ملخص البحث
السيرة النبوية بوقائعها المختلفة تمثل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. ودراستها بمنهجية علمية أمرٌ مهمٌ لكل مسلم فضلاً عن المربين والمعلمين، إذ هي مادة سلوكية تربوية ذات أهداف اعتقادية وأخلاقية، وهذا البحث محاولة لبيان ضوابط لمنهج دراسة السيرة النبوية من خلال عرض بعض المسائل المهمة، وهي سبع مسائل:
الأولى: المصادر التي تستقى منها أخبار السيرة النبوية ووقائعها.
الثانية: التأصيل الشرعي لمن يشتغل بعلوم السيرة النبوية.
الثالثة: تفسير أحداث السيرة النبوية.
الرابعة: ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة.
الخامسة: الاهتمام بالسنن الربانية وإبرازها.
السادسة: معرفة مواضع الاقتداء من فعله - صلى الله عليه وسلم - .
السابعة: صدق العاطفة والوفاء بحقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه المسائل إذا جرى مراعاتها من قبل المربين والباحثين؛ فإنها تنهض بعون الله بدراسة السيرة في مدارسنا وجامعاتنا، ويظهر أثرها على سلوكيات المتلقين، وهي الثمرة الأساس لدراسة السيرة النبوية.
...
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، رسول رب العالمين، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(1/1)
وبعد: فهذه نبذة يسيرة في موضوعاتٍ مهمة ومسائل جليلة في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام،تمثل المنهج الذي ينبغي أن يُتبع ويسلك في دراسة السيرة النبوية وتدريسها حتى تؤتي ثمارها، ونحصل على فوائدها،وندرك مقاصدها، ونعتبر بعبرها، ونقتدي بمواقف صاحبها عليه الصلاة والسلام، ونتأسى بأحوالها، وذلك أن السيرة النبوية ليست ضربًا من التاريخ فحسب؛ إنما هي منهج متميز، وعبر متجددة وسلوك يقتفى، فالسيرة النبوية متجددة العطاء؛ لأنها سيرة الرسول الأسوة، والإمام القدوة الذي لا يصح عمل ولا عبادة إلا باتباعه، وسيرته معيار تقاس إليه جميع السير والمواقف والأحداث، وهي صالحة لكل زمان، متسعة لجميع القدرات البشرية، وقد جمع الله فيه جميع الكمالات البشرية حتى يتمكن من الاقتداء به جميع المسلمين على مختلف أزمانهم وأوطانهم ومواقعهم الإدارية والسياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية...إلخ.
والسيرة النبوية مادة تربوية وسلوكية ينبغي أن تتلقى، ويتعلمها المتعلمون بهذا الهدف التربوي الذي يؤدي إلى تنمية السلوك البشري وتقويمه وفق الهدي النبوي الثابت في الكتاب والسنة.
ودارس السيرة النبوية بحاجة إلى التعرف على المنهج العلمي الصحيح في دراستها من حيث المصادر؛ ومنهج التلقي وضرورة التأصيل الشرعي لعلومها، والالتزام بنصوص الوحي وفهم السلف الصالح أهل السنة والجماعة؛ مع الوعي لقضايا العصر ومستجداته، مع مراعاة السنن الاجتماعية والشرعية والاهتمام بها حتى نجدد في دراسة السيرة وتدريسها ونجعلها من أهم الأسس والدعائم في بناء النهضة والحضارة الإسلامية المعاصرة.
إن المشكلة الواقعة في دراسة السيرة أنها تجري على الطريقة التقليدية في سرد الحوادث وحفظ الوقائع دون التنبيه إلى أهميتها التربوية السلوكية؛ وأثرها في تقوية الإيمان وترسيخه؛ وفي بناء الجيل والأمة وفق السنن الشرعية والاجتماعية.(1/2)
ونظرًا لبروز هذه المشكلة في مناهجنا الدراسية أحببت أن أسهم في إيجاد بعض الحلول لها من خلال مناقشة مجموعة من المسائل المتعلقة بمنهج دراسة السيرة النبوية التي ينبغي الاهتمام بها من قبل الدارسين والباحثين ، وقد تعرضت في هذا البحث لسبع مسائل ذات صلة وثيقة بمنهج دراسة السيرة النبوية، وستراها مفصلة في البحث.
وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بها الباحث والسادة القراء والحمد لله رب العالمين.
...
المسألة الأولى
المصادر التي تُستقى منها أخبار السيرة النبوية ووقائعها
هذه المسألة مهمة في منهج دراسة السيرة النبوية؛ لأن تحرير المصادر الموثوقة والرجوع إليها مما يساعد على الفهم الصحيح للسيرة النبوية، بخلاف من تأسره المصادر المنحرفة، التي كتبتها نوابت الضلال والانحراف من أهل الأهواء والبدع ليؤيدوا ضلالهم وانحرافهم، والحديث هنا ليس عن مصادر السيرة النبوية من حيث أنواعها وترتيبها التاريخي (1) ، إنما هو عن مصادر السيرة من حيث التوثيق، ومن حيث الاتجاهات الفكرية للمصنفين، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
1- مصادر أصلية وموثوقة وهي:
__________
(1) تحدث كثير من الباحثين في مقدمات كتبهم عن مصادر السيرة النبوية مثل: مصطفى السباعي: السيرة النبوية دروس وعبر، وأكرم ضياء العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ومهدي رزق الله أحمد: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية. وقد أفردها فاروق حمادة بكتاب مستقل بعنوان: مصادر السيرة النبوية وتقويمها. الطبعة الثانية، دار الثقافة الدار البيضاء.(1/3)
أ- القرآن الكريم: وهو رأس المصادر وأساسها، وثبوته بالتواتر القطعي أمر مسلم لا مرية فيه،وحديثه عن السيرة كثير (1) ، وعرضه منوع، ومنهجه في عرض الأحداث والوقائع يتميز بالشمول في تحليل الحدث ومعالجته، ويلاحظ الأهداف والغايات،ويركز على الآثار والنتائج، وينتزع الصورة الموحية من الحدث ثم يبرزها، غير ملتزم بتسلسل الحدث في سياقه التاريخي؛ لأن القرآن الكريم كتاب هداية وتربية وأحكام، لا كتاب تاريخ، فهو يهتم بالقيم والأخلاق، ومن مميزات النص القرآني وخصائصه:
- عرض المشاعر والخواطر وما يجول في النفوس حتى يجعلها مكشوفة كأنها رأي العين.
- بيان العواقب والمآلات للوقائع (2) وذلك لأنه صادر من العليم الخبير،والسميع البصير، والحكيم القدير، الذي أحاط بكل شيء علمًا.
فالنص القرآني يتميز بالصدق من جهتين:
الأولى: جهة النقل والثبوت.
الثانية: من حيث الوصف للواقعة التاريخية.
فهو يصف الصورة الظاهرة للحدث كما يصف الصورة الباطنة له، ويوضح أثره في المشاعر والنفوس كما يكشف الخواطر والأمنيات، حيث يستوي في علمه - صلى الله عليه وسلم - عالم الغيب والشهادة.
__________
(1) كتب محمد عزة دروزة: سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صور مقتبسة من القرآن الكريم، في مجلدين نشر مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1384 هـ ، وكان قد أصدر كتابًا آخر عن: عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيئته قبل البعثة. واعتمد فيه على الآيات القرآنية، ونشر بدمشق سنة 1366، كما أعد الباحث د.محمد بن بكر آل عابد، رسالتي الماجستير والدكتوراه بالجامعة الإسلامية بعنوان: حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، في مجلدين، نشر دار الغرب الإسلامي.
(2) انظر فصلاً ممتعًا حول هذا المعنى في ظلال القرآن، لسيد قطب 1/467-533.(1/4)
ويلحق هذا المصدر كتب التفسير وأسباب النزول، ففيها كم كثير من الأخبار المتعلقة بالسيرة النبوية، لكن رواياتها بحاجة إلى نقد وتمييز لمعرفة الصحيح من غيره.
ب - ما دونه علماء الحديث بالأسانيد في مصنفاتهم من أحداث السيرة وأخبارها.
فإن مصنفات المحدثين وما فيها من الأخبار والروايات قد خضعت لنقد وتمحيص من علماء الجرح والتعديل، ونصوا على صحيح الأخبار وحسنها، وميزوها عن ضعيفها وموضوعها، كما نصوا على الرواة الثقات العدول، والرواة الضعفاء والمجهولين والكذابين مما سهل على الباحثين القدرة على النقد ومعرفة الصحيح من غيره.
جـ - ما جمعه علماء السيرة ورواتها الأوائل، من أمثال عروة بن الزبير (ت 93 هـ ) ومحمد بن مسلم الزهري (ت 124 هـ) وموسى بن عقبة (ت 141هـ) وابن إسحاق (ت 151هـ)، وأضرابهم وكذا ما دون في المصادر التاريخية العامة من الحوادث والتراجم، وهذا النوع يحتاج إلى نقد وتمييز لمعرفة الصحيح من غيره قبل أن نأخذ الدرس التربوي والعبرة من الحدث، وقبل الاستدلال به على الحكم الشرعي.(1/5)
والمنهج المتبع في نقد الروايات التاريخية هو منهج المحدثين، لكن النتيجة قد تختلف من رواية إلى أخرى بحسب مضمون الرواية،وما يتعلق بها من أحكام، فإذا كانت الرواية متعلقة بحكم شرعي أو أدب نبوي، فلا بد من اتباع منهج المحدثين وشروطهم في الرواية الصحيحة والحسنة، أما إذا كانت الرواية متعلقة بأخبار ليست من هذا النوع كتاريخ الحدث أو مكانه أو عدد المشاركين فيه أو أسمائهم أو ما يكون من أخبار التاريخ والحضارة فإنه يتساهل في قبول الرواية حتى ولو لم تستجمع شروط القبول (1) ، وهذا منهج سائغ وطريقة مسلوكة حيث يتشدد العلماء في الاستدلال على الفرائض وأحكام الحلال والحرام ويتساهلون في رواية ما لا يرفع حكمًا أو يضعه من أحاديث الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ (2) . كما أن نقد المتن هو خطوة نقدية بعد نقد السند، وهي مشتركة بين المحدثين والمؤرخين ويستطيع الباحث إذا أتقنها وتمرس بها تمييز الروايات الصحيحة من غيرها.
2- المؤلفات بعد عصر الرواية والإسناد:
__________
(1) انظر: أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة 1/39.
(2) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية ص 212.(1/6)
من بداية القرن الخامس الهجري تقريبًا توقفت الرواية والتحديث في السنة والسيرة النبوية بالإسناد حيث صارت المؤلفات تغفل الإسناد، ويرجع المصنفون إلى الكتب والمؤلفات بدلاً من التلقي المباشر من الرواة والشيوخ، وصار الإسناد إلى الكتب والإجازة (1) بها وتحمل روايتها بهذا الطريق، أو بطريق الوجادة (2) وظهرت في تلك الفترة مؤلفات في السيرة النبوية تغفل الإسناد، وإذا وجد الإسناد فهو إلى المصنفات الأولى في عصر الرواية، وهذا النوع من المصادر ينظر إليه بحسب اتجاهات مصنفيه الفكرية والعقدية، وكذا بحسب مناهجهم في التصنيف، من حيث اشتراط الصحة فيما يذكرون أو عدم اشتراطها، وهؤلاء تسبر طريقتهم بواسطة المقارنة والنقد الباطني للنصوص، أما إذا أسندوا فينقد الإسناد حتى يميز الصحيح من غيره.
والمصادر في هذا القسم أنواع:
منها: مصادر كتبها علماء ثقات من أهل السنة والجماعة وعلى طريقة السلف في الاعتقاد، ومنهج التلقي والاستدلال، من أمثال: ابن عبدالبر ( ت 463هـ) ، وابن الجوزي (ت 597)، والنووي (ت 676هـ)، وابن تيمية (ت 728هـ) والذهبي (ت 742)، وابن القيم (ت 751هـ)، وابن كثير (ت 774هـ) وابن حجر (ت 852هـ) وابن عبد الوهاب (ت 1206هـ) فهذه مصادر يعتمد عليها ويهتم بدراستها مع ملاحظة اجتناب ما قد يقع فيه بعضهم من خطأ إذ لا عصمة لأحد من الخطأ، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) الإجازة: هي إذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته ومؤلفاته، الباعث الحثيث ص 121.
(2) الوجادة: هي ما أخذ من العلم بواسطة الصحف والكتب من غير سماع ولا إجازة، المصدر نفسه 128.(1/7)
ونوع من المصادر كتبها علماء يغلب عليهم أو تنزعهم اتجاهات ونزعات فكرية مخالفة لطريقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، (اتجاه معتزلي ، أو شيعي، أو صوفي ... ) إلخ، وتلك المصنفات لا تخلو من التأويل الفاسد، أو الأخبار الضعيفة، أو المكذوبة، وكذا الحكايات، والمنامات، والرؤى وادعاء حالات وصور وأخبار عن السيرة النبوية يكون مؤداها ومآلها إخراج شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته عن مجال الاقتداء والتأسي به، حيث تضفي تلك الأخبار المزعومة، والحكايات والمنامات، على السيرة النبوية وصاحبها عليه الصلاة والسلام هالة من المبالغة والتبجيل الكاذب مما يخرجها عن قدرة البشر وطاقتهم فلا يستطيعون التأسي والاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - عمليًا، مما يجعل حظهم منه - صلى الله عليه وسلم - مجرد إعجاب، وانبهار ومثالية، وإشباع روحي، غير قابل للمتابعة والتطبيق الواقعي، وأكثر ما يبرز هذا في الفكر الشيعي، والفكر الصوفي اللذان يعتمدان شخصيات بديلة عن شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويزعمون لأتباعهم أن لها خصوصية ولديها القدرة على التأسي والاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - لما لها من الوسائل والخصائص المميزة، مثل الأئمة عند الشيعة، والسادة والأولياء عند الصوفية، أما الأتباع فدورهم التبرك بهؤلاء الوسطاء والاعتقاد فيهم ومتابعتهم من غير سؤال عن دليل أو برهان، وهذا غاية في الضلال والإساءة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرمان للأمة من الاقتداء والتأسي به كما أمرهم الله - سبحانه وتعالى - ولذا فإنه ينبغي تجنب تلك المصادر والمراجع خاصة من قبل الدارسين المبتدئين، أما الباحث المتخصص فإنه يستطيع الاستفادة منها في الجوانب التي أحسنوا فيها،ويحذر من المزالق والأخطاء التي وقعوا فيها.
3- الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية:(1/8)
هذا العصر يموج بكثير من الأفكار والاتجاهات المختلفة، وقد تأثر بعضه ببعض بسبب تيسير نقل المعلومات وسهولتها وسرعة الاتصالات وتقدم الوسائل الإعلامية حتى صار العالم يوصف بأنه قرية واحدة.
والدراسات عن السيرة النبوية في هذا العصر كثيرةٌ، وعلى مستويات مختلفة، ومن اتجاهات فكرية كثيرة، مثل القومية والاشتراكية، والشيوعية، والعقلانية، والعلمانية، ويغلب على كثير منها استخدام أسلوب التحليل للنصوص، وهو أسلوب ناجح ومفيد في دراسة السيرة النبوية إذا كان المؤلف أو الباحث يملك المرجعية الشرعية، فيفهم حقيقة الإسلام ومنهجه الكامل، وفقه اللغة التي نزل بها القرآن، مع الاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي لا يقبل الله من أحد سواه، ولا يصلح لهذا العالم غيره، وأن له الحاكمية والهيمنة على الأديان كلها، وهو شامل في أحكامه لكافة مناحي الحياة وأنشطتها السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية.
أما إذا كان الباحث لا يؤمن بهذه المعاني أو تنقصه المعرفة الشرعية؛ فإن الغالب أن لا تكون نتائج دراساته صحيحة وإن أتقن طرائق المنهجية المعاصرة ، مثل أسلوب التحليل النفسي، والتحليل الاجتماعي، وبيان أثر البيئة؛ لأن شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وتصرفاته ليست نابعة من هذه المنابع، إنما هو عليه الصلاة والسلام مرسل من الله، ويبلغ ما أوحي إليه، ولذا فإنه لا بد في دراسة السيرة النبوية من ملاحظة أثر الوحي والنبوة في تصرفاته - صلى الله عليه وسلم - المتعلقة بالتعبد وإبلاغ الوحي، ولا بد أيضًا من فهم مقاصد الشريعة وغاياتها حتى يكون تفسير أحداث السيرة وتحليلها وفقًا لنصوص الوحي ومقاصد الشريعة.(1/9)
ولهذا لا نستغرب أن نجد في الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية أثر الاتجاهات الفكرية السائدة، فالقوميون العرب يفسرون حوادث السيرة حسب الفكر القومي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، إذ هو في نظرهم زعيم قومي وحد العرب لأول مرة في التاريخ تحت لواء دولة واحدة جامعة ومستقلة. والاشتراكيون يفسرون حوادث السيرة تفسيرًا يخدم منهجهم وفكرهم، والشيوعيون يفسرون الغزوات النبوية تفسيرًا اقتصاديًا حسب نظرتهم للتاريخ البشري وأن الصراع فيه هو على المواد الاقتصادية ولأجلها، وكذا العلمانيون يفرقون بين شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - القائد والحاكم وبين شخصيته كنبي وزعيم ديني، ففي الأول يتصرف بكونه حاكمًا من غير النظر إلى النبوة والدين لأنهم يفصلون بين الدين والحياة. وهكذا تسير كل فرقة في دراستها عن السيرة النبوية حسب منهجها الفكري، ولذا فإن على الباحث والقارئ المسلم الحذر من مثل هذه المؤلفات، ومعرفة اتجاهات الباحثين والكتاب حتى لا ينخدع بإحسان بعضهم لطرائق التحليل المنهجي للنصوص، والذي يستخدم وسيلة لتسويغ الفكر المنحرف وتسويقه.
ولكن ليست هذه هي الصورة الوحيدة في الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية، وإنما توجد ولله الحمد دراسات جادة ونافعة، جمعت بين أسلوب التحليل للنصوص، وأسلوب القدامى من العلماء في حشد النصوص وتصحيحها والاستدلال بها، مع امتلاك القدرة العلمية والمرجعية الشرعية التي تلاحظ أثر النبوة والوحي، وتدرك مقاصد الشريعة وخلودها وتفردها بالمنهج المصلح للحياة البشرية وأنه لا منهج غيره يصلح لإنقاذ البشرية وإيصالها إلى نيل رضى الله والفوز بجناته.(1/10)
فعلى سبيل المثال أُنجز في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض عدد وفير من الرسائل الجامعية - ماجستير ودكتوراه - التي استوفت دراسة المغازي والسرايا النبوية دراسة توثيقية ونقدية للنصوص والروايات مع الدراسة التحليلية لاستنباط الدروس والأحكام والعبر التربوية.
كما أنجز في مواقع أخرى من الجامعات العربية والإسلامية دراسات في السيرة النبوية لها نصيب وافر من العلم الشرعي والأهداف التربوية، ومثل هذه الدراسات والأبحاث العلمية نحن بحاجة إلى تنميتها ونشرها بين طلاب العلم ، بل والعامة من المسلمين ليستفاد منها، فإن السيرة النبوية مصدر مهم في معرفة وسائل الدعوة ومناهجها، وما يقع في بعض الدراسات من نقص أو اجتهادات خاطئة لا ينبغي أن تكون مانعة من الاستفادة منها ما لم يكن صاحب الدراسة متعمدًا مخالفة منهج السلف الصالح وراغبًا عن طريقتهم.
المسألة الثانية
التأصيل الشرعي لمن له اشتغال بعلوم السيرة النبوية
المشتغل بعلوم السيرة النبوية لا بد له من دراسة الشريعة من مصادرها حتى يفهم حقيقة الإسلام، ومنهجه الكامل، وفقه أحكامه، ودراسة منهج الاستدلال عند علماء الشريعة، كما يجب عليه الالتزام بمصطلحاته الشرعية،وفقه لغته التي نزل بها القرآن، والاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي له الحاكمية والهيمنة على الأديان كلها.
فمن لا يفهم حقيقة الإسلام وشموليته لكافة مناحي الحياة وأنشطتها السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، تكون أغلب تفسيراته وتحليلاته خاطئة ومخالفة لكثير من قواعد الشريعة وأحكامها، والقاعدة المنطقية تقرر أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلا بد من تصور حقيقة الإسلام من مصادره تصورًا صحيحًا وإلا وقع الباحث فيخلط، وقرر نتائج غير صحيحة.(1/11)
ومما ينبغي الالتزام به المصطلحات الشرعية، فإنها التي يتعلق بها الثواب والعقاب، والمدح والذم مثل:مؤمن،مسلم،منافق، كافر، أولياء الرحمن، أولياء الشيطان. فالواجب الالتزام بالتسميات الشرعية، ولا يعدل عنها في تقسيم الناس والدول إلى تقدمي ورجعي، ويميني ويساري، ووسط، ودول متقدمة، ودول متأخرة أو نامية، فإن هذا خلط يسبب التضليل وتمييع الأحكام الشرعية التي تستلزم المحبة والبغض، والولاء والبراء، وتترتب عليها الآثار الشرعية والمواقف الصحيحة، أما المصطلحات غير الشرعية فلا يترتب عليها مجرد مدح أو ذم في الشرع، وهذه المصطلحات وافدة من بيئة غير البيئة الإسلامية ومن ثقافة أمم غير الأمة الإسلامية، فلا يمكن تطبيقها أو استخدامها في التاريخ والحضارة الإسلامية لاختلاف المنشأة الفكري والبيئة والتراث الثقافي، فالتقدمي في عرفهم أفضل من الرجعي، وكذا اليساري بالنسبة لليميني، أما في الشرعية الإسلامية فإنه لا ينظر إلى مجرد المصطلح والوصف الذي يطلق، وإنما ينظر إلى موقف من يوصف بذلك المصطلح من الشرع والتزامه بذلك أو عدمه، فربما يكون الرجعي الذي هو وصف ذم عندهم أفضل وأتقى عند الله لتمسكه بالشرع المطهر، فيكون ممدوحًا، وإطلاق مثل هذا المصطلح يكون من باب التنابز بالألقاب المنهي عنه شرعًا.
المسألة الثالثة
تفسير أحداث السيرة النبوية
إن تفسير أحداث السيرة النبوية واستخلاص فوائدها هو ثمرة دراستها ومقصدها الأسمى، وهذه السيرة هي سيرة نبي ورسول اختاره الله واصطفاه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وقد كمله بالوحي الذي هو الميزة العظمى والخصيصة الكبرى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/12)
ولذا فإنه عند تفسير حوادث السيرة النبوية لا بد من ملاحظة أثر الوحي في تصرفاته ومواقفه - صلى الله عليه وسلم - ، وإن تفسير حوادث السيرة النبوية من غير امتلاك للأدوات والوسائل الشرعية التي تمكن من ذلك يحمل كثيرًا من المخاطر والمحاذير؛ لأن تفسير الحوادث يخضع في الغالب للفلسفة الفكرية والاتجاهات العقدية عند الدارسين، والتجرد من هذه النوازع غير ممكن لتحكمها في فكر المرء وقيادته.(1/13)
والإنسان لا ينفك عن تصوره واعتقاده إلا إذا ترك الاعتقاد ونبذه، وتفسير حوادث التاريخ - والسيرة جزء منه - يخضع للتصور الاعتقادي والفكري، فإذا كان الباحث يحمل تصورًا اعتقاديًّا صحيحًا، كانت نتائج دراسته صورة لفكره وفلسفته في الحياة، وهذا الأمر يستلزم منا معرفة اتجاهات الباحثين والمؤلفين لنعرف مشاربهم الفكرية ومآخذهم الاعتقادية، وسنجد أن دراساتهم وأبحاثهم صورة لأفكارهم وعقائدهم، وبهذا الميزان نرفض نتائج أبحاث الأوربيين والمستشرقين في السيرة النبوية؛ فهم ليسوا أهلاً لأن يحمل عنهم علم السيرة المحمدية ما داموا يكفرون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يؤمنون بنبوته ورسالته إلا على وجه غير صحيح، وكذا يجب رفض الدراسات المتأثرة بأفكارهم والمعتمدة عليها يجب رفضها حتى ولو كان الباحث مسلمًا، فقد رفض علماء الحديث النبوي الرواية عن من اشتهر بالأخذ عن أهل الكتاب ورواية الإسرائيليات، وهؤلاء أولى بالرفض؛ لأنهم بتحليلهم لأحداث السيرة المتأثرة بعقائد وأفكار المستشرقين ينقلون لنا انحرافاتهم مسوغة باستنتاجات من سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويحرفون فيها القول عن مواضعه، ويحاكمون نصوص الوحي محاكمة عقلية غير مهتدية بالشريعة، والعقل وحده لا يستقل بفهم نصوص الوحي.(1/14)
وخاصة في أمور الغيب مثل الحديث عن الجنة والنار و البعث والنشور، والملائكة والجن، والمعجزات ودلائل النبوة، ومما ينبغي التنبه له في تفسير أحداث السيرة النبوية أن لا نجعل الواقع الذي نعيشه مقياسًا، ونحاول أن نؤول نصوص السيرة ووقائعها لتوافقه، فنسوغ للواقع الذي نعيشه ونجعله الأصل حتى لو كان فيه انحرافًا، ونستدل له من السيرة النبوية، وهذا الأمر يحدث نتيجة للضغوط النفسية والسياسية وروح الانهزام أمام العدو والحضارة المعاصرة المسيطرة، والانبهار بمنجاتها المادية، كما يحدث لضعف الإيمان بسمو الرسالة المحمدية واستمرارها وعلوها وظهورها على جميع الملل والأديان.
ولذا فإنه يجب على الباحث عدم الانسياق وراء المنطق التسويغي، وعليه التحرر من الروح الانهزامية عند تحليل أحداث السيرة النبوية، وأن يعظم ويحترم الأحكام الشرعية المقررة ويلتزم بها بكل وضوح مع الاعتزاز بمعطياتها.
المسألة الرابعة
ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة
إن استخراج الدروس والعبر والأحكام من حوادث السيرة النبوية من أهم أهداف الدراسة لها وأعظم فوائدها، لكن هذا الأمر لا يستطيعه كل باحث أو قارئ للسيرة؛ لأنه يحتاج إلى مرجعية شرعية، وإلى ضوابط تضبط طريقة الاستنتاج، وبالنظر إلى مناهج الاستدلال والاستنباط عند علماء المسلمين فإنه يمكن معرفة ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من خلال طريقتهم في البحث والاستدلال وفقًا للخطوات التالية:
1- التأكد من صحة الحدث أو الواقعة التاريخية حتى يصح الاستدلال بها:(1/15)
وذلك أن جوانب كثيرة من السيرة النبوية بعد البعثة هي جزء من السنة النبوية التي هي أحد مصادر الأحكام الشرعية فلا بد من التثبت من صحة الحادثة، لذا نجد أن العلماء يسلكون في منهج التوثيق لأحداث السيرة منهج علماء الحديث النبوي، لكنهم يفرقون في النتيجة بين الأحداث والوقائع التي تبنى عليها أحكام شرعية واعتقادية، وبين الأحداث التي لا تؤخذ منها الأحكام مثل: الفضائل، وأخبار الحضارة والعمران، فيتشددون في الأولى ويتساهلون في النوع الثاني من الأخبار، كما روي ذلك عن الإمام أحمد، وابن مهدي، وابن المبارك (1) ، وأمثالهم.
2- بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد:
وهذه هي الطريقة العلمية الصحيحة حيث يحيط الباحث بجميع الأخبار الواردة في الموضوع، بل يجمع الطرق والألفاظ لكل نص حتى يستطيع أن يخرج بحكم صحيح وتصور واضح، ويعرف المتقدم من المتأخر، والعام من الخاص، والألفاظ يفسر بعضها بعضًا، وبهذا يتمكن من الجمع بين النصوص والأخبار المتعارضة، أو ترجيح أحدهما على الآخر على وجه صحيح.
مثال ذلك: لو احتج بعض الباحثين أنه لا يجوز الدعاء على الكفار؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قال له بعض الصحابة رضي الله عنهم ادع الله على ثقيف قال: «اللهم اهد ثقيفًا» (2) .
واحتج آخر بأنه لا يجوز الدعاء للكفار بل يدعي عليهم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف» (3) فكيف العلم ؟
__________
(1) الخطيب البغدادي، المصدر السابق 212.
(2) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، حديث رقم: 3942، وقال: حسن صحيح غريب.
قال الشيخ الألباني في دفاع عن السيرة ص 7: رواية الترمذي ضعيفة لعنعنة أبي الزبير.
وأخرجه أحمد في المسند 3/343، وانظر احتجاج البوطي به في : فقه السيرة له ص 395.
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة.(1/16)
نقول: إن الحديث الأول ضعف بعض أهل العلم إسناده، لكن لمعناه شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، إن دوسًا قد كفرت وأبت. فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس. فقال: «اللهم اهد دوسًا وَأْتِ بهم» (1) . وبهذا نلجأ إلى الجمع بين الخبرين، فيقال:إنه يجوز في بعض الأحوال الدعاء للكفار الذين ترجى هدايتهم، ومن لا ترجى هدايته مع كثرة أذاه للمسلمين فيدعى عليه.
3- معرفة حدود العقل في نقد الأخبار:
المنهج النقدي الذي اتبعه العلماء المسلمون في نقد الأحاديث والأخبار النبوية يتناول نقد السند ونقد المتن، فلم يكتفوا بالنقد الخارجي للنص (نقد السند) وإنما نظروا إلى داخل النص، وقرروا ضوابط في نقد المتون منها:
عرض الحديث على القرآن، وعرض نصوص السنة بعضها على بعض، وعرض روايات الحديث الواحد بعضها على بعض حتى تتبين الألفاظ الشاذة والمنكرة والإدراج والوهم.
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، حديث رقم: 2524.(1/17)
كما أن من الضوابط سلامة النص من التناقض،وعدم مخالفته للوقائع والمعلومات التاريخية الثابتة، وانتفاء مخالفته للأصول الشرعية ، وعدم اشتماله على أمر منكر أو مستحيل، وركاكة لفظ الحديث (1) ، ورغم تطبيقهم لمثل هذه المقاييس الدقيقة إلا أنهم يحترمون النصوص الثابتة سندًا، ويعرفون حدود العقل في نقد الأخبار، ويبتعدون عن المجازفة، فإن في أمور الشرع ومسائله ما لا يستطيع العقل إدراكه، بل هو فوق طاقته، مثل البحث في كيفية الصفات الإلهية، وأمور الغيب، ودلال النبوة ومعجزاتها، ولهذا يجب الوقوف عند النصوص الثابتة وعدم معارضتها بالمقولات العقلية، أو متابعة الفكر المادي والفلسفات الوضعية التي أشاعها المستشرقون ومن تأثر بهم. فقد أنكر بعضهم حادثة شق صدره - صلى الله عليه وسلم - ، وهو شاب في بادية بني سعد، بينما الخبر ثابت في صحيح مسلم (2) ، وقد أفادنا راوي الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه والذي خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة، ودخول الرسول - صلى الله عليه وسلم - العقد السادس من عمره - أنه رأى أثر المخيط في صدره - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا نص واضح يلغي أي محاولة لتأويل النص والقول بأنه تطهير معنوي.
4- ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزول التشريع:
من المعروف أن الأحكام والتشريعات قد نزلت على مراحل وبالتدريج حتى استقرت واكتمل التشريع، وبوفاته - صلى الله عليه وسلم - انقطع الوحي وثبتت الأحكام، فمثلاً تحريم الخمر جاء على مراحل.
__________
(1) انظر: مسفر الدميني، مقاييس نقد متون السنة، ص 77-184، ومحمد السلمي، منهج نقد الروايات التاريخية ص 61-68.
(2) كتاب الإيمان، حديث رقم: 261.(1/18)
أولاً: بيان أن فيها إثمًا كبيرًا كما قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } [البقرة: 219]، ثم في مرحلة ثانية جاء النهي عن شربها قرب أوقات الصلوات، كما قال تعالى: { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ... } [النساء: 43]، وفي المرحلة الثالثة: جاء الأمر بتحريمها نهائيًا وفي كل وقت، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90]، وهذا هو الحكم الثابت والمستقر، وهو تحريم الخمر وأنها من الكبائر وأم الخبائث، ومن الأمثلة التي قد يطرحها البعض ويجادل فيها: مسألة تغيير المنكر باليد، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العهد المكي لم يغير المنكر باليد، ولم يكسر شيئًا من أصنام المشركين في مكة، وحيث إن الدعوة قد يأتي عليها زمان وحالة من الضعف تشبه الحالة المكية ولهذا فإنه يترك تغيير المنكر بحجة مشابهة الحال للحال.
نقول: إن هذا الاستدلال غير صحيح ومعارض لنصوص شرعية، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (1) .
__________
(1) رواه مسلم، كتاب الإيمان حديث رقم (78).(1/19)
فتغيير المنكر كما نص عليه الحديث هو بحسب القدرة والتمكن من التغيير، ونص أهل العلم على ضابط في ذلك وهو أن لا يترتب على تغيير المنكر المعين منكرًا أعظم منه (1) ، فليست العلة في ترك تغيير المنكر لأجل النظر إلى المرحلية ودعوى مشابهة الحال بالعهد المكي، ولكنها عدم التمكن ،ومن تمكن من تغيير المنكر بضابطه الذي ذكره أهل العلم فالواجب عليه القيام بذلك.
وكذلك الجهاد في سبيل الله قد جاء تشريعه على مراحل،واستقر الحكم على المرحلة الأخيرة وهي وجوب قتال الكفار كافة ابتداءً وطلبًا، ولكن هذا منوط بالقدرة عليه والتمكن منه، فلا يجوز إيقاف الجهاد وتعطيله بدعوى مشابهة الحال للعهد المكي الذي كان الجهاد فيه ممنوعًا كما قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ... } الآية [النساء: 77]بل يجب على المسلمين الاستعداد وتكوين القدرة على الجهاد التي يحصل بها النكاية في العدو وحماية المسلمين من شره، وتتحقق بها أهداف الجهاد وغاياته.
وبهذا يتضح الفرق بين المرحلية في التشريع وسير الدعوة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبين المرحلية في اكتساب القدرة والاستعداد للجهاد بما يستطاع من عدته، ومن ثم البدء بالمواجهة وتغيير المنكر.
5- ملاحظة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد اتخذ بعض المواقف، وعقد بعض المعاهدات بموجب ما أوحى الله إليه:
__________
(1) انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى (28/129).(1/20)
الدارس للسيرة النبوية يجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أُمر من الله باتخاذ موقف محدد في بعض الحالات، وقد أعلم - صلى الله عليه وسلم - بأن مآل هذا سيكون خيرًا على المسلمين في حين أن ظاهره غير ذلك، مثل: قبوله - صلى الله عليه وسلم - بعض الشروط في صلح الحديبية التي ظاهرها الحيف على المسلمين (1) ، ولذلك أنكر بعض الصحابة القبول بها وجاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستغربين ومستفسرين، فلما علموا أنه قد ألهم فيها وحيًا من الله رضوا، ثم تحقق بعد الصلح والانصراف من الحديبية، أن هذا الأمر كان فتحًا عظيمًا بتقدير الله عز جل حيث نزلت سورة الفتح وسمت صلح الحديبية فتحًا مبينًا، ثم صار الأمر أن تنازل المشركون عن شرطهم الظالم حيث انقلب ضد مصلحتهم وجاءوا إلى رسول الله يطلبون موافقته على ذلك (2) .
وبهذا يتضح أن قبول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لشرط قريش الجائر وغير المكافئ كان بوحي من الله، وأن الله قدر أن مآله إلى خير المسلمين. ولكن هذا خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يوحى إليه، أما والي أمر المسلمين وخليفتهم فيجب عليه الاجتهاد في مصلحة المسلمين وعدم مهادنة العدو أو عقد الصلح معهم على شروط فيها ذل للمسلمين أو تفريط بحقوقهم وقضاياهم، أو قبول شروط فيها ضياع دينهم وعقيدتهم كما يحدث الآن في فلسطين حيث إن من أسس المصالحة نبذ الدين والاحتكام إلى القوانين الوضعية،وقيام نظام علماني يحكم المسلمين في فلسطين.
6- هناك أمور في السيرة النبوية وقع تحديدها قدرًا واتفاقًا فلا يقاس عليها:
__________
(1) ابن هشام، السيرة النبوية 2/316-320.
(2) ابن هشام، السيرة النبوية 2/324.(1/21)
مثال ذلك: كون الفترة المكية ثلاث عشرة سنة،وهي فترة الإعداد والتربية والصبر على الأذى وعدم المواجهة، فلا يلتزم بالمدة في الإعداد والتربية، لأنها ليست شرطًا ولا مقصودة وإنما هذا يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال المحيطة.
ومثل الاستدلال بإنزال النبي - صلى الله عليه وسلم - طائفة من أصحابه الغرباء والفقراء في صفة المسجد على مشروعية بناء الزوايا الصوفية.
وهذا استدلال غير صحيح، والغرباء الذين نزلوا الصفة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا من العزاب والفقراء الذين لا يستطيعون تدبير سكن لهم، ولم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر دار ضيافة ولا نزل، ولذا كأن إنزالهم في المسجد حل لمشكلة ، وتوظيف لكان موجود، وبيان لبعض وظائف المسجد، وهم ليسوا منقطعين عن العمل بل يعملون إذا تيسر لهم ذلك ويبادرون إلى الخروج في السرايا والغزوات، ويتعلمون القرآن والأحكام طيلة مكثهم في المسجد، ومجرد نزولهم الصفة لا يعطيهم فضيلة أو منزلة يتميزون بها عن بقية الصحابة، فليس منقبة لأحدهم أنه نزل في الصفة كما يقال في مناقب الصحابة: مهاجري، بدري، عقبي، بايع تحت الشجرة ... إلخ، من المناقب والمشاهد العظيمة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وبهذا يتضح الفرق بين الصفة النبوية ومن نزلها، وبين الزوايا الصوفية البدعية المخالفة في الأصل والهدف والغاية (1) وأنه لا يمكن الاستدلال بالصفة النبوية على جواز بناء الزوايا الصوفية التي تمثل انحرافًا عن المنهج النبوي في التعبد والسلوك والجهد والدعوة.
المسألة الخامسة
الاهتمام بالسنن الربانية وإبرازها
__________
(1) انظر: مجموع الفتاوى 11/40، 44، 56، وانظر بحثًا لطيفًا للأستاذ صالح الشامي بعنوان: أهل الصفة بعيدًا عن الوهم والخيال.(1/22)
إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وما فيه لحكمة وغاية لأنه الحكيم الخبير، وأجراه على سنن وقوانين منها الثابت ومنها المتغير، وهو كله خاضع لحكمه ومشيئته النافذة، وهذه السنن تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- سنن طبيعية، مثل سنة الله في تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر، والرياح ... إلخ.
2- سنن شرعية، متعلقة بالأوامر و النواهي الواردة في الشريعة ومدى الاستجابة لها أو مخالفتها.
3- سنن اجتماعية، متعلقة بنشوء الدول وقيام الحضارات وسقوطها، واتجاهات المجتمعات السلوكية والاقتصادية والفكرية.
والذي يهم الباحث في السيرة النبوية ملاحظته هو القسمين الأخيرين من السنن، والسنن الشرعية المتعلقة بالأمر والنهي الرباني، والسنن الاجتماعية.
وسوف نعرض لثلاث سنن مهمة في هذا الجانب:
أ- سنة الابتلاء:
وهي سنة جارية وملحوظة في أحداث السيرة النبوية، فقد أوذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وابتلي أصحابه ووقع عليهم بلاء عظيم خاصة في المراحل الأولى من الدعوة،فصبروا وصابروا حتى أنجاهم الله ونصرهم، يقول تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]..(1/23)
ويقول تعالى: { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت:1-3] فالابتلاء سنة ربانية كما تقرر الآيات، ويبتلي الصالحون، بل الأنبياء، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالبعد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة» (1) .
__________
(1) رواه الترمذي 2/64، وأحمد 1/172، 174، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: 143.(1/24)
فهكذا جرت سنة الله في ابتلاء المؤمنين لتمحيصهم ورفع درجاتهم، وتمييز الصادق من غيره، ويكون هذا الابتلاء تربية على الثبات في المحن والمواقف الصعبة، بل وحتى في السراء وإفاضة الخيرات والنصر تكون ابتلاءً وفتنةً، ليتميز الصادق والملتزم بدينه ممن تبطره نشوة النصر، وتنسيه نعمة السراء فضل الله عليه، فيتجاوز أمر الله وينساه، قال تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأعراف:168]. وقد نجح المؤمنون الأوائل في أنواع الابتلاءات، وقاموا بما أوجبه الله عليهم من الصبر على البلاء، والمدافعة للأعداء، وبذل الأسباب المشروعة في رفع البلاء وعدم الاستكانة والرضى بالواقع حتى يسر الله لهم الخروج من المحنة كما كانت فتنة السراء والنصر بعد الهجرة إلى المدينة وظهور الدين ميدانًا آخر فنجحوا في الجميع ولله الحمد، فتحقق لهم بذلك التمكين في الأرض ونشر الدين حتى أظهره الله على الدين كله، وكان هذا بعون من الله ثم بجهد منهم وعمل، وأخذ بالأسباب المعنوية والمادية المؤدية إلى ذلك، فما أحوج المسلمين اليوم وهم يجابهون أعداءهم إلى فقه هذه السنة الربانية حتى يجتازوا الفتنة والابتلاء بنجاح، ويحققوا النصر على عدوهم في الواقع، لكن لن يحصل ذلك حتى تنتصر المبادئ، وتستجيب النفوس لداعي الحق، وتحصل عندهم الرغبة والإرادة للنصر، والتمكين للدين الذي قدر الله أنه سيظهر على الدين كله لو كره المشركون، لكن لا بد من جهد وعمل وأخذ بالأسباب وإرادة قوية حتى تتحقق السنة الربانية والوعد الإلهي.
ب- سنة المدافعة للباطل وأهله:(1/25)
إن الصراع بين الحق والباطل سنة ربانية جارية كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } [الفرقان: 31]، فالأنبياء وهم أكرم الخلق وأعدل الخلق وجد لهم أعداء ومضادون، يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق.
وقد أمر الله المؤمنين بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله، وتضعف شوكة الباطل وتنكسر، وحتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، قال تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } [النساء: 76].(1/26)
ففي هذه الآية وآية سورة الفرقان التي ذكرناها قبل، إشارة إلى ضعف الباطل وأهله إذا قام أهل الحق بواجبهم في مدافعتهم وقتالهم، لأن الله مع الذين اتقوا، فقوله في الآية الأولى: { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } ، وفي الآية الثانية: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } إشارة إلى ضعف كيد الشيطان الذي يتولاه الكفار والمشركون، فإذا كان وليهم ضعيفًا فهم أضعف وأذل (1) ، وهذا يعطي المؤمن قوة على العمل بما أوجبه الله عليه من مدافعة الباطل وأهله، كما يعطيه ثقة في نصر الله له،ومن ثم يعتز بدينه ويتمسك به، وهذا هو الذي قام به الصحابة رضي الله عنهم، في العهد المكي، فقد وقع عليهم الاضطهاد الشديد من المشركين في مكة، ولم يكن بمقدورهم المواجهة العسكرية ولم يؤمروا بالجهاد بعد، وإنما أمروا بالصبر والتحمل، فصبروا رضي الله عنهم وتحملوا تلك المرحلة،ولكن مع الصبر والتحمل كانوا يسعون لإزالة هذا الواقع وعدم استمراره، فجاءت الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم ذهابه - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ثم العرض على القبائل في المواسم، كلها بحث عن مخرج من ذلك الواقع حتى قيض الله طائفة من الأوس والخزرج لقبول دعوة الحق، ثم المبايعة على النصرة ليلة العقبة (2) ،
__________
(1) انظر: تفسير المنار 5/212، وتفسير ابن سعدي ص 152.
(2) المراد: بيعة العقبة الكبرى حيث بايعوه على النصرة والحماية..(1/27)
وأعقب ذلك الهجرة إلى المدينة، فخرج المسلمون من الاضطهاد ونصرهم الله بإخوانهم في المدينة عندما قاموا بالأسباب الموجبة لذلك، والملاحظُ أن الصحابة تحملوا مرحلة الاضطهاد وواجهوها بالصبر ولكن مع عدم الاستكانة والرضى بالواقع، فأخذوا يعملون لإزالة ذلك الواقع حتى تمكنوا من رفعه وإزالته، وهو درس بالغ ينبغي أن يفهمه المسلمون اليوم فهم بحاجة إلى الصبر لمواجهة الواقع الذي يعيشونه، غير أنه لا ينبغي أن يتحول صبرهم إلى استكانةٍ ورضًا بالواقع واستسلام له فإن هذا خلاف سنة الله في المدافعة بين الحق والباطل.
جـ - سُنة التمكين:
وهذه السنة بحاجة إلى فقه المسلمين لها، والعمل على نشر هذا الفقه بينهم؛ لأنه وسيلتهم في الانتصار على العدو إذا أخذوا بأسباب التمكين والثبات على المنهج الرباني، فالتمكين في الأرض هبة من الله وفق مشيئته لمن سلك الأسباب الشرعية المؤدية إليه، قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26].
فالتمكين بيد الله سبحانه وتعالى وتحت مشيئته، وقد قضى بعدله ورحمته أن التمكين الدائم هو لأهل طاعته، لكن لا يحصل إلا بتحقق شروط والقيام بواجبات، وانتفاء موانع، قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55].(1/28)
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات، هم الذين صححوا معتقدهم وأقاموه على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وطريقة السلف الصالح وفهمهم، ثم قاموا بعمل الواجبات الشرعية والالتزام بها، وابتعدوا عن الشرك وتوابعه، هؤلاء قد وعدوا من الله وعدًا لا يخلف، بأنه يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم من أتباع الرسل عليهم السلام، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وهو الإسلام. وتمكين الدين يكون: بتمكينه في القلوب، وبنشره وتعليمه، وبتمكينه من تصريف أمور الحياة والهيمنة عليها، وذلك بمراعاة أحكامه وتنفيذها في الواقع، فإذا فعلوا ذلك فقد اكتسبوا شروط التمكين وحصل لهم الأمن والاستخلاف، وانتفى عنهم الخوف، ثم كرر سبحانه الشرط الأساسي في الاستخلاف وأكد عليه بقوله: { يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } ثم قال سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور: 56].
فهذه هي عدة النصر ومتطلبات التمكين، كما قال جل شأنه: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج: 41]. فهذا هو واجب من مكنه الله وأعطاه سلطة وقدرة أن يقوم بتنفيذ شرع الله وحراسته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يستمر تمكين الله له، فإن الأمور كلها بيد الله ويعطيها سبحانه وتعالى من يستحقها ممن قام بعبادته وحده، ونفذ شرعه في واقع حياته، فالتمكين ليس من أجل الحكم والملك والغلبة وقهر الآخرين والاستئثار بالدنيا إنما هو من أجل استخدامه في الإصلاح والبناء، وتحقيق المنهج الذي ارتضاه الله لعباده، ودفع الظلم والفساد وتحقيق العدل بين العباد.(1/29)
وقد يحصل التمكين المؤقت لمن يمتلك أسبابه المادية، لكنه لن يكون تمكينًا تامًّا ولن يكون مستمرًا بل تنتابه الشرور والمنغصات، ولن يكون فيه الأمن الحقيقي ولا البركة في الأرزاق والأولاد قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [طه: 124].
وهذه السنن الثلاث (الابتلاء، المدافعة للباطل، التمكين) بينها ترابط فإن أهل الإيمان الحق يُبتلون في أنفسهم وأهليهم، ويعاديهم أهل الباطل من المشركين والمنافقين والعصاة، فإذا ثبتوا على الحق ودافعوا أهل الباطل وسعوا في كشفه، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، كتب الله لهم التمكين والنصر، وأبدلهم بعد خوفهم أمنًا، ومن بعد شدتهم رخاء، وهذه السراء من البلاء الذي يختبرون به، فلا بد من مراعاة حق الله، وحق عباده، والقيام بذلك في كل الأحوال، في السراء، وفي الضراء، حتى يستمر لهم التمكين والنصر في الدنيا، ويستحقون الجزاء الأخروي في جنات النعيم وإن هم أعرضوا وأخلوا بشروط التمكين فإن سنة الله الأخرى تنتظرهم وتحيق بهم، وهي سنة الاستبدال عندما تفقد الأمة صلاحية الاستمرار قال تعالى: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد: 38]، والمتأمل في وقائع السيرة النبوية وسير الدعوة يرى التعامل مع هذه السنن والوعي بها واضحًا حتى كتب الله لهم النصر والتمكين.
المسألة السادسة
معرفة مواضع الاقتداء من فعله - صلى الله عليه وسلم -(1/30)
إن أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها ما يفعله بحسب جبلته وطبيعته البشرية (1) مثل: القيام والقعود والأكل والشرب، وقضاء الحاجة والنوم... إلخ، فهذه أفعال مباحة لم يقصد بها التشريع في أصلها، لكن لها آداب وقواعد عامة في ممارستها والقيام بها فهذه الآداب: يُتأسى به - صلى الله عليه وسلم - فيها، ويبتعد عن ما نهى عنه منها.
وهناك أفعال وأحكام ثبت اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بها، مثل:الجمع بين أكثر من أربع نساء، وأنه لا يورث، وأبيح له الوصال في الصيام دون غيره من الأمة، ولم يحسن الكتابة ويحرم عليه تعلمها، والكذب عليه ليس كالكذب على غيره فإنه يوجب دخول النار، ومن سبه وجب قتله رجلاً أو امرأة، والتبرك بآثاره مثل شعره وثيابه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ولذلك لا ينتقض وضوءه بالنوم ... إلى غير ذلك من الخصائص الثابتة والتي ذكرها أهل العلم وأفردها بعضهم بمؤلفات (2) .
فهذه الأفعال والأحكام خاصة به ويحرم الاقتدادءُ والتأسي به فيها، وقد اهتم أهل العلم ببيانها؛ حتى لا يغتر الجاهل إذا وقف عليها في أخبار السيرة النبوية فيعمل بها على أصل التأسي والاقتداء.
__________
(1) انظر عبد اللطيف الحسن: أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية، مجلة البيان عدد: 147، ذو القعدة 1420 هـ.
(2) للسيوطي كتاب كبير في ثلاثة مجلدات سماه: الخصائص الكبرى، لكن فيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة الشيء الكثير كما قال العلامة المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني، وهو شامل للخصائص والدلائل والفضائل؛ لكن أحسن ما وقفت عليه في ترتيب الخصائص والاقتصار على ما صح منها، ما ذكره الحافظ ابن كثير في آخر كتابه: الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فراجعه فإنه نافع جدًّا.(1/31)
وهناك أفعال بيانية يقصد بها بيان التشريع مثل: أفعال الصلاة، وأفعال الحج، فهذه الأفعال تابعة لما بينه؛ فإن كان الفعل المبين واجبًا، كان الفعل المبين له واجبًا، وإن كان الفعل المبين سنة كان الفعل المبين له سنة، وهكذا، وهذا النوع من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - هو الباب الواسع في الاقتداء والتأسي به، والواجب معرفة هذه الأنواع من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - حتى يحصل الاقتداء والتأسي به على علم وبرهان.
المسألة السابعة
صدق العاطفة والوفاء بحقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -
عند دراسة السيرة وتحليل نصوصها لا يلزم أن تهيمن على الباحث النظرةُ ( الأكاديمية) البحتة فقط، فتتسم دراسته بالجفاف، بل لا بد من ظهور صدق العاطفة من غير غلو؛ لأن حبه - صلى الله عليه وسلم - إيمان وعقيدة لا يمكن التجرد مها والتخلي عنها لحظة واحدة، والواجب على الباحث أن يبرز خصيصة النبوة والرسالة وأثرها في حياته وتصرفاته - صلى الله عليه وسلم - ، يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: (القرآن يطلب للأنبياء الإجلال المنبعث من أعماق القلب والتوقير والتبجيل العميق، والحب العاطفي، ولا يكتفي بالطاعة المجردة من كل عاطفة وحب وإجلال كطاعة الرعية والسوقة للملوك وكثير من قادة الجنود وزعماء الأحزاب) (1) .
__________
(1) النبوة والأنبياء في ضوء القرآن الكريم ص 95.(1/32)
قال تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } [الفتح: 9]، فحقه - صلى الله عليه وسلم - بعد الإيمان به وتصديقه، التوقير والتعظيم كما قال تعالى: { فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 157]، وقد نهى سبحانه وتعالى عن رفع الصوت فوق صوته فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [الحجرات: 2، 3] هذا هو الأدب الواجب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرته، ومع شرعه وسنته بعد وفاته، فيعظم أمره ونهيه، وتتبع سنته فلا تزاحم أو تضاد بغيرها.
وقال تعالى: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } [النور: 63]، أي ادعوه بوصف الرسالة والنبوة فقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله. والنصوص في طلب حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإيثاره على النفس والأهل والولد كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (1) .
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الإيمان حديث رقم: 15، وصحيح مسلم رقم : 44.(1/33)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...» الحديث (1) ، وهذه العاطفة وصدق الإيمان هي الباعِثُ على المتابعة لهديه - صلى الله عليه وسلم - والدعوة إليه والجهاد في سبيل ذلك.
وليس المنهج العلمي منافيًا للحب والإيمان، وإنما المنهج العلمي يدعو إلى العدل والإنصاف وقول الحق، ومن العدل والإنصاف وقول الحق، الوفاء بحقوقه - صلى الله عليه وسلم - واحترامه ومحبته وإظهار ذلك، والعمل بالشرع الذي جاء به، والصلاة عليه كلما ذكر اسمه في البحث وغيره (2) ، واتباع سنته والدعوة إليها.
كما أن الغلو خلاف العدل وتعد على الحق الذي جاء به - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا نهى صراحة عن ذلك بقوله: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» (3) .
فالتوازن هو منهج الوسطية الحق، فلا جفاء ولا غلو، وإنما وفاء بالحق والعدل وفق الميزان الشرعي. وفي أحداث السيرة نماذجٌ ومواقفٌ كثيرة من محبة الصحابة العالية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكانوا أحرص الناس على طاعته، وأسرعهم إليها، وأنشطهم فيها، وأصبرهم عليها، ولهم في ذلك القدح المعلى، والنصيب الأوفر إلى يوم القيامة (4) .
__________
(1) صحيح البخاري،كتاب الإيمان حديث رقم: 16، وصحيح مسلم حديث رقم: 43.
(2) بسبب دعوى اتباع المنهج العلمي الحديث نجد باحثًا يكتب كتابًا في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسميه: حياة محمد، هكذا بالاسم المجرد من أي وصف بالنبوة والرسالة، ثم لا تجد في الكتاب ذكرًا للصلاة والسلام على رسول الله، ولو مرة واحدة، وقد ذكر في مقدمته أنه يكتب هذا الكتاب على وفق المنهج العلمي الحديث !!
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء حديث رقم: 3445.
(4) أبو الحسن الندوي، النبوة والأنبياء ص 96.(1/34)
منها قصة الصديق رضي الله عنه لما ضربه المشركون عندما دافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } الآية [غافر: 28] فضربوه حتى أغمي عليه، وبعد إفاقته كان أول ما تكلم به أن قال: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فلما أخبر بحاله قال: إن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا شرابًا، حتى آتي رسول اله - صلى الله عليه وسلم - (1) .
ومنها قصة زيد بن الدثنة (2) رضي الله عنه لما أخرجه المشركون إلى التنعيم ليقتلوه، وسأله المشركون ننشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه، وأنك في أهلك ؟ قال:والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنا جالس في أهلي، فضحكوا., قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا (3) .
__________
(1) أصل القصة في الصحيح، انظر: البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي وأصحابه من المشركين حديث رقم: 3856، وانظر البداية والنهاية 3/33 -34.
(2) زيد بن الدثنة بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون، بعدها نون، ابن معاوية بن عبيد الأنصاري البياضي شهد بدرًا وأحدًا، وأسر في سرية الرجيع، وقتلته قريش في التنعيم هو وخبيب بن عدي. الإصابة 2/604.
(3) ابن هشام، السيرة النبوية 2/172، وقد ذكره ابن إسحاق من غير إسناد، وانظر: مغازي عروة ص 177، وأصل القصة في الصحيح، كتاب المغازي، باب قصة الرجيع.(1/35)
ومنها قصة المرأة الأنصارية من بني دينار التي قتل زوجها وأخوها وأبوها في معركة أحد وأبوها في معركة أحد، فلما نعوا لها، قالت: ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ؟ فأشاروا إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (1) ، تريد صغيرة.
فهذه القصص وأمثالها توضح مقدار حب الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الحب الإيماني الذي أمر الله به، والذي يتبعه العمل والتأسي والالتزام بالشرع الذي جاء به.
الخاتمة
بعد هذه الجولة في مسائل من منهج دراسة السيرة النبوية يتضح لنا أهمية المنهج في الدراسة ، وضرورة العناية به، وأن المنهج يتعدى ترتيب المسائل العلمية وذكر النصوص إلى التحليل واستخراج العبر والفوائد والتوجيهات التربوية، وفق منظور منهجي يسعى إلى ترتيب الأفكار، وبناء السلوك، وإثارة الاهتمام،وزرع الجدية والرغبة في الدراسة والتعلم، وإخراج الجيل من مشكلاته، والتقدم في مجال البناء الحضاري للأمة المسلمة التي تقتفي أثر نبيها محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وتعتز لذلك فكرًا وواقعًا.
والحمد لله الذي وفق وهدى، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
المصادر والمراجع
1- الألباني محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي (ت 1420هـ):
- دفاع عن السيرة النبوية ضد جهالات البوطي، المكتب الإسلامي، بيروت.
-سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت.
2- البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256هـ):
- الجامع الصحيح، المكتبة الإسلامية، تركيا، سنة 1979م.
3- البوطي، محمد سعيد رمضان:
- فقه السيرة، دار الفكر، بيروت، ط 5، 1393هـ.
4- الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279هـ):
- سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي.
__________
(1) ابن هشام، السيرة النبوية 2/99، وصرح ابن إسحاق بالتحديث، لكن سنده منقطع.(1/36)
5- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت 728هـ):
- مجموع الفتاوى، ط2، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.
6- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني (ت852هـ):
- الإصابة في معرفة الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر.
7- ابن حنبل، أحمد بن محمد الشيباني (ت 241هـ):
- المسند، دار صادر، بيروت.
8- الخطيب البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت (ت 463هـ):
- الكفاية في علم الرواية، دار الكتب الحديثة بالقاهرة.
9- دروزة، محمد عزة (ت 1404هـ).
- عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيئته قبل البعثة، دمشق، 1366 هـ.
- سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، صورة مقتبسة من القرآن مكتبة البابي الحلبي، بمصر، 1384هـ.
10- الدميني، مسفر بن غرم الله.
- مقاييس نقد متون السنة، ط1، 1404هـ.
11- رشيد رضا، محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ).
- تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972م.
12- السعدي، عبد الرحمن بن ناصر (ت 1376).
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير الكلام المنان، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1418هـ.
13- السلمي، محمد بن صامل.
- منهج نقد الروايات التاريخية، مكتبة الصديق بالطائف، 1420هـ.
14- سيد بن قطب بن إبراهيم (ت 1377هـ).
- في ظلال القرآن، دار الشروق القاهرة، 1400هـ.
15- شاكر، أحمد بن محمد (ت 1377 هـ).
- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ط 3، مكتبة محمد علي صبح بالقاهرة.
16- الشامي ، صالح بن أحمد .
- أهل الصفة بعيدًا عن الوهم والخيال، دار القلم ، دمشق ، 1412هـ.
17- آل عابد ، محمد بن بكر .
- حديث القرآن عن غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، دار الغرب الإسلامي ، تونس .
18- عبد اللطيف الحسن .
- أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية ، مقالة في مجلة البيان الإسلامي، لندن ، عدد 147، شهر ذو القعدة ، 1420 هـ، تصدر عن المنتدى .
19- العمري ، أكرم بن ضياء.
- السيرة النبوية الصحيحة، مكتبة دار العلوم والحكم بالمدينة ، 1412هـ.(1/37)
20- فاروق حمادة:
- مصادر السيرة النبوية وتقويمها ، ط 2 ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، 1410هـ.
21- ابن القيم ، محمد بن أبي بكر الزرعي (ت 751هـ).
- أحكام أهل الذمة ، تحقيق صبحي الصالح ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1380هـ.
22- ابن كثير ، إسماعيل بن عمر القرشي (ت 774هـ).
- البداية والنهاية، مكتبة دار المعارف ، بيروت ط 3 ، سنة 1980م.
23- مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ).
- صحيح الإمام مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ، بمصر .
24- الندوي، أبو الحسن علي الحسني (ت 1420هـ).
- النبوة والأنبياء في ضوء القرآن، الدار السعودية للنشر بجدة.
25- ابن هشام، عبد الملك بن هشام الحميري (ت 218هـ).
- السيرة النبوية ، تحقيق مصطفى السقا ، مطبعة الحلبي ، بمصر ، سنة 1375هـ.
الفهرس
ملخص البحث ... 2
المقدمة ... 3
المسألة الأولى: المصادر التي تُستقى منها أخبار السيرة النبوية ووقائعها ... 3
1- مصادر أصلية وموثوقة وهي: ... 3
2- المؤلفات بعد عصر الرواية والإسناد: ... 3
والمصادر في هذا القسم أنواع: ... 3
3- الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية: ... 3
المسألة الثانية: التأصيل الشرعي لمن له اشتغال بعلوم السيرة النبوية ... 3
المسألة الثالثة: تفسير أحداث السيرة النبوية ... 3
المسألة الرابعة: ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة ... 3
1- التأكد من صحة الحدث أو الواقعة التاريخية حتى يصح الاستدلال بها: ... 3
2- بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد: ... 3
3- معرفة حدود العقل في نقد الأخبار: ... 3
4- ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزول التشريع: ... 3
5- ملاحظة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد اتخذ بعض المواقف، وعقد بعض المعاهدات بموجب ما أوحى الله إليه: ... 3
6- هناك أمور في السيرة النبوية وقع تحديدها قدرًا واتفاقًا فلا يقاس عليها: ... 3
المسألة الخامسة: الاهتمام بالسنن الربانية وإبرازها ... 3
أ- سنة الابتلاء: ... 3(1/38)
ب- سنة المدافعة للباطل وأهله: ... 3
جـ - سُنة التمكين: ... 3
المسألة السادسة: معرفة مواضع الاقتداء من فعله - صلى الله عليه وسلم - ... 3
المسألة السابعة: صدق العاطفة والوفاء بحقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ... 3
الخاتمة ... 3
المصادر والمراجع ... 3
الفهرس ... 3(1/39)