معجزات سيد المرسلين
تتحدى المشككين
رداً على من يشكك في معجزات رسول الله ليزداد قلب المؤمن إيماناً ويزداد قلب الجاحد حقداً ..
والرد على أباطيلهم حول حجية المعجزات .
معاذ عليان
M03az1@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولد , والصلاة والسلام على سيد النبيين وخاتم المرسلين ورسول الله للعالمين ..
أما بعد ..
إن الله تبارك وتعالى حتى يقيم على أهل الأرض الحجة فأرسل لكل أمة رسول فيقول الله تعالى في حُكم التنزيل ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) [يونس : 47] فهو سبحانه ليس بظالم للعبيد فيقول الله تعالى ( وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) [آل عمران : 182] فالله تبارك وتعالى يؤيد النبي بمعجزة يعجز أمامها البشر حتى لا يأتي كل إنسان يدعى بأنه نبي من الله !! ولذلك كان الله يؤيد أنبياءه بهذه المعجزات ...
فرسول الله مُحمد صلى الله عليه وسلم جاء برسالة التوحيد ورسالة السلام ورسالة الإيخاء والكرم والصدق والإحسان والصبر والأمانة والثبات والبر والشرف والنقاء والجوار والحق والحكمة والحلم والرأفة والصفح والصلح والضيافة والعدل والعفة والمحبة والتواضع والوفاء بالعهد وغض البصر وكتمان السر وعدم التكبر وعدم الإسراف ودم الحسد ودم التفاخر وعدم الاعتداء وعدم التهمز والتلمز وغير ذلك .. وهذا هو الدين الذى رضي الله به لعباده كما قال الله تبارك وتعالى ( ..الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً .. [المائدة : 3] ..(1/1)
فالإسلام هو الدين الذي عجز أمامه العالمين وبما أن القرآن نزل باللغة العربية وهي أكمل لغات الأرض ونزل في العرب فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله كما قال الله عز وجل (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة : 23] ويتحدى الآن العالمين في إعجازه العلمي ولم يستطيع أحد أن ولو يفكر بالإتيان بما في القرآن , فالقرآن الكريم ليس فقط مجرد كلمات مكتوبة في الأرض فهو كتاب رب الأرض والسماء ففيه من كل ألوان الإعجاز فالقرآن الكريم أنزله الله على عبده مُحمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرن ومع ذلك إلى وقتنا هذا مازال العلم وأكثره تقدماً وهو ما في الفضاء يكتشف ما أكده كتاب الله عز وجل وهو القرآن الكريم منذ مئات السنين !! فالإعجاز ليس مجرد كلمات بل تحدي فالأمر يقوله القرآن يكتشفه أهل الأرض بعد مئات السنين والأمثلة على هذا الأمر كثيرة ولكن ليس موضوعنا إذا أننا نتكلم في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي رآها الصحابة رضوان الله عليهم وأيضاً رآها المشركين , وكما قولنا أن لكل نبي معجزات ...
بالنسبة للمسيح صلى الله عليه وسلم ( يسوع ) ذكر له القرآن معجزات ونحن كمسلمين نؤمن بها ولكن القرآن لم يذكر عددها , أما بالنسبة للإنجيل المحرف فقد ذكر حسب إيمان النصارى تسع وعشرون (29) معجزة أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسنذكر فقط في بحثنا هذا ( 290) معجزة إن شاء الله عز وجل ..
هل تدرك صديقي النصراني ماذا يعني كلامي ؟
كلامي بمعنى أن نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم له أكثر ( 290 ) معجزة .!!
كلامي بمعنى أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عدد المعجزات التي سنذكرها في بحثنا هذا أكثر من عدد معجزات يسوع وأنبياء العهد القديم أضعافاً مضعفة . !!(1/2)
بمعنى أني سأذكر لرسول الإسلام معجزات تُقدر بحوالي خمسة وثلاثين ضعف لمعجزات يسوع في الكتاب المقدس ( 29 × 10 = 290 ) .. !!
ولكن لي رجاء أن لا تقرأ كلامي هذا ويمر عليك مرار الكرام وكأنك لم تقرأ شئ !
وتفعل كما فعل المشركين من قبلك فيقول الله تعالى حاكياً عنهم (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء : 59] فعندما ذهبوا إلى رسول الله يطبلون منه تحويل الصفا إلى ذهباً فهؤلاء لم يطلبوا من رسول الله طلبهم إلا استهزاءاً برسول الله والله تبارك وتعالى أعلم بهم وكما أتى الله عز وجل ثمود الناقة بينة واضحة فكفروا بها فأُهلكِوا ..
فعندما نزل جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذاباً شديداً لا أعذبه أحداً من العالمين لأنهم رأوا معجزات من قبل فعلها نبي الله محمد ويطلبوا الأكثر ! وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة فقال صلى الله عليه وسلم بل التوبة والرحمة .
يحاول البعض من النصارى بأن يستشهد بآيات القرآن بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقوم بمعجزة ! وهكذا يحاول إنكار الحقائق ولا يعرف ما سبب نزول الآية ولا أي أمر فالله عز وجل يقول (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) الكهف 50 , ولعل المدقق في الآية يرى فيها أن الأمر طبيعي وليس كما يدعيه الجُهال بأن الرسول نذير فقط وغير ذلك من الأمور التي يخترعها النصارى وغيرهم من المشككين ! فلو كَلف نفسه بأن يقرأ في مثلاً تفسير ابن كثير فسيقرأ هذا :(1/3)
(يقول تعالى مخبرا عن المشركين في تعنتهم وطلبهم آيات يعنون ترشدهم إلى أن محمدا رسول الله كما أتى صالح بناقته قال الله تعالى « قل » يا محمد « إنما الآيات عند الله » أي إنما أمر ذلك إلى الله فإنه لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم لأن هذا سهل عليه يسير لديه ولكنه يعلم منكم أنكم إنما قصدتم التعنت والإمتحان فلا يجيبكم إلى ذلك كما قال تعالى « وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها » وقوله « وإنما أنا نذير مبين » أي إنما بعثت نذيرا لكم بين النذارة فعلي أن أبلغكم رسالة الله تعالى و « من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا » وقال تعالى « ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء » ثم قال تعالى مبينا كثرة جهلهم وسخافة عقلهم حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الذي هو أعظم من كل معجزةإذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته بل عن معارضة عشر سور من مثله بل عن معارضة سورة منه فقال تعالى « أو لم يكفهم أنا أنزنا عليك الكتاب يتلى عليهم » أي أو لم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم ونبأ ما بعدهم وحكم ما بينهم وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ولم تخالط أحدا من أهل الكتاب فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ببيان الصواب مما اختلفوا فيه وبالحق الواضح البين الجلي ) انتهى .
أيضاً ذكر الطبري في تفسيره من قبيل ما قاله الحافظ ابن كثير عليهم رحمة الله تعالى فيقول :(1/4)
(القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله} يقول تعالى ذكره: وقالت المشركون من قريش: هلا أنزل على محمد آية من ربه تكون حجة لله علينا كما جعلت الناقة لصالح، والمائدة آية لعيسى، قل يا محمد، إنما الآيات عند الله لا يقدر على الإتيان بها غيره {وإنما أنا نذير مبين} وإنما أنا نذير لكم أنذركم بأس الله وعقابه على كفركم برسوله. وما جاءكم به من عند ربكم {مبين} يقول: قد أبان لكم إنذاره.) أ.هـ .
أيضاً ذكره القرطبي رحمة الله عليه فيقول :
(قوله تعالى: «وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه» هذا قول المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه هلا أنزل عليه آية كآيات الأنبياء قيل: كما جاء صالح بالناقة وموسى بالعصا وعيسى بإحياء الموتى؛ أي «قل» لهم يا محمد: «إنما الآيات عند الله» فهو يأتي بها كما يريد إذا شاء أرسلها وليست عندي «وإنما أنا نذير مبين» ) أ.هـ .
وأيضاً ذكر التفسير الإمامين الجلالين الجليلين فيقولا :
( «وقالوا» أي كفار مكة «لولا» هلا «أنزل عليه» أي محمد «آيات من ربه» وفي قراءة آية كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى «قل» لهم «إنما الآيات عند الله» ينزلها كيف يشاء «وإنما أنا نذير مبين» مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية )
وقبل أن ننهي هذه النقطة سوف أنقل للقارئ رداً على هذه الإدعاءات كتبها أحد الأخوة الأفاضل فيقول (1) :
__________
(1) رد السهام عن خير الأنام محمد علي الصلاة والسلام - تأليف/ أكرم حسن مرسي الفصل الرابع .(1/5)
(من الشبهاتِ التي أثاروها ليطعنوا بها في نبوةِ نبينا - صلى الله عليه وسلم - ؛ القول : بأن القرآن ينفي تمامًا أن يكون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معجزاتٌ ، وفي إثباتِ ذلك تعلقوا ببعضِ الآياتِ القرآنيةِ التي ذكروها ، وأوّلوها دون أن يفهموها ؛ من هذه الآيات التي تعلقوا بها قولُه - سبحانه وتعالى - : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } )الإسراء59).
وقوله - سبحانه وتعالى - { :وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } )العنكبوت50) .
وقوله - سبحانه وتعالى - { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ ) } الأنبياء5).
وقوله - سبحانه وتعالى - { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً { 90 } أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً { 91 } أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ و َالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً { 92 } أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولا } (الإسراء) .
أمثال تلك الآيات التي طلب فيها الكفارُ آيةَ معينة ؛ فلم يجبهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إليها .
? الرد على الشبهة
أولاً : إن القول بأن القرآنَ ينفي تمامًا أن يكون لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - معجزات أكذوبة كبيرة ، وجهل واضح! لماذا ؟ لأننا لو نظرنا إلى كتابِ اللهِ - سبحانه وتعالى - لوجدنا فيه عكس ادعائهم تمامًا ؛ لوجدنا أن القرآن يثبت أن لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المعجزات الواضحة ، وذلك واضح في عدةِ مواضعٍ منها :(1/6)
1- قولُه - سبحانه وتعالى - : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) } العنكبوت51) .
جاء في تفسيرِ الجلالين: { وَقَالُواْ } أي: كفار مكة { لَوْلآ } هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ } أي: محمد { آيات مِّن رَّبِّهِ } وفي قراءة «آياتٌ» كناقة صالح ، وعصا موسى ، ومائدة عيسى { قُلْ } لهم { إِنَّمَا الآيات عِندَ الله } ينزلها كيف يشاء { وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية . { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } فيما طلبوا { أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب } القرآن { يتلى عَلَيْهِمْ } فهو آية مستمرة لا انقضاء لها بخلاف ما ذكر من الآيات { إِنَّ في ذَلِكَ } الكتاب { لَرَحْمَةً وذكرى } عظة { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . أهـ
نلاحظ من الآيةِ والتفسيرِ أن معجزةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هي القرآن الكريم ؛المعجزة الباقية إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها .
2- قوله - سبحانه وتعالى - : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ { 1 } وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ { 2 } } (القمر).
جاء في تفسيرِ الجلالين : { اقتربت الساعة } قربت القيامة { وانشق القمر } انفلق فلقتين على أبي قبيس وَقعَيْقَعان آية له - صلى الله عليه وسلم - وقد سئلها فقال: ( اشهدوا ) رواه الشيخان . { وَإِن يَرَوْاْ } أي: كفار قريش { آيَةً } معجزة له - صلى الله عليه وسلم - { يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ } هذا { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } قوي من المرة : القوة أو دائم . أهـ(1/7)
3- قوله - سبحانه وتعالى - { :سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (الإسراء1) .
جاء في تفسيرِ الجلالين: { سُبْحَانَ } أي: تنزيه { الذي أسرى بِعَبْدِهِ } محمد - صلى الله عليه وسلم - { لَيْلاً } نصب على الظرف ، والإِسراء : سير الليل ، وفائدة ذكره الإِشارة بتنكيره إلى تقليل مدّته { مِّنَ المسجد الحرام } أي: مكة { إلى المسجد الأقصى } بيت المقدس لبُعْده منه { الذي باركنا حَوْلَهُ } بالثمار والأنهار { لِنُرِيَهُ مِنْ آياتنا } عجائب قدرتنا { إِنَّهُ هُوَ السميع البصير } أي: العالم بأقوالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله ، فأنعم عليه بالإِسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى . أهـ
4- قوله - سبحانه وتعالى - : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ِ } (الرعد 38) ، (غافر 78) . يعني - سبحانه وتعالى - ما من رسولٍ إلا وله معجزة ، وهذه المعجزة تكون بإذنِه - سبحانه وتعالى - ، ويشهد القرآنُ المجيدُ بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسول من عند اللهِ - سبحانه وتعالى - ، وعليه فله معجزات ، نجد ذلك في عدةِ مواضع منها :
1- قوله - سبحانه وتعالى - : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } (آل عمران144) .(1/8)
2- قوله - سبحانه وتعالى - : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } (الأحزاب40) .
3- قوله - سبحانه وتعالى - : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } (الفتح29) .
ألخص ما سبق بأن القرآن ينصُ صراحةً على أن للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معجزاتٍ ، مثل : القرآنِ الكريم ذاته ، وانشقاقِ القمر ، والإسراءِ والمعراج ، و ينص كذلك أن الرسل تأتي بالمعجزاتِ ومنهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ... وعليه ثبت عكس ادعائِهم ، وظهر جهلهم ....... - بفضل الله تعالى - .(1/9)
ثانيًا : إن استدلالهم ببعض الآيات التي تعلقوا بها وهي أن المشركين سألوا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آيات(معجزات) فكان لا يجيبهم ؛ لأنه لا يستطيع فعل ذلك استدلال باطل لماذا ؟ لأن المشركين في تلك الآيات سألوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - المعجزات على سبيلِ التعجيزِ له ، والسخريةِ منه أحيانًا ، فنراهم يطلبون أمثالَ هذه المعجزات مع إعراضِهم عن المعجزاتِ الأخرى له - صلى الله عليه وسلم - ، فكلما رأوا معجزةَ يقولون : " سحرٌ مستمر" أو" ساحرٌ مبين " ... فحتى لو نزلت هذه الآيات ، فسوف يعيدون القولَ في الطلبِ ، ولن يؤمنوا به - صلى الله عليه وسلم - ، فحينها يُهلكهم اللهُ كما أهلكَ من كان قبلهم ، وعليه فعدمُ حصولِ تلك المعجزاتِ رحمةٌ لهم حتى لا يهلكوا ؛لأن اللهَ عَلِمَ بعلمِه القديم أنهم لا يؤمنون بها ، وهذا واضحٌ من قولِه - سبحانه وتعالى - : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً { 90 } أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً { 91 } أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ و َالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً { 92 } أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولا } (الإسراء) .(1/10)
جاء في تفسيرِ الشنقيطي - رحمه اللهُ - : بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآيات الكريمة شدة عناد الكفار وتعنتهم ، وكثرة اقتراحاتهم لأجل التعنت لا لطلب الحق . فذكر أنهم قالوا له - صلى الله عليه وسلم - : إنهم لن يؤمنوا له - أي: لن يصدقوه - حتى يفجر لهم من الأرض ينبوعاً . وهو يفعول من نبع : أي : ماء غزير . ومنه قوله تعالى : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض } [ الزمر : 21 ] { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ } أي : بستان من نخيل وعنب . فيجر خلالها ، أي وسطها أنهاراً من الماء ، أو يسقط السماء عليهم كسفاً : أي قطعاً كما زعم . أي: في قوله تعالى : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السماء } [ سبأ : 9 ] الآية . أو يأتيهم بالله والملائكة قبيلاً : أي معاينة . قال قتادة وابن جريج « كقوله : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] . وقال بعضُ العلماءِ : قبيلاً : أي: كفيلاً . من تقبله بكذا: إذا كفله به . والقبيل والكفيل والزعيم بمعنى واحد . وقال الزمخشري قبيلاً : بما تقول ، شاهداً بصحته . وكون القبيل في هذه الآية بمعنى الكفل مروي عن ابن عباس والضحاك . وقال مقاتل : { قبيلاً } شهيداً . وقال مجاهد : هو جمع قبيلة . أي: تأتي بأصناف الملائكة . وعلى هذا القول فهو حال من الملائكة ، أو يكون له بيت من زخرف : أي : من ذهب : ومنه قوله » في الزخرف « : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] إلى قولِه { وَزُخْرُفاً } [ الزخرف : 35 ] أي: ذهباً . أو يرقى في السماء : أي يصعد فيه ، وإنهم لن يؤمنوا لرقيه : أي: من أجل صعوده ، حتى ينزل عليهم كتاباً يقرؤونه . وهذا التعنت والعناد العظيم الذي ذكره جلَّ وعلا عن الكفار هنا بينه في مواضع أخر .(1/11)
وبين أنهم لو فعل الله ما اقترحوا ما آمنوا . لأن من سبق عليه الشقاء لا يؤمن . كقوله تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 7 ] ، وقوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله } [ الأنعام : 111 ] ، وقوله : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ } [ الحجر : 14-15 ] ، وقوله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] ، وقوله : { إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم } [ يونس : 96-97 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة .
وقوله في هذه الآية { كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } أي: كتاباً من اللهِ إلى كل رجل منا .
ويوضح هذا قوله تعالى » في المدثر « : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً } [ المدثر : 52 ] كما يشير إليه قوله تعالى : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ الله }
[ الأنعام : 124 ] الآية . وقوله في هذه الآية الكريمة : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } أي: تنزيهاً لربي جل وعلى عن كل ما لا يليق بهن ويدخل فيه تنزيهه عن العجز عن فعل ما اقترحتم . فهم قادر على كل شيء ، لا يعجزه شيء ، وأنا بشر أتبع ما يوحيه إليّ ربي .(1/12)
وبين هذا المعنى في مواضع أخرى . كقوله : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } [ الكهف : 110 ] ، وقوله : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه } [ فصلت : 6 ] الآية . وكقوله تعالى عن جميع الرسل : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }
[ إبراهيم : 11 ] إلى غير ذلك من الآيات . أهـ
وأما عن قولِه - سبحانه وتعالى - : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } (الإسراء59)
يُفصّل مع قولِه - سبحانه وتعالى - عن المشركين { : فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ } (الأنبياء 5).
وذلك من خلال ما جاء في تفسيرِ الشنقيطي - رحمه اللهُ - : قوله تعالى :{ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأولون } .(1/13)
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار اقترحوا على نبينا أن يأتيهم بآية كآيات الرسل قبله . نحو ناقة صالح ، وعصى موسى ، وريح سليمان ، وإحياء عيسى للأموات وإبرائه الأكمه والأبرص ، ونحو ذلك . وإيضاح وجه التشبيه في قوله { كَمَا أُرْسِلَ الأولون } هو أنه في معنى : كما أتى الأولون بالآيات ؛ لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات . فقولك أرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمعجزة . وقد بين تعالى أن الآيات التي اقترحوها لو جاءتهم ما آمنوا وأنها لو جاءتهم وتمادوا على كفرهم أهلكهم الله بعذاب مستأصل .كما أهلك قوم صالح لما عقروا الناقة . كقوله تعالى:{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا } [ الإسراء : 59 ] الآية ، وكقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ].وأشار إلى ذلك هنا في قوله : { مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } [ الأنبياء : 6 ] يعني أن الأمم الذين اقترحوا الآيات من قبلهم وجاءتهم رسلهم بما اقترحوا ، لم يؤمنوا بل تمادوا فأهلكهم الله وأنتم أشد منهم عُتُواً وعِناداً . فلو جاءكم ما اقترحتم ، ما آمنتم ، فهلكتم كما هلكوا . وقال تعالى : { إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } [ يونس : 96-97 ] إلى غير ذلك من الآيات .(1/14)
وبين أنهم جاءتهم آية هي أعظم الآيات ، فيستحق من لم يكتف بها التقريع والتوبيخ ، وذلك في قوله:{ وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ }[ العنكبوت : 50-51 ] الآية . وقد ذكرنا أن هذا المعنى يشير إليه قوله : { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى } [ طه : 133 ]. أهـ
ونلاحظ أن المشركين طلبوا معجزات مستحيلة شرعًا كقولِهم : { لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ } (البقرة118) .
و قد أجابهم اللهُ - سبحانه وتعالى - على طلبِهم لهذه الآيات بقولِه - سبحانه وتعالى - : { قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } (الأنعام109) .
وقوله - سبحانه وتعالى - { قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } (الأنعام37) .
ثم تكررت أسألتهم في هذا الشأن (طلب المعجزة ) كما في قولِه - سبحانه وتعالى - : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ { 50 } وبعدها كان الجوابُ من ربِ العالمين مباشرة لهم فقال - سبحانه وتعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { 51) } العنكبوت) . أولم تكفهم معجزة القرآنِ الكريمِ واضحة لهم ؟!(1/15)
وأجابهم - سبحانه وتعالى - أيضًا بقوله: { وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) } (طه). أولم تأتهم معجزة القرآن تكفيهم ؟!
يقول الشنقيطي - رحمه اللهُ - في تفسيره : وهي هذا القرآن العظيم ، لأنه آية هي أعظم الآيات وأدلها على الإعجاز ؛ وإنما عبر عن هذا القرآن العظيم بأنه بينة ما في الصحف الأولى ؛ لأن القرآن برهان قاطع على صحة جميع الكتب المنزلة من الله تعالى ، فهو بَيِّنة واضحة على صِدقها وصحتها : كما قال تعالى : { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة : 48 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ هذا القرآن يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ النمل : 76 ] ، وقال تعالى : { قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ آل عمران : 93 ] إلى غير ذلك من الآيات . وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية على هذا التفسير الذي هو الأظهر أوضحه جل وعلا في سورة « العنكبوت » في قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ العنكبوت : 50-51 ] . فقوله في « العنكبوت » : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ } هو معنى قوله في « طه » : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى } [ طه : 133 ] كما أوضحنا . والعلم عند الله تعالى .(1/16)
ويزيد ذلك إيضاحاً الحديث المتفق عليه : « ما من نبي مِنَ الأنبياء إلا أُوتي ما آمَنَ البشر على مِثْلِه ، وإنما كان الذي أُوتيتُه وحياً أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابِعاً يومَ القيامةِ ». أهـ
ثالثًا : إن معجزات النبيِّ جاءت متواترة ، وكثيرة لا تكاد تحصى ، وكذلك نبوءاته - صلى الله عليه وسلم - ، وقد كُتِبت المجلدات الضخمة عن معجزاتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، مثل: دلائل النبوة للبيهقي ، ولأبي نُعيم ، ومعجزات الرسول لابنِ كثيرٍ ، ومعظمها بسندٍ متصل ، وقبل أن أذكرَ بعض هذه المعجزاتِ ؛ أقول أن المعجزات في الكتابِ المقدس ليس لها سند واحد متصل , وكلها من أخبارِ الآحاد التي لا تثبت حدوثها ، ولم نجد دليلاً واحدًا يثبت قطعاً أن تلك المعجزات قد حدثت بالفعل ؛ ربما هم يؤمنون بحدوث تلك المعجزات فقط ؛ لأنها وردت في الأناجيلِ، أو الكتب السابقة , وحينها نسأل أسئلة لا يُجاب عليها هي:
1- أين سند هذه الكتب ؟
2- كيف نثق أن كل ما في هذه الكتب صحيح ؟
3- من الذي نقل لنا هذه الكتب ؟
4- كيف نثبت مثلاً أن مَتَّى الحواري هو كاتب إنجيل مَتَّى بالفعل بينما نجد أن ما في إنجيل مَتَّى ينفي كون الحواري مَتَّى هو كاتبه...؟ وهل لوقا من حواري المسيح .....؟
5- ما هو الاسم الثلاثي لأي واحدٍ من كتبةِ الأناجيلِ.......... ؟!
أذكر بعض من معجزاتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - التي فاقت الثلاثة آلاف معجزة , وأكثرها متواترة معنويًا ومتصلة السند منها :
1- القرآنُ الكريم أول معجزاتِه - صلى الله عليه وسلم - .
2- آتاه اللهُ جوامعَ الكلم ، وذلك في صحيح مسلم.
3- نُطقِ الجماداتِ بين يديه ، وشهادتها له بالرسالة ، وذلك في صحيحِ البخاري ، ومسلم
4- انشقاق القمر له ، وذلك في القرآن الكريم ،و صحيح البخاري ، ومسلم
5- شفى عددا كبيرًا من المرضى بدعائه أو بلمسه ، مثل : عبد الله بن عتيك ،قتادة بن النعمان .....(1/17)
6- شاة عجوز لم تلد حلبت اللبنَ حين مسّ ضرعها بيده الشريفة ، وذلك في مسند أحمد .
7- الماءُ نبع من بين أصابعِه ، وذلك في صحيح البخاري ، ومسلم .
8- الجذعُ حنَّ لفراقه ، ونطق أمام أصحابِه - رضي الله عنهم - ، وذلك في صحيحِ البخاري ومسلم...
وثبت أكثر من ذلك في كتبِ السنةِ الصحيحةِ ،وكتبِ السيرِ ، والكتب التي أشرتُ إليها .
ومن النبوءات والأخبار الصحيحة الإسناد التي حدثت بعده - صلى الله عليه وسلم - كثيرة جدًا أذكر منها ما يلي :
1- أخبر - صلى الله عليه وسلم - الصحابةَ - رضي الله عنهم - بفتحِ بيتِ المقدس ، واليمن ، والشام ، والعراق , وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - .
2- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الأمنَ يسود حتى يصير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضر موت لا يخشى إلا اللهَ والذئب على غنمه ، وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - .
3- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن خيبر تفتح على يد عليِّ - رضي الله عنه - في غدِ يومه، وقد فتحت على يد علي - رضي الله عنه - كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - .
4 - أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن المسلمين يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم ، وقد فتح المسلمون تلك البلاد ، وقسموا كنوز ملوكها كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - ، فأخذ سراقة بن مالك - رضي الله عنه - وغيره ما وعدهم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - .
5- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن عثمانَ بنَ عفان - رضي الله عنه - يُقْتَل وهو يقرأ القرآن وقد كان كما أخبر .
6- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن عمار - رضي الله عنه - تقتله الفئة الباغية ؛ فقتله أصحابُ معاويةَ - رضي الله عنه - فوقع كما أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - .(1/18)
7- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الموتان أي: الوباء (الطاعون ) يكون بعد فتحِ بيتِ المقدس , وقد وقع في خلافةِ عمرَ - رضي الله عنه - بعمواس في بلادِ الشام من قرى بيت المقدس ، وبها كان عسكره ، وهو أول طاعون في تاريخ الإسلام مات على أثرِه عدد كثير منهم لا يقل عن سبعين ألفاً.
8- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد ذلك , والروم ذات قرون : كلما هلك قرنٌ خلف مكانه قرن , أهل صخر وبحر , هيهات آخر الدهر , والمراد بالروم الفرنج والنصارى , وكان كما أخبر , ما بقى من سلطنة الفرس أثرٌ ما ؛ بخلاف الروم فإن مملكتهم وإن زالت عن بلادِ الشام في خلافةِ عمرَ بنِ الخطابِ - رضي الله عنه - ، ولكن ما تزال مملكتهم بالكلية , بل كلما هلك قرن خلفه قرن آخر .
9- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن فاطمةَ بنت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أول أهله لحوقًا به بعد موته , فماتت- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -بعد ستة أشهر من وفاته - صلى الله عليه وسلم - ؛ فكانت أول آل بيت النبيِّ وفاةً بعده - صلى الله عليه وسلم - .
10- أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الحسنَ بن علي - رضي اللهُ عنهما - سيدٌ يصلح اللهُ على يده بين فئتين من المسلمين يقتتلان ، وقد حدث ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - .........(1/19)
وأخبر عن أنباءِ الماضي ( الأمم السابقة ).. حكى - صلى الله عليه وسلم - عن آدمَ ، ونوحٍ ، وإبراهيمَ ، ويعقوب....ومريم أم المسيح ، والمسيح ، و موسى ، وأهل مدين ، والمؤتفكات ، وقوم تبع ، وأصحاب الرس ، وثمود ، وعاد ، وفرعون ، وقوم لوط ... هذا وهو أمي لم يكن يعرف القراءة والكتابة - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يخرج من بين شعابِ مكةَ ، ولم يركب البحرَ قط ؛ وما حكاه - صلى الله عليه وسلم - عنهم لا يتوافق مع حكاياتِ أهل الكتابِ إلا قليلاً ؛ حتى لا يقال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أخذ منهم ...ومن شاء فليقرأ ويقارن ؛ يدلل على ذلك قوله - سبحانه وتعالى - : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) } (سورة هود ) . وأخيرًا أقول : ما جاء نبيُّ بمعجزة إلا جاء محمدُ - صلى الله عليه وسلم - بمثلها ، أو بأفضل منها ، فعلى سبيل المثال:
سليمانُ - عليه السلام - ركبَ الريحَ ، ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ركبَ البراقَ وصعد إلى السماوات ؛ المسيحُ - عليه السلام - أحيا الموتى ،ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كذلك ، وذلك في قصة الشاة التي ذُبحت ،وسُلخت ، وقطعت ، وطبخت ، ثم تكلمت بعد ذلك ؛راجع المعجم الكبير للطبراني برقم 1189. المسيحُ - عليه السلام - شفى مرضى ، ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كذلك ...
ثم إن كلَ نبيًِ يموت تموت معه تلك المعجزة التي جاء بها إلا معجزة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هي الباقية (القرآن الكريم), بها ينفرد - صلى الله عليه وسلم - عن أي معجزةٍ فعلها أي نبيِّ أو رسول غيره ؛ إنها المعجزة الخالدة الباقية حتى بعد وفاتِه - صلى الله عليه وسلم - ...(1/20)
رابعًا:إن هناك سؤالاً يطرح نفسه هو أنني أفترض جدلاً أن القرآنَ الكريم لم يثبت للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أي معجزات ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأتي بمعجزةٍ واحدةٍ ، فهل هذا يقدح في نبوتِه - صلى الله عليه وسلم - نظرًا لمعاييرِ النبوةِ في الكتابِ المقدس ؟!
الجواب :إن لم يأت محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - بمعجزةٍ واحدة لا يقدح ذلك في نبوتِه ؛لأن يوحنا المعمدان (يحيى) يقول عنه كاتب إنجيل متى : " يوحنا عند الجميع نبي " (متى 21/26) . وفي موضعٍ آخرٍ " أفضل من نبي " (متى 11/9) ، ورغم ذلك لم يأتِ بمعجزةٍ واحدةٍ ؛ نجد ذلك في إنجيل يوحنا اصحاح10 عدد 41فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا:«إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً، وَلكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا». 42فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ.
وتبيّن الأناجيلُ أن المعجزةَ ليست شرطًا للنبوةِ ، فقد يفعلها أنبياءٌ كذبة كما قال يسوعُ في إنجيل متى إصحاح 24 عدد24لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 25هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ . فمنهم يتبرأ يسوعُ المسيح يوم الدينونة (الحساب) ، وذلك في إنجيل متى إصحاح 7 عدد 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!(1/21)
وأتساءل ألم يُسأل يسوع نفسه من اليهود تلك الأسئلة التي سألها المشركون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التي جاءت في القرآنِ الكريم ؟ الجواب: بلى ، وكان يسوعُ لم يكن يجيبهم إليها !! نجد ذلك في إنجيل مرقس إصحاح 8 عدد 11فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. 12فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ:«لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!» 13ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضًا السَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى الْعَبْرِ.
ولما سأله الكتبة والفريسيون عن معجزةٍ قال لهم : " جيلٌ شريرٌ وفاسق " !! نجد ذلك في إنجيل متى إصحاح 12 عدد 38حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ:«يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». 39فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ:«جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.
وفي موضعٍ آخرٍ من إنجيل متى إصحاح 16 عدد 1وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ. 2فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«إِذَا كَانَ الْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْوٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. 3وَفِي الصَّبَاحِ: الْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ.يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ! 4جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى.(1/22)
كذلك لما جرب الشيطانُ يسوعَ قائلاً له : " إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب : إنه يوصي ملائكته بك ... قال له يسوع : مكتوب أيضاً لا تجرب إلهك " (متى 4/6-7) .
نلاحظ أن يسوعَ لم يصنع تلك المعجزة التي طلبها الشيطانُ منه !!
ثم إن الأعجب من شبهتِهم هذه إن الأناجيلَ نفسَها تذكر أن المسيحَ - عليه السلام - صنع المعجزات - بإذنِ اللهِ – وليس من تلقاءِ نفسه ؛ نجد ذلك في الآتي :
1- يسوع لا يقدر أن يفعل من نفسِه شيئًا بل بإذن الله ؛جاء في إنجيل يوحنا إصحاح 5 عدد30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. نلاحظ أن يسوع المسيح - عليه السلام - لا يستطيع أن يفعلَ من نفسِه شيئًا ؛ بل بإذنِ اللهِ يفعل كما أخبر القرآنُ الكريم : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ِ } (الرعد 38). ويصرح بذلك في موضعٍ أخر من إنجيلِ متى إصحاح 11 عدد27كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ.
2- يسوع أحيا الميت ( لِعَازَر) بإذن الله ؛جاء في إنجيل يوحنا إصحاح 11 عدد41فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ:«أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».(1/23)
نلاحظ من النصوصِ أن المسيحَ - عليه السلام - كان يدعو اللهَ ليحيه ( لِعَازَر) ، ويرفع بصرَه إلى السماءِ ليشكر اللهَ على سماعِه لدعائه ، وعلى تأييدِه بالمعجزات ؛ ليشهد الجمعُ الواقفُ على أنه رسول من عنده - سبحانه وتعالى - مُرسل .. وبهذا فهم الناسُ في زمانِه ، فلم يقولوا :إنه إله كما يزعم بعضُ المنصّرون اليوم والأمس ؛ جاء في إنجيل يوحنا إصحاح 6 عدد 14فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا:«إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!» .
3- يقول بطرس الرسول : " أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ".(أعمال 2 / 22). وهذا ما أكدته النصوص الإنجيلية ، ونقلته عن المسيح ، فعندما فعل المسيحُ بعض المعجزات كان يؤكد أنها من عند الله - سبحانه وتعالى - ، ولم ينسبها إلى نفسِه ؛ قال: " أنا بروحِ اللهِ أُخرج الشياطين ". (متَّى12/28). وقال:" كنت بإصبعِ اللهِ أُخرج الشياطينَ " (لوقا 11/20).
ثم إن الأعجبَ مما سبق هو ما ذكره كاتب إنجيل مرقس في الإصحاح 6 عدد 5 وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ.
حتى أن البعض شككَ في نبوتِه بسببِ قلةِ معجزاتِه ؛ جاء ذلك في إنجيلِ يوحنا إصحاح 7 عدد 31فَآمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ، وَقَالُوا:«أَلَعَلَّ الْمَسِيحَ مَتَى جَاءَ يَعْمَلُ آيَاتٍ أَكْثَرَ مِنْ هذِهِ الَّتِي عَمِلَهَا هذَا؟».(1/24)
قلت : إن الثابتَ أن يسوعَ المسيح - عليه السلام - كان مؤيدًا من قِبَلِ اللهِ بالمعجزات ، وهذا معتقدنا أنه لا يستطيع أن يفعل معجزة من تلقاء نفسه إلا بإذن اللهِ كما كان من نبينا - صلى الله عليه وسلم - . ) أ.هـ .
وقد يسأل سائل
لماذا لا تكون معجزات رسول الإسلام وضعها أصحابه حتى يثبتوا أنه رسول ؟
أولاً : نحن ليس كمثلكم في نقل الوحي فنحن عندنا السند المتصل لكل حديث
ولقبول الحديث واعتباره (الحديث الصحيح) فهناك شروط لقبول الحديث وإلا يعتبر الحديث ضعيفا لا يعتد به او مكذوبا على النبي - صلى الله عليه وسلم - . أما شروط قبول الحديث الصحيح :
1- اتصال السند
وهو بأن يكون رواة الحديث من أول السند وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نهاية السنة للإمام الذي خرجة متصلا فيخرج من ذلك أي انقطاع في السند.
2- السلامة من الشذوذ
(وهو رواية الراوي المقبول مخالفا من هو أولى منه إعدادا أو توثيقا)
3- السلامة من العلة القادحة
وهي : سبب يقدح في صحة الحديث ظاهره الصحة والخلو منها ولا تخلو إلا للمتبحر في علم الحديث
4- عدالة الرواة
وهو المسلم السالم من الفسق ويخرج من عدالة الرواة المجهول عينا
5- ضبط الرواة
وهو كل راو من روات الحديث كان تام الظبط والضبط هو قوة الحفظ والوعي الدقيق وحسن الإدراك في تصريف الأمور والثبات على الحفظ وصيانة ماكتب منذ التحمل والسماع إلى حين التبليغ والأداء وعلى هذا فإن الضبط نوعان
أولا : ضبط الصدر : أن يحفظ الراوي ما سمعه حفظا يمكنه من استحضاره متى شاء.
ثانيا : ضبط الكتاب : وهو صيانته عنده( في كتابه) من يوم سمع ما فيه وصححه إلى أن يؤدي منه أي يقرأ منه.
هذا هو الحديث الصحيح المعتبر الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل العلم وقد يختلفون في بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف .
ونذكر أيضا من أقسام الحديث الصحيح الحديث المتواتر :(1/25)
هو ما رواه عدد كثير يستحيل في العادة اتفاقهم على الكذب ، عن مثلهم إلى منتهاه .
ومن خلال هذا التعريف يتبين أن التواتر لا يتحقق في الحديث إلا بشروط :
1 - أن يرويه عدد كثير بحيث يستحيل عادة أن يتفقوا على الكذب في هذا الحديث ، وقد اختلفت الأقوال في تقدير العدد الذي يحصل به التواتر ، ولكن الصحيح عدم تحديد عدد معين .
2 - أن توجد هذه الكثرة في جميع طبقات السند .
3 - أن يعتمدوا في خبرهم على الحس وهو ما يدرك بالحواس الخمس من مشاهدة أو سماع أو لمس ، كقولهم سمعنا أو رأينا ونحو ذلك .
و احترز المحدثون بذلك عما إذا كان إخبارهم عن ظن وتخمين ، أو كان مستندهم العقل ، فإن ذلك لا يفيد العلم بصحة ما أخبروا به ، ولا يصدق عليه حد التواتر .
والحديث المتواتر يفيد العلم الضروري ، الذي يُضطر الإنسان إلى تصديقه تصديقًا جازمًا لا تردد فيه ، ولذلك يجب العمل به من غير بحث عن رجاله .
إذن كيف للصحابة أن يضعوا أحاديث كيفما شاؤوا ...؟؟؟؟؟
ثانيا: هناك معجزات للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنها مذكورة في أحاديث ضعيفة وبهذا لا يعتد بهذه المعجزات ولا تعتبر هذه الأحاديث فلو اننا بحاجة لاثبات شيء كنا أثبتنا تلك المعجزات لانها في صالح الإسلام ؟
فهناك حديث رواه الإمام أبو داود ولكن الحديث ضعيف وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيا ميت !!
وطبعا لو أردنا ان نزيد عدد المعجزات او نثب أشياء قلنا أن هذا الحديث صحيح حتى نثبت معجزات للنبي - صلى الله عليه وسلم - .. ثم يقولون أن النبي ليس عنده معجزات وانها كلها خرافات سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .
ثالثا: لماذا نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المعجزات لله عز وجل وانها من عند الله ؟ لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نبي كاذب حاشاه لنسب هذه المعجزات لنفسه او اصحابه نسبوا هذه المعجزات لنفسه فقط وليست من الله حتى يدعموا فكرة انه نبي .(1/26)
والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة وهذه المقدمة البسيطة حتى نبدأ بأمر الله تبارك وتعالى في وضع معجزات محمد رسول الله عز وجل ومعجزات ما يسميه النصارى ( يسوع ) ..
ملحوظة هامة بالنسبة لمعجزات يسوع في الأناجيل
المسيح حسب نص الإنجيل قام بعمل تسع وعشرين ( 29 ) معجزة وسوف نسردها :
1- أولى معجزات يسوع ( تحويل الماء إلى خمر ) يوحنا 2/1-11 .
2- شفاء ابن خادم الملك يوحنا 4/43-54 .
3- شفاء رجل به روح نجس مرقس 1/21-28 , لوقا 4/31-37 .
4- شفاء حماة سمعان بطرس وآخرين متى 8/14-17 .
5- شفاء أبرص متى 8/1-4 .
6- شفاء مشلول متى 9/1-8 .
7- شفاء مريض بيت حسدا يوحنا 5/1-47 .
8- شفاء اليد اليابسة في السبت متى 12/9-13 .
9- شفاء الكثيرين عند بحر الجليل متى 12/14-21 .
10- شفاء خادم قائد المئة متى 8/5-13 .
11- إقامة ابن أرملة نايين لوقا 7/11-17 .
12- تهدئة العاصفة متى 8/23-27 .
13- طرد الشياطين وغرق الخنازير ! متى 8/28-34 .
14- إقامة ابنة يايرس وشفاء نازفة الدم متى 9/18-26 .
15- شفاء أعميين وأخرس متى 9/27-34.
16- إشباع الخمسة الآلاف رجل متى 14/13-21 .
17- يسوع يمشى على الماء متى 14/22-36 .
18- إيمان المرآة الكنعانية متى 15/1-20 .
19- شفاء أصم أعقد مرقس 7/31-37 .
20- إشباع الأربعة الآلاف رجل متى 15/29-39 .
21- شفاء أعمى في بيت صيدا مرقس 8/22-26 .
22- شفاء غلام به روح نجس متى 17/14-21 .
23- شفاء المولود أعمى يوحنا 9/1-34 .
24- شفاء امرأة متحنية في السبت يوحنا10/22-42 .
25- شفاء مستسق في بيت الفريسي لوقا 14/1-14.
26- إقامة لعازر يوحنا 11/1-44 .
27- شفاء العشرة البرص لوقا 17/11-19 .
28- شفاء أعميين متى 20/29-34 .
29- يسوع ومعجزة السمك يوحنا 21/1-14 .
هذه هي كل مُعجزات يسوع حسب الأناجيل الأربعة , ولعل ما سيتكلم عنه النصراني أمرين وهما كالآتي :(1/27)
1- أن يسوع قام بشفاء الكثير مثلاً (إشباع الخمسة الآلاف رجل متى 14/13-21 . ) وبالتالي يكون العدد ( 5000 ) معجزة !! ولكن نفس الأمر بالنسبة لنا فالرسول - صلى الله عليه وسلم - صنع معجزات من تكثير الطعام وأكل منها الكثير فلا يعد من أكل منه ولكن يُعد بمعجزة واحدة لكونها حدثت في وقت واحد وموقف واحد .
2- النصين الموجودين في إنجيل يوحنا الأول في الإصحاح 21 العدد 25:
(وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة .)
بغض النظر عن عدم إشارة النص إلى المعجزات وإنما قال ( أشياء ) أي أفعال قام بها يسوع وليس المعجزات ! ولكن في الحقيقة أن هذا النص اعترف بتحريفه أكثر من عالم مسيحي فهو إضافة متأخرة من أشخاص مجهولين فلا يحتج به ..
ونأخذ على سبيل المثال شهادة مدخل إنجيل في ترجمة الآباء اليسوعيين حيث تقول (1) :
( لابد من الإضافة ان العمل يبدوا مع كل ذلك ناقصاً , فبعض اللحمات غير محكمة وتبدوا بعض الفقرات غير متصلة بسياق الكلام (3/13 – 21 , 3/31-36 , 1/15 ) يجرى كل شىء وكأن الكاتب لم يشعر قط بأنه وصل إلى النهاية . وفى ذلك تعديل لما فى الفقرات من كل الترتيب فمن الراجح أن الإنجيل كما هو بين أيدينا أصدره بعض تلاميذ الكاتب فأضافوا عليه الإصحاح 21 ولا شك أنهم أضافوا أيضاً بعض التعليق مثل (4/2) وربما (4/1 , 4/44 ) (7/39 ) (11/2) (19/35) أما رواية المرأة الزانية ( 7/53 ) إلى ( 8/11) فهناك إجماع على أنها من مرجع مجهول فأدخلت فى زمن لاحق )
وسوف أنقل بعض الشهادات من جميع الطوائف المسيحية تؤكد تلك الحقيقة حول الإصحاح الأخير من إنجيل يوحنا فيما بعد ...
أما النص الثاني وهو موجود في إنجيل يوحنا 20/30 :
(وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. )
__________
(1) الرهبانية اليسوعية فى مدخل إنجيل يوحنا صفحة 286(1/28)
هنا يشير إلى معجزات صريح بلفظ آية والآية هي المعجزة ولكنه يقول لم تكتب في هذا الكتاب أي إنجيل يوحنا! وفعلاً يوجد معجزات في الأناجيل ( الكتب ) الأخرى فهو يشير هنا إلى أن المعجزات المكتوبة في الأناجيل الأخرى لم تُكتب في إنجيل يوحنا !!
وبهذا يكون عدد معجزات يسوع 29 وسوف ننقل لكم نقطة من بحر من معجزات رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي ضعف معجزات يسوع عشر مرات !!
وسوف أقوم بأجزاء أخرى إن قدر الله لنا ذلك فنسألكم الدعاء والتوفيق والسداد
معاذ عليان
إخباره عن المغيبات
(1) أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - السائل قبل أن يسأله :
كما جاء في الحديث التالي : ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جئت تسأل عن البر والإثم ؟ قال : نعم ، فقال : استفت قلبك : البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) (1)
وجاء في رواية أخرى : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألت عنه فقال لي ادن يا وابصة فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته فقال لي يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه قلت يا رسول الله أخبرني قال جئت تسأل عن البر والإثم قلت نعم فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك والبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك .) (2)
(2) إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن غلامه غل شملة :
__________
(1) حسن : رواه النووي في الأربعين نووية 27 .
(2) إسناده حسن : الترغيب والترهيب للمنذري 3/23 .(1/29)
كم جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : افتتحنا خيبر ، ولم نغنم ذهبا أو فضة ، انما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط ، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ، ومعه عبد له يقال له مدعم ، أهداه له أحد بني الضباب ، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر ، حتى أصاب ذلك العبد ، فقال الناس : هنيئا له الشهادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل ، والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم ، لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه نارا ) فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شراك ، - أو شراكان - من نار ) (1) .
(3) إخبار النبي بفتح جزيرة العرب ثم فارس ثم الروم :
كما جاء في الحديث التالي :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة . قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب . عليهم ثياب الصوف . فوافقوه عند أكمة . فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد . قال فقالت لي نفسي : ائتهم فقم بينهم وبينه . لا يغتالونه . قال : ثم قلت : لعله نجي معهم . فأتيتهم فقمت بينهم وبينه . قال فحفظت منه أربع كلمات . أعدهن في يدي . قال " تغزون جزيرة العرب ، فيفتحها الله . ثم فارس ، فيفتحها الله . ثم تغزون الروم ، فيفتحها الله . ثم تغزون الدجال ، فيفتحه الله " . قال فقال نافع : يا جابر ! لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم ) (2)
ولقد حدثت هذه الفتوحات كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - , ويبقى فتح الدجال ، وسيقع الأمر فيه كما أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - تماماً ، وسيكون ذلك آية أخرى لمن يشهدها في وقتها.
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4234 .
(2) صحيح : رواه مسلم 2900 ,(1/30)
(4) إخبار النبي عن البعير الذي افتقده المشركون :
بعد معجزة الإسراء والمعراج كذبه المشركون , وكانوا قد افتقدوا بعيراً فقال لهم الرسول صلى الله عليه و سلم كما في الحديث التالي :
) ..... فقال : إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان ، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .) (1)
(5) إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أويس بن عامر :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) إسناده صحيح : رواه البيهقي في دلائل النبوة 2/355 .(1/31)
كان عمر بن الخطاب ، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس . فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ، ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فاستغفر لي . فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي . قال : فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم . فوافق عمر . فسأله عن أويس . قال : تركته رث البيت قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه . إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسا فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . فاستغفر له . ففطن له الناس . فانطلق على وجهه . قال أسير : وكسوته بردة . فكان كلما رآه إنسان قال : من أين لأويس هذه البردة ؟ ) (1)
(6) إخباره بأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده :
كما جاء في الحديث التالي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفس محمد بيده ، لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) (2)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2542 ..
(2) صحيح : رواه البخاري 3618 .(1/32)
وقد وقع الأمر تماماً كما قال صلى الله عليه وسلم فإنه لم يأت بعد كسرى كسرى غيره، ولما هدمت دولة القياصرة فلم تقم لهم دولة بعد ذلك وإلى يومنا هذا.
فأي دليل أعظم من هذا الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بالوحي الذي لا يعلمه إلا الله، فإنه لم يكن يتصور أحد أن دولة الأكاسرة التي استمرت نحو ألف عام أن يكون سقوطها وزوالها بأيدي المسلمين، وأن الأكاسرة لا يستطيعون، وإلى قيام الساعة أن يعيدوا ملكهم مرة ثانية .
(7) إخباره - صلى الله عليه وسلم - بفساد بعض أحوال المسلمين وقتالهم بعضهم بعضاً بعد فتح فارس والروم :
كما جاء في الحديث التالي :
إذا فتحت عليكم فارس والروم ، أي قوم أنتم ؟ " قال عبد الرحمن بن عوف : نقول كما أمرنا الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو غير ذلك . تتنافسون . ثم تتحاسدون . ثم تتدابرون . ثم تتباغضون . أو نحو ذلك . ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين ، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض . ) (1)
وللأسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً في موقعتي الجمل وصفين ... فإنا لله وإنا إليه راجعون
(8) إخباره صلى الله عليه وسلم عن أسرع أزواجه لحاقًا به :
كما جاء في الحديث التالي :
أسرعكن لحاقا بي ، أطولكن يدا . قالت : فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا . قالت : فكانت أطولنا يدا زينب . لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق . ) (2)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2962 .
(2) صحيح : رواه مسلم 2452 .(1/33)
قولها : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا قالت : فكانت أطولنا يدا زينب ; لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق ) معنى الحديث أنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية ، وهي الجارحة ، فكن يذرعن أيديهن بقصبة ، فكانت سودة أطولهن جارحة ، وكانت زينب أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخير ، فماتت زينب أولهن ، فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود .
(9) إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن استشهاد القادة الثلاثة قبل مجيء خبرهم
كما جاء في الحديث التالي : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : ( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذ بن رواحة فأصيب ) . وعيناه تذرفان : ( حتى أخذها سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم ) . (1)
(10) إخباره عن الذي غل في سبيل الله :
كما جاء في الحديث التالي :
أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين ) (2)
وجاء في حديث آخر :
أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صلوا على صاحبكم ، فتغيرت وجوه الناس لذلك ، فقال : إن صاحبكم غل في سبيل الله ، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين ! . ) (3)
(11) إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة حاطب بن أبي بلتعة :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3757 .
(2) حسن : هداية الرواة للإمام ابن حجر العسقلاني 4/84 .
(3) إسناده صحيح : أحكام الجنائز للألباني 103 .(1/34)
كما جاء في الحديث التالي : عن علي رضى الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ، فقال : ( انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها ) . قال : فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، قلنا لها : أخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، فقلنا ، لتخرجن الكتاب ، أو لنلقين الثياب ، قال : فأخرجته من عقاصها ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة ، إلى ناس بمكة من المشركين ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا حاطب ، ما هذا ؟ ) . قال : يا رسول الله ، لا تعجل علي ، إني كنت امرءا ملصقا في قريش ، يقول : كنت حليفا ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين ، من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ، أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه قد صدقكم ) . فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : ( إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) . فأنزل الله السورة : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق - إلى قوله - فقد ضل سواء السبيل } . (1)
(12) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالريح الشديدة التي ستهب :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4274 .(1/35)
( غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، فلما جاء وادي القرى ، إذا امرأة في حديقة لها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اخرصوا . وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق ، فقال لها : أحصي ما يخرج منها . فلما أتينا تبوك قال : أما ، إنها ستهب الليلة ريح شديدة ، فلا يقومن أحد ، ومن كان معه بعير فليعقله . فعلقناها ، وهبت ريح شديدة ، فقام رجل ، فألقته بجبل طيئ . وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ، وكساه بردا ، وكتب له ببحرهم ، فلما أتى وادي القرى قال للمرأة : كم جاءت حديقتك . قالت : عشرة أوسق ... ) (1)
خرص / اخرص : أي قدر ما على النخلة من رطب تمرا .
سبحان الله حذرهم من الخروج والابتعاد من معسكر الجيش حتى لا تأخذهم الريح، فكان الأمر كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولقد خالف رجل هذا الأمر فخرج فحملته الريح إلى أن ألقت به في جبلي طيء .
يقول النووي: "هذا الحديث فيه هذه المعجزة الظاهرة؛ من إخبارِه عليه الصلاة والسلام بالمغيَّب، وخوفِ الضرر من القيام وقت الريح، وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته, والرحمةِ لهم, والاعتناءِ بمصالحهم, وتحذيرِهم مما يضرُّهم في دين أو دنيا".
(13) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حرام بأنها من الأولين فوقع ذلك :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 1481 .(1/36)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ( وهي من محارم النبي وينال منها ما يجوز للمحرم أن يناله ) ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته ، وجعلت تفلي رأسه ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ( ناس من أمتي ، عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج (أي ظهره أو وسطه) هذا البحر ملوكا على الأسرة ، أو : مثل الملوك على الأسرة ) . شك إسحاق ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك ، فقلت : وما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ( ناس من أمتي ، عرضوا علي غزاة في سبيل الله ) . كما قال في الأول ، قالت : فقلت يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : ( أنت من الأولين ) . فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان ، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر ، فهلكت . ) (1)
وجاء في حديث آخر :
نام النبي صلى الله عليه وسلم يوما قريبا مني ، ثم استيقظ يبتسم ، فقلت : ما أضحكك ؟ قال : ( أناس من أمتي عرضوا علي ، يركبون هذا البحر الأخضر ، كالملوك على الأسرة ) . قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ، ثم نام الثانية ، ففعل مثلها ، فقالت مثل قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ( أنت من الأولين ) . فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا ، أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشأم ، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت . ) (2)
(14) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن آخر شربة لعمار ستكون شربة لبن :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 2788 .
(2) صحيح : رواه البخاري 2799 .(1/37)
قال عمار يوم صفين ائتوني بشربة لبن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن فأتي بشربة لبن فشربها ثم تقدم فقُتل ) (1)
وجاء في رواية أخرى :
(اشتكى عمار شكوى ثقل منها فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله فقال ما يبكيكم أتخشون أني أموت على فراشي أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية آخر زادي مذقة لبن ) (2)
(15) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عائشة رضي الله عنها ستشهد يوم الجمل :
كما جاء في الحديث التالي :
قالت : لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت : ما أظنني إلا راجعة ، إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لنا : أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب . فقال لها الزبير : ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس . ) (3)
وجاء في حديث آخر :
لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل ، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) (4)
وجاء في حديث آخر :
لما أقبلت عائشة, بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب قالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب . قالت : ما أظنني إلا أني راجعة, فقال بعض القوم من كان معها : بل تقدمين ، فيراك المسلمون ، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم . قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لها ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب . ) (5)
__________
(1) صحيح على شرط الشيخين : السلسلة الصحيحة للألباني 7/663 .
(2) رجاله ثقات غير مولاة عمار : السلسلة الصحيحة للألباني 7/660 .
(3) صحيح على شرط الشيخين : الصحيح نم دلائل النبوة للوادعي 505 .
(4) صحيح : رواه البخاري 7099 .
(5) صحيح : الصحيح المسند للوادعي 1587 .(1/38)
وما ذلك إلا دليل على نبوة النبي مُحمد - صلى الله عليه وسلم - , وإلا كيف له أن يخبر السيدة عائشة رضي الله عنها بشيء سوف يحدث .... حتى وقع هذا الأمر كما قرأنا في الأحاديث السابقة .
(16) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج اليهود من خيبر :
كما جاء في الحديث التالي :
لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر ، قام عمر خطيبا فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم ، وقال : ( نقركم ما أقركم الله ) . وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك ، فعدي عليه من الليل ، ففدعت يداه ورجلاه ، وليس لنا هناك عدو غيرهم ، هم عدونا وتهمتنا ، وقد رأيت إجلاءهم ، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعاملنا على الأموال ، وشرط ذلك لنا ، فقال عمر : أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة ) . فقال : كانت هذه هزيلة من أبي القاسم ، قال : كذبت يا عدو الله ، فأجلاهم عمر ، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر ، مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك . ) (1)
هكذا وقع الأمر كما تنبأ به الصادق صلى الله عليه وسلم فقد أُخْرج هذا – رئيس خيبر أحد بني أبي الحقيق – ومن معه من اليهود من خيبر حين أجلاهم إلى الشام سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته سنة عشرين من الهجرة.
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: أشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر وكان ذلك من إخباره بالمغيبات قبل وقوعها.
(17) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام أبي طلحة قبل أن يدخل الإسلام :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاير 2730 .(1/39)
( قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم – وهي أم أنس – إن هذا الرجل – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – يحرم الخمر – فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك فجاء أبو طلحة ، فخطب أم سليم ، فكلمها في ذلك ، فقالت : يا أبا طلحة ! ما مثلك يرد ، ولكنك امرؤ كافر ، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك ! فقال : ما ذاك دهرك ! قالت : وما دهري ؟ قال : الصفراء والبيضاء ! قالت : فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء ، أريد منك الإسلام ، فإن تسلم فذاك مهري ، ولا أسألك غيره ، قال : فمن لي بذلك ؟ قالت : لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، فلما رآه قال : جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه ، فأخبر رسول الله صلى ا لله عليه وسلم بما قالت أم سليم ، فتزوجها على ذلك . قال ثابت وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس : فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الإسلام مهرا .. ) (1)
(18) أخبر النبي باقتراب أجله حتى مات عليه السلام في تلك السنة :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي : أحكام الجنائز للألباني 35 .(1/40)
أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مرحبا بابنتي ) . ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أسر إليها حديثا فبكت ، فقلت لها : لم تبكين ؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها ، فقالت : أسر إلي : ( إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي ) . فبكيت ، فقال : ( أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة ، أو نساء المؤمنين ) . فضحكت لذلك . ) (1)
وجاء في حديث آخر :
دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها السلام في شكواه الذي قبض فيه ، فسارها بشيء فبكت ، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت ، فسألناها عن ذلك ، فقالت سارني النبي صلى الله عليه سلم : أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه ، فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته يتبعه ، فضحكت . ) (2)
ولقد أشعر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أكثر من موطن بقرب أجله وانتقاله إلى جوار ربه، فعن معاذ بن جبل قال لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن خرج معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال له كما في الحديث التالي :
يا معاذ ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري ؛ فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة ، فقال : إن أولى الناس بي المتقون ، من كانوا ؛ وحيث كانوا . ) (3)
وكذلك جاء في حديث آخر :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3632 .
(2) صحيح : رواه البخاري 4433 .
(3) إسناده صحيح : مشكاة المصابيح للألباني 5155 .(1/41)
أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر . وزاد فيه بشر : وأفاض من جمع ، وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة . وزاد فيه أبو نعيم : وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف . وقال لعلي : ( لا أراكم بعد عامي هذا ) (1)
فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العام الذي أخبر به باقتراب أجله حين اشتد الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة, في يوم لم ير في تاريخ الإسلام أظلم منه، كما جاء في الحديث التالي: عن أنس ، ذكر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : شهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وشهدته يوم موته فما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – . ) (2)
وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة , كما جاء في الحديث التالي :
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة ، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين . ) (3)
(19) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفتن التي ستقع بين أصحابه بعد وفاته :
كما جاء في الحديث التالي :
أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة ، فقال : ( هل ترون ما أرى ) . قالوا : لا ، قال : ( فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر ) . (4)
__________
(1) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 886 .
(2) صحيح : الصحيح المسند للوادعي 133 .
(3) صحيح : رواه البخاري 3902 .
(4) صحيح : رواه البخاري 7060 .(1/42)
قال النووي: "والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم، أي: أنها كثيرة، وتعُمُّ الناس، لا تختص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم، كوقعة الجمل وصِفِّين والحرة، ومقتلِ عثمان، ومقتلِ الحسين رضي الله عنهما وغيرِ ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم". (1)
ويبين ابن حجر معنى اختصاص المدينة بالفتن، فيقول: "وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك، أو عن شيء تولد عنه ". (2)
(20) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن باب الفتنة سيكون مغلق في زمن عمر بن الخطاب :
كما جاء في الحديث التالي :
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ فقال حذيفة : أنا أحفظ كما قال ، قال : هات ، إنك لجريء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فتنة الرجل في أهله وماله وجاره ، تكفرها الصلاة والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) . قال : ليست هذه ، ولكن التي تموج كموج البحر ، قال : يا أمير المؤمنين ، لابأس عليك منها ، إن بينك وبينها بابا مغلقا ، قال : يفتح الباب أو يكسر ؟ قال : لا ، بل يكسر ، قال : ذاك أحرى أن لا يغلق ، قلنا : علم الباب ؟ قال : نعم ، كما أن دون غد الليلة ، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليظ ، فهبنا أن نسأله ، وأمرنا مسروقا فسأله فقال : من الباب ؟ قال : عمر . ) (3)
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (18/7-8)
(2) فتح الباري لابن حجر 13/16 .
(3) صحيح : رواه البخاري 3586 .(1/43)
ولهذا اشتُهر عمر رضي الله تعالى عنه عند بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم بقفل الفتنة ـ كما جاء في حديث أبو ذر : أنه لقي عمر فأخذ بيده فغمزها ، فقال له أبو ذر : أرسل يدي يا قفل الفتنة . الحديث . وفيه أن أبا ذر قال : لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم . وأشار إلى عمر ) (1)
ولهذا لم تظهر الفتن في زمنه رضي الله تعالى عنه، لأن وجوده كان باباً مانعاً من ظهورها، فهو باب موصد بإحكام، فلما قتل رضي الله تعالى عنه، ونال الشهادة: انكسر الباب، وظهرت الفتن، ثم تمادت وانتشرت، وما زالت في ازدياد إلى يومنا هذا.
(21) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن خلافة النبوة ثلاثون سنة :
كما جاء في الحديث التالي :
(خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء ) (2)
وقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر، يضاف إليها ستة أشهر وهي مدة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، فتصير ثلاثين سنة؛ لأن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول سنة إحدى عشر، وتنازل الحسن لمعاوية رضي الله عنهما كان في ربيع الأول سنة إحدى وأربعون من الهجرة النبوية.
(22) أخبر النبي بأن عثمان بن عفان سُيقتل مظلوماً :
كما جاء في الحديث التالي :
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما قال فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه .) (3)
ولقد أخبر النبي باستشهاده كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) إسناده رجاله ثقات : فتح الباري لابن حجر 6/701 .
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3257 .
(3) إسناده صحيح : مسند أحمد لأحمد شاكر 8/171 .(1/44)
أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ، وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال : ( اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصديق ، وشهيدان ) (1)
ولقد أجاب سيدنا عثمان النبي بأنه سيصبر على بلواه كما جاء في الحديث التالي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه وددت أن عندي بعض أصحابي قلنا يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر فسكت قلنا ألا ندعو لك عمر فسكت قلنا ألا ندعو لك عثمان قال نعم فجاء فخلا به فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجه عثمان يتغير قال قيس فحدثني أبو سهلة مولى عثمان أن عثمان بن عفان قال يوم الدار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صائر إليه وقال علي في حديثه وأنا صابر عليه قال قيس فكانوا يرونه ذلك اليوم ) (2)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3675 .
(2) صحيح : صحيح ابن ماجه للألباني 91 .(1/45)
سبحان الله , ولقد تم بالفعل قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه ظلماً , فهو ذو صفات وأخلاق فاضلة كريمة ولكن طمعت فيه أصحاب الأنفس الضعيفة والكارهون لدين اللّه القويم فمن هؤلاء: عبد اللّه بن سبأ وهو يهودي أسلم زمن عثمان نفاقاً فبدأ يطوف في بلدان المسلمين وكان كلما وصل إلى بلد يحكي كذباً عن ظلم عثمان للبلد الآخر حتى ترك كل قطر(ناحية) يظن أنه بخير وأنه أفضل حالا من القطر الآخر وأقنعهم أن علياً- رضي اللّه عنه- أحق بالخلافة من عثمان فجاءت وفود من البصرة، والكوفة، ومصر قائدهم عبد اللّه بن سبأ وقابلهم الخليفة عثمان وعلي- رضي اللّه عنهما- وواعداهم خيراً إذا هم دعوا إلى بلادهم فبدأت هذه" الوفود بالخروج من المدينة إلا أنهم رجعوا مرة أخرى إلى المدينة بحجة أن عثمان كتب إلى والي مصر يأمره أن يقتل الوفد الذي جاء إلى المدينة من أهل مصر.(1/46)
وعثمان- رضي اللّه عنه- بريءُ من هذا الكتاب وإنما زُوِّر عليه، وكان حامل هذا الكتاب المزُوَّر يسير على مقربة من أهل مصر يتعرضهم(أي جعل نفسه هدف لهم) حتى قالوا له: ما لك؟ إن لك لأمراً ما شأنك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ففتشوه فإذا هم بالكتاب المزور وواضح أن هذا الرجل كان قاصداً أن يُعْرفَ فرجعوا إلى عثمان وطلب عثمان التحقيق في هذا الكتاب إلا أنهم أبوا وقالوا: قد أحل اللّه دمك وأحاط الثوار بيت عثمان وقد حاول كثيرٌ من الصحابة وأبنائهم الدفاع عن عثمان إلا أنه كان يقسم عليهم أن يلقوا سيوفهم وهجم الثوار على الخليفة فضربه رجل مصري من بني سدوس يقال له: جَبْلة- أي: الرجل الأسود- بسيف وهو يقرأ القرآن فاتقاه عثمان رضي اللّه عنه بيده، فقطعها والمصحف بين يديه فنضخ(ترشرش) الدم على قوله تعالى: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فسقط المصحف من يده فقال عثمان: أما واللّه إنها لأول كفٍّ خطتِ المُفَصَّل (وهو السُّبع الأخير من القرآن الكريم من "ق" إلى "الناس" سمي بذلك لكثرة الفصل بين سورة) - وذلك أنه كان من كتبة الوحي وهو أول من كتب المصحف من إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و سلم. فجاءت زوجته نائلة تحجز عنه فتعمَّدها أحد المجرمين فضرب يدها فقطع أصابعها. ثم ضرب عثمان فقتله. وكان استشهاده- رضي اللّه عنه- يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة عام 35هـ بعد العصر، وكان يومئذٍ صائمًا . فرحم اللّه أمير المؤمنين رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
(23) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن عمر بن الخطاب سيموت شهيداً :
كما جاء في الحديث التالي :
أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ، وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال : ( اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصديق ، وشهيدان ) (1)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3675 .(1/47)
النبي هو سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم , والصديق سيدنا أبو بكر رضي الله عنه , والشهيدان هما عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما , ولقد تحقق ذلك فعمر وعثمان كلاهما شهيدين حيث تم قتلهما ظلماً , أما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد فيروز غلام المغيرة بن شعبة ويلقب أبا لؤلؤة وكان مجوسياً قتله بخنجر له رأسان طعنه به ست طعنات أحدها تحت سُرَّته وهي التي قتلته وكان ذلك في صلاة الفجر عندما كبر للصلاة من اليوم الثالث والعشرين من ذي الحجة من السنة الثالثة والعشرين من الهجرة وهرِب فيروز وأخذ يطعن بخنجره كل من يمر به حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ما يزيد على النصف وعندما أَحَسَّ أبو لؤلؤة أنه مأخوذ لا محالة أقدم على الانتحار بخنجره ذاتها فَحُمِلَ الخليفة إلى بيته وبقي ثلاثة أيام بعد طعنه ثم توفي يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
وقد غسّله وكفّنه ابنه عبد اللّه وصلى عليه ثم دفن بجانب صاحبيه، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر رضي اللّه عنه وأرضاه وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء .
(24) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن عُمر بن الخطاب من المحدثون :
كما جاء في الحديث التالي :
إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون ( ملهمون من الله ) ، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب .) (1)
وما يدل على ذلك ما جاء في الحديث التالي عن ابنه عبد الله الذي قال بأن سمع من أبيه عُمر رضي الله عنه إحدى الأمرين عندما رأي الرجل الجميل حيث قال إنه على دين الجاهلية أو كان كاهن ... حتى أكد له الرجل أنه فعلاً كان كاهن , وكذلك أخبر الرجل بما جاءت به جنيته ( حيث لكل كاهن جني أو جنية يقوم على خدمته ) وبعدها أخبره الرجل بقصته مع الجنية :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3469 .(1/48)
ما سمعت عمر لشيء قط يقول : إني لأظنه كذا ، إلا كان كما يظن ، بينما عمر جالس ، إذ مر به رجل جميل ، فقال : لقد أخطأ ظني ، أو إن هذا على دينه في الجاهلية ، أو : لقد كان كاهنهم ، علي الرجل ، فدعي له ، فقال له ذلك ، فقال : ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم ، قال : فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني ، قال : كنت كاهنهم في الجاهلية ، قال : فما أعجب ما جاءتك به جنيتك ، قال : بينما أنا يوما في السوق ، جاءتني فيها الفزع ، فقالت : ألن تر الجن وإبلاسها ، ويأسها من بعد إنكاسها ، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها . قال عمر : صدق ، بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه ، فصرخ به صارخ ، لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول : يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلا أنت ، فوثب القوم ، قلت : لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ، ثم نادى : يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلا الله ، فقمت ، فما نشبنا أن قيل : هذا نبي .) (1)
وكيف لعُمر أن يعرف ذلك , إلا كما أخبر سيد المُرسلين مُحمد بأنه ملهم من الله ..
(25) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة :
وإذا كانت الفتنة قد عصفت رياحها بالكثيرين، فإن ثمة من لا تضره الفتنة ولا يشترك فيها، إنه محمد بن مَسْلَمة , كما جاء في الحديث التالي :
ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تضرك الفتنة . ) (2)
وجاء في رواية أخرى : لا تضرك الفتنة [ أي لمحمد بن مسلمة ] (3)
ولما أطلَّت الفتنة برأسها حقق محمد بن مسلمة نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فاعتزلها، وكسر سيفه، واتخذ سيفاً من خشب. [انظر العبر، الذهبي (1/9)]
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3866 .
(2) صحيح : رواه ابن حجر العسقلاني –هداية الرواة 5 / 485 .
(3) صحيح : صحيح أبي داود للألباني 4663 .(1/49)
(26) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هذه الريح لموت منافق :
كما جاء في الحديث التالي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر . فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب . فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بعثت هذه الريح لموت منافق " فلما قدم المدينة ، فإذا منافق عظيم ، من المنافقين ، قد مات .
(27) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هناك ناس يشككون في أولية الله :
المخلوقات تنتهي إلى خالقٍ خلق كل شيء ، ولم يخلقه أحد ، بل هو الخالق لما سواه : فإن هذا هو الموافق للعقل والمنطق ، وهو الله سبحانه وتعالى ... وهذا السؤال عن خالق الله حدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكذلك الآن نجد الكفار من إذا أخبرته الله خلق كل شيء , يقول لك , ومن خلق الله ... والعياذ بالله .
كما جاء في الحديث التالي :
لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا : هذا الله خالق كل شيء ، فمن خلق الله ) (1)
وجاء في حديث آخر :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال يسألونك ، يا أبا هريرة ، حتى يقولوا : هذا الله . فمن خلق الله ؟ " قال ، فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب . فقالوا : يا أبا هريرة ! هذا الله . فمن خلق الله ؟ قال ، فأخذ حصى بكفه فرماهم . ثم قال : قوموا . قوموا . صدق خليلي .) (2)
وبعد هذا فعلينا إن راود أحد هذا السؤال أن يتوقف عن هذا التفكير ويقول آمنت بالله ورسله ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فذلك الأمر من وسوسة الشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ، من خلق كذا ، حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته .) (3)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 7296 .
(2) صحيح : رواه مسلم 135 .
(3) صحيح : رواه البخاري 3276 .(1/50)
أما عن وجود الله عز وجل أولاً , فلقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كما جاء في الحديث التالي :
( ..... اللهم ! رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم . ربنا ورب كل شئ . فالق الحب والنوى . ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان . أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته . اللهم ! أنت الأول فليس قبلك شئ . وأنت الآخر فليس بعدك شئ . وأنت الظاهر فليس فوقك شئ . وأنت الباطن فليس دونك شئ . اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ) وكان يروى ذلك عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ) (1)
وأخيراً فالمؤمن يُؤمن ولا يشكّ والكافر يجحد والمنافق يشكّ ويرتاب ، نسأل الله أن يرزقنا إيماناً صادقاً ويقيناً لاشكّ فيه .
(28) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ببلوى تصيب عثمان بن عفان رضي الله عنه :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2713 .(1/51)
أنه توضأ في بيته ثم خرج ، فقلت : لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأكونن معه يومي هذا ، قال : فجاء المسجد ، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : خرج ووجه ها هنا ، فخرجت على إثره ، أسأل عنه ، حتى دخل بئر أريس ، فجلست عند الباب ، وبابها من جريد ، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ ، فقمت إليه ، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها ، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر ، فسلمت عليه ، ثم انصرفت فجلست عند الباب ، فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم ، فجاء أبو بكر فدفع الباب ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر ، فقلت : على رسلك ، ثم ذهبت ، فقلت : يا رسول الله ، هذا أبو بكر يستأذن ؟ فقال : ( ائذن له وبشره بالجنة ) . فأقبلت حتى قلت لأبي بكر : ادخل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة ، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ، ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكشف عن ساقيه ، ثم رجعت فجلست ، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني ، فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا - يريد أخاه - يأت به ، فإذا إنسان يحرك الباب ، فقلت : من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب ، فقلت على رسلك ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فقلت : هذا عمر ابن الخطاب يستأذن ؟ فقال : ( ائذن له وبشره بالجنة ) . فجئت فقلت : ادخل ، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ، ودلى رجليه في البئر ، ثم رجعت فجلست ، فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به ، فجاء إنسان يحرك الباب ، فقلت : من هذا ؟ فقال : عثمان بن عفان ، فقلت على رسلك ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : ( ائذن له وبشره بالجنة ، على بلوى تصيبه ) .(1/52)
فجئته فقلت له : ادخل ، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، على بلوى تصيبك ، فدخل فوجد القف قد ملئ ، فجلس وجاهه من الشق الآخر . قال شريك : قال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم . ) (1)
قال سعد بن المسيب: فأولتها قبورهم؛ حيث اجتمعت وانفرد عثمان. وهذا البلاء الذي أصاب عثمان رضي الله عنه هو ما وقع من قتله وحصره ومنع الماء عنه، على يد رعاع أهل الأمصار ومن دبر هذه المكيدة وخطط لها وأشعلها من اليهود خصوصًا عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف بابن السوداء لعنه الله .
(29) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بركوب بعض أمته البحر في الغزو :
كما جاء في الحديث التالي :
نام النبي صلى الله عليه وسلم يوما قريبا مني ، ثم استيقظ يبتسم ، فقلت : ما أضحكك ؟ قال : ( أناس من أمتي عرضوا علي ، يركبون هذا البحر الأخضر ، كالملوك على الأسرة ) . قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ، ثم نام الثانية ، ففعل مثلها ، فقالت مثل قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ( أنت من الأولين ) . فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا ، أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشأم ، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت . ) (2)
(30) أخبر النبي بظهور الحجاج الثقفي والمختار الثقفي :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3674.
(2) صحيح : رواه البخاري 2799 .(1/53)
رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة . قال فجعلت قريش تمر عليه والناس . حتى مر عليه عبدالله بن عمر . فوقف عليه . فقال : السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب ! السلام عليك ، أبا خبيب ! أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! لقد كنت أنهاك عن هذا . أما والله ! إن كنت ، ما علمت ، صواما . قواما . وصولا للرحم . أما والله ! لأمة أنت أشرها لأمة خير . ثم نفذ عبد الله بن عمر . فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله . فأرسل إليه . فأنزل عن جذعه . فألقي في قبور اليهود . ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر . فأبت أن تأتيه . فأعاد عليها الرسول : لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك (أي يجرّك بضفائر شعرك ) قال فأبت وقالت : والله ! لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني . قال فقال : أروني سبتي ( هي النعل التي لا شعر فيها ) فأخذ نعليه . ثم انطلق يتوذف ( أي يُسرع ) حتى دخل عليها . فقال : كيف رأيتني صنعت بعدو الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك . بلغني أنك تقول له : يا ابن ذات النطاقين ! أنا ، والله ! ذات النطاقين . أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطعام أبي بكر من الدواب . وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه . أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا " أن في ثقيف كذابا ومبيرا " فأما الكذاب فرأيناه . وأما المبير ( أي مُهلِكْ ) فلا إخالك إلا إياه . قال فقام عنها ولم يراجعها .) (1)
فأما الكذاب فرأيناه : تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، كان شديد الكذب، ومن قبحه إدّعى أن جبريل عليه السلام يأتيه . وأتفق العلماء على أن المراد بالكذاب المختار بن أبي عبيد، وبالمبير الحجاج بن يوسف .
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2545 .(1/54)
ففي هذا الحديث أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بظهور شخصين من بني ثقيف أحدها كذاب يدعي انه نبي يوحى إليه، والآخر مهلك للناس بكثرة إعمال السيف فيهم بالقتل والظلم والإهلاك فكان وصف النبي الدقيق له بأنّه مبير أي مهلك . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن أردت المزيد فالمختار الثقفي ذكره العلامة ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية الجزء الثامن ترجمة هذا الكذاب الدعيّ ( المختار الثقفي ) ويقول فيه:
" هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، أسلم أبوه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ......... ويكمل قائلاً: وكان المختار ناصبيا يبغض علياً رضي الله عنه بغضا شديدا وكان يزعم أن الوحي يأتيه على يد جبريل عليه السلام فقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا عيسى القارئ أبو عمير بن السدي عن رفاعة القباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، قال: فذكرت حديثاً حدثنيه أخي عمر بن الحمق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أمّن رجلاً على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة ) (1)
وأما الحجاج بن يوسف الثقفي فلا أظنّك تجهل ما فعل بأهل الإسلام والائمة الأعلام من أهل السنة والجماعة من قتل وسفك للدماء فقد كان مُبِيراً مهلكا حقا وصدقا كما ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكما وصفته بذلك الصحابية التقية اسماء بنت أبي بكر بذلك الوصف الذي أطلقه عليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
(31) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم غزو المشركين بعد الخندق ( الأحزاب ) :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) رواه أحمد 23591 .(1/55)
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول حين أجلى ( انصرف ) الأحزاب عنه الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نخن نسير إليهم .) (1)
فلم تَغزُ قريش بعد هذه الغزوة حتى فتح الله عليه مكة .
(32) أخبر النبي بفتح الحيرة ووهب الشيماء ابنة بقيلة لخريم بن أوس :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها فقام رجل فقال : هب لي يا رسول الله ابنة بقيلة ، فقال : هي لك , فأعطوها إياه ، فجاء أبوها فقال : أتبعنيها ؟ فقال : نعم . قال : بكم ؟ قال : احتكم ما شئت . قال : بألف درهم . قال : قد أخذتها . فقيل : لو قلت ثلاثين ألفا . قال : وهل عدد أكثر من ألف ؟ ! ) (2)
ولقد وقع الأمر كما تحدث به النبي صلى الله عليه وسلم تماماً .
(33) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمصارع القوم يوم بدر :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4110 .
(2) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 535 .(1/56)
كنا مع عمر بين مكة والمدينة . فتراءينا الهلال . وكنت رجلا حديد البصر . فرأيته . وليس أحد يزعم أنه رآه غيري . قال فجعلت أقول لعمر : أما تراه ؟ فجعل لا يراه . قال يقول عمر : سأراه وأنا مستلق على فراشي . ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس . يقول " هذا مصرع فلان غدا ، إن شاء الله " قال فقال عمر : فوالذي بعثه بالحق ! ما أخطؤا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال " يا فلان بن فلان ! ويا فلان بن فلان ! هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا " . قال عمر : يا رسول الله ! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟ قال " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم . غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا ) (1)
يا الله , سبحان من عرفه مصارع الطغاة قبل أن يحين وقت المعركة .
(34) أخبر النبي بموت النجاشي ملك الحبشة في اليوم الذي مات فيه :
كما جاء في الحديث التالي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم ، وكبر عليه أربع تكبيرات . ) (2)
نعم , فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه , وهذا خبر يستغرق وصوله أكثر من شهر يوم ذاك , فسبحان الله الذي أوحى إليه بذلك .
(35) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن إسلام الفرس بعد الفتح :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2873 .
(2) صحيح : رواه البخاري 1333 .(1/57)
كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } . قال : قلت : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ، ثم قال : ( لو كان الإيمان عند الثريا ، لناله رجال ، أو رجل ، من هؤلاء ) . حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب : حدثنا عبد العزيز : أخبرني ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لناله رجال من هؤلاء ) (1)
(36) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخراب خيبر :
كما جاء في الحديث التالي :
صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبا من خيبر بغلس ، ثم قال : ( الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة القوم فساء صباح المنذرين ) . فخرجوا يسعون في السكك ، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية ، وكان في السبي صفية ، فصارت إلى دحية الكلبي ، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل عتقها صداقها . فقال : عبد العزيز بن صهيب لثابت : يا أبا محمد ، آنت قلت لأنس : ما أصدقها ؟ فحرك ثابت رأسه تصديقا له . ) (2)
وجاء في حديث آخر :
كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر . وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأتيناهم حين بزغت الشمس . وقد أخرجوا مواشيهم . وخرجوا بفؤسهم ومكاتلهم ومرورهم . فقالوا : محمد والخميس . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خربت خيبر . إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ) قال : فهزمهم الله عز وجل . ) (3)
(37) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية أولاً :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4897.
(2) صحيح: رواه البخاري 4200 .
(3) صحيح رواه مسلم 1365 .(1/58)
كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ، و سئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج منه كتابا قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله نكتب ، إذ سئل رسول الله : أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله : مدينة هرقل تفتح أولا : يعني قسطنطينية ) (1)
وقد تحقق الفتح الأول على يد الخليفة العثماني المسلم محمد الفاتح -رحمه الله- بعد أكثر من ثماني مئة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسيتحقق الفتح الثاني لا محالة بإذن الله.
(38) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقلِّ الأنصار :
كما جاء في الحديث التالي :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه بملحفة ، قد عصب بعصابة دسماء ، حتى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أما بعد ، فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار ، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام ، فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع فيه آخرين ، فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ) . فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم . ) (2)
من ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع فيه آخرين ، فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم :
ذلك تحذير من سبهم وإيذائهم، وتنقصهم وعيبهم .
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 4 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3628 .(1/59)
قال الحافظ أن الحديث فيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار , فمهما فرض في الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك فهم أبدا بالنسبة إلى غيرهم قليل . ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر لأن الموجودين الآن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه معهم بغير برهان .
(39) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال الخلافة بعده :
كما جاء في الحديث التالي :
عن النعمان بن بشير قال كنا قعودا في المسجد وكان بشير رجلا يكف حديثه فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال يا بشير بن سعد من يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء فقال حذيفة أنا أحفظ خطبته فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم يكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على مناهج نبوة ثم سكت قال حبيب فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتب إليه بهذا الحديث أذكر إياه فقلت إني لأرجو أن تكون أمير المؤمنين يعني عمر بعد الملك العاض والجبرية فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه . ) (1)
وجاء في حديث آخر :
__________
(1) صحيح : محجة القرب للعراقي 175 .(1/60)
تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون ملكا عاضا ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون ملكا جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها الله - تعالى - ، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة . ثم سكت ... ) (1)
في هذا الحديث أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال الخلافة بعده إلى ما شاء الله تعالى، سواء حال الخلافة التي هي على نهج النبوية ـ وهي الراشدة ـ أو التي تكون ملكاً عضوداً، أو التي تكون ملكاً جبرياً .. إلخ . وكل ذلك قد تحقّق كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
(40) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فتح مصر وتم ذلك بعد وفاته :
كما جاء في الحديث التالي :
إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط . فاستوصوا بأهلها خيرا . فإن لهم ذمة ورحما . فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها . قال فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة . يتنازعان في موضع لبنة . فخرج منها . ) (2)
فالرحم: هو كون هاجر أم إسماعيل عليه السلام منهم.
والصهر:هو كون مارية أم إبراهيم بن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
فلا غرابة في هذا الأمر , فهو النبي الذي لا ينطق عن الهوى , إنما هو الوحي الذي يوحى إليه من الله عز وجل , فهذه علامة من علامات نبوته الكثيرة .
(41) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عماراً بأن الفئة الباغية ستقتله :
كما جاء في الحديث التالي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار " تقتلك الفئة الباغية " . (3)
__________
(1) إسناده صحيح : مشكاة المصابيح للألباني 5306.
(2) صحيح : رواه مسلم 2543 .
(3) صحيح : رواه مسلم 2916 .(1/61)
ومعلوم أن عمارًا رضي الله عنه كان في جيش علي يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام سنة سبع وثلاثين للهجرة النبوية ، وكان الذي قتله رجل يقال له أبو الفادية رجل من غوغاء الناس، وقيل: قتله اثنان: هذا ويسار بن أزيهر الجهني من قضاعة.
قال النووي في شرحه للحديث: " وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه: منها أن عمارًا يموت قتيلاً, وأنه يقتله مسلمون, وأنهم بُغاةٌ, وأن الصحابة يقاتِلون, وأنهم يكونون فِرقتين: باغية, وغيرها, وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح, صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى) (1)
(42) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجوع الشديد الذي سيحدث في المدينة :
كما جاء في الحديث التالي :
يا أبا ذر ! أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع ؟ تعفف . يا أبا ذر ؟ أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد – يعني القبر – كيف تصنع ؟ اصبر . يا أبا ذر : أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع ؟ اقعد في بيتك ، واغلق عليك بابك . قال : فإن لم أترك ؟ قال : فائت من كنت معه فكن فيهم . قال : فآخذ سلاحي ؟ قال : إذا تشاركهم فيما هم فيه ، ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق من طرف ردائك على وجهك ، كي يبوء بإثمه وإثمك ، ويكون من أصحاب النار . ) (2)
وقد وقع ذلك في عام الرماد، سنة ثماني عشرة من الهجرة، في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه، واستمر تسعة أشهر، ومات فيه خلق كثير، حتى استسقى عمر رضي الله عنه بالناس .
__________
(1) شرح الإمام النووى لصحيح مسلم 8/40.
(2) صحيح : صحيح الألباني 7819 .(1/62)
كما جاء في الحديث التالي :أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عام الرمادة - وكانت سنة شديدة ملمة ، بعدما اجتهد عمر في إمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها مما جهدها ذلك - فقام عمر يدعو فقال : اللهم ! اجعل رزقهم على رؤوس الجبال ، فاستجاب الله له وللمسلمين ، فقال حين نزل به الغيث : الحمد لله ، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء ، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم الواحد . ) (1)
(43) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفرقة المارقة :
كما جاء في الحديث التالي :
تمرق مارقة ( أي طائفة تجاوزت حدود الشرع وتعدته ) عند فرقة من المسلمين . يقتلها أولى الطائفتين بالحق .) (2)
وهذه الفرقة هي الخوارج، وقد ظهرت أثناء القتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وقتلها أقرب الطائفتين إلى الحق ، وهو علي رضي الله عنه ومن معه.
فهذا الحديث شهادة بالغة بأن الحق مع عليٍّ وأصحابه، لقتالهم لمارقي الخوارج في وقعة النهروان ,
وقَالَ القرطبي: وفي هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع.
(44) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حال أويس القرني حتى كان كما قال :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح الأدب المفرد للألباني 438 .
(2) صحيح : صحيح مسلم 1064.(1/63)
لما أقبل أهل اليمن جعل عمر رضي الله عنه يستقري الرفاق فيقول : هل فيكم أحد من قرن ؟ حتى أتي عليه قرن فقال : من أنتم ؟ قالوا : قرن . فرفع عمر بزمام أو زمام أويس فناوله عمر ، فعرفه بالنعت ، فقال له عمر : ما اسمك ؟ قال : أنا أويس . قال : هل كان لك والدة ؟ قال : نعم . قال : هل بك من البياض ؟ قال : نعم . دعوت الله تعالى فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي . فقال له عمر : استغفر لي . قال : أنت أحق أن تستغفر لي أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عمر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني وله والدة وكان به بياض فدعا ربه فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته قال : فاستغفر له ..... ) (1)
وجاء في حديث آخر :
إن خير التابعين رجل يقال له أويس . وله والدة . وكان به بياض . فمروه فليستغفر لكم .) (2)
وجاء في حديث آخر :
إن خير التابعين ، رجل يقال له : أويس ، و له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره ، و كان به بياض ، فمروه فليستغفر لكم .) (3)
(45) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خروج إحدى أزواجه على جمل، وأنه يقتل حولها الكثير من المسلمين :
كما جاء في الحديث التالي :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ( أي كثير وبر الوجه ) تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعدما كادت0 ) (4)
وجاء في حديث آخر :
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 497 .
(2) صحيح : صحيح مسلم 2542.
(3) صحيح : صحيح الجامع الألباني 2064.
(4) صحيح : السلسلة الصحيحة الألباني 1 / 852.(1/64)
لما أقبلت عائشة, بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب قالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب . قالت : ما أظنني إلا أني راجعة, فقال بعض القوم من كان معها : بل تقدمين ، فيراك المسلمون ، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم . قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال لها ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب . ) (1)
وقد تحققت نبوءته - صلى الله عليه وسلم - حين سارت عائشة رضي الله عنها جهة البصرة قبيل وقعة الجمل، فلما بلغت مياه بني عامر نبحت الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة. فقال لها الزبير: بل تقدمين، فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ذات يوم: ((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب)) فتحقق ما أخبرها به النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بخمس وعشرين سنة، ليكون إنباؤه دليل صدقه وبرهان نبوته.
(46) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه أنه من أهل النار فكان كذلك :
كما جاء في الحديث التالي :
كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو في النار ) . فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها . ) (2)
(47) أخبر النبي وهو في المدينة أن أمته ستفتح كنوز كسرى :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : الصحيح المسند الوادعي 1587.
(2) صحيح : صحيح البخاري 3074.(1/65)
بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل ، فقال : ( يا عدي ، هل رأيت الحيرة ) . قلت : لم أرها ، وقد أنبئت عليها ، قال : ( فإن طالت بك الحياة ، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة ، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله - قلت فيما بيني وبين نفسي : فأين دعار طيء (الدعار هو الخبث الشديد) الذين قد سعروا في البلاد - ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ) . قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : ( كسرى بن هرمز ، ولئن طالت بك حياة ، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة ، يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ، فيقولن : ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك ؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أعطك مالا وولدا وأفضل عليك ؟ فيقول : بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم ) . قال عدي : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد شق تمرة ، فبكلمة طيبة ) . قال عدي : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ، ولئن طالت بكم الحياة ، لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ) (1)
(48) أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم عمر، وكذلك إلى قصر خلافة الصديق :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح البخاري 3595 .(1/66)
بينما أنا على بئر ( أي في المنام ) أنزع منها ( أي أملأ الماء بالدلو ) ، جاءني أبو بكر وعمر ، فأخذ أبو بكر الدلو ، فنزع ذنوبا أو ذنوبين ( أي دلو أو دلوين ) ، وفي نزعه ضعف ( أي على مهل ورفق ) ، والله يغفر له ، ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر ، فاستحالت في يده غربا ( أي الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد الثور ) ، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه ( أي يعمل عمله ) ، فنزع حتى ضرب الناس بعطن ( المراد اتساع الأمصار ) (1)
ولقد صدق الله رسوله الرؤيا فتولى الخلافة من بعده - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق وكانت مدة خلافته رضي الله عنه سنتين وثلاثة أشهر , وتولى من بعده الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر حيث قوي سلطان الإسلام وانتشر في مشارق الأرض ومغاربها ففتحت بلاد الشام والعراق ومصر وأرمينية وفارس حتى قيل إن الفتوحات في عهد عمر بلغت ألفاً وستاً وثلاثين مدينة بني فيها أربعة آلاف مسجد .
(49) إعلامه صلى الله عليه وسلم بمواقيت الحج :
كما جاء في الحديث التالي :
وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشأم الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، فهن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ، لمن كان يريد الحج والعمرة ، فمن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها . ) (2)
- ( ذا الحليفة ) موضع بينه وبين مكة 450 كيلو متر يقع في شمالها .
- (الجحفة ) موضع في الشمال الغربي من مكة بينه وبينها 187 كيلومتر، وهي قرية من رابغ، ورابغ بينها وبين مكة 204 كيلومتر، وقد صارت رابغ ميقات أهل مصر والشام ومن يمر عليها، بعد ذهاب معالم جُحفة .
- ( قرن المنازل ) جبل شرقي مكة يطل على عرفات، بينه وبين مكة 94 كيلومتر .
__________
(1) صحيح : صحيح البخاري 3676.
(2) صحيح: صحيح البخاري 1526.(1/67)
- ( يلملم ) جبل يقع جنوب مكة، بينه وبينها 54 كيلومتر .
- ( ذات عرق ) موضع في الشمال الشرقي لمكة، بينه وبينها 94 كيلومتر .
وعندما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك , لم تكن هذه البلاد قد فتحت كلها بعد، ثم مرت الأيام وفتحت هذه البلاد في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما.
(50) الإخبار عن موت ميمونة بنت الحارث بسرف
كما جاء في الحديث التالي :
ثقلت ميمونة بمكة وليس عندها من بني أختها أحد فقالت : أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة ، فحملوها حتى أتوا بها إلى سرف ، الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحتها في موضع القبة فماتت رضي الله عنها ) (1)
(51) معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل الذي قال عنه ( لن تقبله الأرض ) :
وذلك كما في الحديث التالي : عن أنس أن رجلا كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا يعني عظم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي عليه غفورا رحيما فيكتب عليما حكيما فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم اكتب كذا وكذا فيقول أكتب كيف شئت ويملي عليه عليما حكيما فيكتب سميعا بصيرا فيقول أكتب كيف شئت قال فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين وقال أنا أعلمكم بمحمد وإني كنت لا أكتب إلا ما شئت فمات ذلك الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض لا تقبله قال أنس فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذا فقال أبو طلحة ما شأن ذلك الرجل قالوا قد دفناه مرارا فلم تقبله الأرض ) (2)
وها هو الحديث الآخر :
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 654.
(2) صحيح : البداية والنهاية لابن كثير 6 / 179.(1/68)
كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فعاد نصرانيا ، فكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له ، فأماته الله فدفنوه ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم ، نبشوا عن صاحبنا فألقوه ، فحفروا له فأعمقوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه ، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه ، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فعلموا : أنه ليس من الناس فألقوه .) (1)
(52) المسلمون يفتحون فارس موقنين بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح :صحيح البخاري 3617 .(1/69)
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان فقال : يا أمير المؤمنين : أصبهان الرأس وفارس وآذربيجان جناحان ، فإذا قطعت إحدى الجناحين فالرأس بالجناح ، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان ، فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب المسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلي فانتظره حتى قضى صلاته فقال له : إني مستعملك . فقال : أما جابيا فلا وأما غازيا فنعم . قال : فإنك غاز فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم حذيفة بن اليمان ، والمغيرة بن شعبة ، والزبير بن العوام ، والأشعث بن قيس ، وعمرو بن معدي كرب ، وعبد الله ابن عمرو ، فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولا وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه فقال : ما ترون أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته ؟ فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريره ووضع التاج على رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والأسورة ، فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه وبيده الرمح والترس والناس حوله سماطين على بساط له ، فجعل يطعنه برمحه فخرقه لكي يتطيروا ، فقال له ذو الحاجبين : إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم ، فإن شئتم مرناكم ورجعتم إلى بلادكم ، فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال : إنا كنا معشر العرب نأكل الجيفة والميتة ، وكان الناس يطؤونا ولا نطؤهم فابتعث الله منا رسولا في شرف منا أوسطنا وأصدقنا حديثا ، وإنه قد وعدنا أن ها هنا ستفتح علينا ، وقد وجدنا جميع ما وعدنا حقا ، وإني لأرى ها هنا بزة وهيئة ما أرى من معي بذاهبين حتى يأخذوه . فقال المغيرة : فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة ، فزجرني وجعلوا يحثونه فقلت : أرأيتم إن كنت أنا استحمقت فإن هذا لا يفعل بالرسل . وإنا لا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا . فقال : إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئتم قطعنا إليكم .(1/70)
فقلت : بل نقطع إليكم ، فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل سبعة في سلسلة ، وخمسة في سلسلة حتى لا يفروا . قال : فرامونا حتى أسرعوا فينا فقال المغيرة للنعمان : إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل ، فقال : إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكني أنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الريح وينزل النصر . فقال النعمان : يا أيها الناس اهتز ثلاث هزات ، فأما الهزة الأولى فليقض الرجل حاجته ، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وسيفه ، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد ، وإن قتلت فلا تلووا علي ، وإني داع الله بدعوة فعزمت على كل امرئ منكم لما أمن عليها ، فقال : اللهم ارزق اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين ، وافتح عليهم فأمن القوم ، وهز لواءه ثلاث مرات ثم حمل ، فكان أول صريع رضي الله عنه ، فذكرت وصيته فلم ألو عليه ، وأعلمت مكانه ، فكنا إذا قتلنا رجلا منهم شغل عنا أصحابه يرجونه ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على المسلمين ، فأتيت النعمان وبه رمق فأتيته بماء فجعلت أصبه على وجهه أغسل التراب عن وجهه فقال : من هذا ؟ فقلت : معقل بن يسار . فقال : ما فعل الناس ؟ فقلت : فتح الله عليهم فقال : الحمد لله . اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس ، فقال : فأتينا أم ولده فقلنا هل عهد إليك عهدا قالت : لا إلا سفيط له في كتاب فقرأته فإذا فيه : إن قتل فلان ففلان وإن قتل فلان ففلان ) (1)
أرأيت كيف زحف المسلمون وهم قلة قليلة إلى الفرس وهم أضعاف أضعافهم , ولكن المسلمين كانوا موقنين بالنصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بذلك، والرسول لا يقول إلا حقاً .
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة-الوادعي 530 .(1/71)
(53) النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر عثمان بأن هناك من سيقوم بخلعه من الخلافة فلا يقبل :
كما جاء في الحديث التالي :
يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم ) (1)
لقد أنبأه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خلافته، وأن ثمةَ من يريد خلعَه من هذه الخلافة، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم عدم موافقتهم عليه، وكل ذلك من أخبار الغيب الصادقة الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم.
قال المباركفوري: "يعني إن قصدوا عزلك عن الخلافة، فلا تعزل نفسك عنها لأجلهم؛ لكونك على الحقّ، وكونهم على الباطل , ولهذا الحديث فإن عثمانَ رضي الله عنه لم يعزل نفسَهُ حين حاصرُوهُ يوم الدّار ".[ تحفة الأحوذي (10/137)]
(54) إنما الأعمال بالخواتيم , فكان الرجل كما قال النبي من أهل النار :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 3705.(1/72)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، لا يدع لهم شاذة ولا فاذة ، إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه من أهل النار ) . فقال رجل من القوم : أنا صاحبه ( ومعناه: أنا أصحبه في خفية وألازمه لأنظر السبب الذي به يصير من أهل النار( ، قال : فخرج معه كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه ، قال : فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض ، وذبابه ( ذباب السيف هو طرفه الأسفل وأما طرفه الأعلى فمقبضه ) بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله ، قال : ( وما ذاك ) . قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به ، فخرجت في طلبه ، ثم جرح جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه في الأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة ، فيما يبدو للناس ، وهو من من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار ، فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ) (1)
(55) بشر النبي المسلمين بغزو قريش :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم . (2)
فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو الذي يغزوها ، حتى فتح الله عليه مكة .
(56) قتل أمية بن خلف :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح البخاري 2898 .
(2) صحيح : تفسير القرآن لابن كثير 6 / 396 .(1/73)
انطلق سعد بن معاذ معتمرا ، قال : فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان ، وكان أمية إذا انطلق إلى الشأم فمر بالمدينة نزل على سعد ، فقال أمية لسعد : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت ، فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل ، فقال : من هذا الذي يطوف بالكعبة ؟ فقال سعد : أنا سعد ، فقال أبو جهل : تطوف بالكعبة آمنا ، وقد آويتم محمد وأصحابه ؟ فقال : نعم ، فتلاحيا بينهما ، فقال أمية لسعد : لا ترفع صوتك على أبي الحكم ، فإنه سيد أهل الوادي ، ثم قال سعد : والله لئن منعني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام . قال فجعل أمية يقول لسعد : لا ترفع صوتك ، وجعل يمسكه ، فغضب سعد فقال : دعنا عنك ، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك ، قال : إياي ؟ قال : نعم ، قال : والله ما يكذب محمد إذا حدث ، فرجع إلى امرأته ، فقال : أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي ، قالت : وما قال ؟ قال : زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي ، قالت : فوالله ما يكذب محمد ، قال : فلما خرجوا إلى بدر ، وجاء الصريخ ، قالت له امرأته : أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي ، قال : فأراد أن لا يخرج ، فقال له أبو جهل : إنك من أشراف الوادي فسر يوما أو يومين ، فسار معهم ، فقتله الله.) (1)
(57) كانت السيدة فاطمة ابنة النبي أول أهله لحاقاً به كما أخبرها - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح البخاري 3632.(1/74)
أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مرحبا بابنتي ) . ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أسر إليها حديثا فبكت ، فقلت لها : لم تبكين ؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها ، فقالت : أسر إلي : ( إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي ) . فبكيت ، فقال : ( أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة ، أو نساء المؤمنين ) . فضحكت لذلك . ) (1)
(58) لغاية الآن لم يدخل الطاعون المدينة :
كما جاء في الحديث التالي :
على أنقاب المدينة ملائكة ، لا يدخلها الطاعون ، ولا الدجال ) (2)
وقد وقع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فحتى الآن لم نسمع بدخول الطاعون المدينة.
(59) ما أخبر به عدي بن حاتم الطائي وتحقق :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح البخاري 3623.
(2) صحيح : صحيح البخاري 7133.(1/75)
بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل ، فقال : ( يا عدي ، هل رأيت الحيرة ) . قلت : لم أرها ، وقد أنبئت عليها ، قال : ( فإن طالت بك الحياة ، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة ، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله - قلت فيما بيني وبين نفسي : فأين دعار طيء الذين قد سعروا في البلاد - ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ) . قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : ( كسرى بن هرمز ، ولئن طالت بك حياة ، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة ، يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ، فيقولن : ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك ؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أعطك مالا وولدا وأفضل عليك ؟ فيقول : بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم ) . قال عدي : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد شق تمرة ، فبكلمة طيبة ) . قال عدي : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ، ولئن طالت بكم الحياة ، لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ) (1)
(60) هيمنة الأمة الإسلامية على العالم :
كما جاء في الحديث التالي :
( إن الله زوى لي الأرض . فرأيت مشارقها ومغاربها . وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها . ...... ) (2)
وقد حدث هذا في أيام الصحابة رضي الله عنهم، قبل نهاية القرن الهجري الأول؛ حيث سيطر المسلمون على قارات العالم الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، وزالت إمبراطورتا الفرس والروم.
(61) وفاة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3595.
(2) صحيح : رواه مسلم 2889.(1/76)
أن أبا ذر حضره الموت ، وهو بالربذة فبكت امرأته ، فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : أبكي فإنه لا يد لي بنفسك ، وليس عندي ثوب يسع لك كفنا ، قال : لا تبكي ، فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين قال : فكل من كان معي ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، فلم يبق منهم غيري ، وقد أصبحت بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق ، فإنك سوف ترين ما أقول ، فإني والله ما كذبت ولا كذبت . قالت : وأنى ذلك ، وقد انقطع الحاج ؟ قال : راقبي الطريق . قال : فبينا هي كذلك إذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم ، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها فقالوا : ما لك ؟ فقالت : امرؤ من المسلمين تكفنوه وتؤجروا فيه ؟ قالوا : ومن هو ؟ قالت : أبو ذر ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه ، فقال : أبشروا ، فإنكم النفر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال : ثم أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسع كفني لم أكفن إلا فيه ، فأنشدكم بالله لا يكفني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا فكل القوم قد نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار ، وكان مع القوم قال : أنا صاحبك ، ثوبان في عيبتي من غزل أمي وثوبي هذين اللذين علي . قال : أنت صاحبي ) (1)
وجاء في حديث آخر :
__________
(1) صحيح : رواه المنذري في الترغيب والترهيب 4 / 187 .(1/77)
ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، يشهده عصابة من المؤمنين . قال : فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وفرقة ، فلم يبق منهم غيري ، وقد أصبحت بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق ؛ فإنك سوف ترين ما أقول ، فإني والله ما كذبت ، ولا كذبت ، قالت : وأنى ذلك وقد انقطع الحاج ؟ قال : راقبي الطريق . قال : فبينما هي كذلك إذا هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم ، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها ، فقالوا : مالك ؟ فقالت : امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه . قالوا : ومن هو ؟ قالت : أبو ذر ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه ، فقال : أبشروا ، فإنكم النفر الذين قال رسول الله فيكم ما قال ، ثم ( قد ) أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسع كفني لم أكفن إلا فيه ، فأنشدكم بالله لا يكفني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا ، فكل القوم قد نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار ، وكان مع القوم ، قال : أنا صاحبك ، ثوبان في عيبتي من غزل أمي ، وأجد ثوبي هذين اللذين علي . قال : أنت صاحبي ( فكفني ) . (1)
سبحان الله العظيم , اللهم صلِ وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم , ما قاله قد تحقق في الصحابي الجليل أبو ذر .
عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس
(62) والله يعصمك من الناس
__________
(1) صحيح : رواه الألباني قي صحيح الترغيب 3314 .(1/78)
حيث مرت سنوات وسنوات على حياة النبي وهو يعيش بين الناس يأكل ويشرب وينام ويصلي ويحارب , ويزور المرضى , ويتبع الموتى , ويقضي حاجة كل محتاج , لم يكن مختبئ في سرداب من السراديب , أو يتبعه حرس أينما حل وارتحل , ورغم هذا , فقد باءت جميع محاولات قتله بالفشل والخسران , وهذا من كفاية الله عز وجل له , كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67
(63) النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس أمامها ولا تراه :
كما جاء في الحديث التالي : لما نزلت { تبت يدا أبي لهب } ؛ جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ! إنها امرأة بذيئة ، وأخاف أن تؤذيك ، فلو قمت ! قال : إنها لن تراني . فجاءت فقالت : يا أبا بكر ! إن صاحبك هجاني ، قال : لا ، وما يقول الشعر ، قالت : أنت عندي مصدق ، وانصرفت ، فقلت : يا رسول الله ! لم ترك ؟ ! قال : لا ، لم يزل ملك يسترني منها بجناحيه ) (1)
(64) تقدم أبو جهل ليطأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع خائفاً :
__________
(1) صحيح : رواه الألباني في صحيح الموارد 1762.(1/79)
كما جاء في الحديث التالي : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال فقيل : نعم . فقال : واللات والعزى ! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته . أو لأعفرن وجهه في التراب . قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي . زعم ليطأ على رقبته . قال فما فجئهم ( أي بغتهم ) منه إلا وهو ينكص على عقبيه ( أي رجع يمشي إلى ورائه ) ويتقي بيديه . قال فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " . قال فأنزل الله عز وجل - لا ندري في حديث أبي هريرة ، أو شيء بلغه - : { كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى* إن إلى ربك الرجعى* أرأيت الذي ينهى* عبدا إذا صلى* أرأيت إن كان على الهدى* أو أمر بالتقوى* أرأيت إن كذب وتولى ( يعني أبا جهل ) * ألم يعلم بأن الله يرى* كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية* ناصية كاذبة خاطئة* فليدع ناديه* سندع الزبانية* كلا لا تطعه } [ 96 / العلق / 6 - 19 ] . زاد عبيد الله في حديثه قال : وأمره بما أمره به . وزاد ابن عبد الأعلى : فليدع ناديه . يعني قومه .) (1)
فهذه معجزة عظيمة رآها عدو الإسلام أبو جهل، فقد رأى أجنحة ملائكة الله وهي تحمي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأيقن بأن الله حماه بجنده وعونه، لكن منعه الكِبْرُ وحبُ الزعامة والحرصُ عليها من الإذعان للحق والانقياد له، فحاله وحال غيرِه من المشركين كما قال الله: { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }الأنعام33
(65) دعا على سراقة فارتطمت به فرسه :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2797.(1/80)
كما جاء في الحديث التالي : جاء أبو بكر رضي الله عنه إلى أبي في منزله ، فاشترى منه رحلا ، فقال لعازب : ابعث ابنك يحمله معي ، قال : فحملته معه ، وخرج أبي ينتقد ثمنه ، فقال له أبي : يا أبا بكر ، حدثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم ، أسرينا ليلتنا ومن الغد ، حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمر فيه أحد ، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل ، لم تأت عليه الشمس ، فنزلنا عنده ، وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانا بيدي ينام عليه ، وبسطت فيه فروة ، وقلت : نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك ، فنام وخرجت أنفض ما حوله ، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة ، يريد منها مثل الذي أردنا ، فقلت : لمن أنت يا غلام ، فقال : لرجل من أهل المدينة أو مكة ، قلت : أفي غنمك لبن ؟ قال : نعم ، قلت : أفتحلب ، قال : نعم ، فأخذ شاة ، فقلت : انفض الضرع من التراب والشعر والقذى ، قال : فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض ، فحلب في قعب كثبة من لبن ، ومعي إداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي منها ، يشرب ويتوضأ ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أوقظه ، فوافقته حين استيقظ ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله ، فقلت : اشرب يا رسول الله ، قال : فشرب حتى رضيت ، ثم قال : ( ألم يأن الرحيل ) . قلت : بلى ، قال : فارتحلنا بعد ما مالت الشمس ، واتبعنا سراقة بن مالك ، فقلت : أتينا يا رسول الله ، فقال : ( لا تحزن إن الله معنا ) . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها - أرى - في جلد من الأرض - شك زهير - فقال : إني أراكما قد دعوتما علي ، فادعوا لي ، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا ، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال : كفيتكم ما هنا ، فلا يلقى أحدا إلا رده ، قال : ووفى لنا . ) (1)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3615..(1/81)
(66) رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عن النبي أشد القتال :
كما جاء في الحديث التالي :
لقد رأيت يوم أحد ، عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره ، رجلين عليهما ثياب بيض . يقاتلان عنه كأشد القتال . ما رأيتهما قبل ولا بعد . ) (1)
والرجلين هما : جبريل وميكائيل .
(67) رد السيف إلى مكانه بعدما حاول قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه ( أي كل شجرة فيها شوك ) ، فتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه ، ثم نام ، فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا اخترط سيفي ( أي سله من غمده )، فقال : من يمنعك ؟ قلت : الله ، فشام السيف ( أي رده في غمده ) ، فها هو ذا جالس ) . ثم لم يعاقبه .) (2)
ففي هذا الحديث دلائل مختلفة على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منها: ثبات النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأييد الله له، ثم حمايةُ الله له من القتل , وكذلك عفوُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل مع رفضه للإسلام، وما ذلك إلا خلق من أخلاق النبوة، وإلا فمن يصنع ذلك مع غريمه وعدوه الذي كاد أن يقتله ؟
(68) رماهم بقبضة تراب فشكوا القذى :
كما جاء في الحديث التالي :انكشف المسلمون يوم حنين فتبعتهم الكفار فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من الأرض فرمى بها وجوههم وقال ارجعوا شاهت الوجوه فما منا من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكو القذى ويمسح عينيه .) (3)
(69) سقط السيف من يده بعد أن أراد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2306.
(2) صحيح : رواه البخاري 2913.
(3) صحيح : رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 185.(1/82)
قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب بن خصفة , فجاء رجل منهم يقال له : غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف , فقال : من يمنعك مني ؟ قال : الله , فسقط السيف من يده , فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ومن يمنعك مني ؟ قال كن خير آخذ . قال : أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قال : لا , ولكني أعاهدك ألا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك . فخلى سبيله , فأتى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس . فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف , فكان الناس طائفتين : طائفة بإزاء العدو , وطائفة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين , وانصرفوا , فكانوا مكان الطائفة الذين كانوا بإزاء العدو , ثم انصرف الذين كانوا بإزاء العدو فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين , فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات , وللقوم ركعتين ركعتين ) (1)
(70) غوص رجلي فرس سراقة في الأرض
__________
(1) صحيح : أحمد شاكر في عمدة التفاسير 1 / 567.(1/83)
كما جاء في الحديث التالي : عن سراقة بن مالك يقول : جاءنا رسل كفار قريش ، يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، دية كل واحد منهما ، لمن قتله أو أسره ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس بني مدلج ، أقبل رجل منهم ، حتى قام علينا ونحن جلوس ، فقال يا سراقة : إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل ، أراها محمدا وأصحابه ، قال سراقة : فعرفت أنهم هم ، فقلت له : إنهم ليسوا بهم ، ولكنك رأيت فلانا وفلانا ، انطلقوا بأعيينا ، ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة ( أي التل ) ، فتحبسها علي ، وأخذت رمحي ، فخرجت به من ظهر البيت ، فحططت بزجه الأرض ، وخفضت عاليه ، حتى أتيت فرسي فركبتها ، فرفعتها تقرب بي ، حتى دنوت منهم ، فعثرت بي فرسي ، فخررت عنها ، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي ، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها : أضرهم أم لا ، فخرج الذي أكره ، فركبت فرسي ، وعصيت الأزلام ، تقرب بي حتى سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت ، وأبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت يدا فرسي في الأرض ، حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها فنهضت ، فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة ، إذا لأثر يديها عثان ( أي دخان ) ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام ، فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم ، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية ، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ، وعرضوا عليهم الزاد والمتاع ، فلم يرزآني ولم يسألاني ، إلا أن قال : ( أخف عنا ) . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ( أي جلد مدبوغ ) ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ) (1)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3906.(1/84)
(71) قبضة تراب من يده شاهت الوجوه :
كما جاء في الحديث التالي : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا . فلما واجهنا العدو تقدمت . فأعلو ثنية . فاستقبلني رجل من العدو . فأميه بسهم . فتوارى عني . فلما دريت ما صنع . ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى . فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم . فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم . وأرجع منهزما . وعلى بردتان . متزرا بإحداهما . مرتديا بالأخرى . فاستطلق إزاري . فجمعتهما جميعا . ومررت ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهزما . وهو على بغلته الشهباء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لقد رأى ابن الأكوع فزعا ) فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض . ثم استقبل به وجوههم . فقال ( شاهت الوجوه ) فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا ، بتلك القبضة . فولوا مدبرين . فهزمهم الله عز وجل . وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين . ) (1)
معجزات استجابة الأدعية النبوية
(72) استجابة دعاؤه للوليد وسلمة وعياش
كما جاء في الحديث التالي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم وأنه قنت مرة بعد الركوع فقال اللهم قال ابن المثنى اللهم نج الوليد بن الوليد ولم يقل ذلك عمرو اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين والمسلمين من أهل مكة اللهم اشدد وطأتك على مضر وخذهم بسنين كسني يوسف قال فابتلوا بالجوع حتى أكلوا العلهز قال عباد فقلت للقاسم ما العلهز قال الدم بالوبر ) (2)
(73) أطيب ريحاً من نسائه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 1777.
(2) صحيح : ابن جرير في مسند ابن عباس 1 / 329 ,(1/85)
عن أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد السلمي رضي الله تعالى عنه قالت : كنا عند عتبة بن فرقد أربع نسوة فكانت كل امرأة منا تجتهد في الطيب لتكون أطيب ريحا من صاحبتها وكان عتبة لا يمس طيبا إلا أن يمس دهنا يمس به لحيته وهو مع ذلك أطيب ريحا منا وكان إذا خرج إلى الناس قال الناس : ما رأينا أطيب ريحا ما شممنا ريحا أطيب من ريح عتبة فسألته عن ذلك ؟ فقلت له يوما : إنا لنجتهد في الطيب ولأنت أطيب منا ريحا فمم ذاك ؟ فقال : أخذني الشرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فشكوت إليه ذلك فأمرني أن أتجرد فتجردت وقعدت بين يديه وجعلت وألقيت ثوبي على فرجي فنفث في يده ومسح ظهري وبطني بيده فعبق بي هذا الطيب من يومئذ ) (1)
(74) اللهم اهد أم أبي هريرة فاهتدت :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2491.(1/86)
كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة . فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي . قلت : يا رسول الله ! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي . فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره . فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ! اهد أم أبي هريرة " فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم . فلما جئت فصرت إلى الباب . فإذا هو مجاف . فسمعت أمي خشف قدمي . فقالت : مكانك ! يا أبا هريرة ! وسمعت خضخضة الماء . قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها . ففتحت الباب . ثم قالت : يا أبا هريرة ! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح . قال قلت : يا رسول الله ! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة . فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا . قال قلت : يا رسول الله ! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عبادة المؤمنين ، ويحببهم إلينا . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ! حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين . وحبب إليهم المؤمنين " فما خلق مؤمن يسمع بي ، ولا يراني ، إلا أحبني .
(75) اللهم اهد ثقيفا :
كما جاء في الحديث التالي :
قالوا : يا رسول الله ! أحرقتنا نبال ثقيف ، فادع الله عليهم . فقال : اللهم اهد ثقيفا ) (1)
سبحان الله , بالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم عانى كثيراً من قبائل العرب من حول مكة ، وكان من بين هذه القبائل " ثقيف " التي آذته كثيراً . حتى رأى الناس أنه سيدعو عليهم .. ومع ذلك دعا لهم , وقد استجاب الله تعالى دعاء نبيه وجاءت ثقيف وأسلمت .
(76) اللهم سلمهم وغنمهم :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه الترمذي 3942 .(1/87)
أنشأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة فأتيته فقلت : يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة ، فقال : اللهم سلمهم وغنمهم قال : فسلمنا وغنمنا . قال : ثم أنشأ غزوا ثالثا فأتيته ، فقلت : يا رسول الله إني أتيتك مرتين قبل مرتي هذه فسألتك أن تدعو الله لي بالشهادة فدعوت الله عز وجل أن يسلمنا ويغنمنا ، فسلمنا وغنمنا يا رسول الله فادع الله لي بالشهادة . فقال : اللهم سلمهم وغنمهم ، قال : فسلمنا وغنمنا . ثم أتيته فقلت : يا رسول الله مرني بعمل . قال : عليك بالصوم فإنه لا مثل له . قال : فما رؤي أبو أمامة ولا امرأته ولا خادمه إلا صياما . قال : فكان إذا رؤي في دارهم دخان بالنهار قيل اعتراهم ضيف ، نزل بهم نازل . قال : فلبث بذلك ما شاء الله ، ثم أتيته فقلت : يا رسول الله أمرتنا بالصيام فأرجو أن يكون قد بارك الله لنا فيه ، يا رسول الله فمرني بعمل آخر . قال : اعلم أنك لن تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة ) (1)
(77) ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سدد جابر دين والده :
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 273.(1/88)
كما جاء في الحديث التالي : حيث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن أباه قتل يوم أحد شهيدا ، فاشتد الغرماء في حقوقهم ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته ، فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا ، فلم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطي ولم يكسره لهم ، ولكن قال : ( سأغدو عليك ) . فغدا علينا حين أصبح ، فطاف في النخل ودعا في ثمره بالبركة ، فجددتها فقضيتهم حقوقهم ، وبقي لنا من ثمرها بقية ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : ( اسمع - وهو جالس - ياعمر ) . فقال : ألا يكون ؟ قد علمنا أنك رسول الله ، والله إنك لرسول الله .) (1)
(78) ببركة دعاء النبي لم ينقبض وجهه حتى مات
كما جاء في الحديث التالي :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادن مني قال : فمسح بيده على رأسي ولحيتي ، ثم قال : اللهم جمله وأدم جماله قال : فبلغ بضعا ومائة سنة ، وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه ، ولم ينقبض وجهه حتى مات .) (2)
(79) بركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك :
كما جاء في الحديث التالي :
جاءت بي أمي ، أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه . فقالت : يا رسول الله ! هذا أنيس ، ابني . أتيتك به يخدمك . فادع الله له . فقال " اللهم ! أكثر ماله وولده " . قال أنس : فوالله ! إن مالي لكثير . وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة ، اليوم .) (3)
وكما جاء هنا :
__________
(1) صحيح رواه البخاري 2601.
(2) صحيح : رواه البيهقي في دلائل النبوة 6 / 211 .
(3) صحيح : رواه مسلم 2481.(1/89)
قلت لأبي العالية سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم قال خدمه عشر سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان فيها ريحان يجد منه ريح المسك . (1)
وجاء في حديث آخر :
دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته فأكثر الله عز وجل مالي حتى إن كرما لي يحمل مرتين وولد لصلبي مئة وستة أولاد ) (2)
(80) بركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف :
كما جاء في الحديث التالي : رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة ، فقال : ( مهيم ، أو مه ) . قال : قال : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ، فقال : ( بارك الله لك ، أولم ولو بشاة ) (3)
فعندما دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبركة , ففتحت لعبد الرحمن أبواب الرزق ومنّ الله عليه ببركات من السماء والأرض ، وكان حين قدم المدينة فقيراً لا يملك شيئاً .
وهذا ما جاء في الحديث التالي : قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن ربيع الأنصاري ، وكان سعد ذا غنى ، فقال لعبد الرحمن : أقاسمك مالي نصفين وأزوجك ، قال : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق ، فما رجع حتى استفضل أقطا وسمنا ، فأتى به أهل منزله فمكثنا يسيرا ، أو ما شاء الله ، فجاء وعليه وضر من صفرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( مهيم ) . قال : يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار ، قال : ( وما سقت إليها ) . قال : نواة من ذهب ، أو وزن نواة من ذهب ، قال : ( أولم ولو بشاة ) (4)
(81) بركة دعاء النبي ومسحه على رأس حنظلة بن حذيم :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه الترمذي في سنن الترمذي 3833.
(2) صحيح : رواه ابن عساكر في معجم الشيوخ 2 / 1018 .
(3) صحيح : رواه البخاري 6386.
(4) صحيح رواه البخاري 2049.(1/90)
( ..... قال حنظلة : فدنا بي إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال إن لي بنين ذوي لحى ودون ذلك وإن ذا أصغرهم . فادع الله له فسمح رأسه وقال : بارك الله فيك أو بورك فيك قال ذيال : فلقد رأيت حنظلة يؤتي بالإنسان الوارم وجهه أو البهيمة الوارمة الضرع ، فيتفل على يديه ويقول : بسم الله ويضع يده على رأسه ويقول : على موضع كف رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فيمسحه عليه وقال ذيال : فيذهب الورم ) (1)
(82) بركة مسح يد النبي على وجه أبو زيد الأنصاري ودعاؤه له :
كما جاء في الحديث التالي :
(مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجهي ودعا لي قال عزرة إنه عاش مائة وعشرين سنة وليس في رأسه إلا شعيرات بيض ) (2)
(83) دعا الله أن يعمي عليهم الطريق فعمي عليهم
كما جاء في الحديث التالي :
أن ناسا من عكل وعرينة ، قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام ، فقالوا : يانبي الله ، إنا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، واستوخموا المدينة ، فأمرلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع ، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم ، فأمر بهم فسمروا أعينهم ، وقطعوا أيديهم ، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم . قال قتادة : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة ، وينهى عن المثلة . وقال شعبة أبان وحماد عن قتادة : من عرينة . وقال يحيى بن أبي كثير وأيوب عن أبي قلابة عن أنس : قدم نفر من عكل . ) (3)
(84) دعا الله يوم بدر فأمده بالملائكة
__________
(1) صحيح : الصحيح المسند للوادعي 325.
(2) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 3629.
(3) صحيح : رواه البخاري 4192 .(1/91)
كما جاء في الحديث التالي :
لما كان يوم بدر ، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا . فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة . ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ( اللهم ! أنجز لي ما وعدتني . اللهم ! آت ما وعدتني . اللهم ! إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) فما زال يهتف بربه ، مادا يديه ، مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه . فأتاه أبو بكر . فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه . ثم التزمه من ورائه . وقال : يا نبي الله ! كذاك مناشدتك ربك . فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } [ 8 / الأنفال / 9 ] فأمده الله بالملائكة . قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه . إذ سمع ضربه بالسوط فوقه . وصوت الفارس يقول : اقدم حيزوم . فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا . فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط . فاخضر ذلك أجمع . فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ( صدقت . ذلك مدد السماء الثالثة ) فقتلوا يومئذ سبعين . وأسروا سبعين ........... ) (1)
(85) دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبو هريرة وأمه اللهم حبب إليهم المؤمنين حتى أحبه كل من رآه أو سمع به :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 1763 .(1/92)
كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة . فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي . قلت : يا رسول الله ! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي . فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره . فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ! اهد أم أبي هريرة " فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم . فلما جئت فصرت إلى الباب . فإذا هو مجاف . فسمعت أمي خشف قدمي . فقالت : مكانك ! يا أبا هريرة ! وسمعت خضخضة الماء . قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها . ففتحت الباب . ثم قالت : يا أبا هريرة ! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح . قال قلت : يا رسول الله ! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة . فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا . قال قلت : يا رسول الله ! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عبادة المؤمنين ، ويحببهم إلينا . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ! حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين . وحبب إليهم المؤمنين " فما خلق مؤمن يسمع بي ، ولا يراني ، إلا أحبني . ) (1)
(86) دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لرواحل المسلمين حتى عادها النشاط :
في غزوة تبوك أُصيبت رواحل المسلمين بالإجهاد والتّعب ، فشكا الصحابة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2491 .(1/93)
غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، قال : فجهد الظهر جهدا شديدا ، قال : فشكي إليه ذلك ، قال : ورآهم رجالا ، قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مضيق يمر الناس فيه ، فوقف عليه والناس يمرون ، قال : فنفخ فيها ثم قال : اللهم احمل عليها في سبيلك ، فإنك تحمل على القوي والضعيف ، وعلى الرطب واليابس ، في البر والبحر ، قال : فاستمرت من طلاعها ، قال : فما دخلنا المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها . ) (1)
سبحان الله بعد هذا الدعاء , عاد النشاط إلى الرواحل وانطلقت مسرعةً ، حتى وجد الصحابة صعوبةً في السيطرة عليها .
(87) دعا على عتبة فقتله الأسد :
كما جاء في الحديث التالي :
اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد (2)
ولقد كان هذا الدعاء على عتبة بن أبي لهب , الذي آذى النبي وسخِر منه , فكان عتبة لا ينام إلا وسط رفاقه خوفًا من دعوة الرسول، لكن ذلك لم يمنعه، وفي بعض أسفاره استيقظ على أسدٍ مفترس قد نشب مخالبه في صدغيه، فجعل يصرخ ويقول: يا قوم، قتلتني دعوة محمد، لكن ذلك لم يغن عنه شيئًا.
(88) دعا على عقبة بن أبي معيط فقتل صبراً
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه ابن حجر العسقلاني في مختصر البزار 2 / 50.
(2) صحيح : رواه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 4 / 48.(1/94)
أن عقبة بن أبي معيط دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال : ما أنا بآكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فشهد بذلك فلقيه خليل له فلامه على ذلك فقال ما يبرئ صدور قريش مني قال : أن تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه ففعل فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على أن مسح وجهه وقال إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج وقال قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا فقالوا لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت فخرج معهم فلما هزم المشركون وحل به جملة في جدد من الأرض فأخذ أسيرا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم عنقه صبرا وقال العباس حين أخذ منه الفداء لقد تركتني فقير قريش ما بقيت قال : كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما اطلع عليه إلا الله ) (1)
(89) دعا على قريش حتى أكلوا الميتة :
كما جاء في الحديث التالي :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشا كذبوه واستعصوا عليه ، فقال : ( اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ) . فأصابتهم سنة حصت - يعني - كل شيء ، حتى كانوا يأكلوا الميتة ، فكان يقوم أحدهم ، فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع ، ثم قرأ : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم - حتى بلغ - إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون } . قال عبد الله : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة ؟ قال : والبطشة الكبرى يوم بدر . ) (2)
(90) دعا عليهم حتى كانوا صرعى يوم بدر :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : الخصائص الكبري للسيوطي 1 / 207.
(2) صحيح : رواه البخاري 4823.(1/95)
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور بالأمس . فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلا (وهو الغشاء الذي يكون فيه جنين البهيمة) جزور ( أي ناقة ) بني فلان فيأخذه ، فيضل في كتفي محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقى القوم ( وهو عقبة بن أبي معيط ) فأخذه . فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه . قال : فاستضحكوا . وجعل بعضهم يميل على بعض . وأنا قائم أنظر . لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ، ما يرفع رأسه . حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة . فجاءت ، وهي جويرية ، فطرحته عنه . ثم أقبلت عليهم تشتمهم . فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم . وكان إذا دعا ، دعا ثلاثا . وإذا سأل ، سأل ثلاثا . ثم قال ( اللهم ! عليك بقريش ) ثلاث مرات . فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك . وخافوا دعوته . ثم قال ( اللهم ! عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عقبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ) ( وذكر السابع ولم أحفظه ) فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ! لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر . ثم سحبوا إلى القليب ( أي البئر الذي لن تبن جوانبه بالحجارة وغيرها ) ، قليب بدر .) (1)
(91) دعا لأبو محذورة ومسح عليه حتى ذهب ما كان به من كراهية للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 1794.(1/96)
نعم خرجت في نفر ، وكنا في بعض طريق حنين ، مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين ، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون ، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به ! فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ فأشار القوم كلهم إلي ، وصدقوا ، فأرسل كلهم وحبسني . وقال : قم فأذن . فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مما يأمرني به ، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه ، قال : قل : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله . ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ، ثم أمرها على وجهه ، ثم بين ثدييه ، ثم على كبده حتى بلغت يد رسول الله سرة أبي محذورة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله فيك ، وبارك عليك . فقلت : يا رسول الله ، مرني بالتأذين بمكة . فقال : قد أمرتك به . وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهة ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي مما أدرك أبا محذورة ، على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز ) (1)
__________
(1) صحيح :رواه أحمد شاكر في عمدة التفاسير 1 / 703.(1/97)
(92) دعا لعلي رضي الله عنه فما اشتكى وجعه بعد ذلك :
كما جاء في الحديث التالي : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : ( كنت شاكيا ، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أقول : اللهم ! إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان متأخرا فارفعني ، وإن كان بلاء فصبرني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ قال : فأعاد عليه ما قال ، قال : فضربه برجله وقال : اللهم ! عافه أو اشفه – شعبة الشاك – قال : فما اشتكيت وجعي بعد ) (1)
(93) ذهاب حمى المدينة إلى الجحفة :
كما جاء في الحديث التالي :
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول : كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله . وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول : ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي إذخر وجليل . وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل وقال : اللهم العن شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا ، وصححها لنا ، وانقل حماها إلى الجحفة . قالت : وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله ، قالت : فكان بطحان يجري نجلا ، تعني ماء آجنا . (2)
(94) ذهبت أبصارهم , وأصابهم العمى بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : سنن الترمذي 3564 .
(2) صحيح : رواه البخاري 1889 .(1/98)
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله عز وجل في القرآن وكان يقع من أغصان الشجرة على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ سهيل بيده فقال ما نعرف الرحمن الرحيم اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال اكتب باسمك اللهم فكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة فأمسك سهيل بن عمرو بيده فقال لقد ظلمناك إن كنت رسوله أكتب في قضيتنا ما نعرف قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأنا رسول الله فكتب فبينا نحن كذلك خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله أبصارهم فقمنا إليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أمانا قالوا لا فخلى سبيلهم فأنزل الله عز وجل { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا } (1)
(95) سعد مُجاب الدعوة بسبب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له :
كما جاء في الحديث التالي : عن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم استجب لسعد إذا دعاك . (2)
ومن هذا ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال :
__________
(1) صحيح : الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 148 .
(2) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 3751 .(1/99)
شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي الله عنه ، فعزله واستعمل عليهم عمارا ، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي ، فأرسل اليه فقال : يا أبا إسحق إن هؤلاء يزعمون انك لا تحسن تصلي ؟ قال أبو إسحق : أما أنا ، والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها ، أصلي صلاة العشاء ، فأركد في الاولين ، وأخف في الأخريين . قال : ذاك الظن بك يا أبا إسحق . فأرسل معه رجلا ، أو رجالا ، إلى الكوفة ، فسأل عنه أهل الكوفه ، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ، ويثنون معروفا ، حتى دخل مسجدا لبني عبس ، فقام رجل منهم ، يقال له أسامة بن قتادة ، يكنى أبا سعدة ، قال : أما إذ نشدتنا ، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية . قال سعد : أما والله لأدعون بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا ، قام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، واطل فقره ، وعرضه بالفتن . وكان بعد إذا سئل يقول : شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد . قال عبد الملك : فأنا رأيته بعد ، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن . (1)
(96) ظهور آثار دعاء ومسح النبي على عمرو بن أخطب :
كما جاء في الحديث التالي : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادن مني قال : فمسح بيده على رأسي ولحيتي ، ثم قال : اللهم جمله وأدم جماله قال : فبلغ بضعا ومائة سنة ، وما في لحيته بياض إلا نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه ، ولم يتقبض وجهه حتى مات (2)
(97) عبد الله بن عباس علمه الله الكتاب كما دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
ضمني إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( اللهم علمه الكتاب ) (3)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 755 .
(2) صحيح : رواه البيهقي في دلائل النبوة 6 / 211 .
(3) صحيح : رواه البخاري 7270.(1/100)
وجاء في حديث آخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء ، فوضعت له وضوءا ، قال : من وضع هذا . فأخبر ، فقال : اللهم فقهه في الدين .) (1)
ابن عباس فإن الله تعالى وفقه ورزقه الفهم في الدين والحفظ، ذكر أنه لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: قلت لشاب من الأنصار هلم فلنتعلم ما دام صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - متوافرين نأخذ منهم، فيقول ذلك: قال ذلك الشاب عجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إلى علمك وفيهم صحابة النبي، - صلى الله عليه وسلم - يقول: فتركت قوله وأقبلت على التعلم، وكلما ذكر لي حديث عند أحد الصحابة طرقت بابه حتى أني آتي إليه وهو نائم وقت القيلولة، فيقال: إنه نائم فأجلس بالباب تسفي الريح في وجهي فإذا استيقظ وخرج ورآني قال: ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلا أرسلت إلي فآتيك فأقول: لا، العلم أولى أن يؤتى له، فبعد سنوات وبعدما حفظ ما حفظه وفهم من القرآن ما فهمه، وإذا الناس يتوافدون إليه يسألونه ويستفتون منه ويتعلمون منه، فقال ذلك الشاب من الأنصار: أنت أفقه مني يعني أنه اعترف له بالفضل؛ حيث وفقه الله تعالى وحفظ العلم.
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 143.(1/101)
لقد ذكر ابن القيم وغيره أن الأحاديث التي سمعها وحفظها ابن عباس من النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن ألا تزيد على عشرين حديثا، بقية هذه الأحاديث أخذها من الصحابة؛ ولذلك لا يقول: سمعت إنما يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بعد تأكده من صحة ذلك الحديث؛ لأنه أخذه من مصدره، وكان الصحابة يحفظون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما حضروه فيه، ولكن لا يكون هناك مناسبة؛ لأن ينتصبوا ويحدث كل واحد منهم وهو لا يحفظ إلا عشرة أحاديث أو ثلاثين حديثا أو نحو ذلك، ولكن جمعها فأخذ من هذا عشرة، وأخذ من هذا عشرة ومن هذا عشرين ومن هذا مائة ومن هذا.. إلى أن اجتمع عنده هذا الجم الكثير. فنجد أحاديثه في مسند الإمام أحمد تزيد على الألف، وكذلك في غيره من الكتب، كلها استفادها بحرصه وبأخذه عن الصحابة -رضي الله عنهم- زيادة على ما فتح الله تعالى عليه من الفهم في القرآن فإنه كان يفسر القرآن بما فتح الله عليه؛ ولذلك يعتمد تفسيره.
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - في شفاء المرضى
(98) بركة مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأس حنظلة بن حذيم(1/102)
كما جاء في الحديث التالي : عن حنظلة بن حذيم أن جده حنيفة قال لحذيم اجمع لي بني فإني أريد أن أوصي فجمعهم فقال إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل التي كنا نسميها في الجاهلية المطيبة فقال حذيم يا أبت إني سمعت بنيك يقولون إنما نقر بهذا عند في المجمع عين أبينا فإذا مات رجعنا فيه قال فبيني وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حذيم رضينا فارتفع حذيم وحنيفة وحنظلة معهم غلام وهو رديف لحذيم فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم سلموا عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما رفعك يا أبا حذيم قال هذا وضرب بيده على فخذ حذيم فقال إني خشيت أن يفجأني الكبر أو الموت فأردت أن أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل كنا نسميها في الجاهلية المطيبة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الغضب في وجهه وكان قاعدا فجثا على ركبتيه وقال لا لا لا الصدقة خمس وإلا فعشر وإلا فخمس عشرة وإلا فعشرون وإلا فخمس وعشرون وإلا فثلاثون وإلا فخمس وثلاثون فإن كثرت فأربعون قال فودعوه ومع اليتيم عصا وهو يضرب جملا فقال النبي صلى الله عليه وسلم عظمت هذه هراوة يتيم قال حنظلة فدنا أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي بنين ذوي لحى ودون ذلك وإن ذا أصغرهم فادع الله له فمسح رأسه وقال بارك الله فيك أو بورك فيك قال ذيال فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه أو البهيمة الوارمة الضرع فيتفل على يديه ويقول بسم الله ويضع يده على رأسه ويقول على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه عليه قال ذيال فيذهب الورم (1)
(99) بركة وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على صدر فضالة الليثي :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه الالباني في السلسلة الصحيحة 6 / 1105 ,(1/103)
عن ابن عباس أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضالة؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلى الحديث؟ فقلت : لا ، وانبعث فضالة يقول :
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والإسلام
لوما رأيت محمداً وقبيله * بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الإظلام
أخرجه ابن هشام في السيرة وقال: حدثني من أثق به.. عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس.
سبحان الله العظيم , حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب الخلق إليه , وصرف قلبه عن المرأة التي دعته للحديث معها .
(100) بصق في عين علي ودعا له الله فبرأ :(1/104)
فعن سهيل بن سعد الساعدي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) . قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : ( أين علي ابن أبي طالب ) . فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : ( فأرسلوا إليه ) . فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : ( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) . (1)
(101) صب من وضوؤه على جابر فأفاق :
كما في الحديث التالي : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض . ومعه أبو بكر ، ماشين . فوجدني قد أغمى علي . فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم صب علي من وضوئه فأفقت . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله ! كيف أصنع في مالي ؟ فلم يرد علي شيئا ، حتى نزلت آية الميراث . (2)
(102) مسح على رجل عبد الله بن عتيك فبرأت :
فعبد الله بن عتيك بعد ما قتل أبا رافع في بيته ( وهو رجل يهودي كان يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وجاء ينزل من درجة بيت اليهودي سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه , وذلك كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث حدثنا عن عبد الله بن عتيك أنه قال : ( .... فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته ، فقال : ( ابسط رجلك ) . فبسطت رجلي فمسحها ، فكأنها لم أشتكها قط ) (3)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4210.
(2) صحيح : رواه مسلم 1616.
(3) صحيح : رواه البخاري 4039.(1/105)
(103) مسح على صدر الصبي المصروع فبرأ :
كما جاء في الحديث التالي : ( إن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابني به جنون وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيأخذه فيخبث علينا فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا فثع ثعة وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى ) (1)
والثع : إخراج ما دخل إلى المعدة وهو القيء .
والجرو : اسم يطلق على الكلب الصغير وعلى سائر السباع .
(104) مُعجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - في شفاء الأمراض المعنوية :
فإلى جانب علاج الأمراض الحسّية، كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - تأثيرٌ في علاج الأمراض المعنوية، ومن ذلك قصة الشاب الذي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الزنا .
فعن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه فقال : ادنه فدنا منه قريبا قال : فجلس قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال : أفتحبه لابنتك قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم قال : أفتحبه لأختك قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال : أفتحبه لعمتك قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم قال : أفتحبه لخالتك قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال : فوضع يده عليه وقال : اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (2)
(105) مُعجزة شفاء الضرير بدعائه - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صحيح : ابن حجر العسقلاني في هداية الرواة 5 / 347.
(2) صحيح : رواه الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 712.(1/106)
فعن عثمان بن حنيف رضي الله عنه يقول : أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : يا نبي الله ادع الله أن يعافيني . فقال : إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك ، وإن شئت دعوت لك قال : لا بل ادع الله لي . فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى , وتشفعني فيه وتشفعه في . قال : فكان يقول هذا مرارا , ثم قال بعد – أحسب أن فيها : أن تشفعني فيه – قال : ففعل الرجل فبرأ (1)
(106) نفث في ساق سلمة فبرأ :
فعن يزيد بن أبي عبيد قال : رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت : يا أبا مسلم (وهي كُنية سلمة )، ما هذه الضربة ؟ فقال : هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال الناس : أصيب سلمة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات ، فما اشتكيتها حتى الساعة .) (2)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع البشر
(107) إجابة النبي على أسئلة اليهودي حتى صدقه وقال إنك لنبي :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه الوادعي في الشفاعة 187 .
(2) صحيح : رواه البخاري 4206.(1/107)
كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاء حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد ! فدفعته دفعة كاد يصرع منها . فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول يا رسول الله ! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أينفعك شيء إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه . فقال " سل " فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هم في الظلمة دون الجسر " قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال " فقراء المهاجرين " قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال " زيادة كبد النون " قال : فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " قال : فما شرابهم عليه ؟ قال " من عين فيها تسمى سلسبيلا " قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض . إلا نبي أو رجل أو رجلان . قال " ينفعك إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . قال جئت أسألك عن الولد ؟ قال " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر . فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة ، أذكرا بإذن الله . وإذا علا مني المرأة مني الرجل ، آنثا بإذن الله " قال اليهودي : لقد صدقت . وإنك لنبي . ثم انصرف فذهب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه . وما لي علم بشيء منه . حتى أتاني الله به " . (1)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 315.(1/108)
وفي هذا الحديث من الدلالات ما لا يخفى إلا على عديم العقل أو معتوه، وما أخس طبع اليهود من عهد موسى عليه السلام إلى اليوم!، فهذا اليهودي يسأل عن أشياء فيجيبه عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كأنها رأي العين، ومع هذا يكون الرد على تلك الأجوبة بارداً: صدقت وإنك لنبي!، ولم يقل حينما رأى الحق ينطق: أشهد أنك رسول الله جئت بالحق الذي وافق ما عندنا من التوراة. ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفحم هذا اليهودي بتلك الإجابات التي علمه الله إياها، وكان قصد اليهود من ذلك إعجازه وإضعافه أمام أصحابه، وأنى لهم ذلك!!.
(108) أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بأنه سيأتيه رجال فلا يكلمهم :
كما جاء في الحديث التالي :(1/109)
قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم العشاء ثم انصرف فاخذ بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطا ثم قال لا تبرحن خطك ، فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك . قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراد ، فبينا أنا جالس في خطي ، إذ أتاني رجال كأنهم الزط ( أي جنس من السودان والهنود ) ؛ أشعارهم وأجسامهم . لا أرى عورة ولا أرى قشرا ، وينتهون إلي ولا يجاوزون الخط ، ثم يصدرون إلى رسول الله ، حتى إذا كان من آخر الليل ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس فقال : لقد أراني منذ الليلة ( أي لم ينم ) ثم دخل علي في خطي فتوسد فخذي ورقد ( أي جعل فخذه كوسادة وهذا ليس به شيء ) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا رقد نفخ ( أي إذا استعد للنوم نفث في يده من غير ريق ليقرأ أذكار النوم ) ، فبينا أنا قاعد و رسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي ، إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال ، فانتهوا إلي ، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة منهم عند رجليه ، ثم قالوا بينهم : ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان ، اضربوا له مثلا ، مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مائدة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه ، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ، ومن لم يجبه عاقبه – أو قال عذبه - . ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، فقال : سمعت ما قال هؤلاء . وهل تدري من هم . قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : هم الملائكة ، فتدري ما المثل الذي ضربوه ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : المثل الذي ضربوه : الرحمن بنى الجنة ودعى إليها عبادة ، فمن أجابه دخل الجنة ، ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه (1)
__________
(1) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 2861 .(1/110)
(109) الأثر النبوي سبب في عدم نسيان أبي هريرة رضي الله عنه :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله الموعد ، إني كنت امرأ مسكينا ، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق ( أي التبايع ) بالأسواق ، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم ، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، وقال : ( من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ، ثم يقبضه ، فلن ينسى شيئا سمعه مني ) . فبسطت بردة ( أي كساء مخطط يلتحف به ) كانت علي ، فوالذي بعثه بالحق ، ما نسيت شيئا سمعته منه . (1)
(110) بيضة من ذهب
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 7354.(1/111)
كما جاء في الحديث التالي : عن سلمان الفارسي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب فسألت صاحبي ذلك فلم أزل به حتى كاتبني على أن أحيي له ثلاثمائة نخلة وبأربعين أوقية من ذهب فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لي اذهب ففقر لها فإذا أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذني فأكون أنا الذي أضعها بيدي قال فقمت بتفقيري وأعانني أصحابي حتى فقرت لها سربها ثلاثمائة سرية وجاء كل رجل بما أعانني به من الخل ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضعه بيده ويسوي عليها ترابها ويبرك حتى فرغ منها فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية وبقيت الذهب فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن (أي كأنها أُخذت من مكان يستخرج منه معدن الذهب ) , فقال عليه الصلاة والسلام ما فعل الفارسي المسكين المكاتب ادعوه لي فدعيت فجئت فقال اذهب بهذه فأدها بما عليك من المال فقلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي فقال إن الله سيؤدي عنك ما عليك من المال قال فوالذي نفسي بيده لقد وزنت له منها أربعين أوقية حتى أوفيته الذي علي . (1)
(111) حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ماء الرجل وماء المرأة :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : ابن حزم في المحلي 9 / 226.(1/112)
حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يعلمهن إلا نبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه ، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام . فقالوا : ذلك لك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوني عما شئتم . فقالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن : أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ؟ ومن وليه من الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني ؟ فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق . فقال : نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل –يعقوب - مرض مرضا شديدا فطال سقمه ، فنذر لله نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليها ألبانها ؟ . فقالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد عليهم ، وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد بإذن الله وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله . قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد . قال : وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عينه ولا ينام قلبه ؟ . قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد . قالوا : أنت الآن ، فحدثنا من وليك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك أو نفارقك . قال : فإني وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه .(1/113)
قالوا : فعندها نفارقك ، ولو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك . قال : فما يمنعكم أن تصدقوه ؟ قالوا : إنه عدونا . فأنزل الله عز وجل : { قل من كان عدوا لجبريل } إلى قوله : { لو كانوا يعلمون } [ البقرة : 103 ] فعندها باؤوا بغضب على غضب (1)
وكيف كان للنبي صلى الله أن يعرف ذلك , إلا بوحي من عند الله عز وجل .
(112) حطم الكدية القوية من أول ضربة :
__________
(1) صحيح : رواه احمد شاكر في عمدة التفاسير 1 / 140.(1/114)
كما جاء في الحديث التالي : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : إنا يوم الخندق نحفر ، فعرضت كدية شديدة ، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذه كدية عرضت في الخندق ، فقال : ( أنا نازل ) . ثم قام وبطنه معصوب بحجر ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية ، فعاد كثيبا أهيل ، أو أهيم ، فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي إلى البيت ، فقلت لامرأتي : رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر ، فعندك شيء ؟ قالت : عندي شعير وعناق ، فذبحت العناق ، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر ، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج ، فقلت : طعم لي ، فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلان ، قال : ( كم هو ) . فذكرت له ، قال : ( كثير طيب ، قال : قل لها : لا تنزع البرمة ، ولا الخبز من التنور حتى آتي ، فقال : قوموا ) . فقام المهاجرون والأنصار ، فلما دخل على امرأته قال : ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم ، قالت : هل سألك ؟ قلت : نعم ، فقال : ( ادخلوا ولا تضاغطوا ( أي لا تتزاحموا ) ) . فجعل يكسر الخبز ، ويجعل عليه اللحم ، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع ، فلم يزل يكسر الخبز ، ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية ، قال : ( كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة ) . (1)
(113) دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لضماد :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4101.(1/115)
عن ابن عباس ؛ أن ضمادا قدم مكة . كان من أزد شنوءة . وكان يرقي من هذه الريح . فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون : إن محمدا مجنون . فقال : لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي . قال فلقيه . فقال : يا محمد ! إني أرقي من هذه الريح . وإن الله يشفي على يدي من يشاء . فهل لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحمد لله . نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأن محمدا عبده ورسوله . أما بعد " . قال فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء . فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثلاث مرات . قال فقال : لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء . فما سمعت مثل كلمات هؤلاء . ولقد بلغن ناعوس البحر . قال فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام . قال فبايعه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وعلى قومك " . قال : وعلى قومي . قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه . فقال صاحب السرية للجيش : هل أصبتم من هؤلاء شيئا ؟ فقال رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة . فقال : ردوها . فإن هؤلاء قوم ضماد . (1)
وهذا الحديث دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم .
(114) شُلت يده بسبب كبره :
كما جاء في الحديث التالي : أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله .فقال ( كل بيمينك ) قال : لا أستطيع .قال ( لا استطعت ) ما منعه إلا الكبر .قال : فما رفعها إلى فيه . (2)
(115) طيب عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 868.
(2) صحيح : رواه مسلم 2021.(1/116)
كما جاء في الحديث التالي : دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا ( أي نام القيلولة ). فعرق . وجاءت أمي بقارورة . فجعلت تسلت العرق ( أي تمسحه ) فيها . فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا أم سليم ! ما هذا الذي تصنعين ؟ " قالت : هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب .) (1)
وفي رواية أخرى عن أم سليم الأنصارية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقيل عندها . فتبسط له نطعا ( أي بساط من الجلد ) فيقيل عليه . وكان كثير العرق . فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا أم سليم ! ما هذا ؟ " قالت : عرقك أدوف ( أي أخلط ) به طيبي . (2)
وفي رواية أخرى :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها . وليست فيه . قال : فجاء ذات يوم فنام على فراشها . فأتيت فقيل لها : هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك ، على فراشك . قال فجاءت وقد عرق ، واستنقع عرقه على قطعة أديم ، على الفراش . ففتحت عتيدتها ( أي الصندوق الصغير الذي تضع فيه المرأة ما يعز من متاعها ) فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها . ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ما تصنعين ؟ يا أم سليم ! " فقالت : يا رسول الله ! نرجو بركته لصبياننا . قال " أصبت " . (3)
وجاء في حديث آخر :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلك طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه (4)
(116) عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حدث به فضالة نفسه في أمر قتله :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2331.
(2) صحيح : رواه مسلم 2332.
(3) صحيح : رواه مسلم 2331 .
(4) صحيح : ابن حجر العسقلاني في هداية الرواة 5 / 275 .(1/117)
عن ابن عباس أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضالة؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلم إلى الحديث؟ فقلت : لا ، وانبعث فضالة يقول :
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والإسلام
لوما رأيت محمداً وقبيله * بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الإظلام
أخرجه ابن هشام في السيرة وقال: حدثني من أثق به.. عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس.
سبحان الله , الذي عرف نبيه صلى الله عليه وسلم بما حدث به فضالة نفسه من أمر قتله للنبي عليه الصلاة والسلام .
(117) كاد عليّ ينال أفق السماء بسبب حمل النبي له(1/118)
كما جاء في الحديث التالي : عن علي رضي الله عنه قال : انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا حتى أتينا الكعبة فقال لي اجلس فجلست فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكبي ثم نهضت به فلما رأى ضعفي تحته قال لي اجلس فجلست فنزل عني ثم جلس لي فقال اصعد على منكبي فصعدت على منكبه ثم نهض حتى إنه ليخيل إلي أني لو شئت نلت أفق السماء فصعدت على الكعبة فأتيت صنما لقريش وهو تمثال رجل من صفر أو نحاس فلم أزل أعالجه يمينا وشمالا و بين يديه وخلفه حتى استمكنت منه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي هي هي وأنا أعالجه ثم قال اقذفه فقذفته فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت فانطلقنا نسعى حتى استترنا بالبيوت خشية أن يعلم بنا أحد فلم يرفع عليها بعد . (1)
(118) كشف النبي صلى الله عليه وسلم كذب اليهود حتى قالوا له صدقت :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه ابن جرير الطبري في مسند على 237.(1/119)
لما فتحت خيبر ، أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود ) . فجمعوا له ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي عنه ) . فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أبوكم ) . قالوا : أبونا فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كذبتم ، بل أبوكم فلان ) . فقالوا : صدقت وبررت ، فقال : ( هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ) . فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أهل النار ) . فقالوا : نكون فيها يسيرا ، ثم تخلفوننا فيها ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اخسؤوا فيها ، والله لا نخلفكم فيها أبدا ) . ثم قال لهم : ( فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ) . قالوا : نعم ، فقال : ( هل جعلتم في هذه الشاة سما ) . فقالوا : نعم ، فقال : ( ما حملكم على ذلك ) . فقالوا : أردنا : إن كنت كذابا نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك . (1)
سبحان الله الذي عرف نبيه كل ذلك , لقد صدق النبي فيهم وهم الذين كذبوا حتى واجههم بأنهم هم من سم الشاة . ولنعلم كذب اليهود يدل على لؤمهم وبهتهم، فقد سألهم عن أمور لا يعلمها إلا نبي، وأخبرهم بأن الشاة مسمومة، ومع كل ما ظهر لهم من الآيات الدالة على صدق نبوته، لم تزل قلوبهم قاسية، نعوذ بالله من ذلك، ويدل على ذلك قولهم: "وإن كنت صادقاً لم يضرك!"، فلم يشهدوا برسالته مع رؤيتهم ما تيقن في قلوبهم من أنه رسول الله .
(119) ما زال برد يد النبي - صلى الله عليه وسلم - على كبد سعد بن أبي وقاص :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 5777.(1/120)
تشكيت بمكة شكوى شديدة ، فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ، فقلت : يا نبي الله ، إني أترك مالا ، وإني لم أترك إلا ابنة واحدة ، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث ؟ فقال : ( لا ) . قلت : فأوصي بالنصف وأترك النصف ؟ قال : ( لا ) . قلت : فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين ؟ قال : ( الثلث ، والثلث كثير ) . ثم وضع يده على جبهتي ، ثم مسح يده على وجهي وبطني ، ثم قال : ( اللهم اشف سعدا ، وأتمم له هجرته ) . فما زلت أجد برده على كبدي - فيما يخال إلي - حتى الساعة . (1)
(120) مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدر عثمان ودعا له فلم ينسى شيئا أراد حفظه :
كما جاء في الحديث التالي :
استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة فقلت يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني فوضع يده على صدري وقال يا شيطان اخرج من صدر عثمان فما نسيت شيئا أريد حفظه (2)
(121) نور يضيء بينهما في الليلة الظلماء لصحبتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ، ومعهما مثل المصباحين ، يضيئان بين أيديهما ، فلما افترقا ، صار مع كل واحد منهما واحد ، حتى أتى أهله .) (3)
الرجلين هما : أسيد بن حضير وعباد بن بشر .
ففي هذا الحديث آية من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو النور الذي بين هذين الرجلين , فذلك آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكرامة للرجلين , ويحتمل أن يكون النبي دعا لهما بأن ينير الله لهما طريقهما , وكذلك فلنعلم أن كل كرامة تُتنسب لنبيها وكرامات الأولياء إنما بسبب إتباعهم للسنة .
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 5659.
(2) صحيح الألباني في السلسلة الصحيحة 6 / 1000 .
(3) صحيح : رواه البخاري 465 .(1/121)
(122) وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على صدر علي ودعا له فما اختلف عليه قضاء بعد :
كما جاء في الحديث التالي :
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال : فقلت : يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث لا أبصر القضاء قال : فوضع يده على صدري وقال : اللهم ثبت لسانه واهد قلبه , وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء قال : فما اختلف علي قضاء بعد أو ما أشكل علي قضاء بعد .) (1)
(123) وقوف الكفار أمام الغار :
لقد جدت قريش في طلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، وأخذوا معهم القافة (متبعو الأثر) حتى انتهوا إلى باب الغار فوقفوا عليه، ولكن كما جاء في الحديث التاني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار : لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا ، فقال : ( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ) . (2)
فسبحان الله كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رضي الله عنه يسمعان كلام الكفار فوق رءوسهما ، ولكن الله عمّى عليهم أمرهما .
(124) يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من وراء ظهره :
كما جاء في الحديث التالي : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم . فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه ، فقال " أيها الناس ! إني إمامكم . فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود . ولا بالقيام ولا بالانصراف . فإني أراكم أمامي ومن خلفي " ثم قال " والذي نفس محمد بيده ! لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال " رأيت الجنة والنار ) (3)
__________
(1) إسناده صحيح : مسند أحمد لأحمد شاكر 2/165 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3653 .
(3) صحيح : رواه مسلم 426 .(1/122)
وجاء في رواية أخرى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
هل ترون قبلتي ههنا ، والله ما يخفى علي ركوعكم ولا خشوعكم ، وإني لأراكم وراء ظهري .) (1)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الجماد
(125) السلمة التي دعاها النبي حتى قامت بين يديه :
كما جاء في الحديث التالي :
وقال ابن عمر - رضي الله عنه - : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فأقبل أعرابي ، فلما دنا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قال : ومن يشهد على ما تقول ؟ قال : هذه السلمة (شجرة من أشجار البادية) ، فدعاها رسول الله –صلى الله عليه وسلم - وهو بشاطئ الوادي ، فأقبلت تخد ( تشق ) الأرض حتى قامت بين يديه ، فاستشهدها ثلاثا ، فشهدت ثلاثا أنه كما قال ، ثم رجعت إلى منبتها . (2)
(126) أنطق الله عز وجل الشجرة له :
كما جاء في الحديث التالي :
سألت مسروقا : من آذن ( أي من أين عرف ) النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال : حدثني أبوك ( يعني ابن مسعود ) أنه آذنته بهم شجرة ( أي أعلمته باستماعهم ) (3)
(127) تلبية عِرق شجرة لنداء النبي صلى الله عليه و سلم
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 741.
(2) صحيح : رواه الألباني في مشكاة المصابيح 5868.
(3) صحيح : رواه مسلم 450.(1/123)
جاء رجل من بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوي ويعالج فقال له يا محمد إنك تقول أشياء فهل لك أن أداويك قال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له هل لك أن أداويك قال إيه وعنده نخل وشجر قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عذقا منها فأقبل إليه وهو يسجد ويرفع ويسجد ويرفع حتى انتهى إليه فقام بين يديه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع إلى مكانك فرجع إلى مكانه فقال والله لا أكذبك بشيء تقوله بعدها أبدا ثم قال يا عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله بعدها أبدا قال والعذق النخلة (1)
(128) معجزة الشجرة التي انتقلت من مكانها ثم رجعت :
كما جاء في الحديث التالي : عن أنس قال جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء من ضربة بعض أهل مكة قال فقال له مالك فقال فعل بي هؤلاء وفعلوا قال فقال له جبريل أتحب أن أريك آية قال فقال نعم قال فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال ادع تلك الشجرة فدعاها قال فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي (2)
(129) معجزة انقياد الشجر للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صحيح : رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 13.
(2) صحيح : البداية والنهاية لابن كثير 6 / 128.(1/124)
يحدثنا جابر بن عبد الله فيقول : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح (أي واسع) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته . فاتبعته بإداوة من ماء . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به . فإذا شجرتان بشاطئ الوادي (أي جانبه) فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها . فقال " انقادي علي بإذن الله " فانقادت معه كالبعير المخشوش ، الذي يصانع قائده . حتى أتى الشجرة الأخرى . فأخذ بغصن من أغصانها . فقال " انقادي علي بإذن الله " فانقادت معه كذلك . حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما ، لأم بينهما ( يعني جمعهما ) فقال " التئما علي بإذن الله " فالتأمتا . قال جابر : فخرجت أُحْضِر ( أي أعدو وأسعى سعياً شديداً ) مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد ( وقال محمد بن عباد : فيتبعد ) فجلست أحدث نفسي . فحانت مني لفتة (أي نظرة إلى جنب)، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا . وإذا الشجرتان قد افترقتا . فقامت كل واحدة منهما على ساق . فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة . فقال برأسه هكذا ( وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا ) ثم أقبل . فلما انتهى إلي قال " يا جابر ! هل رأيت مقامي ؟ " قلت : نعم . يا رسول الله ! قال " فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا . فأقبل بهما . حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك " . قال جابر : فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته (أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته). فانذلق لي (أي صار حادا) فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا . ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم . أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري . ثم لحقته فقلت : قد فعلت . يا رسول الله ! فعم ذاك ؟ قال " إني مررت بقبرين يعذبان .(1/125)
فأحببت ، بشفاعتي ، أن يرفه عنهما (أي يُخفف عنهما) ، ما دام الغصنان رطبين " . (1)
والبعير المخشوش: أي الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد. وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئا. ولهذا قال: الذي يصانع , أو هو البعير الذي في أنفه حلقة ليحسُن قيادته ومسكه .
(130) معجزة تسبيح الحصى بحضرته - صلى الله عليه وسلم - :
كما في الحديث التالي : إني انطلقت التمس رسول الله في بعض حوائط المدينة فإذا رسول الله قاعد فأقبل إليه أبو ذر حتى سلم على النبي قال أبو ذر : و حصيات موضوعة بين يديه فأخذهن في يده فسبحن في يده ثم أخذهن فوضعهن على الأرض فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد عمر فسبحن في يده ثم أخذهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن (2)
(131) معجزة تسليم الحجر والجبال والشجر عليه - صلى الله عليه وسلم - :
فقد جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث . إني لأعرفه الآن ) (3)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله ) (4)
(132) معجزة حنين جذع الشجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 3012.
(2) صحيح : رواه الألباني في كتاب السنة 1146.
(3) صحيح : رواه مسلم 2277.
(4) صحيح : هداية الرواه لابن حجر العسقلاني 5 / 344.(1/126)
لقد حن الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ، فلما صُنع له المنبر وكان عليه ، فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العِشار ، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت ) . (1)
والعِشار: جمع عشراء وهي الناقة التي أنهت الشهر العاشر من الحمل .
ومن حديث أبي بن كعب قال : ( ... فلما جاوز الجذع خار حتى تصدع وانشق فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده حتى سكن ثم رجع إلى المنبر فكان إذا صلى صلى إليه فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب وكان عنده في بيته حتى بلي فأكلته الأرضة وعاد رفاتا ) (2)
وفي حديث آخر عن عبد الله بن عباس قال : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال : ولو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ) (3)
(133) معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ( أي جبل أُحد ) ، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فضربه برجله وقال : ( اثبت أحد ، فما عليك إلا نبي ، أو صديق ، أو شهيدان ) (4)
وما كان اهتزاز الجبل , إلا طرباً وفرحة بلمس قدم الحبيب صلى الله عليه وسلم الجبل .
لا تلوموا اُحداً لاضطراب إذ علاه فالوجد داءُ
أُحد لا يلام فهو محبٌ ولكم أطرب المحب لقاءُ
(134) معجزة عذق النخلة الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3585 .
(2) صحيح : صحيح ابن ماجة للألباني 1169.
(3) صحيح : رواه أحمد شاكر في مسند أحمد 4 / 57.
(4) صحيح : رواه البخاري 3686.(1/127)
والعذق هو : هو العرجون بما فيه من الشماريخ وهو للنخل كالعنقود للعنب .
فعبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : ( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بم أعرف أنك نبي قال إن دعوت هذا العِذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ارجع فعاد فأسلم الأعرابي ) (1)
وفي رواية أخرى قيل : ( جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بم أعرف أنك نبي قال إن دعوت هذا العِذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ارجع فعاد فأسلم الأعرابي ) (2)
ملاحظة : وإن كان الأعرابي لم يُسلم فذلك لا يُمثل لنا شيء , وكذلك قول الألباني رحمه الله صحيح دون قوله فأسلم الأعرابي , فهذا لا يعني أنه لم يُسلم , وذلك لأن عدم ذكر الشيء لا ينفيه .
(135) نخل النبي صلى الله عليه وسلم تحمل من عامها الأول :
وذلك عندما جاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه , ثم بعدها سأله النبي عنها
كما جاء في الحديث التالي حيث قال له :
__________
(1) صحيح : سنن الترمذي 3628.
(2) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 3628.(1/128)
يا سلمان : ما هذا ؟ فقال : صدقة عليك وعلى أصحابك ، فقال : ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة . قال : فرفعها ، فجاء الغد بمثله ، فوضعه بين يدي رسول الله فقال : ما هذا يا سلمان ؟ فقال : هدية لك . فقال رسول الله لأصحابه : ابسطوا . ثم نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله فآمن به ، وكان لليهود ، فاشتراه رسول الله بكذا وكذا درهما على أن يغرس نخلا فيعمل سلمان فيه حتى تطعم ، فغرس رسول الله النخيل إلا نخلة واحدة غرسها عمر ، فحملت النخل من عامها ، ولم تحمل النخلة فقال رسول الله : ما شأن هذه النخلة ؟ . فقال عمر : يا رسول الله أنا غرستها . فنزعها رسول الله فغرسها ، فحملت من عامها (1)
(136) وضع يده على الجذع فسكن :
كما جاء في الحديث التالي :
كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ، فلما صنع له المنبر وكان عليه ، فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت . (2)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الحيوان
(137) إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن الشاة التي أُخذت بغير إذن أهلها
__________
(1) صحيح : الشمائل المحمدية الألباني 18 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3585 .(1/129)
كما جاء في الحديث التالي : عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فأرسلت المرأة قالت يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعميه الأسارى (1)
(138) البعير يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن صاحبه يريد نحره :
كما جاء في الحديث التالي : عن يعلي بن سيابة قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين ( أي نخلتين صغيرتين ) فانضمت إحداهما إلى الأخرى ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما وجاء بعير يضرب بجرانه إلى الأرض وجرجر حتى انبل ما حوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما يقول البعير إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أواهبه أنت لي فقال يا رسول الله ما لي مال أحب إلي منه فقال استوص به معروفا فقال لا جرم ولا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال إنه يعذب في غير كبير فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال عسى أن يخفف عنه مادامت رطبة . (2)
يضرب بجرانه : أي باطن العنق , وقيل مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره .
(139) التخلص من نجاسة الكلب :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
__________
(1) صحيح : صحيح أبي داود للألباني 3332.
(2) صحيح : مجمع الزوائد للهيثمي 9 /9 .(1/130)
طهور إناء أحدكم ، إذا ولغ فيه الكلب ، أن يغسله سبع مرات . أولاهن بالتراب (1)
في هذا الحديث سبق النبي - صلى الله عليه وسلم - الأطباء في إرشادنا للأسلوب الصحيح في الاحتراز من الآنية التي ولغ فيها الكلب , حتى لا تنتقل إلينا الأمراض الخطيرة .
أما عن الحكمة في الغسل سبع مرات أولاهن بالتراب:
هي أن فيروس الكلب دقيق متناه في الصغر، و من المعروف أنه كلما صغر حجم الميكروب كلما زادت فعالية سطحه للتعلق بجدار الإناء و التصاقه به، و لعاب الكلب المحتوي على الفيروس يكون على هيئة شريط لعابي سائل، و دور التراب هنا هو امتصاص الميكروب – بالالتصاق السطحي – من الإناء على سطح دقائقه .
و الغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء : لأن التراب يسحب اللعاب و الفيروسات الموجودة فيه بقوة أكثر من إمرار الماء، أو اليد على جدار الإناء ، و ذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب)، و بين التراب .
(140) الجمل يبكي ويشتكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :
نعم لقد اشتكى الجمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ظلم صاحبه له، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس , وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حائش نخل , قال فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه ( أي أصل أذنيه وطرفاهما ) فسكت , فقال من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله , فقال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ( أي تَكُدُّهُ وتُتعبه) . (2)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 279.
(2) صحيح : صحيح أبي داود للألباني 2549.(1/131)
(141) الجمل يسجد للنبي صلى الله عليه وسلم :
كما جاء في الحديث التالي : كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنه كان لنا جمل نستني عليه ( أي نستقي عليه الماء ) وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار يا رسول الله قد صار مثل الكلب الكلِب ( أي المفترس ) نخاف عليك صولته قال ليس علي منه بأس فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذا بهيمة لا يعقل يسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك , قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها , لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس ( أي تنفجر ) بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه . (1)
وفي رواية أخرى : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده ، لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ، ثم أقبلت تلحسه ، ما أدت حقه (2)
(142) الذئب يتكلم ويشهد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة :
__________
(1) صحيح : مجمع الزوائد – الهيثمي 9 / 7.
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7725 .(1/132)
عن أبي سعيد الخدري قال : ( عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال : ألا تتقي الله ؟ تنزع مني رزقا ساقه الله إلي فقال : يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال : فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي : أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده ) (1)
(143) الذباب في إحدى جناحيه دواء :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء . (2)
في هذا الحديث ، يذكر لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرين :
أولاهما: أن الذباب ناقل داء وهذا شيء أصبح الآن معروفاً لدى الجميع.
وثانيهما: وهي التي يجهلها الكثير أن الذباب يحمل مضادات للجراثيم من النوع الممتاز كذلك .
ففي الحديث إرشاد من النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس وجوب , فمن أراد أن يأكل أو يشرب من الطعام الذي وقعت فيه ذبابة ، يغمس الذباب فيه بعد وقوعه حرصاً على صحة الآكل والشارب ، وحفاظاً على الطعام والشراب من التلف، وأما من تعاف نفسه منظر الذباب إذا وقع في الطعام أو الشراب فلا يلزمه الاستمرار ، ولا يكون بذلك مخالفاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 1 / 241.
(2) صحيح : رواه البخاري 5782.(1/133)
ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات ، وهذا الطفيلي يلازم الذبابة على الدوام ، وهو يقضي حياته في الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة بشكل خلايا مستديرة فيها إنزيم خاص ، ثم لا تلبث هذه الخلايا المستديرة أن تستطيل فتخرج من الفتحات أو من بين مفاصل حلقات بطن الذبابة ، فتصبح خارج جسم الذبابة ، ودور الخروج هذا يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر، وفي هذا الدور تتجمع بذور الفطر داخل الخلية ، فيزداد الضغط الداخلي للخلية من جراء ذلك ، حتى إذا وصل الضغط إلى قوة معينة لا تحتملها جدر الخلية ، انفجرت الخلية وأطلقت البذور إلى خارجها بقوة دفع شديدة إلى مسافة 2سم خارج الخلية ، على هيئة رشاش مصحوباً بالسائل الخلوي ، ولهذا الإنزيم الذي يعيش في بطن الذبابة خاصية قوية في تحليل وإذابة الجراثيم .وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام ، وألقى بالجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب أو الطعام ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم هو ما يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه ، فإذا غمست الذبابة في الطعام أحدثت هذه الحركة ضغطاً داخل الخلية الفطرية الموجودة في جسم الذبابة ، مما يزيد من توتر السائل داخلها زيادة تؤدي إلى انفجار الخلايا ، وخروج الأنزيمات المضادة للأمراض ، فتقع على الجراثيم التي تنقلها الذبابة بأرجلها فتهلكها وتبيدها ، ويصبح الطعام طاهراً من الجراثيم المرضية .
(144) الشاة التي لا تدر اللبن , تدر وتنجب غنم كثير(1/134)
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي بكر الصديق قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت يا عبد الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى قال فلم يجبها وذلك عند المساء فجاء ابن لها بأعنز يسوقها فقالت يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين فقل لهما تقول لكما أمي اذبحا هذه وكلا وأطعمانا فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم انطلق بالشفرة وجئني بالقدح قال إنها قد عزبت وليس بها لبن قال انطلق فجاء بقدح فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها ثم حلب حتى ملأ القدح ثم قال انطلق به إلى أمك فشربت حتى رويت ثم جاء به فقال انطلق بهذه وجئني بأخرى ففعل بها كذلك ثم سقى أبا بكر ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا فكانت تسميه المبارك وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة فمر أبو بكر فرأى ابنها فعرفه فقال يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت إليه فقالت يا عبد الله من الرجل الذي كان معك قال أو ما تدرين من هو قالت لا قال هو نبي الله قالت فأدخلني عليه قال فأدخلها فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها قالت فدلني عليه فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من أقط ومتاع الأعراب قال فكساها وأعطاها قال ولا أعلمه إلا قال وأسلمت (1)
(145) الشاة التي لم يطأها الفحل تدرّ !!
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : البداية والنهاية لابن كثير 3 / 189 .(1/135)
كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال : يا غلام هل من لبن قال : قلت : نعم ولكني مؤتمن قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقا أبا بكر ثم قال للضرع : اقلص فقلص قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول قال : فمسح رأسي وقال : يرحمك الله فإنك غليم معلم (1)
وجاء في رواية أخرى :
كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر فقال : يا غلام هل من لبن ؟ قال : قلت : نعم ، ولكني مؤتمن . قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل . فأتيته بشاة فمسح ضرعها ، فنزل لبن فحلبه في إناء ، فشرب وسقي أبا بكر ثم قال للضرع : اقلص فقلص . قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول . قال : فمسح رأسي وقال : يرحمك الله فإنك غليم معلم . ثم قال الإمام أحمد رحمه الله ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بإسناده . قال : فأتاه أبو بكر بصخرة منقورة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر وشربت قال : ثم أتيته بعد ذلك قلت : علمني من هذا القرآن . قال : إنك غلام معلم . قال فأخذت من فيه سبعين سورة (2)
(146) الفحل يسجد للنبي صلى الله عليه وسلم :
__________
(1) صحيح : رواه احمد شاكر مسند أحمد 5 / 210.
(2) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 130.(1/136)
كما جاء في الحديث التالي : أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ومعه نفر من الأنصار فقال يا نبي الله إني جئت في حاجة وإن فحلين لي اغتلما فأدخلتهما حائطا وسددت الباب عليهما فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي فقال لأصحابه قوموا معنا فذهب حتى أتى الباب فقال افتح ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريب من الباب فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائتني بشيء أشد به رأسه وأمكنك منه فجاء بخطام فشد به رأسه وأمكنه منه ثم مشيا إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجدا فقال للرجل ائتني بشيء أشد به رأسه فشد رأسه وأمكنه منه وقال اذهب فإنهما لا يعصيانك فلما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قالوا يا رسول الله هذان فحلان لا يعقلان سجدا لك أفلا نسجد لك قال لا آمر أحدا أن يسجد لأحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها (1)
(147) الفرس الضعيف يسبق ويجلب المال الكثير
كما جاء في الحديث التالي : عن جعيل الأشجعي قال :غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة فكنت في آخر الناس فلحقني فقال سر يا صاحب الفرس فقلت يا رسول الله عجفاء ضعيفة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة كانت معه فضربها بها وقال اللهم بارك له فيها قال فلقد رأيتني ما أمسك رأسها أتقدم الناس قال ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا . (2)
(148) الناقة القاعدة تسبق :
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 7 / 1435.
(2) صحيح : مجمع الزوائد الهيثمي 5 / 265.(1/137)
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم – أو قال فتى فقال : أني تزوجت امرأة . فقال : " هل نظرت إليها ؟ فإن في عين الأنصار شيئا " قال : قد نظرت إليها . قال " على كم تزوجتها ؟ " فذكر شيئاً . قال : فكأنكم تنحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال . ما عندنا اليوم شيء نعطيكه ، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه )) فبعث بعثاً إلى بني عبس وبعث الرجل فيهم ، فأتاه فقال : يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث ، قال : فناوله رسول الله يده كالمعتمد عليه للقيام ، فأتاها فضربها برجله ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق به القائد . (1)
(149) ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - فرس أبي طلحة البطيء يسبق الفرسات
كما في الحديث التالي : ( فزع الناس ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة بطيئا ، ثم خرج يركض وحده ، فركب الناس يركضون خلفه ، فقال : ( لم تراعوا ، إنه لبحر ) . فما سبق بعد ذلك اليوم )) . (2)
(150) جمل جابر البطيء صار سريعاً
__________
(1) صحيح : رواه مسلم وسنن البيهقي 14743 .
(2) صحيح : رواه البخاري 2969.(1/138)
كما جاء في الحديث التالي : عن جابر رضي الله عنه قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة . فأبطأ بي جملي . فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " يا جابر ! " قلت : نعم . قال " ما شأنك ؟ " قلت : أبطأ بي جملي وأعيا فتخلفت فنزل فحجنه بمِحجنه . ثم قال " اركب " فركبت . فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : " أتزوجت ؟ " فقلت : نعم . فقال " أبكرا أم ثيبا ؟ " فقلت : بل ثيب . قال : " فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ " قلت : إن لي أخوات . فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن . قال : " أما إنك قادم . فإذا قدمت فالكيس ! الكيس ! " . ثم قال " أتبيع جملك ؟ " قلت : نعم . فاشتراه مني بأوقية . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمت بالغداة . فجئت المسجد فوجدته على باب المسجد . فقال : " الآن حين قدمت ؟ " قلت : نعم . قال : " فدع جملك وادخل فصل ركعتين " قال : فدخلت فصليت ثم رجعت . فأمر بلالا أن يزن لي أوقية . فوزن لي بلال . فأرجح في الميزان . قال فانطلقت . فلما وليت قال " ادع لي جابرا " فدعيت . فقلت : الآن يرد على الجمل . ولم يكن شيء أبغض إلي منه . فقال : " خذ جملك . ولك ثمنه " . (1)
( فحجنه بمِحجنه ) : والمِحجن : عصا فيها تعقف يلتقط بها الراكب ما سقط منه .
(ادخل فصل ركعتين ) : يقصد منه النبي - صلى الله عليه وسلم - استحباب صلاة ركعتين عند القدوم من السفر .
(151) ذراع الشاة يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 715.(1/139)
لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود ) . فجمعوا له ، فقال : ( إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ) . فقالوا : نعم ، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أبوكم ) . قالوا : فلان ، فقال : ( كذبتم ، بل أبوكم فلان ) . قالوا : صدقت ، قال : ( فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه ) . فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ، فقال لهم : ( من أهل النار ؟ ) . قالوا : نكون فيها يسيرا ، ثم تخلفونا فيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اخسؤوا فيها ، والله لا نخلفكم فيها أبدا ) . ثم قال : ( هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ) . فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، قال : ( هل جعلتم في هذه الشاة سما ) . قالوا : نعم ، قال : ( ما حملكم على ذلك ) . قالوا : أردنا إن كنت كاذبا نستريح ، وإن كنت نبيا لم يضرك (1)
وفي رواية أخرى :
( أن يهودية ، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ، شاة مصلية سمتها ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وأكل القوم ، فقال : ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة ) (2)
(152) طائر الحُمرة أخذ حقه :
كما جاء في الحديث التالي : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة ( وهو طائر صغير كالعصفور) معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال : من حرق هذه قلنا : نحن قال : إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار . (3)
__________
(1) صحيح : رواه البخار 3169.
(2) صحيح : رواه ابن حجر العسقلاني في أجوبة بعض تلامذته 1 / 36.
(3) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 1 / 878.(1/140)
(153) وحش يحترم النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوقره :
كما جاء في الحديث التالي : كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض ( أي أقام لا يبرح ) فلم يترمرم (أي يسكن و لا يتحرك) ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه (1)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرؤيا
(154) رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم حرام رضي الله عنها :
كما جاء في الحديث التالي : عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها ( وهي من محارم النبي فهو ينال منها ما يجوز للمحرم أن يناله ) قالت : نام النبي صلى الله عليه وسلم يوما قريبا مني ، ثم استيقظ يبتسم ، فقلت : ما أضحكك ؟ قال : ( أناس من أمتي عرضوا علي ، يركبون هذا البحر الأخضر ، كالملوك على الأسرة ) . قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ، ثم نام الثانية ، ففعل مثلها ، فقالت مثل قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ( أنت من الأولين ) . فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيا ، أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين فنزلوا الشأم ، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت . (2)
(155) رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما :
__________
(1) صحيح : رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 6 .س
(2) صحيح : رواه البخاري 2799.(1/141)
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بينا أنا نائم ، رأيتني على قليب عليها دلو ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبي قحافة ، فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ضعفه ، ثم استحالت غربا ، فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر ، حتى ضرب الناس بعطن (1)
القليب : البئر التي لم تبن جوانبها بالحجارة ونحوها .
الذنوب : الدلو العظيمة , وقيل لا تسمى كذلك إلا إذا كان فيها ماء .
استحالت : أي صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر .
غربا : أي الدلو العظيمة , التي تتخذ من جلد الثور .
العبقري : أي السيد , وقيل : الذي ليس فوقه شيء .
نزع : أي استقى بالدلو .
ومعنى ( ضرب الناس بعطن ) :
أي أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها , وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح .
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3664.(1/142)
قال العلماء : هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما , وحسن سيرتهما , وظهور آثارهما , وانتفاع الناس بهما , وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم , ومن بركته , وآثار صحبته . فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأمر , فقام به أكمل قيام , وقرر قواعد الإسلام , ومهد أموره , وأوضح أصوله وفروعه , ودخل الناس في دين الله أفواجا , وأنزل الله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } ثم توفي صلى الله عليه وسلم , فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا , وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : ذنوبا أو ذنوبين " , وهذا شك من الراوي , والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى . وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم , واتساع الإسلام . ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه , فاتسع الإسلام في زمنه , وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله . فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم , وشبه أميرهم بالمستقي لهم , وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى ضرب الناس بعطن ) قال القاضي : ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة .
(156) رؤيا شهداء أُحد :
كما جاء في الحديث التالي : تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد فقال : رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم ورأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ورأيت بقرا تذبح فبقر والله خير ، فبقر والله خير فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
وجاء في رواية أخرى : رأيت كأني في درع حصينة ، و رأيت بقرا تنحر ، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة ، وأن البقر نفر ، والله خير . (2)
__________
(1) صحيح : مسند أحمد 4 / 146.
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3476.(1/143)
(157) رؤيا صفية أم المؤمنين رضي الله عنها
كما جاء في الحديث التالي : كان بعيني صفية خضرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذه الخضرة بعينيك ؟ فقالت : قلت لزوجي ، إني رأيت فيما يرى النائم قمرا وقع في حجري ، فلطمني وقال : أتريدين ملك يثرب ؟ قالت : وما كان أبغض إلي من رسول الله ، قتل أبي وزوجي ، فما زال يعتذر إلي ، فقال : يا صفية إن أباك ألب علي العرب وفعل وفعل يعتذر إليها ، [ قالت ] حتى ذهب ذاك من نفسي . (1)
(158) رؤيا طلحة رضي الله عنه :
كما جاء في الحديث التالي : عن طلحة بن عبيد الله : أن رجلين قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا وكان أحدهما أشد اجتهادا من صاحبه فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي قال طلحة : فرأيت فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة إذا أنا بهما وقد خرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجعا إلي فقالا لي : ارجع فإنه لم يأن لك بعد فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول صلى الله عليه وسلم فقال : من أي ذلك تعجبون قالوا : يا رسول الله هذا كان أشد اجتهادا ثم استشهد في سبيل الله ودخل هذا الجنة قبله فقال : أليس قد مكث هذا بعده سنة قالوا : بلى وأدرك رمضان فصامه قالوا : بلى وصلى كذا وكذا سجدة في السنة قالوا : بلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض . (2)
(159) رؤيا عبد الله بن سلام رضي الله عنه :
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألبايي 6 / 695.
(2) صحيح : مسند أحمد 2 / 370 .(1/144)
كما جاء في الحديث التالي : كنت جالسا في مسجد المدينة ، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع ، فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوز فيهما ، ثم خرج ، وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، قال : والله لا ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك : رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ، ورأيت كأني في روضة - ذكر من سعتها وخضرتها - وسطها عمود من حديد ، أسفله في الأرض وأعلاه في السماء ، في أعلاه عروة ، فقيل لي : ارقه ، قلت : لا أستطيع ، فأتاني مِنْصَف ( أي الخادم ) ، فرفع ثيابي من خلفي ، فرقيت حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة ، فقيل لي : استمسك . فاستيقظت وإنها لفي يدي ، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة عروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت ) . وذلك الرجل عبد الله بن سلام . (1)
(160) رؤيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3813.(1/145)
كما جاء في الحديث التالي : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : إن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقصونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ، وأنا غلام حديث السن ، وبيتي المسجد قبل أن أنكح ، فقلت في نفسي : لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء ، فلما اضطجعت ليلة قلت : اللهم إن كنت تعلم في خيرا فأرني رؤيا ، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان ، في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد ، يقبلان بي إلى جهنم ، وأنا بينهما أدعو الله : اللهم أعوذ بك من جهنم ، ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد ، فقال : لم ترع ( أي لا تخف ) ، نعم الرجل أنت ، لو تكثر الصلاة . فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم ، فإذا هي مطوية كطي البئر ، لها قرون كقرون البئر ، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد ، وأرى فيها رجالا معلقين بالسلاسل ، رؤوسهم أسفلهم ، عرفت فيها رجالا من قريش ، فانصرفوا بي عن ذات اليمين . فقصصتها على حفصة ، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن عبد الله رجل صالح ) . فقال نافع : لم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة . (1)
(161) رؤيا في بعض الصحابة رضي الله عنهم
كما جاء في الحديث التالي : أن رجلا قال يا رسول الله إني رأيت كأن دلوا دلي ( أي أُرسل ) من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها ( أي من الدلو ) شيء ( أي شيء من الماء ) (2)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 7028 .
(2) صحيح : رواه ابو داود سنن ابي داود 4637.(1/146)
فأخذ بعراقيها : قال الخطابي في معناها أنها أعواد تخالف بينها ثم تشد في عرى الدلو وتعلق بها الحبل واحدتها عرقوة .
حتى تضلع : أي شرب وافرا حتى روي فتمدد جنبه وضلوعه .
فانتشطت : قال الخطابي : انتشاط الدلو اضطرابها حتى ينتضح ماؤها .
وانتضح عليه : أي على علي
قال الخطابي : وأما قوله في أبي بكر فشرب شربا ضعيفا , فإنما هو إشارة إلى قصر مدة أمر ولايته وذلك أنه لم يعش بعد الخلافة أكثر من سنتين وشيء وبقي عمر عشر سنين وشيئا , فذلك معنى تضلعه والله أعلم .
(162) رؤيا مقتل مسيلمة الكذاب :
كما جاء في الحديث التالي : قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته ، وقدمها في بشر كثير من قومه ، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس ، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد ، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال : ( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت ) . فأخبرني أبو هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما أنا نائم ، رأيت في يدي سوارين من ذهب ، فأهمني شأنهما ، فأوحي إلي في المنام : أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي ) . فكان أحدهما العنسي ، والآخر مسيلمة الكذاب ، صاحب اليمامة . (1)
(163) رؤيا مقتل مسيلمة الكذاب والأسود العنسي
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في كفي سواران من ذهب ، فكبرا علي ، فأوحي إلي أن انفخهما ، فنفختهما فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما : صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة (2)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3620.
(2) صحيح : رواه البخاري 4375.(1/147)
وفي رواية أخرى : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب . فأهمني شأنهما . فأوحي إلي في المنام أن انفخهما . فنفختهما فطارا . فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي . فكان أحدهما العنسي ، صاحب صنعاء . والآخر مسيلمة صاحب اليمامة . (1)
(164) رؤيا نقل الحمى من المدينة إلى الجحفة :
كما جاء في الحديث التالي : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس ، خرجت من المدينة ، حتى قامت بمهيعة ، فأولت أن وباء المدينة ينقل إلى مهيعة . وهي الجحفة . (2)
(165) رؤيا هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يثرب , ورؤيا ما حدث يوم أُحد :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ، ورأيت في رؤياي هذه : أني هززت سيفا فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت فيها بقرا ، والله خير ، فإذا هم المؤمنون يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر . (3)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الشياطين
والجن
(166) إخباره - صلى الله عليه وسلم - أن المسلمين لا يعبدون الشيطان بجزيرة العرب :
كما جاء في الحديث التالي : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب . ولكن في التحريش ( أي الحمل على الفتن والحروب ) بينهم . (4)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2274.
(2) صحيح : رواه البخاري 7040.
(3) صحيح : رواه البخاري 3622.
(4) صحيح :رواه مسلم 2812.(1/148)
(167) إخباره بأن الشيطان حال بين عمار وبين الماء :
كما جاء في الحديث التالي :
كان عمار بن ياسر يقول : قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن والإنس . فقيل : هذا الإنس قد قاتلت ، فكيف قاتلت الجن ؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر أستقي منها ، فلقيت الشيطان في صورته ، حتى قاتلني فصرعته ، ثم جعلت أدمي أنفه بفهر معي ، أو حجر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عمارا لقي الشيطان عند بئر فقاتله ، فلما رجعت سألني ، فأخبرته بالأمر . فقال : ذاك شيطان . (1)
(168) العرجون المضيء يضرب الشيطان :
كما جاء في الحديث التالي :
كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر فقلت لو أني اغتنمت هذه الليلة شهود العتمة مع النبي صلى الله عليه وسلم ففعلت فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه فقال ما لك يا قتادة ههنا هذه الساعة قلت اغتنمت شهود الصلاة معك يا رسول الله فأعطاني العرجون فقال إن الشيطان قد خلفك في أهلك فاذهب بهذا العرجون فأمسك به حتى تأتي بيتك فخذه مكن وراء البيت فاضربه بالعرجون فخرجت من المسجد فأضاء العرجون مثل الشمعة نورا فاتضأت به فأتيت أهلي فوجدتهم رقودا فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج . (2)
والعرجون : هو العود الأصفر الذي فيه الشماريخ إذا يبس واعوج .
(169) النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسك بإبليس :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البيهقي في دلائل النبوة 7 / 124.
(2) صحيح: السلسلة الصحيحة للألباني 7 / 77.(1/149)
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسمعناه يقول " أعوذ بالله منك " ثم قال " ألعنك بلعنة الله " ثلاثا . وبسط يده كأنه يتناول شيئا . فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ! قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك . ورأيناك بسطت يدك . قال " إن عدو الله ، إبليس ، جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي . فقلت : أعوذ بالله منك . ثلاث مرات . ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر . ثلاث مرات . ثم أردت أخذه . والله ! لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا ( أي مقيداً ) يلعب به ولدان أهل المدينة . (1)
(170) شهادة الجن للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة :
كما جاء في الحديث التالي :
ما سمعت عمر لشيء قط يقول : إني لأظنه كذا ، إلا كان كما يظن ، بينما عمر جالس ، إذ مر به رجل جميل ، فقال : لقد أخطأ ظني ، أو إن هذا على دينه في الجاهلية ، أو : لقد كان كاهنهم ، علي الرجل ، فدعي له ، فقال له ذلك ، فقال : ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم ، قال : فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني ، قال : كنت كاهنهم في الجاهلية ، قال : فما أعجب ما جاءتك به جنيتك ، قال : بينما أنا يوما في السوق ، جاءتني فيها الفزع ، فقالت : ألن تر الجن وإبلاسها ، ويأسها من بعد إنكاسها ، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها . قال عمر : صدق ، بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه ، فصرخ به صارخ ( أي جني ) ، لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول : يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلا أنت ، فوثب القوم ، قلت : لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ، ثم نادى : يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلا الله ، فقمت ، فما نشبنا أن قيل : هذا نبي . (2)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 542.
(2) صحيح : رواه البخاري 3866.(1/150)
نعم ففي هذا الحديث , بعد أن أخبر عُمر رضي الله عنه بحال الرجل الجميل دون أن يعرفه , ومن بعدها أكد له الرجل أنه فعلا كان كاهن , وكذلك أخبره ما جاءه عن جنية الرجل حتى أخبره الرجل بأمره مع الجنية .... أخبر بعدها عُمر رضي الله عنه الرجل بأمر حدث معه في الجاهلية حيث قال بأنه وهو في يوم عند آلهتهم , جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ صارخ أي جن وقال (يا جليح ، أمر نجيح ، رجل فصيح ، يقول : لا إله إلا أنت ) وجليح اسم الجني كما قال بعض العلماء , وأمر نجيح أي ناجح , رجل فصيح يقول لا إلا إلا أنت أي النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم حيث جاء بالتوحيد حيث لا إله إلا الله .
وهذه شهادة من الجن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم .
(171) فرجعت الشياطين :
كما جاء في الحديث التالي :
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه ، عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين ، فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قال : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث . فانطلقوا ، فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء ، قال : فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة ، وهو عامد إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له ، فقالوا : هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجعوا إلى قومهم ، فقالوا : { يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا . يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا } . وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن } . وإنما إليه قول الجن . (1)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4921 .(1/151)
(172) فلعمري ما أحسبه خالطني أبدا :
كما جاء في الحديث التالي :
لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن أبي العاص قلت نعم يا رسول الله قال ما جاء بك قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي قال ذاك الشيطان ادنه فدنوت منه فجلست على صدور قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك قال فقال عثمان فلعمري ما أحسبه خالطني بعد (1)
(173) هكذا يأتي الشيطان ليشكك في الدين :
كما جاء في الحديث التالي :
لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال : هذا ، خلق الله الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل : آمنت بالله . وفي رواية : يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق السماء ؟ من خلق الأرض ؟ فيقول : الله ثم ذكر بمثله . وزاد : ورسله (2)
وفي حديث آخر :
إن الشيطان يأتي فيقول : من خلق السماء ؟ فيقول : الله ، فيقول من خلق الأرض ؟ فيقول : الله ، فيقول : من خلق الله ؟ ! فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : آمنت بالله و رسوله (3)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الطعام
(174) أربعمائة وأربعين رجلاً يأخذون من التمر والتمر كما هو :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح ابن ماجة للألباني 2874.
(2) صحيح : رواه مسلم 134 .
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 1656.(1/152)
أتينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام . فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر : قم فأعطهم . قال : يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية – قال وكيع : القيظ في كلام العرب أربعة أشهر – قال : قم فأعطهم . قال عمر : يا رسول الله سمعا وطاعة . قال : فقام عمر وقمنا معه فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب . قال دكين : فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض . قال : شأنكم ، قال : فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء . قال : ثم التفت وإني لمن آخرهم وكأنا لم نرزأ منه تمرة . (1)
(175) أربعمائة شخص يأكلون من تمر قليل , ويبقى كما هو
كما جاء في الحديث التالي : عن النعمان بن مقرن قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من مزينة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره فقال بعض القوم يا رسول الله ما لنا طعام نتزوده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر زودهم فقال ما عندي إلا فاضلة من تمر وما أراه يغني عنهم شيئا قال انطلق فزودهم فانطلق بنا إلى علية فإذا فيها تمر مثل البكر الأورق فقال خذوا فأخذ القوم حاجتهم قال وكنت من آخر القوم قال فالتفت وما أفقد موضع تمرة وقد احتمل منه أربعمائة رجل ) (2)
(176) أربعين رجلاً يأكلون فتاتاً من الخبز وتعود الصحفة كما كانت
كما جاء في الحديث التالي : عن واثلة بن الأسقع قال :
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 128.
(2) صحيح : مجمع الزوائد للهيثمي 8 / 307.(1/153)
كنت من أصحاب الصفة فشكا أصحابي الجوع فقالوا : يا واثلة اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطعم لنا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن أصحابي شكوا الجوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : هل عندك من شيء , قالت : يا رسول الله ما عندي إلا فتات خبز , قال : فائتيني به فجاءت بجراب فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة فأفرغ الخبز في الصحفة , ثم جعل يصلح الثريد بيده وهو يربو حتى امتلأت الصحفة , فقال : يا واثلة اذهب فجئ بعشرة من أصحابك وأنت عاشرهم فذهبت فجئت بعشرة من أصحابي وأنا عاشرهم فقال : اجلسوا وخذوا باسم الله خذوا من حواليها ولا تأخذوا من أعلاها فإن البركة تنزل من أعلاها فأكلوا حتى شبعوا ثم قاموا وفي الصحفة مثل ما كان فيها , ثم جعل يصلحها بيده وهي تربو حتى امتلأت , قال : يا واثلة اذهب فجئ بعشرة من أصحابك فجئت بعشرة فقال اجلسوا فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا ثم قاموا فقال اذهب فجئ بعشرة من أصحابك فذهبت فجئت بعشرة ففعلوا مثل ذلك , قال : هل بقي من أحد قلت نعم عشر قال اذهب فجئ بهم فذهبت فجئت بهم فقال اجلسوا فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا , ثم قاموا وبقي في الصحفة مثل ما كان , ثم قال : يا واثلة اذهب بهذا إلى عائشة رضي الله عنها . (1)
(177) البركة في الاجتماع على الطعام
كما جاء في الحديث التالي : أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال : فلعلكم تفترقون , قالوا : نعم , قال : فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه . (2)
(178) البركة في السمن :
__________
(1) صحيح : مجمع الزوائد للهيثمي 8/ / 308 .
(2) صحيح : هداية الرواة -ابن حجر العسقلاني 4 / 172.(1/154)
كما جاء في الحديث التالي : أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا . فيأتيها بنوها فيسألون الأدم . وليس عندهم شيء . فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم . فتجد فيه سمنا . فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته . فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " عصرتيها ؟ " قالت : نعم . قال " لو تركتيها ما زال قائما " . (1)
(179) البركة في الشعير :
كما جاء في الحديث التالي : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه . فأطعمه شطر وسق شعير . فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما . حتى كاله . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال " لولم تكله لأكلتم منه ، ولقام لكم " . (أي لاستمر دائماً أبداً وما انقطع خيره ) . (2)
(180) البركة في شطر الشعير :
كما جاء في الحديث التالي : عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد ، إلا شطر من شعير في رف لي ، فأكلت منه حتى طال علي ، فكلته ففني . (3)
وفي رواية أخرى : عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا شطر من شعير ، فأكلنا منه ما شاء الله ، ثم قلت للجارية كيليه ، فكالته فلم يلبث أن فني ، قالت : فلو كنا تركناه لأكلنا منه أكثر من ذلك (4)
(181) البركة في مزود أبو هريرة رضي الله عنه :
__________
(1) صحيح : روه مسلم 2280.
(2) صحيح : رواه مسلم 2281.
(3) صحيح : رواه البخاري 3097.
(4) صحيح : سنن الترمذي 2467.(1/155)
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوما بتمرات فقلت ادع الله لي فيهن بالبركة قال فصفهن بين يديه قال ثم دعا فقال لي اجعلهن ( أي أدخلهن ) في مزود ( أي وعاء ) وادخل يدك ولا تنثره ( أي لا ترميه متفرقاً ) , قال فحملت منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم وكان لا يفارق حقوي ( أي الإزار أو موضع شد الإزار ) فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط . (1)
(182) التمرة تكفي الرجل طوال اليوم :
كما جاء في الحديث التالي : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة . نتلقى عيرا لقريش . وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره . فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة . قال فقلت : كيف كنتم تصنعون بها ؟ قال : نمصها كما يمص الصبي . ثم نشرب عليها من الماء . فتكفينا يومنا إلى الليل . وكنا نضرب بعصينا الخبط . ثم نبله بالماء فنأكله . قال وانطلقنا على ساحل البحر . فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم . فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر . قال : قال أبو عبيدة : ميته . ثم قال : لا . بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي سبيل الله . وقد اضطررتم فكلوا . قال : فأقمنا عليه شهرا . ونحن ثلاث مائة حتى سمنا . قال : ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه ، بالقلال ، الدهن . ونقتطع منه الفدر كالثور ( أو كقدر الثور ) فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا . فأقعدهم في وقب عينه . وأخذ ضلعا من أضلاعه . فأقامها . ثم رحل أعظم بعير معنا . فمر من تحتها . وتزودنا من لحمه وشائق . فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرنا ذلك له . فقال ( هو رزق أخرجه الله لكم . فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ ) قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه . فأكله (2)
__________
(1) صحيح : مسند أحمد 16 / 258.
(2) صحيح : رواه مسلم 1935 .(1/156)
الخبط : أي الورق الساقط عند خبط الشجرة بالعصا , وهو من علف الدواب .
الكثيب : أي الرمل المجتمع ............... الوقب : أي داخل العين ونقرتها .
الفدر : جمع الفدرة , وهي القطعة .
الوشائق : جمع الوشيقة , وهو لحم يقدد حتى ييبس , أو يغلي قليلاً ويحمل في الأسفار .
(183) الطعام يؤكل ويزداد والقصعة تكفي العشرات :
كما جاء في الحديث التالي : أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، وإن أربع فخامس أو سادس ، وأن أبا بكر جاء بثلاثة ، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة ، قال : فهو أنا وأبي وأمي ، فلا أدري قال : امرأتي وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر ، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم لبث حتى صليت العشاء ، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء بعد ما أمضى من الليل ما شاء الله ، قالت له امرأته : وما حبسك عن أضيافك - أو قالت ضيفك - ؟ قال : أو ما عشيتهم ؟ قالت : أبوا حتى تجيء ، قد عرضوا فأبوا ، قال : فذهبت أنا فاختبأت ، فقال : يا غنثر ، فجدع وسب ، وقال : كلوا لا هنيئا ، فقال : والله لا أطعمه أبدا ، وايم الله ، ما كنا نأخذ من اللقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال : يعني حتى شبعوا ، وصارت أكثر مما كانت قبل ، فنظر إليها أبو بكر : فإذا شيء كما هي أو أكثر ، فقال لامرأته : يا أخت بني فراس ، قالت : لا وقرة عيني ، لهي الآن أكثر منها مما قبل بثلاث مرات . فأكل منها أبو بكر وقال : إنما كان ذلك من الشيطان ، يعني يمينه ، ثم أكل منها لقمة ، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده ، وكان بيننا وبين قوم عقد ، فمضى الأجل فتفرقنا اثنا عشر رجلا ، مع كل رجل منهم أناس ، الله أعلم كم مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل ، فأكلوا منها أجمعون . أو كما قال . (1)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 602.(1/157)
(184) الطعام يكفي المائة وثلاثين والجميع يشبع :
كما جاء في الحديث التالي :
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل مع أحد منكم طعام ) . فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه ، فعجن ، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل ، بغنم يسوقها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أبيع أم عطية ، أو قال : هبة ) . قال : لا ، بل بيع ، قال : فاشترى منه شاة فصنعت ، فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن يشوى ، وايم الله ، ما من الثلاثين ومائة إلا قد حز له حزة من سواد بطنها ، إن كان شاهدا أعطاه إياه ، وإن كان غائبا خبأها له ، ثم جعل فيها قصعتين ، فأكلنا أجمعون وشبعنا ، وفضل في القصعتين ، فحملته على البعير ، أو كما قال . (1)
(185) ألف نفر يأكلون من صاع شعير ويشبعون والطعام كما هو :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 5382.(1/158)
كما جاء في الحديث التالي : لما حُفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا ، فانكفأت إلى امرأتي ، فقلت : هل عندك شيء ؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا ، فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن فذبحتها ، وطحنت الشعير ، ففرغت إلى فراغي ، وقطعتها في برمتها ، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه ، فجئته فساررته ، فقلت : يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا ، فتعال أنت ونفر معك ، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا ، فحي هلا بكم ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتنزلن برمتكم ، ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء ) . فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي ، فقالت : بك وبك ، فقلت : قد فعلت الذي قلت ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ، ثم قال : ( ادع خابزة فلتخبز معي ، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها ) . وهم ألف ، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، إن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو . (1)
(186) أهل الخندق يأكلون من قصعة طعام ويبقى ثلثها
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4102.(1/159)
كما جاء في الحديث التالي : احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة قال رجل نعم قال أما لا فتقدم فدلنا عليه فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه منه فأرسلت امرأته إن جيء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتانا فجاء الرجل يسعى فقال بأبي وأمي وله معزة ومعها جديها فوثب إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم الجدي من ورائنا فذبح الجدي وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت وأدركت وثردت فقربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم أصبعه فيها فقال بسم الله اللهم بارك فيها اللهم بارك فيها اطعموا فأكلوا منها حتى صدروا ولم يأكلوا منها إلا ثلثها وبقي ثلثاها فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا وسرحوا إلينا نغديكم فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه فأكلوا منها حتى شبعوا ثم قام وداعا لربة البيت وسمت عليها وعلى أهلها ثم مشوا إلى الخندق فقال اذهبوا بنا إلى سلمان وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه دعوني فأكون أول من ضربها فقال بسم الله فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة فقال عندها المنافقون نحن بخندق وهو يعدنا قصور فارس و الروم . (1)
(187) ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقى تمر جابر لم ينقص منه شيء :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : مجمع الزوائد – الهيثمي 6 / 135.(1/160)
توفي عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين ، فاستعنت النبي صلى الله عليه وسلم على غرمائه أن يضعوا من دينه ، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فلم يفعلوا ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذهب فصنف تمرك أصنافا ، العجوة على حدة ، وعذق زيد على حدة ، ثم أرسل لي ) . ففعلت ، ثم أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجلس على أعلاه أو في وسطه ، ثم قال : ( كل للقوم ) . فكلتهم حتى أوفيتهم الذي لهم وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء . (1)
(188) بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة يكفيهم الطعام القليل
ويبقي الطعام كامل لم ينقص
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 2127.(1/161)
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله . قال : فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور . فقالت : يا أنس ! اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقل بعثت بهذا إليك أمي . وهي تقرئك السلام . وتقول : إن هذا لك منا قليل ، يا رسول الله ! قال : فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : إن أمي تقرئك السلام وتقول : إن هذا لك منا قليل ، يا رسول الله ! فقال " ضعه " ثم قال : " اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا . ومن لقيت " وسمى رجالا . قال : فدعوت من سمى ومن لقيت : قال : قلت لأنس : عدد كم كانوا ؟ قال : زهاء ثلاثمائة . وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أنس ! هات التور " قال : فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه " قال : فأكلوا حتى شبعوا . قال : فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم . فقال لي " يا أنس ! ارفع " قال : فرفعت . فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت . قال : وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط . فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه . ثم رجع . فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه . قال : فابتدروا الباب فخرجوا كلهم . وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل . وأنا جالس في الحجرة . فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج علي . وأنزلت هذه الآية . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأهن على الناس : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي ؛ إلى آخر الآية .(1/162)
قال الجعد : قال أنس ابن مالك : أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات . وحجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم . (1)
(189) ثمانون رجلاً يأكلون بعض أرغفة الخبز وتكفيهم
وذلك ما حدث مع أبي طلحة عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام في بيته حيث قال لأم سليم : لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا ، أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخرجت خمارا لها ، فلفت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت ثوبي ، وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فذهبت به ، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرسلك أبو طلحة ) . فقلت نعم ، قال : ( بطعام ) . قال : فقلت : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه : ( قوموا ) . فانطلق وانطلقت بين أيديهم ، حتى جئت أبا طلحة ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، قال : فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هلمي يا أم سليم ، ما عندك ) . فأتت بذلك الخبز ، فأمر به ففت ، وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته ، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : ( ائذن لعشرة ) . فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : ( ائذن لعشرة ) . فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : ( ائذن لعشرة ) . فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم أذن لعشرة فأكل القوم كلهم وشبعوا ، والقوم ثمانون رجلا . (2)
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 1428.
(2) صحيح : رواه البخاري 5381 .(1/163)
(190) حضور الشاة المشوية بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي : أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن فقال اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت فأهديت له شاة مصلية ( أي مشوية) فقال هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة . (1)
(191) حضور الطعام الطهي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
كما جاء في الحديث التالي : أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن فقال اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت فأهديت له شاة مصلية فقال هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة . (2)
(192) قصعة الثريد يأكل منها المئات :
كما جاء في الحديث التالي : عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : بينما نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أُتي بقصعة فيها ، ثريد ، قال : فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر، يأكل كل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبوه ، قال : فقال له رجل : هل كانت تُمدُّ بطعام ؟ قال : أما من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تُمدُّ من السماء . ( مسند الإمام أحمد رقم 20668 )
وفي رواية أخرى : عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، أنه قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نتداول من قصعة من غدوة حتى الليل ، تقوم عشرة ، وتقعد عشرة ، قلنا : فما كانت تمد ؟ ! قال : من أي شي تعجب ، ما كانت تمد إلا من ها هنا - وأشار بيده إلى السماء - . (3)
(193) قصعة واحدة يأكل منها المسلمون من الصباح حتى المساء ولا تنقص :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 4 / 57.
(2) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 4 / 57.
(3) صحيح : مشكاة المصابيح الألباني 5871.(1/164)
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نتداول من قصعة من غدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة قلنا فما كانت تمد قال من أي شيء تعجب ما كانت تمد إلا من هاهنا وأشار بيده إلى السماء . (1)
(194) كبد شاة واحدة يكفي لإطعام مائة وثلاثين رجلاً :
كما جاء في الحديث التالي : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل مع أحد منكم طعام ) . فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه ، فعجن ، ثم جاء رجل مشرك ، مشعان طويل ( أي طويل جداً وشعث الرأس )، بغنم يسوقها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بيعا أم عطية ، أو قال : أم هبة ) . قال : لا ، بل بيع ، فاشترى منه شاة ، فصنعت ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى ، وايم الله ( أداة قسم ) ، ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز النبي صلى الله عليه وسلم له حزة من سواد بطنها ، إن كان شاهدا أعطاها إياه ، وإن كان غائبا خبأ له ، فجعل منها قصعتين ، فأكلوا أجمعون وشبعنا ، ففضلت القصعتان ، فحملناه على البعير ، أو كما قال . (2)
بسواد البطن : أي الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيرها .
(195) مُعجزة النخل يُثمر في نفس عام زرعه :
__________
(1) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 3625 .
(2) صحيح : رواه البخاري 2618.(1/165)
كما جاء في الحديث التالي : يا سلمان : ما هذا ؟ فقال : صدقة عليك وعلى أصحابك ، فقال : ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة . قال : فرفعها ، فجاء الغد بمثله ، فوضعه بين يدي رسول الله فقال : ما هذا يا سلمان ؟ فقال : هدية لك . فقال رسول الله لأصحابه : ابسطوا . ثم نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله فآمن به ، وكان لليهود ، فاشتراه رسول الله بكذا وكذا درهما على أن يغرس نخلا فيعمل سلمان فيه حتى تطعم ، فغرس رسول الله النخيل إلا نخلة واحدة غرسها عمر ، فحملت النخل من عامها ، ولم تحمل النخلة فقال رسول الله : ما شأن هذه النخلة ؟ . فقال عمر : يا رسول الله أنا غرستها . فنزعها رسول الله فغرسها ، فحملت من عامها . (1)
(196) مُعجزة تسبيح الطعام وهو يُؤكل :
فمن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الطعام الذي سبح الله وهو يُؤكل ، وقد سمع الصحابة تسبيحه ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقل الماء ، فقال : ( اطلبوا فضلة من ماء ) . فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ثم قال : ( حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله ) . فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . (2)
(197) وامتلأت الأوعية الفارغة :
__________
(1) صحيح : الشمائل المحمدية رواه الألباني 18 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3579.(1/166)
كما جاء في الحديث التالي : وهو يذكر ما حدث في غزة تبوك حين أصاب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع , فعن أبو هريرة وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما أن أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله ! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا ( أي الرواحل من الإبل ) فأكلنا وادهنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افعلوا " قال فجاء عمر ، فقال : يا رسول الله ! إن فعلت قل الظهر (أي قلت الرواحل التي يركبونها) ولكن ادعهم بفضل أزوادهم . وادع الله لهم عليها بالبركة . لعل الله أن يجعل في ذلك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " قال فدعا بنطع فبسطه . ثم دعا بفضل أزوادهم . قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة . قال ويجيء الآخر بكف تمر . قال ويجيء الآخر بكسرة . حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير . قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة . م قال " خذوا في أوعيتكم " قال فأخذوا في أوعيتهم . حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه . قال فأكلوا حتى شبعوا . وفضلت فضلة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله . لا يلقى الله بهما عبد ، غير شاك ، فيحجب عن الجنة " . (1)
ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للشهادة : أي أنه رسول من الله , وأن الله أجاب دعوته .
(198) ينزل طعام من السماء للنبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 27 .(1/167)
كما جاء في الحديث التالي : عن سلمة السكوني قال : كنا جلوسا عند رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إذ قال له قائل : يا رسول الله هل أتيت بطعام من السماء ؟ قال " نعم " قال : وبماذا ؟ قال : بمسخنة قالوا : فهل كان فيها فضل عنك ؟ قال : نعم قال : فما فعل به ؟ قال : رفع وهو يوحي إلي أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا بل تلبثون حتى تقولوا متى وستأتون أفنادا يفني بعضكم بعضا ، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل " . (1)
بمسخنة : أي الإناء الذي يسخن فيه الطعام .
مكفوت : أي مضموم إلى القبر .
أفنادا : جمع الفند , أي جماعات متفرقة , قوم بعد قوم .
موتان : أي الموت كثير الوقوع .
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الماء
(199) البركة في الماء بإلقاء حصيات فيه عركها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيديه
كما جاء في الحديث التالي:
( ........ ثم قلنا يا نبي الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو لنا فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله عز وجل قال الصدائي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها يعني البئر ) (2)
(200) الدعاء بنزول المطر ثم حبسه :
نعم لقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الله بأن ينزل المطر وذلك عندما طلب منه الأعرابي ذلك فدعا فنزل الله المطر الكثير , ثم طلب منه مرة أخرى بأن يدعو الله بأن يمسك المطر عليهم ويكون حواليهم (أي حول المدينة ) حتى لا يغرقهم فأمسك الله تعالى المطر ..
__________
(1) صحيح : الصحيح المسند للوادعي 452.
(2) صحيح : تاريخ دمشق رواه ابن عساكر 34 / 345 .(1/168)
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة ، قام أعرابي فقال : يا رسول ، هلك المال وجاع العيال ، فادع الله لنا . فرفع يديه ، وما نرى في السماء قزعة ، فو الذي نفسي بيده ، ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر ( أي يتقاطر ) على لحيته صلى الله عليه وسلم ، فمطرنا يومنا ذلك ، ومن الغد وبعد الغد ، والذي يليه ، حتى الجمعة الأخرى . وقام ذلك الأعرابي ، أو قال غيره ، فقال : يا رسول الله ، تهدم البناء وغرق المال ، فادع الله لنا . فرفع يديه فقال : اللهم حوالينا ولا علينا . فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت ، وصارت المدينة مثل الجوبة ، وسال الوادي قناة شهرا ، ولم يجىء أحد من ناحية إلا حدث بالجود ) . (1)
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعود لنفسه في المعجزات وإنما عاد إلى الله تعالى فهو دعاه , والله استجاب له .
(201) الماء ينبع من بين أصابعه ويتوضأ منه ثلاثمائة :
كما جاء في الحديث التالي :
أتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ، وهو بالزوراء ، فوضع يده في الإناء ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه ، فتوضأ القوم . قال قتادة : قلت لأنس : كم كنتم ؟ قال : ثلاثمائة ، أو زهاء ثلاثمائة . (2)
(202) النبي يسقي أهل الصفة جميعاً وهم نحو سبعين رجلاً من
قدح واحد من حليب :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 933.
(2) صحيح : رواه البخاري 3572.(1/169)
كما جاء في الحديث التالي : أن أبا هريرة كان يقول : آلله الذي لا إله إلا هو ، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، ثم مر بي عمر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ، فتبسم حين رآني ، وعرف ما في نفسي وما في وجهي ، ثم قال : ( يا أبا هر ) . قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ( الحق ) . ومضى فاتبعته ، فدخل ، فأستأذن ، فأذن لي ، فدخل ، فوجد لبنا في قدح ، فقال : ( من أين هذا اللبن ) . قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ، قال : ( أبا هر ) . قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ( الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي ) . قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاء أمرني ، فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا ، فاستأذنوا فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ، قال : ( يا أبا هر ) . قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ( خذ فأعطهم ) . قال : فأخذت القدح ، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ، فأخذ القدح فوضعه على يده ، فنظر إلي فتبسم ، فقال : ( أبا هر ) .(1/170)
قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ( بقيت أنا وأنت ) . قلت : صدقت يا رسول الله ، قال : ( اقعد فاشرب ) . فقعدت فشربت ، فقال : ( اشرب ) . فشربت ، فما زال يقول : ( اشرب ) . حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا ، قال : ( فأرني ) . فأعطيته القدح ، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة . (1)
(203) ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف و أربعمائة يشربون من بئر لا ماء فيه
كما في الحديث التالي : فعن البراء بن عازب رضي الله عنه يقول :
كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء ، فمضمض ومج في البئر ، فمكثنا غير بعيد ، ثم استقينا حتى روينا ، وروت أو صدرت ركائبنا . (2)
(204) ثمانون رجلاً يتوضئون من إناء واحد :
كما جاء في الحديث التالي :
حضرت الصلاة ، فقام من كان قريب الدار من المسجد فتوضأ ، وبقي قوم ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء ، فوضع كفه ، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه ، فضم أصابعه فوضعها في المخضب ( وهو إناء يُغسل فيه ) ، فتوضأ القوم كلهم جميعا . قلت : كم كانوا ؟ قال : ثمانون رجلا . (3)
(205) رجع الدلو مليء بالماء :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 6452.
(2) صحيح : رواه البخاري 3577 .
(3) صحيح : رواه البخاري 3575 .(1/171)
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأتينا على ركية دمنة أي قليلة الماء قال فنزل فيها ستة أنا سادسهم ماحة قال فأدليت إلينا دلو قال ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفة الركي قال فجعلنا فيها نصفها أو قريب ثلثيها فرفعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال البراء فجئت بإنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول فأعيدت إلينا الدلو بما فيها قال فقد رأيت آخرنا أخرج بقوة خشية الغرق قال ثم ساحت يعني جرت نهرا) (1)
(206) ظهور الماء المنهمر من عين تبوك قليلة الماء
كما جاء في الحديث التالي : قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك . فكان يجمع الصلاة . فصلى الظهر والعصر جميعا . والمغرب والعشاء جميعا . حتى إذا كان يوما أخر الصلاة . ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا . ثم دخل ثم خرج بعد ذلك . فصلى المغرب والعشاء جميعا . ثم قال " إنكم ستأتون غدا ، إن شاء الله ، عين تبوك . وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار . فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي " فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان . والعين مثل الشراك تبض ( أي تسيل ) بشيء من ماء . قال فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل مسستما من مائها شيئا ؟ " قالا : نعم . فسبهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول . قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا . حتى اجتمع في شيء . قال وغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يده ووجهه . ثم أعاده فيها . فجرت العين بماء منهمر . أو قال غزير - شك أبو علي أيهما قال - حتى استقى الناس . ثم قال " يوشك يا معاذ ! إن طالت بك حياة ، أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا " . (2)
__________
(1) صحيح : رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 303 .
(2) صحيح : رواه مسلم 706.(1/172)
(207) مسح على المزادتين ففاض الماء وشرب منه أربعون :
كما جاء في الحديث التالي : عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير ، فأدلجوا ليلتهم ، حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا ، فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس ، فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر ، وكان لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه حتى يستيقظ ، فاستيقظ عمر ، فقعد أبو بكر عند رأسه ، فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل وصلى بنا الغداة ، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا ، فلما انصرف قال : ( يا فلان ، ما يمنعك أن تصلي معنا ) . قال : أصابتني جنابة ، فأمره أن يتيمم بالصعيد ، ثم صلى ، وجعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه ، وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن نسير ، إذا نحن بامرأة سادلة ( أي مُدلية ) رجليها بين مزادتين ( جمع مزادة وهي وعاء كبير من الجلد ) ، فقلنا لها : أين الماء ؟ فقالت : إنه لا ماء ، فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت : يوم وليلة ، فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وما رسول الله ؟ فلم نكلمها من أمره حتى استقبلنا بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثته بمثل الذي حدثتنا ، غير أنها حدثته أنها مؤتمة ( أي لها أولاد أيتام ) ، فأمر بمزادتيها ، فمسح في العزلاوين ( مثنى عزلاء وهو فم القربة ) ، فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا ، فملأنا كل قربة معنا وإداوة ، غير أنه لم نسق بعيرا ، وهي تكاد تنض ( أي تنشق ) من الملء ، ثم قال : ( هاتوا ما عندكم ) . فجمع لها من الكسر والتمر ، حتى أتت أهلها . قالت : لقيت أسحر الناس ، أو هو نبي كما زعموا ، فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة ، فأسلمت وأسلموا . (1)
(208) معجزة نبع الماء بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري3571 .(1/173)
إذا كان وجود الماء وتوافره نعمة عظيمة ، فالحصول عليه وقت الحاجة والظمأ نعمة أكبر ، وإذا كان نبع الماء من الأرض آية ، ونبعه من الحجر الأصم معجزة ، فما ظنك إذا كان نبعه من بين الأصابع البشرية . فهذه هي إحدى وجوه المعجزات التي أكرم الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، والتي لم يُؤيّد بمثلها نبي قبله ، جاءت لتكون شاهدة على التأييد الإلهيّ لرسوله عليه الصلاة والسلام.
وكان لهذه المعجزة دورٌ مهمٌ في إنقاذ المؤمنين مرّاتٍ عديدة من خطر الهلاك عطشاً في مواسم الجفاف ومواطن الشحّ من موارد المياه في الصحاري والقفار ، فكانت وقائع المعجزة غوثاً إلهيّاً وقف عليه الصحابة بأنفسهم ، وسجّلوا شهاداتهم على سجلاّت التاريخ.
يروي الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه , ما حدث لهم في أحد الأسفار مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد كاد الماء أن ينفد ويهلكوا في الصحراء ، فيقول : كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فقل الماء ، فقال : ( اطلبوا فضلة من ماء ) . فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ثم قال : ( حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله ) . فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . (1)
وجاء في حديث آخر : عن أنس بن مالك رضي عنه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده في ذلك الإناء وأمر الناس أن يتوضأوا منه قال فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم . (2)
(209) نزول المطر الشديد يوم تبوك بدعائه :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3579 .
(2) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 3631.(1/174)
كما جاء في الحديث التالي : قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن العسرة قال : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله ، قد عودك الله في الدعاء خيرا فادع . قال : أتحب ذلك ؟ قال : نعم . قال فرفع يديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يرجعها حتى أظلت سحابة ، ثم سكبت فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر . (1)
(210) يشرب في إناء واحد بعد أن كان يشرب في سبعة :
كما جاء في الحديث التالي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضافه ضيف ، وهو كافر ، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة فحلبت . فشرب حلابها . ثم أخرى فشربه . ثم أخرى فشربه . حتى شرب حلاب سبع شياه . ثم أنه أصبح فأسلم . فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة فشرب حلابها . ثم أمر بأخرى فلم يستتمها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( المؤمن يشرب في معي واحد . والكافر يشرب في سبعة أمعاء ) (2)
معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -
مع علامات الساعة
(211) إبل للشياطين وبيوت للشياطين :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بنجيبات معه قد أسمنها فلا يعلوا بعيرا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله وأما بيوت الشياطين فلم أرها كان سعيد يقول لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج . (3)
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 251.
(2) صحيح : رواه مسلم 2063.
(3) صحيح : رواه ابن حجر العسقلاني في هداية الرواة 4 / 45 .(1/175)
وكما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تكون إبل للشياطين ، وبيوت للشياطين . (1)
إبل الشياطين : هي التي تعد للرقص بها .............. بيوت للشياطين : هي بيوت الزنا . والخمارات والبارات والكباريهات , والبيوت والمنازل التي يغلب عليها الحرام .
(212) اختلاف الإخوان على الدنيا :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :كيف أنتم إذا مرج الدين ، [ و سفك الدم ، و ظهرت الزينة ، و شرف البنيان ] ، و ظهرت الرغبة ، و اختلفت الاخوان ، و حرق البيت العتيق ؟ ! (2)
وجاء في رواية أخرى : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ذات يوم ما أنتم إذا مرج الدين وسفك الدماء وظهرت الزينة وشرف البنيان واختلف الإخوان وحرق البيت العتيق وفي رواية واختلف الأحبار بدل الإخوان . (3)
حيث هذا الاختلاف ليس على الحق , وإنما على الدنيا والأهواء , وهذا يحدث , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(213) أخذ الأمة الإسلامية بأخذ القرون قبلها
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر وذراعا بذراع . فقيل : يا رسول الله ، كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك . (4)
نعم , فالأمة الإسلامية سارت على مناهج الشرق الملحد ، والغرب الكافر ، وجربت الشرق مرات وجربت الغرب مئات المرات ، وأبت أن تسير على منهج الله تعالى مرة واحدة ... نسأل الله الهداية والثبات .
(214) ارتكاب الحِيل :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) صحيح : رواه الالباني في مشكاة المصابيح 3842 .
(2) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 2744.
(3) صحيح : رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 313 .
(4) صحيح : رواه البخاري 7319.(1/176)
ترتكبوا ما ارتكبت اليهود , فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل (1)
ما ارتكب اليهود : أي الحيل , فبالحيل قتل اليهود أنبيائهم، وانقلبوا على شرائعهم، موادعة لأهوائهم، ونزواتهم، وشهواتهم.
وهذه الحيل ( أي استحلال الحرام ) قد تكون في : العبادات، أو المعاملات، أو الأحوال الشخصية، ونحوها , وذلك للوصول إلى المحرم من طرف خفي . كمن يسمي الممنوع بغير اسمه , وكذلك الحِلف على سلعة بثمن ما غير حقيقي وإذا تمت النصيحة قال : أقصد السلعة بثمنها وتعبي !! , ومن الحيل .. ما يحدث في البنوك والمصارف، أو في الهيئات، والشركات المتعهدة في اتخاذ طرق ومرابحات دولية، أو مضاربات صورية وما ذلك إلا حيلة لأخذ الربا فيُخدع ببهرجتها السذج، ويُغرُّ بها الذين ينشدون الكسب الحلال، فيوقعونهم في شرّ مما فروا منه، دون الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة في كشف حقيقة تلك المرابحات، ما يجوز منها وما لا يجوز، وكذلك هناك الحيل في التخلص من الزكاة بتفريق المجتمع، وجمع المتفرق , وأيضاً من الحيل في ( لبس المرأة ) نجدها تلبس الحجاب والبنطلون بدعوى أنه واسع !! , وقد تلبس ملابس مُزينة تلفت النظر , وقد تكون الملابس ضيقة ( تحدد الجسم ) وأحياناً شفافة وهنا المصيبة وأحيااااناً وضع المكياج مع لبس الحجاب وتقول لا خفيف مجرد كحل ومبيض وو ... وبعد ذلك يأتي القول بأن ذلك ( دعوى للحجاب ) أي حجاب هذا !!
والأدهى , بأن تلك الحيل وصلت للعبادات فنجد بعض الناس يصلي الصلوات الخمس دفعة واحدة في آخر الليل ويدعي أنه محافظ على الصلوات الخمس!!.
(215) استحلال الحرير :
__________
(1) صحيح : تفسير القرآن لابن كثير 3 / 492 .(1/177)
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليكونن من أمتي أقوام ، يستحلون الحِر (أي الزنا) والحرير ، والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا : ارجع إلينا غدا ، فيبيتهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة . (1)
وذلك بدعوى أن لا يكسر قلب الفقير ، فالفقير صار كالغني هذا زعمهم ، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم .
(216) استحلال الخمر :
بأن يسموها بغير اسمها : فيقول : ويسكي شامبانيا , كونياك , شراب روحي ... وغيرها
وقد عظم هذا الأمر حين أصبح بيعها جهارا، وشربها علانية في بعض البلاد الإسلامية وانتشار المخدرات انتشارا عظيما لم يسبق له مثيل، مما ينذر بخطر كبير، وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن بعد.
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليكونن من أمتي أقوام ، يستحلون الحِر (أي الزنا) والحرير ، والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا : ارجع إلينا غدا ، فيبيتهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة . (2)
وجاء في رواية أخرى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير (3)
وفي رواية أخرى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تذهب الأيام والليالي حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها . (4)
نعم للأسف أصبحت تُسمى بأسماء أخرى , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
__________
(1) صحيح رواه البخاري 5590.
(2) صحيح : رواه البخاري 5590.
(3) صحيح : صحيح ابن ماجة للألباني 3263 .
(4) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7273.(1/178)
(217) استحلال المعازف :
وذلك بدعوى أنها حياة الروح , أو نور الفؤاد , أو يميل إليها الأطفال , نسأل الله الهداية للجميع
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليكونن من أمتي أقوام ، يستحلون الحِر (أي الزنا) والحرير ، والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا : ارجع إلينا غدا ، فيبيتهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة . (1)
وجاء في حديث آخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سيكون في آخر الزمان خسف و قذف و مسخ ، إذا ظهرت المعازف و القينات ( أي المغنون والمغنيات ) ، و استحلت الخمر . (2)
(218) استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة :
كما جاء في الحديث التالي : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وهو في قبة من أدم ، فقال : ( اعدد ستا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) (3)
وجاء في حديث آخر : لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض . حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه . وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا) (4)
وجاء في حديث آخر :
لا تقوم الساعة حتى يكثر المال فيكم ، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، و حتى يعرضه ، فيقول الذي يعرضه عليه : لا أرب لي فيه . ) (5)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 5590.
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3665.
(3) صحيح : رواه البخاري 3176 .
(4) صحيح : رواه مسلم 157 .
(5) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7430 .(1/179)
والمقصود باستفاضة المال : فكثرته وقد وقع هذا بالفعل في عهد الصحابة بسبب ما وقع من الفتوح -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- في خلافة عثمان رضي الله عنه وبعده في خلافة عمر بن عبد العزيز , فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله ... وسيكثر المال في آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى عليه السلام إن شاء الله.
(219) إصابة الأمة الإسلامية بداء الأمم :
هذا يحدث , ولا حول ولا قوة إلا بالله , كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
سيصيب أمتي داء الأمم : الأشر و البطر و التكاثر و التشاحن في الدنيا ، و التباغض و التحاسد ، حتى يكون البغي .) (1)
(220) اقتباس العلم من النجوم :
كما جاء في الحديث التالي :
إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها : النجوم ، و تكذيب بالقدر ، و حيف السلطان .) (2)
نعم وذلك من خلال الأبراج , وكل ما فيها كذب ودجل , وهناك من يؤمن بها ويسعى إليها , ولكن الحذر الحذر فهذه الأبراج التي تعتمد على النجوم لا يمكن أن تأتي بالغيب , لأن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده ....
فالله المستعان في الجرائد التي تتحدث عن هذه الأبراج , وكذلك مواقع الانترنت المتخصصة في ذلك , وايضاً البرامج التي انتشرت على الفضائيات للضحك على الناس والادعاء بأن لديهم العلم ومن ثم يخبروا الشخص بأنه سيحدث معه كذا وكذا .... حتى وإن صدقوا فذلك كله كذب ودجل .... سبحان الله الذي عرف نبيه كل ذلك .
(221) التطاول في البنيان :
فنحن نرى العمارات الآن يصل عدد الطوابق بها إلى سبعين وتسمى ( بناطحات الحساب ) .
__________
(1) حسن : صحيح الجامع للألباني 3658 .
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 1553 .(1/180)
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، يكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعوتهما واحدة . وحتى يبعث دجالون كذابون ، قريب من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله ، وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، وهو القتل . وحتى يكثر فيكم المال ، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، وحتى يعرضه ، فيقول الذي يعرضه عليه : لا أرب لي به . وحتى يتطاول الناس في البنيان ... ) (1)
- وكما جاء في رواية أخرى : ( .. ولكن سأحدثك عن أشرا طها إذا ولدت الأمة ربها فذاك من أشراطها . وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها . وإذا تطاول رُعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها ... ) (2)
- وجاء في حديث آخر :
لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان . ) (3)
- وجاء في حديث آخر :
لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتا يشبهونها بالمراحل .) (4)
نعم , وتطاول البنيان والارتفاعات الشاهقة , نجدها في العديد من الدول .
(222) التقارب في الزمان :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ، فتكون السنة كالشهر ، و الشهر كالجمعة ، و تكون الجمعة كاليوم ، و يكون اليوم كالساعة ، و تكون الساعة كالضرمة بالنار .) (5)
والضرمة : هي ما التهب سريعاً من الحطب .
والتقارب له شكلان :
الشكل الأول : نزع البركة من الوقت وهذا يدركه كل عاقل , فالأعمال التي كنت تقوم بها منذ عشرة سنين في يوم واحد , أكثر مما تقوم به في يوم من أيامنا هذه .
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 7121 .
(2) صحيح : رواه مسلم 9 .
(3) صحيح : صحيح الأدب المفرد للألباني 350 .
(4) صحيح : صحيح الأدب المفرد للألباني 356 .
(5) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7422 .(1/181)
الشكل الثاني : التقارب الحسي : وهذا يدل على قوله: ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر , والشهر كالجمعة , وتكون الساعة كالضرمة بالنار ).
ولنرجع معاً للماضي : سنجد أن الرسالة حتى تصل من بلد لآخر تستغرق شهوراً، أي أن وسائل النقل كانت بطيئة جداً تعتمد على الإبل والخيول، ولكننا اليوم نستطيع إرسال رسالة بسرعة الضوء! فالفاصل الزمني أصبح ضئيلاً جداً في عمل أي شيء. حتى الأحداث والمعارك والأخبار كانت في الماضي تستغرق زمناً طويلاً لنقلها إلى البلدان الأخرى، أما اليوم فإن التلفزيون ينقل لك الحدث بفاصل زمني هو جزء من الثانية... أليس هذا تقارباً للزمان؟ فمن الذي أخبر النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بذلك؟!
ونقول لأولئك الملحدين الذين ينكرون رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام: كيف يمكن أن نفسر هذه الأحاديث الشريفة على كثرتها؟ وما هو المصدر الذي أخذ منه هذه التنبؤات، والتي تتحقق بشكل كامل؟ ونجيب: إنه بلا شك مصدر إلهي! فقد علَّم الله نبيه هذه الأخبار الغيبية لتكون دليلاً على صدق رسالة الإسلام في هذا العصر.
(223) التكذيب بالقدر :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر ) (1)
وهذا يحدث , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(224) التماس العلم عند الأصاغر :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر .) (2)
وقد ذاع هذا الصنف من المتعالمين في هذه الأيام ، ومن ذلك أن ترى رجلاً يحسن الخطابة فيجلس ليلقن الناس دروساً في أصول الفقه ، وقد يحصل طالب علم على الدكتوراة في علم وهو لا يتقنه .
(225) الحديث في المساجد عن الدنيا :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3669 .
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 2207 .(1/182)
سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة ) (1)
وهذا كثير في المساجد الآن سيما من خدم المسجد والمسئولين عن إدارته يحولون المساجد إلى مجلس للدنيا والطعام والشراب .
(226) الفحش والتفحش
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أشراط الساعة الفحش ، و التفحش ، و قطعية الرحم ، و تخوين الأمين ، و ائتمان الخائن . (2)
فهذا فعلا ما يحدث في زمننا الآن , فالكلام الفاحش نسمعه في الشوارع بدون حياء .
(227) القابضون على الجمر :
كما جاء في الحديث التالي : عن أنس بن مالك رضي الله عنه , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( يأتي على الناس زمان ، الصابر فيهم على دينه ، كالقابض على الجمر ) (3)
ويدرك هذا الأمر جيداً , الغرباء المتمسكون بشرع الله , نسأل الله العون والثبات لنا جميعاً .
(228) أمراء يؤخرون الصلاة عن أوقاتها :
__________
(1) صحيح : صحيح الترغيب للألباني 296 .
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 5894 .
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 8002 .(1/183)
كما جاء في الحديث التالي : أتينا عبد الله بن مسعود في داره . فقال : أصلى هؤلاء خلفكم ؟ فقلنا : لا . قال : فقوموا فصلوا . فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة . قال وذهبنا لنقوم خلفه . فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله . قال فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا . قال فضرب أيدينا وطبق بين كفيه . ثم أدخلهما بين فخذيه . قال فلما صلى قال : إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها . ويخنقونها إلى شرق الموتى . فإذا رأيتوهم قد فعلوا ذلك ، فصلوا الصلاة لميقاتها . واجعلوا صلاتكم معهم سبحة . وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعا . وإذا كنتم أكثر من ذلك ، فليؤمكم أحدكم . وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه . وليجنأ . وليطبق بين كفيه . فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراهم . وفي رواية : فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو راكع . ) (1)
وجاء في رواية أخرى : إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة و يحدثون بدعة ، و يؤخرون الصلاة عن مواقيتها . قال ابن مسعود : كيف بي إذا أدركتهم ؟ قال : ليس - يا ابن أم عبد – لا طاعة لمن عصى الله . قالها ثلاثا . (2)
وفي رواية أخرى : ستكون أمراء تشغلهم أشياء ، يؤخرون الصلاة عن وقتها ، فاجعلوا صلاتكم تطوعا . (3)
وفي رواية أخرى : إنه سيكون أمراء ، يؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، ألا فصل الصلاة لوقتها ثم ائتهم ، فإن كانوا قد صلوا ، كنت قد أحرزت صلاتك ، و إلا صليت معهم ، فكانت تلك نافلة ) (4)
وهذا الأمر يحدث , الله المستعان .
(229) انتشار الربا :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 534 .
(2) إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 2864 .
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3617 .
(4) صحيح : صحيح الجامع للألباني 2394 .(1/184)
كما جاء في الحديث التالي : عن عبد الله بن مسعود , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
بين يدي الساعة يظهر الربا والزنا والخمر . ) (1)
وجاء في حديث آخر : عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن النبي صلى عليه وسلم قال :
ليأتين على الناس زمان ، لا يبالي المرء بما أخذ المال ، أمن حلال أم من حرام .) (2)
وذلك على كثير من المسلمين في هذا الزمن فتجدهم لا يتحرون الحلال في المكاسب، بل يجمعون المال من الحلال والحرام، وأغلب ذلك بدخول الربا في معاملات الناس فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا، ووقع كثير من الناس في هذا البلاء العظيم.
ومن فقه الإمام البخاري أنه أورد حديث أبي هريرة السابق في باب قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران130, ليبين أن أكل الأضعاف المضاعفة من الربا يكون بالتوسع فيه عند عدم مبالاة الناس بطرق جمع المال، وعدم التمييز بين الحلال والحرام.
(230) إنكار السنة النبوية الشريفة :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته ، يحدث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله .) (3)
__________
(1) صحيح لغيره : صحيح الترغيب للألباني 1861 .
(2) صحيح : الجامع الصحيح للألباني 2083 .
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 8186.(1/185)
حيث ظهرت في هذه الأيام جماعة يسمون أنفسهم بالقرآنيون ، يقرءون القرآن الكريم وينكرون السنة النبوية بالكلية ، والحق أنهم منكرون للقران الكريم قبل إنكار السنة ، فمنكر للقران بلا ريب إذ كيف يصلي وكم صلاة يصليها ، وما أركان الصلاة ، وما سننها وما مبطلاتها ؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف يحج ..؟ وأنكر بعض المعاصرين السنة القولية ، وأقر السنة العلمية .وأنكر بعض المعاصرين ممن ليس لهم اختصاص بالسنة أحاديث الشفاعة وأولوا الآيات القرآنية الصريحة في الشفاعة ، والبعض الآن يتكئ على أريكته وينفخ أوداجه ثم يضعف أحاديث الشيخين البخاري ومسلم التي أجمعت الأمة على صحتها.
ولقد صدق الله في قوله عز وجل : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44 , وفي قوله : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }النور54
فطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من طاعة الله , كما قال الله تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80 , فآيات القرآن الكريم تؤكد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما هو إلا مبلغ عن رب العالمين فلذلك يجب طاعته لما يقول ( السنة النبوية ) , فطاعة الله تكون بطاعة القرآن ( وحي الله لفظاً ومعنى ) وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكون بالسنة ( وحي الله معنى واللفظ للرسول - صلى الله عليه وسلم - ) {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } .
(231) بعثة النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم :
كما جاء في الحديث التالي :(1/186)
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا ، بالوسطى والتي تلي الإبهام : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) . (1)
وجاء في حديث آخر :
بعثت أنا والساعة كهاتين . قال وضم السبابة والوسطى . (2)
(232) تباهي الناس في المساجد :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) (3)
كمن يقول : مسجدنا أفضل من مسجدكم , وذلك من ناحية الزخرفة والشكل ، لا من ناحية النشاط الدعوي والخيري , وهذا نجده الآن , الله المستعان .
(233) تبرج النساء فهن كاسيات عاريات :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صنفان من أهل النار لم أرهما . قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس . ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات . رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة . لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها . وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا . (4)
كاسيات عاريات : كاسيات من نعمة الله عاريات عن شكرها ، أو كاسيات بعض الأعضاء عاريات البعض الآخر ، أو كاسيات في الظاهر عاريات في الحقيقة لشفافية الثياب .
مميلات مائلات : أي يمشين المشية الميلاء ذات التبختر والكبرياء ، ويُعَلمن غيرهن هذا الصنع . رؤوسهم كأسنمة البخت المائلة : يعظمن ويكبرن رؤوسهن كأسنمة الإبل .
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4936 .
(2) صحيح : رواه مسلم 2951.
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7421.
(4) صحيح : رواه مسلم 2128.(1/187)
رءوسهن كأسنمة البخت فمعناه : يعظمن رءوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس , حتى تشبه أسنمة الإبل البخت , هذا هو المشهور في تفسيره , قال المازري : ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن عنهم , ولا ينكسن رءوسهن , واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء , قال : وهي ضفر الغدائر وشدها إلى فوق , وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت , قال : وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رءوسهن , وجمع عقائصها هناك , وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس , كما يميل السنام , قال ابن دريد : يقال : ناقة ميلاء إذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها . والله أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخلن الجنة ) يتأول التأويلين السابقين في نظائره أحدهما : أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه , فتكون كافرة مخلدة في النار , لا تدخل الجنة أبدا . والثاني : يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين . والله تعالى أعلم .
وهذا الأمر منتشر , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(234) تخوين الأمين و ائتمان الخائن
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أشراط الساعة الفحش ، و التفحش ، و قطعية الرحم ، و تخوين الأمين ، و ائتمان الخائن . (1)
فالله المستعان تجد من يقول اتهموني وأنا الأمين بالخيانة وصاحب الخيانة بالأمانة , هنا نقول لكل من ظلم واتهم بعدم الأمانة وأمانته كانت الأمانة التي يُراد بها وجه الله , نقول له لا يقلق فالله مطلع عليه , ولا ضرر إن خونوك وأنت في الحقيقة أمام الله صادق ... ونسأل الله السلامة والإخلاص .
(235) تداعي الأمم على أمة الإسلام :
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 5894 .(1/188)
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قيل : يا رسول الله ! فمن قلة يومئذ ؟ قال لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ( أي ما يحمله السيل من زبد ووسخ ) ، يجعل الوهن في قلوبكم ، وينزع الرعب من قلوب عدوكم ؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت . (1)
وهذا يحدث الآن , ولا حول ولا قوة إلا بالله , فأصبحت الأمة الإسلامية الآن مطمعاً لكل لئيم بعدما ترك المسلمون الجهاد و تكالبوا على الدنيا.
(236) تسلط الذل على الأمة الإسلامية
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر ، و رضيتم بالزرع ، و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم . (2)
نعم وهذا خير دليل على حالنا الآن , الذي سببه البعد عن الدين .
(237) تغيير لون الشعر إلى الأسود
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة ) (3)
وهذا للأسف نراه في النساء والرجال , الله المستعان .
(238) تقارب الأسواق :
كما جاء في الحديث التالي :
يوشك أن لا تقوم الساعة ؛ حتى يقبض العلم ، وتظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، ويتقارب الزمان ، وتتقارب الأسواق . (4)
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 8183 .
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 423.
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 8153 .
(4) صحيح : صحييح الموارد للألباني 1577 .(1/189)
فلو سرنا في أي مدينة حديثة اليوم نرى السوق بجوار سوق آخر، ونرى ما يسمى "المول" أو مركز التسوق، هذه المولات تنتشر بشكل لا يكاد يصدق، حتى إنك ترى سوقاً بجوار الآخر لا يفصل بينهما إلا شارع أو جدار... هذه الأسواق لم تكن معروفة زمن النبي الكريم، فمن الذي أخبره أن الأسواق ستتقارب وتنتشر بهذا الشكل الكثيف؟
(239) تكليم السباع والجمادات للناس :
كما جاء في الحديث التالي :
عن أبي سعيد الخدري قال : عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال : ألا تتقي الله ؟ تنزع مني رزقا ساقه الله إلي فقال : يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال : فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي : أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده (1)
الذئب على ذنبه : أي جلس على فخذه وذنبه وارتكز على يديه هذا هو الإقعاء
- وجاء في حديث آخر :
و الذي نفسي بيده ، لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ، و حتى يكلم الرجل عذبة سوطه ، و شراك نعله ، و يخبره فخذه بما يحدث أهله بعده (2)
الشراك : أحد سيور النعل التي تكون على وجهها .
عذبة سوطه : أي طرف السوط .
(240) تمنى الموت وغبط أهل القبور :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 1 / 241 .
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7083.(1/190)
والذي نفسي بيده ! لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ، ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر . وليس به الدين إلا البلاء . (1)
وكما جاء في حديث آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه ) (2)
وهذا الأمر قد قارب على الوقوع إن لم يكن قد وقع .
(241) تنجيد البيوت :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم كما تنجد الكعبة ، فأنتم اليوم خير من يومئذ . (3)
ونحن نرى ذلك في بيوت الأثرياء ... حيث كسوة جدران المنزل , وهناك من يكسوا هذه الجدران ( بالسيراميك ) .
(242) خروج نار من أرض الحجاز :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ، تضيء أعناق الإبل ببصرى . (4)
وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام أربع وخمسين وست مائة(654)، وكانت ناراً عظيمة ، أفاض العلماء ممن عاصر ظهورها ومن بعدهم في وصفها ( راجع أشراط الساعة – يوسف الوابل ص 117 )
(243) دجالين كذابين يزعم كل منهم أنه رسول الله
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى يعبدوا الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم : أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي . (5)
وكما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 157 .
(2) صحيح : رواه البخاري 7115.
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3614.
(4) صحيح : رواه البخاري 7118.
(5) صحيح : سنن الترمذي 2219.(1/191)
لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان ، فيكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعواهما واحدة . ولا تقوم الساعة حتى يبعث ( أي يظهر ) دجالون كذابون ، قريبا من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله . (1)
(244) دعاة على أبواب جهنم :
كما جاء في الحديث التالي : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : ( نعم ) قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : ( نعم ، وفيه دخن ) قلت : وما دخنه ؟ قال : ( قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ) قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ) قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : ( هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ) قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ) (2)
وهذا قد وقع ولا يزال يزداد ظهوراً في زماننا ، فالشر الأول : ما وقع من الفتن الأول من نهاية عصر عثمان رضي الله عنه وبداية عصر علي رضي الله عنه , وبالخير ما وقع من الاجتماع مع علي ومعاوية رضي الله عنهما , وبالدخن ما كان في زمانهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق ، وخلاف من خالف عليه من الخوارج وبالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم .أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها )
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3609.
(2) صحيح : رواه البخاري 7084 .(1/192)
قال العلماء : هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة . وفي حديث حذيفة هذا : لزوم جماعة المسلمين وإمامهم , ووجوب طاعته , وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك , فتجب طاعته في غير معصية .
(245) رفع الخشوع في الصلاة :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا ) (1)
فتدخل المسجد فترى من يعبث بثيابه أو يحرك يده , أو يمسح وجهه أو يرفع كمه ، وبعضهم يعد الأموال ويحسبها وهو يصلي , هذا مع انشغال القلب بالدنيا ونسيانه للآخرة .
(246) طاعة الرجال للنساء :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هلكت الرجال حين أطاعت النساء (2)
فنذكر مثلاً حصول الزنا نتيجة للتبرج والسفور والاختلاط الذي فشا بين الناس، فما ذلك إلا بانفلات الزمام من أيدي الرجال، فأصبحت المرأة تفعل ما تشاء من وسائل الفتنة والإغراء والرجل مغلوب على أمره . والمراد بقوله حين أطاعت النساء : أي طاعتها في غير مرضاة الله عز وجل .
(247) طاعون عمواس :
كما جاء في الحديث التالي :
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وهو في قبة من أدم ، فقال : ( اعدد ستا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ) (3)
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 2569 .
(2) صحيح : الزرقاني في مختصر المقاصد 1157 .
(3) صحيح : رواه البخاري 3176.(1/193)
والمقصود بموتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم : ما أصاب المسلمين من طاعون عمواس بالشام في خلافة عمر بعد فتح بيت المقدس كما قال ابن حجر وغيره , وكان ذلك عام 18هـ , ولقد حصد هذا الطاعون أرواح كثيرة من المسلمين وخاصة الصحابة، وقد توفي فيه من كبارهم أبو عبيدة ومعاذ وغيرهما
(248) ظهور التتار :
كما جاء في الحديث التالي :
لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم ، حمر الوجوه ، فطس الأنوف ، صغار الأعين ، وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر (1)
(المجان: جمع مِجَن وهو الترس، والمطرقة التي قد عوليت بطراق وهو الجلد الذي يغشاه، وقيل: التي يطرق بعضها على بعض، كالنعل المطرق المخصوفة)، نعالهم الشعر ( أي يصنعون من الشعر حبالاً و يصنعون منها نعالاً).
ولقد جاء التتار (المغول) إلى بلاد الإسلام في القرن السابع الهجري، فاجتاحوا ديار الإسلام وقتلوا مئات الألوف وهدموا البيوت والقصور، وأذاعوا الفسق في كل مكان، وقتلوا الأمراء والسلاطين، وأزالوا الخلافة العباسية خلافة الظهور، وخرجوا من بلد إلى بلد ليقضوا على العلم والنور، ثم كانت هزيمتهم على يد المسلمين تحت قيادة سلطان مصر قطز.
(249) ظهور أقوام يطلبون العلم :
كما جاء في الحديث التالي : سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبا بوصية رسول الله ، و أفتوهم (2)
نعم , وهذا نراه الآن , حيث نجد إقبال على طلب العلم , سواء في الجامعات أو المساجد , وذلك على الناحيتين رجال ونساء , بل حتى صغار , نسأل الله التوفيق والإخلاص للجميع , وأن يهدي البقية ويثبتهم .
(250) ظهور الجهل بالدين :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3590.
(2) صحيح : صحيح الجامع 3651 .(1/194)
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج . والهرج القتل . (1)
كما جاء في رواية أخرى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يتقارب الزمان ، وينقص العلم ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج . قالوا : يا رسول الله ، أيما هو ؟ قال : القتل القتل . (2)
ولتتأكد من وجود هذا الأمر .. سل المسلمين عن التمثيليات والأفلام وكرة القدم ، وسلهم عن أقصر سورة في القرآن وعن ومعانيها , وسلهم عن مُبطلات الصلاة وأركان الحج والبيوع المحرمة ستعلم حينها هذه الحقيقة ( وهذا الأمر لا يتعارض مع ظهور المقبلين على العلم , لأن كلا الأمرين موجودين كما قال الصادق صلى الله عليه وسلم )
(251) ظهور الخوارج :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يأتي في آخر الزمان قوم ، حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة (3)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 7062.
(2) صحيح : رواه البخاري 7061.
(3) صحيح : رواه البخاري 5057 .(1/195)
وجاء في رواية أخرى : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا ، فوالله لأن أخر من السماء ، أحب إلي من أن أكذب عليه ، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم ، فإن الحرب خدعة ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( سيخرج قوم في آخر الزمان ، أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ) (1)
وقد ظهرت فرقة الخوارج في عهد علي رضي الله عنه .
وكذلك جاء في حديث آخر :بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسما ، أتاه ذو الخويصرة ، وهو رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله اعدل ، فقال : ( ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ) . فقال عمر : يا رسول الله ، ائذن لي فيه فأضرب عنقه ؟ فقال : ( دعه ، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود ، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، ويخرجون على حين فرقة من الناس ) . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به ، حتى نظرت إليه على نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نعته . (2)
في الحديث أنواع من المعجزات جرت كلها، ولله الحمد .
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 6930 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3610.(1/196)
(252) ظهور الزينة :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :كيف أنتم إذا مرج الدين ، [ و سفك الدم ، و ظهرت الزينة ، و شرف البنيان ] ، و ظهرت الرغبة ، و اختلفت الاخوان ، و حرق البيت العتيق ؟ ! (1)
وجاء في رواية أخرى : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ذات يوم ما أنتم إذا مرج الدين وسفك الدماء وظهرت الزينة وشرف البنيان واختلف الإخوان وحرق البيت العتيق وفي رواية واختلف الأحبار بدل الإخوان . (2)
أما عن ظهور الزينة فحدث ولا حرج , تنتشر بشكل كبير حيث نرى الاهتمام والحرص الشديد على شكل الثياب والطعام , ومصارعة الموضة ولبس ما هو جديد , وكذلك انتشار معامل التجميل حتى أصبحنا نرى النساء اللاتي أعمارهن تجاوزت الخمسين تقوم بالتغيير في جسمها لكي تبدو بشكل أصغر , وهناك من تقوم بتغيير أجزاء من جسمها لأغراض عِفنة حيث جذب الأنظار إليها ... ولا حول ولا قوة إلا بالله
(253) ظهور السنوات الخداعات :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب , ويكذب فيها الصادق , ويؤتمن فيها الخائن , ويخون فيها الأمين , وينطق فيها الرويبضة , قيل وما الرويبضة , قال الرجل التافه في أمر العامة . (3)
وهذا يحدث , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(254) ظهور الشح والبخل بأداء الحقوق :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي قال :
يتقارب الزمان ، وينقص العمل ، ويلقى الشح ، ويكثر الهرج . قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل القتل (4)
وهذا يحدث , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(255) ظهور الفتن :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : السلسلة الصحيحة للألباني 2744 .
(2) صحيح : الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 313 .
(3) صحيح : صحيح ابن ماجة للألباني 3277 .
(4) صحيح رواه البخاري 6037.(1/197)
( إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا .......... ) (1)
وجاء في حديث آخر :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ، فقال : ها إن الفتنة ها هنا ، إن الفتنة ها هنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان . (2)
أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الفتنة تكون من هاهنا، وأشار بيده إلى المشرق، مشرق المدينة، والعراق شرق المدينة من حيث يطلع قرن الشيطان، وقد وقع الأمر كما دل عليه خبر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إذ ظهر أكثر الفتن من جهة العراق، الفتن السياسية، الحربية، بالقتال، بالاقتتال، والفتن العلمية المعنوية، وذلك بما ظهر من أنواع البدع، فبدعة القدر ظهرت في العراق بالبصرة، وكذلك فتنة الرفض بالكوفة في عهد علي -رضي الله عنه- وكذلك الخوارج، كل هذه الفتن ظهرت هناك، ولم يزل المشرق منشأ هذا الأمر , ومصدر يعني لأنواع الفتن، الفتن الاعتقادية، والفتن الحربية السياسية.
وهذا أمر بين يدركه المتأمل للتأريخ، فاقرءوا التأريخ تجدون هذا الأمر عيانا مطابقا لما أخبر به -عليه الصلاة والسلام-، وهذا لا ينفي وجود وظهور فتن في المغرب كما في هذه الأعصار، لا ينفي، لكن المشرق هو الأصل في هذا، وهو الذي ظهرت فيه الفتن في صدر الإسلام وفي القرون الأولى في القرون المفضلة، فقول الرسول لا يقتضي الحصر أن الفتنة لا تكون إلا من هاهنا، لكن لهذا الوجه ولهذه الجهة تميز، ولا يختص هذا بالعراق، بالعراق وما وراء العراق أيضا، لكن العراق هو الذي كانت فيه الخلافة من عهد علي رضي الله عنه كانت فيه الخلافة فظهرت فيه الفتن التي ذكرتها قبل قليل .
(256) ظهور رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 2049 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3279.(1/198)
سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فقلت يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل قال تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل لا طاعة لمن عصى الله (1)
وها نحن أصبحنا نجد أهل البدع , وهناك من ينكر السُنة الذين يسمون أنفسهم بالـ ( القرآنيون ) وهؤلاء يؤمنون بالقرآن فقط ولكن السنة فلا , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(257) ظهور عمل قوم لوط :
كما جاء في الحديث التالي :
إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط . (2)
وللأسف أصبح لهؤلاء الشواذ في بلاد المسلمين كلمة ورأي .
(258) ظهور موت الفجأة :
وهذا يحدث الآن ...
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال : لليلتين و أن تتخذ المساجد طرقا و أن يظهر موت الفجأة . (3)
وموت الفجأة هو ما يحصل للناس من وفاةٍ غير متوقعة، إما بمرض مفاجئ، أو بحادث مروع، وهو للمؤمن راحة، وعلى المنافق حسرة ... الآن قَلَّ من يموت على فراشه، وما نسمع الموت إلا في حوادث، ينزل الواحد وما يتصور أنه يموت ويموت في ذلك اليوم الذي ما يتصور فيه، يموتون بالمئات، تسقط الطائرة وفيها ثلاثمائة راكب كلهم كانوا أحياء وفي لحظة إذا بهم أموات، تنقلب السيارة بالأسرة كاملة، الرجل والمرأة والأولاد بعضهم يضحك، وبعضهم يتكلم، وبعضهم يشرب العصير، وفي لحظة واحدة كلهم يموتون ... إلخ من القصص
(259) ظهور ناشئة همهم الشراب والطعام والثياب والتشدق في الكلام :
كما جاء في الحديث التالي :
سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ، و يشربون ألوان الشراب ، و يلبسون ألوان الثياب ، و يتشدقون في الكلام ، فأولئك شرار أمتي (4)
__________
(1) صحيح : صحيح ابن ماجة للألباني 2332 .
(2) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 1457.
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 5899 .
(4) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3663.(1/199)
هو زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهم أبناؤنا بلا ريب تراهم في الشوارع والطرقات يركبون أجمل السيارات وأغلاها سعراً ، ويأكلون أطايب الطعام ويلبسون أجمل الثياب ، وفي الثوب الواحد عشرة ألوان ، ويتشدقون بالقول ، ويحسنون الكلام ويسيئون العمل ، كلامهم اختلط فيه العربي بالعجمي ، وفاحت منه رائحة الكبر والخيلاء .
(260) عذاب الأمة الإسلامية في الدنيا :
كما جاء في الحديث التالي :
أمتي هذه أمة مرحومة ، ليس عليها عذاب في الآخرة ، إنما عذابها في الدنيا الفتن و الزلازل و القتل و البلايا . (1)
وهذا يحدث الآن , نسأل الله السلامة .
(261) غربة الإسلام
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء . (2)
وجاء في حديث آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ . وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها (3)
وأيضاً جاء في حديث آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز ( أي ينضم ويجتمع ) الحية إلى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي (4)
فما يحدث للمسلمين الملتزمين بأمر الله تعالى وأمر رسوله لهو أكبر دليل على هذه العلامة , فالتعذيب والتنكيل والعقاب والعتاب والسخرية والاستهزاء تصب صباً على الأطهار الأبرار, وأصبح البعض يتمنى الموت , نعم نحن في زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر , اللهم سلم سلم .
(262) غزوة الصحابة وتابعيهم وتابع تابعيهم البلاد .. فيفتح لهم :
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 1396.
(2) صحيح رواه البخاري 338.
(3) صحيح : رواه مسلم 146.س
(4) صحيح : سنن الترمذي 2630.(1/200)
كما جاء في الحديث التالي : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي زمان يغزو فئام ( أي الجماعة الكثيرة ) من الناس ، فيقال : فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال : نعم ، فيفتح عليه ، ثم يأتي زمان ، فيقال : فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال : نعم ، فيفتح ، ثم يأتي زمان ، فيقال : فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال : نعم ، فيفتح ) (1)
وهذا حدث بالفعل ...
(263) فئتان تتقاتلا دعواهما واحدة ثم تتصالحا :
كما جاء في الحديث التالي :
لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان ، فيكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعواهما واحدة . ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون ، قريبا من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله (2)
والمراد بالفئتين جماعة علي وجماعة معاوية رضي الله عنهما
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 2897.
(2) صحيح : رواه البخاري 3609.(1/201)
وقوله ( دعواهما واحدة ) : أي دينهما واحد لأن كلا منهما كان يتسمى بالإسلام , أو المراد أن كلا منهما كان يدعي أنه المحق , وذلك أن عليا كان إذ ذاك إمام المسلمين وأفضلهم يومئذ باتفاق أهل السنة , ولأن أهل الحل والعقد بايعوه بعد قتل عثمان , وتخلف عن بيعته معاوية في أهل الشام , ثم خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة إلى العراق فدعوا الناس إلى طلب قتلة عثمان لأن الكثير منهم انضموا إلى عسكر علي , فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه , ورحل علي بالعسكر طالبا الشام , داعيا لهم إلى الدخول في طاعته , مجيبا لهم عن شبههم في قتلة عثمان بما تقدم , فرحل معاوية بأهل الشام فالتقوا بصفين بين الشام والعراق فكانت بينهم مقتلة عظيمة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم , وآل الأمر بمعاوية ومن معه عند ظهور علي عليهم إلى طلب التحكيم , ثم رجع علي إلى العراق , فخرجت عليه الحرورية فقتلهم بالنهروان ومات بعد ذلك , وخرج ابنه الحسن بن علي بعده بالعساكر لقتال أهل الشام وخرج إليه معاوية فوقع بينهم الصلح كما أخبر به صلى الله عليه وسلم حيث أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن ، فصعد به على المنبر ، فقال : ( ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) . (1)
سبحان الله , فقد كان كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، فقد تنازل الحسن لمعاوية عن الملك عام أربعينَ من الهجرة، فسُمِّيَ عامَ الجماعة لاجتماع المسلمين فيه على خليفة واحد بعد طول فرقة واختلاف , ولقد تم التنازل عن المُلك، لا لقلة، ولا لذلة، ولا لعلة, بل لرغبته فيما عند الله، لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة .
(264) فتح بلاد كسرى :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3629.(1/202)
لتفتحن عصابة من المسلمين ، أو من المؤمنين ، كنز آل كسرى الذي في الأبيض . (1)
ولقد وقع هذا الفتح في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
(265) فتح بيت المقدس
كما جاء في الحديث التالي : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وهو في قبة من أدم ، فقال : ( اعدد ستا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية ( أي راية ) اثنا عشر ألفا ) (2)
ففي عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - تم فتح بيت المقدس سنة ست عشرة من الهجرة ؛ كما ذهب إلى ذلك أئمة السير ، فقد ذهب عمر - رضي الله عنهم - بنفسه، وصالح أهلها، وفتحها، وطهرها من اليهود والنصارى، وبنى بها مسجداً في قبلة بيت المقدس ( البداية والنهاية ج 7 ص 55-57 )
(266) فتنة المال :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي : المال ) (3)
- وجاء في حديث آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم ، وهما مهلكاكم ) (4)
- وكذلك جاء في حديث آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، و يمسي كافرا ، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل ) (5)
وفتنة المال , موجودة في حياتنا , لا أحد ينكرها , فتجد الناس تختلف وتتخاصم وتغضب الله من أجل الحصول على المال , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2919 .
(2) صحيح : رواه البخاري 3176 .
(3) صحيح : سنن الترمذي 2336.
(4) صحيح : صحيح الترغيب للألباني3258.
(5) صحيح : صحيح الجامع للألباني 5460 .(1/203)
(267) فشو التجارة :
كما جاء في الحديث التالي :
إن من أشراط الساعة ، أن يفشو المال ويكثر ، وتفشو التجارة ، ويظهر العلم ، ويبيع الرجل البيع فيقول : لا حتى أستأمر تاجر بني فلان ، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب ، فلا يوجد (1)
نعم , لقد فشت التجارة، فالتجارة أعظم طرق الكسب الآن .
(فشو التجارة) لا يعني هذا: معرفة الناس كيفية البيع والشراء، لكن فشو التجارة يعني: يدخل فيها الذي يعرفها والذي لا يعرفها، فتجد الواحد موظفاً ويزاول التجارة أيضاً، وليس معناه: أن التجارة حرام، ولكن ذلك إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سيحدث .
- وجاء في حديث آخر :بين يدي الساعة : تسليم الخاصة ، و فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، و قطع الأرحام ، و فشو القلم ، و ظهور الشهادة بالزور ، و كتمان الشهادة الحق . (2)
الراوي: عبد الله بن مسعود - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 801- خلاصة الدرجة: صحيح
(حتى تعين المرأة زوجها على التجارة) وهنا يُخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الزوجة ستعين زوجها على التجارة , وها نحن الآن نجد السيدة تعمل بنفسها ولها ممارسات تجارية كبيرة , حتى أصبحت تُسمى برجل أعمال أو سيدة أعمال .. أليس كذلك !!
(268) فشو القلم :
كما جاء في الحديث التالي :
بين يدي الساعة : تسليم الخاصة ، و فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، و قطع الأرحام ، و فشو القلم ، و ظهور الشهادة بالزور ، و كتمان الشهادة الحق
__________
(1) صحيح : صحيح النسائي للألباني 4468 .
(2) صحيح : صحيح الأدب المفرد للألباني 801 .(1/204)
القلم يعبر به عن الكتابة , بالتالي ليس المراد بفشو القلم يعني مجرد آلة قلم، لكن هما متلازمان إذا فشت الكتابة فشى القلم، كان في عهد النبوة في الصدر الأول كان الكتّاب قلة حتى أن بعض الأسرى: أسرى بدر لما حكم عليهم بالمفاداة، بعضهم كانت مفادته بأن يعلّم كذا من الصبيان المدينة الكتابة هذا في العهد الأول، وبعد ذلك حصل اتساع في الكتابة وفشى القلم وكثر الكتاب في الناس .
وفشو القلم الآن في عصرنا هذا لم يقتصر على الكتابة بالآلة التي تحمل باليد، بل أصبحت وسائل الكتابة متنوعة وتؤدي إلى نتائج مضاعفة كالآلات الطابعة .
(269) قبض العلم الديني
وذلك بموت العلماء ، واتخاذ الرءوس الجهلاء وتصدر السفهاء للفتوى .
كما جاء في الحديث التالي :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا . (1)
وجاء في رواية أخرى :
لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، وهو القتل القتل ، حتى يكثر فيكم المال فيفيض . (2)
وها نحن أصبحنا نجد من السفهاء من يتصدر للفتوى , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(270) قطيعة الرحم
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أشراط الساعة الفحش ، و التفحش ، و قطعية الرحم ، و تخوين الأمين ، و ائتمان الخائن . (3)
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 100 .
(2) صحيح : رواه البخاري 1036 .
(3) صحيح : صحيح الجامع للألباني 5894 .(1/205)
أما قطيعة الأرحام فاشية بين الناس قديما وحديثا، نسأل الله السلامة والعافية، وهي من المعاصي التي تفشو بين الناس , قال تعالى : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ{22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ{23}سورة محمد
(271) كثرة الزلازل :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، وهو القتل القتل ، حتى يكثر فيكم المال فيفيض . (1)
وفي الحديث إشارة واضحة إلى وقوع الزلازل في هذه الأيام , وهاهي تقع هنا وهناك ويموت الكثير فيها ... لتؤكد صدق ما أخبر به نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولتعلمن نبأه بعد حين , وقد أخبرنا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى عن كثرة الزلازل في آخر الزمان , بحيث تصير سمة من سمات السنين والأيام حتى تسمى هذه الأوقات , بسنوات الزلازل .
وجاء في رواية أخرى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا ابن حوالة ! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة ، فقد دنت ( أي اقتربت ) الزلازل ، و البلابل ، و الأمور العظام ، و الساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك . (2)
قد نزلت أرض المقدسة : أي من المدينة إلى أرض الشام كما وقعت في إمارة بني أمية .
والبلابل : قال الخطابي : البلابل هي الهموم والأحزان وبلبلة الصدر وسواس الهموم واضطرابها . قال وإنما أنذر أيام بني أمية وما حدث من الفتن في زمانهم .
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 1036.
(2) صحيح : صحيح الجامع للألباني 7838 .(1/206)
وجاء في رواية أخرى : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قال قائل : يا رسول الله هل أتيت بطعام من السماء ؟ قال : نعم أتيت بطعام . قال : يا نبي الله هل كان فيه من فضل ؟ قال : نعم . قال : فما فعل به ؟ قال : رفع إلى السماء ، وقد أوحي إلي أني غير لابث فيكم إلا قليلا ، ثم تلبثون حتى تقولوا متى متى ثم تأتوني أفنادا ( أي جماعات متفرقة ) يفني بعضكم بعضا بين يدي الساعة موتان ( أي موت كثير الوقوع ) شديد وبعده سنوات الزلازل . (1)
(272) كثرة الزنا :
كما جاء في الحديث التالي : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويكثر الجهل ، ويكثر الزنا ، ويكثر شرب الخمر ، ويقل الرجال ، ويكثر النساء ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ) (2)
أما عن الزنا , فلا يوجد أحد منا , وإلا وسمع الكثير الكثير عن حالات الزنا , وما ذلك كله إلا بسبب البعد عن الدين , وزيادة تكلفة الزواج , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(273) كثرة العجم في بلاد المسلمين :
وذلك كخدم وموظفين وهذا الأمر نراه واضحاً بجلاء في دول الخليج .
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم ثم يجعلهم أسدا لا يفرون فيقتلون مقاتلتكم ويأكلون فيئكم (3)
وجاء في حديث آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يوشك أن يكثر فيكم من العجم أسد لا يفرون فيقتلون مقاتلتكم ويأكلون فيئكم . (4)
(274) كثرة الفتن :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : الصحيح من دلائل النبوة للوادعي 555 .
(2) صحيح : رواه البخاري 5231 .
(3) صحيح : الخصائص الكبري للسيوطي 2 / 153 .
(4) صحيح : مجمع الزوائد الهيثمي 7 / 314 .(1/207)
يوشك أن لا تقوم الساعة ؛ حتى يقبض العلم ، وتظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، ويتقارب الزمان ، وتتقارب الأسواق . (1)
انظروا معي ما يجري في الدول الإسلامية، مثل العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال وباكستان... معظم هذه الفتن تحدث في بلدان إسلامية، لماذا؟ لأننا ابتعدنا كثيراً عن تعاليم الخالق عز وجل، وغرَّتنا الحياة الدنيا، ونسينا الله تعالى ولقاءه، وابتعدنا عن ذكر الله... فكانت النتيجة هذه الفتن، وهي ما أخبر عنها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
(275) كثرة الكذب :
كما جاء في الحديث التالي :
يوشك أن لا تقوم الساعة ؛ حتى يقبض العلم ، وتظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، ويتقارب الزمان ، وتتقارب الأسواق . (2)
لقد أعيت ظاهرة الكذب علماء القرن الحادي والعشرين، حتى إنهم ينفقون الملايين بهدف اختراع جهاز لكشف الكذب. ففي عالم الإنترنت نرى يومياً آلاف الصفحات على مواقع مختلفة... ومعظمها كذب ودجل! وفي حياتنا اليومية أصبح الكذب شيئاً مألوفاً... وهذه الظاهرة لم تكن على عهد النبي الكريم، فمن الذي أخبره بأن الكذب سينتشر بهذا الشكل المرعب في هذه الأيام؟
(276) مقاطعة العالم للعراق :
كما جاء في الحديث التالي : يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ( وهو مكيال معروف لأهل العرق ) ولا درهم . قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم . يمنعون ذاك . ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي . قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم . ثم أسكت هنية . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا . لا يعده عددا " . (3)
__________
(1) صحيح : صحيح الموارد للالباني 1577.
(2) صحيح : صحيح الموارد للألباني 1577.
(3) صحيح : رواه مسلم 2913 .(1/208)
أما قطع المعونات عن العراق فهذا حدث منذ احتلال العراق للكويت سنة 1991 م إلى يومنا هذا . وأما قطع الأموال من بلاد الشام ( سوريا – لبنان – فلسطين – الأردن ) فلم يحدث بعد
ولكننا نرى ما يحدث في فلسطين الآن من حصار وتجويع والله أعلم الأيام القادمة إلى أين الاتجاه .
(277) نصر الدين بالفاجرين :
كما جاء في الحديث التالي : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( سيشدد هذا الدين برجال ليس لهم عند الله خلاق ) . (1)
وهذا ما نراه الآن , حيث نرى بعض النصارى والمشركين يساهمون في كفالة الأيتام ، والأعمال الخيرية , وبعضهم يطلب المساعدة في بناء المساجد , ومنهم من يقف في هيئة الأمم المتحدة موقفاً لنصرة المسلمين , ويقوموا بإرسال التبرعات ووضع الخطط لمساعدة المسلمين .. ونذكر مثالاً الحال في فلسطين فالأمم المتحدة الأمريكية لها دور في تقديم المساعدات .
(278) وصول مساكن المدينة إلى اهاب :
كما جاء في الحديث التالي : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
تبلغ المساكن إهاب أو يهاب . قال زهير قلت لسهيل : فكم ذلك من المدينة قال كذا وكذا ميلا (2)
ولقد وصلت مساكن المدينة أبعد من المدينة عددًا من الأميال.
(279) يُقرأ في القوم المثناة :
كما جاء في الحديث التالي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار ويوضع الأخيار ويقبح القول ويحبسن العمل ويقرأ في القوم المثناة قلت وما المثناة قال ما كتب سوى كتاب الله (3)
__________
(1) صحيح : صحيح الجامع للألباني 3656 .
(2) صحيح : رواه مسلم 7474 .
(3) صحيح : مجمع الزوائد الهيثمي 7 / 329 .(1/209)
للأسف , نجد في بعض بيوت المسلمين الكتب والجرائد والمجلات المتعلقة بأخبار الموضة وآخر الصرعات , وأخبار الرياضة والنتائج , وأخبار الفنانين والممثلين وملاحقة أعمالهم , وغير ذلك القصص الخيالية وكتب الشعر والأدب , والروايات الغرامية وووو , ولكن تنصدم بأنك لا تجد كتب لتفسير القرآن الكريم , ولا كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , ولا قصص الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم جميعاً .
معجزات الإسراء والمعراج
(280) مُعجزة الإسراء والمعراج :
كما جاء في الحديث التالي :(1/210)
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به : ( بينما أنا في الحطيم ، وربما قال في الحجر ، مضطجعا ، إذ أتاني آت فقد - قال : وسمعته يقول : فشق - ما بين هذه إلى هذه - فقلت للجارود وهو إلى جنبي : ما يعني به ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ، وسمعته يقول : من قصه إلى شعرته - فاستخرج قلبي ، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا ، فغسل قلبي ، ثم حشي ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض - فقال له الجارود : هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم - يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح ، فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد حتى إذا أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح ، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى ، وهما ابنا الخالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت فردا ، ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح ، فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء ففتح ، فلما خلصت إلى إدريس ، قال :(1/211)
هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه ، فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد بي ، حتى إذا أتى السماء الخامسة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل : وقد أرسل إليه ، قال : نعم ، قيل : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح ،
ثم صعد بي حتى إذا أتى السماء السادسة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : من معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قال : مرحبا به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه ، فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح ، فلما تجاوزت بكى ، قيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه ، قال : نعم ، قال : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا أبوك فسلم عليه ، قال : فسلمت عليه فرد السلام ، قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ،(1/212)
ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات ، ثم رفع لي البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك . ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل ، فأخذت اللبن فقال : هي الفطرة أنت عليها وأمتك ، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم ، فرجعت فمررت على موسى ، فقال : بم أمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال : أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشرا ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت فقال مثله ، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى ، فقال : بما أمرت ؟ قلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم ، قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، قال : سألت ربي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم ، قال : فلما جاوزت نادى مناد : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ) . (1)
وهذه المعجزة تشتمل على مجموعة من المعجزات :
- منها أن سقف بيته انشق كما في بعض الروايات
- ومنها قطع المسافة التي تقطع في آلاف الأعوام في أقل من ساعة زمن
- ومنها خضوع البراق له وعدم نفوره منه
- ومنها خرق السموات
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3887.(1/213)
وهذا خلافاً للمنكرين الذين يقولون إن السموات لا تقبل الخرق . وهذا يرد عليه بأنكم تؤمنون بنزول جبريل – عليه السلام – وصعوده، فما المانع أن يصعد محمد معه مرة .
- ومنها ما رآه في أثناء هذه الرحلة من عذاب العصاة ، ونعيم الطائعين
- ومنها الكلام مع رب العالمين – سبحانه –
- ومنها اللقاء بالأنبياء والصلاة لهم والحديث معهم
- ومنها الكلام مع بعض الملائكة كملك الموت
- ومنها رؤية في ما في العالم العلوي .
صحيح : رواه البخاري كتاب مناقب الأنصار باب المعراج رقم (3885).
(281) إخباره صلى الله عليه وسلم عن عير لقريش :
كما جاء في الحديث التالي : عن شداد بن أوس(1/214)
قلنا : يا رسول ! الله كيف أسري بك ؟ قال : صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما وأتاني جبريل عليه السلام بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل ، فقال : اركب ، فاستصعبت علي ، فدارها بإذنها ، ثم حملني عليها ، فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلني ، فقال : صل . فصليت ، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت ؟ قلت : الله أعلم قال : صليت بيثرب ، صليت بطيبة ، فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، ثم بلغنا أرضا فقال : انزل ، فنزلت ، ثم قال : صل فصليت ، ثم ركبنا ، فقال : أتدري أين صليت ؟ قلت : الله أعلم ، قال : صليت بمدين ، صليت عند شجرة موسى عليه السلام ، ثم انطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصور ، فقال : انزل ، فنزلت ، فقال : صل فصليت ، ثم ركبنا ، قال : أتدري أين صليت ؟ قلت : الله أعلم .(1/215)
قال : صليت ببيت لحم ، حيث ولد عيسى عليه السلام المسيح بن مريم ، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط به دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر ، فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني ، فأتيت بإناءين في أحدهما لبن ، وفي الآخر عسل ، أرسل إلي بهما جميعا ، فعدلت بينهما ، ثم هداني الله عز وجل فأخذت اللبن فشربت ، حتى قرعت به جبيني وبين يدي شيخ متكئ على مثراة له فقال : أخذ صاحبك الفطرة أنه ليهدي ، ثم انطلق لي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة ، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي ، قلت : يا رسول الله ! كيف وجدتها ؟ قال : مثل الحمة السخنة ، ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان ، فسلمت عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد ، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ! أين كنت الليلة فقد التمستك في مكانك ؟ فقال : علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة ، فقال : يا رسول الله ! إنه مسيرة شهر فصفه لي . قال : ففتح لي صراط كأني أنظر فيه لا يسلني عن شيء إلا أنبأته عنه ، قال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله ، فقال المشركون : انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة ، قال : فقال : إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان ، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
(282) وضع بيت المقدس أمامه - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة :
__________
(1) صحيح : دلائل النبوة للبيهقي 2 / 355 .(1/216)
فعندما سألت قريش الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصف لهم بيت المقدس ويبين لهم عدد أبوابه، وذلك في حادثة الإسراء والمعراج، فجلَّى الله له بيت المقدس حتى وضعه أمامه فأخبرهم عما يريدون لم يخطئ في حرف واحد.
كما جاء في الحديث التالي : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لما كذبني قريش ، قمت في الحجر ( أي حجر إسماعيل ) ، فجلا الله لي بيت المقدس ( أي كشف الحجب بيني وبينه ) ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه (1)
مُعجزات متنوعة
(283) أخبر ورقة بن نوفل بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3886 .(1/217)
كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يلحق بغار حراء ، فيتحنث فيه - قال : والتحنث التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود بمثلها ، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنا بقارئ ) . قال : ( فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارىء ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم } . الآيات إلى قوله : { علم الإنسان ما لم يعلم } ) . فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره ، حتى دخل على خديجة ، فقال : ( زملوني زملوني ) . فزملوه حتى ذهب عنه الروع . قال لخديجة : ( أي خديجة ، ما لي ، لقد خشيت على نفسي ) . فأخبرها الخبر ، قالت خديجة : كلا ، أبشر ، فوالله لا يخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .(1/218)
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها ، وكان امرأ تنصر ( أي صار نصرانياً ) في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، قال ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس ( أي الوحي ) الذي أنزل على موسى ، ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا ، ذكر حرفا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أو مخرجي هم ) . قال ورقة : نعم ، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي ، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة ، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم . (1)
(284) الملائكة أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن سحره وبمكان السحر :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 4953 .(1/219)
كما جاء في الحديث التالي :مكث النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، يخيل إليه أن يأتي أهله ولا يأتي ، قالت عائشة : فقال لي ذات يوم : ( يا عائشة : إن الله أفتاني في أمر استفتيته فيه : أتاني رجلان ( أي ملكان ) ، فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي ، فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب ، يعني مسحورا ، قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم ، قال : وفيم ؟ قال : في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة ، تحت رعوفة في بئر ذروان ) . فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذه البئر التي أريتها ، كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين ، وكأن ماءها نقاعة الحناء ( أي متغيرة اللون ) فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخرج ، قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله فهلا ، تعني تنشرت ؟ ( أي استعملت التعويذة والرقية ) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أما الله فقد شفاني ، وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا ) . قالت : ولبيد بن أعصم ، رجل من بني زريق ، حليف ليهود . (1)
في جف طلعة نخلة ذَكَر : هو الغشاء الذي يكون على الطلع ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده بالذَّكَر ... المشط : آلة تسريح الشعر والحية ... أما المشاطة أو المشاقة : هو ما يخرج من الشعر الذي سقط من الرأس إذا سرح بالمشط , وكذا من اللحية ... رعوفة في بئر دروان : أي صخرة في أسفل البئر يجلس المنقي عليها أو حجر على رأس البئر للمستقي .
تنبيه :
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 6063 .(1/220)
أمر السحر لا يحط من منصب نبوة النبي مُحمد ولا يُشكك فيها , لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ , والمعجزات شاهدات بتصديقه , وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض إليه البشر من الأمراض , فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين . وكذلك فلنعلم أن الله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم قبل السحر وأثناءه وبعده ، ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي أهله وهو لم يفعل ، وهو في أمرٍ دنيوي بحت ، ولا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة .
(285) النبي صلى الله عليه وسلم عينه تنام , وقلبه لا ينام :
كما جاء في الحديث التالي :(1/221)
قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم العشاء ثم انصرف فاخذ بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطا ثم قال لا تبرحن خطك ، فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك . قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراد ، فبينا أنا جالس في خطي ، إذ أتاني رجال كأنهم الزط ( أي جنس من السودان والهنود ) ؛ أشعارهم وأجسامهم . لا أرى عورة ولا أرى قشرا ، وينتهون إلي ولا يجاوزون الخط ، ثم يصدرون إلى رسول الله ، حتى إذا كان من آخر الليل ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس فقال : لقد أراني منذ الليلة ( أي لم ينم ) ثم دخل علي في خطي فتوسد فخذي ورقد ( أي جعل فخذه كوسادة وهذا ليس به شيء ) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا رقد نفخ ( أي إذا استعد للنوم نفث في يده من غير ريق ليقرأ أذكار النوم ) ، فبينا أنا قاعد و رسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي ، إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال ، فانتهوا إلي ، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة منهم عند رجليه ، ثم قالوا بينهم : ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، إن عينيه تنامان وقلبه يقظان ، اضربوا له مثلا ، مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مائدة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه ، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ، ومن لم يجبه عاقبه – أو قال عذبه - . ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، فقال : سمعت ما قال هؤلاء . وهل تدري من هم . قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : هم الملائكة ، فتدري ما المثل الذي ضربوه ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : المثل الذي ضربوه : الرحمن بنى الجنة ودعى إليها عبادة ، فمن أجابه دخل الجنة ، ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه (1)
__________
(1) صحيح : صحيح الترمذي للألباني 2861 .(1/222)
سبحان الله الملائكة تشهد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه عينه تنام وقلبه لا ينام , وكذلك كيف يسأل النبي صلى الله عبد الله بن مسعود كما جاء في الحديث ( ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، فقال : سمعت ما قال هؤلاء . وهل تدري من هم ) فلا يدل هذا السؤال إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قلبه متيقظ .
(286) حادثة شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخراج حظ الشيطان منه :
كما جاء في الحديث التالي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان . فأخذه فصرعه فشق عن قلبه . فاستخرج القلب . فاستخرج منه علقة ( أي الدم الغليظ المنعقد ) فقال : هذا حظ الشيطان منك . ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم . ثم لأمه ( أي ضم بعضه إلى بعضه ) ثم أعاده في مكانه . وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ( يعني ظئره ) ( أي المرضعة وهي حليمة رضي الله عنها ) فقالوا : إن محمدا قد قتل . فاستقبلوه وهو منتقع اللون ( أي ممتغير اللون ) قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط ( أي الإبرة ) في صدره . (1)
سبحان الله , اعتقد الغلمان عندما رأوا ذلك أنه قُتل حتى ذهبوا إلى مرضعته السيدة حليمة رضي الله عنها ليخبروها أنه قُتل .. لا أحد يمكنه أن ينكر ذلك فالله الخالق هو من صنع ذلك على أيدي ملائكته , وهو وحده القادر على كل شيء , بالإضافة أن الغلمان عندما رأوا ذلك اعتقدوا بقتله , وكذلك أنس بن مالك رضي الله عنه كان يرى أثر هذه الحادثة في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث يرى أثر الإبرة التي خُيط بها صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفي هذا الحديث حيث قيام الملائكة بنزع حظ الشيطان من قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - , دليل على تهيؤه للنبوة منذ الصغر , وكذلك عصمته من تسلط الشيطان عليه .
(287) خاتم النبوة :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 162 .(1/223)
والحكمة في خاتم النبوة على جهة الاعتبار أنه لما مُلئ قلبه حكمة ويقينا ، ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا ، وأما وضعه عند نغض كتفه فلأنه معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم .
مكان الخاتم فهو كما جاء في الحديثين التاليين :
- رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما . أو قال : ثريدا . قال فقلت له : أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . ولك . ثم تلا هذه الآية : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } [ محمد / 19 ] . قال : ثم درت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه . عند ناغض كتفه اليسرى . جمعا . عليه خيلان كأمثال الثآليل . (1)
- ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وجع ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ، ثم توضأ فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه ، مثل زر الحجلة ( أي بيضة الطير ) (2)
وأما عن شكل الخاتم فهو كما جاء في الحديثين التاليين :
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته . وكان إذا ادهن لم يتبين . وإذا شعث رأسه تبين . وكان كثير شعر اللحية . فقال رجل : وجهه مثل السيف ؟ قال : لا . بل كان مثل الشمس والقمر . وكان مستديرا . ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة . يشبه جسده . (3)
- كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الذي بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة (4)
(288) سقط اليهودي مغشيا عليه عندما رأي العلامة على كتف النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كما جاء في الحديث التالي :
__________
(1) صحيح : رواه مسلم 2346 .
(2) صحيح : رواه البخاري 6352 .
(3) صحيح : رواه مسلم 2344 .
(4) صحيح : سنن الترمذي 3644 .(1/224)
كان يهودي قد سكن مكة ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا : لا نعلم قال : فإنه ولد في هذه الليلة نبي هذه الأمة ، بين كتفيه علامة ، لا يرضع ليلتين لأن عفريتا من الجن وضع يده على فمه ، فانصرفوا فسألوا فقيل لهم : قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام ، فذهب اليهودي معهم إلى أمه فأخرجته لهم ، فلما رأى اليهودي العلامة خر مغشيا عليه وقال ذهبت النبوة من بني إسرائيل ، يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب (1)
(289) صوت النبي يُسمِع كُل من في مكة
نعم , وذلك على الرغم من بعد المسافة بين منى وبين المناطق السكنية في مكة .
كما جاء في الحديث التالي :
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصى الخدف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك (2)
(290) معجزة انشقاق القمر إلى شقين
قال الله تعالى : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ }القمر1-5
__________
(1) صحيح : فتح الباري لابن حجر 6 / 675 .
(2) صحيح : صحيح أبي داود للألباني 1957 .(1/225)
فمن المعجزات التي أيَّد الله بها نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، انشقاق القمر إلى شقين ، حتى رأى بعض الصحابة جبل حراء بينهما , وكان وقوع هذه المعجزة قبل الهجرة النبوية عندما طلب المشركين من النبي - صلى الله عليه وسلم - معجزة جلية تدل على صدقه، وخصصوا بالذكر أن يشق لهم القمر، ووعدوه بالإيمان إن فعل، وكانت ليلة بدر أي الليلة الرابعة عشر وهي التي يكون القمر فيها على أتم صورة وأوضحها، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يعطيه ما طلبوا، فانشق القمر نصفين : نصف على جبل الصفا، ونصف على جبل قيقعان المقابل له , ثم عاد مرة أخرى لوضعه .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين ، حتى رأوا حراء ( أي جبل حراء ) بينهما . (1)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين : فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اشهدوا ) ) (2)
وجاء ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم مقروناً باقتراب الساعة ، قال تعالى:{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ }القمر1، ولكن مع عظم هذه المعجزة , ولما كان من عادة قريش التعنت والتكذيب فقد أعرضوا عما جاءهم، ووصفوا ما رأوه بأنه سحر ساحر , وقد ذكر القرآن الكريم لسان حالهم ومقالهم فقال تعالى: { وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } القمر2
ولا إنكار للعقل في هذه المعجزة لأن القمر مخلوق لله، يفعل فيه ما يشاء، قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ }الأنبياء33 , وقال : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } الرحمن5-6
الخاتمة
__________
(1) صحيح : رواه البخاري 3868 .
(2) صحيح رواه البخاري 4864 .(1/226)
المعجزات هذه لكل من يريد الحق من الذي يقوم بصنع هذه المعجزات ! ولكن يحاول البعض أن يستدل ببعض النصوص في الإنجيل ( المحرف ) بأن الكاذب ممكن أن يُعطى معجزات كما يدعون وقد ورد في إنجيل متى 24/23-25 :
(حينئذ إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا أو هناك فلا , لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا , ها أنا قد سبقت وأخبرتكم. )
ونلاحظ في النص أنه يقول بأن هذا الشخص الكاذب سيدعي أنه رأي المسيح أو ظهر له ! وبولس هو فقط من أدعى ذلك وأعتمد على ذلك في دعواه !! ونضيف إلى ذلك النص الموجود في رسالة يوحنا الأولى 4/1 :
(أيها الأحباء، لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح: هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم.)
فعلى كل باحث أن يبحث جيداً وأن يعرف الحق ويتبعه ولا نريد إلا الحق مهما كان الحق ...
فأسأل الله أن يوفقنا للحق وأن يهدينا جميعاً إلى الصراط المستقيم
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم .
معاذ عليان
M03az1@yahoo.com(1/227)