قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف157
قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الحجرات2
قال تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفتح 9
قال السعدي رحمه الله :[ {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : و التعزير :[ اسم جامع لنصره و تأييده و منعه من كل ما يؤذيه و التوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة و طمأنينة من الإجلال و الإكرام و أن يعامل من التشريف و التكريم و التعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار] الواسطة بين الله و خلقه صـ208
قل القاضي عياض :[ كان محمد بن المنكدر إذا ذكره صلى الله عليه و سلم بكى حتى يرحمه الجالسون. وكان ابن مهدي إذا قرأ حديث النبي أمر الحاضرين بالسكوت.
و لقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه و سلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم و قد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم
و لقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه و سلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع
و لقد رأيت الزهري ـ و كان من أهنأ الناس و أقربهم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه و سلم فكأنه ما عرفك و لا عرفته
و لقد كنت آتي صفوان بن سليم و كان من المتعبدين المجتهدين فإذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكى فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه و يتركوه
و لما كثر على مالك الناس قيل له : لو جعلت مستمليا يسمعهم ؟ فقال : قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } و حرمته حيا و ميتا سواء] الشفا ج2 صـ32
4 ـ الصلاة و السلام عليه صلى الله عليه و سلم
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56)
قال السعدي رحمه الله : [{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اقتداء باللّه وملائكته، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلاً لإيمانكم، وتعظيمًا له صلى اللّه عليه وسلم، ومحبة وإكرامًا، وزيادة في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، ما علم به أصحابه: "اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة ]
عن أبي هريرة : (: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ) رواه مسلم
قال ابن عبد السلام :[ ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه ] الفتح
تأمل أخي المبارك عظم الثواب الذي يحصل عليه من صلى على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ابن القيم رحمه الله : [ فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم ؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وبالله التوفيق] الوابل الصيب
5 ـ كثرة تذكره وتمني رؤيته والشوق إلى لقائه وسؤال الله اللحاق به على الإيمان وأن يجمع بينه وبين حبيبه في مستقر رحمته
وقد أخبر صلى الله عليه و سلم بأنه سيوجد في هذه الأمة من يودّ رؤيته بكل ما يملكون فأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ( من أشد أمتي لي حبا، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله ومله )(4/120)
وروى أحمد عن أنس بن مالك قال : قال صلى الله عليه و سلم : ((يقدم عليكم غداً أقوام هم أرق قلوباً للإسلام منكم)) قال : فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنو من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون:
غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا فكانوا هم أول من أحدث المصافحة.
تأمل أخي المبارك فيما سبق من شوق الصحابة الكرام و السلف الصالح لرسول الله و تأمل قول هذا الصحابي : ( يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي و إنك لأحب إلي من ولدي و إني لأكون في البيت فأذكرك فما اصبر حتى آتي فأنظر إليك و إذا ذكرت موتي و موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين و أني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ...)
لقد كان شوق السلف الصالح لنبيهم عليه الصلاة و السلام عظيما يحلمون بلقياه حتى لو كان السبيل إلى ذلك الموت حتى قال بلال رضي الله عنه : (بل وا طرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه)
وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عبد الله بن أبي زكريا كان يقول لو خيرت بين أن أعمر مائة سنة في طاعة الله أو أن أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه لاخترت أن أقبض شوقا إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده
عن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت. رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير يعمر بن بشر وهو ثقة.
أخي المبارك, سائل نفسك ما مقدار شوقي لرسول الله و تذكر أن رسول الله يشتاق إليك قال صلى الله عليه و سلم : (وددت أن قد رأينا إخواننا) قالوا : ألسنا إخوانك ؟ قال : (أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني) رواه مسلم.
أخي هل يحملك الشوق إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم وهل تحدث نفسك برؤيته هل أقبلت على سنته واقتفيت آثاره طمع في الظفر بالورود على حوضه وشوق لرؤيته هل تردد ما قاله هذا المشتاق:
نسينا في ودادك كل غال *** فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم ويكفي *** لنا شرف نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً *** يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا وإنّا *** لعمر الله بعدك ما سلونا
6ـ محبة قرابته وآل بيته وأزواجه:
قال تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) الأحزاب6
وروى مسلم عن زيد بن أرقم مرفوعاً: ((ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: [ومن أصول أهل السنة والجماعة ـ أنهم ـ ... يحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم ( 1 ) غدير خم : ( أذكركم الله في أهل بيتي وقال أيضا للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال : ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) وقال : ( إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده أول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) الواسطية.
7ـ محبة صحابته
قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة100.(4/121)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى : (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) . ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل ويقدمون المهاجرين على الأنصار ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) الواسطية.
8- محبة سنته والداعين إليها و العمل بها :
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود و صححه الألباني رحمه الله.
عن نافع عن بن عمر أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول لعل خفا يقع على خف يعني خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عمر قال: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود. رواه أحمد بإسناد جيد
قال الإمام أحمد : [ ما كتبت حديثاً إلا و قد عملت به حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة ديناراً فأعطيت الحجام ديناراً حين احتجمت]
و قال رحمه الله : [إن استطعت ألا تحك شعرة إلا بأثر ] وقال : [إني لأرى الرجل يحي شيئاً من السنة فأفرح به] قال الزهري : الاعتصام بالسنة نجاة.
ثمرات المحبة
1/ الفوز بمحبة الله
قال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )
قال ابن كثير رحمه الله :[ هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ] .
قال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}
قال ابن القيم : [لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرفة الشجي فتنوع المدعون في الشهود فقيل : لا تثبت هذه الدعوى إلا ببينة {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ( آل عمران : 31 ) فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول في أفعاله وأقواله وهديه وأخلاقه]
2/ حلاوة الإيمان و السعادة و الهناء :
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري
قال شيخ الإسلام : [فالثواب على ما جاء به الرسول والنصرة لمن نصره والسعادة لمن اتبعه وصلوات الله وملائكته على المؤمنين به والمعلمين للناس دينه والحق يدور معه حيثما دار وأعلم الخلق بالحق وأتبعهم له أعملهم بسنته وأتبعهم لها ]منهاج السنة ج5 233
يقول ابن القيم رحمه الله : [لا سبيل إلى السعادة و الفلاح في الدنيا و الآخرة إلا على أيدي الرسل و لا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهتهم و لا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم فالطيب من الأعمال و الأقوال و الأخلاق ليس إلا هديهم و ما جاؤوا به فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه و العين إلى نورها و الروح إلى حياتها فأي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال بل أعظم ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي و ما لجرح بميت إيلام.
وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ]0زاد المعاد ج1 ص68
3/ مغفرة الذنوب وذهاب الهموم(4/122)
عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال : ( يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه) قال أبي قلت يا رسول الله: إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال: ( ما شئت ) قال قلت الربع قال: ( ما شئت فإن زدت فهو خير لك) قلت النصف قال : (ما شئت فإن زدت فهو خير لك) قال قلت فالثلثين قال : (ما شئت فإن زدت فهو خير لك) قلت أجعل لك صلاتي كلها قال : ( إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك) رواه الترمذي و حسنه الألباني
4/ الرحمة و النور في الدنيا و الآخرة :
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الحديد28
4/ مرافقة الأنبياء و المرسلين و الصديقن و الشهداء :
قال تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً }النساء69
5/ الشفاعة يوم القيامة :
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة )رواه البخاري .
6/ صلاة الله على العبد عشراً
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) رواه مسلم
7/ ورود الحوض
عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي ؟ فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى) رواه البخاري
عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بين حوضي كما بين أيلة ومضر آنيته أكثر أو قال مثل عدد نجوم السماء ماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وأطيب من المسك من شرب منه لم يظمأ بعده) قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح
8/ نضارة الوجه
قال صلى الله عليه وسلم :( نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع ) رواه أحمد والترمذي
قال الخطابي : معناه الدعاء له بالنضارة و هي النعيم و البهجة ... و قال السيوطي رحمه الله : قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جابر : ( أي ألبسه الله نضرة ً وحسناً وخلوص لون وزينة وجمالاً، أوصله لنضرة الجنة نعيماً ونضارةً قال تعالى: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَة): ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (المطففين:24)
قال ابن القيم رحمه الله : ( فإن النضرة البهجة و الحسن الذي يكساه الوجه من آثار الإيمان و ابتهاج الباطن به و فرح القلب و سروره و التلذاذه به فتظهر هذه البهجة و السرور و الفرحة نضارة على الوجه و لهذا يجمع له سبحانه بين البهجة و السرور و النضرة) مفتاح دار السعادة صـ89ـ
قال المباركفوري رحمه الله : نضر الله أمرأ : المعنى خصه الله بالبهجة و السرور لما رزق بعلمه و معرفته من القدر و المنزلة بين الناس في الدنيا و نعّمه في الآخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء و النعمة تحفة الأحوذي صـ 2025ــــ
قال الشيخ ابن عثيمين : المراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للإنسان إذا سمع حديثاً عن رسول الله فبلغه أن يحسن الله وجهه يوم القيامة . شرح رياض ج 4 صـ 517
و تمام ذلك أن يفوز بالنظر إلى وجه لله عز وجل فينال من النضارة و النعيم ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر , فطوبى لك أيها الداعية يوم أن تكون ممن قال الله عنهم : ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (المطففين:24) و قال سبحانه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23)(4/123)
قال السعدي رحمه الله : [{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم: منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشيا، ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم ] تيسير الكريم الرحمن صـ 899ـ900
أسأل الله الكريم الجواد البر الرحيم بمنه و كرمه و جوده و إحسانه أن يرزقنا محبه رسوله صلى الله عليه و سلم و تباع سنته و أن يحشرنا في زمرته و أن يجعل محبتنا له أعظم من حبنا لأنفسنا و أبائنا و أمهاتنا و زوجاتنا و ذرياتنا و أموالنا و أن يعمر ظاهرنا و باطننا بمتابعة سنته و صلى الله و سلم على نبينا محمد .
محبكم : شائع محمد الغبيشي
مشرف تربوي بإدارة التربية و التعليم بمحافظة القنفذة
shaei1416@hotmail.com
14. ... السابق هنا هو المسبوق!!
الكاتب: د.عبد المعطي الدالاتي
التعصب للأشخاص ذميم ، والتحزّب مرض يصيب العقل ، فيقزّم الإنسان، ويقتل فيه روح الإبداع والتجديد ..
وليس من شأن المسلم الحر أن يدور حول الأشخاص ..
بل إن كعبته التي يطوف حولها هي المبادئ وصادق الأفكار..
والمسلم يجلّ علماء الإسلام ويستغفر لهم ولكل المسلمين ..
ولكنه لا يُسلّم عقله لأحد من العلماء أو الدعاة أو الصالحين..
ولا يسلّمه إلا للمعصوم عليه الصلاة والسلام ..
ليقود المعصومُ هذا العقلَ إلى مراشده ..
كل تقليد تقزيم وجمود ، إلا تقليد السنة ففيه كل التجديد!
وأنا أعجب من مسلم ينتسب إلى أحد غير الرسول،
فيعرف نفسه مثلا:
الشافعي مذهباً ، والأشعري عقيدة ، والرفاعي طريقة ، والعربي نسبًا، و.. !
ويحك وماذا أبقيت لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟!
وبأي وجه ستلاقي الحبيب ، تطلب منه شفاعة وشربة ماء؟!
ويحك لا تزال تقول: أنا حنفي ..
ولا أسمعك تقول : "حنيفاً مسلمًا"!
رحم الله علماء الإسلام ، ما أرادوا هذا ..
أرادوها مدارس علم وفهم ، لا مذاهب هوى وتعصب ..
فها هو المربي عبد القادر الجيلاني يقول:
"لا أريد من الخلق سوى محمد"..
وكما قال ابن حزم: "كل إنسان، سوى المبشَّرين، تُرجى له الجنة، ويُخشى عليه من النار"..
***
وفي عودة الرسول وأصحابه من غزوة الغابة التي لمع فيها
نجم العدّاء الأول سلمة بن الأكوع ..
أردف رسول الله عليه الصلاة والسلام سلمة خلفه ،
ولما لاحت معالم المدينة ،اقترب عدّاء أنصاري من سلمة ،
وتحداه قائلا:
من يسابق ؟!
لم يرد سلمة ..
الأنصاري : من يسابق ؟
سلمة : أما تُكرم كريماً ، ولا تهاب شريفاً؟!
الأنصاري: لا.. إلا رسولَ الله..!
سلمة : يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل!!
فأذِنَ له الرسول ..
ترجّل سلمة ، وبعد هنيهة ، إذا به يضرب بين كتفي الأنصاري، قائلا:
سبقتك والله ..
فضحك الأنصاري وقال : إن أظن!
قرأت القصة في المسند المبارك،
وعلى هامشها تركت هذه الكلمات:
"إن السابق هنا، هو المسبوق!..
غفر الله لسلمة..
لو كنت مكانه لما ترجّلت عن ناقة رسول الله لمسابقة أحد أبدا!"
قلت : الحديث صحيح وهذا نصه مع شرح غريبه :
مستخرج أبي عوانة - (ج 13 / ص 337)(4/124)
5486 - حدثنا أبو داود الحراني ، قثنا أبو حذيفة ، قثنا عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه ، قال : قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعناه في أصل شجرة ، وبايعته في أول الناس ، فلما كان في وسط من الناس ، قال : « بايعني يا سلمة » ، فقلت : يا نبي الله قد والله بايعتك في أول الناس ، قال : « وأيضا » ، قال : فبايعته ، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أعزل ليس معي جنة (1) استجن بها فأعطاني درقة (2) ، أو قال : جحفة ، فلقيني عمي عامر ، وهو أعزل ، فسألنيها فأعطيته إياها ، فلما كان في آخر الناس ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا تبايعني يا سلمة ؟ » ، فقلت : يا نبي الله قد والله بايعتك في أول الناس وفي وسطهم ، فقال : « وأيضا » ، فبايعته ، ثم قال : « يا سلمة أين الجحفة أو الدرقة التي أعطيتك ؟ » ، فقلت : يا نبي الله سألنيها عمي عامر وهو أعزل فأعطيته إياها وآثرته بها ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : « إنك كالذي قال الأول : اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي » ، قال : ثم إن المشركين من أهل مكة واسونا الصلح حتى مشى بعضهم إلى بعض واصطلحنا ، قال : وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله ، وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله ، وكنت آكل من طعامه وأحسن فرسه وأسقيه وأخدمه ، فأتيت شجرة فكسحت (3) شوكها واضطجعت فيها ، فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا يقعون (4) في رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأبغضتهم (5) ، قال : وعلقوا أسلحتهم ووضعوا ثيابهم في الشجرة واضطجعوا في ظلها ، فأتيت شجرة أخرى فكسحت شوكها فاضطجعت تحتها فما عدا أخذوا ينامون فإذا مناد من أسفل الوادي : يا معشر المهاجرين قتل ابن زنيم ، قال : فخرجت أشتد بسيفي ، حتى وقفت على رءوسهم وهم مضطجعون ، فقلت : والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يرفع رجل منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه ، فلما أخذت سلاحهم ، فجعلته ضغثا (6) في يدي ، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء عمي هو وأصحاب له بسبعين رجلا منهم مكرز رجل من العبلات من قريش يقود به عمي مجفف (7) على فرس فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « دعوهم يكون بدء الفجور (8) وثناه (9) منهم ، فخلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم (10) ، قال : ثم رجعنا إلى المدينة ، وبيننا وبين بني لحيان ، أو بني ذكوان ، رأس من المشركين جبل ، قال : فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقى في هذا الجبل ، قال : وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد قط (11) يخصه إلا استشهد ، قال : فرقيته (12) تلك الليلة مرتين أو ثلاثة ، قال : ثم قدمنا المدينة فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم بظهره إلى الغابة ينديه ، فخرجت أنا ورباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرجت معي بفرس لطلحة بن عبيد الله أنديه فلما كان عند الصبح إذا عبد الرحمن بن عيينة بن بدر الفزاري قد أغار على سرح (13) رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرده ، فذهب به ، وقتل راعيه ، فقلت : يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه ، فقعد رباح على الفرس وقمت على أكمة ، ووجهت وجهي قبل المدينة ثم ناديت ثلاث دعوات : يا صباحاه ثم أتبعت القوم فجعلت أرشقهم بالنبل وأرتجز (14) أرميهم ، وأقول : أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع وأعقر (15) بهم حتى ألحق رجلا منهم راكبا على رحله فأصك (16) رجله بسهم حتى نفذ في كتفه ، فقلت : خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال فما زلت أعقر بهم وأرتجز ، فإذا رجل على فرس ، فجثمت إلى شجرة فنثرت نبلي ثم عقرت به ، ولا يقدم علي ، قال : فما زال ذلك شأني وشأنهم حتى ما تركت شيئا من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استنقذته ، وجعلته وراء ظهري ، قال : وطرحوا أكثر من ثلاثين بردة (17) وثلاثين رمحا كل ذلك يستخفون مني ، وأجعل عليه آراما حتى لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا على أصحابه حتى إذا امتد الضحى الأكبر ، قال : ودخلوا المضيق علوت الجبل ، وجعلت أرديهم (18) بالحجارة إذا عيينة بن بدر قد جاء مددا للمشركين فنزلوا يتضحون فأشرف على جبل فأقعد عليه ، فقال عيينة : ما هذا الذي أرى ؟ ، قالوا : هذا لقينا منه البرح (19) فوالله إن فارقنا بغلس (20) حتى استنقذ كل شيء في أيدينا ، فقال عيينة : لولا أن هذا يرى وراءه طلبا ، لترككم ليقم إليه معي منكم ، فقام أربعة فسندوا إلي في الجبل فلما أسمعتهم الصوت ، قلت لهم : أتعرفوني ؟ ، قالوا : ومن أنت ؟ ، قلت : أنا ابن الأكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني ، فقال أحدهم : إني أظن ،(4/125)
فوالله ما برحت مقعدي ذاك حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون (21) الشجر فإذا أولهم الأخرم الأسدي وإذا على إثره (22) أبو قتادة ، وإذا على إثر (23) أبي قتادة المقداد بن الأسود الكندي ، وولوا (24) مدبرين ، فأعرض الأخرم الأسدي فآخذ بعنان (25) فرسه ، فقلت : يا أخرم أنذرهم فإن القوم قليل خبيث ، ولا آمنهم أن يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة ، قال : والتقى هو وعبد الرحمن ، فاختلفا ضربتين فقتله ، وعقر عبد الرحمن فرسه ، وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم ، ويلحقه أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختلفا طعنتين ، فقتله أبو قتادة وعقر بأبي قتادة فرسه ، وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم ، قال : وخرج المشركون لا يلوون (26) على شيء قال : فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم إني بطلب الخيل والركاب والرجال الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ما أرى غبارهم ، قال : فعرضوا الشعب (27) فيه ماء يقال له ذو قرد يريدون أن يشربوا منه وهم عطاش ، قال : فنظروا إلي أعدو (28) وراءهم ، قال : فحلأتهم ، فما ذاقوا منه قطرة وهم عطاش حتى سندوا في ثنية (29) ، يقال له نير ، قال : وألحق رجلا من آخرهم عند الثنية فأصطكه بسهم في نغص كتفه ، فقلت : خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال : واثكل (30) أمي أكوعيا بكرة (31) ؟ ، فقلت : نعم ، أي عدو نفسه ، قال : فأدرك فرسين على العقبة فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وجدته على الماء الذي حلأتهم (32) عنه ذو قرد ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائة من أصحابه قد نزلوا الماء ، وأخذوا الإبل والبرد وكل شيء خلفت ورائي وإذا بلال قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر (33) جزورا (34) من الإبل الذي عديت لهم ، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سنامها وكبدها ، قال : وجاء عمي عامر بسطيحة (35) فيها مذقة من لبن وسطيحة أخرى فيها ماء ، فتوضأت ثم صليت وشربت ، فقلت : يا رسول الله خلني فلأنتخب من القوم مائة رجل فآخذ على المشركين بالعشرة فلا يبقى منهم رجل ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه في ضوء النار ، فقال : » أكنت فاعلا يا سلمة ؟ « ، قلت : نعم والذي كرم وجهك ، فقال : » إنهم الآن ليقرون بأرض غطفان « ، قال : فما برحنا (36) حتى جاء رجل من غطفان فقال : نحر لهم فلان الغطفاني جزورا فلما كشط جلدها رأوا غبارا ، فقالوا : هذا غبار القوم فما خافوها وولى القوم ، فلما أصبحنا أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم (37) الفارس والراجل (38) جميعا ، قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة « ، قال : ثم أردفني (39) نبي الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى المدينة على ناقته العضباء (40) فلما كان بيننا وبين المدينة ضحوة ، وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا ، قال : هل من مسابق إلى المدينة ، ألا من مسابق فأعادها مرارا وأنا ساكت ، ثم قلت له : ما تكرم كريما ولا تهاب شريفا ، فقال : لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ذرني (41) بأبي أنت وأمي لأسابق الرجل ، قال : » إن شئت « ، فقلت : اذهب إليك فخرج يشتد وأطفر عن الناقة ، ثم أعدو فربطت عليه شرفا (42) أو شرفين ، فسألته ما ربطت ؟ ، فقال : استبقيت نفسي ثم إني عدوت عدوتي حتى ألحقه وأصك بين كتفيه ، فقلت : سبقتك والله ، قال : فنظر إلي فضحك ، وقال : إني أظن ، قال : حتى ورد المدينة فما لبثنا إلا ثلاث ليال ، حتى خرجنا إلى خيبر ، فجعل عمي عامر يرتجز (43) بالقوم ، وهو يسوق بهم ، وهو يقول : والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا إن الذين كفروا بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من هذا ؟ « ، فقلت : عمي عامر يا نبي الله ، فقال : » غفر لك ربك « ، فقال عمر وهو في أول القوم : يا نبي الله لوما متعتنا بعامر ، وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد ، فلما قدمنا خيبر خرج مرحب يخطر بسيفه يقول : قد علمت خيبر أني مرحب شاك (44) السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز عامر فقال : قد علمت خيبر أني عامر شاك السلاح بطل مغامر فاختلفا (45) ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس (46) عامر وذهب عامر يسفل (47) له ، فرجع سيفه على نفسه ، فكانت فيه نفسه ، قال : فما مررت على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهم يقولون : بطل عمل عامر ، قتل نفسه ، فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم أبكي ، فقلت : أبطل عمل عامر ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من قال(4/126)
ذلك ؟ « ، فقلت : نفر من أصحابك ، فقال : » كذب من قال ذلك ؟ بل له أجره مرتين « ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله « ، فدنا لها الناس ، قال : فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب فجئت به أقوده وهو أرمد فبزق (48) رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ (49) ، وأعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه ، ويقول : قد علمت خيبر أني مرحب شاك السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب ، فقال علي بن أبي طالب : أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع (50) كيل السندره (51) ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه
__________
(1) جنة : وقاية وحماية
(2) الدرقة : الترس إذا كان من جلد ليس فيه خشب ولا عصب
(3) الكسح : الكنس
(4) وَقَعْت بفُلان : إذا لُمْتَه ووقَعْت فيه، إذا عِبْتَهُ وَذَممْتَه
(5) البغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت
(6) الضغث : الحزمة
(7) مجفف : عليه مثل الدرع ليقيه أذى المعركة
(8) الفجور : اسم جامع لكل شر ، أي الميل إلى الفساد والانطلاق إلى المعاصي
(9) الثني : تكرار الأمر وإعادته مرتين
(10) سورة : الفتح آية رقم : 24
(11) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
(12) رقاه : عَوَّذه
(13) السرح : الماشية
(14) الرَّجز : بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه، يكون كلُّ مصراع منه مفردا، وتسمى قصائده أراجيز واحدها أُرجوزةٌ، فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشِّعرِ. ويُسَمَّى قائلُه راجزاً، كما يُسمى قائلُ بُحُورِ الشِّعرِ شاعراً
(15) عقر به : قتل مركوبه وجعله يمشي على رجليه
(16) صك : ضرب ولطم
(17) البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ
(18) أرديهم : أرميهم
(19) البرح : الشدة
(20) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح
(21) التخلل : التحرك والتنقل بين شيئين
(22) إثر الشيء وأثره : بعده وخلفه
(23) على إثر كذا : بعده
(24) وَلّى الشيءُ وتَولّى : إذا ذَهَب هاربا ومُدْبراً، وتَولّى عنه، إذا أعْرَض
(25) العِنان : هو اللجام الذي تقاد به الدابة
(26) يلوي : يميل ويعطف
(27) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(28) أعدو : أجري مسرعا
(29) الثَّنِيَّة : الثنية في الجَبل كالعَقَبة فيه، وقيل هُو الطَّرِيق العالي فيه، وقيل أعلى المَسِيل في رأسه
(30) وا ثكل : أسلوب ندبة يدل على الدعاء بالموت والفقد
(31) البكرة : من البكور وهو أول النهار
(32) حلأ : منع وطرد وصد
(33) النحر : الذبح
(34) الجَزُور : البَعِير ذكرا كان أو أنثى، إلا أنَّ اللَّفْظة مُؤنثة، تقول الجَزُورُ، وَإن أردْت ذكَرا، والجمْع جُزُرٌ وجَزَائر
(35) السطيحة : إناء من جلود سطح بعضها على بعض يحفظ الماء به
(36) برح المكان : زال عنه وغادره
(37) السهم : النصيب
(38) الراجل : السائر على قدميه
(39) أردفه : حمله خلفه
(40) العضباء : الناقة المشقوقة الأذن ، واسم ناقة النبي
(41) ذرني : اتركني
(42) الشرف : المكان المرتفع
(43) الرجز : إنشاد الشعر وهو بحر من بحوره عند العروضيين
(44) شاكي السلاح : تام السلاح ، وهي من الشوكة بمعنى القوة
(45) اختلف : تبادل
(46) الترس : الدرع الذي يحمي المقاتل ويتقي به ضربات العدو
(47) سفل له : ضربه من أسفله
(48) بزق : بصق
(49) بَرَأَ أو بَرِئ : شفي من المرض
(50) الصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين
(51) السّنْدرة : مكْيال واسعٌ
15. ... الموجز البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع
بقلم / أحمد بن عبد العزيز الحمدان
قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيْماً).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)).
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَه، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلاَنِ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِه. أَمَّا بَعْد:
فَإِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِه: أَنْ فَطَرَهُمْ عَلَى الاعْتِرَافِ بِالْفَضْلِ لأَهْلِ الفَضْل.
وَإِنَّ أَعْظَمَ مَنْ نَدِيْنُ لَهُ بِالفَضْلِ وَالْمِنَّةِ – بَعْدَ اللهِ تَعَالَى –: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَهُوَ سَيِّدُ الخَلْقِ الَّذِي أَخْرَجَنَا اللهُ بِهِ مِنْ الضَّلاَلَةِ إِلَى الهُدَى، وَبَصَّرَنَا بِهِ مِنْ العَمَى؛ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّه، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِه، فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاء، وَصَلَّى عَلَيْهِ صَلاَةً تَمْلأُ أَقْطَارَ الأَرْضَ وَالسَّمَاء، وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.(4/127)
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ شُكْرِ فَضْلِه، وَأَدَاءِ حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم: الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْه، فَهُمَا مِنْ أَجَلِّ القُرُبَات، وَأَفْضَلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَات، الْمُقَرِّبَةِ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ َالسَّمَاوَات.
لِذَا اسْتَخَرْتُ اللهَ تَعَالَى في وَضْعِ مُوجَزٍ يَكُونُ تَذْكِرَةً لِي وَلِمَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِي؛ فِيْهِ مَعْنَى الصَّلاَةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَضْلُهَا، وَالْمَوَاطِنُ وَالأَزْمِنَةُ الَّتِي تُشَرَعُ فِيْهَا، وَشَيْءٌ مِنْ فَوَائِدِهَا.
وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ بِالْقَبُولِ الْحَسَن. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَآلِهِ وَصَحْبِه.
* معنى الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُه:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).
بَيَّنَ تَعَالَى – في الآيَةِ - أَنَّهُ يُثْنِي عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَلاَئِكَتِهِ الْمُقَرَّبِيْن، وَمَلاَئِكَتُهُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُونَ لَه، فَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا أَنْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلِّمُوا تَسْلِيْماً، لأَنَّكُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ، لِمَا نَالَكُمْ بِبَرَكَةِ رِسَالَتِهِ مِنْ شَرَفِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة.
- وَقَدْ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْه:
فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:(( فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد)).
قَولُهُ(( اللَّهُمَّ)) أَيْ: يَا الله.
- وَقَولُهُ(( صَلِّ)) الصَّلاَةُ مِنْ اللهِ: ثَنَاؤُهُ سبحانه وتعالى عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم في الْمَلأ الأَعْلَى، وَرَفْعُهُ لِذِكْرِه.
- وَالصَّلاَةُ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ: سُؤَالُ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُعْلِي ذِكْرَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُثْنِي عَلَيْه.
- وَالصَّلاَةُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُصَلِّي: ثَنَاءٌ مِنْ الْمُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَسُؤَالُ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم في الْمَلأ الأَعْلَى.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، مُبَيِّناً مَعْنَى الصَّلاَة -: صَلاَةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلاَئِكَة، وَصَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ الدُّعَاء.
وَقَولُهُ(( مُحَمَّدٍ)) مَبْنِيٌّ عَلَى زِنَةِ(( مُفَعَّلٍ)) مِثْلِ: مُعَظَّمٍ وَمُبَجَّل، وَهُوَ بِنَاءٌ مَوضُوعٌ لِلْتَكْثِيْر.
لِذَا فَمُحَمَّدٌ: هُوَ الَّذِي كَثُرَ حَمْدُ الْحَامِدِيْنَ لَهُ وَاسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَدَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَقَولُهُ(( وَآلِ مُحَمَّدٍ)) هُمْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنّ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِب.
وَاخْتَارَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ(( آلَ مُحَمَّدٍ)) أَتْبَاعُهُ إِلَى يَومِ القِيَامَة؛ وَمِمَّنْ اخْتَارَه: جَابِرٌ رضي الله عنه وَالثَّورِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَالنَّوَويُّ، وَالأَزْهَرِيُّ – رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.
وَالصَّلاَةُ عَلَى آلِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَتَوَابِعُهَا، لأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَقَّرُّ بِهِ عَيْنُهُ صلى الله عليه وسلم، وَيَزِيْدُهُ اللهُ بِهَا شَرَفاً. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.
وَقَولُهُ(( آلِ إِبْرَاهِيْم)) مَعْلُومٌ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم هُوَ خَيْرُ آلِ إِبْرَاهِيْم.(4/128)
فَعِنْدَمَا يَسْأَلُ الْمُصَلِّي رَبَّهُ عز وجل أَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ كَمَا صَلَّى عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيْم، يَكُونُ قَدْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوَّلاً، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثَانِياً مَعَ آلِ إِبْرَاهِيْمَ لأَنَّهُ دَاخِلٌ مَعَهُم، فَتَكُونُ الصَّلاَةُ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ أَفْضَلَ لأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ سَائِرُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ ذُرِّيَةِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَم.
وَهَذَا سِرُّ كَونِ الصَّلاَةِ الإِبْرَاهِيْمِيَّةِ أَفْضَلَ صِيَغِ الصَّلَوَاتِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لِكَونِهَا تَضَمَّنَتْ فَضَلَ الصَّلاَةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَفَضْلَ الصَّلاَةِ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَذُرِّيَتِهِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، لِتَكُونَ كُلُّهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَولُهُ(( وَبَارِك)) طَلَبُ مِثْلِ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ لإِبْرَاهِيْمَ وَآلِهِ، لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَآلِه، وَأَنْ يَدُومَ هَذَا الْخَيْرُ وَيَتَضَاعَف.
وَالْحَمِيْدُ هُوَ الَّذِي لَهُ مِنْ صِفَاتِ وَأَسْبَابِ الْحَمْدِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُوداً في نَفْسِه.
وَالْمَجِيْدُ هَوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْعَظَمَةِ وَالْجَلاَل، وَالْحَمْدُ وَالْمَجْدُ إِلَيْهِمَا يَرْجِعُ الْكَمَالُ كُلُّه، فَنَاسَبَ أَنْ يُخْتَمَ بِهِمَا طَلَباً لِزِيَادَةِ الْكَمَالِ في حَمْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَمْجِيْدِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى.
* أفضل صيغ الصلاة على النبِي صلى الله عليه وسلم:
- أَفْضَلُ الصِّيَغِ مَا عَلَّمَنَاهُ صلى الله عليه وسلم:
فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:(( فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد)).
- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه: أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(( قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد)).
- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْه، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْه، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ:فَعَلِّمْنَا، قَالَ: قُولُوا:اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِين، وَإِمَامِ الْمُتَّقِين، وَخَاتَمِ النَّبِيِّين؛ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِك، إِمَامِ الْخَيْر، وَقَائِدِ الْخَيْر، وَرَسُولِ الرَّحْمَة. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُون. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.
- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ الْكُبْرَى، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ الْعُلْيَا، وَأَعْطِهِ سُؤْلَهُ فِي الآخِرَةِ وَالأُوْلَى كَمَا آتَيْتَ إِبْرَاهِيْمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم.
* المواطن والأزمان التي تشرع فيها الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
شَرَعَ اللهُ لَنَا الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُطلَقاً، وَشَرَعَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِك، وَأَكَّدَهُ في بَعْضِ الْمَوَاطِنِ وَالأَزْمَان؛ فَمِنْهَا:
- الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مُطْلَقاً:(4/129)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(( لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُم)).
وَعَنْ عَمَار بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
((إِنَّ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكاً أَعْطَاهُ أَسْمَاعَ الْخَلاَئِقِ كُلِّهَا، فَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِي إِذَا مِتُّ إِلَى يَومِ القِيَامَة، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يُصَلِّي عَلَيَّ صَلاَةً إِلاَّ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيْه، قَالَ: يَا مُحَمَّد! صَلَّى عَلَيْكَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيُصَلِّي الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْراً)) صلى الله عليه وسلم.
- كُلَّمَا ذُكِرَ صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(( مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيّ)) صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(( الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ)) صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ نَسِيَ الصَّلاَةَ عَلَيّ، خَطِيءَ طَرِيْقَ الْجَنَّة)) صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيّ)) صلى الله عليه وسلم.
- عِنْدَ كِتَابَةِ اسْمِهِ صلى الله عليه وسلم:
وَهُوَ كَسَابِقِه، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ رضي الله عنهم إِذَا كَتَبُوا اسْمَهُ صلى الله عليه وسلم في كُتُبِهِمْ أَثْبَتُوا الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَةً، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ، وَلَوْ كَثُرَت، وَلاَ يَرْمُزُونَ لَهَا بِالرُّمُوز.
وَلِشَيْخِنَا سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ العَزِيْزِ بْنِ بَازٍ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – رِسَالَةً في النَّهِي عَنْ كِتَابَةِ الرُّمُوز؛ مِثْل:(( ص)) و(( صلعم)) بَدَلاً مِنْ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ نَفَعَ اللهُ تَعَالَى بِهَا حَتَّى كَانَتْ سَبَباً في اخْتِفَاءِ الرُّمُوزِ مِنْ الصُّحُفِ وَالكُتُب، فَجَزَاهُ اللهُ خَيْراً.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَيْمُونِي: رَأَيْتُ الشَّيْخَ الْحَسَنَ بْنَ عُيَيْنَةَ - في الْمَنَامِ - بَعْدَ مَوتِه، وَكَأَنَّ عَلَى أَصَابِعِ يَدَيْهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ بِلَونِ الذَّهَب، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ: يَا أُسْتَاذ! أَرَى عَلَى أَصَابِعِكَ شَيْئاً مَلِيْحاً مَكْتُوباً، مَا هُو؟ قَالَ: يَا بُنَيّ! هَذَا لِكِتَابَتِي(( صلى الله عليه وسلم)) في حَدِيْثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
- إِذَا أَصْبَحَ الْمُسْلِمُ وَإِذَا أَمْسَى:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِيْنَ يُصْبِحُ عَشْراً، وَحِيْنَ يُمْسِي عَشْراً؛ أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي)).
- كُلَّمَا جَلَسَ الْمُسْلِمُ مَجْلِساً:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(( مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لاَ يَذْكُرُونَ اللهَ عز وجل وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَاب)).
وَعَنْهُ رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيه، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَة، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُم، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُم)) تِرَة: نَدَامَة.
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(( مَا اجْتَمَعَ قَومٌ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ عز وجل، وَصَلاَةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَامُوا عَنْ أَنْتَنِ مِنْ جِيْفَة)).
- في يَومِ الْجُمُعَة:
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلاَةِ في كُلِّ يَومِ جُمُعَة، فَإِنَّ صَلاَةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ في كُلِّ يَومِ جُمُعَة، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَنْزِلَة)).
- بَعْدَ سَمَاعِ الأَذَان:(4/130)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ؛ فَقُولُوا: مِثْلَ مَا يَقُول، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَة، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّة، لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّه، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُو، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَة؛ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة)).
- عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْه:
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِك)).
- فِي آخِرِ التَّشَهُّدٍ الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلاَم:
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَا أَرَى أَنَّ صَلاَةً لِي تَمَّتْ حَتَّى أُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ إِلاَّ بِقِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَصَلاَةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاه، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاَتِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:(( إِذَا أَنْتُمْ صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ؛ فَقُولُوا)) وَذَكَرَ الصَّلاَةَ الإِبْرَاهِيْمِيَّة.
- في كُلِّ خُطْبَة:
قَالَ اللهُ تَعَالَى [ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: رَفَعَ اللهُ ذِكْرَه، فَلاَ يُذْكَرُ إِلاَّ ذُكِرَ مَعَه.
وَكَانَتْ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الْخُطَبِ – في زَمَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم - أَمْراً مَشْهُوراً مَعْرُوفاً.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنَّا بِالْخَيْفِ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ رضي الله عنه، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْه، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا.
- في قُنُوتِ الوِتْر:
عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْر، قَالَ:(( قُلْ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْت. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّد)) صلى الله عليه وسلم.
وَلَمَّا جَمَعَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ عُمَرُ رضي الله عنه النَّاسَ في صَلاَةِ التَّرَاوِيْح، كَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ في قُنُوتِهِم، ثُمَّ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُونَ لِلْمُسْلِمِيْن، ثُمَّ يُكَبِّرُونَ وَيَسْجُدُون.
- إِذَا مَرَّ ذِكْرُهُ صلى الله عليه وسلم في صَلاَةِ نَافِلَة:
قَالَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: إِذَا مَرَّ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلْيَقِفْ، وَلْيُصَلِّ عَلَيْهِ في التَّطَوع.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: إِنْ كَانَ في نَفْلٍ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم.
- بَيْنَ التَّكْبِيْرَاتِ الزَّوَائِدِ في صَلاَةِ الْعِيْد:
خَرَجَ الوَلِيْدُ بْنُ عُقْبَةَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَحُذَيْفَةَ رضي الله عنهم، فَقَالَ: كَيْفَ التَّكْبِيْرُ في العِيْد؟ قَالَ عَبْدُ الله: تَبْدَأُ، فَتُكَبِّرُ تَكْبِيْرَةً تَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلاَة، وَتَحْمَدُ رَبَّك وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تَدْعُو وَتُكَبِّر. فَقَالاَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن.
- إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَة:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي صَلاَةِ الْجَنَازَةِ: أَنْ يَقْرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يُخْلِصُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّت.
- في حِلَقِ الذِّكْر:(4/131)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( إِنَّ للهِ سَيَّارَةً مِنْ الْمَلاَئِكَة، إِذَا مَرُّوا بِحِلَقِ الذِّكْرِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اقْعُدُوا! فَإِذَا دَعَا القَوْمُ أَمَّنُوا عَلَى دُعَائِهِم، فَإِذَا صَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا مَعَهُمْ حَتَّى يَفْرَغُوا، ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: طُوبَى لِهَؤُلاَءِ يَرْجِعُونَ مَغْفُوراً لَهُم)).
- حَالَ الدُّعَاء في قِيَامِ اللَّيْل:
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْك، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ:(( مَا شِئْت)) قُلْتُ: الرُّبُع؟ قَالَ:(( مَا شِئْت، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك)) قُلْتُ: النِّصْف؟ قَالَ:(( مَا شِئْت، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك)) قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْن؟ قَالَ:(( مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)) قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟ قَالَ:(( إِذًا تُكْفَى هَمَّك، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُك)). وَفي رِوَايَةٍ:(( إِذاً يَكْفِيْكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِك)).
قَوْلُهُ(( أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا)) أَيْ أَصْرِفُ جَمِيعَ زَمَنِ دُعَائِي لِنَفْسِي صَلاَةً عَلَيْك.(( تُكْفَى هَمَّك)) تُعْطَى مَرَامَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة.
- في أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَآخِرِهِ وَفِي أَثْنَائِه:
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِه، لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(( عَجِلَ هَذَا)) ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ:(( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيْدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْه، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاء)).
وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُصَلِّي، فَمَجَّدَ اللَّهَ وَحَمِدَه، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(( ادْعُ تُجَب، وَسَلْ تُعْط)).
وَعَنْ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: إِذَا سَأَلْت اللَّهَ حَاجَةً فَابْدَأْ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اُدْعُ بِمَا شِئْت، ثُمَّ اِخْتِمْ بِالصَّلاَةِ عَلَيْه، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِكَرَمِهِ يَقْبَلُ الصَّلاَتَيْن، وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا.
- عِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم:
كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَفَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَمَسُّ القَبْر.(4/132)
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ – رَحِمَهُ الله -: ثُمَّ يَأْتِي قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَسْتَقْبِلَ جِدَارَ القَبْر، وَلاَ يَمَسَّه، وَلاَ يُقَبِّلَه، وَيَقِفَ مُتَبَاعِداً كَمَا يَقِفُ لَوْ ظَهَرَ في حَيَاتِه، بِخُشُوعٍ وَسُكُون، مُنَكِّسَ الرَّأْس، غَاضَّ البَصَر، مُسْتَحْضِراً بِقَلْبِهِ جَلاَلَةَ مَوْقِفِه، ثُمَّ يَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ وَخِيْرَتِهِ مِنْ خَلْقِه، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِييّنَ وَقَائِدَ الغُرِّ الْمُحَجَّلِين، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالاَتِ رَبِّك، وَنَصَحتَ لأُمَّتِك، وَدَعَوْتَ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوعِظَةِ الْحَسَنَة، وَعَبَدتَ اللهَ حَتَّى أَتَاكَ اليَقِين، فَجَزَاكَ اللهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيَّاً وَرَسُولاً عَنْ أُمَّتِه. اللَّهُمَّ آتِهِ الوَسِيْلَةَ وَالفَضِيْلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدتَهُ يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُون. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْم، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيْد، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْم، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيْد، اللَّهُمَّ احشُرنَا فِي زُمْرَتِه، وَتَوَفَّنَا عَلَى سُنَّتِه، وَأَوْرِدنَا حَوضَه، وَاسْقِنَا بِكَأْسِهِ مَشْرَباً رَوِّياً لاَ نَظْمَأُ بَعدَهُ أَبَداً.
ثُمَّ يَأْتِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَيَقُول: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيق، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عُمَرَ الفَارُوق، السَّلاَمُ عَلَيْكُمَا يَا صَاحِبَي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَضَجِيْعَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، جَزَاكُمَا اللهُ عَنْ صُحبَةِ نَبِيِّكُمَا وَعَنْ الإِسْلاَمِ خَيْراً، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار.
- بَعْدَ التَّلْبِيَة:
لأَنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ تَوَابِعِ الدُّعَاء، قَالَ القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْرَّجُلِ – إِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ– أَنْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
- في الطَّوَاف:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ؛ قَالَ: اللَّهُمَّ إِيْمَاناً بِكَ، وَتَصْدِيْقاً بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
- عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَة:
قَالَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنِيْنَ عُمَرُ رضي الله عنه: يَبْدَأُ بِالصَّفَا، فَيَقُومَ عَلَيْهَا، وَيَسْتَقْبِلَ البَيْتِ فَيُكَبِّر سَبْعَ تَكْبِيْرَات، بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيْرَتَيْنِ حَمْدُ اللهِ عز وجل وَثَنَاءٌ عَلَيْه، وَصَلاَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْأَلَةٌ لِنَفْسِه، وَعَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلُ ذَلِك.
* فوائد الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لِلْصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَائِدُ عَظِيْمَةٌ؛ فَمِنْهَا، وَقَدْ مَرَّتْ بَعْضُ أَدِلَّتِهَا:
- امْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
- صَلاَةُ وَسَلاَمُ اللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ عَلَى الْمُصَلِّي:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( إِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيْلُ آنِفاً، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد! مِنْ صَلَّى عَلَيْكَ مَرَّةً كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَات، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِئَات، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَات، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ عَشْرَ مَرَّات)).
وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ يُرَى فِي وَجْهِه، فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى الْبِشْرَ فِي وَجْهِك، فَقَالَ:(( إِنَّهُ أَتَانِي مَلَكٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ - مِنْ أُمَّتِكَ - إِلاَّ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلاَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ إِلاَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا)).
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)).(4/133)
- أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَالإِيْمَانَ بِه، وَالإِيْمَانَ بِرَسُولِهِ وَرِسَالَتِه، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ الإِيْمَانَ كُلَّه، لِذَا كَانَتْ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَال.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِهِدَايَةِ الْمُصَلِّي وَحَيَاةِ قَلْبِه.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبْد.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
- أَنَّهَا سَبَبُ قُربِ العَبْدِ مِنْ رَبِّهِ يَومَ القِيَامَة.
- أَنَّهَا سَبَبُ قُربِ العَبْدِ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
- أَنَّهَا أَدَاءٌ لِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم.
- أَنَّهَا دَلِيْلُ إِيْثَارِ العَبْدِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِهِ حِيْنَ قَدَّمَ الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَلَبِ حَاجَاتِِه، فَيُكَافِئُهُ اللهُ تَعَالَى بِغُفْرَانِ ذُنُوبِه، وَكِفَايَتِهِ هُمُومَه، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل.
- أَنَّهَا سَبَبُ مَغْفِرَةِ الذُّنُوب.
- أَنَّهَا سَبَبُ كَفَايَةِ اللهِ عَبْدَهُ مَا أَهَمَّه.
- أَنَّهَا سَبَبُ إِجَابَةِ الدُّعَاء.
- أَنَّهَا سَبَبُ نَيْلِ شَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم.
- أَنَّهَا زَكَاةٌ وَطَهَارَةٌ لِلْمُصَلِّي.
- أَنَّهَا تَطْيِيّبٌ لِلْمَجَالِس.
- أَنَّهَا تَنْفِي عَنْ العَبْدِ صِفَةَ البُخْل.
- أَنَّهَا تَنْفِي عَنْ العَبْدِ صِفَةَ الْجَفَاء.
- أَنَّهَا سَبَبٌ في أَنْ لاَ تَكُونَ الْمَجَالِسُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً عَلَى أَصْحَابِهَا يَومَ القِيَامَة.
- أَنَّهَا تُنْجِي صَاحِبَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَجَالِسُهُ أَنْتَنَ مِنْ جِيْفَة.
- أَنَّهَا نَجَاةٌ لِصَاحِبِهَا مِنْ أَنْ تَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ دَعْوَةُ جِبْرِيْلَ عليه السلام وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في أَنْ يُذَلّ.
- أَنَّهَا نَجَاةٌ لِصَاحِبِهَا مِنْ أَنْ تَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ دَعْوَةُ جِبْرِيْلَ عليه السلام وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في أَنْ يُبْعِدَهُ الله.
- أَنَّهَا نَجَاةٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ طَرِيْقَ الْجَنَّة.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَبْلِيْغِ الْمَلاَئِكَةِ اسْمَ الْمُصَلِّي وَالْمُسَلِّمِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَيْلِ الْمُصَلِّي رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِرَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَيْه.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَشْرِ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَنْ العَبْدِ في الْمَلأ الأَعْلَى.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ في ذَاتِ الْمُصَلِّي، وَعَمَلِه، وَعُمُرِه، وَمَصَالِحِه.
- أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَثْبِيْتِ قَدَمِ العَبْدِ عَلَى الصِّرَاط وَالْجَوَازِ عَلَيْه. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(( رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ وَيَحْبُو أَحْيَاناً وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَاناً، فَجَاءَتْهُ صَلاَتُهُ عَلَيَّ فَأَقَامَتْهُ عَلَى قَدَمِيْه، وَأَنْقَذَتْه)).
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِين. آمِين.
16. ... دلائل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
دلائل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
بين السنة والبدعة
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
إن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.
* قال الله تعالى: ((قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين))[ التوبة:24].
قال القاضي عياض في شرح الآية: (فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها -صلى الله عليه وسلم-، إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وتوعدهم بقوله تعالى: ((فتربصوا حتى يأتي الله بأمره))، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله) (1).
* وقال الله تعالى: ((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم))[ الأحزاب: 6].
* وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".(2).
* وقال أيضاً: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده". (3).(4/134)
* وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".(4).
آثار محبته -صلى الله عليه وسلم-:
المحبة عمل قلبي اعتقادي تظهر آثاره ودلائله في سلوك الإنسان وأفعاله ومن علامات ذلك:
أولاً/ تعزير النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره:
قال الله تعالى: ((إنا أرسلناك شاهداْ ومبشراْ ونذيراْ لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاْ))[ الفتح:9].
ذكر ابن تيمية أن التعزير: (اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه). والتوقير: (اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار). (5).
وتوقير النبي -صلى الله عليه وسلم- له دلائل عديدة، منها:
1 - عدم رفع الصوت فوق صوته:
قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون))[ الحجرات: 2].
وعن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أنتما أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (6).
2 -الصلاة عليه:
قال الله تعالى: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماْ))[ الأحزاب: 57].
قال ابن عباس: يصلون: يُبرّكون (7).
وفي الآية أمر بالصلاة عليه، والأمر يقتضي الوجوب، لهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصل عليّ" (8).
وقال: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ " (9).
ثانياً/ الذ ب عنه وعن سنته:
إن الذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونصرته، آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال، قال الله تعالى: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاْ من الله ورضواناْ وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون))[ الحشر: 8].
ولقد سطر الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس، في المنشط والمكره، في العسر واليسر، وكتب السير عامرة بقصصهم وأخبارهم التي تدل على غاية المحبة والإيثار، وما أجمل ما قاله أنس بن النضر يوم أحد لما انكشف المسلمون: (اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه) (10).
ومن الذب عن سنته -صلى الله عليه وسلم-:
حفظها وتنقيحها، وحمايتها من انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاعنين في سنته، وبيان أكاذيبهم ودسائسهم، وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنضارة لمن حمل هذا اللواء بقوله: "نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مُبلّغ أوعى من سامع " (11).
والتهاون في الذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو الذب عن سنته وشريعته، من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان، أو زواله بالكلية، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته، فهو كاذب في دعواه.
ثالثاً/ تصديقه فيما أخبر:
من أصول الإيمان وركائزه الرئيسة، الإيمان بعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلامته من الكذب أو البهتان، وتصديقه في كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل، قال الله تعالى: ((والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى))[ النجم: 14].
والجفاء كل الجفاء، بل الكفر كل الكفر اتهامه وتكذيبه فيما أخبر، ولهذا ذم الله المشركين بقوله: ((وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين، أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين))[يونس: 37-39].(4/135)
ومن لطائف هذا الباب التي تدل على منزلة الشيخين الجليلة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها، فالتفت إليه الذئب، فقال له: من لها يوم السبع ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما". (12).
رابعاً اتباعه وطاعته والاهتداء بهديه:
الأصل في أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقواله أنها للاتباع والتأسي، قال الله تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراْ))[ الأحزاب: 21].
قال ابن كثير: (هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل) (13).
وجاء أمر الله سبحانه وتعالى في وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) [ الحشر: 7].
وجعل الله عز وجل طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من طاعته سبحانه، فقال: ((من يطع الرسول فقد أطاع الله))[ النساء: 80].
وأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول، فقال: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)) [ النساء: 59].
وتواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ". (14).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (15).
وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (16).
فطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي المثال الحي الصادق لمحبته عليه الصلاة والسلام فكلما ازداد الحب، زادت الطاعات، ولهذا قال الله عز وجل: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله))[ ال عمران: 31].
فالطاعة ثمرة المحبة، وفي هذا يقول أحد الشعراء:
تعصى الإله وأنت تزعم حبه *** ذاك لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن أحب مطيع
خامساً /التحاكم إلى سنته وشريعته:
إن التحاكم إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصل من أصول المحبة والاتباع، فلا إيمان لمن لم يحتكم إلى شريعته، ويسلم تسليماً، قال الله تعالى: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاْ مما قضيت ويسلموا تسليماْ))[النساء: 65].
وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من علامات الزيغ والنفاق الإعراض عن سنته، وترك التحاكم إليها، قال الله تعالى: ((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاْ بعيداْ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداْ)) [ النساء: 60،61].
الغلو في محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
انحرف بعض الناس عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدثوا في دين الله عز وجل ما ليس منه، وغيروا وبدلوا، وغلوا في محبتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- غلواً أخرجهم عن جادة الصراط المستقيم، الذي قال الله عز وجل فيه: ((وأن هذا صراطي مستقيماْ فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله))[ الأنعام: 153].
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على حماية جناب التوحيد، فكان يحذر تحذيراً شديداً من الغلو والانحراف في حقه، ودلائل ذلك كثيرة جداً منها:
* عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله" (17).
* وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد إلا أني أنهاكم عن ذلك يحذر ما صنعوا"(18).
* وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما شاء الله وشئت، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "جعلتني لله عدلاً، بل قل ما شاء الله وحده".(19).(4/136)
* وعن أنس أن رجلاً قال: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل". (20).
ونظائر هذه النصوص كثيرة جداً، وثمرتها كلها بيان أن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه لا تكون إلا بالهدي الذي ارتضاه وسنه لنا، ولهذا قال عليه أفضل الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ".(21).
حقيقة المولد النبوي:
ظهرت هذه الفكرة في عصر الدولة العبيدية الباطنية، إظهاراً منهم لدعوى محبة النبي-صلى الله عليه وسلم-، ثم انتشرت في كثير من دول العالم الإسلامي، إلى يومنا هذا فأصبح اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عيداً مشهوداً عند كثير من المبتدعة يجتمعون فيه لإنشاد المدائح النبوية والأوراد الصوفية، وإقامة الحفلات والرقصات، وقد يقترن بذلك بعض الشركيات من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستغاثة به، وقد يحدث الاختلاط بين الرجال والنساء والاستماع إلى الملاهي.
إن تحويل الإسلام إلى طقوس وثنية من الأهازيج الشعرية والطبول والمزامير والتمايل والرقص، وبالتالي الانحراف به عن صفائه ونقائه، هو من قبيل جعله إلى العبث والخرافة أقرب منه إلى الدين الحق.
وحينما تكون هذه العقلية الساذجة المنحرفة حاكمة للعالم الإسلامي يكون رد الفعل الرئيس لدخول خيول نابليون إلى الأزهر الشريف هو اجتماع الشيوخ للتبرك بقراءة حديث النبي-صلى الله عليه وسلم- من صحيح البخاري! وكلما ازدادت الدائرة على المسلمين ازدادت الدروشة، وتمايلت الرؤوس وبحت الأصوات بالأناشيد والأوراد والمدائح النبوية.
إن الاحتفال بالمولد النبوي أصبح عند بعض الناس من العامة والخاصة الآية الرئيسة لمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأذكر أنني كنت قبل سنوات في بلد إسلامي في أوائل شهر ربيع الأول، والناس منهمكون في التجهيز والإعداد لليوم الثاني عشر، تحدثت مع أحد كبار الأساتذة الجامعيين عن هذه البدعة، وبعد أن بح صوتي بذكر الأدلة والشواهد، قال لي: هذا صحيح، ولكن هذا سيدنا النبي!! عندها تذكرت قول غلاة الصوفية: (من أراد التحقيق فليترك العقل والشرع )! (22)، وصدق ابن تيمية حينما قال عن غلاتهم: (كلما كان الشيخ أحمق وأجهل، كان بالله أعرف، وعندهم أعظم).(23).
ومن المفارقات التي تدعو إلى التأمل، أن بعض الناس قد يعصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلاً ونهاراً، ويتهاون في تعظيم أوامره، فضلاً عن الالتزام بسنته، ومع ذلك فهو يحتفي بيوم المولد، ويوالي فيه ويعادي، وكأن غاية الحب عنده هو إحياء هذا اليوم بالمدائح والأوراد، وبعد ذلك ليفعل ما يشاء...؟! يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: (من تتبع التاريخ يعلم أن أشد المؤمنين حباً واتباعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- أقلهم غلواً فيه ولاسيما أصحابه رضي الله عنهم ومن يليهم من خير القرون، وأن أضعفهم إيماناً وأقلهم اتباعاً له هم أشد غلواً في القول وابتداعاً في العمل).
وليس عجيباً أن يحظى هذا اليوم باحتفاء رسمي من الحكومات العلمانية وتسخر له كافة الإمكانات الرسمية، وتجري تغطية فعالياته من جميع وسائل الإعلام، لأنها تعلم يقيناً أن غاية هؤلاء الدراويش لا تتجاوز الأوراد والمدائح حتى إن النذور والقرابين التي ترمى على القبور والأضرحة والمزارات أصبحت مصدر دخل رئيس لوزارات الأوقاف والسياحة، ولهذا كان حافظ إبراهيم يقول متهكماً:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم
وبألف ألف يرزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة
قامت على أحجارها الصلوات؟!(24)
إن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين، ثمرتها الاقتداء والبذل والعطاء والتضحية والجهاد في سبيل نصرة دينه وإعلاء لوائه وحماية سنته، ولا يوجد بين محبي الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكان للعجزة النائحين، وما أجمل قول أنس بن النضر رضي الله عنه لما مر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه«(25).
===========
هوامش:
(1)الشفا بتعريف أحوال المصطفى 2/18.
(2)أخرجه البخاري 1/58، ومسلم 1/67.
(3)أخرجه البخاري 1/58.
(4)أخرجه البخاري 11/523.
(5)الصارم المسلول على شاتم الرسول ص422.
(6)أخرجه البخاري 1/560.
(7)أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به 8/532.
(8)أخرجه أحمد 201، والترمذي 5/551.
(9)أخرجه أحمد 2/254، والبخاري في الأدب المفرد ص 220، والترمذي 5/550.
(10)أخرجه البخاري 6/21 و 7/354.
(11)أخرجه أحمد 1/437، والترمذي 5/34، وابن ماجة 1/85.
(12)أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: 6/152 و 7/18 و 42.
(13) تفسير القرآن العظيم 3/475.(4/137)
(14)أخرجه أحمد 4/126،127، وأبو داود 5/13-15، والترمذي 5/44، وابن ماجة 1/16.
(15)أخرجه البخاري 2/111 و 10/438.
(16)أخرجه مسلم 2/943.
(17)أخرجه البخاري في عدة مواضع منها 6/478.
(18)أخرجه البخاري 8/140، ومسلم 1/377.
(19)أخرجه أحمد 1/214 و 283 و 347.
(20)أخرجه أحمد 3/153 و 241.
(21)أخرجه مسلم 3/1344.
(22) مجموع الفتاوى 11/243.
(23) مجموع الفتاوى 2/174.
(24)الديوان، ج1، ص 318.
(25)أخرجه البخاري 6/21 و 7/355 ومسلم 3/1512.
* من تعليقاته على كتاب «صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان» للسهسواني.
مجلة البيان
17. ... والله لا أُكلّمك أبدًا
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
تحدثت في مقال سابق بعنوان:
عقول للبيع أو للتأجير... لعدم التّفرّغ!!
واليوم سوف أتحدّث عن نوعية أخرى من عقول بعض بني آدم
وذلك أن من الناس من يَزِن الأمور بعقله، سواء فيما للعقل فيه مجال للنظر أو ليس له فيه مجال.
في يوم من الأيام سُئلت عن حُكم إسبال الثياب للرجال، فبيّنت الحكم.
وذكرت أن الإسبال على نوعين:
إن كان مُجرّد إسبال فهو كبيرة من كبائر الذنوب، وقد تُوعّد المسبل بوعيد شديد كما في صحيح مسلم.
وإن كان للخيلاء فإنه بالإضافة إلى كونه كبيرة من كبائر الذنوب، فإن الله لا ينظر إلى صاحبه يوم القيامة.
وذكرت الأدلة، وكلام بعض أهل العلم في التفريق بينهما وفق قواعد أصول الفقه.
وهو هنا:
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=411
وكان السائل سأل لحاجة في نفسه! وظن أنني أوافقه فيما يذهب إليه!
فلما رآني خالفته تغيّر وجهه
ثم بلغني فيما بعد أنه قال لبعض جلسائه: إيش هذا؟! يُعذبني الله على خِرقة؟!
فهذا منطق أعوج!
وهذا قياس بالعقل السقيم وليس السليم!
يا هذا!
هل يُعذّب الله المشرك لأجل أنه طاف حول شجرة أو حول حجر؟!
هل يُعذّب الله من ذبح دجاجة لغير الله بقصد التقرّب؟!
وهل... وهل..؟
وعلى هذا قِس.
ما هكذا تُورد الإبل.
وما هكذا تُورد النصوص.
إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم يكونوا يغضبون ذلك الغضب الشديد إلا عندما تُعارَض السنة بأقوال الرجال أو بالآراء، وإن كانت تلك الأقوال من أقوال كبار الصحابة رضي الله عنهم.
وما ذلك إلا لتعظيمهم لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ولسنّته عليه الصلاة والسلام
فقد رأى عبد الله بن المغفل رجلاً من أصحابه يخذف، فقال له: لا تخذف، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو قال: ينهى عن الخذف، فإنه لا يُصطاد به الصيد، ولا يُنكأ به العدو، ولكنه يكسر السن، ويفقأ العين، ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو ينهى عن الخذف، ثم أراك تخذف، لا أكلمك كلمة كذا وكذا. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: أن قريبًا لعبد الله بن مغفل خذف، فنهاه، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأ عدوًا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين. قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم تخذف، لا أكلمك أبدًا.
نعم. لا يرضون بمعارضة قول سيّدهم وقدوتهم، بل ويشتدّون على المخالِف
فهذا عمران بن حصين كان في رهط وفيهم بشير بن كعب فحدّث عمران يومئذ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء خير كله". قال: أو قال: الحياء كله خير، فقال بشير بن كعب: إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارًا لله، ومنه ضعف! فغضب عمران حتى احمرّتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُعارض فيه. فأعاد عمران الحديث، فأعاد بشير، فغضب عمران قال أبو السوار العدوي: فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد، إنه لا بأس به. رواه البخاري ومسلم.
ولما قال عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها. قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن.
قال الراوي: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّاً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: فضرب في صدره، وقال: أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا!
وبلغوا من الامتثال أجمله وأحسنه وأكمله
روى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟
قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟
قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله.
وروي أن عمر رضي الله عنه جَلَدَ رجلين سبّحا بعد العصر. أي صليا.
ورأى سعيد بن المسيب رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يُكثر فيها الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟!(4/138)
قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة. رواه البيهقي في الكبرى.
وبلغ من شدّة تمسُّك سلف الأمة بسُنّةِ نبيِّها مبلغاً استفاضت معه أقوالُهم.
واتّفقت كلمة العلماء أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة على ردِّ قولِهم إذا خالف الحديث.
قال الإمام أبو حنيفة: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي.
وقال أيضًا: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه.
وقال أيضًا: إذا قلت قولاً يُخالف كتاب الله تعالى وخبرِ الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي.
وقال الإمام مالك: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.
وقال أيضًا: ليس أحدٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الإمام الشافعي فقال: أجمع المسلمون على أن من استبان له سُنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحِلّ له أن يدعها لقول أحد.
وقال أيضًا: إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت.
وقال الإمام أحمد: من ردّ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلَكَة.
وقال أيضًا: لا تقلد في دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ فخُذ به.
قال الحميدي: روى الشافعي يوماً حديثاً، فقلت: أتأخذ به؟
فقال: رأيتني خرجت من كنيسة، أو عليَّ زُنّار حتى إذا سمعتُ عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أقول به؟!
وهذا كله يدلّ على تعظيمهم لأقوال نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، ويدلّ على تأدّبهم مع إمامهم عليه الصلاة والسلام، وعلى شدّة محبته صلى الله عليه وسلم.
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تنبت إلا على ساق المتابعة والاقتداء
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى:
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. ولهذا قال: (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)
أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِبّ إنما الشأن أن تُحَبّ. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) ا هـ.
وقال الإمام الطحاوي:
ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام.
قال ابن أبي العز: أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقاد إليها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه. روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. وهذا كلام جامع نافع. ا هـ.
فمن أحبّ سيد ولد آدم فليُعظّم أقواله وسُننه أكثر من تعظيمه لقول مَن سواه من البشر.
أما دعوى محبته مع مُخالفته أو مع تقديم قول غيره على قوله فهذه دعاوى و" لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " كما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام.
وليدع: ( ما اقتنعت – ما يُعقل – ما يدخل مزاجي! ) ليدع هذه الكلمات وأمثالها عند الكوكب، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن استلام الحجر، فقال ابن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله. فقال: أرأيت إن زُحمت؟ أرأيت إن غُلبت؟
فقال ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله. رواه البخاري.
وقال لمن سأله عن قيام الليل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة. فقال السائل: أرأيت إن غلبتني عيني؟ أرأيت إن نمت؟ قال: اجعل أرأيت عند ذلك النجم. رواه ابن ماجه.
هكذا فلتُعظّم السنة، وليُربّى عليها الأولاد والأتباع
18. ... حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم
د : أبو صهيب الرهواني
على إثر الاعتداء على رسولنا العظيم ثارت مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تعبر عن سخطها ورفضها لهذا السلوك العدواني الظالم وهي ثورة ناتجة في أساسها عن حب المسلمين لنبيهم الكريم وهو شيء محمود إلا أن هذا الحب عند تمحيصه والتأمل في حقيقته يتبين أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب وهو ما سنحاول بيانه من خلال هذه الصفحات التالية :
أولاً: وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم :(4/139)
لكن دعونا في البداية نبين أن محبة النبي ليست كسائر أنواع المحبة لأي شخص, نعم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم عبادة عظيمة نعبد بها الله عز و جل وقربة نتقرب بها من خلالها إليه و أصل عظيم من أصول الدين ودعامة أساسية من دعائم الإيمان كما قال تعالى {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}،وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين". [البخاري]
وفي الصحيح أيضاً أن عمر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه، واللّه لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى اللّه عليه وسلم: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال: يا رسول اللّه واللّه لأنت أحب إليَّ من كل شيء حتى من نفسي، فقال صلى اللّه عليه وسلم: "الآن يا عمر".
إذن فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أمرا ثانويا أو أمرا مخير فيه إن شاء المرء أحبه وإن شاء لم يحبه بل هي واجب على كل مسلم وهي من صميم الإيمان ولابد لهذا الحب أن يكون أقوى من أي حب ولو كان حب المرء لنفسه.
ثانيا: بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
1- موافقة مراد الله تعالى في محبته:
لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحب الخلق إلى الله تعالى فقد اتخذه خليلا وأثنى عليه ما لم يثن على غيره كان لزاما على كل مسلم أن يحب ما يحب الله وذلك من تمام محبته سبحانه
2- مقتضى الإيمان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا أن من مقتضى الإيمان حب النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين". [البخاري]
3- مميزات النبي صلى الله عليه وسلم:
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أ شرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس وأعظم الناس في كل شيء وهذه كلها دواعي لأن يكون صلى الله عليه وسلم أحب الناس .
4- شدة محبته لأمته وشفقته عليها ورحمته بها:
كما وصفه ربه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}؛ ولذلك أرجأ استجابة دعوته شفاعة لأمته غدا يوم القيامة
5- بذل جهده الكبير في دعوة أمته:
وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
ثالثا: دلائل محبته صلى الله عليه وسلم ومظاهر تعظيمه:
1- تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على كل أحد:
قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}, وقال سبحانه {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} فعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقدم عليه أي شيء مهما كان شأنه.
2- سلوك الأدب معه صلى الله عليه وسلم:
ويتحقق بالأمور التالية:
* الثناء عليه والصلاة والسلام عليه لقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
* التأدب عند ذكره بأن لا يذكره مجرد الاسم, بل مقرونًا بالنبوة أو الرسالة كما قال تعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} قال سعيد بن جبير ومجاهد: المعنى: قولوا: يا رسول الله، في رفق ولين، ولا تقولوا: يا محمد.. بتجهم. وقال قتادة: أمرهم أن يشرّفوه ويفخموه.
* الأدب في مسجده وكذا عند قبره وترك اللغط ورفع الصوت.
* توقير حديثه والتأدب عند سماعه وعند دراسته كما كن يفعل سلف الأمة وعلماءها في إجلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان مالك إذا أراد أن يجلس (أي للتحديث) توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، وتطيّب، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقال: أوقّر به حديث رسول الله.
و كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول "أقعدوني فإني أعظم أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع".
3: تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به:
وهذا من أصول الإيمان وركائزه ومن الشواهد في هذا الباب ما ناله أبو بكر من لقب الصديق فعن عروة، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: لما أسري بالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتدّ ناس. فمن كان آمنوا به وصدقوه وسمعوا بذلك إلى أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-، فقالوا: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أوَقال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق.
قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح.
قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
4 : اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته والاهتداء بهديه:(4/140)
فطاعة الرسول هي المثال الحي والصادق لمحبته ولهذا قال تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}.
والاقتداء به صلى الله عليه وسلم من أكبر العلامات على حبه؛ قال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.
فالمؤمن الذي يحب النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقلده في كل شيء في العبادة وفي الأخلاق وفي السلوك وفي المعاملات وفي الآداب كما كان شأن الصحابة الكرام فعن نافع قال لو نظرت إلى ابن عمر في اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت هذا مجنون ومما يروى عنه في هذا الباب.
5. الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم:
إن الدفاع عن رسول الله ونصرته علامة من علامات المحبة والإجلال .
وقد سطر الصحابة أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الدفاع رسول الله وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس في المنشط والمكره .كما قال تعالى " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون"
والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أنواع نذكر منها :
1- نصرة دعوته ورسالته بكل ما يملك المرء من مال ونفس ....
2- الدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم :بحفظها وتنقيحها وحمايتها ورد الشبهات عنها .
3- نشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بذلك في أحاديث كثيرة كقوله "فليبلغ الشاهد الغائب " وقوله "بلغوا عني ولو آية"
رابعًا: حال الصحابة في محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم:
لقد أحب الصحابة الكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا ليس له نظير وصل إلى درجة أن افتدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم وآباءهم:
نماذج مختلفة:
* من الشباب : علي ابن أبي طالب ونومه في فراش النبي صلى الله عليه وسلم
ليلة أن أراد المشركون قتله
وسئل علي بن أبي طالب كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : كان والله أحب إلينا من أموالنا واولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ
* من الرجال : قصة قتل زيد بن الدثنة ،. قال ابن إسحاق : اجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : (4/ 126) والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي . قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا
* أخرج الطبراني وحسنه عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم...} الآية".
* من النساء: أخرج ابن إسحاق: عن سعد بن أبي وقاص قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: أرونيه حتى أنظر إليه.
قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.
خامسا :جزاء محبة النبي
روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ أَعْرَابِيَّا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَتَىَ السَّاعَةُ ؟
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "قَالَ: حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قال أنس فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء ما فرحوا به. فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ول نستطيع أن نعمل كعمله فإذا كنا معه فحسبنا.
19. ... منهج أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم(4/141)
لربنا تبارك وتعالى أرفع القدر وأعظم الشأن؛ فله العظمة الكاملة التي تتجلى في ذاته وصفاته وأفعاله، في خلقه وأمره، في الآفاق والأنفس، أنَّى نظرت في خلقه رأيت ما يبهر العقول ويزيد الإيمان، ومهما تلوت من آي كتابه العظيم وقفت على دلائل عظمته، وأدلة قَدْره سبحانه. خضعت لعظمة ربي عز وجل المخلوقات، وذلت لجبروته الأرض والسماوات، واشتد نكيره تعالى على من أخل بتعظيمه، فقال سبحانه:{ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتهُ يَوْمَ القِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. فحقٌ على من عرف قدر الله وأراد تعظيمه أن يعظم ما عظمه - تعالى - قياماً بحقه من التوحيد والعبادة، وقياماً بحق كتابه وحق رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وغير خاف على مسلم صادق في إسلامه تلك المنزلة الرفيعة التي حباها ربنا تعالى لصفوة خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإلى شيء من جوانب تلك العظمة، وهدي السابقين والتابعين لهم بإحسان في تعظيمه -صلى الله عليه وسلم-... ذلك الحديث الذي تنشرح له صدور المؤمنين الصادقين، وتتطلع إليه نفوسهم، ويتمنون أن لو اكتحلت أعينهم برؤية حبيبهم صلى الله عليه وسلم؛ وتشنفت آذانهم بسماع صوته.
المراد بالتعظيم:
قال الله تعالى: {إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً} [الفتح:8،9]. فذكر تعالى: حقاً مشتركاً بينه وبين رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الإيمان، وحقاً خاصاً به تعالى وهو التسبيح، وحقاً خاصاً بنبيه صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير.
وحاصل ما قيل في معناهما أن: التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار. وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلاقه، فإن معناه في اللغة: التبجيل، يقال: لفلان عظمة عند الناس: أي حرمة يعظم لها، ولفظ التعظيم وإن لم يرد في النصوص الشرعية، إلا أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى المراد من التعزير والتوقير. والتعظيم أعلى منزلة من المحبة، لأن المحبوب لا يلزم أن يكون معظماً، كالولد يحبه والده محبة تدعوه إلى تكريمه دون تعظيمه، بخلاف محبة الولد لأبيه، فإنها تدعوه إلى تعظيمه. والرجل يعظم لما يتمتع به من الصفات العلية، ولما يحصل من الخير بسببه، أما المحبة فلا تحصل إلا بوصول خير من المحبوب إلى من يحبه.
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرة وخُلقاً:
لقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من الخصائص القوية والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعياً لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه.
وقد كان لأهل السنة والجماعة قدم صدق في العناية بجمع خصائصه، وإبراز فضائله والإشادة بمحاسنه، فلم يخل كتاب من كتب السنة كالصحاح والسنن وغيرها من كتب مخصصة لم يخل من ذكر مآثره، كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته.(4/142)
وقد اختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم اسم (محمد) المشتمل على الحمد والثناء؛ فهو صلى الله عليه وسلم محمود عند الله تعالى، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه المرسلين عليهم الصلاة والسلام ومحمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم؛ لأن صفاته محمودة عند كل ذي عقل وإن كابر وجحد؛ فصدق عليه وصفه نفسه حين قال: « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه ». وقد أغاث الله تعالى به البشرية المتخبطة في ظلمات الشرك والجهل والخرافة، فكشف به الظلمة، وأذهب الغمة، وأصلح الأمة، وصار هو الإمام المطلق في الهدى لأول بني آدم وآخرهم، فهدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به أعينا عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وكثَّر به بعد القلة، وأعزَّ به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة. عرّف الناسَ ربَّهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف، لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده، بل كفاهم، وشفاهم، وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب:{أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51]، وعرفهم الطريق الموصلة إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدع صلى الله عليه وسلم حسناً إلا أمر به، ولا قبيحاً إلا نهى عنه. وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع باباً من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلاً إلا بينه وشرحه، حتى هدى به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يُحب؟ جزاه الله عن أمته أفضل الجزاء.
وقد وصف النبيَّ صلى الله عليه وسلم عدد من أزواجه وأصحابه كخديجة وعائشة، وأنس، وابن عباس، وعلي، وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، ولما كان المقصود الإشارة إلى ذلك دون الاستقصاء آثرت نقل كلام ابن القيم الجامع لأوصافه، تحاشياَ للإطالة وكثرة التخاريج.
قال ابن القيم: (ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق الخلق، وأكرم شمائل الخلق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثاً، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: (محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخَّاب بالأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، وأفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً).
وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبداً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه، وأشد الخلق ذبَّاً عن أصحابه، وحماية لهم، ودفاعاً عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، فهو أحق بقول القائل: بَرْدٌ على الأدنى ومرحمةٌ وعلى الأعادي مارنٌ جَلْدُ بواعث تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم: يدعو المسلم إلى ذلك أمور عدة، منها:
1- تعظيم العظيم سبحانه وتعالى، لأنه عظم نبيه صلى الله عليه وسلم؛ حيث أقسم بحياته في قوله:{لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر: 72]. كما أثنى عليه فقال:{وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقال:{ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، فلا يُذكر بشر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي صلى الله عليه وسلم ويثنى عليه.(4/143)
2- أن من شرط إيمان العبد أن يعظم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الغرض من بعثته صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:{إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً} [الفتح: 8، 9]، قال ابن القيم: (وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعاً لمحبة الله وتعظيمه، كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لمحبة الله له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له؛ فهي محبة لله من موجبات محبة الله، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم). بل الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(إن قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله).
3- ما ميزه الله تعالى به - مما سبق ذكره - من شرف النسب، وكرم الحسب، وصفاء النشأة، وأكمل الصفات والأخلاق والأفعال.
4- ما تحمله صلى الله عليه وسلم من مشاق نشر الدعوة، وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة. مع الصحابة في تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم له في حياته: نال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين شرف لقاء النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لهم النصيب الأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم، ولم، ولن يدركهم من بعدهم، ثم شاركوا الأمة في تعظيمه بعد موته صلى الله عليه وسلم. كان شأنهم في توقيره أوضح وأظهر من أن يستدل عليه، وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة ابن مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فلما رجع إلى قريش قال:(أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن تنخمَّ نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون النظر إليه تعظيمًا له).!
وقد وُصف الصحابة حال جلوسهم واستماعهم للنبي صلى الله عليه وسلم بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة، منها قول أبي سعيد الخدري: وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير. وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه:(وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه).
ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة رضي الله عنها في المدينة، ودخل عليها بيتها، ذهب ليجلس على فراش رسول الله؛ فطوته، فقال: يا بنية! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به عني؟ فقالت:(هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه). ومن شدة حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه قول أنس بن مالك:(إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير).
ولما نزل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]، قال ابن الزبير:(فما كان عمر يُسمِع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه)، وكان ثابت بن قيس جهوري الصوت يرفع صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فجلس في بيته منكساً رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك، حتى بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وللمحدثين نصيب:(4/144)
للمحدثين رحمهم الله ورضي عنهم منهج رصين ورصيد ثري وإسهام قوي في إجلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقير مجلس الحديث، والتحفز لاستباق العمل به، تعظيماً له وهذه بعض الشواهد: حدث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فكان مما قال: وما سمعته قط يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، فنظرت إليه وقد حل إزاره وانتفخت أوداجه، واغرورقت عيناه، فقال:(أو نحو ذلك أو دون، أو قريباً من ذلك، أو شبه ذلك). وجعفر بن محمد، ومالك بن أنس، والأعمش، بل قد صار ذلك مستحباً عندهم، وكرهوا خلافه. قال ضرار بن مرة:(كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على غير وضوء). قال إسحاق: فرأيت الأعمش إذا أراد أن يتحدث وهو على غير وضوء تيمم. وكان مالك يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويأخذ زينته للتحديث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن أبي الزناد: كان سعيد بن المسيب - وهو مريض - يقول:(أقعدوني؛ فإني أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع). ومرّ مالك بن أنس على أبي خازم وهو يحدث فجازه، وقال:(إني لم أجد موضعاً أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا قائم). وكان محمد بن سيرين يتحدث فيضحك، فإذا جاء الحديث خشع. وقال سعيد بن عامر:(كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا فقال له هشام الدستوائي: تضحك وأنت تطلب الحديث؟!)..
كيف نعظم النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن الأمر بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه يعني أن ذلك عبادة لله عز وجل وقربة إليه سبحانه والعبادة التي أرادها الله تعالى ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه، وكان على الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. فأما الإخلاص في الأعمال وابتغاء وجه الله فيها فهو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن معناها لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى. وأما متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فهي مقتضى الشهادة بأن محمداً رسول الله، ولازم من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً:(طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع).
وهذا كمال التعظيم، وغاية التوقير. وأي تعظيم أو توقير للنبي صلى الله عليه وسلم لدى من شك في خبره، أو استنكف عن طاعته، أو ارتكب مخالفته، أو ابتدع في دينه وعبد الله من غير طريقه؟! ولذا اشتد نكير الله تعالى على من سلكوا في العبادة سبيلاً لم يشرعها، فقال:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاًذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]. وقال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، أي مردود عليه.
ثم العبادة محلها القلب واللسان والجوارح:
ويتحقق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب بتقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ إذ لا يتم الإيمان إلا بذلك، ثم إنه لا توقير ولا تعظيم بلا محبة. وإنما يزرع هذه المحبة معرفته لقدره ومحاسنه صلى الله عليه وسلم. وإذا استقرت تلك المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهر للتعظيم ودلائل عليه، ومن صور ذلك التعظيم: الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بما هو أهله، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه عز وجل به، وما أثنى هو على نفسه به، وأفضل ذلك: الصلاة والسلام عليه؛ لأمر الله عز وجل وتوكيده:{إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]، وهذا إخبار من الله تعالى: (بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا)، وصلاة المؤمنين عليه هي الدعاء طلباً للمزيد من الثناء عليه. والصلاة عليه مشروعة في عبادات كثيرة كالتشهد والخطبة وصلاة الجنازة وبعد الأذان وعند الدعاء وغيرها من المواطن. وأفضل صيغها: ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا: أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».(4/145)
وغير خاف عليك ما في الصلاة عليه من الفوائد والثمرات من كونها سبباً لحصول الحسنات، ومحو السيئات، وإجابة الدعوات، وحصول الشفاعة، وصلاة الله على العبد، ودوام محبة النبي صلى الله عليه وسلم وزيادتها، والنجاة من البخل. ومن تعظيمه: التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم بأن لا يذكر باسمه مجرداً، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة، وهذا كما كان أدباً للصحابة رضي الله عنهم في ندائه فهو أدب لهم ولغيرهم عند ذكره، فلا يقل: محمد، ولكن: نبي الله، أو الرسول، ونحو ذلك.
وهذه خصيصة له في خطاب الله في كتابه الكريم دون إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم يخاطبه تعالى قط باسمه مجرداً، وحين قال:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ}[الأحزاب: 40] قال بعدها:{ولَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}. يجيء التوجيه إلى هذا الأدب في قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً}[النور: 63].
ومنه: الإكثار من ذكره، والتشوق لرؤيته، وتعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته، وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته، والتمدح بذلك شعراً ونثراً.
وأسعد الناس حظاً بذلك: المحدثون والمشتغلون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. والشرط في ذلك: كونه في حدود المشروع، وسطاً بين الجفاء وبين الغلو والإطراء. استشعار هيبته صلى الله عليه وسلم ولجلالة قدره وعظيم شأنه، واستحضاره لمحاسنه ومكانته ومنزلته، والمعاني الجالبة لحبه وإجلاله وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكراً لحقه من التوقير والتعزير، ومعترفاً به ومذعناً له، فالقلب ملك الأعضاء، وهي جند له وتبع، فمتى ما كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم مستقراً في القلب مسطوراً فيه على تعاقب الأحوال فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح حتماً لا محالة.
وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره، ومؤدية لماله من الحق والتكريم. وبرهان التعظيم الصادق هو تعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة المتضمنة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف الأمة، وذلك باتباعها والتزامها قلباً وقالباً، وتحكيمها في كل مناحي الحياة وشؤونها الخاصة والعامة؛ ومحال أن يتم الإيمان بدون ذلك:{ويَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالرَّسُولِ وأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ ومَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47]..
فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي والتوقير الصادق؛ إذ العبرة بالحقائق لا بالمظاهر والأشكال الجوفاء، ولذا قدم الله عز وجل هذا الأدب العظيم على سائر الآداب الواجبة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنهى عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره أو قول دون قوله، بل يكونون تبعاً لأمره منقادين له مجتنبين نهيه، فقال في أول سورة الحجرات:{يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1]. ومن التقدم بين يديه: تقديم القوانين والتشريعات البشرية على شريعته، أو تفضيل حكم غيره على حكمه أو مساواته به، أو التزام منهج مخالف لهديه وسنته:{فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].
وأسعد الناس حظاً بسنته وأقربهم إلى الشرب من حوضه: أهل السنة والجماعة، فهم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه. ومن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم توقيره في آله، ومنهم أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ورعاية وصيته بهم بمعرفة فضلهم ومنزلتهم وشرفهم بقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم زيادة على إيمانهم، وبحفظ حقوقهم والقيام بها، فهم أشرف آل على وجه الأرض، وأزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات، قال الله تعالى:{إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33]، وقد أوجب الله الصلاة عليهم تبعاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة.
ومنه: توقيره في سائر صحبه رضي الله عنهم جميعاً فإنهم خيرة الناس بعد الأنبياء، وخيرة الله لصحبة نبيه، وهم حماة المصطفى صلى الله عليه وسلم والأمناء على دينه وسنته وأمته، وذلك بمعرفة فضلهم، ورعاية حقوقهم، فإن الطعن فيهم أو تنقُّصهم عنوان الزندقة. ومنه: الأدب في مسجده، وكذا عند قبره، وترك اللغط ورفع الصوت، ولذا أنكر عمر رضي الله عنه على من رفع صوته فيه. فقال للرجلين:(ترفعان أصواتكما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟! لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً).(4/146)
ومن تعظيمه: حفظ حرمة بلده المدينة النبوية؛ فإنها مهاجره، ودار نصرته، وبلد أنصاره، ومحل إقامة دينه، ومدفنه، وفيها مسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام. والمقصود من تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها، وهذا أمر واجب في حق من سكن بها أو دخل فيها، مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق المجاورة وحسن التأدب فيها، وذلك لما لها من المنزلة والمكانة عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم فيتأكد فيها العمل الصالح وتعظم فيها السيئة؛ لشرف المكان.
صور من البخس:
بعد هذه الجولة الماتعة مع حق عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يسوغ أبداً لمنتسب إلى السنة أن يجفو في حق نبيه صلى الله عليه وسلم فيخل بما يجب له من الإجلال والتوقير والتعظيم. ومن صور الإخلال: التقصير في معرفته أو معرفة سيرته وهديه أو فهم سنته أو الإخلال في تطبيقها غلواً أو جفاء. ومنها: إساءة العمل والتقصير في الصالحات، وخاصة ممن ينتسب لآل بيته الكرام. ومن العجيب مع تأكد هذا الحق العظيم أن يقع التعرض بسوء للمؤمنين الصادقين من آل البيت! وأعجب منه سب صحابته والنيل من أزواجه الطاهرات! وأكبر منها الإساءة إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم، والجرأة على نقده ولمز شريعته في ديار المسلمين!! ثم أين هو من دين النبي صلى الله عليه وسلم من يستبدل شريعته بقوانين البشر، أو يهزأ من هديه، أو يتعالى على سنته؟!
وبعد: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هل عظَّم نبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم من حلف به مع أنه صلى الله عليه وسلم يقول:«من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت»، ويقول:«من حلف بغير الله فقد أشرك»؟! وهل عظَّمه من توسل بذاته مع أن الصحابة توسلوا بدعائه لا بذاته، كما في حديث عمر حين طلب من العباس الدعاء والاستسقاء والنبي صلى الله عليه وسلم عندهم في قبره؟! وهل عظَّمه من توجه إليه طالباً منه الشفاعة مع أن الله عز وجل بين للأمة أن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه تعالى ورضاه، وأمر من أراد الشفاعة بطلبها بطاعته؟! وهل عظمه من استغاث به مع أنه بشر لا يملك من أمره شيئا؟! أليس هذا تنكراً لمحبته وتعدياً لشرعه وعصياناً لأمره؟ حيث قال:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله»؟!
وهل من تعظيمه الابتداع في دينه، والزيادة في شريعته من التمسح بحجرته أو الاحتفال بمولده بعد اتفاقنا على نصحه لأمته ودلالتها على كل حسن؟! فأي حسن في عمل احتفالات ساعات أو أيام ثم التقصير والإهمال في سائر العام؟! وأي حسن في الاحتفال بزمن توفي فيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟! وأي حسن في مشابهة دين النصارى المفتونين بالاحتفالات؟! وأي حسن في التعدي على فقه الفاروق حين أرَّخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه، ولم يؤرخ بمولده ووفاته، تقديماً للحقائق والمعاني على الطقوس والأشكال؟! وأي حسن في تجديد دين الدولة العبيدية الباطنية الحاقدة التي ابتدعت ذلك الاحتفال؟! وأي حسن في عمل لم يشرعه الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أنصاره وحماة دينه وحملة رسالته رضي الله عنهم؟ أليسوا أصدق الناس حباً له؟! أليس فقه الراشدين وفهمهم وسنتهم مما أوصاكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم قائلا: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ؟! أليس فعل المولد مخالفة لأمره: وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة؟!
فأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الموالد التي صارت ركباً للمدعين، وحجة للبطالين؟! ألا ترون المولد بعد هذا تقصيراً في حق حبيبنا صلى الله عليه وسلم وظلماً له؟! اللهم اجعلنا من المعظمين رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حق التعظيم المتبعين شرعه، السائرين على دربه، المهتدين بهديه، اللهم أحينا على سنته، ولا تحرمنا من مرافقته في الجنة.. آمين.
20. ... حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين
الشيخ/ صلاح الدين علي بن عبد الموجود
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن من أعظم الحقوق على المسلمين كافة وأهل العلم خاصة بيان فضل نبيهم صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره عند الله تبارك وتعالى وعند أصحابه الذين اتبعوه وعاشوا معه ورأوه، وكيف ترجم هذا الجيل هذه المحبة إلى واقع وسلوك!! فما أحوج المسلمون اليوم أن يعرفوا حق نبيهم صلى الله عليه وسلم عليهم حتى يحبوه كما أحبه ذلك الجيل ويتبعوه كما اتبعه ذلك الجيل.(4/147)
وإن شئت أن ترى بعض المكانة عند الصحابة رضي الله عنهم فتأمل هذا الوصف الذي رآه عروة ابن مسعود الثقفي سيد من سادات قريش، وهم من أشد خلق الله عداوة له حينما جاء يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية (ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ) [رواه البخاري].
ولا خفاء على من مارس شيئاً من العلم، أو خص بأدنى لمحة من فهم، بتعظيم الله تعالى قدر نبينا صلى الله عليه وسلم، و خصوصه إياه بفضائل و محاسن و مناقب لا تنضبط لزمام، و تنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة و الأقلام.
فمنها ما صرح به الله تعالى في كتابه، و نبه به على جليل نصابه، و أثنى عليه من أخلاقه و آدابه، و حض العباد على التزامه، و تقلد إيجابه، فكان جل جلاله هو الذي تفضل و أولى، ثم طهر و زكى، ثم مدح بذلك و أثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى، فله الفضل بدءاً و عودا ً، و الحمد أولى و أخرى.
ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال و الجلال، و تخصيصه بالمحاسن الجميلة و الأخلاق الحميدة، و المذاهب الكريمة، و الفضائل العديدة، و تأييده بالمعجزات الباهرة، و البراهين الواضحة، و الكرامات البينة التي شاهدها من عاصره و رآها من أدركه، و علمها علم يقين من جاء بعده، حتى انتهى علم ذلك إلينا، و فاضت أنواره علينا.
فاعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم صلى الله عليه و سلم، الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجلال و الكمال في البشر نوعان: ضروري دنيوي اقتضته الجبلة و ضرورة الحياة الدنيا، و مكتسب ديني، و هو ما يحمد فاعله، و يقرب إلى الله تعالى زلفى.
فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار و لا اكتساب، مثل ما كان في جبلته من كمال خلقته، و جمال صورته، و قوة عقله، و صحة فهمه، و فصاحة لسانه، و قوة حواسه و أعضائه، و اعتدال حركاته، و شرف نسبه، و عزة قومه، وكرم أرضه، و يلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه، من غذائه و نومه، و ملبسه و مسكنه، و منكحه، و ما له و جاهه.
و قد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى و معونة البدن على سلوك طريقها، و كانت على حدود الضرورة و قوانين الشريعة.
و أما المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية، و الآداب الشرعية: من الدين و العلم، و الحلم، و الصبر، و الشكر، و المروءة، و الزهد، و التواضع، و العفو، والعفة، و الجود، و الشجاعة، و الحياء، والصمت، و التؤدة، و الوقار، و الرحمة، و حسن الأدب و المعاشرة، و أخواتها، و هي التي جمعها حسن الخلق.
و قد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة و أصل الجبلة لبعض الناس وقد يختلف الناس بعضهم عن بعض في هذه ولكن أن تجمع لشخص واحد فهذا من عظيم الفضل لهذا النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد أخذ سبحانه العهد على جميع الأنبياء أن أدركوه أن يتبعوه ويخبروا بذلك قومهم.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران81]
وبين سبحانه وتعالى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمانا لهم مما حرفه أحبارهم وعلماؤهم فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة15](4/148)
وامتن على البشرية كافة أن بعث رسولا منهم وليس ملكا حتى لا تيأس النفس وتعجز عن العبادة إذ لا طاقة لبشر بمتابعة عبادة مما تقوم بها الملائكة قال تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ(8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ(9)}[الأنعام 8 - 9]
وقال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} [الفرقان7]
فكان من فضل الله ورحمته لإقامة الحجة كاملة على خلقه وعباده أن بعث فيهم رسولا يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون وينام كما ينامون.
قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة128]
{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران164]
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة2]
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة151]
قال جعفر ابن محمد: علم الله عجز خلقه عن طاعته، فعرفهم ذلك، لكي يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته، فأقام بينهم و بينه مخلوقاً من جنسهم في الصورة، و ألبسه من نعمته الرأفة و الرحمة، وأخرجه إلى الخلق سفيراً صادقاً، وجعل طاعته من طاعته، فقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء80]
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران159]
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء107]
قال أبو بكر بن طاهر: زين الله تعالى محمداً صلى الله عليه و سلم بزينة الرحمة، فكان كونه رحمة، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه، و الواصل فيهما إلى كل محبوب، ألا ترى أن الله يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فكانت حياته رحمة، و مماته رحمة.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً(46)} [الأحزاب 45 - 46].
جمع الله تعالى في هذه الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم ما آثره به على باقي الخلق، و جملة من أوصاف المدح، فجعله شاهداً على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة، وهي من خصائصه صلى الله عليه و سلم، ومبشراً لأهل طاعته، ونذيراً لأهل معصيته، وداعياً إلى توحيده وعبادته، و سراجاً منيراً يهتدى به للحق.
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً(6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ(7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8)} [الشرح]
قال القاضي عياض: هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه، و شريف منزلته عنده، وكرامته عليه، بأن شرح قلبه للإيمان والهداية، و وسعه لوعى العلم، وحمل الحكمة، ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه، وبغضه لسيرها، وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم، و تنويهه بعظيم مكانه، و جليل رتبته، و رفعه و ذكره، و قرانه مع اسمه اسمه.
ولقد كان أهل الكتاب يتناقلون صفته تابع عن تابع ورغم إخفائهم الكثير إلا أن الله سبحانه وتعالى أظهر ما أخفوه.(4/149)
عن عطاء ابن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أجل، و الله ! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، و حرزاً للأميين، أنت عبدي و رسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ و لا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، و لكن يعفو و يغفر، و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، و يفتح به أعينا عمياً، و آذاناً صماً، و قلوباً غلفاً.
ولقد كان من عظيم محبة الله تعالى لنبيه بعد رفعه وعلو شأنه الملاطفة في العتاب رحمة به وفضلا وكرما قال تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة43]
قال عون بن عبد الله: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب.
و لو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، لم أذنت لهم لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام، لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه، ثم قال له: لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب.
و في هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى على ذي لب.
وكانت معية الله مع نبيه بالحفظ لا تفارقه.
قال تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء74]
عاتب الله تعالى الأنبياء عليهم السلام بعد الزلات، وعاتب نبيّنا عليه السلام قبل وقوعه، ليكون بذلك أشد انتهاءً ومحافظة لشرائط المحبة، وهذه غاية العناية.
ثم انظر كيف بدأ بثباته وسلامته قبل ذكر ما عتبه عليه وخيف أن يركن إليه، ففي أثناء عتبه براءته، وفي طي تخويفه تأمينه وكرامته.
قال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام33]
قال علي رضي الله عنه: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك و لكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الآية]
ففي هذه الآية منزع لطيف المأخذ، من تسليته تعالى له عليه السلام، و إلطافه به في القول، بأن قرر عنده أنه صادق عندهم، و أنهم غير مكذبين له، معترفون بصدقه قولاً و اعتقادًا، و قد كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـ الأمين، فدفع بهذا التقرير ما قد يتألم به من وصفهم له بسمة الكذب، ثم جعل الذم لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين.
ثم عزّاه و آنسه بما ذكره عمن قبله، و وعده النصر بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام34]
وقد أقسم تعالى بتحقيق قدره فقال تعالى: {وَالضُّحَى(1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى(4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى(6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى(7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى(8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ(9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ(10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11)} [الضحى]
قال القاضي عياض: تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعالى له، وتنويهه به وتعظيمه إياه ستة و جوه:
الأول: القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى: {وَالضُّحَى(1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2)}. أي و رب الضحى، و هذا من أعظم درجات المبرة.
الثاني: بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، أي ما تركك و ما أبغضك. و قيل: ما أهملك بعد أن اصطفاك.
الثالث: قوله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى(4)}، قال ابن إسحاق: أي مالك في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا.
و قال سهل: أي ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود خير لك مما أعطيتك في الدنيا.
الرابع: قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)}
و هذه آية جامعة لوجوه الكرامة، و أنواع السعادة، و شتات الإنعام في الدارين. والزيادة.
قال ابن إسحاق: يرضيه بالنصر والتمكين في الدنيا، و الثواب في الآخرة.
و قيل: يعطيه الحوض و الشفاعة.
الخامس: ما عدده تعالى عليه من نعمه، و قرره من آلائه قبله في بقية السورة، من هدايته إلى ما هداه له، أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير، ولا مال له، فأغناه بما آتاه، وهدى بك ضالاً، و أغنى بك عائلاً، و آوى بك يتيماً ـ ذكره بهذه المنن، و أنه لم يهمله في حال صغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به، و لا ودعه ولا قلاه، فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !(4/150)
السادس: أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و إشادة ذكره بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11)}، فإن من شكر النعمة الحديث بها، و هذا خاص له، عام لأمته.
وهذه بعض شمائله صلى الله عليه وسلم:
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا قَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا) [رواه مسلم ].
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا) [رواه البخاري ومسلم].
(عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ) [رواه البخاري ومسلم].
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا -تَعْنِي قَصِيرَةً- فَقَالَ: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ" قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) [رواه أبو داود].
ولقد كان صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره بل كان يعرض به صلى الله عليه وسلم.
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ"مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ") [رواه البخاري].
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ) [رواه البخاري].
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ) [رواه البخاري].
(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا) [رواه مسلم].
والذي ينظر إلى حياته الخاصة يرى التواضع التام وعدم الانشغال الزائد بالدنيا.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ) [رواه البخاري ومسلم].
وكذلك رحمته بنسائه ومعونته إياهم.
(سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا قَالَتْ نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ) [رواه أحمد].
وكذلك شدة محبته لأصحابه رضي الله عنهم والشهود بالفضل لهم.(4/151)
(عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا لَا فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا) [رواه البخاري].
(وَعَنْ جَرِيرٍ قَالَ مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا) [رواه البخاري ومسلم].
وحتى مع خادمه كان رمزا للأسوة والقدوة.
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا) [رواه البخاري ومسلم].
فمهما كتب الكاتب وأفهم الخطيب فلن يف أحد بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم!!
ولكن هل من بداية؟!! والبداية لا تكون إلا بعلم وعمل... وقد أطلق المولى سبحانه وتعالى المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب21]
فنسأل الله أن يجعلنا منهم- اللهم آمين.
21. ... محبة النبي صلى الله عليه وسلم*
الحديث عن محبته عليه الصلاة والسلام متعة عظيمة! أما الألسنة فتترطب بذكره والصلاة عليه، وأما الآذان فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه، وأما العقول فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، وأما الجوارح والأعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه وسلم.
أولاً: مفهوم المحبة:
المحبة كما قال ابن القيم: "المحبة لا تُحَدُّ -أي لا يذكر لها تعريف- إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه".
ثم المحبة لها جوانب، منها: محبة الاستلذاذ بالإدراك، كحب الصور الجميلة والمناظر والأطعمة والأشربة.. تلك محبة فطرية، أو تكون محبة بإدراك العقل، وتلك المحبة المعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة، والأخلاق الفاضلة، والمواقف الحسنة، وهناك محبة لمن أحسن إليك ولمن قدم لك معروفًا، فتنبعث المحبة حينئذ لتكون ضربًا من ضروب الحمد والشكر، فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها وتوضيحًا لمعانيها.
قال النووي رحمه الله في كلمة جميلة: وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال الجلال، وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم والإبعاد من الجحيم.. فإن نظرت إلى وصف هيئته صلى الله عليه وسلم فجمال ما بعده جمال، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله فكمال ما بعده كمال، وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على الناس جميعًا وعلى المسلمين خصوصًا فوفاء ما بعده وفاء.
فمن هنا: تعظم محبته صلى الله عليه وسلم ويستولي في المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها، وأعلى درجاتها، فهو صلى الله عليه وسلم الحري بأن تنبعث محبة القلوب والنفوس له في كل لحظة، وفي كل تقلبات حياتنا؛ ولذلك ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة، وهنا وقفة نتمم بها هذا:(4/152)
فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى: في جانب العقل معرفة وعلمًا، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك. ومحبة بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر جياشة، ومحبة متدفقة، وميل عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية.
ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وفعله عليه الصلاة والسلام، فلا يمكن أن نقول إن المحبة اتباع فحسب! فأين مشاعر القلب؟ ولا يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الاتباع؟ ولا ينفع هذا وهذا! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه الصلاة والسلام؛ لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمل حينئذ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا.
ثانيًا: حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هي واجبة على كل مسلم قطعًا، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، ومن ذلك قول الله سبحانه الذي جمع في آية واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله، وحب رسوله في كفةٍ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24).
قال القاضي عياض رحمه الله: "فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل. فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة.
ويأتينا دليل عظيم وبليغ في قول الحق: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...} (الأحزاب: 6).
وبين ابن القيم الدلالة على وجوب المحبة في هذه الآية من وجوهٍ كثيرة ضمنها أمرين:
الأول: أن يكون أحب إلى العبد من نفسه: لأن الأولوية أصلها الحب ونَفْسُ العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها، أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه، فبذلك يحصل له اسم الإيمان، ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم، وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه.
وأما الجانب الثاني: ألا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً: بل الحكم على نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم، يحكم عليه أعظم من حكم السيد على عبده، أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى به من نفسه، أي بما جاء به عن الله عز وجل، وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم.
وقوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ...} (آل عمران: 31). من الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا نزاع في أن محبة الله واجبة، وأن اتباع النبي ومحبته طريق إلى محبة الله. والآيات أكثر من أن تحصر في هذا المقام.
وأما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فصريحة في الدلالة على وجوب هذه المحبة، ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" رواه البخاري ومسلم.
وكذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي"، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ". فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "فَإِنَّهُ الْآنَ، وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي"، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْآنَ يَا عُمَرُ" رواه البخاري.(4/153)
وقول عمر الأول بمقتضى الأصل الطبعي في الإنسان أن أحب شيء إليه نفسه، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطلح الإيماني أقرّ عمر بأنه بالمعنى الإيماني يفضل النبي، ويحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه، فقال له حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْآنَ يَا عُمَرُ".
ثم إن حبّ الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار -كما ذكر الخطابي-؛ ولذلك عمر جوابه الأول ذكر الطبع، ثم بعد ذلك ذكر الاختيار الذي هو مقتضى الإيمان.
ومن هنا ذكر العلماء أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين:
أحدهما: فرض، وهو المحبة التي تقتضي الإيمان بنبوته، وبعثته، وتلقي ما جاء به بالمحبة والقبول، والرضا والتسليم.
ودرجة ثانية هي: محبة مندوبة، وهي تقصي أحواله ومتابعة سنته، والحرص على التزام أقواله وأفعاله قدر المستطاع والجهد والطاقة.
ومن الأدلة كذلك: قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" رواه مسلم.
ومن الأدلة كذلك: حديث جميل رائع، قال فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ" رواه مسلم.
فكلنا محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وجوبٍ، ومحبة اختيارٍ وتعظيمٍ له عليه الصلاة والسلام، وأمر هذا الوجوب لا يحتاج لأدلة، فلعلنا ندرك عظمة هذا الوجوب عندما ندرك هذه النصوص الواضحة في أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس التي بين جنبيك، وأنفاسك التي تتردد، وقلبك الذي يخفق، فضلاً عن محبة الزوج والأبناء، أو الأمهات والآباء، فما أعظم هذه المحبة التي هي أعظم محبة لمخلوقٍ من بني آدم في الدنيا، وفي الخليقة كلها، وهي التي استحقها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ووجبت على كل مؤمن بالله سبحانه.
ثالثًا: لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا السؤال لنهيِّج القلوب والمشاعر لهذه المحبة، ولنؤكدها، ولنحرص على غرسها في سويداء القلوب والنفوس حتى تتحرك بها المشاعر، وتنصبغ بها الحياة، وتكون هي السمت والصبغة التي يكون عليها المسلم في سائر أحواله بإذن الله تعالى.
أولاً: نحبه؛ لأنه حبيب الله، ومن أحب الله أحب كل ما أحبه الله، وأعظم محبوب من الخلق لله هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ" رواه مسلم. يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، والخلة هي أعلى درجات المحبة.
ثانيًا: لأن الله أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته: فنحن نحب الإنسان متى وجدناه بنا رحيمًا، وعلينا شفيقًا، ولنفعنا مبادرًا، ولعوننا مجتهدًا.. فنحبه من أعماق قلوبنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو في هذا الباب أعظم مَنْ رحمنا، ورأف بنا، وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (سورة التوبة: 128).
ولو أردنا أمثلةً لذلك طال بنا المقام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما كان يقول: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي...". وكم من الأحاديث الذي ورد فيها رقته ورحمته بأمته...
كما في حديث مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: [ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ] رواه البخاري ومسلم.
بل كان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلاته رأفةً وشفقةً على قلب أمه به، وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلاة والسلام.
ومن ذلك: كمال نصحه لأمته، وعنايته بتعليمهم، حتى قيل للصحابة: "قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ" رواه مسلم. أي: حتى قضاء الحاجة.(4/154)
علّم أمته كل شيء، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدع فرصةً إلا ويعلمهم، ولا يدع فرصةً إلا ويقول: "لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ" رواه البخاري ومسلم. حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نراه في يقظته ومنامه، بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من سيرته أكثر مما نعرف عن أنفسنا. رُصدت حياته صلى الله عليه وسلم، ورصد لنا وصفه وشعره؛ كم شعرة بيضاء في لحيته، كل ذلك في وصفٍ دقيقٍ بليغٍ، حتى كأن كل شيءٍ في حياته ورد في وضح النهار، وفي رابعة الشمس كما يقولون.
ثالثًا: من دواعي محبته صلى الله عليه وسلم: خصائصه وخصاله العظيمة، ويكفينا في ذلك قول الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم: 4]. واجتمع فيه ما تفرق من وجوه الفضائل والأخلاق والمحاسن في الخلق كلهم، فكان هو مجتمع المحاسن عليه الصلاة والسلام، وحسبنا ذلك في هذه الدواعي، وإلا فالأمر كثير، فإن الذين مالت قلوبهم، وملئت حبًّا لرسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه، إنما سبى قلوبهم، واستمال أنفسهم بما كان عليه من الخلق وحسن المعاملة، وكمال الرحمة، وعظيم الشفقة، وحسن القول إلى غير ذلك مما هو معلوم من شمائله عليه الصلاة والسلام.
رابعًا: مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم وعلاماتها:
فلكل شيءٍ دليل، ولكل ادعاءٍ برهان، ومن هنا نذكر بعض هذه المعالم العظيمة المهمة من مظاهر وعلامات محبته صلى الله عليه وسلم:
ومن أولها: محبته باتباعه، والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم: وكما قال ابن الجوزي مستشهدًا بقول مجنون ليلى:
إذا قيل للمجنون ليلى تريد أم الدنيا وما في طواياها؟
لقال غبار من تراب نعالها أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها
قال ابن الجوزي: "وهذا مذهب المحبين بلا خلاف، فكل محب يكون أدنى شيء من محبوبه أعظم إليه من كل شيء في دنياه، فكان أدنى شيء من الله، ومن رسوله أعظم وأحب إلى كل مؤمن من كل شيء في دنياه".
قال ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم": "فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه؛ أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض؛ فإن عمل بجوارحه شيئًا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه، دلّ ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة".
ثانيًا: الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه:
فمن أحب إنسانًا أكثر ذكره، وأكثر ذكر محاسنه، فينبغي أن نعطر مجالسنا في كل وقتٍ وحينٍ بذكر مآثر النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرته وأحواله وشمائله، وهذا الذكر هو الذي يهيج هذه المحبة ويبعثها، وكثرة الصلاة عليه والسلام تترك هذا المعنى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 56].
وفي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ"، قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ، قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: "إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" رواه الترمذي وأحمد.
قال الشراح: كان أُبّي يقصد أن له وردا من الدعاء دائم، فكان يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كم أجعل لك من ذلك؟ قال زد حتى لو كان الحمد والثناء والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه وإن قلّ الدعاء يكون فيه ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذن تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ".
ثالثًا: تمني رؤيته والشوق إليه: وتلك بعض مشاعر المحبة، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ] رواه مسلم.(4/155)
وهذا بلال -رضي الله عنه- ذهب إلى بلاد الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أراد أن يؤذن وجاء إلى: "أشهد أن محمدًا رسول الله" تخنقه عَبْرته، فيبكي، فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين، ورجع بعد سنوات، ثم دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحان وقت الأذان، فأذن بلال، فبكى، وأبكى الصحابة بعد انقطاعٍ طويل غاب فيه صوت مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذكروا بلالاً وأذانه، وتذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان بلال -رضي الله عنه- عند وفاته تبكي زوجته بجواره، فيقول: "لا تبكي.. غدًا نلقى الأحبة.. محمدا وصحبه".. فكان يشتاق للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واحد من المبشرين بالجنة كما ثبت ذلك في الحديث. وهكذا روي عن حذيفة بن اليمان، وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنهم أجمعين كلهم- روى أو ذكر القاضي عياض في الشفاء أنهم قالوا: "غدًا نلقى الأحبة.. محمدًا وصحبه".
رابعًا: محبة الكتاب الذي أنزل عليه والذي بلّغه لأمته: وهو معجزته الخالدة إلى قيام الساعة، كلام الله وكتابه العظيم الذي فيه الهدى والنور، فمن أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب القرآن، والتعلق به.
خامسًا: الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم:
1- تعظيم محبة الله تعالى.
2- قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم: اقرءوا السيرة، وعلموها أبناءكم. قال السلف: "كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا الآية من القرآن".
3- تذكر الأجر العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
4- تولّي الصحابة رضوان الله عليهم، والإكثار من ذكر سيرتهم.
5- تعظيم السنة النبوية: حتى إذا قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون منك ما كان من الصحابة.. يقول الراوي كانوا إذا قيل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اشرأبت الأعناق، وشخصت الأبصار، وأصغت الأسماع.. لا انصراف ولا التفات ولا تحرك، بل احترام وإجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- إجلال المحبين للسنة والعاملين بها: كل محدّثٍ، وكل عاملٍ بسنة، وكل ملتزمٍ للسنة نحبه؛ لأنه يذكرنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
7- الذبّ عن السنة والدفاع عنها.
سادسًا: ثمار المحبة:
هذه المحبة في الدنيا عون على الطاعة، والإكثار من العبادة، وخفة ذلك على النفس، وإقبال الروح على مزيدٍ من الطاعات.. وأما في الآخرة فحسب المحبة أن تكون نجاته من النار، ولحوقًا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" رواه البخاري ومسلم.
سابعًا: محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء:
هذه المحبة التي قلناها ما بال بعضنا يفسدها بغلو يخرج عن حد الاعتدال، أو جفاءٍ يبتعد فيه المسلم عن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعظيم محبته عليه الصلاة والسلام؟
الغلو خرج به قوم إلى صورٍ كثيرة لا تخفى عليكم من حيث الواقع، ولكني أذكرها من حيث المنهج والمبدأ.
من يجعل المدح مدخلاً لذكر ما هو خاص مستحق لله لا يجوز أن يشاركه فيه غيره، ولا أن يوصف به غيره، ولو كان هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يُدعى لرسول الله عليه الصلاة والسلام ما هو من حق الله وخصائص الله سبحانه، وهذا يأباه النبي صلى الله عليه وسلم!.
وقد علّمه للناس في وقته وفي زمانه، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَلا يَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ] بعضهم يقولون هذه الألفاظ تعبيرًا عن المشاعر، ولا نقصد بها عين الألفاظ! نقول: هل أنتم أعلم أو أحكم من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ لِمَ لم يترك التنبيه على الألفاظ إذا كانت ليست مؤثرة في النفس، والفكر والعقل!!.
وضرب آخر من الغلو وهو: الإتيان بالمخالفات عملية وفعلية لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادعاء للمحبة، أو في أوقات وأفعال وأحوالٍ تُدعى فيه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالاجتماع لمحبته مع وجود الاختلاط، أو وجود ما هو مذموم من الغناء، أو بادعاء أمورٍ غيبية من حلول روحه، أو من تجسد روحه، أو من رؤيته، ونحو ذلك.. وهذه الأمور التي لا تثبت، وهذا الادعاء ليس له دليل، وليس له حجة.
ثم أمر ثالث أيضًا في هذا الغلو وهو: الادعاء والاختراع لأمورٍ وأقوال وأحوال لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(4/156)
النبي عليه الصلاة والسلام علمنا الصلاة عليه، ووردت لنا في أحاديثه صيغ كثيرةٍ من الصلوات، ولكن أن نخصص صلوات معينة، لا بد أن تحفظ، وأن تذكر بعددٍ من المرات، من أين لنا هذا؟ ومن أين لنا أن نوجب على الناس، أو أن نسنّ لهم، أو أن نشرّع لهم ما لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلامه أوثق وأقوى، وهو الذي أوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام.
ونجد كذلك هناك ادعاءات كثيرة فيما يتعلق بالأقوال والأحاديث، بعضها ضعيف، وبعضها موضوع، وبعضها لا يثبت، ومع ذلك كل هذا يقال، وينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء الرغبة في المحبة أو التحليل، وهذا كله خارج عن حد الاعتدال.
وأما الجفاء: فكذلك إن كنا ننكر الغلو ونحذر منه فكذلك الجفاء، ومن صور الجفاء ترك زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أو ترك السلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وترك التعلق بسنته.
ومن الجفاء: ردّ الأحاديث الصحيحة بموجب مقتضيات عقولهم، يقول لك: نعم هذا حديث لكن هذا لا يعقل، وهذا لا يصلح في هذا الزمان!. هذا كله ضربٌ من المخاطر العظيمة في شأن المحبة، بل في شأن الإيمان بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
العدول عن سيرته.. عدم الهيبة والتعظيم والإجلال عند ذكره أو ذكر حديثه. لماذا لا نعظم الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لا نثير هذه السيرة لتكون المحبة أعظم في القلوب؟
من أعظم الهجر والجفاء لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم: الابتداع، كل مبتدعٍ يتلبس بدعةً يخالف فيها سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضرب من الجفاء، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له افعل كذا، وهو يفعل غيره ونقيضه! وهذا أمرٌ عظيمٌ جدًّا.
من أهم الأمور في الجفاء: ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك: عدم معرفة قدر الصحابة وذمهم: كيف تدعي حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تذمّ أصحابه الذين كانوا عن يمينه وعن يساره، الذين فدوه بأرواحهم وجعلوا صدورهم دروعًا تتلقى السهام؛ ليذودوا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ كيف يمكن لأحدٍ أن يدعي المحبة وهو يذمّ أو يتهم أو يشنع على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين؟!.
من الجفاء: عدم العناية بالسيرة النبوية، وعدم معرفة الخصائص والخصال: خصال النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه عظيمة جدًّا، أكثرها لا يعرفها الناس، ولا يعرفون أحاديثه الثابتة، ولا المعجزات المادية، ومن المهم أن نذكرها.
أسأل الله تعالى أن يعظم محبة رسوله في قلوبنا، وأن يجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم عندنا من محبة أنفسنا، وأن يجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم طمأنينة قلوبنا، وانشراح صدورنا، وأن يجعل محبته عونًا لنا على طاعة الله عز وجل، وحسن الصلة به.
--------------------
** من محاضرة: "محبة النبي صلى الله عليه وسلم" للشيخ علي بن عمر بادحدح، أستاذ مشارك بجامعة الملك عبد العزيز- السعودية.
22. ... كيف أرسخ حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلب ولدي؟!
خالد السيد رُوشه
السؤال
كيف أرسخ محبة الرسول-صلى الله عليه وسلم- في طفلي؟
الإجابة
الحقيقة أن حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ هو أصل من أصول هذا الدين ومبدأ من مبادئه لا يستقيم إيمان إنسان بدونه ولا يسع مسلم أن يتجاوزه ولا يصح لمسلم أن يكون متردداً فيه فهي مرتبطة بمحبة الله _سبحانه وتعالى_ إذ إنه – صلى الله عليه وسلم – مبعوثه ورسوله ومصطفاه ومجتباه..
وسؤالك هذا من أهم الأسئلة التي ينبغي على أولياء الأمور والوالدين أن يسألوه وأن يتقنوا فن تطبيقه، وأن يبذلوا جهدهم في الوصول إلى ترسيخ محبة النبي _صلى الله عليه وسلم_ في قلب أبنائهم أجمعين.
ولبيان الإجابة عن هذا السؤال يهمنا الوقوف عند عدة نقاط هامة:
أولاً: مكانة حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في التشريع الإسلامي الشريف:
فقد روى البخاري عن أنس _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
وروى البخاري أيضاً عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده...".
وفي الصحيح عن عبد الله بن هشام: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر، فقال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر".(4/157)
وفي الصحيحين عن أنس _رضي الله عنه_ قال جاء رجل إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها" قال: ما أعدت لها كثير عمل إلا أنني أحب الله ورسوله، قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: " المرء مع من أحب" يقول أنس: فما فرحنا بشي كفرحنا بقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: " المرء مع من أحب" ثم قال: وأنا أحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأبا بكر وعمر، وأرجوا الله أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
وقد اقترن حبه _صلى الله عليه وسلم_ بحب الله _تعالى_ في الكثير من الآيات القرآنية، منها قوله _تعالى_: " قُل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَون كسادَها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولهِ وجهادٍ في سبيلِه فَتربَّصوا حتى يأتي اللهُ بأمرِه واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين"، وقوله:" قُل إن كنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يحبِبِكُم اللهُ ".
ثانيًا: كيف نقدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأبنائنا ونعرفهم به؟
ينبغي على الوالدين تقديم النبي _صلى الله عليه وسلم وشخصيته إلى الأبناء مراعين الاعتبارات الآتية:
1- الحرص على بيان شخصية النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما بينها القرآن الكريم في قوله _تعالى_: " إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً " فهو المبشر وهو المنذر وهو السراج المنير والمصباح الوضاء الذي به هدى الله العالمين وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
2- الحرص على بيان جوانب القدوة من شخصيته _صلى الله عليه وسلم_ وشخصيته كلها قدوة، والتأكيد على أنه هو النموذج المرتجى والمثال المأمول لكل من أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
3- لابد من أن نجيب لأبنائنا على سؤال: لماذا يجب علينا أن نحب النبي _صلى الله عليه وسلم_ ونصل إلى عقولهم بإقناعهم بأن كل عاقل حكيم صالح مؤمن ذكي يجب أن يحب النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأنه الذات البشرية التي تسببت في هداية العالمين إلى الهدى والحق والنور والإيمان بفضل الله الحميد المجيد.
4- التأكيد على فضائله _صلى الله عليه وسلم_ ومكانته عند ربه _سبحانه_ ومكانته بين الأنبياء وفضله يوم القيامة ومكانة شفاعته ومقامه في الجنة _صلى الله عليه وسلم_ والتأكيد على بيان معنى قوله في الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال: "فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم "فهو البليغ الفصيح" ونُصرت بالرعب وأُحلت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون"
5 –تبيين بشارة الأنبياء السابقين به _صلى الله عليه وسلم_ وحبهم له واستقبالهم إياه في الإسراء والمعراج، وأنه هو النبي الخاتم لهم، وأن شريعته هي الناسخة لشريعتهم والجامعة لفضائلها والشاملة لكل خير وهدى جاء في رسالتهم _صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين_
6 – التأكيد على بيان معنى الاتباع ومعنى الابتداع بأسلوب مبسط وتكرار ذلك المعنى.
ثالثًا: بعض الوسائل التي يمكن اتخاذها لترسيخ حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ في نفوس أبنائنا:
1 – حكاية معجزاته _صلى الله عليه وسلم_.
2- حكاية أخلاقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على الفقراء ووصيته باليتيم.
3- حكاية أخبار رقته _صلى الله عليه وسلم_ ورحمته وبكائه وبأنه هو النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لأمته، كما جاء في صحيح مسلم:"لكل نبي دعوة مجابة، وكل نبي قد تعجل دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة"، وهو الذي طالما دعا ربه قائلاً: "يا رب أمتي ، يا رب أمتي" ، وهو الذي سيقف عند الصراط يوم القيامة يدعو لأمته وهم يجتازونه،قائلاًً: " يا رب سلِّم ، يا رب سلِّم" وأنه بكى شوقًا إلينا حين كان يجلس مع أصحابه، فسألوه عن سبب بكاءه، فقال لهم : "اشتقت إلى إخواني"، قالوا :"ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟!" قال لهم:"لا"،إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني"!! كما ورد في بعض الآثار التي حسنها بعض العلماء.
4- بيان كيف كان يحبه أصحابه _رضوان الله عليهم_ ويضحون في سبيله وحكاية القصص في ذلك.
5- تحفيظ الأولاد أحاديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ وتعليمهم سنته، وبيان كيف أنها تحفظ الإنسان من شياطين الإنس والجن.
6 – فعل الوالدين العملي وطريقتهم التطبيقية في الاقتداء بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ والحرص على سنته هي مؤثر من أكبر مؤثرات تربية الأبناء على ذلك، يقول صاحب كتاب (التربية الإسلامية): " إن من السهل تأليف كتاب في التربية، ومن السهل أيضاً تخيل منهج معين، ولكن هذا الكتاب وذلك المنهج يظل ما بهما حبراً على ورق، ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك ، وما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه، وتصرفاته، ومشاعره، وأفكاره مبادئ ذلك المنهج ومعانيه، وعندئذٍ فقط يتحول إلى حقيقة ".(4/158)
رابعاً: ملاحظات هامه أثناء التطبيق:
1- الحرص على الٌإقناع باستخدام المناقشة والسؤال والاستفسار وعدم الاعتماد على أسلوب التلقين وحده.
2- يراعى استخدام أساليب التشويق في حكاية سيرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما يراعى استخدام الثواب والهدية ومثاله في حالة التكليف بحفظ الأحاديث أو شيء من السنة.
3- التركيز على كيفية إرضاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ وثواب ذاك الإرضاء ولقاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوم القيامة على الحوض والتفريق دائماً في حس الولد بين من يرحب بهم النبي وبين من يقال لهم سحقاً سحقاً.
4- مساعدة الأطفال في الإنتاج الإبداعي فيما يخص حب النبي _صلى الله عليه وسلم_ مثل كتابة الشعر في ذلك والقصة والخطبة والمقالات وتشجيع المسابقات والمنافسات المختلفة في موضوع حب النبي _صلى الله عليه وسلم_.
المصدر: موقع المسلم
23. ... تعليم الأطفال حب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل بيته
بسم الله الرحمن الرحيم
==================
أطفالنا وحب الرسول صلى الله عليه وسلم
د.أماني زكريا الرمادي
===============
تمهيد:
===
الحمد لله رب العالمين ، حمداً يليق بجلاله وكماله،حمداً على قدر حبه لرسوله الأمين، حمداً يوازي عطاءه للمؤمنين... والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين: خاتم النبيين،وإمام المرسلين،وقائد الغُر المُحجَّلين؛ سيدنا محمد، وآله وصحبه،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وبعد.
فقد فتُرت علاقة المسلمين - بمرور الزمن،وتتابع الفتن- برسولهم صلى الله تعالى عليه وسلم،حتى اقتصرت- في معظم الأحيان- على الصلاة عليه عند ذكره،أو سماع من يذكره؛أو "التغني به في ليلة مولده أو ذكرى الهجرة أو ليلة الإسراء"(1)... دون أن تكون بين المسلمين وبينه تلك الرابطة القوية التي أرادها الله سبحانه لهم من خلال حبه صلى الله عليه وسلم،والتأسي به في أخلاقه وأفعاله.
وإذا كان المسلمون في عصرنا الحالي - خاصة الشباب منهم- يدَّعون أنهم يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم،فإن أفعال بعضهم تؤكد عكس ذلك؛ ربما لأنهم لا يعرفون كيف يحبونه!!
وفي خضم الحياة المعاصرة نجد الأمور قد اختلطت، والشرور قد سادت،وأصبح النشء والشباب يرددون :"نحن لا نجد القدوة الصالحة" ...وبدلاً من أن يبحثوا عنها نراهم قد اتخذوا المشاهير من المفكرين أ و الممثلين السينمائيين، أواللاعبين ،أو المطربين قدوة ومثلاً ... وما نراهم إلا استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!!!
من هنا كانت الحاجة ملحة لأن نعيد إلى أذهاننا وأذهان أبناءنا من الأطفال والشباب الصورة الصحيحة للقدوة الصالحة ،والشخصية التي تستحق أن تُتبع وأن يُحتذى بها.
وفي السطور القليلة القادمة نرى محاولة لإعادة الصورة الواضحة للقدوة المثالية التي تستحق أن تتبع،وتأصيل ذلك منذ الطفولة حتى نبني أجيالاً من الشباب الصالحين الذين يمكن أن يكونوا هم أنفسهم قدوة لغيرهم.
ولا تخفي كاتبة هذه السطور أنها تمنت- أثناء قراءتها لإعداد هذا المقال- أن يوفقها المولى سبحانه لتتصف ببعض صفاته صلى الله عليه وسلم ... وهي الآن تتمنى ذلك أيضاً لكل من يقرؤه ، وعلى الله قصد السبيل،ومنه وحده التوفيق...والحمد لله رب العالمين.
د.أماني زكريا الرمادي
1- ما هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
"إن المقصود بحبه ليس فقط العاطفة المجردة، وإنما موافقة أفعالنا لما يحبه صلى الله عليه وسلم ،وكُره ما يكرهه، وعمل ما يجعله يفرح بنا يوم القيامة...ثم التحرق شوقاً للقياه، مع احتساب أننا لا نحبه إلا لله ، وفي الله ،وبالله" (2)
وخلاصة حبنا له أن يكون- صلى الله عليه وسلم- أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأولادنا ؛ فقد روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده" ، فلما قال له عمر: "لأنت يا رسول الله أحب إليَّ من كل شيء إلا نفسي،قال له صلى الله عليه وسلم:"لا، والذي نفسي بيده،حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فلما قال له عمر:"فإنك الآن أحب إلي من نفسي يا رسول الله" ،قال له:" الآن يا عمر" !!
2- لماذا يجب أن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟؟؟
أ-لأن حبه صلى الله عليه وسلم من أساسيات إسلامنا، بل أن الإيمان بالله تعالى لا يكتمل إلا بهذا الحب!!! وقد اقترن حبه صلى الله عليه وسلم بحب الله تعالى في الكثير من الآيات القرآنية،منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى:
" قُل إن كان آباؤكم، وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم ،وعشيرتُكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَون كسادَها ومساكنُ ترضونها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولهِ،وجهادٍ في سبيلِه، فَتربَّصوا حتى يأتي اللهُ بأمرِه،واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين" ، و" قُل إن كنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يحبِبِكُم اللهُ "
ب- لأنه حبيب الله الذي أقسم بحياته قائلاً:" لَعَمرُك إنَّهُم لَفي سَكْرَتِهِم يَعمَهون"(4/159)
والذي اقترن اسمه صلى الله عليه وسلم باسمه تعالى:
* مرات عديدة في القرآن الكريم ،
*و في الشهادة التي لا ندخل في الإسلام إلا
* وفي الأذان الذي يُرفع خمس مرات في كل يوم وليلة
كما نرى الله تعالى قد فرض علينا تحيته صلى الله عليه وسلم بعد تحيته سبحانه في التشهد في كل صلاة........ فأي شرف بعد هذا الشرف؟!!!
ج- لأنه حبيب الرحمن الذي قرَّبه إليه دون كل المخلوقات ليلة المعراج،وفضَّله حتى على جبريل عليه السلام،"كما خصه - صلى الله عليه وسلم- بخصائص لم تكن لأحد سواه،منها: الوسيلة، والكوثر، والحوض،والمقام المحمود"(3)...ومن الطبيعي أن يحب المرء حبيب حبيبه،فإذا كنا نحب الله عز وجل،فما أحرانا بأن نحب حبيبه!!!
د-لأن حبه- صلى الله عليه وسلم- ييسر احترامه، واتباع سنته ،وطاعة أوامره ،واجتناب نواهيه... فتكون النتيجة هي الفوز في الدنيا والآخرة.
هـ-لأن( الله تبارك وتعالى قد اختاره من بين الناس لتأدية هذه الرسالة العظيمة،فيجب أن نعلم أنه اختار خير الأخيار،لأنه سبحانه أعلم بمن يعطيه أمانة الرسالة ،ومادام اصطفاه من بين كل الناس لهذه المهمة العظيمة،فمن واجبنا نحن أن نصطفيه بالمحبة من بين الناس جميعاً)(4)
هـ- لأنه صلى الله عليه وسلم النبي الوحيد الذي ادَّخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لأمته،كما جاء في صحيح مسلم:"لكل نبى دعوة مجابة، وكل نبى قد تعجل دعوته، وإنى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتي يوم القيامة"
،وهو الذي طالما دعا ربه قائلاً:"يارب أمتي ، يارب أمتي" ،وهو الذي سيقف عند الصراط يوم القيامة يدعو لأمته وهم يجتازونه،قائلاًً:" يارب سلِّم،يارب سلِّم"
و- لأنه بكى شوقا إلينا حين كان يجلس مع أصحابه ، فسألوه عن سبب بكاءه، فقال لهم :"إشتقت إلى إخواني"،قالوا :"ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟!" قال لهم:"لا"،إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني"!!
ز-لأن المرء مع مَن أحب يوم القيامة"كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم،فإذا أحببناه حقاً صرنا جيرانه- إن شاء الله- في الفردوس الأعلى مهما قصرت أعمالنا،فقد روى أنس بن مالك أن أعرابياً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال:"يا رسول الله ،متى الساعة"،قال له:
" وما أعددت لها؟"،قال :"حب الله ورسوله"،قال:"فإنك مع مَن أحببت"!!
و-لأن الخالق- وهو أعلم بخلقه- وصفه بأنه " لعلى خلُق عظيم" ،وبأنه:
" عزيز عليه ماعَنِتُّم،حريص عليكم ،بالمؤمنين رءوف رحيم" ؛ كما قال هو عن نفسه:" لقد أدَّبني ربي فأحسن تأديبي" ،ولقد ضرب - صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال بخُلُقه هذا ،فأحبه،ووثق به كل من عاشره من المؤمنين والكفار على السواء، فنشأ وهو معروف بينهم باسم"الصادق الأمين" ...أفلا نحبه نحن؟!!!
ح- لأن الله تعالى شبَّهَه بالنور -الذي يخرجنا من ظلمات الكفر والضلال، ويرشدنا إلى ما يصلحنا في ديننا ودنيانا- في قوله سبحانه:"قد جاءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين"(5 ) فالإسلام لم يأت إلينا على طبق من ذهب،وإنما وصل إلينا بفضل الله تعالى ،ثم جهاد النبي صلى الله عليه وسلم وصبره وملاقاته الصعاب"( 6) ...فما من باب إلا وطرقه الكفار ليثنوه عن عزمه،ويمنعوه من تبليغ الرسالة؛ فقد حاولوا فتنته، بإعطاءه المال حتى يكون أكثرهم مالاً،وبجعله ملكا وسيدا ً عليهم، وبتزويجه أجمل نساء العرب،فكان رده عليهم-حين وسَّطوا عمه أبي طالب-"والله يا عم ، لو وضعوا القمر في يميني،والشمس في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته ،حتى يُظهره الله ،أو أهلك دونه"
ثم هم هؤلاء يحاولون بأسلوب آخر وهو التعذيب الجسدي والمعنوي،(ففي الطائف أمروا صبيانهم ،وعبيدهم برميه بالحجارة،فرموه حتى سال الدم من قدميه،وفي غزوة أُحُد شُقت شفته،وكُسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم،وفي مكة وضعوا على ظهره روث جزور،وقاطعوه وأصحابه حتى كادوا يهلكون جوعاً،وفي غزوة الخندق جاع حتى ربط الحجر على بطنه صلى الله عليه وسلم…ولكنه لم يتوقف عن دعوته، بل واصل معتصماً بربه،متوكلاً عليه) ( 7)
ز- لأن حبه يجعله يُسَرُّ بنا عندما نراه يوم القيامة عند الحوض فيسقينا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.
ح- لأنه هو اللبنة التي اكتمل بها بناء الأنبياء الذي أقامه الله جل وعلا، كما أخبر بذلك أبو هريرة وجاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((إن َمثَلى ومَثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضِعَتْ هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين))
3- لماذا هو خير قدوة؟(4/160)
أ- لأن الله تعالى- وهو أعلم بنا وبه- قال في كتابه العزيز:"لقد كان لكُم في رسولِ اللهِ أسوةٌ حسنةٌ لمَن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخر"( فلا يعرف قدر رسول الله إلا الله. وإن قدره عند الله لعظيم! وإن كرامته صلى الله عليه وسلم عند الله لكبيرة! فقد علِم الله سبحانه أن منهج الإسلام يحتاج إلى بشر يحمله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته،فيحوِّله إلى واقع عملي محسوس وملموس، ولذلك بعثه صلى الله عليه وسلم- بعد أن وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج- ليترجم هذا المنهج ويكون خير قدوة للبشرية جمعاء)(8)
(فهو المصطفى وهو المجتبى... فلقد اصطفى الله من البشرية الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل واصطفى من الرسل أولى العزم واصطفى من أولى العزم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم اصطفاه ففضله على جميع خلقه… شرح له صدره ،ورفع له ذكره ،ووضع عنه وزره، وزكَّاه في كل شىء :
زكاه في عقله فقال سبحانه: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [ النجم: 2].
زكاه في صدقه فقال سبحانه: وَمَا يَنطِقُ عَن الهوىَ [ النجم: 3].
زكاه في صدره فقال سبحانه: أَلم نَشْرح لَكَ صَدْرَكَ [ الشرح: 1].
زكاه في فؤاده فقال سبحانه: مَاكَذَبَ الفُؤادُ مَارَأىَ [ النجم: 11].
زكاه في ذكره فقال سبحانه: وَرَفعنَا لَكَ ذكْرَكَ [ الشرح: 4].
زكاه في طهره فقال سبحانه: وَوَضعنَا عَنكَ وزْرَكَ [ الشرح :2 ].
زكاه فى علمه فقال سبحانه: عَلَّمَهُ شَديدٌ القُوىَ [ النجم: 5 ]. -
زكاه فى حلمه فقال سبحانه: بِالمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ التوبة :128].
زكاه كله فقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلقٍ عَظِيمٍ [ القلم: 4 ].
فهو- صلى الله عليه وسلم- رجل الساعة، نبى الملحمة، صاحب المقام المحمود- الذى وعده الله به دون جميع الأنبياء- في قوله :
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء-79].
فهذا هو المقام المحمود كما فى حديث مسلم من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر وأنا أول شافع وأول مشفع " )( 9)
ب-لأنه إمام الأنبياء الذي صلى بهم في المسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج ، أفنستنكف نحن عن أن نتخذه إماما وقدوة؟!!!
ج-لأنه فُضِّل على الأنبياء - كما جاء في الصحيحين - من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم (فهو البليغ الفصيح) ونُصرت بالرعب - وفى لفظ البخارى ((مسيرة شهر)) - وأُحلت لى الغنائم، وجُعلت لى الأرض طهوراً ومسجداً، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بى النبيون)"
د- لأن الله عصمه، وأرشد خطاه ، وسدد رميته، وجعله "لا ينطق عن الهوى"
هـ- لأنه صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، يفرح ويحزن ،يجوع ويعطش،يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، يصوم ويفطر،يمرض،ويتألم، ويصح جسده؛ يتزوج وينجب،ويفقد أولاده، ويفقد زوجاته، ويقيم ويسافر...فهو ( النبي الوحيد الذي نستطيع أن نقتدي به في كل نواحي حياته لأن حياته كانت كالكتاب المفتوح)( 10)
(فقد جسَّد حياتنا كلها بالمثل الأعلى...فهو مثلنا الأعلى في المعاملات الاجتماعية،مع الزوجة والأولاد و الأرحام،ثم المجتمع الإسلامي،وهو مَثلنا الأعلى في الأخلاق الفاضلة،وَمثلنا الأعلى في الدعوة إلى الله تعالى والصبر عليها،فهو النور الذي نهتدي به في طريقنا )( 11)
و-(لأنه صلى الله عليه وسلم كان قدوة صالحة في حسن رعايته لأصحابه، وتَفَقُّده لهم ،وسؤاله عنهم، ومراقبة أحوالهم، ومحاذرة مقصريهم، وتشجيع محسنهم، والعطف على فقرائهم ومساكينهم، وتأديب الصغار منهم، وتعليم الجهلة فيهم)( 12) بألطف وأرق الوسائل وأحكمها.
4- لماذا يجب أن نحببه إلى أطفالنا ؟
أ-لأن مرحلة الطفولة المبكرة هي أهم المراحل في بناء شخصية الإنسان،فإذا أردنا تربية نشء مسلم يحب الله ورسوله، فلنبدأ معه منذ البداية، حين يكون حريصا على إرضاء والديه، مطيعاً ، سهل الانقياد.
ب-لأن الطفل (إذا استأنس بهذا الحب منذ الصغر ، سهل عليه قبوله عند الكبر، فنشأة الصغير على شيء تجعله متطبِّعاً به،والعكس صحيح...فمَن أُغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيراً)( 13)
ج- لأن أطفالنا إن لم يحبوه - صلى الله عليه وسلم - فلن يقتدوا به مهما بذلنا معهم من جهد
د-لأن حبهم له سوف يعود عليهم بالخير والبركة والتوفيق في شتى أمور حياتهم،وهو ما يرجوه كل أب وأم.
هـ - "لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز"قُل إن كنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يُحبِبكُم اللهُ ويغفر لكم ذنوبَكم"،فمحبته صلى الله عليه وسلم تجلب حب الله في الدنيا ومغفرته في الآخرة،فأي كرامة تلك؟!"( 14)وهل يتمنى الوالد لولده أفضل من ذلك؟!!!(4/161)
و- لأن الجنة هي مستقر من أحبه ؛ومن ثم أطاعه ، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كلكم يدخل الجنة إلا مَن أبى،قالوا:"ومَن يأبى يا رسول الله؟"،قال مَن أطاعني دخل الجنة،ومَن عصاني فقد أبى "؛ فهل يتمنى الوالد لولده بعد حب الله والمغفرة إلا الجنة؟!!!
ز- لأن أطفالنا هم الرعية التي استرعانا الله إياها ؛ومن ثم فإن ( الله سبحانه سوف يسأ ل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده - كما يؤكد الإمام بن القيم- فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ،وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة،وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم بسبب إهما ل الآباء لهم وتركهم دون أن يعلموهم فرائض الدين وسننه،فأضاعوهم صغاراً،فلم ينتفعوا بهم كباراً"( 15)
5- كيف نعلم أبناءنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أولاً: بالقدوة الصالحة
إن أول خطوة لتعليمهم ذلك الحب هو أن يحبه الوالدان أولاً، فالطفل كجهاز الرادار الذي يلتقط كل ما يدور حوله،فإن صدق الوالدان في حبهما لرسول الله ،أحبه الطفل بالتبعية، ودون أي جهد أو مشقة من الوالدين،لأنه سيرى ذلك الحب في عيونهم ،ونبرة صوتهم حين يتحدثون عنه،وفي صلاتهم عليه دائما - حين يرد ذكره،ودون أن يرد- وفي شوقهما لزيارته،وفي مراعاتهم لحرمة وجودهم بالمدينة المنورة حين يزورونها،وفي أتباعهم لسنته،قائلين دائما: نحن نحب ذلك لأن رسول الله كان يحبه،ونحن نفعل ذلك لأن رسول الله كان يفعله،ونحن لا نفعل ذلك لأن الرسول نهى عنه أو تركه،ونحن نفعل الطاعات إرضاءً لله سبحانه ،ثم طمعاً في مرافقة ا لرسول في الجنة...وهكذا يشرب الطفل حب النبي صلى الله عليه وسلم دون أن نبذل جهداً مباشراً لتعليمه ذلك الحب! فالقدوة هي أيسر وأقصر السبل للتأثير على الطفل، ويؤكد ذلك الشيخ محمد قطب بقوله:"إن من السهل تأليف كتاب في التربية،ومن السهل أيضاً تخيل منهج معين ،ولكن هذا الكتاب وذلك المنهج يظل ما بهما حبراً على ورق،ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك ،وما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه، وتصرفاته،ومشاعره، وأفكاره مبادىء ذلك المنهج ومعانيه،وعندئذٍ فقط يتحول إلى حقيقة"(16)...إذ من غير المعقول أن نطالب أبناءنا بأشياء لا نستطيع نحن أن نفعلها،ومن غير الطبيعي أن نأمرهم بشيء ونفعل عكسه...وقد استنكر البارىء الأعظم ذلك في قوله تعالى:"أتأمرون الناسَ بالبِر وتنسون أنفسَكم وأنتم تتلون الكتابَ ،أفلا تعقلون؟!"(البقرة-44)،وفي قوله جل شأنه:"يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون؟! كَبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
(فإذا اقتدوا بنا تحولوا - بفضل الله - من عبء علينا إلى عون لنا )(17)
ثانياً: بالتعامل مع كل مرحلة عمرية بما يناسبها:
أ- مرحلة ما بعد الميلاد حتى الثانية من العمر:
تلعب القدوة في هذه المرحلة أفضل أدوارها،حين يسمع الطفل والديه يصليان على النبي عند ذكره،أو سماع من يذكره ، وحين يجلسان معا يومي ا لخميس والجمعة- مثلاً- يصليان عليه ،فيتعود ذلك، ويألفه منذ نعومة أظفاره...مما يمهد لحبه له صلى الله عليه وسلم حين يكبر.
كما يمكن أن نردد أمامه مثل هذه الأناشيد حتى يحفظها :
محمد نبينا
أمُّهُ آمِنة
أبوه عبد الله
مات ما رآه
00000000000
"هذا بن عبد الله
أخلاقه القرآن
والرحمة المهداة
عمت على الأكوان"( 18)
ب- مرحلة ما بين الثالثة والسادسة:
يكون الطفل في هذه المرحلة شغوفاً بالاستماع للقصص،لذا فمن المفيد أن نعرِّفه ببساطة وتشويق برسول الله صلى الله عليه وسلم،فهو الشخص الذي أرسله الله تعالى ليهدينا ويعرفنا الفرق بين الخير والشر،فمن اختار الخير فله الجنة ومن اختار الشر فله النار والعياذ بالله،ونحكي له عن عبد الله،وآمنة والدي الرسول الكريم،و قصة ولادته صلى الله عليه وسلم ،وقصة حليمة معه،ونشأته يتيماً( حين كان أترابه يلوذون بآبائهم ويمرحون بين أيديهم كطيور الحديقة بينما كان هو يقلِّب وجهه في السماء ...لم يقل قط" يا أبي" لأنه لم يكن له أب يدعوه ،ولكنه قال كثيراً ،ودائماً:" يا ربي"!!! "( 19)
ومن المهم أن نناقش الطفل ونطلب رأيه فيما يسمعه من أحداث مع توضيح ما غمض عليه منها.
ويستحب أن نحفِّظه الآيتين الأخيرتين من سورتي "التوبة"،و"الفتح"التي تتحدث عن فضائله صلى الله عليه وسلم؛ مع شرح معانيها على قدر فهمه.
كما يمكن تحفيظه كل أسبوع أحد الأحاديث الشريفة القصيرة،مع توضيح معناها ببساطة،من هذه الأحاديث مثلاً :
" من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"
"إن الله جميل يحب الجمال"
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه"
"خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه"
"إماطة الأذى عن الطريق صدقة"
"لا يدخل الجنة نمَّام"
"من لم يشكر الناس، لم يشكر الله "
"ليس مِنَّا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا"
" ا لمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده"
"الكلمة الطيبة صدقة"
"لا تغضب، ولك الجنة"(4/162)
"تَبسَُّمك في وجه أخيك صدقة"
"الراحمون يرحمهم الرحمن""
"من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
"خير الناس أنفعهم للناس"
"الدين ا لنصيحة"
"الجنة تحت أقدام الأمهات"
"تهادوا تحابُّوا"
"التائب من الذنب كمن لا ذنب له"
"جُعلت قرة عيني في الصلاة"
"الحياء من الإيمان"
" آية المنافق ثلاث :إذا حدَّث كذب وإذا وعد اخلف ،وإذا اؤتمن خان"
ج- مرحلة ما بين السابعة والعاشرة:
في هذه المرحلة يمكننا أن نحكي لهم مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال،وحبه لهم ، ورحمته بهم،واحترامه لهم،وملاطفته ومداعبته لهم...وهي مواقف كثيرة فيما يلي نذكر بعضها،مع ملاحظة أن البنت سوف تفضل حكاياته مع البنات،والعكس؛ولكن في جميع الأحوال يجب أن يعرفونها كلها؛ فالقصص تحدث آثاراً عميقة في نفوس الأطفال وتجعلهم مستعدين لتقليد أبطالها.
أ- موقفه مع حفيديه الحسن والحسين،حيث كان صلى الله عليه وسلم يحبهما ويلاعبهما ويحنو عليهما،وفيما يلي بعض المواقف لهما مع خير جد)( 20)
*"عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال:"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً،فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم،فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلى،فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها،قال أبي فرفعت
رأسي وإذا الصبي على ظهر الرسول الكريم،وهو ساجد،فرجعت إلى سجودي؛ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة،قال الناس:" يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يُوحى إليك،فقال :"كل ذلك لم يكن،ولكن ابني ارتحلني ،فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته"!!!
*عن عبد الله بن بريدة،عن أبيه،قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران،فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما،ووضعهما بين يديه،ثم قال:"صدق الله<إنما أموالُكم وأولادُكم فتنة>،فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ،فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"
***روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:" قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده "الأقرع بن حابس التميمي "جالس، فقال الأقرع:"إن لي عشرة من الولد، ماقبَّلت منهم أحداً"،فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال:"مَن لا يَرحم لا يُرحم"، وروت عائشة رضي الله عنها أن أعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"أتقبِّلون صبيانكم؟! فما نقبِّلهم"،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أو أملِك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟"
****وكان صلى الله عليه وسلم يتواضع للأولاد عامة، ولأولاده خاصة،فكان يحمل الحسن رضي الله عنه على كتفه الشريفة، ويضاحكه ويقبله، ويريه أنه يريد أن يمسك به وهو يلعب ،فيفر الحسن هنا وهناك ،ثم يمسكه النبي صلى الله عليه وسلم . وكان يضع في فمه الشريف قليلاً من الماء البارد ،ويمجه في وجه الحسن ،فيضحك، وكان صلى الله عليه وسلم يُخرج لسانه للحسين،فإذا رآه أخذ يضحك
***** ومن تمام حبه لهما وحرصه على مصلحتهما أنه كان يؤدبهما بلطف مع بيان السبب ،فقد روي أبو هريرة قائلا:"أخذ الحسن بن علي رضي الله تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كخ ،كخ،إرم بها،أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة ؟"
ب- و موقفه مع أخٍ أصغر لأنس بن مالك،وكان يُدعى "أباعمير"، حين علم أنه اشترى عصفوراً،وكان شديد الفرح به ،فكان-صلى الله عليه وسلم- يداعبه كلما رآه قائلاً:"يا أبا عمير مافعل النغير؟" - والنغير صيغة لتصغير "النُغََّّر"،وهو العصفور الصغير- وذات مرة كان صلى الله عليه وسلم يمشي في السوق فرآه يبكي، فسأله عن السبب ،فقال له:"مات النغير يا رسول الله"،فظل صلى الله عليه وسلم يداعبه، ويحادثه ،ويلاعبه حتى ضحك،فمر الصحابة بهما فسألا الرسول صلى الله عليه وسلم عما أجلسه معه، فقال لهم:"مات النغير،فجلست أواسي أبا عمير"!!!
ج- رحمته صلى الله عليه وسلم ( لبكاء الصبي في الصلاة، حتى أنه كان يخففها،فعن أنس رضي الله عنه قال:" ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم،وإن كان ليسمع بكاء الصبي ،فيخفف عنه مخافة أن تُفتن أمه"،ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه،فيقول:"إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها،فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكاءه")( 21)
هـ -" إصطحابه صلى الله عليه وسلم الأطفال للصلاة و مسحه خدودهم ، رحمة وإعجاباً وتشجيعاً لهم،فعن جابر بن أبي سمرة رضي الله عنه قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى- أي الظهر- ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدَّي أحدهم واحداً واحداً،قال: "وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها صلى الله عليه وسلم من جونة عطار"!!( 22)(4/163)
ز-إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الهدايا للأطفال،" فقد روى مسلم عن أبي هريرة قال:" كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه قال:" اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مُدِّنا"، ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر!!!
و- صلاته صلى الله عليه وسلم وهو يحملهم، فقد ثبت في الصحيحين عن "قتادة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله ،وهي لأبي العاص بن الربيع،فإذا قام حملها،وإذا سجد وضعها،فلما سلَّم حملها .
ز - إحترامه-صلى الله عليه وسلم- للأطفال ، ودعوته لعدم الكذب عليهم، فقد كان( الصغار يحضرون مجالس العلم والذكر معه،حتى كان أحد الغلمان ذات يوم يجلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم،وعلى يساره الأشياخ،فلما أتى النبي بشراب شرب منه ،ثم قال للغلام:"أتأذن لي ان أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام:" لا يا رسول الله ، لا أوثر بنصيبي منك أحداً،فأعطاه له النبي صلى الله عليه وسلم)!! ( 23)
وعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه ،قال:"دعتني أمي ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطك"،فقال لها صلى الله عليه وسلم:" ما أردت أن تعطيه؟" قالت "أعطيه تمرا" ، فقال لها أما أنك لو لم تعطِه شيئا كُتبت عليك كذبة"
ح- وصيته صلى الله عليه وسلم بالبنات-حيث كان العرب يئدونهن في الجاهلية- قائلاً:" من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن، وضرائهن،وسرائهن دخل الجنة" فقال رجل :"و ثنتان يا رسول الله؟" قال:" و ثنتان"،فقال آخر:" وواحدة؟" قال: "وواحدة")( 24)
ز- حرصه صلى الله عليه وسلم على إرشادهم إلى الصواب وتصحيح مفاهيمهم وأخطائهم بالحكمة،وبصورة عملية لاستئصال الخطأ من جذوره ؛ ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أن أحد أصحابه- صلى الله عليه وسلم- وكان مولى من أهل فارس قال : "شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أُحد فضربت رجلاً من المشركين فقلت:"خذها مني وأنا الغلام الفارسي،فالتفت إليَّ النبي وقال:"هلا قلت خذها مني وأنا الغلام الأنصاري؟"
وهذا عبد الله بن عمر حين لم يكن يقوم الليل،فقال أمامه الرسول صلى الله عليه وسلم:"نِعم الرجل عبد الله، لوكان يصلي من الليل! فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا"
ح- تعليمه صلى الله عليه وسلم لهم حفظ الأسرار،"فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال:"أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ،فأسر إلىَّّ حديثا لا أحدث به أحداً من الناس" (25)
ط- رفقه بخادمه "أنس بن مالك" رضي الله عنه،حيث كان يناديه ب"يا بُني" أو" يا أُنيس"-وهي صيغة تصغير للتدليل- يقول أنس:" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين،والله ما قال لي أف، ولا لِم صنعت ؟ ولا ألا صنعت؟"( 26)
ك- (عقده صلى الله عليه وسلم المسابقات بين الأطفال لينشِّط عقولهم ،وينمِّي مواهبهم ويرفع همَّتهم، ويعزِّز طاقاتهم المخبوءة، فقد تصارع "سمرة"، و"رافع" رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرادا الاشتراك في جهاد الأعداء فردهما رسول الله لصغر سنهما،فزكى الصحابة "سمرة" لأنه يحسن الرمي، فأجازه صلى الله عليه وسلم، فقال "رافع" أنه يصارعه- أي أنه أقوى منه- رغم أنه لا يحسن الرمي،فطلب الرسول الكريم منه أن يصارعه، فدخلا معًا مباراة للمصارعة فصرعه رافع، فأجازهما رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
ل- رحمته- صلى الله عليه وسلم- بالحيوان،ومن الأمثلة على ذلك:
* قصته مع الغزالة، فقد روي عن أنس بن مالك انه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله إني أُخذت ولي خشفان(رضيعان) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم فقال: "أين صاحب هذه؟" فقال القوم: نحن يا رسول الله"، قال: "خلُّوا عنها حتى تأتى خشفيها ترضعهما وترجع إليكم"، فقالوا من لنا بذلك؟ قال "أنا" فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراها منهم وأطلقها.
**وقصته مع (الجمل الذي رآه صلى الله عليه وسلم حين دخل بستاناً لرجل من الأنصار،فإذا فيه جمل فما إن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حتى حنَّ وذرفت عيناه فأتاه الرسول الكريم فمسح ذفراه فسكت،،فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من رب هذاالجمل؟"
فقال فتى من الأنصار:" أنا يا رسول الله ، فقال له:" ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي أملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلي انك تجيعه وتدئبه"( 27)
***وهذا جمل آخر( كانت تركبه السيدة عائشة رضي الله عنها لتروِّضه،فجعلت تذهب به وتجيء ، فأتعبته، فقال لها صلى الله عليه وسلم:" عليك بالرفق يا عائشة")( 28 )
...وهكذا إلى آخر الحكايات المروية عنه صلى الله عليه وسلم المتاحة بكتب السيرة المعروفة،مما يناسب هذه المرحلة العمرية.(4/164)
وإذا استطعنا أن نصحب طفلنا معنا لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد التمهيد له عن آداب المسجد - وخاصة المسجد النبوي والمسجد الحرام- وبعد أن نوضح له أ ن الله تعالى يرد عليه روحه حين نصلي عليه، ليرد علينا السلام؛ونوضح له أننا حين ندعو ونحن بجوا رالقبر الشريف يجب أن نكون متوجهين للقبلة ،فالمسلم لا يدعو إلا الله،ولا يرجو سواه.
كما نعرِّفه فضل الروضة الشريفة، ثم نحرص على أن نصحبه ليقضي بها ماشاء الله له.... فنحن نتكلف الكثير من أجل تعليم أولادنا- لضمان مستقبلهم الدنيوي- والترفيه عنهم،وكسوتهم... إلخ وفي رأي كاتبة هذه السطور أن هذه الزيارة لا تقل أهمية عن كل ذلك ؛ فهي تعلِّمه وترفع من معنوياته، وتزيده قربا من الله و رسوله ،ومن ثمَّ تؤمن له مستقبله في الآخرة عن شاء الله!
وقد ثبت بالتجربة أن هذه الزيارة إذا كانت في المراحل الأولى من عمر الطفل ، فإنها تكون أشد تأثيراً وثباتاً في نفس الطفل، بل وأكثر معونة له على الشيطان،وعلى الالتزام بتعاليم الدين في بقية عمره؛هذا إن أحسن الوالدان التصرف معه أثناء هذه الرحلة المباركة، وساعداه على أن يعود منها بذكريات سعيدة بالنسبة له كطفل.
وإذا أوضحنا له أن هذه الزيارة مكافأة له على نجاحه مثلاً، أو لحسن خُلُقه، أو غير ذلك كان التأثير أبلغ،وكان ذلك أعون له على مواصلة ما كافأناه من أجله.
ومما يعين أيضاً على حبه صلى الله عليه وسلم أن نكافئ الطفل على صلاته على النبي عشر مرات- مثلا - قبل النوم، وبعد الصلاة ،وعندما يشعر بضيق أو حزن...حتى يتعود ذلك.
ثالثاً:مرحلة ما بين الحادية عشرة والثالثة عشرة:
يمكن في هذه المرحلة أن نحكي له - بطريقة غير مباشر ة - عن أخلاق وطباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أي أثناء اجتماع الأسرة للطعام أو اجتماعها للتنزه في نهاية الأسبوع ، أو نقوم بتشغيل شريط يحكي عنه في السيارة أثناء الذهاب للنزهة ،مثل شريط"حب النبي صلى الله عليه وسلم للأستاذ "عمرو خالد" مثلاً-أو نهديهم كتباً تتحدث عنه صلى الله عليه وسلم بأسلوب قصصي شيق،مثل: "إنسانيات محمد" لخالد محمد خالد،و"أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" لنجوى حسين عبد العزيز،و" معجزات النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال " لمحمد حمزة السعداوي".
ومما يمكن أن نحكي لهم في هذه المرحلة:
أ- أدب السلوك المحمدي:
كان صلى الله عليه وسلم يجيد آداب الصحبة والسلوك،( فكان إذا مشى مع صحابه يسوقهم أمامه فلا يتقدمهم،ويبدأ من لَقيه بالسلام،وكان إذا تكلم يتكلم بجوامع الكلم،كلامه فصل ، لا فضول ولا تقصير،أي على قدر الحاجة،وكان يقول:"من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه"،وكان يقول:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيراً أو ليصمت"،وكان طويل السكوت ، دائم الفِكر،دمث الخُلُق،ليس بالجافي ولا المُهين،يعظِّم النعمة وإن قلَّت، لا تُغضبه الدنيا وما كان لها،فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد،وكان لا ينتصر لنفسه أبداً، و إذا غضب أعرض وأشاح ،وإذا فرح غض طرفه،كل ضحكه التبسم،وكان يشارك أصحابه في مباح أحاديثهم إذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم،وإذا ذكروا طعاماً أو شراباً ذكره معهم،كان لا يعيب طعاما يقدم إليه أبداً،وإنما إذا أعجبه أكل منه وإن لم يعجبه تركه...وهو القائل:"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً،و"إن مِن أحبكم إلىَّ وأقربهم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً "،وسُئل –صلى الله عليه وسلم عن البِر فقال"حسن الخلق"،وسُئل أي الأعمال أفضل،فقال:" حسن الخلق")( 29)
(وكان صلى الله عليه وسلم يحرص أشد الحرص على أن يسود الود والألفة بين المسلمين،فكان يوصيهم- فيما يوصيهم- بقوله:
"إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ،فإن ذلك يُحزنه"
وقوله:"لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه... ولكن توسعوا،وتفسحوا يفسح الله لكم"
وقوله:" لا يحل لرجل أن يجلس بين اثنين إلا بإذنهما"
وقوله :" يُسلِّم الراكب على الماشي والماشي على القاعد،والقليل على الكثير،والصغير على الكبير"
ويحدثنا "كلوة بن الحنبل"فيقول:" بعثني صفوان بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهَدِيَّة فدخلت عليه، ولم استأذن ولم أسلم ، فقال لي الرسول:"إرجع فقل:" السلام عليكم ،أأدخل؟")( 30)
ثم يتجلى سمو خُلُقه وحسن أدبه في حفاظه الشديد على كرامة الكائن البشري -الذي كرَّمه المولى سبحانه- ومراعاته الذكية لمشاعر الناس وأحاسيسهم،ومما يدل على ذلك :أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يواجه أحداً بأخطاءه وإنما كان يقول:
" ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .." تاركاً الفاعل الحقيقي يحس بذنبه ويعرف خطأه دون أن يعرف الآخرون عنه شيئا.
ويحكي ( معاوية بن الحكم قائلاً : "بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: (يرحمك الله) فرماني القوم بأبصارهم.
فقلت: واثكل أمياه،ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون أفخاذهم.(4/165)
فلما رأيت أنهم يصمتونني سكت".
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه... فو الله ما قهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس... إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن..!" ) رواه مسلم( 31)
...
وعلى الرغم من كل ذلك ؛فقد كان دائماً يدعو ربه قائلاً:" اللهم كما حسَّنتَ خَلقي فحسِّن خُلُقي"!!!
ب- الكرم المحمدي:
(كان الكرم المحمدي مضرب الأمثال،فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً وهو يجد ما يعطيه،فقد سأله رجل حُلة كان يلبسها،فدخل بيته فخلعها ،ثم خرج بها في يده وأعطاها إياه،وسأله رجل فأعطاه غنماً بين جبلين،فلم يكن الرجل مصدقاً ،فأسرع بها وهو ينظر خلفه خشية أن يرجع النبي الكريم في قوله،ثم ذهب إلى قومه فقال لهم:" يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر!"...وحسبنا في الاستدلال على كرمه صلى الله عليه وسلم حديث بن عباس الذي رواه البخاري :"قال بن عباس حين سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في في شهر رمضان،حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ،فكان صلى الله عليه وسل أجود من الريح المُرسلة" .
وفيما يلي بعض الأمثلة العجيبة على جوده وكرمه:
*أعطى الرسول الكريم العباس رضي الله تعالى عنه من الذهب ما لم يُطِق حمله.
**وأعطى معوذ بن عفراء ملء كفيه حُليا وذهباً لما جاءه بهدية من رُطب وقِثَّاء.
***جاءه رجل فسأله، فقال له ما عندي شيء ولكن إبتع علي(أي اشتر ما تحتاجه على حسابي وأنا أسدده عنك إن شاء الله) فإذا جاءنا شيء قضيناه"!!) (32)
ج- الحلم المحمدي:
(كان الحلم - وهو ضبط النفس حتى لا يظهر منها ما يكره قولاً أو فعلا عند الغضب- فيه صلى الله عليه وسلم مضرب الأمثال،ولعل ذلك يظهر فيما يلي من الأمثلة:
*لمَّا شُجَّت وجنتاه صلى الله عليه وسلم وكُسرت رباعيته(السِنَّتان الأماميتان بالفك) يوم أُحد رفع يديه إلى السماء،فظن الصحابة أنه سيدعو على الكفار،ولكنه قال:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" !!!
**ولما جذبه أعرابي برداءه جذبة شديدة حتى أثرت في صفحة عنقه صلى الله عليه وسلم، وقال الأعرابي :" إحمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك ،فإنك لاتحمل لي من مالك ومال أبيك"،حلُمَ عليه صلى الله عليه وسلم ولم يزد أن قال:" المال مال الله وأنا عبده ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي" فقال الأعرابي:"لا"، فقال النبي :"لم؟" قال لأنك لا تكافيء السيئة بالسيئة"،فضحك صلى الله عليه وسلم،ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير، وعلى آخر تمر!!!
***لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم ضرب خادماً ولا امرأة قط ، بهذا أخبرت عائشة رضي الله عنه ، فقالت:" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصراً من مظلمة ظُلمها قط،ما لم تكن حُرمة من محارم الله ، وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يُجاهد في سبيل الله،وما ضرب خادماً قط ولا امرأة.
ج- العفو المحمدي:
(كان العفو- وهو ترك المؤاخذة ،عند القدرة على الأخذ من المسيء - من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم،وقد أمره به المولى تبارك وتعالى حين تنزل جبريل بالآية الكريمة:"خُذ العفوَ وَأْمُر بالعُرف وأعرِض عن الجاهلين" فسأله صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية،فقال له:" حتى أسال العليم الحكيم"،ثم أتاه فقال :" يا محمد إن الله يأمرك ان تصل من قطعك،و وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك"
وقد امتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه،فنراه:
(ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً- فإن كان إثماً كان ابعد الناس عنه،كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.
ويتجسد عفوه حين تصدى له "غورث بن الحارث" ليفتك به صلى الله عليه وسلم والرسول مطّرح تحت شجرة وحده قائلاً(نائماً في وقت القيلولة)، وأصحابه قائلون أيضاً، وذلك في غزوة، فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا و غورث قائم على رأسه، والسيف مسلطاً في يده،وهو يقول:" ما يمنعك مني؟" فقال صلى الله عليه وسلم:"الله"!! فسقط السيف من يد غورث ،فأخذه النبي الكريم وقال:" من يمنعك مني؟" قال غورث:" كُن خير آخِذ" ،فتركه وعفا عنه،فعاد إلى قومه فقال:" جئتكم من عند خير الناس!"
ولما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالات قريش - الذين طالما كذَّبوه ، و أهانوه ،وعذبوا أصحابه وشردوهم- جالسين مطأطئي الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتح فيهم،فإذا به يقول لهم:" يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا:" أخ كريم ، وابن أخ كريم"،قال:" إذهبوا فأنتم الطلقاء!!!" فعفا عنهم بعد أن ارتكبوا من الجرائم في حقه وحق أصحابه ما لا يُحصى عدده!!!
ولما تآمر عليه المنافقون ليقتلوه وهو في طريق عودته من تبوك إلى المدينة ، وعلم بهم وقيل له فيهم،عفا عنهم وقال:" لا يُتحدَّث أن محمداً يقتل أصحابه!!! )( 33)(4/166)
وحين كان الكفار ينادونه ب" مذمم" بدلاً من "محمد"، وغضب أصحابه صلى الله عليه وسلم...كان يقول لهم:" دعوهم فإنما يشتمون" مذمماً"، وأنا "محمد"!!! ( 34)
د- الشجاعة المحمدية:
(كان صلى الله عليه وسلم شجاع القلب والعقل معاً،فشجاعة القلب هي عدم الخوف مما يُخاف منه عادةً،والإقدام على دفع ما يُخاف منه بقوة وحزم،أما شجاعة العقل فهي المُضي فيما هو الرأي وعدم النظر إلى عاقبة الأمر،متى ظهر أنه الحق...فكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس على الإطلاق!
،ومن أدلة ذلك أن الله تعالى كلفه بأن يقاتل وحده في قوله:" فقاتِل في سبيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إلا نفسك،وحرِّض المؤمنين"(النساء- 84)،ومن بعض أدلة ومظاهر شجاعته صلى الله عليه وسلم ما يلي:
شهادة الشجعان الأبطال له بذلك،فقد قال علي بن أبي طالب ، وكان فارسا مغواراً من أبطال الرجال وشجعانهم :" كنا إذا حمي البأس (اشتدت المعركة)واحمرت الحُدُق(جمع حدقة وهي بياض العين) نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم أي نتقي الضرب والطعان"!!!
وهذا موقفه البطولي الخارق للعادة يوم أُحد حيث ذهل عن أنفسهم الشجعان،ووقف محمد صلى الله عليه و سلم كالجبل الأشم حتى لاذ به أصحابه والتفوا حوله وقاتلوا حتى انجلت المعركة بعد قتال مرير وهزيمة نكراء حلت بالقوم من جراء مخالفتهم لكلامه صلى الله عليه وسلم ،
وفي حُنين حين انهزم أصحابه وفر رجاله لصعوبة مواجهة العدو من جراء الكمائن التي نصبها وأوقعهم فيها، وهم لا يدرون... بقي وحده صلى الله عليه وسلم في الميدان يطاول ويصاول وهو على بغلته يقول:" أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب" ومازال في المعركة يقول:" إلىَّ عباد الله ! إليَّ عباد الله" حتى أفاء أصحابه إليه وعاودوا الكرة على العدو فهزموهم في ساعة .
هذه بعض دلائل شجاعته القلبية ، أما شواهد شجاعته العقلية،فنكتفي فيها بشاهد واحد ،فإنه يكفي عن ألف شاهد ويزيد،وهو موقفه من تعنُّت "سهيل بن عمرو" وهو يملي وثيقة صلح الحديبية ،حين تنازل صلى الله عليه وسلم عن العبارة" بسم الله" إلى" باسمك اللهم"،وعن عبارة"محمد رسول الله" إلى " محمد بن عبد الله" ،وقد استشاط أصحابه صلى الله عليه وسلم غيظا،وبلغ بهم الغضب حداً لا مزيد عليه، وهو صابر ثابت حتى انتهت وكانت بعد أيام فتحاً مبينا؛ فضرب صلى الله عليه وسلم بذلك أروع مثل في الشجاعة وبعد النظر وأصالة وإصابة الرأي) ( 35)
هـ- الصبر المحمدي :
(كان الصبر- وهو حبس النفس على طاعة الله تعالى حتى لا تفارقها،وعن معصية الله تعالى حتى لا تقربها،وعلى قضاء الله تعالى حتى لا تجزع له ولا تسخط عليه- هو خُلق محمد صلى الله عليه وسلم،فقد صبر وصابر طيلة عهد إبلاغ رسالته الذي دام ثلاثاً وعشرين سنة،فلم يجزع يوماً، ولم يتخلَّ عن دعوته وإبلاغ رسالته حتى بلغ بها الآفاق التي شاء الله تعالى أن تبلغها،وباستعراض المواقف التالية تتجلى لنا حقيقة الصبر المحمدي الذي هو فيه أسوة كل مؤمن ومؤمنة في معترك الحياة:
صبره صلى الله عليه وسلم على أذى قريش طوال فترة بقاءه بينهم بمكة ،فقد ضربوه وألقوا روث الجزور على ظهره ، وسبوه واتهموه بالجنون مرة وبأنه ساحر مرة ،وبأنه كاهن مرة، وبأنه شاعر مرة ،وعذبوا أصحابه وحاصروه معهم ثلاث سنوات مع بني هاشم في شعب أبي طالب، وحكموا عليه بالإعدام وبعثوا رجالهم لتنفيذ الحكم إلا أن الله عز وجل سلَّمه وعصم دمه.
و صبره صلى الله عليه وسلم عام الحزن حين ماتت خديجة الزوجة الحنون التي صدقته حين كذبه الناس، وآوته حين طرده الناس، وأعطته حين حرمه الناس، وواسته حين اتهمه الناس...وصبره حين مات العم الحاني الحامي المدافع عنه ،فلم توهن هذه الرزايا من قدرته وقابل ذلك بصبر لم يعرف له في تاريخ الأبطال مثيل و لا نظير.
وصبره في كافة حروبه في بدر وفي أُحد وفي الخندق وفي الفتح وفي حنين وفي الطائف حين حاربته البلدة كلها ،وفي تبوك فلم يجبن ولم ينهزم ولم يفشل ولم يمل، حتى خاض حروبا عدة وقاد سرايا عديدة ،فقد عاش من غزوة إلى أخرى طيلة عشر سنوات !!! فأي صبر أعظم من هذا الصبر؟!!
و صبره صلى الله عليه وسلم على الجوع الشديد،فقد مات صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من خبز الشعير مرتين في يوم واحد قط!!!وهو الذي لو أراد أن يملك الدنيا لملكها ولكنه آثر الآخرة ونعيمها)( 36)
الرحمة المحمدية
كان صلى الله عليه وسلم يرحم الناس( رحمة الأقوياء الباذلين وليست رحمة الضعفاء البائسين،وكان يمارسها ممارسة مؤمن بها، متمضخ بعطرها، مخلوق من عجينتها)( 37) حتى أن ربه قال عن رحمته صلى الله عليه وسلم لسائر الخلق"وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"،وقال عن رحمته للمؤمنين خاصة:" بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم"(4/167)
وحين أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة فخرج إلى الطائف،وقف أهلها في صفين يرمونه بالحجارة ،فدميت قدماه الشريفتان ، وشكا إلى الله تعالى ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه على الناس ...فنزل جبريل عليه السلام ، (وقال يا محمد:" لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين "جبلين بمكة" لفعلت" ، فقال له رسول الرحمة والتسامح:" لا ، لعل الله يخرج من بين ظهرانيهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا" ، و قد صحت نظرة الرحمة والحلم المحمدية ، ودخل الناس في هذه الأماكن وغيرها في دين الله أفواجا !!!
وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً حتى في مقاتلته لأعداء دينه،فقد كان يوصي جيشه المقاتل بألا يضرب إلا من يضربه أو يرفع عليه السلاح ، وكان يقول" لا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا شيخا ولا تحرقوا نخيلا ولا زرعا، كما كان يحرص على عدم التمثيل بهم أو المبالغة في إهانتهم،فيقول:"إجتنبوا الوجوه ولا تضربوها"!! )( 38)
(وورد في البخاري مما رواه أنس رضي الله عنه أن غلاماً يهودياً كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما مرض،عاده الرسول الكريم فقعد على رأسه وقال له :" أسلِم " فنظر إلى أبيه و هو عنده،فقال:"أطع أبا القاسم"، فأسلم الغلام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" الحمد لله الذي أنقذه من النار"!!)( 39)
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالضعفاء رحمة بهم، فنراه يوصي باليتامى قائلا:" خير البيوت بيت فيه يتيم مُكرَم"؛ وبالنساء قائلاً:
" إستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خُلقن من ضلع أعوج"؛وبما ملكت الأيمان،(فنجد آخر كلماته صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة:
" الصلاة، وما ملكت أيمانكم،حتى جعل يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه!!!) ( 40)
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته( أنه كان يتلو قول الله تعالى في إبراهيم:" رب إنَّهُنَّ أضْلَلْن كثيراً من الناس فَمَن تَبِعني فإنَّه مِنِّي ومَن عصاني فإنك غفورٌ رحيم"
،وقول عيسى:" إن تعذِّبهُم فإنَّهم عبادُك وإن تغفرلهم فإنك أنتَ العزيزُ الحكيم"
فرفع يديه قائلاً:" اللهم أمتي أمتي" وبكى،فقال الله عز وجل-وهو أعلم-:" يا جبريل إذهب إلى محمد فسله:" ما يبكيك؟" فاتاه جبريل فسأله ،فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله تعالى:" يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له:" إنا سنرضيك في أمتك ولن نسوؤك")( 41)
الوفاء المحمدي
(كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم باهراً،فقد كان وفياً لربه،ووفياً لحاضنته،ووفياً لزوجاته،ووفياً لأصحابه، ووفيا ًلسائر الكائنات.
فقد سألته السيدة عائشة يوماً حين كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه لماذا يجهد نفسه بهذا الشكل وقد غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،فكان رده صلى الله عليه وسلم:" أفلا أكون عبداً شكورا"؟!!!!
(وذات يوم زارته بالمدينة سيدة عجوز فخفَّ عليه الصلاة والسلام للقائها في حفاوة بالغة، وغبطة حافلة، وأسرع فجاء ببردته النفيسة وبسطها على الأرض لتجلس عليها العجوز؛ وبعد انصرافها سألته عائشة رضي الله عنها عن سر حفاوته بها فقال:" إنها كانت تزورنا أيام خديجة"!!!
وبين غرفته بالمسجد ومكان المنبر حيث كان يؤم المسلمين في الصلاة بضع خطوات ..كان يقطعها كل يوم عند كل صلاة ولقد أحب هذه الأمتار من الأرض لأنها كانت ممشاه إلى الله، وإلى قرة عينه الصلاة، ولقد أخذه الحب لها والوفاء حتى أكرمها وأجلَّها وقال:" ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة"!!!)( 42)
ومن أحلى الأوقات لرواية هذه القصص لأطفالنا عنه صلى الله عليه وسلم ، وأكثرها تأثيراً في النفس هو وقت ما قبل النوم ، حين تنطفىء الأنوار - أو تكون خافتة- ويكون الطفل مهيئاً للاستماع والتخيل، ومن ثم التفكير فيما يسمع.
فإن لم يستطع الوالدان أن يصحبوا أطفالهم في هذه الروضة المحمدية ليتنسموا عبق الرياحين و الأزهار، ويقتطفوا من أطايب الثمار ، فيمكنهما أن يسمعا معهم- بالسيارة- وهم في الطريق إلى النزهة الأسبوعية مثلاً أشرطة "الأخلاق " للأستاذ عمرو خالد التي تتكلم- بأسلوب واضح يفهمه الكبار والصغار- عن شتى الأخلاق الإسلامية ،ومظاهر كل خُلق لدي الرسول الكريم.(4/168)
ولعله من المفيد الإشارة إلى أن تعليم أخلاق الرسول الكريم لأطفالنا قد يخلق لهم مشكلة وهي أنهم سيواجَهون في المجتمع بمن يتصرفون بعكس هذه الأخلاق،فيرون أقرانهم يكذبون، ويغشون، ويتكبرون، ويتنابزون بالألقاب، ويغضبون لأتفه الأسباب... بل والأسوأ من ذلك أن هؤلاء الأقران قد يتعاملون معهم على أنهم ضعفاء أو أغبياء لتمسكهم بهذه الأخلاق!!! مما يسبب لهم إحباطا واضطراباً وعدم ثقة فيما تعلموه من والديهم ...وقد يتسبب هذا-أحياناً- في أن يندم الوالدان على تربية أولادهم على الأخلاق في زمن لا يقدِّر الأخلاق... لكن كاتبة السطور تحذِِّر من هذا الإحساس المدمِّر،وذلك المدخل من مداخل الشيطان على المؤمن، وتؤكد أن ما فعله الوالدان هو الصحيح ، والدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً" فإذا كنا قد علَّمناهم الأخلاق ابتغاء مرضاة الله تعالى، فلابد من أن نوقن في أنه سبحانه سيجعل لهم فرجا و مخرجا؛ وأن النصر في النهاية سيكون- بإذن الله - حليفهم ،إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة.
كما ينبغي أن نعلم أطفالنا أن يقول كل منهم لنفسه حين يرى تلك النماذج المؤسفة لسوء الخلق:" أنا على حق"، "إنهم هم المخطئون"،" واجبي أن أتمسك بأخلاقي حتى يفعلوا مثلي يومًا ما- كما فعل رسول الله حين كان هو المسلم الوحيد على وجه الأرض- وإن لم يفعلوا أكون من الفائزين بالجنة إن شاء الله !"
وينبغي أن نساعدهم على اختيار الأصدقاء الذين يشاركونهم هذه الأخلاق،فإن ذلك يعينهم ،ويشعرهم أنهم ليسوا بغرباء في المجتمع.
ولا ننسى الدعاء لهم دائماً:" اللهم اهد أولادي وأولاد المسلمين لصالح الأعمال والخلاق والأهواء،فإنه لا يهديهم لأحسنها إلا أنت ،واصرف عنهم سيئها ،فإنه لا يصرف عنهم سيئها إلا أنت"
"اللهم كما حسَّنت خَلقهم ،فحسِّن خُلُقهم"
مرحلة مابين الرابعة عشرة والسادسة عشرة:
من المُجدي في هذه المرحلة أن يقوم الوالدان بعقد المسابقات في الإجازة الصيفية بين الأولاد وأقرانهم من الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء بالمدرسة أو النادي لعمل أبحاث صغيرة عن سيرته صلى الله عليه وسلم ، بحيث تشمل موضوعاتها مثلا:
حالة البشرية قبل مولده صلىالله عليه وسلم
حادثة الفيل
عبد الله ، وآمنة
مولده صلى الله عليه سلم وقصته مع حليمة
طفولته صلى الله عليه وسلم وصباه
فترة شبابه وزواجه من خديجة رضي الله عنها
علاقته صلى الله عليه وسلم بزوجاته رضوان الله عليهن
علاقته صلى الله عليه وسلم ببناته وخاصة فاطمة
علاقته صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحبه لهم وحبهم له.
معجزاته صلى الله عليه وسلم قبل وبعد نزول الوحي
فهذه الطريقة تجعل ما يقرءون،و يكتبون أكثر ثباتاً في عقولهم،وقلوبهم ؛لأنهم سيبذلون الجهد في البحث عن تلك المعلومات، وتجميعها، وترتيبها، ثم كتابتها و صياغتها بشكل جيد.
وينبغي مكافأة من قاموا بإعداد أبحاث جيدة بهدايا نعرف مسبقا أنهم يحبونها.
كما يمكن إهداء الطفل أو مكافاته بكتب مثل:
" معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل صدق نبوته" للشيخ إبراهيم جلهوم والشيخ محمد حماد، و " محمد صلى الله عليه وسلم " لعبد الحميد جودة االسحار.
6- كيف نقيس حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم؟
ينبغي لأبناءنا - في هذه المرحلة- أن يعرفوا أن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى برهان ،فلا يكفي أن يقولوا أنهم يحبونه وإنما ينبغي أن يظهر ذلك في أفعالهم وتصرفاتهم؛،وفيما يلي بعض الأسئلة التي يمكن أن تساعدهم على قياس مدى حبهم للرسول الكريم:
1- هل تصلي عليه كثيراً؟
إن المحب لا يفتر عن ذكر حبيبه والدعاء له،(وكما يقول الإمام بن القيم " إن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه،واستولى على جميع قلبه،وإذا أعرض عن ذكره واستحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه")( 43)
2- هل قرأت سيرته؟
إن المحب ليشتاق إلى معرفة نشأة حبيبه، وتطورات حياته وأخباره.
3- هل عرفت هديه؟
إن المحب يكون شغوفاً لمعرفة أفكار ومعتقدات وأقوال حبيبه(ولعل هذا يتحقق بقراءة كتب الأحاديث المبسطة مثل" رياض الصالحين")
4- هل تتبع سنته(الواجب منها والمستحب)؟
إن المحب يكون مولعاً بتقليد حبيبه(ولعل هذا يتحقق بالتعرف على سنته من خلال كتابي "فقه السنة"،و"منهاج المسلم")
5- هل زرت مدينته؟
إن المحب ليشتاق إلى ديار حبيبه، والمشي فوق خطواته.
6-هل تحب آل بيته الكرام وأصحابه وأتباعه رضوان الله تعالى عليهم؟
إن المحب يحب أحباب حبيبه.
7- هل تحدثت عنه مع غيرك ممن لا يعرفون عنه شيئا؟
إن المحب يود دائما ًلو ظل يتحدث عن حبيبه مع كل الناس.
8- هل ترضى بحكمه فيما شجر بينك وبين غيرك من خلافات؟
إن المحب ليرضى بحكم حبيبه في شتى الأحوال،فما بالك إذا كان الحبيب هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى؟ !(4/169)
؛فإذا كانت إجاباتهم كلها ب"نعم"،فهم يحبونه بالفعل،أما إن كانت الإجابة على بعض الأسئلة ب"لا" فهم محتاجون إلى أن يراجعوا أنفسهم ، وإعادة النظر في طريقة حبهم له صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت إجاباتهم كلها ب"نعم" وشعروا برغبة شديدة في رؤيته صلى الله عليه وسلم في الدنيا،فيمكن أن نروي لهم هذه القصة اللطيفة؛مع توضيح أن رؤيته- بشكل عام- فضلٌ من الله، وعطيَّة يهبها لمن يشاء من عباده المؤمنين:
( جاء تلميذ إلى أستاذه وقال:" علمت أنك ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤياك" ،فقال الأستاذ:" فماذا تريد يا بني؟" قال :" علِّمني كيف أراه"،فإني في شوق إلى رؤياه،فقال له:" فأنت مدعو لتناول العشاء معي هذه الليلة لأعلمك كيف تراه صلى الله عليه وسلم"
وذهب التلميذ لأستاذه الذي أكثر له من الملح في الطعام، ومنع عنه الماء،فطلب التلميذ الماء ،فمنعه الأستاذ ،بل أصر على أن يزيده من الطعام،ثم قال له:" نَم وإذا استيقظت قبل الفجر فسأعلمك كيف ترى النبي صلى الله عليه وسلم"،فبات التلميذ يتلوى من شدة العطش والظمأ، فقال له أستاذه حين استيقظ:"أي بني قبل أن أعلمك كيف تراه أسألك:"هل رأيت الليلة شيئا؟" قال :" نعم"،قال له" ما رأيت؟" ،فقال:" رأيت الأمطار تمطر،والأنهار تجري والبحار تسير" فقال الأستاذ:" صدقت نيتك فصدقت رؤيتك ،ولو صدقت محبتك لرأيت رسول الله!!!")( 44)
ومن الأمور بالغة الأهمية أن نوضح لهم الفرق بين أن نحبه صلى الله عليه وسلم وبين أن نغالي ونتعدى الحد،فمن أراد أن يُرضي الله بحب النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يحبه كما أراد الله ورسوله، وليس كما يوافق هواه !!!
(ومن منطلق أن حبه صلى الله عليه وسلم عبادة،فإن العبادة يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى ،كما يجب أن تكون على طريقة رسول الله ، وإذا خرجت عن هذين الشرطين،صارت بدعة،ومن ثم فهي مردودة على صاحبها،فقد قال تعالى" اليومَ أكملتُ لكُم دينَكم وأتممتُ عليكُم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دينا"،فقد تم الدين ولم يترك شيئاً لم يتحدث عنه،وما ارتضاه الله تعالى لنا لا ينبغي أن نغيره،فقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أشد حباً له ، ولكنهم لم يكونوا يفعلون محرماً من أجله صلى الله عليه وسلم؛ فكانوا لا يقومون إليه حين يأتيهم،كما يقوم الأعاجم الكفار لملوكهم ؛ وكانوا لا يبالغون في إطراءه حين نهاهم عن ذلك قائلاً :" لا تُطْروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم،فإنما أنا عبدٌ لله ، قولوا: "عبد الله ورسوله"
وحين جاءه صلى الله عليه وسلم رجل فراجعه في بعض الكلام،فقال:
" ما شاء الله وشئت"،فقال له:" أجعلتَني مع الله نداً؟ " بل قل:" ما شاء الله "
فلا ينبغي أن نُغضب الله سواء بالمغالاة في مدحه- صلى الله عليه وسلم- بان نرفعه فوق قدره ، أو بمجافاته صلى الله عليه وسلم بالعقل أو القلب... ولكن علينا بالوسطية، وهي التزام السنة)( 45)،( 46)
ومن ثم فعلينا أن نعلم أطفالنا مثلاً أنه لا يجوز الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم،أو الاستجارة به بعد وفاته،لأنه لا يملك لنا شيئا، كما لا ينبغي أن نفعل كما يفعل البعض عند قبره الشريف من رفع الصوت لأن الله تعالى يقول:" لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبي ولا تجهروا له بالقول كجهرِ بعضكم لبعض أن تحبَط أعمالَكم وأنتم لا تشعرون"(الحجرات-2)، ولا ينبغي أن ندعو أمام قبره ونحن ننظر إلى القبر،والصحيح أن ندعو ونحن متوجهون للقبلة ،أما المباح من القول ونحن ننظر للقبر ،فالسلام عليه والإكثار من الصلاة عليه.
كما ينبغي أن نتحدث معه عن بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي شاعت بين الناس،مثل" من حج ولم يزرنى فقد جفاني" و "من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى "و" رأيت ليلة أُسري بي مكتوباً على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله..."
من تجارب الأمهات:
*كانت الأم تحكي لطفلها منذ نعومة أظفاره سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان خَلقَه وخَلُقه،ولما بلغ العاشرة من عمره أكرمه الله تعالى بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ولما عاد قال لها :" إني أحب الرسول جداً وأتمنى رؤيته،ومقابلته في الجنة ؛ ولكني لا أحبه أن يكون ملتحياً؛ فأنا أفضله بدون لحية! فكان على الأم أن تتصرف بلباقة فقالت له:" أنا متأكدة يا بني أنك حين تراه ستحبه أكثر بكثير،سواء كان ملتحياً أم لا"،ولكنه أصر قائلاً:"لا، أنا أحبه بدون اللحية"،فقالت له الأم :" هل تعلم لماذا كان يربي الرسول لحيته؟" قال "لا"،فقالت له:" لأن اليهود كانوا يحلقون اللحية،ويعفون الشارب، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخالفهم...أم أنك كنت تفضل أن نتشبه بهؤلاء القوم؟!" فرد على الفور:" لا، لا يصح أن نتشبه بهم أبداً" وانتهى الحوار، ولم يعد يتكلم في هذا الموضوع أبداً.(4/170)
**وكانت أم أخرى تعاني من أن أصحاب ابنها من الجيران والزملاء لا يلتزمون بالأخلاق التي ربته عليها،مما تسبب له في إحباط وعدم ثقة في تلك الأخلاق؛ لأنه لا يريد أن يشذ عن أصدقاءه وزملاءه،فقررت الأم أن تدعو مجموعة من هؤلاء الأصحاب في الإجازة الصيفية ليلعبوا معه بمختلف الألعاب التي لديه ، وفي نهاية الجلسة كانت تقدم لهم بعض الفطائر والعصائر أو المرطبات وتجلس معهم لتحكي قصصاً عن خُلُق معين من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم مع توضيح فائدة الالتزام بهذا الخُلُق ، وكانوا هم يقاطعونها أحياناً ليكملوا حديثها،فكانت تتركهم يتكلمون- لأن ذلك يسعدهم- ثم تكمل حديثها؛ وكانت تكتفي بالحديث عن خُلُق واحد في كل مرة ...حتى شعرت في نهاية الإجازة بتطور ملحوظ في سلوكياتهم جميعاً،وفي طريقة حديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*** وكانت أم ثالثة تحكي لأطفالها عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وطباعه،و كيف كان يفكر، وكيف كان يحل شتى أنواع المشكلات،حتى اطمأنت أنهم قد فهموا ذلك جيداً،فصارت بعد ذلك كلما مر أحدهم بمشكلة جمعتهم وسألت:" تُرى كيف كان سيحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"
ثم تكافىء من يقدِّم الحل الصحيح...فكانت بذلك تعلمهم كيف يطبقون هَديَه صلى الله عليه وسلم في حياتهم بطريقة عملية متجددة، حتى يعتادوا ذلك في الكِبَر ،ويعتادوا أيضا مشاركة بعضهم البعض في حل مشكلاتهم.
وختاماً، فما هذه العجالة-التي أرجو أن ينفع الله تعالى بها- إلا نقطة بداية يمكن أن ينطلق منها الوالدان والمربون ليعينوا أبناءهم على محبته صلى الله عليه وسلم-بعد التأكد من صحة ما يقولون- كما يمكن اتباع نفس الطريقة لغرس محبة صحابة رسول الله - رضوان الله عليهم- في قلوب أطفالنا؛ وبالله التوفيق،وعليه التُكْلان،والحمد لله رب العالمين.
******
المصادر
================
1- فضيلة الشيخ محمد حسان. الشفاعة:خطبة مكتوبة،ومتاحة على موقع
www.alminbar.com
2- فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد. لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ درس مسجل على موقع
www.islamway.com
3 - سعيد عبد العظيم.خير الكلام في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإسكندرية: دارالإيمان،2001 ، ص 5
4-علاء داود. كيف نعلم أبناءنا حب الرسول؟ مقال في باب"حواء وآدم"،على موقع
ص1 (www.islam-online.net
5- تفسير الجلالين؛ وفضيلة الشيخ عبد الله النوري في كتابه " سألوني في التفسير"، منشورات ذات السلاسل، ص 116 ،الكويت،1986
6- الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد . الرسول صلى الله عليه وسلم : محاضرة على موقعه
ضمن سلسلة"دروس أخرى"www.forislam.com
7- علاء داود.كيف نعلم أبناءنا...، والأستاذ عمرو خالد. الرسول صلى الله عليه وسلم.
8- خيرية صابر.الأم قدوة متحركة في أرجاء البيت،مقالة على الموقع:
http://islamweb.net/pls/iweb/misc1.article=12695&thelan g=A
9- فضيلة الشيخ محمد حسان.الشفاعة.
10 –الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد .محبة النبي، شريط من إنتاج شركة النور للإنتاج الإعلامي والتوزيع بالقاهرة .تليفون 7604773
11-علاء داود ، كيف نعلم أبناءنا.
12-محمد سعيد مرسي- فن تربية الأولاد في الإسلام،القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية،1998- ص47
13-فضيلة الشيخ إبراهيم الدويش. توجيهات وأفكار في تربية الصغار: مقالة متاحة على الموقع
www.islammemo.com/lessons
14- محبة الرسول صلىالله عليه وسلم مقالة متاحة على موقع:
www.islamweb.net ،ص3
15- سعيد عبد العظيم،خير الكلام.. ص5
16-خيرية صابر، الأم قدوة...
17 - أ. د. عبد الغني عبود.طفلك هبة الله لك.- القاهرة: سفير،1997 .
18-من شريط كاسيت أركان الإسلام إنتاج شركة"سفير"،والكلمات للشاعر صلاح عفيفي)
19-خالد محمد خالد . إنسانيات محمد،القاهرة، دار المعارف1998 ،ص14
20- المصدر السابق،ص338،وص33-16
21-المصدر السابق ،ص 57
22-محمد سعيد مرسي . فن تربية الأولاد.. ص48
23-المصدر السابق- ص59
24-المصدر السابق-ص37
25 - المصدر السابق -ص 50-51
26 – المصدر السابق،ص69.
27-المصدرالسابق،ص59
28-المصدرالسابق،ص64
29- نفس المصدر السابق والصفحة.
30- أبو بكر جابر الجزائري.هذا الحبيب محمد رسول الله صلىالله عليه وسلم يا محب.المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم،2000 م ، ص 339
31-مقالة منشورة في باب:" لطائف" ؛ علىموقع فور إسلام www.forislam.com
32-أبو بكر الجزائري.هذا الحبيب محمد ،ص340-341
33-المصدرالسابق ،ص341-342
34-المصدر السابق،ص342-343
35- الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد.محمد صلىالله عليه وسلم .
36- خالد محمد خالد.إنسانيات محمد،ص15
37-المصدرالسابق، ص 126-127
38-المصدرالسابق،ص119
39-محمد سعيد مرسي.فن تربية الأولاد.ص402
40- أبو الحسن الندوي- سيرة خاتم النبيين للأطفال، القاهرة- دار الكلمة1998،(4/171)
41- د. خالد أبو شادي. وا شوقاه رسول الله ،القاهرة: دار الراية،2002 م ،ص 13 .
42- خالد محمد خالد، إنسانيات محمد، ص 108-109
43- د.خالد أبو شادي، واشوقاه...ص13
44- المصدر السابق،ص18
45-فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد .لماذا نحب...
46-فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي . أسماء الله الحسنى :
محاضرات متاحة على قرص مضغوط من إنتاج شركة أريب: درس إسم الله "البديع"
0000000000000
بناء شخصية الطفل في ميزان الشريعة
اهتمت الشريعة الإسلامية بالمرحلة التي تسبق مجيء الولد إلى هذه الدنيا، وذلك انطلاقاً من أن يكون الزواج مبنياً على أسس وقواعد مضبوطة، مثال ذلك قول الرسول [: >تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم<(1)
وأثناء الزواج اعتبرت الشريعة غالبية الأمور التي يقوم فيها الزوج تجاه زوجته، والأمور التي تقوم بها الزوجة تجاه زوجها نوعاً من أنواع العبادة، يثاب عليها الإنسان، دليل ذلك قول الرسول [: >إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة، فإنك تؤجر حتى اللقمة التي تضعها فم امرأتك<(2)
ولذلك لا تعتبر الشريعة الزواج فقط من أجل إشباع الرغبة الجنسية، بل تعتبر الزواج ذا أهداف راقية، كإعفاف النفس، واستمرار ذرية الإنسان، وإنشاء الجيل المسلم، مصداق ذلك ما أخرجه الإمام مسلم من قول الرسول [: >وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك لو ضوعها في الحلال كان له فيها أجر<•
وبعد الزوج لابد للزوج والزوجة من التحلي ببعض الصفات التي تناسب المربي الناجح، منها: الرحمة، والرفق، والحلم والأناة، والمرونة واليسر، والاعتدال والوسطية، مثال ذلك ما رواه أبو أمامة ]: أن امرأة أتت النبي [ ومعها ولدان، فأعطاها ثلاث تمرات فأعطت كل واحد منهما تمرة تمرة، ثم إن أحد الصبيين بكى، فشقت الثالثة، فأعطت كل واحد منهما النصف، فقال رسول الله [ـ: >والدات حاملات رحيمات بأولادهن، لولا ما يصنعون بأزواجهن دخل مصلياتهن الجنة<(3)•
كذلك فإن الشريعة تواكب الإنسان أثناء ولادته، وأثناء رضاعه، وذلك بهدف توجيهه نحو الخير، مثال ذلك: الأذان والإقامة في أذنيه بعد الولادة، الدعاء والتحنيك، حلق شعره، العقيقة، والتسمية، وما الى هنالك•
> اهتمام الشريعة الإسلامية ببناء شخصية الطفل:
تدل الوقائع بلا ريب على أهمية بناء وتكوين الشخصية التي سيكون لها الأثر الفعال في حياة الأفراد والجماعات، ويكون ذلك واضحاً في التركيز على مرحلة الطفولة، مصداق ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: >ما من مولود يولد إلا يولد الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فهيا من جدعاء<؟
ومن أهم المجالات التي اهتمت بها الشريعة ما يلي:
أ- الاهتمام بالجانب العقدي: حيث اعتبرت الشريعة الإسلامية زرع التوحيد في نفس الطفل شيئاً مهماً جداً، دليل ذلك قول أبي أمية: >كان رسول الله [ يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}(سورة الإسراء:111}(4)•
ثم انتقلت الشريعة إلى غرس حب الله ورسوله في نفسية الطفل، وذلك ليتحصن الطفل من كل ما يعترضه من مشاكل ومصاعب، دليل ذلك ما أخرجه الطبراني عن علي ] أن النبي [ قال: >أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن<•
واهتمت الشريعة أيضاً بتربية الأطفال على التضحية والفداء من أجل العقيدة، مثال ذلك حكاية أهل الأخدود، والتي ورد ذكرها في سورة البروج•
وهذا ما كان عليه حال الرعيل الأول من هذه الأمة، حيث كانت الأمهات يشجعن أطفالهن على الجهاد، وكن يفرحن باستشهادهن، وكان الأطفال يتبارون ويتسابقون في الخروج للجهاد وقتل الطغاة، ومثال ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص ] قال: رد رسول الله [ عمير بن أبي وقاص عن مخرجه إلى بدر واستصغره، فبكى عمير، فأجازه، قال سعد: فعقدت عليه حمالة سيفة، وقال: ولقد شهدت بدراً، وما في وجهي إلا شعرة واحدة أمسحها بيدي!(5)•
ب- الاهتمام الكبير بأمور العبادات: ذلك لأن العقيدة لا تثبت ولا تنمو في القلوب إلا إذا سقيت بماء العبادة، ولذلك قال تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى}(سورة طه: 132)•
وليس الطفل مكلفاً بالعبادات، إنما هي مرحلة تمهيدية يتعود فيها الطفل على الصلاة وعلى ارتياد المسجد، وعلى سماع الآذان والإقامة، وعلى حضور الجمع والجماعة••
مصداق ذلك ما رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله [: >مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع<(6)•
ورضي الله عن ابن مسعود عندما قال ناصحاً: حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير، فإن الخير عادة•(4/172)
ج- التأكيد على حسن بنيته الجسمية والصحية: وذلك من خلال إعطائه الفرصة السانحة للعب والرياضة والمسابقات ونحو ذلك، مصداق ذلك قول عمر رضي الله عنه: علموا أولادكم السباحة والرماية وأن يثبوا على الخيل وثباً•
كذلك فقد ركزت الشريعة على عدة أسس صحية تعود بالنفع على الطفل عندما يكبر، مثل التعود على سنة السواك، وتقليم الأظافر، واتباع السنن النبوية في الأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، دليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي [ وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوي؟ فقال: >نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاء غير داء واحدٍ هو الهرم<•
د- التركيز على الآداب والأخلاق: وخاصة مع الوالدين، والعلماء، والكبار في السن، والصغار، والأخوة، والجيران، ونحو ذلك•
دليل ذلك ما أخرجه الترمذي عن سعيد بن العاص أن رسول الله [ قال: >ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن<•
وفي السنة النبوية آداب معينة تختص بالطعام، وبالمظهر، وباللباس، وبالإنصاف وما إلى هنالك•
والشريعة الإسلامية ركزت على بناء الطفل بناءً اجتماعياً، بحيث يستطيع التكيف مع الكبار والصغار ونحو ذلك، ولايكون ذلك إلا إذا اصطحبه أبوه معه إلى مجالس الكبار، وإلى اختياره للأصحاب والأصدقاء•
وكذلك فقد ركزت على الجانب التعليمي والتفكري للطفل، وذلك من خلال غرس حب العلم في نفسه، والتركيز على جانب العودة الى مجالس العلم المنضبطة بالضوابط الشرعية والبعيدة عن الغلو والتطرف•
أجل! لقد جرب العالم الأنظمة الوضعية في مجال التربية، ثم عاد بخفي حنين، ولابد من العودة الى ما جاء به القرآن الكريم، والرسول الأسوة، وعسى أن يصلح آخر هذه الأمة بما صلح به أولها، مصداق ذلك قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً}(سورة الأحزاب: 21)•
والحمد لله رب العالمين
هوامش
1- صحيح الجامع الصغير: رقمه (2928)•
2- مسند الإمام أحمد: 172/1 •
3- مستدرك الحاكم: 174/4 •
============
تربية الأبناء في الإسلام عدد القراء : 450 .
ان من اكبر واجبات الاباء والمربين العمل على ربط ابنائهم باصول الايمان، من الحقائق الايمانية، والامور الطيبة، كالايمان بالله تعالى والايمان بالملائكة والايمان بالكتب السماوية والايمان بالرسل واليوم الاخر والبعث والحساب والجنة والنار وسائر الغيبيات.
ومن اكبر واجباتهم تعويد اولادهم اركان الاسلام من صلاة وصوم وزكاة وحج.. وكذلك تعليمهم مبادئ الشريعة وتعاليم الاسلام، من عقيدة وعبادة واخلاق واحكام.. وما كل ذلك الا ليبقى الولد مرتبطاً بالاسلام عقيدة وعبادة.. متصلا به منهاجاً ونظاماً- فلا يقبل سوى الاسلام ديناً ولا يرضى سوى القرآن إماماً وسوى الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وقائداً.
واليك اهم الارشادات النبوية الشريفة
* الفتح على الولد بتعليمه التوحيد (لا اله الا الله).
عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (افتحوا على صبيانكم اول كلمة بلا اله الا الله).
لتكون كلمة التوحيد وعقيدة الايمان اول ما يقرع سمع الصبي. واول ما ينطق به لسانه فتستقر بعد ذلك في فؤاده..
* أمره بالعبادة وهو في السابعة
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :(مروا اولادكم بالصلاة وهم ابناء سبع واضربوهم عليها وهم ابناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع).
* تعريفه أحكام الحلال والحرام
حيث يعتاد الولد منذ نشأته على الامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه عن ابن عباس رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم (اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا اولادكم بامتثال الاوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لهم ولكم من النار).
*تربيته على تلاوة القرآن وحب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته.
روى الطبراني عن علي كرم الله وجهه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ادبوا اولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن.. فان حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل الا ظله مع انبيائه واصفيائه).
*كما وينبغي تعليمهم غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة ومآثر القادة الافذاذ ومعارك الاسلام حتى يقتدوا بسير الاولين عزة وجهاداً وبطولة ويتمسكوا بالقرآن الكريم تلاوة وفهماً ومنهاجاً.
يقول سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه (كنا نعلم اولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن.
ويروى ان الفضل بن زيد رأى فتى من الاعراب فاعجب بمنظره فسأل امه عنه فقالت: اذا اتم خمس سنوات اسلمته الى المؤدب فحفظ القرآن فتلاه وعلمته الشعر فرواه ورغب في مفاخر قومه ولقن ماثر ابائه واجداده.. فلما بلغ الحلم حملته على اعناق الخيل..فتمرس وتفرس ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحي واصغى الى صوت الصارخ..(4/173)
*ارشادهم الى الايمان بالله تعالى وبالتامل والتفكر في خلقه.. حتى يصلوا معهم الى الايمان عن اقتناع وحجة وبرهان. فلا يستطيع دعاة الالحاد ان يؤثروا على عقولهم الناضجة ولا يستطيع احد ان يضعف نفسياتهم المؤمنة.
وعليهم ان يزرعوا في نفوسهم التقوى والخشوع لله. حتى تفتح بصائرهم على قدرة الله ومعجزاته في خلقه.. وعليهم ان يغرسوا فيهم روح المراقبة لله في كل احوالهم وذلك بتعويد الاولاد ان الله مطلع عليهم يعلم سرهم وجهرهم ويعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.. حتى يتعلموا الاخلاص لله.. ويشعرون ان الله سبحانه وتعالى لا يقبل منهم عملاً الا اذا قصد به وجه الله.. وان يبتعدوا عن خلق مذموم.. فعليهم ان لا يحقدوا ولا يحسدوا ولا يغتابوا او يقبلوا على الشهوات الباطلة.
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده امامك اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعوا على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك وان اجتمعت على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف.
==============
كيف نربي أبناءنا تربية صالحة
حمد حسن رقيط
قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " (رواه مسلم).
وعن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته؟
وماذا علمته؟ وإنه لمسؤول عن برك وطواعيته لك " رواه البيهقي.
الإهداء
إلى أمي وأبي اللذان ربياني صغيراً فأحسنا تربيتي وإلى أبنائنا وقرة أعيننا الذين نحب لهم طريق الهدى والرشاد.
وإلى الأمهات والآباء الذين يرجون لأبنائهم الخير والصلاح.
وإلى المربين الذين يتحملون مسؤولية التربية وأمانة التوجيه.
أهدي هذا الكتاب
المؤلف
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين وبعد: فإن الجواب على هذا السؤال وما يتفرع منه له أهمية بالغة في ميدان التربية والتعليم فتربية الأبناء تربية صالحة هي الأساس المتين في إعداد الفرد الصالح والأسرة السليمة والمجتمع الفاضل.
وتربية الأبناء اليوم تتعرض لمخاطر كثيرة: منها تقصير الأبوين المكلفين قبل غيرهما في تربية أبنائهما. ومنها قصور التعليم الحالي الذي أغفل جوانب مهمة في تربية الأولاد ولم يحط الإحاطة الشاملة التي تلبي حاجة الإنسان الروحية والفكرية والخلقية والجسدية. ومنها ترك المجال أمام دعاة الغزو الفكري والأخلاقي لبث سمومهم وترويج أفكارهم ليعملوا على هدم أخلاق الناشئين وتحطيم قيم أبناء الجيل.
ومنها: تقليد بعض المربين للمناهج الغربية والأخذ بكل نظرياتها من غير تمحيص ولا تحقيق في الوقت الذي أثبتت دراسات المحققين والنقاد قصور المناهج الغربية وتناقضها وخوائها الروحي وحاجتها الماسة إلى الإصلاح والتعديل.
ومنها: الغفلة عن مصادر المنهج الإسلامي في التربية والذي يولي تربية الأولاد أهمية بالغة- ويمتاز عن غيره من النظريات بالشمول والتوازن والواقعية ووحدة التلقي.
هذه الأسباب وغيرها أدت ولا تزال تؤدي دورها في إضاعة عقول أبنائنا وإبعادهم عن قيمهم وأخلاقهم.
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
إن البعد عن مصادر ثقافتنا وهجر أساليب تربيتنا والانسياق وراء النظريات المستوردة سيورث أبناءنا ضعف الإرادة وفراغ العقل وخواء الروح...
إن العودة إلى معين التربية الإسلامية وعودة الأبوين والأسرة لتولي مسؤوليتهما تجاه أبنائهم وعودة المربين المسلمين للأخذ بأساليب التربية الإسلامية الصحيحة التي تعني بتربية النفوس عنايتها بتربية العقول والأجسام هو الطريق الصحيح الذي يصنع الجيل الصاعد والمجتمع الفاضل والأمة الخيرة.
كيف نربي أبناءنا تربية صالحة سؤال يهم كل الآباء والمربين ولابد من الإجابة عليه مسترشدين بتوجيهات الإسلام وهديه وما كتبه العلماء وذكره أهل الاختصاص في التربية والتعليم كيف نربي أبناءنا تربية صالحة؟ سؤال يضع الآباء والمربين عند مسؤوليتهم الكبرى التي ألزمهم الإسلام بها في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
التربية في المفهوم الإسلامي
ما معنى التربية في المفهوم الإسلامي، وما علاقتها بتربية الأولاد؟(4/174)
التربية في أحسن معانيها كما يقول البيضاوي في تفسيره مأخوذة من الرب وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وقد وصف الله تعالى نفسه بالرب للمبالغة.
ويقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات:
الرب في الأصل: التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام. ومن معاني التربية تنمية قوى الإنسان الدينية والفكرية والخلقية تنمية متسقة متوازنة".
وعلى هذا الأساس تكون التربية في مجال تنشئة الأولاد عملية بناء ورعاية وإصلاح شيئا فشيئا حتى التمام أي المضي مع النشء بالتدرج من الولادة حتى سن البلوغ، والتربية بهذا المعنى فريضة إسلامية في أعناق جميع الآباء والأمهات والمعلمين لغرس الإيمان وتحقيق شريعة الله وهي مسؤولية وأمانة لا يجوز التخلي عنها قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
دور الآباء والأمهات في تربية الأبناء:
يحمل الإسلام الوالدين مسؤولية تربية الأبناء بالدرجة الأولى ويخصهما قبل غيرهما بهذا الواجب قال الله تعالى حاضا الوالدين على تربية الأبناء{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} قال: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير" رواه الحاكم في مستدركه.
قال المفسرون في الآية: قوا أنفسكم أي بالانتهاء عما نهاكم الله عنه وقال مقاتل: أن يؤدب المسلم نفسه وأهله فيأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.
وقد أكد الإمام ابن القيم هذه المسؤولية فقال رحمه الله: قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فإنه كما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه حق فكما قال الله تعالى: {)وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال علي بن أبي طالب: "علموهم وأدبوهم " وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم " (رواه البخاري).
مسؤولية الآباء نحو تربية أبنائهم
قال الإمام ابن القيم وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً}.
ثم يقول: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا".
والسؤال الذي يفرض نفسه: من المسؤول عن انحراف الأبناء؟ يحمل الإسلام الأبوين ومن يقوم مقامهما مسؤولية انحراف الأبناء ومن الأدلة القوية على ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }.
ومن تمام مسؤولية الأبوين عن تربية أبنائهما محاسبتهما على التقصير في حقهما فقد روى النسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" وفي الحديث المتفق عليه "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. الإمام راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".
هذه مسؤولية الآباء والأمهات نحو أبنائهم والتي لا يمكن أن تعوض بغيرهم وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن غالب انحراف الناشئين يرجع إلى انحراف المربي والقيم على التربية وصدق القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه(4/175)
فالحذر الحذر من ترك الأبناء لتربية الخادمات والحذر كل الحذر من ترك المحاضن الأجنبية والمدارس التبشيرية تحتضن أبناءنا وتربيهم وفق مناهجها فإن علماء التربية يؤكدون أن أكثر من 90% من تربية الطفل إنما تتشكل من خلال التربية والبيئة التي يعيش فيها الطفل.
صفات المربي
ما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربون من أمهات وآباء ومعلمين؟
هناك صفات أساسية تلزم كل مرب يباشر التربية والتعليم لأبنائه أو لغيرهم. من ذلك:
1- الحلم والأناة: وهما من الصفات التي يحبهما الله ولهما تأثير تربوي كبير، أخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ".
2- الرفق واللين:أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على سواه ".
3- الرحمة: صفة من صفات المربي الناجح وهي من الوالدين لأبنائهما أخص ورحمة الأولاد من أهم أسس نشأتهم ومقومات نموهم النفسي والاجتماعي نموا قويا سويا فإذا فقد الأولاد المحبة نشئوا منحرفين في المجتمع لا يتعاونون مع أفراده ولا يندمجون في وسطه. روى الإمام البخاري في صحيحه عن قتادة قال: "خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها" وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع: "إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً" فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:" من لا يرحم لا يُرحم ".
4- ومن صفات المربي الناجح أما كان أو أبا أو من يقوم مقامهما البعد عن الغضب لما له من آثار سلبية في العملية التربوية فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن رجلا طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصيه فقال له: "لا تغضب " ثلاث مرات يكررها عليه.
5- ومن ذلك المرونة ولين الجانب والأخذ بالتيسير الذي أباحه الشرع ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل ".
6- الأخذ بأيسر الأمرين ما لم يكن إثما لما ورد في الحديث المتفق عليه "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى". وأيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلابه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات وأرق التوجيهات ليصل إلى عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق.
من صفات المربي الناجح
1- ومن صفات المربي الناجح الاعتدال والتوسط في التوجيه والتربية والتعامل لأن الغلو والتطرف والتشدد لا مكان له في دين الإسلام ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد من غضب يومئذ فقال: يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة).
2- ومن صفات المربي: القصد في الموعظة وتقليل الكلام وعدم الإطالة وأدرك الصحابة رضي الله عنهم هذه الصفة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين ففي الحديث المتفق عليه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا".
3- ومن صفات المربي الناجح القدوة الحسنة وعدم مخالفة الفعل للقول قال الله تعالى في حق الرسول صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.
هذه أهم الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها المربي المسلم وما حازها أحد من المربين إلا كان قدوة حسنة يبني الرجال ويصنع الأبطال.(4/176)
وها هي أمثلة حية من اهتمام السلف الصالح بأبنائهم: لقد كان المثل الأعلى للسلف الصالح رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما" رواه الترمذي.
وفي حديث مسلم "عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم- أي يدعو لهم بالبركة ويحنكهم ومنهم من بال في حجره فإذا استحيا آباؤهم من ذلك وهموا أن يأخذوا الطفل من حجره قال لهم: لا تزرموا الصبي بوله " أي لا تقطعوا عليه بوله.
وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية البنات خاصة فقال:"ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه- أو صحبهما- إلا أدخلتاه الجنة" رواه ابن ماجه وغيره. وقد أدرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاهتمام بالأبناء فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نهى الناس عن أمر دعا أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقع الناس وإن هبتم هاب الناس وإنه والله لا ينفع أحد منكم في شيء نهيت الناس عنه إلا أضعف له العقوبة لمكانه مني ".
قال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي. [يقصد بذلك أنه يكثر من الدعاء لولده في الصلاة].
وقال أحد الصالحين: "يا بني إني لأستكثر من الصلاة لأجلك " وكان سهل التستري يتعهد ولده وهو في صلبه فيباشر إلى العمل الصالح رجاء أن يكرمه الله تعالى بالولد الصالح فيقول إني لأعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر وإني لأرعى أولادي من هذا الوقت إلى أن أخرجهم الله تعالى إلى عالم الشهود والظهور".
هكذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم يتعهدون أبناءهم رجاء أن يكونوا طائعين لله وخير خلف لهم.
رأي العلماء في تربية الأولاد
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سماهم الله تعالى- أبرارا" إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}- لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا".
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما ينقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة مربيه والقيم عليه ".
ويقول الأستاذ محمد نور سويد صاحب كتاب منهج التربية النبوية للطفل "حرص الإسلام على الأسرة وشدد عنايته بها لتكون المحضن الهادئ المستقر للطفل ولتكون موطن التأثير الأكبر في مجال التربية".
ويقول الأستاذ محمد قطب في كتابه منهج التربية الإسلامية: "وإذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعا لأنه يتسلم الطفل من أول مرحلة ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيرا في الطفل ".
ويقول الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي صاحب كتاب أصول التربية الإسلامية: "لا تحقيق لشريعة الله إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها".
ويقول الشيخ محمد بن جميل زينو في كتابه نداء إلى المربين والمربيات "إن مهمة المربي عظيمة جداً وعمله من أشرف الأعمال إذا أتقنه وأخلص لله تعالى فيه وربى الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة والمعلم والمعلمة ويشمل الأب والأم وكل من يرعى الأولاد.(4/177)
وهكذا يجمع العلماء على ضرورة تربية الأولاد تربية صحيحة قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن من يقوم بهذه المهمة إنما يقوم بعمل عظيم هو امتداد لمهمة الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم. والطفل كما يقولون صحيفة بيضاء نقية في أيدي أبويه ومن يربيه فإذا نقشوا فيه صالحا نشأ صالحا وإن نقشوا فيه شيئا فاسدا نشأ على السوء والفساد. فإذا أدرك الآباء والمربون هذه الأمانة وحملوها بصدق وإخلاص فلتبشر الأمة بالنصر القريب عملا بقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
حقوق الولد على والديه
ما هي الحقوق المشروعة للولد على والديه؟ وما علاقة هذه الحقوق بالتربية؟ عدد العلماء كثيرا من هذه الحقوق وأهمها عشرون حقاً:
الحق الأول: اختيار الزوجة الصالحة لأنها مضنة الولد الصالح والسعي للزواج من ذات الدين لتكون أما مربية تقية طاهرة عفيفة تعين أبناءها على التربية الصالحة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " ورغب الإسلام في المرأة الولود الودود فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ". ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنينا في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
الحق الثاني: إتباع السنة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح.
وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود وهو نطفة من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري. "أما لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدر أن يكون بينهما في ذلك وقضى ولد لم يضره شيطان أبداً". وهذا جانب من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.
وفي طلب الولد الصالح يعلمنا الله سبحانه وتعالى هذا الدعاء {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}.
الحق الثالث: إتباع السنة في استقبال المولود من رفع الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى وتحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه و العقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه.. وذلك للأدلة التالية:
روى البيهقي وابن السني عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان ".
- وعن التحنيك بالتمر والدعاء له جاء في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي".
وعن استحباب الحلق والتصدق بوزنه فضة ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: وزنت فاطمة رضي الله عنها شعر رأس حسين وحسن وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة".
سنن المولود والحكم التربوية
ومن سنن المولود العقيقة روى الإمام أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة".
ومن ذلك تحسين اسم المولود وتكنيته لما روى أصحاب السنن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه ".
وفي الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم ".
ومن ذلك استحباب التكنية جاء في الصحيحين من حديث أنسى رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له (أبا عمير) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه يقول له: "يا أبا عمير ما فعل النغير". ومن ذلك سنة الختان جاء في الصحيحين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط " ويفضل الختان أن يكون في الأسبوع الأول لما رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام ".
- ولهذه السنن والأعمال المتعلقة بالمولود حكم وفوائد تربوية فرفع الآذان والإقامة في أذن المولود إشعار له بالشهادة والتوحيد والإسلام الذي هو دين الفطرة ودين آبائه وأجداده.. وفيه طرد للشيطان الذي يتربص بالإنسان منذ ولادته لإفساده.
- وفي الدعاء للمولود طلب الصلاح والخير له ليبقى هذا الصلاح نافعاً له ولوالديه لقوله عليه الصلاة والسلام "وولد صالح يدعو له ".(4/178)
- وفي تحنيك المولود بالتمر إشارة إلى أهمية التمر كغذاء رئيسي للتنشئة السليمة وفيه تقوية لعضلات فم المولود ليقوم بالرضاعة على أحسن وجه.
- وفي حلق رأسه تقوية له وفتح لمسام رأسه وتقوية لحاسة البصر والشم والسمع.
- وفي التصدق بشعر رأسه فضة إشارة إلى ضرورة التكافل الاجتماعي والتراحم بين المسلمين والقضاء على أسباب الفقر والحاجة.
- وفي حكمة العقيقة فوائد منها التقرب إلى الله وشكره على نعمة الولد.
- إظهار الفرح والسرور بتكاثر نسل المسلمين.
- إظهار روح المحبة والتراحم بين المسلمين.
- دفع مصارع السوء والمصائب لأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
وفي تسمية المولود بأحب الأسماء إليه وتكنيته ما ينمي فيه شعور التكريم والاحترام وينمي فيه قوة الشخصية لاستشعاره أنه بلغ مرتبة الكبار وفيه أيضاً ملاطفته وإدخال السرور عليه بمناداته بأحب الأسماء إليه. وفي حكمة الختان يتخلص المرء من المفرزات الدهنية والتفسخات ويقلل من خطر الإصابة بالسرطان وسلس البول والتهيجات الجنسية وغير ذلك من الحكم.
من الحقوق المشروعة للولد
الحق الرابع: الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات لقول الله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ولتكريم الأنثى في الإسلام جعل الله سبحانه وتعالى اسمها مقدماً على اسم الذكر فقال تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين- وضم أصابعه " وفي ذلك من التربية والتوجيه لاقتلاع العادات الجاهلية ما لا يخفى.
الحق الخامس: أن يختار له مرضعة صالحة إن فقد أمه.
وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.
ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموا طبيعيا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية.
وأكد الطبيب ابن سيناء أهمية الرضاعة الطبيعية بقوله: "إنه يجب أن يرضع ما أمكن من لبن أمه فإن في إلقامه ثدي أمه عظيم النفع جدا في دفع ما يؤذيه ".
الحق السادس: أن تحضن الأم ابنها وخاصة مرحلة المهد والطفولة المبكرة ولا تتركه للخادمات والمربيات وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها، ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} ويرى العلماء أن الطفل يحس بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.
الحق السابع: أن يعلمه والداه كتاب الله عز وجل ثم ما يلزم من العلوم الضرورية الدينية والدنيوية.. وقد أخرج الطبراني وابن النجار عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه والوالدان اللذان يهتمان بتعليم أولادهما القرآن لهما الثواب العظيم أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ القرآن وعمل به ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس.
ولا شك أن تربية الأطفال على القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم من شأنه أن يوسع مداركهم ويزودهم بالحكمة والهداية والنور قال الله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر ويقول سهل التستري فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.
أبناؤنا والحقوق المشروعة
الحق الثامن: ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه " رواه الترمذي. وما يغذى به الأولاد ينبغي أن يكون حلالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص "أطب مطعمك تجب دعوتك ".
فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيدا عن الإسراف والتقتير.(4/179)
الحق التاسع: أن يعلمه الصلاة ويعوده عليها لقول الله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}. وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " فيؤمر الصبي بالصلاة في سن السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي نبه إليها الإسلام ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصر في صلاته حتى سن العاشرة فإن تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام الضرب تأديباً له على ما فرط في جنب الله.
ويشجع الطفل في هذه السن على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين ومن أنجح الوسائل في تحبيب الأطفال لصلاة الجماعة اصطحاب الأب لأبنائه وأخذهم معه لأداء صلاة الجماعة في المسجد.
من أمثلة ذلك ما كان من فعله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب حينما دعاه إلى الإسلام وعمره لم يتجاوز العاشرة فأسلم ولازمه في الخروج إلى الصلاة مستخفياً في شعاب مكة حتى عن أهله وأبيه.
الحق العاشر: أن يدربه على الصوم:
وهذا من العمل المستحب إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء إلى قرى الأنصار: من كان صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن- أي الصوف- فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار" قال الحافظ ابن حجر معلقاً: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم. والصوم من الوجهة التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الإخلاص لله تعالى ومراقبته في السر وتقوية الإرادة وكبح جماح الشهوات ويؤمر به الأطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج.
من حقوق الأبناء في التربية
الحق الحادي عشر: تربية البنات على الحجاب:
تعود البنت على لبس الحجاب منذ الطفولة ليكون لها شرفاً وحفظاً ويرى العلماء أن تعود البنت على لبس الحجاب في سن السابعة قياساً على حديث الأمر بالصلاة. ومن فوائد الحجاب للبنت صيانتها والحفاظ، على عفتها وشرفها ويدخل في دائرة الحجاب إبعاد البنت عن الاختلاط بالأجانب.. قال الله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
ومن أسف لما أهمل الحجاب وسمح بالاختلاط بين الجنسين وقع ما حذر منه الإسلام من هتك الأعراض وضياع الشرف وانتشار الفساد والوقوع في الحرام.
ويخاطب الله المؤمنات جميعاً فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} وينهى الله المؤمنات عن التبرج {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}.
الحق الثاني عشر: أن يعلم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول وقد جاء هذا التوجيه في القرآن الكريم بأسلوب تربوي متدرج فطلب من الأطفال وهم صغار أن يستأذنوا في ثلاث أوقات مهمة:(4/180)
1- من قبل صلاة الفجر 2- ووقت الظهيرة عند القيلولة 3- وبعد صلاة العشاء. فإذا بلغ الأولاد سن البلوغ وجب عليهم الاستئذان في البيت للدخول على والديهم في كل وقت قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وفي تربية الأولاد على هذه الآداب تعويد لهم على غض البصر عن العورات وحفظ لهم من أسباب الإثارات التي قد تسبب لهم بعض الأضرار النفسية والاجتماعية والخلقية.
من حقوق الأبناء في الإسلام
الحق الثالث عشر: أن يعدل الوالدان بين أولادهم:
فلا يفضل أحد على أحد ولا يميز الذكور على الإناث، والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة.
روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أنثى فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده- يعني الذكور عليها- أدخله الله الجنة".
وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذ وفي الحديث المتفق عليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ".
الحق الرابع عشر: تخير الصحبة الصالحة لهم لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار وحذر من صحبة الأشرار وفي الحديث الصحيح: "لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ".
وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:
واختر من الأصحاب كل مرشد إن القرين بالقرين يقتدي
فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى
وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً
الحق الخامس عشر: توفير أسباب اللهو واللعب المفيد من سباحة ورماية وركوب الخيل وما جرى مجراهم في النفع جاء في سنن الترمذي عن ابن جرير بسنده عن علي رضي الله عنه قال: ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه إلا لسعد قال: ارم فداك أبي وأمي أيها الغلام الحرور" وفي صحيح الجامع عن أبي العالية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بفتية يرمون فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً" ولهذا الجانب أهمية بالغة في التربية فهو يكسب الأطفال الثقة بأنفسهم فيشبوا على تعلم مهارات كثيرة تكون أساساً لكثير من الأنشطة الحياتية إذا كبروا. وهناك فائدة أخرى مهمة في توفير الوالدين والمربين الألعاب بين يدي الأطفال وهي تفريغ طاقاتهم المكبوتة وتوجيهها الوجهة الصحيحة وصرفهم عن اللهو الحرام والسلوك الخاطئ.
واجب الآباء نحو الأبناء
الحق السادس عشر: أن يعوله حتى سن الرشد:
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله هل لي في بني أبي سلمة أجر إن أنفقت عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا- أي يتفرقون في طلب القوت هكذا وهكذا- إنما هم بني فقال: نعم لك أجر ما أنفقت " رواه البخاري ومسلم.
ولا يخفى ما في ذاك من فوائد تربوية إذ فيه حسن إعداد الأطفال ليتجاوبوا مع التربية في سن الصغر فلا ينشغلوا عن ذلك بطعامهم وشرابهم. ومن أجل ذلك قال العلماء: ويلزم الوالدين إن كانا أغنياء أن ينفقا على أولادهما حتى ما بعد الرشد إن كانوا فقراء.
الحق السابع عشر: من حق الأولاد على والديهم الرحمة وما يتفرع عنها من حب وحنان وعطف.
روى أحمد في مسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوماً إذ قال الخادم: إن فاطمة وعلياً رضي الله عنهما بالسدة قالت: فقال لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت: قمت فتنحيت في البيت قريباً فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق علياً وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال: "اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي " قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله فقال وأنت".
وفي الحديث فوائد تربوية عظيمة منها:(4/181)
ضرب المثل الحسن في معاملة الأب لأولاده وأحفاده وزوج بنته ومنها أن الرحمة مع أفراد الأسرة ولا سيما الصغار مصدر سدادة وسرور.
ومنها: أن العطف على الصغار يولد فيهم حب آبائهم والسير على منهاجهم وطريقتهم ويجنبهم مخاطر العقوق والتمرد.
ومنها: الحرص بين أفراد الأسرة على التهادي ودعاء رب الأسرة لأهله وأولاده وأحفاده بالخير وسؤال الجنة لهم وإعاذتهم من النار.
ومنها أن تقبيل الأطفال له أثر فعال في تحريك مشاعرهم وتسكين غضبهم وهو دليل رحمة ومحبة للطفل ودليل تواضع من المربي معهم.
الحق الثامن عشر: من حق الأولاد التأديب:
روى البخاري في التاريخ والبيهقي عن أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما نحل والد ولداً نحلاً أفضل من أدب حسن " ونحل أعطى. وروى الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين ". ومن هنا قال العلماء: إذا بلغ الولد ست سنين أدب فإذا بلغ تسع سنين عزل فراشه فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة يضرب على الصلاة فإذا بلغ ست عشرة سنة زوجه أبوه.
روى البيهقي عن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: "أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه لمسؤول عن برك وطواعيته لك ".
من صور تأديب الأولاد
من واجب الآباء والأمهات والمربين تعليم الأطفال منذ الصغر النطق بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإفهامهم معناها عندما يكبرون: لا معبود بحق إلا الله قال الإمام ابن القيم رحمه الله في أحكام المولود: فإذا كان وقت نطقهم أي الأطفال فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا".
ومن أساليب التأديب غرس محبة الله ورسوله وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وتعويدهم أن يسألوا الله وحده ويستعينوا به وحده لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه: "وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله " حديث حسن صحيح رواه الترمذي ".
ومن تأديب الأولاد تعويدهم على الصدق قولاً وعملاً بأن لا نكذب عليهم ولو مازحين وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا لما ورد في صحيح البخاري ومسلم من تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الكذب: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ".
ومن صور التأديب غرس العقيدة الصحيحة في الله وأسمائه وصفاته والتأكيد على قضية الإيمان والتوحيد والتحذير من الشرك لأنه الظلم العظيم.
ومن معاني التأديب غرس عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره وغرس عقيدة اليوم الآخر وما فيه من حساب وصراط وجنة ونار روى الترمذي في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وقد كان غلاماً صغيراً. قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ".
ومن وسائل التأديب: تعويد الأطفال على الآداب الاجتماعية كآداب الطعام والشراب وآداب السلام وآداب المجلس وآداب العطاس والتثاؤب وآداب النوم والآداب مع الوالدين والأخوة والآداب مع الجيران.
- ومن أدب البنين والبنات تحذيرهم من تشبه البنات بالرجال وتشبه الأولاد بالنساء سواء كان في الملبس أو في الحركة فإن ذلك من الاسترجال المنافي للأنوثة عند الفتيات ومن الميوعة والتخنث المنافي للرجولة عند الأولاد.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ".
الأولاد والحقوق المشروعة
الحق التاسع عشر: تعليم الولد أحكام المراهق والبلوغ فيعلم الولد هذه الأحكام أو ما يسمى بالثقافة الجنسية سواء كان الولد ذكراً أم أنثى فيعرف الصبي إذا بلغ الحلم وهو السن الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 سنة أنه إذا نزل منه مني ذو دفق وشهوة فقد أصبح بالغاً ومكلفاً شرعاً يجب عليه ما يجب على الرجال الكبار من مسؤوليات وتكاليف ويجب على الأم أن تصارح ابنتها إذا بلغت سن التاسعة فما فوق وتذكرت احتلاماً ورأت الماء الرقيق الأصفر على ثوبها بعد الاستيقاظ أصبحت بالغة ومكلفة شرعاً يجب عليها ما يجب على النساء الكبار من مسؤوليات وتكاليف.
روى الإمام أحمد والنسائي عن خولة بنت حكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال: ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل".(4/182)
ويعلم الولد أن نزول المني على سبيل الدفق والشهوة يوجب الغسل وتعلم الفتاة أن انقطاع مدة الحيض والنفاس يوجب الغسل على المرأة ويعلم كل منهما فرائض الغسل وسننه وكيفيته.
وجانب التربية الجنسية جانب مهم يكمل صورة التربية الشاملة التي دعا إليها الإسلام والتي تستوعب الإنسان في كل جزئياته.
الحق العشرون: أن يبحث الوالدان لولدهما عن الزوجة الصالحة ولبنتهما عن الزوج الصالح وينفقا على زواجهما إن كانا غنيين وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على زواج الشباب في سن مبكرة فقال في الحديث الصحيح: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".رواه البخاري
وينصح الشيخ عبد الله ناصح علوان رحمه الله الآباء في كتابه القيم تربية الأولاد في الإسلام فيقول:" إن كنت ميسوراً أيها الأب من الناحية المادية فينبغي أن تساهم مساهمة فعالة في تسهيل أسباب الزواج لولدك لتنقذه من الهواجس النفسية والتأملات الجنسية التي تسيطر على عقله وتفكيره وتقف عائقاً في طريق غايته أو تعلمه وتنقذه أيضاً من الانحلال الخلقي الذي يفتك بصحته ويسيء إلى سمعته ولا يأتي هذا إلا بتيسير أسباب الزواج من ناحية وإمداده بالنفقة من ناحية أخرى وكل تهاون أو تقصير في هذه السبيل يعوض ولدك الشاب إلى أوخم النتائج وأخطر العواقب".
والواقع أن عدداً كبيراً من الشباب أصبح يعاني من مشكلات كثيرة وعلى رأسها المشكلة الجنسية نتيجة للجهل بأحكام البلوغ والأخذ بفكرة الزواج المتأخر التي وفدت إلى مجتمعاتنا.
الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وعلاجها
كثيراً ما يشتكي بعض الآباء والأمهات من جنوح أبنائهم ووقوعهم في المعاصي والدنايا وميلهم إلى الانحراف وعدم طاعة الوالدين والتمرد على القيم والأخلاق ورفض العادات الحسنة التي كان عليها آباؤهم.
والواقع أن هناك أسباباً تدفع أمثال هؤلاء الأبناء للانحراف ومن أهم ذلك:
1- الفقر الذي يخيم على بعض البيوت إذ تدفع حاجة الأولاد الذين لا يجدون ما عليه أقرانهم وأصدقاؤهم من نعمة وغنى فيلجأون إلى البحث عن احتياجاتهم من خارج البيت إما عن طريق السرقة أو صحبة الأشرار فيقعون في طريق الانحراف.
والإسلام بتشريعه العادل قد عالج هذه المشكلة ووضع من التشريعات ما يؤمن لكل فرد الحد الأدنى من مسكن ومطعم وكساء ورسم للمجتمع الإسلامي مناهج عملية للقضاء على الفقر نهائيا كتأمين سبل العمل لكل مواطن وإعطاء مرتبات شهرية من بيت المال لكل عاجز وسن قوانين للتعويض العائلي لكل أب له أسرة وأولاد وأمر برعاية اليتامى والأرامل والشيوخ بشكل يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية ويبعدهم عن أسباب الانحراف والتفكير فيه.
2- إهمال النفقة على الأولاد أو التقتير عليهم وهذا من شأنه أن يدفع بالأولاد إلى استكمال هذا النقص لمحاكاة الآخرين فيلجأون إلى أسهل الطرق في تحصيل مرادهم وهو العدوان على غيرهم وارتكاب الجرائم والمخالفات في سبيل ذلك وهذا ما يسمى بجنوح الأولاد.
والإسلام بأسلوبه الحكيم قد حذر أشد التحذير من تضييع الرجل من يعول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " في الحديث الذي رواه أبو داود.
3- النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات أمام الأولاد ولا شك أن هذا الأمر مذموم شرعا وعقلا وعرفا والفتنة نائمة تستيقظ بالإشاعة والإذاعة وفي الحديث الشريف: "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع " (رواه أبو داود) وقد نبه الإسلام إلى خطورة إشاعة مقالة السوء فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
4- حالات الطلاق وما يصاحبها من ضياع الحقوق إذ أن الطلاق لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة وإذا توفرت الأسباب الداعية إليه وقد أساء البعض استخدام حق الطلاق حتى كثرت حالات المطلقات من النساء الأمر الذي يؤدي إلى تشرد الأبناء ووقوعهم في أوحال الرذيلة والجريمة.
والإسلام بمنهجه المتميز والفريد قد دعا إلى حسن العلاقة الزوجية وجعل المعاملة الحسنة السبيل الأمثل لاستقرار الأسرة وسعادتها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خَيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " رواه ابن ماجه والحاكم.
من أسباب انحراف الأولاد
1- الفراغ الذي يتحكم في الأطفال والمراهقين وهو سبب مهم في زيغ الأبناء وانحرافهم والطفل من طبيعته يحب اللهو واللعب فإذا لم تهيأ له فرصة اللهو المباح واللعب البريء فإنه في الغالب سيبحث عن بدائل أخرى وربما لا يجد هذه البدائل إلا عند رفقاء السوء الذين سيقعون به حتماً إلى الانحراف والفساد.
والإسلام قد وجه إلى معالجة هذا الأمر في حياة الناشئين والناس فقال عليه الصلاة والسلام: "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك " رواه الحاكم والبيهقي.(4/183)
2- الخلطة الفاسدة ورفقاء السوء وهو عامل خطير في هدم أخلاق الناشئين وإفسادهم ويتحمل الوالدان المسؤولية الكبرى في ترك أبنائهم يصاحبون رفقاء الشر إذ من مسؤولية الأبوين اختيار الرفقة الصالحة لأبنائهم ليكتسبوا منهم كل خلق كريم وأدب رفيع. قال الله تعالى: محذراً من رفقاء السوء:{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا منتنة".
3- ومن أسباب انحراف الأولاد سوء معاملة الأبوين للولد فينال منهما القسوة والتحقير والازدراء والسخرية ولهذه المعاملة الأثر السيئ على نفسية الولد وعلى سلوكه وتصرفاته مما قد ينشأ عنده ردود فعل تكون عواقبها وخيمة.
والإسلام بمنهجه الحكيم يدعو المربين ولا سيما الآباء والأمهات إلى أن يتحلوا بالأخلاق العالية والمعاملة الحسنة التي تفيض بالرحمة والشفقة والحنان حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة ويتربوا على الجرأة واستقلال الشخصية وبالتالي حتى يشعروا بكرامتهم واحترامهم عند آبائهم.
وقد وجه الإسلام إلى حسن المعاملة مع كل الناس ولا سيما الأقربين فقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}.
وقال سبحانه وتعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" من حسن معاملة الأولاد مخاطبتهم بأطيب الكلام وملاطفتهم في الحديث. ومن حسن معاملتهم غرس الثقة في نفوسهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن رغباتهم وطموحاتهم وإشعارهم بأهميتهم كأعضاء صالحين في دائرة الأسرة والمجتمع.
الحذر من إهمال تربية الأولاد
لإهمال تربية الأولاد عواقب وخيمة تتحدث عنه الأخبار ويتذاكرها الناس ومن أحسن القصص الواعظة في هذا الباب القصة التالية:
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب (أي القراءة). قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك. أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلاً (أي خنفساً) ولم يعلمني من الكتابة حرفا واحدا. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك " ولعل من أخطر ما يواجه الأولاد ويسبب في انحرافهم مشاهدتهم لأفلام الجنس والجريمة تلك الأفلام التي تقود إلى الميوعة والانحلال ويتحمل الوالدان المسؤولية التامة تجاه انحراف أبنائهم في هذا السبيل إذا لولا موافقة الأبوين وتيسيرهما لسبل هذه المشاهدات لما أقدم الأولاد على هذا الفعل المهدم للأخلاق والإسلام بمبادئه التربوية يضع أمام الآباء والمربين والمسؤولين المنهج القويم في توجيه الأبناء وتربيتهم.
ويكفي في الدلالة على هذه المسؤولية قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "الرجل راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته ".
ومن مظاهر الإهمال في تربية الأولاد تخلي الأبوين عن تربية أولادهما إما غفلة منهما أو انصرافا عن هذه المسؤولية أو إهمالا لهذه الأمانة.
ولهذا الإهمال نتائج خطيرة منها: إتاحة الفرصة لرفقاء السوء أن يصطادوا الأبناء المهملين من قبل آبائهم. ومنها سرعة انجذاب الأولاد لداعي الفساد ومنها شيوخ الجريمة في المجتمع ومن أجل ذلك كانت توجيهات الإسلام حاسمة وصريحة في هذا الميدان قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه: "أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم ".
فإلى الآباء والأمهات والمربين بادروا في الاهتمام بتربية أبنائكم واسعوا في إصلاحهم ما استطعتم فإن أعظم ما تتوجه إليه الجهود وتنفق فيه الأموال إصلاح الأبناء.
من الأخطاء الشائعة في تربية الأولاد
هناك أخطاء وممارسات شائعة في تربية البنين والبنات تقع أحياناً عن جهل وأحيانا عن غفلة وأحيانا عن عمد وإصرار ولهذه الممارسات الخاطئة آثار سلبية على استقامة الأبناء وصلاحهم من ذلك:
- تحقير الولد وتعنيفه على أي خطأ يقع فيه بصورة تشعره بالنقص والمهانة والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ.(4/184)
- إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفرداً عن زملائه.
- الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء وكثرة الخوف وضعف الثقة بالنفس والاتجاه نحو الميوعة والتخلف عن ا لأقران.
- فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب والتحبيب والتقبيح.
- من مظاهر التربية الخاطئة عند الأم عدم السماح لولدها بمزاولة الأعمال التي أصبح قادرا عليها اعتقادا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للولد ولهذا السلوك آثار سلبية على الولد.. من هذه الآثار فقدان روح المشاركة مع الأسرة في صناعة الحياة وخدمات البيت ومنها الاعتماد على الغير وفقدان الثقة بالنفس ومنها تعود الكسل والتواكل.
- ومن مظاهر التربية الخاطئة أن لا تترك الأم وليدها يغيب عن ناظريها لحظة واحدة مخافة أن يصاب بسوء وهذا من الحب الزائد الذي يضر بشخصية الولد ولا ينفعه.
- ومن الأخطاء تفضيل بعض الأولاد على بعض سواء كان في العطاء أو المعاملة أو المحبة والمطلوب العدل بين الأولاد وترك المفاضلة.
- ومن ذلك احتقار الأولاد وإسكاتهم إذا تكلموا والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه كثير الخجل أمام الناس وفي المواقف الحرجة.
- ومن الأخطاء الشائعة فعل المنكرات أمام الأولاد كشرب الدخان أو سماع الأغاني أو مشاهدة الأفلام الساقطة مما يجعل من الوالدين والمربين قدوة سيئة.
ما أهمية الحب في تربية الأولاد
حب الأبوين لأبنائهما عاطفة فطرية لا بد من إظهارها في العملية التربوية وبما أن الأطفال الصغار تغلب عليهم العاطفة لزم فيمن يتصدر لتربيتهم من الآباء والمربين أن يراعوا هذا الجانب ويغرسوا مفهوم الحب بينهم وبين أبنائهم وطلابهم وأن يكون هذا الحب عاطفة متبادلة بين الفريقين فإن الحب يثمر الحب كما يقولون وإذا وجد الحب تمت عملية التربية بسهولة "لأن المحب لمن يحب مطيع " ولهذه الحكمة أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بمعاملة الناس بالحب والشفقة واللين {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فالمربي الغليظ القاسي يبغضه الأطفال ويبغضون معه كل فكرة وعلم وأخلاق ولا يقبلون منه أي نصح وتوجيه لفظاظته وشدته.
ولكي لا يخرج الحب عن حد الاعتدال والتوازن ويميل إلى الإفراط والدلال لا بد للمربي من الوقوف عند هذه الضوابط:
الضابط الأول: الالتزام بشرع الله القاضي بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.
الضابط الثاني: ألا يكون حب الولد مانعاً للخير أو صاداً عن سبيل الله وذلك فيما نبه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم "إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة" والمعنى أن الولد والحرص عليه يصرف والديه عن الجود والكرم والإنفاق في أعمال الخير ويقصران المال للنفقة عليه ويحول الولد أحيانا بين الوالدين وصفة الشجاعة والإقدام فيبعث فيهما روح الخوف والبقاء على رعايته.. وكذلك يفعل الولد فيساهم في تجهيل والديه يصرفهما عن طلب العلم وإنشغالهما بشؤونه ويبعث الولد أيضا مشاعر الأسى والحزن عند والديه لضر يصيبه.. والمطلوب هو التوازن في المحبة وإيثار محبة الله ورسوله في حالة التعارض.
الضابط الثالث: الصبر على وفاة الطفل واحتسابه عند الله تعالى من غير جزع ولا عويل ولا صياح وقد جاء في الصحيح فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء ينزل بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقي الله وما عليه من خطيئة".
كيف نربي أبناءنا تربية صحية؟
الصحة وسيلة من وسائل القوة التي دعا إليها الإسلام لأن "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" (رواه مسلم) كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك. وقال أيضا: "إن لجسدك عليك حقا" (رواه البخاري). والتربية الصحية المستوحاة من منهج الإسلام زاخرة بالتوجهات الحكيمة والنصائح المفيدة وحسبنا أن نشير إلى أهم السلوكيات والعادات الصحية التي ينبغي أن ينشأ عليها الأولاد:
من ذلك:(4/185)
- تعويدهم سنة السواك: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" وقد أثبت الطب الحديث مفعول السواك واحتوائه على كيميائية طبيعية تفيد الأسنان وتقوي اللثة بشكل فعال ولا مانع من إضافة الفرشاة الحديثة مع المعجون.. وعلى المربي أن ينبه ولده أو تلميذه إلى الطريقة المثلى لاستعمال السواك فلا يستعمله داخل المسجد ولا في مجالس العلم ولا في وجوه الناس وإنما يستعمله في المواضع المسنونة عند الوضوء وهو المعنى المقصود في الحديث الشريف "عند كل صلاة"- وعند تغير رائحة الفم- وعند دخول البيت والقدوم من السفر- ووقت الحاجة إليه.
- تعويدهم تقليم الأظفار والاهتمام بالنظافة وذلك من خلال المحافظة على الوضوء والاغتسال ورعاية السنن الإسلامية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "خمس من الفطرة" وذكر منها وتقليم الأظفار".
- غرس الآداب النبوية فيهم: فيعودهم آباؤهم ومربوهم على الاعتدال في الطعام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ".
- ويعودهم على آداب الشراب وهو التنفس خارج الإناء ثلاثا لما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يتنفس إذا شرب ثلاثا" وزاد الترمذي: "إنه أروأ وأبرأ وأمرأ".
- ويعودهم النوم على الشق الأيمن وقد روى البخاري ومسلم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة "إذا أتيت مضجعه فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن " ويذكرهم الأدعية الواردة في ذلك من آية الكرسي والمعوذات.
- تعويدهم النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر:
وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم "إياكم والسمر بعد هدأة الليل فإنكم لا تدرون ما يأتي الله من خلقه " وقد جاء في كتاب زاد المعاد لابن القيم قول ابن عباس عندما رأى ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له: "قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق ".
البرنامج الصحي للأولاد
من الأسباب الواقية لصحة الأولاد:
- تعويدهم على سلوك الرياضة وتمارين الأعضاء ولا سيما السباحة والرمي وركوب الخيل والمصارعة وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجري مسابقات الجري بين الأطفال لقبولهم في دخول الجيش وملاقاة العدو.
- ومن الأسباب الواقية تعويذهم من العين والسحر والجان جاء في كتاب و الأذكار للنووي "باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم: وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" فيقول: "إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق " قال العلماء: الهامة هي كل ذات سم يقتل كالحية وغيرها وأما العين اللامة هي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء.
- ومن ذلك إبعاد الأولاد عن الأمراض المعدية لأن تأثر الصغار الأصحاء بالمرضى يكون أكثر من غيرهم وفي الصحيحين "لا يوردن ممرض على مصح ".
- ومن ذلك تعويد الأولاد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم وقد جاء الحث على ذلك في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ونصائح الصحابة رضي الله عنهم.
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: "إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ".
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم " وقد ثبت طبيا أن الترف والتنعم سبيلان إلى فساد الجسم وإحاطته بمختلف الأمراض.
- وقاية الأولاد من أسباب الحوادث والكوارث: فيوصى الأطباء بعدم رمي الأدوية الفائضة عن الحاجة وعدم تركها في متناول الأطفال وأخذ الحيطة والحذر من مصادر الخطر على الأولاد كالسموم الخاصة بالحشرات والمواد القابلة للاشتعال والأواني الخاصة بغلي الماء والألعاب النارية وأدوات الكهرباء وأسلاكها والآلات الحادة والأجهزة الكهربائية. ويمكن أن تندرج هذه النصائح وغيرها في القاعدة الذهبية التي دعا إليها الإسلام "لا ضرر ولا ضرار".
- ومن توجيهات الصحة والسلامة في الإسلام مداواة الأولاد عند المرض لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد "لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله عز وجل ".
- ومما يلحق بالمداواة ويدخل في مسؤولية الوالدين والمربين وقاية الأطفال من الأمراض المعدية والسارية منذ الأيام الأولى لولادتهم وأهم الأمراض الخطيرة التي ينبغي تحصين الأولاد منها:
مرض السل- الجدري- الدفتريا- السعال الديكي- والتيتانوس- الحصبة- شلل الأطفال- التيفوئيد عند الحاجة. وذلك وفق الجدول الزمني لمراكز الصحة المختصة.
كيف نحصن أبناءنا من الانحرافات الخلقية؟(4/186)
من أخطر الانحرافات الخلقية عند المراهقين والشباب وقوعهم في رذيلة الزنا واللواط وقد أجمع الفقهاء على حرمة هاتين الفاحشتين تحريما قطعيا وذلك للأدلة الشرعية الصريحة من الكتاب والسنة. أما دليل الكتاب فيما يتعلق بحرمة الزنا فلقول الله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}.
ومن السنة: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وفيما يتعلق بحرمة اللواط يقول الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم: "ملعون من عمِل عمل قوم لوط ملعون من عمِل عمل قوم لوط ملعون من عمِل عمل قوم لوط " ولخطورة هذه الجرائم في الإسلام فقد جاءت عقوبة الزنى مائة جلدة مع التغريب للزاني غير المحصن أما الزاني المحصن فعقوبته الرجم حتى الموت.
أما عقوبة اللوطي فقد أجمع العلماء على أن اللواط زنى واختلفوا في تحديد العقوبة فجمهور الفقهاء والمجتهدين ذهبوا إلى قتل الفاعل والمفعول به ويرى آخرون أن حد الفاعل هو حد الزنى، وحكمة الإسلام ظاهرة في اتخاذ هذا الموقف المتشدد من هاتين الفاحشتين.
فالزنى واللواط لهما أضرار صحية وجسمية ونفسية واجتماعية من ذلك: يسبب الزنى واللواط مرض الزهري ومرض السيلان والأمراض المعدية الفتاكة ويؤدي الزنى إلى اختلاط الأنساب وكثرة أبناء الحرام وضياع النسل وفصم أواصر الزوجية وتفكك وحدة الأسرة والانطلاق في حمأة الرذيلة والفساد وقتل الشهامة والمروءة وفقدان الرجولة والكرامة.
وعلاج ظاهرة الزنى واللواط إنما تتم من خلال التربية الصحيحة التي تقوم على أساس الإيمان والأخلاق وتيسير سبل الزواج المبكر للشباب والبعد بهم عن مهيجات الشهوة من تبرج واختلاط.
حكم اللعب بالميسر واليانصيب:
ويدخل من ضمن المحرمات اللعب بالميسر واليانصيب لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
فقد نهى الله عن لعب الميسر وما شابهه من اليانصيب لأنه يؤدي للقمار والحكمة في تحريم هذا النوع من اللهو لأنه يؤدي إلى إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن سبيل الله وعن الصلاة كما يورث الشجار بين اللاعبين. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد تحذير فقال: "من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه " (رواه أبو داود).
الأولاد.. والعادات الخاطئة
من الأمراض المتفشية عند بعض الأولاد البالغين والمراهقين ظاهرة العادة السرية.. وهي سلوك خاطئ ومضر وأكثر ما تنتشر هذه العادة في الوسط المليء بالفتن والاختلاط والتبرج وخروج النساء سافرات في الطرقات والمنتزهات وأماكن العمل وتساهم المجلات الخليعة والأفلام الهابطة والقصص الغرامية في إثارة الشباب وتهييج الناحية الجنسية لديهم مما يلجئهم إلى إشباع شهواتهم عن طريق الحرام أو العادة السرية. ولخطورة استعمال العادة السرية فقد أكد العلماء والأطباء أنها تسبب أضرارا جسمية وجنسية وعقلية على صحة الإنسان.
من الأضرار الجسمية: إنهاك في القوى- ونحول في الجسم وارتعاش بالأطراف وخفقان بالقلب- وضعف بالبصر والذاكرة وإخلال بالجهاز الهضمي وإصابة الرئتين بالالتهابات التي تؤدي إلى السل في أغلب الأحيان وقد تؤثر على الدورة الدموية في الجسم وتسبب فقر الدم. ومن الأمراض الجنسية مرض العنة وهو عدم قدرة الشباب على الزواج. ومن الأمراض النفسية والعقلية: الذهول والنسيان وضعف الإرادة وضعف الذاكرة والميل إلى العزلة وكثرة الخجل والشعور بالخوف والكسل والكآبة والحزن والتفكير بارتكاب الجرائم والانتحار.(4/187)
وقد استدل العلماء على حرمة ممارسة العادة السرية بقول الله تعالى في سورة المؤمنون:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} فيدخل في عموم هذه الآية {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} كل تفريغ للشهوة عن غير طريق الزواج وملك اليمين كالزنى واللواط والاستمناء باليد (العادة السرية)، والعلاج الناجح في استئصال هذه الظاهرة هو الشروع في الزواج المبكر وتيسير أسبابه فإن لم يتيسر مبكرا فيوجه الأبناء إلى صوم النفل للحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (تكاليف الزواج) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (أي قاطع للشهوة).
ومن تمام العلاج إبعاد الأولاد عن المثيرات الجنسية وملء فراغهم بما ينفع وإيجاد الصحبة الصالحة لهم والحرص على ممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية وتوجيههم لرحلات الحج والعمرة وتشجيعهم على ممارسة الهوايات النافعة.
تحصين الأبناء من خطر المخدرات
ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات بين الصغار والشباب والكبار ظاهرة خطيرة تنذر بشر كبير وهي تنتشر في الوسط الذي لا يهتم بالدين ولا بالأخلاق الإسلامية وأكثر من يتعرض لها الأولاد المشردون والعاقون لآبائهم وأمهاتهم والمبتلون برفقة السوء والذين فقدوا الرقابة والإشراف من أهليهم.
والمتعاطون للمخدرات والمسكرات واقعون في الإثم والمعصية لأن خطر هذه السموم على النفس والمجتمع واضح وبين وكل ما من شأنه الضرر بصحة الإنسان كان محرما في دين الله.. وقد أثبت الطب ضرر هذه السموم فهي: تسبب الجنون والأمراض العصبية والمعوية والمعدية وتشل حدة الفكر والذهن وتحدث آلاما في الجهاز الهضمي وتفقد الشهية في الطعام وتسبب سوء التغذية والهزل والخمول والضعف الجنسي وتؤدي إلى تصلب الأنسجة والشرايين فضلا عن الخسائر المادية التي يترتب عليها إفلاس المدمنين وخراب بيوتهم.
والدليل على حرمة هذه السموم من خمر ومخدرات بمختلف أنواعها ومسمياتها قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. وأما السنة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر في الحديث الذي رواه أبو داود "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه".
وتحريم كل أنواع المخدرات يندرج في عموم قول الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.
وفي السنة ما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".
والمنهج السليم للتخلص من ظاهرة انتشار المسكرات والمخدرات إنما يكون بمنع تداول هذه السموم وتجفيف أوكار بيعها وسن القوانين الصارمة للمخالفين وتوقيع العقوبات الزاجرة لمرتكبيها وتوجيه الأولاد لاستغلال أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع وتربيتهم التربية الصالحة القائمة على الدين والأخلاق لينالوا الحصانة التامة من هذه السموم.
ما يهم الآباء والمربين
س: هل يجوز للأم اصطحاب رضيعها إلى المسجد؟
ج: يجوز للام أن تحمل رضيعها للذهاب إلى المسجد وتصلي في جماعة إذا رغبت وأذن لها زوجها حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف صلاته ويسرع فيها رأفة ورحمة بالصغير مخافة أن تفتن أمه بالصلاة وهي تسمع بكاءه، ورد في صحيح البخاري ومسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه ".
س: متى تغلب مصلحة الإسلام على حب الولد؟
ج: مع أهمية العاطفة المتأججة نحو الأولاد من حب وعطف ورحمة إلا أن هذه المشاعر ينبغي ألا تطغى على الجهاد في سبيل الله وتبليغ دعوة الله في الأرض لأن مصلحة الإسلام فوق كل المصالح والاعتبارات وقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين ".
س: ما هو ثواب الصابر على موت ولده؟(4/188)
ب: على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره وأن لله ما أعطى ولله ما أخذ وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم مخاطبا النساء: "ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت: امرأة واثنان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنان " فمن صبر واحتسب كان ثوابه الجنة وكان ولده المتوفى حجابا له من النار".
س: ما حكم ختان الولد؟
ج: الختان رأس الفطرة وشعار الإسلام وهو واجب على الذكور ومن لم يبادر إليه في إسلامه ولم يقم على تنفيذه قبل بلوغه فإنه يكون آثما مرتكبا المعصية لكون الختان شعارا من شعائر الإسلام وبه يتميز المؤمن عن الكافر وبسببه يتمتع المختتن بصحة جيدة ويتحرر من كثير من الأمراض الفتاكة.
س: ما حكم ختان البنت؟
ج: أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون على أن الختان مستحب للأنثى وليس بواجب وحجتهم في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شرع لأمة الإسلام الختان كان يخص الرجال دون الإناث ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر امرأة بالاختتان إلا ما ورد على سبيل الاستحباب فيما رواه الإمام أحمد عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء".
ما يهم الأبناء من أحكام
س: كيف تغتسل الفتاة؟
ج: على الأم والمربية أن تعلم فتاتها أحكام الغسل من الحيض والجنابة لتكون على علم بأمور دينها فقد لوحظ جهل بعض الفتيات والفتيان بأمور الاغتسال من الجنابة وقد تستمر الفتاة زمنا طويلا فلا تعرف شيئا من هذه الأحكام وكذلك الفتى يقع في الجنابة ولا يعرف كيف يغتسل.. وإذا فقد الماء كيف يتصرف.
أولا: أحكام غسل الفتاة من الحيض والجنابة:
1- أن تنوي الغسل بالقلب دون النطق بالنية.
2- أن تذكر اسم الله بقولها بسم الله ثم تغسل اليدين ثلاثاً بالماء.
3- أن تتوضأ وضوءاً كاملاً.
4- أن تصب الماء على رأسها وليس شرطاً أن تنقض رأسها إن كان مشدوداً وإن كان النقض هو الأفضل والأحوط..
5- غسل سائر البدن بدءا بالجهة اليمنى.
س: وكيف يغتسل الفتى من الجنابة؟
ج: هي نفس شروط الغسل للفتاة مع ملاحظة أن ينثر الرجل شعره إن كانت له ظفائر ويخلل شعر رأسه ولحيته بالماء. وإذا لم يجد من يجب عليه الغسل الماء لبعده أو خاف زيادة المرض باستعمال الماء أو ما وجد ما يسخن به الماء في البرد وخاف عدوا أو عطشا فله أن يتيمم.
وطريقة التيمم ضربتان على كل طاهر من جنس الأرض كالرمل والحجر والتراب ضربة لمسح وجهه وضربة ليديه مع مرفقيه لما ورد في صحيح الحاكم "التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين ".
س: ما حكم الشرع في التدخين؟
ج: أثبت الطب أن الدخان يخدر العقل ويفتر الجسم وأنه يضر بالصحة فيورث السل وسرطان الرئة
ويضعف الذاكرة ويقلل الشهية ويسبب اصفرار الوجه والأسنان ويضيق التنفس ويهيج الأعصاب ويحدث انحطاطا عاما في الجسم ويميع الخلق ويعود على الكسل والاسترخاء فضلا عن إضاعة المال. لهذه الأضرار وغيرها فإن شرب الدخان حرام وقد أجمع الفقهاء والمجتهدين أن ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك فاجتنابه واجب وفعله حرام لعموم قول الله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ولا يشك أحد من الناس أن الدخان يدخل في دائرة الخبائث لما اشتمل عليه من الأضرار والرائحة الكريهة والله سبحانه وتعالى جعل من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم : "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ".
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" أي مخدر والدخان يخدر العقل ويفتر الجسم كما ذكر.
الأبناء والعقوبات الهادفة
العقوبة في مفهوم التربية الإسلامية عقوبة هادفة وموجهه فليس المقصود منها الانتقام من المخطئ أو إلحاق الضرر به أو إقامة الحد عليه كما أنها ليست هي الوسيلة الوحيدة في تقويم اعوجاج الأبناء.. العقوبة وسيلة واحدة من وسائل التربية الإسلامية المتعددة وهي تستهدف خير الأبناء وصلاحهم وتكون مشفوعة بالرحمة والشفقة ومنضبطة بضوابط مشروعة لا تنفصل عنها وهي في حالة التطبيق تأخذ شكل التدرج والبدء بالعقوبة الأخف فالأشد. ومن هذه العقوبات:
1- النصح والإرشاد والتنبيه وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب تجاه أحد الأبناء المخالفين فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم غلاما تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل: "يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه.
2- الإعراض: جاء في صحيح الجامع "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذبة لم يزل معرضا عنه حتى يحدث توبة".
3- التعبيس: قد يفيد بعض النفوس فيردعها عن أخطائها.
4- الزجر: ومثاله زجر الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما بقوله:" كخ كخ أرم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" (رواه مسلم).(4/189)
الكف عن العمل: فقد طلب الرسول المربي صلى الله عليه وسلم من الشخص الذي تجشأ في حضرته قائلا له: "كف عنا جشاءك " "صحيح الجامع ".
- الهجر: إذا احتاج إليه المربي كأن يترك الولد الصلاة أو تصدر منه بعض الكلمات المخلة بالآداب وأكثر الهجر ثلاثة أيام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح الجامع "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
- التوبيخ وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن لا يقبل النصح.
تعليق العصا يستحب للمربي أباً كان أو مدرسا أن يعلق السوط على الجدار ليراه الأولاد فينزجروا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ورد في صحيح الجامع "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم ".
قال العلماء لم يرد به الضرب لأنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم.
ولتنويع هذه الأساليب في العقوبة حكمة تتناسب مع اختلاف النفوس وتنوعها فنفس ينفع معها النصح ولا يجدي معها الزجر وأخرى يردعها الزجر ولا تقبل الهجر ونفس لا تنصاع للحق وترعوي عن الشر إلا بالتخويف والترهيب والضرب.. وهكذا الناس مشارب مختلفة.. وكل ميسر لما خلق له.
عقوبة الضرب بين المؤيدين و المعارضين
التربويون على اختلاف شديد في مسألة عقوبة الضرب فهم بين الإفراط والتفريط بين المانعين للضرب والمعارضين له وبين الآخذين به على الإطلاق. والمنهج التربوي الإسلامي وسط بين هؤلاء وهؤلاء فهو لا يقر ضرب الأولاد إلا في حدود ضيقة وبضوابط معلومة ويعطي المربي حق استخدام هذا الأسلوب عندما لا يغني غيره من الأساليب. قال علماء التربية في الإسلام: يجوز للمربي أن يضرب ضربا خفيفا إذ لم تنفع الوسائل الأخرى وذلك بعد سن العاشرة إذ لا ضرب للطفل قبل العاشرة قياسا على الحديث الصحيح الذي رواه البزار "علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع ".
وللضرب في الإسلام ضوابط من ذلك:
1- استنفاذ الوسائل التربوية قبله من نصح وتوجيه وتعبيس وزجر وهجر وتوبيخ.
2- أن يكون الضرب مساويا للعقوبة.
3- أن لا يزيد المربي في ضربه عن عشر ضربات.
لما ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ".
4- ويجب في السوط كما يقول العلماء:
أ- أن يكون معتدل الحجم فيكون بين القضيب والعصا.
ب- وأن يكون معتدل الرطوبة فلا يكون رطباً يشق الجلد لثقله ولا شديد اليبوسة فلا يؤلم لخفته.
ج- ولا يتعين لذلك نوع بل يجوز بسوط وبعود وخشبة ونعل وطرف ثوب بعد فتله حتى يشتد.
5- وقال العلماء في طريقة الضرب:
أ- أن يكون مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد.
ب- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأول.
ج- أن يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لأعضده حتى يرى بياض إبطه فلا يرفعه أكثر من ذلك لئلا يعظم ألمه.
6- أن يتقي المربي والأب ضرب الوجه والفرج والرأس والمقتل. وفي الحديث الذي رواه أبو داود "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ".
وأجمع أهل العلم أن أفضل مكان للضرب اليدان والرجلان.
7- أن يتجنب الغضب عند الضرب للحديث الذي رواه الجماعة "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان ".
8- أوصى العلماء عند الضرب بالابتعاد عن بذاءة اللسان في السب والشتم وتقبيح الولد كقول من يقول يا قرد- يا كلب.
9- وعلى المربي أن يطيل النظر في شأن الولد قبل الإقدام على الضرب فلعل حالة التقصير والعناد عنده ناشئة من مرض عضوي أو مرض نفسي أو خطأ غير متعمد أو لعله واقع تحت تأثير سحر أو مس أو حسد أو عين.. ولكل حالة من هذه ما يناسبها من علاج.
كيف نغرس قيمة الوقت عند أبنائنا؟
كثيرا ما يتكلم المربون والمدرسون عن قيمة الوقت وأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك وأن الوقت هو الحياة. وأن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة. ولكن قلما يهتدي الأبناء والمنصوحون إلى الطريقة المثلى في حفظ الأوقات والانتفاع بالساعات.. وإنك ترى بعض الناس تمر بهم الساعات والأيام والسنون وهم هم إن لم ينقصوا لم يزيدوا ولم يزدادوا علما ولم يؤسسوا مجدا ولم ينالوا خيرا ولم يحققوا فخرا.
وأول توجيه ينبغي أن يغرسه المربي في نفوس طلابه وأبنائه الاهتمام بقيمة الوقت والغيرة على فواته أو تضييعه لأن المضيع لوقته مضيع لحياته كلها وفي الحديث الشريف: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: منها: "وعن عمره فيما أفناه " (رواه الترمذي).. وأنه ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وينادى أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم الوعيد.(4/190)
وثاني توجيه لحفظ الأوقات التذكير بسيرة العظماء والنبلاء والعلماء الذين ما بلغوا ذرى المجد والرفعة إلا باستغلال أوقاتهم والحرص على عدم تضييعها، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي ". وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".
وقال الحسن البصري رحمه الله: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم ".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وثالث توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم يأتي من حفظ العبادات فالمسلم يصلي الصلاة لوقتها لقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} أي فرضا مكتوبا وموقوتا بأوقات محددة. وبالمحافظة على الصلاة لوقتها يغرس المسلم في نفسه بنفسه حب الحفاظ على الوقت.
ورابع توجيه للأبناء في حفظ أوقاتهم واستثمارها فيما يعود بالنفع عليهم إشغالهم بالطاعات والأعمال الصالحة كحفظ القرآن وحفظ الأحاديث الشريفة وحضور مجالس العلم والتسامي بالطاعات من صلاة وصيام والاهتمام بتربية الجسم بممارسة الرياضة المفيدة. ويجمع ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك ".
من وصايا الصالحين في تربية الأبناء
وصية لقمان لابنه:
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي احذر الشرك في عبادة الله كدعاء الأموات أو الغائبين أو اعتقاد النفع والضر في أحد المخلوقين. ثم يقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} وفي هذه الوصية يقرن الله سبحانه وتعالى يين عبادته وحده وبين البر بالوالدين لعظم حقهما ولكبير فضلهما فالأم حملت ولدها بمشقة والأب تكفل بالإنفاق فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه ثم يحذر لقمان الحكيم ابنه من الظلم فيقول: "يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير" قال ابن كثير أي أن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل احضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ويجازي عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
ثم يأمره بالصلاة التي هي عمود الدين "يا بني أقم الصلاة" أي أدها بأركانها وواجباتها بخشوع ثم يأمره بالدعوة وهداية الناس {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} بلطف ولين بدون شدة ولما كان من طبيعة الدعوة حصول المشاق والتعرض للأذى والإعراض أوصاه بالصبر على دعوة الناس {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
ثم أخذ ينصحه بمجموعة من الفضائل والأخلاق:
"ولا تصعر خدك للناس " قال ابن كثير لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقارا منك لهم واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم.
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} أي خيلاء متكبرا جبارا عنيدا لا تفعل ذلك فيبغضك الله.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي مختال عجب في نفسه فخور على غيره.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي امش مشيا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط ولا بالسريع المفرط بل عدلا وسطا بين وبين. لأن خير الأمور الوسط.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ولهذا قال: "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" قال مجاهد إن أقبح الأصوات لصوت الحمير أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ومع هذا هو بغيض إلى الله وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم. إن وصية لقمان الحكيم لابنه هي وصية كل أب غيور على أبنائه لما تحمله من توجيهات كريمة وآداب راقية.
أهم التوصيات المتعلقة بتربية الأولاد
يؤكد علماء الدين والتربية والسلوك بضرورة الأخذ بهذه التوصيات التي تمثل الأساس في العملية التربوية لدى الأولاد وبقدر الأخذ بهذه التوصيات تأتي نتائج التربية وأهم هذه التوصيات:
1- للقدوة الحسنة أثر كبير في نفس الطفل "فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ".
2- للمنزل والأسرة الأثر البالغ في حياة الطفل فينبغي أن يحاط بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة.
3- قيام المرأة بتربية أطفالها وقيامها على خدمة زوجها يعدل جهاد الرجل في المعركة وصلاة الجمعة في المساجد.
4- الأبوان مفطوران على محبة الولد فلا يحرم الولد منها ومن أهم مظاهر المحبة: الرحمة بالولد والشفقة عليه والاهتمام بأمره.(4/191)
5- على المسلم أن يتقي الله في أولاده جميعا فيسوي بينهم في الحقوق ويعاملهم على سواء ويعدل بينهم وليحذر من كراهية البنات فإنها جاهلية بغيضة حرمها الإسلام.
6- للإسلام طريقته الخاصة في إصلاح الولد وتربيته فإن كان ينفع مع الولد الملاطفة بالوعظ فلا يجوز للمربي أن يلجأ إلى الهجر وإن كان ينفع الهجر أو الزجر فلا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب وإذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظا وزجرا وهجرا فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح.
7- يحرص الإسلام على نفسية الطفل حرصا شديدا فيطلب من الأبوين تسمية أبنائهم بالأسماء الحسنة حتى لا يحصل كدر عند مناداتهم.
8- من مسؤولية الآباء والمربين ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام وتعليمه من حين تميزه مبادئ الشريعة الغراء.
وحينما تكون تربية- الطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية مجردة من التوجيه الديني والصلة بالله عز وجل فإن الطفل يترعرع على الفسوق والانحلال والانحراف.
9- الصحبة الصالحة وسيلة فاعلة من وسائل تربية الأولاد لأن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس والقرين بالمقارن يقتدي فعلى الأبوين اختيار الرفقاء الصالحين لأبنائهم.
10- في غيبة التربية الإسلامية والتهذيب الأخلاقي تنشأ النفس البشرية لدى الأطفال وفق الأهواء والرغبات والأمزجة.
فمن كان مزاجه من النوع الهادي عاش في الحياة غافلا بليدا حيا كميت وموجودا كمفقود.
ومن كان يغلب على نفسه الجانب "البهيمي " جرى وراء الشهوات والملذات يطلبها بكل وسيلة.
ومن كان مزاجه من النوع العصبي جعل همه العلو في الأرض والاستكبار على الناس. وإن كان يغلب عليه الجانب الشيطاني دبر المكائد وفرق بين الأحبة ولا يصلح ذلك كله إلا التربية على الإيمان والأخلاق.
11- التربية الإيمانية للأولاد بمثابة الأساس للبناء والتربية الأخلاقية هي ثمرة من ثمرات التربية الإيمانية الراسخة. وقد أجمع علماء التربية على أن حياة الترف والنعيم والانغماس في الشهوات والملذات من أفتك الأوبئة في إضعاف الذاكرة وتحطيم الشخصية وتمييع الخلق وقتل الرجولة ونشر الأمراض والقضاء على فضيلة الشرف والعفاف.
12- من واجب الآباء والأمهات العناية بأجسام الأولاد والنفقة عليهم بسخاء وأخذهم بالقواعد الصحية في المأكل والمشرب والنوم والتحرز من الأمراض السارية والمعدية ومعالجة الأمراض بالتداوي والعمل بمبدأ لا ضرر ولا ضرار.
وتعويد الأولاد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية وحملهم على حياة التقشف والخشونة وإبعادهم عن حياة الترف والميوعة وأن ينمي المربي فيهم الجرأة الأدبية والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.
13- البعد بالأولاد عن الفراغ والخلوة لأن الفراغ يشغل النفس بالباطل والخلوة تجلب الهواجس وتستقبل خواطر الشيطان.
14- الأصل في تربية الأبناء اللين وحسن المعاملة فإن احتاج الأمر إلى عقوبة جاز استخدامها بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل أو ثورة غضب وألا يلجأ إليها إلا في أضيق الحدود وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألما وألا يكون أمام الآخرين.
ومن أنواع العقوبة العقاب النفسي كقطع المديح أو إشعار الولد بعدم الرضا أو توبيخه أو غير ذلك ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
15- من الضروري أن يرسم الأبوان منهاجا ثقافيا تربويا لأبنائهم منذ الصغر والطفولة يلقنونهم الآيات والمفاهيم الإسلامية كالشهادتين وشيء من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أهله وأصحابه على شكل قصص وموضوعات مختصرة.
16- ومما يعين الأولاد على التربية تعويدهم على ذكر الله والتعلق به كالتسمية عند البدء بالطعام والشراب والحمد لله عند الانتهاء منهما والاستعانة به عند وصول الشدائد والشكر له عند قضاء الحوائج وحصول الخير والحرص على تعليمهم الصلاة واصطحابهم إلى المساجد وتعليمهم تلاوة القرآن الكريم وتعريفهم بالمناسبات الإسلامية. كليلة القدر والبعثة النبوية وتاريخ المعارك الإسلامية.
17- على الأبوين أن يحذرا سلوك التفريق في التعامل بين الأبناء فإن ذلك كثيرا ما يدفعهم إلى الكراهية فيما بينهم وإلى النفور من الأبوين.
18- الحذر من سلوك الانطواء والعزلة في جو العائلة عن الأهل والجيران والمجتمع فإن ذلك يترك أثره السلبي في حياة الأبناء أما إذا وجد الأبناء آباءهم يعيشون علاقات طيبة مع الأرحام والأقارب والجيران والأصدقاء كالزيارات وتبادل الهدايا والضيافة والاهتمام بحوائجهم فإنهم يتلقون هذه الأخلاق والعادات الحسنة ويتأثرون بها.
19- على الأبوين أن يحرصا على تربية الطفل على مفهوم الاعتذار والتوبة إذا أخطأ وأساء فيطلب منه أن يقول: (اعتذر أو عفواً أو استغفر الله.. إلخ) مع توجيهه وإرشاده.(4/192)
20- التركيز على تعليم الأولاد الأخلاق المتعلقة بالغير كالعناية بحسن المظهر وآداب التحية والحديث والمجلس واحترام الآخرين والصدق في القول وترك الضحك الكثير والمزاح الكثير.
21- توجيه الأولاد لاستثمار أوقات الفراغ والمساهمة في الأعمال العامة التي تضم أقرانهم كالألعاب الرياضية والتدريب على الخط والنجارة.
22- تحبيب العلم إليهم وتوسيع أفق تفكيرهم في المستقبل وتوجيههم توجيها صحيحا في هذا المجال.
23- إبعادهم عن أصدقاء السوء وتوجيههم لاختيار الأصدقاء الصالحين الذين يستفاد منهم ومراقبة سلوكهم وإسداء النصائح لهم عندما تظهر عليهم بعض الآثار غير السليمة.
24- تعريفهم مفهوم الحلال والحرام وتدريبهم على الالتزام به.
25- محاولة نقل التجارب الاجتماعية النافعة لهم من خلال الحديث العائلي وسرد الحكم والقصص التاريخية وتحذيرهم من الأخطاء والأخطار.
26- أن يحرص الأبوان على تكوين علاقة طيبة بينهما فإن عدم الانسجام والخلاف أو التصرفات غير السليمة بين الأبوين في البيت تنعكس على سلوك الأطفال والأبناء فالأب الذي لا يحترم الأم أو الأم التي لا تحترم الأب أو ما يحصل بينهما من مشاجرة أو حالة من السخط وعدم الرضا أو جو الكآبة والكراهية كل ذلك ينعكس سلبا على الأبناء ويؤثر تأثيرا مخربا في سلوكهم وأخلاقهم وحالاتهم النفسية كما أن علاقة الأبوين بالأبناء وأسلوب التعامل معهم يترك أثره الحسن أو السيئ في نفوسهم وعلاقتهم المستقبلية بالأبوين وعلاقتهم بالمجتمع.
فالطفل الذي لا يشعر بالحب والحنان والرعاية من أبويه قد ينشأ طفلا غير سوي عدواني السلوك والنزعة وربما ساقه ذلك التعامل إلى التشرد والكراهية أو أصيب بعقد نفسية سلبية.
وسوء المعاملة مع الطفل المراهق وعدم احترام شخصيته قد يقوده إلى الإساءة إلى والديه وإلى الآخرين وتتكون لديه عقدة النقص.
27- من الخطأ تحقير الولد وتعنيفه على أي تصرف خاطئ بصورة تشعره بالنقص والمهانة.. والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ.
28- إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفردا عن زملائه.
29- الدلال الزائد والتعلق المفرط بالولد وخاصة من الأم يؤدي إلى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من آثاره زيادة الخجل والانطواء نحو الميوعة والتخلف عن الأقران.
30- فكرة استصغار الطفل وإهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة والصواب أن تبدأ التربية ويبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه والإرشاد والأمر والنهي والترغيب والترهيب والتحبيب والتقبيح.
31- على الأبوين أن لا يستهينا بسن المراهقة لدى أبنائهما فإن لهذه السن خصوصية من المعاملة ومن هذه الخصوصية: القرب منهم ومراقبتهم بعناية وإشغالهم بشيء من المباح وإبعادهم عن أسباب الانحراف والصبر على بعض تصرفاتهم.
32- إذا بلغ الناشئ سن الزواج وأظهر رغبة فيه فينبغي أن يختار له أبواه الزوجة الصالحة.. وإذا بلغت البنت سن النكاح واشتهت الرجال فينبغي أن يختار لها أبوها الزوج الصالح ولا ينتظر من يأتيها من الخاطبين فقد يغفل عنها الخاطب الصالح ويخطبها غير الصالح.
33- وعلى الوالدين أن يرشدا أولادهم بعد الزواج إلى الخير ولا يتدخلا في شؤونهم الزوجية الخاصة وأن لا تضعف رابطة الأبوة بعد الزواج
24. ... محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الجفاة والغلاة
عدنان أمامة
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإسلام، وشرط من شروط صحة الإيمان، قال الله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (التوبة: 24)
فلا يجوز أن يكون حب أي عرض من أعراض الدنيا مقدماً على محبة الله ورسوله، والرسول صلى الله عليه وسلم ينفى الإيمان عمن لم يجعل محبته مقدمة على محبة الأهل والمال والولد فيقول: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". أخرجه البخاري/15. وحين قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لأنت أحبّ إلىّ من كل شيء إلا من نفسي. أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال عندها عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر". البخاري/ 6632. وحين سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآباؤنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
وحيث إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة لله وقربة يتقرب بها المسلم إلى ربه فلا بد فيها من تحقيق شروط قبول العبادة وهي:(4/193)
1- الإخلاص فيها لله سبحانه وتعالى وابتغاء وجهه.
2- ثم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم والالتزام بسنته وهديه وأن يعبد الله بما شرع لا بالأهواء والبدع. عملاً بقوله تعالى:(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً). والعمل الصالح هو العمل الموافق للسنة والعمل الخالي من الشرك هو العمل الخالص لله سبحانه والبريء من الرياء والسمعة.
ولقد ضل في باب محبة النبي صلى الله عليه وسلم طائفتان كبيرتان من الطوائف المنتسبة للإسلام، طائفة الجفاة، وقد مثلها في الماضي المعتزلة الذين قدموا عقولهم على نصوص الوحي وحاكموا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أقيستهم وأهوائهم، فما وافقها قبلوه وما خالفها ردوه - بحجة أنه خبر آحاد مع أن أغلب أحكام الشريعة إنما جاءت من طريق الآحاد - أو تأولوه وحرفوا دلالته إلى ما يوافق رأيهم ومذهبهم، وقد وصل الغلو بأحد رؤوسهم وأئمتهم عمر بن عبيد أن قال عن حديث الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأتيه الملك فيؤمر بكتب أربع كلمات: رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.... قال: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أجبته، ولو سمعت عبد الله ابن مسعود يقول هذا ما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقنا".
وقد ورثت فلسفة المعتزلة ومهجها في أيامنا هذه من نعتوا أنفسهم بالحداثيين والعصرانيين والمتورين الذين بهرتهم الحضارة الغربية وعلمانيتها المتحللة من الدين والمعادية له فآلوا على أنفسهم أن يبرزوا الإسلام بصورةٍ موافقة للفكر الغربي العلماني واضطروا لتحقيق غرضهم أن يضعوا قواعد و يؤصلوا أصولاً للتعامل مع نصوص الشرع لم تخطر ببال الأولين تسبب عنها إسقاط مئات الأحاديث المتعلقة بسير الحياة اليومية للإنسان في أكله وشربه ولبسه وتجارته وعلاقته بالآخرين بزعم أنها أحاديث خاصة بالبيئة العربية التي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لها صفة الشمول والثبات وفهموا الإسلام على أنه جملة من القيم والمثل العليا وقوانين الحق والعدل التي يشكلها الإنسان حسب ما يتناسب مع عصره وبيئته، والآيات والأحاديث المتعلقة بالأمور التفصيلية ليست ملزمة للمسلم بل هي للاستئناس يأخذ منها المسلم ما يحقق مصلحته ويترك ما يعارضها، وهناك جفاة لا يصل جفاؤهم إلى هذا الحدّ إلا أنهم لا يتهيبون من ردّ الحديث الصحيح إذا عارض مذهبهم أو خالف توجهاتهم الفكرية متجاهلين خطورة هذا المسلك ومتناسين تحذيرات السلف من هذا التوجه من مثل قول الإمام أحمد رحمه الله:"من ردّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة". وقول الإمام البربهاري:" الرجل يطعن على الآثار، أو يرد الآثار أو يريد الآثار فاتهمه على الإسلام و لا تشك أنه صاحب هوى مبتدع".
ويقابل الجفاة الذين تقدم الحديث عنهم طوائف الغلاة وما أكثرهم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم والذين أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم تنبىء أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عندهم مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان تفرغ على شكل احتفالات وقصائد وأناشيد دون أن تلزم أصحابها بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباع هديه وسنته والدفاع عن دينه وتحكيم شرعه.
وقد وصل الغلو عند كثير من هؤلاء إلى مناقضة كتاب الله سبحانه ومخالفة صريح أمره وخبره والوقوع في الشرك الأكبر والعياذ بالله.
فرغم الآيات القاطعة والأحاديث الصريحة التي تنهى عن الغلو في الدين ورفع النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلته التي أنزله الله إياها مثل قوله تعالى:{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}. وقوله عليه الصلاة والسلام:(لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم إنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله). إلا أن طوائف من الأمة أبوا إلا أن يقعوا فيما وقعت فيه النصارى. فزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشراً بل هو نور خلقه الله من نور وجهه وقالوا إن قوله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم ....} قد قرأها الناس قراءةً خاطئةً وإن القراءة الصحيحة لها قل إن ما أنا بشر مثلكم، فهي تؤكد على نفي بشرية النبي صلى الله عليه وسلم.
وعليه نسمع في بعض الأناشيد قولهم رب خلقت طه من نور ، ويزعم هؤلاء أن أول الكائنات على الإطلاق هي روح محمد و منها صدرت سائر المخلوقات وهذا ما يعبرون عنه بالحقيقة المحمدية وبقولهم إنه صلى الله عليه وسلم إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود وأنه مظهر لصفات الله، وكم سمعنا من مؤذن يقول يا أول خلق الله وخاتم رسل الله مع أن هذا مناقض لصريح قوله صلى الله عليه وسلم: " أول ما خلق الله القلم".(4/194)
ومن المغالاة المرفوضة زعم البعض أن الكون ما خلق إلا من أجل محمد صلى الله عليه وسلم وينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثاً مكذوباً يقول:" لولاك ما خلقت الأفلاك". مع مناقضته لصريح قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
ومن غلوهم ومبالغاتهم الباطلة زعمهم أن يوم مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر وأن روحه تحضر الموالد ولذلك يقومون عندما يصل قارئ السيرة إلى لحظة ولادته وأنه حي حياة كاملة وأنه يكلم الأولياء وهذا يناقض العقل والنقل المؤكد لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
ومن مبالغاتهم الممجوجة زعمهم أن نعل النبي صلى الله عليه وسلم على رؤوس الكائنات قال شاعرهم:
على رأس هذا الكون نعل محمد *** سمت فجميع الخلق تحت ظلاله
لدى الطور موسى نودي اخلع *** وأحمد إلى العرش لم يؤمر بخلع نعاله
ما قيمة هذا الكلام وما دليله من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن المغالاة المناقضة للقرآن الكريم زعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وفي هذا يقول البوصيري:
وإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
ومن غلوهم زعمهم أنه عليه الصلاة والسلام الواسطة والأصل في كل رحمة تحل بالوجود ورتبوا على ذلك اللجوء إليه صلى الله عليه وسلم لكشف الكريات واستنزال الرحمات:
يقوي البكري في لاميته!
ما أرسل الرحمن أو يرسل *** من رحمة تصعد أو تنزل
في ملكوت الله أو ملكه *** من كل ما يختص أو يشمل
إلا وطه المصطفى *** عبده نبيه مختاره المرسل
واسطة فيها وأصل لها *** يعلم هذا كل من يعقل
فلذ به به من كل ما تشتكي *** فهو شفيع دائماً يقبل
ولذ به من كل ما ترتجي *** فإنه المأمل والمعقل
يا أكرم الخلق على ربه *** وخير من فيهم يسأل
كم مسني الكرب و كم مرة *** فرجت كرباً بعضه يُذهل
فبالذي خصك بين الورى *** برتبة عنه العلى تنزل
عجل بإذهاب الذي اشتكى *** فإن توقفت فمن الذي أسأل
وشرعوا لمن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجير به ويرجوه ويتضرع خاشعاً بين يديه فقالوا: الأدب أن يأتي الإنسان لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتوب من الذنوب والخطايا ثم يقول يا رسول قد ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وأتيت بجهلي وخطئي وزراً كبيراً ووفدت إليك مستجيراً.
وهكذا نرى أن الغلو فيه عليه الصلاة والسلام والانسياق خلف العواطف الجياشة دون الانضباط بالضوابط الشرعية قد أوقع شرائح واسعة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الشرك الأكبر والعياذ بالله حيث خلعوا عليه صلى الله عليه وسلم الكثير من صفات الرب سبحانه وتعالى بزعم حبه وتوقيره وهل وقع النصارى فيما وقعوا فيه في عيسى عليه السلام إلا بزعم حبه وتقديره.
وليس لأحد نجاة إلا بسلوك منهج الوسطية الذي تقوم عليه الشريعة الإسلامية
25. ... لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
محمد شعبان أبو قرن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
محمد صلى الله عليه وسلم.. لولاه لهلكنا ومتنا على الكفر واستحققنا الخلود في النار.. به عرفنا طريق الله، وبه عرفنا مكائد الشيطان، شوقَنَا إلى الجنة، ما من طيب إلا وأرشدنا إليه، وما من خبيث إلا ونهانا عنه، ومن حقه علينا أن نحبه، لأنه:
يحشر المرء مع من أحب
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة ؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أعددت لها؟ ". قال: إني أحب الله ورسوله. قال: " أنت مع من أحببت ".
بهذا الحب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض فتشرب الشربة المباركة الهنيئة التي لا ظمأ بعدها أبداً.
أبشر بها يا ثوبان
قال القرطبي: كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما غير لونك؟! ". قال: يا رسول الله.. ما بي ضر ولا وجع غير أنى إذا لم أراك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وأنى إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل لا أراك أبداً، فأنزل الله عز وجل قوله: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ".
رحم الله ثوبان.. حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الشاعر:
الحزن يحرقه والليل يقلقه**** والصبر يسكته والحب ينطقه
ويستر الحال عمن ليس *******يعذره وكيف يستره والدمع يسبقه
الرحمة المهداة
قال عز وجل: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ".
لولاه لنزل العذاب بالأمة.. لولاه لاستحققنا الخلود في النار.. لولاه لضعنا.
قال ابن القيم في جلاء الأفهام:
" إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته:(4/195)
- أما أتباعه: فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة.
- وأما أعداؤه المحاربون له: فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم.
- وأما المعاهدون له: فعاشوا فى الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له.
- وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم واحترامها، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوراة وغيرها.
- وأما الأمم النائية عنه: فإن الله عز وجل رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العاملين النفع برسالته ".
لطيفة
قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال فيه: " بالمؤمنين رؤوف رحيم "، وقال في نفسه:
"إن الله بالناس لرؤوف رحيم ".
اصبر لكل مصيبة وتجلد**** واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها***** نوب تنوب اليوم تكشف في غد
وإذا أتتك مصيبة تبلى بها******* فاذكر مصابك بالنبي محمد
الجماد أحبه.. وأنت؟!
لما فقده الجذع الذي كان يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حن إليه وصاح كما يصيح الصبي ، فنزل إليه فاعتنقه ، فجعل يهذي كما يهذي الصبي الذي يسكن عند بكائه، فقال صلى الله عليه وسلم: " لو لم أعتنقه لحنّ إلى يوم القيامة ".
كان الحسن البصري إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
ما أشد حبه لنا!!
تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل في إبراهيم عليه السلام: " رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم".
وقول عيسى عليه السلام: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "، فرفع يديه وقال: " اللهم أمتي.. أمتي ". وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد فسله: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما قال، فأخبر جبريل ربه وهو أعلم، فقال الله عز وجل: يا جبريل.. اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك.
حتى لا تكون فاسقاً
قال صلى الله عليه وسلم في سورة التوبة، _التي سميت بالفاضحة والمبعثرة لأنها فضحت المنافقين وبعثرت جمعهم _: " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجاهد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين ".
قال القاضي عياض:
" فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرع الله من كان ماله وولده وأهله أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله: " فتربصوا حتى يأتي الله بأمره "، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن أضل ولم يهده الله.
كمال الإيمان في محبته
قال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ".
قد تمر علينا هذه الكلمات مروراً عابراً لكنها لم تكن كذلك مع رجل من أمثال عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي قال: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شئ إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك "، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الآن يا عمر ".
قال الخطابي: " فمعناه أن تصدق في حبي حتى تفنى نفسك في طاعتي، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك ".
آخذ بحجزنا عن النار
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثلى كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها ".
ما أشد حب رسولنا لنا، ولأنه يحبنا خاف علينا من كل ما يؤذينا، وهل أذى مثل النار؟! ولما كان الله عز وجل قد أراه النار حقيقة كانت موعظته أبلغ وخوفه علينا أشد، ففي الحديث: " وعرضت على النار فجعلت أتأخر رهبة أن تغشاني ".
وفى رواية أحمد: " إن النار أدنيت منى حتى نفخت حرها عن وجهي ".
ولذلك كان من الطبيعي أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: " صبحكم ومساكم ".
ولأنه لم يرنا مع شدة حبه لنا وخوفه علينا كان يود أن يرانا فيحذرنا بنفسه، لتكون العظة أبلغ وأنجح، قال صلى الله عليه وسلم: " وددت أنى لقيت إخواني الذين آمنوا ولم يروني ".
ولم يكتف بذلك بل لشدة حبه لنا اشتد إلحاحه لنا في أن نأخذ وقايتنا وجنتنا من النار.
حجاب.. واثنان.. وثلاثة
1. حجاب الصدقة: لقوله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً ولو بشق تمرة ".(4/196)
2. حجاب الذكر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " خذوا جنتكم من النار.. قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات ".صحيح الجامع, وحسنه ابن حجر في الفتح.
3. حجاب تربية البنات: لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا كن له ستراً من النار ".
ولى كل مؤمن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفى من المؤمنين فترك ديناً فعلى قضاؤه ".
أعميت عيني عن الدنيا وزينتها*** فأنت والروح شئ غير مفترق
إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق *****من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأجفان عن سنة***** إلا وإنك بين الجفن والحدق
ما أشرف مقامه!!
ولو وزنت به عرب وعجم جعلت فداه ما بلغوه وزناً
إذا ذكر الخليل فذا حبيب عليه الله في القرآن أثنى
وإن ذكروا نجى الطور فاذكر نجى العرش مفتقراً لتغنى
وإن الله كلم ذاك وحياً وكلم ذا مخاطبة وأثنى
ولو قابلت لفظة لن تراني لـ"ما كذب الفؤاد" فهمت معنى
فموسى خر مغشياً عليه وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمانًا بملك فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داود لبوساً يقيه من اتّقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما تلا: "والله يعصمك" اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوح بدعوةِ: لا تذر أحداً فأفنى
ودعوة أحمد: رب اهد قومي فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول: نفسي وأحمد: أمتي إنساً وجنا
وكل الأنبياء بدور هدي وأنت الشمس أكملهم وأهدى
لكي تذوق حلاوة الإيمان
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما... ".
وهذه مكافأة يمنحها الله عز وجل لكل من آثر الله ورسوله على هواه.. فيحس أن للإيمان حلاوة تتضاءل معه كل اللذات الأرضية، ولأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، فكلما ازداد العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حباً كلما ازداد له ذكراً، ولأحاديثه ترديداً، ولسنته اتباعاً، ومع هذا كل تزداد حلاوة الإيمان.
وثيقة حبه.. وقعها بالدم
- ففي الطائف وقف المشركون له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه.
- ومع بنى عامر بن صعصعة: يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام ويطلب النصرة، فيجيبونه إلى طلبه، وبينما هو معهم إذ أتاهم بيحرة بن فراس القشيري، فأثناهم عن إجابتهم له ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فالحق بقومك، فو الله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناقة فركبها، فغمزها بيحرة فألقت النبي صلى الله عليه وسلم من على ظهرها.
تصور حالته صلى الله عليه وسلم وقد قرب على الخمسين من عمره، ويسقط من ظهر الناقة ويتلوى من شدة الألم على الأرض، والارتفاع ليس بسيطاً، إنه يسقط على بطنه من ارتفاع مترين ونصف.
- بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عليه عقبة بن أبى معيط فوضع ثوبه على عنقه، فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر رضى الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ".
- وغير ذلك: يوضع سلا جزور على كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وينثر سفيه سفهاء قريش على رأسه التراب، ويتفل شقي من الأشقياء في وجهه صلى الله عليه وسلم..
صبر صلى الله عليه وسلم على ذلك كله لأنه يحبنا.. أوذي وضرب وعذب.. اتهم بالسحر والكهانة والجنون.. قتلوا أصحابه.. بل وحاولوا قتله.. وصبر على كل ذلك كي يستنقذنا من العذاب ويهدينا من الضلال ويعتق رقابنا من النار..
وبعد كل هذا البذل والتعب ؟! نهجر سنته، ونقتدي بغيره، ونستبدل هدى غيره بهديه!!.
يا ويحنا.. وقد أحبنا وضحى من أجلنا لينقذنا، ودعانا إلى حبه، لا لننفعه في شئ بل لننفع أنفسنا فأين حياؤنا منه؟! وحبنا له؟! بأي وجه سنلقاه على الحوض؟! بأي عمل نرتجي شفاعته صلى الله عليه وسلم؟! -بأبي هو وأمي- بأي طاعة نأمل مقابلته في الفردوس؟!.
26. ... 1- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [مقدمة وتعريفات مهمة]
تأليف
د. محمد بن خليفة التميمي
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.(4/197)
أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه، صلى عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: فما من بناء إلا وله أصل وأساس يقوم عليه، وإن أساس بناء دين الإسلام يقوم على أصلين هما:
أ- عبادة الله وحده لا شريك له.
2- الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم
وهذا حقيقة قول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فمن خرج عن واحد منهما فلا عمل له ولا دين.
ومن أجل ذلك فإن من المتعين على كل مسلم أن يعرف ما يدل عليه كل واحد من هذين الأصلين وما يشتمل عليه من أمور وأحكام، معرفة تخرجه من حد الجهل على أقل الدرجات، وأن يلتزم بذلك اعتقادا وقولا وعملا لينال بذلك الفوز والسعادة في الحياة الدنيا وبعد الممات.
وهذه الرسالة موضوعها الأصل الثاني من أصلي هذا الدين وقد سميتها:
"حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة"
وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أهميته بالدرجة الأولى فهو كما أسلفت يُعنى بأحد أصلي الدين "شهادة أن محمدا رسول الله"
فمن المهم والمفيد أن تبحث جوانب هذا الأصل وتعرف وتعرض وفق ما جاءت بذلك نصوص القرآن والسنة ووفق ما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عنهم أجمعين.
وبخاصة أننا نعيش في زمان قد حاد فيه كثير من الناس عن جادة الصواب في هذا الأصل واضطربوا اضطرابا شديدا.
فتجلية الأمر وتوضيح الصواب وبيان الحق في هذا الأصل من الواجبات المتعينة على طلبة العلم في هذا الزمان، نظرا لعدم توفر كتاب بعينه يكون شاملا لجميع جوانب هذا الموضوع وتطمئن له النفس من جهة سلامة ما احتواه يمكن إحالة عامة الناس عليه.
فرأيت أن من الرأي القويم أن أكتب في هذا الموضوع لأجمع فيه ما تفرق وأرتب ما تشتت، وأشرح ما يحتاج إلى شرح، وذلك وفق ما كان عليه منهج سلفنا الصالح من الاعتماد على نصوص الكتاب والسنة ونقل كلام الصحابة والتابعين وأئمة هذا الدين رضي الله عنهم أجمعين.
فأرجو أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على الوجه المطلوب، كما وفقت في حسن الاختيار أولا.
عملي في هذا الكتاب:
ويتلخص عملي في النقاط التالية:
1- جمعت المادة العلمية المتعلقة بالموضوع من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثار مروية عن سلف الأمة، ونقول وأقوال للمتقدمين، والمتأخرين مما له صلة بالموضوع.
2- قسمت ما جمعت على أبواب الرسالة وفصولها ومباحثها ومطالبها ومسائلها ونقاطها، فرتبت ما تشتت وجمعت ما تفرق واختصرت وانتقيت مما توسع فيه حسب ما يقتضيه المقام وتدعو إليه الحاجة.
3- جعلت الآيات القرآنية بين قوسين هكذا { } وأشرت في الحاشية إلى رقم تلك الآية والسورة التي وردت فيها.
4- جعلت الأحاديث النبوية بين فاصلتين مزدوجتين " " مع تخريج كل حديث أوردته حسب ما يقتضيه المقام، وفي حالة ورود الحديث في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك عن عزوه إلى غيرهما.
5- عزوت الآثار المروية عن الصحابة والتابعين وأئمة هذا الدين إلى مصادرها بحسب ما وقفت عليه منها.
6- شرحت بعض الكلمات الغريبة معتمدا في ذلك على كتب غريب الحديث وشروحه والمعاجم اللغوية.
لا- وثقت النقول والأقوال والآراء من المصادر والمراجع التي نقلتها منها وذلك بذكر الجزء والصفحة، وما تصرفت فيه أشرت، إلى ذلك بعبارة "بتصرف" في أغلب الأحيان.
8- ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة عند أول موضع يرد فيه ذكر العلم.
9- وضعت فهارس للأمور التالية:
1- فهرس الآيات القرآنية.
2- فهرس الأحاديث المرفوعة والموقوفة.
3- فهرس للآثار على ترتيب أصحابها.
4- فهرس للكلمات الغريبة والمواطن والفرق.
5- فهرس للأعلام المترجم لهم.
6- فهرس للمصادر والمراجع.
7- فهرس لموضوعات الرسالة.
وبعد: فهذا جهد المقل وأستسمح القارئ الكريم عذرا إذا ما وجد في عملي هذا تقصيرا، فهذا جهد بشر، والمرء يستحضر في هذا المقام قول القائل: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يوم إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"[1] وفي الختام: أتوجه بالشكر إلى الله تعالى الذي سهل لي أمر إعداد هذه الرسالة بفضل منه وتوفيق، وأسأله سبحانه أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه وأن ينفعنا بما علمنا إنه على كل شيء قدير.
ومن ثم أشكر فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري المشرف على هذه الرسالة على بذله من جهد وعون وتوجيه في إعدادها فجزاه الله خيرا، وكذلك كل من بذل المساعدة لي في إنجازها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تمهيد:(4/198)
الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين القيم، والملة الحنيفية، وجعله على شريعة من الأمر، أمر باتباعها، وأمره بأن يقول {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[2] صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
وبعد: فإن الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثا قال تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[3].
بل خلقهم لغاية ذكرها في كتابه الكريم في أكثر من موضع فقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.[4]
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.[5]
وقال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[6]
فالحكمة من خلقه للخلق هي اختبارهم وابتلاؤهم ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. فهذه هي الحكمة من خلقهم أولا وبعثهم ثانيا. ولذلك لم يتركهم هملا، بل أرسل إليهم رسله، فكان من سنة الله تبارك وتعالى مواترة الرسل وتعميم الخلق بهم، بحيث يبعث في كل أمة رسولا ليقيم هداه وحجته كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[7]، وقال تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ}[8]، وقال تعالى {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا}[9]، وقال تعالى {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما}[10] فالرسل هم الواسطة بين الله عز وجل ودون خلقه في تبليغ أمره ونهيه وإرشاد العباد إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم.
وإن الله تبارك وتعالى جعل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأرسله للناس أجمعين، وأكمل له ولأمته الدين، وبعثه على حين فترة من الرسل وظهور الكفر وانطماس السبل، فأحيا به ما درس من معالم الإيمان، وقمع به أهل الشرك والكفر من عبدة الأوثان والنيران والصلبان، وأذل به كفار أهل الكتاب، وأهل الشرك والارتياب، وأقام به منار دينه الذي ارتضاه، وشاد به ذكر من اجتباه من عباده واصطفاه.
فالله سبحانه وتعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للناس رحمة وأنعم به نعمة يا لها من نعمة: قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[11]
وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً}[12] وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإرساله أعظم نعمة أنعم الله به على عباده.
فقد جمع الله لهذه الأمة بخاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل، وزادهم من فضله أنواع الفواضل، بل أتاهم كفلين من رحمته، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[13].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما أجلكم- في أجل من خلا من الأمم- ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟، فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟، فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟، ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا، قال: فإنه فضلي أعطه من شئت"[14] .
"وقد خص الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه الله بها على جميع الأنبياء(4/199)
والمرسلين، وجعل له شرعة ومنهاجا- أفضل شرعة وأكمل منهاج مبين- كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، فهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله[15] من جميع الأجناس، هداهم الله بكتابه ورسوله لما اختلفوا فيه من الحق قبلهم وجعلهم وسطا عدلا خيارا، فهم وسط في توحيد الله وأسمائه وصفاته، وفي الإيمان برسله وكتبه وشرائع دينه من الأمر والنهي والحلال والحرام، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، فأخرجهم بذلك من الظلمات إلى النور فحصل لهم ببركة رسالته ويمن سفارته خير الدنيا والآخرة.
فلقد هدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من البينات والهدى هداية جلت عن وصف الواصفين وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين به عموما، ولأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما وعملا- الخالصة من كل شوب- إلى الحكمة التي بعث بها لتفاوتا تفاوتاً يمنع معرفة قدر النسبة بينهما فللّه الحمد والمنة كما يحب ربنا ويرضى"[16].
فهو المبعوث بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فكمل الله به الرسالة وهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة وفتح برسالته أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء وأوضح بها المحجة البيضاء، فبين عن طريقه صلى الله عليه وسلم الكفر من الإيمان، والربح من الخسران، والهدى من الضلال، وأهل الجنة من أهل النار، والمتقين من الفجار، فهو المبعوث رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين. ولقد نوه الله عز وجل في كتابه الكريم بهذه النعمة العظمى التي امتن بها على هذه الأمة في آيات كثيرة منها:
قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[17]
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[18]
وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}[19]
وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[20]
وإنما كان إرساله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أعظم منة امتن بها على عباده لأن في ذلك تخليص من وفقه الله وهداه منهم من العذاب السرمدي، وذلك بسبب الإيمان بالله ورسوله والابتعاد عن كل ما يوجب دخول النار والخلود فيها.
ولذلك فإن الناس أحوج ما يكونون إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بما جاء به من الدين فهم أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب بل ومن نفس الهواء الذي يتنفسونه، فإنهم متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى، لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[21] أي كذب به وتولى عن طاعته، فهم محتاجون إلى الإيمان بالرسول وطاعته والأخذ بما جاء به والالتزام بذلك في كل مكان وزمان ليلا ونهارا، سفرا وحضرا سرا وعلانية.
ولما كانت منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه بهذه المرتبة وكانت حاجة الناس إليه بهذه الدرجة، فقد أوجب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة جملة من الحقوق والواجبات تنظم العلاقة التي تربطهم به تنظيفا دقيقا لا لبس فيه ولا اشتباه.
وهذه الحقوق منها ما يتصل بجانب الرسالة التي بعث بها، ومنها ما يتعلق بخاصة شخص الرسول صلى الله عليه وسلم تفضيلا وتكريما من الله له.
وقد وردت في شأن تلك الحقوق نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وضَّحت وفصَّلت وبيَّنت جوانب تلك الحقوق.
وهذه الحقوق في جملتها هي الأصل الثاني من أصلي الدين كما يدل عليه قولنا "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".(4/200)
ولذا فقد كان لزاما على كل من ينطق بهذه الشهادة، ويدين الله بهذا الدين أن يحيط بتلك الحقوق معرفة، ويلتزم بها اعتقادا وقولا وعملا، فذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يحصل إيمان العبد إلا به.
ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين اليوم هم على درجة كبيرة من الجهل بهذه الحقوق فتراهم لذلك على طرفي نقيض هذا المقام:
- فإما مقصر عن القيام بهذه الحقوق التي أوجبها الله على الأمة فتراه لا يقيم لها وزنا ولا يلقي لها بالا.
- وإما غال مبتدع منكب على ما ابتدعه، يظن أنه بما يفعله من أمور مبتدعة في هذا المقام قد أحسن صنعا وأنه مؤد لما أوجبه الله من حق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكلا الطرفين صاحب حال مذموم غير محمود. فلما كان عامة أصحاب هذين الطرفين إنما أوقعهم فيما هم فيه، جهلهم بمعرفة تلك الحقوق على الوجه المطلوب شرعا.
ولما كانت هذه الحقوق هي من جملة هذا الدين الذي تعبدنا الله به، فكان لا بد فيها من توفر شرطي القبول:
أ- الإخلاص.
2- الصواب (الاتباع).
كما قال تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[22]
فقد أحببت أن أوضح تلك الحقوق النبوية وفق ما جاءت بذلك النصوص الشرعية، وما كان عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، عسى أن يكون في هذا البيان والتوضيح تعليم للجاهل، وتذكير للغافل، وتحذير وردع للمبتدع، ومدارسة للعارف.
فأسأل الله عز وجل التوفيق والرشاد وأن يرزقنا التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والسير على هديه والتأسي به، وأن يشرح لذلك صدورنا وينير قلوبنا إنه جواد كريم وعلى كل شيء قدير.
الباب الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباع سنته.
الفصل الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم.
المبحث الأول: تعريف الإيمان وبيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله.
المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما.
أ- المعنى اللغوي لكلمة "آمن":
الإيمان مصدر آمن يؤمن إيمانا فهو مؤمن
أ- ويرى جمع من أهل اللغة أن الإيمان في اللغة معناه: التصديق وقد حكوا الإجماع على ذلك قال الأزهري[23]: "واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه التصديق"[24].
واستدلوا لذلك بقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف لأبيهم {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[25] فقالوا معناه ما أنت بمصدق لنا[26].
2- أما علماء السلف[27] فيقولون إن الإيمان يأتي في اللغة لمعنيين هما:
أ- بمعنى صدق به وذلك إذا عدي بالباء كما في قوله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ...}الآية[28] أي صدق الرسول[29].
ب- وبمعنى أقر له وذلك إذا عدي باللام كما في قوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}، وقوله تعالى {فَآمَنَ لَهُ لُوط}[30].
وقد اعترض السلف على حصر أهل اللغة لمعنى الإيمان بالتصديق فقط وقالوا: "إن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار[31] والطمأنينة أيضا"[32] واستدل السلف لقولهم بالأمور التالية:
أولا: إن الترداف التام ممتنع بين التصديق والإيمان من عدة وجوه، يوضحها الجدول التالي
الإيمان
التصديق
- إن كلمة آمن تتعدى بالباء وباللام وقد تقدم التمثيل لذلك.
- إن كلمة آمن تتضمن ثلاثة معان هي: الأمن، والتصديق، والأمانة.
- إن لفظ الإيمان لا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب لأن فيه أصل معنى الأمن والائتمان وهذا إنما يكون في الخبر عن الغائب، فلا يقال لمن قال طلعت الشمس آمنا له وإنما يقال صدقناه ولهذا لم يأت في القرآن وغيره لفظ آمن له إلا في الخبر عن الغائب.
- إن لفظ الإيمان ضده الكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب فقط بل هو أعم منه، إذ يمكن أن يكون مخالفة ومعاداة بلا تكذيب ومع ذلك يسمى كفرا كما لو قال شخص: أنا أعلم أنك صادق،ولكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك، فهذا كفر أعظم.
- أما كلمة "صدق" فلا تتعدى باللام فلا يقال "صدق له" إنما يقال "صدق به" فهي تتعدى بالباء وبنفسها فيقال صدقه.
- أما كلمة صدق فلا تتضمن معنى الأمن والأمانة.
- أما لفظ التصديق فيستعمل في كل مخبر عن مشاهد أو غيب، فمن قال السماء فوقنا، قيل له: صدقت.
- أما لفظ التصديق ضده التكذيب فقط.
وبهذا يتبين عدم الترداف التام بين اللفظين، وأن الإيمان ليس التصديق فقط[33] كما أن الكفر ليس التكذيب فقط.
ثانيا: من المعلوم أن كلام الله وشرعه إنما هو خبر وأمر.
فالخبر: يستوجب تصديق الخبر.
والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب، جماعه: الخضوع والانقياد للأمر، وإن لم يفعل المأمور به.(4/201)
فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو "الطمأنينة والإقرار" فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد. فلو فُسِّر الإيمان بالتصديق فقط، كما قال أهل اللغة، فإن التصديق إنما يعرض للجزء الأول من الشرع فقط الذي هو الخبر، ولا يعرض للجزء الثاني وهو الأمر، لأن الأمر ليس فيه تصديق من حيث هو أمر.
ومن المعلوم أن إبليس لم يكفر بسبب عدم تصديقه، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولا، ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له، واستكبر عن الطاعة فصار كافرا، قال تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[34] فسماه الله كافرا وسلب عنه وصف الإيمان لاستكباره وعدم انقياده لأمرالله له بالسجود لآدم.
لازم القول بأن الإيمان مجرد التصديق فقط:
وهذا موضع زاغ فيه خلق من الخلف تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل إلا التصديق، ثم يرون مثل إبليس وفرعون مما لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر فيتحيرون.
ومثل هؤلاء القوم لو أنهم هُدوا لما هُدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل أعني في الأصل قولا في القلب، وعملا في القلب، فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته- وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره- فيصدق القلب أخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنا إلا بمجموع الأمرين فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا فصار من الكافرين وإن كان مصدقا، لأن الكفر أعم من التكذيب، فالكفر يكون تكذيبا وجهلا، ويكون استكبارا وظلما، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالا وهو "الجهل" ألا ترى أن نفرا من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي، ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره، فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق.
ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله، وقد تضمنت خبزا وأمرا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان، وهو تصديق خبر الله وانقياده لأمر الله، فإذا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره. "وأشهد أن محمدا رسول الله" تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله.
فبمجموع هاتين الشمهادتين يتم الإقرار.
فلما كان التصديق لا بد منه في كلا الشهادتين- وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول- ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لا بد منه وهو الانقياد، وإلا فقد يصدق الرسول، ظاهرا وباطنا ثم يمتنع من الانقياد للأمر، إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه كإبليس"[35].
ثالثا: ما استدل به أهل اللغة على أن معنى الإيمان في قوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} هو التصديق غير مسلم.
إذ يرى علماء السلف أن تفسيرها بـ "أقررت" أقرب من تفسيرها بـ " صدقت " وذلك لأن لفظ "آمن" متى عُدّي باللام يكون بمعنى "أقر" وليس بمعنى "صدق"، إذ لا يكون بمعنى صدق الا إذا عُدّي بالباء أوبنفسه.
ب- المعنى الشرعي للإيمان:
تنوعت عبارات السلف في تعريف الإيمان:
أ- فتارة يقولون: الإيمان قول وعمل.
2- وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية.
3- وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية واتباع سنة [36].
4- وتارة يقولون: الإيمان: قول اللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية[37].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية[38] بعد أن أورد التعريفات الثلاثة الأول: "وكل هذا صحيح"[39] وعلل ذلك بقوله[40]:
"فمن قال إن الإيمان قول وعمل فمرداه قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح".
وقول اللسان وعمل الجوارح معروفان.
وأما المقصود من قول القلب: فهو إقراره ومعرفته وتصديقه.
وأما عمله: فهو انقياده لما صدق به.
ومن عبر عن الإيمان بهذا التعريف ليس مراده كل قول أو عمل وإنما المراد ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال.
كما أن تعبير بعض السلف بهذه العبارة في تعريف الإيمان إنما جاء في معرض الرد على المرجئة[41] الذين جعلوه قولا فقط، فقال بعض السلف ردا عليهم: بل قول وعمل[42].
وأما من عرفه بقوله هو قول و عمل ونية، فمقصوده بزيادة لفظ "ونية": أن القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان.
وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك[43].
وأما من عرفه بأنه قول وعمل ونية واتباع سنة، فقد زاد لفظة "واتباع سنة" لأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة[44].(4/202)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد سئل سهل بن عبد الله التستري[45] عن الإيمان ما هو؟، فقال: قول وعمل ونية واتباع سنة.
لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر.
وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق.
وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة[46].
وأجمع التعاريف الواردة وأشملها هو: أن الإيمان قول اللسان واعتقاد بالجنان وعمل الجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وهذا التعربف هو الذي يميز قول السلف في مسمى الإيمان عن قول غيرهم من الفرق[47] ولهذا كان هذا التعريف هو أجمع التعاريف الواردة عن السلف وأكثرها دقة في بيان قولهم.
ج- دلالة اسم الإيمان:
تتحدد دلالة اسم "الإيمان" بحسب سياق الكلام الذي تستعمل فيه هذه اللفظة فلفظ "الإيمان" إما أن يستعمل:
أ - مطلقا: أي يذكر مطلقا عن لفظ "العمل" و"الإسلام".
ب - أو مقيدا: فتارة يقرن بالعمل الصالح، وتارة يقرن بالإسلام.
فإذا استعمل مطلقا: "فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة، يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف والأئمة- من الصحابة والتابعين وتابعيهم- الذين يجعلون الإيمان قولا وعملا، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويدخلون جميع الطاعات- فرضها ونفلها- في مسماه"[48].
ويلاحظ هنا أن لفظ "الإيمان" على هذا الاستعمال يكون مرادفا للفظ "العبادة" والعبادة كما هو معروف هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
ومن استعمال الشارع للفظ الإيمان بهذا المعنى ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة[49] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"[50].
فالإيمان في هذا الحديث شمل جميع أمور الدين بما في ذلك أمور الإسلام. ومن هذا الاستعمال أيضا ما جاء في حديث عبد الله بن عباس[51] رضي الله عنهما: أن وفد عبد القيس[52] لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: "أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم خمس... " الحديث[53].
فلفظ الإيمان استعمل في الحديث مطلقا فدخل فيه الأمور الظاهرة مع أنها من أمور الإسلام كما جاء في حديث جبريل المشهور.
وأما إذا استعمل اسم الإيمان مقيدا كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[54]، وقوله {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[55].
وفول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره "[56].
فهنا قد يقال: إنه متناول لذلك وإن عطف ذلك عليه من باب عطف الخاص على العام كقوله تعالى: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[57]، وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَم} الآية[58].
وقد يقال إن دلالة الاسم تنوعت بالإفراد والاقتران كلفظ الفقير والمسكين، فإن أحدهما إذا أفرد تناول الآخر، وإذا جمع بينهما كانا صنفين: كما في آية الصدقة، ولا ريب أن فروع الإيمان مع أصوله كالمعطوفين، وهي مع جميعه كالبعض مع الكل"[59].
قلت: إن القول بأن عطف ذلك عليه من باب عطف الخاص على العام ينطبق على الآية وهي قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، وقوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
والقول بأن دلالة الاسم تنوعت بالإفراد والاقتران ينطبق على حديث جبريل حيث ذكر الإسلام والإيمان فأصبح كل واحد منهما يختص بأمور معينة فالإسلام اختص بالأمور الظاهرية، والإيمان اختص بالأمور الاعتقادية الباطنية.
"فلفظ الإسلام والإيمان إذا أفرد كل واحد من الاسمين دخل في مسمى الآخر إما تضمنا وإما لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند انفراد الآخر، وهذه قاعدة جليلة من أحاط بها زالت عنه إشكالات كثيرة أشكلت على كثير من الناس"[60].
خلاصة القول:
إن اسم الإيمان إذا أفرد: تناول جميع أمور الدين الظاهرة والباطنة كما في حديث الشعب.
وإذا اقترن اسم الإيمان مع الإسلام دل الإيمان على الأمور الباطنة ودل الإسلام على أمور الدين الظاهرة كما في حديث جبريل.
وإذا اقترن العمل مع الإيمان: فهو من باب عطف الخاص على العام[61] كما في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
المطلب الثاني: تعريف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم
"الإيمان بالرسول: هو تصديقه وطاعته واتباع شريعته".[62](4/203)
وهذه الأمور هي الركائز التي يقوم عليها الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وعن بيان هذه الأمور مطلوبة عند الإيمان به بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء:
أ- أما تصديقه صلى الله عليه وسلم فيتعلق به أمران عظيمان:
أحدهما: إثبات نبوته وصدقه فيما بلغه عن الله، وهذا مختص به صلى الله عليه وسلم[63].
ويندرج تحت هذا الإثبات والتصديق عدة أمور منها:
1- الإيمان بعموم رسالته إلى كافة الثقلين إنسهم وجنهم.
2- الإيمان بكونه خاتم النبين ورسالته خاتمة الرسالات.
3- الإيمان بكون رسالته ناسخة لما قبلها من الشرائع.
4- الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها وأدى الأمانة ونصح لأمته حتى تركهم على البيضاء ليلها كنهارها.
5- الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم.
6- الإيمان بماله من حقوق خلاف ما تقدم ذكره كمحبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم. وسيأتي تفصيل الأمور الخمسة المتقدمة بأدلتها في المباحث اللاحقة من هذا الفصل بإذن الله تعالى.
أما الحقوق الأخرى الواجبة له فسيأتي تفصيلها في الأبواب القادمة إن شاء الله تعالى.
الثاني: "تصديقه فيما جاء به، وأن ما جاء به من عند الله حق يجب اتباعه. وهذا يجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلى كل أحد"[64].
فيجب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم جميع ما أخبر به عن الله عز وجل، من أنباء ما قد سبق وأخبار ما سيأتي، وفيما أحل من حلال وحرّم من حرام، والإيمان بأن ذلك كله من عند الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[65].
قال شارح العقيدة الطحاوية: "يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا هملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على التفصيل فرض على الكفاية"[66].
ب- طاعته واتباع شريعته: إن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم كما يتضمن تصديقه فيما جاء به فهو يتضمن كذلك العزم على العمل بما جاء به وهذه هي الركيزة الثانية من ركائز الإيمان به صلى الله عليه وسلم.
وهي تعني: الانقياد له صلى الله عليه وسلم وذلك بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وزجر امتثالا لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[67]. فيجب على الخلق اتباع شريعته والالتزام بسنته مع الرضا بما قضاه والتسليم له، والاعتقاد الجازم أن طاعته هي طاعة لله وأن معصيته معصية لله لأنه هو الواسطة يين الله وبين الثقلين في التبليغ.
وسيأتي بيان هذه المسألة في الفصل الثاني من هذا الباب إن شاء الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " يجب على الخلق الإقرار[68] بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فما جاء به القرآن العزيز أو السنة المعلومة وجب على الخلق الإقرار به جملة وتفصيلا عند العلم بالتفصيل، فلا يكون الرجل مؤمنا حتى يقر بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن شهد أنه رسول الله شهد أنه صادق فيما يخبر به عن الله تعالى فإن هذا حقيقة الشهادة بالرسالة"[69].
المطلب الثالث: معنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أ- معناها:
"معنى شهادة أن محمدا رسول الله: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع"[70].
وهذه الشهادة هي الشطر الثاني من الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة، كما أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم داخل في الركن الرابع من أركان الإيمان الستة، ويشهد لذلك حديث جبريل المشهور. ويلاحظ أننا عرّفنا الشهادة والإيمان به بتعريف واحد، وهذا الأمر يصح في حالة الإفراد كما سبق وأن ذكرت في لفظ الإسلام والإيمان، أما في حالة الاقتران فالإيمان به يختص بتصديق القلب وإقراره، والشهادة يراد بها نطق اللسان واعترافه، ويجب تحقيق هذه الشهادة معرفة وإقرارا وانقيادا وطاعة[71].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الإيمان بالرسول فهو المهم، إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق إلى الله سبحانه، ولهذا كان ركنا الإسلام: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"[72].
ب- شروط الشهادتين:
بعد ذكر معنى "شهادة أن محمدا رسول الله " ناسب المقام أن نشير ههنا إلى شروط هذه الشهادة بشقيها، لأننا في زمان يجهل فيه كثير من الناس هذه الشروط، إذ يعتقد كثير منهم لجهلهم أن التلفظ وحده يكفي لتحقيق الشهادة ويستغنون بهذا عن العمل بالمقتضى المترتب على هذه الشهادة.
وتصويبا لهذا الخطأ وإزالة لهذا الجهل أقول: إنه من المعلوم أن العبد لا يدخل في دين الإسلام إلا بعد الإتيان بالشهادتين "شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله".
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[73](4/204)
وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"[74].
ومن المعلوم كذلك أن جميع الدين داخل في الشهادتين إذ مضمونهما أن لا نعبد إلا الله وأن نعبده بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ونطيعه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى، والدين كله داخل في هذا.
ولهاتين الشهادتين شروط لا بد من توفرها فيهما، إذ لا يمكن لقائلهما أن ينتفع بهما إلا بعد اجتماعها فيهما، وهذه الشروط مطلوبة في كلا الشهادتين، وذلك لما بينهما من التلازم، فالعبد لا يدخل في الدين إلا بهما معا.
وهي سبعة شروط:
الشرط الأول: العلم:
إذ العلم بالشيء شرط عند الشهادة به ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[75].
ومن الأدلة على وجوب العلم بالشهادة قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}[76]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"[77]. والعلم المراد به هنا هو معرفة معنى الشهادتين ومقتضاهما واللوازم المترتبة على ذلك.
فلا إله إلا الله معناها: لا معبود بحق إلا الله.
ومقتضاها ولازمها: نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله تعالى وإفراده بالعبادة مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به[78].
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: الإقرار والاعتراف للرسول صلى الله عليه وسلم أنه عبد الله ورسوله إلى الناس كافة[79].
ومقتضاها ولازمها: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع.
الشرط الثاني: اليقين:
أي استيقان القلب بالشهادتين، وذلك بأن يعتقدهما اعتقادا جازما لا يصاحبه شك أو ارتياب، لأن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}[80]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستقينا بها قلبه فبشره بالجنة" الحديث[81]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"[82].
الشرط الثالث: الإخلاص:
"وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك"[83].
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية[84]. وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[85] "أي لا يقبل الله من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له".
وقال قتادة[86] في قوله تبارك وتعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} شهادة أن لا إله إلا الله "[87].
وعن عتبان بن مالك[88] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"[89].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"[90].
الشرط الرابع: "الصدق فيها المنافي للكذب. وهو أن يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه"[91].
قال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[92]، "أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة"[93].
وعن أنس بن مالك[94] رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم - ومعاذ[95] رديفه على الرحل- قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: "يا معاذ" قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا. قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار" الحديث[96].
الشرط الخامس: المحبة:
"لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت علييه ولأهلها والعاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك"[97].
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[98]، ففي الآية دليل على وجوب محبة الله ورسوله ولا خلاف في ذلك بين الأمة وأن ذلك مقدم على كل محبوب[99].(4/205)
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} الآية[100].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه} الآية[101].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"[102].
الشرط السادس: الانقياد:
أي الانقياد والاستسلام ظاهرا وباطنا لأوامر الله وما أنزله من الشرع على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}[103]
ففي هذه الآية: "يقول تعالى مخبرا عمن أسلم وجهه لله أي أخلص له العمل وانقاد لأمره واتبع شرعه، ولهذا قال: {وَهُوَ مُحْسِنٌ}، أي في عمله: باتباع ما به أمر، وترك ما عنه زجر {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أي فقد أخذ موثقا من الله متينا أنه لا يعذبه {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}"[104].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}[105]. والآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هنا ولا رأي ولا قول كما قال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً[106]}[107]
الشرط السابع: القبول:
أي قبول الشهادتين والالتزام بمقتضياتها ولوازمها.
قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[108]، وقال تعالى في شأن من لم يقبلها: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}[109].
وعن أبي موسى الأشعري[110] رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية[111] قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب[112] أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان[113] لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"[114].
فهذه هي شروط الشهادتين يجب على المسلم تحقيقها والإتيان بها على الوجه المطلوب حتى يكون من أهلها.
ج- مراتب الشهادة:
إذا علم العبد معنى الشهادتين وشروطهما فينبغي له أن يكون على علم بأن للشهادة مراتب يتدرج عليها الشاهد مرتبة بعد مرتبة حتى يتم له تحقيق الشهادة على الوجه المطلوب.
ومراتب الشهادة أربع هي[115]:
• المرتبة الأولى: العلم والمعرفة والاعتقاد لصحة المشهود به وثبوته، فلا بد للشاهد أن يعلم ويعرف معنى الشهادتين وإلا كان الشاهد شاهدا بما لا علم له به قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[116].
• المرتبة الثانية: تكلمه بالشهادتين وإن لم يُعلِم بها غيره، بل يتكلم بها مع نفسه ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ}[117] فجعل ذلك منهم شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدوها عند غيرهم.
• المرتبة الثالثة: أن يُعلِم غيره بما شهد به ويخبره به ويبينه له ومرتبة الإعلام والإخبار نوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل.
وهذا شأن كل مُعلِم لغيره بأمر، تارة يعلمه به بالقول وتارة بفعل ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} الآية[118] فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلونه[119].
• المرتبة الرابعة: أن يلتزم بمضمونها ويأتمر به.(4/206)
ومجرد الشهادة لا يستلزم هذه المرتبة، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه، فإنه سبحانه وتعالى شهد به شهادة من حكم به وقضى وأمر وألزم عباده كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا}[120].
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً}الآية[121].
والقرآن كله شاهد بذلك.
وقد شهد الله لنفسه بالوحدانية فقال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[122] فشهادته سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع وهي: علمه بذلك، وتكلمه، وإخباره لخلقه، وإلزامهم وأمرهم به[123].
المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم
إن مما ينبغي معرفته بعد توضيح معنى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وتبيين شروط الشهادة ومراتبها أن تعرف نواقض هذا الأمر ومبطلاته حتى يحترز المسلم من الوقوع فيها، فعن حذيفة بن اليمان[124] رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني..." الحديث[125].
وعن عمر بن الخطاب[126] رضي الله عنه: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"[127].
ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أعظم هذه الأمة إيمانا لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر، لما علموه من حسن حال الإيمان والعمل الصالح، وقبح حال الكفر والمعاصي".
ولمعرفة نواقض الإيمان به صلى الله عليه وسلم نقول:
لما كان الإيمان به صلى الله عليه وسلم يعني تصديقه وتصديق ما جاء به صلى الله عليه وسلم، والانقياد له، فإن الطعن في أحد هذين الأمرين ينافي الإيمان ويناقضه فالنواقض على هذا الاعتبار يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: الطعن فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة، إما بإنكاره أو بانتقاصه.
القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم:
ومما يدخل تحت هذا القسم نسبة أي شيء للرسول عليه الصلاة والسلام مما يتنافى مع اصطفاء الله له لتبليغ دينه إلى عباده، فيكفر كل من طعن في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمانته أو عفته أو صلاح عقله ونحو ذلك.
كما يكفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل كفرا، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر[128] ومنكر من القول وزور، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو تنقصه ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه"[129].
فالساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
وإن كان ذميا فإنه يقتل أيضا في مذهب مالك[130] وأهل المدينة وهو مذهب أحمد[131] وفقهاء الحديث وهو المنصوص عن الشافعي[132] نفسه كما حكاه غير واحد"[133].
وهذا الحكم على الساب والمستهزئ، يستوي فيه الجاد والهازل بدليل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[134].
وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، (فالسب المقصود بطريق الأولى)، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر.
وقد رُوي عن رجال من أهل العلم منهم ابن عمر[135] ومحمد بن كعب[136] وزيد ابن أسلم[137] وقتادة- دخل حديث بعضهم في بعض- أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: "ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف ابن مالك[138]: كذبت ولكنك رجل منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق.(4/207)
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة[139] ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" ما يلتفت إليه، ولا يزيده عليه"[140].
فهؤلاء لما تنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه والعلماء من أصحابه واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك وإن قالوه، استهزاء فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟[141].
ومن الأدلة على كفر الطاعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً}[142].
واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافرا[143].
وفي هذه الآية قرن الله بين أذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه، وفى هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن أذى الرسول فقد أذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منهم طريق غيره ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه فلا يجوزأن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور[144].
ومن الأدلة الواردة في السنة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما[145] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف[146] فإنه قد آذى الله ورسوله"، فقام محمد بن مسلمة[147] فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟، قال: "نعم..." الحديث[148]. فعلم من هذا الحديث أن من آذى الله ورسوله كان حقه أن يقتل كما قتل كعب بن الأشرف والأدلة من الكتاب والسنة على هذه المسألة كثيرة ولا مجال لاستيعابها هنا.
- الإجماع: وقد أجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، وكذلك حكى غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره.
وقال الإمام إسحاق بن راهوية[149] أحد الأئمة الأعلام: "أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل إليه".
وقال الخطابي[150]: "لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله". وقال محمد بن سحنون[151]: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر"[152].
ومن المعلوم أن سب النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به عدة حقوق:
1- حق الله سبحانه:
من حيث كفر برسوله، وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته، فإن الطعن في الرسول طعن في المرسل وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وإنكار لكلامه وأمره وخبره وكثير من صفاته.
2- وتعلق حق جميع المؤمنين:
من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم به، فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصا أمته فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به، بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بواسطته وسفارته فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جميعهم، كما أنه أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين.
3- وتعلق حق رسول الله صلى الله عليه وسلم به:
من حيث خصوص نفسه، فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصا من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة، فإن هتك عرضه وعلو قدره قد يكون أعظم عنده من قتله، فإن قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلو قدره كما أن موته لا يقدح في ذلك، بخلاف الوقيعة في عرضه فإنها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفرة عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم إيمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة ..."[153].
وبهذا يعلم أن السب فيه من الأذى لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ما ليس في غيره من الأمور كالكفر والمحاربة.
وبما تقدم ذكره من الأدلة يتضح انتقاض إيمان من طعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بسب أو استهزاء أو انتقاص سواء كان في ذلك جادا أو هازلا.(4/208)
ويستثنى من ذلك المكره بدليل قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[154] فالآية نزلت في عمار بن ياسر[155] حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية، وروى أن مما قاله أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير، قال: "كيف تجد قلبك؟" قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: "إن عادوا فعد" وفي ذلك أنزل الله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى، كما كان بلال[156] رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل..."[157].
القسم الثاني: من نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم:
الطعن فيما أخبر به الرسول لا- مما هو معلوم من الدين بالضرورة- إما بإنكاره أو انتقاصه.
فإذا اجتمعت الشروط التالية في المنكر وهي:
أ- أن يكون ذلك الأمر المنغص من الأمور التي أجمعت عليها الأمة وأن يكون من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة: أي أن يكون علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان، وعموم رسالته[158].
ب- أن لا يكون المنكر حديث عهد بالإسلام لا يعرف حدوده فهذا إذا أنكر شيئا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة جهلا به فانه لا يكفر[159].
ج- أن لا يكون المُنكِر مكرها على ذلك، فإن المكره له حكم آخر كما قدمنا ذلك.
والمُنكِر في هذه الحالة يحكم بكفره وانتقاض إيمانه. والمنتقص لأمور الدين إذا كان غير مكره فإنه يكفر سواء كان جادا في ذلك أم هازلا.
والأمثلة على هذا القسم كثيرة جدا نذكر منها على سبيل المثال ما يختص بجانب الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
أولا: "أن يعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون القانون الوضعي على حكم الشرع ويصفون الشريعة الإسلامية بالقصور والرجعية وعدم مسايرة التطور، وهذا من أعظم المناقضة لشهادة أن محمدا رسول الله.
ثانيا: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فهو كافر"[160].
ثالثا: اعتقاد الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا الأمر صورتان:
• الأولى: أن لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا وجوب طاعته فيما أمر به وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم القدر علما وعملا وأنه يجوز تصديقه وطاعته ولكنه يقول إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدا ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته وهذا هو قول الفلاسفة والصابئة[161] وهذا القول لا ريب في كفر صاحبه "فمن نواقض الإسلام أن يعتقد الإنسان عدم كفر المشركين ويرى صحة مذهبهم، أو يشك في كفرهم"[162].
وهذا القول هو الذي ينادي به في وقتنا الحاضر من يدعون إلى وحدة الأديان ويروج لهم في ذلك الماسونية[163] اليهودية[164].
• الثانية: من يرى طلب العلم بالله من غير خبره، أو العمل لله من غير أمره، وهؤلاء وإن كانوا يعتقدون أنه يجب تصديق الرسول أو تجب طاعته، لكنهم في سلوكهم العلمي والعملي غير سالكين هذا المسلك بل يسلكون مسلكا آخر إما من جهة القياس والنظر، وإما من جهة الذوق والوجدان، وإما من جهة التقليد، وما جاء عن الرسول إما أن يعرضوا عنه وإما أن يردوه إلى ما سلكوه.
وإضافة إلى هذه النواقض فإن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ينتقض أيضا بالنواقض العامة الأخرى للإسلام وهي:
1- الشرك في عبادة الله تعالى:
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[165]
وقال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[166]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[167]، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[168].
2- أن يجعل بينه وبين الله وسائط:
يدعوهم ويسألهم الشفاعة فيما لا يقدر عليه إلا الله، ويتوكل عليهم فهذا كافر بالإجماع[169].
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}[170]
وقال تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}[171]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[172].
3- السحر:(4/209)
ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر[173] بدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}[174].
4- "مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين"[175]:
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[176] وهذا من أعظم النواقض التي وقع فيها سواد الناس اليوم في الأرض وهم بعد ذلك يحسبون على الإسلام ويتسمون بأسماء إسلامية، فلقد صرنا في عصر يُستحى فيه أن يقال للكافر يا كافر.
ومظاهرة المشركين أخذت صورا شتى فمن الميل القلبي إلى انتحال مذاهبهم الإلحادية إلى مجاراتهم في تشريعاتهم، إلى كشف عورات المسلمين لهم، إلى كل صغير وكبير في حياتهم..."[177]
5- الإعراض عن دين الله تعالى:
لا يتعلمه ولا يعمل به[178] والدليل على ذلك فوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}[179].
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه[180]، ومعرفة المسلم لهذه الأمور تجعله على بصيرة من أمره، وتكسبه وتزيده معرفة لأمور عقيدته، فبضدها تتميز الأشياء.
________________________________________
[1] هذه العبارة للعماد الأصفهاني، وقد أوردها طه عبد الرؤوف في مقدمة تحقيقه لكتاب إعلام الموقعين (ص م).
[2] الآية (108) من سورة يوسف
[3] الآية (115) من سورة المؤمنون
[4] الآية (2) من سورة الملك
[5] الآية (7) من سورة هود
[6] الآية (56) من سورة الذاريات
[7] الآية (36) من سورة النحل.
[8] الآية (24) من سورة فاطر.
[9] الآية (4) من سورة المؤمنون
[10] الآية (65) من سورة النساء.
[11] الآية (57) من سورة الأنبياء.
[12] الآية (28) من سورة ابراهيم.
[13] الآيات (28- 29) من سورة الحديد
[14] أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل. فتح الباري (6/ 495- 496) ح 3459.
[15] انظر في هذا الموضوع وأدلته: المبحث الثالث من الفصل الأول من الباب الثالث.
[16] اقتضاء الصراط المستقيم (ص 3)
[17] الآية (164) من سورة آل عمران.
[18] الآيات (2-3-4) من سورة الجمعة.
[19]الآيتان (151-152) من سورة البقرة.
[20] الآية (128) من سورة التوبة.
[21] الآيات (14- 15- 16) من سورة الليل.
[22] الآية (10) من سورة الكهف.
[23] هو: محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي أبو منصور أحد الأئمة في اللغة والأدب ولد سنة 282هـ وتوفي سنة 370هـ وهو صاحب كتاب تهذيب اللغة. انظر الأعلام للزركلي (5/311).
[24] تهذيب اللغة (5/513).
[25] الآية (7) من سورة يوسف.
[26] لسان العرب لابن منظور، مادة آمن (13/23).
[27] شرح العقيدة الأصفهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 143).
[28] الآية (285) من سورة البقرة.
[29] تفسير القرطبى (3/ 425).
[30] الآية (6) من سورة العنكبوت.
[31] الإقرار: متضمن لمعنيين هما: قول القلب الذي هو التصديق. وعمل القلب الذي هو الانقياد. مجموع الفتاوى (7/ 638- 639).
[32] الصارم المسلول لابن تيمية (ص519).
[33] انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص380 - 381).
[34] الآية (4) من سورة البقرة.
[35] الصارم المسلول (ص 519- 520) بتصرف.
[36] هذه التعريفات الثلاثة أوردها شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه الايمان. انظر (ص 162).
[37] مجمرع الفتاوى (7/642).
[38] هو شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد ابن تيمية النميرى، الحرّاني الدمشقي، ولد سنة إحدى وستين وستمائة (661هـ) بحران، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
(728 هـ) بدمشق، اشتهر رحمه الله بالعلم والزهد والورع والعبادة والجهاد والدفاع عن عقيدة السلف وقد ألف في سيرته المؤلفات الكثيرة.
انظر: "كتاب الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية" تأليف مرعي بن يوسف الحنبلي.
[39] كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 162).
[40] كلام شيخ الإسلام نقلته بتصرف من كتابه الإيمان (ص 162- 163).
[41] المرجئة هم الذين أرجئوا العمل عن مسمى الإيمان وهم خمس طوائف سيأتي ذكرهم.
[42] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الناس لهم في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق أربعة أقوال:
ا- فالذي عليه السلف والفقهاء والجمهور أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعًا.
2- وقيل: بل مسماه اللفظ، والمعنى ليس جزء مسماه بل هو مدلول مسماه، وهذا قول كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وطائفة من المنتسبين إلى السنة، وهو قول النحاة لأن صناعتهم متعلقة بالألفاظ.
3- وقيل: مسماه هو المعنى وإطلاق الكلام على اللفظ مجاز لأنه دال عليه وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.(4/210)
4- وقيل: بل هو مشترك بين اللفظ والمعنى وهو قول بعض المتأخرين من الكلابية ولهم قول ثالث يروى عن أبي الحسن أنه مجاز في كلام الله حقيقة في كلام الآدميين" كتاب الإيمان (ص 162).
[43] كتاب الإيمان (ص 163).
[44] كتاب الإيمان (ص 163).
[45] هو: سهل بن عبد الله بن يونس التستري أبو محمد ولد سنة (200 هـ) وتوفي سنة (283 هـ)، عامة كلامه في تصفية الأعمال من المعائب، وأسند الحديث وأسند عنه.
شذرات الذهب (3/ 182)، والأعلام (3/143).
[46] كتاب الإيمان (ص 163).
[47] الذين خالفوا السلف في مسمى الإيمان هم:
أ- المرجئة بطوائفهم الخمس:
ا- الجهمية: وقالوا الإيمان هو معرفة القلب فقط: أى المعرفة الفطرية التي هي المعرفة بربوبية الله.
2- الأشاعرة: وقالوا الإيمان هو التصديق فقط أي التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله.
3- الماتريدية: وقولهم في الإيمان مثل قول الأشاعرة.
4- الكرامية: قالوا الإيمان قول باللسان فقط.
5- مرجئة الأحناف (أو مرجئة الفقهاء) قالوا: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان. وهو قول الكلابية. وكل هذه الطوائف الخمسة أخرجت العمل عن الإيمان.
ب- الخوارج: قالوا الإيمان قول واعتقاد وعمل ولكنهم يكفرون من أخل بشيء من هذه الثلاثة ويقولون بأنه كافر في الدنيا وفى الآخرة خالد في النار.
ج- المعتزلة: وقالوا بقول الخوارج إلا أنهم يقولون إنه في الدنيا في منزلة بين منزلتين بمعنى أنه ليس بمؤمن ولا كافر، واتفقوا معهم في باقي الأمور.
انظر تفاصيل هذه الأقوال: في كتاب الإيمان لابن تيمية، والجزء السابع من مجموع الفتاوى، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 373- 392) وكتاب النبوات (ص 199).
[48] مجموع الفتاوى (7/ 642).
[49] أبو هريرة بن عامر واختلف في اسمه إلى عدة أقوال: منها أنه عبد الرحمن، وهو دوسي أسلم عام خيبر وشهدها ثم لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله إليه، وكان من أحفظ الصحابة رضي الله عنهم، توفي عام 57 هـ. أسد الغابة (2/ 167).
[50] أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أمور الدين.
انظر: فتح الباري (1/51) ح 9 وأخرجه مسلم - واللفظ له - كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان (1/ 46).
[51] عبد الله بن عباس بن عبد المطب الهاشمي- ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات في الشعب أثناء الحصار، وكان رضي الله عنه ترجمان القرآن وحبر الأمة لعلمه وفهمه، توفي سنة 84هـ.
الإصابة (6/ 167- 173).
[52] هي قبيلة كبيرة كانوا يسكنون البحرين ينسبون إلى عبد القيس بن أفْصى- بسكون الفاء بعدها مهملة بوزن أعمى- ابن دُعمِيّ- بضم ثم سكون المهملة وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة- ابن جَديلة -بالجيم وزن كبيرة- ابن أسد بن ربيعة بن نزار. انظر: فتح الباري (8/85).
[53] أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له: كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان. انظر: فتح الباري (1/129) ح 53، وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه (1/35 - 36).
[54] الآية (77) من سورة البقرة وغيرها.
[55] الآية (63) من سورة يونس.
[56] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله (1/29). والحديث أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل بلفظ: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث". انظر: فتح الباري (1/ 114)، ح 50.
[57] الآية (98) من سورة البقرة.
[58] الآية (7) من سورة الأحزاب.
[59]
[60] مجموع الفتاوى (7/647 - 648).
[61] قال شارح الطحاوية: "اعلم أن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما، والمغايرة على مراتب:
ا- أعلاها: أن يكونا متباينين ليس أحدهما هو الآخر، ولا جزءا منه، ولا بينهما تلازم، كقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} الآية (1) من سورة الأنعام، وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} الآية (3) من سورة آل عمران، وهذا هو الغالب.
2- ويليه: أن يكون منهما تلازم، كقوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الآية (42) من سورة البقرة، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} الآية (92) من سورة المائدة.(4/211)
3- الثالث: عطف بعض الشيء عليه كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} الآية (238) من سورة البقرة، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} الآية (238) من سورة البقرة وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك} الآية (7) من سورة الأحزاب، وفى مثل هذا وجهان: أحدهما: أن يكون داخلا في الأول، فيكون مذكورا مرتين. والثاني: أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلا فيه هنا وإن كان داخلا قيه منفردا كما قيل في لفظ "الفقراء والمساكين" ونحوهما، تتنوع دلالته بالإفراد والاقنران.
4- الرابع: عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين، كقوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} الآية (3) من سورة غافر. شرح العقيدة الطحاوية (ص 387- 388).
[62] كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (ص 92).
[63] مجموع الفتاوى (15/91).
[64] مجموع الفتاوى (15/ 91).
[65] الآية (3،4) من سورة النجم.
[66] شرح العقيدة الطحاوية (ص 66).
[67] الآية (7) من سورة الحشر.
[68] يقول ابن تيمية في بيان معنى الإقرار: "إن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد".
مجموع الفتاوى (7/ 638، 639).
[69] مجموع الفتاوى (5/ 154).
[70] الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص 9) ضمن مجموعة الرسائل المفيدة.
[71] زاد المعاد (1/ 34).
[72] مجموع الفتاوى (8/ 638، 639).
[73] الآية (15) من سورة الحجرات.
[74] أخرجه البخارى في صحيحه، كناب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (13/250)، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 38).
[75] الآية (86) من سورة الزخرف.
[76] الآية (19) من سورة محمد.
[77] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار. انظر (1/ 41).
[78] تيسير العزيز الحميد (ص 58).
[79] دليل المسلم في الاعتقاد للشيخ عبد الله خياط (ص 45).
[80] الآية (15) من سورة الحجرات.
[81] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (1/ 44).
[82] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (1/ 41- 42).
[83] معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد حكمي (1/ 382).
[84] الآية (5) من سورة البينة.
[85] الآية (3) من سورة الزمر.
[86] قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري، ولد سنة 61 هـ وتوفي سنة 118 هـ ثقة ثبت، مفسر حافظ ضرير أكمه. قال عنه الإمام أحمد: قتادة أحفظ أهل البصرة.
انظر: تهذيب التهذيب (8/ 351) وتذكرة الحفاظ (1/115)
[87] تفسير ابن كثير (4/ 45).
[88] عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي السالمي، صحابي من البدريين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر، مات في خلافة معاوية وقد كبر.
الإصابة (2/ 445) رقم 5318.
[89] أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، انظر: فتح الباري (1/ 519) ح 425، ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر (2/ 126).
[90] أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، انظر: فتح الباري (11/ 418) ح 6570.
[91] معارج القبول (1/ 381).
[92] الآيات (1/ 3) من سورة العنكبوت.
[93] تفسير ابن كثير (3/ 404).
[94] أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الأنصاري أبو حمزة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد المكثرين من الرواية عنه، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة توفي سنة 93 هـ.
[95] معاذ بن جبل الأنصاري: أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وقد شهد بعد ذلك المشاهد كلها، كان من أعلم الصحابة بالحلال والحرام، توفي سنة 17 هـ في طاعون عمواس بالشام. الإصابة (3/ 406، 407) رقم 8039.
[96] أخرجه البخاري في صحيحها واللفظ له، كتاب العلم باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا. انظر فتح الباري (1/ 226) ح 128.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (1/43).
[97] معارج القبول (1/ 383).
[98] الآية (234) من سورة التوبة.
[99] تفسير القرطبي (8/95)
[100] الآية (165) من سورة البقرة.
[101] الآية (54) من سورة المائدة.(4/212)
[102] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان. انظر: فتح الباري (1/ 72) ح 21. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، واللفظ له. انظر: (1/ 48).
[103] الآية (22) من سورة لقمان.
[104] تفسير ابن كثير (3/ 450).
[105] الآية (36) من سورة الأحزاب.
[106] الآية (65) من سورة النساء.
[107] تفسير ابن كثير (3/ 490).
[108] الآية (285) من سورة البقرة.
[109] الآيات (35- 36) من سورة الصافات.
[110] واسم أبي موسى: عبد الله بن قيس بن سليم من بني الأشعر من قحطان، صحابي أسلم بمكة ثم رجع إلى اليمن وقدم مع الأشعريين وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان من الشجعان الولاة الفاتحين، توفى بالكوفة سنة 44 هـ، وقيل غير ذلك. الإصابة (2/ 351) رقم 4899.
[111] هي مستنقع الماء في الجبال والصخور. فتح الباري (1/ 176).
[112] هي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء. فتح الباري (1/ 176).
[113] بكسر القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية اللمساء التي لا تنبت. فتح الباري (1/ 177).
[114] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم: باب فضل من علِم وعلَّم واللفظ له.انظر فتح الباري (1/ 175) ح 79. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم. انظر: (7/ 63).
[115] انظر: كتاب الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ عبدالعزيز بن محمد السلمان من (ص 38 إلى ص 40) بتصرف.
[116] الآية (86) من سورة الزخرف.
[117] الآية (19) من سورة الزخرف.
[118] الآية (17) من سورة التوبة.
[119] الكواشف الجلية (39- 40) بتصرف.
[120] الآية (23) من سورة الإسراء.
[121] الآية (31) من سورة التوبة.
[122] الآية (18) من سورة آل عمران.
[123] الكواشف الجلية (ص 40) بتصرف.
[124] حذيفة بن اليمان العبسي، شهد أحدا وكان من كبار الصحابة وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفى عام 36هـ الإصابة (1/ 316، 317)، ت رقم 1647.
[125] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن: باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟،
انظر: فتح الباري (3/ 35) ح 7084. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر. انظر: (6/ 20).
[126] عمر بن الخطاب بن نفيل: ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، كان إسلامه فتحا على المسلمين، شهد المشاهد كلها، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، ولي الخلافة بعد الصديق واستشهد سنة 23 هـ، قتله أبو لؤلؤة المجوسي. الإصابة (2/ 511، 511) رقم 5738.
[127] تيسير العزيز الحميد (ص 90).
[128] الهجر بالضم: القبيح من الكلام. لسان العرب (5/ 253).
[129] الشفا للقاضي عياض (2/ 932) بتحقيق علي محمد البجاوي.
[130] مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، وأحد أئمة أهل السنة المشهورين، وإليه تنسب المالكية له مؤلفات عدة على رأسها (الموطأ) الكتاب المشهور، ولد بالمدينة، وتوفى بها عام 179 هـ. الديباج المذهب (1/ 82- 135) والبداية ( 10/ 174).
[131] أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور في الفقه والحديث ونصرة الإسلام، إمام أهل السنة والجماعة أعز الله به السنة وقمع به البدعة وفضائله أكثر من أن تحصر توفي سنة 241 هـ تاريخ بغداد (4/ 412) وطبقات الحنابلة (1/4).
[132] محمد بن إدريس الشافعي الإمام المشهور أحد الأئمة الأربعة، ولد بغزة بفلسطين ثم سافرت به أمه إلى مكة، كان ذكيا فطنا برع في الأدب واللغة ثم أقبل على الحديث والفقه وله مصنفات عدة من أشهرها: الأم والرسالة، توفي بمصر سنة204 هـ. تاريخ بغداد (2/ 56) والتذكرة (367).
[133] الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 4 و 8) بتصرف.
وقد تعرض شيخ الإسلام لهذه المسائل مفصلة في هذا الكتاب فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.
[134] الآيتان (65، 66) من سورة التوبة.
[135] عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولد بعد البعثة بثلاث سنوات وهاجر وهو ابن عشر سنين، وقد كان من أشد الصحابة تتبعا للسنة ومن أكثرهم عبادة مع زهد وورع توفي عام 84 هـ.
الإصابة (2/ 338- 341) ت رقم 4834.
[136] هو محمد بن كعب بن سليم القرظي المدني، كان أبوه من سبي قريظة، ثقة، عالم، ولد سنة أربعين على الصحيح، ومات سنة 120 هـ وقيل غير ذلك. وقال عنه ابن حبان: كان من أفاضل أهل المدينة علما وفقها. تهذيب التهذيب (9/ 420، 422).
[137] زيد بن أسلم المدني الفقيه: كان عالما بالتفسير وكان له حلقة بالمسجد النبوي توفي عام 136 هـ تهذيب التهذيب (3/ 395).
[138] عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني، صحابي جليل، شهد مؤتة، وشهد الفتح وكانت معه راية قومه يومئذ وشهد فتح الشام، توفي سنة ثلاث وسبعين بالشام.
تهذيب التهذيب (8/ 168)، والبداية (8/ 346).(4/213)
[139] النِّسْعة بكسر فسكون: سير مضفور يجعل زمامًا للبعير. لسان العرب (8/352).
[140] تفسبر ابن كثير (2/ 367).
[141] الصارم المسلول (ص31 - 33).
[142] الآية (57) من سورة الأحزاب.
[143] الصارم المسلول (ص 41).
[144] الصارم المسلول (ص 40- 41) بتصرف.
[145] جابر بن عبد الله الأنصارى: شهد العقبة الثانية وهو صغير وشهد المشاهد كلها بعد أحد، وكان من المكثرين الحفاظ. للسنّة، توفي سنة 74 هـ وقيل غير ذلك.
الإصابة (1/ 214) ت رقم 1026.
[146] كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، كانت أمه من بني النضير فدان باليهودية وكان سيدا في أخواله اليهود. أدرك الاسلام ولم يسلم، وأكثر من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم والتشبب بنسائهم. خرج إلى مكة بعد وقعة بدر فندب قتلى قريش فيها، وحض على الأخذ بثأرهم، وعاد إلى المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فانطق إليه نفر من الأنصار، فقتلوه في ظاهر حصنه. تاريخ الطبري (3/ 2).
[147] محمد بن مسلمة الأنصاري، من فضلاء الصحابة شهد بدرا وما بعدها إلا غزوة تبوك فإنه تخلف بإذن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يقيم في المدينة، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين وقيل غير ذلك. الإصابة (3/ 363، 364) رقم (8 78).
[148] أخرجه البخاري في صحيحه- واللفظ له - كتاب المغازي باب قتل كعب بن الأشرف. انظر: فتح الباري (7/ 336) ح 4037، وأخرجه في مواضع أُخر. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد: باب قتل كعب بن الأشرف. انظر: (5/184).
[149] إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهوية المروزي قال عنه الخطيب البغدادي: كان أحد أئمة المسلمين وعَلَما من أعلام الدين اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد توفي سنة 238 هـ. تاريخ بغداد (6/ 345).
[150] أبو سليمان حمد ويقال أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أحد المشاهير الأعيان، والفقهاء المجتهدين المكثرين، له من المصنفات معالم السنن وشرح البخاري وغير ذلك، توفي بمدينة بست سنة 388 هـ. البداية: ( 11/ 324).
[151] محمد بن عبد السلام (سحنون) بن سعيد بن حبيب التنوخى، أبو عبد الله فقيه مالكي، مناظر كثير التصانيف، توفي سنة 256هـ. الوافي بالوفيات: (3/86) والأعلام (6/204، 205).
[152] الصارم المسلول (ص 3- 4).
[153] الصارم المسلول (ص 293- 294).
[154] الآية (106) من سورة النحل.
[155] عمار بن ياسر حليف بني مخزوم من السابقين الأولين هو وأبوه وأمه، هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، قتل بصفين سنة 37 هـ. الإصابة (2/505، 506) رقم: 5706.
[156] بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد السابقين إلى الإسلام الذين عذبوا بمكة، وكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة: فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول وهو على ذلك أَحَدٌ أَحَدٌ، فمرَّ به أبو بكر فاشتراه منه وأعتقه، ومناقبه كثيرة، شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، مات بالشام سنة عشرين. الإصابة (1/ 169) رقم 736.
[157] تفسير ابن كثير (2/ 587، 588) بتصرف.
[158] انظر صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 205).
[159] انظر صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 205).
[160] الجامع الفريد: رسالة نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص 282).
[161] مجموع الفتاوى (7/ 639).
[162] الجامع الفريد (ص 282).
[163] الماسونية: عبارة فرنسية معناها البناؤون الأحرار، والماسونية حركة يهودية سرية تعمل تحت ستار التآخي بين الأديان وهدفها الرئيسي السيطرة على العالم عن طريق أصحاب الجاه والنفوذ في بقاع العالم، وذلك بواسطة المحافل التي تقيمها في بقاع كثيرة من العالم.
انظر: "كتاب الماسونية ذلك العالم المجهول"، لصابر طعيمة.
[164] كتاب الولاء والبراء (ص 344).
[165] الآية (48) من سورة النساء.
[166] الآية (65) من سورة الزمر.
[167] الآية (88) من سورة الأنعام.
[168] الآية (72) من سورة المائدة.
[169] الجامع الفريد (ص 282).
[170]الآية (194) من سورة الأعراف.
[171] الآيتان (12- 13) من سورة الحج.
[172] الآية (18) من سورة الجن.
[173] الجامع الفريد (ص 282). والمراد بالصرف: التفريق بين الزوجين. والعطف: الجمع بينهما.
[174] الآية (102) من سورة البقرة.
[175] الجامع الفريد (ص 383).
[176] الآية (51) من سورة المائدة.
[177] كتاب الولاء والبراء في الإسلام تأليف محمد بن سعيد القحطاني (ص 83) بتصرف بسيط.
[178] الجامع الفريد (ص 284).
[179] الآية (22) من سورة السجدة.
[180] الجامع الفريد (ص 384).
27. ... 2- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [مسائل في النبوات]
المبحث الثاني: وجوب الإيمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم(4/214)
المطلب الأول: معنى النبوة والرسالة
جمع الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يين النبوة والرسالة قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[1]
أ- معنى النبي لغة وشرعا:
النبوة في اللغة العريية مشتقة إما من (النبأ) أو (النباوة) أو (النبوة) أو (النبي)[2]
1- فإذا كاظما مأخوذة من (النبأ) فتكون بمعنى الإخبار، لأن النبأ هو الخبر.
2- وإذا كانت مأخوذة من (النباوة أو النبوة) فتكون بمعنى الرفعة والعلو، لأن (النباوة أو النبوة: هي الشيء المرتفع).
3- أما إذا كانت مأخوذة من (النبي) بدون همز، فيكون معناها الطريق إلى الله عز وجل لأن معنى "النبي" الطريق.
ولو نظرنا إلى النبوة الشرعية لوجدنا أنها تشمل كل هذه المعاني إذ النبوة إخبار عن الله عز وجل، وهي رفعة لصاحبها لما فيها من التشريف والتكريم، وهى الطريق الموصلة إلى الله سبحانه.
أما النبوة في اصطلاح الشرع: " فهي خبر خاص يكرم الله عز وجل به أحدا من عباده فيميزه عن غيره بإيحائه إليه ويوقفه به على شريعته بما فيها من أمر ونهي ووعظ وإرشاد ووعد ووعيد"[3].
أما النبي فقد اختلف العلماء في تعريفه:
- فمنهم من قال: هو الذي أوحى الله إليه بشرع[4] ليعمل به ولم يؤمر بتبليغه.
- فمنهم من قال: هو الذي أوحى الله إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله[5].
- ومنهم من قال: هو الذي أوحى الله إليه وأخبره بأمره ونهيه وخبره، ويعمل بشريعة رسول قبله بين قوم مؤمنين[6] وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ولعله هو أرجح الأقوال وأسلمها من الاعتراض فقد اعترض على القول الأول بأنه غير صحيح لأن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ}[7] يدل على أن كلا منهما مرسل وأنهما مع ذلك بينهما تغاير[8] وكذلك مما يؤكد كون الأنبياء مأمورين بتبليغ قومهم ما أوحي إليهم والحكم بينهم بذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي..." الحديث[9].
" أي تتولى أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية. والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه"[10].
وقد اعترض على القول الثاني بأن الضابط الذي ذكروه لا يستقيم فيوسف عليه السلام كان رسولا وكان على شريعة إبراهيم قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً}[11].
وكذلك داود وسليمان عليهما السلام كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}[12]
ب- معنى الرسول لغة وشرعا:
الرسول لغة: إما مأخوذ من الرِّسل.
والرِّسل: هو الانبعاث على تؤدة. يقال: ناقة رسله: أي سهلة السير، وإبل مراسيل: منبعثة انبعاثا سهلا. ولفظ الرسل متضمن لمعنى الرفق ومعنى الانبعاث. فإذا تصور منه معنى الرفق يقال على رسلك إذا أمرته بالرفق. وإذا تصور منه معنى الانبعاث يقال إبل مراسيل أي منبعثة.
ولفظ الرسول اشتق من المعنى الثاني أي الانبعاث.
فالرسول على هذا الاشتقاق هو المنبعث[13].
وإما مأخوذ من الرَّسْل وهو التتابع فيقال جاءت الإبل رَسْلا أي متتابعة، ويقال جاءوا أرْسَالأ: أي متتابعين.
ومعنى الرسول على هذا الاشتقاق: هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه[14].
ولو نظرنا إلى كلا الاشتقاقين فإنا نجد أن لفظ الرسول في اصطلاح الشرع يدل عليهما فالرسول مبعوث من قبل الله، وهو كذلك يتابع أخبار الوحي المنزل إليه من الله تعالى.
ولفظ الرسول تارة يقال للقول المُتَحَمَّل كقول الشاعر:
ألا بلِّغ أبا حفص رسولاً
وتارة لمُتَحَمِّل القول والرسالة[15].
والرسول في الشرع: عرف بعدة تعريفات:
فمن العلماء من عرفه بقوله: هو الذي أوحى الله إليه بخبر وأمره بتبليغه للناس، وهؤلاء فرقوا بينه ويين النبي بأن النبي أوحي إليه بخبر ولم يؤمر بتبليغه[16].
ومنهم من عرفه بقوله: هو الذي أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي تثبت بها نبوته.
وقالوا: إن النبي هو الذي لم ينزل إليه كتاب وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله[17].
ومنهم من قال: إن الرسول هو الذي ينبئه الله ثم يأمره أن يبلغ رسالته إلى من خالف أمره أي إلى قوم كافرين.(4/215)
أما النبي فهو من أوحى الله إليه وأخبره بأمره ونهيه وخبره، ويعمل بشريعة رسول قبله بين قوم مؤمنين بهما.
وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، واستشهد لذلك بأن نوحا عليه السلام كان هو أول رسول بعث إلى أهل الأرض وكان أول شرك بالله قد وقع في قومه.
وقد كان قبل نوح أنبياء كشيث وإدريس عليهما السلام وقبلهما آدم كان نبيا مكلما، وقد كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام وكان المبعوثون في هذه القرون أنبياء فقط[18].
وهذا القول الثالث هو أرجح الأقوال.
أما القول الأول فهو غير مسلم كما سبق وإن وضحت في الكلام على معنى النبي.وكذا الأمر بالنسبة للقول للثاني فليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة كما تقدم ذكر ذلك.
المطلب الثاني: الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم:
أ-الأدلة من القرآن:
أوجب الله سبحانه وتعالى على الثقلين – الإنس والجن – الذين أدركتهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به كما شهدت بذلك نصوص الكتاب العزيز.
كما أكد الله وجوب الإيمان بأن جعله مقترنا بالإيمان به سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها:
قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[19]، وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[20].
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً}[21]، وقال تعالى:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[22]، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[23]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[24]. والإيمان به صلى الله عليه وسلم واحد من ثلاثة حقوق اقترن بها حقه صلى الله عليه وسلم مع حق الله تعالى في القرآن الكريم.
أما الحق الثاني له:
فهو طاعته قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[25]، وسيأتي بيانه في الفصل الثاني من هذا الباب.
والحق الثالث هو:
محبته قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[26]، وسيأتي بيانه في الباب الثاني.
"كما أن الإيمان به واجب متعين لا يتم إيمان إلا به ولا يصح إسلام إلا معه"[27].
وقال تعالى في حق من لم يؤمن: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً}[28].
وبما تقدم من آيات يعلم وجوب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهميته وأنه لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، كما لا تحصل نجاة ولا سعادة بدون الإيمان به لأنه هو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان أول أركان الإسلام "شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله".
ب- الأدلة من السنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم:
وردت في السنة أحاديث كثيرة جدا تدل على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم على الجن والإنس الذين أدركتهم رسالته، سواء كانوا أهل كتاب، أم ليسوا بأهل كتاب، ويستوي في ذلك عربهم وعجمهم، وذكرهم وأنثاهم، فلا يسع أحدا من هؤلاء الخروج عن شريعته أو التعبد لله بغير ما جاء به. لأن الله لا يقبل من أحد عملا يخالف شرع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.(4/216)
قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[29] وسأورد ههنا بعضا من تلك الأحاديث الواردة في هذا الشأن:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"[30].
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"[31].
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع لي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"[32].
4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس...." الحديث[33].
5- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله فقال:
"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"[34].
وهذه الأحاديث وغيرها تؤكد وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وكذلك طاعته، ويكون ذلك بأن يحل ما أحل الله ورسوله، ويحرم ما حرم الله ورسوله، ويوجب ما أوجبه الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويكره ما كرهه الله ورسوله. وقد تقدم معنى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم في المبحث الأول فليرجع إليه.
ج-دليل الإجماع:
أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما أجمعت كذلك على أن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمدا صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل السنة والجماعة وغيرهم[35]، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب، فإن الله تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة، ولم يبتدع المسلمون شيئا من ذلك من تلقاء أنفسهم[36].
المطلب الثالث: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
أيد الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالدلائل، والمعجزات الكثيرة الدالة على وجوب الإيمان به وصدق رسالته وهذه الدلائل والمعجزات فاقت الألف معجزة كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء[37] ومنها ما هو حسي ومنها ما هو معنوي، وكذلك هي متنوعة فمنها ما كان قبل مولده كبشارات الأنبياء به ومنها ما كان وقت ولادته كقصة الفيل والعجائب التي حدثت عام مولده الدالة على نبوته، ومنها ما كان عند مبعثه كالقرآن الكريم وانشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك.
ومن تلك الدلائل ما استمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كالقرآن الكريم، وما أخبر به من المغيبات كعلامات الساعة، وما يحدث بعده. ولقد ألف عدد من العلماء مؤلفات في هذا الشأن جمعوا فيها تلك الدلائل والمعجزات[38].
وإن من أعظم دعائم الإيمان معرفة المسلم لهذه الدلائل وأخذ العظة والعبرة منها وذلك بتدبر ما فيها من حكم وآيات دلت على صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم. والمقام هنا لا يستوعب إيراد هذه الدلائل والمعجزات، ولكني سأشير إلى بعض هذه الدلائل إشارات سريعة على سبيل المثال:
أ- القرآن الكريم:
هو أعظم الآيات والبراهين والدلائل والمعجزات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من آية أبدع ولا أروع منه.(4/217)
فهو المعجزة الخالدة التي أعطاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لتكون خالدة كخلود رسالته، ومشمهودة لكل من أتى بعد زمانه ليعم الانتفاع بها ولتقوم بها الحجة على أهل كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولقد تعهد الله بحفظه وبقائه فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[39] فكان في هذا الحفظ دوامه وبقاؤه إلى قيام الساعة.ولقد ميز الله نبيه بهذه المعجزة عن سائر إخوانه من الأنبياء كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحي أوحاه الله إليّ، فأرجو أني أكثرهم تابعًا يوم القيامة"[40].
وفى تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بالذكر هنا دون المعجزات الأخرى التي أعطيها- والتي تزيد على الألف- إشارة إلى عظم هذه المعجزة ومكانتها حتى أنه أصبح غيرها بالنسبة إليها كلا شيء لشيء.
ولقد تضمنت هذه المعجزة وجوها متعددة من الإعجاز، فالقرآن الكريم معجز بلغته وفصاحته وبيانه وبلاغته وأحكامه وتشريعاته وبما حواه من أخبار وقصص، ومغيبات، وعلوم، فهو معجز من جميع الوجوه، ولقد تحدى الله قوم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يأتوا بمثله أو بشيء منه، فالقرآن الكريم نزل بلغتهم فهم يعرفون حروفه ومعانيه، إضافة إلى أنه نزل في أوان وزمان بلغت فيه قريش ذروة الفصاحة والبلاغة والبيان، فلقد كان فيهم أولوا الأحلام والنهى والأفهام والألسن الحداد، والقرائح الجياد، والعقول السداد.
فالتحدي كان لهم بأمر يعرفون طريقه ولهم بجنسه عهد بل إنهم نبغوا فيه وبلغوا فيه ذروته.
ولذلك فقد توهم كفار قريش في بداية أمرهم أن باستطاعتهم الإتيان بمثله وقدروا أن في وسعهم معارضته فقالوا: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[41].
فجاءهم التحدي من الله على ثلاث مراحل هي:
• المرحلة الأولى:
التحدي بالإتيان بمثل القرآن وذلك كما جاء في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}[42].
• المرحلة الثانية:
تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله حيث قال تبارك وتعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[43].
• المرحلة الثالثة:
حيث تحداهم تبارك وتعالى بالإتيان بسورة واحدة فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[44]، فعجزوا عن الإتيان بسورة واحدة مع شدة الاجتهاد وقوة الأسباب فقد كانوا حريصين على تكذيبه وإبطاله بكل طريق ولكن مع هذا كله فقد عجزوا عن ذلك.
ولقد أخبر الله بعجزهم عند تحديه إياهم بالإتيان بسورة من مثله فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[45].
ولما عجزوا عن الإتيان بما تحداهم به قطع الله طمعهم على أن يأتوا بمثله فقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}[46].
وبعد مرحلة قطع الطمع أنزل الله فواتح السور كـ {الم، الر، المر} وغيرها تقريعا وتوبيخا للكفار، مخبرا لهم أن ما تحداهم به مكون من حروف هي حروف العربية التي يتحدثون بها والتي بلغوا ذروتها فهم أفصح العرب، والقرآن نزل بلغة العرب، ولقد جرت سنة الله بأن يعطي كل رسول من المعجزات ما يناسب ما اشتهر به قومه، فلقد أعطى موسى العصا لاشتهار من أرسل إليهم بالسحر وما يتعلق به، وأعطى عيسى معجزة إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأعمى لاشتهار قومه بالطب وهكذا، فأعطى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم القرآن لما اشتهرت به قريش من الفصاحة والبيان.
فهذا ما كان من أمر التحدي الذي تحدى الله به أهل مكة وغيرهم من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، وسأعرض لذكر بعض جوانب هذا الإعجاز القرآني الذي عجز الكفار أن يأتوا بمثل هذا القرآن من جهتها وهى ما يلي:
أولاً:
تحداهم بفصاحة القرآن وعلو أسلوبه، وأحكامه، ودقة تعبيره، ولذا تكلف بعض سفهاء الأحلام منهم أن يأتوا بسور خيل لهم أنها على نمطه وشاكلته، فأضحكوا على أنفسهم العقلاء، وأما ذووا العقل والرأي منهم فأسلموا أنفسهم إلى العجز وأيقنوا من قرارة نفوسهم أنه الحق وأنه من عند الله لا من كلام البشر ولكن أكثرهم يجهلون فأبوا إلا الكفر أنفة واستكبارا.
ثانيا:(4/218)
تحداهم بتشريعه الكامل الموافق لمقتضى العقل والفطرة، الهادي جميع البشر إلى سواء السبيل من جوانب الحياة كلها عقيدة وعبادة واقتصادا وسياسة وأدبا وأخلاقا مع بقاءه كذلك صالحا لهداية العالم وإصلاحه في جميع جوانب الحياة إلى يوم القيامة.
ثالثا:
تحداهم بما تضمنه القرآن من الأخبار الغيبية التفصيلية المسهبة، وبوقوف الرسول صلى الله عليه وسلم من إخوانه المرسلين السابقين موت المصدق لهم المبين لتحريف أقوامهم شرائعهم، المعلن لخزاياهم وفضائحهم في خروجهم على أنبيائهم بيان الواثق بنفسه المؤمن بما أوحي إليه من ربه، وهو أمي عاش في أمة أمية، ومن أمته أهل الكتاب الذين فضحهم بسوء صنيعهم مع رسلهم وفى شرائعهم ومع ذلك لاذوا بالصمت ولم يردوا عليه ما اتهمهم به تبرئة لأنفسهم ودفعا للنقيصة والعار عنها، فكان ذلك إيذانا بأنه رسول الله الصادق الأمين وأن ما جاء به إنما هو وحي من رب العالمين[47].
ولقد تضمن القرآن الكريم جوانب أخرى من الإعجاز فنحن في زمان انتشر فيه سلطان العلم المادي وتباهى الإنسان بمعرفته لكثير من الأمور التي خفيت عمن قبله من الأجيال، ولكن كثيرا من هذه الأمور التي يدعي الإنسان اكتشافها ومعرفتها، نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عنها وبينها فعلى سبيل المثال تكوين الإنسان في بطن أمه تحدثت عنه آيات كئيرة من القرآن قبل أربعة عشر قرنا من الزمان بينما لم يتعرف علماء الطب على ذلك إلا في زمن متأخر وكذا الأمر بالنسبة لكثير من الأمور الأخرى كتكوين الأرض وعلوم البحار وعلوم الحيوان وشتى أنواع العلوم الأخرى، وقد اهتم عدد من العلماء المسلمين بهذا الشأن فأنشؤوا ما يسمى "بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن" لبيان سبق القرآن في توضيح كثير من أمور العلم التي يدعي كثير من العلماء الماديين أنها لم تعرف إلا في هذا الزمان.
وهذا كله شاهد بأن كتاب الله العزيز يبقى المعجزة الخالدة التي لا تنتهي عجائبها، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً}[48]
فالقرآن يبقى معجزا في عصر العلم كما كان معجزا في عصر الفصاحة والبلاغة.
ومن الآيات الحسية التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم زمن بعثته:
ب- انشقاق القمر:
قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}[49].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر"[50].
وعن عبد الله بن مسعود[51] رضي الله عنه قال: "انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم شقين، فقال: "اشهدوا"[52].
ج- نبع الماء بين أصابعه:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء[53] فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس كم كنتم؟، قال: ثلائمائة، أو زهاء ثلاثمائة"[54] وقد روى حديث نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود[55].
د- إشباع العدد الكثير من الطعام القليل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال أبو طلحة[56] لأم سليم[57]: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟، قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي، ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آرسلك أبو طلحة؟"، فقلت: نعم. قال: بطعام؟، قلت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: "قوموا"، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلمي يا أم سليم ما عندك"، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت أم سليم عكة فأدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء أن يقول. ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: "ائذن لعشرة" فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال: "ائذن لعشرة" فأكل القوم حتى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا"[58].(4/219)
وأحاديث تكثير الطعام القليل تعددت، وتكررت في مواطن متعددة ورويت عن بضعة عشر من الصحابة، ورواها عنهم أضعافهم من التابعين ثم من لا يُعد بعدهم، وأكثر هذه الأحاديث مروية في الصحيح وأكثرها في قصص مشهورة، ومجامع مشهورة، ولا يمكن التحدث عنها إلا بالحق، ولا يسكت الحاضر لها على ما أنكر منها[59].
هـ- ما أطلع عليه من الغيوب وما سيكون في المستقبل:
"والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره، وهي من جملة معجزاته المعلومة على القطع"[60] ومنها على سبيل المثال حديث حذيفة ابن اليمان قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه"[61].
وبعد فهذا جزء يسير جدا من دلائل نبوته المعنوية والحسية وصدق رسالته صلى الله عليه وسلم، أيد الله بها نبيه ليقيم الحجة على الخلق فيحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
فيجب على كل مسلم أن يتدبر في دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ويطَّلع عليها، فإن فيها عظة وعبرة وتزيد من إيمان المرء ويقينه بنبوة خاتم المرسلين وإمامهم، الذي أعطاه الله من الآيات والبراهين ما لم يعط أحدا من الأنبياء قبله.
المبحث الثالث: وجوب الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم
تمهيد
إن من الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الإيمان بجميع ما جاء به، ومما جاء به صلى الله عليه وسلم الإخبار بعموم رسالته للإنس والجن بجميع أجناسهم وأشكالهم وألوانهم ومللهم ولغاتهم. لذا فإنه يجب أن يعلم أن الله عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين الإنس والجن وأنه أوجب عليهم الإيمان به وبما جاء به وطاعته، وأنه لا يسع أحدا من هؤلاء الخروج عن شريعته ولا أن يدين لله بغير ما جاء به "ومن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قتله"[62] قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[63]. وعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعالميتها هي إحدى الخصائص التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء قبله، إذ كان النبي إنما يعث إلى قومه خاصة ثم يبقى غيرهم محتاجا إلى من يبلغهم أمر الله عز وجل، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد بعثه الله للناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهو المبعوث رحمة للعالمين، فعمت رسالته جميع المكلفين إنسهم وجنهم، كما صحبت كذلك الزمان في مسيرته، فإذا انتهى جيل من الناس فإن الجيل الذي يليه مخاطب ومكلف بها.
والإيمان بعموم الرسالة وعالميتها هو الذي يدين به كل مسلم يؤمن بالله ورسوله، فهذا ما جاءت به آيات الكتاب الكريم ونصوص السنة الثابتة، فهو من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة والتي أجمعت عليها الأمة.
المطلب الأول: الأدلة من القرآن على عموم رسالته
وردت آيات كثيرة في كتاب الله العزيز تثبت عموم دعوته وعالمية رسالته صلى الله عليه وسلم ومن سمة هذه الآيات أنها اتصفت بتنوع العبارة مع اتحاد في المضمون الذي هو الدلالة على عموم الرسالة وعالميتها.
وسوف نعرض لهذه الآيات بحسب اتحادها في السياق.
أ- الآيات التي ورد فيها لفظ "الناس" منها:
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا}[64].
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاس}[65].
وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً}[66].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}[67].
وقوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِم}[68].
وقوله تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}[69].
وقوله تعالى: { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[70].
والشاهد من هذه الآيات أنها بينت شمول رسالة محمد صلى الله عليه وسلم للناس[71] جميعا. قال صاحب اللسان: "الناس قد يكون من الإنس ومن الجن"[72].
فلفظ الناس يطلق على الجن والإنس كما في قوله تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}[73] فسمى الله الجن في هذا الموضع ناسا كما سماهم في موضع آخر رجالا، فقال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}[74] فجعل الجن رجالا وكذلك جعل منهم ناسا[75]. وهناك رأي آخر يقول إن لفظ الناس دخل فيه الجن تغليبا[76].(4/220)
والذي أراه أن الآيات تفسر بالمعنى الشامل للإنس والجن إذ لا مخصص للعموم هنا.
وكنموذج لتفسير ما أوردته من آيات في هذا الشأن أذكر ما قاله بعض علماء التفسير في بيان قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}، قال أبو جعفر الطبري[77] في تفسيرها: "قل يا محمد للناس كلهم {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرسل مرسلا إلى بعض الناس دون بعض، فمن كان منهم أرسل كذلك، فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض، لكنها إلى جميعكم"[78].
وقال ابن كثير[79]: يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ} يا محمد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} أي جميعكم وهذا من شرفه وعظمه صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة"[80].
ب- الآيات التي ورد فيها لفظ "العالمين": ومنها
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[81].
وقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}[82].
وقوله تعالى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[83].
وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}[84].
وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[85].
وقوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، إن هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[86].
والمراد بالعالمين هنا هم الإنس والجن إذ هم المكلفون.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "العالمون الجن والإنس، دليله قوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ولم يكن نذيرا للبهائم"[87].
ج- الآيات التي ورد فيها لفظتا "كافة" و"جميعا" وهي:
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[88]. وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[89]. وهناك ثلاث عبارات هي: "الناس" و"كافة" و"جميعا" دلت جميعها على العموم.
د- الآية التي ورد فيها لفظ "ومن بلغ":
قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[90]، فالشاهد من الآية هو قوله تعالى: {لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} فلفظ (من) في قوله {وَمَنْ بَلَغَ} من صيغ العموم، فالآية نص في عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. ومعنى الآية أن الله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه إن الله أوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة، أو يا معشر العرب ومن بلغه هذا القرآن سواء كان عربيا أو عجميا وسواء كان موجودا الآن، أم سيأتي بعد إلى أن تقوم الساعة، وهذا هو الذى ذكره أهل التفسير عند هذه الآية[91].
هـ- الآيات التي ورد فيها خطاب الجن ومنها:
قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}[92] إلى آخر الآيات التي نزلت في شأن دعوة الجن إلى الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وسميت هذه السورة بسورة الجن.
وقوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[93] والآيات نزلت في جن نصيبين[94] عندما سمعوا القرآن، فآمن به من آمن منهم ثم ولوا إلى قومهم منذرين، ثم أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام بشعب معروف بمكة، والأحاديث بذلك كثيرة مشهورة في الصحيح والسنن والمسند وكتب التفسير والفقه وغيرها[95].
وكذلك فإن سورة الرحمن هي خطاب للثقلين الإنس والجن معا.
و- الآيات التي وردت في دعوة أهل الكتاب:
ومنها: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[96].(4/221)
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[97].
وبالجملة فإن في القرآن من دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن دعوة المشركين وعباد الأوثان وجميع الإنس والجن ما لا يحصى إلا بكلفة وهذا كله معلوم بالاضطرار من دين الإسلام[98].
المطلب الثاني: الأدلة من السنة على عموم رسالته
الأدلة على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وعالميتها كثيرة جدا في السنة النبوية سواء من الناحية القولية أو الناحية العملية وسنعرض هنا لكلتا الناحيتين بإذن الله.
أ- السنة القولية:
أ- عن أبي الدرداء[99] رضي الله عنه قال: "كانت بين أبي بكر[100] وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا، فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل، حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم هذا فقد غامر"[101].
قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي، هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟، إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدقت"[102].
2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"[103].
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون"[104]
4- وعن أبي ذر[105] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتيت خسما لم يؤتهن نبي قبلي، نصرت بالرعب فيرعب مني العدو عن مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي، وبعثت إلى الأحمر والأسود"[106].
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار"[107].
وذكر اليهود والنصارى تنبيها على من سواهما، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى[108].
6- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي دخل النار"[109].
ب- السنة العملية:
إن المتأمل في سيرته ودعوته صلى الله عليه وسلم يعلم حرصه صلى الله عليه وسلم على نشر الرسالة وإبلاغها لجميع المكلفين، فقد دعا صلى الله عليه وسلم الإنس على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، سواء كانوا أهل كتاب أم ليسوا بأهل كتاب، كما دعا الجن كذلك فآمن له من آمن منهم وبايعوه على الإسلام.
ولقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم بعالمية الرسالة وعمومها في أوائل دعوته عندما انتقل من المرحلة السرية في الدعوة إلى المرحلة الجهرية حيث قال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله: "إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا"[110].
وإن المتأمل للآيات القرآنية التي نصت على عموم رسالته وعالميتها يجد أن جلها كان مكي النزول، وهذا يؤكد أن عالمية الرسالة مقررة منذ بداية الوحى. ومن المعلوم أن طريقة الدعوة كانت تتبع أسلوب التدرج في التبليغ وهذا التدرج لم يكن ينافي شمول الدعوة لكل المكلفين، لأن المرحلية كانت ضرورية لدعوته صلى الله عليه وسلم، ولقد دلت السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع أسلوب التدرج في إبلاغ الرسالة، فأول ما بدأ به هو الدعوة السرية لهذا الدين فآمن له من آمن.
ثم انتقل إلى الدعوة الجهرية ونهج فيها كذلك أسلوب التدرج فبدأ بأهل مكة عندما نزل عليه قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[111] فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام.
ثم بعد ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في مجامعهم وأسواقهم ويبلغهم دعوة الله.(4/222)
ثم ذهب إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام ولكنهم لم يجيبوه لذلك، ثم عاد إلى مكة وأخذ يعرض دعوته على القبائل في الموسم إلى أن التقى بالخزرج وهم من أهل المدينة وعرض عليهم الإسلام فأسلموا وأسلم النجاشي من قبلهم وكان على النصرانية.
ومن هنا كانت بداية المرحلة الجديدة في الدعوة فبعد تمكن الإسلام بالمدينة، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها فاتسع بذلك نطاق الدعوة حتى شمل أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بالمدينة حواليها حينئذ، كما تنوعت كذلك أساليب الدعوة إلى هذا الدين فشرع الجهاد في سبيل الله واتسعت رقعة الدعوة فشملت قبائل العرب ومن كان في جزيرة العرب من أهل الكتاب كيهود المدينة وخيبر ونصارى نجران واليمن وغيرهم، واستمر التدرج إلى أن كان عام الحديبية ومهادنة قريش فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت إلى جميع الطوائف يدعوهم إلى الإسلام.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى[112].
ثم جاءت بعد هذه المرحلة مرحلة أخرى حيث بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بغزو النصارى فأرسل جيشا بقيادة زيد بن حارثة فقاتلوا النصارى بمؤتة من أرض الكرك[113] ثم غزاهم بنفسه وأمر جميع المسلمين أن يخرجوا معه ولم يأذن بالتخلف لأحد، وغزا في عشرة آلاف في غزوة تبوك وأقام بها عشرين ليلة ليغزو النصارى عربهم وعجمهم، وأقام ينتظرهم ليقاتلهم فسمعوا به وأحجموا عن قتاله ولم يقدموا عليه.
ثم بعد ذلك جهز جيشا بقيادة أسامة بن زيد[114] ولكنه صلى الله عليه وسلم لحق بالرفيق الأعلى قبل أن يخرج الجيش، فأوصى وهو في سكرات الموت بإرسال هذا الجيش فقال: "أنفذوا بعث أسامة".
ولقد سار أصحابه رضوان الله عليهم من بعده على نهجه واستنوا بسنته حتى فتح الله عليهم بلاد فارس والروم وغيرها فانتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا.
والشاهد من هذا كله أن سيرته صلى الله عليه وسلم هي مثال تطبيقي عملي على شمول دعوته وعالمية رسالته التي من أجلها كرس النبي صلى الله عليه وسلم حياته لكي ينشرها ويبلغها للناس كافة، لتقوم بذلك الحجة على الناس أجمعين.
وما ذكرته ههنا ليس إلا إشارات سريعة فمن أراد الاستزادة فعليه بكتب الحديث والسيرة ففيها الغنية بإذن الله.
المطلب الثالث: دليل الإجماع على عموم رسالته.
إن الإجماع منعقد من أئمة المسلمين وعامتهم على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى جميع الأمم - أهل الكتاب وغير أهل الكتاب[115] - فإن الذي يدين به المسلمون هو أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث رسولا إلى الثقلين الإنس والجن، أهل الكتاب وغيرهم، وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله، مستحق للجهاد، وهو مما أجمع أهل الإيمان بالله ورسوله عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه، وبينه النبي أيضا في سنته.
وهذا الإجماع تواترت في نقله كتب أهل العلم وهو منقول عندهم نقلا متواترا يعلمونه بالضرورة. وكتب التوحيد السنة مليئة بهذا.
وبما تقدم إيراده من الأدلة والنصوص يعلم ثبوت عموم رسالته وشمولها كما يعلم كذلك انتفاء كل دعوى تخالف هذا الأمر أو تطعن فيه كدعوى أنه رسول للعرب خاصة، أو دعوى أن رسالته ليست ناسخة لما قبلها من الرسالات وأنه يسع الناس التدين بما جاء في قبله من الرسالات.
فنصوص القرآن والسنة والإجماع ترد هذه الدعاوى وتفندها وتبطلها. وبالنسبة إلى ما تعلق به أصحاب هذه الأقوال من شبه ظنوها أدلة لهم، فإنما مردها إلى سوء فهمهم وجهلهم بمعاني النصوص التي أوردوها وكما قيل:
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم[116]
ولا يتسع المجال هنا لإيراد تلك الشبه وتفنيدها[117] كما أن معرفة الحق تغني وكما قيل: بضدها تتميز الأشياء.
وإن الواجب على كل مسلم اعتقاد عموم رسالته وشموليتها وعالميتها لجميع المكلفين وإنه لا يسع أحدا الخروج عنها أو أن يدين لله بغيرها.
كما أنه لا يسع المسلم أن يجهل مثل هذا الأمر لأنه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، ومن الواجب عليه كذلك أن يرد على كل من يطعن في هذا الأمر أو يشكك فيه سواء ممن ينتسبون إلى الإسلام أو من غيرهم، وبالخصوص أننا أصبحنا في زمان ظهرت فيه الدعوة إلى وحدة الأديان وتقاربها بدعوى أنها جميعا تدعو إلى عبادة إله واحد وأن مصدرها واحد إلى غير ذلك من الأمور التي يروج لها أصحاب هذه الدعوة والتي لا تنطلي إلا على ساذج لا يعي الأمور الضرورية من دينه.
المبحث الرابع: وجوب الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
تمهيد
من الخصائص التي خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ورسالته جعله خاتم النبيين وجعل رسالته خاتمة الرسالات، فانفرد صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وبغيره عن إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فأصبح ختم النبوة من خصائصة صلى الله عليه وسلم.(4/223)
ولذا فإن من حقه صلى الله عليه وسلم على كل من يؤمن له، أن يعتقد بهذا الأمر، يؤمن به " لثبوته بنصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، بل هو من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي لا يعذر المسلم بجهلها ولمزيد من البيان لهذه الخاصية والحق الواجب له صلى الله عليه وسلم، سوف أتحدث في هذا المبحث عن الجوانب التالية:
المطلب الأول: معنى ختم النبوة:
أ- معنى الختم في اللغة:
الختم في اللغة ورد لعدة معان هي:
1- الطبع:
قال صاحب المحكم: "ختمه، يختمه، ختما: طبعه"[118]
وقد ذكر هذا صاحب اللسان[119] والقاموس المحيط[120].
وفى تاج العروس: "معنى ختم وطبع واحد في اللغة"[121].
2- تغطية الشيء والاستيثاق منه بحيث لا يدخله شيء ولا يخرج منه شيء:
قال صاحب المحكم: "والختم على القلب ألا يفهم شيئا ولا يخرج منه شيء كأنه طبع. ومعنى ختم وطبع في اللغة واحد، وهو التغطية على الشيء والاستيثاق من أن لا يدخله شيء كما قال عز وجل: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[122]"[123]، وذكر هذا صاحب اللسان[124] وصاحب تاج العروس[125].
3- آخر الشيء ونهايته:
قال صاحب المحكم: "وختم الشيء يختمه: ختما بلغ آخره، وخاتم كل شيء: عاقبته وآخرته، وختام كل مشروب آخره، وفرض التنزيل {خِتَامُهُ مِسْكٌ}[126] أي آخره، وختام القوم وخاتمهم آخرهم... وفي التنزيل {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[127] أي آخرهم"[128].
وقال صاحب المفردات في معرض كلامه عن الصور التي يرد بها لفظ الختم: "وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر ومنه قيل: ختمت القرآن أي انتهيت إلى آخره ... إلى أن قال: "وخاتم النبيين لأنه ختم النبوة، أي تممها بمجيئه صلى الله عليه وسلم"[129]. وقال صاحب القاموس: "والخاتم من كل، شيء: عاقبته وآخرته، وآخر القوم كالخاتم"[130].
"هذه هي المعاني اللغوية لفعل "الختم" واسم فاعله "خاتم" كما أوردها أعلام اللغة في مصنفاتهم عن العرب، وهي مع تعددها وتعدد ألفاظها المعبرة عنها والتي هي: الطبع على الشيء وإنهاؤه وتغطيته وآخر القوم وعاقبة الأمر، هي مع ذلك كله تتمشى مع دلالة قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} على أن النبوة قد طبع عليها فلا تفتح، وأنها قد انتهت وسدت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه آخر الأنبياء وشرعه آخر الشرائع وعاقبتها"[131].
ب- معنى ختم النبوة:
تقدم معرفة معنى الختم في اللغة، وتقدم أيضا معرفة معنى النبوة في المبحث الثاني من هذا الفصل.
"فإذا ما ركبا في جملة واحدة هي "ختم النبوة" فإنه يكون معناها "انتهاء إنباء الله للناس وانقطاع وحي السماء"[132].
المطلب الثاني: الأدلة من القرآن الكريم على ختم النبوة.
أ- آية الختم:
قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}.
والآية نص صريح واضح على ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وكونه خاتم الأنبياء وآخرهم مبعثا فلا نبي بعده ولا رسول.
وقد سبق الربط بين دلالة الآية والمعنى اللغوي لكلمة "ختم".
وتتميما للفائدة سأعرض بعض ما ذكره علماء التفسير عند تفسير هذه الآية.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره ما كان أيها الناس محمد أبا زيد بن حارثة[133] ولا أبا أحد من رجالكم، الذين لم يلده محمد، فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها، ولكنه رسول الله وخاتم النبيين الذي ختم النبوة فطبع عليها فلا تفتح لأحد من بعده إلى قيام الساعة، وكان الله بكل شيء من أعمالكم ومقالكم وغير ذلك ذا علم لا يخفى عليه شيء"[134].
وقال ابن كثير رحمه الله: "فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فكل رسول نبي ولا ينعكس، بذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم... إلى أن قال: فمن رحمة الله بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل"[135]
وأقوال المفسرين عموما متفقة على أن المراد من الآية هو ختم النبوة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء مبعثا، ولم ينقل عن أحد من أهل التفسير خلاف ذلك.
وقد تعرض أهل التفسير للقراءات الواردة في قوله "خاتم" من هذه الآية فذكروا أن فيها قراءتين:
الأولى: قراءة الكسر "خاتِم":(4/224)
وهي الأشهر عند أهل اللغة والتفسير الذين أجمعوا أن قراءة الكسر هي قراءة الجمهور وعامة قراء الأمصار[136] وعلى هذه القراءة "وخاتم النبيين" يكون المعنى أنه: "ختم النبيين" لأنه ختم به النبيون فهو خاتمهم.
الثانية: قراءة الفتح "خاتَم"
وهي الأقل استعمالا يين القراء ولهذا فإن المفسرين لا يعزونها إلا إلى أفراد القراء كعاصم[137] وابن عامر[138] وغيرهما.
فعلى هذه القراءة "وخاتم النبيين" يكون المعنى أي آخر النبيين مبعثا فبه انتهت النبوة.
وبالرغم من ورود القرائتين في الآية إلا أن المفسرين لا يرون أن في ذلك تأثيرا على المعنى وهو انقطاع النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ب- الآيات الدالة ضمنًا على ختم النبوة:
في القرآن الكريم آيات كثيرة دلت ضمنا على ختم النبوة والرسالة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن هذه الآيات آيات عموم الرسالة وعالميتها والتي تقدم ذكرها في المبحث الثالث، حيث إن عموم الرسالة من الناحيتين الزمانية والمكانية يدل على كونها خاتمة الرسالات، لأن البشرية على هذا الحال لا تحتاج إلى دين جديد مادام هذا الدين قد خاطبهم جميعا على اختلاف أجناسهم وأماكنهم وأزمانهم. ومن الأدلة كذلك الإخبار بإكمال هذا الدين وإتمامه:
قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}[139] فالآية تؤكد أن الأمة لم تعد تحتاج إلى نبي يكمل لها دينها أو يتم عليها نعمة ربها، لأن الله سبحانه وتعالى قد أكمله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم رضيه له ربها، لأن الله سبحانه وتعالى قد أكمله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم رضيه له ولأمته دينا يعبدون الله به إلى يوم القيامة[140].
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن..."[141].
المطلب الثالث: الأدلة من السنة على ختم النبوة:
إلى جانب ما ورد ني القرآن من أدلة على كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ورسالته هي خاتمة الرسالات، فقد ورد في السنة كذلك أحاديث كثيرة أكدت هذا الأمر وبينته ونبهت عليه.
وقد وردت هذه الأحاديث بعبارات متعددة متنوعة لكنها جميعا أكدت على مدلول واحد، هو انقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وختم النبوة به. وقد بلغ بعض هذه الأحاديث حد التواتر، كما أنها في جملتها متواترة تواترا قطعيا. ونظرا لتنوع ألفاظ تلك الأحاديث واختلاف صورها في الدلالة على هذا المعنى وتأكيده، فإن من المناسب أن أعرضها لك على النحو التالي:
أ- الأحاديث التي ورد فيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ومنها:
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع - وكانت تعجبه - فنهس[142] منها نهسة ثم قال "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مما ذلك؟"، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وما يحدث فيه من استشفاع الناس بالأنبياء للحساب حتى يصلوا إليه صلى الله عليه وسلم، فذكر صلى الله عليه وسلم أنهم يقولون: "أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، تشفع لنا إلى ربك ..." الحديث[143].
2- عن ثوبان[144] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض[145] وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم[146] وإن ربي قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها - أو قال بأقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق".
قال ابن عيسى: "ظاهرين" ثم اتفقا "لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"[147].
والشاهد من هذا الحديث هو قوله: "وأنا خاتم النبيين أن لا نبي بعدي" فهذا نص في كونه صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء.
3- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر"[148].(4/225)
ب- الأحاديث التي ورد فيها ضربه صلى الله عليه وسلم الأمثال لختم النبوة ومنها:
أ- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها، إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة". متفق عليه[149]، وعند مسلم بزيادة لفظ: "فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء".
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟، قال: "فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"[150].
ج- الأحاديث التي ورد فيها تصريحه صلى الله عليه وسلم بانقطاع النبوة وأنه لا نبي بعده ومنها:
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون..." الحديث[151].
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستار والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له"[152].
3- وعن سعد بن أبي وقاص[153] رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا[154] فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي"[155].
د- الأحاديث التي ورد فيها تحذيره صلى الله عليه وسلم من المتنبئين بعده ومنها:
ا- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله..."[156].
2- عن جابر بن سمرة[157] رضي الله عنه قال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم"[158].
د- الحديث الذي ورد فيه التصريح بأنه آخر الأنبياء وأن مسجده آخر المساجد وأن أمته آخر الأمم.
ا- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وإن مسجده آخر المساجد..."
قال عبد الله بن إبراهيم قارظ[159] أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد"[160].
و- دلالة بعض أسمائه صلى الله عليه وسلم على كونه خاتم الأنبياء:
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى لي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي"[161].
والأحاديث في مسألة ختم النبوة كثيرة لا يتسع المقام هنا لإيرادها جميعها، وقد جمع هذه الأحاديث صاحب كتاب "عقيدة ختم النبوة" فمن أراد الزيادة فليرجع إليه[162].
المطلب الرابع: ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في تأكيد عقيدة ختم النبوة:
لقد كان موقف الصحابة رضوان الله عليهم تجاه هذا الأمر متمثلا في الأمور التالية:
أ- روايتهم للأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن والتي بلغت حد التواتر على تنوع عبارات تلك الأحاديث واختلاف المناسبات التي قيلت فيها، وهذا مما يدل على اعتقادهم لهذا الأمر وحرصهم على إبلاغه لهذه الأمة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه خالف هذا الأمر، ولو كانت هناك أدنى شبهة عن أحد منهم لنقلت لنا "وقد بلغ عدد الصحابة رضي الله عنهم الذين رووا أحاديث الختم سبعة وثلاثين صحابيا"[163]
ب- إجماع الصحابة على قتال المتنبئين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد سير أبو بكر رضي الله عنه الجيوش - والتي كان معظم جندها من الصحابة رضوان الله عليهم - وذلك لقتال مسيلمة الكذاب[164] وطليحة الأسدي [165]اللذين ادعيا النبوة.
ج- ما ورد من الأقوال المأثورة عنهم والتي تضمنت التأكيد على ختم النبوة وانقطاع الوحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأقوال: ما رُوي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم..."[166].
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}.
قال في تفسيرها: "إن الله تعالى لما حكم أنه لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا"[167](4/226)
وعن ابن أبي أوفى[168] رضي الله عنه لما سئل عن إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مات صغيرا، ولو قضى أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه ولكن لا نبي بعده"[169].
وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان إبراهيم - يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم - قد ملأ الأرض، ولو بقي لكان نبيا ولكن لم يبق إلا نبيكم آخر الأنبياء"[170].
المطلب الخامس: إجماع الأمة
تلقت الأمة النصوص الواردة في الكتاب والسنة بشأن ختم النبوة بالقبول التام فحصل بهذا إجماعها على كون النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين فلا نبي ولا رسول بعده، ورسالته هي خاتمة الرسالات وآخرها.
وقد نقل هذا الإجماع غير واحد من العلماء، أذكر على سبيل المثال قول بعض منهم:
قال ابن عطية[171] في معرض كلامه على آية الختم: "وهذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم"[172].
وقال القاضي عياض[173]: "أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين لا نبي بعده، وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة لله للناس وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص"[174].
قال الألوسى[175]: "وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب، وصدعت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، فيكفر مدعي خلافه ويقتل إن أصر"[176].
ولقد تكلم علماء الأمة على تقرير هذه المسألة وأقوالهم محفوظة في ذلك، فإن شئت فارجع إلى كتب التفسير عند تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، وارجع كذلك إلى كتب العقيدة فقل أن يخلو كتاب من الحديث في هذا الأمر وتقريره بما ورد في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ومن بعدهم من علماء الأمة.
وبما تقدم من أدلة على تقرير ختم النبوة فإنه يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله أن يؤمن بهذا الأمر ويعتقده.
المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها:
من تمام نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن أكمل لهم دينهم فلا ينقصه أبدا، ولا يحتاج إلى زيادة أبدا، واقترن هذا الإكمال برضاه سبحانه بأن يكون هذا الدين الكامل دينا نتعبده به، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}.
وهذه الآية دليل على كمال الدين وحيا من الله، وتبليغا من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد نزلت هذه الآية الكريمة والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات في حجة الوداع، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها إحدى وثمانين ليلة.
وهي شهادة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على تبليغه لما أرسله به أتم تبليغ وأكمله وبذلك جعله الله خاتم النبيين، لأن الخلق بعد هذا لن يحتاجوا إلى نبي غير نبيهم صلى الله عليه وسلم ليكمل لهم دينهم، كما أنهم لا يحتاجون إلى دين آخر وذلك لكمال دينهم.
ووجه الدلالة من الآية على ذلك "أن الله أخبر في هذه الآية بأنه قد أكمل الدين، وإنما كمل بما بلغه، إذ الدين لم يعرف إلا بتبليغه، فعلم من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ جميع الدين الذي شرعه الله لعباده"[177].
وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة إلا أن استشهد الناس على ذلك في نفس المناسبة التي نزلت فيها الآية.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟".
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات..." الحديث[178].
فشهد له خير قرون هذه الأمة وهم صحابته رضوان الله عليهم وكانوا في ذلك الموقف نحوا من أربعين ألفا[179].
ولقد أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة من كتابه العزيز بأن يبلغ أمور هذا الدين البلاغ المبين الواضح فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[180]، وقال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[181]، وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[182]، وقال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}[183].(4/227)
وهذا الأمر والحث من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على البلاغ لشرع الله والدين الذي أوحاه إليه نابع من كون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الطريق الوحيد الذي يعرف بواسطة ما شرعه من دين يدين العباد له به، فليس ثمت طريق آخر إلى معرفة شرع الله وأوامره ونواهيه إلا طريقه بها فهو المبلغ عن الله تعالى، وهذه هي سنة الله في خلقه حيث جعل طريق معرفته وعبادته عن طريق من أرسله من الرسل "فلا سبيل إلى السعادة والفلاح في الدارين إلا على أيدي الرسل، كما أنه لا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث والحلال من الحرام إلا من جهتهم، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير"[184] وبهذا وبغيره نلمس عظم الحاجة إلى تبليغ الرسل.
ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الأنبياء بلاغا فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية أمته، وقد قال تعالى في حقه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[185] وسيرته صلى الله عليه وسلم كلها دليل على مدى حرصه على إبلاغ رسالة ربه والتفاني في إبلاغها دون أن تأخذه في الله لومة لائم. وهو صلى الله عليه وسلم أحق الناس بالوصف الوارد في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}[186] "فقد امتدح الله تبارك وتعالى في هذه الآية الذين يبلغون رسالته إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها ولا يخافون أحدا سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد إبلاغ رسالات الله، وسيد الناس في هذا المقام بل وفي كل مقام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب وإلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع"[187].
ولقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بكل ما يلزم لتبليغ وحي الله وشرعه، فأعطاه العصمة في التبليغ فقال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[188]، فهذه الآية دليل واضح على عصمته صلى الله عليه وسلم في كل أمر بلغه عن ربه تبارك وتعالى، كما أنها شهادة وتزكية من الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سلامة شرعه الذي أوحاه إليه من كل ما ينقص منه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله"[189] وبالإضافة إلى عصمته في أمر التبليغ فقد عصمه الله كذلك من الناس حتى يتم له أمر إبلاغ هذا الدين وإكماله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} فاقترن تعهد الله بعصمة رسوله من قتل الناس وإيذائهم له مع الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل إليه، وفى هذا الاقتران دليل جلي على أن عصمة الله تعالى وحفظه ونصره وتأييده على أعدائه قد صاحبت النبي صلى الله عليه وسلم حتى تم له إبلاغ هذا الدين ونشره بين الناس.
ومع عصمة الله لنبيه في التبليغ، وعصمته من الناس، فكذلك عصم الله كتابه الذي أنزله إليه ليكون محفوظا من كل تحريف أو تغيير قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[190].
كما تعهد كذلك بحفظ هذا الدين وإبقاء طائفة في كل زمان من الأزمنة تنصر هذا الدين وتحفظه وتبلغه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله"[191]. وفي هذه الأمور ضمان لاستمرار هذا الدين وإبلاغه لكل أهل زمان، لأنه شامل لكل الناس في كل وقت إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.(4/228)
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة بأنه قد أبلغ أمور الرسالة وأوضحها لأمته، وهو صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "قد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"[192] وهذا هو الحق فقد بلغ وحي ربه وصدع بأمره، ونهض بأعباء الرسالة كما أراد الله منه، فأدى الأمانة ونصح لأمته وجاهد في الله حق جهاده، وما ترك لأمته من شيء يقربهم إلى الجنة إلا وقد دلهم عليه ورغبهم فيه، ولا من شيء يبعدهم عن النار إلا وقد حدثهم به وحذرهم منه، وبين لهم كل ما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم فهذه هي مهمته ورسالته {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }، وقد أتم عليه الصلاة والسلام ما أوكل إليه على أتم وجه وأكمله فأبان الطريق ودل على صراط الله المستقيم وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ولقد شهد الصحابة رضوان الله عليهم بهذا. فهم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، وكانوا ملازمين له في كل أحواله وحركاته فهم أعلم بما كان. وسأورد بعض ما ورد عنهم في هذا الشأن.
فقد سئل سلمان الفارسي[193] رضي الله عنه فقيل له"أقد أعلمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟
فقال: "أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع[194] أو بعظم"[195]. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "لقد تركنا محمدا صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما"[196].
وعن عائشة[197] رضي الله عنها قالت: "من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}"[198]. وفى رواية "من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فلا تصدقه، إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}"[199]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[200]"[201].
فمن حقه صلى الله عليه وسلم على أمته أن يقروا له بفضله وصدقه وأمانته في تبليغ رسالة ربه التي ائتمنه عليها، وكلفه أن يقوم بها فلا يكون إيمان للمرء إذا لم يقر للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلغ الرسالة أعظم ما يكون التبليغ، وقام بأدائها أعظم ما يكون القيام واحتمل في سبيلها أشق ما يحتمله البشر، ومن أنكر شيئا من ذلك أو شك في صدقه فهو كافر مارق عن الإسلام مكذب لله ولرسوله.
المبحث الخامس: وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم.
تمهيد:
تقدم في المبحث السابق الحديث عن وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها، وأشرت إلى أن هذا البلاغ قد اقترن بعصمة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في كل ما يبلغه عن ربه عز وجل.
ولقد رأيت أن أفرد هذا المبحث في الحديث عن عصمته صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب وفي الجوانب الأخرى التي عصم فيها باعتبار أن أمر الإيمان بعصمته من الأمور الداخلة في الحقوق الواجبة له والتي يجب على الأمة الإيمان له بها.
وقد ضمنت هذا المبحث ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف العصمة:
المعنى اللغوي:
العصمة وردت في اللغة لعدة معان منها:
ا- المنع:
قال صاحب اللسان: "العصمة في كلام العرب: المنع، وعصمة الله عبده: أن يعصمه مما يوبقه. عَصَمه، يَعْصِمه، عَصْما: منعه ووقاه"[202].
2- الحفظ:
قال صاحب اللسان: "والعصمة الحفظ، يقال: عصمته فانعصم، واعتصمت بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية"[203]
3- القلادة:
قال صاحب اللسان: "العصمة القلادة"[204]، وكذا في القاموس المحيط[205].
4- الحبل:
قال الزجّاج[206]: "أصل العصمة: الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد عصمه"[207].
5- السبب:
قال الطبري: "وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته: عاصم ومنه قول الشاعر:
إلى المرء قيس أطيل السرى وآخذ من كل حي عصم[208]
يعنى بالعصم: الأسباب، أسباب الذمة والأمان"[209].
قلت: إذا أمعنت النظر في هذه المعاني وجدتها جميعا ترجع إلى المعنى الأول الذي هو "المنع" فالحفظ منع للشيء من الوقوع في المكروه أو المحظور، والقلادة تمنع سقوط الخرز منها، والحبل يمنع من السقوط والتردي، والسبب يمنع صاحبه عما يكره.
المعنى الشرعي:
أما عصمة النبي صلى الله عليه وسلم فقد عرفت بعدة تعريفات ولعل من أحسنها وأسلمها ما ذكره صاحب كتاب نسيم الرياض بأنها "لطف من الله تعالى يحمل النبي على فعل الخير ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقا للابتلاء"[210].(4/229)
المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم:
أ- العصمة في التبليغ ودعوى الرسالة:
وهذه العصمة هي التي عليها المناط، فبها يحصل المقصود من البعثة فتبليغ شرع الله إلى الخلق هي مهمة الرسل من أولهم إلى آخرهم فهم الواسطة بين الله وبين خلقه الذين أرسلوا إليهم، فبطريقهم يهتدي البشر ويرشدون إلى دين الله إذ هم المبلغون عن الله أمره ونهيه وشرعه.
ولذلك فقد أوجب الله العصمة لأنبيائه ورسله في هذا الجانب حتى تصل الرسالة إلى العباد كاملة تامة غير منقوصة ولا محرفة، وبذلك تقوم الحجة على العباد.
ولقد دلت نصوص القرآن والسنة على عصمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب، وانعقد إجماع الأمة على ذلك.
فمن القرآن:
ا- قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فالآية نص في عصمة لسانه صلى الله عليه وسلم من كل هوى وغرض فهو لا ينطق إلا بما يوحى إليه من ربه ولا يقول إلا ما أمر به فيبلغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان.
وهذه الآية شهادة وتزكية من الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما بلغه للناس من شرع الله.
2- وقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[211]، فالآيات نصت على أن الله سبحانه وتعالى لا يؤيد من يكذب عليه بل لابد أن يظهر كذبه وأن ينتقم منه.
ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الجنس كما يزعم الكافرون فيما حكاه الله عنهم {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}[212] - وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك- لأنزل الله به من العقوبة ما ذكره في هذه الآيات، وحيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقع له شيء من ذلك فلم يهلكه الله ولم يعذبه، فهو على هذا لم يتقول على الله ما لم يقله ولم يفتر شيئا من عند نفسه، وبهذا تثبت عصمته في كل ما بلغه عن ربه عز وجل.
قال ابن كثير بعد أن فسر هذه الآيات: "والمعنى في هذا بل هو صادق راشد لأن الله عز وجل مقر له ما يبلغه عنه ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات"[213].
3- وقوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}[214]. وهذه الآيات دالة على عصمة الله وتثبيته لنبيه صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أوحى إليه، ومعناها مقارب لمعنى الآيات التي ذكرناها قبلها "فقد أخبر تعالى عن تأييده لرسوله صلوات الله عليه وسلامه وتثبيته وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه في مشارق الأرض ومغاربها"[215].
وأما الأدلة من السنة على ذلك فمنها:
أ- حديث طلحة بن عبيدالله[216] وجاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم:
"ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله"[217] والحديث نص على عصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب فيما يخبر به عن الله.
2- حديث عبد الله بن عمرو[218] رضي الله عنهما قال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق"[219].
3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لا أقول إلا حقا"، قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله. قال: "إني لا أقول إلا حقا"[220].
دليل الإجماع:
نقل غير واحد من العلماء إجماع الأمة واتفاقها على عصمته صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أوحي إليه من ربه عز وجل.
قال القاضي عياض: "وأجمعت الأمة في ما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به، لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا"[221].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وفى تبليغ رسالاته باتفاق الأمة ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه ..... والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين"[222]
ب- العصمة من الكفر والشرك:
الحديث عن عصمته صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب ذو شقين هما:
• الأول: عصمته قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم.
• الثاني: عصمته بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم.(4/230)
أما الشق الأول: وهو عصمته من الشرك والكفر قبل بعثته ونزول الوحي إليه كلها فقد دلت النصوص الثابتة على أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم منذ نشأته من الكفر والشرك فلم يعهد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد لصنم أو استلمه أو إلى غير ذلك من أمور الشرك التي كان يفعلها قومه. فقد فطره الله على معرفته والاتجاه إليه وحده وهذا هو المعلوم من سيرته. فمن النصوص التي يستدل بها على هذا الأمر ما يلى:
-حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعنى ظئره[223] - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك الخيط في صدره"[224].
فالحديث نص على إخراج جبريل لحظ الشيطان منه صلى الله عليه وسلم وتطهيره لقلبه فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه. وهذا دليل على تنزيهه من الشرك منذ صغره صلى الله عليه وسلم.
-وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسه، فقال زيد: فطفت فقلت في نفسي لأمسنه حتى أنظرما يكون فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تنه؟، قال زيد: فوالذى هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه"[225].
وهذا الحديث نص في بعده صلى الله عليه وسلم عن عبادة الأوثان التي كان عليها أهل مكة فنهيه لزيد - الذي كان ابنه بالتبني في ذلك الحين - يؤكد نفرته صلى الله عليه وسلم من تلك الأوثان التي كان يعكف عليها أهل مكة.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر مع أهل سكة ما يقيمونه من أعياد لأصنامهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني أم أيمن[226] قالت:. كان ببوانة صنم يحضره قريش يوما في السنة، وكان أبو طالب[227] يحضره مع قومه، وكان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى حتى رأيت أبا طالب غضب عليه، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب، آلهتنا وجعلن يقلن يا محمد: ما تريد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا فلم فىيزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا فقلن عماته: ما دهاك؟ قال:
"إني أخشى أن يكون بي لمم"، فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت؟ قال: "إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي وراءك يا محمد لا تمسه" فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبئ"[228].
كما عصم صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء تلك الأصنام التي كان يعبدها قومه ويحلفون بها تعظيما لها فقد جاء في قصة بحيرى الراهب[229] أنه استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللات والعزى حينما لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي لما رأى فيه علامات النبوة فقال بحيرى للنبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألني باللات والعزى شيئا فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط"[230].
والنصوص في مثل هذا كثيرة وقد عني بجمعها من ألف في دلائل النبوة مثل الحافظ أبي نعيم الأصبهاني[231] فقد عقد فصلا في كتابه دلائل النبوة بعنوان:
"ذكر ما خصه الله عز وجل به من العصمة وحماه من التدين بدين الجاهلية ..." وقد أورد تحت هذا العنوان العديد من الأحاديث والشواهد في هذا الشأن[232].
وكذلك فعل البيهقي[233] في دلائل النبوة أيضا فعقد عنوانا لهذا الموضوع فقال:
"باب ما جاء في حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعائبها، لما يريده به من كرامته برسالته حتى يبعث رسولا"[234].
ومثلهما السيوطي في الخصائص الكبرى[235] حيث قال: "باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بحفظ الله إياه في شبابه عما كان فيه أهل الجاهلية"[236].
الإجماع:
نقل الجرجاني[237] إجماع الأمة على عصمة الأنبياء من الكفر والشرك قبل النبوة وبعد حيث قال: "وأما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم منه قبل النبوة وبعدها ولا خلاف لأحد منهم في ذلك"[238].(4/231)
وهذا هو الحق فالله سبحانه وتعالى قد نزه نبيه صلى الله عليه وسلم عن الكفر والشرك وعصمه من الوقوع فيهما وذلك داخل في باب إعداده لتحمل الرسالة، ومثل ذلك صيانة الله لنسبه الذى تناسل منه فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يلتق أبواي على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما"[239].
وكل ذلك حتى لايبقى لمنتقص حجة يتعلق بها لتنفير الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن المعلوم أن كفار قريش كانوا حريصين أشد الحرص على تجريح النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بما ينقص من قدره ويحط من شأنه لتنفير الناس منه وصدهم عن دعوته فلقد رموه واتهموه بالسحر والجنون وغير ذلك من النقائص ولكن لم يكن الشرك والكفر من ضمن ما رموه به فسكوتهم عن ذلك دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه إذ لو كان لنقل، وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة كما حكى الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}[240].
وبهذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على دين قومه من عبادة الأصنام وتعظيمها، فقد عصمه الله من ذلك فلم يجعل لكفار قريش طريقا عليه فلذلك لجؤوا إلى تلفيق التهم الباطلة المتناقضة كاتهامه بالسحر تارة وبالجنون تارة وبالكهانة تارة أخرى.
وإذا كان الله قد عصم نبيه صلى الله عليه وسلم فيما هو دون الشرك من الأمور المنكرة التي كان عليها أهل الجاهلية ففي ذلك دليل على أن عصمته من أمور الشرك من باب أولى.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة، قال فحله فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه فمارؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم"[241].
إزالة ما يوهم عدم إيمان نبينا وضلاله قبل بعثته:
وردت بعض النصوص التي قد يتوهم منها البعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على كفر وضلال قبل بعثته، وسوف أعرض لهذه النصوص وأبين التوجيه الصحيح لها بما يبين الحق ويصحح الفهم ويزيل ما يقع من الوهم إن شاء الله.
أ- فمن تلك النصوص قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}[242].
فقد يتوهم البعض أن هذه الآية تعني انتفاء معرفة النبي للإيمان بالكلية قبل بعثته بمعنى أنه لم يكن مؤمنا.
والجواب على ذلك أن هذه الفهم خاطئ لأن الإيمان في قوله {وَلا الإِيمَانُ} مصدر بمعنى المفعول فيكون المعنى المراد: أي ما يجب الإيمان به من الفرائض والأحكام الشرعية التي كلف بها علما وعملا، فالمنفي هو الإيمان التفصيلي لا الإجمالي.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي إليه مبغضا للشرك وعبادة الأصنام ومتجها إلى الله وحده كما سبق الاستدلال على ذلك، فلما نزلت عليه الفرائض والأحكام الشرعية التي لم يكن يدري بها قبل الوحي آمن بها وطبقها. فهذا هو المعنى الصحيح للآية، كما ذكر ذلك علماء التفسير عند تفسيرها قال ابن كثير: "{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} على التفصيل الذي شرع لك في القرآن"[243].
وقال الشوكاني[244]: "ومعنى {وَلا الإِيمَانُ} أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يعرف تفاصيل الشرائع ولا يهتدي إلى معالمها وخص الإيمان لأنه رأسها وأساسها"[245].
ب- ومن النصوص كذلك قول الله تعالى {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}[246] فقد يتوهم البعض أن الآية تعني أن نبينا كان على ضلال قبل مبعثه وهذا فهم خاطئ وباطل ترده النصوص التي سبق إيرادها والتي نصت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوما من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان.
وقد أشار إلى بطلان هذا اللهم القرطبي عند تفسيره لهذه الآية حيث قال:
"فأما الشرك فلا يظن به"[247].
وأما المعنى الصحيح لهذه الآية فقد أشار العلماء إلى عدة معان صحيحة لهذه الآية تشترك جميعها في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ينسب إليه شيء من الشرك أو الكفر قبل بعثته، ومن تلك المعاني ما يلي:
ا- أن يفسر الضلال هنا بمعنى الغفلة كما في قوله تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}[248]، وكما في قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[249] والمعنى أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة[250].(4/232)
2- وقال بعضهم معنى (ضالا) لم تكن تدري ما القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن وشرائع الإسلام، وهو بمعنى قوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} وعلى هذا التفسير يكون المعنى: أي وجدك ضالا عن شريعتك التي أوحاها إليك لا تعرفها قبل الوحي إليك، فهداك إليها[251].
3- وقال بعضهم معنى الآية أي وجدك في قوم ضلال فهداهم الله بك[252].
4- وقال بعضهم الضلال بمعنى الطلب أي وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها[253] كما في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}[254].
ولقد أورد العلماء عددا من المعاني لهذه الآية منها ما هو معنوي ومنها ما هو حسي وهي معان كلها حسان[255].
ج- ومن النصوص كذلك قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[256].
فليس المقصود بالغفلة هنا الشرك والغواية إنما المقصود منها الغفلة عن قصة يوسف مع الله وإخوته كما يوضح ذلك سياق الآية. فهذه القصة وأمثالها لا تعلم إلا من الوحي فلهذا لا يلحقه نقص بسببها.
وهذا هو ما ذكره علماء التفسير عند هذه الآية.
قال القرطبي: "أي من الغافلين عما عرفناكه"[257]. وقال الشوكاني: "والمعنى أنك من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عن هذه القصة"[258].
د- ومن تلك النصوص ما رواه عثمان بن أبي شيبة[259] بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم، فسمع ملكين من خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا حتى نقوم خلفه، فقال الآخر: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام، فلم يعد بعد ذلك يشهد مع المشركين مشاهدهم"[260].
والمنكر من هذا الحديث قوله عن الملك: "عهده باستلام الأصنام" والجواب عن هذا الحديث ذو شقين هما:
أولا: الكلام على سند الحديث:
تكلم العلماء على سند الحديث وأوردوا عللا منها:
ا- أن عثمان بن أبي شيبة لم يتابع عليه[261].
ولكن الذهبي[262] أجاب عن هذا بقوله: "عثمان لا يحتاج إلى متابع ولا ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسعة ما روى، وقد يغلط، وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما..." [263].
2- قال الدارقطني[264]: "يقال إن عثمان بن أبي شيبة وهم في إسناده، وغيره يرويه عن جرير[265] عن سفيان بن عبد الله[266] بن محمد بن زياد بن جدير مرسلا وهو الصواب[267].
ومن كلام الدارقطني نتبين لنا علتان:
أ- أن الحديث مرسل وليس متصلا.
ب- جعله لسفيان الثوري[268] مكان سفيان بن عبد الله وهذا وهم في السند فسفيان بن عبد الله مجهول، وأما الثوري فهو ثقة[269].
3- أن في سند عثمان بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن عقيل[270] وهو ضعيف عند القوم[271].
وبهذا يتبين ضعف إسناد الحديث.
ثانيا: الكلام على متن الحديث
بالإضافة إلى ضعف هذا الحديث الذي لا تقوم به حجة فإن ظاهر اللقظ وهو قوله إنما عهده باستلام الأصنام يخالف ما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لم يكن على شيء مما كان عليه أهل مكة من الشرك وذلك منذ ولادته إلى أن بعثه الله رسولا نبيا ليدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك ما يعبد من دونه. ولقد سبق إيراد الأدلة على ذلك فليرجع إليها.
وقد ذكر بعض العلماء: أن ظاهر الحديث ليس مرادا، فليس المقصود أنه باشر الاستلام، وإنما المقصود أنه شهد مباشرة المشركين استلام أصنامهم[272].
الشق الثاني: عصمته صلى الله عليه وسلم من الكفر والشرك بعد النبوة:
بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك ما هم فيه من الكفر والشرك.
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في تطبيق ما أمر به هو المثل الأعلى الذي يحتذى به. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[273].
فهو منزه عن كل ضلال وغواية كما أخبر الله بذلك في كتابه العزيز {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[274] فهذه شهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه راشد تابع للحق ليس بضال ولا غاو، بل هو صلوات الله وسلامه عليه في غاية من الاستقامة والاعتدال والسداد والهداية.
وإجماع الأمة منعقد على ذلك قال الرازي[275]: "واجتمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة"[276].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله تعالى فهم متفقون على تنزيههم عنه"[277].
وقال الآمدي[278]: "فما كان منها كفرا فلا نعرف خلافا بين أهل الشرائع في عصمتهم عنه"[279].
ولم يخالف هذا الإجماع إلا من لا يعتد بخلافهم[280].
والمعلوم من خلال سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان حربا على الكفر والشرك على(4/233)
اختلاف صوره وألوانه، فلم يدع طريقا أو سبيلا لهدم الشرك والكفر إلا وقد سلكه مستخدما في ذلك لسانه وسنانه، وهذا كله يؤكد عصمته صلى الله عليه وسلم من الكفر والشرك وهذا أمر مشتهر وأعظم من أن يحتاج إلى دليل يؤكده.
ج- عصمته من الكذب في غير الوحي والتبليغ.
من المعروف عن سيرته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها أنه متصف بكل خلق فاضل من صدق وأمانة وبر وصلة رحم وإحسان وجود إلى غير ذلك من محاسن الأخلاق التي جبله الله عليها منذ نشأته، وحري به صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك فقد اختاره الله لحمل الأمانة العظمى التي هي أداء الرسالة وتبليغها إلى الناس كافة، فكان لابد من إعداده لهذه المهمة، ولذا فقد فطره الله على كل خلق فاضل كريم وقد جمع الله له خصال الخير كلها، فلم يكن يدعى إلا بالأمين، ومن الأدلة التي يستدل بها على اتصافه بالصدق قبل بعثته ما يلي:
ا- قول خديجة بنت خويلد[281] رضي الله عنها حينما أتاها النبي صلى الله عليه وسلم خائفا بعد أن لقيه جبريل في غار حراء وقال لها: "إني قد خشيت على نفسي"، فقالت له: "كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"[282].
2- إجماع قرييش على الإقرار بصدقه حينما جمعها ليصدع بالدعوة جهرا فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[283] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: "يا بني فهريا بني عدي" - لبطون قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب[284] وقريش، فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي". قالوا: ما جربنا عليك إلا صدقا.
قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد... " الحديث[285]
فالشاهد من الحديث قولهم "ما جربنا عليك إلا صدقا" فالنبي صلى الله عليه وسلم انتزع منهم هذه الشهادة الجماعية بصدقه وانتفاء الكذب عنه، لعلمه بما قد سيقع من تكذيبهم له عند إخبارهم بأمر الرسالة.
3- على تكذيب قريش للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوة النبوة إلا أن أحدا منهم لم يجرؤ على وصفه بالكذب في سواها فقد قال أبو جهل[286] للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب الذي جئت به[287] فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[288].
وكذلك عندما سأل الأخنس بن شريق[289] أبا جهل بعد ما خلا به يوم بدر فقال: "يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليمر ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك، والله إن محمدا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟"[290].
4- ومما يستدل به كذلك جواب أبي سفيان[291] لهرقل[292] عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، عندما أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش، فكان مما سأله عنه: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
فقال أبو سفيان: لا
فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله[293].
وبعد فهذه نماذج على صدقه صلى الله عليه وسلم وعصمته من الكذب قبل بعثته.
وكذا الحال بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فهذه أخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآثاره وسيره وشمائله معتنى بها مستوفاة تفاصيلها لم يرد في شيء منها تداركه صلى الله عليه وسلم لخبر صدر منه رجوعا عن كذبة كذبها، أو اعترافا بخلف في خبر أخبر به ولو وقع شيء من ذلك لنقل إلينا.
ومن المعلوم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله والثقة بجميع إخباره في أي باب كانت وعن أي شيء وقعت دون توقف أو تردد في شيء منها أو استثبات عن حاله تلك هل وقع فيها سهوا أم لا"[294].
وهذا كله يؤكد عصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب بأي حال من الأحوال.
قال القاضي عياض: "وأما أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله فقد قدمنا أن الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال وعلى أي وجه من عمد أو سهو، أو صحة أو مرض، أو رضا أو غضب وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم.
هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب، فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة كتوريته عن وجه مغازيه لئلا يأخذ العدو حذره.(4/234)
وكما روي من ممازحته ودعابته لبسط أمته وتطييب قلوب المؤمنين من صحابته، وتأكيدا في تحببهم ومسرة نفوسهم، كقوله: "إني حاملك على ولد الناقة"[295]، وقوله للمرأة التي سألته عن زوجها: "أهو الذي بعينه بياض"[296] وهذا كله صدق لأن كل جمل ابن ناقة، وكل إنسان بعينه بياض، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إني أمزح ولا أقول إلا حقا"[297].
د- عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي دون الشرك:
جبل الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على كل خلق فاضل كريم قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[298] فخلقه بأكرم السجايا، وجميل الأخلاق، وحسن الطوية وصفات الخير جميعها، كما نزهه عن كل ما يحط من قدره وينقص من منزلته، قال تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}، فهو صلى الله عليه وسلم منزه من كل ضلال وغواية، وقد كان من صيانة الله وحفظه له أن حماه من أقذار الجاهلية قبل مبعثه ونزول الوحي إليه، فهو معصوم عن كل ما يحط من قدره ويدق في شخصه ومما ورد في هذا الشأن من الأحاديث ما يلي:
- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه[299]: يا ابن أخي لو حللت إزارك، فجعلته على منكبك دون الحجارة، قال: فحله على منكبه فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد عريانا صلى الله عليه وسلم"[300].
- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله منهما، قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الفتيان، فقال: بلى، فدخلت حتى إذا جئت أول دار مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير قلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟، قلت: ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟، قلت: لا شيء ثم أخبرته الخبر، فوالله ما هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله بنبوته"[301].
وعن علي رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل عبدت وثنا قط؟،
قال: "لا".
قالوا: فهل شربت خمرا قط؟
قال: "لا ومازلت أعرف أن الذي هم عليه كفر وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان"[302].
فهذا عن عصمته قبل مبعثه فما بالك بعد مبعثه والأمر لا يتعلق بنفسه فقط بل يتعداه لغيره بكونه هو القدوة ومعلم الناس وهاديهم ومرشدهم بل إن كل قول من أقواله وكل فعل من أفعاله يعد تشريعا تأخذ به أمته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأمر عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر أمر دلت عليه النصوص من القرآن والسنة ويكفي المسلم أن يقرأ في ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فهذه تزكية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم توجب سلامته من كل ما يحط من منزلته ويقدح في نبوته بما في ذلك الكبائر.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" الحديث[303] ومما يندرج تحت هذه الخشية والتقوى، بُعده عن كل ما يسخط الرب عز وجل ومن ضمن ما يسخطه ارتكاب الكبائر، فهو صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنها لكمال لخشيته وتقواه لربه عزوجل، فلقد زكاه الله وطهر نفسه ولم يجعل للشيطان عليه من سبيل، وقد تقدم إيراد الحديث الذي جاء فيه أن جبريل شق قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير فاستخرج منه علقة وقال: هذا حظ الشيطان منك[304].
المطلب الثالث: مسألة وقوع الخطأ منه:
تقدم ذكر الأمور التي عصم فيها صلى الله عليه وسلم وبقي أن نعلم هل يقع الخطأ منه في غير ما تقدم؟، والجواب على هذا: أن القول الذي عليه أكثر علماء الإسلام[305] والذي دلت عليه نصوص القرآن والسنة أن الخطأ يقع منه صلى الله عليه وسلم في غير ما تقدم ذكره ولكنهم يعتقدون الأمور التالية:
ا- أن الله لا يقره على هذا الخطأ الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم بل يوجهه الله للحق وقد يحصل له العتاب على ذلك.
2- أن الخطأ يقع منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الاجتهاد من غيرأن يتعمده ولذلك لا تسمى "معصية" فهذه العبارة تعد إساءة أدب معه صلى الله عليه وسلم ولا يصح إطلاقها في حقه صلى الله عليه وسلم.
3- أن ما يقع منه من هذا القبيل ليس مما يقدح في حقه أو ينقص من منزلته وقدره، ولقد سبق بيان الأمور التي عصم فيها صلى الله عليه وسلم وتلك الأمور هي التي في حالة وقوعها تقدح في حقه ومنزلته، وقد عصم فيها.(4/235)
4- أن التوبة حاصلة منه عن هذا الخطأ، وهذا مما يرفع من قدره ويعلي منزلته[306] كما أن الله قد وعده بالمغفرة بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر}[307].
وأما النصوص التي يستدل بها على هذا القول فمنها:
قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}[308]. فهذه الآيات نزلت عتابا من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم[309] فقد ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم[310] وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء ويلح عليه وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}[311].
وكذلك قوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[312].
وقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}[313].
قال قتادة: "ثنتان فعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما، إذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئا إلا بوحي، وأخذه من الأسارى الفدية، فعاتبه الله كما تسمعون"[314].
وأما ما يقع من الخطأ منه في جانب الأمور الدنيوية فمن الأدلة على ذلك حديث رافع بن خديج[315] رضي الله عنه قال: "قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل، يقولون: يلقحون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا. فتركوه، فنقصت قال: فذكروا ذلك له، فقال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"[316].
وفى رواية أنس: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"[317]، وفى رواية طلحة: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لا أكذب على الله عز وجل"[318]، وكما حكى ابن اسحاق[319] أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بأدنى مياه بدر قال له الحباب بن المنذر[320]: أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "لا بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، قال: فإنه ليس بمنزل، انهض حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب، فنشرب ولا يشربون، فقال: "أشرت بالرأي"، وفعل ما قاله[321].
قال القاضي عياض: "فمثل هذا وأشباهه من أمور الدنيا التي لا مدخل فيها بعلم ديانة ولا اعتقادها ولا تعليمها، يجوز عليه فيه ما ذكرنا[322] إذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور اعتيادية يعرفها من جربها، وجعلها همه وشغل نفسه بها، والنبي صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية ملآن الجوانح بعلوم الشريعة، مقيد البال بمصالح الأمة الدينية والدنيوية، ولكن هذا[323] إنما يكون في بعض الأمور، ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها، لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة"[324].
وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم، ومعرفة المحق من المبطل، وعلم المصلح من المفسد، فهذه أمور اجتهادية يجتهد فيها برأيه فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحوما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار"[325].
قال القاضي عياض: "وتجرى أحكامه صلى الله عليه وسلم على الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد، ويمين الحالف، ومراعاة الأشبه، ومعرفة العفاص والوكاء مع مقتضى حكمة الله في ذلك"[326].
فاقتضت حكمته تعالى أن لا يكون معصوما في هذا الجانب وذلك حتى تقتدي به الأمة من بعده في النظر في القضايا والأحكام على ما كان يقضي به بين الناس، لأنه قد استوى في ذلك هو وغيره من الناس.
وكذا الأمور بالنسبة لما يقع عليه من الأسقام والأمراض فهو صلى الله عليه وسلم بشر من البشر يقع عليه مثل ما يقع على غيره من البشر.(4/236)
وهذا هو الحق الذي دلت وأرشدت عليه النصوص الثابتة في القرآن والسنة. وهذا هو القول الوسط يين أهل الإفراط وأهل التفريط في هذه المسألة. فمن فال بالعصمة المطلقة وهم الرافضة[327] وبعض المعتزلة[328] وبعض المتأخرين[329] فهؤلاء قد خالفوا نصوص القرآن والسنة وتعسفوا في دفعها وتأويلها بتأويلات هي من جنس تأويلات الجهمية[330] والباطنية[331] ومن تدبر تلك التأويلات تبين له فسادها وعرف أنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه[332].
وأما من نفى عنه العصمة من الذنوب وأجاز عليه الإقدام على الكبائر والصغائر وهم الكرامية[333] والأزارقة[334] والفضيلية[335] وغيرهم[336] فهؤلاء قوم فرطوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا عنه ما دل القرآن والسنة على براءته منه، وأضافوا إليه ذنوبا نزهه الله منها فقولهم هذا مخالف للقرآن والسنة وواضح البطلان.
________________________________________
[1] الآية (40) من سورة الأحزاب.
[2] انظر: لسان العرب مادة "نبأ" (1/162- 163)، ومعجم مقاييس اللغة (5/ 384، 385).
[3] شعب الإيمان للبيهقي، الباب الثاني من شعب الإيمان (ص 275) رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بتحقيق فالح بن ثاني.
[4] المصدر السابق (ص 275)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 167).
[5] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (5/ 735).
[6] كتاب النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 255).
[7] الآية (52) من سورة الحج.
[8] أضواء البيان (5/ 735).
[9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل. انظر: فتح الباري (6/ 495) ح 3455. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (6/ 17).
[10] النهاية في غريب الحديث (2/ 421).
[11] الآية (34) من سورة غافر.
[12] الآيتان (163- 164) من سورة النساء.
[13] المفردات في غريب القرآن تأليف أبي القاسم حسين محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ص 195) مادة "رسل".
[14] المصدر السابق (ص 195) ولسان العرب مادة "رسل" (11/ 284).
[15] المصدر السابق (ص 195) ولسان العرب مادة "رسل" (11/ 284).
[16] شعب الإيمان للبيهقي (ص 275- 276) بتحقيق فلاح بن ثاني، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 167).
[17] أضواء البيان (5/ 735).
[18] النبوات (ص 255- 256).
[19] الآيتان (7-8) من سورة الحديد.
[20] الآية (8) من سورة التغابن.
[21] الآية (136) من سورة النساء.
[22] الآية (9) من سورة الفتح.
[23] الآية (158) من سورة الأعراف.
[24] الآية (15) من سورة الحجرات.
[25] الآية (132) من سورة آل عمران.
[26] الآية (24) من سورة التوبة.
[27] الشفا للقاضي عياض (2/ 538) بتصرف.
[28] الآية (13) من سورة الفتح.
[29] الآية (85) من سورة آل عمران.
[30] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 39).
[31] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان: باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، انظر: فتح الباري (1/ 75) ح 25. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله, انظر (1/ 39).
[32] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (1/ 93).
[33] تقدم تخريجه (ص 31).
[34] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه (1/ 35)، وأخرجه بنحوه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى. انظر: فتح الباري ( 1/ 347) ح 7372.
[35] إيضاح الدلالة في عموم الرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية. انظر: (2/ 99).
[36] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 126).
[37] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 140).
[38] من تلك المؤلفات: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ودلائل النبوة لقوام السنة الأصبهاني، ودلائل النبوة للبيهقي، والخصائص الكبرى للسيوطي.
[39] الآية (9) ش سورة الحجر.
[40] أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بجوامع الكلم" واللفظ له، انظر فتح الباري (3/ 247) ح 7274. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته. انظر (1/ 92، 93).
[41] الآية (31) من سورة الانفال.
[42] الآيتان (33- 34) من سورة الطور.
[43] الآية (13) من سورة هود.
[44] الآية (23) من سورة البقرة.
[45] الآية (24) من سورة البقرة.
[46] الآية (8) من سررة الاسراء.(4/237)
[47] انظر مجلة البحوث الإسلامية، العدد التاسع (ص 27- 28) مقال بعنوان بيان ما يسمى معجزة محمد الخالدة والمعجزة القرآنية إعداد هيئة كبار العلماء.
[48] الآية (89) من سورة الإسراء.
[49] الآيتان (1، 2) من سورة القمر.
[50] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر. انظر: فتح الباري (6/ 631) ح 3637
[51] عبد الله بن مسعود الهذلي، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان أول من جهر بالقرآن بمكة وكان من فقهاء الصحابة، توفي عام 32 هـ بالمدينة.
الإصابة: (1/360، 362) رقم 4954.
[52] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر. انظر: فتح الباري (6/ 631) ح 3636.
[53] الزوراء: موضع بالمدينة عند سوقها في ذلك الوقت. وفاء الوفاء (4/ 1229).
[54] أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام. انظر: فتح الباري (6/580) ح 3572، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 49).
فائدة: قال ابن حجر في فتح الباري (6/ 585): "حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جاء من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق. وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي، وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين. وعن ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن عند الطبراني". انتهى كلامه.
[55] الشفا (1/402).
[56] أبو طلحة: اسمه زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري النجاري الخزرجي، مشهور بكنيته، شهد العقبة ثم شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، توفي عام 31 هـ وقيل 34 هـ.
الإصابة (1/ 549) ت رقم 2905.
[57] أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية وهى أم أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك. أسلمت مع السابقين من الأنصار، ولها مواقف مشهودة تدل على فضلها ومكانتها. الإصابة (4/ 441، 442) ت رقم 1321.
[58] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب، علامات النبوة في الإسلام. انظر فتح الباري (6/ 586) ح 3578.
[59] الشفا (1/ 419) بتصرف.
[60] الشفا (1/ 470) وقد ذكر طرفا من هذه الأحاديث فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.
[61] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن: باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة (8/ 172).
[62] مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 422).
[63] الآية (85) من سورة آل عمران.
[64] الآية (158) من سورة الأعراف.
[65] الآية (28) من سورة سبأ.
[66] الآية (79) من سورة النساء.
[67] الآية (174) من سورة النساء.
[68] الآية (2) من سورة يونس.
[69] الآية (52) من سورة إبراهيم.
[70] الآية (1) من سورة إبراهيم.
[71] لفظ "الناس" فيه وجهان: أحدهما: أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه وإنما واحده "إنسان" وواحدته "إنسانة"، والوجه الآخر: أن يكون أصله "أناس" أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها تخفيفا، ثم أدخلت الألف واللام المعرفتان، فأدغمت اللام التي دخلت مع الألف فيها للتعريف في النون. انظر: تفسير الطبري (1/ 116).
[72] لسان العرب (6/ 244) مادة نوس.
[73] الآيتان (5- 6) من سورة الناس.
[74] الآية (6) من سورة الجن.
[75] تفسيرالطرى (30/356).
[76] تفسير ابن كثير (4/ 575).
[77] هو محمد بن جرير الطبري، المؤرخ المفسر الإمام، كان مولده سنة أربع وعشرين ومائتين، روى الكثير عن الجم الغفير، صنف التاريخ الحافل، وله التفسير الكامل الذي لا يوجد له نظير توفي سنة 310 هـ. البداية (1/ 145- 147).
[78] تفسير الطبري (9/ 86).
[79] هو إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الدمشقي، حافظ مؤرخ فقيه ولد سنة 701 هـ وتوفي سنة 774 هـ وهو صاحب كتاب تفسير القرآن العظيم والبداية والنهاية. شذرات الذهب (1/231)، والأعلام (1/ 320).
[80] تفسير ابن كثير (2/ 254- 255).
[81] الآية (107) من سورة الأنبياء.
[82] الآية (90) من سورة الأنعام.
[83] الآية (104) من سورة يوسف.
[84] الآبة (1) من سورة الفرقان.
[85] الآية (52) من سورة القلم.
[86] الآيتان (26، 27) من سورة التكوير.
[87] تفسير القرطبي (1/ 138).
[88] الآية (28) من سورة سبأ.
[89] الآية (58) من سورة الأعراف.
[90] الآية (19) من سورة الأنعام.
[91] انظر على سبيل المثال، تفسير الطبري (7/ 162، 163) وتفسير ابن كثير (2/ 126).
[92] الآيتان (1، 2) من سورة الجن.
[93] الآيات (29- 30- 31) من سورة الأحقاف.
[94] مدينة تقع في تركيا بالقرب من الحدود السورية. أطلس العالم (ص 52).
[95] كتاب النبوات لابن تيمية (ص 396).
[96] الآية (20) من سورة آل عمران.
[97] الآية (19) من سورة المائدة(4/238)
[98] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 112).
[99] واسم أبي الدرداء كما قيل عويمر بن عامر، ولعل كنيته هي اسمه، أنصاري أسلم يوم بدر وشهد المشاهد بعدها، وكان أحد الحكماء العلماء الفضلاء توفي في عهد عثمان.
الاستيعاب (4/ 59- 60).
[100] واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر: ولد بعد الفيل بسنتين وسنة أشهر، صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنين قبل البعثة وسبق إلى الإيمان به واستمر معه طوال إقامته بمكة ورافقه في الهجرة وفي الغار وفى المشاهد كلها إلى أن مات، وولي الخلافة من بعده فكان أول الخلفاء الراشدين، ومناقبه كثيرة رضي الله عنه توفي سنة 13 هـ. الإصابة (2/ 333 - 336) رقم 4817.
[101] غامر: أي خاصم غيره، ومعناه: دخل في غمرة الخصومة، وهي معظمها والمغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور المهلكة. النهاية: (3/ 384).
[102] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير: باب تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}. انظر: فتح الباري (8/ 303) ح 4640، وأخرجه أيضا في كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا". انظر: فتح الباري (7/ 18) ح 3661.
[103] أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب التيمم واللفظ له. انظر فتح الباري (1/ 435- 436) ح 335، وكذلك 438- 3122، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد (2/ 63).
[104] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد (2/ 64).
[105] أبو ذر الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة مختلف في اسمه واسم أبيه والمشهور أنه جندب ابن جنادة بن السكن، وكان من السابقين إلى الإسلام، توفي بالربذة سنة إحدى وثلاثين وقيل في التي بعدها. الإصابة (4/ 63- 65) ت رقم 384.
[106] أخرجه أحمد في مسنده (5/145) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رجاله رجال الصحيح" (8/ 259)، وأخرجه أيضا من طرق أخر عن ابن عباس (1/ 250) وأبي أمامة (5/ 248). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 259): "رجال أحمد- أي في هذا الحديث- ثقات"، وجد عمروبن شعيب (22/2).وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 367): "رجاله ثقات"، وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح" (13/ 16)- المسند بتحقيقه.
[107] تقدم تخريجه. انظر (ص 71).
[108] انظر صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 188).
[109] أخرجه أحمد في مسنده (4/ 396- 398).
[110] الكامل في التاريخ لابن الأثير (2/ 61).
[111] الآية (214) من سورة الشعراء.
[112] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير: باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم الى الله عز وجل (5/ 166).
[113] تقع حاليا في الأردن.
[114] أسامة بن زيد بن حارثة، الحب بن الحب، ولد في الإسلام، صحابي جليل، توفي سنة أربع وخمسين هجرية. الإصابة (1/ 46).
[115] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 124).
[116] ديوان أبي الطيب المتنبي (ص 232)
[117] لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع: انظر كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 128) وما بعدها.
[118] المحكم لابن سيده (5/ 26) بتحقيق إبراهيم الأبياري.
[119] لسان العرب (12/ 163).
[120] القاموس المحيط (2/ 15) بترتيب الزاوي.
[121] تاريخ العروس للزبيدى (8/ 266).
[122] الآية (24) من سورة محمد.
[123] المحكم (5/ 26).
[124] لسان العرب (12/ 163).
[125] تاج العروس (8/ 266).
[126] الآية (26) من سورة المطففين.
[127] الآية (40) من سورة الأحزاب.
[128] المحكم (5/ 26).
[129] المفردات (ص 142-143).
[130] القاموس (2/ 15) بترتيب الزاوى.
[131] كتاب عقيدة ختم النبوة للدكتور أحمد بن سعد الغامدي (ص 13)
[132] المصدر السابق (ص 16).
[133] زيد بن حارثة بن شراحيل الكعبي، تبناه النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعى زيد بن محمد حتى نزلت الآية {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} شهد بدرا وما بعدها واستشهد في غزوة مؤتة. الإصابة (1/ 545- 546).
[134] تفسير الطبري (22/ 16).
[135] تفسير ابن كثير (3/ 494).
[136] تفسير الطبري (22/ 16)، وتفسير البغوي (6/ 565) وتفسير القرطبي (14/ 196).
[137] عاصم بن أبي النجود الضرير الكوفي، أحد القراء السبعة، توفي سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل غير ذلك. تهذيب التهذيب (5/38- 40).
[138] عبد الله بن عامر اليحصبي، أحد القراء السبعة، كان قاضي مشق في أيام الوليد بن عبد الملك وإمام مسجد دمشق وتوفي بها سنة ثماني عشرة ومائة. تهذيب التهذيب (5/ 274، 275).
[139] الآية (3) من سورة المائدة.
[140] كتاب عقيدة ختم النبوة (ص 27- 28).
[141] تفسير ابن كثير (2/ 12).
[142] النهس: أخذ اللحم بأطراف الأسنان، والنهش الأخذ بجميعها. النهاية (5/ 136).(4/239)
[143] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير: باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}. انظر فتح الباري (8/395، 396) ح 4712، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب أدنى الجنة منزلة فيها (1/ 127).
[144] ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي مشهور اشتراه ثم أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخدمه إلى أن مات. ثم تحول إلى الرملة ثم حمص، ومات بها سنة 54 هـ. الإصابة (1/205) رقم 967
[145] أي الذهب والفضة. النهاية (1/ 438).
[146] أي مجتمعهم، وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم. النهاية (1/ 172).
[147] أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في السنن، كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها (2/ 450، 452) ح 4252، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 278) وابن ماجة في السنن، كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن (2/ 1304)، وأخرجه مختصرا مسلم في صحيحه إلى قوله "يسبي بعضهم بعضا" كتاب الفتن، باب هلاك هذه الأمة (8/ 171)،
وكذلك أخرج مسلم آخره من قول "لا تزال طائفة من أمتي...." كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين... الخ"(6/ 52)، وأخرج الترمذي في السنن بعضه من قوله "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي - إلى قوله - لا نبي بعدي" كتاب الفتن :باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون (4/ 498، 499) ح 2218، وقال هذا حديث حسن صحيح.
[148] أخرجه الدارمي في السنن (1/ 27) وقد اعتبره صاحب المشكاة من قسم الحسان وارتضاه الألباني المحقق (3/ 128).
[149] البخاري في صحيحه، كتاب المناقب باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (6/ 558) ح 3534، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين (7/ 65).
[150] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم واللفظ له. انظر: فتح الباري (6/ 558) ح 3535، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين (7/ 64).
[151] تقدم تخريجه (ص 64).
[152] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة: باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود (2/ 48).
[153] سعد بن أبي وقاص واسم أبيه مالك بن أهيب وكان سابع من أسلم، وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وأحد العشرة، وكان مجاب الدعوة وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله توفي سنة 54 هـ. الإصابة (2/30- 32) رقم 3194.
[154] علي بن أبي طالب ولد قبل البعثة بعشر سنين تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد كلها ماعدا غزوة تبوك، حيث استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، وهو رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين ومناقبه كثيرة، قتل على يد عبد الرحمن بن ملجم عام 40 هـ. الإصابة (2/501- 503) رقم 5690.
[155] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي: باب غزوة تبوك، انظر فتح الباري (8/ 112) ح 4416، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7/ 120).
[156] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن واللفظ له. انظر: فتح الباري (13/ 81، 82) ح 7121، وأخرجه مختصرا مسلم في صحيحه، كتاب الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما (8/170)
[157] جابر بن سمرة بن جنادة العامري له ولأبيه صحبة، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص، توفي سنة 74 هـ. الإصابة (1/ 213) رقم 1018.
[158] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب الناس تبع لقريش (6/4).
[159] ويقال إبراهيم بن عبد الله بن قارظ الكناني وهما واحد، روى عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات. تهذيب التهذيب (1/ 134).
[160] أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (4/ 124، 125).
[161] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب: باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر: فتح الباري (6/ 554) ح 3532، وأخرجه مسلم، كتاب الفضائل: باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم، واللفظ له (7/ 89).
[162] وهي رسالة ماجستير مطبوعة.
[163] عقيدة ختم النبوة (ص 55).
[164] هو: مسيلمة بن ثمامة بن كبير الكذاب، ادعى النبوة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في أواخر سنة عشر وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم قبل القضاء على فتنته، فلما انتظم الأمر لأبي بكر رضي الله عنه، انتدب له خالد بن الوليد على رأس جيش قوي فقتل مسيلمة الكذاب. البداية (5/ 49- 52، 6/ 323- 327) والأعلام (7/ 226).(4/240)
[165] طليحة بن خويلد الأسدي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد من بني أسد سنة 9هـ، وأسلموا، ولما رجعوا ارتد طليحة، وادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. سير إليه أبو بكر خالد بن الوليد، فانهزم طليحة وفر إلى الشام ثم أسلم وحسن بلاؤه في الفتوح، واستشهد في نهاوند سنة 21 هـ. الإصابة (2/ 226) رقم 4290، والأعلام (3/230).
[166] أخرجه البخاري في صحيحه، كناب الشهادات، باب الشهداء العدول.انظر: فتح الباري (5/ 251) ح 2641.
[167] معالم التنزيل للبغوي (6/ 565).
[168] هو: عبد الله بن أبي أوفى واسمه علقمة بن خالد الأسلمي له ولأبيه صحبة، شهد الحديبية، وروى أحاديث شهيرة نزل الكوفة، ومات بها سنة ثمانين. الإصابة (2/ 271) رقم 4555.
[169] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب: باب من سمى بأسماء الأنبياء.
انظر: فتح الباري (10/577).
[170] أخرجه أحمد في المسند (3/ 133).
[171] واسمه عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي مفسر فقيه، عارف بالأحكام والحديث، توفي سنة 541 هـ. طبقات المفسرين للداودي (1/ 265)
والأعلام (3/282).
[172] تفسيرالقرطبي (14/ 196).
[173] عياض بن موسى بن عياض السبتي، أبو الفضل: عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، توفي عام 544 هـ. الأعلام (4/ 99).
[174] الشفا (2/1071).
[175] محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، مفسر محدث، أديب وهو صاحب كتاب روح المعاني، توفي سنة 1270 هـ، الأعلام (7/ 176).
[176] روح المعاني (22/ 32، 39).
[177] مجموع الفتاوى (5/ 155، 156) بتصرف.
[178] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 41).
[179] تفسير ابن كثير (2/ 77).
[180] الآية (67) من سورة المائدة.
[181] الآية (82) من سورة النحل.
[182] الآية (54) من سورة النور، و الآية (18) من سورة العنكبوت.
[183] الآية (48) من سورة الشورى.
[184] زاد المعاد، لابن القيم (1/ 69).
[185] الآية (128) من سورة التوبة.
[186] الآية (39) من سورة الأحزاب.
[187] تفسير ابن كثير (3/ 492) بتصرف.
[188] الآيتان (3، 4) من سورة النجم.
[189] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب وجوب امتثال ما قاله شرعا (7/ 95).
[190] الآية (9) من سورة الحجر.
[191] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب قوله من: "لا تزال طائفة من أمتي..." (6/52، 53).
[192] أخرجه أحمد في مسنده (4/ 126) واللفظ له، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 27) ح 49، وابن ماجة في السنن، المقدمة: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (1/ 16) ح 43، والحاكم في المستدرك (1/96) وقال الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة (1/ 270).
"حديث صحيح".
[193] سلمان أبو عبد الله الفارسي أصله من رامهرمز وقيل من أصبهان سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فتغرب بحثا عنه وتسبب ذلك إلى وقوعه في الرق ومنّ الله عليه بالإسلام. أول مشاهده الخندق، وكان رضي الله عنه خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا، توفي عام 35 هـ. الإصابة (2/60، 61) رقم 3357.
[194] الرجيع: القذرة والروث، سمي رجيعا لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علقا. النهاية (2/ 203).
[195] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة: باب الاستطابة (1/ 154).
[196] أخرجه أحمد في مسنده (5/ 153).
[197] هي الصديقة أم المؤمنين واسمها عائشة بنت أبي بكر الصديق ولدت بعد البعثة بأربع سنوات أو خمس وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع وكانت رضي الله عنها من أعلم الصحابة وأفقههم، وكانت أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم، توفيت عام 58هـ. الإصابة (4/ 348- 350) رقم 7040.
[198] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير: باب تفسير قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ، انظر فتح الباري (8/ 275) ح 4612.
[199] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، انظر: فتح الباري (13/ 503) ح 7531.
[200] الآية (37) من سورة الأحزاب.
[201] أخرجه الطبري في تفسيره (22/ 13).
[202] لسان العرب (12/ 403) مادة عصم.
[203] لسان العرب (12/ 404).
[204] المصدر السابق (12/ 405).
[205] (4/152، 153).
[206] الزجّاج - بفتح الزاي والجيم المشددة - أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج النحوي كان عالما أديبا ديِّنا صنف كتابا في معاني القرآن، روى عن المبرد وثعلب وغيرهما، توفي في بغداد سنة 311 هـ. وفيات الأعيان (1/ 32).
[207] لسان العرب (12/ 405).
[208] ديوان الأعشى (ص 37) بشرح الدكتور محمد حسين.
[209] تفسير الطبري (4/ 26).
[210] نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض (4/ 39).
[211] الآيات (44 إلى 47) من سورة الحاقة.(4/241)
[212] الآية (24) من سورة الشورى.
[213] تفسير ابن كثير (4/ 417).
[214] الآيات (73، 74، 75) من سورة الإسراء.
[215] تفسير ابن كثير (3/ 53).
[216] طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، توفي سنة ست وثلاثين من الهجرة. الإصابة (2/ 220، 222).
[217] تقدم تخريجه (ص 122).
[218] عبد الله بن عمرو بن العاص أسلم قبل أبيه وكان رضي الله عنه فاضلا، حافظا عالما، توفي بالشام سنة 65 هـ وقيل غير ذلك. الإصابة (2/ 343- 344).
[219] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 162، 192)، وأبو داود في سننه، كتاب العلم: باب في كتاب العلم (4/ 60) خ 3646، والحاكم في المستدرك (1/104، 105) وصححه ووافقه الذهبي.
[220] أخرجه أحمد في مسنده (2/340، 360). والترمذي في سننه، كتاب البر والصلاة: باب مما جاء في المزاح (4/ 357) ح 1990 وقال: هذا حديث حسن صحيح
[221] الشفا (2/ 746).
[222] مجموع الفتاوى (10/ 289، 290).
[223] أي مرضعته.
[224] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 101، 102).
[225] أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 216- 217) وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 145). وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 34) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 288). وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 151، 152).
[226] أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته واسمها بركة بنت ثعلبة، وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة. الإصابة (4/ 415، 416).
[227] أبو طالب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، شقيق أبيه كفل النبي صلى الله عليه وسلم وذب عنه ونصره بعد بعثته ولم يمت على الإسلام. الإصابة (4/ 115، 118).
[228] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 144). وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 151) وعزاه إلى ابن سعد وأبي نعيم وابن عساكر.
[229] راهب من رهبان النصارى يقال إنه كان من عبد القيس وكان اسمه: جرجيس.
البداية (2/ 286).
[230] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 125- 128)، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 26، 27) بتحقيق عبد المعطي قلعجي. وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 142، 144) وعزاه للبيهقي.
[231] أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني وأبو نعيم. حافظ مؤرخ من الثقات في الحفظ والرواية، ولد ومات بأصبهان عام 430 هـ من مؤلفاته: حلية الأولياء ودلائل النبوة. الأعلام (1/ 157).
[232] انظر (ص 143- 147).
[233] أحمد بن الحسين البيهقي، صاحب التصانيف المشهورة ومنها: السنن الكبرى، وشعب الإيمان، ودلائل النبوة، ولد سنة 384 هـ وتوفي سنة 458 هـ. تذكرة الحفاظ (3/ 1132) والأعلام (1/116)
[234] انظر (2/ 30، 42).
[235] عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطى حافظ مؤرخ أديب له نحو (600 مصنف) ولد سنة 849 هـ وتوفي سنة 911 هـ. الأعلام (3/ 301- 302).
[236] انظر: (1/ 148، 152).
[237] هو: علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني ولد سنة 740 هـ وتوفي سنة 816 هـ له كتاب التعريفات، وشرح المواقف وغيرهما. الأعلام (5/ 7).
[238] شرح المواقف (ص 134).
[239] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 24) من عدة طرق والحديث له شواهد متعددة أوردها السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 63، 66).
[240] الآية (142) من سورة البقرة.
[241] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة: باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها. انظر فتح الباري (1/ 474) ح 364 وأخرجه مسلم في صحيحه، كناب الحيض: باب الاعتناء بحفظ العورة (1/ 184).
[242] الآية (52) من سورة الشورى.
[243] تفسير ابن كثير (4/ 122).
[244] محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فقيه مجتهد، من كبارعلماء اليمن له (114 مؤلفا) ولد سنة 1173 هـ وتوفي سنة 1250 هـ. الأعلام: (6/ 298).
[245] فتح القدير (4/ 530).
[246] الآية (7) من سورة الضحى.
[247] تفسيرالقرطبي (20/ 99).
[248] الآية (52) من سورة طه.
[249] الآية (3) من سورة يوسف.
[250] تفسير القرطبي (20/ 96) وفتح القدير (5/ 458).
[251] انظر: تفسير ابن كثير (5/ 523) وتفسير القرطبي (20/ 96، 97)، وفتح القدير (5/ 458).
[252] انظر: تفسير القرطبي (20/ 97) وفتح القدير (5/ 458).
[253] انظر: تفسير القرطبي (20/ 97) وفتح القدير (5/ 458).
[254] الآية (144) من سورة البقرة.
[255] انظر: تفسير القرطبي (20/ 97) بتصرف.
[256] الآية (3) من سورة يوسف.
[257] تفسير القرطبي (9/ 120).
[258] فتح القدير (3/4).
[259] هو: عثمان بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، من حفاظ الحديث، وله من المصنفات: المسند، والتفسير، ولد سنة 156 هـ وتوفي سنة 239 هـ. تاريخ بغداد (11/ 382).
[260]أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 1447)، والخطيب في تاريخ بغداد ( 11/ 286)(4/242)
وأبو يعلى الموصلي في مسنده، والعقيلى في الضعفاء، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 166)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 35). وأورده الذهبي في الميزان (3/ 35) وأورده ابن حجر في لسان الميزان (3/ 53) وأورده ابن كثير في التاريخ (2/ 288) وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 152).
[261]العلل المنناهية لابن الجوزي (1/ 167).
[262] محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، حافظ، مؤرخ، علامة محقق له تصانيف كثيرة كييرة تقارب المئة، منها: سير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفاظ وغيرها، ولد سنة 673 هـ، وتوفي سنة 748 هـ. الأعلام (5/ 326).
[263] ميزان الاعتدال (3/ 35).
[264] علي بن عمر الدارقطني الشافعي إمام عصره في الحديث، ولد سنة 306 هـ وتوفي سنة 385 هوله كتاب " السنن" و "العلل". الأعلام (4/ 314).
[265] جرير بن عبد الحميد الضبي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب مات سنة ثمان وثمانين ومائة. تهذيب التهذيب (2/ 75).
[266] سفيان بن عبد الله بن زياد بن جدير: مجهول، لسان الميزان (3/ 53).
[267] العلل المتناهية (1/167).
[268] سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، مات سنة إحدى وستين ومائة. تهذيب التهذيب (4/111).
[269] لسان الميزان (3/53) بتصرف.
[270] عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، كان خيرا فاضلا موصوفا بالعبادة، ولكن لم يكن متقنا في الحديث فضعفوه. تهذيب التهذيب (6/13 – 16).
[271] العلل المتناهية (1/167).
[272] ميزان الاعتدال (3/ 35)، وتاريخ بغداد ( 11/ 286).
[273] الآيات (162، 163) من سورة الأنعام.
[274] الآية (2) من سورة النجم.
[275] هو محمد بن عمر الرازي الملقب بالفخر الرازي، ولد سنة 544 هـ وتوفي سنة 606 هـ. الأعلام (4/ 313).
[276] عصمة الأنبياء (ص 18).
[277] منهاج السنة النبوية (1/ 130).
[278] علي بن محمد بن سالم التغلبي أبو الحسن سيف الدين الآمدي، أصولي باحث، ولد سنة 551 هـ وتوفي سنة 631 هـ، من أشهر مؤلفاته: الإحكام في أصول الأحكام. الأعلام (4/ 332).
[279] الإحكام في أصول الأحكام (1/ 128).
[280] الذين خالفوا في هذه المسألة هم:
أ الأزارقة: وهم فرقة من فرق الخوارج وقد نقل عنهم أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته. انظر الإحكام في أصول الأحكام (1/128)، والمواقف للإيجي (358، 359).
ب- والفضيلية: رهم من فرق الخوارج ويقولون بجواز الكفر على الأنبياء من جهة كونهم يعتقدون جواز صدور الذنوب عن الأنبياء وكل ذنب هو كفر - على حسب اعتقادهم - فمن هذا الباب جوزوا صدور الكفر عنهم.
انظر: عصمة الأنبياء للرازي (ص 18) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 128). ج- الرافضة: فقد جوزوا على الأنبياء إظهار الكفر على سبيل التقية عند خوف الهلاك، بل نقل عنهم أنهم أوجبوه. ويعللون ذلك بقولهم: إن إظهار الإسلام إن كان مفضيا إلى القتل كان إلقاء للنفس في التهلكة، وإلقاء النفس في التهلكة حرام لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} الآية 195 من سورة البقرة، وإذا كان إظهار الإسلام حراما كان إظهار الكفر واجبا. انظر: عصمة الأنبياء للرازي (ص 18).
د- ذكر ابن حزم في كتابه الفصل (4/2): "أنه رأى في كتاب أبي جعفر السمناني قاضي الموصل صاحب الباقلاني أنه كان يقول: كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشا الكذب في التبليغ فقط، قال: وجائز عليهم أن يكفروا".
[281] خديحة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأول من صدقت ببعثته مطلقا، توفيت بعد خروج بني هاشم من الشعب.
الإصابة (4/273 - 276).
[282] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير. انظر: فتح الباري (8/ 715) ح 4953.
[283] الآية (214) من سورة الشعراء.
[284] اسمه عبد العزى بن عبد المطب وكنيته أبو عتبة وهو أحد أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم، كان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ولدينه. تفسير ابن كثير (4/ 564).
[285] أخرحه البخاري في صحيحه كتاب التفسير: باب {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، انظر: فتح الباري (18/ 501) ح 4770، واللفظ له.
[286] اسمه عمرو بن هشام، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر. ابن الأثير (1/ 23- 47).
[287] انظر: تفسير الطبري (7/ 182).
[288] الآية (33) من سورة الأنعام.
[289] الأخنس بن شريق الثقفي، كان من المؤلفة، وشهد حنينا، ومات في أول خلافة عمر. الإصابة (1/ 39- 40).
[290] أخرجه الطبري في تفسيره (7/ 182)، وأورده ابن كثير في تفسيره (2/ 130).
[291] اسمه صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان القرشي الأموي، مشهور باسمه وكنيته، أسلم عام الفتح وشهد حنينا والطائف وكان من المؤلفة، توفي في آخر خلافة عثمان.
الإصابة (2/ 172، 173).(4/243)
[292] هرقل هو ملك الروم، وهرقل اسمه- وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف- ولقبه قيصر، كما يلقب ملك الفرس كسرى ونحوه. فتح الباري (1/ 33).
[293] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي. انظر: فتح الباري (1/ 31) ح 7.
[294] الشفا (2/768 – 769).
[295] أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الأدب، باب ما جاء في المزاح (5/ 270- 271) ح 4998، وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب البر والصلة: باب ما جاء في المزاح (4/ 357) ح 1989، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
[296] عزاه السيوطي إلى ابن أبي الدنيا. انظر: مناهل الصفا (ص 233) ح رقم 1270.
[297] أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 340)، وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب البر والصلة: باب ما جاء في المزاح (4/ 357) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه الطبراني في الصغير والأوسط والكبير عن ابن عمر كما في المجمع (8/ 89)، وقال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفه" والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة كما في المجمع (9/ 17) وقال الهيثمي: إسناده حسن.وانظر: الشفا (2/ 877، 878).
[298] الآية (4) من سورة القلم.
[299] العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين يقال إنه أسلم وكتم إسلامه، هاجر إلى المدينة فبل الفتح بقليل، وشهد الفتح وثبت يوم حنين، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. الإصابة (2/263).
[300] تقدم تخريجه (ص 139).
[301] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 143)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/33، 34)، وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/149، 150)، وعزاه لابن راهويه في مسنده وابن إسحاق والبزار والبيهقي وأبي نعيم وابن عساكر وقال: قال ابن حجر: إسناده حسن متصل ورجاله ثقات. وأورده ابن كثير في البداية (2/ 287).
[302] أورده السيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 150) وعزاه لأبي نعيم وابن عساكر.
[303] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح. انظر: فتح الباري (9/ 104) ح 5063، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه. (4/ 128).
[304] انظر تخريجه (ص 151).
[305] مجموع الفتاوى (4/ 319).
[306] المرجع السابق (10/ 293).
[307] الآية (2) من سورة الفتح.
[308] الآيات (1، 2، 3) من سورة عبس.
[309] تفسيرالقرطبي (19/ 212).
[310] ابن أم مكتوم اختلف في اسمه فقيل: عمرو وقيل: عبد الله، وعمرو أكثر، وهو ابن قيس بن زائدة القرشي، أسلم قديما بمكة وكان من المهاجرين الأولين، قيل: استشهد بالقادسية وقيل مات بالمدينة. الإصابة (2/ 516- 517).
[311] تفسير ابن كثير (4/ 470).
[312] الآيتان (67، 68) من سورة الأنفال.
[313] الآية (43) من سورة التوبة.
[314] تفسير القرطبي (8/ 154، 155).
[315] رافع بن خديج بن رانع الأنصاري الأوسي، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره وأجازه يوم أحد فخرج بها وشهد ما بعدها، مات في زمن معاوية. الإصابة (1/ 483، 484).
[316] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي (7/ 95).
[317] أخرجه مسلم في صحيحه (7/ 95).
[318] أخرجه مسلم في صحيحه (7/ 95).
[319] محمد بن إسحاق بن يسار المدني المطلبي، مولاهم، نزيل العراق، إمام المغازي، مات سنة 150 هـ. تهذيب التهذيب (9/ 38).
[320] الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا، مات في خلافة عمر. الإصابة (1/302).
[321] الشفا للقاضي عياض (2/ 871، 872) وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (3/ 31- 35)، وعزاه السيوطي في مناهل الصفا (ص 80) لابن اسحاق والبيهقي عن عروة والزهري وجماعة.
[322] أي من وقوع الخطأ.
[323] أي الخطأ.
[324] الشفا (2/ 872، 873).
[325] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الشهادات، باب من أقام البينة مع اليمين.
انظر: فتح الباري (5/ 288) ح 2680. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية: باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، واللفظ له (5/ 128، 129).
[326] الشفا (2/ 875).
[327] الرافضة: عبارة تطلق على الشيعة الغلاة وهم عدة فرق من أشهرها الإمامية الاثنا عشرية، ولهم مخالفات كثيرة في الاعتقاد من أشهرها: مسائل الإمامة، والصحابة، والغلو في آل البيت وأصل تسميتهم بالرافضة مأخوذ من قول زيد بن علي بن الحسين عندما سُئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما، فرفضه جماعة من أتباعه فقال: رفضتموني فسموا رافضة.
مقالات الإسلاميين (1/ 88، 89، 144)، والملل والنحل، (1/ 173- 174).
[328] أتباع واصل بن العطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، ولهم مخالفات كثيرة في
مسائل الاعتقاد، منها أنهم يقولون بنفي الصفات، والمنزلة بين المنزلتين. ميزان الاعتدال (3/ 274) والفرق بين الفرق (20، 21)، والملل والنحل (1/ 49).0
[329] مجموع الفتاوى (4/ 320).(4/244)
[330] الجهمية فرقة من الفرق التي ظهرت في بداية القرن الثاني وانتحلت مذهب الجهم بن صفوان في مسائله المدونة في كتب المقالات ومن أشهرها نفي الأسماء والصفات والقول بالجبر، وفناء الجنة والنار. الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد (ص 65). تاريخ الجهمية والمعتزلة (ص 59، 60).
[331] عبارة تطلق على عدة فرق من أشهرها: الإسماعيلية، القرامطة، والنصيرية، وهم الذين يجعلون لكل ظاهر من الكتاب باطنا ولكل تنزيل تأويلا. الملل والنحل (1/ 426- 447) والفرق بين الفرق (ص 169).
[332] مجموع الفتاوى (10/ 311- 314) بتصرف.
[333] أتباع محمد بن كرام السجستاني المتوفى سنة 255 هـ، لهم عدد من المخالفات في مسائل العقيدة، منها: التشبيه في الصفات، والإرجاء في الإيمان. الملل والنحل (1/ 180، 193)، والفرق بين الفرق (30، 137).
[334] إحدى فرق الخوارج، وهم أتباع نافع بن الأزرق، كانت أكثر فرق الخوارج عددا وأشدهم شوكة. الفرق بين الفرق (ص 83).
[335] من الخوارج، ذكرهم الأشعري في المقالات (ص 118).
[336] الفصل (4/ 2)، وعصمة الأنبياء للرازي (ص 18)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 128).
28. ... 3- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [وجوب طاعة النبي ولزوم السنة]
الفصل الثاني
وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم
ولزوم سنته والمحافظة عليها
تمهيد:
"فرض الله على جميع الخلق الإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباعه وإيجاب ما أوجبه وتحريم ما حرمه وشرع ما شرعه. وبه فرق الله بين الهدى، والضلال، والرشاد، والغي، والحق، والباطل، والمعروف، والمنكر. وهو الذي شهد الله له بأنه يدعو إليه بإذنه، ويهدي إلى صراط مستقيم وأنه على صراط مستقيم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}[1].
وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[2].
وقال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[3] وهو الذي جعل الرب طاعته طاعة له في مثل قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[4].
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[5].
وهو الذي لا سبيل لأحد إلى النجاة إلا بطاعته، ولا يسأل الناس يوم القيامة إلا عن الإيمان به واتباعه وطاعته، وبه يمتحنون في القبور، قال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[6].
وهو الذي أخذ الله له الميثاق على النبيين وأمرهم أن يأخذوا على أممهم الميثاق أنه إذا جاءهم أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه.
وهو الذي فرق الله به بين أهل الجنة وأهل النار، فمن آمن به وأطاعه كان من أهل الجنة ومن كذبه وعصاه كان من أهل النار.
قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[7].
والوعد بسعادة الدنيا والآخرة والوعيد بشقاء الدنيا والآخرة معلق بطاعته. فطاعته هي الصراط المستقيم وهي حبل الله المتين، وهي العروة الوثقى وأصحابها هم أولياء الله المتقون وحزبه المفلحون وجنده الغالبون. والمخالفون له هم أعداء الله حزب إبليس اللعين.
قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً}[8].
وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}[9].
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[10]
وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[11].
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[12].(4/245)
وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}[13].
وجميع الرسل أخبروا أن الله أمر بطاعتهم كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه}[14].
فهم يأمرون بعبادة الله وحده وخشيته وحده وتقواه وحده، وبأمرون بطاعتهم كما قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[15].
وقال نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ}[16].
وقال في سورة الشعراء: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[17].
وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط[18].
والناس محتاجون إلى الإيمان بالرسول وطاعته في كل مكان، وزمان، ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، سرا وعلانية، جماعة وفرادى، وهم أحوج إلى ذلك من الطعام والشراب بل من النفس، فإنهم متى فقدوا ذلك فالنار جزاء من كذب بالرسول وتولى عن طاعته كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى، لاَ يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[19] أي كذب به وتولى عن طاعته كما قال في موضع آخر: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[20]. وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً}[21]. وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}[22]. وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ}[23]. والله تعالى قد سماه سراجا منيرا، وسمى الشمس سراجا وهاجا والناس إلى هذا السراج المنير أحوج منهم إلى السراج الوهاج، فإنهم محتاجون إليه سرا وعلانية، ليلا ونهارا، بخلاف الوهاج، وهو أنفع لهم فإنه منير ليس فيه أذى بخلاف الوهاج فإنه ينفع تارة ويضر أخرى"[24].
ولما كانت حاجة الناس إلى الرسول بهذه الدرجة فقد أوجب الله سبحانه وتعالى على العباد طاعة الرسل واتباعهم فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[25] فهذا الإلزام ناشئ من ضرورة العباد وحاجتهم للرسالة إذ لابد لهم منها، بل إن حاجتهم إليها فوق، حاجتهم إلى كل شيء، "فالرسالة ضرورية في إصلاح العباد في معاشهم ومعادهم، فكما أنه لا صلاح لهم في آخرتهم إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح لهم في معاشهم ودنياهم إلا باتباع الرسالة.
والإنسان مضطر إلى الشرع لأنه بين حركتين: حراسة يجلب بها ما ينفعه، وحركة يدفع بها ما يضره.
والشرع هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره، والشرع نور الله في أرضه، وعدله يين عباده، وحصنه الذي من دخله كان آمنا.
وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس، فإن ذلك يحصل للحيوانات العجم، فإن الحمار والجمل يميز بين الشعير والتراب، وإنما المراد بالشرع التمييز بين الأفعال التي تنفع فاعلها والأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده، كنفع الإيمان والتوحيد والعدل والبر والتصدق والإحسان، والأمانة والعفة، والشجاعة والحلم والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى المماليك والجار، وأداء الحقوق وإخلاص العمل لله والتوكل عليه، والاستعانة به والرضا بمواقع القدر به، والتسليم لحكمه والانقياد لأمره، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، وخشيته في الغيب والشهادة، والتقوى إليه بأداء فرائضه واجتناب محارمه، واحتساب الثواب عنده، وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به وطاعتهم في كل ما أمروا به، مما هو نفع وصلاح للعبد في دنياه وآخرته وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه وآخرته.
فلولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف منة عليهم أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، ودون لهم الصراط المستقيم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة البهائم بل أشر حالا منها.
فمن قبل رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية، وأسْوَءُ حالاً من الكلب والخنزير والحيوان البهيم"[26]. والرسل هم وسائط يين الله وبين خلقه في أمره ونهيه وهم السفراء بينه وبين عباده، يبلغونهم شرع ربهم ويرشدونهم إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم، وقد جعلهم الله {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}[27].
وقد بعث الرسل جميعا بأصول ثلاثة هي:
ا- الدعوة إلى الله.
2- إرشاد العباد وتعريفهم بالطريق الموصل إلى الله.(4/246)
3- بيان حال العباد في معادهم.
فالأصل الأول يتضمن إثبات الصفات والتوحيد والقدر، وذكر أيام الله في أوليائه وأعدائه وهي القصص التي قصها الله على عباده والأمثال التي ضربها لهم.
والأصل الثاني: يتضمن تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله ويكرهه.
والأصل الثالث: يتضمن الإيمان باليوم الآخر، والجنة والنار والثواب والعقاب. فعلى هذه الأصول الثلاثة مدار الخلق والأمر بل السعادة والفلاح موقوفة عليها، ولا سبيل إلى معرفتها إلا من جهة الرسل، فإن العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة [28]. ومن أجل ذلك فإن الله خص بالفلاح من اتبع رسم له ونصره فقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[29] أي لا مفلح إلا هم، كما قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[30]، فخص هؤلاء بالفلاح كما خص المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم ويؤمنون بما أنزل إلى رسوله وما أنزل من قبله ويوقنون بالآخرة بالهدى والفلاح قال تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[31] فعلم بذلك أن الهدى والفلاح دائر على الرسالة وجودا وعدما.
كما جعل الله سعادة العباد ونجاتهم في يوم المعاد متعلقة بطاعته وطاعة رسوله وجعل شقاءهم وهلاكهم متعلفا بمعصيته ومعصية رسوله، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[32].
وخاتم المرسلين وسيدهم وأكرمهم على ربه- نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله رحمة للعالمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[33]، وأرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بصيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فختم به الرسالة وهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة، وفتح برسالته أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء وأوضح بها المحجة البيضاء، فبين عن طريقه صلى الله عليه وسلم الكفر من الإيمان، والربح من الخسران، والهدى من الضلال، وأهل الجنة من أهل النار، والمتقين من الفجار، فهو المبعوث رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين.
وقد أوجب الله وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره والقيام بحقوقه وأوصاه باتباع شرعه ونهجه والسير على هداه وجعل طريقه هي الطريق الوحيد الموصلة إليه وسد باقي الطرق فلم يفتح لأحد طريقا غير طريقه، وسمى تلك الطرق سبلا تضل عن سبيله فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[34].
ولذلك فإن الخير كل الخير في اتباعه والاقتداء به، والشر كل الشر في مخالفته والبعدعن شرعه وماجاء به.
والأدلة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم ولزوم سنته واتباع شريعته كثيرة وهذا ما سأتطرق إليه في هذا الفصل بإذن الله تعالى والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المبحث الأول: الأدلة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم
المطلب الأول: الأدلة من القرآن على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعًا"[35].
وقال الآجري[36]: "فرض على الخلق طاعته صلى الله عليه وسلم في نيف وثلاثين موضعا من كتابه عز وجل"[37].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه"[38].(4/247)
قلت: إن الآيات الواردة في الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به جاءت في مواطن متعددة من القرآن الكريم. واتصفت تلك الآيات بتنوع أساليبها وتعدد صيغها مع اتحادها جميعها في الأمر بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته في جميع ما جاء به من شرائع وأحكام من عند الله عز وجل، وسوف أعرض لهذه الآيات بعد تقسيمها على حسب ما اتحدت به في السياق على النحو التالي:
أ- الآيات التي جاء فيها الأمر بطاعته صلى الله عليه وسلم ومن تلك الآيات قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[39].
وهذه الآية ضمن سلسلة من الآيات ربطت بين طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله طاعته وطاعة رسوله شيئا واحدا، وجعل الأمر بطاعة رسوله مندرجا في الأمر بطاعته سبحانه، وفي ذلك بيان للعباد بأن طاعته سبحانه لا تتحقق إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك الآيات الواردة بهذه الصيغة:
1- قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[40].
2- وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[41].
3- وقوله تعالى:. {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[42].
4- وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}[43].
5- وقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[44].
6- وقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[45].
7- وقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً}[46].
وفي آيات أخر يأمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مع إعادة الفعل، وفي ذلك إشارة إلى أن ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه وإن لم يكن مأمورا به بعينه في كلام الله الذي هو القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردة كما تجب مقرونة بأمره سبحانه، ومن هذه الآيات:
ا- قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[47].
2- وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[48].
3- وقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[49].
4- وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[50].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[51].
ويقول ابن القيم[52] عند هذه الآية: "أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه[53]. ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر منهم بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف"[54] وقال: "إنما الطاعة في المعروف"[55]، وقال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"[56].
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما أمرهم أميرهم بدخولها: "إنهم لو دخلوها لما خرجوا منها" مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم، وظنا أن ذلك واجب عليهم، ولكن لما قصروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر بمعصية الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يرده الأمر صلى الله عليه وسلم وما قد علم من دينه إرادة خلافه، فقصروا في الاجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبيت وتبين هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا؟، فما الظن بمن أطاع غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله"[57].(4/248)
وأما قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[58] فقد أخبر تعالى في هذه الآية أن الهداية في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا في غيرها، فإنه معلق بالشرط فينتفي بانتفائه، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، كما يغلط فيه كثير من الناس ويظن أنه محتاج في تقرير الدلالة منه لا تقرير كون المفهوم حجة.
بل هذا من الأحكام التي ترتبت على شروط وعلقت فلا وجود لها بدون شروطها، إذ ما علق على الشرط فهو عدم عند عدمه، وإلا لم يكن شرطا له وإذا ثبت هذا: فالآية نص في انتفاء الهداية عند عدم طاعته. وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} الفعل للمخاطبين وأصله فإن تتولوا، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا، والمعنى: أنه قد حمل أداء الرسالة وتبليغها، وحملتم طاعته والانقياد له والتسليم.
روي عن الزهري[59] أنه قال: "من الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم".
فإن تركتم أنتم ما حملتم من الإيمان والطاعة فعليكم لا عليه. فإنه لم يحمل إيمانكم وإنما حمل تبليغكم، وإنما حمل أداء الرسالة إليكم.
{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} ليس عليه هداهم وتوفيقهم"[60]
ب- الآيات التي جاء فيها الأمر باتباعه والتأسي به والأخذ بما شرعه:
جاء الأمر من الله تبارك وتعالى باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والتأسي به في مواطن متعددة من كتابه العزيز.
أ- قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[61].
2- وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[62].
3- وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[63].
4- وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[64].
وهذه الآيات تضمنت توجيهات عظيمة يجب على المسلم تدبرها ففي الآية الأولى جعل الله الاتباع سبيلا إلى نيل حبه ووسيلة إلى تحقيق رضاه وحصول غفرانه، إذ باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل حب الله تعالى ورضاه ومثوبته، فالخير كل الخير في اتباعه والشر كل الشر في مخالفته والابتعاد عن سنته.
فالاتباع هو دليل المحبة وبرهانها، وبتحققه تكون المحبة التي هي إحدى ثمراته كما قال تعالى: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} كما أن من ثمراته غفران الذنوب كما جاء في هذه الآية نفسها: {ويغفر لكم ذنوبكم}.
وهذه المنزلة والمكانة لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم نابعة من كون هذا الاتباع إنما هو في الحقيقة اتباع لله، إذ الرسول إنما جاء بهذا الدين من عند الله عز وجل فهو شرع الله ودينه الذي أوحاه لرسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغه للعباد، فالرسول إنما هو مبلغ عن الله ولم يأت بشيء من عند نفسه قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} الآية[65]، وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} الآية[66].
وفى الآية الأخرى وهي قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} جاء الأمر بالاتباع عقب الأمر بالإيمان تأكيدا على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فإن الاتباع داخل في الإيمان ولكن أفرد بالذكر هنا تنبيها على أهميته وعظم منزلته.
وأما قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فهذه الآية أوجبت الاتباع المطلق للنبي صلى الله عليه وسلم، فما أمر به من شيء فإن علينا فعله وما نهى عن شيء فإن علينا تركه واجتنابه، فهو لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر.
وفى هذا الاتباع والانقياد حياتنا وفلاحنا كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[67].(4/249)
فهنا أمر من الله تعالى للمؤمنين جميعا بأن يستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه، ففي ذلك الحياة النافعة الطيبة وهذه الحياة إنما تحصل بالاستجابة لما جاء به الرسول أمرا ونهيا وأما من لم تحصل منه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات، "إذ الحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهرا وباطنا، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول"[68].
ولقد أعقب هذا الأمر بالاستجابة تحذير من ترك الاستجابة له أو تثاقل وتباطؤ عنها فقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} والمعنى : "أنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة وأبطأتم عنها فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم وبين قلوبكم فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة عقوبة لكم بعد وضوح الحق واستبانته"[69].
وأما قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} فقد جعل الله تبارك وتعالى من رسوله الأسوة والقدوة ليحتذي به الخلق في أقواله وأفعاله وجميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله..."[70].
ج- الآيات التي جاء فيها وجوب التسليم لحكمه والانقياد له:
قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[71].
وفي هذه الآية أقسم سبحانه بأجل مقسم به - وهو نفسه عز وجل - على أنه لا يثبت لهم إيمان ولا يكونون من أهله، حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع وفي جميع أبواب الدين فإن لفظة "ما" من صيغ العموم. ولم يقتصر الأمر على مجرد التحاكم بل ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجا - وهو الضيق والحصر - من حكمه، بل يقبلوا حكمه بالانشراح، ويقابلوه بالتسليم لا أنهم يأخذونه على إغماض، ويشربونه على قذى، فإن هذا مناف للإيمان، بل لابد أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر.
ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله تعالى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فذكر الفعل مؤكدا بمصدره القائم ذكره مرتين، وهو التسليم والخضوع له والانقياد لما حكم به طوعا ورضا، وتسليما لا قهرا ومصابرة كما يسلم المقهور لمن قهره كرها، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شيء إليه، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه ويعلم بأنه أولى به من نفسه، وأبر به منها وأقدر على تخليصها، كما قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[72].
فمتى علم العبد هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم واستسلم له، وسلم إليه انقادت له كل علة في قلبه ورأى أن لا سعادة له إلا بهذا التسليم والانقياد.
وتأمل تأكيده سبحانه لهذا المعنى المذكور في الآية بوجوه عديدة من التأكيد:
أولها: تصديرها بتضمن المقسم عليه للنفي وهو قوله {لاَ يُؤْمِنُونَ} وهذا منهج معروف في كلام العرب، إذا أقسموا على شيء منفي صدروا جملة القسم بأداة نفي مثل هذه الآية.
وثانيها: تأكيده بنفس المقسم.
وثالثها: إقسامه بنفسه لا بشيء من مخلوقاته، وهو سبحانه يقسم بنفسه تارة وبمخلوقاته تارة.
ورابعها: تأكيده بانتفاء الحرج وهو وجود التسليم.
وخامسها: تأكيد الفعل بالمصدر، وما هذا التأكيد إلا لشدة الحاجة إلى هذا
الأمر العظيم، وإنه مما يعتنى به ويقرر في نفوس العباد بما هو من أبلغ أنواع التقرير[73].
وقال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ولهذا قال: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة..."[74].
وهذه الآية ينبغي لكل مسلم أن يعرض نفسه عليها.(4/250)
وفى هذا يقول ابن القيم: "ومتى أراد العبد أن يعلم هذا[75] فلينظر في حاله ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه، أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[76].
فسبحان الله كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص بودهم أن لو لم ترد؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها؟ وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها؟ ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر"[77].
وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}[78].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}[79]، وكلا الآيتين توجبان التسليم الكامل والانقياد التام من أهل الإيمان لما حكم به الله تعالى وحكم به رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس في ذلك اختيار، بل السمع والطاعة والقبول والتسليم بما جاء عن الله ورسوله.
ومن الملاحظ في كلا الآيتين أن الخطاب فيهما لأهل الإيمان ففي الآية الأولى {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ...}.
وفي الثانية {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ}، وهذا التخصيص للمؤمنين فيه من الدلالة ما فيه فاسم الإيمان يشعر بأن هذا المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نسبوا إليه ولذلك فإنه يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يضع هاتين الآيتين وأمثالهما من الآيات الموجبة للامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نصب عينيه فيسمع ويطيع، ويؤمن بأنه لا اختيار له في ذلك ولا رأي، بل التسليم المطلق الذي لا يصاحبه شك ولا ارتياب.
فهذه حقيقة الإيمان ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله التي تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع.
ومثل هذه الآيات هي الفاصل بين دعوى الإيمان الحقيقية التي هي للمؤمنين الصادقين، وبين دعوى الإيمان الزائفة الباطلة التي هي سمة المنافقين الكاذبين المظهرين خلاف ما يبطنون.
المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم.
حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على طاعته وامتثال أمره واتباع ما جاء به والسير على سنتة والاقتداء به في كل ما جاء به عن ربه عز وجل.
وأحاديثه صلى الله عليه وسلم في هذا المجال أعطت للأمه توجيهات عظيمة متى ما ساروا عليها وامتثلوا ما فيها واستناروا بها فقد تحققت لهم سعادة الدارين وفازوا وأفلحوا يإذن الله تعالى.
وقد امتازت الأحاديث في هذا الشأن بكثرتها وتنوع عبارتها وتعدد أساليبها واشتمال بعضها على الأمثلة التي ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في هذا الشأن، ومما لا شك فيه أن هذه المميزات زادت الأمر توكيدا وتوضيحا وبيانا، بحيث إنها لم تدع مجالا لمتأول يأولها أو محرف يغير معناها بهواه ورأيه الفاسد، وهذه الأحاديث على تنوع عبارتها وتعدد أساليبها اتحدت جميعها في مضمون واحد هو التأكيد على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به والترغيب في ذلك إضافة إلى التحذير من مخالفته، وتحريم معصيته وبيان الوعيد الشديد في ذلك.
والخطاب في تلك الأحاديث شامل لكل من كان في عصره صلى الله عليه وسلم ومن سيأتي بعده إلى يوم القيامة.
وسأشير ههنا إلى طرف من تلك الأحاديث مع بيان ما فيها من توجيهات وإرشادات تنير الطريق للسالكين الراغبين بالفوز برضى الله وجنات النعيم.
أ- كون طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم سببا لدخول الجنة، ومخالفته ومعصيته سببا لدخول النار.
أولا: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: يارسول الله ومن يأبى؟، قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"[80].
ثانيا: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله..." الحديث[81].
ثالثا: وعن أبي سعيد الخدري[82] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي ييده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشراد[83] البعير. قال: يا رسول الله ومن يأبى أن يدخل الجنة؟، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"[84].
قال ابن حبان[85]: "طاعة الرسول هي الانقياد لسنته، مع رفض قول كل من قال شيئا في دين الله عز وجل بخلاف سنته، دون الاحتيال في دفع السنن بالتأويلات المضمحلة والخترعات الداحضة ..."[86](4/251)
وهذه الأحاديث الثلاثة تؤكد وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال ما جاء به وذلك بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.
وتؤكد كذلك على أن هذه الطاعة هي مفتاح الجنة وسبيل النجاة الوحيد التي متى ما سلكها الإنسان فاز برضى الله وجنته ونجى من سخطه وعذابه. فعلى المسلم أن يسلك هذه الطريق - أي طاعة النبي صلى الله عليه وسلم – وألا يحيد عنها يمينا أو شمالا فهذه الطاعة هي صراط الله المستقيم الذي أمر الله باتباعه لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[87].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"[88].
وهذه الأحاديث تبين صفة أتباع الأنبياء فهم يطيعون أنبيائهم ويأخذون بسنتهم ويأتمرون بأمرهم ولا يحيدون عن ذلك ولا يخالفونه إلى ما سواه. وأما المخالفون لهم فمنهم الذين ابتدعوا أمورا في الدين لم تشرع لهم وأخذوا يتعبدون الله بها وهم المشار إليهم بقوله: "ويفعلون مالا يؤمرون"، وأمثال هؤلاء يتحدثون عن الطاعة والاتباع ولكن بالقول دون العمل، فهم يقولون مالا يفعلون وهذا الوصف ينطبق تماما على أهل البدع المخالفين لشرع نبي هذه الأمة.
فإن الناظر في أحوال هؤلاء يجدهم متمسكين أشد التمسك بأمور ليست من سنة المصطفى ولا من هديه إذ ليس لهم عليها دليل من الكتاب أو السنة، بينما تجدهم أكثر الناس بعدا عن هدي المصطفى وما جاء به عن ربه، ومع ذلك كله فهم كثيرا ما يتحدثون عن اتباع الرسول والاقتداء به.
ولكن هذا الحديث عن السنة والاتباع لا يتجاوز ألسنتهم، فهم أبعد الناس عن ذلك فصدق على هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم: "يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون".
فانظر أخي المسلم في أحوال الصوفية وعباد القبور والأضرحة وغيرهم من أهل البدع فهل تجد أبلغ من وصفهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا: "يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون".
فالحذر كل الحذر من سبل أهل البدع والأهواء وكن على بصيرة من أمر دينك ولا تغرنك مظاهرهم وطراوة ألسنتهم فكم من إنسان خدعوه بذلك فروجوا عليه بدعتهم، ولكن أمرهم لا يروج إلا على خفافيش الأبصار وكل جاهل بسنة نبيه، من لا يفرق بين ما هو من الدين وما ليس من الدين.
وأما العالم بدينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المتمسك بها فهو على دراية ويقين بحال هؤلاء فلا تنطلي عليه أباطيلهم وأكاذيبهم وما يستندون إليه من المنامات التي جعلوها مصدرا للتشريع والابتداع في دين الإسلام.
وصاحب السنة يعلم كذلك عاقبة بدعهم فيطبق عليهم بذلك قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}[89].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"[90].
فتلك هي النتيجة الحتمية لكل بدعة، فالله تعالى قد جعل للعمل المقبول شرطين أحدهما: الإخلاص وثانيهما: الاتباع، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[91].
فقوله {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} أي ما كان موافقا لشرع الله، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل فلابد أن يكون خالضا لله صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[92].
ب- ضربه صلى الله عليه وسلم الأمثال في الحث على طاعته.
أولا: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثلي ومثل ما
بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: ياقوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا[93] فانطلقوا على مهلهم فنجوا. وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به. ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق"[94].(4/252)
ثانيا: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلان فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس"[95].
ثالثا: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثلي
ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل يزعهن[96] ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها"[97].
فهذه ثلاثة أحاديث اشتمل كل حديث منها على مثل معين، والأمثال كما هو معلوم توضع لتقريب المعنى وتوضيحه في ذهن السامع ليكون أسهل في فهم المعنى وأبلغ في ترسخه في ذهنه.
ففي المثل الذي جاء في الحديث الأول ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه مثلا بالنذير الذي جاء لقومه يحذرهم من أن أعداءهم في طريقهم إليهم بعد أن رأى جيشهم على مقربة منهم وطلب منهم أن ينجوا بأنفسهم قبل أن يهلكهم عدوهم ويفنيهم.
وضرب لأمته مثلا بقوم ذلك الرجل الذين انقسموا إلى قسمين فكان منهم من صدقه وأطاعه فساروا من الليل فنجوا بأنفسهم من فتك عدوهم وكان منهم من لم يصدقه فبقوا في منازلهم فصبحهم عدوهم فقضى عليهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم هو النذير لهذه الأمة كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[98]، فقد أرسله الله تعالى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}[99]، لينذرهم عذاب ربهم الذي توعد به المخالفين منهم، وبين لهم شرع ربهم وما أمرهم به من قواعد وأحكام.
فمن أطاعه واتبع النور الذي جاء به والتزم شريعته فقد نجا من عذاب الله. ومن عصاه وخالفه ولم يتبع ما جاء به فقد استحق بذلك عذاب الله فله جهنم يصلاها مذموما مدحورا.
وهذا المثل يمثل جانب الإنذار والوعيد وهو جانب من جوانب الرسالة وأما الجانب الثاني وهو جانب البشارة - إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الله عنه بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[100].
وأما جانب البشارة فهذا ما تحدث عنه الحديث الثاني وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فالمثل يتحدث عن ثلاثة أمور دار ومأدبة وداعي وقد جاء تأويل هذا المثل في الحديث نفسه فالداعي هو النبي صلى الله عليه وسلم والدار هي الجنة فمن أطاعه صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء به فقد أجاب الدعوة واستحق دخول الجنة والتمتع في نعيمها. وأما من عصى النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه ولم يستجب لما جاء به فذلك الذي لم يستجب لدعوته فحرم من الدخول في الدار التي هي الجنة وحرم من الأكل من المأدبة التي هي النعيم الدائم في الجنة.
وأما الحديث الثالث: فالمثل المضروب فيه يصور مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على حماية الأمة من الوقوع فيما يسخط الرب تبارك وتعالى ويوجب عقابه وأليم عذابه، فهو صلى الله عليه وسلم الموصوف بقوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[101].
والشاهد من الحديث قوله: "أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها" ومما لا شك فيه أن اقتحام الناس للنار ناتج عن مخالفتهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعهم فيما نهى وحذر منه فبهذا يكون هلاكهم وعذابهم.
والمتأمل لهذه الأحاديث الثلاثة وما ضرب فيها من أمثال يدرك - إن كان له قلب وسمع سَلِيمان - ما في هذه الأحاديث من الحث على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه والأجر العظيم المترتب على ذلك، كما يدرك عظم العقوبة والخسارة المترتبة على عصيانه ومخالفته وعدم الانقياد له.
والسؤال الذي يفرض نفسه ههنا هو التالي:
هل أنت ممن أطاع البشير النذير صلى الله عليه وسلم؟
وهل أنت ممن أجاب الداعي صلى الله عليه وسلم؟
وهل أنت ممن استجاب لتحذيره صلى الله عليه وسلم فحمى نفسه من نار جهنم؟
وقبل أن تعجل بالإجابة انظر إلى أعمالك وأقوالك هل هي وفق شريعته وما جاء به صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فههنا يكمن الجواب.
فيا سعادة من أطاعه واتبعه.(4/253)
ويا خزي وندامة من خالفه وعصى أمره، والله تعالى يقول: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}[102]، وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا}[103].
ج- حثه صلى الله عليه وسلم لأمته على التمسك بسنته وتحذيره من مخالفتها.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا.
وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني"[104].
وحديث أنس هذا يعد قاعدة جليلة من قواعد التأسي والاتباع وذلك لما حواه من توجيهات هامة جدا في هذا الشأن منها:
أ- أن الابتداع في الدين أمر مردود وغير مقبول بل يعد من الرغبة عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والخروج عن شريعته، ومن أجل ذلك فليس لأحد كائنا من كان سوى النبي صلى الله عليه وسلم حتى وإن كان من أصحابه - أن يشرع في هذا الدين أو يدخل فيه أمرا حتى وإن كان ذلك بدافع التقرب إلى الله. فأولئك النفر من الصحابة رضوان الله عليهم دفعهم حب التقرب إلى الله إلى أن قالوا ما قالوه من الأمور التي تعد من الرهبانية، ولما كان قولهم ذلك يعد مخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الحنيفية السمحة وجههم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصواب وحذرهم من أن يحيدوا
عن سنته ويرغبوا عنها بقوله "فمن رغب عن سنتي فليس مني" والمراد أن من ترك طريقتي وأخذ طريقة غيري فليس مني.
ومن هذا الحديث يعلم أن كل أمر ليس من سنته صلى الله عليه وسلم والشرع الذي جاء به فهو أمر مبتدع مردود على صاحبه إضافة الى اعتبار فاعله راغبا عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
2- حثه صلى الله عليه وسلم على التمسك بما هو عليه وهى الحنيفية السمحة فهذا ما دل عليه قوله: "لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء".
فالإسلام دين الفطرة ونبينا صلى الله عليه وسلم حرص بقوله هذا على سد باب التشديد المتمثل في الرهبانية فلا رهبانية في الإسلام، وفى هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الرهبانية لم تكتب علينا"[105] فعلى هذا فهي أمر مخالف لسنته وهديه صلى الله عليه وسلم. وعن العرباض بن سارية[106] رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا: يارسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"[107].
فوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولأمته من بعدهم هي أن يتمسكوا بما سنه من أحكام وتشريعات أشد التمسك وأن يحذروا الابتداع في الدين وحكم على تلك المحدثات بالضلال والانحراف عن الطريق الذي رسمه.
وقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ركيزتين أساسيتين في هذا الدين هما: 1- الاتباع. 2- ترك الابتداع.
ولقد سار الصحابة رضوان الله عليهم على هذه الوصية النبوية وعملوا بها، فلم يحيدوا عن سنته صلى الله عليه وسلم، بل عملوا بها ونقلوها للأمة المحمدية من بعدهم كما سمعوها منه صلى الله عليه وسلم وكذلك فقد كانوا أشد الناس تمسكا بسنته، وأشدهم محاربة للابتداع، في الدين، وقد كان في هذا صلاحهم وفلاحهم ونجاتهم ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها.
ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين في وقتنا الحاضر قد اختلت عندهم كلا الركيزتين فتركوا الاتباع والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبحت السنة عندهم أمرا مستغربا مستنكرا لجهلهم بها وبعدهم عنها واستبدلوا بذلك البدع التي لا أصل لها ولا دليل عليها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاتخذوها دينا يدينون به فانعكست بذلك الموازين لديهم فأصبحوا يرون الحق باطلا والباطل حقا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، وما ذلك إلا لكونهم لم يعرفوا من الإسلام إلا اسمه ولا من الدين إلا رسمه بسبب ما هم عليه من قلة العلم وعدم معرفتهم بالسنة.
فأين هؤلاء من وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن يتبعوا ولا يبتدعوا.(4/254)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"[108].
والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيءفأتوا منه ما استطعتم ".
وهذا التوجيه النبوي الكريم مماثل لما سبق في الأحاديث السابقة من الحث على لزوم السنة والتأكيد على اتباعها والأخذ بها إلا أنه يضيف أمرا هاما وهو أن الطاعة في جانب المأمورات تجب في حدود الاستطاعة والطاقة، وهذا من اليسر الذي امتازت به الرسالة المحمدية قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[109].
ففي جانب الأوامر علينا السمع والطاعة في حدود ما نطيق ونستطيع، أما في جانب النواهي فيجب التسليم المطلق دون قيد أو شرط.
فبهذه الإضافة يتحدد معلم من معالم الطاعة يجب على المسلم أن يدركه ويعي مضمونه.
د- بيانه لمواقف الناس من الأخذ بدعوته واتباع سنته صلى الله عليه وسلم.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله منها الناس، فشربوا منها، وسقوا، وزرعوا. وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله به فعَلِم وعَلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"[110].
وفى هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس - فيما يتصل بدعوته - إلى ثلاثة أقسام. وشبه صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث لأن كلا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
وشبه القلوب بالأودية كما في قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}[111].
وكما أن الأراضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث:
إحداها: أرض زكية قابلة للشراب والنبات، فإذا أصابها الغيث ارتوت، ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج.
فذلك مثل القلب الزكي الذكي، فهو يقبل العلم بذكائه، فيثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه، فهو قابل للعلم، مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.
والثانية: أرض صلبة قابلة لثبوت ما فيها وحفظه، فهذه تنفع الناس لورودها والسقي منها والازدراع.
وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه، فلا تصرف فيه، ولا استنبط، بل للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه"[112].
فالأول: كمثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات فهو يكسب بماله ما شاء.
والثاني: مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والمكسب، ولكنه حافظ لما لا يحسن التصرف والتقلب فيه.
والأرض الثالثة: أرض قاع، وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماء، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه بشيء.
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم والفقه والدراية، وإنما هو بمنزلة الأرض البور التي لا تنبت ولا تحفظ، وهو مثل الفقير الذي لا مال له ولا يحسن يمسك مالا.
• فالأول: عالم معلم، وداع إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرسل.
• والثاني: حافظ مؤد لما سمعه، فهذا يحمل لغيره ما يتجر به المحمول إليه ويستثمر.
• والثالث: لا هذا ولا هذا، فهو الذي لم يقبل هدى الله ولم يرفع به رأسا فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم.
منها قسمان: قسم سعيد، وقسم شقي"[113]
المطلب الثالث: دليل الإجماع على وجوب طاعته:
الإجماع من الأمة منعقد على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في جميع ما جاء به من ربه عز وجل، وذلك لثبوت الأمر بهذا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل إن الأمر بوجوب طاعته صلى الله عليه وسلم يعد من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي لا يعذر إنسان بجهلها.
وقد حكى الشافعي رحمه الله تعالى إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، على أن من استبانت له سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
ولم يسترب أحد من أئمة الإسلام في صحة ما قاله الشافعي فإن الحجة الواجب اتباعها على الخلق كافة إنما هو قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى[114].
وقد تمثل إجماع الأمة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في اعتبار السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع وذلك بعد المصدر الأول الذي هو القرآن الكريم[115].(4/255)
والمقصود بالسنة هنا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته. فالصحابة والتابعون وتابعوهم ومن سار على نهجهم يؤمنون بهذا الأصل الذي هو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويوجبون العمل والاحتجاج بها، ويعتبرونها مصدرا مستقلا في التشريع، فلا يجب عرض ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم على القرآن، بل يجب اتباعه وطاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن
ولقد كان من مظاهر ذلك الإجماع الاعتناء بسنته وحفظها ونقلها، وتعليمها في كل عصر من العصور.
فلقد اعتُني بالسنة فنقلها الخلف عن السلف، وحافظوا عليها، ووضعوا لها القواعد التي اعتنت بسلامتها سندا ومتنا.
والنقول عن السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم في وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به وتعظيمهم لسنته والعمل بها كثيرة جدا. ومن تلك النقول ما يلي:
أ- الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين:
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. فقال له عمر رضي الله عنه: كيف تقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها". فقال أبو بكر الصديق: أليست الزكاة من حقها؟، والله لو منعوني عناقا[116] كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر رضي الله عنه: فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق"[117].
فهذه الحادثة تمثل مدى تمسك خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصه على تطبيق شرعه في وقت ارتد فيه أكثر العرب في جزيرة العرب، ولم يبق على الإسلام سوى أهل المدينة ومكة والطائف، ولقد تابع الصحابة أبا بكر في موقفه ذلك فقاتلوا أهل الردة بما فيهم مانعي الزكاة فكان موقفهم ذلك أوضح دليل على تعظيم السنة ووجوب العمل بها.
وقد جاءت الجدة إلى الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال لها: ليس لك في كتاب الله شيء، ولا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لك بشيء وسأسأل الناس. ثم سأل رضي الله عنه الصحابة فشهد عنده بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس فقضى لها بذلك[118].
وفي هذا دليل على: تمسك الصديق بسنة المصطفى والعمل بها، وقال رضي الله عنه: "لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ"[119].
وعن ابن سيرين[120] قال: "لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر رضي الله عنه وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا، ولا في السنة أثرا فاجتهد برأيه، ثم قال هذا رأي فإن كان صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله"[121].
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ورد عنه أنه كان يقول: "إن أصدق القيل قيل الله، ألا وإن أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة ضلالة...."[122]
وكان عمر رضي الله عنه يوصي عماله أن يقضوا بين الناس بكتاب الله فإن لم يجدوا القضية في كتاب الله فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الشعبي[123] عن شريح[124] أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلتفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم فيه أحد من قبلك فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيرا لك"[125].
وروى البخاري بسنده عن أبي وائل[126] قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد، قال: جلس إلي عمر في مجلسك هذا فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاءإلا قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك. قال: هما المرءان يقتدى بهما"[127].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل لعمر ألا تستخلف؟، قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأثنوا عليه، فقال: راغب وراهب[128] وددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي لا أتحملها حيا وميتا"[129].(4/256)
وجاء في رواية لمسلم قال عبد الله: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف"[130].
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه تمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمها على سنة أبي بكر مع أن العمل بها جائز عنده.
ولما قبل رضي الله عنه الحجر الأسود قال: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك"[131].
- عثمان بن عفان[132] رضي الله عنه:
عن زينب بنت كعب بن عجرة[133] أن الفريعة بنت مالك بن سنان[134] وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها: "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو في المسجد) نادانى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر لي فنوديت له، فقال: "كيف قلت؟"، قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. قال: "امكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته وقضى به"[135].
والشاهد من هذا الحديث أن عثمان لما أشكل عليه حكم اعتداد المرأة في بيتها بعد وفاة زوجها، أرسل إلى الفريعة بنت مالك يسألها فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد وفاة زوجها أن تمكث في بيته حتى يبلغ الكتاب أجله. فقضى عثمان رضي الله عنه بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لما بلغه أن عثمان رضي الله عنه ينهى عن متعة الحج، أهل علي رضي الله عنه بالعمرة والحج جميعا وقال: "ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد"[136]. وعنه رضي الله عنه أنه قال: "ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي ولكني أعمل بكتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم ما استطعت"[137].
- أبي بن كعب رضي الله عنه[138]:
روي عنه أنه قال: "عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله أبدا، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة، فتحات عنها ورقها، إلا حط الله خطاياه كما تحات من الشجرة ورقها، فإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة وموافقة بدعة، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون على منهج الأنبياء وسنتهم"[139].
- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
روي عنه أنه قال: "من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله عز وجل"[140].
وعنه رضي الله عنه قال: "عليك بتقوى الله والاستقامة واتبع ولا تبتدع"[141]
- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
روي عنه رضي الله عنه أنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم"[142]، وعنه أنه قال: "إنا نقتدي ولا نبتدئ ونتبع ولا نبتدع ولن نضل ما تمسكنا بالأثر"[143]. وعنه رضي الله عنه أنه قال: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"[144].
- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
فعن سالم بن عبد الله[145] أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها". فقال بلال بن عبد الله[146]: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط. وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن[147].
- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
قال رضي الله عنه: "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا"[148].
قال ابن حجر: "فقوله: "يا معشر القراء" المراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العباد. وقوله: "استقيموا" أي اسلكوا طريق الاستقامة وهي كناية عن التمسك بأمر الله فعلا وتركا. وقوله "سبقتم" بفتح أوله كما جزم به ابن التين وحكى غيره ضمه والأول المعتمد، والمراد أنه خاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير لأن من جاء بعده إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام، وإلا فهو أبعد منه حسا وحكما. وقوله "فإن أخذتم يمينا وشمالا" أي خالفتم الأمر المذكور. وكلام حذيفة منتزع من قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}"[149].(4/257)
ب- من أقوال التابعين ومن بعدهم:
- عمر بن عبد العزيز[150] رحمه الله تعالى:
فمما نقل عنه أنه كتب عامل له يسأله عن الأهواء؟، فكتب إليه: "أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعده مما جرت به سنته وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة..."[151]
وروي عنه أنه قال: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها تصديق بكتاب الله، واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، من عمل بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا"[152].
- محمد بن مسلم الزهري[153]:
روي عنه أنه قال: "كان من مضى من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضا سريعا، فنعش العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله"[154].
- مجاهد بن جبر[155]:
روي عنه أنه قال عند تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية. قال الرد إلى الله: الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول: الرد إلى السنة"[156].
- أبو العالية[157]:
روي عنه أنه قال: "تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الصراط يمينا أو شمالا، وعليكم بسنة نبيكم، وما كان عليه أصحابه"[158].
- أيوب السختياني[159]:
روي عنه أنه قال: "إذا حُدث الرجل بسنة فقال: دعنا من هذا وأنبئنا عن القرآن، فاعلم أنه ضال"[160].
ج- الأئمة الأربعة:
- أبو حنيفة النعمان[161]:
روي عنه قوله رحمه الله: "إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين،
وإذا جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم"[162]
وروي عنه قوله: "آخذ بكتاب الله، فما لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم، وأدع قول من شئت منهم ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم..."[163].
- مالك بن أنس (إمام دار الهجرة):
قال رحمه الله تعالى: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا"[164].
وكان رحمه الله كثيرا ما يقول:
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع[165]
ومن قوله كذلك: "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تم هذا الأمر واستكمل، فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتبع الرأي"[166].
وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت، فقال مالك: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[167]
- محمد بن إدريس الشافعي:
ورد عنه أنه قال: "الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمة"[168]، وقال: "ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها"[169]
وروى رحمه الله يوما حديثا فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟، فقال: متى ما رويت عن رسول الله حديثا صحيحا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب"[170].
وروي عنه أنه قال: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"[171].
وروي عنه أنه قال: "آمنت بما جاء عن الله، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله"[172].
- أحمد بن حنبل (إمام أهل السنة):
ورد عنه قوله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هي الاتباع وترك الهوى"[173].
وقال أيضا: "الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم هو بعد مع التابعين مخير"[174].
وما أوردته من آثار وأقوال عن السلف ههنا إنما هو عبارة عن نماذج لما ورد عنهم في هذا الشأن[175].
ويتضح من خلال تلك النصوص إجماع سلف الأمة وأئمتها على وجوب الأخذ بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتمسك بها في كل الجوانب واتباع ما جاء به صلى الله عليه وسلم اعتقادا وقولا وعملا. والتحذير من مخالفة السنة والابتداع فيها وتقديم الهوى والرأي عليها.
المبحث الثاني: منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم.(4/258)
المطلب الأول: منهجهم في الاتباع.
بعث الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة الجامعة الخاتمة ألا وهي رسالة الإسلام التي ارتضاها عز وجل لتكون دينا ومنهاجا، يسير عليه الجن والإنس في حياتهم الدنيا حتى يتم لهم صلاح معاشهم الذي هم فيه، ومعادهم الذي سيصيرون إليه.
ولقد شاء تبارك وتعالى أن يجعل لهذه الرسالة مصدرين للتلقي هما:
1- القرآن الكريم. 2- السنة النبوية.
فالقرآن الكريم هو المصدر التشريعي الأول في الإسلام وهو كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
والسنة هي المصدر الثاني لأنها مبينة لأحكامه موضحة لإبهامه ومخصصة لعمومه ومقيدة لإطلاقه وشارحة لأحكامه وأهدافه.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[176].
وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[177].
فالرسول صلى الله عليه وسلم كما خص بالوحي المتلو وهو القرآن الكريم كذلك خص بالوحي غير المتلو وهو السنة التي لا مندوحة عن اتباعها.
قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"[178]. وبناء على ذلك فإن القرآن والسنة هما المنهلان العظيمان اللذان تستقي منهما الأمة المسلمة عقيدتها وشريعتها وكل ما فيه صلاح شؤونها في دنياها وآخرتها وهما المنهاج والنبراس الذي سار عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، في طاعتهم واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لاعتقادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بهذين الأصلين وحيا من عند الله عز وجل، كما أنه أمر باتباعهما والأخذ بما فيهما اعتقادا وقولا وعملا. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فهم من هذا المنطلق التزموا وتمسكوا بالقرآن والسنة وتلقوهما بالقبول والتسليم والإيمان والتعظيم فأحلوا حلالهما وحرموا حرامهما واتخذوا منهما منهجا لجميع شؤونهم وأحوالهم يرجعون إليه امتثالا لنداء الله حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
قال ابن القيم: "إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته"[179].
ومن هذين الأصلين - الكتاب والسنة - استقى السلف المسلك القويم والمنهج السليم الذي ساروا عليه في طاعتهم واتباعهم لرسولهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وهذا المنهج يمكن تلخيصه في النقاط الرئيسية التالية:
أولا: اتباع القرآن الكريم:
فالقرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحيا بواسطة جبريل عليه السلام، والذي تولى الله سبحانه وتعالى حفظه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[180].
كما جعله نظاما ومنهجا يهتدي به عباده المؤمنون كما قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}[181].
ولقد اعتنى السلف بكتاب الله عز وجل فحفظوه في صدورهم ومصاحفهم وصاروا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، وينفذون أحكامه وشرائعه جيلا بعد جيل في جميع جوانب حياتهم الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها من الأمور الدنيوية والأخروية.
كما تفرغ عبر القرون ثلة من خيارهم لدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه ومعرفة ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، والاعتبار بدعوته وقصصه، ووعظه وإرشاداته وأمثاله.
وهذا الموقف من السلف الصالح يمثل مظهرا من مظاهر التأسي والاقتداء بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما يعد تطبيقا عمليا لما أوصى به عليه الصلاة والسلام أمته حيث قال: "تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله..."[182]
ثانيا: اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والعمل بها:
فلقد أوجب الله على العباد طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه وقد تقدم إيراد الأدلة على ذلك[183].(4/259)
ولقد عمل السلف بما أوجبه الله تعالى فأخذوا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعملوا بها أمرا ونهيا وخبرا، فكانت أقواله وأفعاله وتقريراته هي المصدر الثاني بعد كتاب الله عز وجل الذي تستقي منه الأمة أحكامها وتشريعاتها في شتى شؤون حياتها. ويعتقد السلف أن للسنة استقلاليتها في تشريع الأحكام وهي كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام، فالأحكام التي سكت القرآن عن بيان حكمها وورد في السنة بيانها، فإن السلف يعملون بهذه الأحكام ويأخذون بها، ولا يرون أن هناك تعارضا البتة بين الأصلين.
كما يعتقد السلف أن علاقة السنة بالمصدر الأول الذي هو القرآن تسير وفق الأوجه الثلاثة التالية:
1- أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها وذلك مثل الأحاديث التي تفيد وجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانها.
2- أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له، وذلك مثل الأحاديث التي فصلت أحكام وهيئات الصلاة والصيام والحج والبيوع والمعاملات التي وردت مجملة في القرآن، وهذا القسم هو أغلب ما في السنة وأكثرها ورودا.
3- أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن على إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه، كالأحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وأحكام الشفعة وغير ذلك.
فالسنة الصحيحة لا تخرج عن هذه الضوابط، كما أنها لا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله التي أمر الله بها على جهة الاستقلال فقال تعالى : {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} فهذه الطاعة المأمورون بها هي طاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم[184]، ويجب علينا العمل بها.
فالسلف يؤمنون "بأن الله سبحانه نصَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم منصب المبلغ المبين عنه، فكل ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه، ولا فرق يين ما يبلغه عنه من كلامه المتلو ومن وحيه الذي هو نظير كلامه في وجوب الاتباع، ومخالفة هذا كمخالفة هذا.
فعلى سبيل المثال فإن الله أمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان، ثم جاء البيان عن رسوله صلى الله عليه وسلم بمقادير ذلك وصفاته وشروطه، فوجب على الأمة قبوله، إذ هو تفصيل لما أمر الله به، كما يجب علينا قبول الأصل المفصل، وهكذا أمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله، فإذا أمر الرسول بأمر، كان تفصيلا وبيانا للطاعة المأمور بها، وكان فرض قبوله كفرض قبول الأصل المفصل، ولا فرق بينهما، والبيان من النبي صلى الله عليه وسلم على أقسام:
أحدها: بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيا.
الثاني: بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك كما بين أن الظلم المذكور في قوله {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[185] هو الشرك وأن الحساب اليسير هو العرض وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض الليل وسواد النهار.
الثالث: بيانه بالفعل كما بين أوقات الصلاة للسائل بفعله.
الرابع: بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن فنزل القرآن ببيانها، كما سئل عن قذف الزوجة فجاء القرآن باللعان ونظائره.
الخامس: بيان ما سئل عنه بالوحي وإن لم يكن قرآنا، كما سئل عن رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بالخلوق فجاء الوحي بأن ينزع عنه الجبة ويغسل أثر الخلوق.
السادس: بيانه للأحكام بالسنة ابتداءً من غير سؤال، كما حرم عليهم لحوم الحمر، والمتعة، وصيد المدينة، ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وأمثال ذلك.
السابع: بيانه للأمة جواز الشيء بفعله هو له، وعدم نهيهم عن التأسي به.
الثامن: بيان جواز الشيء بإقراره لهم على فعله وهو يشاهده، أو يعلمهم يفعلونه.
التاسع: بيانه إباحة الشيء عفوا بالسكوت عن تحريمه وإن لم يأذن فيه نطقا.
العاشر: أن يحكم القرآن بإيجاب شيء أو تحريمه أو إباحته ويكون لذلك الحكم شروط وموانع وقيود وأوقات مخصوصة وأحوال وأوصاف، فيحيل الرب سبحانه وتعالى على رسوله في بيانها كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[186] فالحل موقوف على شروط النكاح وانتفاء موانعه وحضور وقته وأهلية المحل"[187].(4/260)
ومن هذا المفهوم والتصور الواضح لأهمية السنة ومكانتها ودورها في التشريع انطلقت أفعال السلف مترجمة لهذا التصور فكان من تلك الأفعال أن اعتنى السلف بالسنة فتضافرت جهود العلماء من لدن الصحابة والتابعين على حفظ السنة والعناية بها وصيانتها فحظيت منذ ذلك الحين بسياج من الحماية منقطع النظير، وقد اتبع الصحابة في ذلك كل سبيل يحفظ للسنة نورها وصفاءها، وكان من ذلك التحري والتثبت في روايتها خشية الوقوع في الخطأ وخوفا من أن يتسرب إليها التصحيف والتحريف، بل إن بعضهم فضل الإقلال من الرواية. قال ابن قتيبة[188]: "كان عمر شديد الإنكار على من أكثر الرواية أو أتى بخبر الحكم لا شاهد له عليه، وكان يأمرهم بأن يقلوا من الرواية يريد بذلك أن لا يتسمع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي. وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر والزبير[189] وأبي عبيدة[190] والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل[191] وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة"[192].
ولقد تبعهم من بعدهم من التابعين ومن بعدهم على ذلك.
وكما احتاط السلف في التحديث احتاطوا وتثبتوا كذلك في قبول الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الذهبى: "كان أبو بكر رضي الله عنه أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب[193] أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال: لا أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس. فقال: هل معك غيرك؟، فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه".
واستشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في إملاص المرأة[194]، فقال المغيرة بن شعبة[195]: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة.
فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك. قال فشهد له محمد بن مسلمة[196].
وحدث لعمر مثل هذه الحادثة مع كثير من الصحابة منهم أبي بن كعب وأبو موسى وفي رواية: قال عمر لأبي موسى: "أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم"[197].
وعن علي رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني عنه غيري استحلفته فإذا حلف لي صدقته ..."[198]
وهذا التثبت من الصحابة رضوان الله عليهم كان الحامل لهم عليه هو ألا يسترسل الناس في رواية الحديث ويتساهلوا فيه من غير تحر وتثبت كاف فيقعوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث شعروا أو لم يشعروا، ويدلك على ذلك قول عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري: "أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وهذه الشواهد عن ثلاثة من الخلفاء الراشدين تترجم حرصهم وجهودهم في المحافظة على السنة بأن لا يشوبها ما ليس منها.
وقد تتابعت الجهود من الصحابة ومن جاء بعدهم على حفظ السنة وحمايتها إلى أن قعدت القواعد ووضعت الضوابط التي يعرف بها قوة الحديث أو وهنه وكان من تلك الضوابط علم إسناد الحديث فقد اعتني بهذا الجانب منذ وقت مبكر، واهتم به العلماء حتى جعلوه من الدين قال عبد الله بن المبارك[199]: "الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، وقال: "بيننا وبين القوم قوائم" يعني الإسناد[200].
ولقد اشتغل علماء الحديث بنقد الرواة وبيان حالهم ومن تقبل روايته ومن لا تقبل من خلال دراسة الراوي سيرة وتاريخا ومعتقدا وسلوكا، ولم تأخذهم في ذلك لومة لائم، وقد قيل ليحي بن سعيد القطان[201]: " أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟، فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لِمَ لَمْ تذُبَّ الكذب عن حديثي"[202].
وهذه لمحة وإشارة لما بذله السلف من جهود في حفظ السنة والذب عنها لتبقى منهلا صافيا تستقي منه الأمة أمور دينها ودنياها وآخرتها حتى يتحقق لها اتباع رسولها محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله بالاقتداء به والسير على نهجه والطاعة له في كل ماجاء به صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: ثم يلي الكتاب والسنة: فيما يجب التسليم له من أصول ما كان في معناهما بدليل جامع والمراد بذلك الإجماع والقياس الجلي الذي لا يصادم النص الشرعي.
قال الشافعي: "الحجة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمة".
وقال أيضا: "والعلم طبقات:
الأولى: الكتاب والسنة الثابتة ثم الإجماع فيما ليس في كتاب ولا سنة.
الثالثة: أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة.
الرابعة: اختلاف الصحابة.
الخامسة: القياس"[203].
المطلب الثاني: محاربة السلف لما يناقض الاتباع:(4/261)
من الأمور التي سار عليها السلف في طاعتهم واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوها منهجا لهم في الاتباع محاربتهم لذلك الثالوث الخطير المتمثل في البدعة والتقليد، والرأي.
فالسلف يعدون ذلك الثالوث مرضا خطيرا متى استشرى وانتشر في الأمة فإنه يفتك بعقيدتها وما هي عليه من الاتباع والسنة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما من عام إلا والناس يحيون فيه بدعة ويميتون فيه سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن"[204].
وعن جابر بن زيد[205] أن ابن عمر لقيه في الطواف فقال: "يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت"[206].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر"[207].
وهذه النصوص الثلاثة المنقولة عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصور عظم خطر تلك الأمور على الأمة كما تصور حرصهم على تحذير الأمة من خطرها وشرها الذي يهدد عقيدتهم وماهم عليه من الاتباع والسنة.
أ- محاربتهم للبدعة:
فأول تلك الأمور وأشدها خطرا على الأمة "البدعة" فالابتداع في الدين قد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"
وقال: "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"[208].
كما بين حكم البدعة بقوله: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[209] ومع وقفة تأمل لما ورد في هذه الأحاديث نلمس الأمور التالية:
ففي الحديث الأول والثاني وصف صلى الله عليه وسلم البدعة بكونها ضلالة وانحرافا عن الطريق والصراط المستقيم الذي رسمه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة والذي أوجب الله علينا اتباعه فيه. فالبدعة في الدين طريق غواية وضلال يجب الحذر منه والبعد عنه وهي إضافة إلى ذلك فإنها مخالفة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحاربة لما جاء به من الهدى والنور إذ الوقوع في هذا المزلق الخطر الذي هو "البدعة" يترتب عليه أمور خطيرة منها الطعن في الدين لأن لسان حال المبتدع يقول إن الشريعة لم تتم وإنه بقي منها أشياء يجب استدراكها، لأنه لو كان معتقدا لكمالمها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولم يستدرك عليها.
وإضافة إلى ذلك فإن المبتدع معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه خاصة وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها وأن الشر في تعديها إلى غير ذلك. فالمبتدع بحاله تلك يزعم أن ثم طرقا أخر وليس ما حصره الشارع بمحصور ولا ما عينه بمتعين، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع أنه علم ما لا يعلم الشارع وأحاط بما لم يحط به وهذا هو بعينه الضلال المبين الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم البدعة به حين قال: "وكل بدعة ضلالة"[210].
ومع هذا وذاك فقد تجعل البدعة مع مرور الزمن ونتيجة لانتشارها بين الناس من الدين، فتصبح سنة يستنون بها وبخاصة العوام منهم الذين اعتادوا على التقليد والأخذ بكل ما هو منتشر بين الناس. بينما في الوقت نفسه تصبح السنن لغرابتها والجهل بها بدعا وهذا هو الحال في كل زمان ومكان انتشرت وعمت فيه البدع وقل فيه العلماء بأمور السنة.
وأما الحديث الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فهو حكم صريح على كل أمر محدث مبتدع في الدين وليس له أصل في الشرع بالرد وعدم القبول ولاشك أن هذا الحكم بتر لكل ما هو مبتدع في دين الله وشرعه، وإسقاط له. إضافة إلى كونه حماية لشرع الله من كل ما يخل به.
ولقد اتخذ السلف من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن قواعد ساروا عليها في سبيل محافظتهم على السنة وصيانتها من شوائب البدع وشرورها. وإن المتأمل للنصوص الورادة عنهم في هذا الخصوص يلمس مدى حرصهم وتطبيقهم للتوجيهات النبوية التي تلقوها عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم"[211].
وعنه أنه رأى أناسا يسبحون بالحصا فقال: "على الله تحصون لقد سبقتم أصحاب محمد علما أو لقد أحدثتم بدعة ظلما"[212].
وعنه أنه قال: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة". وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "أخوف ما أخاف على الناس اثنتان أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون، وأن يضلوا وهم لا يشعرون".
قال سفيان: هو صاحب البدعة[213].
وكان حذيفة رضي الله عنه يدخل المسجد فيقف على الخلق فيقول: "يا معشر القراء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا".(4/262)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني. فقيل: كيف؟، فقال: والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه"[214].
وعنه رضي الله عنه أنه قال: "عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع"[215].
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "أوشك قائل من الناس يقول: قد قرأت القرآن ولا أرى الناس يتبعوني، ما هم متبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدُع فإن كل ما ابتدُع ضلالة"[216].
وعنه أنه قال: "أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع ألا وإن رفعه ذهاب أهله، وإياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم بأمركم العتيق"[217].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة"[218].
وعن الحسن البصري[219] قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا صياما وصلاة إلا ازداد من الله بعدا"[220].
وعنه قال: "لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك"[221].
وعن أيوب السختيانى أنه كان يقول: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا"[222].
وعن سفيان الثوري قال: "من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره. وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله في النار. وإما أن يقول والله ما أبالي ما تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه"[223].
وقال: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها"[224].
وعن أبي قلابة[225] أنه قال: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون"[226].
وبعد: فما نقلته ههنا يعد جزءا يسيرا جدا مما ورد عن السلف من نصوص في الحث على ترك الابتداع في الدين والتحذير من مخاطره ومغبة الإقدام عليه وموقفهم من أهله، فلقد اشتد نكير السلف على البدعة وأصحابها والمجال هنا لا يتسع للاستفاضة في هذا الموضوع، وبما ذكر يحصل المقصود.
ب- محاربتهم للتقليد:
وأما الأمر الثاني من الأمور التي تشكل خطورة على الاتباع والسنة في رأي السلف فهو "التقليد" والفرق بينه وبين الاتباع أن التقليد: هو الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه.
وأما الاتباع: فهو ما ثبت عليه الحجة.
فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده. وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه.
والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع[227].
والتقليد الممنوع على ثلاثة أشكال:
• أحدها: الإعراض عما أنزل الله وعدم الالتفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء أو المشايخ.
• الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله.
• الثالث: التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد.
ولقد حارب السلف هذا النوع من التقليد وذموه واعتبروه مزلقا خطيرا يحرف المسلم وينحيه عن المنبع الذي يستمد منه دينه، ويجعله عرضة لكل بدعة، ومنقادا لكل شبهة، وتبعا لكل ناعق وإضافة إلى ذلك فإن التقليد له صلة وثيقة بالبدعة فالبدعة تؤخذ في غالب الأمر تقليدا لشيخ يعظم أو والد يحترم أو مجتمع تقدس فيه عاداته، ولذلك كان التقليد والابتداع سببين رئيسيين في ضلال الأمم وانحرافها عن منهج أنبيائهم.
وقد حكى الله في كتابه العزيز عن بني إسرائيل أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها من الأصنام مقلدين في ذلك من مرّوا عليهم من عباد الأصنام قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[228]، كما ذكر سبحانه أن ما وقع فيه اليهود والنصارى من الكفر بقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله إنما هو نتيجة التقليد لمن قبلهم من الوثنيين قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[229].
كما ذم سبحانه صنيع اليهود والنصارى مع علمائهم حيث قلدوهم في جميع ما يقولون، فأحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}[230].(4/263)
كما ذم سبحانه وتعالى من امتنع عن قبول الحق تقليدا للآباء فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}[231].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجلا فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة، لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه"[232].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أخاف على أمتي من بعدي إلا من أعمال ثلاثة"، قالوا: وما هي يارسول الله؟، قال: "أخاف عليهم زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع"[233]، ومن المعلوم أن الخوف من زلة العالم تقليده فيها، إذ لولا التقليد لما يخف من زلة العالم على غيره.
قال ابن القيم: "والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولابد إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولابد فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولابد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه، فالخطأ واقع منه ولابد"[234].
قال الشعبي: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يفسد الزمان ثلاثة: أئمة مضلون، وجدال منافق بالقرآن، والقرآن حق، وزلة عالم"[235]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ويل للأتباع من عثرات العالم". قيل: وكيف ذاك يا أبا العباس؟، قال: "يقول العالم من قبل رأيه، ثم يسمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه" وفي لفظ: "فيلقى من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع ويقضي الأتباع بما حكم"[236].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر"[237].
قال ابن القيم: "والفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم وإهدارأقوال العلماء وإلغائها: أن تجريد المتابعة أن لا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائنا من كان. بل تنظر في صحة الحديث أولا. فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا، فإذا تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب، ومعاذ الله أن تتفق الأمة على مخالفة ما جاء به نبيها بل لابد أن يكون في الأمة من قال به ولو لم تعلمه فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله بل اذهب إلى النص ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك. هذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه فهم دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها بشبهة أنه أعلم بها منك، فإن كان كذلك فمن ذهب إلى النص أعلم به منك أيضا فهلا وافقته إن كنت صادقا؟.
فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها، وخالف منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم ولم يهضم جانبهم بل اقتدى بهم فإنهم كلهم أمروا بذلك فمتبعهم حقا من امتثل ما أوصوا به لا من خالفهم، فخلافهم في القول الذي جاء النص بخلافه أسهل من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا بها ودعوا إليها من تقديم النص على أقوالهم.
ومن هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال وبين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه.
فالأول يأخذ قوله من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلد به ولذلك سمي تقليدا. بخلاف من استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى سنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول فإذا وصل استغنى بدلالته على الاستدلال بغيره فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى.
قال الشافعي: "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد"[238].
ج- محاربتهم للرأي الباطل:
وأما الأمر الثالث من الأمور التي يرى السلف أنها تناقض الاتباع وتضاده فهو "الرأي".(4/264)
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون"[239]، والمقصود به هو الرأي الباطل الذي ليس من الدين، لأن الرأي ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- رأي باطل بلا ريب.
2- رأي صحيح.
3- رأي هو موضع الاشتباه.
والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف، فاستعملوا الرأي الصحيح وعملوا به وأفتوا به، وسوغوا القول به. وذموا الباطل ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله.
والقسم الثالث: سوغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحدا العمل به، ولم يحرموا مخالفته ولا جعلوا مخالفته مخالفا للدين، بل غايته أنهم خيروا بين قبوله ورده، فهو بمنزلة ما أبيح للمضطر من الطعام والشراب الذي يحرم عند عدم الضرورة إليه[240].
والحديث ههنا يتناول الرأي الباطل فقط وهو على أنواع:
أحدها: الرأي المخالف للنص، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه، ولا تحل الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد.
الثاني: هو الكلام في الدين بالخرص والظن، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، فإن من جهلها وقاس برأيه فيما سئل عنه بغير علم، بل لمجرد قدر جامع بين الشيئين ألحق أحدهما بالآخر أو لمجرد قدر فارق يراه بينهما يفرق بينهما في الحكم، من غير نظر إلى النصوص والآثار، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل.
النوع الثالث: الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية[241] ومن ضاهاهم، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة، فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم، ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلا، فقابلوا النوع الأول بالتكذيب، والنوع الثاني بالتحريف والتأويل، فأنكروا لذلك رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وأنكروا كلامه وتكليمه لعباده، وأنكروا مباينته للعالم، واستواءه على عرشه وعلوه على المخلوقات، وعموم قدرته على كل شيء، بل أخرجوا أفعال عباده من الملائكة والأنبياء والجن والإنس عن تعلق قدرته ومشيئته وتكوينه لها، ونفوا لأجلها حقائق ما أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله، وحرفوا لأجلها النصوص عن مواضعها وأخرجوها عن معانيها وحقائقها بالرأي المجرد الذي حقيقته أنه زبالة الأذهان ونخالة الأفكار وعفارة[242] الآراء ووساوس الصدور فملؤوا به الأوراق سوادا والقلوب شكوكا، والعالم فسادا.
وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد، فلا إله إلا الله كم نفي بهذه الآراء من حق، وأثبت بها من باطل، وأميت بها من هدى وأحيي بها من ضلالة؟ وكم هدم بها من معقل للإيمان، وعمر بها من دين الشيطان؟ وأكثر أصحاب الجحيم هم أهل هذه الآراء الذين لا سمع لهم ولا عقل بل هم شر من الحمر، وهم الذين يقولون يوم القيامة {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[243].
النوع الرابع: الرأي الذي أحدثت به البدع، وغيرت به السنن وعم به البلاء، وتولى عليه الصغير وهرم فيه الكبير.
فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه لإخراجه من الدين[244].
ومما ورد عن السلف في ذم الرأي الذي من هذا القبيل ما يلي:
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم"[245].
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "اتقوا الرأي في دينكم"[246].
وروي عنه كذلك قوله: "أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سُئلوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم"[247].
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه"[248].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قال بعد ذلك برأيه فلا أدري أفي حسناته يجد ذلك أم في سيئاته"[249].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "لا يأتي عليكم عام إلا هو شر من الذي قبله، أما إني لا أقول أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم"[250].(4/265)
ومما ورد كذلك من الآثار عن التابعين ما يلي:
قول الشعبي: "ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوه، وما كان رأيهم فاطرحوه في الحش"[251].
وعن ابن شهاب الزهري قال: "دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي"[252].
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الناس: "أنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم"[253].
فهذه الأقوال عن أولئك الأئمة من الصحابة والتابعين أجمعت على إخراج الرأي عن العلم وذمه والتحذير منه والنهي عن الفتيا به، فرضي الله عن أئمة الإسلام وجزاهم عن نصيحتهم خيرا، ولقد سلك سبيلهم أهل العلم والدين من أتباعهم.
المبحث الثالث: التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه.
تمهيد:
"من المعلوم لكل من عنده مسكة من عقل أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الخلق عبثا كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[254] وكما قال: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً}[255] أي مهملا هملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب.
والغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس هي التي أخبر الحق تبارك وتعالى عنها بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فهو سبحانه خلقهم للأمر والنهي في الدنيا والثواب أو العقاب في الآخرة.
وإذا تمهد هذا فإنه يعلم مدى حاجتهم وضرورتهم إلى الشريعة وأحكامها، إذ بواسطها يتعرف على مواقع رضى الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية.
والناس أحوج ما يكونون إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والقيام به والدعوة إليه والصبر عليه وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه، إذ ليس للعالم صلاح بدون ذلك البته"[256]
ولذلك فرض الله على الإنس والجن طاعة من أرسل من الرسل وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} فالطاعة بذلك متحتمة على من شملتهم دعوة الرسل.
وقد بعث الله نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} وبذلك عمت دعوته كل الأمم سواء كانوا في زمانه أو في الأزمان التالية من بعده وذلك على اختلاف تلك الأمم في ألوانها وأجناسها ولغاتها وشرائعها بما فيهم أهل الكتاب - اليهود والنصارى - ، فترتب على عموم الرسالة أن نسخت الشرائع السابقة لشريعته صلى الله عليه وسلم فلم يبق من طريق يوصل إلى عبادة الله ورضوانه سوى طريق خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم فلا حجة لأحد دون حجته ولا يستقيم لعاقل سبيل سوى واضح محجته.
وقد جمعت سنته صلى الله عليه وسلم تحت حكمتها كل معنى حكيم فلا يسمع بعد بيانها خلاف مخالف ولا قول مختلق، ومن تبع سنته فهو على نور من ربه، وبصيرة من أمره، والمائل عن شرعه، واقع في ظلمته مرتبك في حيرته ومرتكس في ضلاله وشقاوته.
ولذلك كان لزاما على الجن والإنس أن يستجيبوا له صلى الله عليه وسلم ويتبعوا شريعته ظاهرا وباطنا.
وقد وعد الله المستجيب منهم أن يدخله جنته ويسبغ عليه رضاه ومحبته. وتوعد المخالف منهم بأن يذيقه أليم عقابه ويلقيه في جهنم ليعلم بذلك كيف يكون مصيره وعاقبته.
وإن آيات القرآن ونصوص السنة في هذا الشأن كثيرة جدا، وقد تقدم إيراد الأدلة الواردة في وجوب طاعته واتباعه.
وفي هذا المبحث سأتناول بإذن الله الأدلة الواردة في حكم مخالفته صلى الله عليه وسلم والبعد عن سنته والعقوبات الدنيوية والأخروية المترتبة على تلك المخالفات على تنوع صورها وأشكالها سواء كانت إعراضا وكفرا، أو بدعة، أو معصية، أو غير ذلك.
وعسى أن يكون فيما سيعرض من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تذكرة وعظة، وخاصة أننا نعيش في زمان نحتاج فيه إلى التمعن في هذه النصوص وتدبرها لكثرة ما يقع من الإعراض والمخالفة لشرع النبي صلى الله عليه وسلم ونهجه عند كثير من الناس.
المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه:
ورد التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة من القرآن الكريم، وقد جاء التحذير مصحوبا بالوعيد الشديد لذلك المخالف العاصي ومن تلك المواطن: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[257].
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[258].
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}[259].
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}[260].(4/266)
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[261].
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[262].
وقوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}[263].
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}[264].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}[265].
وإن المتأمل في هذه الآيات يرى ما تضمنته من الوعيد الشديد والعقاب الأليم لمن خالف منهج الرسول وطريقته وشرعه وحاد كلما جاء به فقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} تحمل هذه الآية الوعيد الشديد لمن خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته، ومعناها: "أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا" {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك"[266].
هذا من جهة العقوبة الدنيوية كما فسر ابن كثير الآية بذلك.
أما على صعيد العقوبة الأخروية فاقرأ الآية الأخرى وهي قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}، وعلى هذا فإن المخالف العاصي متوعد بالعقوبتين الدنيوية والأخروية، إضافة إلى وصفه بالضلال البين الواضح بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}، وفي هذا الوصف والجزاء للمخالف حكم بخروجه عن دائرة الإيمان.
كما أن كل من أعرض عن حكم الرسول ولم ينقد له ولم يرض به إلا إذا كان مواففا لهواه فهو محكوم عليه بالنفاق بنص القرآن الكريم.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}[267].
وقال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ، وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[268].
وهذه الآيات بينت موقف كلا الطرفين- الطرف الأول أهل الإيمان الحقيقي والطرف الثاني أهل النفاق المظهرون للإسلام المخفون للكفر- من التحاكم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فمن سمة المنافقين أنهم لا يتحاكمون لشرع الله إلا إذا كان الحق في صفهم وحكم الشرع لصالحهم، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك فلا ترى منهم سوى الإعراض عن شرع الله المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما أهل الإيمان الذين ترسخ في قلوبهم الإيمان بشرع الله اعتقادا بالقلب وقولا باللسان وعملا بالجوارح فإن من صفاتهم وعلاماتهم تحاكمهم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحوالهم وشؤونهم مع الرضى والتسليم لذلك الحكم سواء كان لهم أم عليهم.
ولذلك فقد جاء وصف أهل الإيمان بالفلاح فقال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بينما وصف أهل النفاق بالظلم حيث قال تعالى: {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
فيجب على المسلم أن يحذر من الوقوع في هذا العمل الخطير الذي من شأنه أن يوقع صاحبه في مثل هذه الصفات، ويعرضه لتلك العقوبات التي تحدثت بها آيات القرآن الواردة في هذا الشأن.(4/267)
وقال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[269]:."قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح، وقوله {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك...
ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[270]، وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[271]، وقوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[272].
وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة"[273].
ولقد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز عددا من قضايا المخالفة وعلى رأسها التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فهذا الداء من أعظم المخاطر وبخاصة في زماننا هذا الذي طرح فيه كثير ممن ينتمون إلى الإسلام كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، واعتاضوا عنهما بقوانين الكفار وآراء ابتدعوها تقولا على الشريعة حتى جعلوا لتلك القوانين محاكم تحمى بقوة السلطان وأجبروا الناس على التحاكم إليها. والحكم بغير ما أنزل الله هو من أعظم أسباب المقت والحرمان وأكبر موجبات العقوبة والخذلان، كيف لا وهو شرع دين لم يأذن به الله واتباع لغير سبيل المؤمنين ومشاقة ومحادة ومحاربة وخيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم واتخاذ لدين الله هزوا ولهوا ولعبا وتبديلا لنعمة الله إلى غير ذلك من المفاسد والمحاذير التي لا تدخل تحت حساب.
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[274].
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[275].
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[276].
وقال تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}[277]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}[278].
وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه}[279].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}[280].
قال ابن القيم: "قال أهل التحقيق من أهل التفسير الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله.
فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم انحرف عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معا، ولو لم يكن في القرآن المجيد من الزجر عن اتباع القوانين البشرية غير هذه الآية الكريمة لكفت العاقل اللبيب، فكيف والقرآن الكريم كله يدعو إلى تحكيم ما أنزل الله، وعدم تحكيم ما عداه[281].
وبما تقدم من آيات يعلم المسلم خطورة مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والإعراض عن سنته ومنهجه والشرع الذي جاء به من عند ربه.(4/268)
فالآيات السابقة وما كان على منوالها فيها خطاب لكل معرض عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه وشرعه الذي جاء به، وهي بما تضمنته من الوعيد الشديد بمثابة الإنذار لكل من كان على هذه الحال لكي يكون على بينة من أمره فيعلم على أي ذنب قد أقدم ولأي جرم قد ارتكب {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ}[282] وذلك قبل أن يكون من أولئك الذين يتحسرون ويعضون أيديهم ندما في يوم القيامة {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}[283]. ومعلوم أن كل من ترك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قائل لهذه المقالة لا محالة. فنعوذ بالله ممن هذه حاله ويوم القيامة تكون نار جهنم مآله وقراره.
المطلب الثاني: الأدلة من السنة على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم
وحكم من خالفه:
جاءت السنة بمثل ما جاء به القرآن الكريم، فالأحاديث متوافرة، ومتعددة في هذا الشأن، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الإعراض عن سنته والبعد عنها أو الانتقاص من قدرها ومكانتها أو مخالفتها.
وهذا التحذير منه صلى الله عليه وسلم والوارد في عبارات متنوعة وأساليب متعددة - كما سيمر عليك - يصور مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على حماية أمته وصيانتهم من الوقوع في هذا المزلق الخطير، ولا غرابة في ذلك فهو الموصوف بقوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
ومما ورد في تصوير مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته وتحذيره لهم من الوقوع في مخالفته قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه "مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها – قال - فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها".
وهذا الحديث إضافة إلى كونه يصور مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته فهو يبين كذلك أن سبيل النجاة والفلاح إنما هو باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بها، وأن كل مخالف ومجانب لهذه السنة فهو يلقي بنفسه إلى التهلكة وذلك بسبب
بعده ومخالفته لشرع المصطفى ونهجه الذي جاء به.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته سبيل النجاة والفلاح وحثهم على سلوكه والسير عليه، كما حذرهم من سبل الهلاك والضلال وبين لهم ماضيها من الخسران والتعاسة الدنيوية والأخروية قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وهذه الوصية عامة لكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقد ختم الله الآية بقوله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. والتقوى حقيقتها: "العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا، أمرا ونهيا فالمتقي يفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر وتصديقا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي وخوفا من وعيده".
وقال طلق بن حبيب[284]: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله"[285]. وطاعة الله تتحقق بطاعة رسوله والسير على نهجه وسلوك سبيله قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}.
وفي الحديث: "فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله".
ولذلك فإنه لم يبق للإنسان إلا أن يختار أي الطريقين يسلك قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[286] وليتحمل بعد ذلك مسؤولية ما قدم من عمل كما قال تعالى: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[287]، وقال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأِوْفَى}[288]
وإن المسلم الواعي العارف لأمور دينه يعلم أن الخير كل الخير في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته والسير على هديه، وأن الشر كل الشر في البعد عن سنته ومخالفته. ولذا تراه حريصا على سنة المصطفى متمسكا بها في كل أحواله وفي الوقت نفسه يحذر أشد الحذر من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والبعد عن سبيله ومنهجه. ومثل هذا الاعتقاد يجب على كل مسلم أن يعتقده ويطبقه في أقواله وأعماله ليسعد وينجو في دنياه وآخرته.(4/269)
ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين لا يولي هذا الجانب اهتمامه وعنايته بل تراه على النقيض من ذلك حتى إن بعضهم ليس له من الإسلام إلا اسمه فقط ذلك لأن أقواله وأفعاله مناقضة للشرع ولا تمت إليه بصلة، وتراه كذلك راغبا عن سنة المصطفي متحاكما في أكثر شؤونه وأحواله إلى غير الكتاب والسنة. ومن كانت هذه صفاته فالإسلام منه براء وهو بريء من الإسلام فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من رغب عن سنتي فليس مني"
ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الناس وحذر منهم فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الضر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟، قال: "نعم". قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟، قال: "نعم وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟، قال: "قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر .." الحديث. فالشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "قوم يهدون بغير هديي" فالنبي صلى الله عليه وسلم ذم من جعل للدين أصلا خلاف الكتاب والسنة أو جعلهما فرعا لذلك الأصل الذي ابتدعه وأمثال هؤلاء كثيرون فكم من شخص ينتمي للإسلام جعل من الفلاسفة حكما على كل شيء حتى على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكم من شخص نبذ شرع الله وراء ظهره وتحاكم إلى القوانين الوضعية المستوردة من بلاد الكفر والإلحاد. وكم من شخص جعل الهوى وشهوات النفس دينا يدين به فإذا جاءه أمر الشارع أخذ منه ما وافق هواه ورأيه وأعرض عما عداه. وكم من فئة وطائفة في زماننا الحاضر ينطق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا. والذي ينبغي على كل أحد أن يعلمه هو أنه بمقدار اتباع المرء لسنة المصطفي صلى الله عليه وسلم، يكون فلاحه ونجاته، فالأقوال والأعمال يتوقف قبولها أو ردها على حسب موافقتها لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم قبل، وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم:
"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وإن المعرض عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والمخالف لها معرض للعقوبة في الدنيا والآخرة وذلك بحسب ما يقع منه من إعراض.
فعن سلمة بن الأكوع[289] رضي الله عنه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله. فقال: "كل بيمينك"، قال: "لا أستطيع"، قال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، قال فما رفعها إلى فيه"[290]، فهذه عقوبة دنيوية لهذا الشخص الذي عصى أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "النجم" فسجد، فما بقي أحد إلا سجد، إلا رجل رأيته أخذ كفا من حصى فرفعه فسجد عليه وقال: "هذا يكفيني، فلقد رأيته بعد قتل كافرا بالله"[291] وهذا الرجل هو أمية بن خلف[292] وقد قتل ببدر كافرا.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم"[293].
والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت الذلة والصغارعلى من خالف أمري"، وعنه رضي الله عنه قال: "أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم"[294]. فهذا بعض ما ورد في السنة في العقوبات الدنيوية.
أما على صعيد العقوبات الأخروية فالأمر أشد وأعظم فالآخرة هي دار الجزاء والثواب والعقاب.(4/270)
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا. فقالوا: أوَلسنا إخوانك يا رسول الله؟، قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم[295] على الحوض. فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يارسول الله؟، فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غر[296] محجلة[297] بين ظهري خيل دُهُم بُهُم[298] ألا يعرف خيله؟. قالوا: بلى يارسول الله، قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضى كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا"[299].
فتلك عقوبة من حاد عن شرع المصطفى صلى الله عليه وسلم ومال عنه واستبدل به غيره. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا[300].
قال النووي: " أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"[301]، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهلاك كل من بالغ في التعمق في أمور الشرع وغلا فيها وتكلف في أمور لم ترد عن الشارع الكريم ولم تكن من مقصوده.
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ". والشواهد من القرآن والسنة وكلام السلف الصالح في هذا الشأن كثيرة ولا تكاد تحصى.
والقصد هنا بيان أن التولي عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الشرع من أكبر الذنوب، وهو سبب لانصباب المصائب وتتابع النوائب، فإن الجزاء من جنس العمل ومن تولى عن حكم الله وحكم رسوله تولى الله ورسوله عنه، ومن تولى الله ورسوله عنه فهيهات أن يفلح ويعز بل يتركه الله أذل وأحقر ما يكون قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}[302]. وليحذرالمسلم من مخالفة الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه عز وجل، فإن في المخالفة عين الهلاك والخسران كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[303].
________________________________________
[1] الآيتان (45، 46) من سورة الأحزاب.
[2] الآية (52) من سورة الشورى.
[3] الآية (43) من سورة الزخرف.
[4] الآية (80) من سورة النساء.
[5] الآية (64) من سورة النساء.
[6] الآية (6) من سورة الأعراف.
[7] الآيات (13، 14) من سورة النساء.
[8] الآيات (27، 28، 29) من سورة الفرقان.
[9] الآيات (66، 67، 68) من سورة الاحزاب.
[10] الآية (32) من سورة آل عمران.
[11] الآية (65) من سورة النساء.
[12] الآية (63) من سورة النور.
[13] الآية (69) من سورة النساء.
[14] الآية (64) من سورة النساء.
[15] الآية (52) من سورة النور.
[16] الآية (3) من سورة نوح.
[17] الآية (108) من سورة الشعراء.
[18] انظر الآيات (126، 131، 144، 150، 163، 179) من سورة الشعراء.
[19] الآية (14، 15، 16) من سورة الليل.
[20] الآية (31، 32) من سورة القيامة.
[21] الآية (15، 16) من سورة المزمل.
[22] الآية (41) من سورة النساء.
[23] الآية (42) من سورة النساء.
[24] الرد على الأخنائي (ص 180- 183).
[25] الآية (64) من سورة النساء.
[26] مجموع الفتاوى (19/ 99، 100) بتصرف.
[27] الآية (165) من سورة النساء.
[28] مجموع الفتاوى (19/ 96) بتصرف.
[29] الآية (157) من سورة الأعراف.
[30] الآية (104) من سورة آل عمران.
[31] الآية (1 إلى ه) من سورة البقرة.
[32] الآية (13، 14) من سورة النساء.
[33] الآية (107) من سورة الأنبياء.
[34] الآية (153) من سورة الأنعام.
[35] الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 56).
[36] محمد بن الحسين بن عبد الله أبو بكر الآجري، فقيه شافعي، محدث، توفي سنة 360 هـ بمكة وله مصنفات كثيرة منها: كتاب الشريعة. الأعلام (6/ 97).
[37] الشريعة (ص 49).
[38] مجموع الفتاوى (19/ 103).
[39] الآية (80) من سورة النساء.
[40] الآية (32) من سورة آل عمران.
[41] الآية (132) من سورة آل عمران.
[42] الآية (13) من سورة النساء.
[43] الآية (20) من سورة الأنفال.
[44] الآية (52) من سورة النور.
[45] الآية (71) من سورة الأحزاب.
[46] الآية (17) من سورة الفتح.
[47] الآية (92) من سورة المائدة.
[48] الآية (33) من سورة محمد.
[49] الآية (54) من سورة النور.
[50] الآية (12) من سورة التغابن.
[51] الآية (59) من سورة النساء.(4/271)
[52] محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي المشهور بابن القيم، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، تفنن في علوم الإسلام، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية، وله مؤلفات كثيرة في الدفاع عن العقيدة والسنة. توفي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. طبقات المفسرين للداودي (2/ 93، 97).
[53] كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه..." الحديث. أخرجه أبو داود في سننه، كناب السنة، باب في لزوم السنة (5/ 10) ح 4604
[54] أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (6/ 15)
[55] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أخبار الآحاد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد. انظر: فتح الباري (13/ 233) ح 7257، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية. انظر (6/ 15).
[56] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (6/ 12). وأخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام: باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية. فتح الباري (13/ 121، 122) ح 7144.
[57] إعلام الموقعين (1/ 48، 49).
[58] الآية (54) من سورة النور.
[59] محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه، مات سنة 125 هـ وقيل قبل ذلك. تذكرة الحفاظ (1/ 102).
[60] الرسالة التبوكية (ص 37، 38).
[61] الآية (31) من سورة آل عمران.
[62] الآية (158) من سورة الأعراف.
[63] الآية (7) من سورة الحشر.
[64] الآية (21) من سورة الأحزاب.
[65] الآية (110) من سورة الكهف، والآية (6) من سورة فصلت.
[66] الآية (85) من سورة البقرة.
[67] الآية (24) من سورة الأنفال.
[68] الفوائد لابن القيم (ص 88) بتصرف.
[69] المصدر السابق (ص 95).
[70] تفسير ابن كثير (3/ 474).
[71] الآية (65) من سورة النساء.
[72] الآية (6) من سورة الأحزاب.
[73] الرسالة التبوكية لابن القيم (ص 25، 26).
[74] تفسير ابن كثير (1/ 520).
[75] أي قبوله لحكم الرسول والتسليم له.
[76] الآية (14، 15) من سورة القيامة.
[77] الرسالة التبوكية (ص 25).
[78] الآية (51) من سورة النور.
[79] الآية (36) من سورة الأحزاب.
[80] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (13/ 249) ح 7285.
[81] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام: باب قول الله تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}، انظر: فتح الباري (13/ 111) ح 7137. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (6/ 13).
[82] سعد بن مالك بن سنان الأنصاري أبو سعيد الخدري، شهد الغزوات بعد أحد وكان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثيرا توفي سنة 74 هـ وقيل غير ذلك. الإصابة (2/ 32، 33).
[83] يقال: شرد البعير، يشرد، شُرودا، وشِرادا: إذا نفر وذهب في الأرض. النهاية (2/ 457).
[84] أخرجه ابن حبان في صحيحه (1/ 153) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 80)، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وله شاهد من طريق أبي هريرة بنحوه أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 247) وقال صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. وله شاهد آخر من طريق أبي أمامة بنحوه. أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 247) وقال صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي.
[85] محمد بن حبان بن أحمد التميمي، أبو حاتم البستي، الإمام الحافظ الثبت الحجة، كان من أوعية العلم، ولد سنة 270 هـ وتوفي سنة 354 هـ. ميزان الاعتدال (3/ 506).
[86] صحيح ابن حبان (1/ 153).
[87] الآية (153) من سورة الأنعام.
[88] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/ 50، 51).
[89] الآيتان (103، 104) من سورة الكهف.
[90] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على جور. فتح الباري (5/ 301) ح 2697، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة (5/ 132).
[91] الآية (110) من سورة الكهف.
[92] تفسير ابن كثير (3/ 108).
[93] أي ساروا بالليل. النهاية (2/ 129).
[94] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام: باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، انظر: فتح الباري (13/ 250) ح 7283، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته. انظر: (7/ 63).
[95] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري( 13/ 249) ح 7281.
[96] بفتح التحتانية والزاي وضم العين المهملة: أي يدفعهن. فتح الباري (13/ 318).(4/272)
[97] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق: باب الانتهاء عن المعاصي. انظر فتح الباري ( 11/ 316) خ 6483، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته... (7/ 64).
[98] الآية (49) من سورة الحج.
[99] الآية (1) من سورة الفرتان.
[100] الآية (28) من سورة سبأ.
[101] الآية (128) من سورة التوبة.
[102] الآية (27) من سورة الفرقان.
[103] الآية (66) من سورة الأحزاب.
[104] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح. انظر: فتح الباري (9/ 104) ح 563 واللفظ له. ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه... انظر: (4/ 128).
[105] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند (6/ 226).
[106] العرباض بن سارية السلمي أبو نجيح، صحابي مشهور من أهل الصفة، مات سنة خمس وسبعين للهجرة وقيل قبل ذلك. الإصابة (2/ 466).
[107] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 126، 127). وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة: باب في لزوم السنة (5/ 13، 15) ح 4607، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم: باب في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (5/ 44) ح 2676 وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة في سننه، في المقدمة: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (1/ 16). وابن حبان في صحيحه (1/ 139) والحاكم في المستدرك (1/ 96) وصححه ووافقه الذهبي، والآجري في الشريعة (46، 47)، والدارمي في سننه، باب اتباع السنة (1/ 44، 45) وقال الألباني: سنده صحيح، وصححه جماعة منهم الضياء المقدسي في اتباع السنن واجتناب البدع، انظر: مشكاة المصابيح (1/ 58) ح 165.
[108] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام: باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (13/ 251) ح 7288، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج: باب فرض الحج مرة في العمر (4/ 102).
[109] الآية (286) من سورة البقرة.
[110] تقدم تخريجه ص 45
[111] الآية (17) من سورة الرعد.
[112] أخرجه ابن ماجة في السنن (2/ 188)، كتاب المناسك: باب الخطبة يوم النحر. وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 87)، وقال: "وفي الباب عن جماعة من الصحابة"، وقد جمع طرق هذا الحديث الشيخ عبد المحسن العباد في كتاب سماه "دراسة حديث: نضر الله امرءا سمع مقالتي... رواية ودراية" وذكر أن الحديث صحيح وبلغ حد التواتر.
[113] الرسالة التبوكية (ص 55، 56).
[114] الرسالة التبوكية لابن القيم (ص 37).
[115] مجموع الفتاوى (11/ 339).
[116] العناق هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. النهاية (3/ 311).
[117] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة، انظر: فتح الباري (3/ 262) ح 1399، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 28).
[118] أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الفرائض: باب ميراث الجدة (ص 346) رقم ،1087 وأخرجه أبو داود في السنن، كتاب الفرائض: باب ما جاء في ميراث الجدة (3/ 316، 317) ح 2894، وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب الفرائض: باب ما جاء في ميراث الجدة (4/ 419، 420) ح 2100، 2101، وأخرجه ابن ماجه في السنن، أبواب الفرائض، باب ميراث الجدة (2/ 120) ح 2756.
[119] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس: باب فرض الخمس فتح الباري (6/ 197) ح 3093، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث وما تركنا صدقة" (5/ 155).
[120] محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم، مولى أنس بن مالك، تابعي جليل كان إمام وقته، مات سنة 110 هـ. تهذيب التهذيب (9/ 214، 217).
[121] إعلام الموقعين (1/ 54).
[122] السنة للالكائي (1/ 84) ح 100، والبدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 24).
[123] عامر بن شراحيل الشعبي: أهله من حمير اليمن، قال فيه مكحول: "ما رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الشعبي وقد تولى القضاء في عهد عمر بن عبد العزيزعلى الكوفة، توفي سنة 105 هـ وقيل قبل ذلك. تهذيب التهذيب (5/ 65- 69).
[124] شريح بن الحارث بن قيس الكندي، القاضي،، مخضرم، ثقة، استقضاه عمر. مات قبل الثمانين أوبعدها. تهذيب التهذيب (4/ 326، 328).
[125] أخرجه الدارمي في السنن (1/ 60)، وأورده السيوطي في مفتاح الجنة (ص 46) وعزاه للبيهقي والدارمي.
[126] شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. قال ابن معين: "ثقة لا يسأل عن مثله" مات سنة 82 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 361، 363).
[127] أخرجه في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (13/ 249) ح 1275.(4/273)
[128] قال ابن حجر: "قال ابن بطال: يحتمل أمرين: أحدهما: أن الذين أثنوا عليه إما راغب في حسن رأيي فيه وتقريري له، وإما راهب من إظهار ما يضره من كراهته. أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني. أو المراد الناس راغب في الخلافة وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها، وان وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها.
وذكر القاضي عياض توجيها آخر: أنهما وصفان لعمر أي راغب فيما عند الله، وراهب من عقابه فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف عليكم فتح الباري (3/ 207).
[129] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام: باب الاستخلاف واللفظ له. انظر: فتح الباري (13/ 255، 256). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة: باب الاستخلاف وتركه (6/4، 5).
[130] أخرجه في صحيحه، كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وتركه (6/ 5)
[131] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج: باب الرمل في الحج والعمرة، واللفظ له. انظر: فتح الباري (3/ 471) ح 1605، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج: باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (4/ 67).
[132] عثمان بن عفان، ولد بعد الفيل بست سنين، أسلم على يد الصديق، وقد تزوج بنتي رسرل الله صلى الله عليه وسلم: رقية وأم كلثوم ولذلك سمي ذا النورين، وقد ولي الخلافة سنة 24 هـ، وقعت في عهده الفتنة فقتل رضي الله عنه سنة 35 هـ. تهذيب التهذيب (7/ 139، 142).
[133] زينب بنت كعب بن عجرة صحابية تزوجها أبو سعيد الخدري. الإصابة (4/ 312).
[134] الفريعة بنت مالك بن سنان الخدرية، صحابية جليلة وقصتها مذكورة في الحديث الذي معنا. الإصابة (4/ 375).
[135] أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/ 591) في الطلاق، باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها وأخرجه أبو داود في السنن، كتاب الطلاق، باب في المتوفى عنها تنتقل (2/ 723، 724) ح 2300، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطلاق: باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح (3/ 508) ح 1204، وأخرجه النسائي، في السنن الصغرى: كتاب الطلاق باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل (6/ 199).
[136] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج: باب التمتع والقران والإفراد بالحج... انظر فتح الباري (3/ 421)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج، باب جواز التمتع (4/ 46).
[137] أورده القاضي عياض في الشفا (2/ 556).
[138] أبي بن كعب الأنصاري، كان من أصحاب العقبة الثانية وشهد بدرا فما بعدها سيد القراء وهو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 22 هـ. الإصابة (1/ 31- 32).
[139] أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 21، 22) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 54)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 252- 253).
[140] أخرجه الدارمي في سننه، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/ 57) وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب تغيير البدع (ص 38). وأورده الشاطبي في الاعتصام (1/ 81).
[141] أخرجه الدارمي في سننه، باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع (1/ 53).
[142] أخرجه الدارمي في سننه، باب في كراهة أخذ الرأي (1/ 69)، وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب ما يكون من بدعة (ص 10)، وأخرجه اللالكائي في السنة (1/ 86) ح 104، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 181): رجاله رجال الصحيح.
[143] أخرجه اللالكائى في السنة (1/ 86) ح 106.
[144] أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 103) وقال على شرطهما وأقره الذهبي، واللالكائى في السنة (1/ 55) ح 14، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 11) وابن عبد البر في جامعه (2/ 230). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 188) رجاله ثقات.
[145] سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد فقهاء المدينة السبعة ومن أفاضل التابعين، مات سنة 106 هـ. تهذيب التهذب (3/ 437، 438).
[146] بلال بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدنيين وعده يحي القطان في فقهاء أهل المدينة. تهذيب التهذيب (1/ 554).
[147] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة: باب خروج النساء إلى المساجد (2/ 32).
[148] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء انظر: فتح الباري (3/ 350)
[149] فتح الباري (13/ 257) باختصار يسير.
[150] عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي الصالح عده بعضهم خامس الخلفاء، ولي الخلافة عام 99 هـ، وتوفي عام 101 هـ، وله أخبار في العدل والزهد كثيرة. تذكرة الحفاظ (1/ 118).
[151] الشريعة للآجري (ص 48)، وكتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 30)، وكتاب الاعتصام للشاطبي (1/ 50)، وجامع بيان العلم وفضله (ص 21).
[152] الشريعة للآجري (ص 48)، وجامع بيان العلم وفضله (2/ 32)، والاعتصام للشاطبي (1/ 87).(4/274)
[153] تابعي من أهل المدينة، أول من دون الحديث وهو من كبار الحفاظ الفقهاء، لقي بعض الصحابة قال مالك: "بقي ابن شهاب وما له في الدنيا نظير"، توفي عام 124 هـ.
التذكرة (108)، والبداية (9/ 345).
[154] أخرجه الدارمي في سننه (1/ 45) باب اتباع السنة.
[155] هو مجاهد بن جبر المكي تابعي إمام في التفسير، مات في السجود عام 104 هـ وقيل 103 هـ. التذكرة (92)، والتهذيب (10/ 42).
[156] أخرجه الطبري في تفسيره (8/ 505).
[157] أبو العالية رُفيع - بضم الراء مصغرا - بن مهران الرياحي - مولى امرأة من بني رياح، قال أبو بكر ابن أبي داود: "ليس أحد أعلم بالقرآن بعد الصحابة من أبي العالية"، توفي عام 13 هـ. التذكرة (61)، والطبقات (7/ 112)، واللباب (2/ 46).
[158] أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 32)، وأورده الشاطبي في الاعتصام (1/ 85)
[159] هو: أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختيانى - بفتح السين - نسبة إلى عمل السختيان وبيعه - وهي الجلود الضأنية - قال ابن سعد: "كان أيوب ثفة ثبتا في الحديث جامعا عدلا ورعا كثير العلم حجة"، توفي سنة 131 هـ. انظر: الطبقات (7/ 246)، واللباب (2/ 108)
[160] أورده السيوطي في مفناح الجنة (ص 35) وعزاه للبيهقي.
[161] أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكوفي، أحد الأئمة الأربعة وإليه ينتسب الأحناف ولد سنة 80 هـ، وتوفي سنة 150 هـ. البداية (10/ 107).
[162] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 111) بتحقيق محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
[163] المدخل إلى السنن (ص 204).
[164] الإعتصام للشاطبي (1/ 49).
[165] الاعتصام للشاطبي (1/ 85).
[166] المصدر السابق (1/ 105).
[167] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 201).
[168] رسالة التقليد لابن القيم (ص 83).
[169] الشفا (2/ 558).
[170] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 205) رقم 250، وأخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص 67)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 106)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 150)، وأورده السيوطي في مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة (ص 49، 50).
[171] أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 150)، والمدخل إلى السنن (ص 205)، والحلية (9/ 107).
[172] مجموع الفتاوى (4/ 2).
[173] السنة للالكائي (1/ 156).
[174] إيقاظ همم أولي الأبصار (ص 113).
[175] من أراد الاستزادة من أقوال السلف في هذا الشأن فعليه بالكتب التالية:
أ- أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للحافظ اللالكائي.
ب- المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي.
ج- الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي.
د- مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي
[176] الآية (44) من سورة النحل.
[177] الآية (64) من سورة النحل.
[178] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة: باب في لزوم السنة (5/ 10) ح 4604 وأخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 243).
[179] إعلام الموقعين (1/ 49، 55).
[180] الآية (9) من سورة الحجر.
[181] الآية (2) من سورة البقرة.
[182] تفدم تخريجه ص 120
[183] انظر: المبحث الأول من هذا الفصل.
[184] إعلام الموقعين (2/ 307، 308).
[185] الآية (82) من سورة الأنعام.
[186] الآية (24) من سورة النساء.
[187] أعلام الموقعين (2/ 314، 315).
[188] عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، صاحب التصانيف، صدوق قليل الرواية، توفي سنة 276 هـ. لسان الميزان (3/ 357- 359).
[189] الزبير بن العوام: من أول من أسلم بمكة، كان يسميه رسول الله صلى الله عليه وسلم "حواريه" لمحبته له، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قتل سنة 36 هـ. الإصابة (1/ 526- 528).
[190] أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجراح، أمين هذه الأمة، وأحد العشرة السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها، توفي سنة 18 هـ. الإصابة (2/ 243- 245).
[191] سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، شهد أحدا والمشاهد بعدها وكان من فضلاء الصحابة، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة توفي بالمدينة سنة خمسين وقيل بعد ذلك. الإصابة (2/ 44).
[192] كتاب تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة الدينورى (ص 30).
[193] قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي، تابعي ثقة، ولد عام الفتح، وكان من فقهاء أهل المدينة وصالحيهم، مات سنة 86 هـ وقيل غير ذلك. تهذيب التهذيب (8/ 346، 347).
[194] هو أن تزلق الجنين قبل وقت الولادة. النهاية (4/ 356).
[195] المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي، صحابي جليل، أسلم قبل عمرة الحديبية، وشهدها وبيعة الرضوان، وكان من دهاة العرب. مات سنة خمسين عند الأكثر. الإصابة (3/ 433، 434).
[196] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القسامة، باب دية الجنين (5/ 111، 112).
[197] أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/ 964).(4/275)
[198] أخرجه أحمد في مسنده (1/ 2)، وأخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها: باب ما جاء في أن الصلاة كفارة (1/ 446) ح 1395.
[199] عبد الله بن المبارك المروزي، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، كان ثقة، مأمونا، حجة، كثير الحديث، مات سنة 181 هـ. تهذيب التهذيب (5/ 382- 389).
[200] السنة ومكانتها في التشريع الإ سلامي للدكتور مصطفى السباعي (ص 92).
[201] يحي بن سعيد بن فروخ القطان، من حفاظ الحديث، ثقة حجة من أقران مالك وشعبة، مات سنة 198هـ. تهذيب التهذيب (11/ 216- 5 22).
[202] السنة ومكانتها (ص 93).
[203] أعلام الموقعين (2/ 248).
[204] البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 39).
[205] جابر بن زيد الأزدي أبو الشعثاء البصري، تابعي، ثقة، كان من أعلم الناس بكتاب الله، مات سنة 93 هـ وقيل بعدها. تهذيب التهذيب (2/ 38).
[206] أخرجه الدارمي في السنن (1/ 59).
[207] إعلام الموتعين (2/ 195).
[208] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة (3/ 11). وأخرجه البخاري موقوقا، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم انظر: فتح الباري (13/ 249) ح 7277.
[209] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (5/ 132) وفي رواية: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. فتح الباري (5/ 301) ح 2697.
[210] الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ (ص 99) بتصرف.
[211] أخرجه محمد بن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 10).
[212] البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 11).
[213] الإبداع في مضار الابتداع (ص 96).
[214] أخرجه اللالكائي في السنة (1/ 55) ح 12.
[215] أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 25).
[216] أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 25).
[217] المصدر السابق (ص 25).
[218] أخرجه اللالكائي في السنة (1/ 92) ح 226.
[219] الحسن بن يسار البصري، ولد في عهد عمر، كان جامعا، عالما، رفيعا، ثقة، مأمونا، عابدا، ناسكا كبير العلم فصيحا توفي سنة 110 هـ. الطبقات لابن سعد (7/ 156).
[220] البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 27).
[221] المصدر السابق (ص 47).
[222] البدع والنهي عنها لابن وضاح (ص 27).
[223] المصدر السابق (ص 47).
[224] مجموع الفتاوى (11/ 472).
[225] أبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأعلام قال أيوب السختيانى: "كان والله من الفقهاء ذوي الألباب"، توفي سنة 104 هـ وقيل غير ذلك. تهذيب التهذيب (5/ 224، 226).
[226] البدع والنهي عنها (ص 48).
[227] إعلام الموقعين (2/ 197).
[228] الآيتان (138، 139) من سورة الأعراف.
[229] الآية (30) من سورة التوبة.
[230] الآية (31) من سورة التوبة.
[231] الآيتان (23، 24) من سورة الزخرف.
[232] إعلام الموقعين (2/ 191).
[233] أخرجه الدارمي في سننه، المقدمة باب 23.
[234] إعلام الموقعين (2/ 192).
[235] المصدر السابق (2/ 193).
[236] المصدر السابق
[237] إعلام الموقعين (2/ 195).
[238] الروح لابن القيم (2/ 768، 769).
[239] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعنصام: باب ما يذكر من ذم الرأي. فتح الباري (13/ 282) ح 7307.
[240] إعلام الموقعين (1/ 67). وقد تناول ابن القيم في هذا الكتاب القول بالتفصيل عن أنواع الرأي فمن أراد التوسع والاستفادة فليرجع إليه.
[241] سموا بذلك لقولهم في القدر، وهم يزعمون أن العبد هو الذي يخلق فعله استقلالا، فأثبتوا خالقا مع الله. الملل والنحل (1/ 54)، ومجموع الفتاوى (8/ 256)
[242] العفارة: الخبث والشيطنة. النهاية (3/ 262).
[243] الآية (10) من سورة الملك.
[244] إعلام الموقعين (1/ 67- 69).
[245] المصدر السابق (1/ 54).
[246] إعلام الموقعين (1/ 55).
[247] المصدر السابق (1/ 55).
[248] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب كيف المسح (1/ 114، 115) ح 162 وأورده ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 58).
[249] إعلام الموقعين (1/ 58، 59).
[250] أخرجه الدارمي في السنن، المقدمة، باب تغير الزمان وما يحدث فيه (1/ 65). وأورده ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 57).
[251] إعلام الموقعين (1/ 73).
[252] المصدر السابق (1/ 74).
[253] المصدر السابق (1/ 74).
[254] الآية (115) من سورة المؤمنون.
[255] الآية (36) من سورة القيامة.
[256] كتاب تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن، تأليف الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسني الأسعردي مطرع ضمن الرسائل المنبرية (1/ 140، 141) بتصرف.
[257] الآية (63) من سورة النور.
[258]الآية (14) من سورة النساء.
[259] لآية (36) من سورة الأحزاب.
[260] الآية (23) من سورة الجن.
[261] الآية (115) من سورة النساء.
[262] الآية (13) من سورة الأنفال.(4/276)
[263] الآية (63) من سورة التوبة.
[264] الآية (5) من سورة المجادلة.
[265] الآية (20) من سورة المجادلة.
[266] تفسير ابن كثير (3/ 307).
[267] الآيتان (60، 61) من سورة النساء.
[268] الآيات (58- 51) من سورة النور.
[269] الآية (115) من سورة النساء.
[270] الآية (44) من سورة القلم.
[271] الآية (5) من سورة الصف.
[272] الآية (110) من سورة الأنعام.
[273] تفسير ابن كثير (1/ 554، 555).
[274] الآية (44) من سورة المائدة.
[275] الآية (45) من سورة المائدة.
[276] الآية (47) من سورة المائدة.
[277] الآية (70) من سورة الأنعام.
[278] الآية (28، 29) من سورة إبراهيم.
[279] الآية (21) من سورة الشورى.
[280] الآية (60) من سورة النساء.
[281] تيسير العزيز الحميد (ص 493).
[282] الآية (42) من سورة الأنفال.
[283] الآيات (27، 28، 29) من سورة الفرقان.
[284] الآية (153) مى سورة الأنعام.
[285] طلق بن حبيب العنزي البصري، تابعي ثقة كان أعبد أهل زمانه قتله الحجاج مع سعيد بن جبير. تهذيب التهذيب (5/ 31- 32).
[286] الآية (3) من سورة الإنسان.
[287] الآيتان (14، 15) من سورة القيامة.
[288] الآيات (39، 40، 41) من سورة النجم.
[289] سلمة بن عمرو بن الأكوع، صحابي جليل أول مشاهده الحديبية، وكان من الشجعان ويسبق الفرس عدوا، مات بالمدينة سنة أربع وسبعين على الصحيح. الإصابة (2/ 65).
[290] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (6/ 109).
[291] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار: باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة. انظر فتح الباري (7/ 165). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب سجود التلاوة (2/ 88).
[292] فتح الباري (8/ 614).
[293] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 50/ 92) وقد جود إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (ص 39)، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 23).
[294] أخرجه ابن ماجة في السنن، كتاب الفتن، باب العقوبات (2/ 1332، 1333) ح 4019
[295] فرطهم: أي متقدمهم إليه. يقال فرط يفرط، فهو فارط وفرط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء، ويهيئ لهم الدلاء والأرشية. النهاية (3/ 434).
[296] الغر: جمع الأغر، من الغرة بياض الوجه، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة. النهاية (3/ 354).
[297] الحجل في صفة الخيل هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين. النهاية (1/ 346).
[298] دُهُم: أي سود. النهاية (2/ 145، 146)، بُهُم: جمع بهيم وهو الذي لا يخالط لونه لون سواه. النهاية (1/ 167).
[299] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارةك باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (1/ 150، 151).
[300] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم: باب هلك المتنطعون (8/ 59).
[301] شرح النووي لمسلم (16/ 220).
[302] الآية (20) من سورة المجادلة.
[303] الآية (124) من سورة طه.
29. ... 4- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [معنى المحبة]
الباب الثاني: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم
الفصل الأول: المعنى الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم والأدلة على وجوبها
المبحث الأول: المعنى الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم:
المطلب الأول: تعريف المحبة:
أحببت قبل الشروع في بيان المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم أن أتطرق للمعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة المحبة، وذلك بهدف التعريف بهذه الكلمة وبيان مدلولها:
أ- أصل اشتقاق المحبة:
قال صاحب لسان العرب: "المحبة: اسم للحب"[1]، ويرى ابن القيم أن مادة كلمة "حب" تدور في اللغة على خمسة أشياء:
أحدها: الصفاء والبياض، ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها "حبب الأسنان"
الثاني: العلو والظهور، ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه عند المطر الشديد، وحبب الكأس منه.
الثالث: اللزوم والثبات، ومنه، حب البعير وأحب، إذا برك ولم يقم.
قال الشاعر:
حلت عليه بالفلاة ضربا ضرب بعير السوء إذ أحبَّا
الرابع: اللب، ومنه: حبة القلب، للبه وداخله.
ومنه: الحبة لواحدة الحبوب، إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه.
الخامس: الحفظ والإمساك، ومنه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه ويمسكه وفيه معنى الثبوت أيضا.
ثم قال رحمه الله: ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة:
1- فإنها صفاء المودة، وهيجان إرادات القلب للمحبوب.
2- وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد.
3- وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوما لا تفارقه.
4- ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده، وهو قلبه.
5- ولاجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه.
فاجتمعت فيها المعاني الخمسة[2].
ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة: "الحاء" التي هي من أقصى الحلق.
و"الباء" الشفوية التي هي نهايته.(4/277)
فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.
وقالوا في فعلها: حَبْهُ وأحَبْهُ.
ثم اقتصروا على اسم الفاعل من "أحب" فقالوا: "مُحِبٌّ" ولم يقولوا "حاب". واقتصروا على اسم المفعول من "حب" فقالوا: "محبوب" ولم يقولوا "مُحَب" إلا قليلا كما قال الشاعر:
ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المُحَب المكرم[3]
وأعطوا "الحب" حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها، مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها.
وأعطوا "الحِب" وهو المحبوب: حركة الكسر لخفتها عن الضمة وخفة المحبوب، وخفة ذكره على قلوبهم وألسنتهم...
فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعاني تطلعك على قدر هذه اللغة، وأن لها شأنا ليس لسائر اللغات[4].
ب- الحد الاصطلاحي للمحبة:
قال ابن حجر[5]: "وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانا ولا يمكن التعبير عنها"[6]
وقال ابن القيم: "لا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها. ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها، وموجباتها، وعلاماتها، وشواهدها، وثمراتها، وأحكامها فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات وكثرت الإشارات، بحسب إدراك الشخص ومقامه وحاله وملكه للعبارة"[7].
قلت: وهذا الذي ذكره ابن القيم وابن حجر هو الذي تطمئن له النفس فالمحبة أمر شعوري وجداني يتعرف عليه بواسطة الأمور الستة التي أشار إليها ابن القيم، وذلك لكون هذه الأمور هي العناصر التي يمكن أن يعبر عن المحبة من طريقها.
ولذلك فلا داعي لذكر تعريفات العلماء لها فحدها وجودها، والحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى
المطلب الثاني: أقسام المحبة:
أ- أقسام المحبة من حيث العموم:
تنقسم المحبة من حيث العموم إلى قسمين:
1- مشتركة. 2- خاصة.
القسم الأول: المحبة المشتركة.
وهي ثلاثة أنواع:
أحدها: محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء ونحو ذلك، وهذه لا تستلزم التعظيم.
الثاني: محبة رحمة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، وهذه أيضا لا تستلزم التعظيم.
الثالث: محبة أنس وألف، وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر، لبعضهم بعضا، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضا. فهذه الأنواع الثلاثة، التي تصلح للخلق، بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، وكان يحب نساءه، وعائشة أحبهن إليه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق رضي الله عنه.
القسم الثاني: المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله.
ومتى أحب العبد بها غيره، كان شركا لا يغفره الله، وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره.
فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلا[8] بل يجب إفراد الله بهذه المحبة الخاصة التي هي توحيد الإلهية، بل الخلق والأمر والثواب والعقاب، إنما نشأ عن المحبة ولأجلها، فهي الحق الذي خلقت به السموات والأرض، وهي الحق الذي تضمنه الأمر والنهي وهي سر التأله، وتوحيدها هو شهادة أن لا إله إلا الله، وليس كما يزعم المنكرون، أن الإله هو الرب الخالق، فإن الشضركين كانوا مقرين بأنه لا رب إلا الله ولا خالق سواه، ولم يكونوا مقرين بتوحيد الإلهية الذي هو حقيقة لا إله إلا الله، فإن الإله الذي تألهه القلوب حبا وذلا وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة.
وإله بمعنى مألوه، أي: محبوب معبود، وأصله من التأله وهو التعبد الذي هو آخر مراتب المحبة، فالمحبة حقيقة العبودية[9] وسيأتي مزيد تفصيل لهذا القسم.
ب- أقسام المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها:
تنقسم المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها إلى قسمين:
1- نافعة محمودة. 2- مذمومة ضارة.
القسم الأول: المحبة النافعة
وهي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه وهو السعادة وهي ثلاثة أنواع:
أ- محبة الله.
ب- محبة في الله.
ج- محبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته.
فيحب الله تعالى حبا لا يشاركه فيه أحد، ويكون الله عز وجل هو المحبوب المراد الذي لا يحب لذاته ولا يراد لذاته إلا هو، وهو المحبوب الأعلى الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو محبوبه ومراده وغاية مطلوبه. وتكون هذه المحبة مستلزمة لما يتبعها من عبادته تعالى وخضوعه له، وتعظيمه عز وجل.
والمحبة في الله: بأن يحب المؤمنين لا يحبهم إلا لله ويكون هواه تبعا لحب الله تعالى ورضاه، فلا يحب إلا ما يحب الله تعالى.
ومحبة ما يعين على طاعة الله أنواع كثيرة تندرج فيها جميع العبادات.
القسم الثاني: المحبة الضارة
وهي المحبة المذمومة التي تجلب لصاحبها ما يضره وهو الشقاء. وهي ثلاثة أنواع أيضا:
1- المحبة مع الله.
2- محبة ما يبغضه الله.(4/278)
3- محبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها.
فمن النوع الأول: محبة المشركين آلهتهم كحب الله.
ومن النوع الثاني: محبة الفواحش والمنكرات التي يبغضها الله.
ومن النوع الثالث: عشق النساء الذي يزيد عن حده حتى يضيع الأوامر ويدخل في النواهي، وفي مقدمة ذلك عشق الفاسقات والعاهرات والولدان. فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق.
فأصل المحاب المحمودة محبة الله تعالى بل وأصل الإيمان والتوحيد والنوعان الآخران تبع لها.
كما أن المحبة مع الله أصل الشرك والمحاب المذمومة، والنوعان الآخران تبع لها[10].
فأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة، فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب سبحانه في خلق السموات والأرض وإنما كان شركهم بها من جهة محبتها مع الله فوالوا عليها وعادوا عليها وتألهوها وقالوا: هذه آلهة صغار تقربنا إلى الإله الأعظم، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه}[11].
ففرق بين محبة الله أصلا، والمحبة له تبعا، والمحبة معه شركا، وعليك بتحقيق هذا الموضع فإنه مفرق الطرق بين أهل التوحيد وأهل الشرك[12].
المطلب الثالث: حقيقة المحبة الشرعية:
المقصود بالمحبة الشرعية: محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وكل ما يدخل في فلكها ويدور مع محورها.
فهذه المحبة من أعظم واجبات الإيمان وأكبر أصوله، بل ومن أوجب العبادات المناطة بقلب المؤمن، ذلك لأنه لابد في إيمان القلب من حب الله ورسوله، وأن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إليه مما سواهما.
فهي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين، كما أن التصديق به أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين، فإن كل حركة في الوجود إنما تصدر عن محبة: إما محبة محمودة، أو عن محبة مذمومة.
فجميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن المحبة المحمودة، وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه وتعالى، إذ العمل الصادر عن محبة مذمومة لا يكون عملا صالحا عند الله، بل جميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن محبة الله، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه. كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"[13].
فإخلاص الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه وهو الذي بعث به الأولين والآخرين من الرسل، وأنزل به جميع الكتب واتفق عليه أهل الإيمان،
وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه[14]. فأصل الدين وقاعدته يتضمن أن يكون الله هو المعبود الذي تحبه القلوب وتخشاه ولا يكون لها إله سواه، والإله ما تألهه القلوب بالمحبة والتعظيم والرجاء والخوف والإجلال والإعظام ونحو ذلك.
والله سبحانه أرسل الرسل بأنه لا إله إلا هو فتخلو القلوب عن محبة ما سواه بمحبته، وعن رجاء ما سواه برجائه، وعن سؤال ما سواه بسؤاله، وعن العمل لما سواه بالعمل له، وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به[15].
فإذا كان أصل العمل الديني هو إخلاص الدين لله، وهو إرادة الله وحده فالشيء المراد لنفسه هو المحبوب لذاته، وهذا كمال المحبة، ولكن أكثر ما جاء المطلوب باسم العبادة كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[16]، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[17]، وأمثال هذا والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته، وكمال الذل ونهايته، فالمحبوب الذي لا يعظم ولا يذل له لا يكون معبودا، والمعظم الذي لا يحب لا يكون معبودا، ولهذا قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}[18]
فبين سبحانه أن المشركين بربهم الذين يتخذون من دون الله أندادا، وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله، فالذين آمنوا أشد حبا لله منهم لله ولأوثانهم لأن المؤمنين أعلم بالله، والحب يتبع العلم، ولأن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده، وأولئك جعلوا بعض حبهم لغيره وأشركوا بينه وبين الأنداد في الحب، ومعلوم أن ذلك أكمل قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[19].(4/279)
واسم المحبة فيه إطلاق وعموم فإن المؤمن يحب الله ويحب رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين، وان كان ذلك من محبة الله، وإن كانا المحبة التي لله لا يستحقها غيره. ولهذا جاءت محبة الله سبحانه وتعالى مقرونة بما يختص به سبحانه من العبادة والإنابة إليه والتبتل له، ونحو ذلك. فكل هذه الأسماء تتضمن محبة الله سبحانه وتعالى.
وكما أن محبته هي أصل الدين، فكذلك كمال الدين يكون بكمالها ونقصه بنقصها[20] وكمال هذه المحبة هو بالعبودية والذل والخضوع والطاعة للمحبوب سبحانه وتعالى فالحق الذي خلق به ولأجله الخلق هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته والخضوع والذل له، ولوازم عبوديته من الأمر والنهي والثواب والعقاب، ولأجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق الجنة والنار[21].
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[22]
وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[23]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[24].
فأخبر سبحانه في هذه الآيات أن خلق العالم والموت والحياة وتزين الأرض بما عليها أنه للابتلاء والامتحان ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا، فيكون عمله مواففا لمحاب الرب تعالى، فيوافق الغاية التي خلق هو لها وخلق لأجلها العالم وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته، وهي العمل الأحسن وهو مواقع محبته ورضاه، وقدر سبحانه مقادير تخالفها بحكمته في تقديرها، وامتحن خلقه يين أمره وقدره ليبلوهم أيهم أحسن عملا.
فانقسم الخلق في هذا الابتلاء فريقين:
الفريق الأول: داروا مع أوامره ومحابه، ووقفوا حيث وقف بهم الأمر، وتحركوا حيث حركهم الأمر، واستعملوا الأمر في القدر، وركبوا سفينة الأمر في بحر القدر، وحكموا الأمر على القدر، ونازعوا القدر بالقدر امتثالا لأمره واتباعا لمرضاته فهؤلاء هم الناجون.
والفريق الثاني: عارضوا بين الأمر والقدر، وبين ما يحبه ويرضاه وبين ما قدره وقضاه، فهؤلاء هم المفرطون[25].
وحقيقة المحبة: حركة نفس المحب إلى محبوبه، فالمحبة حركة بلا سكون[26] فالحب يوجب حركة النفس وشدة طلبها، والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار، فالحب حركتها الطبيعية، فكل من أجل شيئا من الأشياء وجد في حبه لذة وروحا، فإذا خلا عن الحب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها وثقلت وكسلت وفارقها خفة النشاط، ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس هما وغما وحزنا، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النشاط والجد في العمل أي عمل كان، فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن عواقبه وحلاوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه أقوى.
وإنه ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به، والأنس بقربه، والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله ورسوله يخلص من الخلود في دار الآلام فكيف بالإيمان الذي يمنع من دخولها[27].
ولهذا كان أعظم صلاح العبد أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى وحده بحيث يحب الله بكل قلبه وروحه وجوارحه فليس لقلب العبد صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله، فلا يحب إلا لله.
كما في الحديث الصحيح: "ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"[28]، فأخبر أن العبد لا يجد حلاوة الإيمان إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه، ومحبة الرسول هي من محبته، ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبة الله، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها، وتصدق هذه المحبة بأن يكون كراهته لأبغض الأشياء إلى محبوبه - وهو الكفر - بمنزلة كراهته لإلقائه في النار أو أشد.
ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة، فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئا، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وإلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر كان الله أحب إليه من نفسه فالحديث دل على أن حلاوة الإيمان تتبع كمال محبة العبد لله، وهذه الحلاوة لا تحصل إلا بثلاثة أمور:
1- تكميل هذه المحبة. 2- تفريعها. 3- دفع ضدها.
1- "فتكميلها": أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فإن محبة الله ورسوله لا يكتفي فيها بأصل الحب، بل لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
2- و"تفريعها": أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.(4/280)
3- و"دفع ضدها" أن يكره ضد الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار[29] وهذه المحبة هي فوق ما يجده سائر العشاق والمحبين من محبة محبوبهم، بل لا نظير لهذه المحبة كما لا مثيل لمن تعلقت به.
وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد وتقتضي كمال الذل والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة والانقياد ظاهرا وباطنا وهذا لا نظير له في محبة المخلوق كائنا من كان.
ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان مشركا شركا لا يغفره الله كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} والصحيح أن معنى الآية: والذين آمنوا أشد حبا لله من أهل الأنداد لأندادهم كما تقدم بيانه أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلا، كما لا يماثل محبوبهم غيره. وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته، وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عين في محبته[30].
وكثير من الناس يدعي محبة الله تعالى من غير تحقيق لموجباتها قال بعض السلف: ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية[31] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[32] وهذا لأن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبه الله، وليس شيء يحبه الله إلا والرسول يدعو إليه، وليس شيء يدعو إليه الرسول إلا والله يحبه، فصار محبوب الرب ومدعو الرسول متلازمين بل هذا هو هذا في ذاته، وإن تنوعت الصفات.
فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب، وليست محبته لله وحده، بل إن كان يحبه فهي محبة شرك، فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود والنصارى محبة الله، فإنهم لو أخلصوا له المحبة لم يحبوا إلا ما أحب فكانوا يتبعون الرسول، فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس محبة المشركين.
وهكذا أهل البدع فمن قال إنه من المريدين لله المحبين له، وهو لا يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به، وترك ما نهى عنه، فمحبته فيها شوب من محبة المشركين واليهود والنصارى بحسب ما فيه من البدع، فإن البدع ليست مما دعا إليه الرسول ولا يحبها الله، فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله، فأمر بكل معروف ونهى عن كل منكر[33].
فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيما، فمن كان أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله.
ومن كان أقل نصيبا كان ذلك سببا في نزول درجته ومنزلته، وأما من كان غير متبع لسبيل النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون محبا لله سبحانه وتعالى[34]؟، ومعلوم أنه لا يتم الإيمان والمحبة لله إلا بتصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر[35].
فلابد لمحب الله من متابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله بل هذا لازم لكل مؤمن قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[36] فهذا حب المؤمن لله.
وفد قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[37] فأخبر أن من كانت محبوباته أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله فهو من أهل الوعيد.
وقال في الذين يحبهم ويحبونه {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[38].
فمن تمام محبة الله ورسوله بغض من حاد الله ورسوله، والجهاد في سبيله لقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[39](4/281)
وقال تعالى: {تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[40]، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[41].
فأمر المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم ومن معه حيث أبدوا العداوة والبغضاء لمن أشرك حتى يؤمنوا بالله وحده[42].
وثبات المحبة إنما يكون بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أعماله وأقواله وأخلاقه، فبحسب هذا الاتباع يكون منشأ هذه المحبة وثباتها وقوتها، وبحسب نقصانه يكون نقصانها.
وهذا الاتباع يوجب المحبة والمحبوبية معا، ولا يتم الأمر إلا بهما فليس الشأن في أن تحب الله، بل الشأن في أن يحبك الله، ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا، وصدقته خبرا، وأطعته أمرا، وأجبته دعوة، وآثرته طوعا وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعن، وارجع من حيث شئت فالتمس نورا فلست على شيء[43].
ومحبة الله ورسوله على درجتين:
واجبة، وهي درجة المقتصدين. ومستحبة، وهي درجة السابقين.
فالأولى: تقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، بحيث لا يحب شيئا يبغضه، كما قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وذلك يقتضي محبة جميع ما أوجبه الله تعالى، وبغض ما حرمه الله تعالى، وذلك واجب، فإن إرادة الواجبات إرادة تامة تقتضي وجود ما أوجبه الله، كما تقتضي عدم الأشياء التي نهى الله عنها وذلك مستلزم لبغضها التام.
فيجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[44]. وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}[45]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَه}[46].
وأما محبة السابقين بأن يحب ما أحبه الله من النوافل والفضائل محبة تامة، وهذه حال المقربين الذين قربهم الله إليه. فإذا كانت محبة الله ورسوله الواجبة تقتضي بغض ما أبغضه الله ورسوله، كما في سائر أنواع المحبة، فإنها توجب بغض الضد ..."[47].
المطلب الرابع: المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وانقسام الناس فيها:
اعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب لنبينا صلى الله عليه وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقا زائدة على مجرد التصديق بنبوته، كما أوجب سبحانه على خلقه من العبادات على القلب واللسان والجوارح أمورا زائدة على مجرد التصديق به سبحانه. وحرم سبحانه لحرمة رسوله - مما يباح أن يفعل مع غيره - أمورا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته.
فمن تلك الحقوق حقه صلى الله عليه وسلم بأن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دلت على ذلك الأدلة من القرآن والسنة[48] والتي سيأتي ذكرها.
"فحب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم واجبات الدين"[49].
فهذه المحبة الواجبة له صلى الله عليه وسلم هي من محبة الله، فهي حب لله وفي الله، ذلك لأن محبة الله توجب محبة ما يحبه الله، والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم، فوجب بذلك محبته حقا، فهي متفرعة عن محبة الله وتابعة لها واقتران ذكرها مع محبة الله في القرآن والسنة إنما هو للتنبيه على أهميتها وعظم منزلتها.
وبمقتضى هذه المحبة يجب موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في حب ما يحبه وكره ما يكرهه، أي بتحقيق المتابعة له فيحب بقلبه ما أحب الرسول، ويكره ما كرهه الرسول، ويرضى بما يرضى الرسول، ويسخط ما يسخط الرسول، ويعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض.
وقد انقسم الناس في فهمهم لهذه المحبة إلى ثلاثة أقسام هي:
• القسم الأول: أهل الإفراط.
• القسم الثاني: أهل التفريط.
• القسم الثالث: الذين توسطوا بين الإفراط والتفريط.(4/282)
أما أصحاب القسم الأول: فهم الذين بالغوا في محبته بابتداعهم أمورا لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ظنا منهم أن فعل هذه الأمور هو علامة المحبة وبرهانها.
ومن تلك الأمور احتفالهم بمولده، ومبالغتهم في مدحه وإيصاله إلى أمور لا تنبغي إلا لله تعالى ومن ذلك قول قائلهم:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم[50]
وقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بعض علومه علم اللوح والقلم لأن "من" للتبعيض، فماذا للخالق جل وعلا؟
إضافة إلى صرف بعض أنواع العبادة له كالدعاء والتوسل والاستشفاع والحلف به والطواف والتمسح بالحجرة التي فيها قبره صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من البدعيَّات والشركيَّات التي تفعل بدعوى المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أمور لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم الذين عرفوا بإجلالهم وتقديرهم ومحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضافة إلى ذلك فإن ما يقوم به هؤلاء هي أمور مخالفة لما جاء به الشارع، بل هي أمور قد حذر الشارع من فعلها، ولقد صار حظ أكثر أصحاب هذا القسم منه صلى الله عليه وسلم مدحه بالأشعار والقصائد المقترنة بالغلو والإطراء الزائد الذي حذر منه الشارع الكريم، مع عصيانهم له في كثير من أمره ونهيه، فتجد هذا النوع من أعصى الخلق له صلوات الله عليه وسلامه[51].
فيا ترى أي محبة هذه التي يخالف أصحابها شرع نبيهم، فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله، فكرهوا ما أحب الله ورسوله، وأحبوا ما كرهه الله ورسوله. فكيف تكون لهؤلاء محبة وهم قد ابتدعوا ما ابتدعوه من أمور لم تشرع في الدين، ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن ابتدع في هذا الدين فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
والذي يجب على أمثال هؤلاء أن يعلموا أن محبة الرسول وتعظيمه إنما تكون بتصديقه فيما أخبر به عن الله، وطاعته فيما أمر به، ومتابعته، ومحبته وموالاته، لا بالتكذيب بما أرسل به، والإشراك به والغلو فيه، فهذا لا يعدو كونه كفرا به، وطعنا فيما جاء به ومعاداة له[52].
كما يجب عليهم أن يفرقوا بين الحقوق التي يختص بها الله وحده ويبين الحقوق التي له ولرسله، والحقوق التي يختص بها الرسول، فقد ميز سبحانه بين ذلك في مثل قوله {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[53]، فالتعزير والتوقير للرسول والتسبيح بكرة وأصيلا لله، وكما قال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}، فالطاعة لله ولرسوله، والخشية والتقوى لله وحده وكما يقول المرسلون: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ}[54].
فعلى هؤلاء أن يعلموا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تنال بدعائه والاستغاثة به، فتلك أمور صرفها لغير الله يعد شركا مع الله فالله وحده هو الذي يدعى ويستغاث به فهو رب العالمين، وخالق كل شيء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو القريب الذي يجيب الداع إذا دعاه وهو سميع الدعاء سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وسيأتي بإذن الله مزيد تفصيل لما وقع فيه أصحاب هذا القسم من الغلو في حقه، وذلك في الباب الرابع الذي عقدته للكلام عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم.
أما أصحاب القسم الثاني فهم أهل التفريط الذين قصروا في تحقيق هذا المقام فلم يراعوا حقه صلى الله عليه وسلم في وجوب تقديم محبته على محبة النفس والأهل والمال. كما لم يراعوا ماله من حقوق أخرى كتعزيره وتوقيره وإجلاله وطاعته واتباع سنته والصلاة والسلام عليه إلى غير ذلك من الحقوق العظيمة الواجبة له. والسبب في ذلك يعود إلى إحدى الأمور التالية أو إليها جميعا وهي:
أولا: إعراض هؤلاء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي، وإسرافهم في تقديم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي.
ثانيا: اعتقاد الكثير أن مجرد التصديق يكفي في تحقيق الإيمان، وأن هذا هو القدر الواجب عليهم، ولذا تراهم يكتفون بالتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، دون تحقيق المتابعة له، وهذا هو حال أهل الإرجاء الذين يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان ويقولون إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، أو تصديق القلب وإقرار اللسان وما أكثرهم في زماننا هذا.
ثالثا: جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم، والتي من ضمنها محبته صلى الله عليه وسلم فكثير من الناس - ولا حول ولا قوة إلا بالله - ليس لهم من الإسلام إلا اسمه وليس لهم من الدين إلا رسمه.(4/283)
فالواجب على هؤلاء أن يعودوا إلى رشدهم وأن يقلعوا عن غيهم، وما هم عليه من المعاصي والذنوب التي هي سبب نقصان إيمانهم وضعف محبتهم وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى.
كما يجب عليهم أن يعلموا أن مجرد التصديق لا يسمى إيمانا بل الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان، فليس لأحد أن يخرج العمل عن مسمى الإيمان فلذلك يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله أن يطيع الله ورسوله ويتبع ما أنزل الله من الشرع على رسوله صلى الله عليه وسلم، فبذلك يحصل الإيمان، فإن الاتباع هو ميزان الإيمان فبحسب اتباع المرء يكون إيمانه، فمتى ما قوي اتباعه قوي إيمانه والعكس بالعكس.
كما يجب عليهم معرفة أمور دينهم وبخاصة الواجب منها والتي من ضمنها معرفة ما للمصطفى صلى الله عليه وسلم من الحقوق الواجبة فلقد ذم الله تبارك وتعالى أولئك النفر الذين لم يعرفوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم من حق في عدم رفع الصوت عند مخاطبته أو مناداته ووصفهم الله بأنهم لا يعقلون قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[55]، وفي السورة نفسها أثنى على الذين عرفوا حق المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[56]، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[57]. وليعلم هؤلاء أنه لا يتحقق لهم إيمان ولا محبة إلا باتباعهم للمصطفى صلى الله عليه وسلم واقتدائهم بسنته والسير على نهجه وهداه.
أما القسم الثالث: فهم الذين توسطوا بين الطرفين السابقين أهل الإفراط وأهل التفريط. فأصحاب هذا القسم هم السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم الذين آمنوا بوجوب هذه المحبة حكما وقاموا بمقتضاها اعتقادا وقولا وعملا. فأحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس والولد والأهل وجميع الخلق امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فجعلوه أولى بهم من أنفسهم تصديقا لقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[58]، وأيقنوا بوجوب أن يوقى بالأنفس والأموال طاعة لقوله تعالى {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}[59]. وقاموا بمقتضى هذه المحبة اعتقادا وقولا وعملا بحسب ما أو جب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من حقوق على القلب واللسان والجوارح من غير إفراط ولا تفريط. فآمنوا وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به من ربه عز وجل. وقاموا- بحسب استطاعتهم- بما يلزم من طاعته والانقياد لأمره والتأسي بفعله والاقتداء بسنته إلى غير ذلك مما يعد من لوازم الإيمان برسالته.
قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[60] وامتثلوا لما أمر به سبحانه وتعالى من حقوق زائدة على مجرد التصديق بنبوَّته وما يدخل في لوازم رسالته.
فمن ذلك امتثالهم لأمره سبحانه بالصلاة عليه والتسليم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[61]. وما أمر به سبحانه من تعزيره وتوقيره قال تعالى: {وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ}. فتعزيره يكون بنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم.
وتوقيره: يكون بإجلاله وإكرامه وأن يعامل بالتشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار[62].
ويدخل في ذلك مخاطبته بما يليق قال تعالى:{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً}[63].
وحرمة التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرمة رفع الصوت فوق صوته وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[64].(4/284)
فقاموا بهذه الأمور امتثالا وطاعة لأمر الله تبارك وتعالى وأدوا ما فرض عليهم من الحقوق الأخرى التي يطول ذكرها والتي هي مذكورة في ثنايا هذا البحث. وهم مع قيامهم بهذه الأمور لم يتجاوزوا ما أمروا به فلم يغالوا ولم يبالغوا كما فعل أهل الإفراط الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأمور لا تنبغي لغير الله كعلم الغيب، وصرفوا له أمورا لا يجوز صرفها لغير الله كدعائه والسجود له والاستغاثة به والطواف بقبره.
بل هم مؤمنون بأن ما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من النبوة والرسالة والرفعة وعظم القدر وشرف المنزلة، كل ذلك لا يوجب خروجه عن بشريته وعبوديته لله قال تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً}[65].
واعتقدوا أنه ليس من المحبة في شيء الغلو في حقه وقدره ووصفه بأمور قد اختص الله بها وحده، بل علموا أن في هذا مخالفة ومضادة لتلك المحبة ومناقضة لما أمر به سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لأمته: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[66].
وقال تعالى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[67].
فكل غلو في حقه صلى الله عليه وسلم ليس من محبته في شيء بل يعد مخالفة لما أمر به فيجب الابتعاد عن ذلك والحذر من عقوبته قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} كما يعد مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[68]، ولذا فإنه يجب الحذر من حال الغلاة الذين غلوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم بما ابتدعوه من الأمور التي لم يشرعها الله في كتابه أو على لسان رسوله، بل حذر الله ورسوله منها.
وقد يظن البعض بأن السير على منهج أهل التوسط فيه انتقاص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم وغمط لحقه، والأمر على عكس ما يظنون فالذي يعتقده السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين أن الحق الواجب أن يثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أهل له من الخصائص الثابتة له التي خصه الله بها والفضائل العظيمة التي شرفه بها والصفات الحقيقية والخلقية التي كان عليها وذلك للتعرف وتعريف الناس بفضله ومكانته وعظيم قدره عند الله وعند خلقه حتى يتأسى ويقتدى به في أقواله وأفعاله فهو الأسوة والقدوة عليه أفضل الصلاة والتسليم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[69].
فمن صميم المحبة له صلى الله عليه وسلم الاشتغال بمعرفة سيرته بقصد التأسي والاقتداء بما كان عليه من كريم الخصال ومحاسن الأفعال والأقوال. وكذا معرفة شمائله ودلائل نبوته التي تعمق إيمان المسلم بصدق نبوته وتزيد في محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم. ولقد اهتم السلف بهذه الجوانب وأولوها رعايتهم واهتمامهم فاعتنوا بتأليف المؤلفات التي أوضحت هذه الجوانب وأبرزتها فقد ألفت لهذا الغرض كتب الشمائل التي اعتنت بذكر صفاته وأحواله في عباداته وخلقه وهديه ومعاملاته[70]، كما ألفت كتب الدلائل التي اعتنت بدلائل وعلامات نبوته صلى الله عليه وسلم[71].
هذا بالإضافة إلى ما كتب في الفضائل والخصائص التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم. كما اعتنوا بأصل هذه الجوانب جميعها ألا وهو سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم فقد ألفت لهذا الغرض المؤلفات التي اعتنت بحياته منذ ولادته إلى وفاته وضمت في جوانب ذلك الحديث عن نشأته وبعثته وما حدث له من الأمور قبل الهجرة وبعدها وما كان من أمر دعوته وغزواته وسراياه وما يتعلق بهذه الجوانب وغيرها مما هو داخل في سيرته[72]. فقد دونت هذه الجوانب جميعها وخدمت بقصد أن يتأسى الناس به صلى الله عليه وسلم وأن يتعرفوا على كمال ذاته صلى الله عليه وسلم وما تميز به من صفات، وتفرد به من أخلاق لتزيد تلك المعرفة من محبتهم له وتنميتها في قلوبهم ولتبعث في نفوسهم تعظيمه وإجلاله.
وبهذا يعلم أن أهل التوسط لم ينتقصوا من قدره صلى الله عليه وسلم بل حفظوا وحافظوا على كل ما من شأنه أن يضمن استمرارية محبة الأمة وتعظيمها له.
فهذه حال أهل التوسط وهذا هو منهجهم فمن أراد أن يسير على النهج القويم ويسلك الصراط المستقيم فعليه بسبيل أهل الإيمان وطريقهم ألا وهو الكتاب والسنة فذاك طريق الحق، والحق أحق أن يتبع.(4/285)
وهذا منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، فقد كانت محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم تحكمها قواعد الكتاب والسنة، فما أمر به الشارع ائتمروا به وما نهى عنه الشارع انتهوا عنه، ولم يحكموا في هذه المحبة عواطفهم وأهواءهم كما فعل أهل الإفراط الذين زلت بهم أقدامهم بسبب غلوهم في حقه ذاك الغلو الذي دفعهم إليه تحكيم أهوائهم، وهو غلو ما أنزل الله به من سلطان بل إن نصوص الشرع تنص على تحريمه، وإنه ليصدق وصف أهل الإفراط بقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[73].
فخلاصة القول في هذا الجانب أن المفهوم الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم يتمثل في ذلك المفهوم الذي كان عليه سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم. ذلك المفهوم المستمد من آيات القرآن ونصوص السنة والذي لم يخرج عنهما قيد أنملة.
وما ذكرته ههنا عن هذا المفهوم الصحيح على سبيل الإجمال، وتفصيل ذلك مستوفى بين دفتي هذا البحث فمنه ما سبق بيانه ومنه ما سيأتي تفصيله ونسأل الله الإعانة على ذلك.
المبحث الثاني: الأدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم.
المطلب الأول: الأدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم.
لما كانت محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين كما أن التصديق أصل كل قول من أقوال الإيمان[74].
ولما كانت هذه المحبة من الإيمان الواجب الذي لا يتم إيمان العبد إلا به. ولما كانت هذه المحبة هي إحدى الحقوق الواجبة للنبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فقد جعل الله هذه المحبة فوق محبة الإنسان لنفسه وأهله وماله والناس أجمعين. كما نص على ذلك في كتابه الله العزيز:
أولا: قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[75].
فالآية نصت على وجوب محبة الله ورسوله وأن تلك المحبة يجب أن تكون مقدمة على كل محبوب، ولا خلاف في ذلك بين الأمة[76].
قال القاضي عياض: "كفى بهذه الآية حضا وتنبيها ودلالة وحجة على لزوم محبته، ووجوب فرضها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}
ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله"[77].
والمتأمل لهذه الآية يجد أن الأمر فيها لم يقتصر على وجود أصل المحبة لله ورسوله، بل لابد مع ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وهذه المحبة لله تقتضي تحقيق العبودية له لأن العبادة هي الغاية التي خلق الله لها العباد من جهة أمره ومحبته ورضاه كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[78] وبها أرسل الرسل وأنزل الكتب، وهي اسم يجمع كمال الحب لله ونهايته وكمال الذل لله ونهايته فالحب الخالي عن الذل والذل الخالي عن الحب لا يكون عبادة، وإنما العبادة ما يجمع كمال الأمرين ولهذا كانت العبادة لا تصلح إلا لله، وهي وإن كانت منفعتها للعبد والله غني عنها فهي له من جهة محبته لها ورضاه بها [79]
وأما محبة الرسول فتقتضي تحقيق المتابعة له صلى الله عليه وسلم وموافقته في حب المحبوبات وبغض المكروهات. ومحبته صلى الله عليه وسلم متفرعة عن محبة الله تعالى وتابعة لها. فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك، بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة.
فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}[80]، وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمى أهلها "أهل الأهواء"[81](4/286)
والذنوب تنقص من محبة الله تعالى بقدر ذلك، ولكن لا تزيل المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب، ولم تكن الذنوب عن نفاق كما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث حمار[82] الذي كان يشرب الخمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليه الحد فلما كثر ذلك منه لعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"[83] وفيه دلالة على أنا منهيون عن لعنة أحد بعينه، وإن كان مذنبا، إذا كان يحب الله ورسوله[84].
ثانيا: ومن الآيات التي يستدل بها على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[85] فالآية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين، وهذه الأولوية تتضمن أمورا منها: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إلى العبد من نفسه، لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول أولى به منها، فبذلك يحصل له اسم الإيمان.
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلا، بل الحكم على نفسه للرسول صلى الله عليه وسلم يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.
ومن العجب أن يدعي حصول هذه الأولوية والمحبة التامة من كان سعيه واجتهاده ونصيبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها والغضب والمحبة لها والرضا بها والتحاكم إليها، وعرض ما قاله الرسول عليها، فإن وافقها قبله، وإن خالفها التمس وجوه الحيل وبالغ في رده ليا وإعراضا[86]
ولذلك فإنه ينبغي على كل مسلم أن يعلم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد دعوى تتحقق بتلفظ اللسان فقط - كما يظن كثير من الناس - بل لابد لهذه الدعوى من البرهان الذي يثبت صدقها، وبرهان المحبة تحقيق الأولوية في شتى صورها وأشكالها فبحسب ذلك التحقيق تتحدد درجة المحبة وتتعين. وليعلم أنه لا يتم للعبد مقام الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أجل إليه من نفسه فضلا عن ابنه وأبيه. فإذا كان هذا شأن محبة عبده ورسوله فكيف بمحبته سبحانه؟.
ثالثا: ومما يستدل به كذلك على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}[87]. ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن الآية قد تضمنت وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مما يدخل في محبة الله محبة ما يحبه الله، والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم فمن أجل ذلك وجبت علينا محبته. ومن المعلوم أن أصل حب أهل الإيمان هو حب الله، ومن أحب الله أحب من يحبه الله، وكل ما يحب سواه فمحبته تكون تبعا لمحبة الله، إذ ليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى.
فالرسول عليه الصلاة والسلام إنما يحب لأجل الله ويطاع لأجل الله ويتبع لأجل الله، وكذا الأنبياء والصالحون وسائر الأعمال الصالحة تحب جميعا لأنها مما يحب الله.
وبهذا يعلم تعين محبة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوبها ولزومها.
هذا وقد جاء ذكر محبة الرسول مقترنا بمحبة الله في قوله تعالى: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .."
وفي مواطن أخرى متعددة من السنة كما سيأتي.
وهذا الاقتران يدلل على مدى الصلة الوثيقة يين محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كانت محبة الرسول داخلة ضمن محبة الله تعالى أصلا، لكن إفرادها بالذكر مع أنها ضمن محبة الله فيه إشارة إلى عظم قدرها وإشعار بأهميتها ومكانتها.
رابعا: ومن الأدلة قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[88].
ففي هذه الآية إشارة ضمنية إلى وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله تبارك وتعالى قد جعل برهان محبته تعالى ودليل صدقها هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاتباع لا يتحقق ولا يكون إلا بعد الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان به لابد فيه من تحقق شروطه التي منها محبة النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده"[89].(4/287)
فمحبته صلى الله عليه وسلم شرط في الإيمان الذي لا يتحقق الاتباع إلا بوجوده. ومن جهة أخرى فإن محبة الله مستلزمة لمحبة ما يحبه من الواجبات، واتباع رسوله هو من أعظم ما أوجبه الله تعالى على عباده وأحبه. وهو سبحانه أعظم شيء بغضا لمن لم يتبع رسوله. فمن كان صادقا في دعوى محبة الله اتبع رسوله لا محالة، وكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
فتأمل هذا التلازم بين محبة الله تعالى ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم.
تضافرت الأدلة من السنة على تأكيد وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار هذه المحبة من صميم الدين فلا يتم لأحد إيمان إلا بتحقيقها. بل إنه لا يكتفي بوجود أصلها فقط، إذ لابد مع ذلك من تقديم محبته بعد محبة الله على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين.
ومما يدل على وجوب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على محبة النفس.
أولا: ما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"[90].
فالحديث نص على وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس.
وأما الدليل على وجوب تقديم محبته على محبة الوالد والولد والناس أجمعين:
ثانيا: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده".
ثالثا: وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم
حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"[91].
"فالمراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم" أي: لا يحصل له الإيمان الذي تبرأ به ذمته، ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب حتى يكون الرسول أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين، بل لا يحصل له ذلك حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه أيضا، كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه. فمن لم يكن كذلك، فهو من أصحاب الكبائر إذا لم يكن كافرا، فإنه لا يعهد في لسان الشرع نفي اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته، فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب، ولو صح هذا لنفي عن جمهور المؤمنين اسم الإيمان والصلاة والزكاة والحج وحب الله ورسوله، لأنه ما من عمل إلا وغيره أفضل منه، وليس أحد يفعل أفعال البر مثل ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا أبو بكر ولا عمر، فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه، لجاز أن ينفي عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل.
وعلى هذا فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة فقد صدق، وإن أراد نفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأكثر الناس يدعي أن الرسول أحب إليه مما ذكر، فلا بد حينئذ من تصديق ذلك بالعمل والمتابعة له، وإلا فالمدعي كاذب.
فإن القرآن بين أن المحبة التي في القلب تستلزم العمل الظاهر بحبها كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} إلى قوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[92]، فنفي الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله سمعوا وأطاعوا.
فتبين أن هذا من لوازم الإيمان والمحبة، ولكن كل مسلم لابد أن يكون محبا بقدر ما معه من الإسلام، كما أن كل مؤمن لابد أن يكون مسلما وكل مسلم لابد أن يكون مؤمنا، وإن لم يكن مؤمنا الإيمان المطلق، لأن ذلك لا يحصل إلا لخواص المؤمنين، فإن الاستسلام لله ومحبته لا يتوقف على هذا الإيمان الخاص.
وهذا الفرق يجده الإنسان من نفسه ويعرفه من غيره، فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا في الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، وهم مسلمون ومعهم مطلق الإيمان، لكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم يحصل شيئا فشيئا إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون إلى اليقين، ولا إلى الجهاد ولو شككوا لشكوا ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفارا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحق لله ورسوله ما يقدمونه على الأهل والمال.(4/288)
وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة، وإن ابتلوا بمن يدخل عليهم شبهات توجب ريبهم فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق"[93].
رابعا: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن، يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
وفي هذا الحديث أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان. والمتأمل في هذه الأمور الثلاثة يرى أنها تتبع كمال محبة العبد لله[94] لأن محبة الله تكمل بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ذلك لأن محبة الله ورسوله لا يكتفي فيها بأصل الحب، بل لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
وتفريعها: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
ودفع ضدها: بأن يكره ضد الإيمان أعظم من كراهة الإلقاء في النار[95]. والشاهد من الحديث معنا قوله: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما". فمن المعلوم أن كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان
شيء من تلك المحبة، غير أن الناس يتفاوتون فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى وهم الذين جعلوا محبة الله ورسوله مقدمة على ما سواهما. ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات في أكثر الأوقات.
ومنهم من هو بين هذين الأمرين.
فالحظ الأوفى هو بتحقيق هذه المرتبة من المحبة وهي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما". وذلك بأن يتوجه بكليته نحو هذه الغاية فيحب ما أحب الله ورسوله ويكره ما كرهه الله ورسوله، فيمتثل للأوامر ويجتنب النواهي ولا يتلقى شيئا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يسلك إلا طريقته، ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان.
وأما قوله: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" ففيه دلالة واضحة على أن حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب على المؤمن محبة الله ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما.
وفي الحديث "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان"[96].
ومتى كان حب المرء وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب فيجب عليه التوبة من ذلك والرجوع إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم محبة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفس ومراداتها كلها[97].
خامسا: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟، قال: "وما أعددت للساعة؟"، قال: حب الله ورسوله. قال: "فإنك مع من أحببت".
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنك مع من أحببت". قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم"[98].
سادسا: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله"[99].
سابعا: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي"[100].
ثامنا: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه".
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. قال: فتساورت لها[101] رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها... " الحديث[102].
وعن سهل بن سعد[103] رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:
"لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". قال: فبات الناس يدوكون[104] ليلتهم: أيهم يعطاها؟، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: "فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية ...." الحديث[105].
المطلب الثالث: ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله عليه وسلم:
إن مما لا ريب فيه أن حظ الصحابة من حبه صلى الله عليه وسلم كان أتم وأوفر، ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة، وهم بقدره صلى الله عليه وسلم ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم فبالتالي كان حبهم له صلى الله عليه وسلم أشد وأكبر.(4/289)
وإن المتأمل لما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم من كلام في هذا الخصوص يلمس صدق تلك المحبة وعظمها في نفوسهم.
فعن عمرو بن العاص[106] رضي الله عنه قال: "وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه"[107].
وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ"[108].
وقد سأل أبو سفيان بن حرب - وهو على الشرك حينذاك - زيد بن الدثنة[109]رضي الله عنه حينما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقلتوه - وكان قد أسر يوم الرجيع -[110] أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟، قال: "والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي".
فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا[111].
وعن الشعبي قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت وبكى الأنصاري. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبكاك؟"، قال: ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين ونحن إن دخلنا الجنة كنا دونك.
فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}[112]، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أبشر"[113].
وقال سعد بن معاذ[114] رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كان الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبا لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك"، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير[115].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد جاض[116] أهل المدينة جيضة وقالوا: قتل محمد، حتى كثرت الصوارخ[117] في ناحية المدينة. فخرجت امرأة من الأنصار محرمة فاستقبلت[118] بأبيها وابنها وزوجها وأخيها لا أدري أيهم استقبلت به أولا فلما مرت على أحدهم قالت: من هذا؟، قالوا : أبوك أخوك زوجك ابنك. تقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، يقولون: أمامك حتى دفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب[119].
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نُعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه حتى أنظر إليه. قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك[120] جلل"[121].
ولقد حكم الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم وأموالهم فقالوا: "هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك"[122].
وما هذا الإيثار الذي تضمنته هذه الكلمات إلا تعبيرا عما تكنه نفوسهم من المحبة له صلى الله عليه وسلم واسمع إلى قول قيس بن صرمة الأنصاري[123] إذ يقول:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واتقرت به النوى وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
بذلنا له الأموال من حل مالنا وأنفسنا عند الوغى والتأسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا وإن كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لا رب غيره وأن رسول الله أصبح هاديا[124]
________________________________________
[1] (1/ 290)
[2] زاد ابن القيم في كتابه روضة المحبين (ص 17، 18) على هذه المعاني الخمسة مايلي: "وقيل: بل هي مأخوذة من القلق والاضطراب، ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الأذن واضطرابه. وقيل بل هي مأخوذة من الحب الذي هو إناء واسع فيمتلئ به بحيث لا يسع لغيره، وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير محبوبه، وقيل: مأخوذة من الحب وهو الخشبات الأربع التي يستقر عليها ما يوضع من جرة أو غيرها فسمي الحب بذلك لأن المحب يتحمل لأجل محبوبه الأثقال، كما تتحمل الخشبات ثقل ما يوضع عليها.(4/290)
[3] البيت لعنترة بن شداد.
[4] مدارج السالكين (3/ 9- 11).
[5] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- صاحب كتاب فتح الباري- من أئمة العلم والتاريخ، ولد بالقاهرة سنة 773 هـ، وتوفي بها سنة 852 هـ، وله مؤلفات كثيرة. الأعلام (1/ 178)
[6] فتح الباري (10/ 463).
[7] مدارج السالكين (3/ 9).
[8] تيسير العزيز الحميد (ص 411).
[9] تيسير العزيز الحميد (ص 412).
[10] إغاثة اللهفان (2/ 140، 141)، وجامع الرسائل (2/ 202).
[11] الآية (165) من سورة البقرة.
[12] روضة المحبين (293).
[13] أخرجه مسلم في صحيحه، كناب الزهد: باب من أشرك في عمله غير الله (8/ 223).
[14] مجموع الفتاوى (12/ 48، 49).
[15] مجموع الفتاوى (11/ 523، 524).
[16] الآية (56) من سورة الذاريات.
[17] الآية (21) من سورة البقرة.
[18] الآية (165) من سورة البقرة.
[19] الآية (29) من سورة الزمر.
[20] مجموع الفتاوى (10/ 56، 57).
[21] روضة المحبين (ص 59).
[22] الآية (2) من سورة الملك.
[23] الآية (7) من سورة الكهف.
[24] الآية (7) من سورة هود.
[25] روضة المحبين (60، 61).
[26] روضة المحبين (ص 59).
[27] روضة المحبين (ص 165، 166، 168) بتصرف.
[28] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان: باب حلاوة الإيمان، فتح الباري (1/ 60) ح 16، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان (1/ 48).
[29] مجموع الفتاوى (10/ 206).
[30] روضة المحبين (199، 200).
[31] مجموع الفتاوى (18/ 315).
[32] الآية (31) من سورة آل عمران.
[33] مجموع الفتاوى (8/ 360).
[34] مجموع الفتاوى (18/ 316).
[35] مجموع الفتاوى (8/ 366).
[36] الآية (15) من سورة الحجرات.
[37] الآية (24) من سورة التوبة.
[38] الآية (54) من سورة المائدة.
[39] الآية (22) من سورة المجادلة.
[40] الآية (80، 81) من سورة المائدة.
[41] الآية (4) من سورة الممتحنة.
[42] مجموع الفتاوى (8/ 361).
[43] مدارج السالكين (3/ 37).
[44] الآية (28) من سورة محمد.
[45] الآيتان (124، 125) من سورة التوبة.
[46] الآيتان (36) من سورة التوبة.
[47] قاعدة في المحبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 91، 92).
[48] الصارم المسلول (ص 420، 421) بتصرف يسير.
[49] الرد على الأخنائي (ص 231).
[50] ديوان البوصيري (ص 238).
[51] تيسير العزيز الحميد (ص 186).
[52] الرد على الأخنائي (ص 24، 25) بتصرف.
[53] الآية (9) من سورة الفتح.
[54] الآية (3) من سورة نوح.
[55] الآية (4) من سورة الحجرات.
[56] الآية (3) من سورة الحجرات.
[57] الآية (9) من سورة الزمر.
[58] الآية (6) من سورة الأحزاب.
[59] الآية (120) من سورة التوبة.
[60] الآية (7) من سورة الحشر.
[61] الآية (56) من سورة الأحزاب.
[62] الصارم المسلول (ص 422).
[63] الآية (63) من سورة النور.
[64] الآيات (1، 2، 3) من سورة الحجرات.
[65] الآية (93) من سورة الإسراء.
[66] الآية (65) من سورة النمل.
[67] الآية (188) من سورة الأعراف.
[68] الآية (115) من سورة النساء.
[69] الآية (21) من سورة الأحزاب.
[70] من تلك الكتب: كتاب الشمائل للترمذي، كتاب الشمائل لابن كثير.
[71] منها: كتاب دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، وكتاب دلائل النبوة للبيهقي.
[72] ومن أشمل الكتب التي تحدثت عن سيرته صلى الله عليه وسلم كتاب السيرة لابن كثير.
[73] الآية (50) من سورة القصص.
[74] مجموع الفتاوى (10/ 48، 49).
[75] الآية (24) من سورة التوبة.
[76] تفسير القرطبي (8/ 95) بتصرف.
[77] الشفا (2/ 563).
[78] الآية (56) من سورة الذاريات.
[79] التحفة العراقية لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/12، 13) مطبوعة ضمن الرسائل المنيرية (بتصرف يسير).
[80] الآية (50) من سورة القصص.
[81] جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص 366) بتصرف يسير.
[82] هذا لقبه واسمه النعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري، وقيل إن القصة وقعت لابنه عبد الله. فتح الباري (12/ 77)، والإصابة (3/ 540، 541).
[83] أخرجه في كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة. انظر: فتح الباري (12/ 75).
[84] كتاب قاعدة في المحبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (72، 73) بتحقيق محمد رشاد سالم.
[85] الآية (6) من سورة الأحزاب.
[86] الرسالة التبوكية (ص 29، 30) بتصرف يسير.
[87] الآية (165) من سورة البقرة.
[88] الآية (31) من سورة آل عمران.
[89] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان: باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. انظر: فتح الباري (1/ 58) ح 14.
[90] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري ( 11/ 523) ح 6632.(4/291)
[91] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان: باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، واللفظ له. انظر: فتح الباري (1/ 58) ح 15، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب بيان خصال من اتصف بها وجد حلاوة الإيمان (1/ 48).
[92] الآية (51) من سورة النور.
[93] تيسير العزيز الحميد (415، 417).
[94] المقصود كمال المحبة الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة وليس المراد الكمال المستحب.
[95] مجموع الفتاوى (10/ 206).
[96] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة: باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (5/ 60) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (5/ 229).
[97] جامع العلوم والحكم (ص 366، 367) بتصرف.
[98] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب: باب المرء مع من أحب، انظر: فتح الباري (10/ 557) ح 6171، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصله: باب المرء مع من أحب (8/ 42) واللفظ له.
[99] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله. انظر: (8/ 148).
[100] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب: باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 664) ح 3789، وقال الترمذي حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه. وأخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 149، 150) وصححه، ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 211). والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 160)، والطبراني في الكبير (10/ 341) ح 10664.
[101] "تساورت لها": أي رفعت لها شخصي. النهاية (2/ 420).
[102] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7/ 121).
[103] سهل بن سعد الساعدي الأنصاري من مشاهير الصحابة، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة. وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، مات سنة إحدى وتسعين وقيل قبل ذلك. الإصابة (2/ 87).
[104] أي يخوضون ويموجون فيمن يدفعها إليه. النهاية (2/ 145).
[105] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي: باب غزوة خيبر انظر: فتح الباري (7/ 476) ح 4210، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7/ 121).
[106] هو عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي أسلم قبل الفتح، أحد دهاة العرب في الإسلام، وأحد القادة الفاتحين، فتح مصر وكان أميرا عليها، توفي سنة 43 هـ. الإصابة (3/ 2- 3).
[107] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجره (1/ 78).
[108] الشفا (2/ 568).
[109] زيد بن الدثنة - بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون - ابن معاوية الأنصاري البياضي، شهد بدرا وأحدا، وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم. الإصابة (1/ 548).
[110] الرجيع: بفتح الراء وكسر الجيم هو في الأصل اسم للروث، وسمي بذلك لاستحالته، والمراد هنا: اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بالقرب منه. فتح الباري (7/ 379).
[111] البداية لابن كثير (4/ 65)، وأخرجه البيهقي في الدلائل (3/ 326) في أمر خبيب.
[112] الآيتان (9، 70) من سورة النساء.
[113] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (ص 13) بتحقيق محمد بن عبد الوهاب العقيل، رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية. وأورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر. انظر (2/ 182). والحديث له شاهد آخر من حديث عائشة مرفوعا بنحوه، أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (1/ 26). وأبو نعيم في الحلية (8/ 125)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 7): "رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة، وله شاهد آخر من حديث ابن عباس مرفوعا بنحوه، أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 86) ح رقم 12559، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 7) وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. وله شاهد من طريق آخر عن سعيد بن جبير مرسلا. أخرجه ابن جرير في تفسيره (5/ 163). وطرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضا. والله أعلم.
[114] سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي، سيد الأوس، صحابي جليل، شهد بدرا، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا ثم مات، وذلك سنة خمس من الهجرة. الإصابة (2/ 35).
[115] أورده ابن هشام في السيرة (2/ 192) وعزاه لابن إسحاق، وأورده ابن كثير في البداية (3/ 268)
[116] يقال: جاض في القتال: إذا فر. وجاض عن الحق: عدل.
وأصل الجيض: الميل عن الشيء، ويروى بالحاء والصاد المهملتين النهاية (1/ 324).
[117] جمع صارخ: وهو المصوت يعلمه بأمر حادث يستعين به عليه أو ينعي له ميتا. النهاية (3/ 21).
[118] أي أخبرت بمقتل أبيها، وابنها، وزوجها، وأخيها.
[119] أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 115) وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن شعيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
[120] جلل: أي هينة ويسيره، والكلمة من الأضداد تكون للحقير والعظيم النهاية (1/ 289).(4/292)
[121] رواه ابن هشام في السيرة (3/ 43). وعنه أورده ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 47) وأخرجه البيهقي في الدلائل (3/ 302) بنحوه.
[122] روضة المحبين (ص 277).
[123] قياس بن صرمة، وقيل صرمة بن قيس، وقيل قيس بن مالك بن صرمة وقيل غير ذلك، الأوسي الأنصاري، أدرك الإسلام شيخا كبيرا فأسلم، وقد قال هذه الأبيات حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. الإصابة (2/ 176- 177)
[124] روضة المحبين (ص 277).
30. ... 5- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [علامات وفضل محبته]
الفصل الثاني:علامات محبته صلى الله عليه وسلم و الثواب المترتب عليها
المبحث الأول: علامات محبته صلى الله عليه وسلم:
تمهيد:
سن الشارع الكريم علامات ودلائل لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، شرعت ليتسنى من خلالها معرفة من يصدق في دعوى محبته للمصطفى صلى الله عليه وسلم، فكل دعوى لابد لها من برهان، يدل على صدقها قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[1].
ومن أجل ذلك فإن على كل مسلم أن يكون على علم بتلك الدلائل والعلامات، وأن يعمل بها ويحققها، وأن لا يرغب عنها أو يستبدل بها أمورا أخرى مبتدعة لم يرد فيها دليل من الشرع.
فبتلك العلامات والدلائل تظهر حقيقة المحبة، فمتى ما كان التحقيق لتلك العلامات أكبر كانت درجة المحبة أرفع وأعظم والعكس بالعكس.
ولذلك تجد أن الصادق في محبته للنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي تظهر عليه تلك العلامات والدلائل وتراه يسعى جاهدا إلى تحقيقها حتى ينال بذلك منزلة عظيمة من منازل الإيمان.
ومن أهم تلك العلامات ما يلي:
المطلب الأول: من علامات محبته اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم.
فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به والسير على نهجه والتمسك بسنته واقتفاء آثاره واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في العسر واليسر والمنشط والمكره، هو أول علامات محبته صلى الله عليه وسلم، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم هو من تظهر عليه هذه العلامة فيكون متبعا للرسول صلى
ظاهرا وباطنا ومؤثرا لموافقته في مراده بحيث يكون فعله وقوله تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غوش لأحد فافعل"، ثم قال لي: "يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة"[2].
فالمحب للرسول صلى الله عليه وسلم هو من حرص على التمسك بسنته وإحيائها وذلك باستعمال السنة وامتثال الأوامر واجتناب النواهي في الأقوال والأفعال، وتقديم ذلك على هوى النفس وملذاتها كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا}[3].
فإحياء السنة واتباع المصطفى دليل محبته كما هو دليل محبة الله عز وجل، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه} فهذه الآية نزلت عندما ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية.
وعلى هذا فإن محبة الله ورسوله تقتضي فعل المحبوبات وترك المكروهات، ولا يتصور أن يكون الشخص محبا لله ورسوله وهو معرض عن اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن أجل ذلك فإن الناس يتفاضلون في درجات محبتهم تفاضلا عظيما، فمن كان منهم أعظم نصيبا في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته فهو أعظم درجة عند الله، ومن نقصت درجة اتباعه فلا شك أن ذلك سيؤثر على المحبة ويضعف درجتها.
وهذا لا يعني أن المخالفة لشيء من السنة ينافي المحبة منافاة كلية، فالمخالفة إذا لم تصل إلى درجة الكفر فهي تنقص من المحبة ولكن لا تخرج صاحبها عن دائرتها والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لعن شارب الخمر وقال ما أكثر ما يؤتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله". فدل الحديث على أن وقوع المخالفة حتى وإن كانت كبيرة من الكبائر لا يعني ذلك انتفاء وجود محبة الله ورسوله في ذلك الشخص المخالف. والواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم محبة توجب له الإتيان بما وجب عليه منه.
فإن زادت المحبة حتى أتى بما ندب إليه منه كان ذلك فضلا.
والواجب عليه كذلك أن يكره ما كرهه الله ورسوله كراهة توجب الكف عما حرم عليه منه.
فإن زادت الكراهة حتى أوجبت الكف عما كره تنزيها كان ذلك فضلا[4].(4/293)
"فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله ويرضى ما يرضي الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض.
فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة"[5].
المطلب الثاني: من علامات محبته الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم.
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم، فمن أحب شيئا أكثر من ذكره، ودوام الذكر سبب لدوام المحبة وزيادتها ونمائها.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله في ضمن تعداده للفوائد والثمرات الحاصلة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه واستولى على جميع قلبه. وإذا أعرض عن ذكره وإحضاره وإحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه ولا شيء أقر لعين العبد المحب من رؤية محبوبه ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه، فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه"[6].
والمقصود بالذكر هنا الذكر المشروع وعلى رأسه الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم امتثالا لأمر الله تعالى الوارد في قوله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[7].
وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا" الحديث[8].
وعن أبي بن كعب قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟، قال: "ما شئت". قلت: الربع؟، قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: النصف؟، قال: "ما شئت، و إن زدت فهو خير". قلت: الثلثين؟، قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قال: أجعل لك صلاتي كلها. قال: "إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك"[9].
قال ابن القيم: "سئل شيخنا أبو العباس بن تيمية رضي الله عنه عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: "هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه فقال: إن زدت فهو خير لك، فقال له: النصف، فقال إن زدت فهو خير لك، إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها: أي أجعل دعائي كله صلاة عليك، قال: إذا تكفى همك ويغفر ذنبك، لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وكفر له ذنبه هذا معنى كلامه"[10].
والشاهد من الحديث أن من محبته صلى الله عليه وسلم مداومة الصلاة والسلام عليه والثناء عليه بما هو أهل له من الأوصاف والخصال الحميدة التي وصف بها صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث الآخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي"[11].
فذكره شُرع لإظهار محبته واحترامه وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم وهذا من علامات محبته، ولقد ورد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا، وكذلك كان كثير من التابعين من يفعل ذلك محبة له وشوقا إليه[12].
ويدخل ضمن الذكر المشروع تعداد فضائله وخصائصه وما وهبه الله من الصفات والأخلاق والخلال الفاضلة، وما أكرمه به من المعجزات والدلائل، وذلك من أجل التعرف على مكانته ومنزلته والتأسي بصفاته وأخلاقه، وتعريف الناس وتذكيرهم بذلك، ليزدادوا إيمانا ومحبة له صلى الله عليه وسلم ولكي يتأسوا به. ولا محظور في التمدح بذلك نثرًا وشعرًا مادام أن ذلك في حدود المشروع الذي أمر به الشارع الكريم.
نصوص القرآن والسنة، كأن يتجاوز به حدود بشريته فيصرف له شيء من الأمور الخاصة بالله عز وجل كما فعل بعض الغلاة في أشعارهم ومدائحهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فإن من الأمور المنهي عنها الذكر المقترن بالغناء وأدوات اللهو والطرب والرقص، وهذا الذكر البدعي هو الذي عليه حال أرباب الطرق والتصوف، وقد وافقهم على ذلك كثير من عوام الناس ظنا منهم أن فعل مثل هذه الأمور هو الطريق إلى تحقيق محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حقيقة فعله يعد محادة لله ورسوله فقد تبرأ صلى الله عليه وسلم ممن أحدث في الدين حيث قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وسيأتي مزيد تفصيل لهذا الموضوع في الباب الرابع بإذن الله.(4/294)
المطلب الثالث: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تمني رؤيته والشوق إلى لقائه.
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة رؤيته والشوق إلى لقائه وتمني ذلك ولو كان ذلك مقابل بذل المال والأهل. وهذه العلامة نص عليها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله"[13]. فهو صلى الله عليه وسلم وصف أهل هذه العلامة من أمته التي ستأتي من بعده بأنهم من أشد الناس محبة له صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمنية قدرها حق قدرها أهل الإيمان الذين ترسخت في قلوبهم محبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنهم من شدة محبتهم له صلى الله عليه وسلم أن جالت في خواطرهم وأحاسيسهم هذه الأمنية العظيمة حتى إن الواحد منهم لا يبالي أن يدفع ثمنا لهذه الأمنية العزيزة على نفسه ما عنده من الأهل والمال ليرى النبي صلى الله عليه وسلم، ولسان حالهم ومقالهم يقول مع ذلك كله ما أعظم الأمنية وما أرخص الثمن.
فهذه علامة من علامات محبته يتصف بها أهل الإيمان الصادق الراسخ الذين آمنوا بوجوب تقديم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة الولد والوالد والناس أجمعين بل على كل أمر من أمور الدنيا ومظاهرها فيا لها من نفوس سمت وسما بها إيمانها لمثل هذا المطلب وهذه الأمنية العزيزة على قلب كل مؤمن عرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم وحقه وعظيم منزلته.
فجدير بهذه النفوس أن تنال شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لها بأنها أشد القلوب محبة له
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد في يده ليأتين على أحدكم يوم لا يراني، ثم لإن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله"[14].
ولقد كانت هذه السمة وهي الشوق إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته موجودة في الصحابة رضوان الله عليهم ويشهد لذلك ما جاء في حديث الأشعريين أنهم عند قدومهم إلى المدينة كانوا يرتجزون فيقولون:
غدا نلقى الأحبة محمد وحزبه[15]
وروي أن بلالا رضي الله عنه لما حضرته الوفاة، نادت امرأته واحزناه. فقال: واطرباه، غدا ألقى الأحبة محمد وحزبه[16].
وقد روي مثل ذلك عن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين[17].
المطلب الرابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فمن علامات محبته صلى الله عليه وسلم: المناصحة لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
قال تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[18].
قال القرطبي[19]: "قوله تعالى: {إِذَا نَصَحُوا} النصح: إخلاص العمل من الغش ومنه التوبة النصوح... ونصح الشيء: إذا خلص ونصح له القول: أي أخلصه له"[20].
وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال نصحت العسل: إذا خلصته من الشمع. ويقال: نصحته، ونصحت له[21].
قال الخطابي: "النصاحة: إخلاص العمل. والناصح: الخالص من كل شيء، ويقال: نصحت العسل إذا صفيتها"[22].
وعن تميم الداري[23] رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"[24]. فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين النصيحة" يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل المشهور وسمى ذلك كله دينا. فالنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا[25].
قال الإمام محمد بن نصر المروزي[26]: "قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة: هو عناية القلب للمنصوح له من كان.
وهي على وجهين: أحدهما: فرض. والآخر: نافلة.
فالنصيحة المفترضة لله: هي شدة العناية من الناصح، باتباع محبة الله في أداء ما افترض، ومجانبة ما حرم الله.
وأما النصيحة التي هي نافلة: فهي إيثار محبته على محبة نفسه، وذلك أن يعرض له أمران: أحدهما: لنفسه، والآخر: لربه. فيبدأ بما كان لربه، ويؤخر ما كان لنفسه. فهذه جملة تفسير النصيحة له الفرض منه والنافلة. فالفرض منها: مجانبة نهيه، وإقامة فرضه بجميع جوارحه، ما كان مطيعا له.
فإن عجز عن القيام بفرضه لآفة حلت به من مرض، أو حبس، أو غير ذلك عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلة المانعة له قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل}[27] فسماهم محسنين بنصيحتهم لله بقلوبهم، لما منعوا من الجهاد بأنفسهم.(4/295)
وقد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنه النصح لله لو كان من المرض بحال لا يمكنه عمل شيء بشيء من جوارحه بلسان وغيره غير أن عقله ثابت، لم يسقط عنه النصح لله بقلبه، وكذلك النصح لله ولرسوله فيما أوجبه على الناس من أمر ربه.
ومن النصح الواجب لله أن لا يرضى معصية العاصي، ويحب طاعة من أطاع الله ورسوله.
وأما النصيحة التي هي نافلة لا فرض: فبذل المجهود بإيثار الله على كل محبوب بالقلب وسائر الجوارح حتى لا يكون في الناصح فضلا عن غيره، لأن الناصح إذا اجتهد لمن ينصحه لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكل ما كان في القيام به سروره ومحبته. فكذلك الناصح لربه. ومن تنفل لله بدون الاجتهاد فهو ناصح على قدر عمله، غير محقق للنصح بالكمال"[28].
قال القاضي عياض: "نصيحة الله تعالى: صحة الاعتقاد له بالوحدانية، ووصفه بما هو أهله، وتنزيهه عما لا يجوز عليه، والرغبة في محابه والبعد عن مساخطه، والإخلاص في عبادته[29].
وقال الخطابي: " معنى النصيحة لله سبحانه: صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته"[30].
وقال أبو عمرو بن الصلاح[31]: "النصيحة لله تعالى: توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال، وتنزيهه عما يضادها ويخالفها، وتجنب معاصيه والقيام بطاعته ومحابه بوصفه الإخلاص، والحب فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به تعالى وما ضاهى ذلك، والدعاء إلى ذلك والحث عليه"[32].
وأما النصيحة لكتاب الله: فقال عنها محمد بن نصر المروزي: " وأما النصيحة لكتاب الله: فشدة حبه، وتعظيم قدره - إذ هو كلام الخالق - وشدة الرغبة في فهمه، ثم شدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، ويقوم له بعد ما يفهمه.
وكذلك الناصح من القلب، يتفهم وصية من ينصحه، وإن ورد عليه كتاب منه عني بفهمه، ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه.
فكذلك الناصح لكتاب الله يُعنى بفهمه ليقوم لله بما أمر به كما يحب ويرضى، ثم ينشر ما فهم في العباد، ويديم دراسته بالمحبة له والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه"[33].
وقال القاضي عياض: "والنصيحة لكتابه الإيمان به، والعمل بما فيه وتحسين تلاوته، والتخشع عنده، والتعظيم له، وتفهمه، والتفقه فيه، والذب عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين"[34].
وقال أبو عمرو بن الصلاح: " والنصيحة لكتابه: الإيمان به وتعظيمه، وتنزيهه، وتلاوته حق تلاوته، والوقوف مع أوامره ونواهيه، وتفهم علومه وأمثاله، وتدبر آياته، والدعاء إليه، وذب تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه"[35].
وقال النووي[36]: "وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى: فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخضوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنها تأويل المحرفين وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته"[37].
وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال الإمام أحمد: "من مفروضات القلوب النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم"[38]
وقال محمد بن نصر المروزي: " وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته: فبذل المجهود في طاعته، ونصرته ومعاونته وبذل المال إذا أراده، والمسارعة إلى محبته. وأما بعد وفاته: فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره، ولزوم القيام به، وشدة الغضب والإعراض عن من يدين بخلاف سنته والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا، وإن كان متدينا بها. وحب من كان منه بسبيل من قرابة، أو صهر، أو هجرة، أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام، والتشبه به في زيه ولباسه "[39].
وقال القاضي عياض "قال أبو بكر الآجري وغيره: النصح له يقتضي نصحين: نصحًا في حياته، ونصحًا بعد مماته.
ففي حياته نصح أصحابه له بالنصر والمحاماة عنه، معاداة من عاداه، والسمع والطاعة له، وبذل النفوس والأموال دونه كما قال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[40].
وقال تعالى: {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[41].
وأما نصيحة المسلمين له بعد وفاته: فالتزام التوقير والإجلال، وشدة المحبة له والمثابرة على تعلم سنته، والتفقه في شريعته، ومحبة آل بيته وأصحابه، ومجانبة من رغب عن سنته وانحرف عنها، وبغضه والتحذير منه والشفقة على أمته، والبحث عن تعريف أخلاقه وسيره وآدابه، والصبر على ذلك[42].(4/296)
وقال أبو عمرو بن الصلاح: "والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم الإيمان به وبما جاء به، وتوقيره وتبجيله، والتمسك بطاعته وإحياء سنته وانتشار علومه ونشرها، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه ووالاها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه ومحبة آله وأصحابه ونحوذلك "[43].
وقال النووي: "أما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حيًا وميتًا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قرئتها والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك"[44].
وقال القرطبي: "والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته وتعظيمه، وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة "[45].
وأما النصح لأئمة المسلمين: فقال عنه محمد بن نصر المروزي "فحب صلاحهم ورشادهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله، والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله "[46].
وقال القاضي عياض: "وأما النصح لأئمة المسلمين: فطاعتهم في الحق، ومعونتهم فيه، وأمرهم به، وتذكيرهم إياه على أحسن وجه، وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور المسلمين، وترك الخروج عليهم وتضريب الناس وإفساد قلوبهم عليهم"[47].
وقال أبو عمرو بن الصلاح: "والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك"[48].
وقال القرطبي: " والنصح للأئمة المسلمين ترك الخروج عليهم، وإرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوا من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم "[49].
وقال النووي: " قال الخطابي: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات، وهذا هو المشهور"[50].
وأما النصيحة لعامة المسلمين: فيقول عنها محمد بن نصر المروزي: "وأما النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه -كرخص أسعارهم- وإن كان في ذلك ربح ما يبيع من تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة يحب صلاحهم وألفتهم ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم"[51].
وقال أبو عمرو بن الصلاح: "والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم، ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه وما شابه ذلك"[52].
وقال القاضي عياض: "والنصح لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم، ومعونتهم في أمر دينهم ودنياهم بالقول والفعل وتنبيه غافلهم، وتبصير جاهلهم ورفد محتاجهم، وستر عوراتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع إليهم"[53].
وقال القرطبي: "والنصح للعامة: ترك معاداتهم، وإرشادهم وحب الصالحين منهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم. وفي الحديث الصحيح "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"[54] [55].
وعن جرير بن عبد الله[56] قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني "فيما استطعت والنصح لكل مسلم"[57].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حق المؤمن على المؤمن ست". قيل: وما هن يا رسول الله؟
قال: " إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه"[58].
المطلب الخامس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم
من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم الناطق بشريعته، والمداومة على تلاوته، وفهم معانيه، وكذلك تعلم سنته صلى الله عليه وسلم وتعليمها ومحبة أهلها.(4/297)
قال القاضي عياض: "ومنها -أي من علامات محبته- أن يحب القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم، وهدى به واهتدى، تخلق به حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "إن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن"[59].
وحبه للقرآن تلاوته والعمل به وتفهمه "[60].
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"[61].
وقال صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله عز وجل هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة"[62].
وقال صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل"[63].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله"[64].
وقد سبق عند ذكر النصيحة "لكتاب الله" ذكر أقوال العلماء فيما يجب على المسلم تجاه كتاب الله فليرجع إليه.
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم أن يحب سنته ويقف عند حدودها[65] وهذا ما سبق بيانه في الفصل الثاني من الباب الأول من هذه الرسالة.
الطلب السادس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم
إن من علامات محبته صلى الله عليه وسلم والتي يجب على المؤمن الأخذ بها، محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هو بسببه من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين فمن أحب شيئًا أحب من يحبه[66].
فإن من محبة الله وطاعته: محبة رسوله وطاعته.
ومن محبة رسوله وطاعته: محبة من حب الرسول، وطاعة من أمر الرسول بطاعته[67].
أ- قال البيهقي: "ودخل في جملة محبته صلى الله عليه وسلم حب آله[68].
وإن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول صلى الله عليه وسلم[69].
فعن زيد بن أرقم[70] رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى "خما" بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين:
أوليهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به "فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". فقيل لزيد: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قيل: ومن هم؟ قال: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قيل: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم[71].
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لما أنزل عليه {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[72]. سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلون عليه فقال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "[73]. فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولآله دون سائر الأمة[74].
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "ارقبوا[75] محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته"[76].
وعنه أيضا أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي"[77].
"فآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم"[78].
"فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفا وعلوًا، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا"[79].
"وكذلك علينا احترامهم وإكرامهم والإحسان إليهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا.
ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعليّ وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين"[80].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية[81] "وآل محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين حرمت عليهم الصدقة[82] هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء".
والأحاديث في فضائلهم ومناقبهم كثيرة جدًا، وهي مبسوطة في الصحيحين والمسند والسنن وغيرها من كتب الحديث.(4/298)
ب- وكذلك فإن من أصول أهل السنة أنهم يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحفظون لهن فضلهن، وحقوقهن. فقد أبانهن الله من نساء العالمين في الفضيلة فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}[83]. وجعلهن أمهات المؤمنين فقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[84] [85].
وجعل حرمة الزوجية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باقية ما بقين فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً}[86] فعلينا من حفظ حقوقهن بعد ذهابهن الصلاة عليهن مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي حميد الساعدي[87] رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلى عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"[88].
فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهن[89]. وكذلك الاستغفار لهن، وذكر مدائحهن، وفضائلهن وحسن الثناء عليهن، وما على الأولاد في أمهاتهم اللاتي ولدنهم وأكثر، وذلك لمكانتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيادة فضلهن على غيرهن من نساء هذه الأمة[90].
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن من دخل بهن من النساء وهن إحدى عشرة:
1- خديجة بنت خويلد رضي الله عنها[91].
2- عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها[92].
3- سودة بنت زمعة رضي الله عنها[93].
4- حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها[94].
5- أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما[95].
6- أم سلمة رضي الله عنها[96].
7- زينب بنت جحش رضي الله عنها[97].
8- زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها[98].
9- جويرية بنت الحارث رضي الله عند[99].
10- صفية بنت حيي رضي الله عنها[100].
11- ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها[101].
فهؤلاء جملة من دخل لهن من النساء وهن إحدى عشرة.
ج- ومن محبته صلى الله عليه وسلم محبة أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين:
قال البيهقي: "ويدخل في جملة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب أصحابه؟ لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[102].
وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}[103].
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[104].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[105].
فإذا أنزلوا هذه المنزلة استحقوا من جماعة المسلمين أن يحبوهم ويتقربوا إلى الله عز وجل بمحبتهم لأن الله تعالى إذا رضي عن أحد أحبه وواجب على العبد أن يحب من يحب مولاه[106].
فمن واجب الأمة نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتهم والترضي عنهم والدعاء لهم كما أمرنا الله تعالى بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[107].
فهم قوم اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وخصهم في الحياة الدنيا بالنظر إليه وسماع حديثه من فمه الشريف و نصرته والذب عنه والجهاد معه في سبيل الله ونشر دين الإسلام.
وبعد وفاته كانوا هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الأمة، فقد بلغوا عن رسول الله ما بعثه الله به من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها ونشروا هذا الدين في شتى بقاع الأرض: وجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، وذبوا عن هذا الدين بسنانهم ولسانهم فكان لهم بذلك الأجر العظيم والمنزلة العالية عند ربهم وعند نبيهم وعند المسلمين الموحدين جميعًا.(4/299)
وكيف لا يكونون كذلك وهم خير قرون هذه الأمة كشهادة النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن عمران بن حصين [108] رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة ... الحديث[109] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ..." الحديث[110].
ومما يدل على عظم فضل الصحبة وجلالة شأنها ما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"[111] فهذا الحديث يدل على أن شأن الصحبة لا يعدله شيء.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغضهم"[112].
ولقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يدل على فضل الصحابة رضوان الله عليهم ووجوب تعظيمهم وإكرامهم وكونهم خير قرون هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. ولقد عقد البخاري ومسلم في صحيحيهما وكذا أهل السنن وغيرهم، كل منهم كتابا لفضائل الصحابة أوردوا فيه الكثير من الأحاديث الواردة في فضل الصحابة رضوان الله عليهم.
وعن معتقد السلف نحو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبو زرعة الرازي [113]: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق. وذلك أن الرسول حق والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة. وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"[114].
وقال الخطب البغدادي[115]: "عدالة الصحابة ثابتة ومعلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن، فمن ذلك:
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[116].
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[117].
وهذا اللفظ وإن كان عامًا فالمراد به الخاص وقيل: هو وارد في الصحابة دون غيرهم.
وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}[118].
وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[119].
وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[120].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[121].
وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[122].
في آيات يكثر إيرادها، ويطول تعدادها.
ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة مثل ذلك،، وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم ....
وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له ...
على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين.
وهذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء[123].
وقال ابن حجر: "اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة "[124].
وقال صاحب العقيدة الطحاوية: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من بغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإحسان، وبغضهم كفر وطغيان"[125](4/300)
وقال البيهقي: "وإذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان فحبهم أن يعتقد فضائلهم ويعترف لهم بها ويعرف لكل ذي حق منهم حقه، ولكل ذي عنا في الإسلام عناه ولكل ذي منزلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم مزلته، وينشر محاسنهم
ويدعو بالخير لهم ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم ولا يتتبع زلاتهم وهفواتهم ولا يتعمد تهجين أحد منهم ببث ما لا يحسن عنه، ويسكت عما لا يقع ضرورة إلى الخوض فيه فيما كان بينهم وبالله التوفيق "[126].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[127].
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع: من فضائلهم ومراتبهم فيفضلون من أنفق من قبل الفتح -وهو صلح الحديبية- وقاتل، على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر-: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"[128] وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة[129] كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة وغيرهم من الصحابة.
ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن غيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنهم، كما دلت، عليه الآثار وكما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تقديم عثمان في البيعه... ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم"[130].
وبعد: فهذه نماذج من أقوال السلف ومعتقدهم تجاه الصحابة رضوان الله عليهم تبين مدى اعترافهم بفضلهم ومراتبهم ومنازلهم التي وردت بها نصوص القرآن والسنة، فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، نحبهم ونحفظ لهم فضلهم ونحترم لهم تلك المنزلة التي أنزلوا اياها، ونرجوا أن يحشرنا الله معهم وأن يجمعنا بهم في الجنة على سرر متقابلين.
المطلب السابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم بغض من أبغض الله ورسوله
ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته، وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته[131]
قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[132]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "على المؤمن أن يعادي في الله، ويوالي في الله. فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه - وإن ظلمه - فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية.
قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[133]
فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي، وأمر بالإصلاح يينهم.
فالمؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك.
والكافر تحب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك.
فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب والإكرام والثواب لأوليائه. ويكون البغي والإهانة والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة. استحق الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير. واستحق المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر. فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والخيانة، فيجتمع له من هذا وهذا: كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة[134].
فالناس باعتبار الحب والبغض والولاء والبراء ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:
• الصنف الأول: من يحب جملة:(4/301)
وهو من آمن بالله ورسوله، وقام بوظائف الإسلام ومبانيه العظام علما وعملا واعتقادا، وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله، وانقاد لأوامره وانتهي عما نهي الله عنه ورسوله، وأحب في الله، ووالى في الله وأبغض في الله، وعادى في الله وقدم قول رسول الله لا على قول كل أحد كائنا من كان.
• الصنف الثاني: من يحب من وجه ويبغض من وجه.
وهو المسلم الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا.
فيحب ويوالي على قدر ما معه من الخير، ولا يبغض أكثر مما يصلح وإذا أردت الدليل على ذلك: فهو في قصة ذلك الرجل من الصحابة والذي كان يشرب الخمر، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله "[135].
• الصنف الثالث: من يبغض جملة.
وهو من كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولم يؤمن بالقدر خيره وشره وأنه كله بقضاء الله وقدره، وأنكر البعث بعد الموت، أو أنكر أحد أركان الإسلام الخمسة، أو أشرك الله في عبادته أحدا من الأنبياء والأولياء والصالحين، وصرف لهم نوعا من أنواع العبادة: كالحب والدعاء والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر والإنابة والذل والخضوع والخشية و الرغبة والرهبة والتعلق.
أو ألحد في أسمائه وصفاته واتبع غير سبيل المؤمنين، وانتحل ما كان عليه أهل البدع والأهواء المضلة، وكذلك من قامت به نواقض الإسلام العشرة أو أحدها"[136].
فعلى هذا التقسيم تتضح صورة الحب والبغض، والولاء والبراء.
فيوالي ويحب المؤمن المستقيم على دينه ولاء وحبا كاملين.
ويتبرء ويعادي الكفرة والملحدين والمشركين، والمرتدين ويعادون عداوة وبغضا كاملين.
وأما من خلط عملا صالحا وآخر سيئا فيوالي بحسب ما عنده من الإيمان، ويعادى بحسب ما هو عليه من الشر.
المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا
إن من علامات محبة النبي فالزهد في الدنيا والصبر على شدائدها، وعدم الركون إلى زخرفها وملذاتها. وذلك افتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعا لما كان عليه. فلقد كان من صفاته صلى الله عليه وسلم زهده في أمور الدنيا وحبه للكفاف من العيش وإيثاره الآخرة على الأولى.
فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"[137].
وهو القائل: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في يوم صائف[138] فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها"[139].
والزهد المقصود هنا هو الزهد الشرعي لا الزهد البدعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الزهد: هو عما لا ينفع. إما لانتفاء نفعه. أو لكونه مرجوحا، لأنه مفوت لما هو أنفع منه، أو محصل لما يربو ضرره على نفعه. فالزهد من باب عدم الرغبة والإرادة في المزهود فيه. فالواجبات والمستحبات لا يصلح فيها الزهد. وكذا المنافع الخالصة أو الراجحة فالزهد فيها حمق. أما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد وكذا المباحات "[140]. " والفرق بين الزهد والورع: أن الزهد: ترك مالا ينفع في الآخرة.
وأما الورع: فهو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة"[141]
"والقلب المعلق بالشهوات لا يصلح له زهد ولا ورع"[142]
والزهد أنواع:
1- زهد في الحرام وهو فرض عين.
2- زهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة.
فإن قويت التحق بالواجب.
وإن ضعفت كان مستحبا.
3- زهد في الفضول: وهو الزهد فيما لا يغني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.
4- زهد في الناس أي فيما عندهم.
5- زهد في النفس بحيث تهون عليه تفسه في الله، وهذا أصعب الأنواع وأشقها.
6- زهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما شغلك عنه.
وأفضل الزهد: إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ[143].
والزهد الشرعي ينقسم باعتبار حكمه إلى قسمين:
القسم الأول منه: ما هو فرض على كل مسلم وهو الزهد في الحرام. القسم الثاني منه: ما هو مستحب وهو الزهد في المكروه وفضول المباحات والتفنن في الشهوات المباحة، وهو على درجات في الاستحباب بحسب المزهود فيه.
مفهوم الزهد في الدنيا:
ليس المراد بالزهد في الدنيا تخليتها من اليد وإخراجها، وقعوده صفرا. وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية بحيث لا يلتفت الزاهد إليها ولا يدعها تساكن قلبه وإن كانا في يده.
فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك.
وهذا كحال سيد ولد آدم لا حين فتح الله عليه من الدنيا ما فتح، فلم يزده ذاك إلا زهدا فيها.
وكحال الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز الذي يضرب بزهدهم المثل مع أن خزائن الأموال تحت أيديهم.
والذي يصحح هذا الزهد ثلاثة أشياء:(4/302)
1- أحدها: علم العبد أنها ظل زائل، وخيال زائر، وأنها كما قال تعالى فيها: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً}[144] ونحوها من الآيات.
وسماها سبحانه {مَتَاعُ الْغُرُورِ}[145] ونهي عن الاغترار بها وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين بها، وحذرنا مثل مصارعهم وذم من رضي بها واطمأن إليها.
2- الثاني: علمه أن وراءها دارا أعظم منها قدرا وأجل خطرا، وهي دار البقاء، فالزهد فيها لكمال الرغبة فيما هو أعظم منها.
3- الثالث: معرفته بأن زهده فيها لا يمنعه شيئا كتب له منها.
وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها.
فمتى تيقن ذلك ثلج له صدره، وعلم أن مضمونه منها سيأتيه، وبقي حرصه وتعبه وكده ضائعا والعاقل لا يرضى، لنفسه بذلك.
فهذه الأمور الثلاثة تسهل على العبد الزهد فيها ويثبت قدمه في مقامه"[146].
الزهد البدعي:
وهو الذي عليه حال كثير من المتصوفة الذين تركوا الكسب والاكتساب ولم يأخذوا بالأسباب، وانقطعوا انقطاعا تاما عن الوسائل المشروعة لتحصيل الرزق. فأصبحوا بذلك عالة على الناس يتكففونهم ويعيشون على صدقاتهم وزكاتهم وأوقافهم، وصاروا عضوا أشل في مجتمعاتهم، فأوقعوا أنفسهم في محاذير كثيرة منها:
1- دخولهم في الرهبانية التي نهى الشارع الحكيم عنها.
2- مخالفتهم لأوامر الله لعباده بالسعي في الأرض وطلب الرزق الحلال
3- وقوعهم في مسألة الناس مع قدرتهم على طلب الرزق فاستحقوا بذلك الوعيد الشديد الوارد في هذا الشأن.
فالواجب على المسلم الحذر من مشابهة هؤلاء في أحوالهم فالزهد المشروع إنما هو قلة الرغبة في الموجود لا قلة الرغبة في المفقود. وعلامة قلة الرغبة في الموجود إنفاقه في سبيل الله. فخلاصة القول: إنه من المعلوم أن كل دعوى لابد لها من دليل عليها، ليثبت صدقها ويؤكدها ويبرهن عليها.
قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[147]
وكذا الحال في دعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لابد لمدعي هذه المحبة من علامات وأدلة تؤكد دعواه وتبرهن صدق ما قاله. وما تقدم من علامات وأدلة تعد أبرز وأهم العلامات التي تدلل وتبرهن على صحة تلك الدعوى.
وعلى العموم فكل عمل يعمله المسلم مما حث الشارع على فعله يعد ذلك دليلا على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، شريطة تحري الإخلاص في ذلك العمل وإرادة وجه الله تعالى به.
وعلى هذا الأساس فإنه بقدر التزام المسلم بعلامات المحبة وحرصه على تطبيقها تتحدد درجة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ودرجة إيمانه كذلك.
فمحبته همسا هي جزء من أجزاء الإيمان، والإيمان كما هو معلوم يزداد بالطاعات وينقص بالمعاصي. فتزداد المحبة بمقدار الالتزام بتلك العلامات. وتنقص بمقدار البعد عنها.
المطلب التاسع: التحذير من علامات المحبة البدعية
يظن البعض من الناس أن له الحق في التعبير عن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم بما يراه ويستحسنه من الأمور، من غير أن يراعي في ذلك قواعد الشرع وأصوله وهذا الصنف من الناس تراه منساقا مع عواطفه جاعلا لها حق التشريع في هذا الدين. فتراه يغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم حتى كمل به إلى بعض مراتب الألوهية. وتراه يبتدع في دين الله أمورا تصل إلى حد العظائم. وتراه يقدم على الشركيات والكفريات. وكل ذلك بدعوى، محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولقد حكم الله عز وجل بالضلال على هذا الصنف فقال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}[148].
فالمتبعون لعواطفهم وأهوائهم المحكمون لها، لابد وأن يكونوا نابذين لهدي الله المتمثل في الكتاب والسنة، واللذين يشتملان على قواعد هذا الدين وأصوله والتي من ضمنها تحريم الابتداع في الدين والإحداث فيه، وتحريم الغلو بشتى مظاهره وأشكاله، وتحريم الشرك بمختلف صوره وألوانه.
ولذلك حكم الله بضلالهم وغوايتهم وبعداهم عن الصراط المستقيم. فحري بأمثال هؤلاء أن يقلعوا عن غيهم، وأن يتحكموا في عواطفهم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين، وتحقيقها يكون عن طريق ما شرع في هذا الدين، لا عن طريق البدع وما تهواه النفوس فالبدع قد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منها بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور" وهذا الحديث يعني في هذا المقام أن ليس لأحد الحق في التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما جاء به النبي لا فعلى المسلم أن يدرك هذا الأمر وليحذر من سبل أهل الضلال والانحراف.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[149].(4/303)
وإن الناظر في أحوال أولئك المفتونين بالبدع تحت دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم قد رغبوا في تلك الأمور المبتدعة لأنها أمور لا مشقة فيها على النفس فجعلوها بدلا مما يجب عليهم من الأعمال والطاعات التي تشق على نفوسهم الضعيفة المريضة، فالمحبة عند هؤلاء تنحصر في مظاهر التعظيم اللساني المليء بالغلو والشرك والمقترن بالاجتماع على موائد الطعام والذي لا يخلو في بعض الأحيان من المنكرات والمحرمات.
ويحق للمرء أن يتساءل أي محبة هذه التي تجيز لهؤلاء أن يبتدعوا في دين الله بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل؟ لاشك أن فعل هذه الأمور يناقض المحبة ويضادها جملة وتفصيلا، ولا عذر لفاعلها فيما أقدم عليه وإن كان فعل ذلك بحسن نية، فحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فلقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، فمازالوا على حالهم تلك حتى صارت أديانهم على غير ما جاءت به رسلهم.
ومما يؤسف له أن كثيرا من الناس يتمسك بتلك البدع تقليدا لمشائخه أو عشيرته أو أهل بلده. إلى غير ذلك من العصبيات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي أعمت بصائر الكثير منهم وأضلتهم عن سبيل الله.
ولقد كان من الحري بهؤلاء أن يقتدوا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا أشد الأمة محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأشدهم تعظيما له وكانوا أحرص الناس على الخير ممن جاء بعدهم، والذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في هذا السبيل. فلقد كان من سنن الصحابة رضوان الله عليهم حرصهم على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يؤمنون بأن منشأ محبته وثباتها قوتها إنما يكون بمتابعته صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وسلوكه وتصرفاته.
كما أنهم يؤمنون بأن الابتداع في الدين يضاد تلك المحبة وينافيها ولذلك لم يعهد عنهم أنهم ابتدعوا أشياء من عند أنفسهم لإظهار محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم كما ابتدع المتأخرون ما ابتدعوه من البدع تحت ستار المحبة والتعظيم له صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هذا هو شأن الصحابة فيما أثر عنهم من الآثار وهم المشهود لهم بأنهم أشد الأمة وأفضلها محبة وتعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم، أفلا يسع من جاء بعدهم ما وسعهم، فيتركوا تلك الأمور المبتدعة التي أحدثت من بعدهم، والتي لم يأذن بها الله ولم تكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،من ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن لم يتسع له ما اتسع للصحابة رضي الله عنهم، فلا وسع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
فعن قتادة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: "من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"[150].
المبحث الثاني: ثواب محبته صلى الله عليه وسلم
ويشتمل على تمهيد ومطلبين:
تمهيد
يؤمن المسلم أنه بفعله للطاعات وسائر العبادات يفعل ذلك كله ابتغاء مرضاة الله ورجاء ما عنده من الثواب العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة.
ذلك لأن كل عمل صالح مشروع له ثمرة، فالله سبحانه كريم يجود على أهل طاعته وعبادته، ويمن عليهم بفضله في فيضاعف لهم درجات أعمالهم. قال تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[151].
وقال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[152].
وقال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}[153].
والمحبة من أفضل أعمال العباد وأحبها إلى الله عز وجل، فبها يذوق العبد حلاوة الإيمان كما في الحديث "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"[154].
وبها يستكمل الإيمان كما في الحديث: "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان"[155].
وهي من أفضل الإيمان كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟
قال: "أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله في الله وتعمل لسانك في ذكر الله..."[156]. فهذه الأحاديث تبين اكتساب المحبة لهذه الدرجة الرفيعة من الدين فمن أعظم الواجبات على المؤمن محبة الله ومحبة ما يحبه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وما يحبه من الأشخاص كالأنبياء والملائكة وصالحي بني آدم وموالاتهم، وبغض ما يبغضه الله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. مع وجوب تقديم محبة الله تعالى على جميع المحاب وإيثار مرضاته على حظوظ النفس.
ولقد دلت النصوص على عظم ثواب المحبة ومدى نفع ثمرتها.(4/304)
والحديث هنا عن ثمرة المحبة يتناول محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك لما بين الأمرين من التلازم.
فمحبة الله لا تتم إلا بمحبة ما يحبه الله وكراهة ما يكرهه.
ولا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا بإتباع ما أمر به واجتناب ما نهي عنه، فصار من لوازم محبته سبحانه وتعالى محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته، ولهذا قرن الله محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[157].
وورد مثل ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما 000" الحديث. ومما تجدر الإشارة إليه كذلك أن كلا من الحب، والإيمان والتصديق هي حقوق مشتركة بين الله ورسوله. فالله سبحانه وتعالى كما أوجب الإيمان به على خلقه أوجب كذلك عليهم الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
تال تعالى: {...أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
وكذا الحال بالنسبة للتصديق قال تعالى: {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ}[158]
وقد نظم ابن القيم رحمه الله هذا في نونيته حيث قال:
يختص بل حقان مشتركان[159] ... والحب والإيمان والتصديق لا
وثمار محبة الله ورسوله منها ما هو دنيوي، ومنها ما هو أخروي. وسنعرض لكلا النوعين ليعلم المسلم عظم فضل الله على عباده المحبين له و لرسوله.
المطلب الأول: ثمار المحبة في الحياة الدنيا
من أعظم ثمار المحبة في هذه الحياة الدنيا هو ما تورثه في الجوارح من فعل للطاعات والقربات مما يرضي الله عز وجل ويكسب محبته.
فمتى ما تمكنت المحبة من القلب واستغرق بها واستولت عليه لم تنبعث الجوارح إلا إلى رضا الرب وطاعته، وصارت النفس مطمئنة حينئذ بإيرادة مولاها عن مرادها وهواها، فمن أحب الله لم يكن شيء عنده آثر من رضاه.
وهذا هو معنى الحديث الإلهي "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها"الحديث[160].
فالمحبة الصادقة شجرة في القلب عروقها الذل للمحبوب، وساقها معرفته، وأغصانها خشيته، وورقها الحياء منه، وثمرتها طاعته، ومادتها التي تسقيها ذكره[161].
فالمحبة تملأ القلب ذلا لله وتكسبه معرفة وخشية وخوفا وحياء من الله تبارك وتعالى، لتثمر بذلك طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وخشيته في السر والعلانية، وثمار الطاعة لا تعد ولا تحصى وأعظمها: محبة الله للعبد وهذا أشرف مقصود وأرفع درجة وأعظم مقام يناله العبد.ثوابا وثمرة لمحبته لله عز وجل.
وقد يظن البعض أن الغاية هي أن تحب لله، ولكن الأمر خلاف ذلك، فالغاية أن يحبك الله عز وجل وليست الغاية أن تحب الله عز وجل، فالمؤمن يسعى لهذه الغاية ويتمنى تحققها والفوز بها قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[162].
فالآية هنا إشارة إلى ثمرة المحبة {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} قال ابن القيم عند هذه الآية "فجعل سبحانه متابعة رسوله سببا لمحبتهم له، وكون العبد محبوبا لله أعلى من كونه محبا لله، فليس الشأن أن تحب الله ولكن الشأن أن يحبك الله"[163].
وقد وصف الله سبحانه نفسه في كتابه العزيز بأنه يحب عباده المؤمنين، ويحبونه، وأخبر أنهم أشد حبا لله {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}[164]. ووصف نفسه بأنه الودود {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[165] والودود هو الحبيب، والود خالص الحب، فهو يود عباده المؤمنين ويودونه[166].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}[167] قال بعض السلف في تفسيرها يحبهم ويحببهم إلى عباده[168].(4/305)
فالفوز بمحبة الله فيه الخير كله فعن أنس بين مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترقا عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشى، ولئن سألني لأعطنه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه"[169].
فتأمل كمال الموافقة في الكراهة كيف اقتضى كراهة الرب تعالى لمساءة عبده بالموت لما كره العبد مساخط ربه، وكمال الموافقة كيف اقتضى موافقته في قضاء حوائجه وإجابة طلباته وإعاذته مما استعاذ به، كما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك"[170].
وتأمل "الباء" في قوله "فبي يسمع وبي، يبصر وبي يبطش وبي يمشي" كيف تجدها مبينة لمعنى قوله "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به... الخ " فإن سمع سمع بالله، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به، وهذا تحقيق قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[171] وقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[172] وقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}[173]
وتأمل كذلك كيف جعل محبته لعبده متعلقة بأداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل بعدها لا غير، وفي هذا تعزية لمدعي محبته بدون ذلك أنه ليس من أهلها، وإنما معه الأماني الباطلة والدعاوي الكاذبة[174].
ومما يناله العبد كذلك من محبة الله له محبة من في السماء له ووضع القبول له في أهل الأرض.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض "[175].
وفي لفظ لمسلم: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه " قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء. قال: ثم يوضع له القبول في الأرض... " الحديث[176].
وفي لفظ آخر لمسلم عن سهيل بن أبي صالح قال: كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه. فقلت لأبي: يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز.
قال: وما ذاك؟
قلت: لما له من الحب في قلوب الناس.
فقال: إني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحديث[177]
المطلب الثاني: ثواب المحبة في الآخرة
أما على صعيد الثواب الأخروي فمن أعظم ما ورد في ذلك تلك البشارة التي وردت على لسان النبي كلها والتي استبشر لها الصحابة رضوان الله عليهم ولم يفرحوا بشيء بعد الإسلام أشد من فرحهم بها.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وما أعددت للساعة؟ "
قال: حب الله ورسوله. قال: "فإنك مع من أحببت".
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم "فإنك مع من أحببت ".
قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم[178].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحب قوما ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب"[179].
ولاشك أن هذه البشرى عامة للأمة جميعها بمعنى أن من تحققت فيه محبة الله ورسوله فهو مستحق لتلك البشرى، ولكن مما يجدر التنبيه عليه ههنا مرة أخرى أنه لا يكفي مجرد دعوى محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم باللسان فقط بل لابد من تحقيق المتابعة له، وكل ما يوصل إلى تحقيق المحبة، فمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لابد أن يصاحبها اجتهاد ممن يطلبها، وإن كان ليس من شرط ذلك الاجتهاد في الطاعة أن يصل إلى درجة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ومما يشهد لهذا ويؤكده ما ورد في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي[180] أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: "سل".
فقلت: يارسول الله أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: " أو غير ذلك؟ ". قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"[181].
فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابي الذي سأل مرافقته في الجنة أن يكثر من صلاة النافلة، وفي هذا دليل على أن العمل مطلوب ممن أراد أن يصل إلى هذه الأمنية العظيمة وأن مجرد تمني القلب وقول اللسان لا يكفي لتحقيق ذلك.(4/306)
ومما يؤكد أن نوال شرف مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة متعلق باتباع شريعته وطاعته، قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}[182] ومن الثواب الأخروي الذي يناله المحب لله ولرسوله هو غفران الذنوب وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[183]
فأخبر سبحانه في هذه الآية عن مغفرته لذنوب الذين حققوا محبته ومحبة نبيه على الوجه المطلوب منهم، وهذه منة امتن الله بها على أهل محبته، إذ وعدهم إن هم اتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم وأطاعوه أنه يجزيهم على فعلهم ذلك، ويكرمهم بشرف محبته لهم ويتوج ذلك الشرف العظيم والمنزلة العالية بأن يمحو عنهم خطاياهم ويكفر عنهم سيئاتهم التي اكتسبوها.
ولاشك أن حصول هذين الأمرين أي "المحبة" و "المغفرة" هما غاية ما يتمنى المؤمن الفوز به، فأي فوز أعظم وأكبر من الفوز برضى الله وغفرانه.
فرضى الله هو سبيل كل نعيم دائم مقيم، وغفرانه هو الأمان من كل عذاب أليم. ومن ثمرات محبته صلى الله عليه وسلم ما ورد في ثواب ذكره الذي هو أحد علامات ودلائل محبته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى علي واحد ة صلى الله عليه عشرا"[184] والصلاة معناها هنا الثناء، فهي ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم وإرادة من الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا والجزاء من جنس العمل، فمن اثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد تشريفه وتكريمه[185]. فهذه ثمرة من ثمرات الذكر الذي هو علامة من علامات المحبة.
ومما ورد كذلك حديث أبي بن كعب قال: قلت: يارسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟
قال: "ما شئت". قلت: الربع؟
قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: النصف؟
قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: الثلثين؟
قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير".
قال: أجعل لك صلاتي كلها.
قال: "إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك"[186].
والعبارة الأخيرة هي موطن الشاهد ههنا، فهذا من الثواب الحاصل من المحبة لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره، "وكما أن الذكر من نتائج الحب، فالحب أيضا من نتائج الذكر، فكل منهما وشمر الآخر، وزرع المحبة إنما يسقى بماء الذكر، وأفضل الذكر ما صدر عن المحبة[187].
وقد سبق بيان معنى الحديث[188].
وعلى العموم فإن ثواب كل طاعة من الطاعات إنما هو في الحقيقة ثمرة للمحبة وذلك لأن المحبة أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين.
________________________________________
[1] الآية (111) من سورة البقرة.
[2] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم: باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (5/ 46) ح 2678 وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه.
[3] الآية (24) من سورة التوبة.
[4] جامع العلوم والحكم (ص 365).
[5] جامع العلوم والحكم (ص 366).
[6] جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام (ص 248).
[7] الآية (56) من سورة الأحزاب.
[8] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة (2/ 4).
[9] أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 136). وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب صفة يوم القيامة، باب 23، (4/ 636، 637) ح 2457 وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 421) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 8) ح 14، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 256). والحديث في إسناده "عبد الله بن محمد بن عقيل" قال ابن القيم: عبد الله بن محمد بن عقيل احتج به الأئمة الكبار كالحميدي وأحمد، وإسحاق، وعلي بن المديني، والترمذي وغيرهم، والترمذي يصحح هذه الترجمة تارة ويحسنها تارة. جلاء الأفهام (ص 66) وقال الألباني في الصحيحة (954): "إسناده حسن من أجل الخلاف المعروف في ابن عقيل".
[10] جلاء الأفهام (ص 32).
[11] أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 201). وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل" وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب (5/ 551) ح 3546، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 163). وأخرجه ابن حبان في صحيحه انظر موارد الظمآن رقم (388) وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 549) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 139/ 2) وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 177) حديث صحيح.
[12] الشفا (2/ 573).(4/307)
[13] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله (8/ 145).
[14] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب فضل النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتمنيه (7/ 96).
[15] أخرجه أحمد في مسنده (3/ 105، 155) والبيهقي في الدلائل (5/ 351).
[16] الشفا (2/ 569).
[17] المصدر السابق (2/ 569، 573).
[18] الآية (91) من سورة التوبة.
[19] محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري القرطبي، من كبار المفسرين وهو صاحب التفسير المشهور الذي يعرف "تفسير القرطبي" واسمه "الجامع لأحكام القرآن" توفي رحمه الله سنة 671 هـ. طبقات المفسرين (2/ 69- 70).
[20] تفسير القرطبي (8/ 227).
[21] النهاية في غريب الحديث (5/ 63)، وجامع العلوم والحكم (ص 74).
[22] غريب الحديث للخطابي (2/ 228).
[23] تميم بن أوس بن حارثة الداري، صحابي مشهور، كان نصرانيا ثم قدم المدينة فأسلم وذلك سنة تسع من الهجرة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، مات بالشام. الإصابة (1/ 186).
[24] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب بيان أن الدين النصيحة (1/ 53).
[25] جامع العلوم والحكم (ص 74- 76).
[26] محمد بن نصر المروزي، أبو عبد الله، إمام في الفقه والحديث كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم في الأحكام، ولد سنة 202 هـ، وتوفي سنة 294 هـ.
تذكرة الحفاظ (2/ 201)، وتهذيب التهذيب (9/ 489).
[27] الآية (91) من سورة التوبة.
[28] تعظيم قدر الصلاة (2/ 691- 692).
[29] الشفا (2/ 583).
[30] جامع العلوم والحكم (ص 74).
[31] واسمه: عثمان بن عبد الرحمن (صلاح الدين) بن عثمان الكردي أبو عمرو، أحد أئمة المسلمين علما ودينا، ولد سنة 557 هـ وتوفي سنة 643 هـ. الأعلام (4/ 207- 208).
[32] جامع العلوم والحكم (ص 76).
[33] تعظيم قدر الصلاة (2/ 693).
[34] الشفا (2/ 583).
[35] جامع العلوم والحكم (ص 76).
[36] يحيى بن شرف بن مري الحزامي الحوراني، النووي، الشافعي علامة في الفقه والحديث، وله مصنفات كثيرة، توفي سنة 676 هـ الأعلام (8/ 149).
[37] شرح صحيح مسلم (8/2).
[38] تعظيم قدر الصلاة (2/693).
[39] الآية (23) من سورة الأحزاب.
[40] الآية (8) من سورة الحشر.
[41] الشفا (2/584-585).
[42] الشفا (2/584).
[43] جامع العلوم والحكم (ص 76).
[44] شرح النووي (2/38).
[45] تفسير القرطبي (8/227).
[46] تعظيم قدر الصلاة (2/693- 694).
[47] الشفا (2/585).
[48] جامع العلوم والحكم (ص 76).
[49] تفسير القرطبي (8/ 227).
[50] شرح النووي (2/ 38- 39).
[51] تعظم قدر الصلاة (2/ 694).
[52] جامع العلوم والحكم (ص 76).
[53] الشفا (2/ 586).
[54] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم فتح الباري (10/ 438) ح 6011، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.
[55] تفسير القرطبي (8/227).
[56] جرير بن عبد الله البجلي، صحابي جليل، اختلف في وقت إسلامه وكان له بلاء حسن في الفتوحات، مات سنة 51هـ، وقيل 54هـ الإصابة (1/233-234).
[57] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب كيف بايع الإمام الناس. فتح الباري (3/ 193) ح 7204، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة (1/54).
[58] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب حق المسلم على المسلم رد السلام (7/3).
[59] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل (2/168-170).
[60] الشفا (2/576).
[61] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. فتح الباري (9/ 74) ح 5027
[62] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7/123).
[63] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7/123).
[64] أخرجه البيهقي في الأدب (ص 522)، وعزاه السيوطي في مناهل الصفا (ص 186) للبيهقى في الآداب وابن الضريس في فضائل القرآن.
[65] الشفا (2/576).
[66] الشفا (2/573).
[67] حقوق آل البيت (ص 19).
[68] شعب الإيمان للبيهقي (1/282).
[69] مجموع الفتاوى (3/407).
[70] زيد بن أرقم بن زيد، صحابي جليل، لم يشهد بدرًا ولا أحدًذا لصغر سنه، وأول مشاهده الخندق وقيل المريسيع، مات بالكوفة سنة ست وستين، وقيل ثمان وستين. الإصابة (1/542).
[71] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل على بر؟ لي طالب رضي الله عنه (/ 122، 123).
[72] الآية (6) من سورة الأحزاب.
[73] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. فتح الباري (1/ 152) ح 6357. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (2/16).
[74] جلاء الأفهام (ص 174).(4/308)
[75] أرقبوا: المراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تسيئوا إليهم. فتح الباري (7/79).
[76] أخرجه البخاري في صحيحه، كناب الصحابة، باب مناقب قرابة الرسول كله صلى الله عليه وسلم.
فتح الباري (7/78) ح 3713.
[77] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم. فتح الباري (7/77، 78) ح 3712، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نورث وما تركناه صدقة" (5/155، 156).
[78] مجموع الفتاوى (3/407).
[79] جلاء الأفهام (ص 175).
[80] تفسير ابن كثير (4/113).
[81] مجموع الفتاوى (3/407).
[82] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال:
القول الأول: هم الذين حرمت عليهم الصدقة. وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه.
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة وهذا مذهب أبى حنيفة، والرواية عن أحمد، واختيار ابن القاسم صاحب مالك.
والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى بني غالب، ويدخل فيهم بنو المطب، وبنو أمية، وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بني غالب، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك حكاه صاحب "الجراهر" عنه وحكاه اللخمي في "التبصرة" عن أصبغ، ولم يحكه عن أشهب.
وهذا القول في الآل أعني -أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي.
القول الثاني: أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة، حكاه ابن عبد البر في التمهيد.
القول الثالث: أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روى عنه هذا القول جابر بن عبد الله، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري وغيره، واختاره بعض أصحاب الشافعي. حكاه عنه أبو الطب الطبري في تعليقه، ورجحه الشيخ محي الدين النووي في شرح مسلم واختاره الأزهري.
القول الرابع: أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته حكاه حسين والراغب وجماعة.
ثم ذكر رحمه الله حجج هذه الأقوال ويين ما فيها من الصحيح والضعيف إلى أن قال: "والصحيح هو القول الأول، ويليه القول الثانى. أما القول الثالث والرابع فضعيفان". جلاء الأفهام (ص 164- 177).
[83] الآية (32) من سورة الأحزاب.
[84] الآية (6) من سورة الأحزاب.
[85] مجموع الفتاوى (3/154) وتفسير القرطبي (1/ 123، 177).
[86] الآية (3) من سورة الأحزاب.
[87] أبو حميد الساعدي، اختلف في اسمه فقيل عبد الر- ومن بن سعد وقيل غير ذلك، لحالي مشهور، شهد أحذا وما بعدها، وتوفر، في آخر خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد. الإصابة 41/ 47).
[88] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم. فتح الباري ( 1/ 169) ح 6360 وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (2/17).
[89] جلاء الأفهام (ص 200)
[90] شعب الإيمان للبيهقي (1/282- 284).
[91] وهي أولهن، وقد تزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة، وهر ابن خمس وعشرين سنة، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله برسالته فآمنت به ونصرته فكانت له وزير صدق وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصح ومن خصائصها رضي الله عنها:
1- أنه لم يتزوج عليها غيرها.
2- أن أولاده كلهم منها إلا إبراهيم فإنه من سريته مارية.
3- أنها خير نساء الأمة. جلاء الأفهام (ص 180).
[92] تزوجها وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين وقيل لثلاث وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع سنين، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.
ومن خصائصها رضي الله عنها:
1- أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك ؟ قال: "عائشة" قيل ومن الرجال؟ قال: "أبوها" متفق عليه (خ/4358) (م/2384).
2- أنه لم يتزوج بكرا غيرها. جلاء الأفهام (ص 182- 185).
[93] سودة بنت زمعة بن قيس. تزوجها بعد خديجة، وكبرت عنده وأراد أن يطلقها فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها وهذا من خواصها: أنها آثرت حرمها لعائشة تقربًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحبًا له. جلاء الأفهام (ص 182).
[94] حفصة بنت عمر بن الحطاب، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد عائشة، وقيل إنها ولدت قبل المبعث بخمسة سنين، وكانت قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم عند حصن بن حذافة وكان ممن شهد بدرًا ومات بالمدينة. وكانت رضي الله عنها صوامة قرامة.
الإصابة (4/362، 360) وجلاء الأفهام (ص 185).(4/309)
[95] واسمها رملة بنت صخر بن حرب، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصر بالحبشة، وأتم الله لها الإسلام، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النجاشي. وهي التي أكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة، وقالت: إنك مشرك، ومنعته من الجلوس عليه. الإصابة (4/298- 300).
[96] واسمها هند بنت أبي أمية، وكانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وتوفيت سنة اثنتين وستين ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا، وقيل: بل ميمونة.
الإصابة (4/07 4- 408) وجلاء الأفهام (ص 195-197).
[97] زينب بنت جحش: وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة، فطلقها فزوجها الله إياه من فوق سبع سموات وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقول: "زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماواته" توفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع. الإصابة (4/307- 308).
[98] زينب بنت خزيمة الهلالية، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند عبد الله بن جحش فاستشهد بأحد، وكانت تسمى أم المساكين، لكثرة إطعامها المساكين، ولم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا شهرين أو ثلاثة ثم توفيت رضى الله عنها. الإصابة (4/ 309-310) وجلاء الأفهام (ص 198).
[99] جويرية بنت الحارث المصطلقية، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها سنة ست من الهجرة وتوفيت سنة ست وخمسين، وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من بركتها على قومها. الإصابة (4/257- 258) وجلاء الأفهام (ص 198).
[100] صفية بنت حيي من ذرية هارون بن عمران، أخي موسى، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع، فإنها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل سنة خمسين.
من خصائصها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لابنة نبي وإن عمك لبي وإنك تحت نبي". الإصابة (4/337- 338) وجلاء الأفهام (ص 198- 199).
[101] ميمونة بنت الحارث الهلالهية تزوجها بسرف، وبنى بها بسرف، وماتت بسرف، وهي علي سبعة أميال من مكة، وهي آخر من تزوج من أمهات المؤمنين، وتوفيت سنة ثلاث وستين، وهي خالة عبد الله بن عياس رضي الله عنهما، وهي خالة خالد بن الوليد أيضا. الإصابة (4/397- 399) وجلاء الأفهام (ص 199).
[102] الآية (9) من سورة الفتح.
[103] الآية (8) من سورة الفتح.
[104] الآية (100) من سورة التوبة.
[105] الآية (4) من سورة الأنفال.
[106] شعب الإيمان للبيهقي (1/287).
[107] الآية (10) من سورة الحشر.
[108] عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي، صحابي جليل، أسلم عام خيبر وغزا عدة غزوات وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح مات سنة اثنتين وخمسين وقيل سنة ثلاث وخمسين من الهجرة. الإصابة (/ 27).
[109] أخرجه البخاري في صحيحه، كناب الشهادات، باب لا يشهد على جور إذا أشهد.
فتح الباري (/ 258- 259) ح 2651، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين بلونهم (7/183- 184).
[110] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على جور إذا أشهد.
فتح الباري (5/259) ح 2652، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (7/184- 185).
[111] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذا خليلاً". فتح الباري (7/1 2) ح 3673، وأخرجه مسلم في صحيحه من حدث أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (7/188)
[112] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان. انظر: فتح الباري (7/113) ح 3784 واللفظ له. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته ... (1/65).
[113] هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي، أبو زرعة من أئمة حفاظ الحديث، ذكر أنه يحفظ مائة ألف حديث، توفي سنة (64 هـ). تهذيب التهذيب (7/30- 34).
[114] الكفاية في علم الرواية (ص 97).
[115] أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أحد الحفاظ المؤرخين المقدمين وصاحب مصنفات من أشهرها تاريخ بغداد، توفي سنة (463 هـ). الأعلام (1/172).
[116] الآية (110) من سورة آل عمران.
[117] الآية (143) من سورة البقرة.
[118] الآية (17) من سورة الفتح.
[119] الآية (100) من سورة التوبة.
[120] الآيات (10، 11، 12) من سورة الواقعة.(4/310)
[121] الآية (64) من سورة الأنفال.
[122] الآيتان (8، 9) من سورة الحشر.
[123] الكفاية في علم الرواية (ص 93- 96).
[124] الإصابة (1/ 17).
[125] شرح العقيدة الطحاوية (ص 528).
[126] شعب الإيمان للبيهقي (ص 297).
[127] الآية (10) من سورة الحشر.
[128] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا. فتح الباري (7/304-305) ح 3983، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر (/ 168- 169).
[129] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان (7/169).
[130] مجموع الفتاوى (3/ 152- 153).
[131] الشفا (2/575).
[132] الآية (22) من سورة المجادلة.
[133] الآيتان (9، 10) من سورة الحجرات.
[134] مجموع الفتاوى (28/ 208-209).
[135] تقدم تخريجه ص 303.
[136] إرشاد الطالب لابن سحمان (ص 19).
[137] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". فتح الباري (11/233) ح 6416.
[138] يوم صائف: أي حار. القاموس (3/170).
[139] أخرجه وكيع بن الجراح في الزهد (1/ 286- 288) ح 64، وأخرجه عنه الإمام أحمد في المسند (1/ 441) وفي الزهد (8) والحاكم في المستدرك (4/ 309- 310) وصححه ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/326) بعد عزوه لأحمد رجاله رجال الصحيح، غير هلال بن خباب وهو ثقة. وقال محقق كتاب الزهد لوكيع: "والحديث مع ماله من الشواهد يرتقي إلى درجة الصحة". الزهد لوكيع (1/288).
[140] مجموع الفتاوى (0/ 615) بتصرف.
[141] الفوائد لابن القيم (118).
[142] الفوائد لابن القيم (118).
[143] الفرائد لابن القيم (ص 118).
[144] الآية (20) من سورة الحديد.
[145] الآية (185) من سورة آل عمران.
[146] طريق الهجرتين (453- 456) بتصرف.
[147] الآية (111) من سورة البقرة.
[148] الآية (50) من سورة القصص.
[149] الآية (153) من سورة الأنعام.
[150] جامع بيان العلم وفضله (2/ 119).
[151] الآية (38) من سورة النور.
[152] الآية (24) من سورة التوبة.
[153] الآية (84) من سورة القصص.
[154] تقدم تخريجه ص 43.
[155] تقدم تخريجه ص 311.
[156] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 247).
[157] الآية (24) من سورة التوبة.
[158] الآية (22) من سورة الأحزاب.
[159] شرح النونية لابن عيسى (2/ 347) وتكميلا للفائدة: فإن الحق الذي يختص الله به على عباده دون سواه هو: عبادته بأمره لا بهوى النفس، وذلك كالحج والصلاة والذبح والنذر واليمين والتوبة والتوكل والإنابة والرجاء ونحوها من العبادات فهي حق لله لا يشاركه فيه غيره.
وأما الحق الذي يختص بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو التعزير والتوقير كما في قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} الآية (9) من سورة الفتح.
انظر: شرح النونية لابن عيسى (2/ 348).
[160] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع. فتح الباري ( 11/ 340- 341) ح 6502.
[161] روضة المحبين (ص 409).
[162] الآية (9) من سورة آل عمران.
[163] روضة المحبين ص (266).
[164] الآية (165) من صورة البقرة.
[165] الآية (14) من سورة البروج.
[166] روضة المحبين (409).
[167] الآية (96) من سورة مريم.
[168] روضة المحبين ص (412).
[169] تقدم تخريجه (ص 374)
[170] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب باب (7). فتح الباري (8/ 524- 525) ح 4788، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب القسم بين الزوجات (4/ 174).
[171] الآية (128) من سورة النحل.
[172] الآية (69) من سورة العنكبوت.
[173] الآية (19) من سورة الأنفال.
[174] روضة المحبين (ص 411).
[175] أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب المقة (المحبة) من الله تعالى.
انظر: فتح الباري (10/ 461) ح 6040
[176] أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده (8/ 40، 41).
[177] أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده (8/ 41).
[178] تقدم تخريجه (ص 312).
[179] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب علامة الحب في الله.
انظر:/ فتح الباري (10/ 557) ح 6169، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب المرء مع من أحب (8/ 43) واللفظ له.
[180] رببعة بن كعب بن مالك الأسلمي، صحابي، كان من أهل الصفة مات سنة ثلاث وستين من الهجرة. الإصابة (1/ 498)
[181] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه (2/ 52).
[182] الآية (69) من سورة النساء.
[183]الآية (9) من سورة آل عمران.
[184] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (2/ 17).
[185] جلاء الأفهام (ص 79).
[186] تقدم تخريجه (ص 327).
[187] روضة المحبين (ص 265).
[188] انظر (ص 327).(4/311)
31. ... 6- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [توقيره وتعظيمه]
الباب الثالث: وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه
صلى الله عليه وسلم
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: بيان عظيم قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه عز وجل.
ويشتمل على: تمهيد، وثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا.
تمهيد:
إن من الأهمية بمكان- قبل الشروع في توضيح الحق الواجب للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن تعظيمه وتوقيره- عقد هذا الفصل في بيان عظيم قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه عز وجل وذلك لاستعراض- جملة طيبة من المكارم والخصائص التي امتن الله بها على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والتي تدلل على تشريف الله عز و جل وتكريمه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وتظهر تفضيل الله له على العالمين من الجن والناس أجمعين، بل والملائكة المقربين.
فلابد لكل مسلم صادق في إسلامه من أن يتعرف على تلك الخصائص والفضائل، إذ إن هذه المعرفة تنير القلوب وتبصرها وتزيدها إيمانا وحبا وتعظيما للنبي المصطفي صلى الله عليه وسلم.
ولهذه الزيادة- ولا شك- ثمرتها في شحذ الهمم ودفعها لاتباعه والإقتداء به والسير على نهجه والتمسك بسنته واقتفاء أثره، ولزوم هديه.
والمتأمل في آيات الكتاب العزيز ونصوص السنة النبوية الصحيحة يجد الكثير من الأدلة التي تبين مكانة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعظم قدره عند ربه عز وجل، فقد حباه الله وامتن عليه وأكرمه بخصائص في الدنيا والآخرة دلت على علو قدره، ورفعة مكانته، وسمو منزلته عند الخالق تبارك وتعالى.
فقد قال تعالى في محكم التنزيل {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [1] ففي هذه الآية يمتن الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بما أسبغ عليه من الفضائل التي هي المناقب والمراتب التي أعطاه الله إياها وميزه بها عن بقية أنبيائه ورسله وسائر خلقه.
فالله سبحانه فضل بعض الرسل على بعض فقال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [2].
فكان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر من هذا الفضل فقد خصه الله وميزه بخصائص ومناقب دنيوية وأخروية فضل بها على سائر الأنبياء ومن سواهم من البشر. وسأتعرض لبعض هذه الخصائص على وجه الاختصار وذلك حتى يتبين للقارئ عظم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه عز وجل.
المبحث الأول: بيان بعض الخصائص التي خص الله، بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا
1- أخذ العهد له صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام:
من الأمور التي تدل على عظيم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه ما أخذه الله من العهد له صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام على أنهه لو بعث صلى الله عليه وسلم وهم أحياء أو أحد منهم فإنه يجب عليهم أن يؤمنوا به ويتبعوه وينصروه. قال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [3]
وقد روي عن علي بن أبي طالب وابن-عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية قولهما: "ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه" [4].
فهو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد لكان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس [5].
ولهذا فقد كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم وبمبعثه ومكان بعثته ومهاجره، كما ورد وصفه في كتبهم حتى إنهم ليعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [6]
وقال تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ} [7](4/312)
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حينما سئل عن وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، فأنت ت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى، يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح، به أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا..." [8]
2- أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تبعًا:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" [9].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة" [10].
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد" [11].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرضت علي الأم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فطنت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه، ولكن أنظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب..." الحديث [12].
وفي هذا الأمر فضل عظيم وخصيصة كبيرة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالله تعالى يكتب لكل نبي من الأنبياء من الأجر بقدر أعمال أمته وأحوالها وأقوالها فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" الحديث [13].
فما من معرفة ولا حالة ولا عبادة ولا مقالة ولا شيء مما يتقرب به إلى الله عز وجل مما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إليه إلا وله أجر من عمل به إلى يوم القيامة، ولا يبلغ أحد من الأنبياء إلى هذه المرتبة ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نفع شطر أهل الجتة فقد ثبت في الحديث أن أمته شطر أهل الجنة قال صلى الله عليه وسلم: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة " الحديث [14].
فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نفع شطر أهل الجنة، وغيره من الأنبياء إنما نفع جزءا من أجزاء الشطر، كانت منزلته في القرب على قدر منزلته في النفع، فما من عارف من أمته إلا وله مثل أجر معرفته مضافا إلى معارفه صلى الله عليه وسلم، وما من ذي حال من أمته إلا وله صلى الله عليه وسلم مثل أجره على- حاله مضموما إلى أحواله صلى الله عليه وسلم، وما من ذى مقال يتقرب به إلى الله عز و جل إلا وله صلى الله عليه وسلم مثل أجر ذلك القول مضموما إلى مقالته وتبليغ رسالته، وما من عمل من الأعمال المقربة إلى الله عز وجل من صلاة وزكاة وعتق وجهاد وبر ومعروف وذكر وصبر وعفو وصفح إلا وله صلى الله عليه وسلم مثل أجر عامله مضموما إلى أجره على أعماله، وما من درجة علية، ومرتبة سنية، نالها أحد من أمته بإرشاده ودلالته إلا وله مئل أجرها مضموما إلى درجته صلى الله عليه وسلم مرتبته، ويتضاعف ذلك بأن من دعا من أمته إلى هدى أو سن سنة حسنة كان له أجر من عمل بذلك على عدد العاملين، ثم يكون هذا المضاعف لنبينا صلى الله عليه وسلم لأنه دل عليه، وأرشد إليه.
ولأجل هذا بكى موسى عليه السلام ليلة الإسراء بكاء غبطة غبط بها النبي صلى الله عليه وسلم إذ يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمة موسى عليه السلام، ولم يبك حسدا كما يتوهمه بعض الجهال، وانما بكا أسفا على ما فاته من مثل مرتبته [15].
ففي قصة المعراج من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا وفيه "... ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة... فلما خلصت فإذا موسى، قال (جبريل) هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى.
قيل له: ما يبكيك؟ قال أبكى لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي..." الحديث [16].
3- أن قرنه صلى الله عليه وسلم خير قرون بني آدم كما أنه خير قرون أمته والقرون التي تلي قرنه صلى الله عليه وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه" [17].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..." الحديث [18].(4/313)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير قال: "القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث" [19]
والأحاديث في هذا الأمر كثيرة:
4- أن الله تعالى أخبره بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو حي صحيح يمشي على الأرض. قال الله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} [20]
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه- الذي في الشفاعة- وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "... فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك..." [21].
وفي حديث أنس رضي الله عنه- الذي في الشفاعة أيضا وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن ائتوا محمدا عبدا قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر..." [22].
قال العز بن عبد السلام [23]: "ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك بل الظاهر أنه لم يخبرهم، لأن كل واحد. منهم إذا طلبت منهم الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته التي أصابها وقال: "نفسي نفسي" ولو علم كل واحد منهم بغفران خطيئته لم يوجل منها في ذلك المقام واذا استشفعت الحلائق بالنبي صلىالله عليه وسلم في ذلك المقام قال: "أنا لها" [24].
5- أن الله رفع له ذكره، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [25]
فلا يذكر الله سبحانه إلا ذكر معه، ولا تصح للأمة خطبة ولا تشهد حتى يشهدوا أنه عبده ورسوله، وأوجب ذكره في كل خطبة، وفي الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام وفي الصلاة التي هي عماد الدين إلى غير ذلك من المواضع.
6- أن الله أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [26] والإقسام بحياة المقسم بحياته يدل على شرف حياته وعزتها عند المقسم بها، وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يقسم بها لما فيها من البركة العامة والخاصة ولم يثبت هذا لغيره صلى الله عليه وسلم [27].
7- أن الله وقره في ندائه، فناداه بأحب أسمائه ممائه وأسنى أوصافه فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيّ...} [28] و{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [29] وهذه الخصيصة لم تثبت لغيره، بل ثبت أن كلا منهم نودي باسمه فقال تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ} [30] {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} [31] {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ} [32] {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ} [33] {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [34] {يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [35] {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [36] {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} [37] {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [38].
ولا يخفي على أحد أن السيد إذا دعي أحد عبيده بأفضل ما وجد فيه من الأوصاف العلية والأخلاق السنية، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام التي لا تشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق، دل ذلك على أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم. وهذا معلوم بالعرف أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه " [39]
8- أن الله أمر الأمة بأن لا ينادونه باسمه بل ينادونه: يا رسول الله يا نبي الله فقال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [40]
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير [41] عند تفسيرها، كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم؟ فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاما لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يقولوا يا نبي الله يارسول الله" [42].
9- أن الله نهي الأمة أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم ولا يجهروا له بالقول - كما هو الحال بين الناس- حتى لا تحبط أعمالهم فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [43] الآيات.(4/314)
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس [44] فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال له ما شأنك؟ فقال: شر. كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل، النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال موسى [45]: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه فقل له: إنك ليست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة" [46].
وقال ابن الزبير [47]: "ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه" [48]
10- أن الله أمر الأمة بأنهم إذا أرادوا أن يناجوه صلى الله عليه وسلم بأن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة، ثم نسخ ذلك، وأمرهم بالطاعة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [49]
11- ما وهبه الله له من المعجزات التي تميزت على معجزات من قبله من الأنبياء. فمعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم الباقي إلى يوم الدين، الذي لا تنضب معانيه، ولا تفنى عجائبه، ولا تنقطع فوائده، وهو المحفوظ بحفظ الله له- من التغيير والتبديل والتحريف- فيه دواء وشفاء، ومواعظ وأحكام، فيه خبر من سبقنا، وأحوال من بعدنا، وهو حبل الله المتين، من آمن به واتبعه رشد ومن تركه وضل عنه غوى وهلك، وخاب وخسر. فهو المعجزة الخالده الباقية ما بقى الإنسان في هذه الدنيا، بينما تصرمت وانقرضت معجزات من قبله من الأنبياء.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر،وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" [50].
وكذلك فقد وجد في معجزاته ما هو أظهر في الإعجاز من معجزات غيره كتفجير الماء بين أصابعه [51] فهو أبلغ في خرق العادة من تفجيره من الحجر، لأن جنس الأحجار مما يتفجر منه الماء، وكانت معجزته بانفجار الماء من بين أصابعه أبلغ من انفجار الحجر لموسى عليه السلام [52].
وعيسى عليه السلام أبرأ الأكمه مع بقاء عينه في مقرها ورسول الله صلى الله عيه وسلم رد العين بعد أن سالت على الخد ففيه معجزة من وجهين:
إحداهما: التئامها بعد سيلانها والأخرى: رد البصر إليها بعد فقده منها [53]. فعن عاصم بن عمر بن قتادة [54] عن أبيه [55] عن جده قتادة [56] أنه أصيبت عينه يوم أحد فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا فدعا به فغمز عينه براحته فكان لا يدرى أي عينيه أصيبت" [57] (1).
والأمثلة في هذا الباب كثيرة وقد تطرق إليها من كتب في الدلائل والخصائص [58].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم" [59]
وقال السيوطي: "قال العلماء ما أوتى نبي معجزة ولا فضيلة إلا ولنبينا صلى الله عليه وسلم نظيرها أو أعظم منها" [60].
المبحث الثاني: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الآخرة
1- أنه سيد ولد آدم يوم القيامة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع" [61].
قال العز بن عبد السلام: "السيد من اتصف بالصفات العلية والأخلاق السنية، وهذا مشعر بأنه أفضل منهم في الدارين، أما في الدنيا فلما اتصف به من الأخلاق العظيمة.
وأما في الآخرة فلأن الجزاء مرتب على الأخلاق والأوصاف، فإذا فضلهم في الدنيا في المناقب والصفات، فضلهم في الآخرة في المراتب والدرجات. وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم" لتعرف أمته منزلته من ربه عز وجل" [62].
وسيادة النبي صلى الله عليه وسلم للناس يوم القيامة تظهر واضحة جلية بما سيناله من الشرف العظيم يوم القيامة وعلى رأس ذلك الشرف شفاعته في أهل الموقف واختصاصه بذلك من بين الأنبياء والرسل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفعت إليه الذراع وكانت تعجبه- فنهس منا نهسة وقال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون بمن يجمع الله الأولي ن والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيقرل بعض الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم؟(4/315)
ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟.
فيقول: ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، أما ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضه بعده مثله، نفسي نفسي، ائتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيأتوني، فأسجد تحت العرش، فيقال: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع، وسل تعطه" [63].
2- واشتمل الحديث كذلك على خصيصة أخرى تدل على تخصيصه وتفضيله لا وهي كونه أول شافع وأول مشفع فهذا أمر خص الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم إذ جعله الشفيع يوم المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله، ولا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته" [64].
كما أنه أول من يشفع في دخول الجنة فعن، أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا" [65].
3- أن الله جعل لواء الحمد بيد النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ما من أحد إلا هو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج، وإن معي لواء الحمد، أنا أمشى ويمشى الناس معي، حتى آتي باب الجنة، فأستفتح فيقال من هذا فأقول محمد، فيقال مرحبا بمحمد فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا أنظر إليه" [66].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه، إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر" [67].فهذه الخصيصة وغيرها من الخصائص تدل على علو مرتبته خاص وعلو منزلته إذ لا معنى للتفضيل إلا التخصيص بالمناقب والمراتب [68].
4- أنه أول من يجيز على الصراط وأول من يقرع باب الجنة وأول من يدخلها. وهذه الأمور مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم عن باقي الأنبياء السابقين. ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل قال: "أن ناسا قالوا يارسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟..." الحديث.
وفيه "ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته؟ " [69] لحديث (2).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة" [70].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت؟ فأقول محمد، فيقول بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك" [71].
المبحث الثالث: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم
اختصت هذه الأمة بخصائص وفضائل، فلقد أكرم الله هذه الأمة بنعم جليلة ومنح عظيمة، هي في أصلها إكرام كل من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولو لم تتبعه لما أعطت هذه الكرامات وتلك الميزات.
فلقد جعل الله تعالى هذه الأمة خير الأمم، واصطفاها من جميع الخلق لتكون أمة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واجتباها لتكون الأمة الوسط الشاهدة على جميع الأمم السابقة.
قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [72].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [73].
وقال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [74].
وعن معاوية بن حيدة القشيري [75] رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" وفي لفظ "أنتم أفخرها وأكرمها على الله عز وجل" [76].
وروى الأمام أحمد نحوه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [77].
ومن فضل الله على هذه الأمة أنهم مع كونهم أقل عملا ممن قبلهم، فهم أكثر أجرا كما جاء في الحديث الصحيح.(4/316)
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النهار، فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا، فأبوا وتركوا، واستأجر آخرين بعدهم فقال: أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا، حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإن ما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور" [78].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "والمراد من هذا التشبيه بالعمال تفاوت أجورهم، وأن ذلك ليس منوطا بكثرة العمل وقلته، بل بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى.
وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير، هذه ليلة القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها، وهؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنفقوا في أوقات لو أنفق غيرهم من الذهب مثل أحد ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه من تمر، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره وقبضه وهو ابن ثلاث وستين على المشهور وقد برز في هذه المدة التي هي ثلاث وعشرون سنة في العلوم النافعة والأعمال الصالحة على سائر الأنبياء قبله حتى على نوح الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويعمل بطاعة الله ليلا ونهارا صباحا ومساء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين.
فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [79].
ومما أكرمت به هذه الأمة كذلك أنهم مع كونهم آخر الأم زمانا فهم الأولون يوم القيامة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أتوا الكتاب من قبلنا" [80].
فهذه الأمة هم أول من يقضى لهم يوم القيامة كما جاء في الحديث الصحيح "... نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق" [81].
ومما خص الله تعالى به هذه الأمة يوم القيامة أنها تكون مع نبيها صلى الله عليه وسلم أول من يجتاز الصراط من الأم، كما في الحديث الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه "... ويضرب الصراط دروس ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز 000" [82].
وكذلك فإن هذه الأمة هم أول من يدخل الجنة من الأمم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة " [83]
ومما خص الله به هذه الأمة أن جعل الزمرة الأولى منها- وهي التي تدخل الجنة من غير حساب ولا عذاب- تدخل الجنة من الباب الأيمن من أبواب الجنة.
فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه- حديث الشفاعة الطويل وفيه "فأقول يارب أمتي أمتي، فيقال: يامحمد أدخل الجنة من أمتك من لا، حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب..." [84] الحديث.
فهذه الخصائص والفضائل وغيرها كثير إنما هي شواهد وبراهين على تفضيل الله تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى. ماله من منزلة عظيمة ودرجة رفيعة عنده تبارك وتعالى.
ومن هذه الخصائص يعلم المسلم عظيم قد نبينا صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند الله عز وجل، ومما لاشك فيه أن هذا العلم وهذه المعرفة ستثمربإذن الله في القلب المؤمن بالله ورسوله، فيزداد تعظيما وتوقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم، وحرصا على اتباعه واقتفاء أثره والسير على سنته.
فحري بالمسلم الذي تتوق نفسه وتتطلع لأن يكون في عداد أمة المصطفى الذين يقودهم صلى الله عليه وسلم إلى الجنة بعد أن يجتاز بهم الصراط، أن يحقق الأمور التي يستحق بها هذا الفضل العظيم والمرتبة العالية.
فبالإيمان والاتباع والمحبة والتعظيم والبعد عما يضاد هذه الأمور يستحق الإنسان أن يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
أما من لم يتبع ويسلك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم بل غير بدل فهو محروم من هذا الفضل وذاك الشرف الذي تحدثت عنه تلك النصوص.(4/317)
فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض وليختلجن رجال دوني فأقول يارب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم غيروا وبدلوا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم سحقا سحقا لمن غير وبدل" [85].
الفصل الثاني: وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم على أمته في حياته وبعد مماته.
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: معنى التعزير والتوقير والتعظيم.
قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [86].
وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [87].
أ- أما التعزير في اللغة:
فيقول صاحب معجم مقاييس اللغة عن أصل هذه الكلمة: "عزر" العين والزاء. والراء: كلمتان
أحدهما: التعظيم والنصر. والكلمة الأخرى: جنس من الضرب. فالأولى: النصر والتوقير كقوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}
والأصل الآخر: التعزير وهو الضرب دون الحد" [88].
وفي النهاية في غريب الحديث "أصل التعزير: المنع والرد.فكأن من نصرته قد رددت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه.ولهذا قيل للتأديب الذي هو دون الحد تعزير، لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب، يقال عزرته، وعزرته. فهو من الأضداد" [89].
وجاء في تهذيب اللغة: "عزر" قال الله عز وجل: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}
جاء في التفسير في قوله تعالى {وَتُعَزِّرُوهُ} أي لتنصروه بالسيف {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} عظمتموهم. وقيل: نصرتموهم.
واللفظة تستعمل لعدة معان هي:
1. التعزير: النصر باللسان والسيف.
2. التعزير: التوقير.
3. التعزير: التأديب دون الحد.
4. التعزير: التوقيف على الفرائض والأحكام" [90].
وأما عن المعنى الشرعي المراد هنا:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَعَزَّرُوهُ} يقول: "حموه ووقروه" [91].
وعن مجاهد قال: "عزروه: سددوا أمره، وأعانوا رسوله ونصروه" [92].
وعن قتادة في قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ} قال ينصروه" [93].
وقال ابن جرر الطبري: {وَعَزَّرُوهُ} "وقروه وعظموه وحموه من الناس" [94]
وقال أيضا بعد أن نقل قول ابن عباس ومجاهد وقتادة "وهذه الأقوال متقاربات المعنى، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصر والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال" [95] (6).
وقال شيخ الإسلام: "التعزير: اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه" [96].
ب- وأما عن التوقير في اللغة:
ففي معجم مقاييس اللغة: "وقر" الواو. والقاف. والراء: أصل يدل على ثقل في الشيء... ومنه الوقار: الحلم والرزانه" [97].
وجاء في تهذيب اللغة "وقر الرجل من الوقار، يقر، فهو وقور. ووقرت الرجل: إذا عظمته ومنه قوله عز وجل {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [98]
وفي لسان العرب: "وقر الرجل: بجله، والتوقير: التعظيم والترزين" [99]
وأما المعنى الشرعي المراد هنا:
فقال ابن عباس: {وَتُوَقِّرُوهُ} يعني التعظيم" [100].
وقال قتادة: {وَتُوَقِّرُوهُ} أمر الله بتسويده وتفخيمه" [101].
وقال أيضا:" {وَتُوَقِّرُوهُ} أي ليعظموه" [102].
وقال ابن جرير الطبري: "فأما التوقير فهو التعظيم والإجلال والتفخيم" [103].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "التوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار" [104]
قال ابن كثير: "التوقير: هو الإحترام والإجلال والإعظام" [105].
ج- وأما التعظيم في اللغة:
ففي لسان العرب "التعظيم: التبجيل: يقال لفلان عظمة عند الناس: أي حرمة يعظم لها" [106].
ولفظ "التعظيم" لا يرد في خطاب الشارع كما ورد لفظ "التعزير" و"التوقير" لكن العلماء استعملوه في كلامهم عند هذه المسألة وذلك لقربه في المعنى إلى ذهن السامع، ولتأديته للمعنى المراد من لفظتي "التعزير" و"التوقير".
المبحث الثاني: وجوب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم والأدلة على ذلك.
إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وإجلاله، وتوقيره، شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وهذه الشعبة غير شعبة المحبة [107] بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة. ذلك لأنه ليس كل محب معظما، ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه.
والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم. والسيد قد يحب مماليكه ولكنه لا يعظمهم. والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم.
فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة [108].(4/318)
فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يهاب ويعظم ويوقر ويجل أكثر من كل ولد لوالده ومن كل عبد لسيده، فهذا حق من حقوقه الواجبة له مما يزيد على لوازم الرسالة [109] وهو ما أمر الله به في كتابه العزيز قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [110].
وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [111].
فأبان أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته أن يكون معزرا موقرا مهيبا.
وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره ولا خلاف في أن التعزير هاهنا التعظيم [112].
وفي الجمع الحاصل في الآيتين بين الإيمان به وتعظيمه، تنبيه وإرشاد إلى أن القيام بحقوقه صلى الله عليه وسلم يعد من الإيمان الواجب الذي لا يتم إيمان العبد إلا به. قال الحليمي [113]: "فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم. فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته، وتوعدنا على معصيته بالنار. ووعدنا باتباعه الجنة. فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة. فحق علينا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه أكثر من إجلال كل عبد سيده وكل ولد والده. وبمثل هذا نطق القرآن ووردت أوامر الله جل ثناؤه" [114].
ففي القرآن الكريم آيات كثيرة جاء فيها التأكيد على هذا الحق من حقوقه صلى الله عليه وسلم وبخاصة في جوانب معينة من جوانب تعظيمه ومن تلك الآيات ما يلي:
1- قوله تعالى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [115] "ففي هذه الآية نهي من الله أن يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلظ وجفاء، وأمر لهم أن يدعوه بلين وتواضع" [116].
وروى الطبري بسنده عن مجاهد في تفسيرها فقال: "أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع، ولا يقولوا: يا محمد، في تجهم" [117] (3).
وعن قتادة قال: "أمرهم أن يفخموه ويشرفوه" [118] (4)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسيرها "خص الله نبيه في هذه الآية بالمخاطبة بما يليق به، فنهي أن يقولوا: يا محمد أو يا أحمد، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يانبي الله وكيف لا يخاطبونه بذلك، والله سبحانه أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدا من الأنبياء، فلم يدعه باسمه في القرآن قط، بل يقول {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [119] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [120] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [121] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [122] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [123] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [124] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [125] {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} [126] {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} [127] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [128].
مع أنه سبحانه قال: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} [129] {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [130] {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [131] {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [132] {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [133] {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [134] {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ} [135] [136].(4/319)
وقال رحمه الله: "وإذا كنا في باب العبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نفرق بين مخاطبته والإخبار عنه. فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى حيث قال: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [137] فلا تقول يا محمد يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضا بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله. والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم فقال: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [138] {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [139] {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [140] {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [141]
ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [142] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [143] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [144] {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [145] {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [146] فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه.
وأما إذا كنا في مقام الإخبار عنه قلنا: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" وقلنا محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [147] وقال {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} [148] وقال {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [149] وقال {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} [150]
فالفرق يين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل" [151]
2- وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [152]
فهذه الآيات اشتملت على جملة من الآداب التي أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يجب أن يعاملوا به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام وهذه الآداب هي:
أولا: أنه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
قال ابن كثير في معناها: "أي لا تسارعوا في الأشياء بين يديه أي قبله بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن "بم تحكم؟ " قال:بكتاب الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم "فإن لم تجد؟ "قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد؟ "قال رضي الله عنه: أجتهد رأي، فضرب في صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم" [153] .
فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقدم بين يدي الله ورسوله" [154].(4/320)
وقال الحليمي عند تعليقه على هذه الآية: "والمعنى لا تقدموا قولا أو فعلا بين يدي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر دين أو دنيا، بل أخروا أقوالكم وأفعالكم إلى أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بما يراه فإنكم إذا قدمتم بين يديه كنتم مقدمين بين يدي الله عز وجل إذ كان رسوله لا يقضي إلا عنه، {وَاتَّقُوا اللَّهَ! أي احذروا عقابه بتقديمكم يين يدي رسول الله ومعاملته بما يوهم الاستخفاف به ومخالفة شيء مما يأمركم به عن الله بوحي متلو أو بوحي غير متلو {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لما تقدمونه بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، أو تأتونه اقتداء به واتباعا له، عليم بما يكون منكم من إجلاله أو خلاف ذلك فهو يجزيكم بما سمعه ويعلمه منكم" [155].
ولقد تأدب الصحابة مع ربهم ومع رسولهم، فما عاد بعد نزول هذه الآية مقترح منهم يقترح على الله ورسوله، وما عاد واحد منهم يدلي برأي لم يطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدلي به، وما عاد أحد يقضي برأيه في أمر أو حكم إلا أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم.
حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه والمكان الذي هم فيه وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم. خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله. ومن ذلك ما جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم- سأل في حجة الوداع "أي شهر هذا؟".. قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس ذو الحجة؟" قلنا: بلى. قال: "فأي بلد هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير أسمه، قال: "أليس البلدة؟" قلنا بلى. قال "فأي يوم هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟" قلنا بلى ..." الحديث [156].
فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى التي انتهى إليها الصحابة بعد سماعهم ذلك النداء، وذلك التوجيه، وتلك الإشارة إلى التقوى تقوى الله السميع العليم.
ثانيا: أنه حرم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل، وهذا من باب الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث والخطاب ومن التوقير الذي يجب له، ذلك التوقير الذي ينعكس على نبرات أصوات الصحابة ليتميز بذلك شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم ويميز مجلسه فيهم فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [157].
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته، وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
فعن ابن أبي مليكة [158] قال: "كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس [159] رضي الله عنه أخي بن مجاشع وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع [160] لا أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما ما أردت إلا خلافي، قال: مما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية.
قال ابن الزبير [161] رضي الله عنه: "فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر" [162]
فقد نهي الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا [163].
وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما.
ثم نهي عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبة ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} كما قال {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً}(4/321)
وقوله عز وجل {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الصحيح "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض" [164].
ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [165].
وجاء في الكشاف عند تفسير هذه الآيات قوله: "أعاد النداء عليهم- أي في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد، وتطرية الإنصات لكل حكم نازل، وتحريك هممهم لئلا يفتروا ويغفلوا عن تأملهم وما أخذوا به عند حضور مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب الذي المحافظة عليه تعود عليهم بعظيم الجدوى في دينهم.
وذلك لأن في إعظام صاحب الشرع إعظام ما ورد به، ومستعظم الحق لايدعه استعظامه أن يألو عملا بما يحدوه عليه، وارتداعا بما يصده عنه، وانتهاء إلى كل خير.
والمراد بقوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ} أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم، وجهره باهرا لجهركم، حتى تكون ميزته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبهروا منطقه بصخبكم.
وبقوله {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} أنكم إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليهم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول البين المقرب من الهمس الذي لا يضاهي الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم، عاملين بقوله عز شأنه {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} وليس الغرض من رفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر، والمخاطبون مؤمنون وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء، ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه، ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير.
ولم يتناول النهي أيضا رفع الصوت الذي لا يتأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب، أو مجادلة معاند، أو إرهاب عدو أو ما أشبهه، فلم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مقيد بصفة أعلى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم، وهو الخلو عن مراعاة أبهة النبوة، وجلالة مقدارها، وانحطاط
سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها" [166]
"ومن البداهة أن هذه الآيات وأمثالها في تأديب الأمة وتعليمها إنما جاءت بأسلوبها المعجز لتفخيم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار رفعة قدره المنيف، وسمو منزلته صلى الله عليه وسلم فوق كل منزلة أحد من الخلق، وهي مسوقة في مواضعها من القرآن الكريم لتعليم الأمة أفرادا وجماعات الأدب الأكمل مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يتصل بمخاطبته والتحدث إليه، والإصغاء إلى حديثه، ومجالسته حتى يستشعر المؤمن بقلبه وروحه وكافة إحساساته ومشاعره ما أوجبه الله تعالى من توقيره صلى الله عليه وسلم توقيرا يجلي رفيع قدره، وعظيم مقامه، ويظهر تشريف الله تعالى له بما ميزه به على سائر الخلق، وقد اتفق أهل العلم من أئمة أعلام الأمة على أن حرمته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في حياته" [167].
ثالثا: أن الله تبارك وتعالى ذم الذين ينادونه من وراء الحجرات وهي بيوت نسائه فقال {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ثم أرشد تعالى إلى الأدب في ذلك فقال {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } أي لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والآخرة [168] فكره إليهم النداء على هذه الصفة المنافية للأدب والتوقير اللائق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لهم ما يجب عليهم وهو الصبر والانتظار حتى يخرج إليهم وحبب إليهم التوبة والإنابة، ورغبهم في المغفرة والرحمة [169].
قال الحليمي "في هذه الآية يسلى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما أخبره من أن الذين يصيحون خارج منزله ولا يصبرون حتى يخرج إليهم إنما حملهم على ذاك جهلهم وقلة عقلهم وأكثرهم لا يهتدون إلى ما يلزمهم من تعظيمك في حال مخاطبتك" [170].(4/322)
3- وقال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [171]
قال الحليمي: "فأعلمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم أكرم وأشرف وأزكى وأجمل من أنفسهم، فلا يسعهم من ذلك أن يصرفوا أنفسهم عمالا يصرف نفسه عنه فيتخلفوا عنه إذا خرج لجهاد أعداء الله معتذرين من شدة حر، أو طول طريق، أو عوز ماء، أو قلة زاد، بل يلزمهم متابعته ومشايعته على أي حال رضيها لنفسه، وفي هذا أعظم البيان لمن عقل، وأبين الدلالة على وجوب تعظيمه وإجلاله وتوقيره [172].
4- وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [173].
فنهاهم سبحانه وتعالى عن أن يعاملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوسع في الانبساط والإسترسال كما يعامل من لا يهاب ولا يتقى، فيدخل بيته بغير إذنه إذا دعاهم إلى طعام لم ينضج، وأحاطوا به منتظرين إدراكه وإذا حضر الطعام ودخلوا وطعموا لزموا مجالسهم مستأنسين بالمحادثة، وأخبرهم أن ذلك منهي عنه، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تأذى منه ويستحى أن يكلمهم، كما أدبهم فيما ينبغي عليهم تجاه معاملتهم مع أزواجه صلى الله عليه وسلم وهذا كله مما يدل على ماله صلى الله عليه وسلم من التعظيم والاحترام.
5- وقد جاء بعد هذه الآيات الأمر بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [174].
ووجه إيصال هذه الآية بما قبلها هو أنه لما كان من الواجب على المكلفين تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم برفع الأذى عنه وإظهار شرفه وكرامته فذكر الله تعالى القسم الأول- أي رفع الأذى- في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [175] إلى آخرها وذكر القسم الثاني- أي إظهار شرفه وكرامته- في هذه الآية الثانية، وبدأ بالأول لأن دفع المفاسد أهم.
وأيضا لما أرشد الله تعالى المؤمنين إلى تعظيمه صلى الله عليه وسلم بتعلم سلوك طريق الأدب معه في أشياء كثيرة تتعلق بحياته وموته إظهارا لشرفه وتعظيما له، عقبه بما يدل على أنه تعالى أيضا معظم لشأنه أيضا، وكذلك ملائكته المقربون حملة العرش وحفظته الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وفيه بيان لمنقبة عظيمة له صلى الله عليه وسلم فإن الملك قد يأمربإكرام شخص ولا يكون عنده بمكان فأزيل هذا التوهم وبين أنه أكرم الخلق على ربه تعالى.
وأيضا لما أرشد الله المؤمنين إلى الحال التي يجب أن يكونوا عليها مع نبيه صلى الله عليه وسلم من التعظيم والتوقير- ولهم معه حالتان:
1- حالة الخلوة: والواجب هناك عدم إزعاجه- بين ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيّ} [176].
2- وحالة الملأ: والواجب هناك إظهار التعظيم، بين ذلك بقوله {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [177].
وأيضا لما أمر الله سبحانه وتعالى بالاستئذان في بيوته، وعدم النظر إلى وجوه زوجاته، وغير ذلك من الآداب إكراما وتبجيلا، كمل سبحانه بيان حرمته بقوله {صَلُّوا عَلَيْهِ}.
وأيضا لما بين الأدب معه في حال الخلوة، وكان حاله في الملأ نوعين، لأنه يكون أعلى وأسفل، فبين أنه في الأعلى محترم في غاية الاحترام، ثم بين ما يجب على الملأ الأسفل من ذلك التعظيم بقوله {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [178]
6- وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [179]
فالله تعالى من تعظيمه لنبيه صلى الله عليه وسلم حفظ له كرامته وصان له حقه ففرق بين أذاه وأذى المؤمنين، فأوجب على من آذى النبي صلى الله عليه وسلم اللعن والطرد من رحمته وهذا حكم على من آذاه بالكفر وفي الآخرة له العذاب المهين ومصيره إلى جهنم وبئس المصير. بينما حكم على من آذى المؤمنين بالبهتان والإثم والفرق يين الحكمين ناتج عن الفرق بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره.(4/323)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في استدلاله بهذه الآية على وجوب قتل من أذى النبي صلى الله عليه وسلم "ودلالتها من وجوه:
أحدها: أنه قرن أذاه بأذاه كما قرن طاعته بطاعته، فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، وقد جاء ذلك منصوصا عنه، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم. بين ذلك أن الله تعالى جعل محبة الله ورسوله، وإرضاء الله ورسوله وطاعة الله ورسوله شيئا واحدا فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [180] وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [181] في مواضع متعددة، وقال تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [182] فوحد الضمير، وفي ذلك إشارة إلى أن إرضاء الله إرضاء للرسول وإرضاء الرسول فيه إرضاء لله، وقال أيضا {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [183] وقال أيضا: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} [184]
وجعل شقاق الله ورسوله ومحادة الله ورسوله وأذى الله ورسوله ومعصية الله ورسوله شيئا واحدا، فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [185] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [186] وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [187] وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [188].
وفي هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم ويين ربهم إلا بواسطة الرسول، ليس لأحد منهم طريق غيره، ولا سبب سواه وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور.
وثانيها: أنه فرق بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتانا وإثما مبينا وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
الثالث: أنه ذكر أنه لعنهم في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا، واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافرا فإن المؤمن يقرب إليها بعض الأوقات ولا يكون مباح الدم، لأن حقن الدم رحمة عظيمة من الله، فلا تثبت في حقه..." [189]
ومما يوضح ذلك أن سب النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلق به عدة حقوق:
أ- حق الله سبحانه من حيث كفر برسوله وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته، فإن الطعن في الرسول طعن في المرسِل، وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وإنكار لكلامه وأمره وخبره وكثير من صفاته.
ب- وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه الأمة ومن غيرها من الأم، فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصا أمته فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بوساطته وسفارته، فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جميعهم، كما أنه أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين.
ج- وتعلق به حق رسول الله كلها من حيث خصوص نفسه فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصا من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة [190].
7- وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [191].
قال بعض المفسرين: هي لغة كانت في الأنصار، نهوا عن قولها تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وتبجيلا له، لأن معناها ارعنا نرعك، فنهوا عن قولها، إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم، بل حقه أن يرعى على كل حال.
وقيل: كانت اليهود تعرض بها للنبي صلى الله عليه وسلم بالرعونة [192] فنهي المسلمون عن قولها قطعا للذريعة، ومنعا للتشبه بهم في قولها لمشاركة اللفظة وقيل غير هذا [193]
8- وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} [194].(4/324)
ففي هذه الآية حرم الله على الأمة أن تنكح أزواجه من بعده لأن ذلك يؤذيه وجعله عظيما عند الله تعظيما لحرمته صلى الله عليه وسلم، فحرم تعالى على الأمة ما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضا، وذلك تمييزا لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيما لشأنه. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت لما قال بعض الناس: لو قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة [195].
ولو أن أحدا أقدم على هذا الأمر فنكح أزواجه أو سراريه لكانت عقوبته في الشرع هي القتل جزاء له بما انتهك من حرمته والدليل على ذلك ما رواه مسلم بسنده عن أنسى بن مالك رضي الله عنه "أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي اذهب فاضرب عنقه فأتاه علي فإذا هو في ركي [196] يتبرد فيها، فقال له علي أخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر" [197]
قال ابن تيمية رحمه الله: "فهذا الرجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه لما قد استحل من حرمته، ولم يأمر بإقامة حد الزنا، لأن إقامة حد الزنا ليس هو ضرب الرقبة، بل إن كان محصنا رجم، وان كان غير محصن جلد، ولا يقام عليه الحد إلا بأربعة شهداء أو بالإقرار المعتبر، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه من غير تفصيل بين أن يكون محصنا أو غير محصن علم أن قتله لما انتهكه من حرمته... فلما تبين أنه كان مجبوبا علم أن المفسدة مأمونة منه..." [198] وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد أوجب الله على الأمة احترام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام [199].
فقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [200] ففي هذه الآية رفع الله مقام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبوأهن منزلة عالية، وهي منزلة الأمومة لجميع المؤمنين، وفي ذلك من الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ما يوجب على كل مسلم أن يحفظ لهن هذا الحق ويؤديه على الوجه المطلوب منه شرعا.
وهذه المنزلة لأمهات المؤمنين هي من التشريف والتعظيم الذي أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم.
9- وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [201].
ففي هاتين الآيتين الكريمتين منهج تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنين في جميع أمورهم التي تربطهم به صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وخلع عليه جلابيب حرصه عليهم، وعزة عنتهم عليه، وخصه باسمين من أسمائه الحسنى، فجعله رؤوفا رحيما بالمؤمنين، وهذا تعظيم لم يكن قط لغيره صلى الله عليه وسلم لأنه تعظيم يرتبط بأصل الإيمان برسالته وهدايته.
وجاء في الكشاف عند تفسير هذه الآيات: "أراد الله عز وجل أن يريهم عظيم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه، إذا كانوا معه على أمر جامع فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله مع تصدير الجملة بإنما وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [202] وضمنه شيئا آخر، وهو أنه جعل الاستئذان كالمصدق بصحة الإيمان وعرض بالمنافقين وتسللهم لواذا" [203].
وبهذه النصوص يتبين للمسلم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لأمر إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم، فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة.(4/325)
فحق علينا إذا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه، فبهذا نكون من المفلحين {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [204] فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم [205] فلقد سجل الله في هذه الآية الفلاح بأسلوب الحصر للذين تأدبوا بهذا الأدب القرآني الرفيع.
وكما قال تعالى في الإنافة بمقامه الأشرف، وبيان حقه على كل مؤمن ومؤمنة {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [206].
وقد ذهب علماء السلف إلى أن الضمير في قوله جل شأنه {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه: تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته.
قال ابن تيمية: "فالتسبيح لله وحده، والتعزير والتوقير للرسول، والإيمان بالله ورسوله" [207].
فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه، مما يوجب على المؤمنين برسالته أن يكونوا في مخاطباتهم معه على سنن الإجلال والتعظيم.
المبحث الثالث: تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته
من المعلوم المتقرر أن الصحابة رضوان الله عليهم هم أعرف الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فقد كانوا بقدره ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم.
وبناء على هذا العلم وهذه المعرفة، فقد كان تعظيمهم وتوقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم أشد وأكبر من غيرهم.
وقد أوردت كتب السنة والتفسير وغيرها صورا متعددة من ذلك التعظيم والتوقير الذي كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أبلغ ما قيل في وصف هذا التعظيم ما قاله عروة بن مسعود [208] حين وجهته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا، ولا ينتخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له.
فلما رجع إلى قريش قال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت مليكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله إن انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له..." [209]
فهذه صورة لما كان عليه حال الصحابة وما كان من شأنهم في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومراعاة أموره والتبرك بآثاره.
ولما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [210].
ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه [211] وقال البيهقي: إن هذه الآية "نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري كان إذا جالس النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته إذا تكلم، فلما نزلت هذه الآية انطلق مهموما حزينا فمكث في بيته أياما مخافة أن يكون قد حبط عمله.
وكان سعد بن عبادة [212] جاره، فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اذهب فأخبر ثابت بن قيس أنك لم تُعْنَ بهذه الآية ولست من أهل النار بل أنت من أهل الجنة فاخرج إلينا فتعاهدنا "ففرح ثابت بذلك ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصره النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مرحبا برجل يزعم أنه من أهل النار بل غيرك من أهل النار وأنت من أهل الجنة. فكان بعد ذلك إذا جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخفض صوته حتى ما يكاد أن يسمع الذي يليه فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [213] فقتل يوم اليمامة" [214].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ} قال أبو بكر رضي الله عنه لا أكلت إلا كأخي السرار حتى ألقي الله عز وجل" [215].
وعن أسامة بن شريك [216] رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير " الحديث [217].(4/326)
وعن البراء بن عازب [218] (6) رضي الله عنهما قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير..." الحديث [219].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال: "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض" ثم ذكر زهرة الدنيا فبدأ إحداهما وثنى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا يوحى إليه، وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير " الحديث [220].
فالشاهد من الآثار الثلاثة المتقدمة قولهم "كأن على رؤوسهم الطير" فهذه العبارة هي كناية عن التعظيم الذي كانوا يظهرونه في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم توقيرا وإجلالا له صلوات الله وسلامه عليه، فلم يكن من عادة الصحابة رضوان الله عليهم أن يتجادلوا في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أو يعلوا أصواتهم بنقاش أو حوار بل يعطون لهذا المجلس حقه من التشريف والاحترام وعن بريدة بن الحصيب [221] رضي الله عنه قال: "كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نرفع رؤوسنا إليه إعظاما له" [222]
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منة إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه" [223].
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله لا كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر فلا يرفع إليه أحد منهم بصره إلا أبو بكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما" [224].
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، قال: فقمت وتوضأت أصلي خلفه فأخذ بيده فجعلني حذاءه فخنست [225] فقمت خلفه فأخذ بيدي فجعلني حذاءه فخنست فقمت خلفه، فانصرف رسول الله فقال: " مالي كلما جعلتك حذائي خنست؟".
قال: فقلت له: لا ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله.
قال: فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما" [226].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير" [227].
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرعون بابه بالأظافير" [228].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المسجد يحدثنا فإذا قام، قمنا حتى نراه، وقد دخل بعض بيوت أزواجه..." الحديث [229].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بدر فذكر الحديث في الأسارى وذكر قول عمر في قتلهم فقال ابن مسعود قلت: يارسول الله إلا سهل بن بيضاء [230] فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم بدر أخوف أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسل إلا سهل بن بيضاء" [231].
وعن أبي رمثة [232] قال: قدمت المدينة ولم أكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج وعليه ثوبان أخضران فقلت لابني هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابني يرتعد هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم" [233].
وعن أبي جري جابر بن سليم [234] قال: "رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث [235].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل" [236].
وعن أنسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة [237] أول من أخذ من شعره" [238].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى إناء إلا غمس يده فيها فربما جاؤوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها" [239].
ولما بعثت قريش أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد في عقد صلح الحديبية ويزيد في المدة، فلما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت لي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟
فقالت: هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراشة..." [240] فأكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجل عليه رجل مشرك.
ولما قدم أبو سفيان مكة بعد ذلك قالت له قريش ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد أو عهد؟ قال": لا والله قد أبي علي وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم أطوع منهم له..." [241]".(4/327)
ولما قال رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول [242] لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال رسول الله لا: "ادعوا لي عبد الله بن أبي [243] فدعاه، فقال: ألا ترى ما يقول أبوك؟ قال: وما يقول بأبي أنت وأمي؟
قال: يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
فقال: فقد صدق والله يا رسول الله، أنت والله الأعز وهو الأذل أما والله قد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر مني، ولئن كان يرضي الله ورسوله أن آتيهما برأسه لأتينهما به.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا". فلما قدموا المدينة، قام عبد الله بن عبد الله ابن أبي على بابها بالسيف لأبيه، ثم قال: أنت القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله، والله لا يأويك ظله، ولا تأويه أبدا إلا بإذن من الله ورسوله.
فقال: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي، يا للخزرج ابني يمنعني بيتى
فقال: والله لا تأويه أبدا إلا بإذن منه.
فاجتمع إليه رجال فكلموه، فقال: والله لا يدخله إلا يإذن من الله ورسوله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه. فقال: "اذهبوا إليه، فقولوا له خله ومسكنه، فأتوه فقال: أما إذا جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فنعم" [244].
وفي رواية عند الترمذي: "فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز، ففعل" [245].
وبعد. فهذا غيض من فيض مما ورد في تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وفي الحقيقة فإن كل مواقفهم تشهد لهم بتعظيمه واحترامه وتوقيره.
فلقد كانوا يعظمونه في ذاته فيتبركون بآثاره كفضل وضوئه، والأخذ من شعره، ودلك أجسامهم بنخامته، وغير ذلك مما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم [246]، وهذا خاص في حقه صلى الله عليه وسلم.
كما كانوا يعظمونه في سلوكهم وتصرفاتهم معه صلى الله عليه وسلم فما كانوا ينادونه إلا بـ" يا نبي الله، يا رسول الله" كما كانوا يسارعون في إجابته ويعاجلون في طاعته، تحقيقا لقوله تعالى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً}
وكان صلى الله عليه وسلم عندهم معززا موقرا مهابا ولم يكونوا يعاملونه بالاسترسال والمباسطة كما يعامل الأكفاء بعضهم بعضا. وكانوا يخفضون أصواتهم عنده صلى الله عليه وسلم حتى ما يكاد أحدهم يسمع الذي يليه امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ...} الآية.
فقد أدبهم الله مع نبيهم في الحدي والخطاب حتى يميز شخص رسول الله بينهم، ويميز مجلسه فيهم.
وبذلك امتدحهم سبحانه وتعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
كما أنهم لم يكونوا ليتقدموا يين يديه بالكلام حتى يأذن لهم وذلك طاعة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} - حتى كان النبي- صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه والمكان الذي هم فيه، وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم الله ورسوله أعلم خشية أن يكون قولهم تقدما بين يدي الله ورسوله.
وإذا جلسوا بين يديه صلى الله عليه وسلم أعطوا هذا المجلس الشريف حقه من التعظيم والإجلال والتكريم حتى لكأنما على رؤوسهم الطير وذلك لما هم عليه من السكينة والأدب الشرعي الذي أدبهم الله به ورسوله صلوات الله وسلامه عليه. وكانوا لا يحدون إليه النظر تعظيما ومهابة له صلى الله عليه وسلم وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره فلا يقول شيئا إلا صدروا عنه وأطاعوه فيه وبادروا إلى امتثاله وتنفيذه والعمل به.
وكيف لا يكون الأمر كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان كل شيء في حياتهم، فقد كان معلمهم ومربيهم وقائدهم وقدوتهم، ومصلحهم في الدنيا والشهيد عليهم في الآخرة، وكان يعنى بهم أكثر من عنايتهم بأنفسهم، يهتم بما يصلحهم أكثر من اهتمامهم بمصالحهم، ويرى أنه بما حمله الله من أمانة تكوينهم ورعاية شؤونهم والسهر على مصالحهم، أولى بهم من أنفسهم، وهذا ما أكده القرآن الكريم بقوله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية.
ولذلك فقد كان من البداهة بمكان أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة في حياة الصحابة رضوان الله عليهم، وأن يكون هو الآمر الناهي، والسيد المطاع الذي لا رد له أمر ولا يخالف له رأي {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.(4/328)
ولقد توالت الآيات الكريمة التي تعلم الصحابة رضوان الله عليهم آداب السلوك معه، وتبين مكانة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي اختاره لحمل الرسالة، وما ينبغي أن يعطى من الإجلال والتكريم.
وكلما حدث إخلال وتقصير في جانب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم فإن آيات القرآن تنزل مبينة لذلك الخلل والتقصير الذي وقع ومنبهة على خطورته ومحذرة من عواقب التمادي فيه كما في قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً الآية وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ ...} الآية.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.
وغير ذلك من الآيات التي نزلت في هذا الشأن، وإن شئت فاقرأ أسباب نزول تلك الآيات في كتب التفسير والحديث.
ومن ثم فإن المخاطبين بهذه الآيات من الصحابة انتهوا إلى العمل بها وذلك طاعة لأمر الله وتعظيما لحق رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قررته تلك الآيات وأرشدت إليه. وكما كان هذا هو الحال في جانب الطاعة، فكذلك الحال في جانب الحذر من مخالفته ومعصيته.
فالصحابة الذين عرفوا واشتهر عنهم طاعته صلى الله عليه وسلم هم الذين اشتهر عنهم بعدهم عن معصيته ومخالفته وذلك لعلمهم بما في ذلك من المحادة والمحاربة له ولشرعه صلى الله عليه وسلم وما يترتب على ذلك من العقوبة الشديدة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [247]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا} [248]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [249] ولقد كانت منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه أغلى وأعز عليهم من كل شيء حتى من نفوسهم وأهليهم وما سوى ذلك، فقد كانوا يفتدونه بأرواحهم ويبذلون في سبيل نصرته كل ما يملكون من غالي ورخيص فقد حثهم الله على ذلك بقوله {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [250]
كما أنهم يعادون من يحارب الله ورسوله مهما كانت صلتهم وثيقة به حتى وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم، ومواقفهم في ذلك كثيرة ومشتهرة
وقد تقدم ذكر موقف أم حبيبة رضي الله عنها مع أبيها أبو سفيان وموقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه عبد الله بن أبي.
وبالجملة فإن مجتمع الصحابة كان مجتمع الأمة المثالية التي تمثلت حقيقة واقعة في فترة من فترات التاريخ، ولقد كان الصحابة قبل الإسلام يعيشون في مجتمع اشتهر بغلظته وقساوة طبعه وبعده عن كثير من الآداب والسلوكيات فمن الله عليهم بالإسلام وهداهم له، واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتوالت توجيهات القرآن الكريم والتربية النبوية الحكيمة عليهم، فهذبت وشذبت ووجهت ودفعت حتى ظهر ذلك المجتمع الذي له أدبه مع الله وأدبه مع رسوله صلى الله عليه وسلم، وأدبه مع نفسه، وأدبه مع غيره أدبه، في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه، وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته، وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب، وتنبثق منه، وتتسق معه.
فما ظنك في مجتمع اختاره الله لصحبة نبيه وتولاه بعنايته ورعايته، وتعاهدهم رسوله بتوجيهاته ونصائحه وإرشاداته حتى سما وعلا وبلغ تلك الدرجة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم
المبحث الرابع: تعظيم الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته. ويشتمل على تمهيد وأربعة مطالب:
تمهيد:
سبق وأن تقرر- بما تقدم من أدلة وبراهين- وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره.
وعلمنا كذلك ما كان من حال الصحابة رضوان الله عليهم تجاه هذا الواجب الذي فرضه الله على الأمة في حق نبيه صلى الله عليه وسلم، وما كان منهم من تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، حينما كان بين ظهرانيهم يعايشهم ويعايشونه.
والسؤال الذي يفرض نفسه في مثل هذا المقام هو: كيف يتحقق لهذه الأمة تعظيم نبيها صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وما هي الأمور التي يشرع فعلها والقيام بها لتحقيق ما أمر الله به في هذا الجانب من جوانب الإيمان والدين؟(4/329)
وقبل أن أشرع في تفاصيل جواب هذا السؤال وإيضاح جوانبه أود أن أذكر بأن هذا التعظيم والتوقير الواجب للنبي صلى الله عليه وسلم هو من أمور الدين المشروعة بأدلة القرآن والسنة، وبذلك فلا يحق لكائن من كان أن يعظم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من عنده لم يشرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ليس له أول فيهما.
فالقاعدة الشرعية المبنية على قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" تقول إن أي أمر محدث في هذا الدين مما لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم هو أمر مردود على فاعله كائنا من كان، وهو بدعة، وكل بدعة ضلالة. وهذه القاعدة الشرعية هي الميزان الذي يعرض عليه ما يقوم به الناس من أقوال وأفعال في هذا الجانب- أي جانب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم - بل وفي كل جانب من جوانب الدين.
وإذا كانت العبادة هي الاسم الجامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمما لا شك فيه أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور التي يحبها الله، وقد ارتضاها لعباده حين أمرهم بذلك.
فإذا كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور التعبدية التي تعبد الله بها عباده، فالعبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالعبادة مبنية على أصلين هما:
الأصل الأول: إخلاص العبادة للهه وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [251] (1).
الأصل الثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نعبده بالأهواء والبدع، قال الله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [252] وقال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [253] فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب أو مستحب، وليس لنا أن نعبده بالأمور المبتدعة [254].
وهذان الأصلان هما حقيقة قولنا "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".
وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله تعالى أمره ونهيه وتحليله، وتحريمه، بالحلال مما أحله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، فليس لأحد كائنا من كان أن يشرع في هذا الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قدمت لكلامي بهذه العبارات نظرا لما أحدثه الناس في هذا الجانب من بدع تحت دعوى تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، مما ليس له أصل في الدين وما أنزل الله به من سلطان.
ومن العجيب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين لابد وأن يمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه الأنعام أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ولقد كان حري بهؤلاء الذين ابتدعوا تلك البدع، وكذلك الذين أخذوا بها من بعدهم، أن يلتزموا بما ورد به أمر الشارع من أمور في جانب تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، ففيها الغنية والنجاة، وبالتمسك بها والسير عليها يحصل الأجر العظيم بإذن الله تعالى.
المطلب الأول: تعظيم النبي كلبا محله القلب واللسان والجواب
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الإنس والجن، على حين فترة من الرسل، فهدى به لأقوم طريق وأوضح سبيل، وبعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى وأرشد به من الغي، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنهم كانوا بين عباد أوثان، وعباد صلبان، وعباد نيران، وعباد كواكب، ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضب من الله، وحيران لا يعرف ربا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يهل بعضهم بعضا من استحسن شيئا دعا إليه وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضح قدم مشرق بنور الرسالة، "وقد نظر الله سبحانه إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا على آثار دين صحيح" [255] فأغاث الله به البلاد والعباد وكشف به تلك الظلم وأحيا به الخليقة بعد الموت.
فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين.
ففرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق أهل الجنة وطريق أهل النار، وبين أوليائه وأعدائه، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله.(4/330)
فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدأ وأعاد، واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [256].
وعرف الأمة الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدع حسنا إلا أمرهم به، ولا قبيحا إلا نهى عنه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم" [257].
وقال أبو ذر رضي الله عنه: "لقد تركنا محمدا وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما" [258].
وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف، فكشف الأمر وأوضحه ولم يدع بابا من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه ولا مشكلا إلا بينه وشرحه، حتى هدى الله به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فهو الرحمة المهداة للعالمين قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [259] فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء.
ولقد جبله الله على مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احتمالا، وأعظمهم عفوا ومغفرة، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة "محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، حتى يقولوا لا إله إلا الله" [260].
وأرحم الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم ودنياهم وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعا، وأعظمهم إيثارا على نفسه، وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم ودفاعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهي عنه، وأوصل الخلق لرحمه.
وكان أجود الناس صدرا، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته لم ير قبله ولابعده مثله صلى الله عليه وسلم.
وقد خصه الله بصفتين خص بهما أهل الصدق والإخلاص وهما الإجلال والمحبة، فقد ألقى عليه هيبة منه ومحبة، فكان كل من يراه يهابه ويجله ويملأ قلبه تعظيما وإجلالا، وإن كان عدوا له، فإذا خالطه وعاشره كان أحب إليه من كل مخلوق، فهو المجل المعظم المحبوب المكرم، وهذا غاية كمال المحبة أن تقرن بالتعظيم والهيبة، فالمحبة بلا تعظيم ولا هيبة ناقصة، والهيبة والتعظيم من غير محبة- كما يكون الظالم القادر- نقص أيضا، والكمال أن تجتمع المحبة والود والتعظيم والإجلال، وهذا لا يوجد إلا إذا كان في المحبوب صفات الكمال التي يستحق أن يعظم لأجلها ويحب لأجلها [261].
ولقد جمع الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم من الصفات والخصائص ما لم يجمعه لبشر وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ورعايته والقيام بحقوقه، وامتثال ما قرره في مفهومه ومنطوقه، والصلاة عليه والتسليم ونشر شريعته بالعلم والتعليم، وجعل الطرق مسدودة عن جنته، إلا من سلك طريقه واعترف بمحبته، وشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، فياسعد من وفق لذلك وياويح من قصر عن هذه المسالك [262] (2).
وما هذه المحبة والمهابة التي جعلها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا تبع لمحبته سبحانه وإجلاله.
ذلك لأن كل محبة وتعظيم للبشر إنما هي تبع لمحبة الله وتعظيمه فمحبة الرسول وتعظيمه إنما هي من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فأمته يحبونه لمحبة الله له، ويعظمونه ويبجلونه لإجلال الله له فهي من موجبات محبة الله وتعظيمه، ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب ولا أجل في صدره من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر أصحابه رضي الله عنهم.
فإذا كان هذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه مكانته التي بوأه الله إياها، فحرى بهذه الأمة أن تعرف له قدره وتعظم من شأنه وذلك بموجب ما شرعه الله وأمر به، فذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به.(4/331)
وهذا التعظيم والتوقير الواجب له صلى الله عليه وسلم على كل فرد من أفراد هذه الأمة محله القلب واللسان والجوارح.
أما تعظيم القلب: فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبدا رسولا، من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، والتي من لوازمها الإكثار من ذكره الذي هو سبب لدوام محبته صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها.
وكذلك فإن من تعظيم القلب استشعاره لهيبة النبي صلى الله عليه وسلم وجلالة قدره وعظيم شأنه، واستحضاره لمحاسنه ومكانته ومنزلته، والمعاني الجالبة لحبه وإجلاله وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكرا لحقه من التوقير والتعزير، ومعترفا به ومذعنا له.
فالقلب ملك الأعضاء وهي له جند وتبع، فمتى ما كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم مستقرا في القلب مسطورا فيه على تعاقب الأحوال فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح حتما لا محالة، وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره، ومؤدية لما له من الحق والتكريم.
أما تعظيم اللسان: فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ولا تقصير. ومن أعظم ذلك الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [263] وهذا من تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتوقيره. قال الحليمي: "معنى الصلاة على النبي علما تعظيمه، فمعنى قولنا: "اللهم صل على محمد" عظم محمدا، والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى {صَلُّوا عَلَيْهِ} أدعوا ربكم بالصلاة عليه" [264].
فالصلاة منا عليه صلى الله عليه وسلم تتضمن ثناء المصلي عليه والإشارة بذكر شرفه وفضله [265] وإرادة من الله تعالى أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا [266] وسيأتي مزيد تفصيل لهذا الموضوع في الفصل الثالث من هذا الباب بإذن الله تعالى.
ومن تعظيم اللسان كذلك أن نتأدب عند ذكره بألسنتنا وذلك بأن نقرن ذكر اسمه بلفظ النبوة أو الرسالة مع الرسالة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [267] فأمرسبحانه أن لا يدعى رسوله بما يدعو الناس بعضهم بعضا بل يقال: يارسول الله يانبي الله ولا يقال يامحمد وقد كان الصحابة لا يخاطبونه إلا بـ"يارسول الله، يا نبي الله".
وإذا كان هذا في حياته فهكذا في مغيبه لا ينبغي أن يجعل ذكره من جنس ما يذكر به غيره، بل يجب أن يقرن ذكره بالنبوة أو الرسالة وأن يدعى له بأشرف دعاء وهو الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم [268]. فهذا من التعظيم الواجب له صلى الله عليه وسلم وفي الحديث "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ" [269].
وفي الحديث الآخر "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ" [270].
ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمر دعوته وسيرته وغزواته والتمدح بذلك شعرا ونثرا، بشرط أن يكون ذلك في حدود ما أمر به الشارع الكريم، مع الابتعاد عن مظاهر الغلو والإطراء المحظور.
وأما وتعظيم الجوارح له صلى الله عليه وسلم: فهو العمل بشريعته، والتأسي بسنته، والأخذ بأوامره ظاهرا وباطنا، والتمسك بها والحرص عليها، وتحكيم ما جاء به في الأمور كلها، والرضا بحكمه والتسليم له، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وتبليغ رسالته للناس ودعوتهم للإيمان به والذب عن سنته والدفاع عنها وتعلمها وتعليمها وخدمتها، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وجهاد من خالفه.
والاجتناب عما نهي عنه وزجر، والبعد عن معصيته ومخالفته والحذر من ذلك، والتوبة والاستغفار عما وقع فيه الزلل والتقصير.
فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة في حياة المسلمين، فقد أوجب علينا طاعته وحرم علينا معصيته وجعله الآمر الناهي والسيد المطاع الذي لا.يرد له أمر، ولا يخالف له رأي فمن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة الرسول، فليس لأحد منهم طريق غيره ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [271].
وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [272].
وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [273].(4/332)
وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [274].
وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [275].
فهذه الآيات وغيرها تبين كظم أمر اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في حياة المؤمنين، وأنه هو البرهان العملي على صدق الإيمان والمحبة والتعظيم لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم فالطاعة والاتباع هما سمة المؤمنين الصادقين وسبيلهم الدائم، ذلك لأن الإيمان (هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علما، والتصديق به عقدا والإقرار به نطقا، والانقياد له محبة وخضوعا، والعمل به ظاهرا وباطنا وتنفيذه والدعوة إليه حسب الإمكان.
وكماله الحب في الله، والبغض في الله، والعطاء لله والمنع لله، وأن يكون الله وحده معبوده.
والطريق إليه تجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى غير الله) [276].
وبالجملة فإن التعظيم النافع هو تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهي عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإنما تعظيم الرسل بتصديقهم فيما أخبروا به عن الله وطاعتهم فيما أمروا به ومتابعتهم ومحبتهم وموالاتهم" [277] فالاتباع هو المحك الذي يميز من خلاله مدى صدق مدعي التعظيم في دعواه تلك. إذ كيف يعقل أو يتخيل أن يدعي شخص تعظيم النبي وتوقيره وهو لا يلتزم بما جاء به من أمر أو نهي، ولا يقيم وزنا ولا اعتبارا لما جاء به.
ولقد جعل الله الإتباع هو برهان محبته سبحانه حيث قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [278].
وجعله كذلك شرطا للإيمان الذي يعد تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم جزءا منه، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [279]
فالاتباع صفة من صفات أهل الإيمان كما قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [280]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [281].
فهل الموقر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من تمسك بسنته واعتصم بها وسار على نهجه واقتفى أثره.
فأتباع كل نبي ومحبوه ومعظموه هم الذين أخذوا بسنته واقتدوا بأمره كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم ييده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" [282].
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا صفة أتباع الأنبياء بأنهم هم الذين عظموا أمرهم وأخذوا بسنتهم وعملوا بأوامرهم.
وأما من عداهم فهم ليسوا بأتباع لهم وإنما هم أناس يستحقون المجاهدة ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "يقولون مالا يفعلون"؟ أن مجرد الدعوى القولية المجردة عن الفعل الذي أمر به الشارع لا تغني صاحبها شيئا.
ويستفاد من قوله "ويفعلون مالا يؤمرون" أن الأفعال المبتدعة التي لم يأمر بها الشارع هي كذلك لا تنفع صاحبها ولا تغني عنه من الله شيئا.
وهذا الوصف ينطق تماما على أصحاب البدع المقيمين للموالد وغيرها من البدع، زاعمين أنهم ما فعلوا تلك الأمور إلا محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما لشأنه، فهم فعلوا ما لم يؤمروا به، وأفعالهم وأحوالهم لا تطابق أقوالهم، ولو بحثنا عن وصف نصف به هؤلاء لم نجد أبلغ من هذا الوصف "يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون".
وليتهم قاموا بما أوجب الله عليهم وشرعه لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لكان خيرا لهم وأجدى. ولكنهم أناس أوقعوا أنفسهم في محاذير متعددة منها:
1- أنهم فعلوا ما لم يؤمروا به وهم معترفون بأن تلك الموالد والأمور التي تفعل فيها لم يشرعها الله في كتابه ولم يشرعها رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أحد من أصحابه رضوان الله عليهم.(4/333)
2- أنهم خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمرهم بالاتباع وترك الابتداع فقد قال صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [283] والله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [284]
3- أنهم رغبوا عن سنن المصطفى ورضوا بما أملته عليهم أهواؤهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" [285].
فالإحداث في شريعته صلى الله عليه وسلم يعد رغبة عن سنته وهذا ما دلت عليه القصة الواردة في الحديث السابق.
4- أنهم بفعلهم للمولد وغيره من البدع لم يعظموا الرسول صلى الله عليه وسلم إنما اتهموه بأنه لم يدلهم على هذا الخير الذي جاءوا به، وفي هذا يقول الإمام مالك: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا".
والأمر الذي ينبغي معرفته أن النصوص قد دلت على أنه بقدر ما يكون المرء متبعا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومتمسكا بها بقدر ما يكون معظما وموقرا له والعكس بالعكس.
"هذا وإن كثيرا من الناس يعظمون الرسول ويعتقدون أنه من أفضل الناس، ولكن يقولون إنه لا يجب عليهم اتباعه وطاعته بل لهم طريق إلى الله تغنيهم عنه. وقد يقولون إن طريقهم أفضل من طريقه كما يعتقد كثير من اليهود والنصارى أنه كان مبعوثا إلى الأميين لا إليهم فهم يعظمونه ظاهرا وباطنا لكن يقولون لا يجب علينا اتباعه وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين.
وكذلك كثير ممن يظهر الإسلام يثبتون نبوته على رأي الفلاسفة، وأنه كان صاحب قوة قدسية، وقد يفضلونه على جميع الخلق، ومع هذا لا يقرون بما جاء به ولا يوجبون على أنفسهم اتباعه ظاهرا وباطنا، ويقولون هو رسول إلى العامة أو إلى الجميع في الشرائع الظاهرة دون الحقائق الباطنة والحقائق العقلية كما يقول مثل هذا كثير ممن يظهر الإسلام" [286].
فمثل هذا الصنف لا ينفعه هذا التعظيم لافتقاره للاتباع الذي هو لب التعظيم وجوهره.
المطلب الثاني: توقير النبي صلى الله عليه وسلم في آله وأزواجه أمهات المؤمنين
إن من توقير النبي صلى الله عليه وسلم ورعاية جنابه وتبجيله وتعظيمه توقير آله وذريته وأزواجه، كما حض عليه صلى الله عليه وسلم وسلكه السلف الصالح رضوان الله عليهم.
1- فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [287].
وقال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [288].
وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي الحديث عن كعب بن عجرة [289] رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" [290].
فالصلاة على آل محمد حق لهم عند المسلمين، وذلك سبب لرحمة الله تعالى لهم بهذا النسب.
كما تجب محبتهم لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، ولأن محبتهم من محبة رسول الله،كما. وأن نتولاهم ونحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في يوم غدير خم: "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي..." الحديث [291].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "ولا تنكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالاحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على ظهر الأرض فخرا وحسبا ونسبا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين" [292].(4/334)
وقال ابن تيمية رحمه الله: "ولا ريب أن لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشا يستحقون من المحبة والموالاة مالا يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر أجناس بني آدم، وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش على سائر العرب وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره [293].
والنصوص دلت على هذا القول، كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريش من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم" [294].
وكقوله في الحديث الصحيح: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" [295] وأمثال ذلك" [296] وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته" [297] فأهل البيت يتولاهم جميع المؤمنين ويحبونهم لا كما يزعم الروافض أنهم المخصوصون بحب أهل البيت وحدهم أن غيرهم هم الذين ظلموهم، فالحقيقة أن الروافض هم الذين ظلموا أهل البيت ظلما لا نظير له فهم الذين خذلوهم وغروهم، وتسببوا في رد كثير من روايات أهل البيت بسبب ما اشتهر عن أولئك الروافض من الكذب على آل البيت.
وإضافة إلى ذلك فإن الروافض يحصرون محبتهم في نفر قليل من أهل البيت مع أن الصالحين من أهل البيت الذين تبغضهم الروافض وتذمهم أكثر عددا من الذين يتظاهرون بحبهم.
2- أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهن أجمعين فيجب علينا أن نحفظ لهن حقهن في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام، والإعظام، والمكانة التي جعل الله لهن. فلقد رفع الله مقامهن وبوأهن أعلى منزلة عند جميع المؤمنين وهي منزلة الأمومة، فجعلهن أمهات في التحريم والاحترام فقد قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [298].
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: "شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين، أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن، بخلاف الأمهات" [299].
وكيف لا تكون لهن هذه المنزلة وتلك المكانة وهن اللآتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عندما نزلت آيتا التخيير قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [300].
وبعد اختيارهن رضي الله تعالى عنهن الله ورسوله والدار الآخرة كرمهن الله تبارك وتعالى وكافأهن على اختيارهن أحسن تكريم وأعظم مكافأة. فكان لهن ما أعد الله لهن من الأجر العظيم، ثم ميزهن عن نساء العالمين في العذاب والأجر، ثم أبانهن منهن فقال: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [301] يعني في الفضل والشرف، وذلك لما منحهن الله من صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن [302].
ولقد تضمنت سورة الأحزاب كثيرا من الأمور التي أكرم الله بها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة لهن على حسن صنيعهن في اختيارهن لله ورسوله والدار الآخرة والمقام هنا لا يسمح بالتوسع في ذكر هذه الأمور، وإنما المقصود تبيين مالهن من مكانة عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن حقهن علينا أن نحفظ لهن هذه المكانة، وذلك بأن نتولاهن، وأن نثني عليهن بما ورد من فضائلهن وما كان لهن من دور في مؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته، وما كان لهن من دور بعد وفاته في حفظ مسائل الدين ونشرها بين الأمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره وكان له منها المنزلة العالية. والصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" [303] [304].
فمن الواجب أن ننشر هذه الفضائل ونعلمها، وبخاصة لنسائنا حتى يكون لهن في ذلك الأسوة والقدوة.
المطلب الثالث: توقيره صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضوان الله عليهم(4/335)
ومن توقيره وبره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم، والإضراب عن أخبار المؤرخين، وجهلة الرواة، وضلال الشيعة والمبتدعين، القادحة في أحد منهم، وأن نلتمس لهم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان دينهم من الفتن أحسن التأويلات ويخرج لهم أصوب الخارج، إذ هم أهل لذلك، ولا يذكر أحد منهم بسوء ولا يغمص [305] عليه أمر، بل تذكر حسناتهم وفضائلهم، وحميد سيرتهم، ويسكت عما وراء ذلك [306].
فهم أناس قد اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وخصهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسماع حديثه من فمه الشريف وتلقي الشريعة وأمور الدين عنه وتبليغ ما بعث الله به رسوله من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها. فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه في سبيل الله وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام والدعوة إليه، ولهم من الأجر مثل أجور من بعدهم لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
ولقد أوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون بعدهم أبد الآبدين.
ولقد أثنى ربهم عليهم أحسن الثناء ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن ووعدههم المغفرة والأجر العظيم فقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [307] وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم، ورضاهم عنه فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [308] ثم بشرهم بما أعدلهم فقال: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [309] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم والاستغفار لهم فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [310] وأمره بمشاورتهم تطيبا لقلوبهم، وتنبيها لمن بعدهم من الحكام على المشاورة في الأحكام فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [311].
وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم، وأن لا يجعلوا في قلوبهم غل للذين آمنوا فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [312].
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ونهى عن النيل منهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" [313] كما شهدها بكونهم خير أمته التي هي خير الأمم فقال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني" [314].
وقال صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم" [315] فهذه بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على فضل أولئك الأخيار الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وشرفهم بحمل رسالته من بعده والدعوة إلى سبيله ونصرة دينه. فالصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم وثنائه عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم قال النووي: "الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به" [316]
وقال ابن حجر: "اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة" [317].
وعن أبي زرعة قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة" [318].(4/336)
ومذهب أهل السنة والجماعة في الصحابة وسط بين الإفراط والتفريط فليسوا من المفرطين الغالين الذين يرفعون من يعظمون منهم إلى مالا يليق إلا بالله أو برسله. وليسوا من المفرطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم فهم وسط بين الغلاة والجفاة.
ويحبونهم جميعا وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف فلا يرفعونهم إلى مالا يستحقون، ولا يقصرون بهم عما يليق بهم، فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم، وقلوبهم عامرة بحبهم، وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا معصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطون، ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم ولهم من الله المغفرة والرضوان.
وكتب أهل السنة مليئة ببيان هذه العقيدة الصافية النقية في حق هؤلاء الصفوة المختارة من البشر لصحبة خير البشر صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين [319].
المطلب الرابع: حفظ حرمة المدينة النبوية
إن من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم المدينة النبوية [320] التي هي دار المصطفى ومهاجره، فقد اختارها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قرارا، وجعل أهلها شيعة له وأنصارا. وهي التي، انتشر منها دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى وصل مشارق الأرض ومغاربها.
وهي التي ورد في فضلها وتعظيم شأنها وتحريمها وفضل بعض البقاع فيها الكثير من الأحاديث الثابتة الصحيحة والتي أورد بعضا منها ههنا على سبيل المثال لا الحصر.
فعن سفيان بن أبي زهير [321] رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون [322] فيتحملون بأملهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" [323].
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم [324] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها تمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة" [325].
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها" وقال: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كانت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة" [326].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه قال ثم يدعو أصغر وليد له فيعطه ذلك الثمر" [327]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف" [328].
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" [329].
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء" [330].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" [331]. وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي" [332].
والأحاديث في فضل المدينة كثيرة ومتنوعة، ولقد أفرد البخاري في صحيحه كتابا لفضائل المدينة، وكذا مسلم في صحيحه قد أورد في آخر كتاب الحج العديد من الأحاديث الواردة في شأن المدينة، وكذا الحال عند أصحاب السنن والمسانيد.
والمقصود من تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها وهذا أمر واجب في حق من سكن بها أو دخل فيها، مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق المجاورة وحسن التأدب فيها وذلك لما لها من المنزلة والمكانة عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم. فإنها من المواطن التي عمرت بالوحي والتنزيل، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتشر، فهي مشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات.(4/337)
فحري بمن أكرمه الله بالإقامة فيها أن يتزود فيها من الأعمال الصالحة التي تنفعه بعد الموت، وأن يحذر من الوقوع فيها بما يسخط الله عز وجل. وفيما سبق ذكره من الأحاديث خير شاهد على فضل سكناها والترغيب في الإكثار من العمل الصالح فيها، والتحذير من الإساءة والمعصية والإفساد فيها.
________________________________________
[1] الآية (113) من سورة النساء.
[2] الآية (253) من سورة البقرة.
[3] الآية (81) من سورة آل عمران.
[4] أخرجهما ابن جرير في تفسيره (3/ 332) وأوردهما ابن كثير في تفسيره (1/ 378).
[5] تفسير ابن كثير (1/ 378).
[6] الآية (146) من سورة البقرة.
[7] الآية (157) من سورة الأعراف.
[8] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كراهية السخب في الأسواق. انظر: فتح الباري (4/ 342) ح 2125
[9] تقدم تخريجه ص 74
[10] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة" 1/130
[11] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا" (/130).
[12] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره فتح الباري (10/ 155) ح 5705، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (1/ 138).
[13] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة. انظر (8/62)
[14] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الحشر. فتح الباري (11/ 378) ح 6528، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة (1/138-139)
[15] بداية السول في تفضيل الرسول (ص 44، 46).
[16] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، انظر: فنح الباري (7/ 201- 202). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات 11/ 104)
[17] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (6/ 566) ح 3557
[18] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. انظر: فتح الباري (6/ 259) ح 2652، وأخرجه مسلم في صحيحه، كثاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (7/ 184).
[19] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (7/ 186)
[20] الآيات (1، 2، 3) من سورة الفتح.
[21] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قول الله عز وجل: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}. انظر: فتح الباري (8/ 395) ح 4712، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة (1/ 127، 128).
[22] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة (1/133-134).
[23] عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الملقب بسلطان العلماء فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد وله مؤلفات توفي سنة 660هـ. الأعلام (4/21).
[24] بداية السول (ص 35- 36).
[25] الآية (4) من سورة الشرح.
[26] الآية 721) من سورة الحجر.
[27] بداية السرل (ص 37).
[28] الآيات (64، 65، 70) من سورة الأنفال ومواضع أخرى.
[29] الآية (41، 67) من سورة المائدة
[30] الآية (35) من سورة البقرة.
[31] الآية (110) من سورة المائدة
[32] الآية (30) من سورة القصص
[33] الآية (48) من سورة هود.
[34] الآية (26) من سورة ص.
[35] الآية (105) من سورة الصافات
[36] الآية (81) من سورة هود.
[37] الآية (7) من سورة مريم.
[38]الآية (12) من سورة مريم.
[39] (10) غاية السول (ص 38).
[40] الآية (63) من سورة النور.
[41] سعيد بن جبير الأسدي، بالولاء، الكوفي، تابعي، أخذ العلم من ابن عباس وابن عمر، ثقة، ثبت، فقيه، إمام حجة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين. تهذيب التهذيب (4/ 11- 14)
[42] تفسير ابن كثير (3/ 306).
[43] الآية (2) من سورة الحجرات.
[44] هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي،، خطيب الأنصار شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، شهد أحدا وما بعدها، قتل يوم اليمامة. الإصابة (1/ 197).
[45] موسى بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضي البصرة.، تابعي، ثقة قليل الحديث.
[46] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير، باب "لا ترفعوا أصواتهم فوق صوت النبي". انظر فتح الباري (8/ 590) 4846
[47] هو عبد الله بن الزبير بن العوام، ولد عام الهجرة، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له، وكان أول مولود في الإسلام بالمدينة وكان شهما فصيحا، رقد بويع له بالخلافة بعد موت-يزيد بن معاوية فبقى ثمان سنوات حتى قتل في أيام عبد الملك سنة ثلاث وسبعين للهجرة. الإصابة (2/ 301-- 303).(4/338)
[48] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسبر، باب "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي". فتح الباري (8/ 590) ح 4845
[49] الآيتان (12، 13) من سورة المجادلة.
[50] تقدم تخريجه ص 74
[51] تقدم تخريجه ص 80.
[52] بداية السول في تفضيل الرسول (ص 41).
[53] المصدر السابق (ص 41- 42)
[54] عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري، تابعي ثقة، كثير الحديث، وكان له علم بالمغازي والسيرة، توفي سنة عشرين ومائة تهذيب التهذيب (5/ 53- 34).
[55] عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري، روى عن أبيه وله صحبة تهذيب التهذيب (7/489)
[56] قتادة بن النعمان بن زيد الأوسي ثم الظفري الأنصاري، صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها ومات في خلافة عمر فصلى عليه ونزل في قبره وعاش خمسا وستين سنة. الإصابة 31/ 217- 218).
[57] أخرجه أبو نعيم في دلائل النبرة (ص 418) وأخرجه البيهقي في دلائل النبرة أيضا (3/ 251- 252). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 297، 298) وعزاه لأبى يعلى وقال في إسناده يحى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف وقال الألباني في حاشية كتاب بداية السول (ص 42) ولكنه عند أبي نعيم من طريقين آخرين فهو يتقوى بهما". والحديث أورده ابن كثير في البداية (4/ 33، 34). والسيوطي في الخصائص الكبرى (1/ 359) وعزاه لابن سعد والبيهقي وأبي نعيم.
[58] انظر: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (ص 512- 550) ودلائل النبوة للبيهقي الجزء السادس، والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 304- 314).
[59] آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص 83).
[60] الخصائص الكبرى (2/ 304).
[61] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب تفضبل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق (7/ 59).
[62] بداية السول في تفضيل الرسول (ص 34).
[63] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب، قول الله عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} انظر فتح الباري (6/ 371) ح 3340 واللفظ له. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/ 127، 128).
[64] مجموع الفتاوى (1/ 145).
[65] أخرجه مسلم فى صحيحه كتاب الإيمان، باب في أول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الحنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا" (1/ 130).
[66] أخرجه الحاكم في مستدركه( / 30) وصححه وقال على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[67] أخرجه أحمد في مسنده (3/2). وأخرجه الترمذى في سننه، كتاب المناقب، باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 587) ح 3615 وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب في الشفاعة (2/ 1440) ح 4308.
[68] غاية السول (ص 35).
[69] أخرجه البخاري في صحيحه، واللفظ له، كتاب الآذان، باب فضل السجود، انظر فتح الباري (2/ 292، 293) ح 806، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (1/ 113).
[70] أخرجهما مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة" (1/ 130)
[71] أخرجهما مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة" (1/ 130)
[72] الآية (110) من سورة آل عمران.
[73] الآية (143) من سورة البقرة.
[74] الآية (78) من سورة الحج.
[75] معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري، له وفادة وصحبة، وقال البخاري "سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي بخرسان. الإصابة (3/ 412).
[76] أخرجه أحمد في المسند (4/ 446، 447، 448) (5/ 3- ه) والترمذي في سننه، كتاب التفسير، تفسير سورة آل عمران (5/ 226) ح 3501 وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه ابن ماجة في السنن كتاب الزهد، باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم انظر (2/ 1433) والحاكم قي المستدرك (4/84) وصححه ووافقه الذهبي. والدارمي في السنن (2/ 221) ح 2763، وحسنه الألباني في المشكاة (6285).
[77] المسند (3/61).
[78] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الإجارة باب الإجارة من العصر إلى الليل. انظر: فتح الباري (4/447، 448) ح2271.
[79] الآيتان (28 29) من سورة الحديد.
[80] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فرض الجمعة واللفظ له. انظر: فتح الباري (2/ 354) ح 876 وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (3/ 6).
[81] أخرجه مسل!م في صحيحه، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (3/ 7).
[82] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية. انظر (1/113)
[83] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (3/6)
[84] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/ 127- 129).(4/339)
[85] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب في الحوض. فتح الباري (11/ 463) ح 6576، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (1/ 150- 151).
[86] الآية (9) من سورة الفتح.
[87] الآية (157) من سورة الأعراف.
[88] مقاييس اللغة (4/ 311).
[89] النهاية (3/ 228).
[90] تهذيب اللغة (2/ 129- 130) بتصرف.
[91] تفسير الطبري (9/ 85).
[92] تفسير الطبري (9/ 85).
[93] تفسير الطبري (26/ 75).
[94] تفسير الطبري (9/ 85).
[95] تفسير الطري (26/ 75)
[96] الصارم المسلول (ص 422).
[97] معجم مقاييس اللغة (6/ 132)
[98] تهذيب اللغة (9/ 280)
[99] لسان العرب (5/ 291).
[100] تفسير الطبري (26/ 74).
[101] تفسير الطبري (26/ 74).
[102] تفسير الطبري (26/ 75).
[103] تفسير الطبري (26/ 75).
[104] الصارم المسلول (ص422)
[105] تفسير ابن كثير (4/185)
[106] لسان العرب (12/410-411)
[107] انظر المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (2/ 124) الشعبة الخامسة عشرة. وكذلك الجامع في شعب الإيمان للبيهقي (1/ 300) الشعبة الخامسة عشرة.
[108] المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (2/ 124).
[109] المعنى المقصود هنا: أنه يجوز أن يبعث الله رسولا ولا يوجب له هذا الحق بخلاف الإيمان والاتباع فإنهما من لوازم الرسالة.
[110] الآية (9) من سورة الفتح.
[111] الآية (157) من سورة الأعراف.
[112] المنهاج في شعب الإيمان (2/ 125) "بتصرف".
[113] الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الجرجانى، فقيه شافعي، قاضي، كان رئيس أهل الحديث في ما وراء النهر، توفي في بخارى سنة 403هـ وله كتاب المنهاج في شعب الإيمان.
الأعلام (2/ 235).
[114] المنهاج في شعب الإيمان (124- 125) والجامع لشعب الإيمان (302- 303).
[115] الآية (63) من سورة النور.
[116] تفسير الطبري (18/177).
[117] تفسير الطبري (18/177).
[118] تفسير الطبري (18/177).
[119] الآية (28) من سورة الأحزاب.
[120] الآية (50) من سورة الأحزاب.
[121] الآية (1) من سورة الأحزاب.
[122] الآية (45) من سورة الأحزاب
[123] الآية (1) من سورة الطلاق.
[124] الآية (1) من سورة التحريم.
[125] الآية (67) من سورة المائدة.
[126] الآيتان (1، 2) من سورة المزمل
[127] الآيتان (1، 2) من سورة المدثر
[128] الآية (64) من سورة الأنفال
[129] الآية (35) من سورة البقرة
[130] الآية (33) من سورة البقرة
[131] الآية (46) من سورة هود
[132] الآية (76) من سورة هود
[133] الآية (144) من سورة الأعراف
[134] الآية (26) من سورة ص.
[135] الآية (110) من سورة المائدة
[136] الصارم المسلول (ص 422- 423)
[137] الآية (63) من سورة النور
[138] الآية (35) من سورة البقرة
[139] الآية (48) من سورة هود
[140] الآيتان (11، 12) من سورة طه
[141] الآية (55) من سورة آل عمران
[142] الآية (64) من سورة الأنفال
[143] الآية (41) من سورة المائدة
[144] الآية (67) من سورة المائدة
[145] الآية (1) من سورة المزمل
[146] الآية (1) من سورة المدثر
[147] الآية (40) من سورة الأحزاب
[148] الآية (29) من سورة الفتح
[149] الآية (144) من سورة آل عمران
[150] الآية (2) من سورة محمد
[151] درء تعارض العقل والنقل (1/297، 298)
[152] الآيات من (1 إلى 5) من سورة الحجرات
[153] أخرجه الإمام أحمد فى مسنده (5/ 230، 236، 242).وأبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء (4/ 18) ح 3592. والترمذي في سننه، كتاب الأحكام، باب القاضي كيف يقضي (3/616) ح 1327. وابن ماجة في سننه، المقدمة، باب اجتناب الرأي والقياس بنحوه (1/ 21).
[154] تفسير ابن كثير (4/ 205).
[155] المنهاج في شعب الإيمان (2/ 127)
[156] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حجة الوداع واللفظ له. انظر فتح الباري (8/ 108) ح 4406
[157] الآية (2) من سورة الحجرات
[158] عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، تابعي ثقة، كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له. مات سنة (17هـ) وقيل (18هـ) تهذيب التهذيب (5/ 306- 307)
[159] الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينا والطائف، وهو من المؤلفة قلوبهم، وقد حسن إسلامه، وكان شريفا في الجاهلية والإسلام وشارك في الفتوحات، وقيل إنه قتل في اليرموك في عشرة من بنيه الإصابة (1/ 72- 73)
[160] نافع بن عمر بن عبد الله الجمحي الحافظ المكي، كان من أثبت الناس، روى عن ابن أبي مليكة وغيره، مات سنة تسع وستين ومائة. تهذيب التهذيب (10/ 401)
[161] هو: عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقد تقدم ترجمته
[162] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، تفسير سورة الحجرات.
انظر: فتح الباري (8/ 590) خ 4845(4/340)
[163] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد.
انظر: فتح الباري (1/ 560) خ 470.
[164] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان.فتح الباري (1 1/ 308) ح 6478
[165] تفسير ابن كثير (4/ 205- 206)
[166] الكشاف (3/ 554، 555)
[167] كتاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج ورسالة تأليف محمد الصادق إبراهيم عرجون (4/ 333)
[168] تفسير ابن كثير (4/ 208)
[169] في ظلال القرآن لسيد قطب (6/ 3340) بتصرف يسير
[170] المنهاج في شعب الإيمان (2/ 128)
[171] الآية (120) من سورة التوبة
[172] المنهاج في شعب الإيمان (2/ 126)
[173] الآية (53) من سورة الأحزاب
[174] الآية (56) من سورة الأحزاب
[175] الآية (53) من سورة الأحزاب
[176] الآية (53) من سورة الأحزاب
[177] الآية (56) من سورة الأحزاب
[178] الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر (ص 19- 20)
[179] الآيتان (57-58) من سورة الأحزاب
[180] الآية (24) من سورة التوبة
[181] الآية (132) من سورة آل عمران
[182] الآية (62) من سورة التوبة
[183] الآية (10) من سورة الفتح
[184] الآية (1) من سورة الأنفال
[185] الآية (13) من سورة الأنفال
[186] الآية (20) من سورة المجادلة
[187] الآية (63) من سورة التوبة
[188] الآية (14) من سورة النساء وآيات أخر
[189] الصارم المسلول (ص 40- 41)
[190] الصارم المسلول (ص393-394)
[191] الآية (104) من سورة البقرة
[192] الخفة والحماقة
[193] الشفا (2/591)
[194] الآية (53) من سورة الأحزاب
[195] الصارم المسلول (ص 59)
[196] الركي: جنس للركية، وهي البئر، وجمعها ركايا. النهاية (2/261)
[197] صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة (8/ 119)
[198] الصارم المسلول (ص 59- 60)
[199] المصدر السابق (ص 433)
[200] الآية (6) من سورة الأحزاب
[201] الآيتان (62، 63) من سورة النور
[202] الآية (62) من سورة النور
[203] الكشاف (3/ 78) بتصرف يسير
[204] الآية (157) من سورة الأعراف
[205] شعب الإيمان للبيهقي، شعبة التعظيم (1/ 302، 303)
[206] الآيتان (8، 9) من سورة الفتح
[207] بغية المرتاد (ص 504)
[208] عروة بن مسعود الثقفي، كان أحد الأكابر في قومه، وكانت له اليد البيضاء في تقرير صلح الحديبية، اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف فأسلم، واستأذنه أن يرجع إلى قومه، فأذن له فرجع فدعاهم، فرماه أحدهم بسهم وهو يؤذن في السحر فقتله. الإصابة (2/ 470- 471)
[209] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط. انظر: فتح الباري (5/ 329، 331)
[210] الآية (2) من سورة الحجرات
[211] تقدم تخريجه (ص 432)
[212] سعد بن عبادة الأنصاري، شهد الخزرج، شهد العقبة، وكان أحد النقباء، وكان مشهورا بالجود وكان معه راية الأنصار، توفي سنة خمسة عشرة وقيل سنة ست عشرة من الهجرة بالشام. الإصابة (2/ 27- 28)
[213] الآية (3) من سورة الحجرات
[214] شعب الإيمان للبيهقي (1/ 313)
[215] أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 462) وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي على شرط مسلم، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، شعبة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 317). وأخرجه كذلك في المدخل إلى السنن الكبرى، باب توقير العالم والعلم ص (379) ح 653. وأورده السيوطي في الدر المنثور( 7/ 548) وعزاه لعبد بن حميد والحاكم والبيهقي في الشعب
[216] أسامة بن شريك الثعلبي من بني ثعلبة، له صحبة، وروى حديثه أصحاب السنن وأحمد وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم. الإصابة (1/ 46- 47)
[217] أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في سننه كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى (4/ 192- 193) ح 3855، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 278)
[218] البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي، له ولأبيه محبة استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وشهد أحدا وما بعدها ترفي سنة اثنتين وسبعين. الإصابة (1/ 146- 147)
[219] أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده (4/ 287). وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الجلوس في المقابر (1/ 494) ح 1549
[220] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب فضل النفقة في سبيل الله.انظر فتح الباري (6/ 48، 49) ح 2842
[221] بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي، قيل إنه أسلم حين مر به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا، وقيل: أسلم بعد منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، وفي الصحيحين عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وأخباره كثيرة ومناقبه مشهورة، مات سنة ثلاث وستين. الإصابة (1/ 150)
[222] أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، باب توقير العالم والعلم (ص 381) ح 658(4/341)
[223] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج (1/ 78)
[224] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما (5/ 612) ح 3668، وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية، وقد تكلم بعضهم في الحكم بن عطية
[225] خنست: أي انقبضت وتأخرت. النهاية (2/ 83)
[226] أخرجه أحمد في المسند (1/ 330). وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 534) وقال: حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب شعبة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 320، 321) ح 129
[227] رواه البزار كما في كشف الأستار (2/ 421). والببهقي في شعب الإيمان، باب شعبة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 338) خ 134
[228] أخرب الحاكم في معرفة علوم الحديث النوع الخامس (ص 19). وأخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص 381).
وقال السخاوي في فتح المغيث (1/ 117) الحديث أخرجه الحاكم في علومه وكذا في الأمالي كما عزاه إليهما البيهقي في المدخل حيث أخرجه عن راو.
ورواه أبو نعيم في المستخرج على علوم الحديث له (أي الحاكم) عن راو آخر كلاهما عن أحمد ابن عمرو (كذا) الزيبقي عن زكريا بن يحبس المنقري، عن الأصمعي، عن كيسان مولى هشام ابن حسان، وفي رواية أبي نعيم عن هشام بن حسان.
وفي رواية الآخرين عن محمد بن حسان زاد البيهقي "وهو أخو هشام بن حسان وهر حسن الحديث" انتهي قول السخاوي
[229] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 133، 134) ح 4773، وأخرجه النسائي في سننه، في القسامة، باب القود، من الجندة (8/ 33، 34). وأخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص 401) ح 717
[230] سهل بن بيضاء القرشي، وبيضاء أمه واسمها دعد واسم أبيه وهب بن ربيعة بن هلال القرشي، كان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، أسلم بمكة فكتم إسلامه فأخرجته قريشا إلى بدر فأسر يومئذ فشهد له ابن مسعود أنه رآه يصلى بمكة فأطلق ومات بالمدينة. الإصابة (2/ 84)
[231] أخرجه أحمد في مسنده (1/ 383). وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، تفسير سورة الأنفال (4/ 335) ح 5080 وقال: حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وأخرجه الطبراني في الكبير (10/ 177) ح 10258 بنحوه. وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 21- 22) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1/ 325) ح 130
[232] أبو رمثة (بكسر أوله وسكون الميم ثم مثلثة) التيمي اختلف في اسمه فقيل: رفاعة بن يثربي، ويقال عكسه، ويقال عمارة بن يثربي، وقيل غير ذلك، له صحبة، ومات بأفريقية.الإصابة: (4/ 71) وتقريب التهذيب (406)
[233] أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 226- 227- 228) بعدة طرق عن لقيط بن إياد عن أبي رمثة به. وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في الخضرة (4/334) ح 4065، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء عن الثوب الأخضر (5/ 119) ح 2812. وأخرجه النسائي في سننه، كتاب الزينة، باب لبس الخضر من الثياب (8/ 204)، وأخرجه البيهقي في شعب الأيمان (1/ 342) وفي دلائل النبوة (1/ 237)
[234] أبو جري (بالتصغير) الهجيمي واسمه جابر بن سليم وقيل سليم بن جابر، وقال البخاري الأول أصح، له صحبة، وهو من بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم. تهذيب التهذيب (12/ 54)
[235] أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار (4/ 344) ح 4084 واللفظ له. وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الاستئذان، باب كراهية أن يقول عليك السلام مبتدئا وقال حسن صحيح (5/ 71، 72) ح 2721
[236] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب قرب النبي عليه السلام من الناس وتبركهم به (7/ 79)
[237] اسمه زيد بن سهل وقد تقدم ترجمته
[238] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان. انظر: فتح الباري (3/ 237) ح 171.
[239] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به (7/ 79).
[240] أورده ابن كثير في البداية (4/ 280) من طريق ابن اسحاق، وابن حجر في الإصابة (4/ 299، 300).
[241] البداية لابن كثير (4/ 282).
[242] عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجى، أبو الحباب المشهور بابن سلول، وسلول جدته لأبيه رأس المنافقين في الإسلام أظهر الإسلام بعد وقعة بدر، تقية، مات بالمدينة سنة تسع من الهجرة، طبقات ابن سعد (2/ 3/ 90).(4/342)
[243] عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك، وهو ابن عبد الله بن أبي رأس المنافقين الذي تقدمت ترجمته. وكان اسم عبد الله بن عبد الله "الحباب" فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو صحابي جليل، شهد بدرا وما بعدها، واستشهد باليمامة في قتال الردة سنة اثنتي عشرة.الإصابة (2/ 327، 328).
[244] أخرجه الطبري في تفسيره (28/ 114، 115) تفسير سورة المنافقرن الآية (8)
[245] سنن الترمذي (5/ 418) ح 3315 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المنافقين. وأورده ابن كئير في تفسيره (4/372) وعزاه للحميدي في مسنده وأورده ابن حجر في فتح الباري (8/ 652).
[246] قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه تيسير العزيز الحميد (ص 153، 154): ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم، والتمسح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحد منهم ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، والتبرك بعرقهم ونحر ذلك، وقد أكثر في ذلك أبو زكريا النوري في
"شرح مسلم" في الأحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا شيئا مع النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ صريح لوجوه منها:
1- عدم المقاربة فضلا عن المساواة للنبي صلى الله عليه وسلم في الفضل والبركة.
2- ومنها عدم تحقق الصلاح، فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص، كالصحابة الذين اثنى الله عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين، أو من شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح وقد عدم أولئك، أما غيرهم فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم.
3- ومنها أنا لو ظننا صلاح شخص فلا نأمن أن يختم له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم، فلا يكون أهلا للتبرك بآثاره.
4- ومنها أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره لا في حياته ولا بعد موته، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فهلا فعلوه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من الذين شهد لهم النبي صلى اللهعليه وسلم بالجنة، وكذلك التابعون هل فعلوه مع سعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وأويس القرني والحسن البصري ونحوهم ممن يقطع بصلاحهم، فدل أن ذلك مخصوص للنبي صلى الله عليه وسلم.
5- ومنها أن فعل هذا مع غيره شيء لا يؤمن أن يفتنه وتعجبه نفسه، فيورثه العجب والكبر والرياء، فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم" انتهي.
[247] الآية (20) من سورة المجادلة.
[248] الآية (63) من سورة التوبة.
[249] الآية (5) من سورة المجادلة.
[250] الآية (120) من سورة التوبة.
[251] الآية (5) من سورة البينة.
[252] الآيتان (18- 19) من سورة الجاثية.
[253] الآية (21) من سورة الشورى.
[254] مجموع الفتاوى (1/80) بتصرف.
[255] هذه العبارة جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (8/ 159) ولفظها في مسلم "وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب..." الحديث.
[256] الآية (51) من سورة العنكبوت.
[257] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (6/18).
[258] تقدم تخريجه ص 124.
[259] الآية (107) من سورة الأنبياء.
[260] تقدم تخريجه ص 396.
[261] جلاء الأفهام (ص 89، 94) بتصرف
[262] القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي (ص 11) بتصرف.
[263] الآية (56) من سورة الأحزاب.
[264] المنهاج في شعب الإيمان (2/ 134) بتصرف يسير.
[265] جلاء الأفهام (ص 78).
[266] جلاء الأفهام (ص 79).
[267] الآية (63) من سورة النور.
[268] جلاء الأفهام (ص 80) بتصرف.
[269] أخرجه الترمذي في السنن، كتاب الدعوات، باب قول رسول الله صلى الله عليه وسل "رغم أنف رجل" (5/550) ح 3545 وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2387). وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 8- 9- 10) ح 15- 16 - 17- 18- 19، وقال الألباني في تعليقه عليه: "حديث صحيح بشواهده".وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 549).
[270] تقدم تخريجه ص 328.
[271] الآية (7) من سورة الحشر.
[272] الآية (80) من سورة النساء.
[273] الآية (132) من سورة آل عمران.
[274] الآية (65) من سورة النساء.
[275] الآية (51) من سورة النور.
[276] منزلة السنة في التشريع الإسلامي (ص 4- 5) وعزاه لابن القيم ولم أقف عليه في كتبه.
[277] كتاب الرد على الأخنائي (ص 24، 25).
[278] الآية (31) من سورة آل عمران
[279] الآية (65) من سورة النساء.
[280] الآية (51) من سورة النور.
[281] الآية (36) من سورة الأحزاب.
[282] تقدم تخريجه ص 188
[283] تقدم تخريجه ص 190
[284] الآية (7) من سورة الحشر.
[285] تقدم تخريجه ص 195
[286] الرد على الأخنائي (ص 37).(4/343)
[287] الآية (41) من سورة الأنفال.
[288] الآية (7) من سورة الحشر.
[289] كعب بن عجرة بن أمية البلوي ويقال القضاعي، حليف لأنصار، صحابي مشهور، مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون سنة. الإصابة (3/ 281، 282).
[290] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} انظر: فتح الباري (8/ 532). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. انظر: (2/ 16).
[291] تقدم تخريجه ص 345.
[292] تفسير ابن كثير (4/ 113).
[293] هذا من تفضيل الجملة على الجملة وهو لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد فالعرب في الأجناس، وقريش فيها ثم هاشم في قريش، مظنة أن يكون فيهم من الخير أعظم مما يوجد في، غيرهم، ولهذا كان في بنى هاشم النبي صلى الله عليهم وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش فضلا عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس. فلابد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول. وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم. فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى، فكلا القولين خطأ وهما متقابلان، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة وفضيلة لأجل المظنة والسبب.
والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية.
فالأول: يفضل به لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد.
والثاني: يفضل به لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأن الحقيقة قد وجدت، فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات
فالاعتبار العام هو التقوى كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الآية (13) من سورة الحجرات. فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا، وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل سراء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين، أو قرشيين أو هاشميين أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف، وإن قدر أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للآخر، فإذا كان ذلك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها، وإن كان أقدر على الإتيان بها، فالعالم خير من الجاهل، وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم.
انظر: منهاج السنة (4/ 602- 603- 604- 608) بتصرف
[294] أخرب مسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 58).
[295] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} فتح الباري (6/ 387) ح 3353، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب باب الأرواح جنود مجندة (8/ 41، 42) واللفظ له.
[296] منهاج السنة النبوية (4/ 599).
[297] تقدم تخريجه ص 345.
[298] الآية (6) من سورة الأحزاب.
[299] تفسير القرطبي (14/ 123).
[300] الآيتان (28، 29) من سورة الأحزاب.
[301] الآية (32) من سورة الأحزاب.
[302] تفسير القرطبي (14/ 177) بتصرف.
[303] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب فضل عائشة رضي الله عنها. فتح الباري (7/106) ح 0 377، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (7/ 138).
[304] مجموع الفتاوى (3/ 154).
[305] لا يغمص: لا يعاب ولا ينقص في أمر من أموره. النهاية (3/ 386).
[306] الشفا (2/ 611، 612).
[307] الآية (29) من سورة الفتح.
[308] الآية (100) من سورة التوبة.
[309] الآية (18) من سورة الفتح.
[310] الآية (159) من سورة آل عمران.
[311] الآية (159) من سورة آل عمران.
[312] الآية (10) من سورة الحشر.
[313] تقدم تخريجه ص 353.
[314] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. انظر: فتح الباري (5/ 259) ح 2652. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم. انظر (7/ 158).(4/344)
[315] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري (7/ 3) ح 3650، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (7/ 185).
[316] تدريب الراوي (2/ 214)
[317] الإصابة (1/ 17).
[318] كتاب الكفاية (ص 97) للخطب البغدادي.
[319]عقيدة أهل السنة والأثر في الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم (ص 24- 25) تأليف الشيخ عبد المحسن العباد، مقالة طبعت في مجلة الجامعة الإسلامية، العدد الثاني، السنة الرابعة.
[320] ذكر ذلك: البيهقي في الجامع لشعب الإيمان (2/130)، والقاضي عياض في الشفا (2/619)
[321] سفيان بن أبي زهير الأزدي، من أزد شنوءة (بفتح المعجمة وبضم النون وبعد الواو همزة) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. يعد في أهل المدينة. الإصابة (2/ 52).
[322] يقال بسست الناقة وأبسستها إذا سقتها وزجرتها وقلت لها بس بس بكسر الباء وفتحها. النهاية (1/ 127).
[323] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة "واللفظ له". انظر: فتح الباري (4/ 90) ح 1875، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار (4/ 122).
[324] عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني، صحابي شهير اختلف في شهوده بدرا، وشهد أحدا وغيرها، وشارك مع وحشي في قتل مسيلمة، يقال قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين. الإصابة (2/ 305).
[325] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده. فتح الباري (4/ 346) ح 2129، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة "واللفظ له" (4/ 112).
[326] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة (4/ 113).
[327] أخرجه بهذا اللفظ،مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة (4/ 116، 117).
[328] أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة (4/ 116).
[329] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب الإيمان يأرز إلى المدينة. انظر: فتح الباري (4/ 93) ح 1876 ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا (1/ 90- 91).
[330] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، انظر: فتح الباري (4/ 94) ح 1877، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله (4/ 122).
[331] أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. انظر: فتح الباري (3/63) ح 1190، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (4/ 124).
[332] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب 12. انظر: فتح الباري (4/ 99) ح 1888، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (4/ 123).
32. ... 7- كتاب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [الصلاة على النبي]
الفصل الثالث: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
ويشتمل على تمهيد وثلاثة مباحث:
تمهيد:
سبق الحديث في الفصل الثاني، من هذا الباب عن بعض الأمور التي يتعين على هذه الأمة أداؤها والقيام بها في باب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره. وفي هذا الفصل نتناول جانبا مهما من جوانب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
فقد أمرنا الباري تبارك وتعالى أن نصلي ونسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك تشريف منه عز وجل لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار للاحترام والتعظيم الذي شرعه في حقه فقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [1] فهذه الآية فيها من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها، وذلك بسبب ما فيها من تمييز للنبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا شك أن ذلك فيه رفع لقدره وإعلاء لمكانته في حياته وبعد موته.
ولذلك فإن من أعظم شعب الإيمان الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم محبة له وأداء لحقه وتعظيما لقدره، والمواظبة عليها من باب أداء شكره صلى الله عليه وسلم، وشكره واجب لعظمة الإنعام به، فقد جعله الله سببا لنجاتنا من الجحيم، ودخولنا في دار النعيم، وإدراكنا الفوز بأيسر الأسباب، ونيلنا السعادة من كل الأبواب.(4/345)
وليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة منا له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافيناه بالدعاء فأرشدنا الله- لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا- إلى الصلاة عليه لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا وإفضاله علينا إذ لا إحسان لمخلوق أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن المقصود بصلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم هو التقرب إلى الله تعالى بامتثال ما أمر به، وقضاء لحق من حقوق لصطفى صلى الله عليه وسلم التي أوجبها الله علينا فحق على هذه الأمة أن تعظم قدر نبيها وذلك بأن تكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم اتباعا لأمر ربها تبارك وتعالى وقياما بما لنبيها صلى الله عليه وسلم من الحق عليها. وقد اعتنى العلماء بهذه الخصيصة العظيمة فأفردوها بالتأليف وتناولوا في مؤلفاتهم تلك جوانب هذا الموضوع،، من أشهر تلك المؤلفات وأجمعها كتاب "جلاء الأفهام" في الصلاة والسلام على خير الأنام للعلامة ابن القيم، بل هو أشهرها وأحسنها.
ومن تلك المؤلفات كتاب القول البديل في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي [2] المتوفى سنة 902هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان الكتب المصنفة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة [3].
المبحث الأول: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المعنى اللغوي للفظة "الصلاة".
قال الخليل بن أحمد [4]: "الصلاة: ألفها واو لأن جماعتها الصلوات ولأن التثنية صلوان" [5].
ومادة (ص. ل. و) وردت في اللغة لمعان منها:
1- ((الصلاة)):
وهو وسط الظهر لكل ذي أربع وللناس. وقيل: ما انحدر من الوركين [6]. قال الخليل بن أحمد: " والصلاه، وسط الظَّهْر لكل ذي أربع وللناس وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلاها قال:
كأن صلا جهيزة حين قامت**** حباب الماء يتبع الحبابا
وإذا أتى الفرس على أثر الفرس السابق قيل: صلى، وجاء مصليا لأن رأسه يتلو الصلا يين يديه" [7].
وقال الأزهري: "وقال أهل اللغة في الصلاة: إنها من الصلوين، وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها، وأول مواصل الفخذين من الإنسان فكأنهما في الحقيقة مكتنفا العصعص... وأما المصلى الذي يلي السابق فهو مأخوذ من الصلوين لا محالة، وهما مكتنفا ذنب الفرس، فكأنه يأتي ورأسه في ذلك المكان" [8]. وقد قيل إن اشتقاق الصلاة الشرعية هو من هذا.
قال الحليمي: "وقيل للصلاة المعهودة صلاة لما فيها من حني الصلا وهو وسط الظهر" [9].
2- "الصلى" بالقصر وهي النار:
قال الخليل بن أحمد: "والصلا: النار، وصلى الكافر نارا فهو يصلاها أي قاسى حرها وشدتها، وصليت اللحم صليا: شويته، وإذا ألقيته في النار قلت: أصليته أصليه إصلاء، وصليته، تصلية" [10].
وفي معجم مقاييس اللغة: "صلى: الصاد واللام والحرف المعتل أصلان: أحدهما: النار وما أشبهها من الحمى... فقولهم: صليت العود بالنار، والصلى صلى النار. واصطليت بالنار. والصلاء: ما يصطلى به وما يذكى به النار ويوقد وقال:
فجعل العود واليلنجوج والرذ*** صلاء لها على الكانون [11]
قال الفيروز أبادي [12]:
"وقيل اشتقاق لفظة الصلاة من الصلى بالقصر وهي النار من صليت العصا إذا قومتها بالنار فالمصلي كأنما يسعى لتعديل باطنه وظاهره كمن يحاول تقويم العود بالنار" [13].
3- "الصلاة" الملازمة:
قال الأزهري: "قال الزجاج الأصل في الصلاة اللزوم يقال: قد صلى واصطلى إذا لزم، ومن هذا من يصلى في النار: أي يلزم النار فالصلاة لزوم ما فرض الله، والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه" [14].
وقال الفيروز أبادي "وقيل الصلاة الملازمة، ومنه قوله {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [15] {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [16] ومنه سمي ثاني أفراس الحلبة مصليا" [17].
4- ((الصلاة)) الدعاء:
حاء في معجم مقاييس اللغة "صلى: الصاد واللام والحرف المعتل أصلان: أحدهما: النار وما أشبهها من الحمى- وقد تقدم ذكره- والآخر جنس من العبادة...
وأما الثاني: فالصلاة وهي الدعاء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل" [18] أي فليدع لهم بالخير والبركة.
قال الأعشى [19]:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا*** يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي*** نوما فإن لجنب المرء مضطجعا [20]
وقال في صفة الخمر:
وقابلها الريح في دنها*** وصلى على دنها وارتسم [21] [22]
"أي دعا لها ألا تحمض وتفسد" [23].
وأورد هذا المعنى أيضا الأزهري في تهذيب اللغة [24].(4/346)
وقال ابن القيم "وأصل هذه اللفظة يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدعاء والتبريك. والثاني: العبادة. فمن الأول قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [25]. وقوله تعالى في حق المنافقين: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [26] وقول النبي صلى الله عليه وسم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصل" فسر بهما. قيل: فليدع لهم بالبركة. وقيل: يصلي عندهم بدل أكله. وقيل إن الصلاة في اللغة معناها الدعاء.
والدعاء نوعان: دعاء عبادة. ودعاء مسألة. والعابد داع كما أن السائل داع، وبهما فسر قوله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [27]. قيل: أطيعوني أثبكم. وقيل: سلوني أعطكم. وفسر بهما قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [28]".
ثم قال رحمه الله تعالى: "والصواب: أن الدعاء يعم النوعين، وهذا لفظ متواطئ لا اشتراك فيه [29]، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [30] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [31].
وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [32] والصحيح من القولين لولا أنكم تدعونه وتعبدونه أي: شيء يعبأه بكم لولا عبادتكم إياه فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل. وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} [33]، وقال تعالى إخبارا عن أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [34].
وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى، ودعوى الخلاف في مسمى الدعاء.
وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيا.
فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء، والدعاء، دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاة حقيقة لا مجازا ولا منقولة، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما، فهذا غاية تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه، ولهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي والله أعلم. انتهي [35].
المطلب الثاني: المعني الشرعي لصلاة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم
لما كانت الصلاة التي أمرت بها هذه الأمة على النبي صلى الله عليه وسلم تعني الطلب من الله ما أخبر به من صلاته عليه. إذ المصلي يقول: "اللهم صل على محمد ... الخ" فالأمر هنا يتطلب شرح معنى صلاة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: "وأما صلاة الله سبحانه فنوعان: عامة وخاصة.
فالنوع الأول: الصلاة العامة وهي صلاته على عباده المؤمنين:
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [36]
ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على آحاد المؤمنين كقوله: "اللهم صل على آل أبي أوفى" [37].
النوع الثاني: صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله وخصوصا على خاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم [38].
واختلفت الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال:
القول الأول: إنها رحمته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى صلاة الرب الرحمة [39] وروى إسماعيل القاضي [40] بسنده عن الضحاك [41] قال: "صلاة الله رحمته، وصلاة الملائكة الدعاء" [42].
وقال المبرد [43] "أصل الصلاة الرحمة فهي من الله رحمة، ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة" [44].
قال ابن القيم: "وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين" [45].
القول الثاني: إن صلاة الله مغفرته.
فقد روى إسماعيل القاضي بسنده عن الضحاك: "هو الذي يصلي عليكم" قال: "صلاة الله مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء" [46].
وأورد ابن حجر في الفتح: عن مقاتل بن حيان [47] قال: "صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار" [48]
قال ابن القيم: "وهذا القول هو من جنس الذي قبله" [49].
القول الثالث: أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه وإظهار شرفه وفضله وحرمته.(4/347)
فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد اللهم عظم محمدا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين والشهود [50]. قال أبو العالية [51]: "صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة" [52]. وعن الربيع بن أنس [53] قال: "صلاة الله عليه ثناؤه عند ملائكته" [54] وقال الخليل بن أحمد: "صلوات الله على أنبيائه والصالحين من خلقه: حسن ثنائة عليهم وحسن ذكره لهم" [55].
وقال ابن القيم رحمه الله: "الصلاة المأمور بها في هذه الآية هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته، وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه. فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال منا والدعاء صلاة عليه لوجهين:
أحدهما: أنه يتضمن ئناء المصلي عليه والإشارة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة كذلك من الله تعالى، فقد تضمنت الخبر والطلب.
والوجه الثاني: أن ذلك سمي منا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه. فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقرببه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به" [56].
وزاد الحافظ ابن حجر: أن صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة. فصلاته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم.
وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء.
ونقل عياض عن بكر القشيري [57] قال: "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة وتكرمة، وعلى من دون النبي رحمة، وبهذا التقرير يظهر الفرق يين النبي صلى الله عليه وسلم ويين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وقال قبل ذلك في السورة المذكورة {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره، والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ماليس في غيرها" [58].
وقد ضعف ابن القيم رحمه الله تفسير الصلاة بالرحمة والاستغفار وذكر في تضعيفهما عدة أوجه منها:
1- أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [59] فعطف الرحمة على الصلاة فاقتضى ذلك تغايرهما، وهذا أصل العطف، وأما قولهم:
***وألفى قولها كذبا ومينا***
فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب
2- أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، وأما رحمته فوسعت كل شيء، فليست الصلاة مرادفة للرحمة لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها، فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمواتها ومقصودها، وهذا كثيرا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن، والرسول لا يفسر اللفظة بلازمها وجزء معناها كتفسير الريب بالشك، والشك جزء مسمى الريب وتفسير المغفرة بالستر، وهو جزء مه مسمى المغفرة، وتفسير الرحمة بإرادة الإحسان، وهو لازم الرحمة ونظائر ذلك، كثيرة.
3- أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء، ولا تعرف العرب قط "صلى عليه" بمعنى "رحمه" فالواجب حمل اللفظ على معناه المتعارف في اللغة.
4- أنه يسوغ بل يستحب لكل أحد أن يسأل الله أن يرحمه فيقول: اللهم ارحمني كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الداعي أن يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" فلما حفظها قال أما هذا فقد ملأ يديه من الخير" [60]. ومعلوم أنه لا يسوغ لأحد أن يقول: "اللهم صل علي" بل الداعي بهذا يكون معتديا في دعائه والله لا يحب المعتدين، بخلاف سؤاله الرحمة فإن الله يححب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته فعلم أنه ليس معناهما واحدا.
5- أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [61] وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [62] وقوله {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [63] وقوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [64] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها" [65]. وقوله: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" [66]
فمواضع استعمال الرحمة في حق الله وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها، فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة والله أعلم.(4/348)
6- أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال: "اللهم ارحم محمدا وآل محمد" وليس الأمر كذلك [67]. وزاد السخاوي:
7- أن الصحابة فهموا المغايرة بين الصلاة والرحمة، فلذلك سألوا عن كيفية الصلاة مع ما تقدم من ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام [68].
وأولى الأقوال بالصواب ما تقدم عن أبي العالية "أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه".
فهي من الله إكرام وتعظيم ومحبة وثناء لنبيه صلى الله عليه وسلم.
فصلاتنا عليه: إنما هي ثناء عليه صلى الله عليه وسلم وإرادة من الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا.
المبحث الثاني: الأدلة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها ومواطنها وفضلها
المطلب الأول: الأدلة من القرآن والسنة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
1- من القرآن:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [69].
وهذه الآية هي الأصل في هذا الباب [70] والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها [71].
وهي مدنية النزول وقد جاءت بعد جملة من الآيات في سورة الأحزاب ذكر الله فيها عددا من حقوق نبيه صلى الله عليه وسلم وما خصه به دون أمته، من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة من بعده، ومن سائر ما ذكر بعد ذلك من حقوقه وتعظيمه وتبجيله.
ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن، وخلوتهم بهن.
ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم، مستفتحا ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه [72]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا" [73].
"فهذه الآية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته" [74] (وفيها تنبيه على كمال الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع ذكره، فقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ} أي يثني الله عليه بين الملائكة وفي الملأ الأعلى لمحبته تعالى، ويثني عليه الملائكة المقربون ويدعون له ويتضرعون.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اقتداء بالله وملائكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلا لإيمانكم، وتعظيما له صلى الله عليه وسلم ومحبة وإكراما وزيادة في حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم" [75].
قال الحليمي: "وقد أمر الله تعالى في كتابه بالصلاة والتسليم عليه جملة فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فأمر الله عباده أن يصلوا عليه ويسلموا، وقدم قبل أمرهم بذلك إخبارهم بأن ملائكته يصلون عليه، لينبئهم بذلك على ما في الصلاة عليه من الفضل، إذ كانت الملائكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى الله بالصلاة والتسليم عليه ليعلموا أنهم بالصلاة والتسليم عليه أولى وأحق " [76].
ب- من السنة النبوية:
ورد في شأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الأحاديث التي وضحت وبينت ما يتعلق بشأن هذه الصلاة من جهة مشروعيتها وكيفيتها ومواطنها وفضلها إلى غير ذلك من الجوانب المتعلقة بها.
وقد روى هذه الأحاديث ما جمع من الصحابة رضوان الله عليهم عدهم ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام" فبلغوا اثثين وأربعين صحابيا.
وقد جمع ابن القيم هذه الأحاديث وبين طرقها وصحيحها من حسنها ومعلولها، وما في معلولها من العلل بيانا شافيا.
وسيأتي ذكر بعض هذه الأحاديث في مواضعها المناسبة في المطلب القادم وذلك تلافيا للتكرار والإعادة.
المطلب الثاني: كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ورد في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الأحاديث منها:
1- حديث كعب بن عجرة رضى الله عنه:(4/349)
فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه [77].
والمراد بالسلام في قوله: "قد علمنا كيف نسلم عليك" السلام الذي في التشهد وهو قول "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" [78].
2- حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه:
عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه [79].
3- حديث أبي سعيد الخدري [80] رضي الله عنه
عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يارسول الله، هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم" [81].
4- حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري [82] رضي الله عنه
عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد [83] أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يارسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم" [84].
5- حديث طلحة بن عبيد الله:
عن طلحة بن عبيد الله قال: قلت يارسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: "قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد" [85].
والملاحظ في هذه الأحاديث هو اختلاف ألفاظها، ومن أجل ذلك فإن المرء قد يسأل بأي هذه الألفاظ يدعو؟
قال ابن القيم: " لقد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة، وهو أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة، ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها، فرأى أنه يستحب للمصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته، وارحم محمدا وآل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" وكذلك في البركة والرحمة.
وعلل ذلك بقوله: حتى يصيب ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يقينا فيما شك فيه الراوي وليجتمع له ألفاظ الأدعية الأخر فيما اختلفت ألفاظها.
ونازعه في ذلك آخرون وقال: هذا ضعيف من وجوه:
أحدها: أن هذه الطريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين.
الثاني: أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات، وأن يتشهد بجميع أنواع التشهدات، وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه، وهذا باطل قطعا فإنه خلاف عمل الناس، ولم يستحبه أحد من أهل العلم وهو بدعة، وإن لم يطردها تناقض وفرق بين متماثلين.
الثالث: أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها. قالوا: ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر، وإنما يفعل ذلك القراء أحيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لأنواع القراءات، وإحاطته بها واستحضاره إياها، والتمكن من استحضارها عند طلبها، فذلك تمرين وتدريب لا تعبد مستحب لكل تال وقارئ، ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه، بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء، وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك.
وكذلك الداعي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة بلفظ هذا الحديث، ومرة بلفظ الآخر، وكذلك إذا تشهد، فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود، وإن شاء بتشهد ابن عباس، وإن شاء بتشهد ابن عمر، وإن شاء بتشهد عائشة رضي الله عنهم أجمعين ولا يستحب له أحد أن يجمع بين ذلك كله. وقد احتج غير واحد من الأئمة منهم الشافعي رحمه الله تعالى على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" [86]. فجوز النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الأحرف، وأخبر أنه "شافي كافي" ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كما كان الصحابة يفعلون.(4/350)
الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك الألفاظ الختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد، وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يقال هذا مرة وهذا مرة.
وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضها صار إليه وإن لم يترجح عنده بعضها كان مخيرا بينهما، ولم يشرع له الجمع، فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال لأنه قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففعل ما لم يفعله قطعا.
ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري" أو قال: "وعاجل أمري وآجله" [87] بدل "وعاقبة أمري" والصحيح اللفظ الأول وهو قوله "وعاقبة أمري" لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري" فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارا، بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه، فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة أجله.
ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال" رواه مسلم [88].
واختلف فيه فقال بعض الرواة "من أول سورة الكهف".
وقال بعضهم "من آخرها" وكلاهما في الصحيح لكن الترجيح لمن قال: "من أول سورة الكهف" لأن في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان [89] في قصة الدجال "فإذا رأيتموه فاقرأوا عليه فواتح سورة الكهف" [90] ولم يختلف في ذلك، وهذا يدل على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث، ومن روى من آخرها لم يحفظه.
الخامس: أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدية له، فإذا عبر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة.
السادس: أن أحد اللفظين بدل عن الآخر، فلا يستحب الجمع بين البدل والمبدل معا كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها إبدال والله أعلم [91]
المطلب الثالث: مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
تتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن إما وجوبا وإما استحبابا مؤكدا [92] ومن هذه المواطن ما يلي:
الموطن الأول: في الصلاة في آخر التشهد:
وهو أهمها وآكدها، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته [93] (2) واختلفوا في وجوبه فيها.
فقالت طائفة: ليس بواجب فيها وهذا قول أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم [94].
وقالت طائفة: بوجوب ذلك وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد والظاهر أنها آخر قوليه [95] وهي المعتمدة في المذهب [96] وبهذا القول قال جمع من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو مسعود، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وأبو جعفر محمد بن على بن الحسين [97] واسحاق بن راهويه [98].
ولكل واحد من الفريقين أدلته، وهي مبسوطة في كتب الفقه.
وقد جمعها ابن القيم في كتابه القيم جلاء الأفهام [99] فمن أراد الاستزادة في هذا الشأن فليرجع إليه [100].
وأما ما يتعلق بأدلة مشروعيتها في هذا الموطن فهي بعينها الأدلة التي تقدم ذكرها في المطلب السابق عند الحديث عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الموطن الثاني: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول:
قال ابن القيم: "وهذا قد اختلف فيه
القول الأول: قال الشافعي في "الأم": "يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول [101] وهذا هو المشهور من مذهبه وهو الجديد، ولكنه يستحب وليس بواجب.
القول الثاني: قال الشافعي في القديم: " لا يزيد على التشهد" وهذه رواية المزني [102] عنه، وبهذا قال أحمد وأبو حنيفة ومالك وغيرهم.
واحتج لقول الشافعي بما رواه الدارقطني بسنده عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم " [103].
وروى الدارقطني أيضا من حديث عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بريدة إذا صليت في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي فيها، فإنها زكاة الصلاة" [104].
قالوا: وهذا يعم الجلوس الأول والآخر.(4/351)
واحتج له أيضا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه، ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا "قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟" فدل على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيشرع له أن يصلي عليه.
قالوا: ولأنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير.
قالوا: ولأن التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فاستحب فيه الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره.
قالوا: ولأن في حديث محمد بن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟ [105].
وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك، وهو القديم من قولي الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي صححه كثير من أصحابه لم لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس فيه كأنه على الرضف [106] [107]. ولم يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه، ولا علّمه للأمة، ولا يعرف أن أحدا من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر لكانت واجبة في المحل كما في الأخير، لتناول الأمر لهما، ولأنه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا الموضع، لاستحب فيه الصلاة على آله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه، بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها.
ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذه المواضع مشروعة لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها، ولأنها لو شرعت في هذه المواضع لشرع فيها الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهد الأول والأخير.
قالوا: وأما ما استدللتم به من الأحاديث فمع ضعفها لا تدل، لأن المراد بالتشهد فيها هو الأخير دون الأول بما ذكرناه من الأدلة [108] (1).
الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: آخر القنوت
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "استحبه الشافعي ومن وافقه واحتج لذلك بما رواه النسائي بسنده عن الحسن بن علي [109] قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر قال: "قل اللهم اهدني فيمن هديت، وبارك لي فيما أعطت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت [110] وصلى الله على النبي" [111] وهذا إنما هو في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر.
وهو مستحب في قنوت رمضان فعن عروة بن الزبير [112] أن عبد الرحمن بن عبد القاري [113] وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم [114] على بيت المال، قال: إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القارى فطاف في المسجد، وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر رضي الله عنه، والله إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، وقال: كانوا يلعنون الكفرة في النصف يقولون: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين، قال: فكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفار، وصلاته على
النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره للمؤمنين، ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد [115] ونرجو رحمتك، ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجدا [116].
وروى إسماعيل بن إسحاق بسنده عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث [117]أن أبا حليمة- معاذا- [118] كان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت [119] [120].
الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية:(4/352)
لا خلاف في مشروعيتها فيها، واختلف في توقف صحة الصلاة عليها. فقال الشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبهما: إنها واجبة في الصلاة، لا تصح إلا بها، ورواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة. وقال مالك وأبو حنيفة: تستحب وليست بواجبة، وهو وجه لأصحاب الشافعي. والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة، ما روى الشافعي بسنده عن الزهري، قال أخبرني أمامة بن سهل، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه [121]. وروى إسماعيل بن إسحاق في كتاب "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" بسنده عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف [122] يحدث سعيد بن المسيب [123] قال: إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ئم يسلم في نفسه [124]
وأبو أمامة هذا صحابي صغير، وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره الشافعي.
وقال صاحب "المغني" [125] يروى عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة.
وفي الموطأ برواية يحى بن يحى الليثي [126] حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري [127] عن أبيه [128] أنه سأل أبا هريرة كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أنا لعمر الله أخبرك، أتبعها من أهلها، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله تعالى، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أقول: "اللهم إنه عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده" [129].
إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلى عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلى عليه في التشهد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه. وفي مسائل " عبد الله بن أحمد "عن أبيه قال: يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلى على الملائكة المقربين.
قال القاضي: يقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السموات والأرضين، إنك على كل شيء قدير [130].
الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين، والاستسقاء، وغيرها:
وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطة
قال الشافعي وأحمد في المشمهور من مذهبهما: لا تصح الخطة إلا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو حنيفة ومالك: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد واحتج لوجوبها في الخطة بقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ صَدْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [131]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "رفع الله ذكره، فلا يذكر إلا ذكر معه. وفي هذا الدليل نظر، لأن ذكره صلى الله عليه وسلم مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب في الخطبة قطعا بل هو ركنها الأعظم، وقد روى أبو داود، وأحمد وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل خطة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" [132] واليد الجذماء: المقطوعة، فمن أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطة دون التشهد فقوله في غاية الضعف.
وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده عن قتادة {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطب ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ينادى بها: أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله [133].
وعن الضحاك {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قال إذا ذكرت ذكرت معي ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك [134] معي.
وعن مجاهد {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قال: لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله [135].
فهذا هو المراد من الآية، وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها وتجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ما رواه الإمام أحمد في المسند بسنده عن عون بن أبي جحيفة [136] قال: كان أبي [137] من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني: أنه صعد المنبر- يعني عليا- رضي الله عنه فحمد الله وأثني عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر، وقال يجعل الله الخير حيث شاء [138].(4/353)
قال ابن القيم: "وقد كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب أمرا مشهورا معروفا عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
أما وجوبها فيعتمد دليلا يجب المصير إليه وإلى مثله [139].
الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
لما روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي" [140].
الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: عند الدعاء:
والدليل على ذلك حديث فضالة بن عبيد [141] رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاة لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا" ثم دعاه، فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء" [142].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عند قال: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم" [143].
الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند دخول المسجد وعند الخروج منه
لما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله لمج!ا قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم" [144].
وعن فاطمة بنت الحسين [145] عن جدتها فاطمة الكبرى [146] قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: "رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: "رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" [147].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "والصلاة والسلام عليه عند دخول المسجد مأثور عنه صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من الصحابة والتابعين" [148].
وقال القاضي عياض: "ومن مواطن الصلاة والسلام عند دخول المسجد" وذكرا عددا من الآثار عن بعض الأئمة [149].
الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: على الصفا والمروة
لما روى إسماعيل بن إسحاق القاضي بسنده عن نافع [150] أن عمر رضي الله عنه كان يكبر على الصفا ثلاثا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدر، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ويطل القيام والدعاء، ثم يفعل على المروة نحو ذلك [151].
وعن وهب بن الأجدع [152] قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس بمكة يقول إذا قدم الرجل منكم حاجا فليطف بالبيت سبعا وليصل عند المقام ركعتين ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يبدأ بالصفا، فيقوم عليها ويستقبل البيت فيكبر سبع تكبيرات يين كل تكبيرتين حمد الله عز وجل وثناء عليه عزوجل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسألة لنفسه وعلى المروة مثل ذلك [153].
الموطن العاشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيه صلى الله عليه وسلم إلا كان مجلسهم عليهم ترة [154] يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أخذهم" [155].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يصل فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كانت عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة" [156].
وعن جابرأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا من غير صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا تفرقوا على أنتن من ريح جيفة" [157].
الموطن الحادي عشر: من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره
قال ابن القيم: "وقد اختلفت في وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم فقال أبو جعفر الطحاوي [158] وأبو عبيد الله الحليمي: تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه. وقال غيرهما إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه. ثم اختلفوا: فقالت فرقة: تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة، لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارا، والماهية تحصل بمرة، وهذا محكي عن أبي حنيفة ومالك، والثوري، والأوزاعي [159].
قال القاضي عياض وابن عبد البر: وهو قول جمهور الأمة.
وقالت فرقة: بل تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير كما تقدم، وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه، وغيرهما.(4/354)
وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر إيجاب، وهذا قول ابن جرير وطائفة، وادعى ابن جرير فيه الإجماع، وهذا على أصله فإنه إذا رأي الأكثرين على قول، جعله إجماعا يجب اتباعه.
واحتج الموجبون بحجج:
الحجة الأولى: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" [160].
ورغم أنفه: دعاء عليه وذم له، وتارك المستحب لا يذم ولا يدعى عليهز.
الحجة الثانية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صعد المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين، فقيل له يارسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: "قال لي جبريل رغم أنف عبد دخل عليه رمضان ولم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنفه عبد أدرك أبويه أو أحدهما الكبر لم يدخل الجنة، فقلت: آمين ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين" [161]
الحجة الثالثة: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذكرت عنده فليصل علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا" [162]. وهذا إسناد صحيح والأمر ظاهره الوجوب.
الحجة الرابعة: حديث الحسين بن علي [163] رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" [164] .
وعن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد أو قعد أبو ذر- فذكر حديثا طويلا- وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي" [165].
قالوا: فإذا ثبت أنه بخيل فوجه الدلالة به من وجهين:
أحدها: أن البخل اسم ذم، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [166] فقرن البخل بالاختيال والفخر، والآمر بالبخل، وذم على المجموع، فدل على أن البخل صفة ذم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأي داء أدوأ من البخل" [167].
الثاني: أن البخيل هو مانع ما وجب عليه، فمن أدى الواجب عليه كله لم يسم بخيلا، وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه وبذله.
الحجة الخامسة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والتسليم عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو كل وقت، فإن الأوامر المكررة إنما تتكرر في أوقات خاصة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها، وليس وقت أولى من وقت، فتكرار المأمور بتكرار ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أولى لما تقدم من النصوص، فهنا ثلاث مقدمات:
الأولى: أن الصلاة مأمور بها أمرا مطلقا، وهذه معلومة.
المقدمة الثانية: أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه فنفاه طائفة من الفقهاء والأصوليين. وأثبته طائفة. وفرقت طائفة يين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت، فأثبتت التكرار في المعلق دون المطلق. والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد والشافعي، وغيرهما.
ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر الشرع على التكرار كقوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [168] وقوله {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ} [169] وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [170] وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [171] وقوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [172] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [173] وقوله تعالى: {وَخَافُونِ} [174].
وقوله: {وَاخْشَوْنِي} [175]، وقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} [176]، وقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [177].
وذلك في القرآن أكثر من أن يحصر، وإذا كات أوامر الله ورسوله على التكرار حيث وردت إلا في النادر، علم أن هذا عرف خطاب الله ورسوله للأمة، والأمر وإن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور فلا ريب أنه في عرف خطاب الشارع للتكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه والمألوف من خطابه، وإن لم يكن ذلك مفهوما من أصل الوضع في اللغة، وهذا كما قلنا: ان الأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع وإن كان لا تعرض لصحة المنهي ولا لفساده في أصل موضوع اللغة، وكذا خطاب الشارع لواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون اللفظ متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذا لغة صاحب الشرع وعرفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يعلم صحة القياس واعتباره وشروطه، وهكذا الفرق يين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، ويين اقتضائه في عرف الشارع وعادة خطابه.(4/355)
المقدمة الثالثة: أنه إذا تكرر المأمور به، فإنه لا يتكرر إلا بسبب أو وقت، وأولى الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، لإخباره برغم أوف من ذكر عنده فلم يصل عليه، وللإسجال عليه بالبخل وإعطائه اسمه.
قالوا: ومما يؤيد ذلك أن الله سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه عقب إخباره لهم بأنه وملائكته يصلون عليه، لم يكن مرة وانقطعت. بل في صلاة متكررة، ولهذا ذكرها مبينا بها فضله وشرفه وعلو منزلته عنده، ثم أمر المؤمنين بها، فتكرارها في حقهم أحق وآكد لأجل الأمر.
قالوا: ولأن الله أكد السلام بالمصدر الذي هو التسليم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته، وذلك بالتكرار.
قالوا: ولأن لفظ الفعل المأمور به يدل على التكثير وهو "صلى وسلم" فإن "فعَّل" المشدد، يدل على تكرار الفعل، كقولك كسّر الخبرز وقطَّع اللحم، وعلّم الخير، وشدّد في كذا، ونحوه.
قالوا: ولأن الأمر بالصلاة عليه في مقابل إحسانه إلى الأمة، وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم، وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والآخرة، ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا يحصل بالصلاة عليه مرة واحدة في العمر، بل لو صلى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفيا لحقه ولا مؤديا لنعمته، فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم.
قالوا: ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتسميته من لم يصل عليه عند ذكره بخيلا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له به هذا الخير الجسيم، ثم يذكر عنده ولا يثني عليه ولا يبالغ في حمده ومدحه وتمجيده، ويبدي ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القياع بشكره وحقه، عده الناس بخيلا لئيما كفورا فكيف بمن أدنى إحسانه إلى العبد يزيد على أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض الذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجا من شر الدنيا والآخرة، الذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلا عن أن تقوم بشكره، أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه، ويستفرغ الوسع في حمده ومدحه إذا ذكر بين الملأ، فلا أقل من أن يصلى عليه مرة إذا ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم.
قالوا: ولهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم برغم أنفه، وهو أن يلصق أنفه بالرغام وهو التراب، لأنه لما ذكر عنده فلم يصل عليه استحق أن يذله الله ويلصق أنفه بالتراب.
قالوا: ولأن الله سبحانه نهى الأمة أن يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضا، فلا يسمونه إذا خاطبوه باسمه، كما يسمى بعضهم بعضا بل يدعونه برسول الله ونبي الله، وهذا من تمام تعزيره وتوقيره وتعظيمه، فهكذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره، كما كان الأمر بدعائه بالرسول والنبي فرقا بينه ويين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا تجب الصلاة عليه كان ذكره كذكر غيره في ذلك، هذا على أحد التفسيرين في الآية، وأما على التفسير الآخر وهو أن المعنى لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا فتؤخروا الإجابة بالاعتذار والعلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض ولكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة ومعاجلة الطاعة حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرا لهم في التخلف عن إجابته والمبادرة إلى طاعته فإذا لم تكن الصلاة التي فيها شغل عذرا يستباح بها تأخير إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافا إلى المفعول.
وقد يقال- وهو أحسن من القولين- إن المصدر هنا لم يضف إضافته إلى فاعل ولا مفعول، وإنما أضيف إضافة الأسماء المحضة، ويكون المعنى: لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا، وعلى هذا فيعم الأمرين معا، ويكون النهي عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا، وعن تأخير إجابته صلى الله عليه وسلم، وعلى كل تقدير فكما أمر الله سبحانه أن يميز في خطابه ودعائهم إياه قياما للأمة بما يجب عليه من تعظيمه وإجلاله فتمييزه بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود.
قالوا: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطىء طريق الجنة" [178] فلولا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره لم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة. قالوا: وأيضا فمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر عنده فلم يصل عليه فقد جفاه، ولا يجوز لمسلم جفاؤه صلى الله عليه وسلم.
فالدليل على المقدمة الأولى: ما روي عن قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي" [179]
ولو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به، ولكن له أصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلا وشحيحا، والدعاء عليه بالرغم، وهذا من مرجبات جفائه.(4/356)
والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءه مناف لكمال حبه، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال، وأنه أولى بالمؤمن من نفسه فإن العبد لا يؤمن حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس أجمعين، كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله، والله لأنت أحب ألي من كل شيء إلا من نفسي، قال: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال: فوالله لأنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: "الآن يا عمر" [180] وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" [181] فذكر هذا الحديث أنواع المحبة الثلاثة فإن المحبة إما محبة إجلال وتعظيم، كمحبة الوالد، وإما محبة تحنن وود ولطف كمحبة الولد، وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال، كمحبة الناس بعضهم بعضا، ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده أشد من هذه المحاب كلها.
ومعلوم أن جفاءه صلى الله عليه وسلم ينافي ذلك
قالوا: فلما كانت محبته فرضا، وكانت توابعها من الإجلال والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس، وإيثاره بنفسه بحيث يقي نفسه فرضا، كانت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر من لوازم هذه الأحبية وتمامها.
قالوا: وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيوها وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر نفسه أولى، ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا أو استحبابا، فوجوبها على التالي أولى، والله أعلم.
قال نفاة الوجوب: الدليل على قولنا من وجوه:
أحدها: أن من المعلوم الذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أن يذكر فإنهم كانوا يقولون يارسول الله، مقتصرين على ذلك وربما كان يقول أحدهم "صلى الله عليك" وهذا في الأحاديث ظاهر كثير، فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليهم تركها.
الثاني: أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات، ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة.
الثالث: أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يعرف أحد منهم قال به، وأكثر الفقهاء – بل قد حكى الإجماع - على أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليست من فروض الصلاة، وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع السابق، فكيف تحب خارج الصلاة.
الرابع: أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما، لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، وهذا لا يشرع له في الأذان على أن يجب عليه.
الخامس: أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابه أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم، اقتصاره على قوله "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" فإن هذا مثل ما قال المؤذن.
السادس: أن التشهد الأول ينتهي عند قوله "وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" اتفاقا، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله فيه، على ثلاثة أقوال:
• أحدها: لا يشرع ذلك إلا في الأخير.
• والثاني: يشرع.
• والثالث: تشرع الصلاة عليه خاصة دون آله، ولم يقل أحد بوجوبها في الأول عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثامن: أن الخطب في الجمع والأعياد وغيرهما لا يحتاج أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الشهد، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، ولا يقال تكفي الصلاة عليه في الخطبة فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند الشهادة، ولا سيما مع طول الفصل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة عليه كلما ذكر ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره أولا.
التاسع: أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب على القارئ كلما مر ذكر اسمه أن يصلي عليه، ويقطع لذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب، وسواء كان في الصلاة أو خارجها، فإن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لا تبطل الصلاة، وهي واجب قد تعين فلزم أداؤه، ومعلوم أن ذلك لو كان واجبا لكان الصحابة والتابعون أقوم به وأسرع إلى أدائه وترك إهماله.(4/357)
العاشر: أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على الله عز وجل كلما ذكر اسمه، فكان يجب على من ذكر اسم الله أن يقرنه بقوله: "سبحانه وتعالى" أو "عز وجل" أو "تبارك وتعالى" أو "جلت عظمته" أو "تعالى جده" ونحو ذلك، بل كان ذلك أولى وأحرى فإن تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته وطاعته تابع لتعظيم مرسله سبحانه وإجلاله ومحبته وطاعته، فمحال أن تثبت المحبة والطاعة والتعظيم والإجلال للرسول صلى الله عليه وسلم دون مرسله، بل انما يثبت ذلك له تبعا لمحبة الله وتعظيمه وإجلاله، ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة لله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومبايعته مبايعة لله {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [182] ومحبته محبة لله قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [183]، وتعظيمه تعظيم للهه، ونصرته نصرة لله، فإنه رسوله وعبده الداعي إليه وإلى طاعته ومحبته وإجلاله، وتعظيمه وعبادته وحده لا شريك له، فكيف يقال تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وهي ثناء وتعظيم كما تقدم، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه؟ هذا محال من القول.
الحادي عشرة: لو جلس إنسان ليس له هجيرى [184] إلا قوله: محمد رسول الله، أو اللهم صل على محمد، وبشر كثير يسمعونه، فإن قلتم تجب على كل أولئك السامعين أن يكون هجيراهم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حرجا ومشقة وتركا لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم، وكلام صاحب الحاجة منهم، ومذاكرته في العلم، وتعليمه القرآن وغيره، وإن قلتم لا تحب عليهم الصلاة عليه في هذه الحال، نقضتم مذهبكم، وإن قلتم: تجب عليه مرة أو أكثر، كان تحكما بلا دليل مع أنه مبطل لقولكم.
الثاني عشر: أن الشهادة له بالرسالة أفرض وأوجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل في الإسلام إلا بها، فإذا كانت لا تجب كلما ذكر اسمه، فكيف تحب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وليصر من الواجبات بعد كلمة الاخلاص أفرض من الشهادة له بالرسالة، فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر العبد الإيمان وموجبات هذه الشهادة فكان يجب على كل من ذكر اسمه أن يقول محمد رسول الله، ووجوب ذلك أظهر بكثير من وجوب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه.
ولكل فرقة من هاتين الفرقتين أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة لها، بعضها ضعيف جدا وبعضها محتمل، وبعضها قوي، ويظهر ذلك لمن تأمل حجج الفريقين، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب" [185].
الموطن الثاني عشر: من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
فعن أوس بن أوس [186] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فاكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي".
قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟- يعني وقد بليت- فقال: "إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" [187]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا هي مصيخة [188] يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقا من الساعة، إلا الجن والانس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه" [189].
قال ابن القيم: "فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس، دال على مثل معناه" [190].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "قال رسول صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لا يصلي عليّ إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها" قال: قلت بعد الموت؟ قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" فنبي الله حي يرزق" [191].
وعن أبي أمامة [192] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتى تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم صلاة كان أقربهم مني منزلة" [193].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة على يوم الجمعة، فإنه أتاني جبريل آنفا من ربه عز وجل فقال: ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشرا" [194]. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي" [195].
قال ابن القيم: "هذان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد" [196](4/358)
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة" [197] وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة. وعن زيد بن وهب [198] قال: قال لي ابن مسعود رضي الله عنه: "يا زيد بن وهب لا تدع- إذا كان يوم الجمعة- أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة تقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي" [199].
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته" [200].
وفي مراسيل الحسن [201] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنها تعرض علي" [202].
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: "أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غائلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة" [203].
وهناك مواطن أخرى غير ما ذكرنا ذكرها ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام [204]
وكذلك السخاوي في كتابه القول البديع، والفيروز أبادي في الصلات والبشر ممن أراد الاستزادة فليرجع إليها، وحسبي أني أشرت لأشهرها.
المطلب الرابع: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم: "إن طلب الصلاة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هو من أجل أدعية العبد وأنفعها له في دنياه وآخرته" [205] يدلك على ذلك ما جاء في فضلها من الأحاديث.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على واحدة صلى عليه عشرا" رواه مسلم [206].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم [207].
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: "يارسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت". قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير. قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: الثلثين؟ قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير".قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك" [208]
وللحديث طريق آخر عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي [209] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا" فقام إليه رجل فقال: يارسول الله أجعل نصف دعائي لك؟ قال: "إن شئت" قال: ألا أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: "إن شئت" قال: ألا أجعل دعائي كله؟ قال: "إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة" [210]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذكرت عنده فليصل علي ومن صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا" [211].
وفي رواية "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات" [212].
وفي رواية "من صلّى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات" [213].
وفي رواية: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز، فلم يجد أحدا يتبعه فهرع عمر فاتبعه بمطهرة- يعني إداوة- فوجده ساجدا في شربة، فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه قال: فقال: "أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرا، ورفعه عشر درجات" [214].
وأخرج هذا الحديث عن عمر بن الخطاب قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز، فاتبعته بإداوة، فوجدته قد فرغ، ووجدته ساجدا لله في شربة، فتنحيت عنه فلما فرغ، رفع رأسه فقال: "أحسنت يا عمر حين تنحيت عني إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك صلاة صلى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات" [215].
وعن عبد الرحمن بن عوف [216] قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فأطال السجود قال: "أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرا" [217].
وفي رواية " كان لا يفارق فيء النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار خمسة نفر من أصحابه أو أربعة لما ينوبه من حوائجه قال: فجئت فوجدته قد خرج فتبعته، فدخل حائطا من حيطان الأسواف [218] فصلى فسجد سجدة أطال فيها، فحزن وبكيت فقلت: لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض الله روحه، قال: فرفع رأسه، وتراءيت له، فدعاني، فقال: مالك؟ قلت: يا رسول الله سجدت سجدة أطلت فيها فحزنت، وبكيت، وقلت: لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض الله روحه.
قال: "هذه سجدة سجدتها شكرا لربي فيما آتاني في أمتي، من صلى علي صلاة كتب الله له عشر حسنات" [219].(4/359)
وفي رواية "إني سجدت هذه السجدة شكرا لله عز وجل في أبلاني في أمتي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا" [220].
وعن أبي طلحة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا: إنا نعرف الآن في وجهك البشر يا رسول الله. قال: أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلي علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشر أمثالها" [221].
وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما والبشر يرى في وجهه فقالوا: يا رسول الله إنا نرى في وجهك بشرا لم نكن نراه، قال: أجل إنه أتاني ملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك ألا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشرا" [222].
وفي رواية "أصبح رسول لله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر. قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر. قال: أجل أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها" [223].
وعن أبي بردة بن نيار [224] قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم "من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه، صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر دارجات، كتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات" [225].
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله لجمحا: عجل هذا"
ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه ثم يصلي علي، ثم يدعو بما شاء" [226].
وفي رواية: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجلت أيها المصلي" ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ادع تجب وسل تعط" [227].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" [228]
فالمتأمل في هذه الأحاديث يعرف عظم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الباب الرابع من كتابه القيم جلاء الأفهام عددا من الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أنتقى منها ما يلي:
الفائدة الأولى: امتثال أمر الله تعالى.
الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.
الثالثة: موافقة ملائكته فيها.
الرابعة: حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
الخامسة: أنه يرفع عشر درجات.
السادسة: أنه يكتب له عشر حسنات.
السابعة: أنه يمحي عنه عشر سيئات.
الثامنة: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.
التاسعة: أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له.
العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب.
الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.
الثانية عشرة: أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
الثالثة عشرة: أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك. فقلب المؤمن توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة ودوام الذكر سبب لدوام المحبة، فالذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به...
الرابعة عشرة: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لمحبته للعبد، فإنها إذا كانت سببا لزيادة محبة المصلي عليه له، فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلى عليه صلى الله عليه وسلم.(4/360)
الخامسة عشرة: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لألقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ولاشك في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة ازدادت صلاته عليه صلى الله عليه وسلم.
ولهذا كانا صلاة أهل العلم- العارفين بسنته وهديه المتبعين له عليه، خلاف صلاة العوام عليه الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم.
وأما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلاتهم عليه نوع آخر، فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطوبة له من الله.
وهكذا ذكر الله سبحانه، كلما كان العبد به أعرف وله أطوع وإليه أجل كان ذكره غير ذكر الغافلين واللاهين، وهذا أمر إنما يعلم بالخبر لا بالحبر وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك حبه جميع قلبه ويثني عليه بها ويمجده بها، وبين من يذكرها إما إمارة وإما لفظا، لا يدري ما معناه، ولا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق يين بكاء النائحة وبكاء الثكلى.
فذكره وذكر ما جاء به، وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه، كما قيل:
روح المجالس ذكره وحديثه*** وهدى لكل ملدد حيران
وإذا أخل بذكره في مجلس*** فأولئك الأموات في الحيان
السادسة عشرة: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده، كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم "إن صلاتكم معروضة علي" وكفى بالعبد نبلا أن يذكر اسمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السابعة عشرة: أن الصلاة عليه لا أداء لأقل القليل من حقه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله لا علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة ولا إرادة، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه.
الثامنة عشرة: أنها متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبده بإرساله، فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا أسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم عليه، فهي متضمنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا رضا أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم متضمنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبته له، فكانت من أفضل الأعمال.
التاسعة عشرة: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان:
أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته، وما ينوبه في الليل والنهار فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
الثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه وتكريمه.
وإيثار ذكره، ورفعه، ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه، فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محاب الله ورسوله، وآثر ذلك على طلبه وحوائجه ومحابه هو، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هون وقد آثر الله ومحابه على سواه، والجزاء من جنس العمل، فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره.
واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب رعيته إليه، وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوا به لديه، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبهم، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالا ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه، وهذا أمر مشاهد بالحس، ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة من سأل المطاع حوائجه هو – وهو فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والإنعام عليه – واحدة.
فكيف بأعظم محب وأله لأكرم محبوب وأحقه بمحبه ربه له.؟ ولو لم يكن من قفوائد الصلاة عليه إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفا [229].
وكما وردت أحاديث تذم تارك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" [230] وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" [231].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة" [232].
________________________________________(4/361)
[1] الآية (56) من سورة الأحزاب.
[2] محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين السخاوي،. مؤرخ حجة وعالم بالحديث والتفسير والأدب، وصنف زهاء مئتي كتاب، توفي بالمدينة. الأعلام (6/ 194).
[3] انظر: القول البديع (ص 258- 259).
[4] الخليل بن أحمد الفراهيدي من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وهو أستاذ سيبويه النحوي، ومن أشهر كتبه كتاب العين، ترفي سنة 170هـ بالبصرة. الأعلام (2/ 314).
[5] كتاب العين (7/ 153).
[6] الصلات والبشر (ص 6).
[7] كتاب العين (7/ 153).
[8] تهذيب اللغة (12/ 237).
[9] المنهاج (2/ 133).
[10] كتاب العين (7/ 154).
[11] معجم مقاييس اللغة (3/ 300).
[12] محمد بن يعقوب بن محمد بن الفيروز أبادي، من أئمة اللغة والأدب وكان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير، توفي سنة 817 هـ في زبيد باليمن وأشهر مؤلفاته القاموس المحيط.
الأعلام (7/ 146- 147).
[13] الصلات والبشر (ص 5- 6)
[14] تهذيب اللغة (2 1/ 238).
[15] الآية (4) من سورة الغاشية.
[16] الآية (3) من سورة المسد.
[17] الصلاة والبشر (ص 6).
[18] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (4/153).
[19] اسمه ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات أدرك الإسلام ورحل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليؤمن به، ولكن قريشا صرفته بمئة من الإبل. الأعلام (7/ 341).
[20] ديوان الأعشى (73).
[21] المصدر السابق (29).
[22] معجم مقاييس اللغة (3/ 300).
[23] تهذيب اللغة (12/ 237).
[24] (12/ 136).
[25] الآية (103) من سورة التوبة.
[26] الآية (84) من سورة التوبة.
[27] الآية (60) من سورة غافر.
[28] الآية (186) من سورة البقرة.
[29] الألفاظ على أربعة أقسام:
ا- الألفاظ المترادفة: وهي ما اختلفت ألفاظها واتحدت معانيها مثل: الليث، الأسد، الغضنفر ألفاظ مختلفة ولكنها جميعها دلت على معنى واحد وهو الحيوان المعروف.
2- الألفاظ المشتركة: وهي ما اتحدت ألفاظها واحتلفت معانيها مثل: العين: تطلق على العين الباصرة، والعين الجارية، والجاسوس.
3- الألفاظ المتباينة: ما اختلفت ألفاظها ومعانيها.مثل: السماء والأرض- الجدار والسقف.
4- الألفاظ المتواطئة: ما اتفقت ألفاظها ومعانيها.
فإذا كان المعنى متساويا في الجميع فهو التواطؤ المطلق ومثاله: "الرجل": لزيد وعمرو.
وإذا كان المعنى متفاضلا فهو التواطؤ المشكك ومثاله "النور"، للشمس والسراج. التحفة المهدية (1/ 209).
[30] الآية (22) من سورة سبأ.
[31] الآية (20) من سورة النحل.
[32] الآية (77) من سورة الفرقان.
[33] الآيتان (55، 56) من سورة الأعراف.
[34] الآية (90) من سورة الأنبياء.
[35] جلاء الأفهام (ص 73- 74).
[36] الآية (43) من سورة الأحزاب.
[37] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة. فتح الباري (3/ 361) ح 1497، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقته (3/ 121).
[38] جلاء الأفهام (ص 74).
[39] فتح الباري (11/ 156).
[40] إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الجهضمي الأزدي فقيه على مذهب الإمام مالك، جليل التصانيف، من بيت علم وفضل توفر، سنة 282 هـ. الأعلام (1/ 310).
[41] الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم أو أبو محمد. الخراساني، مفسر ولم يثبت له سماع من أحد من الصحابة ترفي سنة 105 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 453- 454)
[42] كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 40)
[43] محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، المعروف بالمبرد إمام العربية ببغداد في زمانه، وأحد أئمة الأدب والأخبار، توفي ببغداد سنة 286 هـ. الأعلام (7/ 144).
[44] فتح الباري (11/ 156) وجلاء الأفهام (ص 75).
[45] جلاء الأفهام (ص 75).
[46] كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 41)
[47] مقاتل بن حيان النبطي (بفتح النون والموحدة) أبو بسطام البلخي، صدوق، وكان ناسكا فاضلا خرج له الجماعة إلا البخاري، مات بكابل قبيل الخمسين ومائة. تهذيب التهذيب (10/ 277- 279).
[48] ذكره ابن حجر في فتح الباري (11/ 155- 156).
[49] جلاء الأفهام (ص 75).
[50] المنهاج (2/ 134).
[51] رفيع (بالتصغير) بن مهران أبو العالية الرياحي مولاهم، البصري أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر، ثقة، توفي سنة تسعين وقيل بعد ذلك. تهذيب التهذيب (3/ 284- 286).
[52] ذكره تعليقا البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب تفسير قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ...} الآية. انظر: فتح الباري (8/ 532).(4/362)
[53] الروح بن أنس البكري ويقال الحنفي البصري ثم الخرساني روى عن أنس بن مالك وأبي العالية والحسن البصري وغيرهم، مات في خلافة أبي جعفر المنصور.تهذيب التهذيب (3/ 238- 239).
[54] كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 40) القول البديع (ص 19). وأورده ابن حجر في الفتح وعزاه لابن أبي حاتم. فتح الباري (8/533).
[55] العين (7/ 154).
[56] جلاء الأفهام (ص 78).
[57] بكر بن محمد بن العلاء القشيري، قاض من علماء المالكية من أهل البصرة، انتقل إلى مصر قبل سنة (330 هـ) وتوفي بها سنة 344هـ. الأعلام (2/ 69).
[58] فتح الباري (11/ 156)
[59] الآيات (155 إلى 157) من سورة البقرة.
[60] أخرجه أحمد في المسند (4/ 353).
[61] الآية (156) من سورة الأعراف.
[62] الآية (56) من سورة الأعراف.
[63] الآية (43) من سورة الأحزاب.
[64] الآية (117) من سورة التوبة.
[65] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب، باب رحمة الولد. فتح الباري (10/ 467) ح 5998، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (8/ 97).
[66] أخرجه الترمذي في السنن، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين (4/ 323- 324) ح 1924، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[67] جلاء الأفهام (ص 75- 82) بتصرف.
[68] القول البديع (ص 20).
[69] الآية (56) من سورة الأحزاب.
[70] المنهاج للحليمي (2/ 143).
[71] القول البديع (ص 21).
[72] جلاء الأفهام (ص 174- 175).
[73] تفسير ابن كثير (3/ 507).
[74] تفسير القرطبي (14/ 232) بتصرف
[75] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (6/120-121).
[76] المنهاج للحليمي (2/ 131).
[77] تقدم تخريجه (ص 480).
[78] فتح الباري (11/ 155).
[79] تقدم تخريجه (ص 348).
[80] واسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي أبو سعيد الخدري، مشهور بكنيته استصغر بأحد واستشهد أبوه بها، وشهد هو ما بعدها، كان من أفاضل الصحابة وحفظ حديثا كثيرا، مات بعد الستين من الهجرة. الإصابة (2/ 32- 33).
[81] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم انظر: فتح الباري (11/ 152) ح 6358
[82] عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري أبو مسعود البدري، مشهور بكنيته شهد العقبة، والمشاهد كلها، مات بعد سنة أربعين للهجرة. الإصابة (2/ 483- 484).
[83] بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري البدري شهد العقبة وشهد بدرا والمشاهد بعدها، استشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة.الإصابة (1/ 162) والاستيعاب (1/ 155- 156).
[84] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمد التشهد (2/17).
[85] أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 262). وأخرجه النسائي في السنن، كتاب السهو، باب كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 48) وإسناده حسن.
[86] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف. فتح الباري (9 / 23) ح 4992، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (2/ 202).
[87] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، فتح الباري (3/ 48) ح 1162 وقد جاءت رواية البخاري على الشك الذي ذكره ابن القيم.
[88] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي (2/ 199) وذكر مسلم أيضا هذا الاختلاف فقال قال شعبة من آخر الكهف، وقال "همام من أول الكهف كما قال هشام
[89] النواس في سمعان بن خالد بن عمرو العامري الكلابي له ولأبيه صحبة وحديثه عند مسلم فى صحيحه الإصابة (3/ 546).
[90] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه (8/196-197)
[91] جلاء الأفهام (177- 179) بتصرف.
[92] جلاء الأفهام ص (251).
[93] جلاء الأفهام ص (251).
[94] مجموع الفتاوى (27/ 408) والمغني (1/ 542) وجلاء الأفهام ص(251)
[95] مجموع الفتاوى (27/ 408) والمغني (1/ 542) وجلاء الأفهام ص(251)
[96] المغني (1/541).
[97] محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، من فقهاء أهل المدينة من التابعين، توفي سنة أربع عشرة ومائة. تهذيب التهذيب (9/350-352).
[98] المغني (1/ 542) جلاء الأفهام (253- 255) والقول البديع (180- 183).
[99] انظر جلاء الأفهام (ص 251- 276).
[100] صرفت النظر عن إيراد أدلة كل فريق نظرا:
ا- كثرة الأدلة والاعتراضات الواردة في هذه المسألة.
2- كون المسألة تتعلق بالنواحي الفقهية فهذا مما يتعارض مع منهجية البحث الذي يتناول النواحي العقدية.
[101] الأم للشافعي (1/ 117).(4/363)
[102] إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني، صاحب الإمام الشافعي، كان زاهدا عالما مجتهدا قوي الحجة، توفي سنة 264 هـ. الأعلام (1/ 329).
[103] أخرجه الدارقطنى فى السنن، كتاب الصلاة، باب صفة التشهد ووجوبه واختلاف الروايات فيه (1/ 351) وإسناده ضعيف جدا لأن فيه خارجة بن مصعب: متروك، وموسى بن عبيدة: ضعيف.
[104] أخرجه الدارقطنى في السنن، كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (1/ 355) وإسناده ضعيف فيه عبد المهيمن بن عباس لا يحتج به.
[105] أخرجه أحمد في المسند (4/119) والحاكم في المستدرك (1/ 268).
[106] الرضف: الحجارة المحماة على النار، واحدتها: رضفة. النهاية (2/ 231)
[107] أخرجه أحمد في المسند (1/386، 410، 428، 436، 460).وأخرجه أبو داود فى السنن، كتاب الصلاة، باب تخفيف القعود (1/ 606).ح 995 وأخرجه الترمذي في السنن، أبواب الصلاة، باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين (2/202) ح 366. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل القعود في الركعتين الأوليين ولا يزيد على الثشهد شيئا" انتهى كلامه.
[108] جلاء الأفهام (ص 277- 279).
[109] الحسن بن علي بن أب ي طالب، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته في الدنيا، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم بويع بالخلافة بعد مقتل أبيه ثم تنازل عنها لمعاوية حقنا لدماء المسلمين، ومات سنة تسع وأربعين وقيل بعدها.الإصابة (1/ 327- 330).
[110] الحديث إلى قوله "وتعاليت"، أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر (2/ 133-134). وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء في قنوت الوتر (1/ 328) ح 464. وأخرجه ابن ماجه في السنن، أبواب إقامة الصلاة، باب ما جاء في قنوت الوتر (1/ 213) ح 1167، وقال الحافظ ابن حجر: الحديث-حسن صحيح. التلخيص (ص 94- 95).
[111] أخرجه النسائي في السنن (3/ 248) وقد انفرد النسائي بهذه الزيادة "وصلى الله على النبي"، وروايته ضعيفة، قال الحافظ ابن حجر هذه الزيادة في هذا السند غريبة لا تثبت وإن سنده لا يخلو إما من راو مجهول، أو انقطاع في السند.
[112] عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبد الله المدني، تابعي ثقة فقيه مشهور، ولد في أوائل خلافة الفاروق، وتوفي سنة أربع وتسعين على الصحيح. تهذيب التهذيب (8/ 180- 185).
[113] عبد الرحمن بن عبد من غير إضافة القارئ بتشديد الياء من ولد القارة ابن الديش، ذكره العجلي في ثقات التابعين واختلف قول الواقدي فيه قال تارة له صحبة، وتارة تابعي، مات سنة ثمان وثمانين تقريب التهذيب (206).
[114] عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوق بن وهب القرشي الزهري، صحابي أسلم يوم الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وكان على بيت المال أيام عمر، وتوفي في خلافة عثمان. الإصابة (2/ 265).
[115] وإليك نسعى ونحفد أي نسرع في العمل والخدمة. النهاية (1/ 406).
[116] أخرجه الشافعي في الأم (1/ 239- 240) والبيهقي في السنن (4/ 39) ورجاله كلهم ثقات.
[117] عبد الله بن الحارث الأنصاري أبو الوليد البصري، ثقة من رجال الشيخين. تهذيب التهذيب (5/ 181- 182).
[118] معاذ بن الحارث الأنصاري النجاري أبو حليمة ويقال أبو الحارث المدني القاري، قال ابن عبد البر شهد الخندق، ويقال لم يدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ست سنين، وهو الذي أقامه عمر فيمن أقام في رمضان ليصلي التراويح، يقال إنه قتل يوم الحرة. تهذيب التهذيب (10/ 188- 189).
[119] فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 45) رقم 107، قال الألباني: "إسناده موقوف صحيح، وأبو حليمة معاذ هو أبن الحارث الأنصاري القاري قال ابن أبي حاتم: (4/ 1/ 246) "وهو الذي أقامه عمر يصلي بهم في. شهر رمضان صلاة التراويح وعبد الله بن الحارث هو أبو الوليد البصري ثقة من رجال الشيخين،. ورواه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 136) بلفظ "كان يقوم في القنوت في رمضان يدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويستسقي الغيث".
[120] جلاء الأفهام (ص 279- 281).
[121] الأم (1/ 239- 240) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 39).
[122] أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري، ولد في حياة النبي علما وسمي باسم جده لأمه أسعد بن زرارة وكني بكنيته، وكان من أكابر الأنصار وعلمائهم، توفي سنة مائة للهجرة. تهذبب التهذيب (1/ 263- 264).
[123] سعيد بن المسيب بن حزن الخزومي القرشي، وسيد التابعين وأحد فقهاء المدينة السبعة، وكان زاهدا ورعا يعيش من كسب يده توفي سنة 94 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 84- 88).(4/364)
[124] فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 39) رقم 94. و قال الألباني في تعليقه على هذا الكتاب: اسناده صحيح، وأبو أمامة هذا صحابي صغير كما قال ابن القيم، وقد رواه عن جماعة من الصحابة، فقال يونس عن ابن شهاب، قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف- وكان من كبراء الأنصار وعلمائهم، وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أخبره رجال من أصحاب رسول الله في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الحديث نحوه وزاد: قال الزهري: حدثنا بذلك أبو أمامة وابن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه. قال ابن شهاب: فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من السنة في الصلاة على الميت لمحمد بن سويد فقال وأنا سمعت الضحاك بن قيمة يحدث عن حبيب بن مسلمة في صلاة صلاها على الميت مثل الذي حدثنا أبو امامة.
أخرجه الحاكم (1/ 360) وعنه البيهقي (4/ 39، 40) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، ورواه النسائي (1/ 281) من طريق الليث عن ابن شهاب به مختصرا " انتهي.
[125] (2/ 486).
[126] يحى بن يحى بن أبي عيسى كثير بن وسلاس الليثي بالولاء، أبو محمد عالم الأندلس في عصره بربري الأصل، سمع الموطأ من مالك قال عنه الإمام مالك هذا عاقل أهل الأندلس، توفي بقرطبة سنة 234 هـ. الأعلام (8/ 176).
[127]سعيد بن كيسان المقبري أبو سعد المدني، ثقة جليل تغير قبل موته بأربع سنين، مات في حدود العشرين ومائة وقيل قبلها وقيل بعدها. تهذيب التهذيب (4/ 38- 40).
[128] كيسان أبو سعيد المقبري مولى أم شريك، تابعي ثقة كثير الحديث توفي سنة مائة للهجرة. تهذيب التهذيب (8/ 453- 454)
[129] الموطأ (ص 151- 152) ح 535، وأخرجه إسماعيل القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 39) ح 93. وقال الألباني المحقق عند تعليقه عليه: إسناده موقوف صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البيهقي في السق (4/ 40).
[130] جلاء الأفهام (ص 281- 284).
[131] الآيات (1- 4) من سورة الشرح.
[132] أخرجه أحمد في المسند (2/ 302، 343). وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الخطبة (5/ 173) ح 4841 وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح (3/ 414) ح 1106 وقال هذا حديث حسن صحيح غريب.
[133] تفسيرالطبري (30/ 235).
[134] أورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد (6/ 363)
[135] أخرجه ابن جرير في تفسيره (30/ 235).
[136] عون بن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي، ثقة من الرابعة، مات سنة ست عشرة ومائة. تهذبب التهذيب (8/170).
[137] واسمه وهب بن عبد الله السرائي (بضم المهملة) ويقال اسم أبيه وهب أيضا، أبو جحيفة مشهور بكنيته، ويقال له وهب الخير، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره وحفظ عنه ثم صحب عليا بعده وولاه شرطة الكوفة. مات سنة أربع رستين. الإصابة (3/ 606).
[138] المسند (1/106).
[139] جلاء الأفهام (ص 286).
[140] تقدم تخريجه ص 326
[141] فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الأنصاري الأوسي، صحابي جليل أسلم قديما ولم يشهد بدرا، وشهد أحدا فما بعدها وشهد فتح مصر والشام قبلها، مات في خلافة معاوية. الأصابة (3/ 251).
[142] أخرجه الامام أحمد في المسند (6/ 17).، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الدعاء ( 2/ 162) ح 481 1، وأخرجه الترمذي في سننه كتاب الدعوات، باب ادع تجب (5/ 517) ح 3473، 3475 وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي في سننه (3/ 44) باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والحاكم في المستدرك (1/ 232) وصححه ووافقه الذهبي.
[143] أخرجه الترمذي في سننه، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( 2/ 356). وقال أحمد شاكر بهامشه: "هذا موقوف بحكم المرفوع" وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/ 150، 151). وقال: حسن- الصحيحة 2035.
[144] صحيح ابن خزيمة (452) وابن حبان (321) موارد.
[145] فاطمة بنت الحسين بن على بن أبي طالب الهاشمية المدنية روت عن أبيها وأخيها زين العابدين وغيرهم، وزوجها هو ابن عمها الحسن بن الحسن بن على، وتزوجها بعده عبد الله بن عمرو بن عثمان. وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال: ماتت وقد قاربت التسعين. تهذيب التهذيب (12/ 442- 443).
[146] فاطمة الزهراء بنت رسرل الله صلى الله عليه وسلم، أم الحسنين سيدة نساء هذه الأمة، تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في السنة الثانية للهجرة، وماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل. تقريب التهذيب (ص 471).(4/365)
[147] أخرجه بهذا اللفظ: الإمام أحمد في المسند (6/ 272). والترمذي في السنن أبواب الصلاة باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد (2/ 127، 128) ح 314، وقال الترمذي: "وفي الباب عن أبي حميد، وأبي أسيد، وأبي هريرة ، وقال: "حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، وإنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشهرا". وأخرجه بلفظ: "إذا دخل المسجد يقول "بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال "بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفم لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك". الإمام أحمد في المسند (6/ 283). وابن ماجه في السنن، أبواب المساجد، الدعاء عند دخول المسجد (1/ 139) ح 755 وله شاهد من حديث أبي حميد وأبي أسيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ا صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد (1/ 317، 318) ح 465 وهو عند مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب ما يقول إذا دخل المسجد (2/ 155) بلفظ إذا دخل المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم افتح لي أبواب فضلك وهو عند أحمد بهذا اللفظ (5/ 425). وهو عند النسائي بهذا اللفظ أيضا، انظر السنن كتاب المساجد باب القول عند دخول المسجد والخروج منه (2/ 53) وفي سنن ابن ماجه، أبواب المساجد، باب الدعاء عند دخول المسجد (1/ 139) ح 756، قال رسول صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك. وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم" أخرجه ابن ماجة في سننه، أبواب المساجد، باب الدعاء عند دخول المسجد (1/ 131) ح 757، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا دخل المسجد ح 90 وفيه: فليقل: اللهم باعدني من الشيطان بدل قوله: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم. وأخرجه من طريق آخر عن أبي هريرة ولم يذكر فيه السلام ح 91، 92 وتعرض النسائي هنا لاختلاف ألفاظ الحديث فليراجع.
والحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (452). وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 207) كتاب الصلاة ولفظه عند الحاكم إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (528).
[148] الرد على الأخنائي (ص 147).
[149] الشفا (2/ 637).
[150] نافع الفقيه مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني، ثقة ثبت فقيه مشهور قال البخاري: أصح الأسانبد مالك عن نافع عن ابن عمره مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك. تهذيب التهذيب (10/ 412- 414).
[151] كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 36- 37) ح 87. وقال الألباني في تعليقه عليه: "إسناده موقوف منقطع فإن نافعا لم يدرك عمر، ولكن في إجلاء الأفهام نقلا عن المصنف أن ابن عمر فإن صح هذا فيكون قد سقط من نسختنا لفظة (ابن) ويكون السند حينئذ متصلا صحيحا، وهذا مما أستبعده، والله أعلم، انثهي كلامه.
[152] وهب بن الأجدع الهمداني الخارفي الكرفي، تابعي ثقة، روي عن عمر وعلي وعنه هلال بن سياف والشعبي، وكان قليل الحديث. تهذيب التهذيب (1/ 158).
[153] أخرجه إسماعيل بن اسحاق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 34) ح 81 وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 292- 293) وعزاه لجعفر بن عون وأبي ذر الهروي. وأورده السخاوي في القول البديع (ص 209) وعزاه للبيهقي وإسماعيل القاضي وأبي ذر الهروي وقال- أي السخاوي- اسناده قوي
[154] "ترة": النقص، وقيل التبعة. النهاية (1/ 189)
[155] أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 446، 453، 481، 484) وأخرجه الترمذي في السنن، كتاب الدعاء، باب في القوم يجلسون لا يذكرون الله (5/ 1 46) ح 0 338 وقال حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 159) ح 449 وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 496) وقال هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه وصالح ليس بالساقط وتعقبه الذهبي بقوله صالح ضعيف. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2322).
[156] أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 314) ح 410 وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 22) ح 55(4/366)
وقال الألباني في تعليقه عليه: إسناده صحيح موقوف ولكنه في حكم المرفرع.
[157] أخرجه النساثي في عمل اليوم والليلة (ص 314) ح 411.
[158] أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر، فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، وهو أحد الثقات الأثبات الحفاظ، توفي سنة 321 ص. الأعلام (1/ 206).
[159] عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، أهله من سبي السند استقر بدمشق وهو من شيوخ الإسلام كان عابدا مجاهدا، قال عنه الحاكم: الأوزاعي إمام عصره عموما وإمام أهل الشام خصوصا، توفي ببيروت عام 157 ص. البداية والنهاية (10/ 115- 120).
[160] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رغم أنف رجل" (5/ 550) ح 3545 وقال: "وهذا حديث حسن غريب من هذا الرجه. وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 549) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه إسماعيل بن اسحاق القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي على (ص 9) ح 16 وقال الألباني في تعليقه عليه إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
[161] أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 9) ح 18 وقال الألباني في تعليقه عليه إسناده حسن. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2387) والحديث روي كذلك من طرق أخرى عن كل من:
ا- كعب بن عجرة رضي الله عنه:
أخرجه إسماعيل بن إسحاق في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 15) ح 19. وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 153، 154) وصححه ووافقه الذهبي.
2- أنس بن مالك رضي الله عنه:
قال السخاوي في القول البديع (ص 148) أخرجه ابن أبي شيبة والبزار في مسنديهما.
3- مالك بن الحويرث رضي الله عنه:
أخرجه ابن حبان في صحيحه (2386) موارد، وقال السخاوي (ص 148) أخرجه ابن حبان في صحيحه وثقاته معا، والطبراني ورجاله ثقات لكن فيهم عمران بن أبان الراسطي وهو وإن وثقه ابن حبان وأخرج حديثه هذا في صحيحه فقد ضعفه غير واحد.
4- جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 95). وقال السخاري في كتابه القول البديع (ص 148): رواه البخاري في الأدب المفرد والطبري في تهذيبه والدارقطي في الأفراد وهو حديث حسن ونحوه من وجه آخر عند الطبراني في الأوسط وابن السني في عمل اليوم والليلة، وأشار إليه الترمذي في جامعه بقوله وفي الباب عن جابر وقد أخرجه النسائي وساقه الضياء في المختارة من طريق الطيالسي وقال هذا عندي على شرط مسلم. انتهي وفي ذلك نظر والله أعلم. 5- جابر بن سمرة:
قال السخاوي: أخرجه الدارقطني في الأفراد والبزار في مسنده، والطبراني في الكبير والدقيقي في أماليه. وللحديث طرق أخرى ذكرها السخاوي في القول البديع (ص 147- 151) ولا يتسع المجال هنا لذكرها. قال ابن القيم (ولا ريب أن الحديث بتلك الطرق المتعددة تفيد الصحة، جلاء الأفهام (ص 295).
[162] أخرجه النسائبي في اليوم والليلة رقم (61) وابن السني (383) وإسناده صحيح. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (643).
[163] الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله ست وخمسرن سنة. الاصابة (1/ 1 33- 334).
[164] أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 201). والترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل (5/ 551) ح 3546 وقال: حديث حسن صحيح غريب والنسائي في اليوم والليلة (55). وابن حبان في صحيحه (2388) مرارد. والحاكم في المستدرك (1/ 549) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه إسماعيل بن اسحاق القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 15) ح 33.
[165] أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي (ص 16) رقم 37 وقال الألباني في تعليقه عليه: حديث صحيح بشاهده المتقدم والآتي بعده، ورجال إسناده ثقات لولا الرجل الذي لم يسم. وقد رواه ابن أبي عاصم في "كتاب الصلاة" من طريتى أخرى عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي ذر، فأحد الطريقين يقوى الآخر.
[166] الآيتان (23- 24) من سورة الحديد.
[167] أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (296) عن جابر رضي الذ عنه والإمام أحمد في المسند (3/307).
[168] الآية (7) من سورة الحديد.
[169] الآية (208) من سورة البقرة.
[170] الآية (59) من سورة النساء.
[171] الآية (194) من سورة البقرة.
[172] الآية (43) من سورة البقرة.
[173] الآية (200) من سورة آل عمران.
[174] الآية (175) من سورة آل عمران.
[175] الآية (150) من سورة البقرة.
[176] الآية (78) من سورة الحج.
[177] الآية (103) من سورة آل عمران.(4/367)
[178] أخرجه ابن ماجة في السنن، أبواب إقامة الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 164) ح 895 وقال الألباني حسن صحيح (صحيح ابن ماجة 1/ 150). وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 17- 18) ح 41- 42- 43- 44. وقال الألباني في تعليقه عليه: "إسناده مرسل صحيح، والحديث له طرق وإن كانت لا تخلو من ضعف فبعضها يقوي بعضا فالحديث وتقي بها إلى درجة الحسن على أقل الدرجات" انتهي كلامه. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1/ 418) مرسلا عن محمد بن الحنفية. وأخرجه الطبراني في الكبير (3/ 138) رقم 2887 موصولا عن الحسين بن علي من طريق بشر بن محمد الكندي وهو ضعيف. انظر: مجمع الزوئد (10/ 164). وأخرجه البيهقي في الشعب (1/ 419) عن أبي هريرة.
[179] أورده ابن القيم وعزاه لسعيد بن الأعرابي " جلاء الأفهام (ص 301) وأورده السخاوي في القول البديع (ص 152) وقال أخرجه النميري من وجهين من طريق عبد الرزاق وهو في جامعه ورواته ثقات.
[180] تقدم تخريجه ص 307
[181] تقدم تخريجه ص 308
[182] الآية (10) من سورة الفتح.
[183] الآية (31) من سورة آل عمران.
[184] هجيرى: الدأب والشأن.
[185] جلاء الأفهام (ص 294 الى 305).
[186] أوس بن أوس الثقفي، صحابي، سكن الشام ومات بها. الأصابة (1/ 92) وتهذيب التهذيب (1/ 381).
[187] أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 8) وأخرجه اسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي (ص 11) رقم 22. وأخرجه أبو داود في سننه (1/ 635) كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة ح 1047. وأخرجه النسائي في السنن (3/ 91) كتاب الجمعة، باب ذكر فضل الجمعة. وأخرجه ابن ماجة في سننه (1/ 195) أبواب إقامة الصلاة، باب فضل الجمعة ح 1071 وفي أبواب ما جاء في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (1/ 300) ح 1637. وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 60) وصححه ووافقه الذهبي. ورواه ابن حبان في صحيحه. انظر الورارد (550). قال ابن القيم: "وقد أعله بعض الحفاظ بأن حسينا الجعفي حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعت الصنعاني، عن أوس بن أوس، قال ومن تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته، لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم وعلته: أن حسينا الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد الرحمن بن يزيد ابن تميم لا يحتج به، فلما حدث به حبن الجعفي غلط في اسم الجد، فقال ابن جابر، وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه.
فقال البخاري في التاريخ الكبير "(5/ 1365) عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامى عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير، ويقال: هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقالا: هو يزيد بن جابر، وغلطا في نسبه ونريد بن تميم أصح، وهو ضعيف الحديث. وقال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ووهموا في ذلك، والحمل عليهم في تلك الأحاديث. وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وكان ذلك وهنا منه، وهو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر نفسه، وابن تميم ضعيف. وقد أشار غير واحد من الحفاظ إلى ما ذكره هؤلاء الأئمة. وجواب هذا التعليل من وجوه:
أحدها: أن حسينا الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. قال ابن حبان في صحيحه: حدثنا ابن خزيمة، حدثنا أبو كريب، حدثنا حسين بن علي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فصرح بالسماع منه.
وفولهم: إنه ظن أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم، فغلط في اسم جده بعيد، فإنه لم يكن يشببه على حسين هذا بهذا، مع نقده وعلمه بهما وسماعه منهما.(4/368)
فإن قيل: فقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل" سمعت أبي يقول عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثله، ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا. وأما حسين الجعفي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث، عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة أنه قال: "أفضل الأيام يوم الجمعة، فيه الصعقة وفيه النفخة، وفيه كذا" وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن-نريد بن تميم فهو ضعيف الحديث، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة، تم كلامه. قيل: وقد تكلم في سماع حسين الجعفي، وأبي أسامة من ابن جابر فأكثر أهل الحديث أنكروا سماع أبي أسامة منه. قال شيخنا (أبو الحجاج المزي) في التهذيب: قال ابن نمير- وذكر أبا أسامة- فقال: الذي-يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن جابر، قال يعقوب: صدق، هو عبد الرحمن ابن فلان بن تميم، فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الأحاديث فروى عنه، وإنما هو إنسان يسمى بابن جابر. قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك قال: وقال لي ابن نمير أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟ وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سكت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقال قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، بل هو ابن تميم وقال ابن داود سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر وجميعا يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضا دمشقي، فلما قدم هذا قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي، وحدث عن مكحول، فظن أبو أسامة أنه ابن يزيد ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك وابن جابر ثقة مأمون يجمع حديثه، وابن تميم ضعيف.
وقال أبو داود: متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه، وقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي وكل ما جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد، فإنما هو ابن تميم.
وأما رواية حسين الجعفي عن ابن جابر، فقد ذكر شيخنا في التهذيب وقال: روى عنه حسين بن علي الحعفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين عن ابن جابر، وشك في رواية حماد فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل.
ثم بعد أن كتبت ذلك رأيت الدارقطني قد ذكر ذلك نصا فقال في كلامه على كتاب أبي حاتم في "الضعفاء" قوله: حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وأبو أسامة- وي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم. فيغلط في اسم جده، تم كلامه.
وللحديث علة أخرى: وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث.
قال علي بن المديني،: حدثنا الحسين بن علي بن الجعفي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس... فذكره.
وقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (ص 11) رقم 22 حدثنا على بن عبد الله... فذكره. وليست هذه بعلة قادحة فإن للحديث شواهد من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس بن مالك والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلام ابن القيم جلاء الأفهام (ص 69- 71).
[188] مصيخة: أي مستمعة، مصغية.
[189] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة (3/ 6) وأخرجه الترمذي في سننه، أبواب الجمعة، باب ما جاء في فضل يوم الجمعة (2/ 359) ح 488. وأخرجه النسائي في سننه، كتاب الجمعة، باب ذكر فضل يوم الجمعة (3/ 89). وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 108).
[190] جلاء الأفهام (ص 71).
[191] أخرجه ابن ماجة في سننه، أبواب ما جاء في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (1/ 300) 1638، وقال في الزوائد: هذا حديث صحيح، إلا أنه منقطع في موضعين لأن عبادة روايته عن أبي الدرداء مرسلة، قاله العلاء، وزيد بن أيمن عن عبادة مرسلة قاله البخاري. وقال السخاوي: أخرجه ابن ماجه ورجاله ثقات لكنه منقطع. وأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ: "أكثروا الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ليس من عبد يصلي علي إلا بلغتني صلاته حيث كان" قلنا وبعد وفاتك قال: "وبعد وفاتي إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". وقال العراقي إن إسناده لا يصح. القول البديع (ص 164).(4/369)
[192] صدي (بالتصغير) ابن عجلان بن الحارث الباهلي، أبو أمامة صحابي مشهور يكنيه، سكن الشام ومات بها سنة ست وثمانين. الأصابة (2/ 175- 176).
[193] أخرجه البيهقي في السنن (3/ 249). وقال السخاوي: رواه البيهقي بسند حسن لا بأس به، إلا أن مكحولا قيل إنه لم يسمع من أبي أمامة في قول الجمهور. وقد رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس له فأسقط منه ذكر مكحول وسنده ضعيف القول البديع (ص 164). وقال ابن القيم: ولكن لهذا الحديث علتان:
إحداهما: أن برد بن سنان قد تكلم فيه، وقد وثقه يحى بن معين وغيره.
العلة الثانية: أن مكحولا قد قيل إنه لم يسمع من أبي أمامة والله أعلم. جلاء الأفهام (ص 72- 73).
[194] قال السخاوي: رواه الطبراني بسند لا بأس به في المتابعات، القول البديع (ص 162).
[195] أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 144) وسنده ضعيف، كما ذكر السخاوي فيه ثلاثة رواة ضعفاء هم: جبارة بن مغلس، وأبو إسحاق خازم، ويزيد الرقاشي. القول البديع (ص 162).
[196] جلاء الأفهام (ص 73).
[197] الكامل لابن عدي (3/ 1039).
[198] زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض وهو في الطريق، ثقة جليل، كثير الحديث، توفي سنة ست وتسعين وقيل قبلها. تهذيب التهذيب (3/427).
[199] جلاء الأفهام (ص 73، 74) والقول البديع (ص 159).
[200] أورده السخاوي في القول البديع وقال: رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد والبيهقي في شعب الإيمان وحياة الأنبياء في قبورهم له، وابن أبي عاصم في فضل الصلاة له، وفي سنده أبو رافع وهو إسماعيل بن رافع وثقه البخاري وقال يعقوب بن سفيان يصلح حديثه للشواهد والمتابعات لكن قد ضعفه النسائي ويحي بن معين وقيل إنه منكر الحديث (ص 164). وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 310) وقال: وفيه إسماعيل بن رافع قال يعقوب بن سفيان: يصلح حديثه للشواهد والمتابعات.
[201] الحسن البصري وقد تقدم ترجمته ص 269
[202] أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين انظر (ص 13) ح 28، ح 29، قال الألباني: حديث صحيح بشاهده عن أوس بن أوس.
[203] أورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 311) وعزاه لابن وضاح، والسخاوي في القول البديع (ص 199- 200) وعزاه لابن وضاح وابن بشكوال.
[204] من المواطن التي ذكرها ابن القيم غير ما تقدم ما يلي:
1- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند استلام الحجر الاسود.
2- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره.
3- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو غيرها.
4- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا قام الرجل من نوم الليل.
5- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب ختم القرآن.
6- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند القيام من المجلس.
7- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند المرور على المساجد ورؤيتها.
8- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الهم، والشدائد وطلب المغفرة.
9- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم
10- الصلاة عليه في عند تبليغ العلم إلى الناس، والتذكير والقصص.
11- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أول النهار وآخره.
12- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الذنب إذا أراد أن يكفر عنه.
31- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند العطاس.
14- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الوضوء.
15-- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند دخول المنزل.
16- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله سبحانه وتعالى.
17- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات.
18- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند النوم.
19- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أثناء صلاة العيد.
[205] بدائع الفوائد (2/ 190).
[206] تقدم تخريجه ص 381.
[207] تقدم تخريجه ص 326.
[208] تقدم تخريجه.
[209] يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي، أبو يوسف المدني، قاضي المدينة، ثقة قليل الحديث و مات في ولاية أبي جعفر. تهذيب التهذيب (11/ 385).
[210] أخرجه اسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 87) ح رقم 13 وقال: قال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان: عمن أسنده؟ قال: لا أدري، وقال الألباني في تعليقه: هذا مرسل صحيح الإسناد، ويشهد له الحديث الذي بعده- يعني الحديث الذي تقدم ذكره.
[211] أخرجه النسائي في عمل أليوم والليلة (ص 165) ح رقم 61 باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن السني في، عمل أليوم والليلة (ص135، 136) ح رقم 380
[212] أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 102، 261). والبخاري في الأدب المفرد (ص 94، 95) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 166) ح 63 باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2395).(4/370)
[213] أخرجه النسائي في السنن (3/ 50) باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عمل اليوم والليلة (ص 165، 166) ح 62، ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 550) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وكل من رواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات".
ورواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات" جاءت من طريق بريد بن أبي مريم وقد جاء في بعفى الروايات عن بريد بن أبي مريم عن الحسن عن أنس وفي بعضها عن بريد بن أبي مريم عن أنس، وقد ذكر ابن القيم أن هذه العلة لا تقدح فيه شيئا، لأن الحسن لاشك في سماعه من أنس، وقد صح سماع بريد بن أبي مريم من أنس أيضا هذا الحديث، فرواه ابن حبان في صحيحه موارد 2390 والحاكم في المستدرك (1/ 550) من حديث يونس بن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، قال سمعت أنس بن مالك... نذكره. ولعل بريدا سمعه من الحسن ثم سمعه من أنس، فحدث به على الوجهين، فإنه قال: كنت أزامل الحسن بن محمد، فقال حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، ثم إنه حدثه به أنس فرواه عنه كما تقدم". جلاء الأفهام (ص 56).
[214] أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 4) ح 4. وقال الألباني: إسناده ضعيف، ولكن المرفوع من الحديث صحيح له شواهد كثيرة.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 94) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
[215] أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 5) ح رقم 5. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 94) عن أوس بن الحدثان عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. وهذا الحديث والذي قبله هما من طريق سلمة بن وردان وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحه (2/ 503) ح رقم 829 وسلمة بن وردان ضعيف بغير تهمة، فيصلح للاستشهاد به وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الرحمن بن عرف.
[216] عبد الرحمن بن عوف الزهري، ولد بعد الفيل بعشر سنين وأسلم قبل دخول دار الأرقم، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد رجال الشورى الستة، توفي سنة 31 ص وقيل سنة 32 ص وهو الأشهر. الإصابة (2/408-410).
[217] أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 5) ح 7 وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/191)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 287) (رراه أحمد ورجاله ثقات). وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 222) وقال هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[218] الأسراف بالفتح آخره "فاء" موضع شامي البقيع. وفاء الوفاء (4/ 1125).
[219] أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبوي صلى الله عليه وسلم (ص 6- 7) ح 10.
[220] أورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 64) وعزاه لابن أبي الدنيا والسخاوي في القول البديع (ص 112) وعزاه لابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا.
[221] أخرجه اسماعيل القاضي فى فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ص 3 ح رقم 1
[222] أخرجه الأمام أحمد في المسند (4/ 30). وإسماعيل القاضي، في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 3- 4) ح 2، والنسائي في السنن (3/ 44 و 50) كتاب الصلاة، باب فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وباب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ ابن حجر (رواته ثقات) فتح الباري (11/167) وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 550) وابن حبان في صحيحه (2391) موارد.
[223] أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند (4/ 29).
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 503) ح رقم 829 عن رواية أحمد هذه "وهذا إسناد ضعيف، لسوء حفظ أبي معشر، وإسحاق بن كعب مجهول الحال فهر إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات" انتهي كلامه والحديث له شواهد متعددة سبق ذكر بعضها.
[224] هانىء بن نيار بن عمرو البلوي أبو بردة بن نيار حليف الأنصار، خال البراء بن عازب مشهور بكنيته وقيل اسمه الحرث وقيل مالك والأول أشهر، صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها، مات في أول خلافة معاوية. الإصابة (3/ 565) – (4/19).
[225] أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 166، 167) ح رقم 64، باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن حجر: رواته ثقات. فتح الباري (11/ 167). وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 83، 84) وعزاه للطبراني في المعجم الكبير وابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
[226] تقدم تخريجه (ص 535).
[227] سنن النسائي (3/ 44) باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال الألباني في صحيح سنن النسائي، صحيح الترمذي (3724)(4/371)
[228] أخرجه الترمذي في سننه (2/ 354) باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم 484 وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2389). وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام وعزاه كذلك إلى البزار والبغوي جلاء الأفهام (ص 53). وقال ابن حجر في الفتح (11/ 167) وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ "صلاة أمتي تعرض على في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" ولا بأس بسنده انتهي كلامه.
[229] جلاء الأفهام (ص 335، 344) بتصرف.
[230] تقدم تخريجه ص 472
[231] تقدم تخريجه ص 328
[232] تقدم تخريجه ص 548
33. ... 9- حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [النهي عن الغلو في حقه]
الفصل الثالث: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
ويشتمل على تمهيد وثلاثة مباحث:
تمهيد:
سبق الحديث في الفصل الثاني، من هذا الباب عن بعض الأمور التي يتعين على هذه الأمة أداؤها والقيام بها في باب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره. وفي هذا الفصل نتناول جانبا مهما من جوانب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.
فقد أمرنا الباري تبارك وتعالى أن نصلي ونسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك تشريف منه عز وجل لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار للاحترام والتعظيم الذي شرعه في حقه فقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[1] فهذه الآية فيها من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها، وذلك بسبب ما فيها من تمييز للنبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا شك أن ذلك فيه رفع لقدره وإعلاء لمكانته في حياته وبعد موته.
ولذلك فإن من أعظم شعب الإيمان الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم محبة له وأداء لحقه وتعظيما لقدره، والمواظبة عليها من باب أداء شكره صلى الله عليه وسلم، وشكره واجب لعظمة الإنعام به، فقد جعله الله سببا لنجاتنا من الجحيم، ودخولنا في دار النعيم، وإدراكنا الفوز بأيسر الأسباب، ونيلنا السعادة من كل الأبواب.
وليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة منا له فإن مثلنا لا يشفع لمثله ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافيناه بالدعاء فأرشدنا الله- لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا- إلى الصلاة عليه لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا وإفضاله علينا إذ لا إحسان لمخلوق أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن المقصود بصلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم هو التقرب إلى الله تعالى بامتثال ما أمر به، وقضاء لحق من حقوق لصطفى صلى الله عليه وسلم التي أوجبها الله علينا فحق على هذه الأمة أن تعظم قدر نبيها وذلك بأن تكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم اتباعا لأمر ربها تبارك وتعالى وقياما بما لنبيها صلى الله عليه وسلم من الحق عليها. وقد اعتنى العلماء بهذه الخصيصة العظيمة فأفردوها بالتأليف وتناولوا في مؤلفاتهم تلك جوانب هذا الموضوع،، من أشهر تلك المؤلفات وأجمعها كتاب "جلاء الأفهام" في الصلاة والسلام على خير الأنام للعلامة ابن القيم، بل هو أشهرها وأحسنها.
ومن تلك المؤلفات كتاب القول البديل في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي[2] المتوفى سنة 902هـ وقد ختم كتابه هذا ببيان الكتب المصنفة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملة كبيرة من هذه الكتب مرتبة[3].
المبحث الأول: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المعنى اللغوي للفظة "الصلاة".
قال الخليل بن أحمد[4]: "الصلاة: ألفها واو لأن جماعتها الصلوات ولأن التثنية صلوان"[5].
ومادة (ص. ل. و) وردت في اللغة لمعان منها:
1- ((الصلاة)):
وهو وسط الظهر لكل ذي أربع وللناس. وقيل: ما انحدر من الوركين[6]. قال الخليل بن أحمد: " والصلاه، وسط الظَّهْر لكل ذي أربع وللناس وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلاها قال:
كأن صلا جهيزة حين قامت**** حباب الماء يتبع الحبابا
وإذا أتى الفرس على أثر الفرس السابق قيل: صلى، وجاء مصليا لأن رأسه يتلو الصلا يين يديه"[7].
وقال الأزهري: "وقال أهل اللغة في الصلاة: إنها من الصلوين، وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها، وأول مواصل الفخذين من الإنسان فكأنهما في الحقيقة مكتنفا العصعص... وأما المصلى الذي يلي السابق فهو مأخوذ من الصلوين لا محالة، وهما مكتنفا ذنب الفرس، فكأنه يأتي ورأسه في ذلك المكان"[8]. وقد قيل إن اشتقاق الصلاة الشرعية هو من هذا.
قال الحليمي: "وقيل للصلاة المعهودة صلاة لما فيها من حني الصلا وهو وسط الظهر"[9].
2- "الصلى" بالقصر وهي النار:(4/372)
قال الخليل بن أحمد: "والصلا: النار، وصلى الكافر نارا فهو يصلاها أي قاسى حرها وشدتها، وصليت اللحم صليا: شويته، وإذا ألقيته في النار قلت: أصليته أصليه إصلاء، وصليته، تصلية"[10].
وفي معجم مقاييس اللغة: "صلى: الصاد واللام والحرف المعتل أصلان: أحدهما: النار وما أشبهها من الحمى... فقولهم: صليت العود بالنار، والصلى صلى النار. واصطليت بالنار. والصلاء: ما يصطلى به وما يذكى به النار ويوقد وقال:
فجعل العود واليلنجوج والرذ*** صلاء لها على الكانون[11]
قال الفيروز أبادي[12]:
"وقيل اشتقاق لفظة الصلاة من الصلى بالقصر وهي النار من صليت العصا إذا قومتها بالنار فالمصلي كأنما يسعى لتعديل باطنه وظاهره كمن يحاول تقويم العود بالنار"[13].
3- "الصلاة" الملازمة:
قال الأزهري: "قال الزجاج الأصل في الصلاة اللزوم يقال: قد صلى واصطلى إذا لزم، ومن هذا من يصلى في النار: أي يلزم النار فالصلاة لزوم ما فرض الله، والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه"[14].
وقال الفيروز أبادي "وقيل الصلاة الملازمة، ومنه قوله {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً}[15] {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ}[16] ومنه سمي ثاني أفراس الحلبة مصليا"[17].
4- ((الصلاة)) الدعاء:
حاء في معجم مقاييس اللغة "صلى: الصاد واللام والحرف المعتل أصلان: أحدهما: النار وما أشبهها من الحمى- وقد تقدم ذكره- والآخر جنس من العبادة...
وأما الثاني: فالصلاة وهي الدعاء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل"[18] أي فليدع لهم بالخير والبركة.
قال الأعشى[19]:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا*** يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي*** نوما فإن لجنب المرء مضطجعا[20]
وقال في صفة الخمر:
وقابلها الريح في دنها*** وصلى على دنها وارتسم[21][22]
"أي دعا لها ألا تحمض وتفسد"[23].
وأورد هذا المعنى أيضا الأزهري في تهذيب اللغة[24].
وقال ابن القيم "وأصل هذه اللفظة يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدعاء والتبريك. والثاني: العبادة. فمن الأول قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}[25]. وقوله تعالى في حق المنافقين: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[26] وقول النبي صلى الله عليه وسم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصل" فسر بهما. قيل: فليدع لهم بالبركة. وقيل: يصلي عندهم بدل أكله. وقيل إن الصلاة في اللغة معناها الدعاء.
والدعاء نوعان: دعاء عبادة. ودعاء مسألة. والعابد داع كما أن السائل داع، وبهما فسر قوله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[27]. قيل: أطيعوني أثبكم. وقيل: سلوني أعطكم. وفسر بهما قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[28]".
ثم قال رحمه الله تعالى: "والصواب: أن الدعاء يعم النوعين، وهذا لفظ متواطئ لا اشتراك فيه[29]، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}[30] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[31].
وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}[32] والصحيح من القولين لولا أنكم تدعونه وتعبدونه أي: شيء يعبأه بكم لولا عبادتكم إياه فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل. وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً}[33]، وقال تعالى إخبارا عن أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً}[34].
وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى، ودعوى الخلاف في مسمى الدعاء.
وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيا.
فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء، والدعاء، دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاة حقيقة لا مجازا ولا منقولة، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما، فهذا غاية تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه، ولهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي والله أعلم. انتهي[35].
المطلب الثاني: المعني الشرعي لصلاة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم(4/373)
لما كانت الصلاة التي أمرت بها هذه الأمة على النبي صلى الله عليه وسلم تعني الطلب من الله ما أخبر به من صلاته عليه. إذ المصلي يقول: "اللهم صل على محمد ... الخ" فالأمر هنا يتطلب شرح معنى صلاة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: "وأما صلاة الله سبحانه فنوعان: عامة وخاصة.
فالنوع الأول: الصلاة العامة وهي صلاته على عباده المؤمنين:
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}[36]
ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على آحاد المؤمنين كقوله: "اللهم صل على آل أبي أوفى"[37].
النوع الثاني: صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله وخصوصا على خاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم[38].
واختلفت الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال:
القول الأول: إنها رحمته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى صلاة الرب الرحمة[39] وروى إسماعيل القاضي[40] بسنده عن الضحاك[41] قال: "صلاة الله رحمته، وصلاة الملائكة الدعاء"[42].
وقال المبرد[43] "أصل الصلاة الرحمة فهي من الله رحمة، ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة"[44].
قال ابن القيم: "وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين"[45].
القول الثاني: إن صلاة الله مغفرته.
فقد روى إسماعيل القاضي بسنده عن الضحاك: "هو الذي يصلي عليكم" قال: "صلاة الله مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء"[46].
وأورد ابن حجر في الفتح: عن مقاتل بن حيان[47] قال: "صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الاستغفار"[48]
قال ابن القيم: "وهذا القول هو من جنس الذي قبله"[49].
القول الثالث: أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه وإظهار شرفه وفضله وحرمته.
فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد اللهم عظم محمدا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين والشهود[50]. قال أبو العالية[51]: "صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة"[52]. وعن الربيع بن أنس[53] قال: "صلاة الله عليه ثناؤه عند ملائكته"[54] وقال الخليل بن أحمد: "صلوات الله على أنبيائه والصالحين من خلقه: حسن ثنائة عليهم وحسن ذكره لهم"[55].
وقال ابن القيم رحمه الله: "الصلاة المأمور بها في هذه الآية هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته، وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه. فهي تتضمن الخبر والطلب وسمى هذا السؤال منا والدعاء صلاة عليه لوجهين:
أحدهما: أنه يتضمن ئناء المصلي عليه والإشارة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة كذلك من الله تعالى، فقد تضمنت الخبر والطلب.
والوجه الثاني: أن ذلك سمي منا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه. فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقرببه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به"[56].
وزاد الحافظ ابن حجر: أن صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة. فصلاته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم.
وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء.
ونقل عياض عن بكر القشيري [57] قال: "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة وتكرمة، وعلى من دون النبي رحمة، وبهذا التقرير يظهر الفرق يين النبي صلى الله عليه وسلم ويين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وقال قبل ذلك في السورة المذكورة {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره، والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ماليس في غيرها"[58].
وقد ضعف ابن القيم رحمه الله تفسير الصلاة بالرحمة والاستغفار وذكر في تضعيفهما عدة أوجه منها:
1- أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[59] فعطف الرحمة على الصلاة فاقتضى ذلك تغايرهما، وهذا أصل العطف، وأما قولهم:
***وألفى قولها كذبا ومينا***
فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب(4/374)
2- أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، وأما رحمته فوسعت كل شيء، فليست الصلاة مرادفة للرحمة لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها، فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمراتها ومقصودها، وهذا كثيرا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن، والرسول لا يفسر اللفظة بلازمها وجزء معناها كتفسير الريب بالشك، والشك جزء مسمى الريب وتفسير المغفرة بالستر، وهو جزء مه مسمى المغفرة، وتفسير الرحمة بإرادة الإحسان، وهو لازم الرحمة ونظائر ذلك، كثيرة.
3- أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء، ولا تعرف العرب قط "صلى عليه" بمعنى "رحمه" فالواجب حمل اللفظ على معناه المتعارف في اللغة.
4- أنه يسوغ بل يستحب لكل أحد أن يسأل الله أن يرحمه فيقول: اللهم ارحمني كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الداعي أن يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" فلما حفظها قال أما هذا فقد ملأ يديه من الخير"[60]. ومعلوم أنه لا يسوغ لأحد أن يقول: "اللهم صل علي" بل الداعي بهذا يكون معتديا في دعائه والله لا يحب المعتدين، بخلاف سؤاله الرحمة فإن الله يححب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته فعلم أنه ليس معناهما واحدا.
5- أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[61] وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[62] وقوله {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}[63] وقوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[64] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها"[65]. وقوله: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"[66]
فمواضع استعمال الرحمة في حق الله وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها، فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة والله أعلم.
6- أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال: "اللهم ارحم محمدا وآل محمد" وليس الأمر كذلك[67]. وزاد السخاوي:
7- أن الصحابة فهموا المغايرة بين الصلاة والرحمة، فلذلك سألوا عن كيفية الصلاة مع ما تقدم من ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام[68].
وأولى الأقوال بالصواب ما تقدم عن أبي العالية "أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه".
فهي من الله إكرام وتعظيم ومحبة وثناء لنبيه صلى الله عليه وسلم.
فصلاتنا عليه: إنما هي ثناء عليه صلى الله عليه وسلم وإرادة من الله أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا.
المبحث الثاني: الأدلة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها ومواطنها وفضلها
المطلب الأول: الأدلة من القرآن والسنة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
1- من القرآن:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[69].
وهذه الآية هي الأصل في هذا الباب[70] والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها[71].
وهي مدنية النزول وقد جاءت بعد جملة من الآيات في سورة الأحزاب ذكر الله فيها عددا من حقوق نبيه صلى الله عليه وسلم وما خصه به دون أمته، من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة من بعده، ومن سائر ما ذكر بعد ذلك من حقوقه وتعظيمه وتبجيله.
ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن، وخلوتهم بهن.
ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم، مستفتحا ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه[72]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا"[73].
"فهذه الآية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته"[74] (وفيها تنبيه على كمال الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع ذكره، فقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ} أي يثني الله عليه بين الملائكة وفي الملأ الأعلى لمحبته تعالى، ويثني عليه الملائكة المقربون ويدعون له ويتضرعون.(4/375)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اقتداء بالله وملائكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلا لإيمانكم، وتعظيما له صلى الله عليه وسلم ومحبة وإكراما وزيادة في حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم"[75].
قال الحليمي: "وقد أمر الله تعالى في كتابه بالصلاة والتسليم عليه جملة فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فأمر الله عباده أن يصلوا عليه ويسلموا، وقدم قبل أمرهم بذلك إخبارهم بأن ملائكته يصلون عليه، لينبئهم بذلك على ما في الصلاة عليه من الفضل، إذ كانت الملائكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى الله بالصلاة والتسليم عليه ليعلموا أنهم بالصلاة والتسليم عليه أولى وأحق "[76].
ب- من السنة النبوية:
ورد في شأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الأحاديث التي وضحت وبينت ما يتعلق بشأن هذه الصلاة من جهة مشروعيتها وكيفيتها ومواطنها وفضلها إلى غير ذلك من الجوانب المتعلقة بها.
وقد روى هذه الأحاديث ما جمع من الصحابة رضوان الله عليهم عدهم ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام" فبلغوا اثثين وأربعين صحابيا.
وقد جمع ابن القيم هذه الأحاديث وبين طرقها وصحيحها من حسنها ومعلولها، وما في معلولها من العلل بيانا شافيا.
وسيأتي ذكر بعض هذه الأحاديث في مواضعها المناسبة في المطلب القادم وذلك تلافيا للتكرار والإعادة.
المطلب الثاني: كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ورد في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الأحاديث منها:
1- حديث كعب بن عجرة رضى الله عنه:
فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه[77].
والمراد بالسلام في قوله: "قد علمنا كيف نسلم عليك" السلام الذي في التشهد وهو قول "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"[78].
2- حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه:
عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" متفق عليه[79].
3- حديث أبي سعيد الخدري[80] رضي الله عنه
عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يارسول الله، هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم"[81].
4- حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري[82] رضي الله عنه
عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد[83] أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يارسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم"[84].
5- حديث طلحة بن عبيد الله:
عن طلحة بن عبيد الله قال: قلت يارسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: "قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد"[85].
والملاحظ في هذه الأحاديث هو اختلاف ألفاظها، ومن أجل ذلك فإن المرء قد يسأل بأي هذه الألفاظ يدعو؟
قال ابن القيم: " لقد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة، وهو أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة، ورأى ذلك أفضل ما يقال فيها، فرأى أنه يستحب للمصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته، وارحم محمدا وآل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" وكذلك في البركة والرحمة.
وعلل ذلك بقوله: حتى يصيب ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يقينا فيما شك فيه الراوي وليجتمع له ألفاظ الأدعية الأخر فيما اختلفت ألفاظها.
ونازعه في ذلك آخرون وقال: هذا ضعيف من وجوه:
أحدها: أن هذه الطريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين.(4/376)
الثاني: أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات، وأن يتشهد بجميع أنواع التشهدات، وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه، وهذا باطل قطعا فإنه خلاف عمل الناس، ولم يستحبه أحد من أهل العلم وهو بدعة، وإن لم يطردها تناقض وفرق بين متماثلين.
الثالث: أن صاحبها إن طردها لزمه أن يستحب للمصلي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها. قالوا: ومعلوم أن المسلمين متفقون على أنه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر، وإنما يفعل ذلك القراء أحيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لأنواع القراءات، وإحاطته بها واستحضاره إياها، والتمكن من استحضارها عند طلبها، فذلك تمرين وتدريب لا تعبد مستحب لكل تال وقارئ، ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه، بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء، وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك.
وكذلك الداعي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة بلفظ هذا الحديث، ومرة بلفظ الآخر، وكذلك إذا تشهد، فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود، وإن شاء بتشهد ابن عباس، وإن شاء بتشهد ابن عمر، وإن شاء بتشهد عائشة رضي الله عنهم أجمعين ولا يستحب له أحد أن يجمع بين ذلك كله. وقد احتج غير واحد من الأئمة منهم الشافعي رحمه الله تعالى على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"[86]. فجوز النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الأحرف، وأخبر أنه "شافي كافي" ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كما كان الصحابة يفعلون.
الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك الألفاظ الختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد، وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يقال هذا مرة وهذا مرة.
وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضها صار إليه وإن لم يترجح عنده بعضها كان مخيرا بينهما، ولم يشرع له الجمع، فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال لأنه قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففعل ما لم يفعله قطعا.
ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري" أو قال: "وعاجل أمري وآجله"[87] بدل "وعاقبة أمري" والصحيح اللفظ الأول وهو قوله "وعاقبة أمري" لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري" فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارا، بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه، فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة أجله.
ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال" رواه مسلم[88].
واختلف فيه فقال بعض الرواة "من أول سورة الكهف".
وقال بعضهم "من آخرها" وكلاهما في الصحيح لكن الترجيح لمن قال: "من أول سورة الكهف" لأن في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان[89] في قصة الدجال "فإذا رأيتموه فاقرأوا عليه فواتح سورة الكهف"[90] ولم يختلف في ذلك، وهذا يدل على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث، ومن روى من آخرها لم يحفظه.
الخامس: أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدية له، فإذا عبر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة.
السادس: أن أحد اللفظين بدل عن الآخر، فلا يستحب الجمع بين البدل والمبدل معا كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها إبدال والله أعلم[91]
المطلب الثالث: مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
تتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن إما وجوبا وإما استحبابا مؤكدا[92] ومن هذه المواطن ما يلي:
الموطن الأول: في الصلاة في آخر التشهد:
وهو أهمها وآكدها، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته[93] (2) واختلفوا في وجوبه فيها.
فقالت طائفة: ليس بواجب فيها وهذا قول أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم[94].
وقالت طائفة: بوجوب ذلك وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد والظاهر أنها آخر قوليه[95] وهي المعتمدة في المذهب[96] وبهذا القول قال جمع من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو مسعود، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وأبو جعفر محمد بن على بن الحسين[97] واسحاق بن راهويه[98].
ولكل واحد من الفريقين أدلته، وهي مبسوطة في كتب الفقه.(4/377)
وقد جمعها ابن القيم في كتابه القيم جلاء الأفهام[99] فمن أراد الاستزادة في هذا الشأن فليرجع إليه[100].
وأما ما يتعلق بأدلة مشروعيتها في هذا الموطن فهي بعينها الأدلة التي تقدم ذكرها في المطلب السابق عند الحديث عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الموطن الثاني: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول:
قال ابن القيم: "وهذا قد اختلف فيه
القول الأول: قال الشافعي في "الأم": "يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول[101] وهذا هو المشهور من مذهبه وهو الجديد، ولكنه يستحب وليس بواجب.
القول الثاني: قال الشافعي في القديم: " لا يزيد على التشهد" وهذه رواية المزني[102] عنه، وبهذا قال أحمد وأبو حنيفة ومالك وغيرهم.
واحتج لقول الشافعي بما رواه الدارقطني بسنده عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم "[103].
وروى الدارقطني أيضا من حديث عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بريدة إذا صليت في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي فيها، فإنها زكاة الصلاة"[104].
قالوا: وهذا يعم الجلوس الأول والآخر.
واحتج له أيضا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله صلى الله عليه وسلم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه، ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا "قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟" فدل على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيشرع له أن يصلي عليه.
قالوا: ولأنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير.
قالوا: ولأن التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فاستحب فيه الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره.
قالوا: ولأن في حديث محمد بن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟[105].
وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك، وهو القديم من قولي الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي صححه كثير من أصحابه لم لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس فيه كأنه على الرضف[106][107]. ولم يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه، ولا علّمه للأمة، ولا يعرف أن أحدا من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر لكانت واجبة في المحل كما في الأخير، لتناول الأمر لهما، ولأنه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا الموضع، لاستحب فيه الصلاة على آله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه، بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها.
ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذه المواضع مشروعة لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها، ولأنها لو شرعت في هذه المواضع لشرع فيها الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهد الأول والأخير.
قالوا: وأما ما استدللتم به من الأحاديث فمع ضعفها لا تدل، لأن المراد بالتشهد فيها هو الأخير دون الأول بما ذكرناه من الأدلة[108] (1).
الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: آخر القنوت
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "استحبه الشافعي ومن وافقه واحتج لذلك بما رواه النسائي بسنده عن الحسن بن علي[109] قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر قال: "قل اللهم اهدني فيمن هديت، وبارك لي فيما أعطت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت[110] وصلى الله على النبي"[111] وهذا إنما هو في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر.(4/378)
وهو مستحب في قنوت رمضان فعن عروة بن الزبير[112] أن عبد الرحمن بن عبد القاري[113] وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم[114] على بيت المال، قال: إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القارى فطاف في المسجد، وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر رضي الله عنه، والله إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، وقال: كانوا يلعنون الكفرة في النصف يقولون: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين، قال: فكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفار، وصلاته على
النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره للمؤمنين، ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد[115] ونرجو رحمتك، ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجدا[116].
وروى إسماعيل بن إسحاق بسنده عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث[117]أن أبا حليمة- معاذا-[118] كان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت[119][120].
الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية:
لا خلاف في مشروعيتها فيها، واختلف في توقف صحة الصلاة عليها. فقال الشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبهما: إنها واجبة في الصلاة، لا تصح إلا بها، ورواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة. وقال مالك وأبو حنيفة: تستحب وليست بواجبة، وهو وجه لأصحاب الشافعي. والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة، ما روى الشافعي بسنده عن الزهري، قال أخبرني أمامة بن سهل، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه[121]. وروى إسماعيل بن إسحاق في كتاب "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" بسنده عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف[122] يحدث سعيد بن المسيب[123] قال: إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ئم يسلم في نفسه[124]
وأبو أمامة هذا صحابي صغير، وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره الشافعي.
وقال صاحب "المغني"[125] يروى عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة.
وفي الموطأ برواية يحى بن يحى الليثي[126] حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري[127] عن أبيه[128] أنه سأل أبا هريرة كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أنا لعمر الله أخبرك، أتبعها من أهلها، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله تعالى، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أقول: "اللهم إنه عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده"[129].
إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلى عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلى عليه في التشهد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه. وفي مسائل " عبد الله بن أحمد "عن أبيه قال: يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلى على الملائكة المقربين.
قال القاضي: يقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السموات والأرضين، إنك على كل شيء قدير[130].
الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين، والاستسقاء، وغيرها:
وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطة
قال الشافعي وأحمد في المشمهور من مذهبهما: لا تصح الخطة إلا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو حنيفة ومالك: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد واحتج لوجوبها في الخطة بقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ صَدْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}[131](4/379)