقعدت. فأكل وأكلت..(6/113)
قال وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال لي: يا أبا هريرة إذا أردت شيئًا فأدخل يدك فخذ ولا تكفأ فيكفأ عليك.. قال فما كنت أريد تمرًا إلا أدخلت يدي... فأخذت منه خمسين وسقًا في سبيل الله وكان معلقًا خلف رجلي فوقع في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه فذهب.
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا احمد بن عبدة حدثنا سهل بن أسلم (ح)
وأنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أنبأنا الحسن بن محمد ابن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا ابن الخطاب حدثنا سهل ابن اسلم العذري عن زيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصائب في الإسلام لم أصب بمثلهن: بموت النبي وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود... قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال كناُ مع رسول الله في سفر فقال: يا أبا هريرة أمعك شيء؟ قال: قلت تمرًا في مزود معي؛ قال: جىء به فأخرجت منه تمرًا فأتيته قال فمسه فدعا فيه ثم قال: ادع عشرة...فدعوت عشرة. فأكلوا حتى شبعوا.. ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر المزود قال: يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك ولا تكبه... قال فأكلت منه حياة النبي، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها.. فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود ألا أخبركم أكلت أكلت منه أكثر من مائتي وسق. لفظ حديث المقرئ
ورواه الترمذي.
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة. فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة فقال:" خذهن وأجعلهن في مزودك هذا أو في هذا المزود كلما أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل فيه يدك فخذه ولا تنثره نثرًا"...
فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله.. فكنا نأكل منه ونطعم وكان لا يفارق حقوي حتى كان يوم قتل عثمان فإنه انقطع..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي هريرة.
وقال الشيخ الألباني: حسن الإسناد.. وسند الحديث: حدثنا عمران بن موسى القزاز حدثنا حماد بن زيد حدثنا المهاجر عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة قال
-ومنه أيضاً حديث أبي هريرة حين أصابه الجوع، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد لبناً في قدح قد أهدي إليه وأمره أن يدعو أهل الصفة.قال: فقلت:ما هذا اللبن فيهم؟ كنت أحق أن أصيب منه شربة أتقوى بها فدعوتهم.وذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقيهم، فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يأخذه الأخر حتى روي جميعهم. قال: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القدح، وقال: بقيت أنا وأنت، اقعد فاشرب، فشربت، ثم قال: اشرب، وما زال يقولها وأشرب حتى قلت: لا، و الذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً ،فأخذ القدح فحمد الله و سمى وشرب الفضلة.
قلت: رواه البخاري في كتاب الرقاق قال:(6/114)
حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث: حدثنا عمر بن ذر: حدثنا مجاهد: أن أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: (يا أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (الحق). ومضى فاتَّبعته، فدخل، فأستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبناً في قدح، فقال: (من أين هذا اللبن). قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: (أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي). قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: (يا أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (خذ فأعطهم). قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليَّ فتبسم، فقال: (أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (بقيت أنا وأنت). قلت: صدقت يا رسول الله، قال: (اقعد فاشرب). فقعدت فشربت، فقال: (اشرب). فشربت، فما زال يقول: (اشرب). حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً، قال: (فأرني). فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة...
-وفي حديث خالد بن عبد العزى أنه أجزر النبي صلى الله عليه وسلم شاةً، وكان عيال خالد كثيراً يذبح الشاة فلا تُبِدُّ عيالَه عظماً عظماً، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هذه الشاة وجعل فضلتها في دلو خالد، ودعا له بالبركة، فنثر ذلك لعياله، فأكلوا وأفضلوا ـ ذكر خبره الدولابي.
-وفي حديث الآجري في إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم لعلي فاطمة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً بقصعة من أربعة أمداد أو خمسة، ويذبح جزوراً ليوليمتها ـ قال: فأتيته بذلك فطعن في رأسها، ثم أدخل الناس رُفقةً رُفقةً يأكلون منها حتى فرغوا، وبقيت منها فضلة، فبرَّك فيها، وأمر بحملها إلى أزواجه، وقال: كلن وأطعمن من غشيكن.
-وفي حديث أنس: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنعت أمي أم سليم حيساً، فجعلته في تور، فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضعه، وادع لي فلاناً و فلاناً، ومن لقيت.
فدعوتهم، ولم أدع أحداً لقيته إلا دعوته، وذكر أنهم كانوا زهاء ثلاثمائة حتى ملئوا الصفة والحجرة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: تحلقوا عشرة عشرة، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام، فدعا فيه، وقال ما شاء الله أن يقول، فأكلوا حتى شبعوا كلهم، فقال لي: (ارفع). فما أدري حين وضعت كانت أكثر أم حين رفعت.
قلت: متفق عليه، وقد سبق... كما أخرجه أصحاب السنن، وهذه رواية الترمذي:
***تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله قال فصنعت أمي أم سليم حيسًا فجعلته في تور فقالت: يا أنس أذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت إليك بها أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول إن هذا لك منا لك قليل يا رسول الله..قال فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي تقرئك السلام، وتقول إن هذا منا لك قليل.. فقال: (ضعه)، ثم قال:(اذهب فأدع لي فلانًا وفلانًا وفلانًا ومن لقيت).. فسمى رجالاً.(6/115)
قال: فدعوت من سمى ومن لقيت... قال قلت لأنس عددكم كم كانوا قال زهاء ثلاثمائة قال وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس هات التور... قال فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه.. قال فأكلوا حتى شبعوا..قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم.. قال فقال لي: يا أنس ارفع... قال: فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت.. قال: وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه ثم رجع فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه قال فابتدروا الباب فخرجوا كلهم.. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل؛ وأنا جالس في الحجرة فلم يلبث إلا يسيرًا حتى خرج علي.. وأنزلت هذه الآيات فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن على الناس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً) (الأحزاب: 53)... قال الجعد قال أنس: أنا أحدث الناس عهدًا بهذه الآيات وحجبن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والجعد هو بن عثمان ويقال هو بن دينار ويكنى أبا عثمان بصري وهو ثقة عند أهل الحديث روى عنه يونس بن عبيد وشعبة وحماد بن زيد. قال الترمذي: حسن صحيح.
-وأكثر أحاديث هذه الفصول الثلاثة في الصحيح. وقد اجتمع على معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة، رواه عنهم أضعافهم من التابعين، ثم من لا ينعد بعدهم.
وأكثرها في قصص مشهورة، ومجامع مشهودة، ولا يمكن التحدث عنها إلا بالحق، ولا يسكت الحاضر لها على ما أنكر منها.
الفصل الخامس عشر:
في كلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته
قال القاضي عياض* حدثنا أحمد بن محمد بن غلون الشيخ الصالح فيما أجاز فيه عن أبي عمر الطلمنكي، عن أبي بكر بن المهندس، عن أبي القاسم البغوي، حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي، حدثنا أبو حيان التيمي ـ وكان صدوقاً،عن مجاهد،عن ابن عمر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، فدنا منه أعرابي، فقال:يا أعرابي، أين تريد؟ قال: إلى أهلي. قال: هل لك إلى خير؟ قال: وما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ـ قال: من يشهد لك على ما تقول؟ قال: هذه الشجرة السمرة، وهي بشاطئ الوادي، وادعُها فإنها تجيبك.
فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى مكانها.
قلت: رواه الدارمي - باب مَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِيمَانِ الشَّجَرِ بِهِ وَالْبَهَائِمِ وَالْجِنِّ:
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَقْبَلَ أَعْرَابِىٌّ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَيْنَ تُرِيدُ ». قَالَ إِلَى أَهْلِى. قَالَ « هَلْ لَكَ فِى خَيْرٍ ». قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ « تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ». فَقَالَ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ قَالَ « هَذِهِ السَّلَمَةُ ». فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِىَ بِشَاطِئِ الْوَادِى فَأَقْبَلَتْ تُخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاَثاً فَشَهِدَتْ ثَلاَثاً أَنَّهُ كَمَا قَالَ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا وَرَجَعَ الأَعْرَابِىُّ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ إِنِ اتَّبَعُونِى أَتَيْتُكَ بِهِمْ وَإِلاَّ رَجَعْتُ فَكُنْتُ مَعَكَ..
-وعن بريدة: سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم آية، فقال له: قل لتلك الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك.(6/116)
قال: فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها، فتقطعت عروقها، ثم جاءت تخد الأرض تجر مغبرةً حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: السلام عليك يا رسول الله.
قال الأعرابي: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت، فدلت عروقها فاستوت.
فقال الأعرابي: ائذن لي أسجد لك.
قال: لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
قال: فأذن لي أن أقبل يديك ورجليك، فأذن له.
وقفة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ َأنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا":
رواه أبو داود - في كتاب النكاح، باب في حق الزوج على المرأة؛ قال:
ـ حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن شريك، عن حصين، عن الشعبي عن قيس بن سعد قال:
أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبانٍ لهم، فقلت: رسول اللّه أحقُّ أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبانٍ لهم، فأنت يا رسول اللّه أحق أن نسجد لك، قال: "أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟" قال: قلت: لا، قال: "فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهنَّ؛ لما جعل اللّه لهم عليهنَّ من الحقِّ".
ورواه ابن ماجه - في كتاب النكاح باب حق الزوج على المرأة؛ قال:
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عفان. حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد ابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة؛
- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. ولو أن رجلاً أمر امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل)).
في الزوائد: في إسناده علي بن زيد، وهو ضعيف. لكن للحديث طرق أخر. وله شاهدان من حديث طلق بن علي. رواه الترمذي والنسائي. ومن حديث أم سلمة، رواه الترمذي وابن ماجة.
- حدثنا أزهر بن مروان. حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن القاسم الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى؛ قال:
- لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم. قال:((ما هذا يا معاذ؟)) قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فلا تفعلوا. فإني لو كنت آمرا أحد أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها... والذي نفس محمد بيده! لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها، وهي على قتب لم تمنعه)).
في الزوائد: رواه ابن حبان في صحيحه. قال السندي: كأنه يريد أنه صحيح الإسناد.
ورواه الدارمي -في كتاب الصلاة باب النهي ان يسجد لأحد؛ قال:
- أخبرنا عمرو بن عون ثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت: يا رسول الله ألا نسجد لك، فقال:" لو أمرت أحدا لأمرت النساء ان يسجدن لأزواجهن لما جعل الله عليهن من حقهم".
- أخبرنا محمد بن يزيد الحزام ثنا حبان بن علي عن صالح بن حبان عن أبي بريدة عن أبيه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ائذن لي فلأسجد لك؛ قال: (لو كنت آمرا أحدا يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها)
ورواه الترمذي - في أبواب مختلفة في النكاح باب ما جاء في حق الزوج على المرأة. قال:
- حدثنا محمود بن غيلان. أخبرنا النضر بن شميل. أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،
- عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
وفي الباب عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك بن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأم سلمة وأنس وابن عمر. حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه، من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
ورواه البيهقي - ما جاء في عظم حق الزوج على المرأة؛ قال:
- أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزاز نا أحمد بن منصور المروزي ثنا النضر بن شميل أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمرا أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله من حقه عليها).(6/117)
- أخبرنا محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد الحسين القطان نا أحمد بن يوسف السلمي نا عبد الرحمن بن أي بكر النخعي حدثني أبي نا حصين بن عبد الرحمن السلمي عن عامر الشعبي عن قيس قال قدمت الحيرة فرأيت أهلها يسجدون لمرزبان لهم فقلت نحن كنا أحق أن نسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمت عليه أخبرته بالذي رأيت قلت نحن كنا أحق أن نسجد لك فقال: لا تفعلوا أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجدًا قلت: لا قال: فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله من حقهم عليهن...
رواه غيره عن شريك فقال عن قيس بن سعد.
ورواه الحاكم - في كتاب النكاح
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب حدثنا عمرو بن عون حدثنا شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد رضى الله تعالى عنه قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يسجد له فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت رسول الله أحق أن يسجد لك قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قلت: لا.. قال: (فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل لله لهم عليهن من حق). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه ابن أبي شيبة - في كتاب النكاح؛ قال:
حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: لما قدم معاذ من اليمن قال: يا رسول الله! رأينا قوما يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا! إنه لا يسجد أحد لأحد ولو كنت آمرا أحدًا يسجد لأحد لأمرت النساء يسجدن لأزواجهن ". حدثنا ابن نمير قال نا الأعمش عن أبي ظبيان عن رجل من الأنصار عن معاذ ابن جبل بمثل حديث أبي معاوية.
ورواه أحمد - في مسند الأنصار حدثنا عبد الله حدثني أبي في سنة ثمان وعشرين ومائتين حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن معاذ بن جبل:-أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله رأيت رجالاً باليمن يسجد بعضهم لبعضهم أفلا نسجد لك قال: (لو كنت آمرًا بشرًا يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
وفي مسند أم المؤمنين عائشة
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الصمد وعفان قالا حدثنا حماد قال عفان أنبأنا المعني عن علي بن زيد عن سعيد عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه: يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال: (أعبدوا ربكم، وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله).
-وفي الصحيح في حديث جابر بن عبد الله الطويل: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فلم ير شيئاً يستتر به، فإذا بشجرتين في شاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده.
وذكر أنه فعل بالأخرى مثل ذلك، حتى إذا كان بالمصنف بينهما قال: التئما علي بإذن الله، فالتأمتا.
-رواية أخرى: فقال: (يا جابر، قل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما) ففعلت، فزحَفت حتى لحِقت بصاحبتها فجلس خلفهما، فخرجت أحضِر، وجلست أحدث نفسي، فالتفت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً والشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفةً، فقال برأسه هكذا يميناً وشمالاً.
قلت: رواه مسلم في كتاب الزهد قال:(6/118)
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيح. فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته. فاتبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطئ الوادي. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش، الذي يصانع قائده. حتى أتى الشجرة الأخرى. فأخذ بغصن من أغصانها. فقال "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك. حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال: "التئما علي بإذن الله" فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحش رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد (وقال محمد بن عباد: فيتبعد) فجلست أحدث نفسي. فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً. وإذا الشجرتان قد افترقتا. فقامت كل واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينًا وشمالاً) ثم أقبل. فلما انتهى إلي قال "يا جابر! هل رأيت مقامي؟" قلت: نعم. يا رسول الله! قال: "فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنًا عن يمينك وغصنا عن يسارك".
قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته. فانذلق لي. فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا. ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثم لحقته فقلت: قد فعلت. يا رسول الله! فعم ذاك؟ قال "إني مررت بقبرين يعذبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفه عنهما، ما دام الغصنان رطبين".
قلت: أخرج هذا الحديث كل من البيهقي في السنن الكبرى ودلائل النبوة، وابن كثير في البداية والنهاية، والتبريزي في المشكاة...وغيرهم.
-وروى أسامة بن زيد نحوه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه: هل يعني مكاناً لحاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت: إن الوادي ما فيه موضع بالناس. فقال: هل ترى من نخل أو حجارة؟ قلت: أرى نخلات متقاربات. قال: انطلق وقل لهن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقل للحجارة مثل ذلك.فقلت ذلك لهن، فو الذي بعثه بالحق، لقد رأيت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة يتعاقدن حتى صرن زكاماً خلقهن. فلما قضى حاجته قال لي: قل لهن يفترقن، فو الذي نفسي بيده لرأيتهن و لحجارة يفترقن حتى عدن إلى مواضعهن.
قلت: رواه البيهقي في دلائل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغفاري ببغداد حدثنا عثمان ابن أحمد بن السماك حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا عبد الرحيم بن جماد عن معاوية بن يحيى الصدفي أنبأنا الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال أسامة بن زيد:
(....ثم قال: يا أسيم أنظر هل ترى من خمر لمخرج رسول الله... فقلت: يا رسول الله، قد دحس الناس الوادي فما فيه موضع. فقال: انظر هل ترى من نخل أو حجارة... فقلت: يا رسول الله، قد رأيت نخلات متقاربات ورجما من حجارة. قال: انطلق إلى النخلات فقل لهن أن رسول الله يأمركن أن تدانين لمخرج رسول الله وقل للحجارة مثل ذلك.. قال فأتيتهن فقلت ذاك لهن فو الذي بعثك بالحق نبيا لقد جعلت أنظر إلى النخلات يخددن الأرض خدًا حتى اجتمعن وأنظر إلى الحجارة يتقافزن حتى صرن رجمًا خلف النخلات فأتيته فقلت ذاك له قال خذ الأداوة وانطلق فلما قضى حاجته وانصرف قال يا أسيم عد إلى النخلات والحجارة فقل لهن إن رسول الله يأمركن أن ترجعن إلى مواضعكن.
-وقال يعلى بن سيابة: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير... وذكر نحواً من هذين الحديثين، وذكر: فأمر وديتين فانضمتا. و في رواية: أشاءتين.
-وعن غيلان بن سلمة الثقفي مثله: في شجرتين.
قلت أورده البيهقي في دلائل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة عن أبيه قال: سافرت مع رسول الله سفرًا فرأيت منه أشياء عجبا نزلنا منزلاً فقال انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل أن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا فانطلقت فقلت لهما ذلك فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتقتا جميعًا فقضى رسول الله حاجته من ورائهما ثم قال: انطلق فقل لهما فلتعد كل واحدة إلى مكانها فأتيتهما فقلت لهما ذلك فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها.
-وعن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في غزاة حنين.
قلت أورده البيهقي في دلائل النبوة قال:(6/119)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا أبو حمه حدثنا أبو قرة عن زمعة عن زياد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط فكان يبعد حتى لا يراه أحد قال فلم يجد شيئًا يتوارى به فبصر بشجرتين فذكر قصة الشجرتين...
-وعن يعلى بن مرة ـ وهو ابن سيابة ـ أيضاً، وذكر أشياء رآها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر أن طلحة أو سمرةً جاءت فأطافت به، ثم رجعت إلى منبتها، فقال رسول صلى الله عليه وسلم : إنها استأذنت أن تسلم علي.
قلت: أخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح، وأحمد في المسند، والبيهقي في دلائل النبوة قال:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن السائب عن عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي قال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبي فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيتة ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله ذكرت له فقال: هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله فأذن لها.
-وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: آذنتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجن ليلةَ استمعوا له ـ شجرةٌُُ.
قلت: أخرج البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر الجن.وقول الله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} /الجن: 1/.قال:
* - حدثني عبيد بن سعيد: حدثنا أبو أسامة: حدثنا مسعر، عن معن ابن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقًا: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك، يعني عبد الله: أنه آذنت بهم شجرة.
**- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: (من هذا). فقال: أنا أبو هريرة، فقال: (أبغني أحجارًا أستنفض بها، ولا تأتيني بعظم ولا بروثة). فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي، حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: (هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعامًا).
قال ابن حجر العسقلاني
قوله باب ذكر الجن.. وقول الله عز وجل: (قل أوحي إلي انه استمع نفر من الجن) الآية يريد تفسير هذه الآية وقد أنكر بن عباس أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الصلاة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال ما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم الحديث وحديث أبي هريرة في هذا الباب وإن كان ظاهرًا في اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وحديثه معهم لكنه ليس فيه انه قرأ عليهم ولا أنهم الجن الذين استمعوا القرآن لأن في حديث أبي هريرة أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وأبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة المدينة وقصة استماع الجن للقران كان بمكة قبل الهجرة وحديث بن عباس صريح في ذلك فيجمع بين ما نفاه وما أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فأما ما وقع في مكة فكان لاستماع القرآن والرجوع إلى قومهم منذرين كما وقع في القران وإما في المدينة فللسؤال عن الأحكام وذلك بين في الحديثين المذكورين ويحتمل أن يكون القدوم الثاني كان أيضا بمكة وهو الذي يدل عليه حديث بن مسعود كما سنذكره وإما حديث أبي هريرة فليس فيه تصريح بأن ذلك وقع بالمدينة ويحتمل تعدد القدوم بمكة مرتين وبالمدينة أيضًا قال البهيقي حديث بن عباس حكى ما وقع في أول الأمر عندما علم الجن بحاله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود انتهى.
وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد والحاكم من طريق زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخل فلما سمعوه قالوا أنصتوا وكانوا سبعة أحدهم زوبعة قلت وهذا يوافق حديث بن عباس وأخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال لا ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير فبتنا شر ليلة فلما كان عند السحر إذا نحن به يجيء من قبل حراء فذكرنا له فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.(6/120)
وقول بن مسعود في هذا الحديث أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم أصح مما رواه الزهري أخبرني أبو عثمان بن شيبة الخزاعي أنه سمع بن مسعود يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو بمكة: " من أحب منكم ان ينظر الليلة اثر الجن فليفعل" قال فلم يحضر منهم أحد غيري فلما كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق ثم قرأ القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا وفرغ منهم مع الفجر فانطلق الحديث قال البهيقي يحتمل أن يكون قوله في الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به في حال إقرائه القرآن لكن قوله في الصحيح أنهم فقدوه يدل على إنهم لم يعلموا بخروجه إلا أن يحمل على أن الذي فقده غير الذي خرج معه فالله أعلم.
ولرواية الزهري متابع من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن بن مسعود قال: استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن نفرًا من الجن خمسة عشر بني إخوة وبني عم يأتونني الليلة فأقرأ عليهم القرآن" فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد فخط لي خطا فذكر الحديث نحوه أخرجه الدارقطني وابن مردويه وغيرهما وأخرج بن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن بن مسعود نحوه مختصرًا وذكر بن إسحاق أن استماع الجن كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف لما خرج إليها يدعو ثقيفًا إلى نصره وذلك بعد موت أبي طالب وكان ذلك في سنة عشر من المبعث كما جزم بن سعد بأن خروجه إلى الطائف كان في شوال وسوق عكاظ التي أشار إليها بن عباس كانت تقام في ذي القعدة وقول بن عباس في حديثه وهو يصلي بأصحابه لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن حارثة فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع والله أعلم.
وقول من قال أن وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليس صريحا في أولية قدوم بعضهم والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على أن ذلك كان قبل المبعث النبوي وإنزال الوحي إلى الأرض فكشفوا ذلك إلى أن وقفوا على السبب ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ولا وفادة ثم لما انتشرت الدعوة وأسلم من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة.
قوله حدثني عبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة السرخسي وهو بالتصغير مشهور بكنيته وفي طبقته عبد الله بن سعيد مكبر وهو أبو سعيد الأشج قوله عن معن بن عبد الرحمن أي بن عبد الله بن مسعود وهو كوفي ثقة ما له في البخاري إلا هذا الموضع قوله من آذن بالمد أي أعلم قوله انه آذنت بهم شجرة في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة بهذا الإسناد آذنت بهم سمرة بفتح المهملة وضم الميم.
قوله في حديث أبي هريرة أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قوله أبغني قال بن التين هو موصول من الثلاثي تقول بغيت الشيء طلبته وأبغيتك الشيء أعنتك على طلبه قوله أحجارًا أستنفض بها تقدم شرح ذلك في كتاب الطهارة قوله وأنه أتاني وفد جن نصيبين يحتمل أن يكون خبرًا عما وقع في تلك الليلة ويحتمل أن يكون خبرًا عما مضى قبل ذلك ونصيبين بلدة مشهورة بالجزيرة ووقع في كلام بن التين إنها بالشام وفيه تجوز فان الجزيرة بين الشام والعراق ويجوز صرف نصيبين وتركه قوله فسألوني الزاد أي مما يفضل عن الأنس وقد يتعلق به من يقول إن الأشياء قبل الشرع على الحظر حتى ترد الإباحة ويجاب عنه بمنع الدلالة على ذلك بل لا حكم قبل الشرع على الصحيح قوله فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعمًا. في رواية السرخسي إلا وجدوا عليها طعامًا قال بن التين يحتمل أن يجعل الله ذلك عليها ويحتمل أن يذيقهم منها طعامًا وفي حديث بن مسعود عند مسلم أن البعر زاد دوابهم ولا ينافي ذلك حديث الباب لا مكان حمل الطعام فيه على طعام الدواب.
وروى مسلم في كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن قال:(6/121)
*حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم. انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء. وأرسلت عليهم الشهب. فرجعت الشياطين إلى قومهم. فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء. وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة (وهو بنخل، عامدين إلى سوق عكاظ. وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر) فلما سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا! إنا سمعنا قرآنا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به. ولن نشرك بربنا أحدًا. فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن} [72/الجن/ الآية-1].
**حدثنا محمد بن المثنى. حدثنا عبد الأعلى عن داود، عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود. فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا. ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. ففقدناه. فالتمسناه في الأودية والشعاب. فقلنا: استطير أو اغتيل. قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال فقلنا: يا رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فقال: "أتاني داعي الجن. فذهبت معه. فقرأت عليهم القرآن". قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد. فقال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحما. وكل بعرة علف لدوابكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم".
**وحدثنيه علي بن حجر السعدي. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود، بهذا الإسناد، إلى قوله: وآثار نيرانهم. قال الشعبي: وسألوه الزاد. وكانوا من جن الجزيرة. إلى آخر الحديث من قول الشعبي. مفصلا من حديث عبد الله.
**وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله بن إدريس عن داود، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. إلى قوله: وآثار نيرانهم. ولم يذكر ما بعده.
**حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. قال:لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ووددت أني كنت معه.
**حدثنا سعيد بن محمد الجرمي وعبيد الله بن سعيد. قالا: حدثنا أبو أسامة عن مسعر، عن معن؛ قال: سمعت أبي قال:سألت مسروقًا: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك (يعني ابن مسعود) أنه آذنته بهم شجرة.
قال النووي(6/122)
قوله: (سوق عكاظ) هو بضم العين وبالظاء المعجمة يصرف ولا يصرف، والسوق تؤنث وتذكر لغتان، قيل: سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم. قوله: (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم) وذكر بعده حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن) قال العلماء: هما قضيتان، فحديث ابن عباس في أول الأمر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة قل أوحي، واختلف المفسرون هل علم النبيّ صلى الله عليه وسلم استماعهم حال استماعهم بوحي أوحي إليه أم لم يعلم بهم إلا بعد ذلك؟ وأما حديث ابن مسعود فقضية أخرى جرت بعد ذلك بزمان الله أعلم بقدره وكان بعد اشتهار الإسلام. قوله: (وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت الشهب عليهم) ظاهر هذا الكلام أن هذا حدث بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يكن قبلها، ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب، حتى قطع بين الشياطين وبين صعود السماء واستراق السمع كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع، فمن يستمع الاَن يجد له شهاباً رصداً} وقد جاءت أشعار العرب باستغرابهم رميها لكونهم لم يعهدوه قبل النبوة وكان رميها من دلائل النبوة. وقال جماعة من العلماء: ما زالت الشهب منذ كانت الدنيا وهو قول ابن عباس والزهري وغيرهما وقد جاء ذلك في أشعار العرب. وروى فيه ابن عباس رضي الله عنهما حديثاً قيل للزهري فقد قال الله تعالى: {فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} فقال: كانت الشهب قليلة فغلظ أمرها وكثرت حين بعث نبينًا صلى الله عليه وسلم وقال المفسرون نحو هذا وذكروا أن الرمي بها وحراسة السماء كانت موجودة قبل النبوة ومعلومة، ولكن إنما كانت تقع عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض أو إرسال رسول إليهم، وعليه تأولوا قوله تعالى: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} وقيل: كانت الشهب قبل مرئية ومعلومة، لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إلا بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في إعراب قوله تعالى: {رجوماً} وفي معناه فقيل هو مصدر فتكون الكواكب هي الراجمة المحرقة بشهبها لا بأنفسها. وقيل: هو اسم فتكون هي بأنفسها التي يرجم بها ويكون رجوم جمع رجم بفتح الراء والله أعلم. قوله: (فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) معناه سيروا فيها كلها. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على ذلك" قوله: (فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل) هكذا وقع في مسلم بنخل بالخاء المعجمة وصوابه بنخلة بالهاء وهو موضع معروف هناك، كذا جاء صوابه في صحيح البخاري، ويحتمل أنه يقال فيه نخل ونخلة، وأما تهامة فبكسر التاء وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز ومكة من تعامة. قال ابن فارس في المجمل: سميت تهامة من التهم بفتح التاء والهاء وهو شدة الحر وركود الريح. وقال صاحب المطالع: سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير. وذكر الحازمي أنه يقال في أرض تهامة تهائم. قوله: (وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء) فيه الجهر بالقراءة في الصبح، وفيه إثبات صلاة الجماعة وأنها مشروعة في السفر، وأنها كانت مشروعة من أول النبوة. قال الإمام أبو عبد الله المازري: ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن، ولا بد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة، وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول، فيكون الجن علموا ذلك من كتب الرسل المتقدمين قبلهم على أنه هو النبي الصادق المبشر به، واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في الآخرة على المعاصي، قال الله تعالى: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} واختلفوا في أن مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة وينعم بها ثواباً ومجازاة له على طاعته أم لا يدخلون؟ بل يكون ثوابهم أن ينجوا من النار ثم يقال: كونوا تراباً كالبهائم. وهذا مذهب ابن أبي سليم وجماعة، والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما، وهذا قول الحسن البصري والضحاك ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وغيرهم.(6/123)
قوله: (سألت ابن مسعود هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا) هذا صريح في إبطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ، وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين، ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول. قوله: (استطير أو اغتيل) معنى استطير طارت به الجن، ومعنى اغتيل قتل سراً، والغيلة بكسر الغين هي القتل في خفية. قال الدارقطني: انتهى حديث ابن مسعود عند قوله: فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي، كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم، هكذا قاله الدارقطني وغيره. ومعنى قوله أنه من كلام الشعبي أنه ليس مروياً عن ابن مسعود بهذا الحديث وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
قوله: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه) قال بعض العلماء، هذا لمؤمنيهم، وأما غيرهم فجاء في حديث آخر أن طعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه. قوله: (وددت أني كنت معه) فيه الحرص على مصاحبة أهل الفضل في أسفارهم ومهماتهم ومشاهدهم ومجالسهم مطلقاً والتأسف على فوات ذلك. قوله: (آذنت بهم شجرة) هذا دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد تمييزاً، ونظيره قوله الله تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} وقوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} وقوله صلى الله عليه وسلم : "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي" وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى الله عليه وسلم وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب، وحديث حنين الجذع وتسبيح الطعام وفرار حجر موسى بثوبه ورجعان حراء وأحد والله أعلم…..
-وعن مجاهد، عن ابن مسعود في هذا الحديث: إن الجن قالوا: من يشهد لك؟ قال: هذه الشجرة. تعالى يا شجرة، فجاءت تجر عروقها لها قعاقع...
-وذكر مثل الحديث الأول أو نحوه.
قلت: قال البيهقي في دلائل النبوة، باب ذكر إسلام الجن وما ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلى الله عليه وسلم
قال الله عز وجل (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ *) الأحقاف 29-32)
وفي موضع آخر (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (*وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً (* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً *وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً * وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً * وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (الجن 1-19 )(6/124)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب قال حدثني يحيى بن محمد بن يحيى وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قالا حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا إسماعيل القاضي قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ رسول الله على الجن وما رآهم انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا يا قومنا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) فأنزل الله عز وجل على نبيه (قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن) وإنما أوحي إليه قول الجن
رواه البخاري في الصحيح عن مسدد.
ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي عوانة
وهذا الذي حكاه عبد الله بن عباس إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة النبي وعلمت بحاله وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود ورأى آثارهم وآثار نيرانهم والله أعلم
وعبد الله بن مسعود حفظ القصتين جميعًا فرواهما.
أما القصة الأولى ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو علي الحافظ قال أخبرنا عبدان الأهواري قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال هبطوا على النبي وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا قالوا صه وكانوا سبعة أحدهم زوبعة فأنزل الله تبارك و تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا الآية إلى ضلال مبين)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب إملاء قال حدثنا أبو عمرو المستملي قال حدثنا أبو قدامة عبيد الله ابن سعيد قال حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن معن قال سمعت أبي قال سألت مسروقًا من آذن النبي ليلة استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه آذنته بهم شجرة.
رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي قدامة
وأما القصة الأخرى ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا داود عن الشعبي وابن أبي زايدة قال أخبرنا داود عن الشعبي عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب رسول الله ليلة الجن منكم أحد فقال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا اغتيل استطير ما فعل قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان في وجه الصبح أو قال في السحر إذا نحن يجيء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فذكروا الذي كانوا فيه فقال إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم
قال وقال الشعبي سألوه الزاد وقال ابن أبي زائدة قال عامر سألوه ليلتئذ الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال: (كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم قال فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن).
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية والأحاديث الصحاح تدل على أن عبد الله بن مسعود لم يكن مع النبي ليلة الجن وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره ويريهم آثار الجن وآثار نيرانهم(6/125)
وقد روي من أوجه آخر أنه كان معه ليلتئذ منها ما حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمد بن البلخي ببغداد من أصل كتابه قال حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بن سعد قال حدثني يونس بن زيد عن ابن شهاب قال أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي وكان رجلاً من أهل الشام أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول إن رسول الله قال لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل فلم يحضر منهم أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انطلقوا فطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط وفزع رسول الله مع الفجر فانطلق فبرز ثم أتاني فقال: (ما فعل الرهط؟) فقلت هم أولئك يا رسول الله فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث.
قلت: يحتمل قوله في الحديث الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به في حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم إلا أن ما روي في هذا الحديث من إعلامه أصحابه بخروجه إليهم يخالف ما روي في الحديث الصحيح من فقدانهم إياه حتى قيل اغتيل استطير إلا أن يكون المراد بمن فقده غير الذي علم بخروجه والله أعلم.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو نصر بن قتادة قالا أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوسنجي قال حدثنا روح بن صلاح قال حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال استتبعني رسول الله فقال: "إن نفرًا من الجن خمسة عشر بني أخوة وبني عم يأتونني الليل فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد فخط لي خطا وأجلسني فيه وقال لي لا تخرج من هذا فبت فيه حتى أتاني رسول الله مع السحر في يده عظم حائل وروثة وحممة فقال لي إذا ذهبت إلى الخلاء فلا تستنجي بشيء من هؤلاء قال فلما أصبحت قلت لأعلمن علمي حيث كان رسول الله قال فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا محمد بن عبد الملك الواسطي قال حدثنا يزيد هو ابن هارون قال حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق فقال ما هؤلاء قالوا هؤلاء الزط قال ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضًا.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا حدثنا أبو العباس هو الأصم قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا عثمان بن عمر عن مستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن مسعود قال انطلقت مع النبي ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد لهم يقال له وردان إني أنا أرحلهم عنك فقال إني لن يجيرني من الله أحد.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان قال حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر قال حدثنا مروان بن محمد قال حدثنا زهير بن محمد عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال لما قرأ رسول الله الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا فقال رسول الله: للجن كانوا أحسن جوابًا منكم لما قرأت عليهم (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب.
وحدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق قال حدثنا محمد بن إبراهيم البوسنجي قال حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد العنبري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قرأ رسول الله سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة (فبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد".(6/126)
أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا أبو جعفر الرزاز قال حدثنا أحمد بن الخليل البرجلاني قال حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال حدثنا المسعودي عن قتادة عن أبي المليح الهذلي أنه كتب إلى أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود أين قرأ رسول الله على الجن فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب قال أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي قال أخبرني الحسن هو ابن سفيان قال حدثني سويد بن سعيد قال حدثنا عمرو بن يحيى عن جده سعيد بن عمرو قال كان أبو هريرة يتبع رسول الله بإداوة لوضوئه وحاجته فأدركه يوما فقال: من هذا؟ قال أنا أبو هريرة قال: إئتني بأحجار استنجي بها ولا تأتني بعظم ولا روثة فأتيته بأحجار في ثوبي فوضعتها إلى جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته فقلت يا رسول الله ما بال العظم والروثة فقال أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد فدعوت الله لهم أن لا يمروا بروثة ولا بعظم إلا وجدوا طعامًا.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن عمرو.
*قال القاضي أبو الفضل: فهذا ابن عمر، وبريدة، وجابر، وابن مسعود، ويعلى بن مرة، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وغيرهم ـ وقد اتفقوا على هذه القصة نفسها أو معناها. وقد رواها عنهم من التابعين أضعافهم، فصارت في انتشارها من القوة حيث هي.
-وذكر ابن فورك أنه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف ليلاً، و هو وسن، فاعترضته سدرة، فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما، وبقيت على ساقين إلى وقتنا هذا، وهي هناك معروفة معظمة.
قلت: ذكره الماوردي في أعلام النبوة قال:
و من آياته صلى الله عليه وسلم:
أنه مر في غزوة الطائف في كثيف من طلح فمشى و هو وسن من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت السدرة له بنصفين فمر بين نصفيها و بقيت السدرة منفرجة على ساقين إلى قريب من أعصارنا هذه و كانت معروفة بذلك في مكانها يتبرك بها كل مار و يسمونها سدرة النبي صلى الله عليه وسلم.
-ومن ذلك حديث أنس رضي الله عنه ـ أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم ـ ورآه حزيناً: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع تلك الشجرة، فجاءت تمشي حتى قا مت بين يديه. قال: مرها فلترجع، فعادت إلى مكانها.
-وعن علي نحو هذا، ولم يذكر فيها جبريل، قال: اللهم أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها، فدعا شجرة... وذكر مثله.
-وحزنه صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه و طلبه الآية لهم لا له.
-وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى ركانة مثل هذه الآية في شجرة دعاها فأتت حتى وقفت بين يديه، ثم قال: ارجعي، فرجعت.
-وعن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم شكا إلى ربه من قومه وأنهم يخوفونه، وسأله آية يعلم بها ألا مخافة عليه، فأوحى إليه ائت وادي كذا فيه شجرة، فادع غصنًا منها يأتك. ففعل، فجاء يخط الأرض خطًا حتى انتصب بين يديه، فحبسه ما شاء الله، ثم قال له: ارجع كما جئت، فرجع، فقال: يا رب، علمت أن لا مخافة علي" .
ونحو منه عن عمر، وقال فيه: أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها... وذكر نحوه.
قلت:رواه البيهقي،والدارمي؛ وابن ماجه قال:
حدثنا محمد بن طريف ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال: جاء جبريل عليه السلام ذات يوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين، قد خضب بالدماء، قد ضربه بعض أهل مكة... فقال مالك؟ فقال: فعل بي هؤلاء وفعلوا... قال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم أرني.. فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، قال: ادع تلك الشجرة.. فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه.. قال: قل لها فلترجع. فقال لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي... قال الشيخ الألباني: صحيح.
-وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، فدعاه فجعل ينقر حتى أتاه. فقال: ارجع، فعاد إلى مكانه.
وخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح.
قلت: رواه الترمذي قال:
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن سعيد حدثنا شريك عن سماك عن أبي ظبيان عن بن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بم أعرف أنك نبي؟!
قال: "إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ارجع" فعاد فأسلم الأعرابي...
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح؛ وقال الشيخ الألباني: صحيح
---------------------
23. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(5) حنين الجذع وما شابهها
الفصل السادس عشر:
في قصة حنين الجذع(6/127)
* ويعضد هذه الأخبار حديث أنين الجذع، وهو في نفسه مشهور منتشر، والخبر به متواتر، قد خرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر، منهم أبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدري وبريدة، وأم سلمة، والمطلب بن أبي وداعة، كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث. قال الترمذي: وحديث أنس صحيح.
-قال جابر بن عبد الله: كان المسجد مسقوفاً على جذوع نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار.
-وفي رواية أنس: حتى ارتج المسجد بخواره.
-وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوا به.
-وفي رواية المطلب وأبي: حتى تصدع وانشق، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع يده عليه فسكت.
زاد غيره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا بكى لما فقد من الذكر".
وزاد غيره: والذي نفسي بيده: لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة. تحزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر.كذا في حديث المطلب، وسهل بن سعد، وإسحاق، عن أنس.
-وفي بعض الروايات عن سهل: فدفنت تحت منبره، أو جعلت في السقف.
-وفي حديث أبي: فكان إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فلما هدم المسجد أخذه أبي، فكان عنده إلى أن أكلته الأرض، وعاد رفاتاً.
-وذكر الإسفرايني أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى نفسه، فجاء يخرق الأرض، فالتزمه، ثم أمره فعاد إلى مكانه.
-وفي حديث بريده: فقال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شئت أدرك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك، ويكمل خلقك، ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة، فيأكل أولياء الله من ثمرك". ثم أصغى له صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول. فقال: تغرسني في الجنة، فيأكل مني أولياء الله، و أكون في مكان لا أبلى فيه. فسمعه من يليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد فعلت ثم قال: اختار دار البقاء على دار الفناء.
فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى، وقال: يا عباد الله، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إليه لمكانه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه. رواه ـ عن جابر ـ حفص بن عبيد الله و يقال: عبيد الله بن حفص، و يمن، وبو نضرة، و بن المسيب، وسعيد بن أبي كرب، وكريب، وأبو صالح.
ورواه عن أنس بن مالك الحسن، وثابت، وإسحاق بن أبي طلحة.
ورواه عن ابن عمر: نافع، وأبو حية، ورواه أبو نضرة، وأبو الوداك، عن أبي سعيد، وعمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، وأبو حازم، وعباس بن سهل، عن سهل بن سعد، وكثير بن زيد عن المطلب، وعبد الله بن بريدة عن أبيه، والطفيل بن أبي عن أبيه.
-قال القاضي أبو الفضل: فهذا حديث كما تراه خرجه أهل الصحة، ورواه من الصحابة من ذكرنا، وغيرهم من التابعين ضعفهم، إلى من لم نذكره، وبمن دون هذا العدد يقع العلم لمن اعتنى بهذا الباب. والله المثبت على الصواب.
وقفة مع ما روي في أنين جذع النخلة لما تحول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنبر:
البخاري
في كتاب الجمعة باب: الخطبة على المنبر:
- حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: أخبرني يحيى بن سعيد قال: أخبرني ابن أنس: أنه سمع جابر بن عبد الله قال: كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع له المنبر، سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه.قال سليمان، عن يحيى: أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس: أنه سمع جابرًا.
وفي كتاب المناقب
-حدثنا محمد بن المثنى: حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان: حدثنا أبو حفص، واسمه عمر بن العلاء، أخو أبي عمرو بن العلاء، قال: سمعت نافعًا، عن ابن عمر رضي الله عنهما:كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع، فأتاه يمسح يده عليه.وقال عبد الحميد: أخبرنا عثمان بن عمر: أخبرنا معاذ بن العلاء، عن نافع بهذا. ورواه أبو عاصم، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حدثنا أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: سمعت أبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال:(إن شئتم). فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه، تئن أنين الصبي الذي يسكن. قال:(كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها).(6/128)
- حدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر وكان عليه، فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت.
مسلم
ذكر الأعواد التي عمل منها المنبر ولم يذكر جذع النخلة:
حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد. كلاهما عن عبد العزيز. قال يحيى: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه؛ أن نفرًا جاءوا إلى سهل بن سعد. قد تماروا في المنبر. من أي عود هو؟ فقال:
أما والله! إني لأعرف من أي عود هو. ومن عمله. ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه. قال فقلت له: يا أبا عباس! فحدثنا. قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة (قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ) "انظري غلامك النجار. يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها". فعمل هذه الثلاث درجات. ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوضعت هذا الموضع. فهي من طرفاء [؟؟] الغابة. ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه. وهو على المنبر. ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر. ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته. ثم أقبل على الناس فقال: "يا أيها الناس! إني صنعت هذا لتأتموا بي. ولتعلموا صلاتي".
حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ القرشي. حدثني أبو حازم؛ أن رجالاً أتوا سهل بن سعد. ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر. قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم؛ قال: أتوا سهل بن سعد فسألوه: من أي شيء منبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وساقوا الحديث. نحو حديث ابن أبي حازم
الترمذي
في أبواب الجمعة باب ما جاء في الخطبة على المنبر:
- حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس أخبرنا عثمان بن عمر ويحيى بن كثير أبو غسان العنبري قالا حدثنا معاذ بن العلاء عن نافع عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن".وفي الباب عن أنس وجابر وسهل بن سعد وأبي بن كعب وابن عباس وأم سلمة.
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب صحيح.ومعاذ بن العلاء هو بصري أخو أبي عمرو بن العلاء.
وفي أبواب المناقب
- حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزق جذع واتخذوا له منبرا فخطب عليه فحن الجذع حنين الناقة فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فمسه فسكت". وفي الباب عن أبي وجابر وابن عمر وسهل بن سعد وابن عباس وأم سلمة. حديث أنس هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه
النسائي
في باب مقام الإمام في الخطبة مقام الإمام في الخطبة:
- أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود قال أنبأنا ابن وهب قال ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:-كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع المنبر واستوي عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكتت..
الدارمي
في مجموعة أبواب في المقدمة باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم بحنين المنبر:
أخبرنا عثمان بن عمر أنا معاذ بن العلاء عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فمسحه.(6/129)
أخبرنا محمد بن حميد ثنا تميم بن عبد المؤمن ثنا صالح بن حيان حدثني ابن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب قام فأطال القيام فكان يشق عليه قيامه فأتي بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه قائما للنبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب فطال القيام عليه استند إليه فاتكأ عليه فبصر به رجل كان ورد المدينة فرآه قائما إلى جنب ذلك الجذع، فقال لمن يليه من الناس لو أعلم أن محمدًا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسًا يقوم عليه فإن شاء جلس ما شاء وإن شاء قام فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ائتوني به فأتوه به فأمر أن يصنع له هذه المراقي الثلاث أو الأربع هي الآن في منبر المدينة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك راحة فلما فارق النبي صلى الله عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له جزع الجذع فحن كما تحن الناقة حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم فزعم بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه، وقال: "اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت وإن شئت أن أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها وعيونها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل أولياء الله من ثمرتك ونخلك فعلت".. فزعم أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: نعم قد فعلت مرتين فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اختار أن أغرسه في الجنة.
أخبرنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل المنبر فلما جعل المنبر حن ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن.
حدثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد عن حفص بن عبيد الله عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما صنع المنبر فجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حنت حنين العشار حتى وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليها فسكنت.
أخبرنا فروة ثنا يحيى بن زكريا عن أبيه عن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال حنت الخشبة حنين الناقة الخلوج.
أخبرنا زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع ويخطب إليه إذ كان المسجد عريشًا، فقال له رجل من أصحابه: ألا نجعل لك عريشا تقوم عليه يراك الناس يوم الجمعة وتسمع من خطبتك قال: نعم... فصنع له الثلاث درجات هن اللواتي على المنبر. فلما صنع المنبر ووضع في موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد المنبر مر عليه فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق فرجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه بيده حتى سكن ثم رجع إلى المنبر قال: فكان إذا صلى صلى إليه فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى بلي فأكلته الأرضة وعاد رفاتًا
حدثنا عبيد الله بن سعيد ثنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى لزق جذع فأتاه رجل رومي، فقال اصنع لك منبرًا تخطب عليه فصنع له منبرا هذا الذي ترون قال: فلما قام عليه النبي صلى الله عليه وسلم يخطب حن الجذع حنين الناقة إلى ولدها فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه إليه فسكن فأمر به أن يحفر له ويدفن.
أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا الصعق قال: سمعت الحسن يقول لما أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل يسند ظهره إلى خشبة ويحدث الناس فكثروا حوله فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمعهم، فقال ابنوا لي شيئا ارتفع عليه قالوا كيف يا نبي الله قال عريش كعريش موسى فلما أن بنوا له قال الحسن حنت والله الخشبة قال الحسن سبحان الله هل تبتغي قلوب قوم سمعوا قال أبو محمد يعني هذا.
أخبرنا الحجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن الجذع فاحتضنه فسكن، وقال: لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة.
أخبرنا الحجاج بن منهال ثنا حماد عن ثابت عن أنس بمثله
أخبرنا عبد الله بن يزيد ثنا المسعودي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال حنت الخشبة التي كان يقوم عندها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ووضع يده عليها فسكنت.(6/130)
أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا عمر بن يونس ثنا عكرمة بن عمار ثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس فجاءه رومي، فقال ألا أصنع لك شيئًا تقعد عليه وكأنك قائم فصنع له منبرًا له درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن، ثم قال: "أما والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله" صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن.
وفي كتاب الصلاة باب مقام الإمام إذا خطب
أخبرنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل المنبر فلما جعل المنبر حن ذلك الجزع حتى سمعنا حنينه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن.
حدثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر تحول إليه حن الجذع فاحتضنه فسكن، وقال: لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة.
حدثنا حجاج ثنا حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عبد الله بن يزيد ثنا المسعودي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال لما كثر الناس بالمدينة جعل الرجل يجيء والقوم يجيؤون فلا يكادون يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يرجعوا من عنده، فقال له الناس يا رسول الله إن الناس قد كثروا وإن الجائي يجيء فلا يكاد يسمع كلامك قال: فما شئتم فأرسل إلى غلام لامرأة من الأنصار نجار وإلى طرفاء الغابة فجعلوا له مرقاتين أو ثلاثا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عليه ويخطب عليه فلما فعلوا ذلك حنت الخشبة التي كان يقوم عندها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فوضع يده عليها فسكنت****
ابن ماجه
في كتاب لإقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في بدء شأن المنبر
- حدثنا إسماعيل بن عبد الله الرقي. حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الله ابن محمد بن غقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه؛ قال:- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشًا. وكان يخطب إلى ذلك الجذع. فقال رجل من أصحابه: هل لك أن نجعل لك شيئًا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم خطبتك؟ قال(نعم) فصنع ثلاث درجات. فهي التي أعلى المنبر. فلما وضع المنبر، وضعوه في موضعه الذي هو فيه. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم إلى المنبر، مر إلى الجذع الذي كان يخطب إليه. فلما جاوز الجذع، خار حتى تصدع وانشق. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع. فمسحه بيده حتى سكن. ثم رجع إلى المنبر. فكان إذا صلى، صلى إليه. فلما هدم المسجد وغير، أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب. وكان عنده في بيته حتى بلى. فأكلته الأرضة وعاد رفاتًا.
- حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي. حدثنا بهز بن أسد. حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس؛ وعن ثابت، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع. فلما اتخذ المنبر ذهب إلى المنبر. فحن الجذع فأتاه فاحتضنه فسكن. فقال: (لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة).
في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
- حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري. حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي حازم؛ قال:- اختلف الناس في منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شيء هو؟ فأتوا سهل بن سعد فسألوه. فقال: ما بقي أحد من الناس أعلم به مني. هو من أثل الغابة. عمله فلان مولى فلانة، نجار. فجاء به. فقام عليه حينما وضع. فاستقبل وقام الناس خلفه. فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فرجع القهقري حتى سجد بالأرض. ثم عاد إلى المنبر فقرأ ثم ركع فقام ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض.
- حدثنا أبو بشر، بكر بن خلف. حدثنا ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله؛ قال:
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى أصل شجرة -أو قال إلى جذع- ثم اتخذ منبرا. قال فحن الجذع. قال جابر حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه فسكن. فقال بعضهم: لو لم يأته لحن إلى يوم القيامة.
في الزوائد: إسناده صحيح وابن عدي ثقة. وقال: وقد أخرجه النسائي عن جابر بسند آخر.
البيهقي
باب مقام الإمام في الخطبة(6/131)
أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أنبأ أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البخاري أنبأ أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان يعني بن بلال قال: قال يحيى يعني بن سعيد: أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك الأنصاري أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كان المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسقوفًا على جذوع من نخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع فلما صنع المنبر كان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت رواه البخاري في الصحيح عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا جعفر بن محمد وإسماعيل بن قتيبة قالا: ثنا يحيى بن يحيى أنبأ عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن نفرا جاءوا إلى سهل بن سعد قد تماروا في المنبر من أي عود هو فقال: أما والله إني لأعرف من أي عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه.. قال فقلت له يا أبا عباس فحدثنا فقال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة نقال أبو حازم إنه لسماها يومئذ.. "انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا لأكلم الناس عليها".. فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع؛ فهي من طرفاء الغابة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر يعني ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار قال ثنا الحسن بن الفضل بن السمح ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا أبو علي حامد بن محمد الهروي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا عبد الواحد بن أيمن حدثني أبي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا تجعل لك منبرًا قال: إن شئتم فاجعلوه.. فجعلوا له منبرًا فلما كان يوم الجمعة ذهب إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إليه كانت تئن أنين الصبي الذي يسكت قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها.. لفظ حديث أبي عبد الله رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم.
وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد الحافظ أنبأ أبو الجهم محمد بن الحسين القرشي ثنا شعيب بن عمرو الضبعي ثنا أبو عاصم ثنا بن أبي رواد حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن تميم الداري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وثقل ألا نتخذ لك منبرًا تحمل أو تجمع أو كلمة تشبهها عظامك فاتخذ له مرقاتين أو ثلاثة فجلس عليها قال فصعد النبي صلى الله عليه وسلم فحن جذع كان في المسجد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إليه فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فقال له شيئًا لا أدرى ما هو ثم صعد المنبر وكانت أساطين المسجد جذوعا وسقائفه جريدًا قال البخاري روى أبو عاصم عن بن أبي رواد فذكره.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا عثمان بن عمر ثنا معاذ بن العلاء عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر حن الجذع فأتاه فالتزمه صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في الصحيح فقال وقال عبد الحميد أنبأ عثمان بن عمر.
البيهقي في دلائل النبوة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا تميم ابن المنتصر(6/132)
ح وحدثنا منصور بن عبد الوهاب بن أحمد الصوفي قال أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان البخاري قال أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس قال حدثني سليمان بن بلال عن سعد بن سعيد بن قيس عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه أن رسول الله كان يقوم الجمعة إذا خطب إلى خشبة ذات فرضتين قال أراها من دوم كانت في مصلاه وكان يتكئ إليها فقال له أصحابه يا رسول الله إن الناس قد كثروا فلو اتخذت شيئًا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس فقال: ما شئتم قال سهل ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد قال فذهبت أنا وذلك النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة قال: فقام رسول الله فحنت الخشبة فقال رسول الله: "ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة" فأقبل الناس عليها فرقوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم فنزل رسول الله فأتاها فوضع يده عليها فسكنت فأمر رسول الله بها فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف.
ابن خزيمة
باب ذكر أن موضع قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة كان قبل اتخاذه المنبر والدليل على أن الخطبة على الأرض جائزة من غير صعود المنبر يوم الجمعة والعلة التي لها أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ المنبر إذ هو أحرى أن يسمع الناس خطبة الإمام إذا كثروا إذا خطب على المنبر.
أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا علي بن خشرم أخبرنا عيسى يعني بن يونس عن المبارك وهو بن فضالة عن الحسن عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة يسند ظهره إلى سارية من خشب أو جذع أو نخلة شك المبارك فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرًا.. فبنوا له المنبر، فتحول إليه حنت الخشبة حنين الواله فما زالت حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فأتاها فاحتضنها فسكنت قال أبو بكر الواله يريد بها المرأة إذا مات لها ولد.
باب ذكر العلة التي لها حن الجذع عند قيام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وصفة منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعدد درجه والاستناد إلى شيء إذا خطب على الأرض
أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن بشار ثنا عمر بن يونس نا عكرمة بن عمار نا إسحاق بن أبي طلحة ثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب.. فجاء رومي فقال ألا نصنع لك شيئا تقعد وكأنك قائم فصنع له منبرًا له درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور حتى ارتج المسجد بخواره حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فألتزمه وهو يخور فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ثم قال: "والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنا على رسول الله". صلى الله عليه وسلم... فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن يعني الجذع وفي خبر جابر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا بكى لما فقد من الذكر".
ابن ابي شيبة
حدثنا الحسن بن موسى قال ثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع حتى أخذه فاحتضنه فسكن فقال: " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ".
حدثنا ابن عيينة عن أبي حازم قال أتوا سهل بن سعد فقالوا: من أي شئ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما بقي أحد من الناس أعلم به مني، قال: هو من أثل الغابة، وعمله فلان مولى فلانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب، فلما اتخذ المنبر فقعد عليه حن الجذع، قال: فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطده، وليس في حديث أبي حازم: حتى سكن.
حدثنا وكيع عن عبد الواحد عن أبيه عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة، فقالت له امرأة من الانصار: يا رسول الله! إن لي غلاما نجارا، أفلا آمره يصنع لك منبرا؟ قال: " بلى، فاتخذ منبرا، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، قال: فإن الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين الصبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا بكى لما فقد من الذكر
أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج وروح حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:-كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له منبره استوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل إليها فاعتنقها فسكنت وقال روح فسكتت... وقال ابن بكر فاضطربت تلك السارية وقال روح اضطربت كحنين.(6/133)
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان أخبرنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس أن:-رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول اليه حن عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال: ولو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
الطبراني
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بن سَهْلِ بن سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ , أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ، قَالَ: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا، فَلَوْ كَانَ مِنْبَرٌ أَقْعُدُ عَلَيْهِ"، قَالَ عَبَّاسٌ: فَذَهَبَ أَبِي فَقَطَعَ عِيدَانَ الْمِنْبَرِ مِنَ الْغَابَةِ، فَلا أَدْرِي عَمِلَهَا أَوِ اسْتَعْمَلَهَا.
الفصل السابع عشر
ومثل هذا في سائر الجمادات
J * حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي، حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن المرابط، حدثنا المهلب، حدثنا أبو الحسن القابسي، حدثنا المروزي، حدثنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم،عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
-وفي غير هذه الرواية عن ابن مسعود: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام و نحن نسمع تسبيحه.
قلت: روى البخاري حديث ابن مسعود في كتاب المناقب قال:
حدثني محمد بن المثنى: حدثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:
كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقل الماء، فقال: (اطلبوا فضلة من ماء). فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: (حي على الطهور المبارك، والبركة من الله). فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
قال ابن حجر
قوله: ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غالبا ووقع ذلك عند الإسماعيلي صريحا أخرجه عن الحسن بن سفيان عن بندار عن أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وله شاهد أورده البيهقي في الدلائل من طريق قيس بن أبي حازم قال كان أبو الدرداء وسليمان إذا كتب أحدهما إلى الآخر قال له بآية الصحفة وذلك أنهما بينا هما يأكلان في صحفة إذا سبحت وما فيها..
وأخرجه:
الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال إنكم تعدون الآيات عذابا وإنا كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بركة لقد كنا نأكل الطعام مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام قال وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم حي على الوضوء المبارك والبركة من السماء حتى توضأنا كلنا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
قال الترمذي: حسن صحيح
أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: حدثنا الوليد بن القاسم بن الوليد حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال وسمع عبد الله بخسف قال:
- كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا إنا بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا من معه يعني ماء ففعلنا فأتي بماء فصبه في اناء ثم وضع كفيه فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله فملأت بطني منه واستسقى الناس قال عبد الله: قد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
- وقال أنس: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى، فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيح، ثم صبهن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبحن، ثم في أيدينا فما سبحن.
-وروى مثله أبو ذر، وذكر أنهن سبحن في كف عمر وعثمان.
قلت: قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
قلت وقد اشتهر تسبيح الحصي ففي حديث أبي ذر قال تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن أخرجه البزار والطبراني في الأوسط وفي رواية الطبراني فسمع تسبيحهن من في الحلقة وفيه ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع أحد منا(6/134)
قال البيهقي في الدلائل كذا رواه صالح بن أبي الأخضر ولم يكن بالحافظ عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كان كبير السن ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذر بهذا
فائدة ذكر بن الحاجب عن بعض الشيعة أن انشقاق القمر وتسبيح الحصي وحنين الجذع وتسليم الغزالة مما نقل آحاد مع توفر الدواعي على نقله ومع ذلك لم يكذب رواتها وأجاب بأنه استغنى عن نقلها تواتر بالقرآن وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا وعلى تسليمه فمجموعها يفيد القطع كما تقدم في أول هذا الفصل والذي أقول إنها كلها مشتهرة عند الناس وأما من حيث الرواية فليست على حد سواء فإن حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك وأما تسبيح الحصي فليست له إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها...
قلت: وحديث أبي ذر أورده الألباني في كتاب ظلال الجنة في تخريج السنة؛ وصححه- وهو:
حدثنا محمد بن عوف ثنا عبد الحميد بن إبراهيم ثنا عبدالله بن سالم عن الزبيدي حدثني حميد أن عبد الرحمن بن أبي عوف حدثه أنه سمع عبد ربه أنه سمع عاصم بن حميد يقول إن أبا ذر قال إني انطلقت ألتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض حوائط المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فأقبل إليه أبو ذر حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو ذر وحصيات موضوعة بين يديه فأخذهن في يده فسبحن في يده ثم وضعهن في الأرض فسكتن ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن في يده ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد عمر فسبحن في يده ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن.
-وقال علي كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فخرج إلى بعض نواحيها ما استقبله شجرة ولا جبل إلا قال له: السلام عليك يا رسول الله.
قلت: رواه الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عبادة بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله
وقال الترمذي حديث حسن غريب... وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب "
و أخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله. رواه الترمذي والدارمي.
ولفظه في مسند الدارمي كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فِى بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَرَرْنَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ نَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَلاَ جَبَلٍ إِلاَّ قَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
-وعن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي. قيل: إنه الحجر الأسود.
قلت أخرجه السيوطي في الجامع الصغير (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ).
تخريج السيوطي: (حم م ت) عن جابر بن سمرة.
الألباني: في صحيح الجامع.
مسلم
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان. حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة. قال:
قال رسول الله ص صلى الله عليه وسلم "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن".
الترمذي
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا أخبرنا أبو داود الطيالسي أخبرنا سليمان ابن معاذ الضبي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- " إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لا أعرفه الآن ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ابن حبان
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي إذا بعثت إني لأعرفه الآن.
الدارمي
حدثنا محمد بن سعيد أنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن إبراهيم بن طهمان عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن.
حدثنا فروة ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن إسماعيل السدي عن عباد أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنا مع النبي
قلت أخرجه السيوطي في الجامع الصغير: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ).
تخريج السيوطي: (حم م ت) عن جابر بن سمرة.
الألباني: في صحيح الجامع.
مسلم
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان. حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة. قال:(6/135)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن".
الترمذي
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا أخبرنا أبو داود الطيالسي أخبرنا سليمان ابن معاذ الضبي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- " إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لا أعرفه الآن ". هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
ابن حبان
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي إذا بعثت إني لأعرفه الآن
الدارمي
حدثنا محمد بن سعيد أنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن إبراهيم بن طهمان عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث اني لأعرفه الآن
حدثنا فروة ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن إسماعيل السدي عن عباد أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا معه في بعض نواحيها فمررنا بين الجبال والشجر فلم نمر بشجرة ولا جبل إلا قال السلام عليك يا رسول الله
أحمد
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن.
أبو يعلى
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو داود قال حدثني سليمان بن معاذ حدثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت وإني لأعرفه إذا مررت عليه
أحمد
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن.
أبو يعلى
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو داود قال حدثني سليمان بن معاذ حدثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت وإني لأعرفه إذا مررت عليه
-وعن عائشة رضي الله عنها: لما استقبلني جبريل عليه السلام بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يارسول الله.
قلت: أورد البيهقي نحوه في دلائل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي وكان واعية عن بعض أهل العلم أن رسول الله حين أراد الله عز وجل كرامته وابتدأه لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه فيلتفت رسول الله خلفه وعن يمينه وعن شماله ولا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة وهي تحييه بتحية النبوة السلام عليك يا رسول الله
وقال ابن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي وكان داعية عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى يحسر الثوب عنه ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله قال فيلتفت حوله عن يمينه وعن شماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة فمكث كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاء من كرامة الله وهو بحراء في رمضان
و ذكر مثله الماوردي في أعلام النبوة قال:
روت برة بنت أبي تحراه: أن الله تعالى لما أراد كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة كان لا يمر بشجر و لا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه و شماله و خلفه فلا يرى أحدا فاحتمل أن يكون ذلك قبل رؤيا المنام فيكون كالهتوف الخارجة عن أعلام الوحي إلى إعجاز النبوة و احتمل أن يكون بعد الرؤيا فيكون تصديقا لها و تحقيقا لصحتها..
-وعن جابر بن عبد الله: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.
ذكر مثله الماوردي في أعلام النبوة قال
ومن آياته صلى الله عليه وسلم: ما رواه جابر بن عبد الله قال: كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم خصال لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه و لم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له..
-وفي حديث العباس، إذا اشتمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بنيه، بملاءة، ودعا لهم بالستر من النار كستره إياهم بملاءته، فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت: آمين آمين.
قلت: أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة قال:(6/136)
عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقال لا ترم من منزلك غدا أنت وبنوك فإن لي فيكم حاجة قال فجمعهم العباس في بيت فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم كيف أصبحتم؟! قالوا بخير نحمد الله بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله قال: تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض. حتى إذا اكتنفوا اشتمل عليهم بملآته إذا ثم قال اللهم هذا العباس عمي وهؤلاء أهل بيتي استرهم من النار كستري إياهم بملآتي فقال هذه قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت آمين آمين آمين ثلاثا
-وعن جعفر بن محمد، عن أبيه: مرض النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فسبح.
قلت:قال صاحب المواهب اللدنية: قال السيوطي لم أجده في كتب الحديث÷ ونقله عن عياض الحافظ أبو الفضل في فتح الباري.
-وعن أنس: صعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، أحُداً، فرجف بهم، فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي و صديق، و شهيدان.
J -ومثله عن أبي هريرة في حراء، وزاد معه: علي وطلحة، والزبير، وقال: فإنما عليك نبي، أو صديق،أو شهيد.
J -والخبر في حراء أيضاً عن عثمان، قال: ومعه عشر من أصحابه أنا فيهم.
وزاد عبد الرحمن وسعداً، قال: ونسيت الاثنين.
-وفي حديث سعيد بن زيد أيضاً مثله، و زاد عشرة، وزاد نفسه.
قلت: رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة
حدثني محمد بن بشار: حدثنا يحيى، عن سعيد، عن قتادة: أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: (اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق، وشهيدان).
حدثنا مسدد: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد بن أبي عروبة. وقال لي خليفة: حدثنا محمد بن سواء، وكهمس بن المنهال قالا: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله وقال: (اثبت أحد، فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيدان)
وأخرجه أحمد في المسند
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة حدثنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم:
-أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن عليك نبي وصديق وشهيدان.
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن عاصم قال حصين: أخبرنا عن هلال ابن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني قال:
-لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال: فأقام خطباء يقعون في علي قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم قال: قلت: وما ذاك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قال: قلت: من هم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك قال: ثم سكت قال: قلت: ومن العاشر قال: قال: أنا.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم التيمي عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال:-أشهد أن عليا رضي الله عنه من أهل الجنة قلت: وما ذاك قال: هو في التسعة ولو شئت أن أسمي العاشر سميته قال: اهتز حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأنا يعني سعيدا نفسه...
و النسائي في سننه
أخبرني زياد بن أيوب قال حدثنا سعيد بن عامر عن يحيى بن أبي الحجاج عن سعيد الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري قال:
-شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل فركضه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان قالوا اللهم نعم قال الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة يعني أني شهيد.
-أخبرنا عمران بن بكار ابن راشد قال حدثنا خطاب بن عثمان قال حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن:-أن عثمان أشرف عليهم حين حصروه فقال أنشد بالله رجلا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله وقال اسكن فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان وأنا معه فانتشد له رجال.
والترمذي في سننه
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس ابن مالك حدثهم:(6/137)
- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديقٌ وشهيدان". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- حدثنا قتيبة أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:
- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديقٌ أو شهيدٌ". وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد وابن عباس وسهل بن سعد وأنس بن مالك وبريدة الأسلمي. هذا حديثٌ صحيحٌ.
- حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديقٌ أو شهيدٌ؟ قالوا نعم.....
وابن حبان في صحيحه
اخبرنا أبو خليفة حدثنا علي بن المديني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن أحدا ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله تعالى عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان قال معمر وسمعت قتادة يحدث بمثله
أخبرنا أبو خليفة حدثا علي بن المديني حدثنا يزيد بن زريع حدثني سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان رضى الله تعالى عنهم فرجف بهم فضربه نبي الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان
وأبو يعلى في مسنده
حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على أحد وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهما فضربه برجله وقال اثبت أحد نبي وصديق وشهيدان
** قال ابن حجر العسقلاني
قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وسعيد هو بن أبي عروبة قوله صعد أحدا هو الجبل المعروف بالمدينة ووقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد حراء والأول أصح ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد فاني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه أحدا أو حراء بالشك وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء وإسناده صحيح وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد وإسناده صحيح فقوي احتمال تعدد القصة وتقدم في أواخر الوقف من حديث عثمان أيضا نحوه وفيه حراء وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر انه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم والله اعلم قوله وأبو بكر وعمر قال بن التين انما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي في صعد وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله أحدا وهو بخلاف قوله الآتي في آخر الباب كنت وأبو بكر وعمر وقوله اثبت وقع في مناقب عمر فضربه برجله وقال اثبت بلفظ الأمر من الثبات وهو الاستقرار واحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز وحمله على الحقيقة أولى وقد تقدم شيء منه في قوله أحد جبل يحبنا ونحبه ويؤيده ما وقع في مناقب عمر انه ضربه برجله وقال اثبت قوله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان في رواية يزيد بن زريع عن سعيد الآتية في مناقب عمر فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد و أو فيها للتنويع و شهيد للجنس
صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن عليك نبي وصديق وشهيدان.
-وقد روي أنه حين طلبته قريش قال له ثبير: اهبط يا رسول الله، فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله. فقال حراء: إليّ يا رسول الله.
قلت: قال الشيخ أحمد بن محمد القسطلاني في المواهب اللدنية: وهو، أي هذا الحديث مروي في الهجرة من السيرة...قال السهيلي في حديث الهجرة: وأحسب أن ثوراً ناداه أيضاً، لما قال له ثبير: اهبط عني...
-وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر: ((وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(الأنعام: 91)،(الزمر: 67) ثم قال: يمجد الجبار نفسه، أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الكبير المتعال، فرجف المنبر حتى قلنا: ليخرن عنه.
قلت: أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات.
-وعن ابن عباس: كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم مثبته الأرجل بالرصاص بالحجارة، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها ولا يمسها ويقول: (جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(الإسراء: 81))، فما أشار إلى وجه صنم إلا وقع لقفاه، ولا لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم.(6/138)
-ومثله في حديث ابن مسعود، وقال: فجعل يطعنها ويقول: (جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)(سبأ: 49)
قلت رواه البخاري في المظالم، والمغازي، والتفسير
1-حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا، فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}(الإسراء: 81)
2-حدثنا صدقة بن الفضل: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }(الإسراء: 81) {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}(سبأ: 49).
3-باب: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} /81/.
يزهق: يهلك.
- حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}. {جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد}.
قال ابن حجر
قوله ستون وثلاثمائة نصب بضم النون والمهملة وقد تسكن بعدها موحدة هي واحدة الأنصاب وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى ووقع في رواية بن أبي شيبة عن بن عيينة صنما بدل نصبا ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للاصنام وليست مرادة هنا وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الآية قوله فجعل بطعنها بضم العين وبفتحها والأول أشهر قوله بعود في يده ويقول جاء الحق في حديث أبي هريرة عند مسلم يطعن في عينيه بسية القوس وفي حديث بن عمر عند الفاكهي وصححه بن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهى والطبراني من حديث بن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئًا.
قوله الأزلام هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر وعند بن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث بن مسعود وفيه فأمر بها فكبت لوجوهها وفيه نحو حديث بن عباس وزاد قاتلهم الله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام ثم دعا بزعفران فلطخ تلك التماثيل وفي الحديث كراهية الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور...
وقال
قوله باب: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(الإسراء: 81)يزهق يهلك قال أبو عبيدة في قوله تزهق أنفسهم وهم كارهون أي تخرج وتموت وتهلك ويقال زهق ما عندك أي ذهب كله وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن بن عباس إن الباطل كان زهوقا أي ذاهبا ومن طريق سعيد عن قتادة زهق الباطل أي هلك قوله عن بن أبي نجيح كذا لهم وفي بعض النسخ حدثنا بن أبي نجيح قوله دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم والنسائي أن ذلك كان في فتح مكة وأوله في قصة فتح مكة إلى أن قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت فجعل يمر بتلك الأصنام فجعل يطعنها بسية القوس ويقول جاء الحق وزهق الباطل الحديث بطوله وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في غزوة الفتح بحمد الله تعالى وقوله وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب كذا للأكثر هنا بغير ألف وكذا وقع في رواية سعيد بن منصور لكن بلفظ صنم والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة والواحد لا يقع صفة للجمع ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة صفة أو هو منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات.
ورواه مسلم في الجهاد والسير
1-باب فتح مكة
حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا سليمان بن المغيرة. حدثنا ثابت البناني عن عبدالله بن رباح، عن أبي هريرة. قال: فأتى- النبي - على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه. قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس. وهو آخذ بسية القوس. فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول (جاء الحق وزهق الباطل).
2-باب إزالة الأصنام من حول الكعبة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو بن الناقد وابن أبي عمر(واللفظ لابن أبي شيبة) قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله. قال:(6/139)
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة. وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا. فجعل يطعنها بعود كان بيده. ويقول (جاء الحق وزهق الباطل. إن الباطل كان زهوقا) [ الإسراء 81]. (جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) [سبأ 49]. زاد ابن أبي عمر: يوم الفتح.
3 - وحدثناه حسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد. كلاهما عن عبدالرزاق. أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح، بهذا الإسناد، إلى قوله: زهوقا. ولم يذكر الآية الأخرى. وقال:(بدل نصبا) صنما.
قال النووي
فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه فجعل يطعنه بسية قوسه السية بكسر السين وتخفيف الياء المفتوحة المنعطف من طرفي القوس، وقوله يطعن بضم العين على المشهور ويجوز فتحها في لغة، وهذا الفعل إذلال للأصنام ولعابديها وإظهار لكونها لا تضر ولا تنفع ولا تدفع عن نفسها كما قال الله تعالى: {وإن يسبلهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه}.
قوله:(جعل يطعن في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل) وقال في الرواية التي بعد هذه:(وحول الكعبة ثلثمائة وستون نصباً فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)،(جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد). النصب الصنم وفي هذا استحباب قراءة هاتين الاَيتين عند إزالة المنكر. قوله: (ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصداً)
وروى هذا الحديث:
أحمد
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود:
-دخل النبي صلى الله عليه وسلم وحول الكعبة ستون وثلثمائة نصب فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول: (جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
الترمذي
حدثنا ابن أبي عمر، اخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال:
- "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطعنها بمخصرة في يده، وربما قال بعود، ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، (جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)". هذا حديث حسن صحيح. وفيه عن ابن عمر.
ابن حبان
1-ذكر وصف عدد الأصنام التي كانت حول الكعبة ذلك اليوم
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا سفيان عن بن أبى نجيح عن مجاهد عن أبى معمر عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحوله ثلاث مائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان معه ويقول { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }
2-وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت وفي يده قوس وهو آخذ القوس وكان إلى جنب البيت صنم كانوا يعبدونه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطعن في جنبه بالقوس ويقول (جاء الحق وزهق الباطل) فلما قضى طوافه أتى الصفا فعلا حيث ينظر إلى البيت فجعل صلى الله عليه وسلم يرفع يده وجعل يحمد الله ويذكر ما شاء أن يذكره
ابن أبي شيبة
قال: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت، فأتى على صنم إلى جنب البيت يعبدونه، وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس، فجعل يطعن بها في عينه ويقول: *(جاء الحق وزهق الباطل) * حتى إذا فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاها حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله ويذكره ويدعو بما شاء أن يدعو
البيهقي
1-وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه فطاف بالبيت فأتى إلى صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه قال وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو خذ بسية القوس فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه ويقول (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ وأخرجه من حديث بهز بن أسد عن سليمان بن المغيرة وذكر اللفظة التي زادها أبو داود
2-أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا بن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود بيده ويقول( جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي وغيره ورواه مسلم عن جماعة عن سفيان
ابن خزيمة(6/140)
ثنا عبد الله بن هاشم ثنا بهز يعني بن أسد ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال ثنا عبد الله بن رباح قال وفدت وفود إلى معاوية أنا فيهم وأبو هريرة وذاك في رمضان فذكر حديث طويلا من فتح مكة وقال فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار فذكر فتح مكة قال وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فذكر الحديث بطوله وقال فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه وطاف بالبيت في يده قوس أخذ بسية القوس فأتى في طوافه صنما في جنبة البيت يعبدونه فجعل يطعن بها في عينيه ويقول {جاء الحق وزهق الباطل} ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلي البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته ثم ذكر باقي الحديث ثناه الربيع بن سليمان ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح بنحوه وقال فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء الله...
أبو يعلى
أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان معه ويقول { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }
-ومن ذلك حديثه مع الراهب في ابتداء أمره، إذ خرج تاجراً مع عمه، وكان الراهب لا يخرج لأحد، فخرج يتخللهم، حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: هذا سيد العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين.
فقال له أشياخ من قريش: ما علمك، فقال: إنه لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً له، ولا تسجد إلا لنبي... و ذكر القصة، ثم قال: فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظلله، فلما دنا من القوم وجدهم سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال الفيء إليه.
قلت: رواه الترمذي في جامعه قال:
حدثنا الفضل بن سهل أبو العباس الأعرج البغدادي حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قالخرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صل صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل قال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فئ الشجرة فلما جلس مال فئ الشجرة عليه فقال انظروا إلى فئ الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فألتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء بكم قالوا جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم قالوا إنما اخترنا خيرة لك لطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا قال فبايعوه وأقاموا معه قال أنشدكم الله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه... قال الشيخ الألباني: صحيح، لكن ذكر بلال فيه منكر.
وأخرجه التبريزي في مشكاته(6/141)
عن أبي موسى قال خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل فقال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت.(علق الشيخ أن ذكر بلال في الحديث خطأ إذ لم يكن خلق بعد)
وأورده الألباني في صحيح السيرة قال:
خروجه صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام وقصته مع بحيرى الراهب روى الحافظ أبو بكر الخرائطي من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب - يعني: بحيرى - هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم. قال: فنزل وهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين(وفي رواية البيهقي زيادة: هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين). فقال له أشياخ من قريش: وما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه. ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به - وكان هو في رعية الإبل - فقال: أرسلوا إليه. فأقبل وغمامة تظله فلما دنا من القوم قال: انظروا إليه عليه غمامة فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه قال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينما هو قائم عليهم وهو ينشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر من الروم قد أقبلوا قال: فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس وإنا أخبرنا خبره إلى طريقك هذه. قال: فهل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: لا إنما أخبرنا خبره إلى طريقك هذه. قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ فقالوا: لا. قال: فبايعوه وأقاموا معه عنده قال: فقال الراهب: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت. وهكذا رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن عساكر وغير واحد من الحفاظ وقال الترمذي: (حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه). قلت: فيه من الغرائب أنه من مرسلات الصحابة فإن أبا موسى الأشعري إنما قدم في سنة خيبر سنة سبع من الهجرة فهو مرسل فإن هذه القصة كانت ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر فيما ذكره بعضهم ثنتا عشرة سنة ولعل أبا موسى تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أبلغ أو من بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم أو كان هذا مشهورا مذكورا أخذه من طريق الاستفاضة
---------------------
24. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(6).. في الآيات في ضروب الحيوانات
الفصل الثامن عشر:
في الآيات في ضروب الحيوانات.
حدثنا سراج بن عبد الملك، حدثنا أبو الحسن الحافظ، حدثنا أبي، حدثنا القاضي يونس، قال: حدثنا أبو الفضل الصلقي، حدثنا ثابت بن قاسم بن ثابت، من أبيه وجده، قالا حدثنا أبو العلاء أحمد بن عمران، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا يونس بن عمرو حدثنا مجاهد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان عندنا داجن، فإذا كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه، فلم يجيء ولم يذهب، وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وذهب.
قلت: رواه أحمد.
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يونس عن مجاهد قال قالت عائشة:
-كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم مادام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه.(6/142)
وأخرجه أبو يعلى، ولفظه: حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا شعيب بن حرب حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثنا مجاهد عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فكان يقبل ويدبر فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-وروى عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضباً، فقال: ما هذا؟ قالوا: نبي الله. فقال: واللات والعزى، لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب، وطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ضب، فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعاً: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة.قال: من تعبد؟ قال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه. قال: فمن أنا؟ قال: رسول الله رب العالمين، وخاتم النبيين، وقد أفلح من صدقك، وخاب من كذبك.فأسلم الأعرابي.
قلت: أخرجه البيهقي باب ما جاء في شهادة الضب لنبينا بالرسالة وما ظهر في ذلك من دلالات النبوة.
أخبرنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية نامين من بيهق قراءة عليه من أصل كتابه حدثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ في شعبان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بجرجان حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معمر بن سليمان حدثنا كهمس عن داود بن أبي هند عن عامر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أن رسول الله كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبًا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله فلما رأى الجماعة قال: ما هذا قالوا: هذا الذي يذكر أنه نبي, فجاء حتى شق الناس فقال: واللات والعزى ما اشتملت النساء على ذي لهجة أبغض إلي منك ولا أمقت ولولا أن يسميني قومي عجولاً لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الأسود والأحمر والأبيض وغيرهم, فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فأقوم فأقتله. قال: يا عمر أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا؟ ثم أقبل على الأعرابي فقال: ما حملك على أن قلت ما قلت وقلت غير الحق ولم تكرمني في مجلسي قال: وتكلمني أيضًا استخفافا برسول الله واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله فقال رسول الله: يا ضب! فأجابه الضب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعًا: لبيك وسعديك يا زين من وافي القيامة. قال: من تعبد يا ضب؟ قال الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عقابه قال: فمن أنا يا ضب؟ قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين وقد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك, قال الأعرابي: لا أتبع أثرًا بعد عين والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض إلي منك وإنك اليوم أحب إلي من والدي ومن عيني ومني وإنني لأحبك بداخلي وخارجي وسري وعلانيتي أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال رسول الله: الحمد لله الذي هداك بي إن هذا الدين يعلو ولا يعلى ولا يقبل إلا بصلاة ولا تقبل الصلاة إلا بقرآن. قال فعلمني فعلمه(قل هو الله أحد) قال زدني فما سمعت في البسيط ولا في الرجز أحسن من هذا قال: يا أعرابي إن هذا كلام الله ليس بشعر إنك إن قرأت(قل هو الله أحد) مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن وإن قرأت مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله. قال الأعرابي: نعم الإله إلها يقبل اليسير ويعطى الجزيل. فقال له رسول الله: ألك مال؟ قال فقال: ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني فقال رسول الله لأصحابه: أعطوه فأعطوه حتى أبطروه, فقام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله إن له عندي ناقة عشراء دون البختية وفوق الأعرى تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى الأعرابي, فقال رسول الله: قد وصفت ناقتك فأصف ما لك عند الله يوم القيامة, قال: نعم قال: لك كناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس والأستبرق وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة, فقال عبد الرحمن: قد رضيت فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم ألف سيف وألف رمح فقال لهم: أين تريدون؟ فقالوا: نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله, قال: لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فحدثهم الحديث فقالوا بأجمعهم لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم دخلوا فقيل للنبي فتلقاهم بلا رداء فنزلوا عن ركابهم يقبلون حيث وافوا منه وهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم قالوا: يا رسول الله مرنا بأمرك قال: كونوا تحت راية خالد بن الوليد. فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم.(6/143)
قلت قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في المعجزات بالإجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ فقال كتب إلي أبو عبد الله بن عدي الحافظ يذكر أن محمد بن علي بن الوليد السلمي حدثهم فذكره وزاد في آخره قال أبو أحمد أنبأنا محمد بن علي السلمي كان ابن عبد الأعلى يحدث بهذا مقطوعًا وحدثنا بطوله من أصل كتابه مع رعيف الوراق.
قلت وروى ذلك في حديث عائشة وأبي هريرة وما ذكرناه هو أمثل الإسناد فيه والله أعلم
-ومن ذلك قصة كلام الذئب المشهورة عن أبي سعيد الخذري: بينا راع يرعى غنماً له عرض الذئب لشاة منها، فأخذها الراعي منه، فأقعى الذئب، وقال للراعي: ألا تتقي الله! حلت بيني وبين رزقي! قال الراعي: العجب من ذئب يتكلم بكلام الإنس! فقال الذئب:ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق.فأتى الراعي النبي الله فأخبره، فقال النبي: قم فحدثهم، ثم قال: صدق. والحديث فيه قصة، وفي بعضه طول.
-وروي حديث الذئب عن أبي هريرة.
-وفي بعض الطرق عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقال الذئب: أنت أعجب! واقفاً على غنمك، وتركت نبياً لم يبعث الله نبياً قط أعظم منه عنده قدراً، قد فتحت له أبواب الجنة، وأشرف أهلها على أصحابه، ينظرون قتالهم، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب، فتصير من جنود الله. قال الراعي: من لي بغنمي؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع. فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى. وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عد إلى غنمك تجدها بوفرها. فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها.
-وعن أهبان بن أوس: وأنه كان صاحب القصة، والمحدث بها ومكلم الذئب.
-وعن سلمة بن عمرو بن الأكوع: وأنه كان صاحب هذه القصة أيضاً، وسبب إسلامه بمثل حديث أبي سعيد.
-وقد روى ابن وهب مثل أنه جرى لأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، مع ذئب وجداه أخذ ظبياً، فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة و تدعونه إلى النار. فقال أبو سفيان: و الات و العزى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفاً.
-وقد روي مثل هذا الخبر، و أنه جرى لأبي جهل وأصحابه.
-وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وهو على بعض حصون خيبر، وكان في غنم يرعاها لهم، فقال يا رسول الله، كيف بالغنم؟
قال: أحصب وجوهها، فإن الله سيؤدي عنك أمانتك، ويردها إلى أهلها.
ففعل، فسارت كل شاة حتى دخلت إلى أهلها.
قال البيهقي في دلائل النبوة:
باب ما في كلام الذئب وشهادته لنبينا بالرسالة وما ظهر في ذلك من دلالات النبوة.
أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: بينما راع يرعى بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه فحال الراعي بين الذئب والشاة فأقعى الذئب على ذنبه ثم قال للراعي: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي؟ فقال الراعي: العجب من الذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس.. فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق… فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة فزوى إلى زاوية من زواياها ثم دخل على النبي فحدثه بحديث الذئب.. فخرج رسول الله إلى الناس فقال للراعى: قم فأخبرهم.. قال فأخبر الناس بما قال الذئب؛ فقال رسول الله: صدق الراعي، ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل شراك نعله، وعذبة سوطه، ويخبره فأخذه بما أحدث أهله بعده..
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن القاسم بن الفضل حدثنا أبو نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري فذكره بنحوه.
هذا إسناد صحيح وله شاهد من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.(6/144)
أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أنبأنا أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب حدثنا النفيلي قال قرأت على معقل بن عبد الله بن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري قال: بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له إذ عدا عليها الذئب فأخذ شاة من غنمه فأدركه الأعرابي فأخذها وانطلق الذئب يمشي ثم رجع الذئب مستذفرًا بذنبه مستقبل الأعرابي ثم قال: ويحك ألا تحرج تنزع رزقًَا رزقنيه الله؟ فطفق الأعرابي بين يديه.. فقال: العجب من ذئب يتكلم.. قال الذئب: والله إنك لتدع ما هو أعجب من هذا.. قال: وما أعجب من هذا؟ قال: نبي الله في النخلات يحدث الناس عن أنباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك... فساق الأعرابي غنمه حتى ألجى إلى بعض المدينة وسعى إلى النبي حتى ضرب عليه بابه فأذن له فحدثه الأعرابي فصدقه ثم قال إذا صليت بالناس الصلاة فأحضرني.. فلما صلى رسول الله قال: أين صاحب الغنم؟ فقام الأعرابي. فقال له النبي: حدث بما رأيت وبما سمعت.. فحدث الأعرابي بما سمع وبما رأى، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فتخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده.
قال عبد الحميد بن بهرام الفزاري عن شهر بن حوشب أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام الفزاري حدثنا شهر بن حوشب عن أبي سعيد أنه قال: بينا رجل من أسلم في غنم له.. فذكر الحديث بنحو من معناه. وقال فيه: فقال الذئب:مم تعجب؟ فقال: أعجب من مخاطبتك إياي.. فقال الذئب: أعجب من ذلك رسول الله بين الحرتين في النخلات يحدث الناس بما قد خلا ويحدث بما هو آت وأنت ها هنا تتبع غنمك..
وروى عبد الله بن عامر الأسلمي عن ربيعة بن أوس عن أنس بن عمرو عن أهبان بن أوس كنت في غنم لي فكلمه الذئب فأتى النبي فأسلم..
أخبرنا أبو بكر الفارسي حدثنا أبو إسحاق الأصبهاني حدثنا أبو أحمد ابن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبو طلحة حدثنا سفين بن حمزة الأسلمي سمع عبد الله بن عامر الأسلمي قال محمد إسناده ليس بالقوي قلت قد مضى ما يقويه.
وأخبرنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني أحد حفاظ عصره وعلماء دهره فلا يقول مثل هذا في ولد مكلم الذئب إلا عن معرفة وفي إشهار ذلك في ولده قوة الحديث.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى قال سمعت الحسين بن أحمد الرازي يقول سمعت أبا سليمان المغربي يقول خرجت من بعض البلدان على حمار فجعل يجذبني عن الطريق فضربت رأسه ضربات فرفع رأسه إلي وقال اضرب يا أبا سليمان فإنما على دماغك هو ذا تضرب قلت له كلمك كلاما يفهم فقال كما تكلمني وأكلمك...
-وعن عباس بن مرداس لما تعجب من كلام ضمار صنمه، وإنشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طائر سقط، فقال: يا عباس، أتعجب من كلام ضمار، ولا تعجب من نفسك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام وأنت جالس، فكان سبب إسلامه.
ذكره البيهقي في دلائل النبوة سبب إسلام مازن الطائي.
أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة قال حدثنا جدي أبو علي بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن الوافد على رسول الله قال لقيت أبا المنذر هشام بن محمد الكلبي فقال لي ممن الرجل فقلت من طيء ثم قال لي ثم ممن قلت من ولد نبهان قال ثم ممن قلت من ولد خطامة فقال لي لعلك من ولد السادن قلت نعم فأكرمني وأدناني وقربني ثم قال لي كنت لقيت شيوخا من شيوخ طيء المتقدمين فسألتهم عن قصة مازن وسبب إسلامه ووفوده على رسول الله وإقطاعه أرض عمان وذلك بمن الله وفضله فكان مازن بأرض عمان بقرية تدعى سمايل وكان يسدن الأصنام لأهله وكان له صنم يقال له باجر قال مازن فعترت ذات يوم عتيرة وهي الذبيحة فسمعت صوتا من الصنم يقول يا مازن أقبل إلي أقبل تسمع ما لا يجهل هذا نبي مرسل جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل عن حر ناب تشعل وقودها بالجندل قال مازن فقلت إن هذا والله لعجب ثم عترت بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا أبين من الأول وهو يقول: يا مازن اسمع تسر ظهر خير وبطن شر بعث نبي من مضر بدين الله الكبر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر سقر قال مازن فقلت إن هذا والله لعجب وإنه لخير يراد بي وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا ما الخبر وراءك قال خرج رجل بتهامة يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله عز وجل يقال له أحمد قال فقلت هذا والله نبأ ما سمعت فثرت إلى الصنم فكسرته أجذاذًا وشددت راحلتي ورحلت حتى أتيت رسول الله فشرح لي الإسلام فأسلمت وأنشأت أقول:
كسرت باجر أجذاذا وكان لنا ربا نطيف به ضلا بتضلال(6/145)
بالهاشمي هدانا من ضلالتنا ولم يكن دينه مني على بال
يا راكبًا بلغا عمرا وإخوته إني لمن قال ديني ناجر قالي
يعني بعمرو إخوته بني خطامة قال مازن فقلت يا رسول الله إني امرؤ مولع بالطرب وشرب الخمر والهلوك من النساء وألحت علينا السنون فأذهبن الأموال وأهزلن الذراري والرجال وليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويأتيني بالحيا ويهب لي ولدا فقال النبي: اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال وآته بالحيا وهب له ولدا. قال مازن :فأذهب الله عني كلما كنت أجد وأخصبت عمان وتزوجت أربع حرائر ووهب الله لي حيان بن مازن وأنشأت أقول:
إليك رسول الله خبت مطيتي تجوب الفيافي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطيء الحصا فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج
إلى معشر خالفت في الله دينهم فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي
وكنت أمرءا بالزعب والخمر مولعا شبابي حتى آذن الجسم بالنهج
فأصبحت همي في جهاد ونية فلله ما صومي ولله ما حجي
قال مازن فلما رجعت إلى قومي أنبوني وشتموني وأمروا شاعرهم فهجاني فقلت إن هجوتهم فإنما أهجو نفسي فتركتهم وأنشأت أقول:
وشتمكم عندنا مر مذاقته وشتمنا عندكم يا قومنا لئن
لا ينشب الدهر أن يثبت معايبكم وكلكم أبدا في عيبنا فطن
قال أبو جعفر إلى ههنا حفظت وأخذته من أصل جدي كأنه يريد الباقي
فشعرنا مفحم عنكم وشاعركم في حربنا مبلغ في شتمنا لسن
ما في الصدور عليكم فاعلموا وغر وفي صدوركم البغضاء والإحن
فحدثنا موادنا من أهل عمان عن سلفهم أن مازنا لما تنحى عن قومه أتى موضعا فابتنى مسجدا يتعبد فيه فهو لا يأتيه مظلوم يتعبد فيه ثلاثا ثم يدعو محقا على من ظلمه يعني إلا استجيب وفي أصل السماع فيكاد أن يعافى من البرص فالمسجد يدعى مبرصا إلى اليوم قال أبو المنذر قال مازن ثم إن القوم ندموا أو كنت القيم بأمورهم فقالوا ما عسانا أن نصنع به فجاءني منهم أرفلة عظيمة فقالوا يا ابن عم عبنا عليك أمرا فنهيناك عنه فإذ أبيت فنحن تاركوك ارجع معنا فرجعت معهم فأسلموا بعد كلهم
هكذا أخبرنا به غالبا وقد ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله عن أبي أحمد بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن محمد الحنظلي عن علي بن حرب عن أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه عن عبد الله العماني عن مازن بن الغضوية قال كنت أسدن صنما بالسمال قرية بعمان فعترنا ذات يوم عنده عتيرة وهي الذبيحة فذكر الحديث بمعنى ما روينا وزاد بيتا بعد قوله وكنت امرءا فقال:
فبدلني بالخمر خوفا وخشية وبالعهر إحصانا وحصن لي فرجي
وقد روي في معنى ما روينا عن مازن أخبار كثيرة منها:
* حديث عمرو بن جبلة فيما سمع من جوف الصنم يا عصام يا عصام جاء الإسلام وذهبت الأصنام.
* حديث طارق من بني هند بن حرام يا طارق يا طارق بعث النبي الصادق.
* حديث ابن دقشة فيما أخبر به رئيه فنظر إلى ذباب بن الحارث وقال يا ذباب يا ذباب اسمع العجب العجاب بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة ولا يجاب.
* حديث عمرو بن مرة الغطفاني فيما رأى من النور الساطع في الكعبة في نومه ثم ما سمع من الصوت أقبل حق فسطع ودمر باطل فانقمع.
* حديث العباس بن مرداس فيما سمع من الصوت.
* حديث خالد بن سطيح حين أتته تابعته فقالت جاء الحق القائم والخير الدايم وغير ذلك مما يطول بسياق جميعه الكتاب وبالله التوفيع.
-وعن أنس رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائط أنصاري وأبو بكر وعمر ورجل من الأنصار رضي الله عنهم وفي الحائط غنم فسجدت له. فقال أبو بكر: نحن أحق بالسجود لك منها... الحديث.
قلت: ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، ولفظه: " دخل النبي حائطاً للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار،وفي الحائط غنم فسجدت له، فقال أبو بكر: يا رسول الله ، كنا نحن أحق بالسجودلك من هذه الغنم، فقال: إنه لاينبغي أن يسجد أحد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ,لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها..(غريب وفي إسناده من لا يعرف)
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه:دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً، فجاء بعير فسجد له، وذكر مثله.
-ومثله في الجمل، عن ثعلبة بن مالك، وجابر بن عبد الله، ويعلى بن مرة وعبد الله بن جعفر، قال: وكان لا يدخل أحد الحائط إلا شد عليه الجمل، فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم دعاه، فوضع مشفره على الأرض وبرك بين يديه، فخطمه، وقال: ما بين السماء والأرض شيء إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس.
-ومثله عن عبد الله بن أبي أوفى.
-وفي خبر آخر في حديث الجمل أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن شأنه، فاخبروه أنهم أرادوا ذبحه.
-وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إنه شكا كثرة العمل، وقلة العلف من صغره فقالوا: نعم.
وقفة مع ابن كثير فيما روي في قصة البعير
باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة:
قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه إليه.
1-رواية أنس بن مالك(6/146)
* قال الإمام أحمد حدثنا حسين ثنا خلف عن خليفة عن حفص هو ابن عمر عن عمه أنس بن مالك قال كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا..فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار: يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف عليك صولته فقال: "ليس علي منه بأس". فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدًا بين يديه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك فقال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه" وهذا إسناد جيد وقد روى النسائي بعضه من حديث خلف ابن خليفة به.
2-رواية جابر في ذلك
قال الإمام أحمد حدثنا مصعب بن سلام سمعته من أبي مرتين ثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه قال فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هاتوا خطامًا" فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس فقال: "إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس". تفرد به الإمام أحمد وسيأتي عن جابر من وجه أخر بسياق آخر إن شاء الله وبه الثقة
3-رواية ابن عباس
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا بشر بن موسى ثنا يزيد بن مهران أخو خالد الجيار ثنا أبو بكر بن عياش عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن ابن عباس قال جاء قوم إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله إن لنا بعيرًا قد ند في حائط فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه فقال له أبو بكر الصديق يا رسول الله كأنه علم أنك نبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي الله إلا كفرة الجن والإنس"... وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا والأشبه رواية الإمام أحمد عن جابر اللهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيال عن جابر وعن ابن عباس والله أعلم.
-4 طريق اخرى عن ابن عباس
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا أبو عون الزيادي ثنا أبو عزة الدباغ عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له والنبي قاعد معه نفر من الأنصار فقال يا نبي الله إني جئت في حاجة فان فحلين لي اغتلما وإني أدخلتهما حائطًا وسددت عليهما الباب فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي فقال لأصحابه: قوموا معنا فذهب حتى أتى الباب فقال: افتح, فأشفق الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: افتح, ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريبًا من الباب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد له.. فقال رسول الله: ائت بشيء أشد رأسه وأمكنك منه. فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجدًا فقال للرجل: ائتني بشيء أشد رأسه فشد رأسه وأمكنه منه فقال: اذهب فإنهما لا يعصيانك فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قالوا يا رسول الله هذان فحلان سجدا لك أفلا نسجد لك قال: "لا آمر أحدا أن يسجد لأحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". وهذا إسناد غريب ومتن غريب.
ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه دلائل النبوة عن أحمد بن حمدان السحري عن عمر بن محمد بن بجير البحتري عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبي عون الزيادي به وقد رواه أيضا من طريق مكي بن إبراهيم عن قائد أبي الورقاء عن عبد الله بن ابي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم عن ابن عباس.
5- رواية أبي هريرة(6/147)
قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه أخبرنا أحمد بن حمدان أنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية فأشرفنا إلى حائط فاذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع جرانه على الأرض فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة فقال: "سبحان الله أدون الله ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد دون الله ولو أمرت أحد أن يسجد لشيء من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
6- رواية عبد الله بن جعفر في ذلك
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد ثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر ح وثنا بهز وعفان قالا ثنا مهدي ثنا محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أخبر به أحدًا أبدًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل فدخل يوما حائطًا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه وقال بهز وعفان فلما رأى رسول الله حن وذرفت عيناه فمسح رسول الله سراته وذفراه فسكن فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال: "أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه". وقد رواه مسلم من حديث مهدي بن ميمون به.
7- رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك
قال الإمام أحمد ثنا عبد الصمد وعفان قالا ثنا حماد هو ابن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال: "اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل اسود ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي لها أن تفعله"... وهذا الإسناد على شرط السنن وإنما روى ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن حماد به "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"... إلى آخره.
8- رواية يعلى بن مرة الثقفي أو هي قصة أخرى
قال الإمام أحمد ثنا أبو سلمة الخزاعي ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن حسين عن أبي جبيرة عن يعلى بن سيابة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الأخرى ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الأرض ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما يقول البعير إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره. فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أواهبه أنت لي؟ فقال: يا رسول الله مالي مال أحب إلي منه. فقال: استوص به معروفًا. فقال: لا جرم لا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله قال وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال إنه يعذب في غير كبير فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة.
9- طريق أخرى عنه
قال الإمام احمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن جعفر عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء فقال: بعنيه فقال: لا بل أهبه لك فقال: لا بل بعنيه قال لا بل نهبه لك إنه لأهل بيت مالهم معيشة غيره قال: أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكى لي كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه... قال ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ ذكرت له فقال: هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره فقال: اخرج إني محمد رسول الله قال ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته امرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا من اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك.
10- طريق أخرى عنه(6/148)
قال الإمام أحمد ثنا عبد الله بن نمير ثنا عثمان بن حكيم أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة قال: ناولينيه. فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا وقال: بسم الله أنا عبد الله اخسأ عدو الله, ثم ناولها إياه فقال: القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل". قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث فقال: ما فعل صبيك فقالت والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئًا حتى الساعة فاجترر هذه الغنم قال: انزل فخذ منها واحدة ورد البقية قال: وخرجت ذات يوم إلى الجبانة حتى إذا برزنا قال: ويحك انظر هل ترى من شيء يواريني". قلت ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك قال فما بقربها قلت: شجرة مثلها أو قريب منها قال: فاذهب إليهما فقل إن رسول الله يأمركما أن تجتمعا بإذن الله قال فاجتمعتا فبرز لحاجته ثم رجع فقال اذهب إليهما فقل لهما إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت قال وكنت معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال: ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشئنًا قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال: ما شأن الجمل هذا؟. فقال: وما شأنه؟ قال لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال: فلا تفعل هبه لي أو بعنيه قال بل هو لك يا رسول الله. فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به.
12- طريق أخرى عنه
قال الإمام أحمد ثنا وكيع ثنا الأعمش بن المنهال عن عمرو عن يعلى بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتته امرأة بابن لها قد أصابه لمم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج عدو الله أنا رسول الله قال فبرأ فأهدت إليه كبشين وشيئًا من أقط وشيئًا من سمن قال فقال رسول الله: خذ الأقط والسمن وأحد الكبشين ورد عليها الآخر" ثم ذكر قصة الشجرتين كما تقدم وقال أحمد ثنا أسود ثنا أبو بكر بن عياش عن حبيب بن أبي عمرة عن المنهال بن عمرو عن يعلى قال ما أظن أن أحدا من الناس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دون ما رأيت فذكر أمر الصبي والنخلتين وأمر البعير إلا أنه قال: ما لبعيرك يشكوك زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد نحره قال: صدقت والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق لا أفعل.
13- طريق أخرى عنه
روى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الأصم ثنا عباس بن محمد الدوري ثنا حمدان بن الأصبهاني ثنا يزيد عن عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده قال رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي كنت معه في طريق مكة فمر بامرأة معها ابن لها به لمم ما رأيت لممًا أشد منه فقالت: يا رسول الله ابني هذا كما ترى فقال: إن شئت دعوت له فدعا له ثم مضى فمر على بعير ناد جرانه يرغو فقال: علي بصاحب هذا البعير. فجيء به فقال: هذا يقول نتجت عندهم فاستعملوني حتى إذا كبرت عندهم ارادوا أن ينحروني قال: ثم مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لي: اذهب فمرهما فليجتمعا لي قال: فاجتمعتا فقضى حاجته قال: ثم مضى فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به وهيأت أمه أكبشا فأهدت له كبشين وقالت: ما عاد إليه شيء من اللمم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من شيء إلا ويعلم أني رسول الله إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس".(6/149)
فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة وقد تفرد بهذا كله الإمام أحمد دون أصحاب الكتب الستة ولم يرو أحد منهم شيئًا سوى ابن ماجه فإنه روى عن يعقوب بن حميد بن كاسب عن يحيى بن سليم عن خيثم عن يونس ابن خباب عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد. وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في كتابه دلائل النبوة وطرقه من وجوه كثيرة ثم أورد حديث عبد الله بن قرط اليماني قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ وقد قدمت الحديث في حجة الوداع قلت قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشجرتين وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوًا من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا فالله أعلم وسيأتي حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى وقد روى الحافظ البيهقي عن أبي عبد الله الحاكم وغيره عن أبي العباس الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر فقال لي: يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى قضى حاجته ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا الطير تظلنا وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال: اخسأ عدو الله أنا رسول الله وأعاد ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه فلما رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصبي تحمله فقالت: يا رسول الله أقبل مني هديتي فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خدوا أحدهما وردوا الآخر قال ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا فجاء جمل ناد فلما كان بين السماطين خر ساجدصا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس من صاحب هذا الجمل فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله قال: فما شأنه؟ قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة فلما كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعونه؟ قالوا: يا رسول الله هو لك. قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله قالوا: يا رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن..وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفراء عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد. ثم قال البيهقي وحدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا الحسين بن علي بن زياد ثنا أبو حمنة ثنا أبو قرة عن زياد هو ابن سعد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد قال فلم يجد شيئا يتوارى به فبصر بشجرتين فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر قال البيهقي وحديث جابر أصح قال وهذه الرواية ينفرد بها زمعة ابن صالح عن زياد أظنه ابن سعد عن أبي الزبير قلت وقد يكون هذا أيضًا محفوظًا ولا ينافي حديث جابر ويعلى بن مرو بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر وعن يونس بن خباب عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه والله أعلم وروى البيهقي من حديث معاوية بن يحيى الصيرفي وهو ضعيف عن الزهري عن خارجة ابن زيد عن أسامة بن زيد حديثًا طويلاً نحو سياق حديث يعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وفيه قصة الصبي الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال: ناوليني الذراع فناولته ثم قال: ناوليني الذراع فناولته ثم قال: ناوليني الذراع فقلت كم للشاة من ذراع؟ فقال: والذي نفسي بيده لو سكت لناولتيني ما دعوت ثم ذكر قصة النخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجمًا خلف النخلات وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده وبالله المستعان وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرازي عن شبيب بن شيبة عن بشر بن عاصم عن غيلان(6/150)
بن سلمة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا عجبًا فذكر قصة الشجرتين واستتاره بهما عند الخلاء وقصة الصبي الذي كان يصرع وقوله: بسم الله أنا رسول الله اخرج عدو الله. فعوفي ثم ذكر قصة البعيرين النادين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدم في البعير الواحد فلعل هذه قصة أخرى والله أعلم.
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصة جمله الذي كان قد أعيي وذلك مرجعهم من تبوك وتأخره في أخريات القوم فلحقه النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له وضربه فسار سيرًا لم يسر مثله حتى جعل يتقدم أمام الناس وذكرنا شراءه عليه السلام منه وفي ثمنه اختلاف كثير وقع من الرواة لا يضر أصل القصة كما بيناه وتقدم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبي طلحة حين سمع صوتًا بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ وركب الفرسان نحو ذلك الصوت فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك الأمر فلم يجد له حقيقة وكان قد ركبه عريًا لا شيء عليه وهو متقلد سيفًا فرجع وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا ما وجدنا من شيء وإن وجدناه لبحرًا أي لسابقًا وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك الليلة فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار وذلك كله ببركته عليه الصلاة والسلام.
14-حديث آخر غريب في قصة البعير
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد أخبرني أبو علي الفوارسي حدثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلان القواس حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي حدثنا عبد الرحمن بن علي البصري حدثنا سلامة ابن سعيد بن زياد بن أبي هند الرازي حدثني أبي عن أبيه عن جده حدثنا غنيم بن أوس يعني الرازي قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها البعير اسكن فان تك صادقا فلك صدقك وإن تك كاذبا فعليك كذبك مع أن الله تعالى قد أمن عائذنا ولا يخاف لائذنا قلنا يا رسول الله: ما يقول هذا البعير؟ قال: هذا بعير هم أهله بنحره فهرب منهم فاستغاث بنبيكم فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلاثة أيام فلم نلقه إلا بين يديك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يشكو مر الشكاية. فقالوا يا رسول الله: ما يقول قال: يقول إنه ربي في إبلكم جوارا وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأ فإذا كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء فقالوا: قد كان ذلك يا رسول الله فقال: ما جزاء العبد الصالح من مواليه قالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره قال فقد استغاث فلم تغيثوه وأنا أولى بالرحمة منكم لأن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة درهم ثم قال: أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه الله. فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله: آمين ثم رغا الثانية فقال آمين ثم رغا الثلاثة فقال آمين ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يقول جزاك الله أيها النبي عن الاسلام والقرآن خيرا قلت آمين قال سكن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي قلت آمين قال حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي قلت آمين قال لا جعل الله بأسها بينها فبكيت وقلت هذه خصال سألت ربي فأعطانيها ومنعني واحدة وأخبرني جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف فجرى القلم بما هو كائن" قلت هذا الحديث غريب جدا لم أر أحدا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضا والله أعلم…
- وقد روي في قصة الضباء وكلامها النبي صلى الله عليه وسلم، وتعريفها له بنفسها، ومبادرة العشب إليها في الرعي وتجنب الوحوش عنها، وندائهم لها: إنك لمحمد، وإنها لم تأكل ولم تشرب بعد موته حتى ماتت.
ذكره الإسفرايني.
- وروى ابن وهب، أن حمام مكة أظلت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتحها، فدعا لها بالبركة.
- وروي عن أنس، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمر الله ليلة الغار شجرة، فثبتت تجاه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر حمامتين فوقفتا بفم الغار.
- وفي حديث آخر: وأن العنكبوت نسجت على بابه، فلما أتى الطالبون له، ورأوا ذلك قالوا: لو كان فيه أحد لم تكن الحمامتان ببابه والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلامهم، فانصرفوا.(6/151)
ذكر هذا أبو نعيم في دلائل النبوة ثنا أبو مصعب قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعنا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم وسيوفهم وهراواهم قد حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعًا فعجل بعضهم فنظر في الغار يرى فيه أحدًا فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا ما لك لم تنظر في الغار قال رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فسمت النبي صلى الله عليه وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم.
- وعن عبد الله بن قرط: قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو سبع، لينحرها يوم عيد، فازدلفن إليه بأيهن يبدأ.
- وعن أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء، فنادته ظبية، يا رسول الله، قال: ما حاجتك؟ قالت: صادني هذا الأعرابي، ولي خفشان في ذلك الجبل، فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما وأرجع.
قال: وتفعلين؟ قالت: نعم. فأطلقها، فذهبت ورجعت، فأوثقها، فانتبه الأعرابي وقال: يا رسول الله، ألك حاجة؟ قال: تطلق هذه الظبية فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء، وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
قلت: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، باب ما جاء في كلام الظبية التي فجعت بخشفها وشهادتها لنبينا بالرسالة، قال:
أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري حدثنا علي بن قادم حدثنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية عن أبي سعيد قال مر رسول الله بظبية مربوطة إلى خباء فقالت يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم ارجع فتربطني فقال رسول الله صيد قوم وربيطة قوم قال فأخذ عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال رسول الله لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينًا أبدا وروى من وجه آخر ضعيف.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القاضي أنبأنا أبو علي حامد بن محمد الهوري حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يعلى بن إبراهيم الغزال حدثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير عن زيد ابن أرقم قال كنت مع النبي في بعض سكك المدينة فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت يا رسول الله إن هذا الأعرابي اصطادني ولي خشفان في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي فلا هو يذبحني فاستريح ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية فقال لها رسول الله: إن تركتك ترجعين قالت نعم وإلا عذبني الله عذاب العشار فأطلقها رسول الله فلم تلبث أن جاءت تلمظ فشدها رسول الله إلى الخباء وأقبل الأعرابي ومعه قربة فقال له رسول الله: أتبيعنيها؟ قال هي لك يا رسول الله. فأطلقها رسول الله.
قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسيح في البرية وتقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد.
عن أنس بن مالك قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى قوم قد صادوا ظبية فشدوها إلى عمود فسطاط فقالت : يا رسول الله إني وضعت ولدين خشفين فاستأذن لي أن أرضعهما ثم أعود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلوا عنها حتى تأتي خشفيها فترضعهما وتأتي إليكما " . قالوا : ومن لنا بذلك يا رسول الله ؟ قال : " أنا " . فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها . قال : " تبيعوها " . قال : يا رسول الله هي لك، فخلوا عنها فأطلقوها فذهبت .
رواه الطبراني في الأوسط وفيه صالح المري وهو ضعيف .
وعن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحراء فإذا مناد يناديه : يا رسول الله فالتفت فلم ير أحداً ثم التفت فإذا ظبية موثوقة فقالت : ادن مني يا رسول الله، فدنا منها فقال : " حاجتك ؟ " . فقالت : إن لي خشفين في هذا الجبل فخلني حتى أذهب فأرضعهما ثم أرجع إليك . قال : " وتفعلين ؟ " . قالت : عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل . فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها، وانتبه الأعرابي فقال : ألك حاجة يا رسول الله ؟ قال : " نعم تطلق هذه " . فأطلقها فخرجت تعدو وهي تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .
رواه الطبراني وفيه أغلب بن تميم وهو ضعيف .
J - ومن هذا الباب ماروي من تسخير الأسد لسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا وجهه إلى معاذ باليمن فلقي الأسد فعرفه أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه كتابه، فهمهم وتنحى عن الطريق، وذكر في منصرفه مثل ذلك.(6/152)
J - وفي رواية أخرى عنه ـ أن سفينة تكسرت به، فخرج إلى جزيرة فإذا الأسد، فقلت له: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق.
ذكره البيهقي في دلائل النبوة قال:
باب ما جاء في تسخير الله عز وجل الأسد لسفينة مولى رسول الله كرامة لرسول الله وما روي في معناه
أخبرنا أبو زكرياء يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأنا جعفر بن عون أنبأنا أسامة بن زيد عن محمد بن عمرو عن محمد بن المنكدر عن سفينه مولى رسول الله قال
ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحا منها فاخرجني إلى أجمة فيها أسد إذ أقبل الأسد فلما رأيته قلت يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه ثم مشى معى حتى أقامني على الطريق قال ثم همهم ساعة وضربني بذنبه فرأيت أنه يودعني
وأخبرني أبو نصر بن قتادة حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن زكريا حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبد الله بن وهب عن أسامة بن زيد أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان حدثه عن محمد بن المنكدر
أن سفينة مولى رسول الله قال ركبت البحر فانكسرت بي سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح إلى أجمه فيها الأسد فدخلت فخرج إلي الأسد فأقبل إلي فقلت يا أبا الحارث أنا مولى رسول
الله فطأطأ رأسه وأقبل إلي يدفعني بمنكبيه فأخرجني من الأجمة ووقفني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني فكان هذا آخر عهدي به
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العبد ببغداد أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الحجبي عن ابن المنكدر
أن سفينة مولى رسول الله أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر في أرض الروم فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد فقال له يا أبا الحارث إني مولى رسول الله كان من أمري كيت وكيت فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الأسد والله تعالى هو أعلم
باب ما جاء في معجزة أخرى ظهرت له في مولاه سفينة وبذلك سمي سفينة
أخبرنا أبو منصور الظفري محمد بن أحمد العلوي رحمه الله أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى وأبو نعيم عن حشرج بن نباتة قال حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال قلت لسفينة ما اسمك قال ما أنا بمخبركم ثم قال سماني رسول الله سفينة قلت ولم سماك سفينة قال خرج رسول الله ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي رسول الله ابسط كساءك فبسطته فجعلوا فيه متاعهم فحملوه علي فقال رسول الله احمل فإنما أنت سفينة فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يخفو
J - وأخذ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأذن شاة لقوم من عبد القيس بين إصبعه، ثم خلاها فصار لها ميسماً، وبقي ذلك الأثر وفي نسلها بعد.
J - وما روي عن إبراهيم بن حماد بسنده من كلام الحمار الذي أصابه بخيبر، وقال له: اسمي يزيد بن شهاب.فسماه النبي صلى الله عليه وسلم يعفورا، وأنه كان يوجهه إلى دور أصحابه، فيضرب عليهم الباب برأسه، ويستدعيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات، تردى في بئر جزعاً وحزناً، فمات.
قال ابن كثير في البداية والنهاية فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه الشفا وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما انه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجيء إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبي وأنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم وأبوه رحمهما الله وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا وقال الحافظ ابو نعيم في كتاب دلائل النبوة ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا ابراهيم ابن سويد الجذوعي حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر حمار اسود فوقف بين يديه فقال من أنت قال أنا عمرو بن فلان كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الأنبياء وأنا أصغرهم وكنت لك فملكني رجل من اليهود فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت يعفور هذا حديث غريب جدا
- وحديث الناقة التي شهدت عند النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبها أنه ما سرقها، وأنها ملكه.(6/153)
قلت: أخرجه الحاكم في المستدرك
حدثني أبو محمد الحسن بن إبراهيم الأسلمي الفارسي من أصل كتابه حدثنا جعفر بن درستويه حدثنا اليمان بن سعيد المصيصي حدثنا يحيى بن عبد الله المصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر قال كنا جلوسا حول رسول الله صلى الله عليه وسلمإذ دخل أعرابي جهوري بدوي يماني على ناقة حمراء فأناخ بباب المسجد فدخل فسلم ثم قعد فلما قضى نحبه قالوا يا رسول الله إن الناقة التي تحت الأعرابي سرقة قال أثم بينة قالوا نعم يا رسول الله قال يا علي خذ حق الله من الأعرابي إن قامت عليه البينة وإن لم تقم فرده إلي قال فأطرق الأعرابي ساعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قم يا أعرابي لأمر الله وإلا فادل بحجتك فقالت الناقة من خلف الباب والذي بعثك بالكرامة يا رسول الله إن هذا ما سرقني ولا ملكني أحد سواه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أعرابي بالذي أنطقها بعذرك ما الذي قلت قال قلت اللهم إنك لست برب استحدثناك ولا معك إله أعانك على خلقنا ولا معك رب فنشك في ربوبيتك أنت ربنا كما نقول وفوق ما يقول القائلون أسألك أن تصلي على محمد وأن تبرئني ببراءتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالكرامة يا أعرابي لقد رأيت الملائكة يبتدرون أفواه الأزقة يكتبون مقالتك فأكثر الصلاة علي رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ويحيى بن عبد الله المصري هذا لست أعرفه بعدالة ولا جرح.
- وفي العنز: التي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكره، وقد أصابهم عطش، ونزلوا على غير ماء، وهم زهاء ثلاثمائة، فحلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأروى الجند، ثم قال لرافع: أملكها وما أراك. فربطها فوجدها قد انطلقت. رواه ابن قانع و غيره، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها .
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في الشاة التي ظهرت فحلبت فأروت ثم ذهبت فلم توجد
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا اسماعيل بن محمد الصفار حدثنا محمد بن الفرج الأزرق حدثنا عصمة بن سليمان الخزاز حدثنا خلف ابن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن نافع وكانت له صحبة من رسول الله قال
كنا مع رسول الله في سفر لنا كنا أربعمائة رجل فنزلنا في موضع ليس فيه ماء فشق ذلك على أصحابه فقالوا رسول الله أعلم قال فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله فحلبها فشرب حتى روي وسقي أصحابه حتى رووا ثم قال يا نافع أملكها الليلة وما أراك تملكها قال فاخذتها فوتدت لها وتدا ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ورأيت الحبل مطروحا فجئت النبي فاخبرته من قبل أن يسألني فقال يا نافع ذهب بها الذي جاء بها
وفي كتاب محمد بن سعد أنبأنا خلف بن الوليد أبو الوليد الأزدي حدثنا خلف بن خليفة عن آبان بن بشير عن شيخ من أهل البصرة عن نافع فذكره
أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي حدثنا العباس بن محمد بن العباس حدثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو حفص الرياحي حدثنا عامر بن أبي عامر الخزاز عن ابيه عن الحسن بن سعد يعني مولى أبي بكر قال
قال رسول الله احلب لي العنز قال وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه قال فاتيت بعنز حافل قال فاحتلبتها واحتفظت بالعنز واوصيت بها قال فاشتغلنا بالرحلة ففقدت العنز فقلت يا رسول الله فقدت العنز قال فقال إن لها ربا
أخبرنا الأستاذ ابو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنبأنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن ابنه خباب أنها أتت رسول الله بشاة فاعتقلها وحلبها النبي وقال ائتني بأعظم إناء لكم فأتيناه بجفنة العجين فحلب فيها حتى ملأها ثم قال اشربوا وجيرانكم
J - وقالصلى الله عليه وسلم : لفرسه وقد قام إلى الصلاة في بعض أسفاره: لا تبرح، بارك الله فيك حتى نفرغ من صلاتنا وجعله قبلته، فما حرك عضواً حتى صلى صلى الله عليه وسلم.
-ويلتحق بهذا ما رواه الواقدي ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجه رسله إلى الملوك، فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد، فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم .
والحديث في هذا الباب كثير، وقد جئنا منه بالمشهور، وما وقع في كتب الأئمة.
الفصل التاسع عشر
في إحياء الموتى و كلامهم، وكلام الصبيان و المراضع و شهادتهم لهم بالنبوة صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبوالوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه، القاضي أبو الوليد محمد بن رشد، والقاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي، و غيره واحد سماعاً و إذاناً، قالوا: حدثنا أبو علي الحافظ قال: حدثنا أبو عمر الحافظ، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحي، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا ابن الأعرابي...(6/154)
حدثنا أبو داود، حدثنا و هب بن بقية، عن خالد ـ هو الطحان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن يهودية أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر شاة مصلية سمتها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، و أكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم، فإنما أخبرتني أنها مسمومة.
فمات بشر بن البراء.. وقال لليهودية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، و إن كنت ملكاً أرحت الناس منك. قال: فأمر بها فقتلت.
-وقد روى هذا الحديث أنس، وفيه: قالت: أردت قتلك. فقال: ماكان الله ليسلطك على ذلك.
فقالوا: نقتلها؟ قال: لا.
-وكذالك روى عن أبي هريرة ـ من غير وهب، قال: فما عرض لها.
-ورواه أيضاً جابر بن عبد الله، وفيه: أخبرني هذه الذراع قال: و لم يعاقبها.
-وفي رواية الحسن: أن فخذها تُكَلِّمُني أنها مسمومة.
-وفي رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن قالت: إني مسمومة.
-وكذلك ذكر الخبر ابن إسحاق، و قال فيه: فتجاوزعنها.
-وفي الحديث الآخر، عن أنس، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-وفي حديث أبي هريرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ في وجعه الذي مات فيه: ما زالت أكلة خيبر تعادُّني، فالآن أوان قطعت أبهري.
-وحكى ابن إسحاق: إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
-وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية التي سمته.
-و قد ذكرنا اختلاف الروايات في ذلك عن أبي هريرة، وأنس، وجابر.
-وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما ـ أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها.
-وكذلك قد اختلف في قتله للذي سحره، قال الواقدي: وعفوه عنه أثبت عندنا.
-وروى الحديث البزار، عن أبي سعيد، فذكر مثله، إلا أنه قال في آخره: فبسط يده وقال: كلوا بسم الله، فأكلنا، وذكر اسم الله، فلم تضر منا أحداً.
*قال القاضي أبو الفضل: وقد خرج حديث الشاة المسمومة أهل الصحيح، وخرجه الأئمة، وهو حديث مشهور.
-واختلف أئمة النظر في هذا الباب، فمن قائل يقول: هو كلام يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة أو الحجر أو الشجر وحروف وأصوات يحدثها الله ويسمعها منها دون تغيير أشكالها، و نقلها عن هيئتها.
وهو مذهب الشيخ أبي الحسن، والقاضي أبي بكر رحمهما الله. وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها، ثم الكلام بعده. -وحكي هذا أيضاً عن شيخنا أبي الحسن، وكل محتمل، والله أعلم، إذ لم نجعل الحياة شرطاً لوجود الحروف والأصوات، إذ لا يستحيل وجودها مع عدم الحياة بمجردها.
فأما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلا بد من شرط الحياة لها، إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حي، خلافاً للجبائي من بين سائر متكلمي الفرق في إحالة وجود الكلام اللفظي والحروف والأصوات إلا من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق بالحروف والأصوات.
والتزم ذلك في الحصى، والجذع، والذراع، وقال: إن الله خلق فيها حياة، وخرق لها فماً ـ ولساناً، وآلة أمكنها بها من الكلام.
وهذا لو كان لكان نقله والتهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه، ولم ينقل أحد من أهل السير والرواية شيئاً من ذلك، فدل على سقوط دعواه، مع أنه لا ضرورة إليه في النظر، والموفق الله.
وقفة مع حديث الشاة المسمومة
البخاري في كتاب الهبة
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب: حدثنا خالد بن الحارث: حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها، فقيل: ألا نقتلها؟ قال:(لا). فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب: الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
رواه عروة، عن عائشه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث: حدثني سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم.
وروى في كتاب الطب؛ وفي أبواب الجزية والموادعة...
- حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث قال: حدثني سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(6/155)
لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم(اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود). فجمعوا له، فقال:(إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه). فقالوا: نعم، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم (من أبوكم). قالوا: فلان، فقال:(كذبتم، بل أبوكم فلان). قالوا: صدقت، قال:(فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه). فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم:(من أهل النار؟). قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفونا فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا). ثم قال:(هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه). فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال:(هل جعلتم في هذه الشاة سما). قالوا: نعم، قال:(ما حملكم على ذلك). قالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك.
قال ابن حجر
حديث أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها الحديث وسيأتي شرحه في غزوة خيبر من المغازي واسم اليهودية المذكورة زينب وقد اختلف في اسلامها كما سيأتي
قوله فأكل منها فجيء بها زاد مسلم وأحمد في روايته من الوجه المذكور هنا فأكل منه فقال أنها جعلت فيه سما وزاد مسلم بعد قوله فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك علي قوله فقيل ألا نقتلها في رواية أحمد ومسلم فقالوا يا رسول الله "ألا نقتلها؟ "
قوله في لهوات بفتح اللام جمع لهاة وهي سقف الفم أو اللحمة المشرفة على الحلق وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من الفم عند التبسم
وقال
قوله باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أي جعل فيها السم والسم مثلث السين قوله رواه عروة عن عائشة لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا وسيأتي ذكره هناك
قوله حدثني سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم هكذا أورده مختصرا وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود فذكر الحديث وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب قال بن إسحاق لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب اليه قيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء مات منها وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت لرسول اللهصلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل فقال لأصحابه أمسكوا فإنها مسمومة وقال لها ما حملك على ذلك قالت أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك قال فما عرض لها ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال فلم يعاقبها وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد فاحتجم على الكاهل قال قال الزهري فأسلمت فتركها قال معمر والناس يقولون قتلها وأخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره قال فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها قال الواقدي وهو الثبت وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا قال البيهقي وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال البيهقي يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها وبذلك أجاب السهيلي وزاد إنه كان تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصا قلت ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ما حملك على ما فعلت قالت قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال عمها يسار وكان من أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم ووقع في سنن أبي داود أخت مرحب وبه جزم السهيلي وعند البيهقي في الدلائل بنت أخي مرحب ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لي الآن أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فانصرف عنها حين أسلمت....(6/156)
وقال: قوله باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم الإضافة فيه إلى المفعول قوله رواه عروة عن عائشة كأنه يشير إلى ما علقه في الوفاة النبوية آخر المغازي فقال قال يونس عن بن شهاب قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم.. وقد ذكرت هناك من وصله وهو البزار وغيره... وقوله أجد ألم الطعام أي الألم الناشىء عن ذلك الأكل لا أن الطعام نفسه بقي إلى تلك الغاية وأخرج الحاكم من حديث أم مبشر نحو حديث عائشة ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة الشاة المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد تقدم ذكره في غزوة خيبر وأنه أخرجه مختصرا وفي أواخر الجزية مطولا(6/157)
قوله أهديت بضم أوله على البناء للمجهول تقدم في الهبة من رواية هشام بن زيد عن أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجىء بها الحديث فعرف أن التي أهدت الشاة المذكورة امرأة وقدمت في المغازي أنها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم أخرجه بن إسحاق بغير إسناد وأورده بن سعد من طرق عن بن عباس بسند ضعيف ووقع في مرسل الزهري أنها أكثرت السم في الكتف والذراع لأنه بلغها أن ذلك كان أحب أعضاء الشاة إليه وفيه فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف فنهش منها وفيه فلما ازدرد لقمته قال إن الشاة تخبرني يعني أنها مسمومة وبينت هناك الاختلاف هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أو تركها ووقع في حديث أنس المشار إليه فقيل الا تقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم كيفية الجمع بين الاختلاف المذكور ومن المستغرب قول محمد بن سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها قوله اجمعوا لي لم أقف على تعيين المأمور بذلك قوله أني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه كذا وقع في هذا الحديث في ثلاثة مواضع قال بن التين ووقع في بعض النسخ صادقي بتشديد الياء بغير نون وهو الصواب في العربية لأن أصله صادقوني فحذفت النون للاضافة فاجتمع حرفا علة سبق الأول بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ومثله وما أنتم بمصرخي وفي حديث بدء الوحي أو مخرجي هم انتهى وإنكاره الرواية من جهة العربية ليس بجيد فقد وجهها غيره قال بن مالك مقتضى الدليل أن تصحب نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل والأسماء المعربة المضافة إلى ياء المتكلم لتقيها خفاء الاعراب فلما منعت ذلك كانت كأصل متروك فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل كقول الشاعر وليس الموافيني ليرتد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا ومنه في الحديث غير الدجال أخوفني عليكم والأصل فيه أخوف مخوفاتي عليكم فحذف المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه فاتصل أخوف بها مقرونة بالنون وذلك أن أفعل التفضيل شبيه بفعل التعجب وحاصل كلامه أن النون الباقية هي نون الوقاية ونون الجمع حذفت كما تدل عليه الرواية الأخرى بلفظ صادقي ويمكن تخريجه أيضا على أن النون الباقية هي نون الجمع فإن بعض النحاة أجاز في الجمع المذكر السالم أن يعرب بالحركات على النون مع الواو ويحتمل أن تكون الياء في محل نصب بناء على أن مفعول اسم الفاعل إذا كان ضميرا بارزا متصلا به كان في محل نصب وتكون النون على هذا أيضا نون الجمع قوله من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت بكسر الراء الأولى وحكى فتحها وهو من البر قوله نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها بضم اللام مخففا أي تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه وضبطه الكرماني بتشديد اللام وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة قال خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدا وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم بل أنتم خالدون يخلدون لا مخلفكم فيها أحد فأنزل الله تعالى _((وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 80 - 81)ومن طريق بن إسحاق عن سيف بن سليم عن مجاهد عن بن عباس أن اليهود كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت وهذا سند حسن وأخرج الطبري أيضا من وجه آخر عن عكرمة قال اجتمعت يهود تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لن تصيبنا النار فذكر نحوه وزاد فقال النبيصلى الله عليه وسلم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون لا نخلفكم فيها أبدا إن شاء الله تعالى فنزل القرآن تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود أنشدكم الله من أهل النار الذين ذكرهم الله في التوراة قالوا إن الله غضب علينا غضبة فنمكث في النار أربعين يوما ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتهم والله لا نخلفكم فيها أبدا فنزل القرآن تصديقا له وهذان خبران مرسلان يقوي أحدهما الآخر ويستفاد منهما تعيين مقدار الأيام المعدودة المذكورة في الآية وكذا في حديث أبي هريرة حيث قال فيه أياما يسيرة وأخرج الطبري أيضا من رواية قتادة وغيره أن حكمة العدد المذكور وهو الأربعون أنها المدة التي عبدوا فيها العجل قوله اخسئوا فيها هو زجر لهم بالطرد والابعاد أو دعاء عليهم بذلك قوله والله لا نخلفكم فيها أبدا أي(6/158)
لا تخرجون منها ولا نقيم بعدكم فيها لأن من يدخل النار من عصاة المسلمين يخرج منها فلا يتصور أنه يخلف غيره أصلا قوله أردنا إن كنت كاذبا في رواية المستملي والسرخسي إن كنت كذابا قوله وإن كنت نبيا لم يضرك يعني على الوجه المعهود من السم المذكور وفي حديث أنس المشار إليه فقالت أردت لأقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في نحو هذه القصة فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك أخرجه البيهقي وأخرج نحوه موصولا عن جابر وأخرجه بن سعد بسند صحيح عن بن عباس ووقع عند بن سعد عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي وعمي وأخي ونلت من قومي ما نلت فقلت إن كان نبيا فسيخبره الذراع وإن كان ملكا استرحنا منه وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيب وتكليم الجماد له ومعاندة اليهود لاعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم وبما وقع منهم من دسيسة السم ومع ذلك فعاندوا واستمروا على تكذيبه وفيه قتل من قتل بالسم قصاصا وعن الحنفية إنما تجب فيه الدية ومحل ذلك إذا استكرهه عليه اتفاقا وأما إذا دسه عليه فأكله ففيه اختلاف للعلماء فإن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية ببشر بن البراء ففيه حجة لمن يقول بالقصاص في ذلك والله أعلم وفيه أن الأشياء كالسموم وغيرها لا تؤثر بذواتها بل بإذن الله لأن السم أثر في بشر فقيل إنه مات في الحال وقيل إنه بعد حول ووقع في مرسل الزهري في مغازي موسى بن عقبة أن لونه صار في الحال كالطيلسان يعني أصفر شديد الصفرة وأما قول أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فاللهوات جمع لهاة ويجمع أيضا على لهى بضم أوله والقصر منون ولهيان وزن إنسان وقد تقدم بيانها فيما مضى في الطب في الكلام على العذرة وهل اللحمة المعلقة في أصل الحنك وقيل هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم وهذا هو الذي يوافق الجمع المذكور ومراد أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الأكلة أحيانا وهو موافق لقوله في حديث عائشة ما أزال أجد ألم الطعام ووقع في مغازي موسى بن عقبة عن الزهري مرسلا ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري ومثله في الرواية المذكورة عند بن سعد والعداد بكسر المهملة والتخفيف ما يعتاد والأبهر عرق في الظهر تقدم بيانه في الوفاة النبوية ويحتمل أن يكون أنس أراد أنه يعرف ذلك في اللهوات بتغير لونها أو بنتوء فيها أو تحفير قاله القرطبي...
مسلم في كتاب السلام باب السم
حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا شعبة عن هشام بن زيد، عن أنس؛
أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة. فأكل منها. فجيء بها إلى رسول الله ص. فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك. قال" ما كان الله ليسلطك على ذاك" قال أو قال "علي" قال قالوا: ألا نقتلها؟ قال "لا" قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال النووي(6/159)
قوله:(أن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذاك قالت أردت لأقتلك، قال: وما كان الله ليسلطك على ذاك قال أو قال علي، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم). وفي الرواية الأخرى:(جعلت سماً في لحم). أما السم فبفتح السين وضمها وكسرها ثلاث لغات الفتح أفصح جمعه سمام وسموم. وأما اللهوات فبفتح اللام والهاء جمع لهات بفتح اللام وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك قاله الأصمعي. وقيل اللحمات اللواتي في سقف أقصى الفم. وقوله:(ما زلت أعرفها) أي العلامة كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره. وقولهم:(ألا نقتلها) هي بالنون في أكثر النسخ وفي بعضها بتاء الخطاب. وقوله صلى الله عليه وسلم "ما كان الله ليسلطك على ذاك أو قال علي" فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم كما قال الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السم المهلك لغيره وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة وكلام عضو منه له فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلمإن الذراع تخبرني أنها مسمومة وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي روينا تسميتها هذه في مغازي موسى بن عقبة ودلائل النبوة للبيهقي قال القاضي عياض: واختلف الاَثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا. ومثله عن أبي هريرة وجابر. وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قتلها. وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها. وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها. قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولاً حين اطلع على سمها وقيل له اقتلها فقال لا فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً، فيصح قولهم لم يقتلها أي في الحال، ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم....
وروى هذا الحديث
أبو داود في أول كتاب الديات باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات، أيقاد منه؟
1- حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، ثنا خالد بن الحارث، ثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك
أن امرأة يهودية أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشاةٍ مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك، فقال: "ما كان اللّه ليسلطك على ذلك" أو قال: "عليَّ" قال: فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: "لا" فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
2- حدثنا داود بن رشيد، ثنا عباد بن العوام، ح وثنا هارون بن عبد اللّه، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، قال هارون: عن أبي هريرةأن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم شاةً مسمومة قال: فما عرض لها النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود: هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم
3-حدثنا سليمان بن داود المهري، ثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال:
كان جابر بن عبد اللّه يحدِّث أن يهودية من أهل خيبر سمَّت شاة مصليَّة ثم أهدتها لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الذِّراع فأكل منها، وأكل رهطٌ من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا أيديكم" وأرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: "أسممت هذه الشاة؟" قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: "أخبرتني هذه في يدي" للذراع، قالت: نعم، قال: "فما أردت إلى ذلك" قالت: قلت: إن كان نَبيّاً فلن يضرَّه، وإن لم يكن نبيّاً استرحنا منه، فعفا عنها رسول اللّهصلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقَرْن والشفرة، وهو مولًى لبني بياضة من الأنصار.
4- حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة
أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاةً مصلية، نحو حديث جابر قال: فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاريُّ، فأرسل إلى اليهودية "ما حملك على الّذي صنعت؟" فذكر نحو حديث جابر، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقتلت، ولم يذكر أمر الحجامة.
5- وثنا وهب بن بقية في موضع آخر، عن خالد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ولم يذكر أبا هريرة قال:(6/160)
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، زاد: فأهدت له يهودية بخيبر شاةً مصلية سمتها، فأكل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال: "ارفعوا أيديكم فإِنها أخبرتني أنها مسمومةٌ" فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إلى اليهودية: "ما حملك على الذي صنعت؟" قالت: إن كنت نبيّاً لم يضرَّك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقتلت، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري".
6- حدثنا مخلد بن خالد، قال: ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه،
أن أمَّ مُبشِّر قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: ما يتهم بك يارسول اللّه؟ فإِني لا أتهم بابني شيئاً إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك، فهذا أوان قطع أبهري".
قال أبو داود: وربما حدّث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسلاً عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما حدث به عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وذكر عبد الرزاق أن معمراً كان يحدِّثهم بالحديث مرة مرسلاً فيكتبونه ويحدِّثهم مرة به فيسنده فيكتبونه، وكلٌّ صحيح عندنا، قال عبد الرزاق: فلما قدم ابن المبارك على معمر أسند له معمر أحاديث كان يوقفها.
7- حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا إبراهيم بن خالد، ثنا رباح، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك، عن أمه أمِّ مبشر، قال أبو سعيد بن الأعرابي: كذا قال عن أمه، والصواب عن أبيه، عن أم مبشّر:
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث مخلد بن خالد [نحو حديث جابر قال: فمات بشر بن البراء بن معرور؛ فأرسل إلى اليهودية فقال: "ما حملك على الذي صنعت؟" فذكر نحو حديث جابر؛ فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقتلت، ولم يذكر الحجامة].
أبن ماجه في كتاب الطب
حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي. حدثنا بقية. حدثنا أبو بكر العنسي عن يزيد بن أبي حبيب، ومحمد بن يزيد، المصريين، قالا: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله! لا يزال يصيبك، كل عام، وجع من الشاة المسمومة التي أكلت. قال:((ما أصابني شيء منها، إلا وهو مكتوب علي، وآدم في طينته)).في الزوائد: في إسناده أبو بكر العنسي، وهو ضعيف
الدارمي في مجموعة ابواب في المقدمة باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم من كلام الموتى
1- أخبرنا جعفر بن عون أنا محمد بن عمر الليثي عن أبي سلمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة فأهدت له امرأة من يهود خيبر شاة مصلية فتناول منها وتناول منها بشر بن البراء ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال إن هذه تخبرني انها مسمومة فمات بشر بن البراء فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت فقالت إن كنت نبيا لم يضرك شيء وإن كنت ملكا أرحت الناس منك، فقال في مرضه: ما زلت من الأكلة التي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري
2- أخبرنا الحكم بن نافع أنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: كان جابر بن عبد الله يحدث ان يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم منها الذراع فأكل منها وأكل الرهط من أصحابه معه، ثم قال لهم النبيصلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: أسممت هذا الشاة؟ فقالت: نعم ومن أخبرك، فقال النبيصلى الله عليه وسلم أخبرتني هذه في يدي الذراع فقالت نعم قال: فماذا أردت إلى ذلك قالت قلت: إن كان نبيا لم يضره وإن لم يكن نبيا استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة وهو من بني ثمامة وهم حي من الأنصار
الحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة
1- أخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن أم مبشر رضى الله تعالى عنها قالت دخلت على رسول اللهصلى الله عليه وسلمفي وجعه الذي قبض فيه فقلت بأبي أنت يا رسول الله ما تتهم بنفسك فإني لا اتهم بابني إلا الطعام الذي أكله معك بخيبر وكان ابنها بشر بن البراء بن معرور مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أتهم غيرها هذا أوان انقطاع أبهري هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(6/161)
2- حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة ثنا عبد العزيز بن داود الحراني ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابا له على شاة مصلية فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة فوضعها ثم قال لهم أمسكوا إن هذه الشاة مسمومة فقال لليهودية ويلك لأي شيء سممتني قالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا فإنه لا يضرك وإن كان غير ذلك أن أريح الناس منك وأكل منها بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
الحاكم في كتاب الأطعمة
حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو ثنا أبو قلابة الرقاشي ثنا أبو عتاب سهل بن حماد ثنا عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه أن يهودية أهدت شاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سميطا فلما بسط القوم أيديهم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم كفوا أيديكم فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال فأرسل إلى صاحبتها فقال أسممت طعامك هذا قالت نعم أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك وإن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذكروا اسم الله وكلوا فأكلنا فلم يضر أحدا منا شيئا هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
البيهقي في كتاب الجراح باب من سقى رجلا سما
1- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقبل ألا نقلتها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
2- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن سلمة ومحمد بن النضر ومحمد بن إسماعيل قال بن النضر أنبأ وقال الآخران حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا خالد بن الحارث فذكره بمثل إسناده إلا أنه قال فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي قالوا ألا نقتلها قال لا ثم ذكر باقي الحديث رواه البخاري في الصحيح عن الحجبي ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب بن عربي
3- أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا داود بن رشيد ثنا عباد بن العوام قال وثنا هارون بن عبد الله ثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة قال هارون عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة قال فما عرض لها النبي صلى الله عليه وسلم
4- أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا سليمان بن داود المهري ثنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها أسممت هذا الشاة قالت اليهودية من أخبرك قال أخبرتني هذه في يدي للذراع قالت نعم قال فما أردت إلى ذلك قالت قلت إن كان نبيا فلن يضره وإن لم يكن نبيا استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة وأحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة من الأنصار
5- وأخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر ثنا أبو داود ثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر قال فمات بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى اليهودية ما حملك على الذي صنعت فذكر نحو حديث جابر قال فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة
6- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة ثنا عبد العزيز بن داود الحراني ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابا له على شاة مصلية فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة فوضعها ثم قال لهم أمسكوا إن هذا الشاة مسمومة فقال لليهودية ويلك لأي شيء سممتني قالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا فإنه لا يضرك وإن كان غير ذلك أن أريح الناس منك فأكل منها بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/162)
7- أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي ثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلمقتلها يعني التي سمته
8- أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الأصبهاني أنبأ علي بن عمر الحافظ ثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول ثنا أبي ثنا بن أبي فديك عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أتي بشاة مسمومة مصلية أهدتها له امرأة يهودية فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وبشر بن البراء فمرضا مرضا شديدا عنها ثم إن بشرا توفي فلما توفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فأتى بها فقال ويحك ماذا أطعمتينا قالت أطعمتك السم عرفت إن كنت نبيا أن ذلك لا يضرك وإن الله سيبلغ فيك أمره وإن كنت على غير ذلك فأحببت أن أريح الناس منك فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلبت
9- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله بن بطة الأصبهاني ثنا الحسن بن الجهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا الواقدي أنبأ يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها فصلبت بعد أن قتلها قال الواقدي الثبت عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق قال الشيخ اختلفت الروايات في قتلها ورواية أنس بن مالك أصحها ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعاقبها حين لم يمت أحد من أصحابه مما أكل فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد والله أعلم.
البيهقي في كتاب الضحايا
1-وحدثنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنبأ أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ثنا محمد بن غالب ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن برد عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه قال كنا نغزو فنأكل في أوعية المشركين ونشرب في أسقيتهم قال الشافعي في رواية حرملة أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم يهودية شاة محنوذة سمتها في ذراعها فأكل منها هو يعني وغيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت الأكلة التي أكلت من الشاة تعادني حتى كان هذا أوان قطعت أبهري..
2- أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي قال فقالوا ألا نقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن حبيب ورواه البخاري عن الحجبي عن خالد وروينا فيه حديث جابر وغيره في كتاب الجراح
3- حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى الأشفر ثنا يوسف بن موسى المروروذي ثنا أحمد بن صالح ثنا عنبسة ثنا يونس عن بن شهاب قال قال عروة كانت عائشة رضى الله تعالى عنها تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه يا عائشة أني أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم أخرجه البخاري في الصحيح فقال وقال يونس
الدارقطني في كتاب الحدود والديات
نا أحمد بن إسحاق بن بهلول نا أبي نا ابن أبي فديك عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أتى بشاة مسمومة مصلية أهدتها له امرأة يهودية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وبشر بن البراء فمرضا مرضا شديدا عنها ثم إن بشرا توفي فلما توفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فأتى بها، فقال ويحك ماذا أطعمتنا قالت أطعمتك السم عرفت إن كنت نبيا أن ذلك لا يضرك فإن الله تعالى سيبلغ منك أمره وإن كنت على غير ذلك فأحببت أن أريح الناس منك فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلبت
أحمد في مسند أهل البيت
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سريج حدثنا عباد عن هلال عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأرسل اليها فقال: ما حملك على ما صنعت قالت: أحببت أو أردت إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم قال: فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم.(6/163)
وذكره الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة قال: فلما اطمأن بها المقام أهدت امرأة سلام بن مشكم للرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة وأكثرت من السم في ذراع الشاة لما عرفته أن الرسول يؤثرها وقد تناول النبي مضغة منها فلاكها ثم لفظها وهو يقول: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم وكان معه بشر بن البراء فأساغ اللحم وازدرده فجيء بالمرأة الجانية فاعترفت بما صنعت وقالت: بلغت من قومي ما لا يخفى عليك فقلت إن كان ملكا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها النبي ثم مات بشر بعد ما سرى السم في جسمه فقيل: اقتص له منها وقيل بل أسلمت وعفا عنها...
وقفة مع الصحيحين في كون النبي صلى الله عليه وسلم سحره اليهودي لبيد بن الأعصم
البخاري في كتاب بدء الخلق؛ وفي كتاب الأدب؛ وفي كتاب الجزية؛ وفي كتاب الدعوات وفي كتاب الطب باب: السحر.
وقول الله تعالى: {ولكنَّ الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منها ما يفرِّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرُّهم ولا ينفعهم ولقد علموا لَمَنِ اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} /البقرة: 102/.وقوله تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} /طه:69/.وقوله: {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} /الأنبياء:3/.وقوله: {يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى} /طه:66/.
وقوله: {ومن شرِّ النَّفَّاثات في العقد} /الفلق:4/: والنَّفَّاثات: السواحر. {تُسْحَرون} /المؤمنون: 89/: تُعَمَّوْن.
- حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
سحر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زُرَيق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي، لكنه دعا ودعا، ثم قال:(يا عائشة، أشَعَرْتِ أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مُشط ومُشاطة، وجُفِّ طَلْع نخلة ذَكَر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذَرْوان). فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال:(يا عائشة، كأن ماءها نُقاعة الحِنَّاء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين). قلت: يا رسول الله: أفلا استخرجته؟ قال:(قد عافاني الله، فكرهت أن أثَوِّرَ على الناس فيه شراً). فأمر بها فدُفنت.تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد، عن هشام.وقال الليث وابن عُيَينة، عن هشام:(في مُشط ومُشاقة).
يقال: المُشاطة: ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمُشاقة: من مُشاقة الكَتَّان.
باب: هل يُستخرج السحر.
وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيَّب: رجل به طِبٌّ، أو: يُؤخذ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنَشِّرُ؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس فلم يُنْهَ عنه.
- حدثني عبد الله بن محمد قال: سمعت ابن عُيَينة يقول: أول من حدثنا به ابن جُرَيج يقول: حدثني آل عروة، عن عروة، فسألت هشاماً عنه، فحدثنا عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا، فقال:(يا عائشة، أعَلِمْتِ أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن أعصم - رجل من بني زُرَيق حليف ليهود كان منافقاً - قال: وفيم؟ قال: في مُشط ومُشاقة، قال: وأين؟ قال: في جُفِّ طلعةٍ ذَكَرٍ، تحت رَعوفة في بئر ذروان). قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال:(هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحنَّاء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين). قال: فاستخرج، قالت: فقلت: أفلا؟ - أي تنشَّرت - فقال:(أما والله فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً).
باب: السحر.
- حدثنا عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:(6/164)
سُحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال:(أشَعَرْتِ يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه). قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال:(جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليَّ، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زُرَيق، قال: في ماذا؟ قال: في مُشط ومُشاطة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان). قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال:(والله لكأن ماءها نقاعة الحنَّاء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين). قلت: يا رسول الله أفأخرجته؟ قال:(لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثوِّر على الناس منه شراً). أمر بها فدُفنت.
البخاري كتاب الدعوات باب: تكرير الدعاء.
- حدثنا إبراهيم بن منذر: حدثنا أنس بن عياض، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طُبَّ، حتى أنه ليخيل إليه أنه قد صنع الشيء وما صنعه، وإنه دعا ربه، ثم قال:(أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه). فقالت عائشة: فما ذاك يا رسول الله؟ قال:(جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة، قال: فأين هو؟ قال: في ذروان). وذروان بئر في بني زريق، قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى عائشة، فقال:(والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين). قالت: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها عن البئر، فقلت: يا رسول الله فهلا أخرجته؟ قال:(أما أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً).
زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا ودعا، وساق الحديث.
مسلم في كتاب السلام ؛ باب السحر
حدثنا أبو كريب. حدثنا ابن نمير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. قالت:
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق. يقال له: لبيد بن الأعصم. قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله. حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم دعا. ثم دعا. ثم قال "يا عائشة! أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي. فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في آي شيء؟ قال: في مشط ومشاطه. قال وجب طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان".
قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه. ثم قال "يا عائشة! والله! لكأن ماءها نقاعة الحناء. ولكأن نخلها رؤوس الشياطين".
قالت فقلت: يا رسول الله! أفلا أحرقته؟ قال "لا. أما أنا فقد عافاني الله. وكرهت أن أثير على الناس شرا. فأمرت بها فدفنت".
حدثنا أبو كريب. حدثنا أو أسامة. حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة. قالت:
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وساق أبو كريب الحديث بقصته، نحو حديث ابن نمير. وقال فيه: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر. فنظر إليها وعليها نخل. وقالت: قلت: يا رسول الله! فأخرجه. ولم يقل: أفلا أحرقته؟ ولم يذكر" فأمرت بها فدفنت".
J -وروى وكيع ـ رفعه عن فهد بن عطية ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بصبي قد شبَّ لم يتكلم قط،فقال: من أنا؟ فقال رسول الله.
J وروي عن معرض بن معيقيب: رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجباً، جيء بصبي يوم وُلِد... فذكر مثله.
وهو حديث مبارك اليمامة، ويُعرف بحديث شاصونه: اسم راويه، وفيه: فقال له صلى الله عليه وسلم : صدقت بارك الله فيك. ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شبَّ، فكان يسمى مبارك اليمامة.
وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع.
قلت: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في شهادة الرضيع والأبكم لنبينا بالرسالة إن صحت فيه الرواية
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليمامي وانصرفنا من عدن بقرية يقال لها لحردة قال حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليماني عن أبيه عن جده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله ووجهه مثل داره القمر وسمعت منه عجبا جاءه رجل بغلام يوم ولد فقال له رسول الله يا غلام من أنا قال أنت رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم أن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب قال قال أبي فكنا نسميه مبارك اليمامة.(6/165)
قال شاصونة بن عبيد وقد كنت أمر على معمر فلم أسمع منه
واخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني بثغر صيدا أنبأنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد ابو الفضل حدثنا أبي حدثنا جدي شاصونة بن عبيد قال حدثنا معرض بن عبد الله بن معيقيب عن أبيه عن جسده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله ووجهه كدارة القمر فسمعت منه عجبا أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله يا غلام من أنا فقال أنت رسول الله فقال له بارك الله فيك ثم أن الغلام لم يتكلم بعدها
ورواه أبو الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقرىء القزويني عن أبي الفضل العباس بن محبوب بن شاصونه ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الحسن عن ابن العباس الوراق عن أحمد بن خلف قال ابو عبد الله وقد أخبرني الثقة من أصحابنا عن أبي عمر الزاهد قال لما دخلت اليمن دخلت حردة فسألت عن هذا الحديث فوجدت فيها لشاصونة أعقابا وحملت إلى قبره فزرته.
قلت ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين باسناد مرسل بخلافه في وقت الكلام
أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي بالكوفة أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي أنبأنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه أن النبي أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط قال من أنا قال أنت رسول الله.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن الأعمش عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال جاءت امرأة بابن لها إلى رسول الله قد تحرك فقالت يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد فقال رسول الله ادنيه فأدنته منه فقال من أنا فقال أنت رسول الله.
J -وعن الحسن: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه طرح بنية له في وادي كذا، فانطلق معه إلى الوادي، وناداها باسمها: يا فلانة، أجيبي بإذن الله فخرجت وهي تقول: لبييك وسعديك! فقال لها: إن أبويك قد أسلما، فإن أحببت أن أردك عليهما؟ قالت: لا حاجة لي فيهما، و جدت الله خيرا ً منهما.
J -وعن أنس أن شاباً من الأنصار توفي وله أم عجوز عمياء، فسجيناه، وعزيناها، فقالت: مات ابني؟ قلنا: نعم. قالت: اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملن علي هذه المصيبة. فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه، فطعم وطعمنا.
قلت: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي التي أحيا الله تعالى بدعائها ولدها بعد ما مات وما جاء في الكرامات التي ظهرت على العلاء بن الحضرمي وأصحابه
أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو عمرو بن مطر حدثنا أبو العباس بن أبي الدميك ببغداد(ح)
وأنبأنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا محمد بن طاهر بن أبي الدميك حدثنا عبيد بن عائشة حدثنا صالح المري حدثنا ثابت عن أنس قال عدنا شابا من الأنصار وعنده أم له عجوز عمياء قال فما برحنا أن فاض يعني مات ومددنا على وجهه الثوب وقلنا لأمه يا هذه احتسبي مصابك عند الله قالت أمات ابني قلت نعم قالت اللهم إن كنت تعلم إني هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شديدة فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم قال أنس فو الله ما برحت حتى كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه.
وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا الحسين بن صفوان حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا حدثنا خالد بن خداس بن عجلان المهلبي وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قالا حدثنا صالح المري عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال عدت شابا من الأنصار فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب قال بعضنا لأمه احتسبيه قالت وقد مات قلنا نعم قالت أحق ما تقولون قلنا نعم فمدت يديها إلى السماء وقالت اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك فإذا نزلت بي شديدة دعوتك ففرجتها فأسألك اللهم لا تحمل علي هذه المصيبة اليوم قال فكشف الثوب عن وجهه فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا
صالح بن بشير المري من صالحي أهل البصرة وقصاصهم تفرد بأحاديث مناكير عن ثابت وغيره وقد روى حذيفة هذا من وجه آخر مرسلا بين ابن عوف وأنس بن مالك(6/166)
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ حدثنا أبو الليث سهل بن معاذ التميمي بدمشق حدثنا أبو حمزة إدريس بن يونس حدثنا محمد بن يزيد بن سلمة حدثنا عيسى بن يونس عن عبدالله بن عون عن أنس قال أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانوا في بني إسرائيل لما تقاسمتها الأمم لكان عجبا قلن ما هن يا أبا حمزة قال كنا في الصفة عند رسول الله فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض فغمضه النبي وأمر بجهازه فلما أردنا أن نغسله قال يا أنس ائت أمه فأعلمها قال فأعلمتها فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت اللهم إني أسلمت لك طوعا وخلعت الأوثان زهدا وهاجرت إليك رغبة اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها قال فو الله ما تقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه وعاش حتى قبض الله رسول وحتى هلكت أمه...
-وروي عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري: كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس، وكان قتل باليمامة، فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان البر الرحيم، فنظرنا فإذا هو ميت.
-وذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتاً في بعض أزقة المدينة، فرفع وسجي إذ سمعوه بين العشاءين والنساء يصرخن حوله يقول: أنصتوا،أنصتوا، فحسر عن وجهه،فقال: محمد رسول الله، النبي الأمي، وخاتم النبيين، كان ذلك في الكتاب الأول، ثم قال صدق، صدق، وذكر أبا بكر، وعمر، وعثمان، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله،ورحمة الله و بركاته، ثم عاد ميتاً كما كان.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله بالرسالة والقائمين بعده بالخلافة والرواية في ذلك صحيحة ثابتة وفي ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة
أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأنا جدي يحيى بن منصور القاضي حدثنا أبو علي محمد بن عمر وكشمرد أنبأنا القعنبي حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج توفي زمن عثمان بن عفان فسجى في ثوبه ثم أنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال أحمد أحمد في الكتاب الأول صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين في الكتاب الأول صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت اثنتان أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس وما بئر أريس
قال يحيى قال سعيد ثم هلك رجل من خطمة فسجى بثوبه فسمع جلجلة في صدره ثم تكلم فقال ان أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأنا قريش بن الحسن حدثنا القعنبي فذكره بإسناده نحوه وهذا إسناد صحيح وله شواهد(6/167)
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا ابو علي الحسين بن صفوان حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن ابن يونس حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل ابن أبي خالد قال جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم ابن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير بسم الله الرحمن الرحيم من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه وهو يومئذ من أصح أهل المدينة فتوفي بين صلاة الأولى وصلاة العصر فأضجعناه لظهره وغشيناه بردين وكساء فأتاني آت في مقامي وأنا أسبح بعد العصر فقال ان زيدا قد تكلم بعد وفاته فانصرفت إليه مسرعا وقد حضره قوم من الأنصار وهو يقول أو يقال على لسان الأوسط أجلد القوم الذي كان لا يبالي في الله عز وجل لومة لائم كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الأول قال ثم قال عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة خلت ليلتان وهي أربع ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا فلا نظام وأبيحت الأحماء ثم ارعوى المؤمنون وقالوا كتاب الله وقدره أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن ذما كان أمر الله قدرا مقدورا الله أكبر هذه الجنة وهذه النار هؤلاء والنبيون والصديقون سلام عليك يا عبد الله بن رواحه هل احسست لي خارجة لأبيه وسعدا اللذين قتلا يوم أحد(كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى فجمع فأوعى) ثم خفض صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه فقالوا سمعناه يقول انصتوا انصتوا فنظر بعضنا إلى بعض فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه فقال هذا أحمد رسول الله سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم قال أبو بكر الصديق الأمين خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه قويا في أمر الله صدق صدق وكان في الكتاب الأول
وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو عمرو بن نجيد حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا زهير يعني ابن معاوية أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد فذكره باسناده ومعناه زاد في وسط الحديث وكان ذلك على تمام سنتين خلتا من إمارة عثمان وقال في آخره فأما قوله خلت ليلتان وبقي أربع فالسنتان اللتان خلتا من إمارة عثمان قال فلم أزل أحفظ العدة الأربع البواقي وأتوقع ما هو كائن فيهن فكان فيهن انتزاء أهل العراق وخلافهم وارجاف المرجفين وطعنهم على أميرهم الوليد بن عقبة والسلام ورحمة الله
قلت هذا إسناد صحيح وروى ذلك أيضا عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير وذكر فيه بئر أريس كما ذكر في رواية ابن المسيب والأمر فيها أن النبي اتخذ خاتما فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر من بعده ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع في بئر أريس بعد ما مضى من خلافته ست سنين فعند ذلك تغيرت عمال وظهرت أسباب الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة قال البخاري في كتاب التاريخ زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري شهد بدرا توفي في زمن عثمان هو الذي تكلم بعد الموت
أخبرناه أبو بكر الفارسي أنبأنا أبو إسحاق الأصبهاني حدثنا أبو أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل فذكره وقد روي في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة
أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا الحسين بن صفوان حدثنا ابن أبي الدنيا حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا خالد الطحان عن حصين عن عبد الله بن عبيد الأنصاري أن رجلا من قتلى مسيلمة تكلم فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عثمان الأمين الرحيم لا أدري أيش قال لعمر
وقد أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمر وحدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا علي بن عاصم أنبأنا حصين بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال بينما هم يصورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل إذ تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الشهيد عثمان الرحيم ثم سكت خالد الطحان احفظ من علي بن عاصم وأوثق والله أعلم.
----------------------
25. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(7).. إبراء المرضى
الفصل العشرون:
في إبراء المرضى وذوي العاهات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن مشرف فيما أجازنيه و قرأته على غيره، قال: حدثنا أبو إسحاق الحبال، قال: حدثنا أبو محمد بن النحاس، حدثنا ابن الورد، عن البرقي، عن ابن هشام، عن زباد البكائي، عن محمد بن إسحاق، حدثنا ابن شهاب، وعاصم بن عمر بن قتادة وجماعة ذكرهم بقضية أحد بطولها، قال: وقالوا:قال سعد بن أبي وقاص:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليناولني السهم لا نصل له، فيقول: ارم به. وقد رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قوسه حتى اندقت،(6/168)
قلت: قال ابن إسحاق: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله ومعه لواؤه حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدًا… فلما قتل مصعب أعطى رسول الله اللواء علي بن أبي طالب..
قال ابن أسحاق وقد قتل علي بن أبي طالب طلحة بن أبي طلحة وهو يحمل لواء قريش والحكم بن الأخنس بن شريق وعبد الله بن حميد بن زهير وأبا أمية بن أبي حذيفة بن أبي المغيرة وأخذ اللواء بعد طلحة أبو سعد بن أبي طلحة فقال سعد بن أبي وقاص رميته فأصبت حنجرته فاندلع لسانه اندلاع لسان الكلب..
قال ابن إسحاق فحدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص أنه رمى يوم أحد دون رسول الله؛ قال سعد فلقد رأيت رسول الله يناولني النبل ويقول: إرم فداك أبي وأمي.. حتى أنه ليناولني السهم ما له من نصل فأرمي به.
أخبرنا أبو علي الروذباري وأبو عبد الله الحسين بن عمرو بن برهان البغدادي بها في آخرين قالوا أخبرنا اسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا مروان بن معاوية عن هاشم بن هاشم الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي رسول الله... قال الحسن بن عرفة يعني نفض كنانته يوم أحد وقال: إرم فداك أبي وأمي". رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد عن مروان بن معاوية...
البخاري: حدثني عبد الله بن محمد: حدثنا مروان بن معاوية: حدثنا هاشم بن هاشم السعدي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي النبي صلى الله عليه وسلمكنانته يوم أحد، فقال:(أرم فداك أبي وأمي).
- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد ابن المسيب قال: سمعت سعدًا يقول: جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد.
- حدثنا قتيبة: حدثنا ليث، عن يحيى، عن ابن المسيب أنه قال: قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه كليهما، يريد حين قال:(فداك أبي وأمي) وهو يقاتل.
- حدثنا أبو نعيم: حدثنا مسعر، عن سعد، عن ابن شداد قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يقول: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لأحد غير سعد.
- حدثنا يسرة بن صفوإن: حدثنا إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله ابن شداد، عن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أحد:(يا سعد ارم، فداك أبي وأمي).
مسلم حدثنا منصور بن أبي مزاحم. حدثنا إبراهيم(يعني ابن سعد) عن أبيه، عن عبد الله بن شداد. قال: سمعت عليا يقول: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد، غير سعد بن مالك. فإنه جعل يقول له، يوم أحد: "ارم. فداك أبي وأمي!".
حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا سليمان(يعني ابن بلال) عن يحيى(وهو ابن سعيد) عن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص قال:لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد.
حدثنا محمد بن عباد. حدثنا حاتم(يعني ابن إسماعيل) عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه؛
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد. قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارم. فداك أبي وأمي!" قال فنزعت له بسهم ليس فيه نصل. فأصبت جنبه فسقط. فانكشفت عورته. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى نظرت إلى نواجذه.
قال ابن حجر:(6/169)
نثل بفتح النون والمثلثة أي: نفض وزنًا ومعنى والكنانة جعبة السهام وتكون غالبًا من جلود وقوله في الرواية الثالثة: كلاهما كذا لأبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما كليهما وهما جائزان, وقوله: "ارم فداك أبي وأمي" هو تفسير لما في الروايتين الأخريين من قوله جمع لي أبويه ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر مرسل أخرجها بن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة قال قال سعد رميت بسهم فرد علي النبي صلى الله عليه وسلم سهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي فقلت هذا سهم دم فجعلته في كنانتي لا يفارقني, وعند الحاكم لهذه القصة بيان سبب فأخرج من طريق يونس بن بكير وهو في المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال جال الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فأما أن أنجو وإما أن استشهد فإذا رجل محمر وجهه وقد كاد المشركون أن يركبوه فملأ يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي: يا سعد هذا رسول الله يدعوك. فقمت وكأنه لم يصبني شيء من الأذى وأجلسني أمامه فجعلت أرمي. فذكر الحديث الحديث السادس أورده من وجهين قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية وأبوه صحابي جليل ويسرة بفتح التحتانية والمهملة وإبراهيم هو بن سعد بن إبراهيم المذكور قوله وغير سعد أي بن أبي وقاص وهو بن مالك كما في الرواية الثانية وقوله فيها إلا لسعد بن مالك في رواية الكشميهني غير سعد بن مالك..
- وأصيب يومئذ عين قتادة ـ يعني ابن النعمان ـ حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أحسن عينيه.
-وروى قصة قتادة عاصم بن عمر بن قتادة، و يزيد بن عياض بن عمر بن قتادة.
ورواها أبو سعيد الخدري عن قتادة.
أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة
أخبرنا أبو نصر سهل بن محمد النيسابوري أنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي أنا أبو بكر الجوزقي ثنا أبو العباس الدغولي أنا أبو بكر هو ابن أبي خيثمة ثنا مالك ابن إسماعيل ثنا ابن الغسيل ثنا عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان عن جده قتادة أنه أصيب عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأراد القوم أن يقطعوها فقالوا: تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في ذلك فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فرفع حدقته حتى وضعها موضعها ثم غمزها براحته وقال: "اللهم اكسه جمالا" فمات وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت.
كما أخرجه البيهقي في دلائل النبوة
أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال أخبرنا أبو أحمد عبد الله ابن عدي الحافظ قال أخبرنا أبو يعلي قال أخبرنا يحيى الحماني قال أخبرنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا رسول الله فقال: (لا) فدعا به فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
قال الألباني: صحيح بتعدد طرقه عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة ابن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(لا) فدعا به فغمز عينيه براحته... فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
-وبصق على أثر سهم في وجه أبي قتادة في يوم ذي قرد، قال: فما ضرب عليَّ ولا قاح.
أخرج البيهقي في دلائل النبوة قال: "ما هذا بوجهك يا أبا قتادة؟" قال قلت بأبي وأمي سهم أصابني والذي أكرمك بما أكرمك لقد ظننت أني نزعته. قال:"ادن مني يا أبا قتادة" قال: فدنوت منه قال فنزع النصل نزعًا رفيقًا ثم بزق فيه رسول الله ووضع راحته عليه فوالذي أكرم محمدًا بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ولا قرح علي..
-وروى النسائي، عن عثمان بن حنيف ـ أن أعمى قال: يا رسول الله، ادعو الله أن يكشف لي عن بصري.
قال: "فانطلق فتوضأ: ثم صلى ركعتين، ثم قل، اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبي محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف عن بصري، اللهم شفعه في".
قال: فرجع و قد كشف الله عن بصره.
قلت: أخرج هذا الحديث كل من:
* ابن ماجه
حدثنا أحمد بن منصور بن يسار ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن أبي جعفر المدني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني. فقال: "إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت" فقال: ادعو. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في" قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح.
* الترمذي(6/170)
حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في قال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي وعثمان بن حنيف هو أخو سهل بن حنيف.
* الحاكم
أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمرو ثنا شعبة وأخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي جعفر المدني قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف رضى الله تعالى عنه أن رجلاً ضريرًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله تعالى أن يعافيني قال: إن شئت أخرت ذلك وإن شئت دعوت. قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء "اللهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمن يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم شفعه في وشفعني فيه" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
* ابن خزيمة
حدثنا محمد بن بشار وأبو موسى قالا حدثنا عثمان بن عمر نا شعبة عن أبي جعفر المدني قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضريرًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت أخرت ذلك وهو خير وإن شئت دعوت قال أبو موسى قال: فادعه وقالا فأمره أن يتوضأ قال بندار فيحسن وقالا ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه في زاد أبو موسى وشفعني فيه قال: ثم كأنه شك بعد في وشفعني فيه.
* أحمد
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا شعبة عن أبي جعفر قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف:-أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير فقال: ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه فيَّ.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا روح قال حدثنا شعبة عن أبي جعفر المديني قال سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف:-أن رجلاً ضريرًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ادع الله أن يعافيني فقال: إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك وإن شئت دعوت لك. قال: لا بل ادع الله لي. فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي وتشفعني فيه وتشفعه في. قال: فكان يقول هذا مرارًا ثم قال بعد أحسب أن فيها أن تشفعني فيه قال ففعل الرجل فبرأ.
* المنذري
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري قال: أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال:" فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري اللهم شفعه في وشفعني في نفسي" فرجع وقد كشف الله عن بصره..
-وروي أن ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء، فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده حثوة من الأرض، فتفل عليها ثم أعطاها رسوله، فأخذها متعجباً، يرى أنه قد هزىء به، فأتاه بها، وهو على شفا، فشربها، فشفاه الله.
-وذكر العقيلي عن حبيب بن فديك، ويقال فريك ـ أن أباه ابيضت عيناه، فكان لا يبصر بهما شيئاً، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، فأبصر، فرأيته يدخل الخيط في الإبرة، وهو ابن ثمانين.
قلت: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة باب ما جاء في نفثه في عينين كانتا مبيضتين لا يبصر صاحبهما بهما حتى أبصر.
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا إسماعيل ابن الفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر قال حدثني رجل من بني سلامان بن سعد عن أمه أن خالها حبيب بن فويك حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئًا فسأله: ما أصابك؟ فقال: كنت أمرىء جملي فوقعت رجلي على بيض فأصيب بصري فنفث رسول الله في عينه فأبصر فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين وأن عينيه لمبيضتان.(6/171)
-ورُمي كلثوم بن الحصين يوم أُحُد في نحره، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه فبرأ.
-وتفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تمد.
-وتفل في عيني علي يوم خيبر، و كان رمداً، فأصبح بارئاً.
قلت: أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة قال:
عن أبي حازم قال أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:" لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب فقالوا: يا رسول الله يشتكي عينه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينه ودعا له فبرأ حتى لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"...قال الإمام رحمه الله قوله يدوكون أي يتفكرون والدوك في اللغة الاختلاط والمدو كحجر يدق به والمداك عبد حجر العطار على رسلك أي سكونك والرسل الرفق وحمر النعم الإبل الحمر وهي عزيزة عند العرب.
وروى البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر وإخبار النبي بفتحها على يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ودعائه له وما ظهر ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب قال حدثنا محمد بن نعيم قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني عن أبي حازم قال أخبرنا سهل بن سعد أن رسول الله قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجوأن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال: فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".
رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن قتيبة بن سعيد
أخبرنا أبو طاهر الفقيه قال أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي قال حدثنا عبد الرحيم بن منيب قال حدثنا جرير بن عبد الحميد قال أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله:" لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله عليه" قال عمر: فما أحببت الأمارة قط حتى يومئذ فدعا عليًا فبعث ثم قال: "اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت" قال علي: على ما أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".
أخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل بن أبي صالح
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب قال أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي قال أخبرنا الحسن بن سفيان وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الله قال أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا قتيبة قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة هو ابن الأكوع قال كان علي قد تخلف عن النبي في خيبر وكان رمدًا فقال: أنا أتخلف عن النبي فخرج علي فلحق بالنبي فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله: "لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله أو قال يفتح الله عليه" فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا: هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ففتح الله عليه.
-ونفث علي ضربة بساق سلمة بن الأكوع يوم خيبر فبرئت، وفي رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف إلى الكعب، حين قتل ابن الأشرف، فبرئت. وعلى ساق علي ابن الحكم يوم الخندق إذا انكسرت، فبرىء مكانه، وما نزل عن فرسه.
البيهقي باب ما جاء في نفث رسول الله في جرح سلمة بن الأكوع يوم خيبر وبروه من ذلك:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال أخبرنا أبو سهل أحمد ابن محمد بن عبد الله بن زياد النحوي قال حدثنا إسماعيل بن محمد الفسوي القاضي قال حدثنا مكي بن إبراهيم(ح)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا مكي قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال: الناس أصيب سلمة قال: فأتيت رسول الله فنفث فيه ثلاث نفثات معًا فما اشتكيت منها حتى الساعة.(6/172)
لفظ حديث القاضي رواه البخاري عن مكي بن إبراهيم.
-واشتكى علي بن أبي طالب، فجعل يدعو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اشفه، أو عافه"، ثم ضرب برجله، فما اشتكى ذلك الوجع بعد.
-وقطع أبو جهل يوم بدر يَد معوذ بن عفراء، فجاء يحمل يده، فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألصقها فلصقت. رواه ابن وهب.
-ومن روايته أيضاً أن خبيب بن يساف أصيب يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربة على عاتقه حتى مال شقه، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، و نفث عليه حتى صح.
أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة
ثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا: إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدًا قال: أسلمتم؟ قلنا: لا. قال: "فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين" قال فأسلمنا وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني فتعلقت يدي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليها وألزقها فالتأمت وبرأت وقتلت الذي ضربني ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني وكانت تقول: لا عدمت رجلاً وشحك هذا الوشاح فأقول: لا عدمت رجلاً عجل أباك إلى النار. قال الإمام رحمه الله: جافتني هذا أي بلغت جوفي يقال طعنة جائفة إذا وصلت إلى الجوف والتفل فوق النفث وهو أن يرمي بريقه أي رمى بريقه على الجراحة فالتأمت أي انضم بعضها الى بعض ولا عدمت دعاء وقولها: وشحك أي أثر بجسدك هذا الأثر يعني أثر الضربة على عاتقه.
-وأتته امرأة من خثعم، معها صبي به بلاء لا يتكلم، فأتي بماء فمضمض فاه، وغسل يديه، ثم أعطاها إياه وأمرها بسقيه ومسه به، فبرأ الغلام، وعقل عقلاً يفضل عقول الناس.
-وعن ابن عباس: جاءت امرأة بابن لها به جنون، فمسح صدره، فثعَّ ثعَّة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود، فشفي.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع رسول الله في سفر… ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما علينا الطير يظلنا فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله معها صبي تحمله فقالت يا رسول الله: إن ابنى هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه. فوقف رسول الله فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال رسول الله: إخسأ عدو الله أنا رسول الله. قال: فأعاد رسول الله ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه فلما رجعنا فكنا بذلك الماء عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله فقالت: يا رسول الله أقبل مني هديتي فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه. فقال رسول الله: خذوا أحدهما منها وردوا الآخر..
وأتت امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فقال رسول الله: أدنيه فأدنته منه فتفل في فيه وقال: أخرج عدو الله أنا رسول الله ثم قال لها رسول الله: إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع فلما رجع رسول الله استقبله ومعه كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول الله: خذ هذا الكبش فأخذ منه ما أراد فقالت: والذي أكرمك ما رأينا به شيئًا منذ فارقتنا.
أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوى بالكوفة أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله أنبانا وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة قال رأيت من النبي عجبًا خرجت معه في سفر فنزلنا منزلاً فأتته امرأة بصبي لها به لمم فقال رسول الله: أخرج عدو الله أنا رسول الله. قال: فبرأ فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط وسمن فقال النبي: يا يعلى خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر وخذ السمن والأقط قال ففعلت...
-وانكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل، فمسح عليه ودعا له، وتفل فيه فبرأ لحينه.
قلت: أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة، قال:
وأخبرنا أبو الشيخ ثنا الفضل بن العباس بن مهران ثنا بشار بن موسى الخفاف ثنا عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي حدثتني أمي عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل بنت المجلل قالت: أقبلت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت لك طبيخًا ففني الحطب فخرجت أطلبه وتركتك فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك فلما قدمت المدينة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا محمد بن حاطب وهو أول من سمي بك فتفل في فيك ومسح على رأسك ودعا لك بالبركة وجعل يتفل على يدك ويقول: أذهب البأس رب الناس وأشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك لا يغادر سقمًا. فما قمت من عنده حتى برأت, فقلت لأمي: من هذا الرجل؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم.
-وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة، فشكاها للنبي صلى الله عليه وسلم، فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها، ولم يبقى لها أثر.(6/173)
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، باب ما جاء في نفثه في كف شرحبيل الجعفي ووضع كفه على السلعة التي كانت بكفه حتى ذهبت.
أخبرنا أبو بكر الفارسي أنبأنا أبو إسحاق الأصبهاني أنبأنا أبو أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل قال قال لي علي حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا حماد بن زيد حدثنا مخلد بن عقبة بن عبد الرحمن ابن شرحبيل الجعفي عن جده عبد الرحمن عن أبيه قال: أتيت رسول الله وبكفي سلعة فقلت: يا رسول الله هذه السلعة قد آذتني تحول بيني وبين قائم السيف أن أقبض عليه عنان الدابة فقال: أدن مني فدنوت منه فقال لي: افتح كفك ففتحتها ثم قال: اقبضها فقبضتها ثم قال: ادن منى فدنوت منه فقال: افتحها ففتحتها فنفث في كفي ووضع كفه على السلعة فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها وما أدري أين أثرها.
-وسألته جارية طعاماً، وهو يأكل، فناولها من بين يديه، وكانت قليلة الحياء، فقالت: إنما أريد من الذي في فيك، فناولها ما في فيه، ولم يكن يسأل شيئاً فيمنعه.
فلما استقر في جوفها ألقي عليها من الحياء ما لم تكن امرأة بالمدينة أشد حياء منها.
الفصل الحادي والعشرون:
في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم.
* وهذا باب واسع جداً، وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة بما دعا لهم وعليهم متواتر على الجملة، معلوم ضرورةً.
-وقد جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولدَه ووَلدَ ولدِه.
-حدثنا أبو محمد العتابي بقراءتي عليه، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد، حدثنا أبو الحسن القابسي، حدثنا أبو زيد المروزي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا حرمي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس، ادع الله له. قال: اللهم أكثر ماله وولده، و بارك له فيما آتيته.
ومن رواية عكرمة: قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليعادّون اليوم على نحو المائة.
وفي رواية: وما أعلم أحداً أصاب من رخاء العيش ما أصبت، ولقد دفنت بيدي هاتين مائةً من ولدي، لا أقول سقطاً ولا ولد ولد.
قلت: رواه الشيخان.
البخاري باب: من زار قوما فلم يفطر عندهم.
- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثني خالد هو ابن الحارث: حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلمعلى أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال:(أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم). ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويصة، قال:(ما هي). قالت: خادمك أنس، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، قال:(اللهم ارزقه مالا، وولدا، وبارك له). فإني لمن أكثر الأنصار مالا. وحدثتني ابنتي أمينة: أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة.
حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى قال: حدثني حميد: سمع أنسا رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس بن مالك، رضي الله عنه
حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار. قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة. سمعت قتادة يحدث عن أنس، عن أم سليم؛ أنها قالت:يا رسول الله! خادمك أنس. ادع الله له. فقال: "اللهم! أكثر ماله وولده. وبارك له فيما أعطيته".
حدثنا محمد بن بشار. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن هشام بن يزيد. سمعت أنس بن مالك يقول، مثل ذلك. وحدثني زهير بن حرب. حدثنا هاشم بن القاسم. حدثنا سليمان عن ثابت، عن أنس. قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا. وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام، خالتي. فقالت أمي: يا رسول الله! خويدمك. ادع الله له. قال فدعا لي بكل خير. وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: "اللهم! أكثر ماله وولده. وبارك له فيه".
حدثني أبو معن الرقاشي. حدثنا عمر بن يونس. حدثنا عكرمة. حدثنا إسحاق. حدثنا أنس قال:جاءت بي أمي، أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه. فقالت: يا رسول الله! هذا أنيس، ابني. أتيتك به يخدمك. فادع الله له. فقال: "اللهم! أكثر ماله وولده".قال أنس: فوالله! إن مالي لكثير. وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة، اليوم.
حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا جعفر(يعني ابن سليمان) عن الجعد، أبي عثمان. قال: حدثنا أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمعت أمي، أم سليم صوته. فقالت: بأبي وأمي! يا رسول الله! أنيس. فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات. قد رأيت منها اثنتين في الدنيا. وأنا أرجو الثالثة في الآخرة.(6/174)
- ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة، قال عبد الرحمن: فلو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب تحته ذهباً، وفتح الله عليه، ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حتى مجلت فيه الأيدي، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفاً وكن أربعاً. وقيل مائة ألف. وقيل: بل صولحت إحداهن، لأنه طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفاً، وأوصى بخمسين ألفاً بعد صدقاته الفاشية في حياته، وعوارفه العظيمة: أعتق يوماً ثلاثين عبداً، وتصدق مرةً بعير فيها سبعمائة بعير، وردت عليه تحمل من كل شيء، فتصدق بها وبما عليها، وبأقتابها وأحلاسها.
قلت: قال ابن كثير في البداية والنهاية:
عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو محمد القرشي الزهري أسلم قديمًا على يدي أبي بكر وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد ابن الربيع وشهد بدرًا وما بعدها وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الى بني كلب وأرخى له عذته بين كتفية لتكون إمارة عليه للإمارة وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى ثم أحد الثلاثة الذين انتهت إليهم منهم كما ذكرنا ثم كان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان رضي الله عنه وقد تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات فأغلظ له خالد في المقال فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيد ه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه". وهو في الصحيح.. وقال معمر عن الزهري تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف ثم ثم تصدق بأربعين ألفًا ثم تصدق بأربعين الف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله وكان عامة ماله من التجارة فأما الحديث الذي قال عبد بن حميد في مسنده ثنا يحيى بن إسحاق ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن عفان فقال له: ان لي حائطين فاختر أيهما شئت فقال: بارك الله لك في حائطيك ما لهذا أسلمت. دلني على السوق قال: فدله فكان يشتري السمنة وألاقيطة والإهاب فجمع فتزوج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بارك الله لك أولم ولو بشاة".
قال: فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحله تحمل البر وتحمل الدقيق والطعام قال: فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رجه فقالت عائشة: ما هذه الرجه؟ فقيل لها: عير قدمت بعبد الرحمن بن عوف سبعمائة تحمل البر والدقيق والطعام فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوًا". فلما بلغ عبد الرحمن ذلك قال: أشهدك يا أمة أنها بأحمالها وأحلاسها أاقتابها في سبيل الله. وقال الإمام أحمد ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا عمارة هو ابن زاذان عن ثابت عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتًا في المدينة قالت: ماهذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل كل شيء قال: وكانت سبعمائة بعير قال: فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد رأيت عبد الرحمن ابن عوف يدخل الجنة حبوًا". فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف قال: لئن استطعت لأدخلها قائمًا فجعلها فأقتابها وأحمالها في سبيل الله. فقد تفرد به عمارة بن زاذان الصيدلاني وهو ضعيف وأما قوله في سياق عبد بن حميد أنه آخى بينه وبين عثمان بن عفان فغلط محض مخالف لما في صحيح البخاري من أن الذي آخى بينه وبينه إنما هو سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنهما وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وراءه الركعة الثانية من صلاة الفجر في بعض الأسفار وهذه منقبة عظيمة لا تبارى ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها حتى عثمان وعلي وقال علي: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت زيفها وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى كانت عائشة تقول: سقاه الله من السلسبيل وأعتق خلقًا من مماليكه ثم ترك بعد ذلك كله مالاً جزيلاً من ذلك ذهب قطع الفؤس حتى مجلت أيدي الرجال وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع وكان نساؤه أربعًا فصولحت إحداهن من ربع الثمن بثمانين ألفًا ولما مات صلى عليه عثمان بن عفان وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع عن خمس وسبعين سنة وكان أبيض مشربًا حمرة حسن الوجه دقيق البشرة أعين أهدب الأشفار أقنى له جمة ضخم الكفين غليظ الأصابع لايغير شيبة رضي الله عنه.
-ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد، فنال الخلافة.
ولسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يجيب الله دعوته فما دعا على أحد إلا استجيب له.
أخرج الحاكم في المستدرك.(6/175)
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن إسحاق عن عثمان بن عبد الرحمن عن عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى عنه قال: لما جال الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الجولة يوم أحد تنحيت فقلت: أذود عن نفسي فأما أن أستشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر وجهه ما أدري من هو فأقبل المشركون حتى قلت قد ركبوه ملأ يده من الحصي ثم رمى به في وجوههم فنكبوا على أعقابهم القهقري حتى يأتوا الجبل ففعل ذلك مرارًا ولا أدري من هو وبيني وبينه المقداد بن الأسود فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه إذ قال المقداد يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقلت وأين هو فأشار لي المقداد إليه فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كنت اليوم يا سعد فقلت حيث رأيت رسول الله فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم استجب لسعد اللهم سدد لسعد رميته إيها سعد فداك أبي وأمي فما من سهم أرمي به إلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سدد رميته وأجب دعوته إيها سعد حتى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهمًا نضيًا قال: وهو الذي قد ريش وكان أشد من غيره... قال الزهري إن السهام التي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وأخرجه مختصرًا من طريق أخرى قال:
وحدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا إبراهيم بن يحيى الشجري عن أبيه حدثني موسى بن عقبة حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سدد رميته وأجب دعوته هذا حديث تفرد به يحيى بن هانئ بن خالد الشجري وهو شيخ ثقة من أهل المدينة…
وذكره الألباني في ظلال الجنه في تخريج السن،
ثنا الحسن بن علي ثنا جعفر بن عوف عن إسماعيل عن قيس عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سدد رميته وأجب دعوته…
* دعا الرسول الأمين واستجاب رب العالمين
فكان سعد رضي الله عنه كلما رمى عدوا أصابه، ومتى دعا الله أجابه، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون أن ذلك بسبب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم - له:(اللهم سدد رميته، وأجب دعوته).
ويروى أنه سمع رجلاً يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلحة وعليا والزبير رضي الله عنهم، فنهاه فلم ينته... فقال له:(إذن أدعو عليك) فقال الرجل:(أراك تتهددني كأنك نبي..) فانصرف سعد رضي الله عنه فأسبغ الوضوء وصلى ركعتين، ثم رفع يديه ودعا: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقوامًا سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبُّه إياهم، فاجعله آية وعبرة) فلم يمض إلا وقت قصير حتى ندّت ناقة لا يردها راد ولا يصدها صاد فخرجت من إحدى الدور، وما أن دخلت في زحام الناس حتى هاجمت الرجل فأخذته بين قوائمها، وما زالت تخَّبطه حتى قتلته...
وعمَّر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ما شاء الله... وبسط الله له في الرزق فكان ذا مال كثير وخير وفير؛ لكنه حين أحس بقرب أجله دعا بجبة غليظة من صوف بالية وقال:(كفنوني بها فإني لقيت بها المشركين يوم بدر وإني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضًا) وكان رأسه بحجر ابنه، فبكى؛ فقال له: (ما يبكيك يا بني؟ إن الله لا يعذبني أبدًا، وإني من أهل الجنة) فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرًا
وكانت وفاته سنة خمس وخمسين (55) من الهجرة النبوية وكان آخر المهاجرين وفاة، ودفن في البقيع...
-ودعا بعز الإسلام بعمر رضي الله عنه، أو بأبي جهل، فاستجيب له في عمر.
-قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
ابن ماجه حدثنا محمد بن عبيد أبو عبيد المديني ثنا عبد الملك بن الماجشون حدثني الزنجي بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة.
قال الشيخ الألباني: صحيح دون قوله خاصة.
الترمذي حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن رافع قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال وكان أحبهما إليه عمر, قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بن عمر.. قال الشيخ الألباني: صحيح.
التبريزي وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب فأصبح عمر فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم صلى في المسجد ظاهرًا. رواه أحمد والترمذي.(6/176)
حدثنا عبيد الله بن فضالة ثنا عيسى بن منصور النيسابوري حدثنا عيسى بن إبراهيم العسقلاني حدثنا سليمان بن أبي سليمان المديني عن الزهري عن سالم عن أبيه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بالوليد بن المغيرة". قال: فجعل الله الدعوة لعمر خاصة في نفسه وفي الوليد بن المغيرة في ابنه خالد بن الوليد قال ابن عمر والله ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبا جهل.
قال الشيخ الألباني:
حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب). قال: فكان أحبهما إليه عمر. أخرجه الترمذي وقال:(حديث حسن صحيح)؛ وابن سعد، والحاكم، وأحمد.. وقال الحاكم:(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي وهو عنده من طريقين آخرين عن نافع عنه. ثم رواه هو وابن ماجه من حديث عائشة وهو أيضًا من حديث ابن مسعود وابن سعد من حديث عثمان بن الأرقم وسعيد بن المسيب والحسن البصري مرسلاً. وعن ابن عباس قال: أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب. رواه الطبراني وإسناده حسن كما في(المجمع). وعن عمر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لا أدع مجلسًا جلسته في الكفر إلا أعلنت فيه الإسلام. فأتى المسجد وفيه بطون قريش متحلقة فجعل يعلن الإسلام ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قال الشيخ الألباني في صحيح السيرة: إسلام عمر بن الخطاب
قال ابن إسحاق: ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون وأسلم عمر بن الخطاب وكان رجلاً ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول الله وبحمزة حتى غاظوا قريشًا. فكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه. قلت: وثبت في(صحيح البخاري) عن ابن مسعود أنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب. وقال زياد البكائي: حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال: قال ابن مسعود: إن إسلام عمر كان فتحًا وإن هجرته كانت نصرًا وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه.
روى البخاري في كتاب فضائل الصحابة.
حدثنا محمد بن المثنى: حدثنا يحيى، عن إسماعيل: حدثنا قيس قال: قال عبد الله: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
وأخرج ابن حبان في صحيحه كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم...
1- ذكر البيان بأن المسلمين كانوا في عزة لم يكونوا في مثلها عند إسلام عمر رضى الله تعالى عنه.
* أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا عثمان بن كرامة حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
2- ذكر البيان بأن عز المسلمين بإسلام عمر كان ذلك بدعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد الرحمن بن معرف حدثنا زيد بن الحباب حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت قال سمعت نافعًا يذكر عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم أعز الدين بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب" فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب.
3- ذكر خبر قد يوهم بعض الناس أنه مضاد لخبر بن عمر الذي ذكرناه:
* أخبرنا عمرو بن عمر بن عبد العزيز بنصيبين حدثنا عبد الله بن عيسى الفروي حدثنا عبد الملك بن الماجشون حدثني مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة
4- ذكر استبشار أهل السماء بإسلام عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
* أخبرنا الحسن بن سفيان من كتابه حدثنا محمد بن عقبة السدوسي حدثنا عبد الله بن خراش حدثنا العوام بن حوشب عن مجاهد عن بن عباس قال لما أسلم عمر أتى جبريل صلوات الله عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
5- ذكر إثبات الجنة لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه:
* أخبرنا عبد الله بن قحطبة حدثنا محمد بن الصباح أخبرنا يحيى بن اليمان عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر بن الخطاب من أهل الجنة".
--وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش، فسأله عمر الدعاء، فدعا، فجاءت سحابة، فسقتهم حاجتهم ثم أقلعت.
قلت: جاء في فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله:(6/177)
قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع له. فقال: (أتحب ذلك؟) قال نعم فرفع يديه إلى السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر.
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد قال أخبرنا أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج قال حدثنا ابن خزيمة قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس إنه قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيراً فادع الله لنا قال: أتحب ذلك؟ قال نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال أصبح الناس ولا ماء معهم فشكوا ذلك إلى رسول الله فدعا الله فأرسل سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء
-ودعا في الاستسقاء، فسقوا، ثم شكوا إليه المطر، فدعا، فصحوا.
قلت: يشير القاضي عياض رحمه الله إلى الحديث المتفق عليه.. وهذه وقفة في رياض الصحيحين:
روى البخاري في كتاب الاستسقاء:
1- باب: الاستسقاء في المسجد الجامع.
- حدثنا محمد قال: أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال:حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر: أنه سمع أنس بن مالك يذكر:
أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلميديه فقال:(اللهم اسقينا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا). قال أنس: لا والله، ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، ولا شيئًا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس ستًا. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائمًا، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول الله يديه، ثم قال:(اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال، والآجام والظراب، والأودية ومنابت الشجر). قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس.قال شريك: فسألت أنسا: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري.
2- باب: الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة.
- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن شريك، عن أنس بن مالك:
أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة، من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال:(اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا). قال أنس: ولا والله، ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. فلا والله ما رأينا الشمس ستا. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة - يعني الثانية - ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله يديه، ثم قال:(اللهم حولينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر). قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.قال شريك: فسألت أنسًا بن مالك: أهو الرجل الأول؟ فقال: لا أدري.
3- باب: الاستسقاء على المنبر.(6/178)
- حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال:بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذا جاءه رجل فقال: يا رسول الله، قحط المطر، فادع الله أن يسقينا. فدعا، فمطرنا، فما كدنا أن نصل إلى منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة. قال: فقام ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يصرفه عنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم حولينا ولا علينا). قال: فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا، يمطرون ولا يمطر أهل المدينة.
4 - باب: من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء.
- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن شريك بن عبد الله، عن أنس قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت المواشي، وتقطعت السبل. فدعا، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، ثم جاء فقال: تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي فادع الله يمسكها. فقام صلى الله عليه وسلم فقال:(اللهم على الآكام والظراب، والأودية ومنابت الشجر). فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.
5- باب: الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر.
- حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمطروا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم على رؤس الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر). فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.
6- باب: الدعاء إذا كثر المطر: حولينا ولا علينا.
- حدثنا محمد بن أبي بكر: حدثنا معتمر، عن عبيد الله، عن ثابت، عن أنس قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله، قحط المطر، واحمرت الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا. فقال:(اللهم اسقنا). مرتين، وأيم الله، ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف، لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:(اللهم حولينا ولا علينا). فكشطت المدينة، فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل.
مسلم في كتاب الاستسقاء؛ باب الدعاء في الاستسقاء.
-حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر(قال يحيى: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا إسماعل بن جعفر) عن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك؛ أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة. من باب كان نحو دار القضاء. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا. ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل. فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: "اللهم! أغثنا. اللهم! أغثنا. اللهم! أغثنا". قال أنس: ولا والله! ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة. وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس. فلما توسطت السماء انتشرت. ثم أمطرت. قال: فلا والله! ما رأينا الشمس سبتا. قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فاستقبله قائما. فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل. فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: "اللهم! حولنا ولا علينا. اللهم! على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر" فانقلعت. وخرجنا نمشى في الشمس. قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدرى.
- وحدثنا داود بن رشيد. حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي. حدثني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك. قال: أصابت الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة. إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال وجاع العيال. وساق الحديث بمعناه. وفيه قال: "اللهم! حوالينا ولا علينا" قال: فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت. حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة. وسال وادى قناة شهرًا. ولم يجيء أحدا من ناحية إلا أخبر بجود.(6/179)
- وحدثني عبدالأعلى بن حماد ومحمد بن أبي بكر المقدمي. قالا: حدثنا معتمر. حدثنا عبيدالله عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة. فقام إليه الناس فصاحوا. وقالوا: يا نبي الله! قحط المطر، واحمر الشجر، وهلكت البهائم وساق الحديث. وفيه من رواية عبد الأعلى: فتقشعت عن المدينة. فجعلت تمطر حواليها. وما تمطر بالمدينة قطرة. فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الأكليل.
- وحدثناه أبو كريب. حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، بنحوه. وزاد: فألف الله بين السحاب. ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله.
- وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي. حدثنا ابن وهب.حدثني أسامة؛ أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول: جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وهو على المنبر وإقتص الحديث. وزاد: فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى.
وأخرج ابن حبان في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (باب ما جاء في صلاة الاستسقاء):
7- حدثنا أحمد بن الأزهر. حدثنا أبو النضر. حدثنا أبو عقيل، عن عمر بن حمزة. حدثنا سالم، عن أبيه؛- قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. فما نزل حتى جيش كل ميزاب بالمدينة. فأذكر قول الشاعر:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه **** ثمال اليتامى، عصمة للأرامل
وهو قول أبي طالب.
- وقال لأبي قتادة: أفلح وجهك، اللهم بارك له في شعره وبشره، فمات و هو ابن سبعين سنةً، وكأنه ابن خمس عشرة سنة.
أخرج البيهقس في دلائل النبوة، قال:
ذكر موسى بن عقبة أن عيينة بن بدر الفزاري أغار على سرح رسول الله وأهل المدينة بالغابات أو قريب منها ويقال أن مسعدة الفزاري كان رئيس القوم فخرج رسول الله معه المسلمون يطلبونهم وأسرع نفر منهم ثمانية أميرهم سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل فأدركوا القوم فاعتنق أبو قتادة مسعدة فقتله الله عز وجل بيد أبي قتادة وأخذ أبو قتادة بردة له حمراء كانت عليه فسجاها على مسعدة حين قتله ثم نفذوا في أثر السرح ومر رسول الله ومن معه من المسلمين على قتيل أبي قتادة فلما رأوا رداء أبي قتادة على القتيل ظنوا أنه أبو قتادة فاسترجع أحدهم وقال هذا أبو قتادة قتيلاً فقال رسول الله: بل هو قتيل أبي قتادة جعل عليه رداءه لتعرفوه فخلوا عن قتيله وسلبه...
ثم إن فوارس النبي أدركوا العدو والسرح فاقتتلوا قتالاً شديدًا فاستنقذوا السرح وهزم الله العدو ويقال قتل أبو قتادة قرفة امرأة مسعدة وقتل يومئذ من المسلمين الأجدع محرز بن نضلة قتله أو بار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوبارًا وابنه عمرًا ويقال كانا رديفين..
وأخبرناه أبو الحسن بن الفضل القطان قال أخبرنا أبو بكر بن عتاب قال حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة فذكره ومعناه ذكره أبو الأسود عن عروة في شأن أبي قتادة وقتله مسعدة وقتل الأخرم أوبار محرز بن نضلة الأجدع وقتل عكاشة بن محصن أوبارا وابنه
وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر البغدادي قال حدثنا أبو علاثة قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا أبو الأسود عن عروة فذكره ولم يذكره ولم يذكر سعد بن زيد.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله بن حبيب الأزرقي بمرو قال حدثنا سيف بن قيس بن ريحان المروزي قال حدثنا عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري قال حدثنا أبي عن أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة اشترى فرسه من دواب دخلت المدينة فلقيه مسعدة الفزاري فقال يا أبا قتادة ما هذا الفرس فقال أبو قتادة فرس أردت أن اربطها مع رسول الله فقال ما أهون قتلكم وأشد جرأتكم قال أبو قتادة أما أني أسأل الله عز وجل أن ألقينيك وأنا عليها قال آمين.
فبينا أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمرًا في طرف بردته إذ رفعت رأسها وصرت أذنها فقال أحلف بالله لقد حست بريح خيل فقالت له أمه: والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية فكيف حين جاء الله بمحمد ثم رفعت الفرس أيضًا رأسها وصرت أذنيها فقال: أحلف بالله لقد حست بريح خيل فوضع عليها سرجها فأسرجها وأخذ سلاحه ثم نهض حتى أتى مكانًا يقال له الزوراء فلقيه رجل من الصحابة فقال له: يا أبا قتادة تسوط دابتك وقد أخذت اللقاح وقد ذهب النبي في طلبها وأصحابه فقال: أين؟ فأشار له نحو الثنية فإذا بالنبي في نفر من أصحابه جلوسًا عند دباب فقمع دابته ثم خلاها فمر بالنبي فقال له: امض يا أبا قتادة صحبك الله.(6/180)
قال أبو قتادة فخرجت فإذا بإنسان يحاكني فلم أنشب أن هجمنا على العسكر فقال لي: يأبا قتادة ما تقول أما القوم فلا طاقة لنا بهم فقال أبو قتادة: تقول إني واقف حتى يأتي النبي أريد أن تشد في ناحية وأشد في ناحية فوثب أبو قتادة فشق القوم ورمي بسهم فوقع في جبهته قال أبو قتادة: فترعت فدحه وأنا أظن أني قد نزعت الحديدة ومضيت على وجهي فلم أنشب أن طلع علي فارس على فرس فاره وأداة كليلة على وجهه مغفر له فاثبتني ولم أثبته قال: لقد لقانيك الله يأبا قتادة وكشف عن وجهه فإذا مسعدة الفزاري فقال أيما أحب إليك مجالدة أو مطاعنة أو مصارعة قال فقلت ذاك إلى الله عز وجل وإليك قال فقال صراع فأحال رجله عن دابته وأحلت رجلي عن دابتي ثم علقت دابتي وسلاحي إلى شيء وعلق دابته وسلاحه إلى شيء ثم تواثبنا فلم أنشب أن رزق الله عز وجل الظفر عليه فإذا أنا على صدره فوالله إني لمن أهم الناس من رجل متأبط قد عالجت منه ما عالجت أن أقوم فآخذ سيفي أن يقوم فيأخذ سيفه وأنا بين عسكرين لا أمن أن يهجم علي أحدهما إذا شيء يمس رأسي فإذا نحن قد تعالجنا حتى بلغنا سلاح مسعدة فضربت بيدي إلى سيفه فلما رأى أن السيف قد وقع بيدي قال يا أبا قتادة استحيني قال: قلت لا والله أو ترد أمك الهاوية قال يا أبا قتادة فمن للصبية قال قلت النار قال ثم قتلته ثم أدرجته في بردي ثم أخذت ثيابه فلبستها وآخذت سلاحه ثم استويت على فرسه وكانت فرسي نفذت حين تعالجنا فرجعت راجعة إلى العسكر قال فعر قبوها ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فارسًا قال فألحت لهم فوقفوا فلما أن دنوت منهم حملت عليهم حملة فطعنت ابن أخيه طعنة دققت صلبه قال واكشف من معه قال وخشيت اللقاح برمحي.
قال وأقبل النبي ومن معه من أصحابه فلما نظر إليهم العسكر فروا قال فلما انتهوا إلى موضع العسكر إذا بفرس أبي قتادة قد عرقبت قال فقال الرجل من الصحابة يا رسول الله عرقبت فرس أبي قتادة قال فوقف عليها رسول الله فقال ويح أمك رب عدو لك في الحرب مرتين قال ثم أقبل رسول الله وأصحابه حتى إذا انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة فيما يرون سجي في ثيابه قال فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله استشهد أبو قتادة قال فقال رسول الله: رحم الله أبا قتادة على آثار القوم يرتجز فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرس قد عرقبت وينظرون إلى مسجى على ثيابي قال فخرج عمر بن الخطاب أو أبو بكر الصديق يسعى حتى كشف الثوب فإذا هو مسعدة فقال الله أكبر صدق الله ورسوله مسعدة يا رسول الله فكبر الناس ولم ينشب أن طلع عليكم أبو قتادة يحوش اللقاح فقال النبي: أفلح وجهك أبا قتادة أبو قتادة سيد الفرسان بارك الله فيك يأبا قتادة وفي ولدك وفي ولد ولدك واحسب عكرمة قال وفي ولد ولد ولدك ما هذا بوجهك يا أبا قتادة قال: قلت: بأبي وأمي سهم أصابني والذي أكرمك بما أكرمك لقد ظننت أني نزعته قال: ادن مني يا أبا قتادة قال فدنوت منه قال فنزع النصل نزعا رفيقا ثم بزق فيه رسول الله ووضع راحته عليه فوالذي أكرم محمدا بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ولا قرح علي..
-وقال للنابغة: لا يفضض الله فاك... فما سقطت له سن. وفي رواية: فكان أحسن الناس ثغراً، إذا سقطت له سن نبتت له أخرى، وعاش عشرين ومائة سنة، وقيل: أكثر من هذا.
البيهقي في دلائل النبوة باب ما جاء في دعائه لنابغة وإجابة الله تعالى له فيما دعاه به:
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن عبدان أنبأنا أبو بكر محمد بن المؤمل حدثنا جعفر بن محمد بن سوار حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري الرقي قال حدثنا يعلى بن الأشدق قال سمعت النابغة نابغة بني جعدة يقول أنشدت رسول الله هذا الشعر فأعجبه:
بلغنا السماء مجدنا وثراءنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهر
فقال لي إلي أين المظهر يا أبا ليلى قال قلت إلى الجنة قال كذلك إن شاء الله
فلا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي: أجدت لا يفضض فوك …قال يعلى فلقد رأيته ولقد أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن.
- ودعا لابن عباس: اللهم فقهه في الدين، وعمله التأويل، فسمي بعد الحبر وترجمان القرآن.
قلت: أخرج البخاري:
1- باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:(اللهم علمه الكتاب).
- حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:(اللهم علمه الكتاب).
2- وضع الماء عند الخلاء.
- حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا، قال:(من وضع هذا). فأخبر، فقال:(اللهم فقهه في الدين).
ومسلم
باب من فضائل عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما:(6/181)
- حدثنا زهير بن حرب وأبو بكر بن النضر. قالا: حدثنا هاشم بن القاسم. حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري. قال: سمعت عبيدالله بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء. فوضعت له وضوءًا. فلما خرج قال: "من وضع هذا؟" - في رواية زهير قالوا وفي رواية أبي بكر - قلت: ابن عباس. قال: "اللهم! فقهه".
والحاكم حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا هشام بن علي السدوسي ثنا سليمان بن حرب وأبو سلمة قالا ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فوضعت له وضوءا فقالت له ميمونة وضع لك عبد الله بن العباس وضوءا فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن بن موسى حدثنا زهير بن خيثمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن:-رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو على منكبي شك سعيد ثم قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وابن حبان أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كنت في بيت ميمونة بنت الحارث فوضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهورا فقال من وضع هذا قالت ميمونة عبد الله فقال صلى الله عليه وسلم (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأول)
قال ابن حجر:
وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن بن عباس في قيامه خلف النبيصلى الله عليه وسلم في صلاة الليل وفيه فقال لي: ما بالك أجعلك حذائي فتخلفني فقلت أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله فدعا لي أن يزيدني الله فهما وعلما.
والمراد بالكتاب القرآن لأن العرف الشرعي عليه والمراد بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه ووقع في رواية مسدد الحكمة بدل الكتاب وذكر الإسماعيلي أن ذلك هو الثابت في الطرق كلها عن خالد الحذاء كذا قال وفيه نظر لأن المصنف أخرجه أيضًا من حديث وهيب عن خالد بلفظ الكتاب أيضًا فيحمل على أن المراد بالحكمة أيضًا القرآن فيكون بعضهم رواه بالمعنى وللنسائي والترمذي من طريق عطاء عن بن عباس قال دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين فيحتمل تعدد الواقعة فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة السنة ويؤيده أن في رواية عبيد الله بن أبي يزيد التي قدمناها عند الشيخين: اللهم فقهه في الدين لكن لم يقع عند مسلم في الدين وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في أطراف الصحيحين بلفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قال الحميدي وهذه الزيادة ليست في الصحيحين قلت وهو كما قال نعم هي في رواية سعيد بن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن حبان والطبراني ورواها بن سعد من وجه آخر عن عكرمة مرسلا وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن بن عمر كان عمر يدعو بن عباس ويقربه ويقول إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يومًا فمسح رأسك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ بن ماجة من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث الباب بلفظ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وهذه الزيادة مستغربة من هذا الوجه فقد رواه الترمذي والإسماعيلي وغيرهما من طريق عبد الوهاب بدونها وقد وجدتها عند بن سعد من وجه آخر عن طاوس عن بن عباس قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال: (اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب) وقد رواه أحمد عن هشيم عن خالد في حديث الباب بلغظ مسح على رأسي وهذه الدعوة مما تحقق إجابة النبي صلى الله عليه وسلم فيها لما علم من حال بن عباس في معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم وقيل العمل به وقيل السنة وقيل الإصابة في القول وقيل الخشية وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الالهام والوسواس وقيل سرعه الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى:(ولقد آتينا لقمان الحكمة) والاقرب أن المراد بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن...
-ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه، فما اشترى شيئاً إلا ربح فيه.
- ودعا للمقداد بالبركة، فكانت عنده غرائز المال.
--ودعا بمثله لعروة بن أبي الجعد، فقال: فلقد كنت أقوم بالكناسة، فما أرجع حتى أربح أربعين ألفاً. وقال البخاري في حديث: فكان لو اشترى التراب ربح فيه.
وروي مثل هذا لغرقدة أيضاً.
قلت: وأخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في دعائه لعروة البارقي في البركة في بيعه وطهورها بعده في ذلك وكذلك في تجارة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:(6/182)
حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة سمع قومه يحدثون عن عروة البارقي أن النبي أعطاه دينارًا ليشتري له شاة أضحية فاشترى به شاتين فباع إحداهما بدينار وأتى النبي بشاة ودينار فدعا النبي بالبركة في بيعه فكان لو اشترى التراب ربح فيه.
أخبرنا أبو منصور المظفر بن محمد العلوي أنبأنا أبو جعفر بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا فطر بن خليفة عن أبيه زعم أنه سمع عمرو بن حريث قال انطلق بي أبي إلى رسول الله وأنا غلام شاب فمر النبي على عبدالله بن جعفر وهو يبيع شيئا يلعب به فدعا له النبي قال اللهم بارك له في تجارته...
وروى ابن ماجه في سننه، قال:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له شاة فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة قال فكان لو اشترى التراب لربح فيه حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان بن هلال ثنا سعيد بن يزيد عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد لمازة بن زبار عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال قدم جلب فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم دينارا فذكر نحوه.
قال الشيخ الألباني: صحيح
- وندت له ناقة، فدعا فجاءه بها إعصار ريح،، حتى ردها عليه.
- ودعا لأم أبي هريرة فأسلمت.
قلت أخرج البهقي في دلائل النبوة باب ما جاء في دعائه لأم أبي هريرة بالهداية وإجابة الله تعالى له فيها:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ببغداد حدثنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا أبو كثير الغبري قال قال أبو هريرة: ما على وجه الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبني قال قلت: وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبي وإني دعوتها ذات يوم فاسمعتني في رسول الله ما أكره فجئت إلى رسول الله فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبي علي وأنا دعوتها فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله يا رسول الله أن يهدي أم أبي هريرة إلى الإسلام فدعا لها رسول الله فرجعت إلى أمي أبشرها بدعوة رسول اللهِ فلما كنت على الباب إذا الباب مغلق فدفعت الباب فسمعت حسي فلبست ثيابها وجعلت على رأسها خمارا وقالت: ارفق يا أبا هريرة ففتحت لي فلما دخلت قالت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قال فرجعت إلى رسول الله وأنا أبكي من الفرح كما كنت أبكي من الحزن وجعلت أقول: أبشر يا رسول الله قد استجاب الله دعوتك وهدى الله أم أبي هريرة إلى الإسلام فقلت ادع الله أن يجببني وأمي إلى عبادة المؤمنين ويحببهم إلينا قال فقال رسول الله: (اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عباده المؤمنين وحببهم إليهما) فما على الأرض مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبني وأحبه.
رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد عن عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار وذكر فيه غسلها..
--ودعا لعلي أن يكفى الحر والقر، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، وفي الصيف ثياب الشتاء، ولا يصيبه حر ولا برد.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو والحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان علي يلبس في الحر والشتاء العباء المخشم التخين وما يبالي الحر فأتاني أصحابي فقالوا إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئًا فهل رأيته فقلت: وما هو قالوا رأيناه يخرج إلينا في الحر الشديد في العباء المحشو التخين وما يبالي الحر ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد فهل سمعت في ذلك شيئا فقلت لا فقالوا سل لنا أباك عن ذلك فإنه يسمر معه فأتيته فسألته فقال ما سمعت في ذلك شيئا فدخل على علي رضي الله عنه فسمر معه ثم سأله عن ذلك فقال أو ما شهدت معنا خيبر فقلت بلى قال فما رأيت رسول الله حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم ثم جاء بالناس وقد هزموا فقال بلى ثم قال ثم بعث إلى عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم فقال رسول الله عند ذلك:(لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرار) فدعاني فأعطاني الراية ثم قال: اللهم أكفه الحر والبرد فما وجدت بعد ذلك بردًا ولا حرًا.
- ودعا الله لفاطمة ابنته ألا يجيعها، قالت: فما جعت بعد.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:(6/183)
باب ما جاء في دعائه لابنته فاطمة عليهما السلام وما ظهر فيه من الإجابة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال أنبأنا أبو جعفر احمد بن عبيد الحافظ بهمذان حدثنا ابراهيم بن الحسين الكيساني حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد حدثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن عتبة أبي معاذ البصري عن عكرمة عن عمران بن حصين قال
كنت مع رسول الله إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها وقفت بين يديه فنظر إليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة على وجهها من شدة الجوع فنظر اليها رسول الله فقال: إدني يا فاطمة ثم إدني يا فاطمة. فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال: (اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت محمد) قال عمران فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم قال عمران فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد ذلك يا عمران والأشبه أنه إنما رآها قبل نزول آية الحجاب والله أعلم.
-وسأله الطفيل بن عمرو آيةً لقومه، فقال: اللهم نور له فسطع نور بين عينيه، فقال: أخاف أن يقولوا مثله، فتحول إلى طرف سوطه، فكان يضيء في الليلة المظلمة، فسمي ذا النور.
حدثنا الإمام أبو عثمان رحمه الله إملاءً قال أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه قال أخبرنا أبو لبابه الميهني حدثنا عمار بن الحسن حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق بن يسار قال كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله بها فمشى إليه رجال قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً فقالوا له إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته وأنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنه ولا تسمعن منه قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله
قال فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاماً حسناً فقلت في نفسي: واثكل أماه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلت وإن كان قبيحاً تركت. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله عز وجل إلا أن يسمعينه فسمعت قولاً حسناً فاعرض عليّ أمرك قال فعرض رسول الله عليّ الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه فقال: اللهم أجعل له آيةً...
قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية يقال كذا وكذا تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح قال قلت: اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم قال فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم فأصبحت فيهم.. فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً فقلت إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني قال: لم يا بني؟ قلت: أسلمت وتابعت دين محمد قال: يا بني فديني دينك قال: قلت: فاذهب يا أبت فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت قال: فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم, ثم اتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني. قالت: لم بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرق الإسلام بيني وبينك أسلمت وتابعت دين محمد قالت فديني دينك قال قلت: فاذهبي إلى حني ذي الشرى فتطهري منه وكان ذو الشرى صنماً لدوس وكان الحنى حمىً حوله وبه وشل من ماء يهبط من جبل إليه قالت: بأبي وأمي أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئاً قال قلت: لا أنا ضامن لك قال: فذهبت واغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطأوا عليّ فجئت رسول الله فقلت: يا نبي الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم فقال: اللهم أهد دوساً ثم قال: ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وأرفق بهم. فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله ثم قدمت على رسول الله بمن أسلم معي من قومي ورسول الله بخيبر فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس ثم لحقنا برسول الله بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين.
-ودعا على مضر فأقحطوا، حتى استعطفته قريش، فدعا لهم فسقوا.
البخاري في كتاب الاستسقاء:(6/184)
- حدثنا قتيبة - حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول:(اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف)..
- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كنا عند عبد الله، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارًا، قال:(اللهم سبع كسبع يوسف). فأخذتهم سنة حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع. فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ*إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ *}(الدخان10 - 16)(. فالبطشة يوم بدر، وقد مضت الدخان، والبطشة واللزام وآية الروم.
مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة:
حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى. قالا: أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب. قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف؛ أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة، ويكبر، ويرفع رأسه: "سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد" ثم يقول، وهو قائم "اللهم! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة. والمستضعفين من المؤمنين. اللهم! اشدد وطأتك على مضر. واجعلها عليهم كسني يوسف. اللهم! العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية. عصت الله ورسوله" ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: {(لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)(آل عمران: 128).
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد. قالا: حدثنا ابن عيينة عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله:"واجعلها عليهم كسني يوسف" ولم يذكر ما بعده.
وحدثنا محمد بن مهران الرازي. حدثنا الوليد بن مسلم. حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ أن أبا هريرة حدثهم؛ أن النبيصلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة، في صلاة، شهرًا. إذا قال: "سمع الله لمن حمده" يقول في قنوته "اللهم! أنج الوليد بن الوليد. اللهم! نج سلمة بن هشام. اللهم! نج عياش بن أبي ربيعة. اللهم! نج المستضعفين من المؤمنين. اللهم! اشدد وطأتك على مضر. اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف".
قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد. فقلت: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم. قال فقيل: وما تراهم قد قدموا؟.
--ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه، فلم تبق له باقية، ولا بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا.
قلت:أخرج الألباني في السلسة الصحيحة؛ وقال(صحيح):
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابًا قال عبد الله فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقريء عليه ثم أخذه فمزقه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم مزق ملكه. وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني بخبره فبعث باذان قهرمان ورجلا آخر وكتب معهما كتابًا فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد وقال ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد فجاءاه من الغد فقال لهما... فذكره.
وقال الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة:
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وبعث الكتاب مع عبدالله بن حذافة السهمي فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس} (صحيح) (ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما صنع كسرى أبرويز بكتابه قال:(مزق الله ملكه)(6/185)
وروى البيهقي في دلائل النبوة باب ما جاء في بعث رسول الله إلى كسرى ابن هرمز وكتابه إليه ودعائه عنده تمزيق كتابه عليه وأجابه الله تعالى دعاءه وتصديقه قوله في هلاكه وهلاك جنوده وفتح كنوزه:
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا عبيد بن شريك قال حدثنا يحيى(ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله بعث بكتابه إلى كسرى وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه كسرى مزقه فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله أن يمزقوا كل ممزق..
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير وفي كتابي عن أبي عبد الله الحافظ فيما لم أجد نسخة سماعي وقد أنبأني به إجازة أن أبا جعفر محمد بن صالح بن هاني أخبرهم قال حدثنا أبو بكر محمد بن النضر الجارودي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول رسول الله قام ذات يومي على المنبر خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال: أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم... فقال المهاجرون: يا رسول الله..والله لا نختلف عليك أبدا على شيء، فمرنا وأبعثنا.. فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى فخرج حتى قدم على كسرى وهو بالمدائن فاستأذن عليه فأما كسرى بإيوائه أن يزين له ثم أذن لعظماء فارس ثم أذن لشجاع فلما دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله أن يقبض منه قال شجاع لا حتى أدفعه أنا كما أمرني رسول الله فقال كسرى أذنه فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبًا له من أهل الحيرة فقرأه فإذا فيه من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس فأغضبه حين بدأ رسول الله بنفسه وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر بشجاع بن وهب فأخرج فلما رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال: والله ما أبالي على أي الطريقين أكون إذا أديت كتاب رسول الله فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث إلى شجاع أن يدخل عليه فالتمس فلم يوجد فطلب إلى الحيرة فسبق فلما قدم شجاع على النبي أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه كتاب رسول الله قال رسول الله:(مزق كسرى ملكه).
اتفق هذا المرسل والموصول قبله في تمزيقه كتابه في هذا أن النبي أخبر عن تمزيقه ملكه وفي الأول أنه دعا عليهم واختلفت الروايتين فيمن يدفع كتابه إلى كسرى والرواية الأولى موصولة فهي أولى والله أعلم.
- ودعا على صبي قطع عليه الصلاة أن يقطع ا لله أثره، فأقعد.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة باب صلاة النبي بتبوك ودعائه على من مر بين يديه وما ظهر في ذلك من آثار النبوة:
- أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال حدثنا وكيع عن سعيد بن عبد العزيز عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد ابن نمران قال: رأيت رجلاً بتبوك مقعداً فقال مررت بين يدي النبي وأنا على حمار وهو يصلي فقال: (اللهم اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد
** قال أبو داود وحدثنا كثير بن عبيد قال حدثنا ابن حيوة عن سعيد بإسناده ومعناه زاد فقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره).
أخبرنا أبو علي الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمذاني وسليمان بن داود قالا أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا معاوية عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره فقال سأحدثكم حديثاً فلا تحدث به ما سمعت أني حي أن رسول الله نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها قال فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره.. قال فما قمت عليهما إلى يومي هذا.
أبو داود حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ثنا وكيع عن سعيد بن عبد العزيز عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال: (اللهم اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد قال الشيخ الألباني: ضعيف.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ح ثنا سليمان بن داود قالا ثنا بن وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا رجل مقعد فسأله عن أمره فقال له سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت أني حي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره) فما قمت عليها إلى يومي هذا
قال الشيخ الألباني: ضعيف.(6/186)
- وقال لرجل يأكل بشماله: كل بيمينك فقال: لا أستطيع. فقال: لا استطعت. فلم يرفعها إلى فيه.
قلت: رواه مسام في كتاب الاشربة باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار. حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع؛ أن أباه حدثه؛ أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله. فقال: (كل بيمينك) قال: لا أستطيع. قال:(لا استطعت) ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه.
-وقال لعتبة بن أبي لهب: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، فأكله الأسد.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال حدثنا تمتام قال حدثنا عباس بن الفضل الأزرق قال حدثنا الأسود ابن شيبان قال حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال: كان لهب ابن أبي لهب يسب النبي ويدعو عليه قال فقال النبي: (اللهم سلط عليه كلبك). قال: وكان أبو لهب يحمل البز إلى الشام ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه ويقول إن ابني أخاف عليه دعوة محمد فيعاهدوه قال وكانوا إذا نزل المنزل ألزقوه إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع قال ففعلوا ذلك به زمانا فجاء سبع فنشله فقتله فبلغ ذلك أبا لهب فقال: ألم أقل لكم إني أخاف عليه دعوة محمد؟
كذا قال عباس بن الفضل وليس بالقوي.
لهب بن أبي لهب وأهل المغازي يقولون عتبة بن أبي لهب وقال بعضهم عتيبة
وفيما أخبرنا أبو عبد الله قراءة عليه قال كانت أم كلثوم يعني ابنة رسول الله في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية تحت أخيه عتبة بن أبي لهب فلما أنزل الله عز وجل:(تبت يدا أبي لهب) قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي ورؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي عتبة طلاق رقية وسألته رقية ذلك وقالت له أم كلثوم بنت حرب ابن أمية وهي حمالة الحطب طلقها يا بني فإنها قد صبت فطلقها وطلق عتيبة أم كلثوم وجاء النبي حين فارق أم كلثوم فقال: كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم تسلط على رسول الله فشق قميصه فقال رسول الله: أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه فخرج نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلاً فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعوى عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحه
قال أبو عبد الله فحدثنا بجميع ذلك محمد بن إسماعيل الحافظ قال حدثنا الثقفي قال حدثنا أحمد بن المقدام قال حدثنا زهير بن العلاء العبدي عن ابن أبي عروبة عن قتادة قال زهير وحدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن الأسد لما طاف بهم تلك الليلة انصرف عنهم فناموا وجعل عتيبة في وسطهم فأقبل الأسد يتخطاهم حتى أخذ براس عتيبة ففدغه وتزوج عثمان بن عفان رقية فتوفيت عنده ولم تلد له وتزوج أبو العاص بن الربيع زينب فولدت له أمامة.
وأخرج في السنن:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد في قوله والكلب العقور قال بلغني عن سفيان بن عيينة أنه قال معناه كل سبع يعقر ولم يخص به الكلب قال أبو عبيد قد يجوز في الكلام أن يقال للسبع كلب ألا ترى أنهم يروون في المغازي أن عتبة بن أبي لهب كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فخرج عتبة إلى الشام مع أصحابه فنزل منزلا فطرقهم الأسد فتخطى إليه من بين أصحابه فقتله فصار الأسد ههنا قد لزمه اسم الكلب قال ومن ذلك قوله تعالى:).(وما علمتم من الجوارح مكلبين) فهذا اسم مشتق من الكلب ثم دخل فيه صيد الفهد والصقر والبازي فلهذا قيل لكل جارح أو عاقر من السباع كلب عقور...
-وقال لامرأة: أكلك الأسد. فأكلها.
--وحديثه المشهور، من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في دعائه على قريش حين وضعوا السلا على رقبته وهو ساجد مع الفرث والدم، وسماهم. قال: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة(6/187)
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله قال أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد الأصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة قال حدثنا أبو إسحاق قال سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبدالله قال بينما رسول الله ساجد وحوله ناس من قريش وثم سلا بعير فقالوا من يأخذ سلا هذا الجزور أو البعير فيقذفه على ظهره فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهر النبي فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك قال عبد الله فما رأيت رسول الله دعا عليهم إلا يومئذ فقال: (اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف) شك شعبة قال عبد الله فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب أو قال في بئر غير أن أبي بن خلف أو أمية بن خلف كان رجلاً بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر..
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة بن الحجاج
أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم قال حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة قال أخبرنا جعفر بن عون العمري قال أخبرنا سفيان بن سعيد الثوري عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل الكعبة فقال أبو جهل وناس من قريش وقد نحرت جزور في ناحية مكة فبعثوا فجاءوا من سلاها فطرحوه بين كتفي النبي قال فجاءت فاطمة فطرحته عنه قال فلما انصرف وكان يستحث ثلاثا قال: (اللهم عليك بقريش ثلاثا بأبي جهل بن هشام وبعتبة بن ربيعة وبشيبة بن ربيعة وبالوليد ابن عتبة وبأمية بن خلف وبعقبة بن أبي معيط قال عبد الله) ثم لقد رأيتهم في قليب بدر قال أبو إسحاق ونسيت السابع.
رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو الوليد حسان بن محمد بن أحمد الفقيه قال حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى بن إبراهيم الحاسب قال حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن عبد الله قال بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا جزور فيأخذه فيضعه على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحت عنه ثم أقبلت عليهم تسبهم فلما قضى النبي صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثًا ثم قال النبي: (اللهم عليك بقريش) ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: (اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط) وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدًا بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى قليب بدر
رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمر بن أبان.
--ودعا على الحكم بن أبي العاص، وكان يختلج بوجهه، ويغمز عند النبي صلى الله عليه وسلم، أي لا، فرآه، فقال: كذلك كن، فلم يزل يختلج إلى أن مات.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا حدثنا العباس محمد بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن سليمان حدثنا ضرار ابن صرد حدثنا عائذ بن حبيب إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله المزني قال سمعت عبدالرحمن بن أبي بكر يقول كان فلان يجلس إلى النبي فإذا تكلم النبي بشيء اختلج بوجهه فقال له النبي: (كن كذلك) فلم يزل يختلج حتى مات..
--ودعا على محلم بن جثامة فمات لسبع، فلفظتْه الأرضُ، ثم وُرِيَ فلفظتْه مرات، فألقوه بين صُدّين، ورجموا عليه بالحجارة.والصد: جانب الوادي.
قلت: أخرج البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما ظهر على من أرتد ععن الإسلام في وقت النبي ومات على ردته من النكال ثم من قتل من شهد بالحق من ذلك وما في كل واحد منهما من دلائل النبوة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال حدثنا أبو النصر قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس بن مالك قال كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب قال فرفعوه قالوا هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذًا.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن أبي النضر زاد فيه غيره عن سليمان مرارًا.(6/188)
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله البسطامي قال أخبرنا أبو بكر أحمد ابن إبراهيم الإسماعيلي قال أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا جعفر بن مهران قال حدثنا عبد الوراث عن عبد العزيز عن أنس قال كان رجلاً نصرانيًا فأسلم على عهد رسول الله وقرأ البقرة وآل عمران قال فكان يكتب للنبي قال فعاد نصرانيًا وكان يقول ما أرى يحسن محمدًا إلا ما كنت أكتب له فأماته الله عز وجل فأقبروه فأصبح قد لفظته الأرض قالوا هذا عمل محمد وأصحابه أنه لما لم يرض دينهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه قال فحفروا له فأعمقوا في الأرض ما أستطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس وأنه من الله عز وجل.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر عن الوارث ورواه حميد الطويل عن أنس بن مالك بمعناه يزيد وينقص ومما زاد فقال نبي الله لا تقبله الأرض فذكر أن أبا طلحة أتى الأرض التي مات فيها فوجده منبوذًا فقال ما بال هذا قالوا دفناه مرارًا فلم تقبله الأرض..
- وجحده رجل بيع فرس ـ وهي التي شهد فيها خزيمة للنبي صلى الله عليه وسلم، فرد الفرس بعد النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل، وقال: اللهم إن كان كاذباً فلا تبارك له فيها. فأصبحت شاصية برجلها، أي رافعةً.
وهذا الباب أكثر من أن يحاط به.
-----------------------
26. ... المعجزات النبوية بين الغلاة والمقصرين
المعجزات النبوية بين الغلاة والمقصرين
الدكتور يوسف القرضاوي
الناس في قضية المعجزات المحمدية المادية أصناف ثلاثة:
فالصنف الأول:
يبالغ في الإثبات، وسنده في ذلك ما حوته الكتب، أيًا كانت هذه الكتب: سواء كانت للمتقدمين أو المتأخرين، وسواء كانت تعنى بتمحيص الروايات أم لا تعنى، وسواء وافق ذلك الأصول أم خالفها، وسواء قبله المحققون من العلماء أم رفضوه. المهم أن يروى ذلك في كتاب وإن لم يعرف صاحبه، أو يذكر في قصيدة من قصائد المدائح النبوية، أو في قصة "مولد" التي يُتلى بعضها في شهر ربيع الأول من كل عام، أو نحو ذلك.
وهذه عقلية عامية لا تستحق أن تناقش، فالكتب فيها الغث والسمين، والمقبول والمردود، والصحيح والمختلق الموضوع.
وقد ابتليت ثقافتنا الدينية بهؤلاء المؤلفين الذين يتتبعون "الغرائب" و"يحشون" بها بطون الكتب، وإن خالفت صحيح المنقول، وصريح المعقول.
وبعض المؤلفين، لا يعنى بصحة ما يروي من هذه الأمور، على أساس أنها لا يترتب عليها حكم شرعي، من تحليل أو تحريم أو غير ذلك. ولهذا إذا رووا في الحلال والحرام تشددوا في الأسانيد، ونقدوا الرواة، ومحصوا المرويات. فأما إذا رووا في الفضائل والترغيب والترهيب. ومثلها المعجزات ونحوها، تساهلوا وتسامحوا.
ومؤلفون آخرون، كانوا يذكرون الروايات بأسانيدها فلان عن فلان عن فلان، ولكنهم لا يذكرون قيمة هذه الأسانيد: أهي صحيحة أم غير صحيحة؟ وما قيمة رواتها: أهم ثقات مقبولون أم ضعاف مجروحون، أم كذابون مردودون؟ معتمدين على أنهم إذا ذكروا السند فقد أبرءوا أنفسهم من التبعة، وخلوا من العهدة.
غير أن هذا كان صالحًا وكافيًا بالنسبة للعلماء في العصور الأولى، أما في العصور المتأخرة -وفي عصرنا خاصة- فلم يعد يعني ذكر السند شيئًا. وأصبح الناس يعتمدون على النقل من الكتب، دون أي نظر إلى السند.
وهذا هو موقف جمهرة الكتاب والمؤلفين في عصرنا، حين ينقلون من تاريخ الطبري، أو طبقات ابن سعد أو غيرها.
والصنف الثاني:
يبالغ في النفي والإنكار للمعجزات والآيات الحسية الكونية، وعمدته في ذلك: أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم وهو الذي وقع به التحدي: أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله.
ولما طلب المشركون من الرسول بعض الآيات الكونية تصديقًا له، نزلت آيات القرآن تحمل الرفض القاطع لإجابة طلباتهم. كما في قوله تعالى: {وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا. أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرًا. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في السماء. ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرؤه، قل: سبحان ربي، هل كنت إلا بشرًا رسولاً؟} (الإسراء: 90 - 93).
وفي موضع آخر، ذكر المانع من إرسال الآيات الكونية التي يقترحونها فقال: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} (الإسراء: 59).
وفي سورة أخرى، رد على طلب الآيات بأن القرآن وحده كاف كل الكفاية ليكون آية لمحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} (العنكبوت: 51).(6/189)
وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون معجزة محمد صلى الله عليه وسلم معجزة عقلية أدبية، لا حسية مادية، وذلك لتكون أليق بالبشرية بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها، ولتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة. فالمعجزات الحسية تنتهي بمجرد وقوعها. أما العقلية فتبقى.
وقد أيد ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة".
ويبدو لي أن مما دفع هذا الصنف إلى هذا الموقف أمرين:
أولاً: افتتان الناس في عصرنا بالعلوم الكونية، القائمة على ثبات الأسباب، ولزوم تأثيرها في مسبباتها، حتى ظن بعض الناس أنه لزوم عقلي لا يتخلف في حال، فالنار لا بد أن تحرق، والسكين لا بد أن تقطع، والجماد لا يمكن أن ينقلب إلى حيوان، والميت لا يمكن أن يرجع إلى الحياة... إلخ.
الثاني: غلو الصنف الأول في إثبات الخوارق، بالحق والباطل، إلى حد يكاد يلغي قانون الأسباب والسنن، التي أقام الله عليها هذا العالم. وكثيرًا ما يقاوم الغلو بغلو مثله.
الصنف الثالث:
هنا يظهر الرأي الوسط بين المبالغين في الإثبات، والمغالين في الإنكار. وهو الرأي الذي أرجحه وأتبناه.
وخلاصة هذا الرأي:
1- أن القرآن الكريم هو الآية الكبرى والمعجزة الأولى لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي تحدى به العرب خاصة، والخلق عامة. وبه تميزت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها من النبوات السابقة، فالدليل على صدق نبوته هو نفس موضوع رسالته؛ وهو كتابه المعجز بهدايته وبعلومه، وبإعجازه اللفظي والمعنوي، وبإتيانه بالغيب: ماضيه وحاضره ومستقبله.
2- أن الله تعالى أكرم خاتم رسله بآيات كونية جمة، وخوارق حسية عديدة، ولكن لم يقصد بها التحدي، أعني إقامة الحجة.
بها على صدق نبوته ورسالته. بل كانت تكريمًا من الله له، أو رحمة منه تعالى به، وتأييدًا له، وعناية به وبمن آمن معه في الشدائد؛ فلم تحدث هذه الخوارق استجابة لطلب الكافرين، بل رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين، وذلك مثل "الإسراء" الذي ثبت بصريح القرآن، والمعراج الذي أشار إليه القرآن، وجاءت به الأحاديث الصحيحة، ونزول الملائكة تثبيتًا ونصرة للذين آمنوا في غزوة بدر، وإنزال الأمطار لإسقائهم فيها وتطهيرهم، وتثبيت أقدامهم، على حين لم يصب المشركين من ذلك شيء وهم بالقرب منهم. وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم الهجرة، رغم وصول المشركين إليه، حتى لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما، وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.
ومثل ذلك إشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة الأحزاب، وفي غزوة تبوك.
3- إننا لا نثبت من هذا النوع من الخوارق إلا ما نطق به القرآن، أو جاءت به السنة الصحيحة الثابتة. وما عدا ذلك مما انتفخت به بطون الكتب، فلا نقبله، ولا نعبأ به.
فمن الصحيح الثابت:
(أ) ما رواه جماعة من الصحابة من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم أول الأمر، فلما صنع له المنبر، وقام عليه للخطبة، سمع للجذع صوت كحنين الناقة إلى ولدها. فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت.
قال العلامة تاج الدين السبكي: حنين الجذع متواتر؛ لأنه ورد عن جماعة من الصحابة، إلى نحو العشرين، من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه. وكذلك قال القاضي عياض في الشفاء: إنه متواتر.
(ب) ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد عن جماعة من الصحابة، من إفاضة الماء بغير الطرق المعتادة، وذلك في غزواته وأسفاره صلى الله عليه وسلم مثل غزوة الحديبية، وغزوة تبوك وغيرهما.
روى الشيخان عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بالزوراء فدعا بقدح فيه ماء، فوضع كفه فيه، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، وأطراف أصابعه، فتوضأ أصحابه به جميعًا.
وروى البخاري عن البراء بن عازب أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أربع عشرة مائة (أي 1400)، وأنهم نزحوا بئر الحديبية فلم يتركوا فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسالم فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ، ثم تمضمض ودعا، ثم صبه فيها. قال: فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا (سقتنا وروتنا) ماشيتنا نحن وركابنا.
والأحاديث في إجراء الماء له صلى الله عليه وسلم كثيرة مستفيضة، ومروية بأصح الطرق.
(جـ) ما حفلت به كتب السنة من استجابة الله تعالى لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع يصعب حصرها، مثل دعائه بإنزال المطر. ودعائه يوم بدر بالنصر، ودعائه لابن عباس بالفقه في الدين، ودعائه لأنس بكثرة الولد، وطول العمر، ودعائه على بعض من آذاه... إلخ.(6/190)
(د) ما صح من الأنباء بمغيبات وقت كما أخبر بها صلى الله عليه وسلم، بعضها في حياته، وبعضها بعد وفاته، مثل فتح بلاد اليمن وبصرى وفارس، وقوله لعمار: "تقتلك الفئة الباغية" وقوله عن الحسن: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين"... إلخ. ومثل إخباره بفتح القسطنطينية وغيرها.
4- أما ما لم يصح من الخوارق والآيات، فلا نثبته ولا نقيم له وزنًا، وإن شاع ذكره بين الناس.
ونكتفي هنا بما اشتهر من أن النبي صلى الله عليه وسلم حين اختفى في الغار عند الهجرة من المدينة، جاءت حمامتان فباضتا على فم الغار كما أن شجرة نبتت ونمت فغطت مدخل الغار. فهذا ما لم يجئ به حديث صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف. أما نسج العنكبوت على الغار فقد جاءت به رواية حسنها بعض العلماء، وضعفها آخرون.
وظاهر القرآن يدل على أن الله تعالى أيد رسوله يوم الهجرة بجنود غير مرئية كما قال تعالى: {فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها} والعنكبوت والحمام جنود مرئية ولا شك والنصر بجنود غير مشاهدة ولا محسة أدل على القهر الإلهي والعجز البشري. وإنما اشتهرت هذه الخوارق بين جمهور المسلمين بسبب المدائح النبوية، للمتأخرين وبخاصة مثل "البردة" للبوصيري التي يقول فيها:
ظنوا الحمام، وظنوا العنكبوت على**** خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من **** الدروع وعن عال من الأطم
فهذا هو موقفنا من الخوارق والمعجزات النبوية المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
-------------------
27. ... القول الأقوم في معجزات النبي الأكرم(8).. في كرامته وبركاته
الفصل الثاني والعشرون:
في كرامته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره
- أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا أبو ذر الهروي، إجازة، حدثنا القاضي أبو علي سماعاً، والقاضي أبو عبد الله بن عبد الرحمن وغيرهما، فقالوا: حدثنا أبو الوليد القاضي، حدثنا أبو ذر، حدثنا أبو إسحاق، وأبو الهيثم: قالوا: حدثنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ـ أن أهل المدينة فزعوا مرةً، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة كان يقطُف، أو به قِطاف. وقال غيره: يبطأ، فلما رجع قال: وجدنا فرسك بحراً فكان بعد لا يجارى.
قلت: روى البيهقي في دلائل النبوة:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الأنباري حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: فزع الناس فركب النبي فرسًا لأبي طلحة بطيئًا ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه فقال: لن تراعوا إنه لبحر... قال فو الله ما سبق بعد ذلك اليوم...
وأخرج البخاري في صحيحه:
ـ باب: السرعة والركض في الفزع.
- حدثنا الفضل بن سهل: حدثنا حسين بن محمد: حدثنا جرير بن حازم، عن محمد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فزع الناس، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة بطيئًا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: (لم تراعوا، إنه لبحر). فما سبق بعد ذلك اليوم.
ـ باب: إذا فزعوا بالليل.
- حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة، سمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عري، وهو متلقد سيفه، فقال:(لم تراعوا لم تراعوا). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وجدته بحرا). يعني الفرس.
- باب: من استعار من الناس الفرس.
- حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنسًا يقول:
كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسًا من أبي طلحة يقال له المندوب فركب، فلما رجع قال:(ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرًا).
- باب: الشجاعة في الحرب والجبن.
- حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس، وقال:(وجدناه بحرا).
ـ باب: اسم الفرس والحمار.
- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة: سمعت قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لنا يقال له مندوب، فقال:(ما رأينا منفزع، وإن وجدناه لبحرا).
ـ باب: الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل.
وقال راشد بن سعد: كان السلف يستحبون الفحولة، لأنها أجرى وأجسر.(6/191)
- حدثنا أحمد بن محمد: أخبرنا عبد الله: أخبرنا شعبة، عن قتادة: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان بالمدينة فزع، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب، فركبه، وقال:(ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرا).
ـ باب: ركوب الفرس العري.
- حدثنا عمرو بن عون: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: استقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس عري، ما عليه سرج، في عنقه سيف.
- باب: الفرس القطوف.
- حدثنا عبد الأعلى بن حماد: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أهل المدينة فزعوا مرة، فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف، أو كان فيه قطاف، فلما رجع قال:(وجدنا فرسكم هذا بحرا). فكان بعد ذلك لا يجارى.
باب: الحمائل وتعليق السيف بالعنق.
- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، ولقد فرغ أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر، وهو على فرس لأبي طلحة عري، وفي عنقه السيف، وهو يقول:(لم تراعوا، لم تراعوا). ثم قال:(وجدناه بحرا). أو قال:(إنه لبحر).
ـ باب: مبادرة الإمام عند الفزع.
- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
كان بالمدينة فزع، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، فقال:(ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا).
- باب: المعاريض مندوحة عن الكذب.
- حدثنا مسدَّد: حدثنا يحيى، عن شُعبة قال: حدثني قتادة، عن أنس بن مالك قال:
كان بالمدينة فزع، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة، فقال:(ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحراً).
باب: حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل
- حدثنا عمرو بن عون: حدثنا حمَّاد، هو ابن زيد، عن ثابت، عن أنس قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول:(لم تراعوا لم تراعوا). وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال:(لقد وجدته بحراً. أو: إنه لبحر).
- ونخس جمل جابر، وكان قد أعيا، فنشط حتى كان ما يملك زمامه.
قلت: أخرج البخاري في قصة جمل جابر بن عبد الله أحاديث، منها:
1- باب: الشفاعة في وضع الدين.
- حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن عامر، عن جابر رضي الله عنه قال:
غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم على ناضح لنا فأزحف الجمل، فتخلف علي، فوكزه النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، قال:(بعينه ولك ظهره إلى المدينة). فلما دنونا استأذنت، قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بعرس، قال صلى الله عليه وسلم:(فما تزوجت بكرا أم ثيبا). قلت: ثيبا، أصيب عبد الله وترك جواري صغارا، فتزوجت ثيبا تعلمهن وتؤدبهن، ثم قال:(ائت أهلك). فقدمت فأخبرت خالي بيع الجمل فلامني، فأخبرته بإعياء الجمل، وبالذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم ووكزه إياه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم غدوت إليه بالجمل، فأعطاني ثمن الجمل والجمل، وسهمي مع القوم.
2- باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز.
- حدثنا أبو نعيم: حدثنا زكرياء قال: سمعت عامرا يقول: حدثني جابر رضي الله عنه: أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه، فدعا له فسار بسير ليس يسير مثله، ثم قال:(بعنيه بوقية). قلت: لا، ثم قال:(بعينه بوقية). فبعته، فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على إثري قال:(ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك، فهو مالك).
3- باب: استئذان الرجل الإمام.(6/192)
- حدثنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا جرير، عن المغيرة، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتلاحق بي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا على ناضح لنا قد أعيا، فلا يكاد يسير، فقال لي:(ما لبعيرك). قال: قلت: عيي، قال: فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي:(كيف ترى بعيرك). قال: قلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال:(أفتبيعنيه). قال: فاستحييت، ولم يكن لنا ناضح غيره، قال: فقلت: نعم، قال:(فبعنيه). فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة، قال: فقلت: يا رسول الله، إني عروس، فاستأذنته فأذن لي، فتقدمت الناس إلى المدينة حتى أتيت المدينة، فلقيني خالي، فسألني عن البعير، فأخبرته بما صنعت فيه، فلامني، قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته:(هل تزوجت بكرا أم ثيبا). فقلت: تزوجت ثيبا، فقال:(هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك). قلت: يا رسول الله، توفي والدي، أو استشهد، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن، قال: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، غدوت عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه ورده علي.
وأخرج مسلم في صحيحه:
باب بيع البعير واستثناء ركوبه.
* حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا زكريا عن عامر. حدثني جابر بن عبد الله؛ أنه كان يسير على جمل له قد أعيا. فأراد أن يسيبه. قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم. فدعا لي وضربه. فسار سيرا لم يسر مثله. قال: (بعنيه بوقية). قلت: لا. ثم قال(بعنيه). فبعته بوقية. واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي. فلما بلغت أتيته بالجمل. فنقدني ثمنه. ثم رجعت. فأرسل في أثري. فقال(أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك. فهو لك).
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم(قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا جرير) عن مغيرة، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله. قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاحق بي. وتحتي ناضح لي قد أعيا ولا يكاد يسير. قال: فقال لي(ما لبعيرك؟) قال قلت: عليل. قال: فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجره ودعا له. فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير. قال: فقال لي(كيف ترى بعيرك؟) قال قلت: بخير. قد أصابته بركتك. قال:(أفتبيعنيه؟) فاستحييت. ولم يكن لنا ناضح غيره. قال فقلت: نعم. فبعته أياه. على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة. قال فقلت له: يا رسول الله! إني عروس فاستأذنته. فأذن لي. فتقدمت الناس إلى المدينة. حتى انتهيت. فلقيني خالي فسألني عن البعير. فأخبرته بما صنعت فيه. فلامني فيه. قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته:(ما تزوجت؟ أبكرا أم ثيبا؟) فقلت له: تزوجت ثيبا. قال(أفلا تزوجت بكرا تلاعبك وتلاعبها؟) فقلت له: يا رسول الله! توفي والدي(أو استشهد) ولي أخوات صغار. فكرهت أن أتزوج إليهن مثلهن. فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن. فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن. قال: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، غدوت إليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورده علي.
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة. حدثنا جرير عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر. قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاعتل جملي. وساق الحديث بقصته. وفيه: ثم قال لي(بعني جملك هذا). قال قلت: لا. بل هو لك. قال(لا. بل بعنيه). قال قلت: لا. بل هو لك. يا رسول الله! قال(لا. بل بعنيه). قال قلت: فإن لرجل علي أوقية ذهب. فهو لك بها. قال(قد أخذته. فتبلغ عليه إلى المدينة). قال: فلما قدمت المدينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال(أعطه أوقية من ذهب. وزده). قال: فأعطاني أوقية من ذهب. وزادني قيراطا. قال فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكان في كيس لي. فأخذه أهل الشام يوم الحرة.
* حدثنا أبو كامل الجحدري. حدثنا عبد الواحد بن زياد. حدثني الجريري عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله. قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر. فتخلف ناصحي. وساق الحديث. وقال فيه: فنخسه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال لي(اركب باسم الله) وزاد أيضا: قال: فما زال يزيدني ويقول(والله يغفر لك).
* وحدثني أبو الربيع العتكي. حدثنا حماد. حدثنا أيوب عن أبي الزبير، عن جابر. قال: لما أتى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعيا بعيري، قال: فنخسه فوثب. فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه، فما أقدر عليه. فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فقال(بعنيه). فبعته منه بخمس أواق. قال قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة. قال(ولك ظهره إلى المدينة). قال: فلما قدمت إلى المدينة أتيته به، فزادني وقية، ثم وهبه لي.(6/193)
* حدثنا عقبة بن مكرم العمى. حدثنا يعقوب بن إسحاق. حدثنا بشير بن عقبة عن أبي المتوكل الناجي، عن جابر بن عبد الله. قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.(أظنه قال غازيا). واقتص الحديث وزاد فيه: قال(يا جابر! أتوفيت الثمن؟) قلت: نعم. قال(لك الثمن ولك الجمل. لك الثمن ولك الجمل).
* حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن محارب؛ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا بوقيتين ودرهم أو درهمين. قال: فلما قدم صرارًا أمر ببقرة فذبحت. فأكلوا منها. فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين. ووزن لي ثمن البعير فأرجح لي.
* حدثني يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا شعبة. أخبرنا محارب عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة. غير أنه قال: فاشتراه مني بثمن قد سماه. ولم يذكر الوقيتين والدرهم والدرهمين. وقال: أمر ببقرة فنحرت، ثم قسم لحمها.
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(قد أخذت جملك بأربعة دنانير. ولك ظهره إلى المدينة).
- وصنع مثل ذلك بفرس لجعيل الأشجعي، خفقها بمخفقة معه، وبرَّك عليها، فلم يملك رأسها نشاطاً، وباع من بطنها باثني عشرألفاً.
قلت: روى البيهقي في دلائل النبوة، قال:
أخبرنا أبو بكر القاضي حدثنا محمد بن حامد الهروي حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا رافع بن سلمة بن زياد قال حدثني عبد الله بن أبي الجعد الأشجعي عن جعيل الأشجعي قال غزوت مع النبي في بعض غزواته وأنا على فرس لي جعفاء ضعيفة قال فكنت في أخريات الناس فلحقني رسول الله فقال(سر يا صاحب الفرس) فقلت يا رسول الله جعفاء ضعيفة قال فرفع رسول الله مخفقة معه فضربها بها وقال(اللهم بارك له فيها) قال فلقد رأيتني ما أمسك رأسه إن تقدم الناس قال فلقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا
- وركب حماراً قطوفاً لسعد بن عبادة فرده هملاجًا لا يساير .
- وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد، فلم يشهد بها قتالاً إلا رزق النصر.
قلت: روى البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما جاء في قلنسوة خالد بن الوليد واسنتصاره بما جعل فيها من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى الجبري أنبأنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال اطلبوها فلم يجدوها ثم طلبوها فوجدوها فإذا هي قلنسوة خلقة فقال خالد اعتمر رسول الله فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر..
- وفي الصحيح ـ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ـ أنها أخرجت جبة طيالسة، و قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.
قلت: رواه مسلم في صحيحه؛ قال:
حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا خالد بن عبد الله عن عبد الملك، عن عبد الله، مولى أسماء بنت أبي بكر. وكان خال ولد عطاء. قال:
أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر. فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله. فقال لي عبدالله: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد. وأما ما ذكرت من العلم في الثوب، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إنما يلبس الحرير من لا خلاق له) فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد الله، فإذا هي أرجوان.
فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية. لها لبنة ديباج. وفرجيها مكفوفين بالديباج. فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت. فلما قبضت قبضتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها. فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.
- وحدثنا القاضي أبو علي، عن شيخه أبي القاسم بن المأمون: قال: وكانت عندنا قصعة من قصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا نجعل فيها الماء للمرضى، فيستشفون بها.
- وأخذ جهجاه الغفاري القضيب من يد عثمان رضي الله عنه ليكسره على ركبته، فصاح الناس به، فأخذته فيها الآكلة فقطعها، ومات قبل الحول.
قلت:
قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة:(6/194)
جهجاه بن سعيد وقيل بن قيس وقيل بن مسعود الغفاري شهد بيعة الرضوان بالحديبية وروى الشيخان من حديث جابر كنا في غزاة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار الحديث في نزول قوله تعالى {ليخرجن الأعز منها الأذل} فذكر بن عبد البر أن المهاجري هو جهجاه وأن الأنصاري هو سنان وذكر الواقدي أنه شهد غزوة المريسيع فتنازع هو وسنان بن وبرة حتى تداعيا بالقبائل وكان جهجاه أجيرا لعمر بن الخطاب فذكر القصة وقد تقدم له ذكر في ترجمة جعال وروى بن أبي شيبة من طريق عبيد الأغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما أن سلم قال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فذكر الحديث في شربه قبل أن يسلم حلاب سبع شياه فلما أسلم لم يستتم حلب شاة الحديث غريب تفرد به موسى بن عبيدة عن عبيد وقد أشار إليه الترمذي في الترجمة وعاش جهجاه إلى خلافة عثمان فروى الباوردي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك وغيره عن نافع عن بن عمر قال قدم جهجاه الغفاري إلى عثمان وهو على المنبر فأخذ عصاه فكسرها فما حال على جهجاه الحول حتى أرسل الله في يده الأكلة فمات منها ورواه بن السكن من طريق سليمان بن بلال وعبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر مثله ورواه من طريق فليح بن سليمان عن عمته وأبيها وعمها أنهما حضرا عثمان قال فقام إليه جهجاه بن سعيد الغفاري حتى أخذ القضيب من يده فوضعها على ركبته فكسرها فصاح به الناس ونزل عثمان فدخل داره ورمى الله الغفاري في ركبته فلم يحل عليه الحول حتى مات ورويناه في المحامليات من طريق حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن جهجاه الغفاري نحو الأول وقال بن السكن مات بعد عثمان بأقل من سنة.
- وسكب من فضل و ضوئه في بئر قباء فما نزفت بعد.
قلت: روى البيهقي في دلائل النبوة، قال:
باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي اخبرنا أبو حامد الشرقي حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك أتاهم بقباء فسألهم عن بئر هناك قال فدللته عليها فقال لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فنستخرجها له فجاء رسول الله وأمر بذنوب فسقي فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر قال فما نزحت بعد...
- وبزق في بئر كانت في دار أنس، فلم يكن بالمدينة أعذب منها.
- ومر على ماء، فسأل عنه، فقيل له: اسمه بيسان، وماؤه ملح، فقال: بل هو نعمان وماؤه طيب فطاب.
- وأتي بدلو من ماء زمزم، فمج فيه، فصارت أطيب من المسك.
قلت: روى البيهقي في دلائل النبوة، قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أبيه قال رأيت النبي تمضمض من دلو مج فيه مسكًا أو أطيب من مسك قال أبو أسامة يقول في ذلك الماء استنثر خارجا منه...
- وأعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه، وكان يبكيان عطشاً فسكتا.
-وكان لأم مالك عكة تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم سمناً، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ألا تعصرها، ثم دفعها إليها، فإذا هي مملوءة سمناً، فيأتيها بنوها يسألونها الأدم، وليس عندهم شيء، فتعمد إليها، فتجد فيها سمناً، فكانت تقيم أدمها حتى عصرتها.
قلت: أخرجه مسلم في صحيحه، قال:
حدثني سلمة بن شبيب. حدثنا الحسن بن أعين. حدثنا معقل عن أبي الزبير، عن جابر؛
أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنًا. فيأتيها بنوها فيسألون الأدم. وليس عندهم شيء. فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم. فتجد فيه سمنا. فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال "عصرتيها؟" قالت: نعم. قال "لو تركتيها ما زال قائما".
قلت: وذكر البيهقي في دلائل النبوة قصتين غير هذه، قال:
1- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا علي بن نجيح القطان حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن يوسف بن خالد عن أوس بن خالد عن أم أوس البهزية قالت سليت سمنا لي فجعلته في عكة وأهديته إلى النبي فقبله وترك في العكة قليلاً ونفخ فيه ودعا بالبركة ثم قال ردوا عليها عكتها فردوها عليها وهي مملوءة سمنًا فظننت أن النبي لم يقبلها فجاءت ولها صراخ قالت يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله فعلم أنه قد استجيب له فقال اذهبوا فقولوا لها فلتأكل سمنها وتدعو بالبركة فأكلت بقية عمر النبي وولاية أبي بكر رضي الله عنه وولاية عمر رضي الله عنه وولاية عثمان رضي الله عنه حتى كان من أمر علي رضي الله عنه ومعاوية ما كان.(6/195)