مجزرة تركستان الشرقية- فلسطين الشرق
إعداد وتحرير
د. عزالدين الوردانى
الفهرست
ماذا تعرف عن تركستان المسلمة .. القضية المنسية.. ... توختي آخون تركستانى ... 3
تركستان الشرقية فى نسيج الحضارة الإسلامية ... ا.د. ماجدة مخلوف ... 24
تركستان الشرقية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ... توختي آخون تركستانى ... 30
أردوغان:الصين ترتكب "إبادة جماعية" فى تركستان ... وكالات الأنباء ... 44
بيان الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين ومنظمة المؤتمر الاسلامى ... المنظمات الاسلامية ... 45
بيان مكة المكرمة بشأن مأساة المسلمين في تركستان ... د. ناصر عمر وغيره ... 49
أسباب الاحتجاج الأخير لمسلمي تركستان فى الصين ... جمعية التعليم التركستانية ... 52
تركستان الشرقية.. قراءة في جوهر الصراع وتاريخيته ... د. أكرم حجازي ... 55
منسيون ومعذبون في الصين ... فهمي هويدي ... 66
خذلتنا الدول الإسلامية فى قضية تركستان ... فهمى هويدي ... 71
سكتت الحكومات ـ أين الشعوب فى قضية تركستان؟ ... فهمى هويدى ... 73
صمت دولي وإسلامي على مذابح المسلمين في تركستان ... د.سهيلة زين العابدين ... 75
الإسلام في الصين ... د. راغب سرجانى ... 78
كنوز التركستان الشرقية ... د. راغب سرجانى ... 85
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة !! ... د. راغب سرجانى ... 91
لبيك تركستان!! ... د. راغب سرجانى ... 98
مجزرة تركستان الشرقية.. أوراق الضغط الإسلامية ... أمير سعيد ... 105
القهر الصيني لمسلمي تركستان ... د.إبراهيم البيومي غانم ... 108
يقظة تركستان الشرقية وحقوقها علينا ... د.إبراهيم البيومي غانم ... 112
مسلمو تركستان الشرقية.. مذابح وتجاهل ... د. محمد سيد قطب ... 116
من هم الأويغور؟ ... د.فاطمة المنوفي ... 124
الأويغور.. والصمت المذعور!! ... سحر المصري ... 128
مسلمو الأويغور بين حرب الإبادة والصمت الإسلامي ... احمد ابو زيد ... 132
الصين تنتهك حقوق المسلمين لتخاذل إخوانهم عن نصرتهم ... د.فاطمة المنوفي ... 134
هموم المسلمين .. من ألمانيا إلي الصين ... د.حسن أبوطالب ... 136
تركستان الشرقية وضع إنسانى متدهور ... د.عز الدين الوردانى ... 139(1/1)
تركستان.. فلسطين الشرق ... محمد بدوي ... 146
من المجرم الحقيقى للمجزرة فى تركستان الشرقية؟ ... عبد الجليل طوران ... 150
من يوقف حرب الإبادة الصينية ضد مسلمي تركستان ؟ ... أحمد أبوزيد? ... 155
تركستان هل تسير نحو الزوال من خارطة العالم الإسلامي؟! ... سيد قاسم المصرى ... 158
سنكيانغ (تركستان) أو فلسطين الثانية ... د. على العثوم ... 161
فتيات تركستان يستغثن من القهر الصيني، وامعتصماه ... وكالات الأنباء ... 163
سخرة وتهجير قسري لفتيات الأقلية المسلمة التركستانية ... موقع تركستان أنلاين ... 165
اقتصاديات تركستان الشرقية ... محمد الشرافي ... 167
الاحتلال الصيني وجحيم تركستان ... عبد الباقى خليفة ... 169
مسلمو الأويغور.. بأي ذنب قُتِلوا؟! ... علاء البشبيشي ... 173
حملة صينية متواصلة لطمس هوية تركستان الشرقية ... محمد عبيد ... 176
حقيقة ما وقع للمسلمين في تركستان الشرقية ... ربيعة قادير ... 178
الصمت الغريب فى قضية تركستان الشرقية ..!! ... د. عبدالرحمن العرابي ... 181
إيران وتركستان الشرقية.. وضعف البصر ... أمير سعيد ... 183
الصين تعدم 196 شابا تركستانيا مسلما داخل سجن أولان ... د.فاطمة المنوفي ... 186
مسلمو الأويغور.. ثبات على الإسلام رغم عذابات الصينيين ... د.فاطمة المنوفي ... 187
إلى متى يظل قتل مسلمي الصين شأنًا داخليًّا؟! ... رضا السويدي ... 191
المسلمون في تركستان.. اضطهاد الداخل وتجاهل الخارج ... أحمد الشجاع ... 199
تركستان الشرقية: مأساة شعب مسلم مهدد بالانقراض ... أحمد الظرافي ... 214
رمضان تركستان الشرقية .."مكبل" ... سيف الله تركستانى ... 220
المارد الإسلامي بدأ يتململ في الصين وبدأت تتحرك ... جريدة اللواء السياسى ... 224
تركستان المسلمة .. القضية المنسية
بقلم: توختي آخون أركن (باحث تركستانى مقيم فى السعودية)(1/2)
تركستان الشرقية مع تركستان الغربية تشكل بلاد واحدة تعرف باسم تركستان .. بيد أنها وقعت تحت الاستعمار من الروس والصين اللذين تصارعا لامتلاكها لأكثر من 200 سنة، وهذا الصراع بينهما، واختلاف الاستعمار على طرفيها أدى إلى تقسيمها وتجزئتها ، وأصبح كل جزء يعرف باسم تركستان "الشرقية" أو "الصينية"، وباسم تركستان "الغربية" أو "الروسية" .
وإذا كان الجزء الغربي الذي احتله الروس تدريجيًا منذ عام 1865 قسمه الشيوعيون السوفيات إلى خمس جمهوريات قبلية في عام 1922، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي استقلت وظهرت الجمهوريات الإسلامية المستقلة التي هي أوزبكستان، وقازاقستان، وقرغزستان، وتركمانستان، وتاجيكستان، في آسيا الوسطى عام 1922، أما الجزء الشرقي الذي احتله الصين عام 1876؛ فقد قام الشيوعيون الصينيون بتسميته شينجانغ أويغور أوتونوم رايون يعني:(مقاطعة شينجانغ أويغور الذاتية الحكم)..وشينجانغ أو سكيانغ تعني المستعمرة الجديدة.
دخول الإسلام :(1/3)
بعد أن فتح بلاد فارس وخراسان قام العرب بإتمام فتح بلاد ما وراء النهر في سنة 94 هـ ، ثم اتجه الجيش العربي المسلم تحت قيادة "قتيبة بن مسلم الباهلي" نحو الشرق حتى وصل إلى كاشغر (عاصمة تركستان الشرقية) وفتحها في سنة 95 هـ .. وفي سنة 2332 هـ في العصر العباسي تشرف الخاقان سلطان ستوق بغراخان (مؤسس الدولة القاراخانية) بالدخول في الإسلام ، وتبعه أبناؤه وكبار رجال الدولة .. ومنذ ذلك اليوم أصبح الإسلام دينًا رسميًا في تركستان، وتمت ترجمة معاني القرآن الكريم، وأقيمت المساجد بدلاً من المعابد، وتم بناء 300 مسجد في مدينة كاشغر وحدها؛ وهكذا أنعم الله على تركستان الشرقية وأهلها بنعمة الإيمان والإسلام، وأبلى أبناؤها بلاءً حسنًا في الإسلام؛ فكان منهم الدعاة في نشر الإسلام ، والمجاهدون في الفتوحات الإسلامية ، كما ظهر منهم العلماء الأجلاء الذين أثرت كتاباتهم ومؤلفاتهم المكتبة الإسلامية في شتى الفنون، وبرعوا في علومهم، وتركوا للمكتبة الإسلامية ذخيرة غنية من المؤلفات العظيمة، وكان الطلاب المسلمون من مختلف أنحاء العالم الإسلامي يأتون إلى "كاشغر" لدراسة العلوم الإسلامية والإنسانية والعلمية ، حتى غدت كاشغر تعرف باسم "بخاري الصغرى" .
ومنذ ذلك الحين وأهل تركستان الشرقية كلهم مسلمون ، وبقيت تركستان دولة مستقلة إسلامية حوالي عشرة قرون .. وكانت - ولا تزال - تشكل الامتداد الطبيعي للأمة الإسلامية في آسيا ، وهي جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي .
2 ـ الموقع :
تقع تركستان الشرقية في وسط آسيا الوسطى، وتحدها من الشمال "منغولينا وروسيا الاتحادية" ، ومن الغرب "قازاقستان وقرغزستان وتاجيكستان وأفغانستان"، ومن الجنوب "باكستان وكشمير والتبت" ، ومن الشرق "الصين" .
3 ـ المساحة :(1/4)
تبلغ مساحة تركستان الشرقية 1.828.417 كيلو متر مربع ، وهي بذلك تشكل خمس مساحة الصين كلها بما فيها مستعمرات الصين الشعبية مثل التبت ومنغوليا الداخلية ، ومساحة الصحراء فيها 650 ألف كيلو متر مربع ، وأما مساحة الغابات فهي 91 ألف كيلو متر مربع.
4 ـ السكان :
من القضايا المثيرة للجدل في تركستان الشرقية هو "عدد السكان فيها" ؛ حيث لم يسبق أن اتفق الجميع حيال تلك القضية، ولكن طبقًا لآخر الإحصائيات الصينية بموجب إحصاء عام 1990 م - فإن تعداد السكان في تركستان الشرقية من الأصل التركي المسلم 9.23 مليون نسمة ؛ إلا أن هناك جهات مستقلة قدرت تعداد السكان من الأصل التركي المسلم بـ 25 مليون نسمة .
وأما إجمالي سكانها بموجب الإحصاء الرسمي فهو 15.155.778 نسمة .
5 ـ اللغة :
المسلمون التركستانيون يستعملون الأويغورية والقازاقية والقرغيزية، وهي لهجات محلية تنمي إلى اللغة التركية، ويستعملون في كتابتها الأحرف العربية .. وأما اللغة الرسمية فهي الصينية .
6 ـ الجبال والأنهار والمدن :
سلسلة جبال تنري تاغ تتوجه إلى وسط تركستان الشرقية، وتقسم البلاد إلى قسمين : تركستان الشمالية الشرقية وتركستان وتركستان الجنوبية الشرقية، وتحسب أرض تركستان الشرقية من أبعد الأماكن إلى البحر، ويوجد فيها أربعون نهرًا، و12 بحيرة ، وتضم ثلاثة من أكبر خمسة سلاسل جبلية موجودة في قارة آسيا، ويوجد فيها 16 مدينة كبيرة ، و126 بلدة، وأكثر من ثلاثة آلاف قرية كبيرة ، وأهم مدنها : أورومتشي "العاصمة" وكشغر وياركند وختن وآقسو وكورلا وقمول وطورفان وايلي وآلتاي وآرطوش .
فصول :(1/5)
تتمتع شعب تركستان بفصول أربعة تدور حسب الأوقات، الهواء معتدل جدًا، لا تزيد درجة الحرارة في الصيف على 39 أو 38 على الأكثر، وفي الشتاء تنزل الثلوج كثيرًا، وتشتد درجة البرودة بحيث تدفع الإنسان إلى الاكتساء بلباس كثيف وإيجاد مدفأة تدفأ بالفحم، أما الربيع والخريف فالهواء معتدل تمامًا .
7 ـ نبذة تاريخية :
قام المانشور (وهم حكام الصين) بغزو تركستان الشرقية في عام 1759 م ، وراح ضحية المعارك الحربية التي أدت إلى تحكيم سيطرتهم عليها أكثر من مليون نسمة .. وقد شهدت فترة السيطرة الصينية التي تلت الغزو العسكري 42 ثورة وطنية عارمة .. وفي عام 1863 نجح الشعب التركستاني في طرد الغزاة المانشوريين والصينيين وتشكيل دولة وطنية مستقلة برئاسة بدولت يعقوب بك .. دامت 16 عامًا ..
ولكن تخوف البريطانيين من التوسع الروسي القيصري في آسيا الوسطى ، وخاصة بعد أن احتل الجزء الشمالي من تركستان الشرقية ؛ فقاموا بمساعدة الصينيين لاحتلال تركستان الشرقية حيث دخلتها القوات الصينية بقيادة الجنرال زو زونغ تانغ عام 1878 م .. وعلى إثر ذلك ألغت الصين الحكم العسكري لتركستان الشرقية وألحقتها مقاطعة إلى الصين وسمتها باسم سينكيانغ أو شينجانغ Xinjing في نوفمبر 1884 .
وقد استمرت الثورات الوطنية ضد الحكم الصيني، وأحرز المسلمون التركستانيون نجاحًا باهرًا بتشكيل الحكومة الوطنية الأولى التي كانت في كاشغر عام 1933 ، والثانية في غولجا عام 1944 ؛ ولكن الاتحاد السوفيتي الذي لم يشأ أن يرى دولة إسلامية مستقلة بجوار مستعمراته في آسيا الوسطى - قدم المساعدات الحربية إلى الصين لمحاربة المسلمين وإنهاء دولتهم الفتية .(1/6)
وعندما سقطت حكومة الصين الوطنية (الكومنتانغ) التي يرأسها الجنرال "شيانغكاي شيك" في أيدي الشيوعيين الصينيين الذين يتزعمهم "ماو تسي تونغ" ؛ سقطت أيضًا تركستان في أيدي الشيوعيين الذين دخلوها عام 1949 .. ومع أن القوات الصينية التي كانت ترابط في تركستان الشرقية استسلمت سلميًا إلى الشيوعيين، وأما الشعب التركستاني المسلم، فقاوم النظام الشيوعي ، ولا يزال يقاومه حتى الآن .
8 ـ حكم الصين الشيوعي :
بدأ الشيوعيون حكمهم بمجازر دموية فظيعة كان هدفها طمس المعالم والهوية الإسلامية ، وفرض النظام الشيوعي والإلحادي على المسلمين بالقوة من خلال تشكيل 450 كوميونة ، وألغيت الملكية الخاصة ، وصودرت كل ثروات المسلمين بما في ذلك حلي النساء ، ومنع المسلمون من إعداد الطعام في منازلهم ، وفرضت عليهم المطاعم الجماعية ، وفرق بين الأزواج ، ولم يسمح لهم باللقاء إلا بضع ساعات كل أسبوعين ، وكانت المرأة الحامل تمنح إجازة ولادة لمدة ثلاثة أيام فقط .
ثم اتجه حقدهم للإسلام حيث اعتبر الدين أفيون الشعب، وطبقت الحكومة الشيوعية الخطوات التالية :
1 ـ منع ممارسة الشعائر الدينية ومعاقبة كل من يقوم بها بالعقاب الصارم بموجب القوانين الجنائية .
2 ـ منع تعليم الدين الإسلامي، وفرض تدريس الإلحاد في المدارس والنوادي والتجمعات .
3 ـ مصادرة المصاحف والكتب الإسلامية، وقد بلغ ما جمع منها 730 ألف كتاب مطبوع ومخطوط ، وإجبار رجال الدين والعلماء على امتهانها وإحراقها في الميادين العامة .
4 ـ نشر الكتب والمطبوعات المعادية للإسلام ورفع الشعارات والملصقات التي تسيء إلى الإسلام وأحكامه وتعاليمه، مثل : الإسلام ضد العلم ـ الإسلام اختراع أغنياء العرب ـ الإسلام في خدمة الاستعمار .. وهكذا .
5 ـ اعتقال العلماء ورجال الدين واحتقارهم وفرض أعمال السخرية عليهم ، وقتل من يرفض التعاون معهم ويرضى بإلحادهم وانتهاكاتهم .(1/7)
6 ـ إجبار النساء على خلع الحجاب، وإلغاء العمل بالأحكام الشرعية في الزواج والطلاق والمواريث ، وفرض الاختلاط ، وتشجيع الزواج بين المسلمين والمسلمات وغيرهم ؛ بغية تخريب العلاقات الأسرية الإسلامية .
7 ـ إغلاق أكثر من 28 ألف مسجد ، وإغلاق 18 ألف مدرسة دينية ، وفوق ذلك استخدمت المباني الإسلامية بمختلف أنواعها وفي مقدمتها المساجد والمدارس في أعمال تتنافى مع قيم الإسلام ، وحولت إلى حانات ومخازن .
8 ـ مصادرة أموال الناشطين في العمل الإسلامي بأي مجال كان، سواء كان بالتعليم والتدريس والتأليف والترجمة ، وهدم بيوتهم ونفيهم من منطقة سكنية إلى الصحراء بعيدًا عن الناس وعن الجماعة .
علاوة على ذلك عملت على فرض النظام الجاسوسي على أفراد الشعب كله ، ووضعت الناس تحت المراقبة الصارمة ، حتى الأسرة أصبح أفرادها يتجسسون على بعضهم؛ فالابن جاسوس على والديه، والأب جاسوس على ابنه، وهكذا .. حتى فقدت الثقة والأمن والأمان، وأصبح الاعتقال والسجن يتربص كل فرد بسبب إشاعة قد يطلقها أحد العملاء ضد الأبرياء، حتى أحجم الناس عن إلقاء السلام والتحية والتزاور واللقاء في مناسبات الفرح والأحزان والمواساة .
كما فرض الشيوعيون العزلة على تركستان الشرقية؛ حيث منع المسلمون من السفر إلى خارج بلادهم، كما منع دخول الأجانب إليها، ولم يسلم المسلمون الذين لهم أقارب خارج تركستان الشرقية من ظلمهم وعذابهم بتهمة أنهم جواسيس ولهم ارتباط بالخارج .
ولم يسلم الشيوعيون جثث القادة ورجال الدين الذين أعدمتهم إلى ذويهم لإقامة مراسم الجنازة والدفن ، وإنما قطعت جثثهم وعرضوها في الشوارع لإرهاب المسلمين وتخويفهم .
وقد ضاق المسلمون ذرعًا بهذه المظالم الوحشية والاضطهاد؛ فهب التركستانيون يدافعون عن دينهم وحقوقهم المشروعة، وقد بلغ عدد الشهداء حوالي 360 ألف مسلم، وفي مدينة كاشغر كان 75 ألف، في 19 معسكر للأشغال الشاقة، والمهاجرون معهم 200 ألف لاجئ .(1/8)
ومع هذه الأعداد الكبيرة في التضحيات، وفداحة ما يعانيه الشعب التركستاني في سبيل الذود عن دينه، واستمراره في التضحية والفداء بالرغم من شراسة الاستعمار الصيني في معاملة مع المسلمين في قمع انتفاضاتهم وحركاتهم من أجل الحرية والاستقلال ، كما تتناقله وكالات الأنباء العالمية ؛ إلا أن العالم الإسلامي يصم أذنيه إلى الاستجابة لاستغاثاتهم .
9 ـ مرحلة ما بعد ماوتسي تونغ (ماوزيدونغ) :
بدأت الفترة الحالية بعد أن مات ماوتسي تونغ عام 1978 حيث نجح الصينيون الشيوعيون على تثبيت أقدامهم في تركستان الشرقية، وذلك بعد أن تم القضاء على الزعماء الوطنيين ورجال الدين الأحرار، وتم تطبيق سياسة "التصيين" الإداري والتعليمي والثقافي من أساليب البطش والتنكيل .
وبعد أن اطمئن الشيوعيون الصينيون إلى سيطرتهم على مقاليد الأمور والسلطة في تركستان الشرقية؛ بدأ الحكم الشيوعي في تطبيق سياسة الإرهاب المكشوف في تحقيق أهدافها الإلحادية والاستعمارية، وقد أعلن عنها صراحة في وكالة الأنباء الصينية التي ذكرت أن حكومة الصين الشعبية تقوم حاليًا بتنفيذ إجراءات جهيدة، وإعداد برامج مدروسة عديدة لتحويل تركستان الشرقية إلى مقاطعة صينية خالصة، وطمس المعالم الوطنية والإسلامية لتركستان الشرقية .. ومن أبرز هذه الممارسات الجائرة ما يلي :
أولاً : محاربة الانتماء الديني لشعب تركستان المسلم، وذلك بالتضييق على أفراد المجتمع في ممارسة شعائرهم الدينية ، ومنع التعليم الديني عن أبنائهم لقطع صلة الأجيال الجديدة بتراثهم وهويتهم الإسلامية .(1/9)
فمثلاً في يوم 5 أبريل 1990 في قرية "بارين" في منطقة "أقتو - في جنوب كاشغر" أراد المسلمون بناء مسجد لهم؛ فاعترضتهم السلطات الشيوعية، واشتبكت مع المسلمين ، وأطلقت عليهم الرصاص ، ثم قصفت القرية بالمدافع والطائرات، وألقت القنابل اليدوية على بيوت الفلاحين، وأجبر الشيوخ والنساء والأطفال على الخروج، فمن لم تقتله القنابل قتله الجنود الصينيون بالرصاص، وفي هذه القرية الصغيرة بلغ عدد القتلى بضع مئات، واعتقل أكثر من ألف شخص، ولا يزال بعض من ألقي القبض عليهم في السجون حتى اليوم، وحيث إن أخبار هذه الواقعة تسربت إلى وكالات الأنباء العالمية؛ فاضطرت الحكومة الصينية للاعتراف بهذه الحادثة، وقامت بدعوى التمويه تذيع أن عدد قتلى المسلمين ستون شخصًا، وقد ألقى سونغ هان ليانغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة تركستان الشرقية (شنجانغ) تقريرًا عن "حادثة بارين" في اجتماع اللجنة المركزية له في 21 أبريل 1990 تضمن أن السلطات الصينية ستطبق إجراءات صارمة ضد تتالي النشاط الإسلام منها :
أ ـ إجبار جميع رجال الدين على حمل تصاريح رسمية تمنح لهم على ضوء تقارير الجهات الأمنية التي تؤكد تعاونهم ومؤازرتهم لرجال السلطات الصينية والحزب الشيوعي ، وتجدد لهم سنويًا حسب التقارير التي ترفع عنهم .
ب ـ إرسال الأئمة ورجال الدين إلى معسكرات العمل لإعادة تأهيلهم وفق المبادئ الشيوعية وتعاليم السلطات الصينية في التعامل مع شئون المسلمين الدينية والاجتماعية .
جـ ـ استدعاء رجال الدين إلى المراكز الأمنية والمباحثات، وإجبارهم على توقيع تعهدات بالامتناع عن تعليم أبناء المسلمين أحكام دينهم الحنيف ، وتعليم قراءة القرآن الكريم في المساجد أو المنازل .(1/10)
د ـ الاكتفاء بالمساجد القائمة وترميمها بحجة أنها كثيرة، وحظر استخدام مكبرات الصوت بدعوى أنها تسبب إزعاجًا لسكان الأحياء، مع قصر استعمالها في المدن الرئيسية التي يتردد إليها السياح الأجانب، وأن يكون استخدامها لصلاة العيدين وصلاة الجمعة فقط، وقد أدت هذه الإجراءات إلى إيقاف بناء 253 مسجدًا وإغلاق خمسين مدرسة في "كاشغر" فقط.
كما ذكرت جريدة شينجانغ الرسمية بعددها الصادرة في 18 نوفمبر 1991 خبر تطهير الحزب الشيوعي من 25 ألف من رجال الدين ممن ليس لهم ولاء له، وأشارت أيضًا في عددها الصادر بتاريخ 16 مارس 1992 أن السلطات الشيوعية اعتقلت 6400 شخصًا منهم 182 متهم بالرجعية ، وأنه سبق أن أعدم من هؤلاء 49 شخصًا في عام 1991 .
"حادثة غولجا"
مما ينبغي أن يذكر في هذا المقام حادثة "غولجا" التي أحدثت هزة كبيرة داخل الصين خاصة داخل تركستان عام 1997 .
وضمن الإجراءات التي تمارسها السلطات الصينية الشيوعية لمحاربة الإسلام فقط ؛ وقع "لي بنغ" رئيس وزراء الصيني في 3 يناير 1994 قرارين بخصوص حظر النشاط الديني، وأهم نقاطه كالآتي :
القرار رقم 145 : يغلق جميع أماكن العبادة السرية والنشاط الديني السري التي انتشرت في الصين خلال السنوات الأخيرة ، ويتم مراقبة جميع النشاطات الدينية .
القرار رقم 144 : الأجانب لا يصرح لهم بإنشاء معابد أو مؤسسات أو هيئات دينية يتحكمون من خلالها على النشاطات الدينية أو المراكز الثقافية أو المدارس الدينية ، كما يمنع الأجانب من الاتصال برجال الدين المحليين وتعيينهم أو توجيه نشاطهم .. يمكن أن نرى ذلك في الصفقة الآتية : صدر قرار من الحزب الشيوعي في تركستان أن الشباب دون العشرين يمنع دخولهم إلى أداء الصلاة في المساجد ، كذا وضعوا في باب المسجد (يوم الجمعة) عساكر يفتشون بطاقة الشخصية، هل هم وصلوا إلى سن العشرين أم لا ؟ فإن لم يصلوا لا يسمح لهم بالدخول إلى المسجد .(1/11)
وعلقوا لوحة بعنوان .. ممنوع دخول المساجد للشباب دون العشرين، على أبواب المساجد .
ثانيًا : منع أفراد الشعب التركستاني من ممارسة حقوقهم الإنسانية المشروعة كالتعليم وحرية التعبير والانتقال، إلى جانب الاعتداء البدني عليهم بالمطاردة والاعتقال؛ بل والقتل، كما أثبتت ذلك منظمة العفو الدولية .
ولم يكن التعليم الإسلامي فقط الذي لا يسمح له بالانتشار بين مسلمي تركستان الشرقية ؛ فالتعليم الفني لم يكن أفضل منه، وبرهان ذلك ما أوردته مجلة "النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى" التي تصدر في هونج كونج قد أشارت في عددها الصادرة بتاريخ 29/1/1985 بأن نسبة المسلمين الأتراك تصل إلى 60 % في تركستان الشرقية، ولكن نسبتهم في المدارس الابتدائية 52.9 % ، وفي المدارس الثانوية 31.5 % من إجمالي الطلاب، وأما الجامعات والمعاهد العلمية فلا يدخلها إلا 10 % من طلاب المسلمين خريجي الثانوية العامة، ولا يزيد نسبتهم فيها عن 40 %، ولا يزيد نسبة الأساتذة الجامعيين التركستانيين عن 26 % من جملة أساتذة الجامعات في تركستان الشرقية، وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبة المتعلمين إلى 94 شخص في كل ألف شخص ..كما أن جميع الكتب التي تدرس في المعاهد العليا والفنية فهي باللغة الصينية.. هذا ويعاني خريجو المدارس المحلية صعوبات أثناء تأدية اختبارات المعاهد التعليمية؛ ذلك لأن أسئلة الامتحانات هي باللغة الصينية، ودراستهم في المدارس المحلية باللغة التركية.. كانت كلية الآداب في جامعات تركستانية باللغة القومية؛ فصدر قرار في مايو عام 2002 بإلغاء اللغة القومية في الجامعات، وإجبار اللغة الصينية في كل المواد الدراسية إلا مادة الأدب فقط .(1/12)
وقد بادر العديد من آباء المسلمين بإرسال أبنائهم إلى مدارس اللغات الصينية؛ حيث يمكنهم فيما بعد تخرجهم منها دخول المعاهد العليا دون مواجهة مشاكل لغوية .. ومع ذلك فإن الطلاب المسلمين الأتراك بعد تخرجهم من المعاهد العليا، يواجهون صعوبات في التحدث بصورة صحيحة بلغتهم الأم .. فهم يلجئون إلى استخدام الكلمات الصينية في حديثهم .. كما أنهم ينسون عاداتهم وتقاليدهم ويسلكون المسلك الصيني، مما يسبب ردة فعل سلبية بين أبناء جلدتهم، وخاصة إذا علم أن المدرسين الصينيين هم الذين يدرسون التاريخ والعلوم الاجتماعية، وهي مواد مقتبسة من الكتب الصينية ، وحسب المفاهيم الصينية .
كما أن مستوى المدارس التي تستخدم اللغة الصينية هي أفضل من حيث التجهيز ، من وضع المدارس التي تستخدم اللغة المحلية؛ فوضع المدارس المحلية نموذج للإهمال المتعمد .. واللغات الأجنبية مثل الإنجليزية واليابانية لا تدرس إلا في المدارس الصينية فقط ، وأما المحلية فإنها لا تملك حتى قيمة مدفأة لوضعها في الفصل الدراسي أثناء فصل الشتاء .
وتؤخذ - مثال ذلك - من جريدة شنجيانغ الرسمية التي صدرت في أورومجي بتاريخ 3/6/1993 التي كتبت عن مدرسة قاراسو الإبتدائية التي تأسست في عام 1936 في بلدة كوناس تقول : بأن المباني قد تخربت بمرور الزمن ثم انهارت بسبب الزلزال الذي حدث في 12/3/1992 ولم تؤمن الحكومة الصينية المبالغ اللازمة لترميم المباني المدرسية بالرغم أنها بنت مدارس جديدة لطلابها الصينيين في عام 1980 ، وهذا أدى إلى أن يترك المدرسة المذكورة 186 طالبًا مسلمًا، كما لم تتمكن المدرسة من قبول أطفال المسلمين الجدد لعام 1993". فضلاً عن ذلك؛ ألغت الحكومة مجانية التعليم؛ ففرضت "التكليفة" لكل المراحل الدراسية من الابتدائية حتى الجامعة. ويثبت هذا القرار عدم استطاعة الأطفال والشباب الالتحاق إلى المدرسة من ارتفاع التكليفة .(1/13)
وفي كل عام ينتقل مئات من الطلاب المسلمين الأتراك بين مختلف المدن الرئيسية في داخل تركستان الشرقية أملاً في الالتحاق في إحدى المعاهد العليا.. وعلى الرغم من أن معظم هؤلاء الطلاب ممن يعانون شدة الفاقة والفقر، ولا يجدون بيوت الطلاب التي عادة تكون لسكن الطلاب الفقراء، ولا يستطيعون دفع إيجار غرف سكن لهم، كما لا يلقون دعمًا من الحكومة الصينية لرفع مستوى التعليم؛ وقد نتج عن ذلك أن 97 % من الطلبة الأتراك الحاصلين على الثانوية، لا يستطيعون إكمال دراستهم الجامعية .. وبعد كل تلك الصعاب إذا تمكن البعض من إكمال تعليمه بعد جهد جهيد فلا يجد عملاً يتناسب مع مؤهلاته ، ومصير الأغلب هو ممارسة الحرف اليدوية والمهن .
المهاجرون الصينيون هم الأغلبية في الجماعات والمعاهد، مثال ذلك أن مجلة "الحضارة" التي تصدر باللغة الأويغورية - قد أصبح بعد عام 2000 سبعون في المائة من محرريها من الصينيين، رغم أن المجلة تصدر باللغة القومية، وتسعون في المائة من كتابها مسلمون أتراك.. وهم رؤساء الهيئات العلمسية والتقنية ومؤسسات التخطيط والإنتاج والاستثمار في تركستان الشرقية؛ بل هم أساتذة التاريخ التركساني والإسلامي واللغة التركستانية .. وسياستهم هي استبعاد المسلمين التركستانيين من مواقع المسئولية والقيادة، وتضييق فرص التعليم عليهم داخليًا وخارجيًا.. وفي الوقت الذي يوجد حوالي خمسين ألف طالب صيني في أمريكا وأوروبا، لا يوجد بينهم مائة طالب تركستاني مسلم. وفوق ذلك تمنع الحكومة الصينية الطلاب التركستانيين من السفر إلى خارج البلاد بقصد التعليم الإسلامي أو غير الإسلامي، والطلاب الذين يدرسون حاليًا في الخارج قد جاءوا لزيارة أقاربهم أو لأهداف أخرى غير التعليم .. أو التحقوا إلى الجامعات في الخارج على مصارفهم الخاصة، حتى تحصل لهم المنحة في الجامعة .
ثالثًا :(1/14)
مصادرة ثروات تركستان الشرقية وحرمان أهلها الأصليين من خيرات بلادهم، وفرض حياة العوز والفقر عليهم وإهمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهم .
وعلى الرغم من كثرة وتنوع الثروات الطبيعة التي تكتنزها أراضي تركستان الشرقية، والتي يستغلها الصينيون؛ إلا أن الشعب التركستاني المسلم يعيش فيها في مستوى سيئ جدًا.. إذ يعيش أكثر من 80 % منهم فيما دون مستوى الفقر، وحيث يبلغ دخل الفرد السنوي 50 دولارًا، كما أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يسمح للشعب التركي المسلم بالعمل في التجارة؛ إنما وضع بهدف إبعاد أبناء تركستان الشرقية عن شغل الوظائف القيادية والإدارية والتخطيط ، وحتى فرص الأعمال الإنتاجية والعمالة فهي من نصيب الصينيين .. فمثلاً في العاصمة أورومجي يوجد 200 ألف عامل فني منهم 10 % مسلمون فقط، أما في مصنع الجرارات قرب أورمجي الذي يعمل فيه 2100 عامل منهم 13 عامل مسلم .. وهذا ما يؤكد احتكار الصينيين حتى لوظائف العمالة المهنية في تركستان الشرقية ، ويفسر عدم وجود بطالة بينهم ، بينما تنتشر البطالة بين المسلمين بصورة كبيرة في تركستان الشرقية .
في شهر نوفمبر 1988 عينت السلطات الصينية مديرًا صينيًا لمصنع نسيج الحرير في مدينة خوتن ، وبدأ هذا المدير الصيني عمله بفصل 400 عامل مسلم من المصنع وإحلال عمال صينيين مكانهم، مع أن العمال المسلمين يعملون في المصنع المذكور منذ سنوات طويلة، وقام العمال المسلمون مع عوائلهم بمسيرة احتجاج ، ورفع ممثلوهم شكوى إلى الحاكم المحلي الذي يعود إلى أصل تركستاني مسلم، وتحدث مساعد الحاكم مع نائب رئيس الحكومة الشعبية الإقليمية الذي أجابه بقوله: لقد خولنا مدير المصانع بالسلطة في فصل وتعيين من يرغبون، ولا يمكننا عمل أي شيء حيال ذلك .. وهكذا بدل من إيجاد فرص لآلاف الشباب التركستاني المسلم ؛ فالحكومة الصينية تمارس القوة والإكراه على تسريح العمال المسلمين من أعمالهم .(1/15)
ويقول أحد المسئولين الصينيين : أصبح مسلمو تركستان الشرقية كمن يتسول وبيده وعاء من ذهب .. وتركستان الشرقية غنية بكل شيء ، ولكن السلطات الصينية تستخرج كل شيء ، وتنهب الخيرات إلى داخل الصين الشعبية .
ومساحة الأراضي التي تحتوي على البترول والغاز الطبيعي تبلغ 740 ألف كيلو متر مربعًا ؛ أي ما يعادل مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعة ، أما مخزون "الملح الصخري" فيقدر بما يكفي استهلاك العالم كله لمدة ألف عام، واكتشف الذهب واستخرج من 56 من منطقة "ألتاي" فقط من أصل 70 .. وتبلغ مساحة مناجم الفحم 88 ألف كيلو متر مربعًا، وتشتهر مدينة خوتن في الصين كلها باليشم، وهي الأحجار الكريمة .
ومع أن السلطات الشيوعية تدعي أن مستوى معيشة الفلاحين قد ارتفع منذ تطبيق قانون تأجير الأراضي؛ إلا أن الواقع - كما يقول الفلاحون - لم ينجم عن نظام تأجير الأرض سوى زيادة البؤس والشقاء لمئات الآلاف من الفلاحين، وخاصة أن الفلاحين يمثلون 85 % من أبناء تركستان الشرقية.. فالضرائب التي فرضت عليهم بحجة التأجير والاستثمار الخاص ، أجبرت آلاف الفلاحين على إعادة الأراضي المستأجرة لعدم قدرتهم على السداد .
ومن المشاكل التي يواجهها المزارعون المسلمون هو أنهم يجبرون على العمل في المزارع الحكومية لفترات قد تصل أحيانًا إلى ستة أشهر بدون عائد مالي، ولا يمكنون من العمل في الأراضي التي استأجروها، مع العلم بأن كل مواطني تركستان يجبرون بحكم قانون الحزب الشيوعي على العمل لمدة 45 يومًا في السنة بدون راتب .
رابعًا :
الحكم الذاتي في تركستان الشرقية هو صوري لا يمثل إرادة الشعب الذي لا يتمتع بسلطة وطنية ؛ بل يديره الصينيون وينفذه الموظفون التركستانيون بالإكراه .(1/16)
في الوقت الذي يقال إن تركستان الشرقية "إقليم ذو استقلال ذاتي" ، كما يوحي اسمها الذي أطلقه الصينيون "مقاطعة شينجانغ أويغور الذاتية الحكم" ، ولكن الحقيقة أن الشعب التركستاني لا يتمتع بأي قدر من الاستقلال الذاتي . فالحكم ودفته يتولاه سونغ هان ليانغ رئيس المكتب السياسي للجنة الحزب الشيوعي الصيني، ويشغل الصينيون معه مراكز القيادية والسيادة ، ولا يشغل التركستانيون وهم أصحاب البلاد إلا 10 % من الوظائف الإدارية .
والمساواة التي يتشدق بها الصينيون مفقودة ، والتركستانيون هم في الدرجة الثالثة من المواطنة؛ بل هم محرومون من أبسط الحقوق الإنسانية؛ فمثلاً إذا تخاصم صيني مع تركستاني فإن العقاب عادة ينزل بالتركستاني، وإذا كان رئيس الشرطة أو رئيس المحكمة من التركستانيين فإنهم يتجنبون إنزال العقوبة في الصيني، حتى لا يؤخذون بتهمة التطرف والتعصب القومي .
وإذا حدث أن رئيس مجلس الإدارة، أو رئيس قسم، أو مدير إدارة .. وهو تركستاني .. اتخذ قراراً لصالح أبناء جلدته ولم يكن ذلك القرار يفيد الصينيين؛ فإن ذلك المسؤول التركستاني يبعد من منصبه ، وقد يبعث إلى بكين لمزيد من التأهيل لإنقاذ السياسة الصينية.
خامسًا :
إغراق تركستان الشرقية بالمهاجرين الصينيين وإحلالهم في أماكن عمل وسكن وأملاك أهل البلاد التركستانيين المسلمين، مما أدى إلى انتشار البطالة بينهم، وتقلصت فرص التعليم والتداوي، وتعرض المسلمون لمشاكل اجتماعية بسبب اختلاف دينهم وعاداتهم وتقاليدهم .
ومع أن المسلمين التركستانيين يعرفون أن عدد المهاجرين الصينيين يزيد الآن عن عشرين مليون نسمة ؛ إلا أن السلطات الرسمية تخفي حقيقة الأمر، وتقول إنهم ستة ملايين نسمة ، وهم أيضًا بهذا يشكلون نسبة 42 % من جملة عدد السكان 15.155.778 نسمة، حسب الإحصاء الرسمي لعام 1990 .(1/17)
وكان هو ياوبانغ "سكرتير عام الحزب الشيوعي الصيني الأسبق، قد صرح بأن منطقة تركستان تستوعب 200 مليون مستوطناً صينياً بكل سهولة .. وفي الوقت الذي تدعي الأجهزة الصينية بأنها ترسل الخبراء والفنيين الصينيين للمساهمة في تحديث اقتصاد تركستان الشرقية، إنما هي في الواقع ترسل المجرمين والقتلة؛ فالمجرمون الذين يدانون بالمؤبد والأشغال الشاقة في أنحاء الصين، إنما يرسلون لقضاء عقوبتهم في تركستان الشرقية (حاليًا 19 معسكرًا للأعمال الشاقة تشرف عليها مباشرة وزارة الأمن العام المركزية في الصين) والمسجون الذي ينهي فترة عقوبته لا يسمح له بالعودة إلى بلده في الصين ؛ بل يجبر على الاستيطان ويلحق إليه عائلته ، ويوجه إلى العمل في زراعة الأراضي التي تغتصب من المسلمين الأتراك .
ويقدر عدد المجرمين الصينيين الذين تم توطينهم في تركستان الشرقية قرابة مليون شخص ، وقد أدى توطين هؤلاء المجرمين الصينيين إلى ارتفاع نسبة الجريمة في تركستان الشرقية بصورة حادة .. فقد ذكرت التقارير الرسمية عن ازدياد الاعتداءات الصينية على المسلمين الأتراك ، بما في ذلك السرقة والاغتصاب والخطف والقتل .. ومن لم يصدق هذه السياسة الصينية ليقرأ كتاب "النفي في الصين في عهد المانشور .. العقوبة إلى تركستان الشرقية" وهو بحث علمي قدمته "جوانا والي كوهين" لنيل درجة الدكتوراة إلى جامعة يال تم طبعه عام 1991 .
Joanna Waley – Cohen : Exile in Mid Qing
China : Panishment to Xinjiang، New Haven
Yale University Press 1991 . XV + 267 P.
سادسًا :
القيام بتنفيذ التفجيرات النووية في الأراضي التركستانية ، مما نتج عنه تلوث البيئة بالسموم ، ونشر الأمراض الخطيرة بين أفراد الشعب التركستاني المسلم .(1/18)
بالرغم من الموقف الدولي لإيقاف التفجيرات النووية والنداءات الدولية والشعبية ؛ فإن الصين تصر على تنفيذ تجاربها النووية، وقد بلغت قوة تفجيرها الأخيرة ما بين 10 ـ 40 كيلو طن من مادة تي . إن . تي، في موقع التجارب النووية " لوب نور" في تركستان الشرقية في يوم الجمعة 10/6/1994 .
فمنذ عام 1964 أجرت بكين 35 تجربة نووية في أراضي تركستان الشرقية دون اتخاذ أي تدبير من شأنها حماية المدنيين من أخطار التلوث النووي، وقد أثرت هذه التجارب تأثيراً سيئًا على المحاصيل الزراعية وعلى الإنجاب ، وفي عام 1990 مات أكثر من 800 تركستاني مسلم بأمراض غير معروفة .. وفي التقرير السري لرئيس حكومة مقاطعة شنجانغ في أوائل عام 1988 أكد ولادة عشرين ألف طفل مشوه . وفي نفس العام 1988 نسبت منظمة الصحة العالمية في تقريرها موت 3961 شخص مصاب بمرض مجهول في منطقة خوتن فقط .. كما وردت التقارير عن تزايد حالات الإصابة بسرطان الرئة وسرطان الجلد وسرطان الكبد وغير ذلك من الأمراض الخطيرة ، فمثال ذلك : عدد الشباب المصابين بشلل الأطراف بلغ أكثر من 5000 شخص في كاشغر فقط فيما بين يوليو 1990 ، ومن المعروف أن إهمال الحكومة الصينية بالأمور الصحية له أمر مقصود لاستئصال الوجود الإسلامي .
سابعًا : إجبار أفراد الشعب التركستاني المسلم على تنفيذ سياسة تحديد النسل وممارسة أقصى العقوبات للمخالفين لهذه السياسة التي تهدف إلى خلخلة التركيب الديمغرافي للسكان الأصليين لتركستان الشرقية .(1/19)
تعترف حكومة الصين الشعبية بقلة الكثافة السكانية في تركستان الشرقة ، وتعمل على نقل ملايين الصينيين من داخل الصين إليها، وسياستها تجري على تطوين مائتي مليون صيني فيها خلال الأعوام القادمة .. والمسلمون كلهم - حسب الإحصاء الرسمي وغير الرسمي - لا يزيد عددهم عن عشرين مليون نسمة، ومع ذلك فالحكم الصيني الشيوعي يستخدم كافة الإجراءات الوحشية التي لا مثيل لها في تاريخ الإنسان لمحاربة تزايد عدد المسلمين التركستانيين .. وإليكم التوضيح :
في عام 1991 قدرت الإحصائية الحكومية بأن عدد سكان بلدة "ينكى" حصار حوالي مائتي ألف نسمة ، وأن عدد النساء اللاتي بلغن سن الحمل 35 ألف امرأة ؛ فقامت السلطات الحكومية الشيوعية بإجبار النساء على ما يلي :
9360 امرأة استخدمن اللولب .
4200 امرأة ربط مبايضهن .
9530 امرأة أسقط جنينهن .
7420 امرأة أعطين حقن منع الحمل .
1070 امرأة توفين بسبب الإجهاض الإجباري .
1493 امرأة خضعن لتجارب منع الحمل .
والنتيجة أن من تم السماح لهن من النساء بالحمل هو أقل من ألفين ، ومن حرم منهن من الحمل أكثر من 33 ألف امرأة ، وتفيد التعليمات الحكومية بأن المنطقة التي يبلغ عدد سكانها 180 ألف نسمة، لا يسمح بتزايد سكانها عن أربعة آلاف نسمة في السنة . وبشرط ألا يزيد عدد السكان الكلي عن 190 ألف نسمة خلال 3 سنوات .
وفي عام 1992 بلغ عدد الرجال والنساء الذين فرض عليهم عمليات منع الحمل 27900 شخصاً، وتم إسقاط جنين 7100 امرأة في ولاية خوتن .. وقد أدت هذه الإجراءات إلى انخفاض عدد المواليد إلى 19700 مولود ، أي بنقص 11739 مولود عن عام 1991 .
أما الأسرة التي تتهرب عن الالتزام بنظام تحديد النسل فتتعرض إلى العقوبات التي نصت عليها المادة 44 من نظام تحديد النسل الذي وقعه رئيس المقاطعة (تركستان الشرقية) في 7 أبريل 1992 وهي كالآتي :
1 ـ موظف الدولة غرامة مالية من 300 إلى 10000 يوان سنويًا .(1/20)
2 ـ الموظف المدني يدفع غرامة مالية من 10000 إلى 20000 يوان سنويًا .
3 ـ المزارع والراعي يدفع ما يساوي مدخوله في العام الماضي ، وقد يضاعف إلى عشر أمثاله .
أما شواهد المآسي الشخصية التي يرويها الأفراد عن معاناتهم الذاتية، فتوضح مدى الوحشية التي يعانيها الإنسان ما يمارس ضده من ظلم لا مثيل له كالآتي :
1 ـ يفيد أحد الأطباء العاملين في مستشفى "كرم باغ" في مدينة كاشغر، بأن أكثر من عشرة ولادات تتم في المستشفى المذكور يوميًا، ويتم فيها قتل الجنين بعد ولادته مباشرة بضربه أو خنقه، وتحقن الأم بحقنة منع الحمل بدون إشعارها بذلك، ولا تتمكن من رؤية مولودها لأنهم يفيدونها بأن الجنين ولد ميتًا، ثم تشحن هذه الأجنة إلى معامل في بكين وشنغهاي .
2 ـ في 14/2/1993 وفي القرية رقم 6 من بلدة "قوما" وضعت السيدة "دولت خان" مولودها الرابع ، وباعت كل ممتلكاتها لدفع الغرامة المالية حتى تحتفظ بالطفل ، ولكنها في اليوم السادس أجبرت على إجراء عملية ربط المبيض ، ثم ماتت بعد ذلك بثلاثة أيام .
ثامنًا :(1/21)
ومن وسائل التذويب التي يتبعها الصينيون في تركستان الشرقية منذ سنين طويلة ، تشجيع الزواج بين التركستانيين والصينيين، ويكافأ كل تركستاني يتزوج من صينية بمبلغ يعادل أربعمائة دولار يدفع له فور إبرازه قسيمة الزواج .. ويعتبر هذا المبلغ كبير إذا قيس بالراتب الذي يتقاضاه الموظف هناك .. وحسب ذكر وكالة الاستعلامات الخارجية فإن الشباب التركستاني العامل في القرى النائية إذا تزوج بالصينية؛ يحصل على عمل براتب مغري في المدن .. في حين يمنع الصيني العامل في القرية من مجرد القيام بقصد الإقامة في تلك المدن. أما الشاب التركستاني المتزوج بالصينية فإنه يكافأ بألف دولار إضافة إلى عمل جديد في المدينة، والمولود من هذين الزوجين يحظى برعاية الحزب الشيوعي ويسجل في النفوس على أنه من الجنس الصيني، وتقول الوكالة في نشرتها بأن التركستانيين يقاطعون كل من يتزوج بصينية من بين أبناء جلدتهم، ويطردونهم من مجالسهم، وقد وضع الصينيون شروطًا جزائية قاسية لمن يريد تطليق الزوجة الصينية، ومن هذه الشروط دفع نفقة الزوجة المطلقة وتقدر بألفي دولار كحد أدنى .. ومن النادر أن تجد إنسانًا يستطيع دفع مثل هذه النفقة، ولذلك فإن كثيراً من هؤلاء الشباب يقدمون على الانتحار، وهذا نوع آخر من أنواع حرب الإبادة ضد المسلمين التركستانيين.
10- النشاطات الإسلامية السرية :(1/22)
لا يوجد في تركستان الشرقية عالمًا دينيًا إلا وسجن عدة مرات، ويزيد عدد العلماء الذي تم اعتقالهم عن 54 ألف، ومات كثير منهم بالتعذيب في السجون، وعندما يطلق سراح العلماء تأخذ السلطات الشيوعية منهم تعهدات بعدم تدريس العلوم الإسلامية ، ومع ذلك قام بعض العلماء بفتح مدارس سرية لتعليم أبناء المسلمين العلوم الإسلامية وتعليم قراءة القرآن الكريم ، وتوجد الآن مئات المدارس السرية التي يدرس فيها آلاف الطلاب والطالبات من أبناء التركستانيين، وقد حفظ مئات الطلاب القرآن الكريم بكامله، ولكن مع الأسف الشديد أن هؤلاء الطلاب لا يجدون حتى حصيرًا يجلسون عليه؛ بل يفترشون التراب ولا يأكلون طعامًا مطبوخًا إلا مرة كل ثلاثة أيام..وهؤلاء الطلاب يدخلون المدرسة(وهي عبارة عن بيت قروي من بيوت الفلاحين في القرى) ويحمل كل واحد منهم قوته الذي يكفيه لمدة أسبوعين وهي عبارة عن خبز جاف وماء، ويدخل المدرس معهم أيضًا، ولا يخرجون أبدًا من ذلك البيت القروي لمدة خمسة عشر يومًا كاملاً، ولا يعرف عنهم شيئًا؛ لأنهم لا يرفعون أصواتهم أبدًا خوفًا من زبانية الشيوعية التي لو علمت بهم تعتقل مدرسهم وآبائهم، ويسومونهم قبل أبنائهم أشد العذاب.
والعلماء التركستانيون الأحرار الذين يقومون بترجمة وتصنيف الكتب الإسلامية ، لايستطيعون طبع كتبهم في تركستان الشرقية ، فيرسلونها سرًا إلى مقاطعات صينية مثل كانسو ولينغشيا حيث تطبع بواسطة المسلمين الصينيين، ثم يدخلونها إلى تركستان الشرقية سرًا ويتناقلها المسلمون سرًا .. كما يقوم العلماء والدعاة بالتوعية والإرشاد في حلقات سرية وزيارة الناس في بيوتهم سرًا .(1/23)
وبسبب العزلة التي يعيشها المسلمون في تركستان الشرقية، لا توجد لهم صلة وعلاقات بالهيئات والمؤسسات الإسلامية في العالم؛ فالحكومة الصينية تفرض حصارًا محكماً حول تركستان الشرقية، وتراقب كل من يزورها من الأجانب، كما أنها تراقب المسلمين الذي يقومون بزيارة الدول الإسلامية ، وحتى إن وفود الحجاج التي تأتي سنوياً لأداء فريضة الحج ترسل السلطات الصينية معهم جواسيس تراقب تحركاتهم وترصد أنفاسهم، وتدقق علاقاتهم بالمهاجرين التركستانيين الذين يعيشون في الأراضي المقدسة وتركيا.. وأما الهيئات والجمعيات الإسلامية العالمية، فلا يمكن لها الاتصال بالمسلمين التركستانيين إلا عن طريق "الجمعية الإسلامية الصينية" التي ما هي إلا جهاز حكومي تنفيذي شُكل لمراقبة الأنشطة الإسلامية وتوجيهها حسب سياسة السلطات الشيوعية .
مرحلة جديدة :
وقد اشتدت عمليات انتهاكات حقوق الإنسان في تركستان الشرقية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث إن سلطات الاحتلال فيما تحاول على الصعيد الخارجي لاتهام الأويغور بالإرهاب ؛ فإنها تقوم على الصعيد الداخلي في تركستان الشرقية بتصعيد حملاتها القميعة الموجهة ضدهم، وتم لهذا الغرض إعادة تشديد حملة "الضرب بقوة" التي بدأتها السلطات في شهر أبريل / نيسان الماضي حيث اعتقل العديد من الأشخاص بدعوى ومزاعم واهية .. وشددت السلطات خلال شهر رمضان وعشية عيد الفطر المبارك من حملتها لتضييق الخناق على أداء المسلمين لشعائرهم الدينية، وفرضت عقوبات صارمة على المخالفين لتعليماتها .
بالإضافة إلى ذلك ؛ شهدت الأشهر الثلاثة الماضية تسريح العديد من العمال الأويغور في المصانع الصينية في تركستان الشرقية من أعمالهم ، مما أدى إلى ازدياد وتفشي البطالة بينهم .
ويمكن أن نلخص التطورات الأخيرة في النقاط التالية :(1/24)
1 ـ محاولة السلطات الصينية لإدراج الأويغور في قائمة الإرهاب الدولية ، في الوقت الذي ركز فيه الرأي العالمي بعد 11 سبتمبر في الولايات المتحدة حملته العدائية على الإسلام والمسلمين بدعوى أن الإرهابيين الذين نفذوا الاعتداءات على كل من مركزي التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في نيويورك وواشنطن يحسبون على الإسلام ويرفعون راية الإسلام ، حاولت سلطات النظام الشيوعي في الصين ركوب الموجة والادعاء بأن الأويغور أيضًا "إرهابيون يجب القضاء عليهم" .
فقد زعمت الصين في معرض عرض شروطها الخاصة بدعم الولايات المتحدة وحلفائها في حملتها الرامية إلى استئصال جذور الإرهاب، والتي بدأت من أفغانستان، زعمت الصين أن الأويغور إرهابيون، كما أن كافة المنظمات السياسية والحركات الأويغورية إرهابية، وكان الهدف من ذلك محاولة شريرة ويائسة من أجل إقناع الرأي العام العالمي الحر بقيادة الولايات المتحدة - أن قضية "تركستان الشرقية" ليست قضية حقوق شعب وتقرير مصيره بنفسه، كما أنها ليست قضية حقوق إنسان وديمقراطية، وإنما هي قضية إرهاب ضحيتها الصين .
ومن أجل ذلك توالت تصريحات كبار المسئولين الصينين، ومن ضمنهم وزير الخارجية توانغ جاوشينغ ، بشأن تركستان الشرقية والأويغور؛ حيث حاول هؤلاء المسئولون الصينيون الربط بين الأويغور وتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن ، ووصفوا الأويغور "بالإرهابيين المسلمين" .(1/25)
وإذا رجعنا بذاكرتنا إلى تصريحات للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية يوم 14 نوفمبر الماضي، نجد أنها قد اتهمت الأويغور بالمسؤولية عن أعمال إرهابية مزعومة "وقعت خلال السنوات العشر الأخيرة في تركستان الشرقية ؛ حيث دللت على ذلك بالثورات الشعبية التي قام بها الأويغور خلال التسعينات احتجاجًا على القمع الصيني ، ومن أمثال ذلك "ثورة بارين عام 1990" وثورة 5 فبراير 1997 في "غولجا" ومظاهرات 1998 أغسطس في "خوتان" ، وغيرها من المظاهرات السلمية التي قام بها الأويغور للتعبير عن احتجاجهم على القمع وسوء المعاملة والتمييز العنصري ضدهم من قبل سلطات الاحتلال الصينية .
ومن المثير للسخرية محاولة الصينيين إدراج عمليات تفجير وقعت خلال السنوات الأخيرة في تركستان الشرقية ولا تمت بصلة للإرهاب، وحتى الجرائم العادية في الأدلة المزعومة .(1/26)
وإذا كانت المظاهرات السلمية وحوادث التفجير التي تنم عن سخط الشعوب تعتبر حوادث إرهابية ؛ فإن المدن الصينية شهدت ولا تزال تشهد أعمال تفجير شبه يومية ، فعلى سبيل المثال - وحسب ما أفادت وسائل الإعلام الصينية - فقد لقي 47 شخص مصرعهم في انفجار لقنبلة وقع يوم 6 مارس من العام الماضي في إحدى المدارس الابتدائية في مدينة "جينغشى" الصينية . وأيضًا وبعد مرور 10 أيام وقع انفجار كبير هز مدينة "شيجي جووانغ" مما أسفر عن مقتل 108 شخص وإصابة مئات آخرين بجروح .. ويعد عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم في أربعة انفجارات وقعت في عدد من الأقاليم الصينية خلال هذا الشهر فقط بالعشرات والمصابون بأكثر من مائة .. وحسب ما أفادت الأنباء ؛ فقد نفذت تلك الحوادث منظمات صينية سرية من أجل تحقيق أهداف سياسية لها . وبالإضافة إلى ذلك شهدت بعض المناطق الصينية وقوع ثورات شعبية ضد الحكم الصيني احتل خلالها الأهالي مراكز للحكومة؛ إلا أنه مما يثير دهشة المرء أن السلطات الصينية لم تصف تلك العمليات بأنها عمليات إرهابية ، كما أنها لم تطلق على الأخيرة في تركستان الشرقية - وقام بها أفراد أو أشخاص بدوافع انتقامية بحتة - وصف الإرهاب ..
ويكشف ذلك أن السلطات الشيوعية الصينية تكيل بمكيالين في معاملة الشعوب الواقعة تحت قبضتها ، وتطبق سياستين مختلفتين في كل من الصين وتركستان الشرقية ، ويظهر هذا جليًا في قيامها بإلقاء المسؤولية عن حوادث تفجير مزعومة في تركستان الشرقية إلى الإرهابيين المسلمين الأويغور .
فعلى سبيل المثال : وعلى الرغم من أن سبب الانفجار الذي وقع لشاحنة عسكرية في شهر سبتمبر من عام 2000 يرجع إلى التقصير في التدابير الاحتياطية الواجب اتخاذها؛ إلا أنه بات واضحًا أن بعضًا من عمليات التفجير التي وقعت خلال السنوات الأخيرة في تركستان الشرقية قامت بتدبيرها الاستخبارات الصينية، وذلك لإيجاد ذرائع لتصعيد حملاتها القميعة ضد الأويغور.(1/27)
وخلاصة القول: ورغم قيام السلطات الصينية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بممارسة كافة أنواع الوسائل المتاحة لها من أجل إدراج الأويغور في قائمة الإرهاب الدولية؛ إلا أن محاولاتها باءت بالفشل التام؛ حيث لم يقتنع الرأي العام العالمي الحر باتهامات الصين للأويغور.
فقد أعلن كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش والسيدة ماري روبنسون رئيسية لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أثناء زياراتهما الأخيرة للصين، كل على حدة، أن قضية الأويغور في تركستان الشرقية قضية تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية حيث لا يمكن التراجع عن مبادئ الحرية والديمقراطية تحت ستار الحملة ضد الإرهاب ، وذلك ردًا على الاتهامات الصينية للأيغور بممارسة الإرهاب، كما حذر الصين من مغبة استغلال الحملة الدولية ضد الإرهاب لتصعيد عملياتها القمعية ضد الأويغور.
إضافة إلى ذلك؛ أعطى البرلمان الأوروبي والحكومة البلجيكية ردًا قاسيًأ على الاتهامات الصينية، وذلك برعايتهما للدورة الثالثة للمؤتمر الوطني التركستاني الشرقي، والذي انعقد في شهر أكتوبر الماضي في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل .
وأخيرًا يمكننا القول إنه فيما أحبط الموقف الثابت للرأي العام العالمي من القضية الأويغورية الادعاءات الصينية ضد الأويغور بالإرهاب، من جهة أخرى أكد على أن الرأي العام العالمي بدأ يعترف بقضية تركستان الشرقية على أنها قضية حقوق إنسان، وديمقراطية وحرية ، وتقرير شعب لمصيره بنفسه .
2 ـ تدهور جديد في أوضاع حقوق الإنسان في تركستان الشرقية بعد 11 سبتمبر : رأت الصين في الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة لا تعوض من أجل القضاء على الشعب الأويغوري في تركستان الشرقية؛حيث عمدت إلى تصعيد حملاتها القمعية الوحشية الموجهة ضد الأويغور بعد الحادث.(1/28)
فقد عقدت القيادات العسكرية والأمنية الصينية في تركستان الشرقية اجتماعاً مشتركًا بعد مرور أسبوع على الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة، قررت فيه أن "حادث 11 سبتمبر فرصة لا تعوض" من أجل القضاء من تزعم أنهم انفصاليون إرهابيون في إقليم سنجيانغ (تركستان الشرقية) وأصدرت أوامر فورية إلى كافة الجهات الأمنية بإعادة تنفيذ "حملة الضرب بقوة" التي بدأت في شهر أبريل نيسان من العام الماضي، والقبض على كل المشتبه فيهم دون استثناء .
وأيضًا أكد وانغ ولجين سكرتير الحزب الشيوعي الصيني في تركستان الشرقية خلال اجتماع في أورومجي في الثامن من شهر يناير الجاري - على "أن الأخطار الثلاثة التي تهدد أمن الإقليم والدولة تتمثل في ثلاثة عناصر : العناصر الدينية المتطرفة والانفصالية والإرهابية وعلينا الاستمرار في توجيه الضربات ضدهم بلا هوادة" كما صدر في نفس الاجتماع قرار بإعطاء مهلة شهرين اعتبارًا من شهر ديسمبر 2001 إلى المشتبه فيهم من العناصر المذكورة لتسليم أنفسهم إلى السلطات .
3 ـ تصاعد الحملة الموجهة ضد الساحة الدينية :
من المعروف أن سلطات الاحتلال الصينية تطبق منذ احتلالها لتركستان الشرقية عام 1949 سياسية الإلحاد ومنع المسلمين الأويغور من أداء شعائرهم الدينية والاستهزاء بالدين .. وقد أصبحت تلك الممارسات منبعًا جديدًا للمعاناة والتعذيب للمسلمين الأويغور خلال السنوات الأخيرة ، مما يعني أن القوانين الصينية التي جاء فيها ضمان لحرية القوميات في ممارسة الطقوس الدينية أصبحت حبرًا على ورق .(1/29)
وأصدرت السلطات خلال السنوات العشر الأخيرة قرارات عديدة بشأن السيطرة على الشؤون الدينية من أمثال "نظم الإشراف على الشؤون الدينية"، وغيرها من القرارات التي تحد؛ بل وتحول دون أداء الفرد المسلم للعبادات. ومن تلك القرارات تعتبر الوثيقة رقم "7" السرية التي أصدرها مؤتمر المحافظة على الاستقرار في سنجيانغ والذي عقد في يكين في عام 1996 من أخطر القرارات بهذا الشأن؛ لما تضمنته من فقرات أكدت على أن الخطر الأكبر الذي يهدد أمن الإقليم ينبعث من النشاطات الانفصالية والدينية غير المشروعة .
ومنذ ذلك الحين كثفت السلطات من حملاتها ضد الساحة الدينية؛ حيث لم تكتف بمنع النشاطات الدينية العادية؛ بل وحولت الساحة الدينية ككل إلى مسرح لعمليات القمع التي طالت نخبة كبيرة من العلماء والشخصيات الإسلامية، ونتيجة لذلك اعتقل الآلاف من الأويغور الذين لاذنب لهم سوى القيام بأداء شعائرهم الدينية العادية بمزاعم وتهم "الانفصالية والنشاط الديني غير المشروع"، وتم حظر وإغلاق المدارس الدينية المملوكة للحكومة، وفرضت عقوبات شديدة على المدرسين والطلبة، وبسطت السلطات سيطرتها على كافة المساجد، وعينت مراقين تابعين لها لمراقبة المساجد .
وانتزعت حق تعيين الأئمة؛ حيث عينت في المساجد أئمة لا يفقهون من الدين شيئًا سوى الخرافات، وتطبيق أوامر سادتهم الشيوعيين، وحولت السلطات الدين الحنيف - بفضل هؤلاء الجهلاء - إلى وسيلة لدعم الشيوعية والإلحاد والاشتراكية الثورية، كما سخرته لخدمة أهداف الاستقرار والأمن في البلاد، وقامت بهدم العديد من المساجد بعدوى وحجج واهية متنوعة ؛ فضلاً عن منع إنشاء مساجد جديدة .
4 ـ تفشي البطالة بين الأويغور(1/30)
وعلى الرغم من أن تركستان الشرقية منطقة غنية بالموارد والثروات الطبيعية من النفط والغاز والأرض السلسة السهلة ؛ إلا أنه بسبب سياسة "الإبقاء على الجهل" التي تتبعها سلطات الاحتلال تجاه الأويغور؛ فقد تحولت تركستان الشرقية إلى إحدى أفقر المناطق في العالم.. كما أنه على الرغم من أن سلطات الاحتلال رفعت خلال الخمسين سنة الماضية شعارات زائفة من أمثال "لنعمل على تطوير وازدهار سنجيانغ، ولنعمل على جلب السعادة إلى الشعب" إلا أنها كانت تهدف من وراء ذلك إلى تبسيط وتشديد قبضتها على تركستان الشرقية ، وجلب المزيد من الصينيين لتوطينهم فيها ، ونقل الموارد الطبيعية من النفط والمعادن وغيرها إلى الصين .
والمصانع التي أسست على أرض تركستان الشرقية همها الأول ، تشغيل المستوطنين الصينيين ، وتجهيز أرضية ملائمة لمعيشتهم ، ولا يقبل الأويغور للعمل بتلك المصانع .
فعلى سبيل المثال : وإذا أخذنا مدينة أورومجي - كمثال على ذلك ؛ نجد أن 95 % من العمال في المصانع الصينية فيها من المستوطنين ، كما يشكل الصينيون 87 % من عمال آبار النفط والغاز في مدينة قارماي النفطية .
ويكشف ذلك سبب تفشي البطالة بين الأويغور، وزيف ادعاءات وشعارات السلطات "لنعمل على تطوير وازدهار سنجيانغ"، وفي الواقع لا يمكن الحديث عن تطور وتقدم وازدهار أمة تعيش تحت الاستعمار، وليست لها صناعة مستقلة؛ ناهيك عن حصولها على السعادة المعيشية .
وقد ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة البطالة بين الأويغور بشكل خطير ، ويرجع سبب ذلك إلى عاملين اثنين :
1 ـ سياسة تصيبين الإدارات والمراكز الحكومية التي تطبقها السلطات في المدن التركستانية حيث يتم إبعاد الأويغور عن تلك المراكز وإحلال الصينيين محلهم .(1/31)
2 ـ سياسية الضرائب الثقيلة والإتاوات التي تفرضها السلطات على الفلاحين في القرى، والتي أدت إلى نزوحهم إلى المدن من أجل تأمين معيشتهم .. ويجدر بالملاحظة هنا أن الأرض الزراعية التي يملكها الفلاح الأويغوري لا تعادل مساحة فدان واحد .
3 ـ وكانت السلطات قد أطلقت مع بداية التسعينيات شعار "فتح المنطقة الغربية"، وهي الحملة التي تركز في الأساس على تركستان الشرقية؛ حيث بدأت في إنشاء مباني وطرق، وتجديد الهياكل الشكلية للمدن؛ إلا أن تلك المشروعات تم إسناد تنفيذها إلى الشركات الصينية بدلاً من الشركات المحلية الأويغورية..وقامت تلك الشركات باستقدام العمال الصينيين من الصين ولم تقبل الأويغور للعمل .. ونتيجة لذلك أصبح الأويغور لا يجدون ولو عملاً مؤقتًا في الظروف الراهنة .
4 ـ ومع تطبيق سياسة الإصلاحات الاقتصادية في الصين وتطور الاقتصاد الصيني؛ تقرر بيع القطاع العام إلى القطاع الخاص ، وبسبب أن المصانع المحلية في تركستان الشرقية هي مصانع قديمة تستعمل فيها وسائل وأدوات عفا عليها الزمن؛ فلم تستطع الصمود أمام المصانع الصينية الحديثة وأعلنت إفلاسها.. ومعظم تلك المصانع قامت بشرائها شركات قادمة من الصين؛ حيث كان أول عمل تقوم به الشركات هو تسريح العمال الأويغور تحت شعار "تطوير العمل" ، وعندما بدأت في عام 1998 سياسية تسريح العمالة الزائدة عن الحاجة ؛ كان أول الضحايا هم الأويغور، وذلك أن أصحاب المصانع هم صينيون، وهم لا ينظرون للقدرات العملية في اختيار العمال بقدر ما ينظرون إلى التمييز العنصري ضد المسلمين الأويغور .
ملحق:
يمكن المراجعة حول هذا الموضوع على الكتب التالية :
1- البلد الإسلامى المنسى، توختى آخون أركن ( دار الأندلس الخضراء- جدة)
2- تركستان المسلمة، د. عبدالقادر طاش، (دار الفتح العربى- القاهرة)
3- تركستان الشرقية فى عهد الملوك والطوائف، محمد قاسم أمين (دار تكلماكان استانبول)(1/32)
4- تركستان خلف الستار الحديدى، عيسى يوسف آلفتكن،( دار الكتب المصرية، رمز: ح/ 12652 )
5- التهجير الصينى للتركستان الشرقية، رحمة الله رحمتى، سلسلة دعوة الحق، رابطة العالم الإسلامى) مكة.
6- تركستان قلب آسيا، عبدالعزيز جنكزخان، جمعية الخيرية للجاليات التركستانية فى القاهرة، سنة 1945 م.
7- تركستان الشرقية والصين- صراع حضارتين، د.عز الدين الوردانى ( مركز الحضارة العربية- القاهرة.
مواقع:
www.uyghurweb.net
http://www.maarip.org/arabic
http://www.uyghurcongress.org/En/home.asp
http://www.uyghuramerican.org/
تركستان الشرقية فى نسيج الحضارة الإسلامية
بقلم: الدكتورة ماجدة مخلوف
تركستان الشرقية، جزء من تركستان الكبرى ، مفتاح آسيا وقلبها، أعز الله أهلها بالإسلام ، فكانوا له عونا وعضدا. أهلها مسلمون، أصحاب حضارة عريقة هى جزء من الحضارةالإسلامية، وتاريخهم أيضا جزء من تاريخ الإسلام. تعيش تركستان الشرقية مأساة الاحتلال الصينى الشيوعى منذ عام 1949 ، أى بعد عام واحد من مأساة الاحتلال الصهيونى لفلسطين. لم تنل قضيتها ما تستحقه من اهتمام ، رغم أن المسلمين مازالوا يفخرون وينعمون بما أضافته تركستان للحضارة الإسلامية.
وتركستان الكبرى منطقة واسعة من بلاد الإسلام ومعنى اسمها "موطن الأتراك". وبسبب التنافس الاستعمارى بين روسيا والصين، قسمت تركستان منذ القرن التاسع عشر إلى منطقتين هما؛ تركستان الغربية ، وتمثلها الأن خمس جمهوريات هى قازاقستان ، أوزبكستان، طاجيستان، تركمانستان ، قيرغيزستان ، والأخرى تركستان الشرقية وتقع الآن تحت السيطرة الصينية. وتوصف بأنها " منطقة ذات حكم ذاتى" حسبما يقول الصينيون.(1/33)
تقع تركستان الشرقية فى شمال غرب الصين وتحيط بها ثمان دول هى الصين ومنغوليا شرقا، والتبت وكشمير جنوبا وأفغانستان وباكستان وقازاقستان غربا، وسيبيرياشمالا . ولأهمية موقعها الاستراتيجى على مسالك طرق التجارة القديمة التى كانت تربط الصين بالعالم الخارجى والمعروفة بطريق الحرير، ووقوعها على مفترق الطرق بين أهم دول آسيا،أطلق الجغرافيون المسلمون عليها اسم " مفتاح آسيا"، ووصفها البلاذرى (ت 891م) فى كتابه فتوح البلدان بأنها " إحدى جنات الله على الأرض".
احتل الصينيون تركستان الشرقية فى سنة 1876م، وأطلقوا عليها إسما صينيا هو"سينكيانج: ويعنى المستعمرة الجديدة، بغية طمس هويتها الحضارية والثقافية ، وتغييب اسمها عن وجدان المسلمين. وبعد سيطرة الشيوعيين على الحكم فى الصين سنة 1949م، وسيطرتهم على تركستان الشرقية بصورة كاملة واعتبروها جزءا من الصين الشيوعي ، أطلقوا عليها اسم " مقاطعة سينكيانج الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتى".
المسلمون فى تركستان الشرقية:
دخل الإسلام تركستان الشرقية فى عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (86هـ=705م) إذ فتح قتيبة بن مسلم الباهلي كاشغر عاصمة تركستان الشرقية في عام 96هـ = 715م.ويصف ابن بطوطة مسلمو الصين فى مطلع القرن الرابع الهجرى بقوله انه يوجد في كل بلد من بلاد الصين مدينة للمسلمين، ينفردون بسكناهم، ولهم فيها المساجد لإقامة صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات. ويصفهم بأنهم " مُعظَّمون محترمون" ."ولابد في كل بلدة للمسلمين من بلاد الصين أن يكون لهم فيها المسجد الجامع والزاوية والسوق، و لابد أن يكون لهم شيخ للإسلام تكون أمور المسلمين كلها راجعة اليه , وقاض يقضي بينهم . ويصف ابن بطوطة احياء المسلمين بأنها حسنة ، وان اسواقها مرتبة كترتيبها في بلاد الاسلام , وبها المساجد والمؤذنون .(1/34)
ونتبين مما كتبه ابن بطوطة أن المناطق التى وصفها هى تركستان الشرقية، وأن المسلمين الذين ذكرهم فى وصف رحلته فى بلاد الصين، هم الأتراك، وهذا ما يدل عليه أسماء المدن والأنهار التى ذكرها، وما أورده من عبارات سمعها هى فى الحقيقة باللغة التركية.
ويمثل القرن الرابع الهجرى ( العاشر الميلادى) نقطة تحول فى تاريخ تركستان الشرقية . وفيه تحول التركستانيون إلى الإسلام بشكل جماعى وذلك فى عام 323 هـ. 943م على عهد" ساتوق بغراخان" خاقان الامبراطورية القراخانية الذى غير اسمه بعد الإسلام إلى "عبد الكريم بغرا خان" وهو أول حاكم تركى يعتنق الإسلام، وبالتالى أسلم معه أفراد عشيرته وكان عددهم يقارب نصف مليون نسمة. وفى عهده أخذت تركستان الشرقية تزدان بمعالم الحضارة الإسلامية، فأقيمت المساجد عوضا عن المعابد وكان نصيب مدينة كاشغر وحدها حوالى ثلاثمائة مسجد.
و ذكر ابن الأثير أن عام349 هـ = 960 م ، يعتبر فيصل فى تاريخ تركستان الشرقية، فى هذا العام تدافعت جموع الأتراك نحو الإسلام ، فاعتنقه فى سنة واحدة نحو مائتى الف خيمة من أهل تركستان ، أى حوالى مليون نسمة دخلوا الإسلام دفعة واحدة ، وهى صورة قل أن رأت حوليات الإسلام نظير لها.
ولعب التركستانيون الشرقيون بعد إسلامهم دورا هاما في نشر الاسلام بين القبائل التركية وغيرها ، فأرسلوا الدعاة إلى التبت، فأسلم كثير من أهلها، وذهبوا إلى المدن الصينية المجاورة لتركستان الشرقية ، فأسلم عن طريقهم عدد كبير من الصينيين. وفي سنة 435 هـ 1043م استطاعوا استمالة اكثر من عشرة الاف خيمة من خيام القرغيز الى الاسلام.(1/35)
شعر مسلمو تركستان بالانتماء على دولة الإسلام الكبرى، فأظهروا الولاء للخلافة العباسية فى بغداد، وضربوا العملة باسم الخليفة القادر وقرأوا الخطبة بإسمه ودعوا له على منابر بلادهم. كما اسلمت عن طريقهم قبائل الأوغوز ، ومن هؤلاء الأوغوز التركستانيون خرج السلاجقة، قاهروا الروم فى مرقعة ملاذكرد عام 463هـ = 1071م،كذلك العثمانيون الذين كانت لهم فتوحاتهم الواسعة في اراضي الدولة البيزنطية ، ووصلوا بالإسلام إلى أوروبا فى مناطق لم يفتحها المسلمون قبلهم مثل المجر وبلغاريا وإلبانيا والبوسنة والهرسك ، وأعادوا تشكيل اجزاء واسعة من خريطة الشرق الاوسط في التاريخ الوسيط، بعد قتح القسطنطينية سنة 857 هـ= 1453م، على يد السلطان محمد الفاتح . كما اقام التركستانيون الشرقيون دولة قوية في افغانستان والهند ، واستطاع ظهير الدين بابر شاه التيمورى، أن يثبت أقدام المسلمين هناك، وحافظ أبناؤه عليها حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
ويتشكل المسلمون فى تركستان الشرقية من عدة شعوب هى؛ الأويغور والقازاق والقيرغيز والأوزبك والقازاق وعددهم يزيد على 25 مليون نسمة. و هذه الشعوب كلها تنتمى إلى أصل واحد هو الأصل التركى، ويتكلمون لغة واحدة هى اللغة التركية لكن بلهجات متعددة، كما أن هذه الشعوب لها امتداد بشرى طبيعى فى منطقة آسيا الوسطى أى الجزء الغربى من تركستان الكبرى، وتربطهم بهم روابط جغرافية وعرقية ولغوية وثقافية وتراثية فضلا عن الروابط الدينية.
ويمثل الأويغور الغالبية العظمى من مسلمى تركستان الشرقية ، ويعتنقون مذهب أهل السنة والجماعة، ويتكلمون اللهجة الأويغورية إحدى اللهجات التركية .(1/36)
وأختار مسلمو تركستان بعد إسلامهم الحرف العربى لكتابة اللغة التركستانية بلهجاتها المختلفة، شأنهم فى ذلك شأن كل شعوب آسيا التى اعتنقت الإسلام من غير العرب، وهي الحروف ذاتها التي كانت تكتب بها اللغة التركية فى العهد العثمانى وأوائل عهد الجمهورية التركية حتى عام 1928م.
إسهام تركستان فى الحضارة الإسلامية
صارت تركستان الشرقية بعد إسلامها فى القرن الرابع الهجرى، أحد مراكز الحضارة والثقافة الإسلامية الهامة ، وذلك بمؤسساتها العلمية ومكتباتها الغنية، ودعم العلماء المتفرغين للدعوة ، فكان بحق عصر الذهبى للدعوة الاسلامية بين الاتراك الشرقيين.
وصار مسلمو تركستان يتصدرون مجالس الافتاء والدرس والقضاء فظهر منهم مشاهير العلم النبوي الشريف وعلوم الحضارة الاسلامية المختلفة وكان تيار العلم يجرى متدفقا من بلدانها ، حتى الفرى المجهولة فى تركستان ، نبهت أسماؤها حين نبغ علماؤها امثال البخاري والترمذي والبيهقي والفارابي والخوارزمي والبيروني والزمخشري و السمرقندي والماتريدي والكاشغرى والسكاكى، واخرين لاحصر لهم خدموا الحضارة الاسلامية واصبحوا من إعلامها الكبار.
وكما نشطت مدارس وجامعات بخارى وسمرقند وفرغانة فى خدمة الإسلام وعلومه، اشتهرت كاشغر باسم بخارى الثانية لكونها مركزا للعلوم الإسلامية ،و قبلة طلاب العلم.. فقد ضمت مدينة كاشغر وحدها سبعة عشر معهدا علميا لمختلف فروع العلوم الإسلامية، كذلك مكتبة المسعودى التى بنيت فى القرن الخامس عشر، والتى تحتوى على قرابة 200 ألف كتاب، وتبوأت كاشغر مكانة علمية لا تقل عن غيرها من الحواضر الإسلامية فى القاهرة والقيروان وبغداد وبخارى وسمرقند.(1/37)
و اتجة المسلمون فى تركستان الشرقية لدراسة علوم الإسلام وخدمتها، واحتذوا بنظام المدرسة والمؤسسات التعليمية الإسلامية، وعادة ما تكون هذه المدارس ملحقة بالمساجد الكبرى ، و أوقفوا لهذه المدارس الأوقاف الكثيرة بما تفى باحتياجات طلبة العلم فيها والإنفاق عليها. فكانت تدفع مرتبات شهرية منتظمة للمدرسين والطلاب فى هذه المدارس ، وتتكفل بإقامتهم وإعاشتهم داخل المدرسة، وشاركت النساء فى مثل هذه الأعمال الخيرية وأوقفن الأموال على المساجد والمدارس قربة إلى الله، فقد أوقفت إحداهن وتدعى السيدة " زلفيار" ستمائة فدان من أخصب الأراضى الزراعي على جامع "عيدكاه" وجامعته. وهذا الجامع الجامعة هو أكبر مساجد الشرق وتبلغ مساحة الجامع والجامعة حوالى ثمانية عشر الف متر مربع. ومعنى اسمه " ساحة العيد" ويعتبر أحد أبرز معالم الحضارة الإسلامية فى مدينة كاشغر من تركستان الشرقية . ويرجع تاريخ بناء جامع "عيد كاه" إلى القرن التاسع الهجرى ( الخامس عشر الميلادى). وسمى بهذا الاسم لأن أهل كاشغر كانوا يمضون أيام وليالى عيد الفطر وعيد الأضحى بجواره. وقد تحول هذا المسجد الجامع إلى جامعة فى القرن التاسع عشر . فأضيف إلى بنائه مدرسة تحتوى على قاعات للدرس ومساكن للطلبة. وبنى عليه بوابة ضخمة على جانبيها منارتان كبيرتان.(1/38)
وقد شاع فى تركستان حب اللغة العربية بوصفها لغة القرآن ولسان أهل الجنة وأصبحت بمثابة الإطار الثقافى للتركستانيين، كما صارت اللغة العربية هى اللغة الرسمية الوحيدة فى تركستان فى زمن قوة الخلافة العباسية، وكانت العرائض وحجج الأملاك تكتب بها، والنقود أيضا كتب عليها باللغة العربية " ضرب فى سمرقند أو بخارى أو كاشغر". كما كانت اللغة العربية هى لغة العلماء والفقها وبها يدونون تراثهم الفقهى والدينى. و أصبحت اللغة التركستانية عامرة بالألفاظ العربية ذات المدلول الحضارى مثل؛ كلمة مدرس، ومؤذن، وقاضى، ومفتى، وخطيب، وإمام ، وحافظ وغيرها من الكلمات التى دخلت فى النسيج اللغوى لتركستان الشرقية وبنفس معانيها العربية. كما أصبحت الأسماء العربية هى المفضلة لديهم شأنهم شأن مسلمو تركستان كلهم، فنجد من أسماء النساء فاطمة وعائشة ، ومن أسماء الرجال عبد الله وعبد الرحمن وعبد القيوم، وبرهان الدين وحسام الدين ونور الدين.
والإسلام فى تركستان الشرقية هوية تمتزج بتكوين وثقافة وسلوك التركستانيين. فيحرص المسلمون فى تركستان الشرقية على صلواتهم ، وتلاوة قدر ما يستطيعون من القرآن ، ومن عاداتهم ملازمة الدعاء أعقاب الصلوات؛ حيث يدعو الإمام أو أحد تلاميذه ويؤمن على دعائه بقية المصلين. ويحرص المصلون على لبس العمامة المسنونة أثناء الصلاة وأوقات الدراسة. ويعتبرون عدم تغطية الرأس أثناء الصلاة ، أمر مغاير لما ينبغى أن يكون عليه المسلمون بل ويصل إلى درجة الاستنكار.(1/39)
كان لتركستان الشرقية إسهاماتها فى الحضارة الإسلامية ، فقد كتب محمود الكاشغرى كتابه المشهور " ديوان لغات الترك" الذى ألفه فى كاشغر باللغة العربية بهدف تقديم كتاب يساعد العرب على تعلم لغة الترك ،ونسخه فى بغداد فى القرن الخامس الهجرى وقدمه هدية إلى الخليفة المقتدر بالله العباسى. ويضم هذا الكتاب أكثر من سبعة آلآف وخمسمائة كلمة.ويوضح فيه اللهجات المختلفة للشعوب التركية التى استوطنت تركستان الشرقية آنذاك، و الفروق اللغوية والاجتماعية ، وهو أقرب إلى وصف الموسوعة لأحوال الشعوب المسلمة فى تركستان.
كذلك كتب الشيخ الفيلسوف يوسف خاص صاحب (ت فى القرن السادس الهجرى ، الحادى عشر الميلادى) كتابه المشهور " قوتادغو بيليك" ومعناه " علم السعادة" وهو مصنف فلسفى اجتماعى يتناول أفكار حول الإدارة والسياسة والقضاء والأدب والعلوم وعلاقة الراعى بالرعية ، وبهذا يكون قد سبق بكتابه هذا ابن خلدون (ت 1406م) بثلاثة قرون ، واستحق أن يطلق عليه لقب " ابن خلدون الترك".
ومنهم أيضا المحدث الأديب أبو المعالى طغرل شاه بن محمد بن الحسن الكاشغرى، (ت 550هـ = م)، وقد فسر القرآن الكريم لأول مرة بلغة قومه الأويغورية. ومنهم أبو عبد الله حسين بن على الألمعى، وله تصانيف فى الحديث بلغت مائة وعشرين مصنفا.(1/40)
كما برع التركستانيون الشرقيون فى الطب وصناعة الدواء، وصناعة الورق، والعمارة ، والموسيقى، ولهم آدابهم الإنسانية ، ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن تركستان فى القرن الخامس عشر والسادس عشر شهدت نهضة أدبية وحضارية حمل لواءها الأتراك التركستانيون. وكان غالبية سلاطينهم وخاقاناتهم بصفة عامة يتميزون برعاية العلماء وحب العلم ويتذوقون الأدب والشعر والموسيقى، ومنهم الشعراء أصحاب الدواوين ، ونذكر من أعلامهم السلطان حسين بايقرا(ت 911هـ= 1506 م ) سلطان هراة وكان سلطانا قديرا وعالما وأديبا، بل إنه يعتبر من أقدر شعراء الأتراك الشرقيين فى النصف الثانى من القرن الخامس عشر وجعل من مقر سلطنته فى هراة مركزا ثقافيا كبيرا على مستوى العالم الإسلامى كله. وظهير الدين بابر شاه (1482-1539م) سلطان فرغانة والهند، وكان شاعرا مجيدا، وصاحب أرفع نموذج فى النثر الأدبى فى اللهجة التركية الشرقية فى القرن السادس عشر. وبه استقر الإسلام فى الهند .
هذه بعض الملامح الحضارية لتركستان الشرقية ، وهى حضارة نشأت بالإسلام ، فكانت فى خدمته.
والتساؤل الآن، لماذا تتمسك الصين بتركستان الشرقية رغم الاختلاف الحضارى والعرقى واللغوى بينهما؟ ولماذا تحرص على دمجها بالقوة فى دولة الصين؟ ولماذا يعيش المسلمون فى تركستان الشرقية فى أوضاع اجتماعية واقتصادية وثقافية صعبة ؟
والإجابة تكون أسهل بعد التعرف على الأهمية الاقتصادية لتركستان الشرقية.
تبلغ مساحة تركستان الشرقية حوالى 2 مليون كيلو متر مربع ، وبذلك تكون مساحتها ضعف مساحة مصر تقريبا ،وأكبر من مساحة ألمانيا بأربع مرات ، ومن باكستان بثلاث مرات ، ومن تركيا مرتين ونصف ، ومن الكونغو بخمس مرات ، ومن الأردن بخمس وعشرين مرة ، وهى تشكل خمس مساحة الصين كلها بما فيها من مستعمرات مثل التبت ومنغوليا ومنشوريا.(1/41)
وتتمتع تركستان الشرقية بخصوبة أراضيها وبثرواتها المعدنية التى لا حد لها، والتى لم يستغل منها إلا النذر اليسير.وتتوفر فيها مصادر المياه التى تكفل لها حوالى خمسين و سبعة أعشار مليون هكتار من الأراضى العشبية تكفى لرعى 60 مليون رأس من الماشية، وزراعة محاصيل هامة مثل الأرز والذرة والقمح والقطن والنخيل والتفاح والموز وجميع أنواع الخضر.
كما أن تركستان الشرقية غنية بمعادن الرصاص والفحم والحديد والنحاس وغيرها من الخامات الاستراتيجية ، حيث تؤكد الأبحاث الصينية أن سهول جونغار وتاريم وتورفان، فى تركستان الشرقية تختزن ما يوازى ثلث إجمالى احتياطى الصين من البترول، وفى عام 1988 تم اكتشاف 11 حقلا للبترول وأكثر من 700 كيلو متر مربعا من المناطق التى تحتمل وجود البترول فيها، حيث تحتوى على ما يقارب 800 مليون طن من الزيت الخفيف والثقيل ، و30 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعى . ويبلغ احتياطى البترول فى تركستان الشرقية حوالى ستة ونصف بليون طن. أى أضعاف احتياطى البترول فى إيران والعراق.
كما أنها غنية بمعدن اليورانيوم ، وقد أوضح الفرنسيون أنه يزيد على 12 تريليون. كذلك يبلغ احتياطى الذهب حوالى تسعة عشر مليون طن. وتمتلك مخزونا من الفحم يقدر ب 1600 بليون طن. لهذا فإن الخبراء الدوليون يعتبرون تركستان الشرقية هى عصب اقتصاد الصين ، وعصب صناعتها الثقيلة، وقبل هذا عصب الإنتاج الذرى الصينى الذى يعتمد بصفة أساس على ما تنتجه تركستان الشرقية من اليورانيوم.
حال مسلمى تركستان اليوم:(1/42)
و حال مسلمى تركستان اليوم يشبه حال إخوانهم الفلسطينيين. وتتهم الصين المسلمين هناك بتهمة محددة هى إنهم يسعون إلى وطن قومي يطلقون عليه تركستان الشرقية، كما استغلت حكومة الصين أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، لتتهم التركستانيين بالإرهاب، والوقوف وراء سلسلة من أعمال العنف، مستغلة الاتجاه السائد دوليا ضد المسلمين، لإعدام التركستانيين الذين يتوقون ويعملون من إجل الحفاظ على هويتهم الثقافية والحضارية ، واستقلال تركستان الشرقية عن الصين .
ويلخص تقرير منظمة العفو الدولية حال مسلمى تركستان الشرقية فى هذه السطور:"يوثق هذا التقرير نمطاً من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان جرت في إقليم سينك يانج الأويغورى المتمتع بالحكم الذاتي (يقصد تركستان الشرقية)، ومن ضمنها الاحتجاز والسجن التعسفي، والتعذيب، والإعدام التعسفي والإعدام بدون محاكمة. وتحدث كل تلك الانتهاكات في إطار تزايد حوادث العنف مع تصاعد إجراءات القمع والقيود المفروضة على الحريات وإنكار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بسكان الإقليم الأصليين. وتعتقد منظمة العفو الدولية، أن على الحكومة تشكيل لجنة محايدة للتحقيق فيما ورد بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الإقليم، واقتراح التدابير التصحيحية، وتوفير منبر يتيح للأفراد والجماعات فرصة التعبير عن مظالمهم. وينبغي أن يصحب ذلك كله تقييم شامل للاحتياجات الثقافية والصحية ولعدم التكافؤ الاقتصادي الموجود في الإقليم، ولا سيما بالنظر إلى توقيع الصين على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
مجلة المنار الجديد (العدد 23) يوليو 2003 م
تركستان الشرقية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001
بقلم: توختي آخون أركين (باحث تركستانى مقيم فى السعودية)(1/43)
إن تدهور الأوضاع الإسلامية في تركستان الشرقية وتمادي السلطات الصينية الشيوعية في إجراءاتها الاستبدادية بدأت عقب انهيار الاتحاد السوفياتي الذي أدى إلى استقلال جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية في عام 1991، وذلك خوفا من أن تهب عليها رياح الخلاص، وتحررها عن نير الاحتلال الصيني، كما تحرر جزءها الغربي تركستان الغربية من الحكم الروسي الشيوعي .
سياسة اضرب بقوة:
واتخذت حكومة الصين الشيوعية تدابير صارمة في تشديد قبضتها الحديدية على هذا الجزء الإسلامي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقد عملت على منع الدعم السياسي الذي كان يحظى بها اللاجئون التركستانيون في الاتحاد السوفياتي إبان الحكم الشيوعي، حيث وقعت اتفاقية إقليمية عرفت باسم اجتماع شنغهاي الخماسي The Shanghai Five مع دول الجوار وهي قازاقستان وقيرغيزستان وتاجيكستان وروسيا الاتحادية في 26 ابريل 1996 ، ثم بعد أن وقعتها اوزبكستان في 15 يونية 2001 سميت بمنظمة تعاون شنغهاي Organization Shanghai Cooperation ، وأعلنت عن تأسيس مركز لمقاومة الإرهاب في بشكك عاصمة قيرغيزستان ، وهكذا نجحت الصين التي استفادت من الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية في هذه الدول حديثة الاستقلال والتكوين على فرض املاءاتها السياسية الخاصة بتركستان الشرقية لتمارس بحرية إجراءات القمع والتنكيل ضد المسلمين التركستانيين .(1/44)
وأما على الصعيد الداخلي في ذات الوقت اتخذ المكتب السياسي للجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني في اجتماعه الطارئ في 28 مارس 1996 قرارا سريا للغاية في معالجة قضية تركستان الشرقية ( شنجانغ) عرفت بالوثيقة رقم 7 ، وقد تضمنت تطبيق عشرة إجراءات صارمة تبدأ بحظر التعليم الإسلامي ومنع النشاط الديني واستعمال القمع والاغتيال والإعدام لمن يعارض الحكم الشيوعي أو يدعو إلى استقلال وانفصال تركستان الشرقية عن الصين . وبدأت السلطات الصينية في تنفيذ هذه السياسة بحملة (اضرب بقوة) Yan Da في 12 ابريل 1996، وأدت هذه الحملة الجائرة إلى منع المسلمين من منسوبي وموظفي أجهزة الحكم الصيني والنساء والشباب من ارتياد المساجد وحظر التعليم الإسلامي وكان من ذلك ما حدث في مدينة غولجة في ليلة القدر السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1417 عندما وقف رجال المباحث والاستخبارات والشرطة أمام أبواب المساجد يمنعون الشباب والنساء من دخول المساجد لأداء صلاة التراويح والتهجد، فاشتبك المسلمون معهم، واندلعت ثورة عارمة في غولجة التي تقع في شمال البلاد، وتدخل الجيش الصيني لضرب هؤلاء المسلمين العزل، فقتل منهم أكثر من ثلاثمائة واعتقل نحو عشرة ألاف مسلم. وقد ذكر وانغ لي جوانWang Lequan سكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة شنجانغ ( تركستان الشرقية) في جريدة شنجانغ الرسمية اليومية بتاريخ 11/7/1997 ان السلطات الشيوعية اعتقلت 17000 شخصا في معسكرات السخرة لجيش التحرير والبناء، كما ذكرت جريدة شنجانغ ذاتها بتاريخ 21/6/1997 أن الأجهزة الصينية هدمت 133 مسجدا وأغلقت 105 مدرسة إسلامية ، وفي بلدة واحدة هي قراقاش في محافظة خوتن هدمت المساجد التالية :
1- مسجد اوستانغ بويي
2- مسجد اوي واغ
3- مسجد فانغيزن يولي
4- مسجد 17 دادوي
5- مسجد 18 دادوي
6- مسجد مزار باشي
7- مسجد كونغشي يولي
8- مسجد بوجاقجي يول
9- مسجد شهرليك ياغ زاوودي
10- مسجد كويا كوركي(1/45)
وفي الوقت الذي انهار النظام الشيوعي وتخلصت الشعوب التي منيت به في الاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية، وحرر الحكم الصيني نفسه نظامه الاقتصادي منه ، إلا أنه شدد في تطبيقه على المسلمين وبخاصة على التركستانيين بهدف تذويبهم ثقافيا واجتماعيا في البوتقة الصينية. وقد لاحظت ذلك الهيئات الدولية، ونشر مكتب مباحث الأمن الكندي مقالا بعنوان (اضطراب الإسلام في مقاطعة شنجانغ ذات الحكم الذاتي )كتبه الدكتور باول جورج Dr Paul George باحث مستقل في قضايا التنمية السياسية والأمن العالمي، برقم 73 في ربيع عام 1998، أشار إلى أن بكين تعمل بشكل منظم في التحكم والسيطرة على النشاطات الدينية في كافة أنحاء الصين، بدعوى حماية الوحدة الوطنية والاستقرار ، ولكن في شنجانغ (تركستان الشرقية ) حيث الإسلام يبدو بشكل ملحوظ في الهوية الوطنية والثقافية المحلية ، فتعده بكين تهديدا مباشرا لسلطانه، وتعتبر المساجد والمدارس الإسلامية مراكز استياء لحكمها، وتقوم من وقت لآخر بالإغلاق واعتقال رجال الدين ومعاقبتهم بعنف.
و لا يقتصر الأمر على الاضطهاد الديني فقط، بل إن الصينيين المهجرين إليها هم الذين يسيطرون ويتصرفون في هذا البلد المسلم التركستاني، إذ يقول الباحث المذكور: معظم كبار الموظفين وكل قواد الجيش هم من الصينيين الذين عينتهم بكين، فالصينيون يسيطرون على كل الصناعات الرئيسة ومراكز الاستثمار الاقتصادي لتحقيق متطلبات السلطة المركزية ، وأما اغلب المسلمين المحليين فهم في مهنهم التقليدية في الزراعة والرعي ، وفرص العمل لهم في المجالات الأخرى محدودة جدا علاوة أن الثروات تصدر إلى داخل الصين ثم تستورد منها مصنوعات غالية الثمن .
معسكرات السخرة:(1/46)
وقد عرفت شنجانغ ( تركستان الشرقية ) بسيبريا الصين لأنها أصبحت معسكرات سخرة لالآف السجناء السياسيين والمجرمين، وتدير هذه المعسكرات منظمة بين توان Bin Tuan وتعرف باسم جيش شنجانغ للإنتاج والبناء Xinjiang Production and Construction Corps (XPCC) ويبلغ عدد أفراده 2،28 مليون جندي ، وفي عام 1996 سحبت خزينة الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لمشروعات البنك الدولي مع منظمة بين توان ، لأن المساعدات التي رصدها البنك الدولي لتنمية مجتمعات الأويغور المتخلفة كانت تستخدمها بين توان في معسكرات السخرة التي تعرف باسم لاوغاي Laogai وعددها 14 معسكرا لتشغيل السجناء .
الاستيطان الصيني .. التذويب العرقي :(1/47)
وفي الوقت الذي يعيش المسلمون في معسكرات السخرة أو على هامش الحياة في مراعيهم ومزارعهم البدائية ، فإن السلطات الصينية قد أغرقت مقاطعة شنجانغ ( تركستان الشرقية) بملايين الصينيين البوذيين المهجرين من أنحاء الصين تحت شعار : اذهب إلى الغرب أيها الشاب Xibu da kaifa بلغ عدد الصينيين المهجرين 992، 421 ، 7 نسمة، بنسبة 40% والمسلمون الأويغور 575، 506 ، 8 نسمة أي بنسبة 45 % من جملة عدد سكانها البالغ 900، 761 ، 18 نسمة في عام 2001 حسب التقديرات الرسمية كما جاء في كتاب شنجانغ السنوي الرسمي المطبوع عام 2002 ؛ وبينما كان عدد الأويغور 100، 291، 3 نسمة يمثلون نسبة 95، 75 % ، و الصينيون 249،202 نسمة أي بنسبة 71، 6 % من جملة سكانها البالغ عددهم 400، 333، 4 نسمة عند احتلال الصين الشيوعية لها في عام 1949 ، ولكن خلال نصف قرن من الحكم الشيوعي تضاعف عدد الأويغور 58، 2 مرة فقط ، بينما تضاعف عدد الصينيين 78، 29 مرة ، علاوة أن الرقم الرسمي لعدد الصينيين المهجرين لا يشمل إلا المسجلين في مكتب الإحصاء لمقاطعة شنجانغ (تركستان الشرقية ) لأن جيش شنجانغ للإنتاج والبناء الذي يتولى مهمة توطين المهجرين الصينيين لايعلن إلا عن الأرقام التي يتم توظيفها وتوطينها في الأجهزة والشركات الرسمية، بينما لا يتم الإعلان عن عدد الذين يعملون في مزارعها ومؤسساتها، مما أدى الى أن الباحثين يؤكدون أن عدد المهجرين الصينيين يزيد عن عشرة ملايين وان كثافتهم حاليا يفوق نسبة المسلمين الأويغور وغيرهم في تركستان الشرقية، وبخاصة أن جريدة بكين جي فانغ جونJeifangjun Bao ذكرت في عددها الصادر بتاريخ 10/3/ 1989 أن جيش شنجانغ للإنتاج والبناء يشرف على 170 بلدة و2000 قرية وأن المستوطنين ينتجون 20 % من الإنتاج السنوي؛ ومدينة شيخنزة التي تديرها، ويعتبرها الصينيون شنغهاي الصغرى، قد بلغ عدد سكانها 051،600 نسمة، بينما عدد الأويغور فيها 7611 نسمة(1/48)
فقط، وذلك حسب الإحصاء الرسمي لعام 2001 المنشور في الكتاب السنوي لمقاطعة شنجانغ ( تركستان الشرقية)لعام 2002، وعلى ضوء ذلك يؤكد الباحثون أن في كثير من مدن تركستان الشرقية تبدلت النسبة من 9 أويغور وصيني واحد إلى نسبة 9 صينيين وواحد أويغور، وفي اورومجي عاصمة مقاطعة شنجانغ (تركستان الشرقية ) تحولت النسبة من 80% أويغور و20% صينيين إلى 80% صينيين و20% أويغور، بل بدأ التذويب السكاني الصيني يهدد مدينة كاشغر التي كانت تعرف بمكانتها العلمية الإسلامية ببخارى الصغرى.
فالنظام الشيوعي الصيني، كما جاء في جريدة الشعب اليومية الصادرة في بكين بتاريخ 2/12/1992 أشار إلى نقل مائة ألف صيني إليها من منطقة سد الممرات الثلاثة ، مع تنفيذ لنقل 000، 470 صيني إليها بالتدريج ، ويبلغ عدد المهجرين الصينيين إلى تركستان الشرقية ما بين 52 ألف -55 ألف في السنة حاليا ، بعد أن كان عدد المهجرين سنويا 250 ألف في عام 1950 ثم بلغ ذروته 350 ألف صيني مهجر في عام 1965 كما جاء في الجزء الخاص بمقاطعة شنجانغ ( تركستان الشرقية) من كتاب سكان الصين في القرن الحادي والعشرين الذي نشره دار نشر إحصائيات الصين في بكين عام 1994.
التهديد الاقتصادي:(1/49)
لم يراع النظام الصيني الظروف الجغرافية لتركستان الشرقية التي تغطيها صحراء تكلامكان الشاسعة وسلاسل الجبال ويعيش السكان في الواحات حول مجاري المياه عند حافات المنحدرات الجبلية التي تمثل فقط 4،5% من مساحة البلاد وارتفعت كثافة السكان بسبب التهجير من 2،7 نسمة في كيلومتر المربع في عام 1949 إلى 258 نسمة في كيلو متر المربع في عام 2001 ، وقد حذر لي شانتونغ Li Shantong مدير قسم التطوير الإقليمي في مركز أبحاث مجلس الدولة الصينية عن العواقب الوخيمة من هذا التهجير والتوطين الكثيف على الأوضاع البيئية، كما جاء في جريدة الصين اليومية الصادرة في بكين بتاريخ 11/6/2000، وهذا التوطين الصيني يجري تنفيذه بمنح المهجرين إعفاءات ضريبية شاملة مع توفير المساكن والأراضي لهم مما يتم مصادرتها من الأويغور المسلمين الذين تم طردهم إلى أطراف القرى والأراضي القاحلة، وغدا مثلا ثلاثة أرباع سكان كاشغر لا يجدون الماء الكافي، وفي اورومجي لم يعد الأويغور يوجدون في مراكزها التجارية إلا متسولين أو باعة متجولين أو طباخين يبيعون الأطعمة في أزقتها، و يقول فانغ غوي ليانغ Fang Guiliang مهندس مؤسسة البترول الوطنية الصينيةCNPC : أن 80% من العمال في حقل النفط تاريم في منطقة كورلا هم من الصينيين، والمحليون يعملون فقط في الأعمال الثانوية التي تعطى لهم عبر الوسطاء. ومنظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في ابريل عام 1999 أكدت أن الحكم الصيني يمارس سياسة التمييز العنصري في التوظيف لأن العدد الساحق من العمال في حقول النفط والمشروعات هم من الصينيين، والأويغور أو المسلمون عموما هم من الفلاحين و 80% منهم يعيشون تحت خط الفقر إذ لا يزيد متوسط دخلهم السنوي عن 50 دولارا ، علاوة أن الحزب الشيوعي الصيني يجبر كل واحد منهم أن يعمل لصالح حكومة مقاطعة شنجانغ ( تركستان الشرقية ) بدون اجر لمدة تتراوح من 45 إلى 180 يوما في السنة الواحدة.(1/50)
وتقول لويسا ليمLouisa Lim مراسلة إذاعة راديو بي بي سي البريطانية في بكين فيما نشر بتاريخ 19/12/2003 : إن ادعاءات التطوير الاقتصادي بالتهجير إلى مقاطعة شنجانغ ( تركستان الشرقية) لم تعد فائدتها إلا إلى المهجرين الصينيين ، فالعاملون مثلا في مصفاة تازونغ Tazhong في وسط صحراء تكلامكان هم من الصينيين ، ويبرر ذلك سكرتير الحزب الشيوعي الصيني وانغ لي جوان Wang Li Guan ببساطة أن الأويغور لا يملكون المهارات. ويقول المسن الأويغوري أيتام يوسف : انه باع عربته التي يجرها الحمار ويستخدمها لنقل الأعراض ، لأنه لم يتمكن من إعاشة وتعليم أبنائه الأربعة في المدارس ، ومع ذلك يعتبر هذا الرجل الذي يسكن بيت من الطين نفسه أنه أفضل من غيره ، إذ يقول: هناك الكثيرون الذين لا يجدون عملا، حتى أن خريجي الجامعات لا يجدون عملا؛ ومناظر المتسولين مألوفة، ومعظمهم من الأويغور الذين هم مواطنون أصلاء ولكن من الدرجة الثانية.
التهديد الاجتماعي و الثقافي :
إن تدفق هؤلاء المهجرين الصينيين وكثافة توطينهم لم يؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي لمسلمي تركستان الشرقية فحسب، بل إلى ممارسات جائرة ضد المسلمين حيث منع رفع الآذان من مكبرات الصوت بدعوى أنها تزعج هؤلاء الصينيين (الدخلاء) ، ويتم ترويج الزواج المختلط لزواج الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين بضغوط اقتصادية وإغراءات مادية .(1/51)
ونظرا لما يشكله هذا الاستيطان الصيني المكثف من ضغط على المدارس المحلية ، فمثلا في المدرسة المتوسطة الأولى في كورلا وهي مدينة تركستانية حيث يختلط 750 طالبا أويغوريا مع 1800 طالبا صينيين أمرت الإدارة المدرسية أن يدرس الطلاب الأويغور باللغة الصينية ، ولم يتمكن من ذلك إلا 75 طالبا فقط ، وبدلا أن يطلب من المهجرين الصينيين تعلم اللغة الأويغورية وهي لغة البلاد الأصلية ، أصدر وانغ لي جوانWang Li guan سكرتير الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة شنجانغ (تركستان الشرقية) قرارا بتاريخ 9 مارس 2002 يتضمن فرض التدريس باللغة الصينية لكافة المواد المدرسية من الصف الثالث ومافوق، مهددا لغة شعب تركستان المسلم وثقافته العريقة إلى الزوال، وكان قد أعاد صياغة تاريخه بصناعة تاريخ صيني ، وزور حضارته الإسلامية التركية بحضارة مزيفة لاتمت إليه بصلة ، وذلك بعد أن اضطهد وأعتقل المؤرخين والمؤلفين المسلمين ، أمثال تورغون ألماس وتوختي تونياز بسبب كتاباتهم التي تعكس تاريخ الأويغور الحق قبل الاحتلال الصيني وبعده ، وغدا الصينيون هم الذين يكتبون تاريخ وحضارة هذا الشعب المسلم وتفرض كتبهم على الأويغور الذين ينحصر دورهم على دراستها و القراءة أو الترجمة فقط ، و لا يحق لهم النقد والإيضاح وكشف الحقائق. فمثلا محمود الكاشغري الذي قدم كتابه ديوان لغة الترك إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله في عام 467 هـ/1075 م تعتبره الصين مفكرا صينيا، وهكذا مثله يوسف خاص حاجب وغيرهما. والهدف هو مسخ هوية هذا الشعب التركستاني المسلم تماما.
التهديد الصحي :(1/52)
لم تكتف حكومة الصين بالآثار المدمرة التي تركتها التفجيرات النووية على البيئة والإنسان في منطقة لوب نور بتركستان الشرقية التي جعلتها حقلا لتجاربها النووية منذ عام 1964، واستمرت تلك التجارب تمارس مكشوفا في الفضاء حتى عام 1980، ثم توقفت كما تزعم في عام 1996 ، وبلغت 42 تجربة نووية وهيدروجينية، وقد أدت إلى تزايد انتشار السرطان والإجهاض وتشوه المواليد، ومع أنها حاولت إخفاء ذلك وتبرير ما نتج عنها، إلا أن المنظمات الدولية مثل السلام الأخضر والأطباء العالميون لمنع الحرب النووية IPPNW أكدت على نتائجها المدمرة على السكان والبيئة وخاصة أن مستوى الإشعاع الذري في لوب نور وصل إلى 239 بلوتونيوم، و90 سترنتيوم ، 187 سيسيوم. وفي مؤتمر المرأة العالمي في بكين عام 1995 أثارت الدكتورة قالية كولدوغازيفKalia Moldogaziava باحثة من جامعة بشكك بجمهورية قيرغيزستان قضية ارتفاع نسبة الوفيات إلى 40 % في مناطق قيرغيزستان الشرقية على حدودها المتاخمة مع مقاطعة شنجانغ (تركستان الشرقية) بالصين، وذلك في أواخر شهر مايو 1994 على اثر تجربة نووية في تركستان الشرقية ، وذكرت هذه الباحثة إن نسبة ارتفاع الأمراض في تلك النواحي من قيرغيزستان تصل إلى 5،8 في الألف، وأن الأطفال يعانون من اضطراب النظام العصبي وقصور في القلب ... هذا كله بسبب ارتفاع مستوى الإشعاع الذري في قيرغيزستان المجاورة... كم هي أثارها القاتلة في تركستان المسلمة نفسها ؟؟ وما تحدثت عنها هذه الباحثة هي عن تجربة نووية تحت الأرض، ولكن هذه البلاد وشعبها المسلم لا يزال يعاني من نتائج التفجيرات النووية التي كانت تتم مكشوفة في الفضاء .(1/53)
وكأن هذه الوسيلة لم تكفي في نشر الموت لأبادة المسلمين ، فاستغلت السلطات الصينية فقدان الوعي الصحي والاجتماعي الذي فرضتها على الشعب التركستاني المسلم على ترويج المخدرات والكحول ، فمثلا في مدينة قراماي يوزع الخمر مجانا على الأويغور المسلمين ، كما جاء في نشرة البيانات الحرةFree Lists التي توزعها كيستون نيوز سرفرس Keston News Service بتاريخ 10/3/ 2002 ، وقد ذكر الباحث جوستين رودلسون Justin Rudelson في مقالا له بتاريخ 11/6/2002: أنه في مدينة إيلي عندما حاول الطلاب المسلمون توعية الشباب بمخاطر الكحول وضرره على الإنسان ، مطالبين محلات الخمور بالتوقف عن البيع ، قامت السلطات الصينية بقمع حملتهم بالقوة ، ونتج عنها مقتل 200 طالبا مسلما في عام 1997؛ وكانت قد روجت تجارة المخدرات الآتية سرا من ماينمار (بورما) وتايلاند وما يعرف بالمثلث الذهبي عبر مقاطعات يوننان وجنغهاي وكانسو ومنها إلى شنجانغ (تركستان الشرقية)، ثم تتصل بالمافية الدولية لتجارة المخدرات في باكستان وأفغانستان وقازاقستان ومنها إلى أسواق العالم في أوروبا وأمريكا. والمناطق الصينية التي يمر منها طريق المخدرات الذي عرف بالطريق الأسود هي بلاد يسكنها أكثرية اسلامية ،حيث يصدر منه مثلا ما بين 80 - 100 طن من هروين رقم 4Heroin No.(1/54)
4 الذي تنتج ماينمار (بورما) منه 200 طنا، وفي الوقت الذي يعاقب مروجو المخدرات بالسجن والإعدام في مناطق الصين الأخرى، فالمرجون لها في مناطق المسلمين يتمتعون بحماية السلطات السرية لمناشطهم، وقد أثبتت التحريات التي أجريت في مقاطعة يوننان وفي معسكر جانغجي Changji أن قادة جيش التحرير الشعبي وهو جيش الإنتاج والبناء في تركستان الشرقية يتاجرون بهذه السموم القاتلة؛ لأن الهدف هو المسلمون، فمثلا في مدينة لينشا Linxia في مقاطعة كانسو التي يسميها المسلمون الصينيون Hui مكة الصغرى ، لكثرة مساجدها ومدارسها الإسلامية، تعتبر احد المراكز الناشطة لتجارة الهيروين في الصين، وهو متوفر في كل مكان، ورخيص جدا. وينتهي هذا الطريق الصيني للمخدرات في تركستان الشرقية حيث تم ترويجها بين الأهالي بدسها في الأطعمة والمشروبات التي تقدم في المطاعم وقد بلغ نسبة من ابتلي بها 20% من جملة السكان ، كما أن المبتلين بها من فئة الشباب التي تقل أعمارهم عن 35 سنة تبلغ نسبتهم 80%، والهروين الذي يباع باسم بايميانBaimian لا تصل نقاوته حتى 30%، ولم يقتصر الترويج لهذا النوع فقط، بل هناك الكوكايين والأفيون والحشيش ، والماريجوانا والافدرين Ephedrine وغيرها.(1/55)
وهذه المخدرات التي أخذت تتدفق إلى تركستان الشرقية بتشجيع السلطات الصينية منذ عام 1994 ، جلبت معها مرض الإيدز إلى مناطق المسلمين، حيث تفيد التقارير أن التحاليل الطبية التي أجريت على مسلمي تركستان الشرقية في عام 1995 م لم تسجل إصابة واحدة بالأعراض الخاصة بفيروس مرض نقص المناعة HIV ، ولكن في نهاية عام 1996 يقول الباحث الصيني زنغ شي وين Zheng Xiwen من الأكاديمية الصينية لدواء المقاومة Chinese Academy of Preventive Medicine : أن واحدا من كل أربعة يتعاطون المخدرات كان ايجابيا بفيروسHIV . وفي السنوات الأخيرة أصبحت شنجانغ (تركستان الشرقية) من أكثر المقاطعات الصينية انتشارا بمرض وباء الإيدز ، وأن المسلمين الأويغور هم أكثر القوميات التي منيت بهذا الوباء . ومثلا في الأول من شهر ديسمبر 2003 فإن الباحث لي شيانغ Li Xiang من الوحدة الخاصة بمكافحة الإيدز في مدينة ارورمجي أشار إلى 303 إصابة جديدة بمرض الإيدز في شهر سبتمبر 2003 ، وأن عدد المصابين بلغ 3165 ، ويقدر العدد الحقيقي للمصابين بأكثر من ثلاثين ألفا ، ويذكر أن ثلاثة من كل 200 شخص في اورومجي يحمل الأعراض الخاصة بفيروس مرض نقص المناعة ، بينما تقدر بعض الجهات المحلية نسبة المصابين بنحو 40% في اورومجي و 85 % في مدينة إيلي بالقرب من حدود قازاقستان .ويمكن القول أن نسبة الإصابة تصل إلى 30 % في مقاطعة شنجانغ (تركستان الشرقية) مما يجعلها المقاطعة الصينية الأولى في نسبة انتشار الإيدز في الصين كلها .
هل هناك مقاومة ...؟
هذه الممارسات الجائرة لاشك أنها تثير امتعاضا وسخطا في أي مجتمع إنساني ، مهما تدنى تخلفه الحضاري أو فقد مشاعره وأحاسيسه فهو لن يفرح بالموت والابادة والقتل ، كما يلاحظ ذلك مع الحيوان نفسه الذي يساق إلى الذبح ، فهل يستطيع شعب تركستان الشرقية المسلم أن يدافع عن نفسه ؟! أو ان يعرب عن آلامه وأحزانه وهمومه ؟! بالطبع لا !!(1/56)
فالكل يعرف الدبابات التي سحقت المتظاهرين في ميدان تيان مين في بكين في ربيع عام 1988، إذا لم يكن يعرف ما حدث للمتظاهرين في مدينة غولجا في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1417 (1997) ، هذه هي ديمقراطية النظام الشيوعي الصيني! إن السلطات الصينية تريد إبادة الشعب التركستاني بصمت، ولا تريد من الضحية أن يتألم .. وإذا تألم فهو إرهابي، هكذا وصفت الأجهزة الصينية التركستانيين الرافضين لإبادتهم بالإرهابيين وانتهزت دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ذريعة لاعتقال وقتل التركستانيين الرافضين للابادة. وقد سبق أن أشارت الصحف الصينية نفسها الى إن ما تدعيه الصين بمحاربة الإرهاب إنما هو تبرير لسياستها الجائرة ، حيث ذكرت جريدة أخبار جنوب الصين الصباحية South China Morning Post في عددها الصادر بتاريخ 2/9/1998 : (أن الصين تتخذ هذه الذرائع لتبرير قمع المناشط الدينية للأفراد والجماعات في مقاطعة شنجانغ) ، كما كشفت الهيئات الأمريكية والأوروبية والباحثون المتخصصون بالدراسات الصينية هذه الفرية المفضوحة التي وصمت التركستانيين الرافضين بالإرهابيين ، ومن ذلك مايلي :
1- مراقب حقوق الإنسان Human Rights Watch ذكر في نشرة له بتاريخ 17 أكتوبر 2001 : أن الدعم القوي الذي تقدمه الصين لواشنطون في حربها ضد الإرهاب ، إنما هو محاولة منها لكسب الدعم العالمي أو على الأقل السكوت عما تمارسها ضد الأقلية الأويغورية في مقاطعة شنجانغ .
2- منظمة العفو الدولية بتاريخ 19 ديسمبر 2003 قالت إن الحكومة الصينية لا تفرق بين المقاومة المسلحة والمطالبة السلمية بحق حرية العبادة والاجتماع والتعبير، فهي تعتبر أية مطالبة بحكم ذاتي أوسع أو استقلال حركة انفصال عرقية ، وتصف النشاط السلمي للمعارضين بالإرهاب طلبا لدعم دولي لقمع كل أشكال المعارضة .(1/57)
3- كتب فيليب فانPhilip P.Pan في جريدة واشنطون بوست بتاريخ 15 يوليه 2002 مقالا بعنوان :( في غرب الصين المقاومة العرقية تصبح إرهابا) بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مباشرة بدأت الصين تنشر معلومات كثيرة عن الحركات الانفصالية في مقاطعة شنجانغ ، وذلك كي تظهر أنها شريكة لأمريكا في حربها ضد الإرهاب و حتى تبرر حربها لقمع المعارضة الأويغورية .
4- الدكتور جون ايسبسيتو John Espisito مدير مركز التفاهم الإسلامي – المسيحي في جامعة جورج تاون قال : من المفيد لحكومة الصين أن ترمي اللوم على الأجانب ، وليس على الأحداث الداخلية، فالمشاكل الداخلية تفاقمت من الاستياء الناجم من تدفق المهاجرين الصينيين إلى البلاد و تخلف الأويغور وحرمانهم من ثروات بلادهم ، كما جاء ذلك في مقال لمراسل نشرة أ. ب . س . الإخبارية ABCNEWS بار سيتزBarr Seitz بعنوان : (الصين تسحق الإسلام) عدد فيها الكاتب الأحداث التي أدت إلى انتفاضة الأويغور .
5- الجنرال الأمريكي فرانسيس تايلرFrancis Taylor المنسق الأمريكي لمحاربة الإرهاب الذي زار الصين، في تصريح له من بكين بتاريخ 6/12/ 2001 قال: لم تصنف الولايات المتحدة الأمريكية منظمات التحرير لتركستان الشرقية بالإرهاب، فالقضايا الاقتصادية والاجتماعية ليس من الضرورة أن توصف مقاومتها بالإرهاب، ولابد أن تعالج سياسيا.
6- المفوضية الدولية لحقوق الإنسان السيدة ماري روبنسون في تصريح لها في بكين بتاريخ 8 نوفمبر 2001 حذرت الصين من استخدام الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب ذريعة لقمع الأقليات العرقية، وأبدت عن مخاوفها بخاصة على الأويغور، وقالت : أن من الصعب الموازنة بين محاربة الإرهاب وممارسة سياسة التمييز العنصري، لأن الإرهاب نفسه لم يعرف بعد.(1/58)
7- الباحث الصيني جين بينغ جونغ Chien-Peng Chung كتب بعنوان : (حرب الصين على الإرهاب ) في مجلة فورين افاريزForeign Affairs الأمريكية في عددها الصادر في شهري يوليه/اوغسطس 2002 ، يقول: في الواقع أن عنف الانفصاليين في شنجانغ ( تركستان الشرقية ) ليس جديدا، ولا تحركه القوى الخارجية... وما تحتاج إليه بكين هي أن تعترف أن سياستها نفسها هو سبب استياء الأويغور، وبدلا أن تستعمل القوة والقمع التي تأزم المشكلة، على حكومة الصين أن تعالج الظروف التي تغذي مشاعر الانفصاليين.
8- أما الكاتب المسلم الأستاذ فهمي هويدي فقد كتب في مجلة المجلة العدد 1144 وتاريخ 13-19 /1/ 2002 بعنوان : (أحلام ألأقليات المسلمة ضمن ضحايا سبتمبر) : حين شنت سلطات بكين حملة القمع ضدهم وصفتهم في البداية بالانفصاليين ، وحين أصبحت كلمة الإرهاب لاحقا صفة يتم بها الاغتيال المعنوي للفرد والجماعة، وتسوغ السحق والاغتيال، فأطلق الصينيون على الناشطين التركستانيين وصف (الإرهابيين) .
تفاقم التهديد الشيوعي:
وقد تمادى الصينيون في ممارساتهم الجائرة ضد المسلمين الأويغور مستغلين الظروف الدولية التي أثارتها الصهيونية المسيحية ضد الإسلام والمسلمين، وشغلت أحداثها العالم الحر عن متابعة ما يحدث لهم، وكثفت السلطات الصينية من محاربتها للإسلام في تركستان الشرقية بصفة خاصة لأنها تميز المسلمين الصينيين الذين يتمتعون بحرية دينية اكبر عن إخوانهم التركستانيين في مقاطعة شنجانغ، وطبقت فيها مؤخرا الإجراءات الصارمة، التي تناولت بعضها الهيئات والشخصيات العالمية الإسلامية بالتفصيل ومن أهم ذلك النقاط التالية:(1/59)
1- منع جميع منسوبي الأجهزة الحكومية والحزبية الشيوعية الصينية من ممارسة أي نشاط ديني، فالقانون يحرم على من ينتسب إلى الحزب الشيوعي أو إلى الأجهزة الحكومية أن يؤمن بالإله أو بالآخرة أو يمارس شعائر دينية لأن هذا يعتبر مخالفة صريحة لمبادىء المادية والشيوعية والاشتراكية (التوضيحات الخاصة بقضايا الدين والقومية في القانون = ميلله ت دين مه سليلري وه ئونكغا ئائت قانون- نيزام بيلملري ئوقوشلوقي – ئورومجي 1997، ص 133)
2- منع الشباب الإسلامي ممن دون السن القانوني 18 عاما من التعليم الديني بأي شكل من الأشكال ومعاقبة الدارس والمدرس بالاعتقال والجزاءات المالية ( التوضيحات الخاصة بقضايا الدين والقومية في القانون = ميلله ت دين مه سليلري وه ئونكغا ئائت قانون- نيزام بيلملري ئوقوشلوقي – ئورومجي 1997 ، ص151)
3- منع الشباب والنساء المسلمات من ارتياد المساجد والجوامع لأداء الصلاة والتعلم وحفظ القران الكريم، مع ملاحظة أن ذلك مسموح للمسلمين الصينيين في غير تركستان الشرقية. فالسيدة محبت مثلا اعتقلت مع تلاميذتها اللاتي يدرسن مبادىء الإسلام في مدينة خوتن في 10 ديسمبر 2001 وعوقب كل فتاة بمبلغ 300 يوان والمعلمة بمبلغ 7000 يوان.
4- إجبار الشباب وطلاب المدارس والمعاهد على عدم الصوم في شهر رمضان المبارك بتقديم الوجبات الغذائية لهم خلال النهار، وطرد وتغريم وحبس من يثبت صيامه وحرمانه من العمل أو الدراسة. كما فرض على الفلاحين الذين يضبطون صياما مبلغ 30 يوان، وإذا لم يتمكن من الدفع فيجبر على العمل في معسكرات السخرة لمدة شهر.(1/60)
5- هدم المساجد المجاورة للمدارس خشية من تردد الطلاب أو المدرسون إليها أو الالتقاء بمن يصلون فيها ويحتكون بهم وينتقل عدوى الصلاح و الإيمان إليهم ، فمثلا في 5/4/2002 أغلقت السلطات الصينية ثلاثة مساجد لقربها من المدارس في بلدة ينكي باغ في محافظة خوتن ، وفي بلدة قراقاش بمحافظة خوتن أغلق مسجد دونغ ، وتم تحويله إلى مصنع سجاد بتاريخ 9 أكتوبر 2001 ، وفي 15 أكتوبر 2001 أوردت وكالة الأنباء الدولية رويترز تصريحا لمسئول الشؤون الدينية لمدينة خوتن يبرر إغلاق المسجد لقربه من مدرسة يخشى على طلابها من التأثير السيىء عليهم .
6- منع التعليم الإسلامي في غير المعاهد الحكومية التي يلتحق بها الطلاب الذين تختارهم السلطات الشيوعية بعد التخرج من المدارس الثانوية ، ومعاقبة كل عالم أو طالب يدرس العلوم الإسلامية أو يحفظ القران الكريم في مسجد أو في منزل . فقد أعلن جيانغ جينJiang Jien مساعد سكرتير الحزب الشيوعي في اجتماع في كاشغر بتاريخ 4/3/2002 : هؤلاء الذين يدرسون طلاب المدارس التعاليم الدينية سيعاقبون عقابا شديدا ، وإذا اشترك الطلاب في ممارسة الشعائر الدينية سيعاقبون هم وأولياء أمورهم وأساتذتهم.
7- إلزام أئمة وخطباء المساجد بقراءة خطبة الجمعة من كتاب بعنوان: ( الوعظ والتبليغ الجديد) قامت بوضعه الهيئة الصينية للإشراف على الشؤون الدينية الإسلامية برئاسة جين خونغشينغ وطبع ونشر في بكين بتاريخ 1/7/2001، ولا يسمح لأي إمام كان أن يخرج عن نصوصه. وقد نشرت وكالة الأنباء الفرنسية من بكين خبرا بتاريخ 24/1/2002: أن 253 من الأئمة انهوا دورات تأهيلية في السياسية الايدولوجية في عام 2001 ، كما اجبروا على الالتحاق في دورات تأهيلية لمدة ساعتين بعد عصر كل يوم جمعة في بعض المناطق .(1/61)
8- مصادرة الكتب الإسلامية الواردة من البلدان الإسلامية مهما كان نوعها وإتلافها وحرقها، منها ترجمة معاني القران الكريم باللغة الأويغورية التي طبعت في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في عام 1415 هـ/1995م ، وكان قد تم إرسال 200 ألف نسخة منها هدية من خادم الحرمين الشريفين إلى الجمعية الإسلامية لمقاطعة شنجانغ ، ولكن السلطات الشيوعية صادرتها وأتلفتها بدون تقدير لعلاقتها مع المملكة العربية السعودية ، ومما نشرتها أجهزة الشيوعية مؤخرا عن إتلاف الكتب الدينية كان في تاريخ 12/11/2003، حيث أذاعت أخبار شنجانغ ( شنجاك خه وه ر ليري): أن إدارة الأمن العام لمنطقة تومور يول في اورومجي أحرقت في محطة القطار الجنوبية ...(367 )كتابا دينيا، ويمكن أن يشاهد في الخبر المنشور صفحات من القران الكريم وهي تحترق .
وإلى جانب هذه الإجراءات الجائرة ضد المسلمين اتخذت الصين الأساليب القانونية التي تجيز لها اعتبار أي ممارسة دينية أو ثقافية أو اجتماعية مخالفة لسياستها العنصرية والفاشستية ضد الأويغور المسلمين جرما، وأدخلت مثلا تعديلات في المواد 114 -115- 120 -125 -127 -191- 291 من القانون الجزائي، وقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا عن ذلك بعنوان: التشريع والقمع الصيني لمناهضة الإرهاب في مقاطعة شنجانغ أويغور الذاتية الحكم China`s anti terrorism legislation and repression in the Xinjiang Uighur Autonomous Region .
تهديد المهاجرين وملاحقتهم:(1/62)
ولم تكتف السلطات الصينية الشيوعية بالأساليب الصارمة التي نفذتها ضد المسلمين واضطهادهم في كل مجالات الحياة في بلادهم، بل أخذت تمارس ضغوطها السياسية بالقوة على الدول المجاورة لمنع أي نشاط سياسي أو علمي أو اجتماعي، حتى المساكن الوقفية التي يلجاء إليها الفقراء والحجاج في روالبندي بباكستان قد أغلقت، وكذلك الجمعيات الأويغورية (التركستانية) وهي جمعيات ثقافية في قازاقستان وقيرغيزستان، واغتالت بعض رؤسائها مثل حاشر واحدي ونعمت بوساقوف و دلبريم سمساقوفا، وطرد الطلاب الذين يدرسون فيها، بل تسلمت بعض الطلاب واللاجئين من باكستان ونيبال وقازاقستان وقيرغيزستان وأعدمتهم حال دخولهم إلى الصين بدون محاكمة أو قضاء، وقد أثبتتها الهيئات الدولية التي طالبت وقف مثل هذه الممارسات الغاشمة، ولكن إذا كانت دول الجوار باكستان وهي دولة إسلامية رضخت لمطالب الصين مع قازاقستان وقيرغيزستان وهما دولتان ذات وشائج وقربى في الدين والدم ، كما لم يسلم من شرها التركستانيون في البلاد البعيدة، فمثلا في سوريا نشرت جريدة الحياة بتاريخ 13/1/2004: أن السلطات السورية أبعدت الشاعر الصيني احمد جان عثمان .. بسبب مجهول؛ والواقع إن هذا الشاعر لم يكن صينيا، بل هو أويغوري، وهذا هو السبب.(1/63)
ولكن وجدت الصين نفسها بعيدة عن الدول الأخرى التي يعيش فيها اللاجئون التركستانيون والمهاجرون فعملت على تشويه سمعتهم بالادعاء زورا أنهم إرهابيون، وفي يوم الاثنين 15/12/ 2003 أتهمت الحكومة الصينية أربعة منظمات تركستانية بالإرهاب كما اتهمت 11 أويغوريا (تركستانيا) مهاجرا بالإرهاب ، وطالب زاو يونغ جنZhao Yongchen المدير المساعد لمكتب محاربة الإرهاب في وزارة الأمن العام الصينية تعاون دول العالم وهيئاتها على إغلاق و وقف مناشط هذه المنظمات الأربعة، وقطع المساعدات المالية عنها ، وتجميد أصولها ، وإلغاء ما توفرها لها من تسهيلات، كما طالب بتسليم من أسمتهم بالإرهابيين إلى الصين ؛ ولكن لم تتوانى الهيئات الدولية والباحثون المختصون بالتنديد بهذا الإعلان ، ووكالة الأنباء الدولية رويترز بتاريخ 15/12/2003 التي نشرت الخبر قالت: أن بعض الدبلوماسيين الغربيين والعلماء يشكون أن يكون للأويغور حركة استقلالية متحدة ، ويعتبرون أن معظم الأويغور يقاومون سياسات غير عادلة ثقافية واقتصادية، وانهم يعيشون تحت القمع العسكري ، ولا يجدون تعاونا لممارسة مقاومة مدعومة، وهذا ماجعل منظمة العفو الدولية تطالب المجتمع الدولي ألا يسمح لحكومة الصين أن توصف وتعامل الفعاليات السياسية السلمية بالإرهاب كما جاء في نشرتها المؤرخة في 19/12/2003 .
وأما المنظمات التركستانية الأربعة التي اتهمتها حكومة الصين بالإرهاب وطلبت إغلاقها وإيقاف مناشطها وتسليمها رؤسائها فهي :(1/64)
1- الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية ETIM وهي المنظمة التركستانية الوحيدة التي اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية إرهابية لاعتقال بعض أفرادها وزعيمها المطلوب الشيخ حسن مخصوم الذي قتل قبل هذا الإعلان في أفغانستان بتاريخ 2/10/2003، وكانت السلطات الصينية قد انتزعت أقوالا من بعض الشباب الأويغوري اعتبرتها اعترافا بصلتهم بالقاعدة والطالبان، ولعل شعبا مثل الأويغور الذي يواجه خطر الابادة وضراوة الظلم لا يعاب و لو تعاون مع الشيطان أو غيره، مادام هدفه حول الخلاص من عدوه المستبد، لا من عدو غيره. ولم يثبت أن الأويغور استهدف أو اشترك في عملية في غير الصين، ومع ذلك فكل المسلمين الأويغور يرفضون الإرهاب والاعتداء على المدنيين في أي مكان .
2- مؤتمر شباب الأويغور الدولي WUYC تأسس في ميونيخ بألمانيا في 9/11/ 1996 ، و يرأسه حاليا الأستاذ دولقون عيسى هو احد المطلوبين في البيان الصيني الأخير وهو خريج قسم الكيمياء بجامعة شنجانغ في اورومجي في عهد الحكم الشيوعي وقد هاجر منذ عشرة أعوام من بلاده ، وهذه منظمة شبابية أكثر أعضائها من الطلاب والشباب المهاجرين من تركستان الشرقية من بعد 1985.
3- المركز الإعلامي لتركستان الشرقية ETIC ومقره في ميونيخ بألمانيا ويديره الأستاذ عبد الجليل قراقاش ، وهو من أوائل من التجأ إلى ألمانيا و فتح موقعا في الانترنت ( شبكة الاتصالات الدولية) لتعريف العالم بالأحداث الفاجعة في بلاده بعنوان : WWW.UYGUR.COM وذلك باللغات الأويغورية والتركية والإنجليزية والعربية ، كما نشر جريدة أسبوعية باللغتين الأويغورية والتركية باسم أوجقون.(1/65)
4- منظمة تحرير تركستان الشرقية ETLO أسسها بعض الشباب الأويغوري في عام 1999 ، وترأسها الأستاذ محمد أمين حضرت ، وهو مؤلف ومخرج سينمائي معروف أشتهر في أوائل ثمانينات القرن العشرين في اورومجي والصين ، ثم هاجر مع من هاجر إلى تركيا في عام 1995، والمعروف أن النظام الشيوعي يحرم تدريس الدين في المدارس والمعاهد ولم يكن لمثله أن يقود حركة أصولية أو إرهابية تكون ذات صلة وثيقة بالحركات الإسلامية ، ولكن الحكم الصيني يغالط نفسه ويتعامى عن سوء سياسته التي أثارت سخط المسلمين.
والعامل المشترك لهذه المنظمات الأربعة أن رؤسائها هم من الشبان الدارسين في مدارس الصين الشيوعية في تركستان الشرقية، و المهاجرين منها منذ عام 1985، وماعدا الأول ، فالباقون لم تكن لهم دراسة إسلامية ومعرفتهم الدينية محددة ، ولا تؤهلهم لقيادة جماعات دينية أصولية، ولم يمارس احد منهم الإمامة أو العمل الدعوي أو المشيخة الدينية، وحتى التهمة التي وجهت السلطات الصينية اليهم لم تكن واضحة ومحددة، بل وصفت هذه المنظمات كلها بالإرهابية ( قامت بكل الأعمال الإرهابية التي مارستها المجموعات الانفصالية ) ، وهذا ما دعا منظمة العفو الدولية أن تقول عن مؤتمر شباب الأويغور الدولي والمركز الإعلامي لتركستان الشرقية : أنهما مجموعتان سياسيتان تعمل من ألمانيا على تعميم التقارير التي تفضح الانتهاكات الصينية لحقوق الإنسان ضد الأويغور وتطلبان بالحكم الذاتي أو الاستقلال للمقاطعة، وأن الحكومة الصينية لا تفرق بين المعارضة العنيفة والتعبير السلمي لممارسة حرية التعبير .(لندن ، النشرة رقم 288 ، وتاريخ 19/12/2003).(1/66)
واصبح المسلمون الأويغور تحت رقابة الاستخبارات والمباحث في كل مكان ليس في بلادهم تركستان الشرقية التي تعتبر معتقلا كبيرا، بل في الخارج حتى في موسم الحج الذى أتخذه الصينيون فرصة لمراقبة نشاط المسلمين الديني الذي يتعارض مع مبادئهم الشيوعية البالية، ثم هم يمنعون الحجاج الأويغور ويراقبون علاقاتهم بالمهاجرين التركستانيين المقيمين في الديار المقدسة أو القادمين إليها من مواطن هجرتهم ويتسقطون أخبارهم، فمثلا في حج عام 1424 قدم إلهام جان رئيس إدارة المباحث السرية لمقاطعة شنجانغ مع اكثر من عشرين ضابطا للمباحث الأمنية والاستخبارات، منهم دلمراد حسن نائب رئيس المباحث الأمنية لولاية خوتن، وشامان جوجانغ رئيس المباحث الأمنية لولاية كاشغر.
وقد بات المسلمون اليوم لا يكترثون بما يعانيه إخوانهم إلا نادرا، ربما خوفا من وصفهم بالإرهاب، أو ربما لانشغالهم بمشاكلهم الخاصة، وهم يتفرجون على ما ينكل ببعضهم ، بدون أن يثير في نفوسهم اشمئزازا أو امتعاضا، حتى ولو بالقول ، أو بالإيماءة والإشارة، ويكفي أن يعرف المسلمون واقعهم المؤلم، وهم يرون رأي العين ما يحدث من قتل وتدمير في فلسطين في كل يوم، ولا يفعلون شيئا وهم خمس سكان العالم، فما بالك بما يحدث في تركستان الشرقية لشعب مسلم يباد خلف الستار الحديدي في جنح ظلام التعتيم الإعلامي، بدعاوى سياسية ودعائية ملفقة تنتهجها الحكومة الصينية؛ للاستفادة من الظروف الدولية لممارسة إجراءاتها الرامية لاستئصال الشعب الأويغوري التركي، ومحو هويته الإسلامية، لولا بعض الهيئات الدولية والباحثين الذين يكتبون عن وضع الأويغور المسلمين بين وقت وآخر، ويثيرون بذلك مزاعم الصين بالتدخل في شئونها ، لأنها تريد أن يتم ما تنفذه ضد المسلمين بصمت تام، ولكن يأبى الله إلا أن يفضح ما تمارسه الصين من ظلم واضطهاد.(1/67)
وفي الختام أشيد بما كتبه بعض الباحثين المسلمين أمثال الأستاذ فهمي هويدي والأستاذ محمد صلاح الدين والأستاذ هارون موغل عما يتعرض إليه المسلمون التركستانيون من ممارسات جائرة وكذلك على مرئياتهم القيمة لمعالجة هذه القضية الإسلامية، وأوكد معهم أن التركستانيين يتطلعون إلى حل سلمي يخفف عنهم ألآمهم و يرفع عنهم الظلم والاضطهاد، ويطالبون الدول المجاورة لبلادهم وبلدان العالم الإسلامي التي يهمها الاستقرار في هذا الجزء من العالم، وكذلك الهيئات الدولية والإسلامية وفي مقدمتها منظمة المؤتمر الإسلامي أن تعمل على الإنقاذ هذا الشعب من الضياع و الموت البطيء، وأن تتعاون معهم لا لدعم الإرهاب والعنف، بل بمطالبة حكومة الصين أن تتفاوض مع ممثلي هذا الشعب المنكوب لتسوية هذه القضية الإنسانية ويحفظ حقوقه الإنسانية ويصونه من الانصهار والذوبان، ومن مقدمات هذا الحل هو أن يعرف العالم حقيقة ما يجري في هذا الجزء المنعزل، وهي دعوة صادقة لأجهزة الإعلام الاسلامي أن يمارس واجبه الإنساني الإسلامي الحق أمام ربه وأمام أمته، وعلى الأقل تكون النصرة لهم بالقول، وهو اضعف الايمان ، وبالله التوفيق...
أردوغان: الصين ترتكب "إبادة جماعية" فى تركستان
قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: إن إبادة جماعية تجري في إقليم شينجيانج (تركستان) ذي الغالبية المسلمة شمال غرب الصين، داعيا السلطات الصينية إلى التدخل لمنع سقوط مزيد من الضحايا.
وأكد أردوغان في تصريحات أذيعت مباشرة يوم الجمعة على محطة تلفزيون (إن.تي.في): "الأحداث التي تشهدها الصين لا تعدو كونها أعمال إبادة جماعية.. لا يوجد فائدة من وصفها بوصف آخر".(1/68)
وأضاف: "نواجه مشكلة في تفهم كيف تقف الحكومة الصينية موقف المتفرج على هذا؟! نريد من الإدارة الصينية التي تتحسن علاقاتنا بها بشكل مستمر أن تظهر شيئا من الحساسية". ودعا أردوغان السلطات الصينية إلى التدخل لمنع سقوط مزيد من القتلى.
وبحسب إحصاءات صينية رسمية فقد اعتقلت الشرطة أكثر من 1434 شخصا لصلتهم بالاحتجاجات الحادة التي وقعت الأسبوع المنصرم في أرومجى عاصمة إقليم شينجيانج(تركستان)، وخلفت 156 قتيلا، وأكثر من 800 جريح في اشتباكات بين عناصر الشرطة ومتظاهرين مسلمين، هي الأقوى بين الجانبين منذ سنوات.
ولتركيا المسلمة علاقات دينية ولغوية مع الأويغور، ويعتبر المواطنون الأتراك إقليم شينجيانج الحدود الشرقية للعرق التركى، ويعيش الآلاف من المهاجرين الأويغور في تركيا.
وتظاهر المئات في إسطنبول عقب صلاة الجمعة وأحرقوا الأعلام الصينية ورددوا هتافات معادية لبكين. وكان وزيره التجارة والصناعة التركي نهاد أرغون دعا أمس إلى مقاطعة البضائع الصينية.
المصدر: وكالات ، موقع أخبار العالم
11.07.2009
بيانات تنديد منظمة المؤتمر الإسلامى والإتحاد العالمى لعلماء المسلمين للمجزرة فى تركستان الشرقية
بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين(1/69)
تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقلق بالغ ما عرضته وسائل الإعلام من هجمة شرسة على المدنيين العزّل في تركستان الشرقية وغيرها، نتج عنها وقوع ضحايا (قتلى وجرحى) بالمئات، واعتقال الآلاف من الأبرياء، والاتحاد إذ يدين هذا الاعتداء الغاشم على إخواننا في تركستان وغيرها يطالب الحكومة الصينية بالكفّ فوراً عن هذه الممارسات التي تضرّ بعلاقة الصين التاريخية والتجارية والاقتصادية الحالية بالعالم الإسلامي، ويطالبها بمنح جميع الحقوق المشروعة للمسلمين في الصين، وبهذه المناسبة يطالب الاتحاد حكومات العالم الإسلامي، بأن تقوم بواجبها نحو إخواننا في الصين للضغط على الحكومة الصينية لإيقاف هذه المجازر. كما يطالب منظمات حقوق الإنسان في العالم أجمع بالقيام بواجبها نحو المضطهدين من المسلمين في الصين.
المصدر/ موقع الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين 7/7/2009
بيان بشأن موقف الدول الإسلامية من الاعتداءات الصينية على مسلمي تركستان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن تبعه وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد،
فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد تلقى ببالغ الأسف والأسى الأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام عن رفض عدد من الدول الإسلامية العربية وغير العربية المشاركة في الاجتماع الذي دعا إلى عقده الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي يوم الثلاثاء 28 من رجب 1430هـ = 21/7/2009م للتداول في شأن الاعتداءات التي ارتكبتها قوات الأمن الصينية ضد مسلمي تركستان الشرقية في الأسبوعين الأول والثاني من شهر يوليو الجاري.(1/70)
لقد كان الموقف الصيني بالغ العنف والقسوة ضد المدنيين الأبرياء، وحرص الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على التنبيه إلى خطورة ما يجري في تركستان الشرقية، وآثاره المحتملة على العلاقات الصينية الإسلامية، في بيانه الختامي الصادر في نهاية اجتماعات مجلس أمنائه (اسطنبول 6-7/7/2009).
وقدّر الاتحاد تقديراً خاصاً الاهتمام التركي ـ حكومةً وشعباً ـ بما يجري لإخواننا المسلمين في تركستان الشرقية، لكن هذا التقدير قابلته خيبة أملٍ محزنة من موقف الدول الإسلامية والعربية التي رفضت دعوة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أو اعترضت عليها، أو أبدت رغبةً قويةً في عدم التجاوب معها، الأمر الذي أدى إلى عدم عقد الاجتماع في الموعد الذي كان محددًا له.
وإذا كانت الحكومات الإسلامية والعربية لها حساباتها الخاصة التي حملتها على اتخاذ ذلك الموقف المخيب لآمال المسلمين في تركستان الشرقية بخاصة وفي العالم كله بعامة، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بما يمثله من مرجعية دينية وروحية شعبية، لمسلمي العالم أجمع، لا يسعه مع التعبير عن أسفه لما جرى ويجرى في الصين من ناحية ولموقف الدول الإسلامية والعربية من هذه القضية من ناحية أخرى إلا أن يدعو العلماء والأئمة والجمعيات والهيئات والمؤسسات الدينية وشعوب الأمة الإسلامية في العالم أجمع إلى اتخاذ المواقف المناسبة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا من الصين الشعبية إزاء عدوانها المستمر على إخواننا المسلمين في تركستان الشرقية وإصرارها على التغييرات السكانية التي تجريها في تلك المنطقة الإسلامية منذ عقود لتحول الأغلبية المسلمة إلى أقلية مقهورة بلا حقوق ولا حماية ولا ضمان لهويتها ودينها وإقامة شعائرها.(1/71)
إن مَثَلَ المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والمسلمون يدٌ على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم، والنصرةُ واجبة على كل مسلم لكل مسلم. فإذا كانت الحكومات قد خَذَلتْ إخواننا المسلمين في الصين فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يبادر إلى دعوة الأمة إلى أداء واجبها، كل بقدر طاقته وفي مجال قدرته حتى تشعر الحكومة الصينية أنها غير منفردة بمسلمي بلادها وأن لهذه الأمة قوة تواجه العدوان على الشعب الأويغوري المسلم بما يستحقه من مقاطعة اقتصادية وثقافية ورياضية وسياسية.
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الأمين العام رئيس الاتحاد
أ. د. محمد سليم العوَّا أ. د. يوسف القرضاوي
موقع الاتحاد بتاريخ:
26-7-2009
بيان وموقف منظمة المؤتمر الإسلامي
طالبت منظمة المؤتمر الإسلامي الحكومة الصينية بتشكيل لجنة للتحقيق في المجازر التى ارتكبها الجيش ضد المسلمين في اقليم تركستان الشرقية.
وقد أعربت المنظمة عن قلقها إزاء الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة وعن الاستخدام غير المتكافئ للقوة، التي أودت بحياة 140 شخصاً وخلفت أكثر من 800 جريح في صفوف المدنيين في الإقليم المسلم.
ودعا الأمين العام للمنظمة إحسان الدين أوغلو الحكومة الصينية بالإسراع في إجراء تحقيقات ميدانية نزيهة حول هذه الأحداث الخطيرة، وإلى تقديم المسئولين عنها إلى العدالة، وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للحيلولة دون تكرارها مع ضمان تقديم تعويضات كافية للضحايا.
وفال أوغلو، أنه من خلال العدد الكبير للإصابات في صفوف المدنيين، يتضح أنه لم تتم مراعاة مبدأ الحذر والتناسب في استخدام القوة والأسلحة النارية. فطبقاً للمبدأ الأساسي الدولي بخصوص استخدام القوة والأسلحة النارية، يجب على المسؤولين عن إنفاذ القوانين اللجوء إلى الأساليب غير المميتة في التصدي للاضطرابات المدنية.(1/72)
وأشار إلى أن الأويغور شعب عريق، يطمح إلى المحافظة على خصائصه الثقافية والعرقية وهُويته الإسلامية، وإلى التمتع بحقوقه الثقافية والاقتصادية غير القابلة للتصرف.
المصدر/ وكالات الأنباء الاسلامية، ولواء الشريعة 7/7/2009
المجلس الإسلامى العالمى للدعوة والاغاثة
المجلس يستنكر انتهاكات حقوق الإنسان للمسلمين في الصين
يستنكر المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة المجازر المؤسفة الأخيرة التي تعرض لها المسلمين في إقليم سينجيانج تركستان الشرقية بالصين الأسبوع الماضي، والتي راح ضحيتها 1000 قتيل وجريح ، وذلك بسبب أن مسلمي الأويغور في إقليم سينجيانج (تركستان) قاموا بمظاهرات سلمية يطالبوا فيها الحكومة الصينية بمطالب عادلة وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث يتعرض مسلمي تركستان الشرقية إلى القمع والتمييز العنصري وإنكار حقوقهم الدينية والثقافية، وإغلاق دور العبادات للمسلمين والتي تصل إلى 20 ألف مسجدا.
والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة يهيب بالحكومات الإسلامية والدول الكبرى والمنظمات الدولية وكل محبي الحق والعدل أن ينصروا حقوق الإنسان ويوقفوا ممارسات الظلم والتمييز العنصري على شعب تركستان الشرقية في الصين، وان ينهوا المعاناة الطويلة الواقعة منذ ستة عقود، وهي عمر الاحتلال الصيني لدولة تركستان الشرقية، وان جرائم حقوق الإنسان في إقليم سينجيانج عاصمة تركستان الشرقية بالصين معروفة لدى جميع دول العالم رغم تعمد التعتيم الإعلامي عليها مما ينبغي أن تبادر الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والأمن والسلام لشعوب العالم ، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة والدول الصديقة للصين بتقديم مبادرة تنهي مأساة الشعب الأويغور في الصين .(1/73)
ويطالب المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة المنظمات الأعضاء التحرك لدى حكومات دولهم بالضغط على حكومة الصين لدمج مسلمي الصين في مجتمعاتهم وإعطائهم حرية العبادات والعيش في سلام وأمان ، خاصة وان التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وصل العام الماضي 133 مليار دولار ويزيد بنسبة 40 % سنويا، كما يطالب المنظمات الأعضاء بتقديم الاغاثات العاجلة والمشروعات التنموية والتعليمة والدعوية للمسلمين في الصين.
المصدر/ المجلس الإسلامى العالمى للدعوة والاغاثة، وجريدة الإهرام
بيان مكة المكرمة بشأن مأساة المسلمين في تركستان الشرقية
المسلم - خاص | 28/8/1430
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:-
فإن إخواننا المسلمين في تركستان الشرقية وهم أكثر من ثلاثين مليون مسلم يتعرضون لاضطهاد مستمر منذ سنوات طويلة على يد الحكومة الصينية ومن ذلك قهرهم والتنكيل بهم والتمييز الظالم ضدهم ، وسجن العلماء والدعاة والناشطين منهم ، ومنع إظهار الشعائر التعبدية، ومحاولة تصفية المؤسسات والمظاهر الإسلامية، والعمل على تذويب هوية المسلمين، وتغيير التركيبة السكانية ليصبح أهل تركستان الشرقية أقلية في بلادهم .
ومن صنوف التضييق والقهر التي تقوم بها الحكومة الصينية إجبار الفتيات التركستانيات المسلمات على الهجرة إلى الصين بذريعة تشغيلهن كعاملات في المصانع وهناك يواجهن من المآسي ما يعجز اللسان عن وصفه مع منع الزواج قبل سن اثنين وعشرين سنة وحرمان الأزواج من الإنجاب قبل مضي خمس سنوات من الزواج بالإضافة إلى غرامات وعقوبات لمن ينجب أكثر من طفل .
ومع ما تزخر به أرض تركستان الشرقية من ثروات كبيرة مثل النفط والثروات المعدنية والأراضي الخصبة فإن إخواننا من شعب تركستان يعيشون في فقر مدقع وعوز شديد.(1/74)
ولقد نقلت لنا وسائل الإعلام وشاهد الناس جميعهم ما جرى مؤخرا من مجزرة قامت بها الحكومة الصينية في حق إخواننا هناك بعدما أبدوا مطالباتهم بمحاكمة من اعتدى عليهم من أبناء القومية الصينية حين قتلوا منهم العشرات دون وجه حق . وهذا وما سبقه ذلك يعد خطباً جليلاً ونازلة عظيمة توجب على المسلمين حكوماتٍ وشعوباً أن يتداعوا لتفريج هذا الكرب وكشف هذا الظلم بكافة الوسائل الشرعية المتاحة، استجابة لأمر الله تعالى القائل عز وجل: {وَإِن اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُم النَّصْر... الآية}، وقوله عز من قائل: {وَالمؤمِنُونَ والمؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ... الآية}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمِنُونَ إِخْوةٌ... الآية}، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه... الحديث»، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما مِن امرئٍ مسلمٍ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب في نصرته، وما مِن امرئٍ ينصر مسلماً في موضعٍ ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته».
وإن الموقعين على هذا البيان، وانطلاقاً مما أوجبه الله على أهل العلم من تبيين الحق وعدم كتمانه ليودوا إيضاح الحقائق الآتية:-
أولاً: أن نصرة إخواننا مسلمي تركستان ودعمهم واجب شرعيٌّ، على عموم المسلمين حكومات وشعوباً، كل بحسبه، بشتى أنواع الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي . ومن ذلك التعريف بقضيتهم وكشف ما يتعرضون له من ظلم وتنكيل، في المحافل العالمية ولدى المنظمات الدولية، وأن تبذل الحكومات الإسلامية قصارى جهدها للضغط على الحكومة الصينية عبر الوسائل الدبلوماسية وغيرها؛ لرفع الظلم والتمييز عنهم ، والعمل على إعطائهم حقوقهم وحفظ كرامتهم، والتوقف عن اضطهادهم وتذويب هويتهم الإسلامية.(1/75)
ثانياً: على المسلمين عامة ومسلمي تركستان الشرقية خاصة أن يفطنوا لخطط الأعداء التي تسعى جاهده إلى تحويل قضية تركستان الشرقية من قضية إسلامية إلى قضية عرقية إثنيه للأويغور في مقابل عرقية الهان وفي ذلك مشابهة لقضية فلسطين التي بدأت إسلامية ثم تحولت إلى عربية لينتهي بها الحال قضية فلسطينية .
ثالثاً:وإننا إذ نثمن لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما قامت به من جهد في هذا الشأن، لنأمل منها أن تبذل المزيد من الجهد للوصول إلى حل عبر توصل المنظمة إلى اتفاقية مع الحكومة الصينية لإعطاء مسلمي تركستان الشرقية جميع حقوقهم وأن تبادر المنظمة إلى فتح مكتب لها في تركستان الشرقية وتحث دول المنظمة على بذل المزيد من الدعم والنصرة لإخواننا هناك . ونناشد بقية المؤسسات والمنظمات والاتحادات والمجالس الإسلامية الحكومية والشعبية؛ أن تبذل قصارى جهدها في نصرة هؤلاء المستضعفين، ومن ذلك تثبيتهم على دينهم، ونشر الدعوة بينهم عبر الوسائل المتاحة كالقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التي تخاطبهم بلغتهم وكفالات الدعاة وتيسير قبول الطلبة في الجامعات الإسلامية، وأن تبادر هيئات الإغاثة ببدء عملها الإغاثي والإنساني لمواساتهم وسد حاجتهم في برامج لكفالة الأيتام والطلبة وإنشاء المدارس والمساجد ؛ ولاسيما وأنهم يمرون بظروف معيشية بالغة الصعوبة، كما نناشد عموم المسلمين ولاسيما الموسرين وأصحاب الدثور؛ أن يخصصوا جزءًا من زكواتهم وصدقاتهم لهؤلاء المسلمين، على أن يتم إيصالها عبر القنوات الإغاثية الإسلامية المأمونة.(1/76)
رابعاً:قد يكون من الخيارات المطروحة في حال عدم كف الحكومة الصينية عن ممارساتها القمعية ضد إخواننا مسلمي تركستان الشرقية، تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية للبضائع والمنتجات الصينية، ولاسيما وأن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الإسلامية لا يستهان به، ولذا فإننا نناشد علماء المسلمين أن يكون إصدار فتوى جماعية بهذا الشأن قيد الدراسة والنظر، وأن يتم تفعيل هذا الخيار في الوقت المناسب بما يحقق مصلحة المسلمين إذا اقتضى الأمر ذلك.
خامساً:أن من أعظم أسباب كشف الكروب وتفريج الهموم ودفع البلاء؛ تقوى الله تعالى والتوبة وصدق اللجوء والضراعة إليه سبحانه، ولذا فإننا نوصي إخواننا مسلمي تركستان بتقوى الله تعالى والصبر والمصابرة، وليعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفَرَجَ مع الكرب، وأن مع العسر يسراًَ، كما نوصي عموم المسلمين بالإلحاح على الله تعالى بالدعاء لكشف الضر عن المسلمين بعامة، ونوجه نداء إلى إخواننا في تركستان الشرقية بمعالجة أمورهم بالحكمة واللين و البعد كل البعد عن اللجوء إلى العنف وتحاشي استفزاز الحكومة الصينية لقوله تعالى (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) وقوله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ونوصيهم بالتفقه في الدين .
نسأل الله تعالى أن يرفع عنهم الضر والبلاء، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموقعون على البيان :
د/ سليمان بن وايل التويجري عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى سابقاً
د/ ناصر بن سليمان العمر المشرف العام على موقع المسلم
أ.د/ أحمد بن سعد الحمدان أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى
د/ محمد بن صامل السلمي عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى سابقاً
د/ عبد الله بن عمر الدميجي عميد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى سابقاً(1/77)
د/ أحمد بن عبد الله الزهراني عميد كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية سابقاً
د/ محمد بن سعيد القحطاني أستاذ العقيدة المشارك بجامعة أم القرى سابقاً
أ.د/ غالب بن محمد الحامضي رئيس قسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى سابقاً
د/ ستر بن ثواب الجعيد رئيس قسم القضاء بجامعة أم القرى سابقاً
د/ عبد الله بن عبد الكريم الحنايا أستاذ الفقه بجامعة أم القرى
د/ خالد بن عبد الله الشمراني أستاذ الفقه المشارك بجامعة أم القرى
د/ عبد الله بن علي المزم أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة أم القرى
د/وليد بن عثمان الرشودي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين جامعة الملك سعود
الشيخ/ بدر بن إبراهيم الراجحي القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة
د/ خالد بن عبدالرحمن العجيمي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقاً
الشيخ/ صالح بن عبدالله الدرويش القاضي بمحكمة القطيف
د.محمد بن موسى الشريف الأستاذ المتعاون بجامعة الملك عبدالعزيز
د.محمد السعيدي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بالكلية الجامعية بجامعة أم القرى
د.عبدالحي يوسف نائب رئيس هيئة علماء السودان
الشيخ/ عبدالجليل كاروري إمام وخطيب جامع الشهيد بالخرطوم - السودان
د/وليد الطبطائي عضو مجلس الأمة الكويتي
الشيخ عادل المعاودة رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع بمجلس النواب البحريني
د محمد بن عبدالله الهبدان المشرف العام على موقع نور الإسلام
د علي القره داغي الأستاذ بكلية الشريعة بقطر ومسئول الأقليات بالأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
منظمة تركستانية تكشف أسباب الاحتجاج الأخير لمسلمي تركستان فى الصين
صلاة الجمعة تحت السلاح(1/78)
كشفت جمعية التعليم والتربية والتعاون لتركستان الشرقية بإسطنبول عن الأسباب الحقيقية التي أدت الي اندلاع مجة الاحتجاجات في تركستان، وقالت الجمعية في بيان لها ان اسللطات الصينية تجاهلت الاعتداء العنصري الذي قام به غوغاء صينيون ضد عمال مسلمين بأحد المصانع جنوب البلاد وعدم التحقيق فيه. كشف البيان عن تستر السلطات الصينية علي المعتدين وتشجيع عمليات القتل ضد المسلمين والتدخل بقسوة ضد المحتجين.
أكد البيان زيادة عدد القتلي والمصابين عن الأرقام التي لم تعلنها السلطات.
طالبت جمعية التعليم والتربية والتعاون لتركستان الشرقية الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمنظمات الحقوقية العالمية والدول المعنية بحقوق الإنسان والديمقراطية وجمعيات علماء المسلمين أن يكونوا على مستوى المسؤلية.
فيما يلي نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
جمعية التعليم والتربية والتعاون لتركستان الشرقية إسطنبول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الموضوع: بيان حول الأحداث الواقعة في 5 يوليو 2009م في تركستان الشرقية المحتلة
أحببنا أن نطلعكم على حقيقة ما جرى في منطقة تركستان الشرقية المحتلة الواقعة شمال غرب الصين، حتى تكونوا على علم بتداعيات وأسباب الأحداث هناك.
قبل أسبوعين، يعني بتاريخ 26/6/2009م قام في منتصف الليل مئات من العمال الصينيين بأحد المصانع الواقعة بجنوب الصين باقتحام مساكن العمال المسلمين التركستانيين (الذين أخذوا قسرا هناك)، وانهالوا عليهم ضربا بالعصي والسكاكين، مما أسفر عن مقتل ثلاثمائة، وجرح المئات. ورغم مضي عشرة أيام على الحادث لم تقم السلطات الصينية إلى يوم الحادث بأي إجراءات رسمية لمعاقبة المجرمين.(1/79)
وانتظر أهالي الضحايا أن تصدر السلطات الصينية بيانا رسميا تبين أسباب الحادث والمتسببين، وأن تقوم بمعاقبة المجرمين، ولكن مرت الأيام ولم يحدث شيء من هذا القبيل؛ فاستنكارا لازدواجية السلطات الصينية في التعامل مع الأحداث التي تكون ضحيتها مسلمين تركستانيين، وتنديدا بالتمييز العنصري ضدهم تظاهر عشرات الآلاف من التركستانيين في شوارع أرومجي بتاريخ 5/7/2009م الموافق يوم الأحد، مطالبين ببيان أسباب الحادث، ومعاقبة المجرمين، ووقف التمييز العنصري ضدهم، ولكن السلطات الصينية قمعت المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي عليهم، فقتل منهم في اليوم الأول 156 وأصيب أكثر من 1080 شخصا حسب نبإ وكالة الأنباء الصينية "شنخوا". ولكن المعلومات الواردة إلينا من البلاد تثبت أن الشهداء التركستانيين أكثر من ألفي شخص وأن الجرحى والمعتقلين بالآلاف، وأن السلطات الصينية قامت بتحريض الصينيين على المسلمين، بل تقوم بإبادة هذا الشعب المسلم على أيدي الجنود المتنكرين بالملابس المدنية...
ولإخفاء الحقائق عن العالم قامت السلطات الصينية بحجب عشرات المواقع والمنتديات التي تبث باللغة التركستانية، وقطعت الاتصالات والتنقلات بين المدن، وأعلنت حالة الطوارئ في أنحاء البلاد، وتوعدت بإعدام المعتقلين، واتهمتهم بأن تظاهرتهم عمل انفصالي بتحريض القوى الانفصالية في الخارج، مع أنهم خرجوا إلى الشوارع يلوحون العلم الصيني، للفت أنظار السلطات إلى أنهم ماداموا يعيشون تحت هذا العلم فعلى السلطات الصينية أن تساويهم في الحقوق مع الصينيين الآخرين، وأن توقف التمييز والظلم الواقع عليهم منذ عقود...(1/80)
فالمظاهرات لم تكن إلا نتيجة للاحتقان الشعبي بسبب التطهير العرقي، والتمييز العنصري الذي تمارسه السلطات الصينية ضد هذا الشعب المسلم منذ 1949م، ولكن السلطات الصينيية اتخذتها ذريعة لإبادة هذا الشعب المسلم، للحقد الكامن في قلوبهم ضد المسلمين التركستانيين منذ زمن طويل...
هناك أمور لابد من توضيحها لأن السلطات الصينية دائما تحاول جاهدة تشويه الحقائق:
-اسم المنطقة التي تسميها الصين ب"منطقة شن جيانغ الحكم الذاتي" "تركستان الشرقية".
- حقيقية الحكم الذاتي في تركستان الشرقية مجرد حبر على ورق.
- لاتوجد في تركستان حرية العبادة والتعليم الإسلامي.(هناك لوحة معلقة على بوابة كل مسجد مكتوب فيها يمنع الفئات التالية من دخول المسجد)
- إدعاء السلطات الصينية بأن الأحداث الأخيرة في تركستان مسيسة من قبل جهات عدة من الخارج إدعاء باطل، وأحداث 5 يوليو نتيجة طبيعية للقهر والظلم والاحتقان الشعبي.
- الشعب التركستاني لم ولن يرضي بالحكم الصيني في تركستان الشرقية وتريد حق تقرير المصير.
- تصريحات السلطات الصينية حول الأحداث الأخيرة لا أساس لها من الصحة وخداع للرأي العام العالمي.
- إذا كانت الادعاءات الصينية صحيحة ولماذا ترفض إرسال وفود دولية للمنطقة لتقصي الحقائق.
- السلطات الصينية قطعت الاتصالات ليس فقط على مستوى تركستان الشرقية فقط وحتى الاتصالات الدولية مقطوعة إلى يومنا هذا. وحجبت جميع المواقع التركستانية على شبكات الإنترنت وأوقفت حركة التنقل بين جميع أنحاء تركستان وفرضت حظر التجول في منطقة مساحتها 1،8مليون كيلومتر مربع.
- منعت السلطات الصينية الصحفيين والمراسلين من التقاط الصور والتحدث إلى التركستانيين.(1/81)
وجمعية التعليم والتربية والتعاون الاجتماعي لتركستان الشرقية في إسطنبول إذ تصدر هذا البيان تعلن عدم مسؤليتها عما جرى في أحداث أورومجي، وتطالب الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمنظمات الحقوقية العالمية والدول المعنية بحقوق الإنسان والديمقراطية وجمعيات علماء المسلمين أن يكونوا على مستوى المسؤلية وأن يقوموا بالضغط على السلطات الصينية لتكف عن سياسة إبادة شعب أعزل، وأن يرسلوا وفودا إلى المنطقة لتقصي الحقائق، وأن يقدموا الحاكم الصيني لتركستان الشرقية وانغ ليجوان وعصابته إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم هناك باعتبارهم مسؤولين عن مذبحة 5 يوليو2009م.
جمعية التعليم والتربية والتعاون لتركستان الشرقية إسطنبول
المصدر/ وكالات الأنباء الإسلامية
18 يوليو، 2009
تركستان الشرقية.. قراءة في جوهر الصراع وتاريخيته
رغم التاريخ الدموي للصين ضد المسلمين لاسيما في تركستان الشرقية إلا أن الصين التي تعودت الكذب في سياساتها القمعية لا تخجل مما تفعل ولا تنكر
د. أكرم حجازي: (كاتب وباحث أردني).
تركستان الشرقية
في مستويات اجتماعية وثقافية متفاوتة، تباينت ردود الفعل في العالم الإسلامي على الأحداث الدموية التي شهدتها تركستان الشرقية أو ما يسميه الصينيون بإقليم "سينكيانج" أوائل الشهر الجاري، وأسفرت عن مقتل وإصابة المئات واعتقال نحو 1500 شخص اتهمتهم الحكومة المركزية بالمحرضين على إثارة الشغب. فالذين يعرفون الخلفيات التاريخية للأحداث أعربوا عن مساندتهم لسكان الإقليم من قومية الأويغور المسلمة. أما الذين يجهلون أصل المشكلة لدرجة أن بعضهم يرى في الصين دولة "صديقة" وحتى "شقيقة"، فلم يتوانوا عن التحذير من مؤامرة أمريكية تستهدف إضعاف الصين وتفكيكها.(1/82)
لا شك أن وجهة النظر التاريخية إن كانت تستغرق أغلب الحقيقة فإن مجرد التفكير في شرذمة أكثر من 1300 مليون نسمة هي فرضية جنونية لا يتمناها أحد في العالم لما تنطوي عليه من فوضى ومخاطر بالغة التعقيد لجهة السيطرة على هذا العدد المهول من البشر. لكن المؤكد أن حقائق الصراع الراهنة أعمق بكثير وأخطر من أن تغطيها ردود الفعل والتصريحات الواهنة هنا هناك. فما هي الحقيقة فيما يجري؟ ولماذا لا يجد الجانبان من خيار إلا الصدام الدموي؟
البلاد الثمينة
ثمة مقالة لكاتب أويغوري يطلق فيها على بلاده صفة "فلسطين المنسية". وليس ثمة أدنى شك في صحة التوصيف شكلا ومضمونا كما سنرى لاحقا، فالبلاد إحدى عجائب الأرض في تنوع تضاريسها الجغرافية، وفي موقعها الاستراتيجي الذي يجاور ثماني دول ويربط الصين بأوروبا، وفي مساحتها التي تزيد عن 1.8 مليون كم مربع، وفي ثقافتها ولغتها القديمة التي تمتد إلى عمق بلاد الترك الإسلامية، وفي وفرة خيراتها من المحاصيل الزراعية بشتى أنواعها، وفي ثرواتها من النفط والغاز والفحم مرورا بالمعادن النفيسة. إنها باختصار بلاد ذات ثروات وامتيازات جبارة تؤهلها لتكون دولة إقليمية عظمى لو استطاعت الإفلات من القبضة الصينية.(1/83)
لكن هذه المكانة الذهبية لتركستان الشرقية جلبت عليها الويلات تاريخيا، وعليه فلم تكن الجرائم الصينية بحق سكانها لتقل وحشية عن جرائم الروس ومن بعدهم السوفييت بحق شقيقتها تركستان الغربية ذات الأكثر من أربعة ملايين كم مربعة، والتي تتوزع اليوم على خمس دول هي كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقرغيزيا وطاجكستان. لذا فقد ارتبط تاريخها بالثورات على الاضطهاد والظلم والنهب الذي تتعرض له البلاد والسكان على حد سواء. فما بين معاهدة "برشينك" في أغسطس سنة 1689 ومعاهدة "سانت بتروسبورج" السوفيتية في فبراير سنة 1981، تعرضت البلاد لمذابح دموية مروعة أبرزها ثورة سنة 1759 ضد حملات الاضطهاد والقمع للمسلمين التي بدأتها أسرة "مانشو" سنة 1648، وانتهت باحتلال الصين للبلاد ومقتل 1.2 مليون مسلم فيها، ونفي نحو 22 ألف إلى تركيا.
وإجمالا شهدت البلاد نحو 42 ثورة وطنية عارمة ضد الحكم الصيني. وابتداء من أوائل القرن التاسع عشر وتقاسم الصين وروسيا الأراضي العثمانية، شن مسلمو تركستان ما بين خمس إلى سبع ثورات كبرى وقعت في سنوات 1820، 1830، 1847 و1857، وتواصلت بعدها صدامات خلفت وراءها ملايين القتلى في صفوف المسلمين. لكنهم نجحوا بتحرير البلاد مرتين، وأقاموا دولة مستقلة لهم الأولى ابتداء من سنة 1863 بقيادة يعقوب بك واستمرت 16 عاما متواصلة، والثانية سنة 1933 و1944، إلى أن احتل الشيوعيون البلاد حتى هذه اللحظة.
كل هذه الحروب والمذابح من الأهمية بمكان القول أنها وقعت قبل انتصاب الحكم الشيوعي في الصين سنة 1949 بقيادة "ماوتسي تونج". وخلاله بدأت تركستان تدفع ثمنا باهظا على كل مستوى ابتداء بالثقافة والهوية والعقيدة ومرورا بالديموغرافيا وانتهاء بوسائل المعيشة.(1/84)
يقول الصينيون اليوم إن إقليم "سينكيانج" بلاد لا تقدر بمال. ومنذ انتصار الثورة الصينية وحتى أواخر الثمانينات من القرن العشرين حكم الصينيون تركستان الشرقية بقبضة حديدية. وأتلفوا الكثير من تراثها الثقافي إبان الثورة الثقافية مطلع السبعينات، ومنعوا التدين وممارسة الشعائر الدينية، لكن بتعبيرات أيديولوجية فرضتها الماركسية وطالت جميع القوميات وتميزت بقسوتها الشديدة. وبقيت البلاد، في ظل الحرب الباردة، ثروة عسكرية ثمينة أكثر منها اقتصادية، حيث حولها الصينيون إلى مرتع لصناعاتهم العسكرية والصاروخية وتجاربهم النووية، تماما مثلما فعل السوفييت بكازاخستان.
لكن بعد موت الزعيم الصيني "ماوتسي تونج" اتجهت الصين نحو الانفتاح على العالم. ومع نهاية الحرب الباردة وانطلاقة العولمة ونذر الانفجارات العلمية الكبرى، اعتمدت الصين نموذج الاقتصاد العالمي المركب الذي يمزج بين نظريتي الرأسمالية والاشتراكية. هنا اكتشفت الصين القيمة الاقتصادية العظمى لسينكيانج. وفي وقت لاحق أفصح "وانج له تشيوان"، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، خلال المؤتمر الأكاديمي السنوي لجمعية العلوم والتكنولوجيا الصينية (2005) عما أخفته الصين من نوايا للإقليم الذي سيصبح: "بالتأكيد قاعدة طاقة لتحقيق الانطلاقة الاقتصادية للصين في القرن الـ21 بما يتمتع به من ثروات بترولية وموقع جغرافي فريد". هذا التصريح هو أرفع خلاصة لما توصلت إليه الصين بشأن ما يتيحه لها الإقليم من مكاسب وامتيازات وخطط مصيرية لا يمكن لها أن تفرط بها أيا كانت الأسباب ومهما استدعى من إجراءات وأيا كانت النتائج.(1/85)
من الواضح إذن أن الرهان الصيني على الإقليم هو رهان استراتيجي لا يتحمل أية هزات اجتماعية مهما كان مصدرها وأيا كانت درجة قوتها. فالثروات العذراء المدفونة في الإقليم وتركيز البنى الصناعية التحتية الثقيلة جدا لا ينفع في استخراجها أو الانتفاع بها أو حمايتها استمرار التوترات الاجتماعية. ويبدو أن الصين رأت أن ما اتخذته من إجراءات لن يكون كافيا، مما يعني وجوب التفتيش الدائم عن كل وسيلة من شأنها قمع السكان، وتصعيد إجراءاتها أو التخفيف منها كلما لزم الأمر، وهو ما دفع منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والمراقبين إلى التحذير من كون البلاد تعيش وكأنها تحت حكم الطوارئ.
ما إن وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001 حتى ركبت الصين الموجة الأمريكية فيما سُمي بـ «مكافحة الإرهاب العالمي»، وسارع المتحدث باسم وزارة الخارجية "سون يوشي" (18 أكتوبر 2001) إلى القول بأن: "الأنشطة الإرهابية التي يرتكبها ناشطون من تركستان الشرقية في إقليم سينكيانج الصيني تمثل مخاطر ليس على أمن واستقرار الصين وحدها وإنما على المنطقة كلها"، معلنا أن الصين: "سوف تنضم إلى المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب بما في ذلك في تركستان الشرقية". وهكذا إعلان يؤشر على أن الصين لن يعود لها من سياسة في الإقليم والمنطقة سوى السياسة الأمنية، بل إن الحدث بدا لها وكأنه هبة من السماء، حيث سهل لها إجراء محادثات أمنية مشتركة مع الروس (28 نوفمبر 2001) بشأن تركستان الشرقية والغربية. ومكن البرلمان الصيني، في 24 ديسمبر 2001، من تصعيد مدة عقوبة جريمة الإرهاب من السجن لعشر سنوات إلى الإعدام.(1/86)
وفي 7 يناير 2002، تعهدت الصين، بمعية منظمة شنغهاي" بـ"محاربة الإرهاب داخليا وخارجيا بأشكاله كافة وعلى جميع الصعد"، وفي 21 يناير من العام نفسه، ربطت بين مقاتلي الإقليم وتنظيم القاعدة. لكنها إجراءاتها بلغت الذروة في بيان للحزب الشيوعي، صدر في 5 يناير 2002، يقضي باتهام الجماعات الإسلامية في الإقليم بترويج "أفكار انفصالية". هذه تطورت الأطروحة حتى باتت رأس الحربة في السياسة الصينية تجاه السكان الأصليين والإقليم لدرجة أن منظمات حقوق الإنسان وجماعات أخرى لاحظت أن الصين تستخدم كلمات "انفصالي" و"إرهابي" دون تمييز.
في تعقيبه على أحداث "أورومتشي"، وبعد اجتماعه بالهيئة القيادية العليا للحزب، نقل التلفزيون الصيني (8 يوليو 2009) عن الرئيس "هو جين تاو" توعده: (1) بإنزال: "عقوبات شديدة بالضالعين في المواجهات.. طبقا لما ينص عليه القانون". والقانون هنا (2) يعني، بحسب رئيس الحزب الشيوعي في الإقليم، وطبقا للنص المعدل حول جرائم "الإرهاب": "سعيه لمعاقبة مثيري الشغب.. بالإعدام». و (3) لأن الإقليم "شأن داخلي"، بحسب "تشين قانغ"، المتحدث باسم الخارجية الصينية في رده على تصريحات الرئيس التركي أردوغان، فقد (4) أكد "نور بكري"، رئيس حكومة الإقليم، أن الصين: " ستستعمل أقصى الوسائل لكبح العنف". أما "هو جين تاو" فقد قطع اجتماعاته بدول الثماني، و (5) بدا فزعا من عنف الأحداث لجهة انتقالها إلى مناطق أخرى غير العاصمة "أورومتشي" و "كاشغر"، حين أشار إلى أن: "تحقيق الاستقرار الاجتماعي في إقليم سينكيانج الغني بمصادر الطاقة هو مهمة ملحة جدا"!
سياسات "التصيين"(1/87)
إذن، تركستان هي البلاد الثمينة التي يستشرس الصينيون في السيطرة عليها وقمع سكانها ولو بالإعدام. فالمشروع الاقتصادي الاستراتيجي، وهو ينطلق من تركستان، يعني أن خيارات الصين لا تكاد تتجاوز الصفر المئوي فيما يتعلق بحق تقرير المصير للسكان، كما تأمل ربيعة قدير. وبالتالي فإن معادلة الصراع بين الجانبين تعني بالنسبة للصينيين عمل كل ما يمكن عمله للقضاء على هاجس "الانفصال" الذي يؤرقها ويعرض مشروعها لأفدح المخاطر، وتعني بالنسبة لقومية الأويغور المسلمة استمرار الكفاح بكل الوسائل للحيلولة دون "التهويد" بأبشع مواصفاته الصينية. والسؤال ليس عما سيفعله الأويغور بل عما فعلته الصين في البلاد كي ينفجر الأويغور ويخرج منهم كل هذا الغضب العارم؟ وكيف طبقت الصين سياساتها على السكان في "سينكيانج"؟
مبدئيا، وحسب الإحصاءات الرسمية المتباينة، يبلغ عدد سكان الإقليم حاليا 18.6 مليون نسمة من بينهم 11 مليون مسلم، ينتمي 8.5 مليون منهم لقومية الأويغور، فيما يتوزع الباقون على أقليات صغيرة كالطاجيك والأوزبك والتتار. وعلى الجانب الآخر ثمة 7.5 مليون صيني من "الهان" التي تعد ثاني أكبر قومية في البلاد بنسبة زادت من 7% لتقع في نطاق الـ 40% من السكان. ويقطن العاصمة أورومتشي 2.3 مليون نسمة أغلبهم من "الهان"، وتقع على بعد 3270 كيلومترا غرب العاصمة الصينية بكين. ونظريا يتمتع الإقليم بحكم ذاتي منذ سنة 1955. ويتكلم الأويغور، ذوو الملامح القوقازية، اللغة التركية القديمة التي تستعمل الحروف العربية.
ترجع الأحداث الراهنة في "سينكيانج" إلى ليلة 26 يونيو 2009، حين قتل "الهان" عاملين من الأويغور في مصنع للألعاب في منطقة "شاو جوان" جنوب الصين. لكن ثمة أنباء وشهادات "أويغورية" تحدثت عن جرائم مروعة في المصنع نفذها أكثر من 6000 عامل من "الهان"، وأسفرت عن مقتل أو اختفاء قرابة 500 عامل من الأويغور وهم نائمون.(1/88)
ورغم وجود كاميرات الإنذار وتمتع المصنع بحراسة أمنية مشددة إلا أن الشرطة لم تصل إلا بعد مضي خمس ساعات على وقوع المجزرة، مما وضع علامات استفهام وتَسبب باحتقان شديد لدى الأويغور حول وجود نية مبيتة لارتكاب الجريمة المروعة. لكن الأكيد أن الروايتين تظلان موضع ريبة لضعف المعلومات الدقيقة. فليس من المعقول أن تنفجر كل هذه الأحداث بسبب مقتل عاملين "فقط"، وليس من الممكن قبول الرواية الثانية بـ "المطلق" بسبب غياب أية أدلة موثقة حتى وإن كانت صحيحة أو أقرب إلى التصديق.
أما شرارة الأحداث فقد بدأت يوم الأحد (5 يوليو 2009) مع تجمع نحو ثلاثة آلاف من الطلبة الأويغوريين والسكان، في ساحة رئيسية بالعاصمة "أورومتشي"، "احتجاجا على طريقة تعامل السلطات مع مقتل العاملين"، إذ يتهم الأويغور السلطات الصينية بعدم التحقيق في أحداث المجزرة وتحديد المسئولين عنها والمتواطئين ومعاقبة الجناة. وأدى تدخل القوات الصينية لفض المحتجين إلى مقتل 140 شخصا وإصابة 816 بجراحات دامية. وارتفع عدد القتلى تباعا إلى 156 شخصا، ثم في حصيلة نهائية رسمية إلى 184 شخصا. ومن جهته قال "عبد الحكيم تكلامكان"، رئيس "الجمعية الأويغورية للتعاون مع تركستان الشرقية" في مقابلة له من إسطنبول مع قناة الجزيرة، أن عدد القتلى بلغ نحو 600 قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين في الأحداث.(1/89)
لكن توصيف الأحداث بكونها الأعنف منذ عقود لا يخلو من غرابة ومفارقات مريرة. فالأويغور ومسلمو الصين يتعرضون منذ قرون لمذابح صامتة ظلت تقع خلف الأسوار دون أن يعلم بها أحد، أو بفعل الصمت والتواطؤ والعجز الدولي عن نصرتهم سواء من المسلمين في شتى أنحاء العالم أو مما يسمى بالمجتمع الدولي الذي تهيمن عليه القوى الكبرى وتشغله وفقا لمصالحها واحتياجاتها. ومن المفارقات أن صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" أبدت دهشتها كما لو أن الصمت الإسلامي وحتى الدولي سلوك عارض حين أشارت إلى أن: "أغلب المسلمين في جميع أنحاء العالم التزموا صمتًا قاتلاً حيال الاعتداءات العنيفة التي وقعت على الأويغور المسلمين".
ومع أن أوراق الضغط العربية كثيرة خاصة وأن حجم المعاملات التجارية للشركات العربية مع الصين بلغت في العام الماضي نحو 130 مليار دولار، إلا أن الأويغور لم يجدوا من ينتصر لهم لا في الماضي ولا في الحاضر، وأبرز ما حظوا به، على الدوام، من حصة الأسد هو النسيان والقمع الرهيب والسياسات الصينية التي حولت بلادهم إلى ما يشبه "فلسطين المنسية" أو "الأندلس الضائعة". وعليه فليس غريبا أبدا أن يرصد الكثير من الباحثين والكتاب ما يسمونه بـ "تصيين تركستان" قياسا على "تهويد فلسطين"، لكن الغريب أن تنجح هذه السياسة في غضون ثلاثة عقود على الأكثر. وإذا ما استمرت بنفس الوتيرة لعقدين أو ثلاثة على أقصى تقدير فعلى تركستان الشرقية السلام! فكيف سيكون الصراع بين الأويغور وسط عشرات الملايين من المستوطنين "الهان" مستقبلا؟(1/90)
لئن كانت الدعوات الصينية في قمع سكان البلاد قائمة على أطروحة "الانفصال"، فليس ثمة تطلعات سياسية، ذات شأن، للأويغوريين في الوقت الراهن إلا ما تعبر عنه الجماعات الإسلامية التي تطالب بإقامة دولة إسلامية في بلادهم. وخلافا لمزاعم الحكومة الصينية التي تقول بأن إجراءاتها تستهدف ما تسميه بالجماعات الانفصالية فإن وقائع سياساتها في الإقليم، والتي لا تستثني أحدا، تفضح كل مزاعمها. فلنتابع بعض مظاهرها فيما يلي:
1) السياسة السكانية
فالصين تنام على مخطط قديم يرجع إلى أوائل الخمسينات من القرن الماضي ويقضي بتوطين 200 مليون صيني في الإقليم من قومية "الهان". لكنها نجحت نسبيا ابتداء من الثمانينات عبر الزج بملايين الصينيين للاستيطان في الإقليم وسط حوافز اقتصادية مغرية فيما يسمونه بالعالم الجديد أو المستعمرة الجديدة. صحيح أن المسلمين في الإقليم ليسوا مقيدين، نظريا، بسياسة المولود الواحد، لكن ما بيدهم حيلة لمواجهة أشد السياسات السكانية وحشية سواء عبر النفي والإبعاد والعقوبات الجماعية والعمل القسري الشاق في المعسكرات الحزبية للإناث والذكور أو عبر التلاعب بديموغرافية الأويغور البيولوجية على مختلف المستويات من منع الحمل إلى الإجهاض والتعقيم وتحديد النسل والتحكم الفظيع بالنمو السكاني.(1/91)
كما أن للصين رصيد ديموغرافي لا يجاريها فيه أحد بحيث يمكنها الدفع بعشرات الملايين للاستيطان في الإقليم. ومن بين ما تلجأ إليه الحكومة تشغيل الذكور الأويغور والإناث على وجه الخصوص في مناطق نائية بما يسمح، مع مرور الزمن وصعوبة السيطرة على الاختيارات الشخصية في الحياة، باختلاط الأنساب وضياع الدين والهوية. وفي السياق أورد بيان أصدره المركز الإعلامي للحزب الإسلامي التركستاني (1 ربيع أول 1430، 25 فبراير 2009) إحصائية تفيد أنه: "تم نقل مليونيين من الفتيات المسلمات إلى الصين، وفي المقابل ينقلون أعدادا كبيرة من الصينيين إلى تركستان من أجل اختلاط الأنساب بينهم وبين الشعب التركستاني، ويُسجن كل من تعترض على هذه السياسة أو يُعرَّض للغرامة المالية وإلى غير ذلك من القهر والذل».
لكن يبقى أمر بالغ الدلالة في المسألة السكانية. إذ أن الحكومة الصينية هي المصدر الوحيد للإحصاءات عن السكان في الإقليم ونسب القوميات فيه. لذا فإن أغلب الأرقام المتداولة عن عدد السكان تقديرية وملتبسة. وتتراوح بين 18 مليون و20 مليون و25 مليون بمن فيهم قومية "الهان". ولا شك أن الحكومة تخفي الأرقام الحقيقية والدقيقة عن عدد السكان، وفي المقابل نراها تروج لما تراه حقيقة واحدة تقول بأن "الهان" هم القومية الثانية بينما عدد الأويغور أقل من ثمانية ملايين نسمة وأن 90% منهم مسلمون. وهي بهذا تمهد للإعلان لاحقا عن سيادة "الهان" على البلاد عدديا بحيث يبدو الإقليم بعد عقد أو عقدين وكأنه جزء حقيقيا من الصين لا يستطيع أحد إنكاره ولا تستطيع أية قوة أن تتجاهل التغييرات الجذرية فيه نظرا لما سيشتمل عليه من كثافة سكانية هائلة ذات حصون قوية.
2) التنمية والتمييز العنصري(1/92)
من الطبيعي أن يؤدي هذا الواقع إلى إصابة الأويغوريين بالفزع خاصة وأن الإجراءات المرافقة للسياسة السكانية ستنعكس قطعا لا على هوية الإقليم فحسب بل وحتى على فرص العمل والتنمية. فالأويغوريون يعيشون في بلادهم على هامش الحياة الاجتماعية والاقتصادية. فهم يعانون من التمييز العنصري في العمل والمصانع لصالح "الهان" التي تسيطر على القطاعات الصناعية برمتها، وتشغّل أفرادها وتستقطب غيرهم من الصين بينما سكان البلاد يقفون كالمتفرجين.
ولا ريب أن الأويغوريين يشعرون باضطهاد واسع النطاق من قبل الحكومة الصينية، وهم يشكون منذ زمن طويل من أن "الهان" يجنون معظم فوائد الدعم الرسمي ويجعلون السكان المحليين يشعرون بأنهم غرباء في ديارهم. ومع ذلك فليست لهم طموحات كبيرة، وبحسب "عليم سيتوف"، الأمين العام لرابطة الأويغور بأميركا، فإن: "كل ما يطالب به الأويغور هو أن توقف الصين التمييز العنصري ضدهم، غير أنهم يواجهون بقمع لا يمكن تصوره".
هكذا لا يبدو أن الأويغوريين يبالغون فيما يزعمونه من تمييز عنصري ضدهم، فليسوا وحدهم من يتذمر من سوء الحال. فهناك من يرقبهم عن كثب ويلخص خلاصة معاناتهم، فمن جهته رأى "أويس هتشيت"، مدير مركز الدراسات الفرنسية عن الصين المعاصرة في هونج كونج، أن: "السكان الأويغور محصورون في المناطق الريفية، ومحصورون في الحرف الزراعية التي لا تضيف لهم أية مكاسب مادية أو معنوية توازي ما تقدمه المصانع والشركات البتروكيماوية لغيرهم من السكان".(1/93)
ولعل أخطر ما في التصريح ملاحظة أن الأويغور ليسوا مشمولين بخطط التنمية الصناعية ولا بمردودها كون المشروع صيني صرف ليس للإقليم فيه حظ يذكر من التنمية إلا لسكان المدن حيث تتركز قومية "الهان"، في حين أنه يمثل حجر الزاوية في الانطلاقة الاقتصادية العالمية للصين. لذا فقد أشارت بيانات إحصائية حول مستويات الدخل أن الفارق بين سكان المدن والقرى وصل إلى ثلاثة أضعاف، وعليه فمن الطبيعي أن يواجه الأويغور حرمانا من التعليم المتقدم بحيث تكون النتيجة المنطقية للسياسة الصينية حصرهم في السلم الأدنى من المهن حتى الوضيعة منها.
ففي تحقيق مطول لها عن البلاد (2008)، ذكرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية أنه: "بمساعدة الحكومة صار أتباع عرقية الهان هم المسيطرون على غالبية المصانع والشركات، ولا يقبلون عمالة بها من غيرهم؛ مما اضطر الأويغوريين إلى امتهان أعمال متدنية مثل الخدمة في المنازل". وما هذا إلا سلوك استعماري فج يذكر بسلوك اليهود لما أعلنوا عن "عبرنة العمل" ومنع الفلسطينيين من العمل في المصانع اليهودية أواخر عشرينات القرن العشرين، فضلا عن أنه العنصرية بعينها. فالأويغور بحسب السياسة الصينية، كما الفلسطينيين، ليسو شركاء أبدا لا في وطنهم ولا في المشروع الاقتصادي. فلماذا لا ينفجرون غضبا؟!
3) مواطنون من الدرجة الثانية(1/94)
لكن الأسوأ يكمن في الفقر والعوز والفاقة والحرمان والهامشية الاجتماعية كعوامل قد تدفع بالإنسان في لحظات ضعفه إلى التعلق بأسباب الحياة. فقد لجأت الحكومة الصينية إلى إشاعة مناخ من الخوف والرعب في صفوف الأويغور، هذا الشعور بدت ملامحه المرعبة حين أصر السكان على رفض مرور الشعلة الأولمبية (8 أغسطس 2008) من أراضيهم خشية أن تستغل لتشديد عمليات القمع والاضطهاد ضدهم. ويبدو أنهم كانوا محقين في مطلبهم. فكيف سيكون حالهم إذا كان زوار الصين أنفسهم اضطروا، تحت طائلة المسؤولية، إلى تعبئة استمارة أمنية من مائة سؤال شملت حتى مقاس الحذاء؟!
وعليه فليس من المستغرب أن يفقد الأويغور فرص الحياة الكريمة ويلجأوا إلى التكسب بوسائل غير مقبولة اجتماعيا ولا شرعيا. فالحكومة الصينية لا تستعمل الأويغور في مشروعها الاقتصادي بقدر ما تستعملهم في التجسس على بعضهم حيث تدفع لهم لقاء ما يقدمونه من خدمات أمنية. فما يهم الحكومة هو الحصول على المعلومات ليس إلا.
وغني عن القول أن مثل هؤلاء لا يستحقون المشاركة في الحكم. ولا عجب أن تختصر ربيعة قدير الأحداث الراهنة، في تصريح لصحيفة "فوكس" الألمانية، بالقول إن: "الحكومة الصينية منحتنا- منذ سنوات- نوعا من الحكم الذاتي، ولكنها لا تزال تعاملنا كحيوانات.. كمواطنين من الدرجة الثانية"، وهو ما اعترفت به "كريستيان ساينس مونيتور" مشيرة إلى أن الأويغوريين أصبحوا: "مواطنين من الدرجة الثانية؛ فهم ممنوعون من مجرد تمثيل هامشي في الهيئات الحكومية، كما لا يُسمح لهم باستخدام لغتهم في المدارس". ومن باب الإشارة، فالأويغور لا يستعملون لغتهم التركية في المدارس إلا سرا حيث تفرض عليهم السلطات الصينية استعمال اللغة الصينية، أما في الجامعات فقد باتت اللغة الصينية ابتداء من عام 2002 هي لغة التدريس الوحيدة في جامعة "سينكيانج".
4) الحرب على العقيدة(1/95)
كل ما سبق من تحليلات يقع في كفة وحرب الحكومة الصينية على الدين في كفة أخرى. بل إن الطعون المتاحة في التصريحات والأحداث لا تجد لها أي حظ من النجاح إذا ما تعلق الأمر بالدين. فالمسألة هنا تتعلق بإجراءات وبيانات جهرية متلاحقة تناسب الحكومة ذات العقيدة الماركسية مثلما تناسب قومية "الهان"، التي تشكل 90% من سكان الصين، وذات الطبيعة الدهرية أو الوثنية في أحسن الأحوال.
والطريف في بيانات الحزب الشيوعي أنها تتعلل بالجماعات الجهادية لتبرير حملاتها وإجراءاتها القمعية وهو ما ترفضه كل القوى والمنظمات الأويغورية. ولا شك أن لهذه الجماعات نفوذ حقيقي على الأرض وتحظى بقبول اجتماعي لا بأس به خاصة وأنها ذات طبيعة عقدية أكثر منها سياسية. لكن نشأتها ليست بمنأى عن الحرب الشعواء التي يتعرض لها السكان كمسلمين ولا عن العقيدة والتراث الإسلامي والديني الذي استبيح بكل شراسة ومهانة من قبل الشيوعيين حتى قبل أن تظهر مثل هذه الجماعات. لذا فإن مشكلة الصينيين كائنة مع مسلمي الأويغور بوصفهم أمة وليس مع جماعات جهادية فقط.
من جهتها تتحدث المصادر التركستانية بإسهاب "مؤلم" ليس عن التضييق الشديد على المسلمين في تركستان فقط بل عن تحقير وضرب في صميم العقيدة الإسلامية عبر التدخل فيما يسمح وما لا يسمح القيام به من الشعائر الدينية! فالعبادات والأحكام والمعتقدات والوعظ والإرشاد وتعلم القرآن والهيأة واللباس واللحى والمناسبات والأعياد الدينية وحتى صلاة التراويح والقيام باتت بيد الشيوعيين ليقرروا فيها، حين يشاءون، ما يلزم وما لا يلزم القيام به كتدابير وقائية تجاه ما يرونه خطرا على استقرار الإقليم!(1/96)
وكما أورد بيان المركز الإعلامي للحزب الإسلامي التركستاني فقد منعت السلطات الصينية مثلا: "إقامة الشعائر الإسلامية، وأحرقت ملايين الكتب الإسلامية والمصاحف، ومنعت رفع الآذان في المساجد، ومنعت الشباب من أداء الصلاة لمن هو أصغر من 18 سنة، ومنعت النساء من الحجاب الإسلامي وإلا تعرضت للاعتقال والتعذيب".
الثابت أن الضغط الحكومي لا يتوقف على الإجراءات الداخلية. فهو يشمل حتى الطلبة والمسافرين والمعتمرين والحجاج ويشمل منع إصدار جوازات السفر أو مصادرتها ومنع التنقل. فقد صادرت السلطات جوازات سفر طلاب الجامعات خلال شهر رمضان سنة 2007، ومنعتهم من السفر لأداء فريضة الحج. وفي مقابلة لها مع صحيفة "الشرق الأوسط"، 10 يوليو 2009، قالت ربيعة قدير إن: "كبار رجال الدين و90 من الطلاب الأويغور الذين درسوا الدين الإسلامي في السعودية ومصر يقبعون الآن في السجون الصينية". بل إنه ما من شيخ أو عالم في تركستان الشرقية إلا وقضى بعضا من سنين عمره في السجون الصينية.
والحقيقة أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية ضد مسلمي تركستان يمكن إجمالها، نسبيا، إذا ما استعنا بمقالة الكاتب الأويغوري "توختي آخون أركن" مع بعض التصرف، حيث يشير إلى:(1/97)
"منع ممارسة الشعائر الدينية ومعاقبة كل من يقوم بها بموجب القوانين الجنائية ومنع تعليم الدين الإسلامي، وفرض تدريس الإلحاد في المدارس والنوادي والتجمعات ومصادرة المصاحف والكتب الإسلامية. وبلغ ما جمع منها 730 ألف كتاب مطبوع ومخطوط، وإجبار رجال الدين والعلماء على امتهانها وإحراقها في الميادين العامة، ونشر الكتب والمطبوعات المعادية للإسلام ورفع الشعارات والملصقات المسيئة للإسلام وأحكامه وتعاليمه، مثل: الإسلام ضد العلم والإسلام اختراع أغنياء العرب والإسلام في خدمة الاستعمار... واعتقال العلماء ورجال الدين واحتقارهم وفرض أعمال السخرة عليهم، وقتل من يرفض التعاون معهم وإجبار النساء على خلع الحجاب، وإلغاء العمل بالأحكام الشرعية في الزواج والطلاق والمواريث، وفرض الاختلاط، وتشجيع الزواج بين المسلمين والمسلمات من غير دينهم؛ بغية تخريب العلاقات الأسرية الإسلامية وإغلاق أكثر من 28 ألف مسجد و18 ألف مدرسة دينية، واستخدام المباني الإسلامية كالمساجد والمدارس في أعمال تتنافى مع قيم الإسلام كتحويلها إلى حانات ومخازن ومصادرة أموال الناشطين في العمل الإسلامي سواء كان بالتعليم أو التدريس أو التأليف والترجمة، وهدم بيوتهم ونفيهم من منطقة سكنية إلى الصحراء بعيدًا عن الناس وعن الجماعة ومنع السكان من السفر خارج البلاد وفرض النظام الجاسوسي على أفراد الشعب كله. وللمزيد من الإجراءات".
أخيرا..(1/98)
هذه بعض "الحقيقة المرة التي أخفتها الصين" عن العالم، كما علق مسلم أويغوري على الأحداث. لذا لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكذب أو يراوغ سياسيا حين أكد في تصريحات لمحطة (NTV) نقلتها وكالة رويترز، 10 يوليو 2009، بأن: "الأحداث التي تشهدها الصين لا تعدو كونها أعمال إبادة جماعية"، مضيفا أنه: "لا يوجد فائدة من وصفها بوصف آخر". ولم يكن "ديل شات راشيت"، المتحدث باسم مؤتمر الأويغور العالمي، يبالغ هو الآخر حين علق، من منفاه بالسويد، على "غضب مكبوت" يتزايد منذ مدة طويلة لدى الأويغور بأنهم: "تعبوا من المعاناة في صمت".
لكن رغم التاريخ الدموي للصين ضد المسلمين لاسيما في تركستان الشرقية إلا أن الصين التي تعودت الكذب في سياساتها القمعية لا تخجل مما تفعل ولا تنكره. فهي تعلم أن العصر الراهن هو عصر الاتصالات، وبالتالي فإن ما يحدث لا بد وأن يجد طريقه إلى الملأ خلافا لعصر المذابح الصامتة. ومع ذلك تعاملت بكل وحشية مع الاحتجاجات، وهددت باتخاذ إجراءات عقابية إذا ما طبقتها فستنتهي بمذبحة جديدة. بل إنها استخدمت كافة إمكانياتها لإخفاء ما يمكن إخفاؤه من الجريمة، فأغلقت الشبكة، وأوقفت عمل الهواتف المحمولة وصادرت ما أمكنها من وسائل الاتصال بما فيها أجهزة الحاسوب، ودمرت مواقع الأويغور على الشبكة. وأشارت "رويترز" إلى حذف السلطات للتعليقات وصور القتل التي تعرض لها مسلمو الأويغور في الإقليم من المنتديات والمواقع الشهيرة.(1/99)
إلى هنا فإن إلقاء اللوم على قوى خارجية لن تنفع الصين في شيء، ولن تؤدي إلى استقرار الإقليم طالما أن ماكينة القمع والحزب ذات مواصفات عنصرية ودموية وعدوانية في الداخل. وهكذا فللسياسة الصينية العقيمة نصيب الأسد في ديمومة الصراع في منطقة مرشحة أصلا للانفجار. لكن إذا ما اعتقدت الصين أن بإمكانها لجم الولايات المتحدة عن التدخل "الماكر"، إلا من إبداء الأسف؛ أو أن سياساتها الداخلية ضد السكان الأويغور "شأن داخلي"، كـ "الشيشان"، فعليها أن تجيب عن سر نمو الجماعات الجهادية فيها وتمددها، وما إذا كانت الصين قادرة مستقبلا على تجنب إلحاق الأذى بها في "سينكيانج" بالذات حيث البنى التحتية لمشروعها الاقتصادي. إذ أن مثل هذه الجماعات العقدية لا تردعها كثرة المذابح ولا يضيرها أن تجري بصمت خلف الأسوار ولا تعنيها الإدانات الدولية ولا تنتظر من ينتصر لها طالما أنها تؤمن بأن الله أكبر وأن الله معها يدافع عن الذين آمنوا.
المصدر: اسلام اون لاين
20.07.2009 09:07
منسيون ومعذبون في الصين
الكاتب: فهمي هويدي
لا شيء إيجابي في أحداث الصين الأخيرة، سوى أنها ذكرتنا بعذابات ملايين المسلمين المنسيين في أنحاء المعمورة، الذين لم يعودوا يجدون أحدا يعنى بأمرهم.
(1)
لم أفاجأ كثيرا بانفجار غضب المسلمين في سينكيانج( تركستان الشرقية). ذلك انني أحد الذين عرفوا معاناة الأويغوريين منذ زرت بلادهم قبل ربع قرن، ووقفت على آثار الذل والقهر والفقر في حياتهم. وقتذاك نشرت عنهم عدة استطلاعات في مجلة «العربي»، طورتها في وقت لاحق وصدرت ضمن سلسلة «عالم المعرفة» بالكويت في كتاب عنوانه: «الإسلام في الصين».(1/100)
كانت تلك الزيارة بداية علاقة لم تنقطع مع الأويغوريين، سواء في باكستان المجاورة، أو في تركيا التي لايزالون يعتبرون ان ثمة نسبا يربطهم بها، رغم أن بلادهم صارت سينكيانج (المقاطعة الجديدة)، بعد شطب الاسم الأصلي وحظره، بحيث لم يعد أحد يجرؤ على أن يذكر اسم تركستان الشرقية الذي كان معترفا به قبل ان تبتلعها الصين في أواخر القرن التاسع عشر.
هذه العلاقة وفرت لي بشكل شبه منتظم كما من المعلومات، اعتمدت عليها في كتابة مقالات عدة، نشرت خلال العقدين الأخيرين في الصحف العربية، خصوصا مجلة «المجلة» التي كانت تصدر من لندن. وكان رجاء الأويغوريين المقيمين في باكستان بالذات، ألا أشير إلى اسمائهم، لأن ذلك يعرضهم للخطر حين يذهبون إلى بلادهم بين الحين والآخر، وهو ما قدرته واستوعبته، بعد درس قاسٍ وبليغ تلقيته من تجربة مماثلة مررت بها في وقت سابق، حين زرت الاتحاد السوفييتي وكتبت عن أوضاع المسلمين هناك، وكان أحد مصادري شاب من النشطاء لم أذكر اسمه، ولكن أحد رفاقه وشى به. وعلمت فيما بعد انه حوكم وأعدم. وهي الواقعة التي مازالت تشعرني بالحزن حتى الآن. حيث لم اعرف بالضبط ما إذا كانت لقاءاته معي هي تهمته الوحيدة، أم أن هناك اتهامات أخرى نسبت إليه.
أول إشارة فتحت عيناي على حقيقة معاناة المسلمين الأويغور وقعت في اليوم الأول لوصولي إلى عاصمتهم«أرومجي». إذ سألت عن فرق التوقيت لكي أضبط ساعتي، وفوجئت بأن كثيرين هناك ضبطوا ساعاتهم على توقيت باكستان وليس الصين. وهو ما أثار فضولي، لأنني طوال الوقت ظللت أتحرى اجابة السوال: لماذا يعتبر الأويغوريون أنهم جزء من العالم الذي تمثله باكستان، وليسوا جزءا من البلد الذي يعيشون في رحابه منذ نحو 150 عاما؟
(2)(1/101)
كنت قد حملت معي من الكويت حقيبة ملأتها بالمصاحف متوسطة الحجم، بعدما أدركت من زيارة سابقة للاتحاد السوفييتي (وقتذاك) أن المصحف هو أثمن هدية يمكن ان يقدمها القادم من العالم العربي أو الإسلامي إلى من يصادفه من أبناء البلاد الشيوعية. لاحظت في سينكيانج ان المساجد التي زرتها لم تكن بها مصاحف. وكل ما شهادته هناك كان بعض الأواني الخزفية التي كتبت عليها بحروف عربية عبارات مثل «لا إله إلا الله» و«محمد رسول الله» و«الله أكبر»، ولا أنسى منظر أحد الأئمة حين قدمت إليه نسخة من المصحف، فظل يقبله وهو يبكي، ولا مشهد الشاب الذي جاءني ذات مرة ليتوسل إليّ أن أعطيه مصحفا لكي يقدمه مهرا لمحبوبته التي ينوي الزواج منها.
التواصل مع الناس كان مستحيلا ليس فقط بسبب اللغة، ولكن أيضا لأن الصينيين ممنوعون من الحديث للأجانب. والحصول على المعلومات كان صعبا للغاية. ولم ينقذني من المشكلة سوى اثنين من الأويغور. احدهما عمل في السعودية والثاني كان أبوه قد درس في الأزهر، ويعرف بعض الكلمات العربية المكسرة. ذهبت إلى صلاة الجمعة في المسجد الكبير بأورموشي، ولاحظت أن أغلب المصلين يرتدون الثياب البيضاء وأغطية الرؤوس من ذات اللون، لكن الواحد منهم يؤدي الحركات من ركوع وسجود وهو صامت تماما، وقيل لي إن أغلبهم لا يعرف كلمة واحدة من القرآن، وإنهم يعتبرون الجمعة يوم عيد، فيتطهرون ويستحمون ويرتدون الثياب البيضاء، ويتعطرون قبل ذهابهم إلى المسجد، ثم يصطفون ويؤدون الحركات بكل خشوع دون أي كلام. وأذكر أنني قلت وقتذاك ان هؤلاء أكثر ورعا من كثيرين يحفظون الكلام. لكن صلواتهم تخلو من أي أثر للخشوع.(1/102)
كنت أعرف أن الإسلام وصل إلى الصين في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان عن طريقين، الأول طريق البر الذي عرف لاحقا باسم طريق الحرير، وكان الفرس هم الذين أوصلوا الإسلام إلى مناطق الشمال، ومن بينها تركستان الشرقية، ولذلك فإن الكلمات الفارسية تستخدم في المصطلحات الدينية (الصلاة عندهم تسمى «نماز» والوضوء وضوء). الطريق الثاني عبر البحر، وقد سلكه التجار العرب الذين جاءوا من حضرموت ومناطق جنوب اليمن، وأوصلوا الإسلام إلى الجزر الاندونيسية وكانتون في جنوب الصين، وقد شاهدت بعضا من مقابر أولئك العرب الذين كتبت على شواهدها آيات القرآن الكريم.
وقتذاك كان المسلمون في سينكيانج يشكون من التضييق عليهم في العبادة ومنعهم من الحج. كما كانوا يشكون من حرمانهم من الوظائف الحكومية وتفضيل الصينيين من عرق «الهان» عليهم. وهؤلاء الاخيرون أصبحوا يتحكمون في كل شيء. هم أصحاب السلطة وأصحاب القرار. في الوقت ذاته فانهم كانوا يعبرون عن القلق الشديد ازاء استمرار تلاعب الحكومة بالتركيبة السكانية للإقليم. إذ في الوقت الذي كانت تستقدم فيه أعداداً كبيرة من «الهان» من أنحاء الصين، فإنها كانت تقوم بتهجير الأويغور من مقاطعتهم إلى المدن الصينية الأخرى. وهو ما أدى في الوقت الحاضر إلى تراجع نسبة المسلمين الأويغور في سينكيانج، إذ وصلت نسبتهم إلى %60 فقط من السكان بعد أن كانوا يمثلون%90.
(3)(1/103)
لم تتوقف السلطات الصينية عن محاولة تذويب المسلمين الأويغوريين في المحيط الصيني الكبير وطمس هويتهم. آية ذلك مثلا أنها قررت منذ سنتين نقل مائة ألف فتاة أويغورية من غير المتزوجات (أعمارهن ما بين 15 و25 سنة) وتوزيعهن على مناطق مختلفة خارج سينكيانج. الفتيات كن يجبرن على السفر، دون أن تعلم أسرهن شيئا عن مصيرهن، وكان ذلك من أسباب ارتفاع نسبة الاحتقان ومضاعفة مخزون الغضب بينهم. وفي الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضي قام العمال الأويغور بتمرد في مصنع للألعاب مقام قرب مدينة شنغهاي في جنوب البلاد، وهؤلاء عددهم 700 شخص، كانوا قد هجروا إلى مناطق «كونجدوج» التي أقيم المصنع بها. وقد أعلنوا تمردهم لسببن، الأول أن أجورهم لم تصرف منذ شهرين، والثاني أن إدارة المصنع رفضت أن تخصص مساكن تأوي المتزوجين منهم، التمرد أخذ شكل الإضراب عن العمل. لكن رد الفعل من جانب إدارة المصنع كان عنيفا. إذ تجمعت أعداد كبيرة من العمال الآخرين الذين ينتمون إلى أغلبية الهان (قدر عددهم بخمسة آلاف) واقتحموا مكان تجمعهم «لتأديبهم»، واشتبك معهم الأويغوريون الغاضبون. وحسب شهود عيان فإن الاشتباك استمر من التاسعة مساء إلى الخامسة في صباح اليوم التالي، حين تدخلت الشرطة وفضته.(1/104)
البيان الرسمي ذكر أن اثنين من الأويغوريين قتلا، ولكن الأويغوريين أصروا على أن الذين قتلوا من شبابهم يتراوح عددهم ما بين خمسين ومائة، أما الذين تم اعتقالهم أو فقدوا فقد قدر عددهم بالمئات. المهم أن هذه الأخبار حين وصلت إلى سينكيانج، فان أهالي العمال بدأوا يسألون عن ابنائهم وبناتهم الذين لم يعرف مصيرهم. وحين مر أسبوع واثنان دون أن يتلقوا جوابا، فانهم خرجوا في مظاهرة سلمية رفعت فيها صور المفقودين، وحين تصدت لهم جموع الهان ورجال الشرطة حدث الصدام الدموي الذي قال البيان الرسمي إن ضحاياه كانوا 150 من الأويغوريين، في حين ذكرت تقديرات الطرف الآخر ان عدد القتلى يزيد على 400 منهم.
لم تكن هذه بداية غضب سكان الإقليم الأصليين. ولكنها كانت حلقة في سلسلة الصدامات التي لم تتوقف منذ اجتاحت الصين تركستان الشرقية في عام 1933 وضمتها رسميا في عام 1949. وظلت كل انتفاضة للأويغوريين تقابل بقمع شديد بدعوى أنهم انفصاليون تارة وإرهابيون أخيرا، حتى قيل إن ضحايا القمع الصيني قدر عددهم بمليون مسلم ومسلمة.
الانتفاضة هذه المرة كانت أكبر من سابقاتها، الأمر الذي اضطر الرئيس الصيني إلى قطع اجتماعاته في قمة روما والعودة سريعا إلى بكين لاحتواء الموقف المتدهور في سينكيانج. إذ من الواضح أن المسلمين هناك ضاقوا ذرعا بإذلالهم وحرمانهم من تولي الوظائف الرسمية، ومنعهم من صوم رمضان وأداء فريضة الحج ومصادرة جوازات سفر كل الأويغوريين لعدم تمكينهم من الحج إلا عبر الوفود التي تنظمها الحكومة، وتشترط أن يودع الراغب في الحج ما يعادل 6 آلاف يورو لدى الحكومة (وهو ما يعني افقار أسرته)، وأن تتراوح سنه ما بين 50 و70 سنة.
(4)(1/105)
مأساة شعب «الأويغور» (الكلمة في اللغة القديمة تعني المتحد أو المتحالف لأنهم كانوا في الأصل عدة قبائل ائتلفت فيما بينها) تكمن في ثلاثة أمور. الأول أنهم يعيشون في قبضة دولة كبرى ظلت متماسكة عبر التاريخ، لم تتعرض للتفكك كما حدث مع الاتحاد السوفييتي مثلا. الثاني أن بلادهم الشاسعة (1.6 مليون كيلو متر مربع تمثل خمس مساحة الصين وثلاثة أضعاف بلد مثل فرنسا) تتمتع بوفرة ثرواتها الطبيعية. إذ يقدر احتياطي النفط لديها بنحو 8 مليارات طن، ويجري في الوقت الحاضر استخراج 5 ملايين طن منه كل يوم. هذا إلى جانب انها تنتج 600 مليون طن من الفحم الحجري. وبها ستة مناجم يستخرج منها أجود أنواع اليورانيوم، إضافة إلى وجود معادن أخرى على رأسها الذهب، الأمر الثالث أنهم مسلمون، ينتمون إلى أمة منبوذة في العالم، وتمثلها أنظمة لاهية ومهزومة سياسيا وحضاريا.
هم ليسوا مثل البوذيين في التيبت الذين يتعاطف العالم مع قضيتهم. ولا مثل كاثوليك إيريان الغربية الذين وقفت الدول الكبرى مع استقلالهم عن اندونيسيا. ولا وجه لمقارنتهم باليهود، الذين واجهوا مشكلة في أوروبا فقررت الدول المهيمنة حلها عن طريق تمكينهم من اقتلاع شعب فلسطين وإقامة دولة لهم على أرضهم.
استطرادا من هذه النقطة ــ وللعلم فقط ــ فان حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في العام الماضي (2008) وصل إلى 133 مليار دولار. وهذا الرقم يزيد سنويا بمعدل 40%، وللعلم أيضا فانه في الوقت الذي كان مسلمو الأويغور يسحقون كانت 1100 شركة صينية تقيم المعرض الثالث لمنتجاتها في دبي.(1/106)
للعلم كذلك قال لي أحد المسلمين الصينيين الذين يجيدون العربية انه يكلف بمصاحبة وفود الحج الرسمية التي تزور الدول العربية بعد أداء الفريضة، وتلتقي قادتها ومسؤوليها. وقد فجع صاحبنا لأنه أثناء تلك اللقاءات فان أحدا من القادة العرب لم يحاول أن يسأل الوفود التي رافقها عن أحوال المسلمين في الصين، الذين تقدرهم المصادر التركية بستين مليون نصفهم من الأويغور.
المصدر/ صحيفة الخليج الاماراتيه
وجريدة الشروق المصرية
تاريخ النشر 14/07/2009
خذلتنا الدول الإسلامية فى قضية تركستان
فهمى هويدي
خذلتنا وفضحتنا الدول الإسلامية والعربية فى موضوع اضطهاد مسلمى الصين الذين تعرضوا للهزيمة الشهيرة فى سينكيانج (تركستان). ذلك أنها لم تكتف بالصمت إزاء ما جرى وأدى إلى قتل 150 مسلما طبقا للأرقام الرسمية (مصادر الأويغور تحدثت عن 400 قتيل إضافة إلى 600 مفقود)، فلم يصدر أى تعليق رسمى من أى عاصمة عربية أو إسلامية، باستثناء تركيا. لكن حدث ما هو أسوأ، إذ تحفظت أهم الدول الإسلامية والعربية على اجتماع دعت إليه أمانة منظمة المؤتمر الإسلاى غدا (الثلاثاء) لمناقشة الموضوع وتحديد موقف إزائه. وهو ما أدى إلى تأجيل الاجتماع إلى موعد لاحق، أو بتعبير أدق إلغاؤه فى الوقت الراهن على الأقل.(1/107)
القصة الأصلية باتت معلومة للكافة، بعدما تناقلت وكالات الأنباء صور ووقائع ما جرى فى المقاطعة التى كانت تسمى تركستان الشرقية يوما ما، وكانت نسبة المسلمين فيها 100?، ثم ضمتها الصين بالقوة وسمتها سينكيانج، وقامت بتهجير بعض مسلميها الأويغور، وفى الوقت ذاته استقدمت أعدادا كبيرة من أبناء قومية «الهان» الصينية. وهو ما أدى إلى تخفيض نسبة المسلمين إلى 60?، وهناك من يقول إن نسبتهم لم تعد تتجاوز 40?، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، وإنما مورست بحق المسلمين صور مختلفة من التمييز والقمع والتضييق فى ممارسة الشعائر والعبادات. وكانت تلك أسبابا كافية لإشاعة الاحتقان بينهم، الأمر الذى أدى إلى انفجار الغضب المخزون والمكتوم فى أكثر من مناسبة خلال نصف القرن الماضى، وكانت انتفاضة بداية شهر يوليو الحالى أحدث مواجهة من هذا القبيل.
حين وقعت الواقعة لم يسمع سوى صوت واحد لرئيس الوزراء التركى الذى أدان موقف السلطات الصينية ووصف ما حدث بأنه جريمة إبادة للمسلمين فى سينكيانج(تركستان). وكما سكت الرسميون العرب لم تحرك المؤسسات والمنظمات العربية ساكنا. وحده الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى الدكتور أكمل إحسان الدين أوغلو ــ وهو تركى أيضا ــ تحرك على أربعة مستويات. فوجه رسائل إلى المنظمات الدولية المعنية المختصة بحقوق الإنسان والأقليات والحريات الدينية، طالبها فيها بتحمل مسئوليتها تجاه ما يتعرض له المسلمون فى الصين. من ناحية ثانية فإنه أصدر بيانين فى 6 و8 يوليو الحالى أعرب فيهما عن القلق إزاء ما يجرى للأويغور، ودعا الحكومة الصينية إلى التحقيق فيما جرى ومعالجة الموقف بما يحمى حقوق الأقلية المسلمة ويلتزم بمبادئ حقوق الإنسان. من ناحية ثالثة فإنه طلب مقابلة سفير الصين لدى الرياض للتشاور معه حول الأمر. من ناحية رابعة فإنه دعا إلى اجتماع يعقد فى جدة غدا (الثلاثاء) لممثلى الدول الإسلامية لدى المنظمة لبحث الأمر.(1/108)
ما الذى حدث بعد ذلك، أـ سكتت المنظمات الدولية المعنية. وردت سفارة الصين فى الرياض بأن السفير غير موجود، والقائم بالأعمال مشغول، وأنها ستوفد نائب القنصل للقاء الدكتور أكمل والاستماع إليه، لكن حين علمت السفارة أن اجتماعا سيعقد يوم الثلاثاء لممثلى الدول الإسلامية، فإن القائم بالأعمال (المشغول!) سارع إلى لقاء الدكتور أوغلو، وأمضى معه ثلاث ساعات على مدى يومين متتالين، برر خلالهما موقف حكومته، ونقل إليه دهشتها لصدى الأحداث لدى أمانة منظمة المؤتمر الإسلامى. ثم قال إن لدول المنظمة الإسلامية رأيا آخر نقل إلى بكين، خلاصته أن حكوماتها لا تؤيد تصعيد الموقف والاشتراك فى الاجتماع الذى دعا إليه الأمين العام يوم الثلاثاء.
أسقط فى يد الدكتور أكمل الذى بدا وكأنه يقف وحيدا فى الساحة، وكلف من أجرى اتصالات مع أبرز الدول الأعضاء، فى المنظمة، وكانت المفاجأة أن كلام القائم بالأعمال الصينى صحيح. وتأكدت الأمانة العامة للمنظمة من ذلك أثناء انعقاد مؤتمر قمة عدم الانحياز الذى عقد فى شرم الشيخ. إذ تبين أن على رأس الدول المعترضة على الاجتماع المفترض باكستان والسودان وإيران والسنغال التى ترأس القمة الإسلامية. وكان من بين تلك الدول أيضا مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية واليمن. وكان لكل دولة حساباتها وتوازناتها الخاصة.
إزاء ذلك لم يكن هناك مفر من إلغاء الاجتماع. وكان الحل الوسط الذى أريد به ستر الفضيحة أن الصين وافقت على أن يزور الصين الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى ليتابع الموقف على الطبيعة. على أن ينظر فى الخطوة التالية بعد عودته من الزيارة التى يفترض أن تتم فى أوائل شهر أغسطس ــ لقد كسفونا وقصروا رقابنا أخزاهم الله!
جريدة الشروق
21.07.2009
سكتت الحكومات ـ أين الشعوب فى قضية تركستان؟
فهمى هويدى(1/109)
إذا كانت حكومات العالم العربى والإسلامى قد خذلتنا فى مسألة التضامن مع مسلمى الصين الذين يتعرضون للقمع والسحق، فأين الشعوب؟.. لقد كان مفاجئا وصادما حقا أن نكتشف أن تلك الحكومات تقاعست عن المشاركة فى الاجتماع الذى دعت إليه منظمة المؤتمر الإسلامى لمناقشة مأساة مسلمى الأويغور واتخاذ موقف منها.
ولم يخطر على بال أحد منا أن تمتنع حكومات الدول الإسلامية حتى عن مناشدة السلطات الصينية أن تحقق فى الصدامات المروعة التى حدثت فى سينكيانج(تركستان)، ولا أقول توجيه العتاب إليها بسبب إهدار حقوق المسلمين واستمرار التنكيل بهم. ولكن الذى حدث أن الدول الإسلامية، بما فيها تلك التى نحسن الظن بها، مثل إيران وباكستان والسعودية ومصر، قدمت حساباتها السياسية على مؤازرة ملايين المسلمين المقهورين فى الصين ومساندتهم فى محنتهم، أستثنى من ذلك موقف الاحتجاج والغضب الذى أعلنته الحكومة التركية وعبّر عنه رئيسها الطيب أردوغان على نحو خفف من شعورنا بالخزى والحزن.
أدرى أن السؤال عن دور الشعوب الإسلامية يبدو صعبا ومحرجا، على الأقل فى العالم العربى، الذى لم يعد يسمع فيه صوت الشعوب إلا فى حالات استثنائية ونادرة.
بعدما تم فيه تدمير مؤسسات المجتمع المدنى أو تطويعها وإلحاقها بالسياسات الحكومية. لم تسلم من ذلك المرجعيات الدينية مثل الأزهر ورابطة العالم الإسلامى، التى ضُمت إلى الأبواق الرسمية، بحيث أصبح تعبيرها عن السياسات المحلية مقدما على تمثيلها للأمة، ولابد أن نحمد الله على أن منظمة المؤتمر الإسلامى استطاعت أن تتبنى موقفا نزيها ومستقلا فى الموضوع الذى نحن بصدده. كما نحمده على أن اتحاد علماء المسلمين لم يخيب ظننا فيه، وأصدر بيانا أدان فيه المظالم التى يتعرض لها مسلمو الصين.(1/110)
يبدِّد شعورنا بالإحباط أن شعوبنا لم تفقد حيويتها وغيرتها بعد، رغم كل جهود التحكيم والتكبيل والإخصاء. فجماهيرنا التى هبّت غاضبة دفاعا عن كرامة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) واحتجاجًا على الرسوم الدانماركية، أحسبها مازالت جاهزة للاستجابة لأى دعوة تطلق دفاعا عن كرامة ملايين المسلمين الأويغوريين، ولا يُنسى أن تلك الجماهير ذاتها خرجت عن بكرة أبيها لنصرة شعب غزة أثناء العدوان الإسرائيلى على القطاع، وهى التى ما برحت تقدم الدعم والقوت للمحاصرين هناك، بعدما تقاعست عن ذلك أغلب حكوماتنا، على النحو الذى يعرفه الجميع.
لايزال الأمل معقودا على موقف هذه الشعوب وعلى الرموز والجماعات والمنابر التى تمثلها، فى أن تعرب عن احتجاجها على قمع شعب الأويغور وقهره، وتضامنها مع إخوانهم المسلمين هناك. ولأن مؤسسات المجتمع المدنى فى بعض الدول الإسلامية أقوى وأنشط منها فى العالم العربى، فإن دور تلك المنظمات فى المساندة والدعم مطلوب ومؤثر لا ريب.
إن غاية المراد من التضامن المطلوب هو إعلان غضب جموع المسلمين الأويغور، والأعراب عن الاستياء إزاء الاستمرار فى قمعهم والتنكيل بهم وحرمانهم من أبسط الحقوق المدنية والدينية. وحبذا لو استطعنا أن نبعث برسالة إلى السلطات الصينية تقول بوضوح إن ذلك البلد الكبير لا يستطيع أن يحتفظ بمودة شعوب العالم الإسلامى وتقديرها فى الوقت الذى يقهر فيه مسلمو الصين وتدمر حياتهم، وإن من شأن استمرار تلك السياسة أن تؤثر على مصالح الصين فى العالم الإسلامى. خصوصا أن العالم العربى يشكل أكبر سوق للبضائع الصينية (حجم التبادل التجارى فى عام 2008 وصل إلى 133مليار دولار تزيد بمعدل 40? كل عام).(1/111)
وإذا استمر الموقف الصينى الراهن كما هو، فقد يشجع ذلك الأصوات الداعية إلى مقاطعة البضائع الصينية. وهو أمر قد يبدو متعذِّرا من الناحية العملية، لأن أسواقنا أصبحت مشبعة بتلك البضائع، إلا أن إطلاق تلك الدعوة سيكون موجعا للصين، التى قلت صادراتها إلى الخارج بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. وفى كل الأحوال فينبغى أن يكون واضحا أننا نحرص على الصين، لكنها ينبغى أن تحرص على مشاعرنا أيضا.
جريدة الشروق
22 يوليو 2009 م
صمت دولي وإسلامي على مذابح المسلمين في تركستان الشرقية
د. سهيلة زين العابدين حماد
دخل الإسلام بلاد التركستان الشرقية عام 934م عن طريق الأويغور «سوتوق بوغراخان » الذي اعتنق الإسلام قبل أن يتولى العرش ويصبح حاكم ولاية الأويغور..وبعد أن أصبح حاكماً اتخذ لنفسه اسماً مسلماً هو «عبد الكريم» وبإسلامه أسلم معظم التركستانين من السكان وسكان وسط آسيا، لتصبح تركستان بعد ذلك مركزاً رئيساً من مراكز الإسلام في آسيا..(1/112)
استمرت تلك الحضارة الإسلامية زهاء الألف سنة كان من نتاجها نخبة من مصابيح الهدى ومنارات العلم كالبخاري، والترمذي، والزمخشري، وغيرهم من العلماء.. وعندما تولى الشيوعيون مقاليد الحكم في الصين عام 1949م مارسوا مع المسلمين هناك أسوأ ألوان المسخ العقدي المتمثل في إبعادهم الكامل عن دينهم، وقطع صلتهم بحضارتهم الإسلامية، فقد ألغى الشيوعيون الكتابة العربية التي كان المسلمون يستخدمونها لمدة ألف سنة ماضية، وأتلفوا 730ألف كتاب باللغة العربية بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم، وذلك تحت شعار محاربة «مخلفات الماضي».. وصادروا ممتلكات الوقف لقطع موارد الأنشطة الدينية تحت شعار «الإصلاح الزراعي» وأغلقوا كل المدارس الملحقة بالمساجد وكانت هذه عادة المسلمين في بناء المدارس وإجبارهم على تعلم مبادئ ماركس ولينين رماو، وأغلقوا 29 ألف مسجد في جميع أنحاء تركستان الشرقية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية واسطبلات ومجازر، وقبضوا على 54ألف إمام وتم تعذيبهم وتشغيلهم بالسخرة في تنظيف المجاري والعناية بأمر الخنازير...
ولكل ما سبق فقد قام التركستان المسلمون بالدفاع عن عقيدتهم وبلدهم وكان ذلك بين سنتي 1950-1972م. وكانت المحصلة: إعدام 360ألف شخص مسلم، وهروب أكثر من 100ألف مسلم إلى البلاد المجاورة. وما إن هلك الشيوعي «ماوتسي تونج» حتى خفّت حدّة الحرب على المسلمين لكنها لم تنطفئ خاصةً مع مطالبة إخواننا هناك بالاستقلال، وهو حق لهم وعدهم بتنفيذه الشيوعيون عندما تولوا مقاليد الحكم، ولكنهم الشيوعيون يتفقون مع إخوانهم اليهود في الغدر والخيانة فكيف يتنازلون عن مبدئهم؟(1/113)
إنَّ الشيوعيين الآن يرمون إلى تصيين المسلمين كلياً، وتمثيل ذلك في الشعار الموضوع عندهم حالياً.. فتح تركستان الشرقية وقد أطلقوا هذا الشعار عام 1990م وكان من نتاجه أن أصبحت نسبة المستعمرين الصينيين في تركستان المسلمة 60%، بينما نسبة أهل البلاد 40% فقط لا غير.. إن سياسة الانفتاح التي تطبقها الإدارة الصينية في تركستان الشرقية تستهدف فتح الطريق أمام إسكان الصينيين، ونهب ثروات البلاد الطبيعية، وتكثيف عمليات نقل هذه الثروات إلى داخل الصين، وأخيراً القضاء على الشعب التركستاني المسلم بصهره في المجتمع الصيني صهراً كاملاً وطمس معالم الإسلام عنده، وتغيير ديمغرافيته لجعل المسلمين أقلية في بلادهم.
ويؤكد سكان تركستان الشرقية، وهم 25 مليون من الأويغور، أنهم يتعرضون لاضطهاد سياسي وثقافي وديني. وقد خرج أكثر من 10 آلاف متظاهر إلى شوارع مدينة «أورومتشي»، مطالبين بمعاقبة المسئولين في أحداث (مقاطعة جواندونغ الواقعة جنوب الصين) التي حدثت بتاريخ 26/6/2009، حيث قُتل أكثر من 20 وجرح أكثر من 120 من المسلمين الأويغور الذين يعملون في أحد مصانع الألعاب على يد المتطرفين الصينيين»، وقتلت السلطات الصينية أكثر من 600 قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين في «شينجيانغ»في قمع السلطات الصينية لاحتجاجات المسلمين الأويغور في إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية). وقد قطعت السلطات الصينية كل وسائل الاتصال بين تركستان الشرقية والعالم الخارجي، وحجبت عشرات المواقع والمنتديات التي تُنشر من تركستان الشرقية» للتعتيم الإعلامي على تلك المذابح والجرائم.(1/114)
كل هذا لم يحرك المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية لمطالبة الصين بإيقاف مذابحها ضد مسلمي تركستان الشرقية، ولم تُفرض عقوبات دولية على الصين كتلك التي تُفرض على الدول العربية والإسلامية، والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية لم تتحرك كعادتها عندما تحدث مشكلة ما في أي بلد عربي وإسلامي، والسبب واضح، وهو أنَّ المجتمع الدولي لا يكترث بحقوق المسلمين والحفاظ عليها، فهو متآمر ضد المسلمين ومحاربتهم وتمزيق أوصالهم، وإثارة الفتن الداخلية فيما بينهم لإضعافهم وإخضاعهم للغرب الطامع في ثرواتهم من جهة، والحاقد على الإسلام، ويريد القضاء عليه تضامناً مع البابوية التي أعلنت في المجمع المسكوني الذي عقد عام 1965م استقبال الألفية الثالثة بلا إسلام، فاحتجاجات الرئيس أوباما وإدارته والاتحاد الأوروبي على ما سمي بحرب إبادة في دارفور ليس حرصاً على أرواح الدارفوريين، ولكن بهدف تقسيم السودان وتجزئته، وجعل إقليم دارفور تحت سيطرة إسرائيل لثروته البترولية وتنفيذ مخطط التقسيم الذي وضعه المستشرق اليهودي البريطاني، ثُمَّ الأمريكي عام 1940م، وقد زودت إسرائيل متمردي دارفور بأسلحة من صنعها، ولجأ إليها بعض المتمردين، ولم يكتف بهذا، بل نجد المجتمع الدولي ومجلس الأمن والجمعيات الحقوقية الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان قد هبوا ضد الحكومة السودانية ورئيسها عمر البشير، وفرضت عقوبات على السودان، وصدر حكم دولي على الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكابه جرائم حرب، وفشلت وساطات المجموعة العربية في تجميد هذا الحكم، وأخذ رئيس المحكمة الجنائية الدولية يجوب دولاً أفريقية لإقناع قادتها بتسليم الرئيس البشير للمحكمة الدولية، ومقابل هذا كان صمتاً عالمياً تجاه المذابح الصينية ضد المسلمين في تركستان الشرقية، ولم نسمع صوتاً لأية منظمة حقوقية تستنكر مذابح المسلمين في تركستان الشرقية على أيدي الصينيين.(1/115)
ورافق الصمت الدولي صمت عربي وإسلامي، ولم نسمع صوتاً احتجاجياً من الدول الإسلامية إلاَّ من تركيا لأنَّ التركستانيين من أصول تركية، وكأنَّ المسلمين لا توجد روابط بينهم إلاَّ القوميات، وكأن الدول الغربية هي التي تحركنا، فلا نتحرَّك إلاَّ إذا هي تحركت، ونتخذ نفس مسارها حتى فيما يتعلق بقضايانا، ونسينا عدونا الأول إسرائيل، واعتبر الغرب المقاومة إرهاباً وعنفاً وحظر السلاح على المقاومتيْن اللبنانية والفلسطينية فبتنا نردد كلمة العنف على المقاومة، وغاب مصطلحا الجهاد والمقاومة من معجمنا اللغوي، فمتى نفيق ونتحرر من كل قيود التبعية للغرب؟؟
المصدر/ جريدة المدينة المنورة
23/7/2009
الإسلام في الصين
د. راغب السرجاني
كثيرة هي الأزمات التي تتعرض لها أمتنا الإسلامية في وقتنا الحاضر، ولا نكاد نُغلِق ملفًا حتى نفتح آخر، بل لعلنا نفتح عشرات الملفات في آنٍ واحد، فالقضية ملتهبة في فلسطين والعراق والسودان والصومال وأفغانستان والشيشان.. وهي كذلك ملتهبة في الصين وفي ألمانيا وفي فرنسا وفي الدنمارك.. قضايانا كثيرة.. وأزماتنا شديدة.. وقد يدفع هذا بعض المسلمين إلى أن يقولوا: اتسع الخرق على الراقع. بمعنى أنه لم يعُدْ هناك أمل في الإصلاح، ولم تعد هناك فرصة للقيام.. وهذا الإحباط في حقيقة الأمر لا معنى له في الإسلام، بل نؤمن أن الله بيده مقاليد السموات والأرض، وأنه لو رأى منا صلاحًا واستقامة لأنزل علينا نصره المبين بالطريقة التي يريد، وفي الوقت الذي يراه. كما أن دراسة التاريخ أثبتتْ لنا أن مع الصبر نصرًا، وأن مع العسر يسرًا، وأن أنوار الفجر لا تأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل.(1/116)
آثرت أن أبدأ بهذه المقدمة لكي لا يتسرب اليأس إلى قلوب المسلمين ونحن نفتح مأساة جديدة من المآسي العديدة التي تتعرض لها أمتنا الآن، وهي مأساة المسلمين في منطقة التركستان الشرقية، وتعرُّض الشعب الإسلامي هناك -وهو المعروف بشعب الأويغور- لاضطهاد عرقي كبير من السلطات الصينية، وليست هذه هي المرة الأولى التي نتحدث فيها عن أزمة المسلمين في الصين، فقد تناولنا مشكلة المسلمين في التبت -وهي إحدى المقاطعات الصينية- في مقال سابق تحت عنوان "قصة التبت"، ويبدو أننا لن نُغلِق هذه الملفات سريعًا؛ لأن المشكلة عميقة الجذور.
جذور القصة
ولكي نفهم القصة بوضوح لا بد من العودة إلى أصولها، ولا بد من البحث في جذورها، ثم لا بد أيضًا من ربط ما يحدث في إقليم التركستان بما حدث في إقليم التبت، وبما يحدث في بقية أقاليم الصين؛ لذلك وجدت أنه من المفيد قبل أن نخوض في قصة الأويغور وعلاقتهم بالتركستان، لا بد من شرح قصة الإسلام في الصين بشكل عام. كما لا بد أن نأخذ فكرة -ولو يسيرة- عن أرض التركستان المجاورة للصين، وعن طبيعة شعبها وأرضها.
التركستان كلمة مكوَّنة من مقطعين وهما "الترك" و"ستان"، وهذا يعني أنها أرض الترك، والأتراك من الشعوب الصفراء أبناء يافث بن نوح عليه السلام، وهم من الشعوب الإسلامية الأصيلة التي دخلت في الإسلام مبكرًا، بل ظهر منهم من حمل الراية الإسلامية وقاد العالم الإسلامي كله في أكثر من مرحلة من مراحل التاريخ.
الخلط بين العثمانيين والأتراك(1/117)
ويخلط كثير من الناس بين كلمة "الأتراك" وكلمة "العثمانيين"، فيعتقد أنهما مترادفتان، ولكن الحقيقة أن كل العثمانيين أتراك، ولكن العكس ليس صحيحًا؛ فهناك الكثير من الأتراك ليسوا عثمانيين، وما العثمانيون إلا فرع محدود من قبائل الأتراك العظيمة، والتي ظهر منها رموز خالدة في تاريخنا، أمثال ألب أرسلان السلجوقي، وعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وأحمد بن طولون، وغيرهم وغيرهم.
فالأتراك هم الشعوب التي تعيش في منطقة وسط آسيا وجبال القوقاز وحول بحر قزوين، وقد هاجر بعضها إلى أماكن بعيدة، كالعثمانيين الذين هاجروا إلى آسيا الصغرى (تركيا الآن)، ولكن الجميع ما زال يحتفظ بجذوره التركية الأصيلة، ولعل هذا يوضِّح لنا تفاعل الشعب التركي -على وجه الخصوص- مع قضية المسلمين في الصين؛ وذلك لاتفاق الجذور العرقية معهم، فضلاً عن العاطفة الإسلامية المتزايدة في تركيا في ظل وجود الزعيم الإسلامي الموفَّق أردوجان.
يُقسِّم المؤرخون أرض الترك إلى قسمين كبيرين هما التركستان الشرقية (وهي الواقعة داخل الأراضي الصينية الآن)، والتركستان الغربية وهي مساحات شاسعة جدًّا من الأرض تضم بين طياتها الآن عدة دول هي كازاخستان وأوزبكستان والتركمنستان وقيرغيزستان وطاجكستان، وأجزاء من أفغانستان، وكذلك أجزاء من إيران، إضافةً إلى الشيشان وداغستان الواقعتيْن تحت الاحتلال الروسي.
دخول الإسلام تركستان
وقد وصل الإسلام قديمًا جدًّا في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما إلى التركستان الغربية، ودخلت هذه الشعوب في دين الله أفواجًا، ومن التركستان الغربية انتقلت قوافل الدعاة والتجار إلى منطقة التركستان الشرقية، وكذلك إلى الصين، ودخل عدد من هؤلاء في الدين الإسلامي.(1/118)
وفي عهد الخلافة الأموية وصل عدد البَعثات الإسلامية المرسلة إلى الصين إلى 16 بعثة تدعوهم إلى الله، ثم حدث التطور النوعي والنقلة الهائلة عندما وصلت جيوش المسلمين الفاتحين بقيادة القائد المسلم الفذّ قتيبة بن مسلم الباهليّ إلى التركستان الشرقية، ليفتحها بإذن الله، ويدخل عاصمتها كاشغر، وليتعرف أهل البلاد -وهم من الأويغور الأتراك- على الإسلام من قرب، ثم يسارعوا في الدخول إلى دين الله؛ لتصبح منطقة التركستان الشرقية إقليمًا إسلاميًّا خالصًا، وكان هذا الفتح العظيم في سنة 96هـ/ 714م في أواخر أيام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
ومن هذا الإقليم المسلم بدأت قوافل الدعاة تتحرك في المنطقة، فدخلت جنوبًا إلى إقليم التبت، وبدأ أهل التبت يتعرفون على الإسلام ويعتنقونه، بل أرسلوا إلى والي خراسان الجرَّاح بن عبد الله في زمن الخليفة الأمويّ العظيم عمر بن عبد العزيز يطلبون إرسال الفقهاء إلى التبت لتعليمهم الإسلام.
ومن إقليم التركستان الشرقية كذلك انتقلت وفود الدعاة إلى الصين؛ مما زاد من عدد المسلمين في داخل الصين، إضافةً إلى 12 بعثة إسلامية أرسلتهم الخلافة العباسية؛ مما أدى إلى تعريف الناس بالإسلام بشكل أكبر.
والجدير بالذكر أنه في هذه المراحل الأولى كان يتعايش المسلمون في المجتمع الصيني أو في التبت مع البوذيين والديانات الأخرى بشكل سلميّ دون مشاكل دينية أو سياسية، كما كان يُحسِن المسلمون في إقليم التركستان الشرقية إلى الأعداد الكبيرة من الوثنيين الذين كانوا يعيشون معهم في نفس الإقليم من منطلق القاعدة الإسلامية الأصيلة "لا إكراه في الدين".
إسلام ستوق بغراخان وانتشار الإسلام(1/119)
وفي سنة 323هـ/ 943م حدثت طفرة هائلة في إقليم التركستان الشرقية عندما أسلم "ستوق بغراخان خاقان" زعيم القبيلة القراخانية الأويغورية التركية، وبإسلام هذا الرجل العظيم دخلت في الإسلام أكثر من مائتي ألف عائلة تركية، مما يعني أكثر من مليون إنسان في لحظة واحدة! وهو يُذكِّرنا بموقف الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما أسلمت الأوس بإسلامه.
قويت بذلك دولة التركستان الشرقية جدًّا، وبدأت في الارتقاء الحضاري المتميز، وزاد الأمر قوة في عهد حفيد ستوق، وهو هارون بغراخان، الذي تلقب بشهاب الدولة، وكذلك بظهير الدعوة، وقد أوقف خُمس الأراضي الزراعية لإنشاء المدارس لتعليم الإسلام، وأكثر من ذلك فقد كتب اللغة التركستانية -وكذلك اللهجة الأويغورية- بالحروف العربية، وكان هذا تقدمًا عظيمًا في تمسك أهل التركستان بالإسلام، حيث أصبحت قراءة القرآن والأحاديث النبوية والمراجع الإسلامية متيسرة لهم بشكل أكبر.
وفي سنة 435هـ/ 1043م استطاع الأويغوريون إقناع عشرة آلاف عائلة من عائلات القرغيز الأتراك بدخول الإسلام، وكانت إضافةً قوية جدًّا لدولة التركستان، وكانت دولة التركستان في ذلك الوقت تخطب للخليفة العباسي القادر بالله على منابر المساجد، وضربوا العملة باسمه، مع أنه لم يكن له سيطرة فعليَّة على البلاد، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك من منطلق إسلامي، ورغبة في توحيد الصف المسلم.
الاجتياح التتري
ظل الأمر كذلك حتى ابتُلِي العالم بمصيبة كبرى وهي الطاغية المغولي جنكيز خان سنة 603هـ/ 1206م، وقد توسع بسرعة رهيبة في البلاد المحيطة، وذلك انطلاقًا من منغوليا، وقد تلقت التركستان الشرقية الصدمة التترية الأولى، وحدثت فيها عدة مذابح، ودخلت بسرعة في سلطان التتار، خاصةً أن العالم الإسلامي بشكل عام كان يعاني من الضعف الشديد.(1/120)
وعندما مات جنكيز خان حدثت بعض الصراعات بين أتباعه، وانتهى الأمر إلى تقسيم مملكة التتار الواسعة إلى أجزاء عدة، وما يهمنا الآن من هذه الأجزاء جزآن؛ أما الجزء الأول فهو الذي يضم منغوليا والتركستان الشرقية، وكان على رأسه "أريق بوقا"، وهو من أسرة أوكيتاي المغولي، وهذا الجزء يضم دولة التركستان الشرقية بكاملها، وقد تحسنت علاقة التتر بالمسلمين مع مرور الوقت، بل وصل الأمر إلى أن اعتنق أحد زعمائهم وهو "طرما تشيبرين" الإسلام، وبالتالي دخلت أعداد كبيرة من المغول في دين الإسلام، وهو من العجائب في التاريخ حيث يدخل المحتلون القاهرون في دين المستضعفين المهزومين، وهذه عظمة الإسلام وقوة حجته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون! وكان هذا التحول إلى الإسلام في سنة 722هـ/ 1322م.
وبالمناسبة فهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها المغول إلى الإسلام، فقد دخل قبل ذلك أحد زعمائهم الكبار وهو بركة خان إلى الإسلام، وأسلمت معه قبيلته المعروفة بالقبيلة الذهبية، وكانوا يعيشون في منطقة القوقاز في وسط آسيا.
مسلمو الصين وأسرتا قوبيلاي(1/121)
أما الجزء الثاني الذي له علاقة بقصتنا فهو منطقة الصين، حيث دخلت في حكم قوبيلاي بن تولوي المغولي، الذي جعل عاصمته في مدينة خان باليغ الصينية، والتي صارت بكين بعد ذلك. ومن العجيب أن هذه الدولة كانت تقدِّر المسلمين جدًّا وتحترمهم، مع أن جيوش التتار ذبحت قبل ذلك ملايين المسلمين في البلاد الإسلامية، لكن أسرة قوبيلاي في الصين كانت تتعامل مع المسلمين الصينيين أرقى معاملة لما تميزوا به من الكفاءة والأمانة وحسن الأخلاق والقدرة على الإدارة؛ مما دفع أسرة قوبيلاي إلى استخدام المسلمين في الولايات العامة وفي المناصب الكبرى، ولم يكن بالضرورة أن يستخدموا المسلمين من أبناء الصين، بل كانوا يستعملون أيضًا المسلمين القادمين من التركستان الشرقية أو الغربية، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن القادة المسلمين كانوا يحكمون 8 ولايات من أصل 12 ولاية تتكون منها الصين آنذاك! ومن أشهر المسلمين نفوذًا في هذه الحقبة "شمس الدين عمر" الذي ترقى من كونه ضابطًا بالجيش المغولي الحاكم للصين إلى حاكم عسكري لمدينة تاي يوان، ثم مدينة بنيانغ، ثم صار قاضيًا في مدينة بكين، ثم حاكمًا لمدينة بكين العاصمة! وقد اهتم هذا الحاكم المسلم بإنشاء عدد كبير من المدارس والمعاهد الدينية في الصين، ولعل أكثر المساجد الموجودة الآن في الصين قد أسِّست في "العهد المغولي"، وذلك في ظل المكانة المرموقة التي كان يتمتع بها المسلمون.
ظلت أسرة قوبيلاي المغولية تحكم الصين حتى سنة 770هـ/ 1368م حين سقطت هذه الأسرة على يد أسرة صينية شهيرة هي "أسرة منغ"، والذي امتد نفوذها خارج الصين ليصل إلى تركستان الشرقية، التي كانت في حوزة المغول من أسرة أوكيتاي.(1/122)
وعلى الرغم من التغير الاستراتيجي الكبير الذي حدث بانتقال الحكم من المغول إلى الصينيين إلا أن وضع المسلمين في دولة الصين، وكذلك في دولة التركستان الشرقية ظل متميزًا؛ حيث سارت أسرة منغ على نفس طريق أسرة قوبيلاي المغولية، وقدَّموا المسلمين البارزين علميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا إلى المراكز المرموقة في الدولة، وظل هذا الوضع إلى سنة 1052هـ/ 1642م.
اضطهاد المسلمين في عهد المانشوريين
لكن في سنة 1052هـ/ 1642م سقطت دولة منغ لتقوم مكانها دولة صينية جديدة تحت قيادة عائلة مانشو Manchu، وهي المعروفة بالأسرة المانشورية، لتمارس أسلوبًا جديدًا في التعامل مع المسلمين، وهو أسلوب الصدام والصراع؛ فقد خشي المانشوريون من نفوذ المسلمين، فبدءوا في اضطهادهم وقمعهم، وزاد الأمر خطورة عند اكتشاف محاولة لإعادة أحد أمراء أسرة منغ إلى الحكم بمساعدة المسلمين، وذلك في سنة 1058هـ/ 1648م؛ مما أدى إلى تصعيد خطير من الأسرة المانشورية، وقامت بقتل خمسة آلاف مسلم، وامتد هذا التوتر وبشكل أكبر إلى ولاية كانسو، وهي إحدى الولايات القريبة من التركستان الشرقية، والتي تتميز بكثرة إسلامية.(1/123)
حاولت أسرة مانشو عدة مرات أن تحتل إقليم التركستان الشرقية، الذي عاد إسلاميًّا صِرفًا بعد إسلام المغول، ليضم بين جنباته المسلمين من المغول والأويغور الأتراك، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل في البداية، إلى أن نجحت الأسرة المانشورية في احتلال التركستان الشرقية سنة 1172هـ/ 1759م، وقد دام هذا الاحتلال عدة عشرات من السنين، ولكن تحرر لفترة قصيرة ليقيم الأتراك حكمًا إسلاميًّا هناك لمدة 13 سنة، ولكن سقط مجددًا تحت الاحتلال الصيني، وذلك بمساعدة الإنجليز، وهذا في سنة 1292هـ/ 1876م، وقد قامت الأسرة المانشورية فورًا بتغيير اسم التركستان الشرقية إلى إقليم "سنكيانج" أي المقاطعة الجديدة؛ في محاولةٍ لطمس الهوية الإسلامية، ومحو التاريخ العربي لهذا الإقليم.
ولقد قامت الأسرة المانشورية بإجراءات قمعية كبيرة جدًّا في إقليم التركستان الشرقية، وعيَّنتْ حاكمًا مسلمًا عميلاً لها على الإقليم كان أشد ضراوةً على السكان من الصينيين أنفسهم، لكنها في نفس الوقت لم تمارس هذا الضغط بشكل عنيف في الصين نفسها، بل حاولت تهدئة الأمور مع المسلمين، ولكن دون أن تسمح لهم بحرية كبيرة في التعريف بدينهم، ولقد حاول السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله -الخليفة العثماني المشهور- أن يُجرِي علاقات مع المسلمين في الصين، وأرسل لهم عدة بَعثات دينية، ولكن هذه البعثات قوبلت بالمقاومة من الحكومة الصينية؛ مما قلَّص من أعمالها ونتائجها.
الحكم الجمهوري والاعتراف بالمسلمين(1/124)
ثم سقطت الدولة المانشورية في سنة 1329هـ/ 1911م، وساعد المسلمون في سقوطها ليقوم الحكم الجمهوري في الصين، وقد اعترف الحكم الجمهوري في الصين منذ أيامه الأولى بأن المسلمين هم أحد العناصر الرئيسية في دولة الصين، وأن الصين مكوَّنة من خمسة عناصر رئيسية هم الصينيون (وأصولهم قبيلة الهان)، والمانشوريون، والمغول، والمسلمون (ومعظمهم من قبيلة الهوي الصينية)، والتبت. وكان العَلَمُ الصيني مكوَّنًا من خمسة ألوان؛ للدلالة على هذه الأعراق الخمسة، وهي الأحمر والأزرق والأصفر والأبيض والأسود، وكان المسلمون يمثَّلون باللون الأبيض. وهدأت بذلك أوضاع المسلمين كثيرًا في الصين باستثناء التركستان الشرقية التي خشي الجمهوريون من إعطاء مساحة حرية له فينفصلون على الدولة الصينية، ومن ثَمَّ كانت الحرية الدينية للصينيين من قبائل "الهوي" أو المهاجرين، ولكنها ليست للإيجوريين الأتراك في التركستان الشرقية.
استقلال تركستان الشرقية
ثم دخلت الصين في حرب كبيرة جدًّا مع اليابان انتهت بدخول اليابان إلى بكين عاصمة الصين 1325هـ/ 1933م، وقام اليابانيون بعِدَّة مذابح ضد الصينيين، لكنهم -في نفس الوقت- أعطوا مساحة حرية كبيرة للمسلمين؛ لإحداث شيء من التوازن في المنطقة. ولقد استغل الأتراك في التركستان الشرقية الفرصة وقاموا بحركة تحرُّر من الصينيين، ونجحوا في ذلك بالفعل، وأعلنوا دولة التركستان الشرقية المسلمة في سنة 1352هـ/ 1933م، ولكن بعد عام واحد اتحدتْ الحكومة الجمهورية في الصين مع روسيا ليدخلا معًا إلى التركستان الشرقية ليُعِيدا احتلال التركستان الشرقية لصالح الصين، وذلك في سنة 1353هـ/ 1934م، على الرغم من وجود الاحتلال الياباني في الصين، ولقد قام الصينيون بإعدام رئيس دولة التركستان "خوجانياز"، وكذلك رئيس الوزراء "داملا"، إضافةً إلى عشرة آلاف مسلم آخرين.
الاحتلال الشيوعي لتركستان(1/125)
قامت الحرب العالمية الثانية سنة 1358هـ/ 1939م، وانتهت سنة 1364هـ/ 1945م، وقد هُزمت فيها اليابان، وبالتالي خرجت من الصين، ولكن قامت في نفس الوقت الثورة الشيوعية في الصين بقيادة "ماو تسي تونج"، وحدثت بعض التداعيات المؤثِّرة؛ فقد انسحب الجمهوريون الذين كانوا يحكمون الصين أمام الشيوعيين الجدد، وتوجّهوا إلى تايوان واستقلوا بها عن الصين، وتلقوا الدعم الكامل من العالم الغربي، وأيضًا حاول الروس التوسُّع في إقليم التركستان الشرقية على حساب الصين، وتحالفوا مع بعض القوى الإسلامية هناك، وسيطروا بالفعل على شمال إقليم التركستان الشرقية، إلا أن ماو تسي تونج دخل بقواته التركستان الشرقية في سنة 1369هـ/ 1949م؛ لينهي بشكل قاطع كل المحاولات الإسلامية أو الروسية، وليضم إقليم التركستان الشرقية أو ما يسمونه بإقليم سنكيانج إلى الصين.
هذه هي قصة الإسلام في الصين في القرون الماضية، وقد وصل الشيوعيون بكل جبروتهم إلى الحكم هناك، وكان لهم وسائل كثيرة لتثبيت أقدامهم في الدولة، خاصةً في الإقليم المسلم إقليم التركستان الشرقية.
تُرى ما هي وسائل الشيوعيين في طمس الهويَّة الإسلامية في إقليم التركستان؟ وماذا فعلوا مع الأويغوريين الأتراك سكان هذا الإقليم الكبير؟ ولماذا تتمسك الصين بهذا الإقليم إلى هذه الدرجة؟ وماذا فعل الأويغوريون للخلاص من هذا الاحتلال البغيض؟ وما هو دورنا كمسلمين في هذه القضية الخطيرة؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في المقال القادم.
وأسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
موقع قصة الاسلام للسرجانى
16/7/2009
كنوز التركستان الشرقية
د. راغب السرجاني
ما أشبه قصة التركستان الشرقية بقصة فلسطين!
قضية فلسطين هي قضية أرض إسلامية تُسرق من أصحابها، وكذلك التركستان..
وهي قضية مسلمين تُنتهك حرماتهم وتَزْهَق أرواحُهم، وكذلك التركستان..
وهي قضية تزوير للتاريخ وتشويه للحقائق، وكذلك التركستان..(1/126)
وهي قضية مواجهة مع أشد الناس عداوةً للمؤمنين (مواجهة اليهود)، وكذلك التركستان (مواجهة الذين أشركوا).
وقد أُعلنت دولة اليهود في فلسطين سنة 1948م، وأُعلنت دولة الصين بالتركستان سنة 1949م!
ما أشبه القضيتيْن! وما أشد أهميتهما!
نعم ليس في التركستان مسجد أقصى، وليست مهد الأنبياء، ولكنها أرض إسلامية تُنتهك، ومؤمنون يُفتنون عن دينهم، وثروات هائلة تُبدَّد، وكرامة إسلامية تُستباح.
إن القضية جِدُّ خطيرة، ولا نُعذر فيها بجهلنا، إنما سهونا عنها بسبب غفلتنا، وقلة اهتمامنا بشئون أمتنا، وعدم إدراكنا لأدوارنا، وعدم معرفتنا بحرمة المسلمين، سواءٌ كانوا عربًا أم عجمًا، بعيدين أم قريبين، نعرفهم أو لا نعرفهم.
إن جُلَّ المسلمين يعرفون عن تاريخ الفن والرياضة أكثر مما يعرفون عن تاريخ التركستان، أو غيرها من قضايا المسلمين المنسيَّة، فإذا كنا نفتقر أصلاً إلى المعلومة، فكيف يمكن أن نسعى إلى الحلول؟!
إن المطالعين لهذا المقال سيُطالبون ببرنامج عمليّ لنصرة التركستان، وأنا أقول: إن أول الطريق أن تتشبَّع بحبِّ الأمة الإسلامية، وأن تعشق كل من ينتمي إليها، وأن تحزن لمُصَابها، وأن تتألم لانتهاك حُرُماتها، وأن تشعر -دون تكلف- أنك عضو في جسد كبير، إذا اشتكى أحد أعضائه تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَرِ. وبدون هذه العاطفة تصبح كل الحلول نظرية، وبدون هذا الحب لن نرى الطريق، ولو كان واضحًا وضوح الشمس.(1/127)
لقد تحدثنا في مقالنا السابق، وكان تحت عنوان "قصة الإسلام في الصين"،عن تاريخ أرض التركستان الشرقية، وعرفنا أنها إسلامية منذ القرن الهجري الأول، ورأينا كيف تعاقبت عليها الحكومات المغولية والصينية، ولم يغيِّر كل ذلك من طبيعة الأمور؛ فالأرض التي حُكمت بالإسلام يومًا ما هي أرضٌ إسلامية يجب على المسلمين أن يحرِّروها، وجوبَ الصلاة والزكاة، ولو أتى ذلك على كل ما يملكون من نفسٍ ومال، وعلى هذا أجمع فقهاء الأمة بدون خلاف.
ووصلنا في مقالنا السابق إلى الغزو الشيوعي الكارثي الذي حدث للتركستان الشرقية في سنة 1949م، وكلنا يعرف طبيعة الشيوعيين الدموية، ورأيناها في سلوك السوفييت واليوغسلاف، ولم يختلف عنهم الصينيون لا في قليلٍ ولا في كثير.. إنها نفس العاطفة المتأجِّجة بالشر، الكارهة للبشر، المدمِّرة لما حولها.. إنهم قوم لم يدركوا أن للكون خالقًا، فكيف يُنتظر منهم غيرُ ما يفعلون؟!
القمع الشيوعي الدموي
لقد مارس الشيوعيون الصينيون قمعهم بأعتى صوره في الصين بكاملها، وفي التركستان الشرقية على وجه الخصوص، وبينما قتل "ماو تسي تونج" ثمانمائة ألف إنسان في السنوات الثلاث الأولى من حكمه للصين، فإنه قتل من التركستان وحدها مائة ألف مسلم ومسلمة، وهذا رقم هائل بالقياس إلى عدد المسلمين القليل نسبيًّا.
لقد تعامل الصينيون بالحديد والنار مع ملف التركستان، ولم تكن هناك أي محاولة للتفاهم مع الشعب المسلم، ومع أنهم تظاهروا بإعطاء حكم ذاتي لمنطقة التركستان إلا أن هذا كان أمرًا نظريًّا لا وجود له على أرض الواقع أبدًا، بل يا ليتهم تقاسموا خير البلدة مع أهلها، ولكنهم استأثروا به كاملاً، وتركوا الشعب المسلم فقيرًا مسكينًا مضطهَدًا.
أسباب تمسك الصين بتركستان الإسلامية(1/128)
ولعلّ سائلاً يسأل: لماذا تتمسك الصين -مع كل إمكانياتها الجبارة وقدراتها البالغة- بهذا الإقليم الإسلامي؟ وما قيمة هذه القطعة من الأرض التي لم يسمع عنها أصلاً كثيرٌ من المسلمين؟!
إنّ التركستان الشرقية من الأهمية بمكان بالنسبة للصين، ودعونا نفصِّل في هذه النقطة قليلاً؛ حتى ندرك حجم المشكلة، وبالتالي نرفع من درجة تعاطفنا مع أهلنا هناك..
أولاً: هذه ليست بالأرض القليلة؛ فمساحتها 1.6 مليون كيلو متر مربع أي ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وكذلك ثلاثة أضعاف العراق، وستين ضعف دولة فلسطين! وهي تمثل 17% من مساحة الصين الإجمالية؛ فالصين لن تتنازل بسهولة عن جزءٍ يمثِّل أكثر من سُدسها.
ثانيًا: الكثافة السكانية بدولة التركستان الشرقية قليلة جدًّا، فبعد كل التهجير الذي تقوم به الصين إلى التركستان فإنّ مجموع سكان التركستان في إحصاء 2008م يبلغ 20 مليون فرد، وهذا يعطي كثافة سكانية قدرها 12.5 فرد في كل كيلو متر مربع، بينما الكثافة السكانية في الصين نفسها عالية جدًّا تصل إلى 165 فردًا في كل كيلو متر مربع، حيث بلغ تعداد الصين في سنة 2008م إلى أكثر من 1.3 مليار فرد، فضلاً عن أن الصين تحتل إقليم التبت كذلك، والذي تبلغ مساحته 1.2 مليون كم مربع، ويسكنه ثلاثة ملايين فقط، فإذا أخرجناه من المعادلة صارت كثافة السكان في الصين الأصلية أكثر من 193 فرد في الكيلو متر المربع الواحد، وهي كثافة ضخمة؛ وهذا يدفع الصين للتمسك بإقليم التركستان الشرقية لترفع الضغط السكاني عن بلادها، خاصةً مع اعتبار دفء الطقس في التركستان خلافًا للبرودة القارسة في إقليم التبت المحتل كذلك، وهذا ما تقوم به الصين فعلاً في الثلاثين سنة الأخيرة.
ثروات هائلة
الثروات البترولية للتركستان الشرقية(1/129)
ثالثًا: رزق الله إقليم التركستان الشرقية ثروات ضخمة جدًّا من البترول والغاز والفحم، وهي تمثِّل بذلك قاعدة طاقة في غاية الأهمية بالنسبة للصين، وهي الآن ثاني منتج للنفط في الصين؛ حيث تنتج 27.4 مليون طن سنويًّا، وتأتي بعد إقليم "هيلونجيانج" في شمال شرق الصين والذي ينتج 40.2 مليون طن، ومع ذلك فإنه من المنتظر أن تصبح التركستان في سنة 2010م هي المنتج الأول للنفط في الصين، حيث سيصل إنتاجها إلى 60 مليون طن سنويًّا، أما في سنة 2020م فيتوقع الخبراء أن يصل إنتاجها إلى 100 مليون طن سنويًّا، لتصبح لها مكانة عالمية، علمًا بأن احتياطي النفط بالتركستان يبلغ 8.2 مليار طن!
البترول والغاز الطبيعي في تركستان
أما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن الاحتياطي التركستاني هائل، ويبلغ 10.8 تريليون متر مكعب، وكذلك بالنسبة للفحم، حيث يبلغ الاحتياطي منه 2.19 تريليون طن، وهو يمثِّل 40% من إنتاج الصين بكاملها، فضلاً عن أنه يتميز بكثرة أنواعه، وجودته الفائقة، وفي مشروع الصين أن تحوِّل هذا الفحم إلى قاعدة ضخمة لإنتاج الكهرباء.
رابعًا: مع كل هذا الإنتاج الضخم من البترول والغاز الطبيعي فإنه لا يكفي دولة صناعية مثل الصين، حيث تأتي الصين في المرتبة الثانية مباشرة بعد أمريكا في استهلاك الطاقة؛ ولذلك فإن الصين تعتمد بشكل أساسي على البترول القادم لها من دول وسط آسيا في منطقة القوقاز، وقَدَر التركستان الشرقية أن أنابيب نقل البترول تمر بكاملها في أراضيها! وبالتالي فسيطرة الصين على التركستان يمثِّل بُعدًا استراتيجيًّا خطيرًا، حيث يمكن للحركة الصناعية أن تُشلَّ إذا ما تعرضت هذه الأنابيب للخطر.
مناجم اليورانيوم وصحراء تكلماكان(1/130)
خامسًا: تمثِّل التركستان كذلك مخزونًا استراتيجيًّا لما هو أغلى من البترول والفحم!! فالتركستان غنية بمناجم اليورانيوم اللازم للصناعات النووية، وبها ستة مناجم تنتج أجود أنواع اليورانيوم؛ ولهذا فهي مؤهَّلة لأن تكون دولة نووية إذا انفصلت عن الصين، خاصةً أن لها علاقاتٍ حدودية مع روسيا، التي قد تقف إلى جوارها في مشروعها النوويّ مثلما تفعل مع إيران؛ وذلك لإحداث توازن في المنطقة مع الوحش الصيني.
وليس البترول والغاز والفحم واليورانيوم فقط هي الثروات الوحيدة التي تنتجها أرض التركستان، بل إن بها الكثير من المعادن الأخرى، يأتي في مقدمتها الذهب!!
سادسًا: توجد في أرض التركستان مساحة شاسعة من الأرض الصحراوية تستخدمها الصين في إجراء تجاربها النووية العديدة وهي ، والصين بلا جدال دولة نووية من الطراز الأول؛ ولذلك فهي تحتاج إلى مثل هذه المساحة لاستمرار التجارب، وهي أرخص كثيرًا من الخوض إلى أعماق البحار لإجراء التجارب، كما أن الشعب الذي قد يتأثر سلبًا من التجارب النووية شعب مسلم لا تجد الصين غضاضة في إلحاق الأذى به! ولنفس السبب أيضًا فإن الصين تحتفظ بمعظم صواريخها الباليستية النووية في هذه المنطقة؛ مما يرفع من قيمتها الاستراتيجية.
مساحات زراعية وأهمية استراتيجية(1/131)
سابعًا: من الناحية الزراعية تمتلك التركستان مساحات زراعية شاسعة، وهي من أجود الأراضي في الصين، وبالتركستان أكبر نهر داخلي في الصين، وهو نهر تاريم، كما أن بها أكبر بحيرة عذبة في الصين، وهي بحيرة بوستينغ. وتتمتع التركستان بجو دافئ مشمس طوال العام تقريبًا، وهذا يؤهِّلها لإنتاج زراعي متميز، وهي من أكثر المناطق المصدرة للمنتجات الزراعية داخل وخارج الصين، وهي أكبر قاعدة لإنتاج القطن في الصين، ويتميز قطن التركستان بجودة فائقة، وهو القطن الطويل التيلة. كما تنتج التركستان أفخر أنواع العنب والبطيخ الأصفر، وإضافةً إلى ذلك تنتج التركستان الذرة الشامية والأرز والتفاح والكُمَّثْرى والمشمش والكَرَز، وعددًا كبيرًا من الخضروات المتميزة.
ثامنًا: تمثل التركستان بحدودها الواسعة، التي تبلغ أكثر من 5600 كيلو متر أهمية استراتيجية قصوى للصين، فهي تجاور 8 دول آسيوية، يمثِّل كلٌّ منها مشكلةً بالنسبة للصين؛ فمن الغرب يحدّها خمس دول إسلامية هي كازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان وأفغانستان وباكستان، وهي دول تمثِّل خطرًا داهمًا على الصين من حيث إنها تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين، ومنهم الكثير من الذين يُطلقِون عليهم "إرهابيين"، ومِن ثَم تعتبر الصين أنّ إقليم التركستان الشرقية عبارة عن حائط صدٍّ يمنع دخول الإرهابيين إلى الصين الأصلية. كما تجاور التركستان الشرقية دولتيْن خطيرتين على الصين لأنهما من الدول النووية، وهما روسيا والهند، وهذا أيضًا يفسِّر تركُّز الصواريخ الباليستية في منطقة التركستان. وأما الدولة الحدودية الثامنة فهي منغوليا، ومشاكلها مع الصين قديمة، وتبادل الاحتلال بين الدولتيْن أمر تاريخي مشهور، ولم تبنِ الصين سورها العظيم إلا للحماية من منغوليا.. ولهذه الحدود الملتهبة يصعب جدًّا على الصين التنازل عن دولة التركستان الشرقية.
الروح الإسلامية العالية والرعب الصيني(1/132)
تاسعًا: الروح الإسلامية العالية التي يتمتع بها الأتراك عمومًا، وشعب الإيجور خصوصًا، ترهب الدولة الصينية؛ فهذا الشعب عانى الكثير في تاريخه من أزمات كان من المتوقع أن تمحو عقيدته، أو تجعله يتنازل عن ثوابته، ولكنه استمر على دينه محافظًا عليه، فخورًا به، معتزًا بأن التركستان هي تركستان المسلمة.. وراجعوا قصة الشعب العظيم الذي تلقى الضربة الأولى من التتار، فإذا به بصبره وقوة تحمُّله وحُسن تطبيقه لقواعد الإسلام يحوِّل المغول من وثنيِّين لا وزن لهم إلى مسلمين يعبدون الله تعالى، ويتّبعون رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم. ولا ننسى الاحتلال الصيني المتكرِّر، ولا ننسى الدموية الشيوعية، ولا ننسى أن دولة التركستان كانت محصورة بين أكبر قطبيْن شيوعيين إجراميين في العالم هما الاتحاد السوفيتي والصين، ومن جنوبها دولة هندوسية مضطهِدة للمسلمين وهي الهند، ومع هذا لم يغيِّر كل ذلك شيئًا من عقيدته.
هذا التمسُّك العجيب يُرهِب الصين، خاصةً أن الإحصائيات الرسمية الصينية تقول إن إجمالي المسلمين في الصين يبلغ ستين مليونًا، وتقول الإحصائيات الإسلامية إن العدد يربو على مائة مليون مسلم، ولكن الصين تقلِّل من الأَعداد؛ لتهمِّش دور المسلمين وتُضعِف من حَمِيَّتهم. ولا شك أن الصين تفكر في خطورة انتشار هذه الروح المتمسكة بالدين الإسلامي في الأعداد الإسلامية الغفيرة في الصين، كما أنّ احتمالَ انتشار الدعوة الإسلامية في الصينيين أنفسهم احتمالٌ كبير؛ فهم يعانون من خواءٍ رُوحي كامل، وليس عندهم عقيدة يتمسكون بها، ولو عُرض عليهم الدين الإسلامي بشكل واضح فقد يرتبطون به، وهذا خطر أيدلوجي كبير على الصين الشعبية التي ما زلت تتبنَّى الفكر الاشتراكي الإلحادي.
كل هذا يجعل الصين متمسكة بدولة التركستان لتمارس عليها القمع الذي يمنع وصول الإسلام إلى عموم أهل الصين.
الأحلام الاستعمارية(1/133)
عاشرًا: لا تهدأ الدول الاستعمارية عن التوسُّع، ولا تتوقف أبدًا أحلامُ الإمبراطوريات عن ضمِّ أراضٍ جديدة، وزيادة الرقعة المملوكة لها، ولا يقف تفكير الصين عند التركستان الشرقية، بل هي بوابتها إلى عدة دول ضعيفة لم تتحرر من الاستعمار السوفيتي إلا منذ أقل من عشرين عامًا، وهي كازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان، ومن ورائهم أوزبكستان، إضافةً إلى الدول المحتملةِ التحرُّر والواقعة الآن تحت الاحتلال الروسي مثل تتارستان والشيشان وداغستان، وكلها دول إسلامية.
وتعتبر الصين نفسها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، وإذا كان الاتحاد السوفيتي، ومِن قبله روسيا القيصرية الأرثوذكسية قد احتلوا هذه الدول الإسلامية أكثر من ثلاثة قرون فليس هناك مانع من أن تبدأ الإمبراطورية الصينية دورتها، وأن تتوسع في هذه المناطق الضعيفة جدًّا، خاصةً مع حالة السكون الإسلامية، ومع الغفلة غير المبرَّرة التي يعاني منها العالم الإسلامي بشكل عام.
هذا سيناريو قد يراه البعض تشاؤميًّا، ولكن أقول إنه السيناريو الأقربُ إلى الحدوث، ولا تقبل الدول الاستعمارية الكبرى عادةً بوجود كيانات هشّة إلى جوارها.
كان هذا هو السبب العاشر الذي من أجله تتمسك الصين بدولة التركستان المسلمة، فتلك عشرة كاملة!
ولهذه الأسباب -وقد يكون لغيرها كذلك- قال الباحث الصيني في جامعة ألبرتا الكندية "وينران جيانج"، وهو يعلِّق على الأسلوب القمعيِّ المتعسِّف الذي رأيناه من الحكومة الصينية في تعاملها مع الأزمة الأخيرة في التركستان في يونيو 2009م.. قال الباحث الصيني: "إن الأهمية الاستراتيجية لشينجيانج (التركستان الشرقية) تعني أنّ أيَّ اضطرابات أو قلاقلَ تُحدِث مثل تلك الاضطرابات الأخيرة، لن تجد أيَّ ذَرَّة تسامحٍ من جانب الحكومة الصينية".(1/134)
وهذا الذي قاله الباحث الصيني أمرٌ واقعيّ تمامًا، وبعد أن رأينا كنوز التركستان وقيمتها فإنه من العبث أن نظنَّ أن الصينيين يتركونها راغبين.. بل على العكس علينا أن نفهم أن الحكومة الصينية ستبذل كل طاقاتها، وستستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتركيع هذا الإقليم الإسلامي العظيم.
لقد استخدمت الصين بالفعل وسائل شيطانية كثيرة تهدف إلى تحقيق أغراضها، ولم يعُدِ القتل هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الشعوب إنما تتعدد الوسائل، وتتنوع الطرق، وكلها يؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة.
تُرى ماذا فعلت الصين في الثلاثين سنة الماضية لتحقيق السيطرة الكاملة على دولة التركستان الشرقية؟ وماذا يجب على الشعوب الإسلامية فعلُه إزاء هذه الكارثة؟!
هذا ما سنتناوله بإذن الله في المقال القادم..
وأسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
موقع قصة الإسلام
23/7/2009
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة !!
د. راغب سرجانى
دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة، التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسَّة، ونتيجة لفُرقة المسلمين وتشتتهم. وهي أرض إسلامية خالصة، ولقد فصَّلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان "قصة الإسلام في الصين"، كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى، والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها، وهذا في مقال آخر بعنوان "كنوز التركستان الشرقية". وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأخيرة، وما هي خُطَّتها للسيطرة على دولة التركستان المسلمة.
خطط الصين لمحو الأويغور
نستطيع أن نُجمِل خطة الصين الشيوعية في النقاط التالية:(1/135)
أولاً: القمع الدموي وسياسة تكسير العظام، وهو أسلوب شيوعي معروف، وكانت وتيرة هذه الدموية قد خفّت نسبيًّا في فترة السبعينيات والثمانينيات إلا أنها عادت من جديد مع أوائل التسعينيات، وذلك عندما تحررت الجمهوريات الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفيتي، وبدأت تظهر دعوات "حق تقرير المصير" في التركستان الشرقية، فكان الرد عنيفًا جدًّا من الحكومة الصينية، وامتلأت السجون بأصحاب الرأي، وقُتل من التركستان أعداد غفيرة، وتم نفي بعض الرموز إلى خارج الصين. ولقد زارت منظمة العفو الدولية منطقة التركستان في سنة 1998م، وكتبت تقريرًا مفصَّلاً عن الظلم والاضطهاد الصيني، وقد بلغت عدد صفحات التقرير 92 صفحة، ومع ذلك ذكرت منظمة العفو الدولية أن هذا التقرير لا يمثِّل إلا قمَّة جبل الثلج، وأن معظم التعدِّيات لم يصلوا إلى تفصيلاتها؛ للحظر الإعلامي والمعلوماتي المضروب على إقليم التركستان بكامله.
ولقد زادت وتيرة الاضطهاد أكثر وأكثر بعد أحداث سبتمبر 2001م في أمريكا؛ وذلك لتحرُّك العالم فيما أطلقت عليه أمريكا "الحرب ضد الإرهاب"، واستغلت الصين الفرصة، وأعلنت عن اكتشافها خلايا إرهابية في التركستان متعاونة مع تنظيم القاعدة! ومن ثَمَّ أصبحت الحرب الصينية على المسلمين علنية، وكان على أمريكا أن تغضَّ الطرف طبعًا؛ لكي تغض الصين طرفها عن التعدّيات الأمريكية في العراق وأفغانستان وجوانتانامو، والضحية في كل الحالات مسلمون!
ولعلّ ما شاهدناه من أحداث أخيرة يدلنا على طريقة تعامل الصين مع شعب الأويغور التركستاني؛ فالمظاهرة السلمية التي تُنادي بفتح تحقيق لمقتل اثنين من الأويغور ظلمًا جُوبِهت بتحركات من الجيش والشرطة، وتحليق طيران، وحظر تجوُّل، وقانون طوارئ، وقتْل ما يقرب من مائتين في الإحصائيات الصينية، وما يزيد على ستمائة في الإحصائيات التركستانية، هذا غير المصابين والمعتقلين.(1/136)
إنها صورة مكرورة من البطش والإرهاب تحت دعوة الحرب ضد الإرهاب، وقديمًا قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].
ثانيًا: محو الهويَّة الإسلامية، فالشيوعيون يدركون أن سرَّ قوة المسلمين في عقيدتهم، وأنهم طالما يتمسكون بدينهم فمن الصعب أن تكسرهم؛ لذا كان من الوسائل الرئيسية التي تستخدمها الصين في حربها ضد أهلنا في التركستان طمس الهوية الإسلامية بكل الطرق، فهم يُغلقِون الكثير من المساجد والمدارس الدينية، ويمنعون الشباب تحت 18 سنة من الصلاة في المساجد، ويمنعون الشباب في الجامعات من حمل المصحف، ويصادرون ما يجدونه من مصاحف في أي مؤسسة بما فيها المساجد!
ولقد ذكر الأستاذ فهمي هويدي أنه زار التركستان الشرقية في الثمانينيات، فلم يجد مصحفًا واحدًا في أي مسجد! وذكر أن إعطاء أحد أئمة المساجد مصحف كهدية كان سببًا في بكائه من شدة الفرح؛ لأن المصاحف عملة نادرة جدًّا في التركستان المسلمة!
وتمنع الحكومة الصينية التلاميذ في المدارس من تأدية الصلاة، وتمنع المدرِّسين من إطلاق اللحية، وتحظر الحج على من هو أقل من 50 سنة! ويصل الأمر أحيانًا إلى استفزازات لا معنى لها، وذلك مثل ما ذكرته صحيفة التايمز اللندنية من أن الرموز الإسلامية في التركستان تُجبَر على احتساء الخمر قبل إعدامها! وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]. وما ذكرناه مجرَّد أمثلة، والأمر أكبر من أن يُستقصى في مقال.(1/137)
ثالثًا: سياسة الاحتواء، حيث تحاول الحكومة الصينية إقناع المسلمين في التركستان أنهم يمتلكون حكمًا ذاتيًّا داخل الدولة الصينية، ويأتي على رأس هذه الحكومة الذاتية شخصٌ هو أقرب الناس للحكومة الصينية، وهو أشدّ المواطنين ولاءً لها، وهو علماني أكثر من العلمانيين الصينيين، وهو أشد عنفًا من الشيوعيين! وهكذا تُنفَّذ السياسة الشيوعية بأيدٍ مسلمة، وهذه صورة نراها في كثير من البلدان المسلمة، حيث تكون الحكومة المسلمة أشد ضراوة على أبنائها من الاستعمار الخارجي، بل قد يتدخل الاستعمار الخارجي أحيانًا لتحرير البلاد المسلمة من حكامها!
رابعًا: سياسة التهميش السياسي وتقليل الأعداد:(1/138)
فالصين تقلِّل دومًا من أعداد المسلمين، وخاصة من عِرقية الأويغور أهل التركستان الأصليين، وتقول إنهم ثمانية ملايين فقط، بينما إحصائيات الأويغور تؤكِّد زيادة عددهم عن الثلاثين مليونًا. وتقلل الصين أيضًا من أعداد المسلمين بشكل عام في الصين فتذكر أنهم ستون مليونًا، بينما هم يزيدون على مائة مليون. كما أن الصين لا تعترف بالديانات أصلاً، ومِن ثَم فهي تقسِّم المسلمين إلى عِرقيات تسعة، وبذلك تصبح كلُّ عرقيَّة قليلة العدد جدًّا؛ مما لا يسمح لها بالتمثيل في البرلمان، أو الوصول إلى إدارة المحليات، أو غيرها من الإدارات. ولا تسمح الصين أبدًا بوجود رمز تركستاني بارز في المجتمع الصين، ولقد خالفت هذه القاعدة مرَّة عندما سمحت لإحدى رموز التركستان النسائية بالنمو والظهور، وهي "ربيعة قادر" التي صارت من النماذج الاقتصادية البارزة، إلا أنه بمجرد تمسُّك ربيعة قادر ببعض الثوابت الإسلامية، ورفضها أن تنفصل عن زوجها المنفي في أمريكا بتهمة النشاط الانفصالي، فإنّ الحكومة الصينية تنكرت فورًا للاقتصاديَّة ربيعة قادر، وقامت بإلقاء القبض عليها، ومحاكمتها بسرعة، وإصدار حكم بالسجن خمس سنوات، ثمّ تمّ نفيها بعد ذلك إلى أمريكا بعد مصادرة أعمالها. ولقد قام الغرب على الفور بترشيح ربيعة قادر لجائزة نوبل للسلام ! ليس حبًّا في المسلمين بالطبع، ولكن طعنًا في الصين، وردت الصين بالتنديد بهذا الترشيح؛ حيث تعتبر ربيعة قادر من المخرِّبات لوَحدة الصين!
إن هذا التهميش السياسي المتعمَّد يَحْرِمُ التركستانيين من أي قناةٍ يصلون فيها برأيهم إلى الدولة، ولا يوجد منصب واحد من المناصب الكبرى في دولة التركستان إلا ويتولاه صيني من عرقية "الهان"، وهي العرقية الغالبة على أهل الصين، أما "الأويغور" وبقية المسلمين فلا وجود سياسيًّا لهم.(1/139)
خامسًا: سياسة التهجير للمسلمين من التركستان إلى بقية أجزاء الصين، وخاصةً من عرق الأويغور؛ وهذا بهدف تذويبهم في المجتمع الصيني. إضافةً إلى تقليل أعدادهم في الدولة الأم التركستان، وهذا التهجير يكون عن طريق الترحيل القسريّ للعمال والمزارعين ليعملوا في أماكن بعيدة عن التركستان، وكلها أعمال متدنِّية بسيطة. ولعلّ من أكبر الكوارث في هذا المجال ما ذكرته ربيعة قادر من أمر ترحيل أكثر من مائة ألف فتاة أويغورية غير متزوِّجة تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 25 سنة من التركستان إلى مناطق مختلفة من الصين في عام 2007م رغمًا عن أنوف أهلهن؛ مما سبَّب حالة من الاحتقان الشديد في التركستان، خاصةً أن ذلك قد يدفع هؤلاء الفتيات إلى امتهان أعمال غير أخلاقية في ظل غياب المال والأسرة.(1/140)
سادسًا: التهجير العكسي للصينيين من عرقية "الهان" إلى التركستان الشرقية، والتوطُّن الدائم هناك؛ وذلك بُغية تغيير التركيبة الديموجرافية للسكان، فتصبح المنطقة بعد فترة من الزمان غير إسلامية بشكل تلقائي، وهي نفس سياسة اليهود في فلسطين حيث يقدِّمون إغراءات كبيرة لليهود في العالم للقدوم إلى أرض فلسطين، كذلك يفعل الصينيون، خاصةً بعد اكتشاف البترول في التركستان في الثمانينيات، وقيام عدد من الصناعات البتروكيماوية الضخمة هناك؛ مما أعطى الصينيين الفرصةَ للتوجُّه إلى دولة التركستان للعمل والحياة هناك.. ونتيجة هذه السياسة المنتظمة، إضافةً إلى ما ذكرناه في النقطة السابقة من ترحيل الأويغور من التركستان، فإنّ التركيبة السكانية قد تغيَّرت بالفعل بشكل كبير وخطير؛ فتذكر الإحصائيات الصينية أنه في سنة 1942م كانت نسبة المسلمين في إقليم التركستان الشرقية 90% (78% من الأويغور و12% من عرقيات أخرى)، وكانت نسبة عرقية "الهان" الصينية 6% فقط، بينما هناك 4% من العرقيات المختلفة الأخرى.. أما في إحصائية 2008م فقد وصل الصينيون من عرقية "الهان" إلى نسبة 40% من السكان!! مما يشكِّل خطورة كبيرة جدًّا على مستقبل هذه المنطقة، خاصةً أنها منطقة واعدة اقتصاديًّا، ولا تعجز الصين عن إرسال عدة ملايين آخرين لقلْب النسبة تمامًا لصالح "الهان" الصينيين.(1/141)
سابعًا: سياسة الإهمال التعليمي المتعمَّد للأويغوريين خاصةً، وللمسلمين عامة في إقليم التركستان الشرقية؛ فالمدارس والجامعات أقل كثيرًا في المستوى من نُظرائها في الصين. كما أن حالة الفقر المُذْرِيَة التي يعاني منها المسلمون تدفعهم إلى العمل مبكرًا في الحقول والمصانع والمناجم وكباعةٍ متجوِّلين؛ مما يحرمهم من التعليم، ومع مرور الوقت يصبح الجهل بكل تبعاته متفشِّيًا في المسلمين، وهذا يحرمهم بشكل تلقائي -فضلاً عن التعمُّد- من شَغْل المناصب الكبرى، أو الوصول إلى ما يريدونه من مراحل تعليمية متقدمة. كما أن هذا الجهل يقطع تواصلهم مع العالم الخارجي، ويقلِّل من إمكانية استيعابهم للمتغيرات من حولهم، وهذا كله يصبّ في إضعاف المجتمع التركستاني المسلم.
وفوق هذا فإن السلطات الصينية تمنع استعمال اللغة التركية الأويغورية في المدارس والمؤسسات الرسمية التركستانية؛ وذلك بهدف قطع التواصل بين أفراد الشعب، وكذلك قطع العَلاقة مع الدول المجاورة التي تتكلم التركية، وهي الدول المتحرِّرة من الاتحاد السوفيتي، إضافةً إلى تركيا. وتهدف أيضًا إلى قطع العلاقة بينهم وبين المصادر الإسلامية القليلة التي يمتلكونها، والمكتوبة باللغة الأويغورية التركية بحروفها العربية.. إنها سياسة واضحة لتجهيل الشعب الأويغوري المسلم علميًّا ودينيًّا، خاصة إذا لاحظنا التقدم العلمي الهائل الذي وصلت إليه الصين، والذي يصبّ كله في صالح عرقية "الهان" دون غيرها من العرقيات.(1/142)
ثامنًا: سياسة الإضعاف الاقتصادي للمسلمين؛ فالمسلمون أصحاب البلد مُحارَبون في أقواتهم وفي أعمالهم، وبشكل تعسُّفي عنيف، فلقد انتشرت المصانع في التركستان الشرقية بعد اكتشاف البترول بها، وهي مصانع البتروكيماويات وغيرها من الصناعات المتعلقة بالبترول، وهي تضم آلاف العمال، ومع ذلك ففرصة العمل لعرقية "الهان" الصينية كبيرة جدًّا، بينما يُحرَم أصحاب البلد من العمل في هذه الوظائف. ولقد قال أحد المحللين الصينيين في معهد جلوبال إنسيت HIS وهو "رين شينفانج" لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن 70% من الصناعات البتروكيماوية في يد الدولة، وبالتالي فإن معظم العاملين فيها والمستفيدين منها هم من عرقية الهان، ولا توجد إلا أعداد قليلة جدًّا من عرقية الأويغور في هذه المصانع والشركات".
وليس هذا في المجال الصناعي فقط، بل في المجال الزراعي أيضًا، فإن هذا المجال تسيطر عليه الشركات الحكومية وشبه الحكومية، وهم لا يوظِّفون إلا السكان من عرقية "الهان". وعلى سبيل المثال فإن شركة "بينجتوان" الصينية الحكومية تستحوذ على معظم الأراضي الزراعية في التركستان، وتوظِّف في أعمالها أكثر من 2.2 مليون موظف من "الهان"، وليس فيهم من الأويغور إلا القليل.
وما قلناه على المجال الصناعي والزراعي ينطبق كذلك على المجال التجاري، حيث لا يُسمح للأويغوريين بالترقي في الوظائف التجارية، ولا يُسمح لأعمالهم أن تتضخم وتَكْبَرَ. ولقد تتبعت الحكومة الصينية التجار الأويغوريين حتى في خارج إقليم التركستان، وعلى سبيل المثال فقد هاجمت الحكومة الصينية حيًّا في بكين يضم تجمُّعًا للأويغوريين ، وهو الحي المعروف "بقرية شينجيانج"، وأغلقت ثلاثين مطعمًا إسلاميًّا، وقامت بتشريد ألف مسلم!(1/143)
ويبرِّر أحد الباحثين الصينيين -وهو "ياي شينرونج" الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية- هذا الضعفَ الاقتصاديَّ للأويغوريين بأنه ناتجٌ عن مستوياتهم التعليمية الضعيفة، والتي تمنعهم من أخذ مواقع مناسبة في السُّلَّم الاجتماعي، وليس راجعًا إلى تمييز مباشر ضدهم.
وأنا أرى أن هذا عُذر أقبح من ذنب! فلماذا لم يسأل هذا الباحث نفسه عن سر تخلف المسلمين في إقليم التركستان علميًّا؟! إنه نفس السبب الذي تذكره أمريكا في حق الزنوج عند الحديث عن ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة فيهم، وتعزو ذلك إلى قلة مستواهم التعليمي، متجاهلةً في ذلك الحالة المتردِّية التي عليها مدارس وجامعات السود حتى في المدن الأمريكية الكبرى!
إن سياسة الظلم واحدة، وإن كانت تتعدد أشكالها، وما يحدث في التركستان الشرقية المسلمة ليس جديدًا على الطغاة والمجرمين.
تاسعًا: سياسة التعتيم الإعلامي.. وهي سياسة قديمة جدًّا في العالم، ومارسها كل الظالمين، ولقد قال الكفار في مكة كما حكى القرآن الكريم {لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]؛ فالسماع قد يؤدي إلى التأثير، ولذلك يرى الظالمون أن الحَكْر على السماع، وأن التعتيم الإعلامي وسيلةٌ من وسائل السيطرة على مجريات الأمور.(1/144)
والصين من الدول المشهورة عالميًّا بالتعتيم الإعلامي، وهي سياسة معظم الدول الشيوعية إن لم يكن كلها، وعلى الرغم من التقنيات الحديثة ووجود الفضائيات والإنترنت إلا أن السلطات الصينية ما زالت تحرص على عدم وصول المعلومة إلى الناس، ولقد رأينا أنه في الأزمة الأخيرة قامت السلطات الصينية بقطع شبكات المحمول النقّال من إقليم التركستان، كما قللت جدًّا من سرعة الإنترنت، وقطعته بعض الفترات لمنع وصول الأخبار إلى الخارج. ولقد كان من التُّهم التي وُجِّهت إلى ربيعة قادر أنها أرسلت بعض الجرائد المحلية الصينية إلى الخارج، وهذا يُعتبر -في عُرف القانون الصيني- إفشاءً لأسرار الدولة!! فمع أن الأخبار مذكورة في صحيفة محلية إلا أن هذه الأخبار للصينيين فقط، وغير مسموح للعالم أن يقرأها!!
وفي ظل هذا التعتيم الإعلامي الشديد لا يعرف العالم الخارجي، مسلمًا كان أو غير مسلم، ما يجري في أرض التركستان المسلمة، وبالتالي يفقد المسلمون هناك كل عون خارجي، وينفرد الصينيون بالتعامل معهم. وإضافةً إلى هذا التعتيم فإن الإعلام الصيني كثيرًا ما يزوِّر الحقائق، ويلبِّس على المتابعين الأمورَ، ويُعلِن أنه يتعامل مع مجموعات إرهابية في دولة التركستان المسلمة. وواقع الأمر أنه يتعامل مع شعب مقهور، سُلبت أرضه، ونُهبت ثرواته، وسالت دماؤه، ودُنِّستْ مقدساته، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
عاشرًا: سياسة منع التواصل الفكري والثقافي مع العالم الإسلامي؛ لأن هذا التواصل قد يوضِّح الصورة للبلاد الإسلامية، مما قد يدفعها إلى قطع العلاقات على الأقل مع الصين، وهذا يؤثِّر جدًّا على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد على التجارة الخارجية. ولهذا فإن كلّ القنوات الثقافية والفكرية والفنية والرياضية مغلقة مع إقليم التركستان، ولا مجال للمسلمين هناك أن يخرجوا إلى خارج الصين، ولا أن يدخل إليهم أحد من المسلمين إلا بصورة فردية وفي حالات خاصة.(1/145)
وعندما قام الرئيس التركي عبد الله جول بزيارة الصين في شهر يونيو 2009م قبل أحداث الأزمة الأخيرة بقليلٍ، أصرَّ على زيارة هذا الإقليم الإسلامي، الذي تربطه مع تركيا علاقات الدين، وكذلك علاقات العرقية والأصل، وكان الرئيس التركي في زيارة للصين لعقد اتفاقيات تجارية مهمَّة تجاوزت 1.5 مليار دولار، ومع ذلك بعد انتهاء زيارته بعدة أيام حدثت المشكلة التي راح ضحيتها مئات من الأويغور الأتراك. ويرى بعض المحللين أن هذا التوقيت مقصود، وأنها رسالة من الحكومة الصينية إلى الشعب التركي ورئيسه، وخلاصة الرسالة أن العلاقات الصينية التركية شيء، وإقليم التركستان شيء آخر، وأنه لا مجال لتواصل هذا الإقليم مع أي عنصر خارجي حتى لو كان هذا العنصر رئيسًا مفخَّمًا، أو دولة كبرى!
ولقد هاج الشارع التركي نتيجة هذا الاستفزاز الصيني، وقام بعِدَّة مظاهرات أمام السفارة الصينية، وانسحب كثير من أعضاء البرلمان التركي من جمعية الصداقة الصينية التركية، لكن هذا لم يغيِّر من موقف الحكومة الصينية التي ترى قضية التركستان قضية أمن قومي لا يمكن المساس بها.
كانت هذه هي الوسيلة العاشرة من وسائل القهر الصيني للشعب التركستاني المسلم، فتلك عشر كاملة!!
ماذا نحن فاعلون؟!
والسؤال الذي لا بُدَّ أن يشغلنا الآن بعد رؤية هذا التاريخ الطويل للإسلام في هذه الدولة الإسلامية المحتلة، وبعد معرفة الثروات الهائلة التي يمتلكها هذا الإقليم العظيم، وبعد إدراك مدى الطغيان الصيني في التعامل مع هذا الملف.. السؤال الذي يجب أن يشغلنا هو: ماذا نحن فاعلون؟!
هل ستقف الأمة الإسلامية مكتوفة الأيدي في هذه المسألة؟! وهل يجب أن نؤجِّل الحديث عنها لحين تحرير فلسطين والعراق وأفغانستان؟ أوَليست هناك حقوق علينا لأهل هذه الدولة المحتلة يجب أن نقوم بها؟ وهل إذا رضيت الحكومات الإسلامية بالهوان فإنه لزامًا على الشعوب أن تقبله كذلك؟!(1/146)
هذه أسئلة مهمَّة أجيب عنها بإذن الله في المقال القادم..
وأسأل الله تعالى أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
المصدر/ موقع قصة الاسلام
30/7/2009
لبيك تركستان!!
د. راغب السرجاني
لعلنا في المقالات الثلاثة السابقة: "قصة الإسلام في الصين" و"كنوز التركستان الشرقية" و"الصين الشيوعية والتركستان المسلمة" قد ألقينا بعض الضوء على هذه القصة المؤلمة لقُطرٍ إسلامي عزيز يتعرض للضيم والقهر، ويُفتتن في دينه، ويمر بأزمة لعلها من أشد أزمات العالم ضراوة.
ومع ذلك فالكلام وحده لا يُجدِي، والمعرفة بمفردها لا تنفع، وإنما يجب على المسلمين أن يتحركوا بإيجابية لحل قضاياهم الكبرى بشكل يرضي الله ورسوله. وأنا أعلم أن مشاكل الأمة كثرت، وأن كل واحد من المخلصين والمخلصات من أبناء هذه الأمة الكريمة مشغول بعشرات ومئات القضايا المهمَّة الأخرى، لكن يبقى هناك دومًا أدوار يمكن لنا أن نفعلها لمساعدة إخواننا وأخواتنا هناك. ولا شك أننا لو كنا في مكانهم لتمنَّينا أن يقف العالم الإسلامي كله معنا، ولا يدري أحد على من تدور الدائرة غدًا!!
ثلاث مسائل مهمة
ولا شك أن المعظم من المتابعين للأحداث يجد أن الإعانة لهم أمر صعب وشاق، وسبب ذلك أن الذي يضطهدهم هو التنين الصيني العملاق، وهي دولة قوية بإمكانات جبَّارة. ولكن دعوني أقف مع هذه النقطة وقفة سريعة؛ لألفت انتباه القراء الأعزاء إلى ثلاث مسائل مهمة قبل الخوض في وسائل مساعدة المسلمين في التركستان..(1/147)
أما المسألة الأولى فهي أن النصر الحقيقي الذي نرجوه هو بيد الله تعالى، يقول تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126]. وهذا النصر ينزله ربُّنا تعالى على المؤمنين الذين تمسكوا بشرعه، وساروا في طريقه، ووَهَبُوا حياتهم له، وباعوا أنفسهم من أجل شراء الجنة.. يقول تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، ويقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]. وهذا يعني أن المسلمين الصادقين والمسلمات الصادقات يجب أن يفرِّغوا الأوقات والأذهان للعمل لله تعالى ، فإذا صدقنا في نياتنا، وأحسنا في عملنا، فإن الله تعالى عندئذٍ يُنزِل نصره بالطريقة التي يريد، وفي الوقت الذي يختار.. وعند ذلك لا تنفع الصين قوَّتها، ولا تُجدِي مع أمريكا أساطيلها.
نماذج من نصر الله للمسلمين
والتاريخ يؤيِّد هذا الكلام ويؤكِّده، وإلاّ فكيف تفسِّر انتصار المسلمين وهم في غاية الضعف العسكري على دولتي الرومان وفارس، وكيف تفسر انتصارهم على جموع الصليبيين، وكيف تفسر فتحهم لأوربا في الأندلس والقسطنطينية، وكيف تفسر انتصارهم على قوة التتار الهائلة!!(1/148)
هذا كله ليس له إلا تفسير واحد، وهو أن الله أراد النصرة للمؤمنين عندما رأى جِدِّيتهم في الدفاع عن دينهم وقضاياهم. ولا يقول أحد أن الحرب في زماننا مختلفة عن الزمان الأول، ولا أن قوة الصين أضعاف قوة فارس؛ فإنّ هذا الكلام يعني أننا لم نفهم سُنَّة النصر أبدًا؛ فالله الذي هزم المشركين في القرن الأول الهجري قادر على هزيمتهم في القرن الخامس عشر، والله الذي حقَّق لضعفاء الجزيرة العربية نصرًا مجيدًا على أقطاب العالم آنذاك، قادرٌ على تحقيق نفس النصر على أقطاب العالم الآن. ولكن المهم هو أن يبذل المسلمون ما في وسعهم، وليس مطلوبًا منا أن نبذل فوق الوسع.. قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وواقع الأمر أن وسعنا كبير جدًّا، بل هو أكبر من تخيلاتنا جميعًا. وقد نبدأ بصدق في حل قضية من القضايا ببعض الآليات والوسائل، فإذا بالله تعالى يفتح لنا من عنده بعشرات الآليات الجديدة التي تحقِّق ما لا نتخيله من نتائج وانتصارات.
هذه هي المسألة الأولى التي أردت لفت النظر إليها قبل الحديث عن أدوار المسلمين في نصرة قضية التركستان الشرقية.
أما المسألة الثانية فهي أن الذي يسعى بجدية للخروج من أزمة يوفِّقه الله للخروج منها ولو كان مشركًا! فما بالكم بالمسلمين أصحاب العقيدة السليمة والإيمان الصادق!!
تايوان تتحدى الصين !(1/149)
وأحد الأدلة على هذا المعنى يظهر لنا من خلال الحديث عن تايوان! فتايوان ما هي إلا مجموعة قليلة من الجزر الصغيرة في مواجهة الوحش الصيني العملاق، ومساحتها لاتتجاوز 36 ألف كم مربع، وعدد سكانها 23 مليون، وأكثر من 90% من سكانها من الكفار عُبَّاد بوذا وغيره، ومع ذلك فهم يقفون أمام الصين منذ 1911م وهو تاريخ تأسيس تايوان (مساحتها أقل من 4 في الألف من مساحة الصين، وعدد سكانها أقل من 1.8% من عدد سكان الصين)، فضلاً عن الفجوة الهائلة بين الإمكانيات العسكرية والاقتصادية والسياسية بين الصين وتايوان.. وحتى الآن لم تفلح جهود الصين في تركيع تايوان. نعم نرى أن الغرب -وفي مقدمته أمريكا- يقفون بشكل مُعلن أحيانًا، وخفيٍّ أحيانًا أخرى مع تايوان، لكن هذا كله لم يحدث إلا بترتيبات تايوانية؛ فالشعب هناك أراد أن يبقى على خريطة الدنيا، فقام بتنظيمات داخلية على المستوى السياسي والاقتصادي والعلمي، واستطاع أن يقيم علاقات خارجية قوية، مستغلاًّ الصراع الأيدلوجي الكوني بين الغرب والشرق، ونجح في حساباته حتى هذه اللحظة.
فلماذا تنجح دولة ميكروسكوبية كتايوان، ولا ينجح المسلمون وهم يشغلون رُبع مساحة الأرض المعمورة، ويمثِّلون خُمس سكان العالم الآن؟!
مخاطبة الشعوب(1/150)
أما المسألة الثالثة فهي أنني في هذا المقال لا أخاطب الحكومات وإنما أخاطب الشعوب؛ لأنني أعلم أن معظم حكومات العالم الإسلامي لا تضع في حساباتها هموم المسلمين أو مشاكلهم، بل لعل بعضها يؤيد الصين في قمعها لما يُسمى "بالحركات الانفصالية"، والتي هي في حقيقة الأمر محاولات التحرُّر من الاحتلال. ومن هنا فلن يأتي في الأدوار ما يجب على الحكومات الإسلامية فعله مثل تحريك الجيوش، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وإيقاف التعامل الاقتصادي، وإنما سنتحدث عن بعض الأدوار التي يمكن لعامَّة الناس أن يقوموا بها. وأنا على يقين أن هناك أدوارًا أخرى كثيرة سيقترحها الإخوة والأخوات المتابعين للأحداث، كما أنني على يقين من أننا إذا قمنا بهذه الأدوار بصدق، فإنّ الله تعالى سيبارك فيها، وقد يفتح لنا أبوابًا أعظم تصل بنا -بإذن الله- إلى تحرير التركستان المسلمة بكاملها.
أدوار الشعوب المسلمة لنصرة تركستان
أما الأدوار التي أراها مناسبة في هذه المرحلة، فهي تشمل التالي:
الدور الأول: متابعة أخبار التركستان بشكل دقيق، والبحث عنها عن عمد؛ فالإعلام لا يتحدث عن التركستان إلا عند الأحداث الكبرى فقط، وغالبًا ما ننشط نحن مع هذا النشاط الإعلامي، ثم تخبو فورة هذا النشاط ونعود إلى حالتنا الأولى، وهذا لا يليق بشأن قطر إسلامي مُحتَلّ وجب على المسلمين أن يحرِّروه، ولو فقدوا كل أموالهم وأرواحهم في سبيل ذلك؛ فالأمة كالجسد الواحد، وليس من المقبول أن يتعرض المسلمون هناك إلى كل هذا الضغط الصيني دون أن نهتم نحن بمجرد الاطّلاع على الأحداث.(1/151)
وإذا حدث وتابعنا أخبار التركستان بشكل دوريّ، فإن هذا سيولِّد رغبة حقيقية عندنا لنصرتها. كما أن المعلومة قوة، وقد تفتح لنا المعلومات التي نحصل عليها أبوابًا للمساعدة لم نكن نعمل لها حسابًا. ويمكن لنا متابعة أخبار التركستان على مواقعهم بالإنترنت، وهناك أكثر من موقع لهم باللغة العربية والإنجليزية، كما يمكن متابعة أخبارهم في وسائل الإعلام المختلفة بشكل دقيق، أو البحث عن كتب تسجِّل قصتهم.
نشر أخبار تركستان
ولا ينبغي للمعلومة أن تقف عند الشخص الذي عرفها، بل عليه أن يتحرك بها هنا وهناك، فيعرِّف بها أصحابه وإخوانه ومعارفه، بل وينشرها في كل مكان يستطيع نشرها فيه، سواء في الجرائد والمجلات، أو في مجلات الحائط المدرسية والجامعية، أو في منتديات الإنترنت، أو حتى في الحديث العام مع الناس. ولقد سعدتُ كثيرًا عندما علمت أن بعض الإخوة والأخوات يطبعون هذه المقالات ويوزِّعونها على أصدقائهم، ومنهم من يرسلها إلى القائمة البريدية الخاصة به، وهكذا نحافظ على القضية حيَّة، ولا ينسى المسلمون هذا القُطر المهم. ولقد كان واضحًا من ردود أفعال القُرّاء على المقالات أن الكثيرين منهم لم يكونوا يعرفون أن الصين تحتل أرضًا إسلامية من الأساس، وهذا قصور لا ينبغي، ولا نُعذر فيه بجهلنا، خاصةً أننا نعرف المعلومات الكثيرة عن أمور كثيرة لعلَّها أقل أهمية آلاف المرات من قصة التركستان.
الدور الثاني: التواصل مع شعب التركستان..(1/152)
وأنا أعلم أن هذا الدور صعب لاختلاف اللغة، وبُعد المسافات، وعدم الاطّلاع الكافي على وسائل التواصل معهم، ولكن ما قلناه في النقطة السابقة من المتابعة الدوريَّة لأخبارهم سيوفِّر لنا -إن شاء الله- آليات التواصل، سواء بالمشاركة في المنتديات الخاصة بهم، أو عن طريق التراسل مع بعض أفرادهم عبر الإنترنت أو البريد العادي.. والأسهل من ذلك هو التواصل مع الجاليات التركستانية الموجودة في العالم، فهناك بعض الدارسين في بعض الجامعات الإسلامية، وهناك بعض المهاجرين هنا وهناك، وإذا تواصلنا معهم فإنّ هذا يشدُّ من أزرهم، ويقوِّي ظهرهم. كما أنه يفتح بعض أبواب المساعدة التي قد لا نعرفها الآن، ويعطينا معلومات دقيقة أكثر عن الأوضاع في داخل التركستان، وهذا كله يصبُّ في صالح القضية.
الدور الثالث: التواصل مع جمعيات حقوق الإنسان المنتشرة في أنحاء العالم المختلفة، وإثارة اهتمامها بقضية التركستان. ولقد أحدث تقرير منظمة العفو الدولية سنة 1998م ضجةً في العالم، وتحدث الناس حول قضية التركستان، وقد يمثِّل هذا نوعًا من الضغط على الحكومة الصينية، خاصةً ونحن في زمن العولمة، ولم يعُدْ للانغلاق الصيني الفرصة لتكتُّم كل الأخبار. كما أن الصين دولة اقتصادية يهمُّها في المقام الأول العلاقات الجيدة مع دول العالم المختلفة، والدخول في منظمات التجارة العالمية، وهذه التقارير من لجان حقوق الإنسان قد تعطِّل مسيرة هذا العمل الاقتصادي.
ولا يخفى علينا أن منظمات حقوق الإنسان لن تتفاعل بشكل جيد مع الأحداث إن تلقتْ إيميلاً واحدًا أو اثنين بخصوص الموضوع، أما إذا تلقت الآلاف والملايين من الخطابات، فهذا يعني قضية رأي عام، وهذا يغيِّر كثيرًا من موازناتها.
الدور الرابع: زيارة إقليم التركستان!(1/153)
وهذا الدور قد يبدو عجيبًا عند الكثيرين، ولكنه واقعي جدًّا؛ فقد تزايدت بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة زيارات رجال الاقتصاد المسلمين إلى دولة الصين للتجارة، ولشحن البضائع، ولعقد الاتفاقيات الاقتصادية، بل قد يسافر إلى هناك تجار من الدرجة المتوسطة وليس كبار التجار فقط. وكل ما نريده من هؤلاء أن يزيدوا يومين أو ثلاثة على أيام رحلتهم؛ ليزوروا في هذه الفترة إقليم التركستان المعروف في الصين بإقليم "سينكيانج"، وتكون فرصة للتواصل مع المسلمين هناك إن تيسَّر الأمر، وحتى لو لم يتيسر ذلك فيكفي أن تطَّلع على الأمور هناك، وتأتي بعد ذلك لتحكي قصتك بتفاصيلها. وما أجمل أن تصلي في مسجد من مساجدها، أو تزور إحدى مدارسها، أو تُهدِي أحد أبنائها مصحفًا صغيرًا!
وليس التجار فقط يمكن أن يفعلوا ذلك، بل كل المسلمين الذين يزورون الصين في أعمال أو في سياحة أو في رياضة، أو غير ذلك من الأمور. بل إنني أهيب بالأثرياء المسلمين الذين ينظِّمون رحلات سياحية إلى أوربا وغيرها أن يوجِّهوا رحلتهم القادمة إلى الصين، وأن يجعلوا من برنامج زيارتهم يومًا أو يومين أو أكثر في التركستان، وسوف يستمتعون بهذه الرحلة إن شاء الله، وإلى جوار المتعة وقبلها وبعدها سيحصِّلون الأجر والمثوبة من الله بحسب نِيَّتهم، ورغبتهم في التعرف على أجزاء عالمنا الإسلامي المحتل.
الدور الخامس: استقدام الطلبة التركستانيين للتعليم..
وهذا الدور يحتاج إلى تفاعل من الجامعات الإسلامية والمعاهد المتخصصة، ويمكن أن نثير القضية عندهم لتوجيه هذه الدعوات لهم، كما يمكن لرجال المال والاقتصاد الإسلامي أن يكفلوا هؤلاء الطلاب في بلادنا، وييسِّروا لهم سُبل الحياة الكريمة التي تترك عندهم انطباعًا جيدًا عن تعاطف العالم الإسلامي مع قضيتهم.(1/154)
وأنا أعلم أن الحكومة الصينية تضع العراقيل أمام سفر هؤلاء الطلاب إلى أقطار العالم الإسلامي المختلفة، ولكن علينا بذل الأسباب ومحاولة استقدامهم، ونترك التيسير على الله تعالى. كما يمكن للجاليات المسلمة في البلاد الأوربية والأمريكية أن تستقدم هؤلاء لتعليمهم وكفالتهم، وليس بالضرورة في العلوم الإسلامية، فإنّ إخراج الطبيب والمهندس والاقتصادي التركستاني المسلم يصبُّ -لا شك- في مصلحة القضية ككل، وقد يكون استقدام الطلاب التركستانيين إلى أوربا أو اليابان أقل حساسية عند الحكومة الصينية من استقدامهم للبلاد الإسلامية.
الدور السادس: التواصل مع قيادات الأويغور في العالم وتأييدهم..
وهذا دور مهم للغاية، فهناك الكثير من قيادات الأويغور المسلمين منفيُّون في ربوع العالم المختلفة.. في إنجلترا وأمريكا والسويد وغير ذلك، بل هناك جمعيات تركستانية تحمل همَّ هذه القضية موجودة في بلاد كثيرة من العالم. ولا شك أن التواصل معهم سيرفع جدًّا من معنوياتهم، خاصةً أن بعضهم مهدَّد من الحكومة الصينية، وأكثرهم ممنوع من العودة إلى الوطن، وهم في أشد الحاجة إلى التأييد المعنوي والمادي. كما أن التواصل معهم سيضع أيدينا على بعض الوسائل العملية لنصرة القضية، وسيسهِّل علينا الحصول على معلومات دقيقة عن المسألة، كما سيعرِّفنا على بعض الأسماء في داخل التركستان، وهذا يسهِّل علينا التواصل معهم في الداخل. وكل هذا سيصل بنا -إن شاء الله- إلى حالة من إثارة الرأي العام، وتحريك القضية بما يخدم مصلحة المسلمين التركستان، سواءٌ في داخل التركستان أو في خارجها.
الدور السابع: الدعم المادي للتركستان عن طريق لجان الإغاثة..(1/155)
فهناك الكثير من لجان الإغاثة الإسلامية المنتشرة في أنحاء الدنيا، ولكن-للأسف- فإن معظمهم لا يتفاعل مع قضية التركستان؛ إما لجهلهم بها أو لتضييق الحكومة الصينية عليهم، لكن في كل الأحوال فإننا ينبغي أن نثير اهتمام هذه الجمعيات بقضية التركستان، ونُكثِر من إرسال الخطابات المطالبة بفتح نشاط في إقليم التركستان، وإذا تم ذلك فيجب التسارع في إيصال المعونات المادية والعينية لهم؛ فهم في حالة شديدة من الفقر والاحتياجات. ولا شك أن وقوف العالم الإسلامي معهم بالمال والمساعدة سيثبِّتهم على دينهم، ويربطهم بأمتهم.
الدور الثامن: تفهيم المسلمين خطورة الصين..
فواقع الأمر-للأسف الشديد-أن معظم المسلمين متعاطفون قلبيًّا مع دولة الصين لأسباب كثيرة، منها وقوفها ضد أمريكا، ومنها غزارة الإنتاج الصيني الرخيص الذي يعتمد عليه جُلُّ العالم الإسلامي، ومنها الانبهار بالتطور الصيني المتسارع، ومنها التأثر بالإعلام الصيني الذي يحرص على إصدار مطبوعات عن الصين باللغة العربية، ومنها التأثر بالمراكز الثقافية والفنية الصينية التي تقدِّم خدمات وبرامج لعامَّة الناس، ومنها التأثر بالأفلام الصينية وإعجاب الناس بهذا المجتمع المثالي الذي تصوِّره الأفلام، ومنها الانبهار بتاريخ الصين القديم وحضارتهم العريقة
إنها أشياء كثيرة وضعت الغشاوة على عيون المسلمين، فلم يعُدْ هناك من يتقبل الطعن في الصين أو التحزُّب لمقاومتها. ولقد كتبتُ قبل ذلك مقالاً بعنوان "الصين أم أمريكا" وضّحت فيه أن خطورة الصين أعلى من خطورة أمريكا عدة مرات، وأن المسلمين يجب أن يدركوا ذلك؛ حتى لا نُؤتى من حيث نتمنى المساعدة. وهذا جهد يحتاج إلى وقت وعمل، فيجب تنبيه المسلمين إليه بقوَّة، ويجب فضح المخططات الصينية وكشف أوراقهم.
إيجاد الحكومة الإسلامية(1/156)
الدور التاسع:أعلم أن الكثير من الأدوار الإيجابية المؤثرة يحتاج إلى دولة وحكومة، ولكننا -كما ذكرنا في أول المقال- لا نعوِّل كثيرًا على معظم الحكومات المسلمة الموجودة الآن، ومن ثَمَّ يصبح من أهم أدوار المسلمين هو إيجاد الحكومة الإسلامية التي تتبنى قضايا المسلمين في الداخل والخارج. وهذا طريق طويل ولكنه لازم، وآليات إقامة حكومة إسلامية كثيرة ومتشعِّبة، ولكن أهمها العودة الكاملة إلى الله تعالى، واتّباع شرعه في كل صغيرة، وإننا -والله- لو أقمنا دولة الإسلام في قلوبنا فإنها لا شك ستُقام على أرضنا، وليس هؤلاء الحكام إلا إفرازًا حقيقيًّا للشعوب، وكما جاء في الأثر "كما تكونوا يُوَلَّ عليكم"؛ فأصلحوا علاقتكم بربكم، يُصلِحِ الله لكم حُكّامكم وأمراءَكم.
الدور العاشر: الدعاء لأهل تركستان بالصبر على الإسلام، وبالثبات في مواجهة الطغيان الصيني، وبرفع الغُمَّة عن العالم الإسلامي كله.
ولم أجعل هذا الدور في آخر المقالة تقليلاً لشأنه -حاشَ لله- ولكن حتى لا يعتمد المسلمون عليه ويتركون بقيَّة الأعمال. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُعِدّ العُدَّة للجيش، وينظِّم الصفوف، وفي نفس الوقت يرفع يده إلى السماء يدعو بنصر الطائفة المؤمنة على أعدائها من الكافرين، فلنجعلْ لأهل التركستان وِردًا ثابتًا في دعائنا، عسى الله تعالى أن يُثلِج صدورنا بنصر لهم ومددٍ من عنده.
كان هذا هو الدور العاشر، فتلك عشرة كاملة!!
ولا شك أن هناك الكثير والكثير من الأدوار التي لم أذكرها، والتي سيقترحها -إن شاء الله- قُرَّاء المقال حتى تعمَّ الفائدة، ويشترك المسلمون جميعًا في حلِّ هذه القضية المهمة.(1/157)
وأخيرًا فإنني أعلم أن الكثيرين كانوا يتوقعون أن تكون المقاطعة للبضائع الصينية من ضمن الوسائل التي نُساعِد بها أهل التركستان، ونضغط بها على الحكومة الصينية، ولكن هذا ملف كبير جدًّا، يحتاج منا إلى مقال خاص، سوف نتناوله قريبًا بإذن الله.
ونسأل الله تعالى أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
د. راغب السرجاني
6-8-2009
المصدر/ موقع قصة الاسلام
مزيد المقالات
كنوز التركستان الشرقية بقلم د. راغب السرجاني
قصة الإسلام في الصين بقلم د. راغب السرجاني
الصين أم أمريكا ؟! بقلم د. راغب السرجاني
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة بقلم د. راغب السرجاني
مجزرة تركستان الشرقية.. أوراق الضغط الإسلامية
أمير سعيد
المختصر / لم يكد يمضي أسبوع واحد على زيارة الرئيس التركي عبد الله جول لتركستان الشرقية، واستقباله بحفاوة شعبية بالغة في هذه الدولة التركية المسلمة المحتلة، وإبداء قدر من التضامن مع معاناة المسلمين هناك حتى تعاملت الدولة الصينية بقسوة شديدة مع مظاهرات المسلمين في عاصمة تركستان يورومكي لترتكب بذلك أبشع الجرائم الوحشية بحق شعب يعيش تحت الاحتلال.
قضى نحو 600 مسلم تركستاني نحبه وأصيب آلاف واعتقل نحوهم، في أول حصيلة إسلامية تذاع في أول أيام الانتفاضة الأويغورية، عندما فتحت القوات الصينية نيرانها على المتظاهرين الذين "أسفت" لهم الولايات المتحدة الأمريكية في أول رد فعل لها على المجزرة.(1/158)
لم تكن زيارة جول بطبيعة الحال مشعلة للموقف بقدر ما كانت تسكيناً لآلام مسلمين يعيشون أغراباً في وطنهم الذي احتل في خضم تراجع الدولة العثمانية، مع أن الأويغوريين قد نجحوا في العودة إلى حكم أنفسهم بعد إلغاء الخلافة العثمانية في أواخر الربع الأول من القرن الماضي؛ فالمأساة قد تكررت قبل زيارة الرئيس التركي بيومين فقط عندما هاجم الآلاف من العمال الصينيين في صباح الجمعة الموافق 26 يونيو الهان عمال أويغور مسلمين يعملون في مصنع للألعاب في مقاطعة كونجدوج الواقعة جنوب الصين. واستخدم العمال الصينيين السكاكين والمواسير المعدنية والأحجار في الهجوم علي العمال الأويغور ما أسفر عن سقوط ضحايا مسلمين، بحسب المصادر التركية.
قام متظاهرون بالاحتجاج على تعدي الصينيين عليهم فقمعتهم السلطات الصينية بقوة مفرطة ألفها الأويغوريون المسلمون على مر العقود الماضية التي حصدت من أرواحهم أكثر من مليون في سلسلة من المجازر وصل بعضها لتصفية مليون مسلم هناك.
إذن لا جديد في المسألة، فالصمت العالمي هو ذاك، والتنسيق مع بعض الدول المسلمة كما مع باكستان في الشهر الماضي تحت ذريعة ملاحقة إرهابيين، هو ذاك، والتجاهل الإعلامي لم يختلف، على أنه لدى المسلمين اليوم العديد من أوراق الضغط في عالم لم يعد حكراً لا في الإعلام ولا في الاقتصاد على ما تقرره نيويورك وبكين ولندن وطوكيو وبرلين وغيرها من عواصم المال والسياسة والإعلام في العالم.
في ظل ثورة "تويتر" وغيرها لابد وأن تحيى هذه القضية في العالم كله، لا لنطالب بـ"انفصال الإقليم" عن الصين أو استقلال الدولة المحتلة ضرورة، بل حتى ليحصل المسلمون هناك على حقوقهم الإنسانية المعيشية التي تفرضها القوانين الدولية لشعب تحت الاحتلال أو لمواطنين في ظل دولة شمولية على الأقل يتوجب عليها توفير أدنى درجات المعيشة الإنسانية والحقوق التعبيرية والعقدية والتمكين من ممارسة الشعائر الدينية.(1/159)
مطلبنا في الحقيقة عادل، وعلينا أن نصدح به، وأن نحرك به وله الهيئات والمنظمات الإسلامية والعربية الرسمية، والحقوقية الدولية، والكيانات الاقتصادية الإسلامية، والقنوات "الإسلامية" وغيرها ووسائل الإعلام للحديث عن جذور المشكلة وأسبابها الحقيقية؛ إذ يغنينا عن البيان أن نشيع الحقيقة الدامغة، بأن هؤلاء المستضعفين يعيشون حياة أشبه بحياة الرق والعبودية، ومحرومون حتى من صيام رمضان بينما العالم كله من مشرقه إلى مغربه لا يكاد يحرم المسلمين من حق عدم تناول الطعام!!
إن من المهم كثيراً أن يرتفع الوعي بهذه القضية لا من أجل أهل تركستان فحسب، بل من أجل رفع قيمة المسلم ودمه في عين كل غاصب وغطريس. وعلى الجميع أن يدرك حرمة دم مسلم أيًّا كانت حالته الاجتماعية والمعيشية والثقافية أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة كما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أما وأن تحصد أرواح 600 مسلم في ضحوة نهار واحدة ويصمت المسلمون في العالم؛ فإنها لمن إحدى الكُبَر، وعنوان المذلة التي تلاحقنا أينما كنا.
على جميع قنواتنا أن تفرد لذلك مساحة لتصل الرسالة لأهل الحكم في كل البلدان المسلمة، أن الشعوب غضبت وانجاب الكرى عن عيونها في تلك القضية؛ فلا مجال للصمت أو التجاهل المتكرر.. وعلى أصحاب الأقلام يتوجب الصدح ضاغطين على كل من يملك كلمة لدى الصينيين وهم كثر.
يهولنا أن يبلغ حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والصين 133 مليار دولار في العام الماضي (2008)، ثم لا نرى أي أثر لهذا الرقم في تقدير الصينيين لحكام الدول العربية وجامعاتهم.(1/160)
هذا الرقم المهول يزداد كل عام بمقدار 40% يمثل فيه الخليج نحو نصفه، وتمثل دولة كالإمارات ثلث نسبة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تحوي سوق التنين الصيني بدبي وهو أكبر سوق صيني خارج الصين في العالم. وقبل ثلاثة أسابيع كانت 1100 شركة صينية تعرض بضائعها في معرض منتجات الصين الثالث، والذي قال عنه المدير العام لشركة جلوبال سورسز لمنطقة الشرق الأوسط بيل جانيري "أن المعرض يأتي في الوقت الذي تعتبر الإمارات حاليا الوجهة الرئيسية للصادرات الصينية، في الوقت الذي يشهد نشاط الأسواق الغربية تباطؤا بسبب الركود العالمي." أي أنه جاء منقذاً في لحظة اقتصادية عالمية متعثرة؛ فالصين أزاحت الولايات المتحدة عن صدارة موردي الإمارات فيما صعدت الصين إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بالنسبة لموردي السعودية، وهي بلد تستورد ما يقدر بنحو مائة مليار دولار سنوياً.
ويزور آلاف المستثمرين العرب والمسلمين الصين للاستيراد منها يومياً وينفقون هناك عشرات المليارات من الدولارات..
كل هذا لا أثر له على قرار آمر الشرطة الصينية عندما أصدره بفتح نيران أسلحته على صدور المسلمين العزل!! هذا بالطبع مما لا ينتظر ألا يمر دون نظر أولي النهي لاسيما أن المسلمين في العالم متطلعون لنخوة الشعوب العربية، منتظرون ما هو أكثر من هذا من الحكام العرب وجامعتهم ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي يهيمن على قراراتها العرب أيضاً، ومؤسسات دينية عريقة كالأزهر ورابطة العالم الإسلامي وغيرها.
إن لدينا من أوراق الضغط الكثير، لا ندركها ولا نتعاطى بها، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه الأوراق لا تضير لاعبيها لأننا الطرف الذي يمكنه أن يفرض إرادته على الصينيين لو أراد، ولا يحاذر من مشكلات عسكرية واستعمارية معه.(1/161)
إن نحو 30 مليون مسلم (بحسب مصادر تركية مستقلة وليس 7 ملايين كما تسوق الصين والعالم الغربي) يلعقون دمائهم الآن في تركستان، ولا يجدون من يسكن جراحهم، ويحمل مطالبهم العادلة.. ودماء الشهداء هناك جديرة بأن تلهب الأصوات المدافعة عنهم وإحياء قضيتهم واستغلال الفرصة والدم لم يزل ساخناً لتحشر الصين في زاوية الاستحقاق الحقوقي، وعلى الجميع أدوار، وفي صدارتهم علماء المسلمين وحكماؤهم.
المصدر: موقع المسلم
التاريخ: 14/7/1430 الموافق 07-07-2009 |
القهر الصيني لمسلمي تركستان
د. إبراهيم البيومي غانم/ أستاذ العلوم السياسية
لا يعاني المسلمون من الإرهاب الغربي فقط، ولا يقعون ضحايا العنصرية الأوربية (آخر الضحايا كانت الدكتورة مروة الشربيني التي قتلها إرهابي ألماني في قاعة المحكمة) والغطرسة الأمريكية (في أفغانستان وباكستان والعراق) فحسب، والإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة، وإنما يعانون أيضاً من القهر الشرقي والاضطهاد الشيوعي الروسي في الشيشان وأنجوشيا، والصيني في تركستان الشرقية.(1/162)
خلال الأسبوع الماضي تجددت مأساة تركستان الشرقية وشعبها المسلم، بموجة عنيفة من القهر الذي تمارسه السلطات الصينية ضد هذا الشعب منذ أكثر من ستة عقود مضت. وعمر مأساة تركستان الشرقية وشعبها "الأويغوري" هو من عمر مأساة فلسطين وشعبها العربي. شعب الأويغور يرزح تحت الاحتلال الصيني الشيوعي منذ سنة 1949 وله ملايين من المشردين واللاجئين في عديد من بلدان العالم ولا يستطيعون العودة إلى ديارهم، وشعب فلسطين يعاني قسم منه من ويلات اللجوء والتشرد خارج وطنه، ويرزح قسم آخر تحت الاحتلال الاستيطاني الصهيوني الأبشع بين أنواع الاحتلالات التي عرفها التاريخ. وكلا الشعبان: الأويغوري التركستاتي، والعربي الفلسطيني هما عضوان من أعضاء جسد الأمة الإسلامية المثخن بالجراح والقتل والتشريد والاضطهاد والقهر منذ أكثر من مائتي عام عندما بدأت الموجة الاستعمارية الغربية الأولى تكتسح البلدان الإسلامية في مناطق مختلفة من الجغرافية الإسلامية، مروراً بالموجة الاستعمارية الثانية التي أطبقت على أغلبية ما تبقى دون احتلال في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وصولاً إلى "الموجة الاستعمارية الثالثة" التي لاتزال تقضم أمم الإسلام أمة وراء أمة، وتستبيح أرضها وخيراتها بقوة السلاح.
قد يكون نصيب فلسطين من اهتمام العالم الإسلامي وقواه الحية أفضل بما لا يقارن بنصيب شعب الأويغور الذي يقاسي صنوف الاضطهاد والعسف الصيني منذ أكثر من ستة عقود دون أن يشعر به أحد، أو ترق له قلوب المغيثين، أو تميل إليه عواطف الحادبين على حقوق الإنسان، أو المشفقين على عذابات الأبرياء. ولكن المأساة هنا وهناك وفي مختلف أرجاء جغرافية العالم الإسلامي واحدة؛ حيث الشعوب الإسلامية هي الضحية الأكبر على مذبح التاريخ الحديث والمعاصر.(1/163)
انظر إلى خريطة الصراعات والحروب والمنازعات التي تنزف بدماء الأبرياء على امتداد العالم، فلن تجدها تقع إلا في جغرافية العالم الإسلامي، الممتدة في قلب العالم القديم من طنجة غرباً إلى جاكرتا والجزر الإندونيسية شرقاً، ومن قلب أوربا وبلاد البلقان شمالاً (البوسنة وكوسوفو) إلى خط الاستواء جنوباً في الصومال والسودان، وفيما بين هذا كله من ديار المسلمين من مختلف الأعراق والملل. لا ترى إلا سلسلة متواصلة من الحروب، ومئات الآلاف من الضحايا، وخراب الديار وضياع الأحلام البريئة، ومع ذلك يتهمون المسلمين والإسلام ذاته بالإرهاب، وينساق وراءهم بعض المسلمين في ترديد هذا الاتهام كالببغاوات؛ بل ويسارع البعض منهم ممن لهم كلمة مسموعة، وسابقة محمودة، إلى "إدانة الذات" تحت دعوى " النقد والمراجعات".
استولت حكومة الصين الشعبية/ الشيوعية سنة 1949 على بلاد تركستان الشرقية، وسعت دون كلل منذ ذلك الحين إلى طمس المعالم الحضارية والتاريخية لهذه البلاد الواسعة التي تبلغ مساحتها 1،646،555كم2، (أي ضعف مساحة تركيا، ومرة ونصف مثل مساحة مصر تقريباً)، وعدد سكانها المسلمين يتراوح بين 20 و25 مليون نسمة، ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عددهم لأن الحكومة المركزية الصينية في بكين مصممة على محو أثر هذا الشعب العريق إما باضطراره إلى الهجرة واللجوء إلى خارج وطنه، أو بمزاحمته بأبناء قومية "الهان" التي تفرض سيطرتها على مختلف القوميات الأخرى التي تضمها الصين حالياً، والأويغور هم الأكثر عرضة للقهر والاضطهاد والحرمان؛ بينما تستأثر قومية الهان الصينية بالثروة والسلطة تحت عباءة الحزب الشيوعي الماوي.(1/164)
تنفذ حكومة الصين تصميمها على محو هوية شعب الأويغور بوسائل وسياسات شتى، أولها تغييب الاسم الأصلي لبلاد الأويغور وهو "تركستان الشرقية" استعمال اسم آخر بدلاً عنه ليس له معنى بالنسبة لأهل البلاد الأصليين وهو "الإقليم الجديد": جديد بالنسبة للصين الشيوعية الماوية نعم، ولكنه ليس جديداً بالنسبة لشعب الأويغور العريق ولن يكون جديداً في يوم من الأيام. وتغيير الأسماء التاريخية للأوطان هي سياسة استعمارية مارستها القوى الطامعة في البلدان الإسلامية دون انقطاع: فالاستعمار البريطاني والأوربي عامة اخترع اسم "الشرق الأوسط" ليطمس "العالم العربي"، والصهيونية تسعى لطمس اسم "فلسطين"، وترسيخ اسم "إسرائيل" على الأرض العربية الفلسطينية المغتصبة، والسياسة الأمريكية تسك اسماً جديداً لأوسع رقعة جغرافية من العالم الإسلامي هو "الشرق الأوسط الكبير" أو "الشرق الأوسط الجديد"، وتتطابق حدود هذا "الشرق الأوسط الكبير" مع جغرافية الدولة العباسية بالتمام والكمال عندما كانت قوة الإسلام الدولية قد بلغت أوجها، وبسطت رحمتها على العالم القديم وهيأت المناخ لإحداث نقلة نوعية في تاريخ التمدن الإنساني، لم تشوهها إلا السيطرة الغربية الاستعمارية خلال القرنين الأخيرين.(1/165)
يقول المؤرخون إن الأويغور هم قدماء الأتراك وأجدادهم، واسم وطنهم "تركستان" يعني أرض الأتراك. ويتكلم الأويغور لغة أويغورية تركية الأصل، ويخطون كتاباتهم بالعربية ولهم ملامح القوقازيين، وكانوا يشكلون 90% من سكان المنطقة، ولكن هذه النسبة تناقصت بفعل سياسة التهجير الجماعي لعرقية "الهان" وتوطينهم في تركستان الشرقية باعتبارها متنفساً للكثافة السكانية الهائلة في أقاليم الصين الأخرى. ويقول المؤرخون أيضا إن موجات الهجرة السلجوقية تعود في أصلها إلي شعب الأويغور، وأن نجاح السلاجقة الحاسم في السيطرة علي الأناضول من يد البيزنطيين في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، قد فتح آسيا الصغرى لهجرات أويغورية ـ تركية جديدة، كان من بينها القبيلة التي برز منها آل عثمان مؤسسو الدولة العثمانية التي عاشت في خدمة الإسلام والمسلمين ستمائة عام، ووضعت بصمات لا تنحمي من تاريخ العالم.
ما يهمنا اليوم هو أن الوضع في مدينة أروميتشي عاصمة تركستان الشرقية انفجر خلال الأسبوع الماضي على أثر خلاف في أحد المصانع بين بعض أبناء الأويغور وبعض أبناء قومية "الهان" الوافدين علي تركستان الشرقية في إطار سياسة التوطين التي تتبعها الحكومة الصينية لفرض سيطرتها على الإقليم وتغيير معالمه الديمغرافية والثقافية. وقد أوقعت الشرطة أكثر من مائة وخمسين قتيلاً من أبناء الأويغور وآلاف الجرحى، واعتقلت أكثر من 1500 منهم أثناء احتجاجهم على المظالم التي يعانون منها في عقر دارهم وبسبب السياسات الجائرة التي تنتهجها الحكومة المركزية في بكين.(1/166)
التقارير الدولية المعنية بقضية الأويغور ـ على قلتها ـ تؤكد أن الحكومة الصينية تفرض على مسلمي الأويغور في الغرب الأقصى من البلاد حالةً من العزلة، وتقيد ممارستهم للشعائر الدينية، وترفض السماح لهم بأداء مناسك الحج والعمرة ولا منحهم وثائق أو جوازات سفر لهذا الغرض، وتمنعهم من استخدام لغتهم في المدارس والمؤسسات الثقافية والإعلامية. ويصل الاضطهاد إلى المظهر والسلوك الشخصي لأفراد شعب تركستان الشرقية.
وتفرض السلطات الحكومية رقابةً صارمة على المساجد، وتقوم برفت المعلمين ذوي الميول الإسلامية، وتحرم الطلاب المتدينين من حقهم في التعليم، وتميز العمال من "الهان" على العمال الأويغور، وخصوصاً في حقول النفط الغنية الواقعة في الإقليم؛ حيث تحرم أهل البلاد من العمل فيها، وتستجلب عمالاً من مناطق صينية أخرى للعمل هناك بأجور أعلى مما يحصل عليه العمال الأويغوريون.
وفوق كل هذه المظالم وألوان التمييز العنصري ضد أبناء شعب الأويغور المسلمين، لا تتورع السلطات الصينية عن إنزال عقوبة الإعدام على من تشتبه فيه منهم بأن لديه "نزعة انفصالية"، أو يدعو إلى استقلال تركستان الشرقية عن السيطرة الصينية، وقد أعدمت العام الماضي اثنين بعد محاكمة صورية، وحكمت على 15 شخصاً آخر بالسجن لمدد تتراوح بين 10 سنوات والسجن مدى الحياة بتهمة الانتماء لحركة تركستان الشرقية الإسلامية".(1/167)
المفجع في مأساة شعب الأويغور أن الحكومة الصينية تسومه سوء العذاب، وتفعل به ما تشاء وكأن العالم لا يرى ولا يسمع ومن ثم فهو صامت أبكم، إلا من همهمات خافتة، وبيانات شاحبة لا تحرك ساكناً ولا توقف عدواناً، ولا تمنع انتهاكاً لحقوق الإنسان التي تهدرها السلطات الصينية يومياً دون أن ينتفض "العالم الحر"؛ وبالرغم من أوجه الشبه الكبيرة بين قضية الأويغور وتركستان الشرقية المسلمة، وقضية التبت/ الوثنية، التي احتلتها الصين أيضاً سنة 1950، إلا أن الإدانات الدولية من الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان لم تتوقف حتى غيرت حكومة الصين سياساتها تجاه إقليم التبت وزعيمه الداي لاما الذي حصل أيضاً ـ وفي هذا السياق الحقوقي ـ على جائزة نوبل للسلام.
ردود الفعل على الانتهاكات والسياسات القمعية التي يتعرض لها مسلمو الأويغور في وطنهم تضيف مؤشراً جديداً على ازدواجية المعايير في السياسات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وتؤكد مجدداً أن القوى المهيمنة على العالم تسترخص دماء المسلمين وتستهين بأعراضهم وجميع حقوقهم.
ليس جديداً أن تأتي مواقف القوى الدولية ـ وخاصة الأوربية والأمريكية ـ باهتة وخافتة على هذا النحو الحاصل تجاه التطورات الأخيرة في قضية تركستان الشرقية والقهر الذي يتعرض له مسلموها على يد الحكومة الصينية، فهذا هو ديدنها باستمرار تجاه مثل هذه القضايا، ولكن المؤسف والمحزن معاً أن يأتي رد الفعل المعبر عن منظمة المؤتمر الإسلامي ضعيفاً وباهتاً هو الآخر؛ إذ لم يتجاوز حد الإعراب عن "قلق المنظمة" مما يجري للأويغور في تركستان الشرقية!! "قلق" هكذا عبر بيان المنظمة ! قارن ذلك بما قاله الناطق باسم الخارجية الأمريكية إيان كيلي قال "لدينا مخاوف"، و"نشعر بعميق الأسف على خسائر الأرواح" هذا كل ما هنالك!.(1/168)
الصين تقهر قسماً غالياً من أبناء الأمة الإسلامية في تركستان الشرقية، والبضائع الصينية تغرق أسواق أغلبية البلدان العربية والإسلامية وتتسبب في إغلاق عشرات الآلاف من الصناعات الصغيرة والحرف اليدوية ومصادر الرزق لقطاعات واسعة من البسطاء والمهمشين والفقراء في بلادنا. فهل آن لنا أن نستيقظ؟.
المصدر/ جريدة السبيل
تاريخ النشر : 11/07/2009
يقظة تركستان الشرقية وحقوقها علينا
د. ابراهيم البيومى غانم
منذ بدايات شهر يوليو الجاري تجددت حملات القمع والتنكيل التي يتعرض لها شعب الأويغور المسلم في تركستان الشرقية ـ التي تطلق عليها الصين زوراً اسم "سينكيانج" أي الإقليم الجديد ـ ومع تجدد أعمال الاضطهاد والعنف التي يتعرض لها مسلمو تركستان نكتشف نحن في العالم العربي أن هناك بلداناً وشعوباً إسلامية بأكملها كادت تسقط من ذاكرتنا التاريخية، وتغيب عن وعينا، أو بالأصح يغيب وعينا عنها مثلما هو غائب عن قضايا ومشكلات كثيرة تعانيها شعوب أمتنا الإسلامية في الشرق والغرب على السواء.
"تركستان الشرقية" يبلغ تعداد سكانها تسعة ملايين نسمة من مسلمي الأويغور حسب الإحصاءات الصينية الرسمية، ولكن مصادر الأويغور تقول إن تعدادهم يتراوح بين 25 و30 مليون نسمة. ومن حيث مساحتها الجغرافية فإن تركستان تساوي 1.650.000 كم2 أي ضعف مساحة تركيا، ومرة ونصف مثل مساحة جمهورية مصر العربية. وهي تتاخم سبع دول هي: كازاكستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وأفغانستان، وباكستان والهند من جهة الغرب، ومنغوليا من جهة الشرق. ومن حيث مواردها وثرواتها الطبيعية تعتبر أغنى الأقاليم الداخلة قهراً تحت الحكم الصيني منذ سنة 1949 فهي منطقة زراعية بامتياز، وتنتج أغلب محاصيل الصين من القمح والقطن والذرة، كما أن بها أغنى حقول البترول ومناجم المعادن، وجبال الذهب والفضة، ومادة اليورانيوم التي تعتمد عليها الصين في إنتاج أسلحتها النووية.(1/169)
أما من الناحية التاريخية والحضارية فتركستان الشرقية هي الموطن الأصلي للقبائل التركية التي خرجت منها قبلية آل عثمان بقيادة أرطغرل الذي خلفه ابنه الغازي عثمان الذي نسبت الدولة العثمانية إليه منذ بدايتها سنة 699هـ ـ 1299 م ، إلى نهايتها سنة 1343هـ ـ 1924م ، بعد أن كانت قد امتد من "كاشغر" الواقعة في تركستان حالياً، إلى قارات العالم القديم الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوربا.
كانت فرحة الأويغوريين غامرة عندما زار الرئيس التركي عبد الله جول اللعاصمة أورومتشي في مطلع يوليو الجاري. والسبب في فرحتهم هو أنها أول زيارة لرئيس تركي لهم منذ مائة سنة، وليس فقط هو أنه أشار في حديثه مع المسئولين الحكوميين في الإقليم إلى علاقات النسب والأخوة التي تربط الشعب التركي بالشعب الأويغوري وبسائر الشعوب التركية في "تركستان الغربية" التي تضم الدول الخمس المستقلة عن الاتحاد السوفييت السابق وهي: قرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وأذربيجان، وتركمانستان.(1/170)
كانت الشرارة الأولى التي فجرت الأحداث الدامية التي لا تزال تركستان الشرقية تعيش مأساتها، هي وقوع مذبحة للأويغوريين الذين يعملون في أحد المصانع بمنطقة جوان شاو الواقعة في أقصى جنوب الصين وعلى بعد آلاف الكيلومترات من مسقط رأسهم في تركستان الشرقية بأقصى غرب الصين. ونظراً للتعتيم الإعلامي الرهيب الذي تفرضه الحكومة الصينية فإن الأنباء تضاربت حول حقيقة ما حدث، ويقال إن العمال الصينيين من عرقية الهان ـ صاحبة الهيمنة في البلاد ـ استمروا في ضرب وتعذيب العمال الأويغوريين من الساعة الحادية عشرة مساءً إلى الرابعة صباحا، فقتلوا منهم عشرين شخصاً، وجرحوا أكثر من مائة بجروح متفاوتة الخطورة. وعندما تسربت أنباء الحادث ووصلت إلى أهالي الضحايا في تركستان الشرقية انتظروا أحد عشر يوماً ليروا كيف ستتصرف الحكومة الصينية تجاه ما جرى، ولكنها لم تفعل شيئاً، وتواترت الأنباء أن الشرطة التي حاصرت المصنع بعد اندلاع المصادمات فيه تراخت ولم تتدخل، وتركت العمال الهان يقتلون ويعذبون الأويغور كما يشاؤون.
استمر صمت الحكومة الصينية أحد عشر يوماً لم تحرك فيها ساكنا من أجل معاقبة الجناة من عرقية الهان. وفي يوم 5 يوليو الجاري نظم ثلاثمائة طالب جامعي أويغوري مظاهرة سلمية في أورومتشي رافعين الأعلام الصينية ـ وليس أعلاماً خاصة انفصالية كما تدعي حكومة الصين ـ احتجاجاً على ما حدث، وطالبوا بالتحقيق فيما جرى. ولكن السلطات واجهتهم بعنف، فزاد عدد المتظاهرين ووصل حسب بعض التقديرات إلى أكثر من عشرة آلاف متظاهر، قتلت الشرطة منهم خلال أيام قليلة حوالي 200 شخص. ومن هنا انتشرت المظاهرات إلى مدن تركستانية أخرى مثل: كاشغر، وياركند، وأكسو، وخوتان،وغولجا، واتسع نطاق المواجهات وسقط مزيد من الضحايا بين قتلى وجرحى ومعتقلين.(1/171)
الرواية الصينية التي تذيعها وسائل الإعلام الحكومية تشير إلى أن سبب اندلاع أحداث المصنع في منطقة جوان دونغ هو أن اثنين من العمال الأويغوريين هناك اغتصبوا فتاة من الهان، وعليه رد العمال الهانيون بضرب من ضربوا وقتل من قتلوا من العمال الأويغوريين. ومن الصعب التحقق من صدق هذه الرواية التي سربها الإعلام الصيني لتبرير ما حدث، وحتى على فرض صحتها ـ وهو فرض بعيد جداً عن الحقيقة ـ فإنها لا تبرر الموقف المتراخي للسلطات الرسمية في إدارة الأزمة والسيطرة على أعمال العنف الوحشي الذي راح ضحيته مئات القتلى من العمال الأبرياء فقط لأنهم من الأويغوريين المسلمين.
والثابت ـ على الجانب الآخر ـ هو أن الأويغوريين يتعرضون للاضطهاد المبرمج من جانب السلطات الصينية على مستويات محلية وإقليمية وفي عديد من المجالات، وقد رصدت تقارير حقوق الإنسان الدولية الكثير من ألوان الاضطهاد والانتهاكات التي يعاني منها الأويغورييون ومن ذلك على سبيل المثال:
ـ إجبار العمال الأويغور على العمل في مصانع تقع في أقاليم صينية نائية جداً عن موطنهم في تركستان الشرقية ، وبأجور أقل من قرنائهم من العرقيات الأخرى، وخاصة الهان ، وعدم السماح لهم بالاتصال بذويهم في تركستان.
ـ التفريق في محلات الإقامة والسكن بين العمال المرحلين إلى مناطق نائية وزوجاتهم المرافقات لهم، الأمر الذي يعرضهن لكثير من المضايقات ويشعرهن بالخوف الدائم من الوحدة واحتمال تعرضهن للاعتداء .
ـ عدم مراعاة تقاليد الطعام والشراب الخاصة بالعمال المسلمين الأويغوريين، وإجبارهم على تناول أطعمة وأشربة يرون أنها غير مباحة طبقاً لتعاليم الإسلام وأحكامه.(1/172)
ـ إجبار الفتيات من بنات الأويغور ما بين15 ـ و25 سنة ، على الرحيل إلى مدن صينية نائية عن أهاليهن في تركستان الشرقية، وتشغيلهن كعاملات في المصانع لساعات طويلة، وبأجور متدنية، مع قطع وسائل الاتصال بينهن وبين ذويهن لسنوات متتالية، في إطار سياسة "تصيين الهوية التركية" وتذويبها في الهوية الهانية. وتشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أنه قد تم ترحيل 250.000 فتاة أويغورية خلال السنوات الثلاث الماضية فقط.
ـ حظر استعمال اللغة التركية في التعليم الجامعي. ومنع كل من هم دون سن الثامنة عشرة من دخول المساجد لأداء الصلاة في جميع أنحاء البلاد، وفي تركستان وحدها 22 ألف مسجد كلها موروثة من العهود الإسلامية القديمة . إضافة إلى حظر أداء الصلاة داخل محلات العمل أو المؤسسات العامة. وكذلك التعنت في الموافقة على منح تأشيرات للراغبين في أداء الحج والعمرة من أبناء تركستان الشرقية. تلك بعض الأمثلة فقط على ما يتعرض له مسلمو الأويغور في تركستان الشرقية، ليس اليوم فقط وإنما منذ عشرات السنين. وقد كان الأويغور ومسلمو الصين عامة هم أول ضحايا الصراعات داخل الصين، فسقط منهم مليون قتيل في الفترة من سنة 1929 إلى 1945 إبان الثورة الشيوعية، وعندما شن ماوتسي تونج الثورة الثقافية الصينية التي استمرت ثلاثين عاماً (1959ـ1979)؛ كان الأويغوريون هم أول ضحاياها؛ إذ لم تحترم تلك الثورة أية خصوصية لمسلمي الصين، ويكفي أن نشير إلى أنهم أجبروا على الامتثال للمشاركة في نظام "الأكل الجماعي"، والأحوال الشخصية؛ بما في ذلك أحكام الزواج والطلاق والمواريث، دون مراعاة لأية تعاليم أو أحكام خاصة بالمسلمين.(1/173)
كان لذلك الاضطهاد المنظم والقمع العنيف الذي تعرضت له الأجيال الأكبر سناً من أبناء الأويغور أثر بالغ في غرس الخوف والرعب في قلوبهم في العقود الماضية، وخاصة أن أناتهم وشكاواهم لم يكن يسمع بها أحد. وفي رأي السيدة ربيعة قديرـ التي تقود المعارضة حالياً في الخارج باسم الأويغوريين ضد الظلم الصيني لأبناء قوميتها ـ أن الحكومة الصينية تشجع النزعة القومية لدى عرقية الهان بهدف إحلال الأفكار القومية محل الأيديولوجية الشيوعية التي سقطت في عقر دارها قبل عقدين من الزمن.
اليوم، تكشف ردات فعل الأويغوريين ضد المظالم التي يتعرضون لها عن أنهم متمسكون بإسلامهم، وبهويتهم التي ساهم الإسلام في تشكيلها ورسم ملامحها قبل أكثر من ألف سنة. ومع تكرار سياسات القمع الصيني ضدهم، ومع تطور وسائل الاتصالات، دبت روح اليقظة بين أبناء تركستان، وخاصة من جيل الشباب وطلاب الجامعات على وجه التحديد. وباتوا يدركون أنهم قادرون على رد الظلم عن أنفسهم، ووقف مسلسل العذاب الذي نال من أهاليهم على مدى عقود طويلة من الزمن. كما باتوا يدركون أنهم جزء لا يتجزأ من العالم التركي/ المسلم الذي يشهد هو الآخر يقظة كبيرة انطلاقاً من تركيا التي تضم اسطنبول العاصمة التاريخية للدولة العثمانية التي نبتت بذورها في أرض بلادهم "تركستان الشرقية". كما أن الأويغور جزء لا يتجزأ من جسد الأمة الإسلامية الممتد من طنجة غرباً إلى جاكرتا شرقاً، وبقي أن تتيقظ بقية الشعوب الإسلامية والعربية، وتجدد سدى التراحم ولحمته فيما بينها لرد العدوان والمحافظة على حقوقها في كل ميدان، وهذا من أبسط حقوق الأويغور علينا.
المصدر/ جريدة السبيل الأردنية
تاريخ النشر : 19/07/2009
مسلمو تركستان الشرقية.. مذابح وتجاهل
د. محمد سيد قطب(1/174)
التركستان الشرقية قضية المسلمين المنسية: إنها مأساة إسلامية غابت عن أذهان كثيرٍ من المسلمين، والتي ترزح اليوم تحت الاستعمار الصيني، والتي جعلها مستعمرةً له يستلب خيراتها وثرواتها، وقد غيَّر الاستعمار الصيني اسمها إلى اسم جديد هو سينكيانغ أي المستعمرة الجديدة، وقد عانى التركستانيون الشرقيون معاناةً شديدةً أثناء الثورة الثقافية التي أقامها ماوتسي تونج، ومما يضاعف مأساتها، التجهيل المتعمد لقضيتها وضعف الدعم العربي والإسلامي لأبنائها.
تركستان.. الموقع والثروات
تبلغ مساحة التركستان الشرقية 000 640 ميلاً مربعًا (ستمائة وأربعون ألف ميل مربع) وتشمل حوض جونجاراي وحوضي تاريم وتورفان بين جبال طانري وحوض نهر تاريم الذي ينبع من جبال قرة قورم ويصبُّ في بحيرة قرة بوران، ونتيجة لوجود هذا النهر الذي يبلغ طوله 1600 كم فإن الأراضي المحيطة به خصبة وزراعية، والتاي وقومول وهي تعادل خمس المساحة الإجمالية للصين اليوم وثلاثة أضعاف فرنسا أكبر الدول الأوربية مساحة، وتزيد عن مساحة المجر بسبعة عشر ضعفًا، وهي في المرتبة التاسعة عشر من حيث المساحة بين دول العالم، وتقع التركستان وسط أسيا، وتحدها منغوليا من الشمال الشرقي، والصين من الشرق، وكازخستان وقيرغيزستان وطاجكستان من الشمال والغرب، والتبت وكشمير والهند وباكستان من الجنوب، وتضم تركستان بين جنباتها صحراء تكلمكان المعروفة بأنها المهد الذهبي للحضارة الإنسانية، وتشتهر التركستان الشرقية بثرواتها النفطية والمعدنية المتنوعة ويستخرج منها 118 نوعًا من المعادن من أصل 148 نوعًا تنتجها الصين، وتوجد أكثر من ثلاثين منطقة تنتج البترول فيها أكثر من 8 مليارات طن من الاحتياطي، ويتم نقله كله إلى الصين دون إعطاء شيء منه لصالح أبناء البلاد.(1/175)
وتبلغ المساحة الكلية التي يُستخرج منها الفحم أكثر من 900 ألف كم مربع من الفحم، ويبلغ احتياطيه هناك أكثر من 2 تريليون طن، وهو نصف احتياطي الصين كلها من الفحم، والذهب معروف بمناجمه في تركستان منذ القدم ويتم استخراجه حاليًّا من 56 منطقة، إنتاجها السنوي منه 360 كيلو جرامًا، وبها أيضًا مناجم الملح والكريتال ومعادن متنوعة ومناجم للحديد الذي يستخرج من أكثر من 550 موقعًا، والزراعة في التركستان تمتاز بتوافر الإمكانيات المائية الهائلة، وخصوبة التربة، وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية الوفيرة الإنتاج أكثر من مائة وخمسين ألف كم مربع تنتهيه الصين فلا تدع للأويغور منه شيئًا، مع أنهم مجبرون على العمل في الأراضي كسخرة وبدون أجور معقولة.
دخول الإسلام تركستان الشرقية(1/176)
وصل الإسلام إلى تركستان الشرقية في وقتٍ مبكر جدًّا منذ الفتوحات الكبرى على يد قتيبة بن مسلم الباهلي (88-96) هجرية الذي ما إن وصل إلى حدود تركستان فتح أجزاء ولو كانت محدودة منها، ولكن هذا الاتصال بين تركستان والعالم الإسلامي أثمر عن تحول التركستانيين إلى الإسلام في فترة حكم ستوق بغراخان خاقان الإمبراطورية القراخانية عام (323هـ - 943م)، وقد أسلم معه أكثر من مائتي ألف خيمة (عائلة) أي ما يقارب مليون نسمة تقريبًا، وقد ضربت النقود باسم هارون بوغراخان حفيد ستوق بغراخان، ووسع رقعة مملكته فشملت أجزاء من التركستان الغربية، كما ارتقت البلاد في عهده في النواحي الحضارية المختلفة، وكتبت اللغة التركستانية باللهجة الأويغورية لأول مرة بالحرف العربي، وكانت أوقاف المدارس تُشكِّل خمس الأرض الزراعية، وقد تلقب هارون بن موسى هذا بلقب شهاب الدولة وظهير الدعوة، ونقش هذا اللقب على النقود التي سكت في عهده سنة (332هـ- 992م)، ولعب القراخانيون المسلمون هؤلاء دورًا مهمًّا في نشر الإسلام بين القبائل غير المسلمة؛ ففي سنة (35 هـ- 1043م استطاعوا استمالة أكثر من عشرة آلاف خيمة من خيام القرغيز إلى الإسلام أي ما يقارب خمسين ألف نسمة، وأظهروا الخضوع للخليفة العباسي، وضربوا العملة باسم الخليفة القادر، ودعوا له على منابر بلادهم، وعرفت قبائل القرلوق وهم قبائل تركمانية بأنهم كانوا من أوائل القبائل التركستانية الشرقية في الدخول إلى الإسلام، ومع ذلك فقد كانت أجزاء أخرى من البلاد لا تزال في الوثنية؛ تحارب الدعوة الإسلامية، وتناصبها العداء بدعمٍ من الصينيين، ومن أشهر تلك القبائل الكورخانيون (الدولة الكورخانية) ويسمون أيضًا الخطل أو القراخطائيون، وكان من أبرز زعماء المسلمين الذين تصدوا لهذه القبائل التركية غير المسلمة السلطان علاء الدين محمد الخوارزمي الذي انتصر عليهم في بعض المعارك، ومن أشهر المعارك الفاصلة بين الأتراك(1/177)
المسلمين وغير المسلمين موقعة "تراز" الواقعة الآن في جنوب كازاخستان، وهي المدينة التي انتصر على أبوابها القائد المسلم زياد بن صالح (134هـ- 751م) وساندت الإمبراطورية الصينية الأتراك غير المسلمين بجحافل من القوات الصينية غير أن هزيمتهم وقتل أكثر من خمسين ألف صيني وأسر أكثر من عشرين ألفًا منهم؛ أنهى التدخل الصيني بين القبائل التركية، ولكن بقي العداء تجاه مسلمي تركستان كامنًا في قلوب قادة الإمبراطورية الصينية.
سقوط تركستان تحت الحكم الصيني
ظلَّت تركستان موطنًا للأتراك الشرقيين المسلمين، دولة مستقلة لعدة عصور يشهد التاريخ بأنها تم غزوها من قِبل الصين واستعمرت بواسطة قوات الإمبراطور عام 1759م وخلال السنوات التي تلت ذلك قاوم وطنيو التركستان الاحتلال، وانتفضوا في عدة مناسبات ضد المحتلين، وفي سنة 1864م استطاع الأويغور طرد الصينيين المانشو من تركستان، وأقاموا حكومةً مستقلةً استمرت لعقدين من الزمان، وأقامت علاقات دبلوماسية مع الإمبراطورية العثمانية وروسيا وبريطانيا، ولكن الإمبراطورية الصينية استطاعت السيطرة مرةً أخرى على تركستان الشرقية في مطلع عام 1880م معلنةً في 18 نوفمبر 1884م أن تركستان الشرقية هي المقاطعة التاسعة عشر للصين، وكان ذلك في أوج النصر الإمبراطوري الصيني وأعطاها "تسو تسونج" رسميًّا الاسم الصيني لها، وهو سنكيانج وتنطق اليوم شنجانغ، هذا الاسم الجديد معناه الحدود الجديدة أو الأرض الجديدة في الصين، واستمرت مقاومة مواطني تركستان الشرقية، وفي عام 1933م تواصل جهاد المسلمين لبعث وإحياء دولة التركستان الشرقية وفي عام 1944م نجح نضال المسلمين وحصلوا على الاستقلال، واستمر ذلك حتى عام 1949م حينما تحالفت جيوش الروس مع الصينيين واستطاعوا الإطاحة بهذه الحكومة، وشددت الصين بعد ذلك قبضتها على تركستان.(1/178)
ومنذ ذلك الحين أصبحت تركستان الشرقية سجنًا كبيرًا لأبنائها، وبدأت تنتهك حقوق الإنسان للتركستانيين؛ بالاعتقال والتعذيب والقتل راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء الذين تحدوا السلطات الصينية فتم إعدامهم، واستطاع الكثير منهم الفرار إلى الدول المجاورة، ولكن مئات الألوف من الأسر والنساء والصبيان تم إرسالهم إلى معسكرات الأشغال الشاقة، ولتحقيق السيطرة الصينية التامة على البلاد فقد تم إجبارهم على الالتزام بقوانين ظالمة، وأجبرت العائلات على تنظيم الإنجاب والقوانين الاقتصادية الجائرة، ومن ثَمَّ انتقلت الحكومة الصينية من مرحلة ما بعد الاحتلال إلى مرحلة الاستيعاب الكامل للبلاد؛ ففي السنوات التي تلت ذلك قامت بنقل ملايين من ذوي الأثنية الصينية إلى تركستان الشرقية بهدف تحقيق أمر واقع في الديموغرافية السكانية.
نماذج لانتهاكات الصين لحقوق المسلمين الأويغور في تركستان الشرقية
جثث شهداء مسلمي الأويغور
- الاعتقال والإعدام الجماعي: تعتبر تركستان الشرقية التي تُسمَّى من قبل السلطات الشيوعية الصينية منطقة سنكيانغ الأويغورية ذات الحكم الذاتي المنطقة الوحيدة التي تنفذ فيها أحكام الإعدام ضمن حدود الصين؛ وذلك أنه ومنذ أحداث الطلبة في بكين في 4 يونيو عام 1989م؛ ولذلك أصدرت منظمة العفو الدولية في أوائل عام 1999م تقريرًا في 92 صفحة عن انتهاكات السلطات الشيوعية الصينية لحقوق الإنسان في تركستان الشرقية، وقد أدانت المنظمة بشدة عمليات القمع والمذابح التي ارتكبتها السلطات الصينية المحتلة بحق الأويغور.(1/179)
وكذلك أدان التقرير السنوي التي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم في القسم الخاص بالوضع في الصين انتهاكات حقوق الإنسان في تركستان الشرقية، كما أصدرت جمعية الشعوب المهددة التي تتخذ من ألمانيا مقرًّا لها تقريرًا خاصًّا بخصوص الأويغور أدانت فيه انتهاكات حقوقهم من قِبل السلطات الشيوعية الصينية، وقد اعتقل أكثر من 10 آلاف إيجوري في تركستان الشرقية خلال الفترة من أوائل عام 2000م: مارس 2001م، وكانت التهم الموجهة إليهم: (الانفصالية، القومية، والنشاط الديني غير القانوني، والإرهاب)، وحوكم ألف شخص منهم تقريبًا أمام المحاكم الصينية؛ حيث أدينوا وحكم عليهم بأحكام متفاوتة من الإعدام، والسجن المؤبد، والسجن لمدد مختلفة.
- انتهاك حرمة الدين والمقدسات: بعد الزيارة التي قام بها إلى تركستان الشرقية رئيس الحزب الشيوعي الصيني جانغ زيمين في شهر تموز يوليو عام 1998م وأعطى خلالها توجيهات صارمة إلى المسؤلين المحليين بشأن حظر النشاطات الدينية، وقامت السلطات الشيوعية بالتضييق على الأويغور من الناحية الدينية؛ وذلك بإنشاء مراكز للمراقبة والتنظيم يتم من خلالها الإشراف المباشر على المساجد وعلماء الدين والتحقيق مع الأويغور الذين يترددون على المساجد للصلاة واعتقالهم بتهمة "العمل الديني المحظور" وفرض غرامات مالية عليهم بقصد إبعادهم عن المساجد، كما قامت بهدم بعض المساجد وتحويلها إلى مراكز حكومية ومنع الأويغور من أداء شعائرهم الدينية العادية.(1/180)
وعلى الرغم من عدم وجود أية مادة في دستور الصين الأساسي ودستور الحكم الذاتي تمنع الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية من أداء شعائرهم الدينية إلا أن السلطات تحظر على الموظفين وحتى العاملين العاديين ممن لا ينتمون للحزب الشيوعي القيام بأية نشاطات دينية، وحسب ما نشرته صحيفة "خوتان" الصادرة من قِبل الحزب الشيوعي في 30/10/1999م فقد طردت هورنسا محمد ترسون الطبيبة في المستشفى البيطري في بلدة تشيرا بمنطقة خوتان من عملها؛ بسبب قيامها بأداء الصلاة مرة أو مرتين فقط؛ وذلك بتهمة "القيام بنشاط ديني محظور" وتولت مديرية الأمن التحقيق معها.
-تغيير التوزيعة الديمغرافية وإحلال قوميات أخرى محل القومية المسلمة وفوق أراضيها: وكان عدد الأقليات العرقية المختلفة في التركستان الشرقية عند احتلالها من قِبل الجيوش الصينية عام 1949م لا يتجاوز ستمائة ألف نسمة من الصينيين والمنشوريين والشيوه والمغول؛ فكانوا لا يُشكِّلون أكثر من نسبة 6%من السكان، يستهدف إسكان ما يزيد عن 200 مليون صيني بالتركستان الشرقية، كما صرَّح به أمين عام الحزب الشيوعي السابق هيو ياو بانج.
وإذا كان عدد الأويغور سكان تركستان الشرقية اليوم في حدود 12 مليون إلى 16 مليون- حسب بعض التقديرات حيث هرب الكثير من التركستانيين بدينهم إلى الخارج بعد أن ازداد إعلان الحرب على الإسلام شراسة وقسوة على المسلمين- فإن مجموعَ الأويغور هؤلاء سيصبح لا يساوي شيئًا أمام مئات الملايين التي تخطط الصين لإسكانهم في المنطقة، وبذلك يحدث التغيير الديموغرافي الذي لا يمكن تغييره حتى ولو نجح التركستانيون يومًا في حربهم ضد الاحتلال الصيني، ووجب أن يذكر أن عدد الصينيين في تركستان قد تجاوز بالفعل الستة ملايين نسمة منذ عام 1992 م؛ مما يعني أن قضية تركستان حلها أصعب آلاف المرات من حل القضية الفلسطينية، وتحتاج إلى دعم إسلامي منقطع النظير حتى ينال المسلمون حقوقهم.(1/181)
- الاستيلاء على ثروات البلاد ونهبها بل وإفساد بيئتها: وقد أجرت الصين حتى الآن 48 تجربة نووية في تركستان الشرقية، وقد أدت هذه التجارب إلى تلوث البيئة وإصابة مئات الآلاف من الأويغور بأمراض وبائية.
لماذا تحدث الاشتباكات بين القوميات المختلفة في الصين؟
عصابات الهان المسلحة تتحفز لقتال مسلمي الأويغور
هناك سياسة واحدة للدول الاستعمارية، والتي تأمل في أن تنهي أي تمرد في مستعمراتها، وإحالتها إلى أجزاء خاضعة بشكلٍ تام ثم تتحول تدريجيًّا إلى مدن خاصة للمستعمر، تقوم هذه السياسة على جناحين:
التهجير ونقل القوميات وتشيتيتهم؛ بحيث ينقل كل مَن يسبب مشكلات والعناصر الوطنية والمؤثرة إلى أراضي غير أراضيهم، ليعانوا من الغربة والحاجة، والضعف بعيدًا عن الوطن الأصيل، والنموذج الروسي واضح في ذلك؛ حيث تم تهجير ملايين المسلمين من بلدانهم إلى سيبريا، وغيرها، وفي المرحلة الثانية يتم نقل عدد كبير منهم إلى مدن ومقاطعات بعيدة عن مدنهم الأصلية ويمثلون فيها أقلية، والناظر لما آل إليه الوضع في أسيا الوسطى يرى دليلاً واضحًا على ذلك؛ حيث صارت دولها هجينًا بين أصحابها الأصليين والقوميات التي زرعها المحتل بين أراضيها.
التوطين لقومية المستعمر مكان الشعوب المهجرة؛ تمهيدًا لإذابة القومية المحتلة (مهجرة، أو مقيمة) في قومية المحتل وعاداته وتقاليده وسلوكه، وتضرب قومية (المانشورية) المثل الواضح في ذلك، فهي التي حكمت الصين قرونًا عديدة قد تحوَّلت إلى قومية ليس لها في الواقع إلا اسمها؛ وذلك أنها قد تماشت مع الثقافة الصينية، وأضاعت هويتها القومية منذ زمن بعيد، ولو عاشت هذه القومية في مانشوريا، متعلقة بثقافتها وعاداتها الموروثة عن أجدادها، ولم تتفرق في أنحاء الصين لاستطاعت المحافظة على كيانها القومي كالتبتيين والتركستانيين.(1/182)
والواقع في الصين يشهد أن: المناطق التي لم تتعرض للاستيطان إلا بقدر محدود؛ المشاعر الدينية والقومية فيها أقوى وأشد بكثيرٍ عما هي عليه في المناطق التي يستوطن فيها الصينيون بكثرة.
والفارق كبير في المشاعر الدينية والوطنية بين المناطق التي يستوطن فيها الصينيون بكثرة وبين المناطق التي لا يستوطن فيها إلا عدد محدود من الصينيين في تركستان الشرقية؛ فمثلاً: إذا نظرنا إلى الوضع في مدينة أورومتشي، وهي من أكبر المدن التي يستوطن فيها المستوطنون الصينيون بكثرة نجد أن الثقافة والتقاليد الصينية بدأت تغلب على الكثير من الأويغور حيث إن بعضًا من الشباب الأويغور أصبحوا يرون لبس الملابس الوطنية عارًا ورمزًا للرجعية والتخلف، ويشمئزون من الأويغور الذين يأتون من المناطق الجنوبية في تركستان الشرقية للتجارة في المدينة، ويرتاحون أكثر في التعامل مع الصينيين المتحضرين، وكذلك لا يمكن التمييز بين بعض من الفتيات الأويغوريات والصينيات بسبب التشابه في المكياج والملابس، وهذه دلائل حية وخطيرة على سياسة التذويب الاجتماعي، وعلى العكس من ذلك نجد أن الوضع يختلف تمامًا في المناطق التي يوجد بها عدد قليل من المستوطنين الصينيين كمناطق كاشغر وخوتان؛ حيث إنه يمكن معرفة مدى قوة المشاعر الدينية والقومية في هذه المناطق من تركستان الشرقية.(1/183)
ومع استمرار سياسة التهجير، والإحلال، وإدخال قوميات أخرى لمدن المسلمين في تركستان بدأت الحكومة الصينية تستغل أي خلاف ولو بسيطًا ينشأ بين هذه القوميات المختلفة لتصوير المسلمين الأويغور وكأنهم سفاحون ومصاصو دماء وإرهابيون وتسعى جاهدةً لاستغلال الأحداث في زيادة الضغط على المسلمين، وتقوم بمناصرة القوميات الأخرى بعنف بالغ، والأحداث الأخيرة شاهدة على ذلك، وقد شعرت المنظمات والجماعات الأويغورية في الخارج بهذا الخطر منذ زمن بعيد؛ ولذلك قامت باتخاذ خطوات إيجابية بهذا الشأن، فقد أدرجت كافة المنظمات الأويغورية في أنظمتها الأساسية ما يلي: "إن عدو الشعب الأويغوري ليس الصينيين عمومًا؛ بل عدوهم الوحيد هو سلطات الاحتلال الشيوعية الصينية، ولذلك يتم التعاون مع كافة الجهات الديمقراطية الصينية التي تحترم حق شعب تركستان الشرقية في تقرير مصيره بنفسه.
وفي الواقع فإن السلطات الصينية ومن أجل تحويل المستوطنين الصينيين في تركستان الشرقية إلى قوة احتياطية لها تقوم بالدعاية المضلة لشأن وأهداف الحركات الوطنية؛ وذلك برفع شأن مَن يلقى من الصينيين مصرعه أثناء بعض الاشتباكات والاضطرابات القومية في تركستان الشرقية، والتحريض على العداوة بين المستوطنين والسكان المحليين.
وإذا ضربنا مثالاً على ذلك بثورة غولجا عام 1997م فقد قتل أثناءها أكثر من مائة أويغورى، وقامت السلطات بعمل محاكمات وأصدرت عددًا من أحكام الإعدام بحق الأويغور، ولم تذكر السلطات الصينية ولو مرة في بياناتها الداخلية أو الخارجية شيئًا بشأن الأويغور الذين لقوا حتفهم أثناء ثورة غولجا؛ بل على عكس ذلك تمامًا فقد قامت بخداع المواطنين الصينيين والرأي العالمي بالادعاء بأن المئات من المواطنين الصينيين قتلوا بوحشية من قبل القوى القومية الانفصالية الأويغورية؛ بينما قتل من الأويغور عشرات الأضعاف، ولا بواكي لهم.(1/184)
ففي كتاب "تاريخ كفاح سنجيانغ ضد القوى الانفصالية القومية" الذي نشر العام الماضي من قِبل مكتب الدراسات الأكاديمية التابعة للحزب الشيوعي في إقليم سنجيانغ ذات الحكم الذاتي ووزع سرًّا داخل الحكومة المحلية قدر عدد الصينيين الذين قتلوا أثناء ثورة غولجا بسبعة أشخاصٍ في حين قدرت وسائل الإعلام العالمية عدد القتلى الأويغور في هذه الحادثة بحوالي 400 شخص، ومع ذلك اتهم المسلمون بأنهم السفاحون القتلة فقد أصبحت الآن حوادث العنف الجماعية التي ينفذها المستوطنون والجنود معًا ضد الأويغوريين بتحريض من السلطات في ظلمات الليالي في منطقة جولجا ظاهرة عامة؛ حيث إنه وبدلاً من التحقيق أو القبض على المسئولين عن مثل هذه الحوادث تقوم السلطات الصينية بالتحقيق أو إلقاء القبض على الأويغور الذين دافعوا عن أنفسهم؛ وذلك بتهمة "الانفصالية".
وماذا بعد..(1/185)
مما مرَّ نعرف أن القضية التركستانية ليست مجرد قضية أقلية سكانية في بلد كبير؛ بل هي قضية بلدٍ نُهِبَ وسُرِقَ من أصحابه الأصليين، وتم الاستيلاء على ثرواته ومسخ هويته، ومنع لغتهم الأصلية، والاستهانة بمشاعرهم الدينية واتهامهم بالإرهاب خصوصًا بعد أحداث سبتمبر 2001م فقد وجدت الصين غطاءً دوليًّا على جرائمها في حقِّ المسلمين بحجة مكافحة الإرهاب الإسلامي، وإسكان أرضه لغير أصحابها حتى أصبح أصحابها أقلية فيها، وتعريض أصحابها لكافة أنواع التنكيل والهوان، والتعذيب بغية دفعهم للفرار من أرضهم، أوالذوبان في شخصية المحتل، وتشبيه قضية المسلمين في تركستان بقضية المسلمين في فلسطين هو أقرب الأمثلة للدلالة على صعوبة الوضع هناك، وإن كان الوضع في تركستان أصعب بنسبة كبيرة مع ضعف الدعم العربي والإسلامي لقضيتهم، وتخيل إذا كانت إحدى الدول العربية والإسلامية الكبرى، وهي مصر تعجز عن فتح معبر هو شريان الحياة لعبور الطعام والوقود لإخوانهم في فلسطين، فهل نتصور منهم دعمًا لتركستان البعيدة عنهم، والتي ربما لا يعرف ساستهم اسمها فضلاً عن معرفة موقعها ومكانها؟!!.
ويبقى أن بقاء القضية حية بحيوية أبنائها ودفاعهم عنها، وما زالت الشيشان حيةً في الوجدان الإسلامي ببطولات أبنائها، والأويغور ليس أقل بطولةً من الشيشان، ويبقى دور العلماء والحركات الإسلامية، والشعوب الحية؛ التعريف بالقضية، وتقديم كل دعم ممكن لأهلها حتى يأذن الله بفتحٍ من عنده، ولعل في مستقبل الأيام ما يعجل بذلك.
تاريخ النشر:
[11/07/2009]
من هم الأويغور؟ (التركستانيون)
د.فاطمة إبراهيم المنوفي(1/186)
الأويغور شعب مسلم ينتمي الي العرق التركي، تقبع بلاده تركستان الشرقية تحت الحكم الصيني، ويطلق الصينيون عليها اسم " شنكيانغ أويغور أوتونوم رايون" يعني: (مقاطعة شنجيانغ أويغور الذاتية الحكم). شنكيانغ تعني المستعمرة الجديدة ، أو الوطن الجديد، وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمر بها ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية .
تركستان الشرقية هي جزء من تركستان التي ربما لم يسمع عنها الكثيرون منا ، بل وربما لا يعرف عنها لا القليل ولا الكثير، لكننا جميعا نعرف من أنجبتهم هذه الأرض من العلماء والفقهاء الأجلاء الذين أثروا الحضارة الإسلامية في شتي صنوف العلم والمعرفة ، والذين صنعوا العصر الذهبي للدعوة الإسلامية مثل الامام البخاري والترمذي والفارابي ، فهي جزء لا يتجزأ من أرض الإسلام .
وقد أعز الله شعوب تركستان بالإسلام فحولهم الي قادة و سادة فكانوا الفرسان الأبطال الذين رفعوا راية الإسلام عالية لعدة قرون، وحرروا الكثير من الشعوب من الظلم و الطغيان، وكان لهم دور كبير في نشر الإسلام، فقد كانوا يُطبّقون سياسة الجهاد بالسيف من ناحية، والتبشير السلمي من ناحية أخرى، فساعدت جيوشهم بصورة كبيرة في الفتوحات الإسلامية التي وصلت الي العديد من الدول الأوربية، وعلي أكتافهم قامت دول إسلامية عدة: كدول الأتابكة و الغزنويين والطولونيين و الإخشيديين و والسلاجقة والمماليك، و تنتمي جميعها الي العرق التركي الآتي من تركستان. فكم كان لهم من أيادٍ بيضاء في إنقاذ الأمة الإسلامية وصدِّ الزحف الصليبي عنها، كما أنهم من أكثر الشعوب تمسكًا بالعقيدة وصفائها، وحفاظًا على التراث الإسلامي ومجده، ودفاعًا عن الحضارة الإسلامية. فهم مقاتلون شجعان وليس أدل علي ذلك من أن سور الصين العظيم قد بني بسبب خوف ملوك الصين من شعب تركستان.(1/187)
كما أن الأتراك العثمانييين قدموا من تركستان وأقاموا دولتهم الاسلامية التي كانت أطول عمرا وأعظم تأثيرا من كل الدول السابقة، و فتحت القسطنطينية وطرقت أبواب أوروبا الغربية ، وحمت المسلمين لقرون طويلة من الغزو والإحتلال الصليبي الذي مزق شمل الامة ومازال يعبث بمقدراتها.
وليس تصادفا أنه بعد سقوط الخلافة العثمانية بعقدين ونصف العقد تقريبا قامت دولة إسرائيل علي أرض فلسطين عام 1948 بمباركة بريطانيا، وقامت الصين بمباركة روسيا بإحتلال تركستان الشرقية (أيغورستان) -أرض الأتراك- عام 1949 ، وأُحتلت أرض العرب و المسلمين في مناطق عدة ، وفُتت الامة الاسلامية الي دويلات صغيرة. بل ان ما حدث كان نتاج خطط و مؤمرات دبرها الأعداء و خدعوا بها الكثير من العرب و المسلمبن.
تقع تركستان الشرقية في أواسط آسيا الوسطى وتحدها من الشمال جمهورية روسيا الإتحادية ومن الغرب الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الإتحاد السوفيتي السابق ومن الجنوب باكستان وكشمير والتبت ومن الشرق الصين الشعبية ومن الشمال الشرقي منغوليا الشعبية. و هي بذلك تتمتع بموقع إستراتيجي هام، ما يمثل مساحة وقائية من الأخطار الخارجية بالنسبة للصين.
تبلغ مساحتها 1.828.417 كيلومتر مربع، أي خمس مساحة الصين. و حسب الإحصائيات الصينية فإن تعداد السكان بها هو 9 مليون نسمة تقريبا، إلا ان هناك جهات مستقلة قدرت تعدادهم بحوالي 25 مليون نسمة من الأتراك المسلمين، واللغة المستخدمة هي اللغة الأويغورية، وهي أحد فروع اللغة التركية ، لكنها تكتب بالحروف العربية.
غالبية السكان من الأويغور بالإضافة الي أقليات من القيرغيز و الكازاخ و الأوزبك وجميعهم يدينون بالاسلام وينتمون الي العرق التركي، إلا أن الصين عمدت الي سياسة تهجير التركستانيين و إحلال الصينيين محلهم بهدف تصيين الإقليم.(1/188)
دخل الإسلام هذه البلاد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (86هـ - 705م)، وتم فتحها علي يد القائد الباسل قتيبة بن مسلم الباهلي عام 95 هـ، ومنذ ذلك الوقت صارت جزءاً من أرض الإسلام .
وقد إستولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة (1174 هـ = 1760م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، و قامت بينهم معارك دامية في عام 1759م ارتكبت خلالها القوات الصينية مذبحة جماعية قتل فيها مليون مسلم. ثم قامت الصين بإحتلالها في عهد أسرة المانتشو عام 1760، ،وفرضوا سيطرتهم عليها حتى عام 1862 ، لكن الشعب التركستاني لم يستسلم و لم يخضع للجبروت الصيني و استمر في مقاومته للإحتلال حتي إستطاع تحرير بلاده عام 1863 وأقاموا دولة مستقلة إسلامية تحت زعامة يعقوب بك بدولت الذي إستمر حكمه 16 عاما.
إلا ان الصراع الذي دار بين البريطانيين و الروس خلال القرن 19 للسيطرة علي آسيا الوسطي، وهو ما عرف و قتها باللعبة الكبري، وتخوف البريطانيين من ان ينجح الروس في ضم تركستان الشرقية الي أراضيهم بعد ان سيطروا علي معظم دول آسيا الوسطي المسلمة (تركستان الغربية) ، فقاموا بمساندة الصنيين و دعمهم للسيطرة عليها، واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال زوزونغ تانغ مهاجمتها و إحتلاها مرة أخرى في عام 1876 ومنذ ذلك التاريخ سميت . . XINJIANG باسم شنجيانغ
وفي 18 نوفمبر 1884 ضمها الصينيون داخل حدود إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها. لكن الجهاد لم يتوقف، وتابع التركستانيون كفاحهم و ثوراتهم و نجحوا مرتين الأولى في عام1933 والثانية عام 1944 حتي نال الاقليم الإستقلال اثر الثورة التي قادها الشيخ على خان. و تمكنوا في منتصف القرن العشرين من إقامة دولة مستقلة إسلامية إلا أنها لم تستطع الإستمرار طويلا. حيث قام الإتحاد السوفيتي بمؤازرة الصين عسكريا و ماديا للقضاء علي هذه الدولة.(1/189)
وفي عام 1949م قام "ماوتسي تونج" (الزعيم الصيني الشيوعي) بفرض سيطرته على المنطقة كلها ، و بمؤامرة روسية صينية مشتركة ، تم القضاء علي زعماء القومية الأويغورية والكازاخية في جمهورية تركستان الشرقية الوليدة ، حيث أيقن الروس ان هؤلاء المناضلين سيدعمون أشقاءهم في دول آسيا الوسطى المسلمة في كفاحهم للتخلص من الشيوعية السوفيتية.
وتتابعت الخطط و المؤامرات للقضاء علي الإسلام و المسلمين في تركستان الشرقية، تارة بتحالف الصين مع بريطانيا، وتارة أخري بتحالفها مع روسيا، فهدفهم جميعا هو القضاء علي الاسلام في أرض الاسلام. فتم تقسيم تركستان الشرقية إلى 6 مناطق ، وحكمتها الصين بقبضة من حديد، فأُغلقت المساجد وتم تجريم إقتناء المصاحف، والتعليم الديني وإقامة العبادات، وأُجبر المسلمون علي تعلم الإلحاد و تناول الأطعمة المحرمة وعلي تحديد النسل. وبنيت سجون لأخطر المجرمين علي أراضيها ثم توطينهم بها ، مما أدي الي إرتفاع معدل الجريمة بها. وعملت الصين علي إلحاق الأذي بمسلمي تركستان بكل ما أوتيت من قوة فقامت بإجراء تجارب نووية علي أراضيها، ففي عام 1964 قامت بإجراء 35 تجريبة نووية دون إتخاذ أي تدابير لحماية المواطنين مما أدي الي زيادة معدلات الإصابة بالسرطانات، والتشوهات الخلقية .
وإن كان ماوتسي قد أعطى الإقليم حكما ذاتيا ، إلا أنه من الناحية الفعلية حدث العكس تمامًا، فالحكم ودفته في يد الصينيين وينفذه الموظفون التركستانيون بالإكراه. وتقوم الحكومة الصينية بالتمييز ضد الشعب التركستاني وتهجيره بهدف تغيير التوزيع السكاني بالإقليم وإحلال الصنيين محل التركستانيين.
كما عملت الحكومة الصينية علي قطع الصلة بين مسلمي تركستان الشرقية بالإسلام والمسلمين، فمنعت سفر المسلمين إلى خارج البلاد كما منعت دخول أي أجنبي لتفقد احوالهم ، ومن استطاع منهم الهروب الي الخارج لم ينجو أقاربه من العقاب في الداخل .(1/190)
و منذ بداية الحكم الشيوعي و حتي الآن يعمل الصينيون علي تذويب الشعب التركستاني في المجتمع الصيني وطمس هويته ، ومن وسائل التذويب التي يتبعها الصينيون في تركستان الشرقية منذ سنين طويلة تشجيع الزواج بين التركستانيين والصينيين ، وكذلك إلغاء اللغة الأويغورية من المؤسسات التعليمية و الحكومية وإحلال اللغة الصينية محلها .
ولم يقف الظلم عند هذا الحد، بل قامت الصين بنهب ثروات تركستان الشرقية التي حباها الله بكنوز هائلة وحرمان أصحابها من خيرات بلادهم . فبها إحتياطيا ضخما من البترول و الغاز الطبيعي، والذهب وتمتلك من الفحم ما يعادل (600) مليون طن، وبها أجود أنوع اليورانيوم في العالم، كما انها بأرضها معظم المعادن و المواد الخام التي تمتلكها الصين؛ لذا فهي عصب إقتصاد الصين وعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية، فالصواريخ الصينية النووية، والصواريخ البالستية عابرة القارات تنتج في تركستان الشرقية.
وقد إستغلت الصين أحداث 11 سبتمبرن و ركبت موجة الحرب علي الإرهاب في قمع المسلمين الأويغور، وإتهمتهم زورا وبهتانا بالتطرف والإرهاب وموالاتهم لطالبان وتنظيم القاعدة ، مع أن ليس لهم أي علاقة لا بهذا و لا ذاك. وهي بذلك تحاول تضليل العالم بأن قضية الأويغور ليست قضية شعب وحقوق إنسان بل قضية "إرهاب و تنظيم القاعدة" والضحية هي الصين.
الأويغور في أمس الحاجة لدعم العرب و المسلمين، للضغط علي الحكومة الصينية لرفع المعاناة عنهم . فها هم المسلمون الأويغور يستنجدون فهل من نصير؟
المصدر/ أخبار العالم
11.07.2009
الأويغور.. والصمت المذعور!!
سحر المصري
“أمّتي.. يا ويح قلبي ما دهاكِ! داركِ الميمون أضحى كالمقابر! كل جزءٍ منك بحر من دماء! كل جزءٍ منك مهدوم المنابر!”(1/191)
تُضرَم النيران في المساجد.. وتُقتَّل نساؤنا التركستانيات وتُعلّق رؤوسهنّ في الجامعة وتُلقى جثثهنّ الطاهرة “عارية” في الطرقات ويُذبح الأويغوريون بالسلاح الأبيض وتُزهق أرواحهم بضربات الهراوات والقضبان الحديدية والجنازير المعدنية والسواطير!
وتُغلَق المساجد” إذهب وصلِّ في بيتك”! فرمانٌ صادرٌ عن قِوى الكفر الشيوعي متزامناً ومتوافِقاً مع فرمانات مماثلة لحلفائه الكفار في مختلف بقاع الأرض!
والعالم صمتٌ مذعور!
الصينيون “الهان” يهينون المسلمين.. ويصيحون “اقتلوا الأويغور! الاسلام هو من ربّى هؤلاء الخنازير”
والمسلمون صمتٌ مذعور!
مشغولون بما أهمّهم: هل مات “مايكل جاكسون” على الإيمان أم على الكفر؟! وهل “أحمدي نجاد” زوّر الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟ وهل وهل؟
جيشٌ متطرف.. وحكمٌ شيوعي.. وإعلام مضلِّل.. وخزيٌ عربي .. كلهم تكالبوا على الأويغور المسلمين في تركستان الشرقية المسلمة!
بتنا ننتظر ميركل وأوروبا “والقلقون” من الغربيين “والآسفون” على الضحايا “والمتعاطفون” مع عائلات القتلى لتتحرك من أجل الأقليات في الصين!
ونحن.. صمتٌ مذعور!
“الاتحاد الاوروبي يدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس ويطالب بإيجاد نهاية سلمية للوضع، مطالباً أيضاً باحترام حقوق المعتقلين.” ونسي أن يطالب باحترام حقوق الصامتين كي لا ينزعجوا!
ألا يوجد غير الأتراك كأحفاد للخلافة؟!؟ جمعهم مع الأويغور الأصل العرقي وتشاركوا معهم أيضاً في قول الحبيب “جسد واحد” فهبّوا لنصرتهم وكذا أهل العزة فاعلون!
هان ديننا علينا فهُنّا!(1/192)
جريمة المصنع التي أدت إلى التظاهرة الاحتجاجية على صمت الحكومة وعدم إجراء التحقيقات اللازمة بشأنها ليست هي السبب الأساس والجوهري لما يلاقيه الأويغور الآن.. وإنما هو كبتٌ وظلمٌ وحرمانٌ ومعاناةٌ وتمييز عنصري مقيت وقمعٌ واضطهادٌ دينيّ وتطهير عرقي وتذويب للهوية الإسلامية وسيفٌ مسلّطٌ على كل ماهو اسلامي.. هذا هو ما دفعهم إلى الاحتجاج!
في يوم واحد مئاتٌ استشهدوا وآلافٌ جُرِحوا بأيدي الجيش الذي يجب أن يحميهم من الأعداء فبات العدو الرئيس!
الأويغور أصحاب الأرض الأصليين يُضطهدون بسبب عرقهم ودينهم فالشيوعيون لايريدون أن تقوم لهم قائمة وما يحدث لا يعدو عن كونه ممارسات قمعية لتحطيم هؤلاء المسلمين.. فمنعوهم من ممارسة شعائر الدين ومن الدعوة ومن إنشاء المدارس الإسلامية ومن الحجاب!!.. ومن تعلّم الدين الحنيف بل أكثر من ذلك فإنهم يعتبرون من يتعلّم الدين مجرم يجب محاكمته! فاعتقلت العلماء وحكمت على بعضهم بالإعدام او بالسجن المؤبّد.. وأتلفت نسخاً من المصاحف وصادرت كتب التفسير والعلوم الشرعية!
حججٌ وأكاذيب يُلبِسونها رداء الحقيقة: انفصاليون ومتطرفون وارهابيون! والحقيقة أنهم: مسلمون!
فلسطينُ أرضٌ محتلة من قِبَل اليهود.. وتركستان الشرقية أرضٌ محتلة من قِبَل الشيوعيين!
مستوطنات في فلسطين.. ومشاريع توطين الصينيين بدلاً من الأويغور في تركستان المسلمة..
مصادرة أراضٍ هنا.. وسيطرة على أراضٍ هناك!
وافدون يستولون على الأرض في فلسطين.. ووافدون صينيون يستولون على الأرض في تركستان!
أطماعٌ صهيونية في الأرض الخصبة والماء في فلسطين.. وأطماعٌ شيوعية في البترول والمعادن الطبيعية في تركستان!
صورة المرأة العجوز هي نفسها: تلك تشبّثت بزيتونة فلسطينية وعانقاتها كأنما تعانق الحياة وهذه تقف في وجه الترسانة الصينية ولا تملك إلا أن تواجههم بصدرها العازل!(1/193)
“ألغوا تعاليم القرآن” كان هذا شعار الثورة الصينية منذ عشرات السنين وهم يقومون بذلك حتى اليوم.. ومما زاد من وطأة هذا كله محاربة الدِّين تحت مسمّى مكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر..
سيناريو واحد في كل بقعة يواجه فيها المسلمون مصيرهم لأنهم فقط ينتمون إلى دين لا يريدون الانسلاخ عنه.. ويبقى العالم تجاه هذه الحوادث الأليمة: صمتٌ مذعور!
ولئن كانت فلسطين القضية الجوهرية للأمّة الإسلامية والتي يجب نصرتها بكل قوة فإن أيّة أرض إسلامية كذلك مهانة ومحتلة يجب نصرة قضيتها بكل وسيلة!
ملّةٌ للكفر واحدة.. وسِمةٌ للصمت كافرة!
تحالف الاحتلال الصيني والروسي على الثورة المسلمة في تركستان المسلمة مراراً واستعمروها وكلما ثارت لتنال استقلالها أعادوها تحت كنف العباءة الشيوعية وقد أسموها: شينجيانغ أي “المستعمرة الجديدة”.. فمتى يتحالف المسلمون جميعاً -ولو بالاهتمام فقط والتنديد - لنصرة اخوانهم هناك؟
سيدنا عثمان بن عفان.. وسيدنا الحكم بن عمرو الغفاري.. وعبد الملك بن مروان.. وقتيبة بن مسلم الباهلي.. وعبد الكريم ستوق.. معذرة إليكم.. فقد أضعنا فتحكم بصمتٍ مريب!
الأحداث الدموية في تركستان الشرقية.. ومقتل الدكتورة مروى الشربيني.. والحرب على النقاب.. ألا يعطي كل هذا رسالة واضحة للمسلمين؟!؟ التمييز العنصري هو الدافع في أغلب هذه الحالات والصمت المقيت هو الرد في أغلب الحالات!
لا ننتظر من الحكام شعوراً يحرّكهم لا سمح الله.. ولكن على الأقل ليحذوا حذو أرباب الديمقراطية المزعومة وليطالبوا بوقف العنف وضبط النفس!!
الله عز وجل سخّر جنوده وضرب زلزال جنوبي الصين فقتل وشرّد.. فأين ثأرنا لإخواننا وتسخيرنا لطاقاتنا في سبيل نصرتهم هناك..
وأقل القليل:
- مقاطعة البضائع الصينية وقد بدأت مجموعات في الفايسبوك والمواقع بالدعوة إلى هذا الأمر بقوة (أرقام الكود بار الموجودة على المنتوجات الصينية هي 690 و 692)(1/194)
- نشر أخبار الأويغور وما يتعرضون له بكل الطرق المتاحة في الشبكة الرقمية وعلى الأرض
- التعريف التاريخي والجغرافي والديموغرافي لتركستان
- حث الإعلاميين في أي موقع كانوا (فضائيات وإذاعات وجرائد..إلخ) على التركيز على قضية تركستان الشرقية
- تسيير مظاهرات لنصرة تركستان وهذه الخطوة بحد ذاتها تلقي الضوء على القضية بدلاً من تهميشها .
- قرن قضية تركستان بقضية غزة فالحصار واحد وملة الكفر واحدة
- حث الدول عبر الضغوط الشعبية على قطع العلاقات –خاصة الاقتصادية والتجارية- مع الصين حتى تُسوّى أمور المسلمين
- الإلحاح على الله جل وعلا بالدعاء أن يفرِّج كرب إخواننا المسلمين المضطهدين في كل مكان
- الإكثار من الاستغفار فهو مفتاح تفريج الكرب والإنابة إلى الله تعالى والتوبة من كل ذنب
- حث خطباء المساجد والكتّاب والعلماء على إثارة القضية وتعبئة الناس نفسياً
- حث رجال الأعمال على إنشاء المصانع للبدء بعملية الاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد على الغرب والشرق في أدنى استهلاكاتنا اليومية
- الدعوة إلى نبذ الخلافات بأي اتجاه كانت والعمل على توحيد قلب الأمة والالتفاف حول آلام تجمع وليس تفاصيل تفرِّق
- التذكّر دائماً أن الدماء التي تسيل هناك هي دماء مسلمة وأن الجثث المصفوفة على الطرقات هي لإخواننا ولو سكتنا فقد تكون في القريب جثثنا نحن! لعل هذا يحرّك مكامن نخوة معتصم..
وأُنهي بحديث الحبيب عليه الصلاة والسلام لنعلم أين مكمن الخلل ونسعى لإصلاحه! إذ يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: “توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.”
المصدر/ أمل الأمة(1/195)
مسلمو الأويغور بين حرب الإبادة والصمت الإسلامي
* احمد ابو زيد
أكاد أجزم بأن حرب الابادة التي يتعرض لها ثمانية ملايين مسلم في "تركستان الشرقية"، تلك الامارة الاسلامية التي احتلتها الصين منذ ستين عاما، وأطلقت عليها اسم اقليم "سينكيانج"، لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الذي حظي به حادث وفاة ملك البوب الشهير مايكل جاكسون علي مدار الأسبوعين الماضيين، وما ذلك الا أننا نحن المسلمين قد أصابتنا حمي الخزي والهوان، فأصبحنا أهون علي أعدائنا من البعوض ، وصرنا لقمة طرية هينة في أيدي شذاذ الآفاق من الشرق والغرب.
فعلي مدي أسبوعين أو أكثر تمارس القوات الصينية كل أشكال العنف الدامي المنظم ضد إخواننا المسلمين الأويغوريين في هذه الأرض الاسلامية،وتقوم الصين بعزل المنطقة عن وسائل الإعلام، ويتم قتل ما يقرب من 200 مسلم أعزل-بحسب إحصاءات صينية رسمية-ويقع نحو 1000 جريح، ويتم إلقاء القبض علي أكثر من1500 مسلم للاشتباه في صلتهم بالأحداث .
ومع ذلك يواجه كل ذلك بالصمت الإسلامي الرسمي، فلم تعلن دولة إسلامية احتجاجها علي ما يحدث للمسلمين هناك، وهم أصحاب حق في الاستقلال عن الصين، كما سنبين بإذن الله، في حديثنا عن تاريخ المسلمين في هذا الإقليم، ونضال أبنائه المسلمين للحصول علي حريتهم واستقلالهم.
لقد اشتعلت الأحداث منذ أسبوعين في الإقليم عندما خرج متظاهرون مسلمون من الأويغور، احتجاجا علي سوء تعامل الحكومة مع حادثة مقتل عاملين منهم عندما اشتبكوا مع عمال من الهان - العرق الغالب بالصين-، في أحد المصانع بجنوب البلاد أواخر الشهر الماضي، مرددين أن الحكومة تتعامل معهم أي مع مسلمي الأويغور، كمواطنين من الدرجة الثانية برغم أنهم السكان الأصليون في سينكيانج أو تركستان الشرقية.(1/196)
واتهمت الحكومة الصينية جماعات إيجورية منفية في الخارج بالتحريض علي هذه الأحداث، مؤكدة أن هذه المظاهرات ما هي إلا تفريغ لغضب حاد مكبوت في صدور السكان المسلمين؛ بسبب سياسات التمييز التي تستهدف دينهم ووجودهم في الإقليم الذي كان دولة إسلامية منفصلة عن الصين تحمل اسم "تركستان الشرقية" قبل أن تضمها الصين عنوة في عام 1949م.
ومنذ هذا الضم التعسفي الذي لم يرض به المسلمون هناك ، بدأ النضال بينهم للحصول علي الاستقلال بإقليمهم عن الصين في ظل ما يعتبرونه انتهاكا لحقوقهم الدينية والمدنية من جانب السلطات الشيوعية الحاكمة، ويعتبرون أنفسهم متقاربين إثنيا مع المسلمين الأتراك، وخصوصا تركمان شمال أفغانستان.
وقد قوبلت مطالب مسلمي الأويغور بتطبيق "حق تقرير المصير" عليهم بممارسات قمعية وبحملة اضطهاد واسعة من قبل السلطة الصينية، تضمنت آلاف الاعتقالات التعسفية، وحملات التعذيب والمحاكمات غير العادلة ،ومئات الإعدامات وإغلاق المساجد والمدارس إسلامية، وتدمير الممتلكات، بحسب ما سجلته منظمة العفو الدولية.
لدرجة أن السلطة الصينية تقوم بإجبار النشطاء الإسلاميين من الأويغور علي احتساء الخمر قبل تنفيذ أحكام الإعدام عليهم. وتدهورت الأوضاع الإسلامية في تركستان الشرقية وتمادت السلطات الصينية الشيوعية في إجراءاتها الاستبدادية، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أدي إلي استقلال جمهوريات آسيا الوسطي الإسلامية في عام 1991، وذلك خوفا من أن تهب عليها رياح الخلاص، وتحررها من نير الاحتلال الصيني، كما تحرر جزؤها الغربي تركستان الغربية من الحكم الروسي الشيوعي.(1/197)
وقد اتخذت حكومة الصين الشيوعية تدابير صارمة في تشديد قبضتها الحديدية علي هذا الجزء الإسلامي علي الصعيدين الداخلي والخارجي ، فمارست إجراءات القمع والتنكيل ضد المسلمين التركستانيين، واتخذ المكتب السياسي للجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني في مارس 1996 قرارًا سريا للغاية في معالجة قضية تركستان الشرقية، عرف بالوثيقة رقم 7 التي تضمنت تطبيق 10 إجراءات صارمة تبدأ بحظر التعليم الإسلامي ، ومنع النشاط الديني، واستعمال القمع والاغتيال والإعدام لمن يعارض الحكم الشيوعي أو يدعو إلي استقلال وانفصال تركستان الشرقية عن الصين.
وبدأت السلطات الصينية في تنفيذ هذه السياسة بحملة "اضرب بقوة" في إبريل 1996، وأدت هذه الحملة الجائرة إلي منع المسلمين من ارتياد المساجد ، وحظر التعليم الإسلامي، ففي شهر رمضان عام 1417هـ، وقف رجال المباحث والاستخبارات والشرطة ليلة القدر أمام أبواب المساجد، يمنعون الشباب والنساء من دخول المساجد لأداء صلاة التراويح والتهجد، فاشتبك المسلمون معهم ، واندلعت ثورة عارمة، وتدخل الجيش الصيني لضرب هؤلاء المسلمين العزل، فقتل منهم أكثر من ثلاثمائة، واعتقل نحو 10 آلاف مسلم.
وذكر "وانغ لي جوان" سكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة "شنجانغ" تركستان الشرقية في جريدة شنجانغ الرسمية اليومية بتاريخ 11-7-1997، أن السلطات الشيوعية اعتقلت 17000 شخص في معسكرات السخرة لجيش التحرير والبناء، كما ذكرت الجريدة ذاتها بتاريخ 21-6-1997 أن الأجهزة الصينية هدمت 133 مسجدا وأغلقت 105 مدرسة إسلامية..
*كاتب وصحفي مصري (جريدة الوفد 15/7/2009)
الصين تنتهك حقوق المسلمين لتخاذل إخوانهم عن نصرتهم
د.فاطمة إبراهيم المنوفي
ما كانت الصين لترتكب هذه الجرائم الوحشية البشعة بحق الأويغور المسلمين لولاتخاذل و ضعف الدول الإسلامية عن نجدة إخوانها في تركستان الشرقية.(1/198)
الكل يلهث وراء مصالحه ونسي أن الحفاظ والغيرة علي امن إخوانه أهم من المصالح المادية، بل ان مواقفهم هي التي تصنع لهم الهيبة والوقار بين دول العالم و تضمن لهم العزة و الكرامة.
فالحكومات العربية و الإسلامية التزمت موقف الصمت ولم تعلق على ما يجري في تركستان الشرقية، لا بالإدانة ولا بالقبول، وكأن هؤلاء الأويغور ليسوا ببشر. ولربما تعالت أصوات الإدانة وسُمعت ودوت في أرجاء العالم عندما تم إعدام الخنازير في مصر بطرق غير مقبولة إنسانيا.
جاءت الاضطرابات الدموية الأخيرة التى وقعت منذ أيام ، فى تركستان الشرقية، وما تبعها من قيام السلطة الصينية بعمليات قتل وقمع واعتقال واسعة للمسلمين هناك وإغلاق للمساجد، لتعيد للذاكرة التاريخ المرير لهذا الشعب المسلم الذي يعيش تحت وطأة تحت الاحتلال الصيني.
فقد اندلعت أعمال دموية عنصرية ضد الأويغور المسلمين صباح الجمعة الموافق 26 يونيو؛ حين هاجم الآلاف من العمال الصينيين الهان عمال أويغور مسلمين يعملون في مصنع للألعاب النارية في مقطاعة كونجدوج الواقعة جنوب الصين. وهاجم العمال الصينيين العمال الأويغور بالسكاكين والمواسير المعدنية والأحجار وضربوهم علي رؤوسهم حتي الموت.
وأعلنت المصادر الإعلامية الصينية الرسمية ان الهجوم أسفر عن مقتل 140 من العمال الأويغور وجرح ما لا يقل عن 816 عامل، إلا أن مصادر أخري أفادت أن أعداد القتلى فاق الأرقام المعلن عنها رسميا، كما أن هناك العديد من الجرحى الأويغور في حالات حرجة. وقالت وكالة الانباء الصينية شينخوا إن الشرطة الصينية ألقت القبض على مئات شاركوا في أعمال العنف بينهم أكثر من 10 لاعبين رئيسيين أججوا الاضطرابات، وبالطبع وجهت الاتهامات الي الأويغور علي انهم مثيروا الشغب ولم يتم توقيف أو إدانة أي صيني.(1/199)
وفي الخامس من يوليو في عاصمة تركستان الشرقية اورومتشي، خرج الآلاف من الأويغور في مظاهرات سلمية احتجاجا علي مقتل العمال الأويغور، للتعبير عن سخطهم من تقاعس السلطات الصينية عن حماية أبناء جلدتهم، تلك السلطات التي سارعت بإلقاء اللوم عليهم بدلا من معاقبة القتلة الصينيين.
وبالرغم من أن هذه المظاهرات والاضطرابات لم تكن إلا تعبيرا عن سخط الشعب التركستاني المسلم من ممارسات النظام الصيني الذى يُعامل معاملة مواطني الدرجة الثانية او حتي الثالثة في الصين، إلا أن السلطات الصينية وكعادة كل الأنظمة الاستبدادية ردت باستخدام القوة وقتلت وجرحت اكثر من 1800 شخص حسب بعض التقديرات واعتقلت العديد، وقطعت الاتصالات الهاتفية وخدمات الانترنت بين تركستان الشرقية والعالم الخارجي وضربت حصارا كاملا على مدينة اورومتشي وكاشغر كما فرضت حظر تجوال على عدة مدن أخرى.
ولم نسمع بكلمة شجب او إدانة من أي زعيم عربي أو مسلم إلا من اردوغان، ذلك الرجل الغيور الذي لا يخاف لومة لائم. فبالرغم من ان العلاقات التركية الصينية تشهد تطورا ملحوظا مؤخرا؛ حيث زار الرئيس التركي عبد الله جول بكين الشهر الماضي، في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس تركي إلى الصين منذ 15 عاما، ووقع اتفاقات تجارية هناك بقيمة 1.5 مليار دولار، فقد وصف اردوغان هذه الجرائم ضد المسلمين الأويغور بالابادة ولم يخشي من أي خسارة مادية ولم يتراجع عن هذا الوصف بالرغم من مطالب صينية إلى سحب تصريحاته. كذلك دعا وزير التجارة والصناعة التركي نهاد أرغون بكل شجاعة إلى مقاطعة البضائع الصينية، واعلنت العديد من الشركات التركية مقاطعتها للبضائع و المنتجات الصينية.
اما العرب فيخافون من فقد دعم بكين لهم في قضاياهم التارخية ونسوا وتناسوا ان مشاكلهم لن تحل بدعم بكين بل باتحادهم ونبذهم الفرقة والتشرذم، وبتطبيقهم للديموقراطية ومراعاتهم حقوق شعوبهم.(1/200)
ونسيت ايران التي خرجت منها هتافات وشعارات كثيرة لنصرة المظلومين في غزة ولبنان، والتي اعتادت مناصرة القضايا الإسلامية، ان دعم بكين فقط لن يفيد في استمرار برنامجها النووي، نسيت ان لبكين مصالح مشتركة مع ايران لن تضحي بها لو وقفت ايران بجانب المضطهدين الأويغور.
ورغم همجية و وحشية هذه الأحداث الا انها لفتت الانتباه الي تركستان الشرقية وفتحت ملف صفحات مطوية من نضال مسلمي تركستان الشرقية، وكشفت عن تخاذل العالم الإسلامي والعالم برمته عن نصرة الضعفاء المظلومين.
موقع/ أخبار العالم
19.07.2009
هموم المسلمين .. من ألمانيا إلي الصين
الكاتب : د.حسن أبوطالب
من الصين مرورا بألمانيا وحتي الولايات المتحدة ، هناك هم إسلامي بارز هم يتعلق بكيف يمكن للمسلم أن يعيش في مجتمع غالبه غير مسلم دون أن يتعرض للتمييز أو الكراهية أو الحرمان أو الاعتداء المادي المباشر؟ فما حدث في مقاطعة سينكيانج(تركستان) الصينية في غرب البلاد ، وما جري للشهيدة مروة الشربيني في محكمة ولاية دريسدن الألمانية مطلع هذا الشهر حيث قتلها عنصري ألماني بدم بارد في قاعة المحكمة وعلي مرأي ومسمع من رجال الأمن ، وتلك اللافتة البذيئة التي علقتها إحدي الكنائس في ولاية فلوريدا تساوي بين الاسلام والشيطان ، كلها تنويعات لظاهرة واحدة وهي كراهية الاسلام والمسلمين . وهي الكراهية التي زادت حدتها بعد 11 سبتمبر 2001، بعد أن نجحت آلة السياسة الامريكية مصحوبة بآلة الدعاية الرهيبة وبتأثير من جماعات المحافظين الجدد بتشكيل صورة ذهنية لدي الغرب والعالم بأسره تربط تلقائيا بين المسلم والارهاب ، وتساوي بين الاسلام كدين وبين العنف والقسوة والتخلف . في حين أخفق المسلمون جميعا عربا وعجما في مواجهة هذه الحملة ، وساعد سلوك بعض أبناء العرب والمسلمين غير الشرعي في تكريس سمات التطرف والعنف علي كل ما هو إسلامي دون وجه حق . ........(1/201)
لا يقتصر الأمر علي الغرب الذي يشهد بالفعل تصاعدا خطيرا لظاهرة الاسلاموفوبيا ، او الخوف من المسلمين وعلي نطاق واسع ، بل يمتد إلي بلاد أخري عديدة ، أبرزها الصين التي كشف سلوك أجهزتها الأمنية في قمع المظاهرات السلمية الأخيرة للأويغور ، وهم أصحاب البلاد الأصليين المدي الذي وصلت إليه السياسات الرسمية في التعامل مع هؤلاء الذين ينتمون إلي اقلية عرقية ودينية مختلفة . وكما فعل الغرب في ربط الاسلام بالارهاب تقوم آلة الدعاية الصينية الرسمية بالربط بين الأويغور المسلمين وبين القاعدة باعتبار ان ذلك يحميها من الانتقادات الدولية سواء الرسمية او من قبل منظمات حقوق الانسان . ورغم علم الجميع ان هذه الحجة ضعيفة ولا اساس لها من الصحة ، وأن مطالب الأويغور هي مطالب عادلة تماما وفقا للمعايير الدولية لحقوق الانسان ، وتعود إلي اكثر من ستة عقود ، هي عمر الاحتلال الصيني لدولة تركستان الشرقية ، إلا ان حجم اللامبالاة الدولية بما يجري في الاقليم فاق كل تصور ، وعكس نوعا من النفاق الدولي الممقوت .(1/202)
وكشأن أي احتلال استيطاني توسعي لا تهمه حقوق الشعوب المستعمرة ، ولا يبالي بحقوقهم الدينية او الثقافية ، عاني الأويغور الكثير والكثير تحت حكم الحزب الشيوعي الصيني ، ولمدة طويلة جدا كان الأويغور محرومين من مهن معينة ، كالتجارة التي اقتصر العمل فيها علي الصينيين من الهان ، كما اغلقت مساجدهم التي زادت عن عشرين ألف مسجد ومنعت فيها الصلاة أو ان ترمم وتصان وتم التضييق علي اللغة التركية التي يتكلم بها أهالي الاقليم الذي يمثل سدس مساحة الصين ويحتوي علي ثروات طبيعية وزراعية ومعدنية هائلة وحجبت الحقوق الثقافية تماما . ولم يتغير الامر جزئيا إلا بعد عام 1978، وبعد ان تم تغيير قسري في التوازن الديموجرافي لصالح قومية الهان الذين كانوا يمثلون فقط 6% من عدد السكان في عام 1950، فإذا بهم يمثلون 48% من إجمالي السكان في عام 2006. بينما فقد المسلمون الأويغور وضعيتهم من كونهم الاغلبية الساحقة في الاقليم من 92% مطلع الخمسينات إلي اقل من 46% في نهاية عام 2007.
وتتضمن معاناة المسلمين الأويغور أمورا عدة من بينها انخفاض الراتب في الجهات الحكومية مقارنة بالراتب الذي يحصل عليه الصيني من قومية الهان لنفس العمل ، واقتصار التوظيف الحكومي علي من يعرف اللغة الصينية ، ومحدودية الانفاق علي البنية الاساسية في الاقليم ككل مقارنة بما يصرف في المقاطعات الاخري .(1/203)
والمثير في الامر أن التقارير الدولية التي ترصد مثل هذه الانتهاكات لحقوق الانسان الأويغوري لا تجد صدي دوليا مناسبا لاسباب تتعلق بمكانة الصين الدولية وتودد دول العالم المختلفة معها بغية المصالح . والاكثر إثارة هنا ان الوثيقة الصادرة عن الحزب الشيوعي الصيني قبل اكثر من عقد بشأن التعامل مع الاقليات التي تتشكل منها البلاد تبدو في غاية المثالية فهي تتحدث عن التزام الحزب والحكومة بحقوق هذه الاقليات الثقافية والمادية تحت مظلة الصين الموحدة والاعتراف بأن هذا التنوع العرقي والديني والسلوكي يثري المجتمع الصيني ويضفي عليه قوة وتماسكا في مواجهة أي قوة انفصالية ، وتصر الوثيقة علي منح الحكم الذاتي بالنسبة لعدد من هذه الاقليات طالما اجتمعت في مكان واحد شكلوا فيه غالبية معتبرة . لكن النموذج المطبق في اقليم تركستان الشرقية يختلف تماما عن تلك المبادئ المثالية فالقمع والتمييز وانكار الحقوق هو القاعدة الحاكمة ، وتلك بدورها تمثل أرضية خصبة للتوترات والنزاعات وتبلور النزعات الاستقلالية لاسيما وان الاقليم كان في حالة شبه دولة قبل الاحتلال الشيوعي في العام 1949.
ولاشك أن الصين التي ينظر إليها في العالمين العربي والإسلامي نظرة إيجابية نظرا لتقدمها الاقتصادي والتقني ولمواقفها الايجابية تجاه القضايا العربية بوجه عام هي بحاجة إلي مراجعة سياساتها القمعية تجاه الأويغور المسلمين . وإذا كانت الدول العربية لا تقبل للصين أن ينفصل أحد اقاليمها الكبري ، فإننا لا نقبل أيضا استمرار مثل هذه السياسات القمعية التي تتناقض مع روح العصر تجاه أقلية يزيد عددها عن عشرين مليون نسمة تلتزم الاسلام وتحافظ علي دينها منذ اكثر من ألف وأربعمائة عام وقبل أن تولد أية فكرة شيوعية في التاريخ الانساني كله .
المصدر/ جريدة الإهرام
2009 الثلائاء 14 يوليو
تركستان الشرقية وضع إنسانى متدهور(1/204)
د. عز الدين الوردانى (باحث وخبير فى قضية تركستان الشرقية)
تؤكد وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948 على أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم .
ولما كان تناسى حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنوا إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.
ولذا كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الظلم والاستبداد.
وتدعو الأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى اعتبار هذا الإعلان المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم.
ونقدم هنا لمحة سريعة عن الوضع الإنساني داخل تركستان الشرقية أو منطقة شينجيانج الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي والخاضعة لحكم الصين الشعبية، ومدى الالتزام الصيني ببنود هذا الإعلان ، والمفترض احترامه عالمياً.
خلفية المشكلة:
تركستان الشرقية هى ما يعرف الآن بمنطقة شينجيانج الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي، وهى واحدة من المقاطعات الحدودية الأربع التي تحتلها الصين وهى: التبت، تركستان الشرقية ، منغوليا الداخلية، منشوريا.
... تقع تركستان الشرقية في شمال غرب الصين الشعبية وتمثل ما يزيد على السدس من مساحة الصين حيث تبلغ مساحتها 1.710.045 كم، وتتمتع بثروات ضخمة من النفط والغاز والكثير من المعادن والإنتاج الزراعي والرعوي.(1/205)
تعد المنطقة من المواطن الأولى للأتراك، وقامت بها العديد من الدول التركية المستقلة. منذ ما قبل الميلاد مثل: دولة الهون ( 220ق م – 216ق م ) ، كوك تورك (552 – 745م) ، الأويغور ( 740 – 1260م )، القراخانيين ( 880 – 1211م ) . كما خضعت لحكم دولة المغول الجغتائية، وكانت آخر الدول المستقلة بها هى الدولة السعيدية (1514 – 1679 ) .
بدأت مشكلة تركستان الشرقية مع احتلال الصين لها عام 1760، إذ بدأ منذ ذلك التاريخ صراعا بين الطرفين على كافة الأصعدة، وقد دفع الشعب التركستانى ثمناً باهظا كنتيجة للصراع العسكرى مع الصين، وأيضاً الصراع على الهوية والذي ازدادت حدته منذ العام 1949 حين سيطر الحزب الشيوعى الصيني على السلطة في عموم الصين .
- تعرض شعب تركستان الشرقية منذ الغزو الصيني له في العهد المنشورى للكثير من انتهاكات حقوق الإنسان منها :
- مقتل نحو 1.200.000 من التركستانيين في هجوم القوات الصينية على تركستان منذ عام 1758م ، كما نفيت 22.500 أسرة تركية إلى داخل الصين وقد أثبت ذلك تقرير قائد الحملة العسكرية على تركستان الشرقية المرسل إلى إمبراطور الصين جين لونغ .
- مقتل نحو 120.000 تركستانى منذ دخول الشيوعيين تركستان في 10/1949 وحتى نهاية عام 1951 وقد أعلن ذلك برهان شهيدى والى تركستان الشرقية من قبل الشيوعيين في 1/1/1952.(1/206)
- شنت السلطات الشيوعية منذ دخولها تركستان الشرقية حملات شبه مستمرة على كافة مفردات الهوية الدينية والثقافية للتركستانيين مستهدفة تصيينهم ودمجهم داخل الثقافة الصينية، بغية أن يؤدى ذلك إلى إضعاف أو القضاء على الهوية المستقلة لشعب تركستان الشرقية، ومن ثم تضعف مقاومته للمستعمر الصيني، وقد طبقت السلطات الصينية إجراءات كثيرة للحد من قدرة الشعب التركستانى على الحفاظ على هويته الحضارية دون اعتبار لأية قواعد تحترم أبسط حقوق الإنسان في الحياة الحرة التى يرتضيها، ودن اعتبار للدستور أو القوانين الصينية والتى صيغت في أغلبها – وذلك شأن معظم الأنظمة الشمولية – بأسلوب يمكن تفسيره بالطريقة التى تناسب أهداف النخبة المسيطرة ويمكنها من انتهاكها تحت غطاء دستورى قانونى يمكن أن يبدو جيداً في الظاهر.
- في مجال الدين الذي يعد المؤثر الأساسى في تكوين هوية الأمم الحضارية شن الشيوعيون منذ الغزو الشيوعى حملات متكررة للدعاية ضد الدين معتبرين أن الدين أفيون الشعوب، وأن الإسلام ضد العلم وفى خدمة الإستعمار، وأن العادات الدينية تفسد النظام الإقتصادى .
- عرضت المسرحيات والبرامج الإذاعية التى تهاجم الدين ونظمت المحاضرات والمناظرات والمعارض الداعية للإلحاد في مختلف أنحاء تركستان الشرقية، كما شكلت جمعيات في القرى والأحياء لنشر الإلحاد وبث كراهية المبادئ الدينية، وافتتحت دراسات لإعداد كوادر من الشيوعيين لنشر مبادئ الشيوعية .
- إضعاف المؤسسات الدينية كالمساجد والمدارس الدينية، بمصادرة الأوقاف الخاصة بها والتى تعد الممول المالى لتلك المؤسسات، وقد أغلق أكثر من 29.000 مسجد وتعرض أكثر من 54.000 إمام مسجد وعالم دين للإهانة والاعتقال والتعذيب أو الإلحاق بمؤسسات العمل الإجباري.
- ألغيت المحاكم الدينية ونظام القضاء الإسلامي المختص بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية والفصل في مسائل الزواج والطلاق والمسائل الجنائية الصغيرة .(1/207)
- ألغيت الأعياد الدينية وعطلة يوم الجمعة ، منع الأهالي ـ وبالأخص الموظفون ـ من أداء الصلوات وسائر الشعائر الدينية .
بلغت ذروة القمع الديني للتركستانيين في فترة الثورة الثقافية 1966- 1976 ، ثم شهدت فترة الانفتاح التى سادت الصين منذ عام 1978 تحسناً نسبياً للحريات الدينية .
إلا أن سياسات التضييق عادت في أواخر فترة الثمانينيات من القرن الماضى وشهدت تركستان الشرقية عمليات قمع واسعة النطاق للحريات الدينية بالأخص في أعقاب الحركات الاجتماعية للتركستانيين كأحداث بارين 1990، وغولجا 1997، كما استغلت الصين الحملة العالمية ضد الإرهاب في أعقاب حادث 11/9/2002م والتى وجهت في مجملها ضد المسلمين تمثلت عمليات القمع في إغلاق المدارس الدينية التى غضت السلطات الصينية الطرف عن تأسيسها في فترة الثمانينيات، هدم الكثير من المساجد – نحو 133 مسجداً هدمت عقب أحداث غولجا 1997 – التضييق الشديد على ممارسة العبادة فقد صدر قرار من الحزب الشيوعى بمنع الشباب دون سن العشرين من دخول المساجد ويكلف إمام المسجد وإدارته بالتحقق من هويات الشباب وتطبيق القرار. وتشير معلومات واردة من تركستان إلى أنه قد تم رفع سن دخول المساجد إلى 23 عاماً منذ نهاية عام 2005م .
ويلاحظ أن القرارات الخاصة بالنواحي الدينية تصدر في عموم تركستان الشرقية إلا أن تطبيقها يكون أشد صرامة في مناطق جنوب تركستان وهى الأكثر تمسكاً بهويتها الدينية، وتحدث عمليات اعتقال وتحقيق وتعذيب واسعة النطاق ضد المخالفين.
وترصد تقارير منظمات حقوق الإنسان بالأخص العفو الدولية مراقبة حقوق الإنسان وكذلك لجنة إزالة التمييز العنصري بالأمم المتحدة، وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان والحريات الدينية في العالم، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل تركستان الشرقية.
وتمس تلك الانتهاكات أغلب حقوق التركستانيين الأساسية مثل :-(1/208)
-الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية
-عدم التعرض للتعذيب والعقوبات والمعاملات القاسية أو الوحشية أو الحط من الكرامة
-عدم القبض على أى إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً
-الحق في حرية التفكير والتعبير والدين وإقامة الشعائر الدينية وممارستها سراً أو مع الجماعة
تلك الحقوق التى نصت عليها المواد (3 ) ، ( 5 ) ، ( 9 ) ، ( 18 ) ، ( 19 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
كما أن هناك انتهاكات أخرى واسعة النطاق في إطار عملية تحديد النسل المطبقة في تركستان الشرقية، حيث تحدث عمليات إجهاض وقتل للمواليد وتعقيم إجبارى .
ويعانى التركستانيون من تدنى الدخل وقلة فرص العمل ومشكلات التعليم واللغة، وصراع هوية شديد الضراوة في مواجهة السيطرة السياسية والثقافية للصينيين، وسيول المهاجرين من الهان الذين ارتفعت نسبتهم في تركستان منذ عام 1941 حتى2005 من 5.4 % إلى نحو45% من إجمالى تعداد تركستان الشرقية البالغ في ذلك العام20.103.500 نسمة.
ويحظى هؤلاء الهان بأفضل فرص العمل والتعليم، كما يجلبون معهم ثقافة مغايرة للثقافة التركستانية وهو الأمر الذي يدفع إلى إضعاف الهوية الحضارية التركستانية حسب ما ترجوه السلطة الصينية التى تضع نصب أعينها تصيين تركستان الشرقية .(1/209)
وتدفع السياسات الصينية التركستانيين دفعاً إلى التمرد على الوضع القائم. ويشير تقرير لجنة الكونجرس الأمريكى لدراسة أوضاع الأقليات فى الصين فى عام 2005م وكذلك العديد من تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى مطالبة الأقليات في الصين وبصفة خاصة في تركستان الشرقية - التى تختلف ثقافة سكانها المسلمين اختلافا كبيراً عن ثقافة الهان – والتبت بتعظيم وتفعيل الحكم الذاتي وسيطرتها على هويتها الثقافية كما أن هناك مواجهات منتظمة لسياسات الحكومة المركزية التى تنتهك الدستور وقوانين الحكم الذاتي للأقليات. وهو الأمر الذى تتعامل معه السلطات الصينية بأساليب قمعية عنيفة، دون أن تبذل محاولات عملية جادة لإحداث تحسن حقيقى للوضع الإنسانى داخل تركستان الشرقية. واحترام الخصوصية الثقافية والحضارية لشعب تركستان الشرقية .
وما كانت الأحداث الأخيرة التى حدثت فى 5/7/2009 إلا تعبيراً عن الأسلوب القمعى الذى تتعامل به الإدارة الصينية مع شعب تركستان .
فى 25/6/2009 قتل عدد من العمال الأويغور المنقولين إجبارا إلى داخل الصين!! إذ رغم الثراء الشديد لوطنهم فإن الهان المهاجرين الى تركستان الشرقية برعاية ودعم الحكومة المركزية فى بكين يحصلون على الجانب الأعظم من هذا الثراء حيث يتمتعون بأغلب وأفضل فرص العمل فى المشروعات الصناعية وصناعة النفط والغاز - على سبيل المثال مدينة قراماى أحد أهم مراكز الصناعات النفطية تكاد تكون مغلقة على الصينيين الهان – بينما يعانى التركستانيون من قلة فرص العمل وعائق اللغة – إذ يتطلب الحصول على فرصة عمل جيدة إجادة اللغة الصينية – وتدنى الدخل ولذا يضطرون للبحث عن العمل داخل الصين وهم كما يقال مثل من يتسول وفى يده طبق من الذهب.(1/210)
-الحادثة وقعت فى مصنع لألعاب الأطفال فى مقاطعة جواندونج، يعمل به نحو 800 من الأويغور رجال وفتيات وأكثر من 6000 صينى من الهان، حيث هاجم الصينيون العمال الأويغور الذين كانوا فى أماكن سكن العمال نائمين فى وقت راحتهم بالسكاكين والعصى. قتل 20 وجرح 118 من الأويغور حسب المعلومات التى توافرت ولم تقدم السلطات تفسيرا لما حدث أو تعاقب مرتكبيه .
-طالب الأويغور فى تركستان من السلطات تقديم تفسير لما حدث وخرجوا فى مظاهرة سلمية ترفع العلم الصينى – أى دون أيه اتجاهات إنفصالية – وبالغطرسة المعتادة لدى السلطات الصينية تجاه الآخر حوصرت المظاهرة وأطلق عليها الرصاص الحى ومن ثم تطورت الأحداث الى عنف طال الممتلكات ووسائل النقل وامتدت الاحتجاجات إلى مناطق أخرى مثل كاشغر وغيرها. قتل 184 وجرح 800 ثم تكتم إعلامي ومعلوماتي شديد وهو مؤشر لحدوث عمليات قمع واسعة النطاق للأويغور داخل تركستان .
-إن تلك الأحداث رغم مأساويتها لهى فرصة للمجتمع الإسلامي والدولي للضغط على حكومة الصين بكافة الوسائل اقتصادية أو سياسية أو إعلامية للتحرك الجاد لمعالجة قضية تركستان الشرقية وتحسين الوضع الإنساني والسياسي والاقتصادي للشعب التركستاني.
المصدر/ وكالات الأنباء الاسلامية
تركستان.. فلسطين الشرق
محمد بدوي
فجَّرت الاعتداءات الأخيرة على مسلمي تركستان الشرقية المنتمين إلى قومية الأويغور، مشكلة ذلك الإقليم المسلم والمتمثلة في الاحتلال الصيني والاضطهاد والقمع الذي تُمارسه السلطات الصينية في الإقليم الذي أطلقت عليه اسم شينجيانج ويعني الوطن الجديد، أو الحدود الجديدة.(1/211)
كما بيّنت تلك الاعتداءات- التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص بين قتيل وجريح- مدى تناسي الدول الإسلامية قادةً وشعوبًا لإخوانهم المستضعفين هناك، كما أبرزت مدى معاناة الأقليات الإسلامية وصبرهم على الأذى، والصبر على جروحهم وحدهم دون حتى أن يجدوا ولو مواساة بالقلب والمشاعر من باقي الجسد المسلم.
جغرافيا وتاريخ
و"تركستان الشرقية" التي تحتلها الصين، بجانب "تركستان الغربية" التي تحتلها روسيا، يُكَوِّنان إقليم "تركستان" الذي يعني أرض الترك، وتشغل مساحة واسعة وسط القارة الآسيوية، واعتنق أهلها الإسلام منذ القرن العاشر الميلادي ويتوزعون اليوم على أغلبية سُنّية حنفية. ولغتهم هي اللغة الأويغورية التي تنحدر من اللغة التركية ويستعملون الحروف العربية في كتابتها.
وتبلغ مساحة تركستان الشرقية حوالي (1.8مليون كم2)، أي خُمس مساحة الصين، وهي تُعَدّ أكبر أقاليم الصين مساحةً وأغناها بالموارد الطبيعية، ويزيد عدد سكانها على (25) مليون نسمة، ونسبة المسلمين بها حوالي 95%، وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمرّ بها ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.
وبذلك تتميز تركستان بموقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية الغنية، فتمتلك احتياطيًا ضخمًا من البترول ينافس احتياطي دول الشرق الأوسط، وتمتلك من الفحم ما يعادل (600) مليون طن، وبها أجود أنوع اليورانيوم في العالم، ويستخرج من ستة مناجم بها؛ لذا فهي عصب اقتصاد الصين وعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية، فالصواريخ الصينية النووية، والصواريخ البالستية عابرة القارات تنتج في تركستان الشرقية.
العلاقة مع الصين(1/212)
اتخذت العلاقة بين مسلمي الأويغور والصينيين طابع الكرّ والفرّ؛ حيث تمكّن المسلمون من إقامة دولة تركستان الشرقية التي ظلت صامدة على مدى نحو عشرة قرون قبل أن تقع تحت الاحتلال الصيني عام 1759 ثم عام 1876 قبل أن تلحق نهائيًا في 1950 بالصين الشيوعية.
وعلى مدى هذه السنوات قام الأويغور بعدة ثورات نجحت في بعض الأحيان في إقامة دولة مستقلة على غرار ثورات 1933 و1944 لكنها سرعان ما تنهار أمام بطش الصينيين الذين أخضعوا الإقليم في النهاية لسيطرتهم ودفعوا إليه الملايين من عرق الهان الصينيين الذي أوشك أن يصبح أغلبية على حساب مسلمي الأويغور السكان الأصليين.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كثّف النظام الصيني من حملة مطاردته للاستقلاليين الأويغور، ورغم المطاردة الصينية ظلت بعض التنظيمات السرية تنشط داخل البلاد منها بالخصوص الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية وشباب تركستان الشرقية. وقام الأويغور في 19 سبتمبر 2004 بتأسيس حكومة في المنفى لتركستان الشرقية يرأسها أنور يوسف كما تَمّت صياغة دستور تمهيدًا لاستقلال دولتهم المنشودة.
وقد كشف حجم الاعتداءات الصينية الأخيرة عن مدى استخفاف الصين بأرواح المسلمين، بعد مشاريع تجفيف الينابيع التي اعتمدتها سلطات الاحتلال في الحقبة الماضية، ومشاريع توطين الصينيين في مناطق المسلمين ومصادرة أراضيهم لصالح النازحين من مناطق الصين المختلفة (كما يحدث في فلسطين) وتمكين الوافدين الجُدُد على تركستان من كلّ الإمكانات المادية والتكنولوجية والاقتصادية، في حين يعيش أصحاب الأرض المسلمون بوسائل العصر الحجري، كنقل المياه على الأكتاف وعلى ظهور الحمير وغير ذلك. بينما يسيطر الصينيون على 95 في المائة من الوظائف في المؤسسات المقامة على أرض تركستان الشرقية.
الإسلام في تركستان(1/213)
يرجع اعتناق أهالي تركستان للإسلام إلى عصر خلافة سيدنا "عثمان بن عفان" رضي الله عنه على يد الصحابي الجليل "الحكم بن عمرو الغِفاري"، بيد أن مرحلة الفتح الحقيقية كانت في عهد الخليفة الأموي "عبد الملك بن مروان" على يد قائده الباسل "قتيبة بن مسلم الباهلي" الذي تمكّن في الفترة من (83- 94هـ ) ( 702- 712م) من السيطرة على ربوع تركستان ونشر الإسلام بين أهلها، ثم خضعت لحكم العباسيين من بعد الأمويين.
وفي فترات ضعف الخلافة العباسية قامت في المنطقة مجموعة من الدول المستقلة، ثم استولى عليها المغول بعد قضاء "جنكيز خان" على الدولة الخوارزمية، ثم توطد الإسلام في تركستان الشرقية، سنة (322هـ - 934 م)، بعد ما اعتنق "ستاتول بوغرا"- الذي أصبح حاكمًا للإقليم- الإسلامَ، وغيّر اسمه إلى "عبد الكريم" وأسلم لإسلامه معظم السكان، وبمرور الوقت أصبح شرق تركستان مركزًا رئيسيًا من مراكز الإسلام في آسيا.
واستقرّت الأوضاع لفترات طويلة للمسلمين في الصين حتى تخرج من بينهم علماء أجلاء وشيوخ كبار في علوم القرآن والحديث والفقه والتوحيد، حتى جاءت أسرة المانشو إلى الحكم في الصين سنة (1054هـ - 1644م)، حيث بدأت حملة من الاضطهاد والتعذيب للمسلمين في الصين، وقتل فيها مئات الآلاف من المسلمين، ووصلت جرائم الصينيين إلى حدّ المذابح والإبادة الجماعية، وكانت هذه الفظائع تجري خلف أسوار الصين، دون أن يدري بها أحد في العالم الإسلامي أو يحرك ساكنًا لمنعها كما هو الحال في أيامنا هذه.
معاناة منسية(1/214)
وقد استولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة (1174هـ - 1760م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقتلت القوات الصينية وقتها مليون مسلم، وألغى الصينيون نظام البكوات الذي كان قائمًا بها، ووحدوا أقسام تركستان في ولاية واحدة، كما اتبعت الصين سياسة استيطانية في تركستان الشرقية؛ حيث عملت على نقل كتل بشرية صينية إلى هذه المنطقة، وهذا ما يسمى بسياسة "تصيين تركستان الشرقية"؛ فقام المسلمون بثورات عنيفة لم تهدأ طوال مائة عام أبرزها ثورة سنة (1272هـ - 1855م) التي استمرت عشرين عامًا، بقيادة "يعقوب بك"، وسجلت أحداثها في كتاب من (330) جزءًا.
وفي القرن العشرين حصلت تركستان الشرقية على الاستقلال الذاتي سنة (1366هـ - 1946م)، وتم تعيين "مسعود صبري" رئيسًا للحكومة، واستطاع المسلمون أن ينظموا أنفسهم أثناء الحرب العالمية الثانية، فأنشئوا مطبعة وعددًا من المدارس وحافظوا على هويتهم الإسلامية، وبعد انتهاء هذه الحرب اجتاحت القوات الصينية الشيوعية الدولة الإسلامية الوليدة سنة 1949م، بعد قتال عنيف، وبدأ الشيوعيون منذ احتلالهم بارتكاب مذابح رهيبة، أعقبها استقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة في عملية احتلال استيطاني واسعة؛ وأعلنوا رسميًا أنّ الإسلام خارج على القانون، ويُعاقَب كل من يعمل به، وألغوا المؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها، واتخذوا المساجد أندية لجنودهم.(1/215)
كما غيروا الأبجدية العربية بحروف أجنبية، وجعلوا اللغة الصينية اللغة الرسمية، واستبدلوا بالتاريخ الإسلامي تعاليم "ماوتسي تونج"، وأرغموا المسلمات على الزواج من الصينيين، ورغم هذا الكبت والاضطهاد فقد استمرت ثورات المسلمين العنيفة التي تعمل الصين على إخفاء أنبائها عن العالم، ومنها ثورة عام 1966م، التي حاول فيها المسلمون أداء صلاة عيد الأضحى داخل أحد المساجد، فاعترضتهم القوات الصينية وارتكبت في حقهم مذبحة بشعة، وانتشرت الثورة في الإقليم، وقام المسلمون بحرب عصابات ضد الصينيين، واستشهد في هذه الثورة- خلال أحد شهورها- حوالي 75 ألف شهيد، ولا تكف الأخبار بين الحين والآخر عن تناقل أنباء انتفاضات للمسلمين في تركستان الشرقية ضد الاحتلال الصيني الدموي اللاإنساني.
من يناصرهم ؟!
على أحرار الأمة الإسلامية اليوم أن يتحركوا لكسر الحصار المفروض على تركستان، إعلاميًا واقتصاديًا وسياسيًا، فأهلها يتعرضون لإبادة ثقافية ولغوية واقتصادية وفي كل المجالات. كما يجب عليهم تنظيم فعاليات لدعم المقاومة التركستانية والتعريف بقضيتهم ودعوة المنظمات الحكومية والأهلية لتبني القضية والقيام بدور إيجابي تجاهها.
كما ينبغي أن نَعِي أهمية مقاطعة البضائع الصينية التي تغزو أسواقنا، فهي تفتقد للجودة، وتنطوي على أمراض كثيرة، كالتي عثر عليها في دُمَى ولعب الأطفال، وفي الحليب المستورد من الصين، وغيرها من الصناعات الصينية البائسة، ولنتخيل الضرر الواقع عليها إذا ما قاطعها العرب والمسلمون الذين يُمَثّلون سوقًا رئيسية للمنتجات الصينية. ومن غير اللائق أن تستمر الصين في اضطهادها للمسلمين، ونحن نساعدها بشراء سلعها التي يذهب ربحها لتمويل العدوان على المسلمين.(1/216)
أيضًا يجب على مسلمي اليوم التعريف بقضية إخوانهم في تركستان وآسيا الوسطى والقوقاز بنفس قدر تغطية أحداث العالم الإسلامي. ومحاولة الضغط على الصين بالقدر المتاح لتخفيف ضغطها على المسلمين في تركستان الشرقية وغيرها، فالمسلمون هناك لا يريدون أكثر من أن يحيوا بكرامة وحرية في وطنهم. فهم ليسوا صينيين، وتركستان المسلمة ليست شينجيانج الشيوعية.
المصدر/ البشير
12 يوليو 2009
من المجرم الحقيقى للمجزرة فى تركستان الشرقية؟
الصين يحرض الجيش بملابس مدنية على إبادة الأويغور فى أورومجى
الحزب الشيوعى حرضّ الصينين على ضرب الأويغور فى جواندونغ (guangdong)، والآن يحرضون الجيش بملابس مدنية على إبادة الأويغور فى أورومجى
عز الدين الوردانى
تظاهرالطلاب الأويغور بتاريخ 2009/07/05 فى أرومجى عاصمة تركستان الشرقية (المسماة من قبل الصينيين الشيوعيين بسنكيانغ أو شنجيانغ) رافعين علم الصين الأحمر تعبيرا عن غضبهم لتقاعس الحكومة عن التحقيق فى المجزرة التى وقعت للأويغور من قبل الصينين فى جنوب الصين.
خرجت المظاهرة سلميا لأخذ الإجابة من الحكومة فى تركستان الشرقية عن مشكلة الأويغور التى راح ضحيتها من الشهداء أكثر من عشرين شخصا، وإصابة مئات آخرين.
وصمتت الحكومة عن إعلان بيان حول الحادثة حوالى11 يوما، وعندما حدثت المظاهرات فى أورومجى، لم تستمع الحكومة إلى مطالبهم العادلة البسيطة بتحقيق المجزرة، بل تعاملت مع المتظاهرين العزل بفتح النار عليهم كعادتهم السابقة.
والمتظاهرون العزل عندما أحسوا بالجواب الخاطىء من الحكومة فأصروا للحصول على الجواب، ولكنهم تعرضوا إلى معاملة قاسية بفتح النار عليهم من قبل القناصين فوق العمارات العالية.
والمتظاهرون قاوموا الشرطة والجيش الصينى المسلح بأسلحة ثقيلة بالحجارة عندما فتح النار عليهم. والنتيجة قتل أكثر من مائة وخمسون شخصا وإصابة أكثر من ألف شخص فى يوم واحد.(1/217)
ولو نظرنا إلى الأسباب الحقيقية للمظاهرة هو حادثة مصنع فى جنوب الصين. وهذه الحادثة خططت من قبل سكرتير الحكومة الصينية المحتلة فى تركستان الشرقية "وانغ له تشيوان" عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى فى الصين الذى تعوّدَ بالرد القاسية والقمع الشديد لأي أمر جديد لمصلحة الأويغور.
من الاحتمال الكبير أن يكون أحد الأسباب للمجزرة هي زيارة الرئيس التركى لبكين ثم مدينة أرومجى عاصمة تركستان الشرقية بتاريخ 29/7/2009 يومين، حيث ألقى الرئيس التركى عبدالله جول خطابا فى جامعة أرومجى، وذكر بوجود علاقة تاريخية وأخوية بين الأتراك والأويغور. وكان قد قال قبل سفره الى الصين أن الصين يعرف أننا نرغب ونهتم ونرعى منطقة تركستان الشرقية.
كأنما أراد الحاكم الصينى"وانغ له تشيوان" لتركستان الشرقية مع الحزب الشيوعي فى الصين إرسال رسالة لتركيا مفادها، بأن علاقة تركيا مع الصين شيء، والعلاقة بين الأتراك والأويغور شيء آخر. ولا يسمح لتركيا أن يتدخل فى قضية الأتراك فى الصين...
سكرتير الحكومة الصينية فى منطقة تركستان أحدث مجزرة بتحريض العمال فى مصنع بجنوب الصين لضرب الأويغور وقتلهم. ولفقّ تهمة للأويغور هناك فى المصنع بأن عددا منهم اغتصبوا فتاة صينية، ولكن فى الحقيقة هذا أمر لا يحدث من الأويغور، ولو حدث افتراضا لماذا لم يحكم عليهم من قبل المحكمة والقانون؟
لماذا قتل أكثر من عشرين من قومية الأويغور؟ وأصيب مئات آخرين من الأويغور العزل؟ ولماذا لم يدلوا بأية بيانات للشعب الأويغورى حول الحادث، ولم يجيبوا على سؤالهم؟
الهجوم الذى شنه العمال الصينينون(عددهم مابين 3000 إلى 5000) فى جنوب الصين كان مخططا له وتم بالعصى والسكاكين نظرا لما رأيناه فى الفيديو المصور فى موقع يوتيوب(youtube).(1/218)
هذه المجزرة بدأت فى الساعة الحادية عشرة مساءا بغتة عندما كان الأويغور نائمين، واستمر ضربهم وقتلهم حتى الرابعة صباحا، وحتى ذلك الحين لم تتدخل الشرطة فى الحادث، ووقفوا متفرجين حسبما رُئي فى الفيديو المصورة.
وسمعنا أصوات الصينين: اقتلوا الأويغور واذبحوهم إنهم متطرفون وانفصاليون...
إذن، سبب المظاهرة فى مدينة أرومجى عاصمة تركستان هي المجزرة التى وقعت فى مصنع جنوب الصين وعدم التحقيق فى القضية والصمت عنها تماما حوالى 11 يوما، وهذا يدل على تخطيط سكريتر الحكومة الصينية لمنطقة تركستان الحادثة فى المصنع.
مظاهرة الطلاب كانت سلمية، ولم يكن الغرض منها الانفصال كما تدعى حكومة الاحتلال. ولم يكن بتحريض منظمات الأويغور فى الخارج كما يقال، بل كانت مظاهرة الغضب المكبوت لما يحدث للأويغور.
الشعب الأويغورى عامة فى حالة غضب مكبوت منذ سنوات عديدة بسبب ما يعانيه فى كل مجالات الحياة الانسانية، وحرمانهم من حقوقهم المعيشية كما يليق بالإنسان. والتضييق عليهم عقائديا بمنع التعليم الدينى فى تركستان وحبس كل من يشتغل بالتعليم الإسلامى، وتدهور الناحية الاقتصادية، واليد الحديدية فى السياسة، وخداع العالم الإسلامى ليشعرهم بأن حرية العقيدة متاحة للجميع. ولكن التعليم الإسلامى هو الخط الأحمر فى تركستان المسلمة.
فضلا عن ذلك إجبار الفتيات غير المتزوجات من سن 15- الى 25 على العمل داخل الصين، وقمع الاحتجاجات حول ذلك الموضوع فى العام الماضى، وعدم اعطاء الفتيات أية فرصة للتعبير عن آرائهن حول قبول العمل أو رفضه. وعدد الفتيات المجبرات على العمل فى المصانع داخل الصين أصبحن أكثر من مائة ألف فتاة..وهذا ما جعل التركستانين يشعرون بمهانة غير متصورة إزاء هذا الأمر...(1/219)
يقصد المحتل الصينى بإجراءاتهم هذه تذويب الشخصية الاسلامية ومحو الهوية القومية التركية، لما يظهر من فرق واضح فى اللغة والدين والثقافة والحضارة والملامح والعادات بين التركستانين والصينين.
لذا ركز الاحتلال الصينى لتصيين الهوية الأويغورية التركية الاسلامية بمنع التعليم الاسلامي وهدم المظاهر الحضارية للتركستانيين، لإضفاء الطابع الصينى على التركستانين... ولكن هذا لن يحدث أبدا، لأن الإسلام مازال حيا ينبض وحضارة تركية اسلامية يعيش فى قلوب التركستانيين البالغ عددهم 25 مليونا ، وليس 9 مليونا كما يدعى المحتل لتقليل عدد المسلمين التركستانين.
*****
المظاهرة السلمية لماذا تحولت إلى عنف ومجزرة من جيش الاحتلال الصينى؟
العنف بدأ من الشرطة والجيش المسلح، ولم يبدأ من الشعب التركستانى.
ويجيب على هذا السؤال الباحث الصينى المعارض (لن باوخوا) المقيم حاليا فى تايوان ويقول:" المجزرة والقتل الذى حدث فى مدينة أورومجى كان بتخطيط الحزب الشيوعي بتحريض الجيش الصينى على القتل، وذلك عن طريق تخفى الجيش فى زى المدنيين".
"والمجرم الحقيقى فى هذه المجزرة هو الحزب الشيوعي الذى أظهر فى الاعلام الصينى أن الأويغور"متطرفون، وانفصاليون"، وهذا هو نتيجة الاعلام المضلل للحزب الشيوعي الصينى".
ويستطرد المعارض الصينى بأن 140 من الأويغور المقتولين فى أرومجى قتلوا بأسلحة الجيش الصينى للحزب الشيوعي.
الحزب الشيوعي يحرض الصينين فى منطقة الأويغور على القتل ويشتركون بجيوشهم فى قتل الأويغور بملابس مدنية" واهما لحماية وحدة الدولة الصينية الاحتلالية من التفكك كما حدث للإتحاد السوفيتى من التفكك لبعض المناطق من جراء اختلاف العقائد واللغة والعرق والحضارة...(1/220)
لذا الحوادث التى تقع من عصابات الصينين فى تركستان هى فى الحقيقة تقع من الحزب الشيوعى والجيش الصينى أكثر من المدنيين الصينين. لأن الصينيين فى منطقة تركستان يخافون من الأويغور، ولا يجترؤون على القتل والضرب.
ولو حدث هذا فبتحريض وتشجيع الحزب الشيوعى ومساندتهم بالجيش والأدوات.
******
ولو كان فى نية حكومة الاحتلال الصينى أن تحل هذه القضية بطريقة سلمية لم تكن لتطلق النار على التركستانيين العزل، بل لإستمعوا لطلباتهم. ولكنهم اختاروا طريق القمع والضرب بيد من حديد. لذلك قطعوا خدمة الانترنت والهاتف بصفة عامة عن منطقة تركستان لئلا تتسرب وحشيتهم فى حق التركستانيني للعالم الخارجى. وهذا يدل على إرتكاب مزيد من القتل والاعتقال فى إطار من التكتم الاعلامى.
ووكالات الأنباء تستقبل الأخبار من جانب الصينين فقط، ولا يوجد فى داخل تركستان من يتحدث عن الأويغور خوفا من بطش الحكومة وقتله. فضلا عن ذلك منع وكالات الأنباء العالمية من التقاط الأخبار من الأويغور. ولا تستطيع وكالات الأنباء العالمية أن تتحرك بحريتها وتصور كما تريد بإرادتها مع وجود العملاء وراءهم مباشرة ووضعهم تحت المراقبة الصارمة.
مادام لا يوجد من يتحدث نيابة عن الأويغور من المنظمات داخل تركستان، فتتحدث المنظمات التركستانية فى الخارج عن أحوالهم. هل كان من المفروض أن يرضى بالذل والمهانة مهما حدث لئلا يصطدم بالصين المحتل؟
أليس من واجبهم أن يقاوم مادام المقاومة حق مشروع للشعب المحتلة من الصين الشيوعية؟. تركستان ليس جزءا من الصين ولن يكون أبدا بإذن الله. بل هو أرض الأتراك الأويغور قبل آلاف السنين.(1/221)
والحكومة تعلن أن الوضع تحت السيطرة، ولكن المظاهرات حدثت فى مدينة كاشغر وختن وايلى وغيرها من المدن فى يوم 7 /7 لوقت قصير. وبناء على الخبر غير الرسمى الذى جاء من تركستان قُتل حوالى 100 شخص فى مظاهرة بمدينة كاشغر. وامتلأت شوارع كاشغر بالجيش، ومنعوا الناس من الظهور فى الشوارع أو التجمع فى أي مكان... واعتقلوا مئات من الشباب وفتشوا المنازل بحثا عن الكتب وأجهزة الكمبيوتر.
واليوم 2009/07/09 هناك أحداث وحشية فى أورومجى، حيث أشعل عصابات الصين النار على مسجدين، وقتل أربعة فتيات تركستانيات فى كلية الطب، وعلقوا رؤسهن فى الجامعة.
وسُمعت أصوات الصينيين يقولون للأويغور :"إما أن تهلكوا أو تهاجروا من أورومجى، والإسلام هو الذى ربى هذه الخنازير يقصدون الأويغور".
فى الخبر أيضا أن 100 من الأويغور ذبحوا وقتلوا صغارا وكبارا فى منطقة محطة السكك الحديدية فى يوم الثلاثاء. وذبحت امرأة مع ولديها وألقيت عارية فى الشارع...
لذلك احتشد الأويغور فى اليوم التاسع فى محطة سكك حديد أورومجى، وتظاهروا لعدة ساعات. وتجمع المدنيون الصينيون مع الجيش فى جانب واحد للتصدى للأويغور والحكومة تحمى الصينيين ولا تحمى الأويغور.
والاعلام المضلل للصين المحتلة يظهر المقتولين من الصينيين ولا يظهرون المقتولين والمذبوحين من الأويغور.
وعدد الذين قتلوا واستشهدوا من الشعب الأويغورى يصل الآن حوالى 800 شخص.
المصدر/ صوت الأزهر
24/7/2009
من يوقف حرب الإبادة الصينية ضد مسلمي تركستان الشرقية؟
بقلم: أحمد أبوزيد? ?(1/222)
مازال حديثنا مستمرا حول مأساة المسلمين في تركستان الشرقية، والتي اندلعت فيها الاضطرابات في الفترة الأخيرة،?بسبب الاضطهاد الصيني وسياسة القمع والابادة والتطهير العرقي الذي يستهدف ضرب الهوية الإسلامية وتذويب المسلمين في الثقافة الصيني. فقد مارست السلطات الصينية الشيوعية خطة شاملة لضرب الهوية الإسلامية في تركستان،? ?فأصدرت مراسيم قررت فيها منع الأطفال من التعليم الديني قبل أن يبلغوا 18عاما من العمر،?وأن يكون التعليم الديني بعد هذه السن في معاهد تشرف عليها السلطات الشيوعية،? ?وتواصلت الحملات الأيدلوجية علي هذا المنوال،وكان الهدف من ذلك هو تأهيل الموظفين الذين يستطيعون تطبيق سياسة تسخير الدين لأهداف الحزب الشيوعي. ففي عام?1994م أصدرت الجبهة المتحدة في الحزب الشيوعي الصيني عدة قرارات تحارب جميع الأديان ونذكر منها ما يتعلق بمحاربة الدين الإسلامي وهي?:
1- يمنع تنظيم حلقات حفظ القرآن الكريم وتعليم أحكام الدين في المساجد والمنازل،?وأن يتم ذلك فقط في المعاهد الإسلامية التي تفتح في المدن الرئيسية تحت إشراف السلطات الرسمية.
2- أن يكون التعليم الإسلامي مقتصرا علي الراشدين الذين تجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم.
3-يمنع ترميم المساجد وإصلاحها أو بناء الجديد منها إلا بإذن رسمي من السلطات الرسمية.
4- يمنع تدخل علماء الإسلام في الأحوال الشخصية الإسلامية،?مثل عقود الزواج والطلاق والميراث وتحديد النسل.?
5?- تسخير المفاهيم الإسلامية في ترويج النظام الشيوعي وتأييد ممارسة السلطات الصينية لأعمالها،?ويمنع الإشارة إلي أي مفهوم ديني ينتقد الفكر الماركسي الماوي الشيوعي الصيني.
6?- يمنع اتصال الهيئات الدينية ورجالها بالمؤسسات الإسلامية وشخصياتها في خارج الصين،?كما يمنع تلقي المساعدات منهم دون تصريح حكومي ويمنع السماح لأي عالم أو إمام أجنبي أن يؤم المسلمين أو أن يخطب فيهم في المساجد?.(1/223)
7- يحظر علي?غير الإمام الرسمي الإمامة والخطابة كما تمنع الصلاة أو الوعظ في?غير المساجد التي تفتح بإذن السلطات الرسمية وتحت إشرافها. ومن يخالف هذه التعليمات يتعرض لأشد الأحكام فظاظة مثل السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة لفترات تتراوح بين خمسة أعوام و20عاما،?وهناك مئات المعتقلين مازالوا يقيمون في السجون الصينية لمخالفتهم هذه القرارات. وليست سياسة التجهيل الديني والثقافي المتبعة ضدهم من قبل السلطات الرسمية أخطر ما يواجه المسلمين في تركستان الشرقية،?وإنما يواجهون أخطاراً?أخري تهدد وجودهم علي أرض أجدادهم،?ويتمثل ذلك في إجراء التجارب النووية الصينية علي أرضهم منذ الستينيات إذ يقع أكبر موقع في العالم اليوم لتجارب الصواريخ والقنابل النووية قرب بحيرة"?لوب نور?" في صحراء"?تكلاماكان "في إقليم تركستان الشرقية "سيكيانغ"،?وفي هذا الموقع فجرت الصين أولي قنابلها الذرية في الجو خلال نوفمبر1964، ?وواصلت الحكومة الصينية إجراء تجاربها في هذا الموقع من ذلك التاريخ،?وكان آخرها التفجير الذي نفذته في أكتوبر عام?1993?.?وتقول تقارير الأمم المتحدة أن حوالي مليون شخص علي طرق الحدود الصينية الروسية كانوا ضحايا هذه التجارب،?حيث سقط المئات من الأطفال في تركستان الشرقية ضحية مرض?غريب من أعراضه آلام الأذنين وآلام في الرأس وإماء وتعتقد بعض الجهات الطبية في الأمم المتحدة أن هؤلاء الأطفال تأثروا بالتجارب النووية. ونتج عن هذه الحملات هجرة الآلاف من المسلمين إلي بلدان آسيا والشرق الأوسط. وقد مرت السيطرة الشيوعية علي تركستان بثلاث فترات هي:(1/224)
1-فترة البناء الشيوعي والسيطرة الشيوعية الصينية من1949-1965م،?وتم في هذه الفترة: القضاء علي الزعماء الوطنيين والعلماء المسلمين، وتطبيق النظام الشيوعي بمصادرة الأملاك والأوقاف واعتقال الأثرياء وتكوين المليشيات الشعبية من اللصوص والمنحرفين، وبسط السيطرة الصينية علي تركستان الشرقية بتكثيف الموظفين الصينيين في الإدارات والمراكز الحكومية وتنفيذ خطة الاستيطان الصيني البوذي وفرض التصيين الثقافي والتعليمي.
2ـ فترة الثورة الثقافية من?1966?ـ?1975م،?حيث عمل الصينيون علي القضاء علي التعاليم الإسلامية والحضارة التركية والمعالم الوطنية لتركستان،?وأغلقت جميع المساجد واستعملت لغير أغراضها،?وانتهكت الحرمات ومنع المسلمون من ممارسة شعائر دينهم،?وصودرت جميع الكتب الإسلامية، وأجبر المسلمون علي تعاليم ماوتسي تونج وعلي الزواج المختلط بين المسلمين والبوذيين،?وشهدت هذه الفترة تدمير ما بقي من مؤسسات ثقافية أو تعليمية أو دينية،?وكان الهدف هو قطع المسلمين عن دينهم وعقيدتهم وأصالتهم وتراثهم الديني والقومي.
3-?الفترة المعاصرة من?1976ـ ?إلي الآن،?وتميزت بتحول الشيوعيين الصينيين من تطبيق سياسة الإرهاب المكشوف إلي ممارسة تطبيق الشيوعية العلمية والتصيين الثقافي، بعد أن نجحت السياسة السابقة في بث الرعب في نفوس التركستانيين،?والتخلص من القوي الإسلامية والوطنية وسيطرة الصينيين علي مقدرات البلاد، وتمكنهم من توطين أكثر من خمسة ملايين صيني بوذي في تركستان الشرقية.
المصدر/ جريدة الوفد
29/7/2009?
تركستان الشرقية.. هل تسير نحو الزوال من خارطة العالم الإسلامي؟!
بقلم: سيد قاسم المصري(1/225)
تركستان.. كما هو واضح من اسمها تعنى موطن الترك.. وهى منطقة شاسعة بين روسيا والصين.. تقاذفتها رياح التاريخ ففقدت استقلالها عدة مرات، وأخيرا تقاسمتها روسيا والصين.. فقامت روسيا بضم تركستان الغربية إليها وهى الجمهوريات الإسلامية التى أعلنت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتى.. بينما ضمت الصين تركستان الشرقية للمرة الأخيرة عام 1949 بعد انتصار الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسى تونج، وأزالت من الوجود ما كان يعرف بجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية التى أعلنت عام 1944.
تقع تركستان الشرقية بأكملها خارج سور الصين العظيم، إذ كان بناء هذا السور فى الواقع لحماية الصين من غارات القبائل «الهمجية» كما كانوا يسمونهم.. مما يعد دليلا تاريخيا آخر على وقوع المنطقة خارج الصين. وتبلغ مساحة تركستان الشرقية حوالى 1.7 مليون كم2 أى سدس مساحة الصين، وهى غنية بالبترول والمعادن الثمينة والأراضى الزراعية الشاسعة وأجود أنواع اليورانيوم، وهى أول منطقة يدخلها الإسلام فى آسيا بعد الشرق الأوسط، حيث دخلها الإسلام عام 95 هجرية.. ولا يزال سكانها مسلمين وغالبيتهم من عرقية الأويغور التركية الذين يستخدمون الحروف العربية فى الكتابة حتى الآن.
وهذه المنطقة لها تاريخ عريق فى الإسلام.. فقد صلح إسلامهم ولم يعرف عنهم نشوء أى فرق ضالة بينهم.. بل إن فضلهم على الإسلام كبير.. فهى المنطقة التى أنجبت أسماء لامعة فى التاريخ الإسلامى، وكان المسلمون يشكلون 100? من السكان حينما استولت الصين عليها عام 1949.
وفى عام 1955 منحت الصين الحكم الذاتى للأقلية، وأطلقت عليه اسم إقليم الحكم الذاتى الأويغور فى سنيكيانج، حيث غيرت اسم المقاطعة من تركستان الشرقية إلى سينكيانج التى تعنى باللغة الصينية الأراضى الجديدة The new frontiers(1/226)
ثم بدأ الاستيطان الصينى للمنطقة من «عرقبة الهام» حتى تساوى عددهم تقريبا الآن مع عدد المسلمين من عرقية الأويغور.. وأصبح الصينيون «الهان» هم الذين يجنون ثمار التنمية الاقتصادية ويشغلون الوظائف الاقتصادية البراقة ويحصلون على معظم المنافع ويشكلون غالبية السكان فى المدن، بينما تراجع المسلمون إلى القرى والرعى والزراعة.
وأعقب ذلك محاولة لتغيير التاريخ والثقافة بعد التغيير الإثنى وتغيرت الوقائع على الأرض.. وبالطبع كان العائق الأكبر هو الإسلام.. فبدأت السلطات حملة على الدين وعاشت المنطقة فترة مأساوية حتى بداية الثمانينيات عندما بدأت ثورة الانفتاح الصينى بقيادة الزعيم دينج هسياو بينج.. وخفت القبضة على المسلمين لفترة من الزمن.
وتمتع المسلمون بفترة من الاستقرار بدأت بالمؤتمر الوطنى العام الصينى عام 1987 الذى أقر حقوقهم المدنية والدينية واللغوية ودامت هذه الفترة حتى التسعينيات، حين أدى انهيار الاتحاد السوفيتى وإعلان استقلال دول تركستان الغربية المجاورة إلى بزوغ مخاوف لدى القادة الصينيين خشية أن يمتد ذلك إليهم.. فأعادوا تشديد القبضة وتم إلغاء قرارات عام 1984... وفى عام 1993 أعلن الحزب الشيوعى الصينى إلغاء استخدام لغة الأويغور التركية فى مراحل التعليم، ووضعت قيود عديدة على ممارسة الشعائر الدينية.. وعلقت لافتات على المساجد تحظر دخول المساجد على الأطفال أقل من 18 سنة (وكأنها أفلام إباحية!!) وتحظر أيضا على الموظفين العاملين وأعضاء الحزب الشيوعى دخول المساجد، كما تحظر إقامة الاحتفالات الدينية، وبالطبع فإن الحكومة هى التى تتولى تعيين الدعاة والأئمة والخطباء وتحدد لهم الموضوعات المسموح التحدث فيها.
ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر لتزيد المخاوف من المسلمين، مما أدى إلى ازدياد القبضة ووصم كل محاولة لاستعادة الحقوق المسلوبة بالإرهاب الدولى الذى تحركه عناصر القاعدة.(1/227)
ولم تكن أحداث يوم 5 يوليو 2009 الدامية فى العاصمة إلا انفجارا آخر لهذا القمع الشديد للحريات وكان السبب المباشر وراءها هو مقتل اثنين من العمال المسلمين فى أحد المصانع فى مدينة شاوجوان فى مقاطعة جوانجدونج على أيدى زملائهما من عرقية الهان الصينية.. وظل المسلمون لمدة شهر فى انتظار أن تتخذ السلطات الصينية الإجراءات العقابية المناسبة ضدهم دون جدوى.. فخرجت مظاهرة غاضبة فى العاصمة قوامها - وفقا للتقديرات الرسمية - ثلاثة آلاف شخص - وقد وصفتهم السلطات الرسمية بأنهم «حفنة صغيرة من الخارجين على القانون تحركهم القوى الانفصالية فى الخارج والقوى الإرهابية فى الداخل والخارج».. ولا يمكن للمراقب المنصف أن يصم الثلاثة آلاف الذين خرجوا ومن بينهم نساء وأطفال وعائلات بأكملها بأنهم إرهابيون يتحركون بتعليمات من الخارج.. بل هناك أسباب حقيقية تتمثل فى الاضطهاد الدينى والعرقى والتفرقة والافتقار إلى العدالة فى الجوانب الاقتصادية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومحاولة طمس الهوية العرقية والدينية للمسلمين فى الإقليم.. وكان من الطبيعى أن ينتفض المسلمون غضبا كلما أتيحت لهم الفرصة أو أثارت حادثة معينة مكامن من المواجع.(1/228)
فى الواقع، فإن وضع المسلمين فى إقليم تركستان الشرقية فى الصين «سينكاينج» يماثل تماما أوضاع الأقليات الإسلامية فى معظم الدول الآسيوية التى تختلف عنها فى غرب أوروبا، فهى ليست وافدة من الخارج، بل هى من أبناء البلاد الأصليين الذين وفدت عليهم الدولة التى ينتمون إليها الآن، أى احتلتهم وضمتهم إليها وينطبق ذلك على المسلمين فى محافظات جنوب تايلاند، فقد كانت تفهمهم فى الماضى، سلطنة من سلطنات الملايو تسمى سلطنة «فطانى» ثم قامت مملكة سيام «تايلاند حاليا». بضمها بالقوة إليها، فهم ينتمون إلى عرقية الملايو ويتحدثون لغتها ويدينون بالإسلام ولا فرق بينهم وبين سلطات الملايو الأخرى التى تكون ماليزيا حاليا سوى أنهم يكتبون لغتهم بحروف عربية، بينما تستخدم ماليزيا الحروف اللاتينية، وأثناء تجوالى فى المنطقة برفقة محافظ الإقليم عام 2005 شاهدت أفراد الشعب، يتحدثون إلى محافظهم من خلال مترجم، لأنه يتحدث اللغة التايلاندية وهم يتحدثون المالوية، وبالمثل فى جنوب الفلبين، كانت هناك سلطنة سولو المسلمة التى امتد نفوذها إلى معظم أنحاء جزيرة «مينتداناو» فى جنوب الفلبين والتى استعصت على إسبانيا، فلم تستطع ضمها إلى الجزر التى أطلقت عليها اسم مليكها «فيليب» ولم تضم إلى الفلبين إلا بقوة الولايات المتحدة التى اشترتها من إسبانيا عام 1899، ومازالت الجزيرة تناضل من أجل الحكم الذاتى لشعب المورو المسلم من جنوب الفلبين، وينطبق ذلك أيضا على ميانمار ومنطقة أو سلطنة أراكان التى يقطنها غالبية من شعب الروهينجيا المسلمين.. والأمثلة كثيرة ومتشابهة ويطول الحديث عنها، نظرا لأن الأقليات الإسلامية تشكل ثلث العالم الإسلامى، أى نحو 500 مليون نسمة.. كلهم فى الشرق.
جريدة الشروق
9/8/2009
سنكيانغ (تركستان) أو فلسطين الثانية
د. على العثوم(1/229)
أجل ، أو الأندلس الثالثة ، بعد أرض الإسراء وإسبانيا . إنّها تركستان الشرقية ، أي أرض الترك ، معدن هذا العنصر من سلاجقة وعثمانيين وغيرهم ، ممن كان لهم فضل عظيم في التاريخ الإسلامي . وتقع على الحدود الشمالية الغربية من جمهورية الصين الشعبية ، جمهورية (ماوتسي تونغ) الشيوعية . وقد دخلها الإسلامُ منذ أكثر من سبعة قرون . وكانت نسبة المسلمين فيها وهم من قبائل (الأويغور) قبل ستين سنة تُقارب مئةً بالمئة ، حتّى إذا اعتنقت الصينُ بزعامة ماو الفكرة البلشفية سنة (1949م) ، ضمّها هذا الطاغيةُ بالقوة إلى حظيرة دولته ، واغتصبها كما اغتصب اليهود فلسطين ، وسمّاها بهذا الاسم الحادث سنكيانغ ، أي الأرض الجديدة .
إنّ قادة المسلمين بالأمسِ ودُعاتهم اليومَ ، عندما ينادون البشرية أن تفيء إلى الإسلام لتتخذه لها منهاجاً ، إنما يدعونها لخيرِ دينٍ ، وأعظمِ حضارةٍ ، وأقومِ طريقٍ ، مما يُنقذها من أضاليلها وشقاواتها إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة ، لأنّ ما يدعونها إليه إنما هو منهاج رب العالمين الذي لا يضلّ ولا ينسى . وقد ثبت ذلك بالتجربة والبرهان على مدى أربعةَ عشر قرناً . نعم ، إنه ليس قول طاغيةٍ مخبولٍ ، أو جبّارٍ شقي ، أو صاحب هوىً لعب الشيطان بعقله ، فصوّر له الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً ، كما في الأفكار المنتشرة في هذا الزمان من شيوعية ورأسمالية وماسونية وبهائية وقاديانية ، وما يتبعها من نزعاتٍ عصبيةٍ جاهلية.(1/230)
إن العالم اليوم كلَّه إِلْبٌ على الإسلام لأنه حقٌّ ، والعالم بمناهجه المعوجة يزورّ عن الحق . ومن هنا جاء تآمره علينا قديماً وحديثاً . أما حديثاً فقد ادّعت دول الغرب بداية القرن الماضي محالفتنا وأنهم يريدون إنقاذنا من فقرنا وبؤسنا وضعفنا ، فانخدعنا بهم وحالفناهم ، وإذا بهم يريدون وبإصرارٍ مُخطّطٍ له أنْ يقضوا على وحدتنا ، ويستأصلوا ديننا . ثمَّ ظهر الإتحاد السوفياتي ، فزعم أنّه نصيرنا أمام قوى الغرب الغاشمة ، وإذا بهؤلاء البلاشفة يبغوننا أنْ ننسلخ من ديننا ونُحادَّ الله ورسوله ، ونكونَ لهم تبعاً كتبعية الكلب لصاحبه . ونادينا مرّةً أو نودي لنا بالرابطة الشرقية ، أي الدول التي تنتسب إلى الشرق في آسيا – وقد تتبعها دول أفريقيا – مقابل دول الغرب ، وبذلك نلتقي بالصين والهند ، وإذا بهاتين الدولتين تشنّان على الإسلام حربَ سحقٍ وإبادة . الهند في باكستان وكشمير وممر خيبر ، والصين في ما سُمّي بالثورة الثقافية زمان ماو ، وفي هذه الأيام زمان (هوجنتاو) ، بسياساتهم الظالمة ضدّ إخواننا الأويغور في تلك البلاد .(1/231)
إنها الجاهلية الحديثة كأختها القديمة ، لا تحترم إنسانيةً ، ولا ديناً ولا حريةً ذاتية ، ولا تعرف حضارةً نظيفة أو خلقاً كريماً ، أو معاملةً عادلة ، إذ الغاية عند أصحابها تسوغ الوسيلة . وفي هذه القضية الساخنة اليوم ، قضية مسلمي سنكيانغ ، لم تكتفِ الصين البوذية أنْ تسرق بلادهم ، وتحرمهم من استقلالهم ، بل مارست عليهم شتّى صنوف القهر والتسلط . فغيرت اسم بلادهم تركستان إلى سنكيانغ ، أي المستعمرة الجديدة ، ومنعتهم من كتابة لغتهم بالحروف العربية بعد أنْ كانوا يكتبونها بها قروناً طويلةً ، ومنعتهم من أداء فريضة الحجّ ، واقتناء القرآن أو قراءته ، إلا بعد إجراءاتٍ عسيرةٍ ومعقدّة . وبعد أنْ كانوا الأكثرية في الإقليم الذي يُعدّ من أكبر أقاليم الصين مساحةً ، حجّمت عددهم بالاعتقال والتشريد ، أو القتل والمحو ، والعمل على الإتيان بدلاً منهم بقبائل (الهان) البوذية البلشفية ، أنصار ماو وتلامذته ، فأصبح عددهم لهذه الأساليب الشيطانية أقل من عشرة ملايين ، بعد أنْ كانوا أكثر من عشرين . كما زادت – وهم يُطالبون منذ عشرات السنين بحريتهم – باتهامهم بالإرهاب ، وحرمتهم من الوظائف القيّمة ، والثروات الحيوية في البلاد، وخصّت بها دونهم الهانَ المتساوقين معها في الكفر والإلحاد .(1/232)
هذا هو حال الأويغور في بلادهم تحت ظلم الطغاة وحكم المستبدين ، وهم إخواننا في الإسلام ، فماذا عملنا لنصرتهم ؟! وأين نحن في هذا الشأن من قول رسول الله – عليه الصلاة والسلام -: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ؟! أين جامعة الدول العربية ، وأين القمم العربية، أو الإسلامية ، وأين رابطة العالم الإسلامي ، والحركات الإسلامية ؟! إنّ مما يُؤسى له أن أياً من الدول العربية أو الإسلامية لم تُحرّك ساكناً ، بل إنّ بعضها أوصت بعدم إثارة الموضوع في المحافل الدولية أو المؤتمرات العالمية لارتباطها بالصين بعلاقاتٍ تجارية أو استثمارية . وهذا تقديم للأدنى على الأسمى . وهو انحطاطٌ في المواقف ولا شك . على أننا نذكر في هذا المجال باحترام وتقدير ، موقف تركيا ممثلاً برئيس وزرائها السيد أردوغان الذي وصف هذه الممارسات الظالمة ضد شعب الأويغور بالفظائع التي لا يُسكت عنها ، وأن ما يصيب المسلمين في سنكيانغ يصيب تركيا نفسها . وهو موقف ثانٍ كريم يحسب للرجل بعد موقفه الأول من أحداث غزّة .
ومن هنا جاء قول الغيورين إبّان هذه الأحداث : هل ينتصر العالم والمسلمون خاصة لسنكيانغ كما انتصروا لغزة ؟! وجاء قولي في العنوان بأن مصيبتنا في هذه البلاد قريبٌ من مصيبتنا بفلسطين ، أو بأندلس ثالثة . نسأل الله لإخواننا الأويغور ، الفرج القريب والنصر العاجل على أعدائهم ...
المصدر/ جريدة السبيل الأردنية
تاريخ النشر : 22/07/2009
فتيات تركستان يستغثن من القهر الصيني، وامعتصماه
خبر وتعليق من لجينيات :(1/233)
خاطب ممثل مسلمي تركستان لدى منظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور أركين أحمد تاريم اجتماع سفراء المنظمة الذي انعقد في مدينة جدة الأربعاء 8 يوليو 2009 قائلا: إن من أسباب انفجار الاحتجاجات الأخيرة في تركستان هو القهر الصيني بحرمان المسلمين هناك من كافة حقوقهم ومنعهم من اداء شعائرهم الدينية ومن انجاب أكثر من طفل كما أنهم محرومين من الحج والعمرة للعام الثالث على التوالي، أما التعليم الديني فهذا من المحرمات لكن القهر بلغ مداه باستحداث الصين من سنتين لنظام إلزامي باجبار الفتيات التركستانيات من عمر 18 الى عمر 25 عام للعمل كعاملات في المصانع داخل الصين ومن ثم يقعن ضحايا دعارة وبلغ عدد الفتيات الذين أجبروا على العمل داخل الصين 50 الف فتاة، وفضل كثير منهن الانتحار حفاظا على عفتهن وتخطط الصين لتهجبر 100 الف فتاة الى داخل الصين .أما العائلات التي ترفض فتعتبر مخالفة لأوامر الدولة ومعادية للحزب ومصيرها السجن والتعذيب.
وأعرب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى، مجدداً عن عميق قلقه لتدهور الأوضاع في إقليم تركستان (شنجيانغ الأويغوري) في جمهورية الصين، ولاسيما بعد الخسائر الكبيرة في الأرواح بين المدنيين، إضافة إلى الخسائر في الممتلكات.
كما استنكر الأمين العام مناخ الخوف المفروض على شعب الأويغور في هذا الإقليم، ودعا حكومة الصين إلى توفير الحماية للسكان المدنين حتى يتسنى لهم ممارسة حياتهم مجدداً وعلى نحو طبيعي.
وأعرب الأمين العام عن اعتقاده بأن المشكلة العضال، التي يواجهها الشعب الأويغوري في إقليمهم فى الصين، لا يمكن أن تُحَل عن طريق الإجراءات الأمنية وحدها. فالشعب الأويغوري شعب عريق يطمح إلى المحافظة على خصائصه الثقافية والعرقية وهُويته الإسلامية، وإلى التمتع بحقوقه الثقافية والاقتصادية غير القابلة للتصرف، ولا يمكن حل هذه المشكلة إلاّ من خلال الحوار.(1/234)
كما أعرب البروفيسور إحسان أوغلى مجدداً عن استعداده لإجراء اتصالات مع الحكومة الصينية للمساعدة على تخفيف حدة التوتر في الإقليم من خلال اتخاذ إجراءات تراعي الأعراف الأساسية لحقوق الإنسان والحقوق المشروعة للأقلية المسلمة في الصين.
وحث الأمين العام الدول الأعضاء التي تربطها علاقات وثيقة بالصين على دعم جهوده في هذا الصدد، كما أعلن أنه سيواصل متابعة الوضع هناك عن كثب.
ودعا الأمين العام الحكومة الصينية إلى الإسراع بإجراء تحقيق ميداني نزيه حول هذه الأحداث الخطيرة، وإلى تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للحيلولة دون تكرارها مع ضمان تقديم تعويضات كافية للضحايا.
ويتضح، من خلال العدد الكبير للإصابات في صفوف المدنيين، أنه لم تتم مراعاة مبدأ الحذر والتناسب في استخدام القوة والأسلحة النارية. فطبقاً للمبدأ الأساسي الدولي بخصوص استخدام القوة والأسلحة النارية، يجب على المسؤولين عن إنفاذ القوانين اللجوء إلى الأساليب غير المميتة في التصدي للاضطرابات المدنية.
ويأمل العالم الإسلامي أن تعالج الصين، والتي تُعَد قوة كبرى مسؤولة على الساحة الدولية وتربطها علاقات ود تاريخية مع العالم الإسلامي، مشكلة الجماعات والمجتمعات المسلمة في الصين وفق منظور واسع يعالج الأسباب الجذرية للمشكل.
وتبدي منظمة المؤتمر الإسلامي استعدادها لتقديم المساعدة وللتشاور مع الحكومة الصينية حول الجهود التي يتعين بذلها من أجل خلق مناخ قوامه السلم والاستقرار في الإقليم.
التعليق من لجينيات :(1/235)
ربما يجهل الكثير من المتابعين لقضية تركستان الشرقية أن عدد ضحاياها في انتفاضاتها المتوالية على "الغطرسة الصينية " بلغ مليون نسمة! وفي أحداث شنجيانغ (تركستان) الأخيرة بلغ عدد القتلى في أول يوم أكثر من 400 ضحية نتيجة قمع الشرطة الصينية التي تدخلت بعنف شديد! برغم أن مظاهرات المسلمين الأويغور في الإقليم كانت سلمية واحتجاجا على قتل الصينيون (الهان) لأكثر من 150 مسلم من العمال المتظاهرين بسبب تأخير رواتبهم ناهيك عن اعتقال الحكومة لمئات الشبان والفتيات.
قضية تركستان الشرقية قضية شعب مسلم سلبت أرضه سنة 1933 إثر الاجتياح الصيني لها ..ومن يومها وهو يتعرض لحملة شديدة من قبل الحكومة الصينية لطمس هويته الإسلامية وحرمانه من حقوقه المدنية وتغيير خارطته الديموغرافية من خلال التمكين لقومية الهان اقتصاديا وسياسيا .
الخبر أعلاه يحكي جانبا من معاناة المسلمين الأويغور..المحرومون من حقوقهم الدينية والمدنية والإنسانية وقد أصبحت ورقة على مائدة اللئام تتلاعب بها الدول الغربية بازدواجية تضغط منها على الصين دون أن يكون للضغط صدى إيجابي على واقع القضية !
أما المسلمون ..فما الكاتب بأعلم من القارىء!!
المصدر: موقع لجنيات 20/7/2009
سخرة وتهجير قسري لفتيات الأقلية المسلمة التركستانية بالصين
رويترز
مجموعة جديدة من المسلمات التركستانيات أُخِذَتْ إلى الصين
واشنطن- قالت ناشطة حقوقية بارزة من أقلية الأويغور العرقية ذات الغالبية المسلمة في الصين للكونجرس الأمريكي: إن حكومة الصين تنقل فتيات االأويغور عنوة من ديارهن في الإقليم ذي الغالبية المسلمة إلى المصانع في شرق الصين للعمل بالسخرة وإجبارهم على الزواج من غير المسلمين.(1/236)
ودعت الناشطة -ربيعة قدير التي سجنت أكثر من 5 أعوام لمطالبتها بحقوق مسلمي االأويغور قبل أن ترسل إلى المنفى في أمريكا عام 2005- الولايات المتحدة إلى المساعدة في تعطيل برنامج قالت إنه أدى بالفعل إلى ترحيل أكثر من 240 ألف شخص معظمهم نساء من سنجيانج( تركستان).
وأوضحت ربيعة للكونجرس الأمريكي أمس الأربعاء أن "السلطات المحلية تعتبر نقل فتيات الأويغور إلى أقاليم شرق الصين أحد أهم السياسات الحكومية وهي لم تظهر أي تسامح مع أي شكل للمعارضة لها".
وقالت ربيعة -التي رشحت لجائزة نوبل للسلام عام 2006- لتجمع الكونجرس لحقوق الإنسان: إن الفتيات اللائي يجري نقلهن تحت ستار "فرص التوظيف" غير متزوجات وتتراوح أعمارهن بين 16 عاما و25 عاما.
سخرة رخيصة:
وأكدت ربيعة أن هؤلاء الفتيات يلاقين معاملة قاسية؛ إذ يعملن 12 ساعة يومياً، وغالباً ما تحجب عنهن أجورهن شهورا، ووصفت النساء بأنهن "عاملات سخرة رخيصة وبغايا محتملات".
وقالت: إن كثيرين من الأويغور في سينجيانج (تركستان). "يعتبرون هذا من أكثر السياسات إذلالا حتى الآن" من جانب السلطات الصينية. وأضافت أن الكثيرين يشتبهون في أن السياسة الحكومية تهدف إلى حملهن على الزواج من أبناء أغلبية الهان الصينية من غير المسلمين في مدن الصين وتوطين الهان في أراضي االأويغور التقليدية.
وأضافت ربيعة مستشهدة ببيانات أجهزة الإعلام الرسمية في سنجيانج(تركستان). قائلة: "مئات الآلاف من فتيات الأويغور نقلن عنوة بالفعل من شرق تركستان إلى بكين وتيانين وجيانسو وكينجداو وشاندونج وشيانج وأماكن أخرى".
تاريخ طويل من الاضطهاد
وتركستان الشرقية هو الاسم الذي يطلقه بعض النشطاء على سنجيانج. وتحكم بكين قبضتها بشدة على المنطقة الفقيرة الشاسعة التي تتاخم آسيا الوسطى ويسعى فيها نشطاء الأويغور إلى الحصول على مزيد من الحكم الذاتي.(1/237)
تركستان أون لاين.كوم: تواصل السلطات الصينية تهجير الفتيات المسلمات التركستانيات إلى مختلف مدن الصين الداخلية بكل جهودها. حسب ما نشرتها جريدة شينجيانغ الاقتصادية التي تصدر في مدينة أورومجي عاصمة تركستان الشرقية 9-أبريل، 2008 فإن مجموعة من المسلمات التركستانيات في محافظة فيض آباد أرسلت من قبل السلطات الاحتلال الصيني إلى المدن الصينية مثل تيانجين.
يفيد الخبر المذكور، بأن السلطات الاحتلال الصيني أرسلت 243 مسلمة تركستانية من محافظة فيض آباد التابعة لمنطقة كاشغر إلى المدن الصينية مثل تيانجين و خيبي إلا أن الخبر لم يشير إلى نوعية العمل أو اسم المصنع الذي يعملن فيها.
بدأت السلطات الاحتلال الصيني تطبيق سياسة التهجير المتبادل التي تهدف محو وجود مسلمي تركستان الشرقية في عام 2006م. منذ ذلك الوقت، رغبت السلطات الاحلال الصيني الصينيين في داخل الصين للهجرة إلى تركستان الشرقية بكونها منطقة غنية ومناسبة للمعيشة، في حين كثفت السلطات تهجير التركستانيين وعلى رأسها مسلمات تركستانيات تتراوح أعمارهن ما بين 18- 25 إلى مدن الصين المختلفة من خلال استخدام وسائل عديدة من بينها التهديد بسجن آبائهن عند رفضها السفر إلى الصين الداخلية.
طيقا للخبر الذي نشرته إذاعة آسيا الحرة في بداية هذا العام، تهدف الصين تهجير مليون و200 ألف مسلم تركستاني ومسلمة تركستانية إلى مختلف مدن الصين الداخلية.
منظمات حقوقية دولية ومنظمات تركستانية في المنفى طالب الصين مرات عديدة لوقف التهجير المتبادل الذي يهدف تذويب مسلمي تركستان الشرقية.
_________________________
المصدر: تركستان أون لاين.كوم
اقتصاديات تركستان الشرقية
تاريخ النشر : 30/07/2009 - 11:47 م
محمد الشرافي(1/238)
هي بلاد قد حباها الله تعالى ثروات لا تقدر بثمن..إذ تبلغ مساحتها الجغرافية نحو 1.8 مليون كيلو متر مربع وتشكل ما مجموعه خمس المساحة الجغرافية الكلية للصين، وترتبط بحدود جغرافية طبيعية مع ثماني دول مما جعلها تشكل بوابة الصين إلى أوروبا والمعبر الاستراتيجي الذي تمر منه أنابيب النفط والغاز المستورد من وسط آسيا إلى الصين. وتبلغ مساحة الأراضي التي تحتوي على النفط والغاز نحو 730 ألف كيلو متر مربع، ومساحة الأراضي التي تحتوي على الفحم 88 ألف كيلو متر مربع، وتبلغ مساحة الغابات الخضراء فيها والمليئة بشتى أصناف الأشجار والأعشاب والنباتات نحو 90 ألف كيلو متر مربع.
وتعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في الصين حيث قارب إنتاجها على 30مليون طن سنوياً، ويقدر حجم احتياطياتها من النفط نحو 8 مليار طن، وتعد أكبر منتج للغاز الطبيعي ويقدر حجم احتياطياتها منه نحو 11 تريليون متر مكعب، وتقدر احتياطياتها من الفحم نحو 2 تريليون طن. أما مخزون الملح الصخري فيقدر بما يكفي استهلاك العالم كله مئات السنين. وتعتبر مدينة ( خوتن ) أشهر المدن في تجارة الأحجار الكريمة.
ويوجد في تركستان الشرقية نهر تاريم وهو أكبر نهر في الصين، كما يوجد فيها أكبر بحيرة عذبة وهي بحيرة بوستينغ، وتتمتع بمناخ مشمس مما أهلها لتكون مركزاً متقدماً في الإنتاج الزراعي وبخاصة زراعة القطن طويل التيلة، وتعتبر مدينة ( قشغر) سلة فاكهة العالم.(1/239)
ومع كل هذه الخيرات الربانية والثروات الطبيعية فإن 80% من الإيغور المسلمين في تركستان الشرقية يعيشون تحت خط الفقر حيث يبلغ معدل دخل الفرد السنوي نحو 50 دولاراً، ولا يعمل في شركات النفط والغاز في مدينة ( قارماي ) سوى 12% من المسلمين الأويغور بينما باقي الوظائف تذهب لعرق الهان من الصينيين الشيوعيين. ويحرم الأويغور المسلمين من التعليم حيث لا تتعدى نسبة الطلاب الأويغور في الجامعات والكليات الفنية 10% . ومن المحزن أن تتخذ الحكومة الصينية أراضي تركستان الشرقية مركزاً لإجراء تجاربها وتفجيراتها النووية دون اكتراث لأخطار التلوث النووي التي قد تصيب المواطنين من الأويغور المسلمين وهو ما وقع فعلاً حيث تتزايد حالات الإصابة بأمراض السرطان وتشوهات الأجنة وعدم القدرة على الإنجاب وغير ذلك من الأمراض.
وبالمختصر المفيد فإن خيرات تركستان الشرقية تذهب لعرق الهان المستوطنين والويلات تكون من نصيب الإيغور وهم السكان الأصليون للبلاد .
إن الثروات الهائلة التي تتمتع بها تركستان الشرقية تفسر سبب رفض الصين المطلق لحق المسلمين الأويغور في تقرير المصير، وهو ذات السبب الذي يفسر قوة أوراق الضغط التي يمكن لأرباب المال العالمي تحريكها من أجل ترويض التنين الاقتصادي الصيني، هذا الضغط الذي جعل الرئيس الصيني يغادر على عجل اجتماعات دول الثماني لمتابعة مجريات الأحداث في بلاده ، وأما نحن فليس منا فعل ولا حتى رد فعل سوى تركيا التي اعتبرت ما يجري للأويغور إبادة جماعية، وباكستان التي استنكرت محاولات وقف تقدم الصين ولو على حساب دماء المسلمين الزكية ، قاتل الله البراغماتية السياسية !! .(1/240)
أما دعوات مقاطعة الصين اقتصادياً على المنابر وفي الفضائيات فهي دعوات سطحية بل ساذجة إلى درجة القهر، وكأننا نعيش في زمن (أمطري حيث شئت سيأتيني خراجك ) تحتاجنا الدنيا كل الدنيا ولا نحتاج فيها لأحد. إننا ـ يا سادة ـ يجب أن ننتقل في حالة الصين تحديداً من فعل المقاطعة إلى سنة المدافعة، فنوجه التجار المؤمنين إلى التعامل مع التجار الأويغور ونستحثهم على الاستثمار معهم، ونلقنهم درس الإحصاء الاقتصادي وفيه أن حجم التعامل التجاري بين الشركات العربية والصين بلغ نحو مائة وثلاثين مليار دولار في عام 2008م ، ولو أن نصف هذا المال استثمر مع التجار الأويغور المسلمين لتبدل الحال، فهل نعي سنة المدافعة الاقتصادية ؟ .
المصدر/ جريدة السبيل الأردنية
30/7/2009
الاحتلال الصيني وجحيم تركستان
عبد الباقى خليفة(1/241)
سقط في الأيام الأخيرة أكثر من 140 مسلما وجرح أكثر من 800 آخرين في تركستان، في مواجهات مع قوات الاحتلال الصينية، التي ألقت بالائمة على جهات خارجية هروبا من الاعتراف بوجود مشكلة تتمثل في الاحتلال والاضطهاد والقمع الذي تمارسه في تركستان. حيث تواصل ومنذ عدة عقود تغيير الخرائط الجيوديمغرافية، وكذلك إبعاد المسلمين عن دينهم المحرك الرئيسي لنضالاتهم وبطولاتهم التاريخية، وكذلك تطلعاتهم المستقبلية في الحرية والازدهار والتقدم. وقد كشف حجم الجريمة الصينية عن مدى استخفاف الصين بأرواح المسلمين، بعد مشاريع تجفيف الينابيع التي اعتمدتها سلطات الاحتلال في الحقبة الماضية، ومشاريع توطين الصينيين في مناطق المسلمين ومصادرة أراضيهم لصالح النازحين من مناطق الصين المختلفة. وتمكين الوافدين الجدد على تركستان من كل الامكانات المادية والتكنولوجية والاقتصادية، في حين يعيش أصحاب الأرض بوسائل العصر الحجري، كنقل المياه على الأكتاف وعلى ظهور الحمير وغير ذلك. بينما يسيطر الصينيون على 95 في المائة من الوظائف في المؤسسات المقامة على أرض تركستان الشرقية.
وتعتبر الصين وروسيا من أكبر الأعداء الاقليميين للمسلمين في المنطقة، حيث احتلتا تركستان، فهي مقسمة حاليا بين تركستان الغربية التي تحتلها روسيا وتركستان الشرقية والتي تحتلها الصين. وتقع تركستان الشرقية في وسط آسيا،حيث تحدها روسيا من الشمال، وقزاخستان وقيرغزستان وطاجيكستان من الغرب، وباكستان والهند من الجنوب، والصين من الشرق، ومنغوليا من الشمال الشرقي. وتبلغ مساحتها مليون و640 ألف ميل مربع،أي ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، فيما يبلغ عدد سكان تركستان الشرقية 25 مليون نسمة من التركستانيين. وكانت تركستان ولا تزال تتمتع بأهمية تجارية عالمية كبرى، حيث كان طريق الحرير يمر بها.(1/242)
ومن الناحية الاقتصادية تمتلك تركستان الشرقية احتياطيا كبيرا من النفط، يصل إلى 8 مليار طن، ويجري استخراج 5 ملايين طن في العام من مناطق كراماي، واقبولاغ، وقيزيل طاغ وغيرها، ويتم نقل خيرات تركستان إلى الصين، إذ لا يتمتع أهلها بأي من ثرواتها المعدنية. وتنتج تركستان نحو 600 مليون طن من الفحم الحجري الذي يستخرج من مساحة تبلغ 900 ألف كيلومتر مربع. وبها 6 مناجم يستخرج منها أجود أنواع اليورانيوم. ويستخرج من اراضي تركستان الشرقية 118 نوعا من المعادن، من بينها الذهب والكريستال والملح والحديد. إلى جانب أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الخصبة.
دخول الإسلام:
ترى بعض المصادر أن الإسلام دخل إلى تركستان في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، على يد الصحابي الجليل، الحكم بن عمر الغفاري، بيد أن مرحلة الفتح الحقيقية كانت في عهد عبدالملك بن مروان، على أحد فرسان الإسلام عبر التاريخ، قتيبة بن مسلم الباهلي، في الفترة ما بين 83 و94 هجرية الموافق ل 702 و712 م. وانتشر الإسلام بشكل شبه شامل في تركستان الشرقية عام 934 م عن طريق الأويغور " سوتوق بوغراخان " الذي اعتنق الإسلام قبل أن يتولى العرش ويصبح حاكم ولاية أويغور، وبعد أن أصبح حاكما اتخذ لنفسه اسما مسلما هو، عبدالكريم سوتوق " وباسلامه أسلم معظم التركستانين من السكان وسكان وسط آسيا، لتصبح بعد ذلك تركستان مركزا رئيسا من مراكز الإسلام في آسيا.. وقد استمرت تلك الحضارة زهاء ألف عام.
ومن خيرة علماء المسلمين عبر العصور، الائمة البخاري، والترمذي، والزمخشري، وغيرهم. وفي الألفية الهجرية الثانية، لمعت أسماء علماء كثيرة.
الاضطهاد الصيني:(1/243)
كان الاحتلال الصيني لتركستان أكبر كارثة حلت بتركستان. وقد احتل الصينيون تركستان الشرقية في 1174 هجرية، 1760 م، ويقدر عدد المسلمين الذين قتلوا آنذاك بمليون مسلم. ويروي محمد أركن، في كتابه " اضطهاد المسلمين التركستانيين في تركستان الشرقية " لقد ألغى الشيوعيون الكتابة بالعربية التي كان المسلمون يستخدمونها لمدة ألف عام، وأتلفوا 730 ألف كتاب بالعربية، بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم، وذلك تحت شعارات لا يزال يروج لها البعض في ديار المسلمين حتى هذه الأيام، وهي محاربة مخلفات الماضي، أو القطع مع الماضي، أو تجفيف الينابيع، أو التقدمية، أو اللحاق بركب الدول المتقدمة، وغيرها من العناوين الخداعة التي لم تخرج الأمة من التخلف ولم تفض إلى أي تقدم تكنولوجي أو سياسي أو ثقافي أو اقتصادي، وإنما زيادة التبعية للغرب، وتحويل المجتمعات إلى سوق لخردته، وترديد مفاهيمه للحياة وتمثلها، مما زاد مجتمعاتنا رهقا على رهق. وصادر الاحتلال الصيني أراضي المسلمين تحت شعار" الاصلاح الزراعي " وها هو يوزعها منذ عقود على مراحل، على المستوطنين الصينيين الذين يدفع بهم كالقطعان إلى تركستان.
وأغلق الاحتلال الصيني الكتاتيب الملحقة بالمساجد، وأغلق 29 ألف مسجد، وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم للمدارس التي تركز على الإلحاد وتكفيرالمسلمين على الطريقة الالحادية. وقضوا على الأوقاف بمصادرتها والتي كانت توفر أكثر من 20 في المائة من لوازم التعليم. وتم إعتقال 54 ألف إمام، تعرضوا داخل المعسكرات الصينية للتعذيب والأشغال الشاقة وتنظيف المجاري وتربية الخنازير.(1/244)
وقد ثار المسلمون في تركستان الشرقية ضد الاحتلال الصيني في عام 1241 هجرية 1825 م لمدة عامين، حيث كان العالم الإسلامي غارقا في مشاكله مع الاحتلال الغربي. كما نظم المسلمون ثورات أخرى منها ثورة 1272 هجرية، 1855 م واستمرت 20 عاما، بقيادة يعقوب بك، تمخضت عن نيل تركستان الاستقلال في 1282 هجرية 1865 م، ولم تعترف الدول الكبرى ولا أي دولة أخرى باستقلال تركستان مما شجع الصين على غزوها واحتلالها مرة أخرى في 1292 هجرية، 1875 م.
وفي 1350 هجرية 1931 ثار المسلمون مجددا ضد الاحتلال الصيني، واستعان الصينيون بالروس لاخماد ثورة المسلمين. وفي 21 رجب 1352 هجرية، الموافق ل 12 نوفمبر 1933 أعلن المسلمون قيام " الجمهورية الإسلامية في تركستان الشرقية " وقد أختير خوجا نياز رئيسا للدولة. لكن التحالف الصيني الروسي أجهض تلك الدولة الوليدة في 6 جمادى الآخرة 1356 هجرية الموافق ل 15 أغسطس 1937 م. وهو ما تكرر في مناسبة أخرى بقيادة علم الدين، علي خان. وفي 1366 هجرية، 1946 حصلت تركستان الشرقية على الحكم الذاتي، لكن صعود الشيوعيين للحكم أعاد الأوضاع إلى نقطة الصفر. وفيما بين 1950 و1972 م أعدمت سلطات الاحتلال الصينية 360 ألف مسلم، وعلى إثرها هاجر أكثر من 100 ألف مسلم إلى الدول المجاورة. وقد زادت حدة الاستيطان في تسعينات القرن الماضي. كما تقوم الصين باجراء تجاربها النووية في تركستان الشرقية وقد أجرت أكثر من 48 تجربة أدت إلى تلويث البيئة وإصابة ميئآت الآلاف بأمراض وبائية.
الاستيطان الصيني:(1/245)
يعد الاستيطان أشد أنواع الاحتلال خطرا ليس على هوية وثقافة الأمة المنكوبة، وإنما على بقائهم البيولوجي، والجيوسياسي بالدرجة الأولى، لا سيما في ظل سياسة تهجير واستيطان متواصلة. وقد بدأت الصين سياسة نقل المستوطنين إلى تركستان الشرقية بعد وصول الشيوعيين إلى السلطة سنة 1949 م، ويقدر عددهم حاليا بأكثر من 7 ملايين مستوطن صيني. ولم يتحرك العالم لمساعدة المسلمين في تركستان، كما فعل وبحماسة شديدة مع تيمور الشرقية، ويسعى لذلك في أندونيسيا المسلمة،آتشي، وفي السودان العربية المسلمة، دارفور، والصحراء المغربية " الصحراء الغربية " وهناك مخططات لتقسيم البلاد العربية والإسلامية أيضا، العراق، تركيا، المملكة العربية السعودية، مصر، الجزائر، باكستان، أفغانستان، وغيرها.
ولا أحد داخل الامم المتحدة أو الغرب يتحدث عن استفتاء في تركستان الشرقية التي تحيط قضيتها جميع أنواع التعتيم، وتواجه صرخات أهلها بصمت مريب. ويشعر الشعب التركستاني بالغبن والاضطهاد من قبل السلطات الصينية والمستوطينين الصينيين الذين يحصلون على الامتيازات والدعم المتواصل بينما لا يلقى أهل الأرض سوى التجاهل والامعان في إفقارهم.
وقد ساهم المستوطنون الصينيون في قمع ثورة، بارين، عام 1990 م وحادثة 7 يوليو 1995 م، وثورة غولجا عام 1997 م. ويسعى المسلمون في تركستان الشرقية، لنقل قضيتهم للمحافل الدولية والتعريف بمظلمتهم التاريخية، ولا سيما قضية المستوطنين، وتقرير المصير.
واجب المسلمين:
واجب المسلمين كبيراليوم حيال قضية إخوانهم في تركستان الشرقية، تجاه أرضها وجبالها ومياهها العذبة. وتجاه أجيالها ومساجدها ومنها مسجد كاشغر، ذلك المسجد الكبير الذي كان مفخرة من مفاخر العمارة الإسلامية، وهو المسجد الذي خرج العلماء الأفذاذ، وهو اليوم مغلق في وجه المسلمين من تدريس العلوم الشرعية.(1/246)
وتمثل هذا الواجب أيضا في أهمية وضرورة مقاطعة البضائع الصينية التي تغزو أسواقنا، فهي تفتقد للجودة، وتنطوي على أمراض كثيرة، كالتي عثر عليها في دمى ولعب الأطفال، وفي الحليب المستورد من الصين، وغيرها من الصناعات الصينية البائسة.
ثانيا: التعريف بقضية المسلمين في تركستان وآسيا الوسطى والقوقاز بنفس قدر تغطية أحداث العالم الإسلامي.
ثالثا: محاولة الضغط على الصين بالقدر المتاح لتخفيف ضغطها على المسلمين في تركستان الشرقية وغيرها. فمن غير اللائق أن تستمر الصين في اضطهادها للمسلمين، ونحن نساعدها بشراء سلعها التي تذهب أثمانها لتمويل العدوان على المسلمين. فالمسلمون هناك لا يريدون أكثر من أن يعيشوا بكرامة وحرية في أرضهم. فهم ليسوا صينيين، وتركستان ليست، سينكيانغ.
وعلى أحرار العالم كسر الحصار المفروض على تركستان، إعلاميا واقتصاديا وسياسيا، فهناك يتعرضون لابادة ثقافية ولغوية واقتصادية وعلى كل الأصعدة.
المصدر :«موقع المسلم»، " لواء الشريعة"
تاريخ النشر :10 يوليو، 2009 م
مسلمو الأويغور.. بأي ذنب قُتِلوا؟!
علاء البشبيشي
مسلمو الأويغور يصطَلُون بنيران التنين الصيني، فقد قُتِل منهم العشرات، واعتُقِل من بينهم المئات، وحُرِم حتى شيوخُهم من صلاة الجمعة بعد أن أُغلِقت مساجدهم؛ بحجة احتواء "الشغب".. فماذا لو كانوا مسيحيين؟! وأين إخوانهم المسلمون الذين يفوق عددهم المليار حول العالم؟! وما الذي تمثله هذه البقعة للصين حتى تُراق من أجلها الدماء، وتُرتكب بسببها المذابح؟! السؤال الرابع، الأكثر إيلامًا، هو: ماذا يعرف عامة المسلمين أصلاً عن هذه القضية؟!
إطلالاتٌ أربع على هذه المأساة..
(1)
(ماذا لو كان الأويغور مسيحيين وليسوا مسلمين؟)، تساؤلٌ طرحه "جلين جرينولد"، في مقال نشرته صحيفة صالون الأمريكية جاء فيه:(1/247)
فقط تخيل.. ماذا لو كان الأويغور أقلية مسيحية، وليست مسلمة، تُناضل ضد النظام الشيوعي الطاغية في بكين، وتقاوم مختلف أنواع الاضطهاد، مطالِبةً بالحرية الدينية.. بالطبع كانوا سيتلقَّوْن حفاوة كبيرة.
لكنْ الأويغور مسلمون، وليسوا مسيحيين، والعداء الموجَّه ضدهم يفوق، بمراحل، إمكانية تهديدهم للحكومة الصينية. وبدلاً من دعمهم وتكريمهم، أضعنا السنوات العشر الماضية في وصفهم بـ "المقاتلين الأعداء"، واحتجازهم في جوانتنامو، رغم حقيقة أنه لم يثبت يومًا أنهم يطمحون في شيء أكثر من مقاومة الاضطهاد الصيني الذي يُمارَس بحقهم.
(2)
هذا الصمت الذي يواجه به المسلمون مذابح الأويغور، حَدَا بالكاتب الباكستاني طارق فتاح، الذي يعيش الآن في كندا، إلى كتابة مقال تحت عنوان (معايير المسلمين المزدوجة)، قال فيه:
خلال الأيام القليلة الماضية قُتِل وجُرِح واعتُقل مئات المسلمين في الصين. ولا غرابة أن يقوم النظام الشيوعي بذلك، لكن الغريب في الموضوع أن الشعوب الإسلامية ـ فضلاً عن قياداتها الرسميةـ لم تُحرِّك ساكنًا، ولم تخرج إلى الشوارع، لا في القاهرة أو كراتشي أو حتى طهران، وقد بدا القادة الدينيون منهمكين وكأنهم لم يسمعوا أبدًا لصرخات المسلمين في شنجيانج(تركستان). ولا غروَ، فالصين قبل كل شيء هي حليف العرب الجدير بالثقة!
وهذه ليست المرة الأولى التي تقف فيها الأمة صامتة ـ تهز أكتفاها ـ حيال المذابح التي يتعرض لها المسلمون حول العالم. خلال حرب كوسوفا مع صربيا، تم التعامل مع شعب كوسوفا، ليس باعتباره ضحية، بل بوصفه جاسوسًا لأمريكا.. والقائمة تطول في هذا السياق.(1/248)
هذا الخوف لم يقتصر على الدول الإسلامية وحدها، بل امتد ليغزو قلوب الأويغور أنفسهم خارج الصين، حيث يخشى الأويغور الذين يعيشون في استراليا من فقدان وظائفهم بسبب تظاهر 800 منهم خارج القنصلية الصينية في ضاحية توراك بمدينة ملبورن عاصمة ولاية فكتوريا الاسترالية، ضد القمع الصيني، الذي حصد حتى الآن أرواح 800 شخص، بحسب ما نقلته صحيفة ذي إيدج الاسترالية.
أويغور الخارج خائفون، لكن الفارق (بينهم وبين غيرهم) أن خوفهم لم يُقعِدْهم عن نصرة إخوة لهم مضطهدين!
(3)
الصين متمسكة بموقفها المتشدد تجاه المسلمين، ويبطل العجب من ذلك إذا علمنا أن تركستان الشرقية تشغل مساحة شاسعة، تبلغ نحو مليون و850 ألف كم مربع. أي خُمس مساحة الصين، وهي تعد في الوقت الحاضر أكبر أقاليم الصين، التي احتلتها وضمتها إليها بالقوة عام 1881.
كما تزخر أراضي تركستان الشرقية في الوقت الحاضر بالثروات المعدنية والطبيعية؛ إذ تحوي في باطنها 121 نوعًا من المعادن، فهناك 56 منجمًا من الذهب وهناك النفط واليورانيوم والحديد والرصاص، كما أن هناك مخزنًا طبيعيًّا للملح يكفي احتياجات العالم لمدة عشرة قرون مقبلة حسب إحصائيات أخيرة، هذا بالإضافة إلى الثروات الزراعية والحيوانية والرعوية، حيث بلغت أنواع الحيوانات 44 نوعًا.
وتمتلك تركستان الشرقية احتياطيًّا ضخمًا من البترول ينافس احتياطي دول الشرق الأوسط، وتمتلك من الفحم ما يعادل (600) مليون طن، وبها أجود أنوع اليورانيوم في العالم، التي تُستخرج من ستة مناجم بها؛ لذا فهي عصب اقتصاد الصين وعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية، فالصواريخ الصينية النووية، والصواريخ البالستية عابرة القارات تُنْتَجُ في تركستان الشرقية.
(4)
ولأن الحكم على الشيء فرع من تصوُّرِهِ، ولا يمكن مناصرة قضية يجهلها من يدافع، كان لابد من هذه الإضاءات:
"تركستان" مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين، "ترك" و"ستان"، ويعني أرض الترك، وتنقسم إلى:(1/249)
"تركستان الغربية" أو آسيا الوسطى التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا، ويحدُّها من الشرق "جبال تيان شان"، ومن الغرب "جبال الأورال" و"بحر قزوين"، ومن الشمال سلاسل جبلية قليلة الارتفاع، ومن الجنوب هضبة.
تركستان الشرقية الخاضعة الآن للصين، وقد أطلق الصينيون عليها اسم "شينجيانگ"، وتعني الوطن الجديد، أو المستعمرة الجديدة، يحدُّها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية هي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيستان، ومن الجنوب: أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية.
وتحتل القومية الأويغورية المكانة الأولى داخلها؛ حيث يمثِّلون النسبة الأعلى من السكان، وأما عاصمتها فهي مدينة كاشغر، الواقعة في الجنوب، قرب الحدود الصينية الغربية، وهي مدينة يعتنق معظم سكانها الدين الإسلامي، ولا زالت تحتشد فيها آلافَ المساجد.
هؤلاء هم مسلمو الأويغور الذين أحرقهم التنين الصيني حقدًا، وتخلى عنهم إخوانهم المسلمون تخاذلاً، فوجدوا أنفسهم بين مِطرقة القمع وسَنْدَان التجاهل، وهو ما دفع، حتى الأطفال، إلى التساؤل.. بأي ذنب يُقتلون؟!
المصدر/ البشير للأخبار
25 رجب 1430 الموافق 18 يوليو 2009
حملة صينية متواصلة لطمس هوية تركستان الشرقية الإسلامية
دبي- محمد عبيد
سلطت أحداث العنف الدامي، الذي شهده إقليم شينجيانغ (تركستان) الصيني أو ما يعرف تاريخيا باسم "تركستان الشرقية" خلال الأيام القليلة الماضية والذي أوقع حسب تقديرات رسمية نحو 160 قتيلا غالبيتهم من طائفة الأويغور المسلمين، الضوء على حجم المعاناة التي تعانيها تلك الأقلية وتاريخ الإقليم وما مر به من أحداث ومحاولات التهميش التي تعرض لها مسلمو الإقليم من طائفة الأويغور وهي العرقية الأكثر عددا في الإقليم.(1/250)
وتقدر مصادر من داخل الطائفة أن عدد القتلى في الاشتباكات بين الأويغور المسلمين وقوات مكافحة الشغب بما يتراوح بين 600 إلى 800 قتيل، وذلك عقب مناوشات بين الأويغور الذين يدين غالبيتهم بالإسلام وينحدورن من أصول تركية وطائفة الهان ذات الأصول الصينية.
ومر الإقليم الذي تبلغ مساحته 1.8مليون كيلومترا مربع، أي مايعادل سدس المساحة الكلية للصين والغني بموارده الطبيعية بحقب تاريخه عدة، حيث كانت تركستان الشرقية جزءا من أراضي خضعت لحكام مسلمين في عصور عدة إلى أن ضمتها أمبراطورية مانشو الصينية عام 1759 ميلادية، ومع قيام الثورة الشيوعية عام 1949 اقتطعت الصين مساحات واسعة من الإقليم وضمتها لأقاليم صينية.
ويقطن الإقليم 18.6مليون نسمة منهم 11مليون مسلم ومن بين هؤلاء ينتمى 8.5 (حسب احصائيات الصين) مليون نسمة لطائفة الأويغور، وتوجد به عدة أقليات أخرى من الطاجيك والأوزبك والتتر.
ومنذ الثورة الصينية كثفت السلطات من عمليات التوطين لذوي الأصول الصينية الذين وصل عددهم إلى 7.5 مليون نسمة ليشكلوا ثاني أكبر الطوائف عددا في تركستان الشرقية بعد الأويغور.
ورغم أن الدستور الصيني ينص حقوق جميع الأقليات في التعبير والعبادة واستخدام اللغة الخاصة بكل طائفة، إلا ان الممارسات الفعلية تتناقض مع هذه النصوص.
فيما يتعلق بالحريات الدينية فإن المادة 36 من الدستور الصيني تكفل حرية العبادة لكل شخص إلا أن السلطات حظرت فعليا الأعياد والمناسبات الدينية لأبناء الطائفة مثل الأعياد الإسلامية ، وعيد النيروز كما تحظر الصوم بالنسبة للطلاب في الجامعات خلال شهر رمضان ، وفي عام 2007 صادرت السلطات جوازات سفر أبناء الأويغور لمنعهم من السفر لأداء فريضة الحج.
التمييز موجود أيضا على نطاق واسع في المجال الإقتصادي ويتضح ذلك بشكل واضح في قطاع النفط والغاز الذي يمتلك الإقليم كميات وفيرة منه.(1/251)
ورغم المشاريع التنموية التي تقوم بها السلطة المركزية في بكين في الإقليم منذ ثمانينات القرن الماضي إلا ان تلك المشاريع صبت في اقتصاد المدن والخدمات والطاقة فيما بقيت أقلية الأويغور منزوية في الأرياف وتعتمد على الزراعة.
ووفقا لبيانات حول مستويات الدخول فأن الفارق بين سكان المدن والقرى يصل لثلاثة أضعاف.
ومع أن حوالي 70% من ثروات إقليم شيينجيانغ( تركستان) يأتي من الصناعات النفطية والبتروكيماوية فإن عددا محدودا من أبناء طائفة الأويغور يعملون في هذ القطاع.
ويزيد موقع اقليم شينجيانغ( تركستان) الجغرافي من اهميته الاستراتيجية حيث يجاور ثمانية دول هي منغوليا في الشرق وروسيا في الشمال وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان في الغرب والهند وباكستان في الجنوب .
وتتزايد الأهمية الاستراتيجية للأقليم لانه يشرف على خطوط أنابيب نقل الغاز والنفط من آسيا الوسطى الى المناطق الصينية الصناعية.
والى جانب النفط فان الإقليم يملك موارد مهمة من الفحم الحجري ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية المستصلحة يعمل فيها أكثر من 2.2 مليون شخص معظمهم من الهان حيث يعمل الهان في نحو 3 مليار هيكتار عبارة عن مزارع حكومية بينما يسيطر الأويغور على نحو مليوني هيكتار، وهو مايعني نسبة اقل من نسبتهم في التعداد السكاني.
وساعدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول عام 2001 على نيويورك وواشنطن على إطلاق يد السلطات الصينية في البطش بمسلمي الإقليم ووصمهم "بالإرهابيين" وكثفت من قبضتها ومساعيها لطمس الهوية العرقية والدينية للأقليم وسط صمت دولي مطبق تحت ستار مايسمي "بالحرب على الإرهاب" ، وإن كان الصمت الدولي على ما يحدث في تركستان مستغربا ، فإن الصمت الإسلامي أشد غرابة.
المصدر/ العربية الفضائية
10/7/2009
حقيقة ما وقع للمسلمين في تركستان الشرقية «سينكيانج» (مترجم)
*ربيعة قدير(1/252)
حينما تعيد الحكومة الصينية النظر إلى كيفية تعاملها مع القلاقل التي اندلعت في أورومتشي وتركستان الشرقية خلال هذا الأسبوع، من المرجح جدا أنها ستخبر العالم باطمئنان تام أن مصالحها في الحفاظ على الاستقرار كانت هي المحرك الأساسي لسلوكها.
أما ما ستغفل السلطات في بكين وأورومتشي ذكره فهو السبب الذي دفع الآلاف من الأويغور المسلمين إلى المخاطرة بكل شئ في سبيل التعبير عن رفضهم للظلم، وحقيقة أن المئات من المسلمين الأويغوريين وقعوا ضحية لرغبتهم في ممارسة حقهم في الاحتجاج.
لقد نظم عدد من الطلاب مظاهرة احتجاج يوم الأحد في دونج كوروك الواقعة في منطقة أورومتشي. كانوا يرغبون أن يعبروا عن سخطهم على التراخي الذي أبدته السلطات الصينية تجاه قيام الجموع من عرق الهان بقتل الأويغور وسحلهم في مصنع للعب الأطفال في مقاطعة جواندونج الصينية الجنوبية وأن يعبروا عن تعاطفهم مع عائلات القتلى والجرحى.
ما بدأ كتجمع سلمي للأويغور تحول إلى مظاهرة عنيفة حينما رد بعض المتظاهرين على الإجراءات الأمنية الصارمة.- لا شك أنني أدين استعمال العنف من جانب الأويغوريين إدانة مطلقة كما أدين الاستعمال المفرط للقوة من طرف السلطات الصينية في مواجهةالمتظاهرين.
وبينما أثارت الحادثة التي وقعت في جواندونج انزعاج الأويغوريين، فقد أدى تراخي الحكومة الصينية في التعامل مع حوادث القتل المشحونة بدوافع عرقية إلى اضطرار الأويغوريين إلى إظهار سخطهم في شوارع أورومتشي.
لقد ألقى وانج ليتشوان، سكرتير الحزب في «منطقة سينكيانج الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي» باللوم على شخصي باعتباري من أثارت هذه الاضطرابات؛ مع ذلك، فسبب السخط الذي أبداه الشعب الأويغوري المسلم في الأحداث الجارية هو سنوات من القمع الصيني بلغ أوجه بتأكيد المسئولين الصينيين عدم اكتراثهم بتطبيق قواعد القانون إذا كان في تطبيقه مصلحة للأويغوريين.(1/253)
إن رد الفعل الصارم من جانب السلطات الصينية تجاه احتجاجات يوم الأحد سيكون من شأنه تعزيز مثل هذه الأفكار. تقول مصادر أويغورية من داخل تركستان الشرقية إن عدد القتلى في مدينة أورومتشي بلغ 400 قتيلا ماتوا جراء إطلاق النار والضرب على يد قوات الشرطة. أماعدد المصابين فليس ثمة أي أرقام دقيقة بشأنهم. لقد فرض حظر للتجول وقطعت خطوط التليفون وما يزال التوتر يخيم على المدينة. اتصل بي بعض الأويغوريين ليخبروني أن السلطات الصينية تقوم بعملية دهم وتفتيش من منزل لمنزل وتقوم بإلقاء القبض على الذكور من الأويغوريين. وهم يقولون أن الأويغوريين يخشون السير في الشوارع في عاصمة وطنهم.
أما القلاقل فتتسع رقعتها. مدن مثل كاشغر وياركند وأقسو وخوتان وقاراماي ربما شهدت هي الأخرى اندلاع اضطرابات، مع أنه من الصعب تبين هذا الأمر في ظل الدعاية الإعلامية التي تديرها أجهزة الدولة.
مدينة كاشغر هي الأسوأ في تأثرها بالأحداث من بين هذه المدن المذكورة، وهناك تقارير غير مؤكدة تصرح بأن ما يزيد عن مائة من الأويغور قد لقوا حتفهم في هذه المدينة. لقد دخلت القوات إلى كاشغر وتقول مصادر من داخل المدينة إن كل بيت أويغوري يقف قبالته جنديين اثنين من الجنود الصينيين.
إن طبيعة عمليات القمع الجارية هذه الأيام قد اتخذت شكلا عرقيا. والحكومة الصينية معروفة بتشجيع النزعات القومية بين الصينيين من عرق الهان حيث تسعى من وراء ذلك إلى إحلال الأفكار القومية كبديل عن الأيديولوجية الشيوعية المفلسة التي اعتادت في الماضي على الإعلاء من شأنها. هذه النزعة القومية كانت بالغة الوضوح حينما هاجمت الحشود الهانية العمال الأويغوريين في مقاطعة جواندونج ، وبدا الأمر وكأن الحكومة الصينية تخطط الآن للسماح لمواطنيها أن يقوموا هم باضطهاد المسلمين الأويغوريين نيابة عنها.(1/254)
هذا التشجيع للأفكار القومية الرجعية بين الصينيين من عرق الهان يجعل السير إلى الأمام في منتهى الصعوبة. يطالب مجلس الأويغور العالمي، الذي أرأسه، مثله في ذلك مثل الدالاي لاما وحركة التيبت، بمنحنا عبر الوسائل السلمية حق تقرير مصير تتعامل معه الحكومة باحترام حقيقي لحقوق الإنسان وللخيار الديموقراطي. ولتحقيق هذا المطلب، هناك حاجة لإيجاد طريقة لإقامة حوار بين الصينيين الهان والشعب الأويغوري مبني على الثقة والاحترام المتبادل والمساواة. أما في ظل السياسات التي تنتهجها الحكومة الصينية في الوقت الراهن والتي تشجع أفكار قومية لا يمكن السيطرة عليها فهذا الحوار ليس ممكنا.
إذا أردنا أن نصحح الوضع في تركستان الشرقية، فلا سبيل أمام الحكومة الصينية سوى أن تجري كخطوة أولى على الطريق الصحيح تحقيقا في حوادث القتل التي وقعت في مقاطعة جواندونج وأن تُخْضِع المسئولين عن قتل الشعب الأويغوري للعدالة.
نحتاج كذلك إلى إجراء تحقيق مستقل و حر في أسباب القلاقل التي وقعت في أورومتشي حتى يستطيع الشعبان الهاني والأويغوري معرفة الأسباب التي أدت إلى أحداث يوم الأحد والبحث عن سبل لإقامة تفاهم متبادل هو غائب على نحو لافت في المناخ السائد حاليا.
بالنسبة للولايات المتحدة، ثمة دور أساسي لتضطلع به خلال هذه العملية. بوضع الماضي الصيني فيما يتعلق بانتهاكها لحقوق الإنسان الأويغوري في الاعتبار، يبدو أنه من غير المحتمل أن تتخلى الصين عن لغتها المنمقة وأن تدعو الأويغوريين لحوار حول مشاكلهم.
لقد دافعت الولايات المتحدة على الدوام عن المضطهدين؛ ولهذا السبب كان قادتها في مقدمة المدافعين عن قضية الشعب الأويغوري أمام الحكومة الصينية.(1/255)
على الولايات المتحدة، في ظل هذه المرحلة الفاصلة من عمر قضية تركستان الشرقية، أن تعبر بما لا يدع مجالا عن اهتمامها بالقضية وذلك عن طريق إدانتها أولا للعنف في أورومتشي، وثانيا عن طريق افتتاح قنصلية في أورومتشي ليس فقط لكي تمارس دورها كمنارة للحرية في وسط يسوده القمع العنيف، بل لكي تراقب عن كثب الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان التي تقترف بحق الإنسان الأويغوري.
بينما أُسَوِّدُ صفحات هذا المقال القصير، تتواتر الأنباء أمام مكتبنا في واشنطن عن قيام 4000 مواطن من عرق الهان بالنزول إلى الشوارع في أورومتشي يوم الاثنين طلبا للثأر عبر العنف تجاه الأويغوريين.
يوم الثلاثاء ينزل المزيد من الهان إلى الشوارع. كلما تعالت وتيرة العنف، كلما تنامى الشعور بالألم الذي يعتمل في صدري على الخسائر في أوساط الأرواح البريئة.
أخشى أن هذا الشعور بالألم لن تختبره الحكومة الصينية عندما تقدم للعالم نسختها من واقع الأحداث التي جرت في أورومتشي، وأخشى أن غياب هذا الاستبطان لخبايا النفس هو ما يعمق الانقسام بين الشعبين الهاني والأويغوري
المصدر / موقع لواء الشريعة
10 - 7 - 2009
الصمت الغريب فى قضية تركستان الشرقية ..!!
د. عبدالرحمن سعد العرابي
كثير في عالمنا الإسلامي لا يعرفون أن إقليم سنكيانغ الصيني هو تركستان الشرقية. كما أن كثيرين ممّن سمعوا في الفترة الأخيرة عن أحداث القتل والدمار اللذين شهدهما الإقليم لا يعرفون أن سكان الإقليم الأصليين هم (مسلمون) أتراك، وأن أرض الإقليم (موطنهم) الأصلي هي موطن كثير من القبائل والعشائر التركية التي هاجرت صوب الغرب على فترات متتابعة من التاريخ.(1/256)
أحداث سنكيانغ الأخيرة أوضحت بكل (جلاء) النفاق العالمي في مجاملة دولة كبرى، بغض النظر عن حقوق الإنسان و(الخزعبلات) التي صمّت بها آذاننا حكومات غربية حين يتعلّق الأمر بأقلية مسيحية، كما في تيمور الشرقية، أو في جنوب السودان، أو في مصر، أو أقلية أخرى مذهبية، أو عرقية في أي دولة عربية أو إسلامية.
الصين، ولن يجادل أحد، دولة كبرى استطاعت خلال عقدين (فقط) من الزمن أن تصبح دولة عظمى، ولها وزنها التجاري والسياسي والعسكري، خاصة حينما بدّلت معطفها الأيديولوجي الكامل إلى معطف جزئي شيوعي في فكر الحزب وإدارة الدولة السياسي، أما الاقتصادي فألبسته (قبعة) السوق الحرة.
ولكن منذ أن نجح الحزب الشيوعي على يد ماوتسي تونغ في انتزاع الحكم لكل الصين، عدا تايوان، من يد الحزب الوطني وسياسة (تصيين) الأقاليم التابعة للدولة لا تعترف بأي شيء سوى للعرق الصيني من قبائل (الهان). وهو ما سلب كثيرين من شعوب وقبائل تعيش فوق الأرض الصينية الشاسعة من حقوقهم بما فيهم (الأويغور) المعروفون (بالتركستان) والتبتيون «البوذيين»، ومع ذلك لم يحرّك العالم ساكناً سوى لأهالي التبت وزعيمهم (الدالاي لاما).
بل ان الحكومة الصينية اتبعت مع الأويغور سياسة اقل ما يقال عنها إنها سياسة (الإلغاء)! فأرضهم تحوّلت من تركستان الشرقية إلى سنكيانغ، وتم تهجير مئات الألوف منهم خارج الإقليم في حين تم توطين مئات الألوف من (الهان) لخلخلة التركيبة السكانية للإقليم. وهو ما حدث فعلاً، حيث وصلت نسبة الهان في أيامنا هذه وبحسب أحد الإحصاءات إلى 40% من سكان الإقليم.
هكذا سياسة هي التي أثارت التظاهرات الأخيرة وأدت إلى قتل أعداد كبيرة من السكان الأويغور على يد السلطات الصينية، منذ بدأت شرارة الأحداث بعد تعدّي الهان الصينيين على الاويغور وبما أن النفوس ممتلئة حدثت اشتباكات تدخلت معها السلطات الصينية (بقسوة) دون مراعاة للإنسانية وحرمة النفس.(1/257)
العجيب في هكذا أحداث أمور عدة أولها وأنا أدرِّس تاريخ الصين في الجامعة، أن الهان أنفسهم والصين كدولة لم تعرف الحكم الوطني على يد أبنائها إلا في فترات لاحقة من التاريخ الحديث، وهو ما يعني أن على (الهان) أن يدركوا مدى المعاناة من الحكم الأجنبي وسلب الحقوق.
والعجب الآخر هو في (صمت) الدول العربية والاسلامية عن هكذا تعدٍّ وانتهاك لحقوق مسلمين يعيشون فوق أرضهم منذ القدم، حتى أن (التغطيات) الإعلامية للأحداث لم تكن تتناسب وأهمية الأحداث، وحق الأويغور (الإنساني) عدا تصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف الأحداث بأنها «ابادة جماعية».
المصدر/ جريدة المدينة المنورة
17/9/2009
إيران وتركستان الشرقية.. وضعف البصر
أمير سعيد
لابد من وقف الحرب بأي وسيلة..، هكذا كان على المسؤولين المسلمين في البوسنة المستقلة حديثاً عن الاتحاد اليوغسلافي التحرك في كل اتجاه من أجل إيقاف المجزرة، وفي إحدى تلك التحركات حطت الطائرة بنائب رئيس وزراء البوسنة والهرسك محمد جينيكيتش في العاصمة التركية، حيث صرح من هناك بأن هدف زيارته هو "إقناع سلطات أنقرة، بالتدخل لدى إيران، وإقناعها بوقف شحنات النفط إلى صربيا؛ إذ إن وقود الدبابات الصربية، التي تدمر قرى البوسنة والهرسك؛ والطائرات الصربية التي تقصف مدنها هو وقود إيراني وليبي. وأن البوسنة والهرسك تتوقع من الدول الإسلامية، أن تقف إلى جانبها، أو أن تلتزم على الأقل الحياد (..) فمن المدهش، أن تستمر إيران في اعتبار صربيا صديقاً وشريكاً قوياً" [الفصل السادس عشر (مواقف الدول الإسلامية) من دراسة البوسنة تاريخيا وعسكريا وسياسيا].(1/258)
اتخذت إيران بعد ذلك إجراءات لم تكن فاعلة كغيرها من الدول الإسلامية، لكن ظلت مسألة العلاقة مع صربيا متذبذبة ما بين الدبلوماسية، والنفط، الذي أمدت به إيران صربيا بنحو 55 ألف برميل، يومياً في الفترة ما بين يونيه 1991 وفبراير 1992 وفقاً لإحصاءات إيرانية رسمية.
وعندما كانت روسيا تدك القصر الرئاسي في العاصمة الشيشانية جروزني، وقعت طهران مع موسكو في نوفمبر 1994على صفقة قيمتها 780 مليون دولار تقضي بموافقة الأخيرة على استكمال بناء مفاعل بوشهر النووي الإيراني، فيما اعتبرت إيران أن الشيشان هي مشكلة داخلية روسية محضة.
أما حينما كانت الولايات المتحدة تتنقل بآلتها العسكرية بين أفغانستان والعراق، كان مستشار الرئيس الإيراني السابق "المعتدل" محمد علي أبطحي يقول: "لولانا ما سقطت كابول وبغداد".. وأخيراً؛ فإن كوسوفا المسلمة التي اعترفت بها 46 دولة حتى الآن ضنت عليها جمهورية الولي الفقيه بالاعتراف، وأعلنت طهران أنها "ستدرس الوضع وتعلن قرارها في وقت لاحق".(1/259)
إنها مقدمة لابد منها مع استعراض الموقف الإيراني من المذابح التي وقعت في تركستان الشرقية التي تسيطر عليها الصين؛ فرد الفعل الباهت الصادر عن طهران بعد أيام من ارتكاب مجزرة تركستان الشرقية، وتأكيدها على لسان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي "على تضامن الشعب الصيني ووحدته الوطنية"، واعتبارها أن "تدخلاً خارجياً لزعزعة الاستقرار في هذا البلد أمر خاطئ"، وهو ترديد مطابق لما استمع إليه متكي من نظيره الصيني يانغ جيه من شرح لـ"كيفية وقوع الاشتباكات في هذا الإقليم والتطورات التي أعقبتها"، بعد "استفساره" منه عن أسباب وقوع الأحداث وآخر التطورات ـ كما ورد في موقع المنار التابع لـ"حزب الله" اللبناني ـ هو دليل على أن طهران تضع علاقتها الاستراتيجية مع بكين فوق كل اعتبار؛ فـ"التدخل الخارجي" الذي يخشاه متكي على تركستان الشرقية هو المبرر ذاته الذي تسوقه الصين للعالم لقطع أي وسيلة عادلة لسؤالها عن انتهاكها الصارخ لحقوق المسلمين الواقعين تحت احتلالها المباشر في "الإقليم" الذي لم يمض على احتلاله ـ بالمناسبة ـ زمن طويل يمكن أن يخرجه من حيز مسمى الاحتلال، أو باعتبار أهلها مواطنون صينيون على فرضية أخرى؛ فعلى كل حال فالضحايا لهم حقوقهم كمواطنين أو شعب تحت الاحتلال، إذا لم تكفِ وشيجة الإسلام طهران للحديث إلى حلفائها في بكين.
نعم، إن إيران ليست بدعاً من الدول الإسلامية؛ فكثير منها تجاهلت الأحداث في تركستان الشرقية، والعديد من حكام تلك الدول غير معني بما يجري هناك أصلاً، لكن أحداً منهم لم يدّعِ أنه يجسد الإسلام في ذاته البشرية، مثلما قال عضو هيئة الرئاسة في مجلس خبراء القيادة بإيران أحمد خاتمي في خطبة جمعة نهاية الشهر الماضي: "إن الولي الفقيه (خامنئي) هو نائب إمام الزمان، ومخالفة الولي الفقيه تعني مخالفة الإمام ومخالفة الإمام تعني الإشراك بالله".(1/260)
هل لنا إذن أن نخالف الولي الفقيه، ونطالب بموقف أكثر حزماً تجاه الصين واعتداءات ميليشيات الهان على المسلمين، ونكون في ذات الوقت مسلمين في عرف أحمد خاتمي؟!
أو هل لنا أن نطالب بموقف موازٍ لموقف تركيا ذات النظام العلماني الذي قال رئيس وزرائها رجب طيب إردوغان بالحرف الواحد: "الأحداث التي تشهدها الصين لا تعدو كونها أعمال إبادة جماعية. لا يوجد فائدة من وصفها بوصف آخر"، والذي حدا بوزير الصناعة التركي بصفته الشخصية للمطالبة بمقاطعة المنتجات الصينية، وبالسلطات التركية منح تأشيرة دخول لزعيمة الأويغور ربيعة قدير.
تنديد تركي، ووصف ما جرى بالإبادة الجماعية، والتلويح بإجراءات اقتصادية مع الصين برغم حجم التبادل التجاري بين البلدين، وتصريح إردوغان بضرورة معاقبة المسؤولين عن الجرائم والتلميح بان استمرار هذه الأعمال قد يؤدي إلى الإضرار بالعلاقات بين البلدين، وغضب صيني من "التدخل التركي في شؤون الصين الداخلية" (الذي يدينه متكي ضمنياً) ثم تراجع صيني خشية التصعيد التركي بعد اعتبار بكين العلاقات بين البلدين على "حافة اضطراب"، ودعوات مدنية لمقاطعة البضائع الصينية، في مقابل سقف منخفض للإيرانيين أقصاه تصريح متكي بـ"ضرورة ضمان أمن وهدوء المسلمين"، بعد أن اتصل به الأمين العام للمؤتمر الإسلامي إحسان أوغلو هاتفياً لحسه ـ فيما يبدو ـ على استخدام علاقات بلاده بالصينيين لوقف المذبحة.
بالتأكيد لدى أنقرة مصالحها في تركستان الشرقية، ولها الحق في متابعة شؤون عرقية تركية، لكن أليس من واجب القادة الإيرانيين الذين يقدمون أنفسهم كحماة للإسلام أن يكونوا قاطرة للآخرين بدلاً من أن يبقوا في خندق الحليف الصامت؟!(1/261)
لقد انتقد الرئيس الإيراني "المنتخب" أحمدي نجاد ازدواجية الغرب الصامت إزاء قتل "شهيدة الحجاب" مروة الشربيني، وقال إن "القاضي والمحلفين والحكومة الألمانية كلهم مجرمون في هذا الشأن، ويجب تحميلهم المسؤولية ... نريد من مجلس الأمن أن يدينهم"... حسناً، لكن ألا تستحق بكين الإدانة بسبب مقتل المئات من المسلمين بدم بارد من قبل قوات نظامية رسمية وغير رسمية؟!
إن نحو ألف مسلم أويغوري قضوا نحبهم.. لم يموتوا في حادث مروري، بل في ضحوة عنف خاطفة لم تهتز لهولها عمامة، ولم تطرف لها عين فقيه إيراني، فلم تستأهل إدانة، أو تسمح لعلاقة استراتيجية راسخة أن تخدش، لأن الغرب إذ يتعامل بازدواجية فلن تحاكيه إيران، ولن تميز إيران تركستان الشرقية عن العراق وأفغانستان والشيشان والبوسنة وكوسوفا، فكلها "شؤون داخلية" تخص أمريكا وروسيا والصرب والصين، ولن ترضى لمسلم أن يخالف الولي، وإلا كان من المشركين!!
amirsaid@gawab.com
المصدر/ المصريون
26 - 7 - 2009
الصين تعدم 196 شابا تركستانيا مسلما داخل سجن أولان باتور
يناشد الأويغور منظمات حقوق الانسان وكافة المنظمات الدولية و الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي والدول العربية والاسلامية وكافة دول العالم أن يتدخلوا لوقف تلك المذابح التي تستباح فيها دماء المسلمين كل يوم في الصين.
أخبار العالم – فاطمة ابراهيم المنوفي
في استمرار لعمليات إبادة المسلمين الأويغور أعدمت السلطات الصينية 196 شابا أويغوريا داخل سجن أولان باتور عنبر رقم 4 في منطقة قريبة من العاصمة التركستانية أورمتشي بتاريخ 16/7/2009م بتهمة إثارة الشغب في أحداث 5 يوليو2009م.(1/262)
فقط علم نائب رئيس المؤتمر العالمي للأويغور سيد تومتورك ان احد السجانين الأويغوراتصل هاتفيا بأقاربه في تركيا وابلغهم بالمذبحة التي ارتكبتها السلطات الصينية ، وقال وهو يبكي ان ضميره لا يسمح بالسكوت علي هذه المذبحة الوحشية التي أعدم فيها 196 شابا بريئا. علي الرغم من ان اتصاله بأقاربه في تركيا يمثل تهديدا حقيقيا علي حياته إذا علمت السلطات الصينية باتصاله.
من الجدير بالذكر ان ما يقرب من 2000 من الأويغور المسلمين استشهدوا وجرح الالاف عندما قمعت السلطات الصينية المظاهرة السلمية التي خرجت احتجاجا علي مقتل عمال أويغور في مقاطعة كونجدوج بعد ان هاجم الآلاف من العمال الصينيين صباح الجمعة الموافق 26 يونيو عمال أويغور مسلمين يعملون في مصنع للألعاب النارية في المقطاعة المذكورة الواقعة جنوب الصين وضربوهم علي رؤوسهم بالعصي والسكاكين حتي الموت. ولم تقم السلطات الصينية إلى اليوم بأي إجراءات رسمية لمعاقبة المجرمين الصينيين.
بل علي العكس وجهت السلطات الصينية الاتهامات الي الأويغور علي أنهم مثيروا الشغب ولم يتم توقيف أو إدانة أي صيني. وقمعت السلطات الصينية المظاهرة التي خرجت احتجاجا علي مقتل العمال الأويغور واعتقلت العديد من الشباب الأويغور واعدمت الكثيرين وما زالت عمليات الاعدام السرية تجري كل يوم وسط تقاعس دول العالم عن نجدة الشعب الأويغوري الاعزل.
ويناشد الأويغور منظمات حقوق الانسان وكافة المنظمات الدولية والامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي والدول العربية والاسلامية وكافة دول العالم ان يتدخلو لوقف تلك المذابح التي تستباح فيها دماء المسلمين كل يوم في الصين.
المصدر: أخبار العالم/ والمختصر 21.07.2009
مسلمو الأويغور.. ثبات على الإسلام رغم عذابات الصينيين
د. فاطمة إبراهيم المنوفي(1/263)
تركستان.. كلمة مكونة من مقطعين "ترك" و"ستان"، وتعني أرض الترك، وهي بلاد واسعة في آسيا الوسطي مليئة بالكنوز والثروات، تقاسمتها الصين وروسيا قرونًا طويلةً بعد أن ضعُف أمر المسلمين بها، فاحتل الروس قسمها الغربي (يضم دول: كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان) والذي تحرر مؤخرًا.
وقد احتلت الصين في 1949م قسمها الشرقي، المعروف بتركستان الشرقية (إيغورستان) أو "سنكيانج"، الاسم الذي أطلقه الصينيون عليها لطمس هويتها الإسلامية.
سنكيانغ تعني المستعمرة الجديدة، أو الوطن الجديد، وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمر بها، ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.
تقع تركستان الشرقية في أواسط آسيا الوسطى، وتحدها من الشمال جمهورية روسيا الاتحادية، ومن الغرب الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، ومن الجنوب باكستان وكشمير والتبت، ومن الشرق الصين الشعبية، ومن الشمال الشرقي منغوليا الشعبية.
تبلغ مساحتها 1.828.417 كم2، أي خُمس مساحة الصين، وحسب الإحصائيات الصينية فإن تعداد السكان بها هو 9 ملايين نسمة تقريبًا، إلا أن هناك جهاتٍ مستقلة قدرت تعدادهم بحوالي 25 مليون نسمة من الأتراك المسلمين، يتكلمون اللغة الأويغورية، وهي إحدى فروع اللغة التركية، لكنها تكتب بالحروف العربية.
غالبية السكان من الأويغور، بالإضافة إلى أقليات من القيرغيز والكازاخ والأوزبك، وجميعهم يدينون بالإسلام وينتمون إلى العرق التركي، إلا أن الصين عمدت إلى سياسة تهجير التركستانيين وإحلال الصينيين محلهم.
تاريخ طويل من الصراعات
دخل الإسلام هذه البلاد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (86هـ 705م)، وتم فتحها على يد القائد "قتيبة بن مسلم الباهلي" عام 95 هـ.(1/264)
وقد استولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة (1174 هـ 1760م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقامت بينهم معارك دامية في عام 1759م، ارتكبت خلالها القوات الصينية مذبحة جماعية قتل فيها مليون مسلم.
ثم قامت الصين باحتلالها في عهد أسرة المانتشو عام 1760م، وفرضوا سيطرتهم عليها حتى عام 1862م، لكن الشعب التركستاني لم يستسلم، ولم يخضع للجبروت الصيني، بل استمرَّ في مقاومته للاحتلال، حتى تحرير بلاده عام 1863م، وأقاموا دولةً مستقلةً إسلامية تحت زعامة "يعقوب بك بدولت" الذي استمرَّ حكمه 16 عامًا.
إلا أن الصراع الذي دار بين البريطانيين والروس خلال القرن 19 للسيطرة على آسيا الوسطى، وتخوف البريطانيين من أن ينجح الروس في ضم تركستان الشرقية إلى أراضيهم، بعد أن سيطروا على معظم دول آسيا الوسطي المسلمة (تركستان الغربية)، فقاموا بمساندة الصينيين للسيطرة عليها، واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال "زوزونغ تانغ" مهاجمتها واحتلاها مرةً أخرى في عام 1876م، ومنذ ذلك التاريخ سُميت باسم "شنجيانغ"، أو "سنكيانج".
وفي 18 نوفمبر 1884م ضمها الصينيون داخل حدود إمبراطورية المنجو، لكن الجهاد لم يتوقف، وتابع التركستانيون كفاحهم وثوراتهم ونجحوا مرتين الأولى في عام 1933، والثانية عام 1944م حتى نال الإقليم استقلاله بعد الثورة التي قادها الشيخ "علي خان"، إلا أنها لم تستطع الاستمرار طويلاً، حيث قام الاتحاد السوفييتي بدعم الصين عسكريًّا وماديًّا للقضاء على هذه الدولة.
وفي عام 1949م قام "ماوتسي تونج" (الزعيم الصيني الشيوعي) بفرض سيطرته على المنطقة كلها، وبمؤامرة روسية صينية مشتركة، تم القضاء على زعماء القومية الأويغورية والكازاخية في جمهورية تركستان الشرقية الوليدة، حيث أيقن الروس أن هؤلاء المناضلين سيدعمون أشقاءهم في دول آسيا الوسطى المسلمة في كفاحهم للتخلص من الشيوعية السوفيتية.
قبضة حديدية(1/265)
وتم تقسيم تركستان الشرقية إلى 6 مناطق، حكمتها الصين بقبضة من حديد، فأغلقت المساجد وجرَّمت اقتناء المصاحف، والتعليم الديني وإقامة العبادات، وأُجبر المسلمون على تعلم الإلحاد وتناول الأطعمة المحرمة، وتحديد النسل، وبُنيت سجون عديدة ثم إلقاء الآلاف منهم داخلها باعتبارهم أخطر المجرمين على أراضيها، وعملت الصين على إلحاق الأذى بمسلمي تركستان بكل ما أوتيت من قوة، فقامت بإجراء تجارب نووية على أراضيها، ففي عام 1964م قامت بإجراء 35 تفجيرًا نوويًّا، دون أية تدابير لحماية المواطنين، ما أدَّى إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض السرطان والتشوهات الخلقية.
الصين تتعامل مع مسلمي تركستان بعنصرية
وإن كان ماوتسي قد أعطى الإقليم حكمًا ذاتيًّا، إلا أنه من الناحية الفعلية حدث العكس تمامًا، فالحكم ودفته في يد الصينيين، وينفذه الموظفون التركستانيون بالإكراه.
وتقوم الحكومة الصينية بالتمييز ضد الشعب التركستاني وتهجيره؛ بهدف تغيير التوزيع السكاني بالإقليم وإحلال الصنيين محل التركستانيين.
كما عملت الحكومة الصينية على قطع الصلة بين مسلمي تركستان الشرقية بالإسلام والمسلمين، فمنعت سفر المسلمين إلى خارج البلاد، كما منعت دخول أي أجنبي لتفقد أحوالهم، ومَن استطاع منهم الهروب إلى الخارج لم ينج أقاربه من العقاب في الداخل.
ومنذ بداية الحكم الشيوعي وحتى الآن يعمل الصينيون على تذويب الشعب التركستاني في المجتمع الصيني وطمس هويته، ومن وسائل التذويب التي يتبعها الصينيون في تركستان الشرقية منذ سنين طويلة.. تشجيع الزواج بين التركستانيين والصينيين، وإلغاء اللغة الأويغورية من المؤسسات التعليمية والحكومية، وإحلال اللغة الصينية محلها.(1/266)
ولم يقف الظلم عند هذا الحد، بل قامت الصين بنهب ثروات تركستان الشرقية التي حباها الله كنوزًا هائلةً وحرمان أصحابها من خيرات بلادهم، من البترول والغاز الطبيعي، والذهب ومن الفحم الذي تنتج منه سنويًّا 600 مليون طن، وكذا اليورانيوم.
انتهاكات لا إنسانية بزعم "الإرهاب"
وقد استغلت الصين أحداث 11 سبتمبر، وركبت موجة الحرب على الإرهاب في قمع المسلمين الأويغوريين، واتهمتهم بالتطرف والإرهاب وموالاة حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة، مع أنه ليس لهم أي علاقة لا بهذا ولا ذاك، بهدف تضليل العالم بأن قضية الأويغور ليست قضية شعب وحقوق إنسان، بل قضية "إرهاب"..
مجموعة "شنغهاي"
والأدهى من ذلك تضامن عدد من الدول مثل كازخستان، وقيرغزستان، وطاجكستان، وأوزبكستان مع الصين لمكافحة ما يسمونه بـ"الأصولية الإسلامية"؛ تمثل ذلك في مجموعة "شنغهاي" التي تضم الدول الإسلامية السابق ذكرها بالإضافة إلى الصين وروسيا.
وتقوم هذه الدول بإعادة اللاجئين الأويغوريين بالقوة إلى الصين، ما يمثل انتهاكًا لمعاهدة الأمم المتحدة للاجئين؛ فقد قامت كازاخستان بإعادة اللاجئين الأويغوريين قسرًا إلى الصين، كما رفضت باكستان الطلبة الأويغوريين، وأغلقت بيوت الضيافة المخصصة لهم في إسلام آباد.
كذلك لا تسمح لهم العديد من الدول العربية بدخول أراضيها رغم حصولهم على تأشيرات سفر من القنصليات العربية.
بل تشترط بعض الدول حصولهم على أوراق أمنية من الحكومة الصينية، ما يدل على خضوع بعض الدول العربية للضغوط الصينية.(1/267)
ورغم تخلي المسلمين عن نصرة إخوانهم في تركستان الشرقية، إلا أن هناك صحوةً إسلامية بين الأويغوريين، وشغف لتعلم الإسلام واللغة العربية، فقد قام الأويغوريون بتأسيس "الشبكة الأويغورية للأخبار" لتعريف العالم بفظائع الصين داخل بلادهم، ولاستعطاف العرب والمسلمين لنصرتهم، والضغط على الحكومة الصينية لرفع المعاناة عنهم.. ها هي تركستان تستنجد.. فهل من نصير؟
* كاتبة عربية مقيمة في قيرغيزستان- بالاتفاق مع مجلة المجتمع
موقع مسلم
-1سبتمبر-2007
إلى متى يظل قتل مسلمي الصين شأنًا داخليًّا؟!
كتب- رضا السويدي
لعل حادثة اعتقال السلطات الصينية في إقليم تركستان الشرقية للمعلمة أمينان مومكسي و37 من طلابها بسبب دراستهم للقرآن الكريم مطلع أغسطس الجاري، والذي همَّشته وسائل الإعلام العالمية والإسلامية خاصةً يكشف للعالم مدى المعاناة التي يعايشها نحو 100 مليون مسلم بالصين تحت سمع وبصر العالم.
وكان دليل اتهام أمينان مومكسي (56 عامًا) وطلابها- الذين تراوحت أعمارهم بين 7 أعوام و20 عامًا- حيازة 23 نسخةً من القرآن، و56 كراسةً تتضمن شروحًا له، وبعض المواد المتعلقة بالدراسات الدينية، تمت مصادرتهم جميعًا.
وتواجه المعلمة تهم "الحيازة غير المشروعة لمواد دينية ومعلومات تاريخية مثيرة للبلبلة"، كما تطالب السلطات الصينية أهالي الطلاب الفقراء بغرامات مالية تراوحت بين 7000 و10000 يوان (بين 863 و1233 دولارًا).(1/268)
هذا ما عرفناه عن القمع الذي يتعرض له مسلمو الصين وما خفي كان أعظم؛ حيث نشرت صحيفة (كاشغر)- الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني- أنباءً عن قيام السلطات الصينية بإحراق وإتلاف 32 ألفًا و320 نسخةً من المصاحف، وذكر موقع منظمة "مؤتمر الأويغور الدولي"- ممثل الأقلية الإسلامية الأويغورية في الصين- الذي يتخذ من ألمانيا مقرًّا له أن هذه الخطوات تأتي كجزء من سياسة تتبعها الصين لمحو الهوية الدينية والقومية للأويغور؛ تمهيدًا للقضاء عليهم نهائيًّا بعد قرارٍ اتخذه مجلس الجامعات في اجتماع عُقِد بجامعة سيانج يانج (تركستان) مؤخرًا دعا فيه إلى إلغاء الدروس باللغة الأويغورية التي يتحدث بها سكان تركستان الشرقية وإحلال اللغة الصينية بدلاً منها.
ولعل تفسير تلك السياسة القمعية يستلزم من الباحث التدقيق كثيرًا في إستراتيجية الصين التي تريد اقتلاع حلم دولة مستقلة لمسلميها؛ إذ تخشى من تفكك إقليمها الذي يعجُّ بالمشكلات العرقية، وفي هذا الصدد فإنه من الممكن تفسير إستراتيجية اقتلاع مسلمي تركستان الشرقية بعدد من المحددات، الأول منها مطامع الصين الاقتصادية في بترول وثروات الإقليم المتفجر، كذلك الأزمة السكانية المتفاقمة التي تعاني منها الصين؛ مما يجعلها تنظر لهذا الإقليم على أنه مخرج ضروري لحل هذه الأزمة الطاحنة؛ نظرًا لما تتمتع به هذه المنطقة (تركستان الشرقية) من مساحات شاسعة وثروات وفيرة؛ حيث يعد إقليم شرق تركستان أكبر أقاليم الصين، فمساحته تبلغ مساحته 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي نحو 17% من مساحة الصين الحالية.
كذلك فإن الصين تحتاج لمثل هذه المساحات الشاسعة لإجراء تجاربها النووية؛ حيث قامت بالفعل بإجراء تجربتَين نوويتَين في هذا الإقليم على الأقل كان آخرها منذ خمس سنوات، متجاهلةً بذلك ما قد يحدث للمسلمين من أضرار بالغة من أمراض خطيرة أصابت المسلمين وأفسدت جزءًا كبيرًا من أراضيهم.(1/269)
وفي هذا الصدد يحضرنا تصريح لـ"شارون هوم"- المدير التنفيذي لمنظمة (هيومان رايتس ووتش)- في الصين أوضح حقيقة المؤامرة على الإسلام في الصين؛ حيث يقول: "إن بكين تنظر إلى الأويغور على أنهم تهديد عرقي قومي على الدولة الصينية؛ ولأن الصين ترى في الإسلام دعامة للهوية العرقية الأويغورية فإنها اتخذت خطواتٍ قاسيةً جدًّا لإخماد الإسلام؛ بهدف إخضاع المشاعر القومية عند الأويغور".
مسلمو الصين يتعرضون للقمع
وفي هذا الإطار اتهم تقرير مشترك أصدرته منظمة (هيومان رايتس ووتش) الحقوقية الأمريكية ومنظمة (حقوق الإنسان في الصين) يوم 12 أبريل 2005م الصينَ بشنِّ حملة موسعة من القمع الديني ضد مسلمي الأويغور في تركستان الشرقية وانتهاك حقوقهم الدينية والثقافية، تحت ذريعة محاربة "الحركات الانفصالية والإرهاب".
وأورد التقرير- الذي صدر تحت عنوان "ضربات مدمرة.. قمع ديني لمسلمي الأويغور بإقليم شينجيانج" (المسمى الصيني للإقليم)- عددًا من الانتهاكات ضد المسلمين هناك، وذكر أن المسلمين الناشطين في المجالات الدينية السلمية يتعرضون للاعتقال والتعذيب والإعدام أحيانًا.
واستغلت الحكومة الصينية وبطريقة انتهازية أجواءَ ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م على الولايات المتحدة؛ لتزعم أن من يقومون بنشر رسائل دينية أو ثقافية مسالمة هم مجرد "إرهابيين" غيَّروا من أساليبهم المنهجية وتفرض السلطات الرقابة الدينية والتدخل القسري يمتد ليطال تنظيم النشاطات الدينية وممارسي النشاطات الدينية والمدارس والمؤسسات الثقافية ودور النشر، وحتى المظهر والسلوك الشخصي لأفراد الشعب الأويغوري.. وينقلنا هذا التقرير لفحص الواقع المعاش لمسلمي الصين.
المأساة عن قرب(1/270)
دون العودة كثيرًا للماضي البعيد، وبدءًا من السنوات الأخيرة عندما طالب عدد كبير من الأويغور وبإصرار بإقليم مستقل وتحديدًا منذ العام 1991م، متأثرين ومدعومين بالتطور الذي شهدته منطقة "تركستان الغربية"، الذي تمثَّل في بروز جمهوريات إسلامية جديدة مثل: قيرغيستان، وكازخستان، وأوزبكستان، وطاجكستان، وتركمانستان، وقوبل نداء الأويغور بالاستقلال والمطالبة بتطبيق "حق تقرير المصير" بعنف شديد وباضطهادات واسعة من قبل السلطة الصينية، تضمنت اعتقالات تعسفية، إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية، والانقضاض على كل ما هو إسلامي، وحرق المصاحف، ومنع الصيام وتجريمه، وإعدام الآلاف بلا محاكمات، بل وإجبار النشطاء الإسلاميين من الأويغور على احتساء الخمر قبل تنفيذ الحكم النهائي عليهم، ومن خلال تقارير حقوق الإنسان الدولية فقد تراوحت وسائل الاضطهاد الصيني الرسمي بحق المسلمين في المناحي التالية:
- تهجير البوذيين لإقليم تركستان الشرقية المسلم
وفي الوقت الذي يعيش المسلمون في معسكرات السخرة أو على هامش الحياة في مراعيهم ومزارعهم البدائية- بالرغم من تمتعهم على الورق بحكم ذاتي لإقليم تركستان الشرقية منذ عام 1955م- فإن السلطات الصينية قد أغرقت تركستان الشرقية بملايين الصينيين البوذيين المهجَّرين من أنحاء الصين تحت شعار: "اذهب إلى الغرب أيها الشاب"، وقد بلغ عدد الصينيين المهجَّرين 7.421.992 نسمة (بنسبة 40%)، والمسلمون الأويغور 8.506.575 نسمة بنسبة 45% من جملة عدد سكانها البالغ 18.761.900 نسمة في عام 2001م، بحسب التقديرات الرسمية.
هذا في الوقت الذي كان فيه عدد الأويغور 3.291.100 نسمة، يمثلون نسبة 95. 75%، وكان عدد الصينيين 249.202 نسمة بنسبة 71.6% من جملة سكانها البالغ عددهم 4.400.333 نسمة عند احتلال الصين الشيوعية لها في عام 1949م.(1/271)
وهذا يعني أنه خلال نصف قرن من الحكم الشيوعي تضاعف عدد الأويغور 2.58 مرةً فقط، بينما تضاعف عدد الصينيين 29.78 مرةً، علاوةً أن الرقم الرسمي لعدد الصينيين المهجَّرين لا يشمل إلا المسجَّلين في مكتب الإحصاء لمقاطعة تركستان الشرقية؛ لأن جيش شينجيانج للإنتاج والبناء- الذي يتولى مهمة توطين المهاجرين الصينيين- لا يعلن إلا عن الأرقام التي يتم توظيفها وتوطينها في الأجهزة والشركات الرسمية؛ ولا يتم الإعلان عن عدد الذين يعملون في مزارعها ومؤسساتها.
ويؤكد الباحثون أن عدد المهجَّرين الصينيين يزيد عن 10 ملايين نسمة، وأن كثافتهم حاليًا تفوق نسبة المسلمين الأويغور وغيرهم في تركستان الشرقية؛ وعلى ضوء ذلك يشير الباحثون إلى أن في كثير من المدن تبدَّلت النسبة من 9 الأويغوري وصيني واحد إلى 9 صينيين وواحد الأويغوري؛ وفي "أورومجي" عاصمة تركستان الشرقية تحوَّلت النسبة من 80% للأويغور و20% للصينيين إلى 80% للصينيين و20% للأويغور ، بل بدأ التذويب السكاني الصيني يهدد مدينة "كاشغر" التي كانت تُعرف لمكانتها العلمية الإسلامية ببخارى الصغرى.
ويجري تنفيذ هذا التوطين الصيني بمنح المهجَّرين إعفاءاتٍ ضريبيةً شاملةً، مع توفير المساكن والأراضي التي تتم مصادرتها من الأويغور المسلمين الذين تم طردهم إلى أطراف القرى والأراضي القاحلة، وأصبح ثلاثة أرباع سكان "كاشغر" لا يجدون الماء الكافي، وفي "أورومجي" لم يعد الأويغور يوجدون في مراكزها التجارية إلا متسولين، أو باعة متجولين، أو طباخين يبيعون الأطعمة في أزقتها.
- سياسة طفل واحد لكل أسرة(1/272)
وبالإضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان والتمييز في التوظيف وسياسة التفقير المطبقة ضد مسلمي تركستان الشرقية قام النظام الصيني بتأسيس برنامج على درجة عالية من التمييز والعنصرية؛ يهدف إلى تغيير التوزيع السكاني بإقليم سينكيانج وبذل كل جهدها لتطبيق نظام "طفل واحد لكل أسرة" على الأويغور، بينما لم تطبقه على باقي الإثنيات التي تعيش في الإقليم نفسه، وكانت النتيجة أن تغيَّر التوزيع السكاني تمامًا ولم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، بل تطوَّر حتى صار "الهان"- الصينيون الأصليون- يسيطرون على المجالات الاقتصادية والسياسية؛ وقد تم ذلك من خلال خطط مدروسة، مثل: إلغاء اللغة الأويغورية، وتوفير الخدمات المتميزة والوظائف لمجتمع "الهان" الذي يتزايد يومًا بعد يوم؛ وكذلك مُنع الأويغوريون من العمل في الشركات الصينية، خاصةً بعد اكتشاف آبار البترول التي تتواجد بغزارة في المنطقة.. الأمر الذي يصعد من أزمة البطالة بينهم.
- الاضطهاد خارج الإقليم
لا يتوقف الاضطهاد فقط في داخل تركستان الشرقية، وإنما يمتد الاضطهاد إلى خارج الإقليم؛ ففي "بكين" -عاصمة الصين- وقع الاضطهاد على منطقة اسمها "قرية سينكيانج"، فتم إغلاق 30 مطعمًا للمسلمين، وتشريد أكثر من ألف مسلم هذا ما يتم الإعلان عنه، ولكن ما خفي كان أعظم.
- طمس معالم الإسلام والحرب الثقافية
وبما أن الإسلام يشكِّل مرتكزًا أساسيًّا في ثقافة الأويغوريين تتجه الحكومة الصينية إلى طمس جميع الرموز الإسلامية؛ فالمدارس الإسلامية والمساجد إما مغلقةٌ أو خاضعةٌ لتقييدات صارمة، ومؤخرًا تم منع التلاميذ في المدارس والجامعات مِن تأدية الصلاة، ومِن صيام رمضان، بل وصل الأمر إلى منعهم من حمل المصاحف أو امتلاكها.(1/273)
كما أن تدفق هؤلاء المهجَّرين الصينيين وكثافة توطينهم لم يؤدِّ إلى تدهور الوضع الاقتصادي لمسلمي تركستان الشرقية فحسب بل إلى ممارسات جائرة ضد المسلمين؛ حيث مُنع رفع الأذان من مكبرات الصوت؛ بدعوى أنها تزعج هؤلاء الصينيين الدخلاء؛ وتروِّج للزواج المختلط بين الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين بضغوط اقتصادية وإغراءات مادية؛ نظرًا لما يشكله هذا الاستيطان الصيني المكثَّف من ضغط على المدارس المحلية.
فعلى سبيل المثال في المدرسة المتوسطة الأولى في "كورلا"- وهي مدينة تركستانية، حيث يختلط 750 طالبًا أويغوريًّا مع 1800 طالب صيني- أمرت الإدارة المدرسية بأن يدرس الطلاب الأويغور باللغة الصينية؛ ولم يتمكن من ذلك إلا 75 طالبًا فقط؛ وبدلاً من أن يطلب من المهجَّرين الصينيين تعلم اللغة الأويغورية- وهي لغة البلاد الأصلية- أصدر وانج لي جوان- سكرتير الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة "سينكيانج" المسمى الصيني لتركستان الشرقية- قرارًا بتاريخ 9 مارس 2002 يتضمن فرض التدريس باللغة الصينية لكافة المواد المدرسية من الصف الثالث وما فوق، مهددًا لغة شعب تركستان المسلم وثقافته العريقة إلى الزوال.
وكان قد أعاد صياغة تاريخه بصناعة تاريخ صيني وزوَّر حضارته الإسلامية ذات الأصل التركي بحضارة مزيفة لا تمتُّ إليه بصلة؛ وذلك بعد أن اضطهد واعتقل المؤرخين والمؤلفين المسلمين، أمثال تورغون ألماس وتوختي تونياز؛ بسبب كتاباتهم التي تعكس تاريخ الأويغور الحق قبل الاحتلال الصيني وبعده، وبالتالي غدا الصينيون هم الذين يكتبون تاريخ وحضارة هذا الشعب المسلم، وتفرض كتبهم على الأويغور الذين ينحصر دورهم على دراستها والقراءة أو الترجمة فقط، ولا يحق لهم النقد والإيضاح وكشف الحقائق، وتأتي هذه الممارسات بالإضافة إلى تجريم وحظر منظمات المقاومة والتحرر في تركستان وأهمها:(1/274)
- الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية ETIM: وهي المنظمة التركستانية الوحيدة التي اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية إرهابيةً؛ لاعتقال بعض أفرادها وزعيمها المطلوب الشيخ حسن مخصوم، الذي قتل قبل هذا الإعلان في أفغانستان بتاريخ 2/10/2003م.
- مؤتمر شباب الأويغور الدولي WUYC: تأسس في ميونيخ بألمانيا في 9/11/1996م ويرأسه حاليًا دولقون عيسى، وهو أحد المطلوبين، وهذه منظمة شبابية أكثر أعضائها من الطلاب والشباب المهاجرين من تركستان الشرقية من بعد 1985م.
- المركز الإعلامي لتركستان الشرقية ETIC: ومقره في ميونيخ بألمانيا، ويديره عبد الجليل قراقاش، وهو من أوائل من التجأ من مسلمي الصين إلى ألمانيا، وفتح موقعًا في الإنترنت لتعريف العالم بالأحداث الفاجعة في بلاده بعنوان: WWW.UYGUR.COM، وذلك باللغات الأويغورية والتركية والإنجليزية والعربية؛ كما نشر جريدةً أسبوعيةً باللغتين الأويغورية والتركية باسم "أوجقون".
- منظمة تحرير تركستان الشرقية ETLO: وهذه أسسها بعض الشباب الأويغوري في عام 1999م وترأسها محمد أمين حضرت، وهو مؤلف ومخرج سينمائي معروف، اشتهر في أوائل ثمانينيات القرن العشرين في أورومجي والصين.
42 تجربة نووية في أراضي المسلمين
لم تكتفِ حكومة الصين بالآثار المدمرة التي تركتها التجارب النووية على البيئة والإنسان في منطقة لوب بتركستان الشرقية، التي جعلتها حقلاً لتجاربها النووية منذ عام 1964م واستمرت تلك التجارب تمارس مكشوفة في الفضاء حتى عام 1980م، ثم توقفت كما تزعم في عام 1996م، وبلغ إجمالي هذه التجارب 42 تجربةً نوويةً وهيدروجينيةً.(1/275)
وقد أدت هذه التجارب إلى تزايد انتشار حالات الإصابة بالسرطان والإجهاض وتشوُّه المواليد؛ ومع أن الحكومة الصينية حاولت إخفاء ذلك وتبرير ما نتج عن هذه التجارب النووية، إلا أن المنظمات الدولية- مثل "منظمة السلام الأخضر" و"منظمة الأطباء العالميين لمنع الحرب النووية، IPPNW"- أكدت نتائجها المدمرة على السكان والبيئة، خاصةً أن مستوى الإشعاع الذري في منطقة لوب نور وصل إلى مستويات تتجاوز حدود الأمان العالمية بكثير، لا سيما من عناصر الإسترتونيوم والسيزيوم.
وفي مؤتمر المرأة العالمي في بكين عام 1995م أثارت الدكتورة قالية كولدوجازيف- وهي باحثةٌ من جامعة بشكك بجمهورية قيرغيزستان- قضية ارتفاع نسبة الوفيات إلى 40% في مناطق قيرغيزستان الشرقية على حدودها المتاخمة مع مقاطعة "سينكيانج" أو تركستان الشرقية بالصين، وذلك في أواخر شهر مايو 1994م؛ على إثر تجربة نووية في تركستان الشرقية.
وذكرت هذه الباحثة أن نسبة ارتفاع الأمراض في تلك النواحي من قيرغيزستان تصل إلى 5.8 في الألف، وأن الأطفال يعانون من اضطراب النظام العصبي وقصور في القلب.. هذا كله بسبب ارتفاع مستوى الإشعاع الذري في قيرغيزستان المجاورة، فكم هي آثارها القاتلة في تركستان المسلمة نفسها؟! وما تحدثت عنها هذه الباحثة هو عن تجربة نووية تحت الأرض، ولكنَّ هذه البلاد وشعبها المسلم لا يزال يعاني من نتائج التفجيرات النووية التي كانت تتم مكشوفةً في الفضاء.
حرب المخدرات القذرة والطريق الأسود
وكأن كل هذه الوسائل لم تكف لنشر الموت لإبادة المسلمين؛ فاستغلت السلطات الصينية فقدان الوعي الصحي والاجتماعي الذي فرضته على الشعب التركستاني المسلم من خلال ترويج المخدرات والكحول، فمثلاً في مدينة قراماي يوزع الخمر مجانًا على الأويغور المسلمين، كما جاء في نشرة البيانات الحرة Free Lists التي توزعها كيستون نيوز سرفيس Keston News Service بتاريخ 10 مارس 2002م.(1/276)
وقد ذكر الباحث الغربي جوستين رودلسون في مقال له بتاريخ 11 يونيو 2002م: "إنه في مدينة "إيلي".. عندما حاول الطلاب المسلمون توعية الشباب بمخاطر الكحول وضرره على الإنسان- مطالبين محلات الخمور بالتوقف عن البيع- قامت السلطات الصينية بقمع حملتهم بالقوة؛ فنتج عنها مقتل 200 طالب مسلم في عام 1997م".
ودخلت تجارة المخدرات سرًّا من ميانمار- بورما سابقًا- وتايلاند وما يُعرف بالمثلث الذهبي عبر مقاطعات يوننان وجنغهاي وكانسو، ومنها إلى تركستان الشرقية، ثم اتصلت بالمافيا الدولية لتجارة المخدرات في باكستان وأفغانستان وقازاغستان، ومنها إلى أسواق العالم في أوروبا وأمريكا، وهذه المناطق الصينية التي يمر منها طريق المخدرات- الذي عرف بالطريق الأسود- هي بلاد تسكنها أكثريةٌ إسلاميةٌ؛ حيث يصدر منه مثلاً ما بين 80: 100طن من الهيروين رقم 44 الذي تنتج ميانمار منه نحو 200 طن سنويًّا.
وفي الوقت الذي يعاقَب فيه مروِّجو المخدرات بالسجن والإعدام في مناطق الصين الأخرى، فالمروِّجون لها في مناطق المسلمين يتمتعون بحماية السلطات السرية لنشاطاتهم، وقد أثبتت التحريات- التي أجريت في مقاطعة يوننان وفي معسكر جان جي- أن قادة جيش التحرير الشعبي (الاسم الرسمي للجيش الصين) يتاجرون بهذه السموم القاتلة.
فمثلاً في مدينة لينشيا في مقاطعة كانسو- التي يسميها المسلمون الصينيون بـ"مكة الصغرى" لكثرة مساجدها ومدارسها الإسلامية- تعتبر أحد المراكز الناشطة لتجارة الهيروين في الصين؛ وهو متوفر في كل مكان، ورخيص جدًّا مما يحدوهم إلى استخدامه في التدخين.(1/277)
وينتهي هذا الطريق الصيني للمخدرات في تركستان الشرقية بترويجها بين الأهالي دون شعور منهم؛ حيث يتم دسها في الأطعمة والمشروبات التي تقدم في المطاعم؛ وقد بلغت نسبة من ابتلي بها 20% من جملة السكان؛ كما أن المبتلين بها من فئة الشباب- الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة- تبلغ نسبتهم 80%؛ والهيروين الذي يباع باسم بايميان لا تصل نقاوته حتى 30%، ولم يقتصر الترويج لهذا النوع فقط، بل هناك أنواعٌ أخرى من المخدرات من بينها الكوكايين والأفيون والحشيش، والماريجوانا والإفيدرين وغيرها.
وهذه المخدرات التي أخذت تتدفق إلى تركستان الشرقية بتشجيع السلطات الصينية منذ عام 1994م جلبت معها مرض الإيدز إلى مناطق المسلمين؛ حيث تفيد التقارير أن التحاليل الطبية التي أجريت على مسلمي تركستان الشرقية في عام 1995م لم تسجل إصابةً واحدةً بالأعراض الخاصة بفيروس مرض نقص المناعة الطبيعية المكتسبة HIV، ولكن في نهاية عام 1996م يقول الباحث الصيني زنج شي وين- من الأكاديمية الصينية لدواء المقاومة "Chinese Academy of Preventive Medicine"-: "إن واحدًا من كل أربعة يتعاطون المخدرات كان إيجابيًّا لتحليل فيروسHIV، وفي السنوات الأخيرة أصبحت تركستان الشرقية من أكثر المقاطعات الصينية ابتلاءً بوباء الإيدز، وأن المسلمين الأويغور هم أكثر القوميات التي مُنيت بهذا الوباء، ويقدَّر العدد الحقيقي للمصابين به بأكثر من 30 ألفًا.
يذكر أن 3 من كل 200 شخص في أورومجي يحملون الأعراض الخاصة بفيروس مرض نقص المناعة، بينما تقدر بعض الجهات المحلية نسبة المصابين بهذا المرض بنحو 40% في أورومجي و85% في مدينة إيلي بالقرب من حدود كازاخستان، ويمكن القول بأن نسبة الإصابة تصل إلى 30% تركستان الشرقية؛ ما يجعلها المقاطعة الأولى في نسبة انتشار الإيدز في الصين كلها.(1/278)
وبعد عرض هذه الصفحات من تاريخ مسلمي الصين المصبوغ بدمائهم وانتهاكات حقوق الإنسان هل تظل المذابح وحرب الإبادة بحق مسلمي الصين شأنًا داخليًّا، لا تمتلك دولةٌ من دول المسلمين مجرد رفع الظلم عنهم أو حتى التهدئة؟! ففي الوقت الذي سمحت فيه الصين بتخريج دفعة من حفظة القرآن مؤخرًا- كما نقلت لنا الفضائيات- تحرق المصاحف وتفصل المسلمين من أعمالهم، لمجرد أنهم مسلمون في داخل الصين وتهدم مساجدهم وتدرس لأئمة وخطباء مساجدها "المنفيستو" الشيوعي، وتقدم لهم الخطب الرسمية التي تسب في الاسلام أكثر مما تقول واقعه.
ووسط حالة الضعف السياسي هلا بدأت دول منظمة المؤتمر الإسلامي تفعيل دورها بعيدًا عن الإحراج الحكومي للدول العربية والإسلامية التي تخشى الدخول في مناقشات مباشرة مع الصين التي ترفع شعار "شأن داخلي"، خاصةً وأنها تعد سوقًا إستراتيجيةً كبيرةً مفتوحةً أمام المنتجات الصينية؛ مما يعطيها القوة في مطالبة الصين بمنح هذا الإقليم استقلالَه ورفع الظلم والاضطهاد الواقع على أبنائه.
المصدر/ اسلام اليوم، والموقع التالى
http://ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=13919&SecID=344
[24/08/2005]
المسلمون في تركستان الشرقية.. اضطهاد الداخل وتجاهل الخارج
أحمد الشجاع
في رمضان الماضي فرضت السلطات الصينية قيوداً منذ بداية الشهر على بعض أنواع العبادات الخاصة بالمسلمين..وضمن المحظورات منع ارتداء النقاب بالنسبة للنساء أو إطالة اللحى بالنسبة للرجال، ومنع المسؤولين المحليين من صوم الشهر الكريم..ويقوم المسؤولون في مدينة يانغ مالي بزيارة المساجد مرتين في الأسبوع بحثاً عن المخالفين لتلك التعليمات..(1/279)
وقال الموقع الالكتروني لمدينة يانغ مالي إن هناك 9 قواعد لضمان الحفاظ على الأمن والاستقرار خلال شهر رمضان، منها منع الطلبة والمدرسين من الصوم، ومنع موظفي الحكومة المتقاعدين من دخول المساجد، ومنع الرجال من إطالة اللحى وحظر ارتداء النساء للنقاب الإسلامي، ومنع إغلاق المطاعم في نهار رمضان، حسب ما جاء في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية في 9 رمضان الماضي نقلاً عن (نيويورك تايمز).
وجاء في الصحيفة أيضاً أن الحكومة الصينية ادعت أن هذه الإجراءات جاءت لمنع "التطرف والإرهاب والانفصال"؛ ولذلك فإنه "يتوجب علينا أن نتصدى لانتشار التعليم الديني الذي يقدمه زعماء دينيون وتلاميذهم" حسب ادعائها. ولم يعرف على الفور كيفية تطبيق التعليمات الجديدة الموجهة إلى عموم أبناء الإقليم المسلم وليس "المتطرفون" فحسب، ولم تذكر المصادر أن السلطات ستتخلى عن تلك القيود بعد شهر رمضان أم لا..بل إن الحكومة الصينية جعلت صلاة التراويح والقيام سبباً في التطرف حيث تقول: "يجب أن نحذر من وقت لآخر، ونوقف المتدينين من تنظيم صلوات جماعية (مثل التراويح والقيام)، ونمنع التجمعات الجماهيرية الكبيرة التي تضر بالسلم الاجتماعي والاستقرار في رمضان".
وإضافة لما سبق-كما جاء في (الشرق الأوسط)- فقد منعت حكومة الإقليم موظفيها المسلمين من أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم والمعلمين والطلاب من صيام رمضان أو ممارسة أنشطة دينية، كما حذرت من أن"أي شخص يُعرف أنه يجبر أشخاصاً آخرين على الصيام سيواجه بالعقاب"، في إشارة إلى الوعاظ الذين يتحدثون عن وجوب وفضائل فريضة الصوم.(1/280)
وفي هذا الاتجاه أصدرت السلطات أوامرها إلى المطاعم بأن تفتح أبوابها في نهار رمضان. كما طالبت السلطاتُ الرجال الملتحين بأن يحلقوا لحاهم والنساء اللواتي يرتدين الحجاب بنزعه، وإلا فإن الحكومة ستتخذ التدابير لإجبارهم على ذلك..وفي يونيو 2008م قال موقع (تركستان الشرقية) إن خمسة من مسلمي إقليم تركستان الشرقية قتلوا واعتقل عشرة آخرون على أيدي الشرطة الصينية بزعم التخطيط لحرب ضدها.
وقالت الشرطة الصينية: إن وحدات تابعة لها قتلت خمسة أشخاص في مناطق تركستان الشرقية ذات الغالبية المسلمة، كانوا يخططون لـ"حرب مقدسة" ضد عرقية "الهان" التي تعتبر أكبر المجموعات العرقية الصينية، على حد زعمها..ونقلت تقارير إعلامية صينية أن القتلى الخمسة كانوا من بين مجموعة تضم 15 شخصاً دهمت الشرطة منازلهم في منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية) التي تقطنها غالبية من "الأويغور" وهم من المسلمين السنّة الذين تقول بكين إن بينهم تنظيمات متشددة تحمل السلاح مطالبة باستقلال الإقليم..وفي أبريل 2008م أخذت السلطات الصينية مجموعة من المسلمات التركستانيات في محافظة فيض آباد إلى المدن الصينية مثل تيانجين للعمل فيها.
وقال موقع (تركستان الشرقية) إن السلطات الصينية أرسلت 243 مسلمة تركستانية من محافظة فيض آباد التابعة لمنطقة كاشغر إلى المدن الصينية مثل تيانجين وخيبي، إلا أن الخبر لم يشر إلى نوعية العمل أو اسم المصنع الذي يعملن فيه.
وبدأت السلطات الاحتلال الصيني تطبيق سياسة التهجير المتبادل التي تهدف إلى محو وجود مسلمي تركستان الشرقية في عام 2006م.(1/281)
منذ ذلك الوقت رغّبت السلطات الصينية الصينيين في داخل الصين للهجرة إلى تركستان الشرقية بكونها منطقة غنية ومناسبة للمعيشة، في حين كثفت السلطات تهجير التركستانيين وعلى رأسهم مسلمات تركستانيات - تتراوح أعمارهن ما بين 18- 25سنة - إلى مدن الصين المختلفة من خلال استخدام وسائل عديدة من بينها التهديد بسجن آبائهن عند رفضهن السفر إلى الصين الداخلية..وفي يناير2001م أعدمت السلطات الصينية زعيم (حزب الله) الإسلامي في تركستان الشرقية-أركين أبول- بتهمة "التخطيط لهجمات إرهابية وتنفيذها في إقليم شينجيانغ(تركستان). كما حُكم على عشرة أعضاء آخرين في الجماعة بالسجن لمدد تتراوح بين عامين والسجن مدى الحياة..هذه ثلاثة نماذج لممارسات اضطهاد وعنف تتخذها السلطات الصينية ضد مسلمي إقليم (تركستان الشرقية) الخاضع لسيطرتها..وقبل أن ندخل في تفاصيل الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون الصينيون، نستعرض نبذة مختصرة عن تركستان الشرقية ومسلميها.
تركستان الشرقية
تركستان: مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين، (ترك) و(ستان)، ويعني (أرض الترك)، وتنقسم إلى (تركستان الغربية) أو آسيا الوسطى - التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا- ويحدها من الشرق جبال (تيان شان)، ومن الغرب (جبال الأورال) و(بحر قزوين)، ومن الشمال سلاسل جبلية قليلة الارتفاع، ومن الجنوب هضبة التبت..أما تركستان الشرقية الخاضعة الآن للصين، وتعرف باسم مقاطعة (شنجيانج)، فيحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية هي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيستان، ومن الجنوب أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية.(1/282)
وتبلغ مساحة تركستان الشرقية حوالي (1.8) مليون كم2، أي خُمس مساحة الصين، وهي تعد أكبر أقاليم الصين، ويزيد عدد سكانها على (25) مليون نسمة، ويتكون سكانها المسلمون من أجناس مختلفة: كالأيغور (وهم يشكلون غالبية الإقليم)، والتركمان، والقازاق، والأوزبك، والتتار، والطاجيك، ونسبة المسلمين فيها حوالي 100%..وقد أطلق الصينيون على تركستان الشرقية اسم (شينجيانغ)، وتعني الوطن الجديد، أو المستعمرة الجديدة، وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمر بها ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.
أما حديثًا فهي غنية بموقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية، فتمتلك احتياطياً ضخماً من البترول ينافس احتياطي دول الشرق الأوسط، وتمتلك من الفحم ما يعادل (600) مليون طن، وبها أجود أنوع اليورانيوم في العالم، ويستخرج من ستة مناجم بها؛ لذا فهي عصب اقتصاد الصين وعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية، فالصواريخ الصينية النووية، والصواريخ البالستية عابرة القارات تنتج في تركستان الشرقية. المصدر:(مصطفى عاشور-إسلام أون لاين)(1/283)
وجاء في موقع (تركستان الشرقية) أن تركستان الغربية وتركستان الشرقية كانتا جزءاً واحداً اقتسمته السلطات الصينية، وكان هذا التقسيم ثمرة لصراع مرير بين الجانبين دام 200 سنة.. فتمتعت بلاد تركستان بالاستقلال الكامل منذ فجر التاريخ حتى ظل الإسلام وبعده وظلت هذه البلاد في أكثر الأحيان متماسكة سياسياً واقتصادياً ومستقلة حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.. والجزء الغربي من تركستان تم احتلاله تدريجيا من قبل حكام الروس في عام 1865م، ومن ثم عرفت تلك المناطق بتركستان الغربية وبعد قيام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية الروسية في عام 1922م قسمت هذه البلاد إلى خمسة جمهوريات تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية المستقلة في آسيا الوسطى..وأما الجزء الشرقي من تركستان فقد غزاه حكام من سلالة منجو الصينية في عام 1876م، وتبع ذلك الغزو أن أصبحت تلك المناطق تعرف باسم شينجيانغ ومعناه (المستعمرة الجديدة).
الإسلام في تركستان
يقول مصطفى عاشور – في موقع إسلام أون لاين- كانت بداية وصول الإسلام إلى تركستان- بصفة عامة- في خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) على يد الصحابي الجليل الحكم بن عمرو الغفاري – رضي الله عنه -، لكن مرحلة الفتح الحقيقية كانت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على يد قائده قتيبة بن مسلم الباهلي الذي تمكّن في الفترة من (83- 94هـ = 702- 712م) من السيطرة على ربوع التركستان ونشر الإسلام بين أهلها، ثم دانت لحكم العباسيين بعد سقوط الخلافة الأموية. وفي فترات ضعف الخلافة العباسية قامت في المنطقة مجموعة من الدول المستقلة، ثم حكمها المغول بعد قضاء جنكيز خان على الدولة الخوارزمية سنة (628هـ = 1231م).(1/284)
وقد عرفت تركستان الشرقية الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يحملون بضائعهم ومعها الإسلام إلى أي مكان يسافرون إليه، فقد كان طريق تجارتهم ودعوتهم طريقا واحدًا، فتوثقت العلاقات التجارية بين العرب والصين، وحصل بعض التجار المسلمين على ألقاب صينية رفيعة..وتشجيعًا للتجارة التي كانت مقصورة على المسلمين في عهد أسرة (سونج) في القرن العاشر الميلادي- سنّت هذه الدولة قانونًا يقضي بعقاب كل من يسيء إلى التجار الأجانب؛ لذا وجدت جاليات إسلامية كبيرة في عدد من المدن، بالإضافة إلى وجود بذور إسلامية في الصين عندما تعرض الإمبراطور الصيني (سو) لثورة وتمرد، فاستغاث بالخليفة العباسي أبي جعفر المنصور سنة (139هـ = 756م) فأرسل إليه أربعة آلاف جندي مسلم، وقد نجح الإمبراطور-بمساعدتهم - في القضاء على التمرد واستعادة عرشه؛ الأمر الذي أدى إلى استبقاء الإمبراطور لهؤلاء الجنود؛ فتزوجوا من صينيات، وأسهموا في غرس بذور الإسلام في البلد البعيد، وتشير بعض السجلات الصينية إلى أن الحكومة الصينية كانت تدفع بعض الأموال السنوية لأسر هؤلاء الجنود.
وتوطد الإسلام في تركستان الشرقية سنة (322هـ = 934م)، بعدما اعتنق الخان سوتوق بوغرا - الذي أصبح حاكمًا للإقليم - الإسلام، وأسلم لإسلامه معظم السكان، وبمرور الوقت أصبح تركستان الشرقية مركزًا رئيسيًا من مراكز الإسلام في آسيا..ويوضح الموقع الإسلامي الإلكتروني (تركستان الشرقية) أن معارك دامية قامت بين المسلمين التركستانيين وبين حكام (منجو) الصينيين في عام 1759م؛ راح ضحيتها أكثر من مليون مسلم وفرضوا سيطرتهم على تركستان الشرقية حتى عام 1862م.. وقد شهدت تلك الفترة تمرد شعب تركستان الشرقية ضد احتلال المنجو الصينية 42 مرة..وفي آخر تمرد عام 1863م نجح الشعب التركي المسلم في طرد حكام منجو من وطنهم وأقاموا دولة مستقلة إسلامية تحت زعامة يعقوب بك الذي استمر حكمه 16عاما.(1/285)
ولكن نظراً للتوسع الروسي خلال عهد (التسارست) فقد تخوف البريطانيون من وقوع تركستان الشرقية تحت الاحتلال الروسي فقدموا النصيحة والأموال للحكام (منجو) الصينية باحتلال تركستان الشرقية مرة ثانية..واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال (زوزونغ تانغ) مهاجمتها واحتلاها مرة أخرى في عام 1876م، ومنذ ذلك التاريخ تم تسمية تركستان الشرقية باسم (شينجيانغ Xinjiang )، وفي 18 نوفمبر 1884م ضمت داخل حدود إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها.
بعد تولى الحكومة الوطنية الصينية مقاليد السلطة في الصين عام 1911م حاول شعب تركستان الشرقية التحرر من الاحتلال الأجنبي فقاموا بعدة ثورات ونجحوا مرتين: الأولى في عام 1933م، والثانية في عام 1944م، حيث تمكنوا من إقامة دولة مستقلة إسلامية في تركستان الشرقية، إلا أن تلك الدويلة المستقلة لم يكتب لها الاستمرار؛ حيث إن موسكو لم تتردد في كلا المرتين في إرسال قواتها البرية والجوية والقيام بكل ما من شأنه القضاء على هذه الجمهورية الفتية؛ لأنهم كانوا يعرفون أن تركستان الشرقية ستكون دعما لشقيقاتها في آسيا الوسطى في كفاحها للتخلص من ربقة الشيوعية. وقتل الصينيون- بعد سقوط الحكومتين- أكثر من مليون مسلم.
حكم الصين الشيوعي(1/286)
بدأت الصين الشعبية احتلال تركستان الشرقية بمذابح رهيبة، وفرضت حكمها بعد مجازر دموية فظيعة، وكان ما فعلت في البلاد أن هرعت إلى بعض الترتيبات لإزالة الإسلام من النفوس، ومواصلة حكمها للبلاد..وقسمت البلاد إلى450 كوميون (معسكر العمل الإجباري) ليعمل فيها العمال والفلاحون المسلمون، وهم يشكلون 98% من عدد السكان، وقد مات الكثيرون في هذه المعسكرات، وألغيت الملكية خاصة، وصودرت كل ثروات المسلمين بما في ذلك حلي النساء.. وأعلنت حتى الأفراد والأولاد للحكومة وجعل طعام الناس جماعية، ومُنع الطبخ في البيت، وفُُرق الأزواج عن بعضهما، وكان يؤذن للمتزوج بلقاء زوجته لعدة دقائق بعد كل أسبوعين، وكانت تُمنح المرأة إجازة لثلاثة أيام فقط للولادة.
وأعلنت الحكومة الشيوعية قطع صلة مسلمي تركستان الشرقية بالإسلام والمسلمين عموما، فمنعت خروج المسلمين إلى خارج البلاد كما منعت دخول أي أجنبي، وفوق ذلك كل من كان له أقارب في الخارج كان يعذب حتى يسجن بتهمة أنه جاسوس وله ارتباط في الخارج..ومنعت الحكومة الشيوعية إقامة الصلاة وصوم رمضان وبقية أركان الإسلام وقراءة الكتب الدينية والقرآن والصحف الأجنبية وكذلك الاستماع إلى إذاعات الدول الأجنبية..ومنعت من استضافة الضيوف ومساعدة أسر المعتقلين، ومن الحزن على الأقارب المنفذ فيهم حكمالإعدام ومن احترام الميت، ومن إقامة مراسم للأفراح أو للجنائز..ومنعت أيضا أكل المأكولات باللحم والسمن ولبس الملابس الحريرية أو الصوفية وإخفاء النقود أو الأشياء القيمة في المنازل. وأجبرت الشيوعية على التحدث عن (ماوتسى تونغ) بوصفه (الإله الحي)، وعلى القبول بما تقول به الشيوعية دون قيد أو شرط.(1/287)
نتيجة لذلك المعاناة - وحتى يدافع المسلمون عن وطنهم ويحافظون على دينهم وهويتهم القومية – قام شعب تركستان الشرقية بـ45 ثورة تمرد ضد الشيوعيين في الفترة من عام 1949م إلى 1968م، أعدم منهم ما يقارب 360 ألف مسلم من تركستان الشرقية..ونجح أكثر من 200 ألف في الهجرة إلى الدول المجاورة، بينما اعتقل ونقل نحو500 ألف إلى 19 معسكر أشغال شاقة في تركستان الشرقية.
مرحلة ما بعد (ماوتسى تونغ)
بدأت فترة المعاصرة بعد موت ماو في عام 1978م، وبعد أن ثبّت الشيوعيون أقدامهم في تركستان الشرقية, وذلك عبر القضاء على الزعماء الوطنيين والعلماء ورجال الدين ورجال الأعمال بشتى الأساليب وبعد القضاء على التعاليم الإسلامية والحضارة التركية والمعالم الوطنية وبعد فرض سياسته التصيين الثقافي والتعليمي..وتتميز هذه الفترة بتحول الشيوعيين الصينيين من تطبيق سياسة الإرهاب المكشوف إلى ممارسة سياسة تطبيق الشيوعية العلمية والتصيين الثقافي.
في يوم 5 أبريل 1990م أراد أهل قرية بارين في منطقة آقتو في جنوب كاشغر بناء مسجد جديد في قريتهم، فاعترضت السلطات الشيوعية وبدأ الاشتباك معهم، وقصفت القوات الصينية تلك القرية بالمدافع والطائرات، بل ازدادت وحشيتهم بإلقاء القنابل اليدوية على البيوت لإجبار النساء والأطفال على الخروج منها، فمن لم تقتله القنابل قتله رصاص الجنود الصينيين؛ وذهب ضحيتها أكثر من ستين مسلماً حسب إعلان الحكومة، واعتقل أكثر من ألف شخص ولا يزال بعض من ألقي القبض عليهم في السجون حتى اليوم..وقد ألقى سونغ هان ليانغ - رئيس الحزب الشيوعي للمقاطعة - تقريراً عن هذه الواقعة في اجتماع اللجنة المركزية لأعضاء الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ (تركستان الشرقية) في 21 أبريل1990م، واتخذت السلطات الصينية على إثره عدة إجراءات تم تنفيذها من تاريخ 16 سبتمبر 1990 م وتضمنت ما يلي:ـ(1/288)
أ ـ إجبار جميع رجال الدين على حمل تصاريح رسمية تمنح لهم على ضوء تقارير الجهات الأمنية التي تؤكد على مدى تعاونهم ومؤازرتهم لرجال السلطات والحزب الشيوعي، وتجدد لهم سنويا حسب التقارير التي ترفع عنهم.
ب ـ إرسال الأئمة ورجال الدين إلى معسكرات عمل لإعادة تأهيلهم وفق المبادئ الشيوعية وتعاليم السلطات الصينية في التعامل مع شئون المسلمين الدينية والاجتماعية.
جـ - استدعاء رجال الدين إلى المراكز الأمنية والمباحث وإجبارهم على توقيع تعهدات بالامتناع عن تعليم أبناء المسلمين أحكام دينهم الحنيف في المنازل أو في المساجد.
د ـ الاكتفاء بالمساجد القائمة بحجة أنها كثيرة وأنها تسبب إزعاجاً لسكان الأحياء الجديدة، وحظر استخدام مكبرات الصوت إلا في المساجد الرئيسية في المدن المفتوحة التي يتردد إليها السياح الأجانب، وأن يكون استخدامها لصلاة العيدين وصلاة الجمعة فقط؛ وقد أدت هذه الإجراءات إلى إيقاف بناء 235 مسجداً وإغلاق خمسين مدرسة في كاشغر فقط.
هـ - منع أفراد الشعب التركستاني من ممارسة حقوقهم الإنسانية المشروعة كالتعليم وحرية التعبير إلى جانب الاعتداء على تلك الحقوق بالمطاردة والاعتقال، بل والقتل كما أثبتت ذلك منظمة العفو الدولية.
وإذا كان التعليم الإسلامي لا يسمح له بالانتشار بين مسلمي تركستان الشرقية، فالتعليم الفني لم يكن أفضل منه:(1/289)
مجلة النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى التي تصدر في هونغ كونغ أشارت – في عددها الصادر بتاريخ 29/1/1985م- إلى أن نسبة المسلمين الأتراك تصل إلى 60 % في تركستان الشرقية، ولكن نسبتهم في المدارس الابتدائية 52.9 %، وفي المدارس الثانوية 31.5 % من إجمالي الطلاب..وأما الجامعات والمعاهد العلمية فلا يدخلها إلا 10 % من طلاب المسلمين خرجي الثانوية العام، ولا يزيد نسبتهم فيها عن 40 %..ولا يزيد نسبة الأساتذة الجامعيين التركستانيين عن 26 % من جملة أساتذة الجامعات في تركستان الشرقية؛ وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبة المتعلمين إلى 94 شخص في كل ألف شخص.
كما أن الكتب التي تدرس في المعاهد العليا والفنية فكلها باللغة الصينية. ويعاني خريجو المدارس المحلية الصعوبات أثناء تأدية اختبارات المعاهد التعليمية؛ لكون أوراق أسئلة الامتحانات باللغة الصينية، حيث يمكنهم فيما بعد دخول المعاهد العليا دون مواجهة مشاكل لغوية. إلا أن الطلاب المسلمين الأتراك بعد تخرجهم من المعاهد العليا يواجهون صعوبات في التحدث بصورة صحيحة بلغتهم الأم؛ فهم يلجؤون إلى استخدام الكلمات الصينية في حديثهم كما أنهم ينسون عاداتهم وتقاليدهم ويسلكون المسلك الصيني مما يسبب ردة فعل سلبية بين أبناء جلدتهم.
وفي مقال نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) – في 6/12/1422- تحت عنوان (تركستان الشرقية ليست صينية وتاريخها شاهد كبير)، ذكر الكاتب التركستاني - توختي أخون أركين - أنه وعقب الاحتلال الصيني المانشوري الأول لبلاد تركستان في عام 1760م أطلق الصينيون عليها اسم بلاد الأويغور خوي جيانغ Hui Chiang. وبعد الاحتلال الصيني المانشوري الثاني لتركستان الشرقية في عام 1877م، صدر مرسوم إمبراطوري بتاريخ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1884م بتحويل تركستان الشرقية إلى مقاطعة، وتسميتها سنكيانغ Sinkiang أو شنجانغ Xinjiang.(1/290)
وفي صدر الإسلام، مع ظهور بلاد ما وراء النهر، أصبح اسم تركستان يطلق على المناطق التي تقع في شمال شرق ما وراء النهر، وبالأخص على تركستان الشرقية، حيث يعدد ابن كثير من مدن تركستان كاشغر وبلاساغون وختن وطراز، ويصدق على هذا ما يقوله أبو الفداء المتوفى عام 732هـ/1321م: كاشغر قاعدة تركستان، وقد كانت عاصمة دولة القاراخانية أول دولة تركية إسلامية، ومنذ ذلك التاريخ واسم تركستان يستعمله كل باحث وكاتب، وإبان الاحتلال الروسي لجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية الخمس كان المسلمون يطلقون عليها تركستان الغربية، بينما الروس والسوفيات أسموها آسيا الوسطى السوفياتية، والجزء الذي احتلته الصين عرف باسم تركستان الشرقية أو الصينية..ثم استمر استعمال اسم تركستان الشرقية حتى في المؤلفات التي طبعت في تركستان نفسها قبل الحكم الشيوعي في الصين، مثل كتاب (اوترا آسيانينك تاريخي) أي تاريخ آسيا الوسطى، المطبوع في كاشغر في عام 1936م..وكتاب (ولكه ترايخي) أي تاريخ المنطقة المطبوع في أورومجي في عام 1948م، ناهيك عن آلاف الكتب والنشرات والصحف التي أصدرها الثوار التركستانيون منذ الاحتلال الصيني لبلادهم في داخل تركستان وخارجها، بل استعملها الصينيون أنفسهم..ويضيف المقال: العلاقات التي ربطت تركستان بالصين هي علاقات تجارية من خلال طريق القوافل بين الشرق والغرب، والتي عرفت باسم طريق الحرير بعد أن أطلق عليها المستشرق الألماني ريختوفن Ferdinand von Richthofen هذا الاسم في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.(1/291)
إن الوجود الصيني، أيا كان نوعه، لم يكن مستمرا كما يؤكده الرحالة الصينيون أنفسهم. وتقول الباحثة الصينية وان شوي يو Wan Xueyu - التي تعمل أستاذة مشاركة في معهد دراسات آسيا الوسطى في جامعة شنجانغ-: عندما احتلت عائلة جنغ المالكة هذه البلاد بالقوة العسكرية في عام 1759م، لم يكن هناك أي أثر للاستيطان الصيني في شنجانغ، ما عدا جماعات صغيرة قليلة العدد في الجزء الشمالي من شنجانغ. وهكذا في عام 1944م، قبْل الحكم الشيوعي كانت نسبة الصينيين 5.7% إلى 76% من الأويغور، أكثرهم من أفراد الجيش الصيني والموظفين، إلى جانب عوائلهم وبعض رجال الأعمال والتجارة. وفي عام 1990م أصبح عدد الصينيين 5.695.626 نسمة بنسبة 37.59%، وعدد الأويغور 7.194.765 نسمة أي نسبة 47.49%، وفي الوقت الذي بلغ عدد القوميات الأخرى 11 قومية، ونسبتها 18.3%..في عام 1944م صار عددها 18 قومية ونسبتها 14.92%، ومنها فقط ست قوميات أصيلة، وهي القازاق والقيرغيز والتاجيك والاوزبك والتتار والمغول.(1/292)
وفي رده على السفير الصيني في السعودية – الذي قال في مقال صحفي-: "وفي سنة 60 ق.م. أسست الحكومة المركزية لأسرة الهان الغربية ولاية المنطقة الغربية الإدارية في شنجانغ وبنت المدينة وأرسلت جيشا إليها وتم جمع الضرائب فيها وذلك دليل على كون منطقة شنجانغ جزءاً من أراضي الصين رسميا"- قال توختي: لم يشأ السفير أن يتحدث حول استمرار ذلك الاحتلال، بدون انقطاع، منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وكم مرة احتلت قوات الأتراك لويانغ وشيان عاصمة الصين القديمة وفرضت الضرائب على الصين؟ هنا، لا بد من الإشارة إلى معاهدة هو تشين Ho-ch"in، التي جرى توقيعها بين ملك الهون قوغوشار، الذي يعرف في المصادر الصينية باسم هومان يه شان يو Hu Han-yeh Shan-yu، مع الإمبراطور الصيني هسوان تي Hsuan-ti في شيان Xian عاصمة الصين في عام 51 ق.م، أي بعد تسعة أعوام من التاريخ الذي يشير إليه السفير، وتتضمن هذه المعاهدة التي تجددت مرات عدة على الشروط التالية:
ـ جزية سنوية تشمل الحرير والحبوب والخمر إلى ملك الهون.
ـ يقدم البلاط الصيني أميرة صينية إلى ملك الهون.
ـ دولتا الهان والهون متكافئتان ولكل منهما السيادة في مملكتهما.
ـ كلتا الدولتين تقبلان أن يكون سور الصين الحد الفاصل بينهما.(1/293)
والواقع أن مثل هذا الاستدلال التاريخي في الادعاء بأرض الغير، ليس غريبا على حكومة الصين الشعبية- والكلام لا زال لتوخي- إذ لا يزال التاريخ يذكر بجلاء، عندما عممت حكومة الصين الشعبية على طلاب المدارس الثانوية كتاباً مدرسياً بعنوان: (مختصر تاريخ الصين الحديث Chung-kuo chin-tai chien shih) في عام 1956م، ادعت فيه السيادة على الممالك التي استقلت في ما بين 1840ـ 1919م، منها نيبال وبوتان وماليزيا وتايلاند وبورما وكوريا وانام، وكذلك أراضي أسام وسيكيم وسخالين، وارخبيل سولو وريو كيو، وأجزاء من قزاقستان وقيرغيزستان وتاجيكستان، ولا يزال خلافها مع الهند على الأراضي التي احتلتها مستمرا إلى يومنا هذا.
وحول الانتهاكات الصينية ضد المسلمين في تركستان الشرقية أشار مقال الكاتب إلى تقرير منظمة (العفو الدولية) عن انتهاك حقوق الإنسان في شنجيانغ (تركستان الشرقية) رقم 99/18/17 ASA، وتقرير اللجنة الدولية بمراقبة حقوق الإنسان Human Right Watch الصادر في 7 ديسمبر عام 2000م. وكذلك إلى ما نشرته جريدة (ساوث جاينا مورنينغ بوست South China Morning Post) التي تصدر في هونغ كونغ التي نشرت تقريرا بتاريخ 3/2/1998 أكد أن دخل الفرد الأويغوري المسلم هو أقل الدخول في الصين، إذ يبلغ سنويا 1136 يوان، أي ما يعادل 150 دولارا أمريكيا، بينما دخل الفرد في المدن الصينية يبلغ أكثر من 4000 يوان..ودخل الفرد الصيني في الأرياف 1926 يوان، وأن متوسط عمر الأويغوري المسلم هو الأقل في الصين وهو 63 عاماً، بينما متوسط عمر الفرد الصيني في الصين 70 عاماً..إضافة إلى ذلك فقد اعتقلت 17000 شخص في شنجيانغ ووضعتهم في وحدات العمل الإجباري ومزارع الجيش، هذا عدا المعتقلين في السجون كما هدمت السلطات الشيوعية 133 مسجدا، وأغلقت 105 مدارس، ولا يزال مسلسل هدم المساجد مستمرا إلى الآن.
انتهاكات أخرى(1/294)
يبدو أن معاناة الشعب التركستاني من الاحتلال الصيني الشيوعي تزيد أكثر فأكثر وجرحه لا يندمل منذ حوالي ستة عقود مضت..فبعد أن احتلت الصين الشيوعية تركستان الشرقية وأغلقت الحدود والمنافذ الخارجية نهائيا للخارج والداخل وأصبح الشعب التركستاني في سجن كبير بما يسمى شنجيانغ المتمتع بالحكم الذاتي لقومية أويغور، والذين كانوا خارج البلاد لم يستطيعوا العودة، كانت هناك مأساة الأسر التي وصلت - أو كانت في طريقها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج - اضطرت في البقاء في أماكن وجودها تنتظر فرصة العودة إلى بلادها منذ ستين عاما، ولكن طال الانتظار، حتى أن بعض التركستانيين أقاموا في بلاد الحرمين منذ أكثر من ستين سنة آملين العودة إلى بلادهم في يوم من الأيام. حسب موقع (مركز تركستان الشرقية للأخبار).
وبعد هلاك الزعيم الصيني الشيوعي ماو تسي تونغ سنة 1976م حدثت تغيرات طفيفة في السياسة الخارجية للصين وبدأ ما يسمى الانفتاح من الداخل إلى الخارج دون العكس، وسمح لبعض التركستانيين الذين لهم أقارب في الخارج السفر خارج الصين لزيارة الأقارب..وأول ما فكر المسلمون في السفر إلى الخارج كان سفر الحج إلى الأراضي المقدسة، والبداية كانت مع موسم حج عام1983م وكان عدد الحجاج التركستانيين لا يتجاوز 15 شخصا، وزاد العدد في السنة التالية إلى 300 حاجا تقريبا.(1/295)
ومنذ ذلك الحين كان يتراوح عدد الحجاج التركستانيين كل عام بين 500- 1000 حاج. وكانت معاناتهم قاسية جدا حيث كانوا يلجأون إلى عدة دول للحصول على تأشيرة العمرة أو الحج من دول مجاورة لتركستان الشرقية مثل باكستان، وقازاقستان، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة؛ لأن الصين كانت ولا تزال تمنع من يحمل تأشيرة عمرة أو الحج مغادرة البلاد..وإحساسا بمعاناة مسلمي تركستان الشرقية والصين أمرت حكومة خادم الحرمين الشريفين منذ عام 1425ـ هـ ولثلاثة أعوام متتالية بالسماح لهم بالقدوم إلى المملكة العربية السعودية في رمضان والجلوس بجوار الحرمين الشريفين إلى أن يحين موسم الحج؛ وكان هذه المكرمة سببا في تخفيف معاناتهم القاسية والطويلة ولو نسبيا وكذلك زاد عدد الحجاج من ألفي شخص إلى خمسة آلاف.
مع اقتراب موسم رمضان والحج لعام 1428هـ نشطت السلطات الصينية في تركستان الشرقية لمنع تدفق مسلمي تركستان والصين إلى باكستان وتكرار ما حدث في رمضان الذي قبله..وفي العاصمة التركستانية أورومتشي أقيمت ندوة خاصة برئاسة الحاكم الصيني العام وسكرتير الحزب الشيوعي في تركستان (وانغ لي تشوان) بتاريخ 18/6/2007م - حسب مصادر موقع إذاعة آسيا الحرة - لاتخاذ إجراءات صارمة لمنع وصول مسلمي تركستان الشرقية في الأراضي المقدسة.(1/296)
وقال وانغ - خلال حديثه في الندوة -: "علينا اتخاذ إجراءات صارمة لمنع وصول مسلمي تركستان الشرقية إلى المملكة العربية السعودية باستثناء حجاج البعثة الصينية في موسم الحج، والطريقة المثلى لمنعهم سحب جوازات السفر من قومية الأويغور بدون استثناء"..منذ تلك اللحظة نفذت السلطات المحلية - بتهديد السلاح - أوامر الحاكم الصيني وانغ لي تشوان بحذافيرها وبدأت حملة سحب جوازات سفر التركستانيين على مستوى المنطقة كلها، وأي شخص يرفض تسليم جواز سفره تفرض عليه غرامة مالية كبيرة وقدرها 50000 يوان (ما يعادل 6500$) باسم التأمين، وإذا ثبت أن أحداً ذهب إلى العمرة أو الحج يحرم من المبلغ المذكور..علما بأن الدخل السنوي للأسرة الواحدة في القرى لا يتجاوز مائتي دولار أمريكي..بينما الصينيون الذين يعيشون في تركستان الشرقية من قومية الهان يستطيعون الحصول على جواز سفر خلال أيام ويستطيعون أن يسافروا إلى أي دولة شاءوا.
اضطهاد خاص بالمسلمين(1/297)
وإذا كانت الأقليات في الصين تعاني من الحرمان والظلم بصفة عامة إلا أن المسلمين هم أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد..يقول الكاتب الإيراني – في مقال له نشرته (الشرق الأوسط) السعودية في 10 جمادى الأولى 1429-: "إن سكان التيبت ليسوا المواطنين الوحيدين الذين لا تحترم بكين حريتهم. ففي الواقع، إن سكان التيبت أفضل حالا من بعض المواطنين الآخرين الذين يعيشون تحت الحكم الشيوعي، فهم وحدهم المعفيون من قانون (طفل واحد للعائلة الواحدة)..وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ارتفع عدد سكان التيبت أسرع من متوسط الارتفاع في الصين بمقدار أربعة أمثال..كما سمح للتيبتيين بالاحتفاظ بمعظم مدارسهم والعديد من الأديرة، حيث يقوم العديد من الرهبان بما يفترض أن يقوم به أي راهب..وحتى الاضطرابات الأخيرة التي صاحبت الشعلة الأولمبية، كانت التيبت مفتوحة الأبواب أمام الزوار الأجانب والصحافيين، وهي ميزة لا تمنحها الصين لكل المناطق فيها".
وأضاف - في مقاله (الأويغور المسلمون.. الشعب المنسي في الصين) - قائلاً: "وقد تحدث ريتشارد غير - وهو نجم هوليوود اعتنق البوذية- عن (الشعب المنسي) في التيبت. ولكن، في حقيقة الأمر، فإن الأويغور هم (الشعب المنسي) في الصين. وقد دمج موطن الأويغور (تركستان الشرقية) في جمهورية الصين الشعبية عام 1949م، وتغطي تركستان الشرقية مساحة تساوي مساحة إيران تقريبا. (حوالي 1.6 مليون كيلومتر). وعلى مدى خمسة عقود، كانت هذه المنطقة مسرحا لأكبر عملية استعمار في العالم، وما زال هناك سبعة ملايين من الهان، وهي أكبر مجموعة عرقية في الصين. وقد غيرت حركة الاستعمار الكبيرة الوضع الديموغرافي في المنطقة بطريقتين:(1/298)
أولا: الأويغور وهم أتراك لا علاقة لهم بالصين. في عام 1949م كانوا يمثلون 92 في المائة من السكان، وقد أصبحوا في الوقت الحالي 46 في المائة. وهذا ليس شيئا مفاجئا..وكان عدد الأويغور عام 1949م يصل إلى نحو 18 مليون نسمة وفي الوقت الحالي يبلغ عددهم أكثر من 8 ملايين. ومن ثمّ، فإن الخسارة الديموغرافية للأويغور في موطنهم أكبر من الأرقام المناظرة الخاصة بالشيشانيين في روسيا.
ثانيا: للمرة الأولى منذ القرن الثامن الميلادي، لم تعد تركستان الشرقية أرضا إسلامية حصراً. فقد خضع المسلمون الذين يعيشون في هذه المنطقة إلى قاعدة (طفل واحد) وتم إحضار الكثير من الهان تحت زعم أن السكان الأصليين لا يستطيعون توفير العدد اللازم من العمال..وفي نفس الوقت، نقل الكثير من المسلمين الذين يعيشون في شينجيانغ، لاسيما النساء اللواتي يمكن أن ينجبن أطفالا، إلى الكثير من المناطق الأخرى في الصين بزعم التغلب على مشكلة نقص العمالة هناك!، وفي الوقت الحالي، يمثل المسلمون 54 في المائة من مجمل السكان. ولا تعد شينجيانغ هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تم تقليل عدد المسلمين فيها مقابل سكان آخرين".(1/299)
كما أشار الكاتب أيضاً إلى تقارير حقوق الإنسان الدولية من بينها "وثيقة مهمة ترجع إلى منظمة العفو الدولية نشرت عام 1999م، ووثيقة أخرى أعدها عدد من أعضاء البرلمان الكنديين عام 1998م. وتتهم الوثيقة الكندية بكين بتلفيق تهم بالإرهاب للأويغور، ومن بين التهم تفجير حافلة في أورومتشي عاصمة الإقليم. كما اتهمت الوثيقة بكين باستخدام ألفاظ شائعة دولياً مثل "الأصوليين الإسلاميين" و"الإرهابيين الإسلاميين" و"الانفصاليين" لوصف الأويغور، الذين لا يطيقون الاضطهاد الصيني ويقومون ببعض المقاومة ضد الأعمال غير الآدمية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الشعب الصيني"..وأكدت الوثيقة أن الأويغور لم يكونوا يوما مسؤولين عن أي من الأعمال "الإرهابية"، بل على العكس هم من يعيشون تحت سيطرة إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الصينية.
وختم الكاتب كلامه بالقول: "وأقل ما يمكن أن يقوله المرء هو أن مطالبة الأويغور بحقوق قومية تستحق اهتماماً مثل الذي حظيت به مطالب الدالاي لاما الخاصة بمساحة أكبر من الحكم الذاتي في التيبت. وحقيقة أن الأويغور وإخوتهم الكازاخ والطاجيك والقيرغيز والتتار والمغول الذين يعيشون في تركستان الشرقية ويدينون بالإسلام، لا تعني أنهم يجب أن يصنفوا كـ"إرهابيين إسلاميين" وأن نتركهم يواجهون الاضطهاد من دون قدرة على الدفاع"..لكن كلام الكاتب هذا لا يلقى آذاناً صاغية من المجتمع الدولي، ففي الوقت الذي يستقبل زعماء عالميون الدالاي لاما في قصورهم – كما فعل ذلك مؤخراً الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي- نجد لهؤلاء الزعماء آذناً صماء وأعيناً عمياً تجاه ما يحصل للمسلمين في تركستان الشرقية، بل الذي يحدث هو العكس.
أمريكا والصين.. تخاصم في كل شيء إلا في المسلمين(1/300)
في لقاءجمع بين الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين - يوم الجمعة 25/10/2002م - اعترف بوش بمخاوف بكين من ما أسماه "التطرف" في الصين، وذلك بإضافة الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية إلى القائمة الأمريكية للتنظيمات "الإرهابية"..وفي 20/4/2009م أعلنت الحكومة الأمريكية أنها جمدت أصول عبد الحق زعيم حزب تركستان الشرقية الإسلامي بزعم الارتباط بتنظيم القاعدة والسعي إلى تنفيذ هجمات "إرهابية" في الصين..واتخذت وزارة الخزانة الأمريكية إجراءات ضد الذي يؤيد إقامة دولة مستقلة في جزء من الصين..وقال وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والتمويل - ستيوارت ليفي - إن "عبد الحق يقود جماعة إرهابية سعت إلى زرع العنف وشق الوحدة الوطنية في الألعاب الأولمبية عام 2008م في الصين. واليوم إننا نقف سوياً مع العالم في إدانة هذا الإرهابي الوحشي وعزله عن النظام المالي العالمي".
وجاء هذا الإجراء بعد قرار اللجنة (1267) التابعة لمجلس الأمن الدولي بإدراج اسم عبد الحق على قائمتها للأشخاص المرتبطين بأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وحركة طالبان ويخضعون لعقوبات من جانب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة..ويعتقد أن عبد الحق قد تولى قيادة الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية بعد مقتل حسن معصوم القائد السابق للحزب والمعروف باسم أبي محمد التركستاني على يد الاستخبارات الباكستانية في أكتوبر 2003م.
بدورها سارعت الصين إلى الترحيب بهذا القرار في 26/4/2009م، وتعهدت - على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها - بتعزيز الجهود الدولية لمكافحة "الإرهاب" على أساس التعاون المتكافئ والمنفعة المشتركة. معتبرة: "أن محاربة الحزب الإسلامي في تركستان الشرقية يعد جزءاً مهماً في الحرب على الإرهاب" وفق وصفها.(1/301)
وأضافت: "إن المدعو عبد الحق هو الزعيم الرئيسي وأحد القيادات المهمة في الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية وقد أدرج في قائمة الأمم المتحدة للشخصيات الإرهابية بعد أن ثبت تورطه في تجنيد إرهابيين والتخطيط لأنشطة إرهابية أدت إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين الصينيين وتدمير ممتلكات عامة خاصة قبيل وخلال دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها الصين في أغسطس الماضي".
ويعلق مراسل قناة الجزيرة في الصين عزت شحرور على ذلك بقوله: إن الصين نجحت - في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانخراطها في الحرب على ما يسمى "بالإرهاب" - بإدراج حركة تحرير تركستان الشرقية ومنظمات أخرى على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات "الإرهابية"؛ الأمر الذي جنبها انتقادات منظمات حقوقية دولية، ومنحها فرصة لتشديد قبضتها على إقليم شنجيانغ ذي الأغلبية الأويغورية المسلمة، حيث تطالب بعض منظماته بالاستقلال والانفصال عن الصين لإعادة تأسيس جمهورية تركستان الشرقية.
ونقل عن محللين صينيين مهتمين بشئون الجماعات الإسلامية أن الحزب الإسلامي ما هو إلا اسم آخر يستخدم كغطاء لحركة تحرير تركستان الشرقية بعد إدراج الأخيرة على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية..هذا وفي ظل خشية دول كثيرة من استفزاز الصين يبقى أكثر من أحد عشر من مواطني الإقليم المفرج عنهم من معتقل غوانتانامو ينتظرون مصيراً مجهولاً حيث تصر السلطات الصينية على ضرورة عودتهم إلى الصين لمحاكمتهم بتهمة "الإرهاب"..وقبل ذلك وفي أكتوبر 2001م ذكرت مصادر دبلوماسية صينية مطلعة أن بكين قد توافق على تأسيس مكتب لإدارة التحقيقات الفيدرالية الأمريكي (إف بي آي) بالعاصمة بكين؛ بهدف تشديد الخناق على سكانها المسلمين.(1/302)
ونقل موقع (الإسلام أون لاين) عن هذه المصادر - التي لم تذكر اسمها - في21/10/2001 "أن واشنطن وبكين قد يتوصلان في نهاية اجتماعات منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبك) لاتفاق مبدئي بتأسيس مكتب لـ(إف بي آي) ببكين، ولكن الأخيرة ما تزال تراوغ أمريكا؛ رغبة منها في الحصول على بعض الامتيازات والتنازلات من واشنطن، لاسيما فيما يتعلق بالأقلية المسلمة الموجودة في إقليم شينجيانج"..وأشارت المصادر إلى أن هذا المكتب يهدف بالأساس لتسهيل التعاون بين البلدين في الحملة الأمريكية ضد ما تسميه بـ(الإرهاب)، لاسيما بعد ظهور التأييد الصيني الحذر لما تقوم به واشنطن..ولذلك فإن الصين قد تطلب من (إف بي آي) - بحسب المصادر- التعاون مع الاستخبارات الصينية؛ لملاحقة مصادر تمويل من تتهمهم "بالإرهاب" وتدبير تفجيرات في أقاليمها، كما قد تطالب بكين الحكومة الأمريكية بعدم إطلاق العنان للمعارضين الآخرين من الديمقراطيين غير المسلمين من أن يجعلوا من الولايات المتحدة منطلقا لهم لمهاجمة حكومة بكين.
أين العالم الإسلامي من ذلك
في الوقت الذي يعاني مسلمو تركستان الشرقية من مأساة وأزمة انشغل العالم الإسلامي بملهاته المغلفة بالغفلة، وهمومه المشمولة بالقسوة..فالعالم الإسلامي - للأسف - في مثل هذه القضايا غير موجود، فعلى مستوى الحكومات هناك تجاهل تام تجاه ما يحصل للمسلمين في الصين..(1/303)
أما الشعوب فهوانها على أنفسها منعها من القيام بواجبها، إلا القليل من الجهد التي يبذله البعض من المسلمين عبر وسائل الإعلام التي انشغل أغلبها بقضايا الأكل والشرب واللباس والرقص والغناء والرياضة والفنون والمجون.. وغير ذلك من متاع الدنيا.. حتى الإدانات التي أتقناها اختفت..ولا عجب في ذلك؛ فعندما غفل المسلمون عن دينهم ضعفوا؛ ولما ضعفوا تقطعت أوصالهم فانقطعوا عن بعضهم؛ وأصبح العالم الإسلامي أجزاءً مبعثرة وقطعاً متنافرة لا يشد بعضها بعضا، وإن مرض جزء منه نامت بقية الأجزاء فلا ألم يوقظها ولا حمى تسهرها.
(موقع عودة ودعوة )
تركستان الشرقية: مأساة شعب مسلم مهدد بالانقراض
أحمد الظرافي
مأساة شعب مسلم، معرض للذوبان والتلاشي، لا يعرف كثير من المسلمين شيئا عنه أو عنها، وتقابل بسلبية وعدم اهتمام من العالم الإسلامي، الأمر الذي حكم عليها، أن تظل محدودة الأفق، ومحصورة في حيز ضيق، لا تستطيع من خلاله أن تمر من عنق الزجاجة الذي أدخلت فيها، إلى الآفاق العالمية أو الإسلامية.
إنها مأساة المسلمين المنسيين في تركستان الشرقية والتائهين وسط الكيان الصيني. مأساة شعب مسلم، يتطلع لدعمه ولو بكلمة من إخوانه المسلمين حتى يحيى من جديد ويرى الشمس التي غابت عنه لعقود طويلة. وفيما يلي نسلط الضوء على هذه المأساة المحزنة المؤلمة.
الموقع والمساحة والسكان(1/304)
تقع تركستان الشرقية في وسط آسيا الوسطى، ويحدها من الغرب الدول الإسلامية التي كانت تمثل تركستان الغربية، وهي كازخستان، وطاجكستان وأوزبكستان، ومن الجنوب باكستان والهند والتبت، ومن الشرق الصين، ومن الشمال منغوليا وروسيا، ويطلق المسلمون اسم تركستان ( أرض الترك) على المناطق الواقعة في شمال ما وراء النهر ، وبالأخص على تركستان الشرقية. وتشغل تركستان الشرقية مساحة شاسعة، ومترامية الأطراف أكبر من مساحة إيران، إذ تبلغ نحو مليون و850 ألف كم مربع. أي خُمس مساحة الصين، وهي تعد في الوقت الحاضر أكبر أقاليم الصين، التي احتلتها وضمتها إليها بالقوة عام 1881، ويبلغ عدد سكانها أكثر من عشرين مليون نسمة غالبيتهم العظمى من المسلمين، الذين ينتمون لشعوب متعددة الأعراق والقوميات، ومن أهمها الأيغور والقازاق والهوي والقرغيز والطاجيك والتتار والأوزبك، وجميعهم يعتنقون الدين الإسلامي، وتحتل القومية الإيغورية المكانة الأولى داخلها حيث يمثلون النسبة الأعلى من السكان، وأما عاصمتها القديمة فهي مدينة " كاشغر"، الواقعة في الجنوب، قرب الحدود الصينية الغربية، وهي مدينة يعتنق معظم سكانها الدين الإسلامي، ولا زالت تحتشد فيها آلاف المساجد. وهي مشهورة بمنسوجاتها الصوفية ولها دور كبير في تاريخ الحضارة الإسلامية.(1/305)
وقد ساهم شعب تركستان الشرقية، في بناء صرح الحضارة الإنسانية العالمية منذ أقدم الفترات التاريخية، ويرجع لهذا الشعب الفضل في اختراع حروف الطباعة من الخشب وقاموا بطبع العديد من الكتب والمعارف والعلوم. وكانت تركستان الشرقية قديمًا تتمتع بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمر بها ويربط الصين ببلاد العالم القديم، والدولة البيزنطية. وتزخر أراضي تركستان الشرقية في الوقت الحاضر بالثروات المعدنية والطبيعية، إذ تحوي في باطنها 121نوعا من المعادن، فهناك 56منجما من الذهب وهناك النفط واليورانيوم والحديد والرصاص، كما أن هناك مخزنا طبيعيا للملح يكفي احتياجات العالم لمدة عشرة قرون مقبلة حسب إحصائيات أخيرة، هذا بالإضافة إلى الثروات الزراعية والحيوانية والرعوية، حيث بلغت أنواع الحيوانات 44 نوعا.
الإسلام في تركستان الشرقية(1/306)
وتشير المصادر التاريخية إلى أن هذا الشعب عرف الإسلام منذ عهد معاوية رضي الله عنه، قبل أن يقوم بفتحها القائد العربي قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي تمكّن في الفترة من (83- 94هـ - 702- 712م) من السيطرة علىربوع التركستان ونشر الإسلام بين أهلها، ودخل مدينة كاشغر عاصمة الإقليم عام 96هـ. وعن طريق الدعوة انتشر الإسلام في المناطق الداخلية، وقد أدى اعتناق حاكمها " عبد الكريم سوتوق بوغرا خان " للإسلام إلى دفع مسيرة المد الإسلامي هناك منذ عام960ميلادية، حيث حملوا لواء الدعوة الإسلامية إلى الصين وإلى مناطق متعددة في قارة آسيا. كما عرفوا اللغة العربية واستخدموا حروفها في كتابة لغتهم. إن الإسلام في تركستان الشرقية، قد أسس حضارة إسلامية راقية تمثلت في بناء العديد من المساجد في العديد من المدن والقرى، منها 300 مسجد في مدينة كاشغر وحدها، وأدت هذه المساجد جميعها دورا متميزا في نشر التعليم الإسلامي ونشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين المسلمين هناك، هذا بالإضافة إلى الدور البارز في التعريف بهدايات وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف. وبالرغم من تعدد القوميات الإسلامية هناك إلا أنها انصهرت جميعا في بوتقة واحدة هي القومية الإسلامية باعتبار أن الإسلام هو قومية جميع المسلمين.(1/307)
ولذا لم تمض فترة طويلة من الوقت حتى تحولت تركستان الشرقية إلى مركز رئيسي لنشر الإسلام في آسيا. وظهر فيها العلماء والفقهاء المجتهدون الذين تركوا للمكتبة الإسلامية ذخيرة غنية من المؤلفات العظيمة، وأصبحت مدينة كاشغر قبلة لطلبة العلم المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد ظلت تركستان الشرقية موضع نزاع بين روسيا والصين عبر المراحل التاريخية المختلفة حتى تم اقتسام منطقة تركستان بينهما، بعد صراع مرير بين الجانبين دام 200 سنة، فحصلت روسيا على تركستان الغربية، التي بدأت في احتلالها بشكل تدريجي بدءا من عام 1865، وضم هذا القسم الجمهوريات الإسلامية التي حصلت على استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بينما حصلت الصين على تركستان الشرقية.
مخطط الصين لإذابة الكيان الإسلامي
احتلت الصين تركستان الشرقية للمرة الأولى عام 1760، بالتعاون مع منشوريا، بعد معارك طاحنة بين المسلمين التركستانيين وطوفان الجيوش الصينية المنشورية التابعة لأسرة " منجو" ونجم عن تلك الحرب استشهاد ومقتل مئات الآلاف من المسلمين، فضلا عن الذين ذبحوا بأيدي القوات الصينية، لكن مع ذلك فإن المقاومة الإسلامية التركستانية للاحتلال الصيني لم تتوقف على مدى مائة عام، إلى أن قامت الصين بضم تركستان الشرقية بصورة رسمية إليها عنوة عام 1881م. ومنذ ذلك الوقت ومحاولات إذابة الكيان الإسلامي داخل الكيان الصيني مستمرة وعلى قدم وساق من قبل السلطات الصينية، ومن مظاهر ذلك ما يلي:
1- قيام السلطات الصينية بإعادة تقسيم تركستان الشرقية إلى عدة مناطق، وتغيير اسمها إلى " سينكيانج " وتعني " الأرض الجديدة " ومن ثم اعتبارها مقاطعة صينية، وذلك بموجب مرسوم إمبراطوري بتاريخ 18نوفمبر 1884، كما قامت بتغيير أسماء العديد من المدن والقرى إلى أسماء صينية.(1/308)
2- طمس المعالم التاريخية الإسلامية والتركية، وإلغاء نظام البكوات الذي كان قائمًا بها، وإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية التقليدية، فيما وضعت المساجد التي سمح بافتتاحها تحت رقابة صينية مشددة. فتم إجبار جميع رجال الدين على حمل تصاريح رسمية يتم تجديدها سنويا في ضوء تقارير الجهات الأمنية التي تؤكد ولاءهم للسلطات والحزب الشيوعي الصيني.
3- الاضطهاد والتطهير العرقي والتهجير لشعب هذه الدولة المسلمة في محاولة لإعادة تقسيم عدد السكان المسلمين وتقليلهم من 95% إلى 40%
4- فتح أبواب الهجرة الصينية المنظمة إليها، حيث تدفقت إلى أراضيها موجات متلاحقة من المهاجرين الصينيين للإخلال بالخريطة العقائدية والبشرية فيها بهدف تحويل المسلمين هناك إلى أقلية من جهة واستغلال ثروات هذا الشعب المسلم من جهة أخرى.
5- دشن الشيوعيون عهدهم بارتكاب مذابح رهيبة ضد المسلمين في الإقليم، وفتحوا الباب على مصراعيه لهجرة الصينيين إليه، وقاموا بالغاء الملكية الفردية، وصودرت كل ثروات المسلمين بمافي ذلك حلى النساء، وأعلن الشيوعيون رسميًا أن الإسلام خارج على القانون، وحظروا على التركستانيين الشرقيين السفر خارج البلاد، كما منعوا دخول أي أجنبي إليهم، وألغوا المؤسسات الدينية واتخذوا المساجد أندية لجنودهم. وجعلوا اللغة الصينية اللغة الرسمية، واستبدلوا بالتاريخ الإسلامي بتعاليم "ماوتسي تونج"، وأرغموا المسلمات على الزواج من الصينيين. وكان ضمن شعارات الثورة الثقافية: "ألغوا تعاليم القرآن". وتم فرض سياسة التصيين الثقافي والتعليمي على المسلمين.(1/309)
6- نشر الممارسات اللاخلاقية التي استهدفت القضاء على هوية هذا الشعب السلم هناك، فقامت الصين بإنشاء معسكرات جمعت فيها الشباب والفتيات من أبناء المسلمين لإشاعة الرذائل بينهم والنيل من القيم الأخلاقية التي تنادي بها تعاليم الدين الإسلامي، وحين اعترض المسلمون على هذه الممارسات، قامت السلطات الصينية بقتل نحو 350 ألف مسلم.
وقد بدأت سياسات التذويب الصينية لمسلمي تركستان الشرقية تؤتي أكلها، فقد كانت نسبة الصينيين في تركستان الشرقية قبل الحكم الشيوعي 5.7% مقابل 76% من الأيغور و18.3 من باقي القوميات، وفي عام 1990 قفزت نسبة الصينيين إلى 37.6% وتراجعت نسبة الأيغور إلى 47.5% ونسبة القوميات الأخرى إلى 14.92%. وهذا معناه أن المسلمين قد أصبحوا أقلية في بلادهم، وأن الكيان الإسلامي يذوب بشكل تدريجي في الكيان الصيني.
التحالف الصيني الروسي
وطوال فترة الاحتلال الصيني لوطنهم، لم تهدأ ثائرة هذا الشعب المسلم، فبعد احتلال الصين لتركستان الشرقية في عام 1760 قامت هناك ثورة إسلامية استطاعت تحرير تركستان الشرقية بعد جهاد مرير، ولكن لأن الكفر ملة واحدة، ولأن العداوة للإسلام وأهله راسخة في قلوب الروس والصينيين، وهي القاسم المشترك بينهما، فقد اتفقت السياستين الروسية والصينية على ضرورة القضاء على هذه الدولة المسلمة، وهكذا قامت الصين بإعادة احتلال تركستان الشرقية، مرة أخرى بعد 13 عاما من هذا الاستقلال. فقام المسلمون بالثورة من جديد سنة 1825م، واستمرت سنتين، تلاها في 1855م، ثورة أعنف بقيادة "يعقوب بك" استمرت لمدة عشرين عامًا. وكل هذه الثورات كانت تنتهي غالبا بمذابح وحملات إبادة جماعية للمسلمين وحدوث عدة هجرات جماعية من هذا الإقليم إلىالمناطق المجاورة.(1/310)
واندلعت في عام 1931 ثورة إسلامية شملت أجزاء تركستان الشرقية كلها واستطاعت أن تحرر اغلب أراضي الإقليم، وأعلنت الدولة الإسلامية المستقلة في عام 1933 تحت اسم "الجمهورية الإسلاميةفي تركستان الشرقية" وقد اختير "خوجا نياز" رئيسًا للدولة، و"ثابت داملا" رئيسًا لمجلس الوزراء وأصبحت مدينة " كاشغر" عاصمة لدولة تركستان الشرقية، ولكن كما حدث سابقا قضى التحالف العسكري الروسي الصيني على هذه الثورة، وذلك عام 1937، وانتهت الحرب باستشهاد رئيس الدولة وبإعدام جميع أعضاءالحكومة مع عشرة آلاف مسلم. وحصل الروس مقابل مساعدتهم للصين على حق التنقيب عن الثروات المعدنية، واستخدام عدد من الروس في الخدمات الإدارية في تركستان الشرقية.
وقامت ثورة أخرى في عام 1944 قادها عالم مسلم يدعى علي خان، واستطاعت تحرير ولاية " تارباغاتي " وولاية " آلتاي"، وقد أقيمت فيهما دولة تركستان الشرقية، التي اتخذت مدينة "إيلي"(غولجا)عاصمة لها، وسعت هذه الدولة إلى تحرير باقي أراضي تركستان الشرقية من الاحتلال الصيني، لولا التحالف الصيني الروسي، فقد قام الروس وعملاؤهم باختطاف قائد هذه الثورة الإسلامية، وحطم جيش التحرير الشعبي بقيادة ماوتسي تونغ الدولة المستقلة عام 1949 بعد أن تولى الشيوعيون مقاليد الحكم في بكين، وهكذا تم إرغام الوطنيين على قبول صلح مع الصين مقابل الاعتراف بحقوقهم في إقامة حكومة من الوطنيين وإطلاق يد زعمائهم في شؤونهم الداخلية.
وفي عام 1966م، اندلعت ثورة في مدينة "كاشغر"، وجاءت في أعقاب منع المسلمين عن أداء صلاة عيد الأضحى، وتعرضهم لمذبحة بشعة على أيدي القوات الصينية، وقد انتهت هذه الثورة باستشهاد حوالي 75 ألف مسلم خلال شهر واحد من اندلاعها.
الواقع الراهن(1/311)
وبعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق وخروج دول تركستان الغربية من تحت عباءته، راحت السلطات الصينية تشدد قبضتها الحديدية على تركستان الشرقية، وتفرض تعمية مقصودة عن أخبار المسلمين هناك، وتمارس كل ما من شأنه الحيلولة دون تجدد الثورات في الإقليم، ومطالبة المسلمين بحق تقرير مصيرهم أسوة بإخوانهم في تركستان الغربية، وهذه خيانة عظمى بالنسبة للسلطات الصينية التي تدعي أن تركستان الشرقية جزءا لا يتجزأ منها، لاسيما بعد تزايد أهميتها الاقتصادية بالنسبة للصين. إذ يمكن القول أنها أصبحت عصب اقتصاد الصين في الوقت الراهن، وعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية، فالصواريخ الصينية النووية، والصواريخ البالستية عابرة القارات تنتج في تركستان الشرقية.
وقد أشدت وطأت القبضة الصينية الحديدة على المسلمين في تركستان الشرقية وفي باقي إقليم الصين أكثر وأكثر بعد هجمات 11سبتمبر 2001 وانتشار ظاهرة العداء للإسلام، واقتران اسم المسلمين باسم الإرهاب. ومنذ ذلك الحين وتهم الإرهاب تلاحق المسلمين وتزايدت الاعتقالات في صفوفهم بذريعة هذه التهمة. وفضلا عن ذلك قامت الصين بمنع المسلمين من إطالة اللحى والسيدات من ارتداء النقاب، ومنع المسئولين المحليين والطلبة والمدرسين من صوم شهر رمضان، وإجبار المسلمين على فتح المطاعم في نهار رمضان، وتتذرع السلطات الصينية بأن هذه الإجراءات تهدف إلى تأمين الأوضاع بالإقليم وتتهم الصين جماعات إسلامية في إقليم سينكيانج بالسعي لإعادة إقامة دولة إسلامية كانت قائمة باسم «تركستان الشرقية» ويعيش المسلمون حاليا والذين تدنت نسبتهم إلى 45% بعد أن كانت 95% من قبل يعيشون، في ظروف سيئة حيث ينتشر بينهم الفقر ويعانون من الحرمان من أبسط الحقوق.(1/312)
ومع كل ذلك ومع شدة الظلم والتضييق، وتصفية القيادات السياسية والدينية، ومحاولات الإذابة المستمرة للمسلمين من قبل السلطات الصينية المتعاقبة، والمذابح الجارية وراء الأسوار بعيدا عن أنظار العالم، فلا زالت الأمور مرشحة للانفجار في أي وقت، فما زال المسلمون بشكل عام محتفظين بإسلامهم، رغم ما لحق به من تشويه وما أدخل عليه من طقوس لا تمت للدين بصلة، وذلك نتيجة لعزلتهم القسرية الطويلة، عن العالم الإسلامي المحيط بهم، وسياسة التجهيل والتضليل التي تمارسها السلطات الصينية الشيوعية ضدهم، ومنع العلماء من زيارتهم. وقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن هناك نشاطا إيرانيا متزايدا لنشر التشيع في أوساط المسلمين الصينيين من تركستانيين وغيرهم، وذلك من خلال البعثات الدراسية التي تقدمها الحكومة الإيرانية للمئات من المسلمين الصينيين للدراسة في إيران، والتي تقترن بمختلف أنواع التسهيلات والحوافز، وهو ما يثير الكثير من علامات التعجب والاستفهام، حول صمت السلطات الصينية المعروفة بموقفها المتشدد تجاه الإسلام والمسلمين عن هذا النشاط التبشيري الشيعي، في حين لو أن أحدهم تخرج من جامعات مكة أو المدينة وعاد إلى الصين، فإنه سيجد نفسه خلف الشمس في طرفة عين. فسبحان الله العظيم الذي يمهل ولا يهمل. والقائل:" وأملي لهم أن كيدي متين "
المصادر:
- نور الحملي، مأساة تركستان، مجلة الوطن العربي، العدد 1556- الأربعاء 27/12/2006.
- سيد عبد الهادي، المسلمون في الصين...آلام منسية، موقع صوت السلف، 2-شعبان-1429هـ 4-أغسطس-2008.
http://www.salafvoice.com/article.php?a=2610&back=aH
- مصطفى عاشور،تركستان الشرقية.. صفحات مجهولة من تاريخ أسود
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1181062
- توختي آخون أركين، ماذا تعرف عن تركستان الشرقية(1/313)
- توختي آخون أركين، تركستان الشرقية ليست صينية وتاريخها شاهد كبير، صحيفة الشرق الأوسط 19/2/2002، العدد 8484
رمضان تركستان الشرقية .."مكبل"
سيف الله تركستاني
أورومتشي- في عزلة تامة عن العالم وتعتيم إعلامي على أخبارهم وأحوالهم استقبل مسلمو إقليم تركستان الشرقية (شينجيانج) بشمال غرب الصين السبت 22-8-2009 شهر رمضان المبارك بأفئدة مضطربة، ليس فقط خوفا من الإجراءات الأمنية المشددة التي يتوقعون أن تتبعها السلطات الصينية ضدهم مثل حملات المداهمات والاعتقالات المكثفة، ولكن أيضا لأنها ستعكر عليهم الأجواء الرمضانية بالمحظورات التي ستفرضها على الصيام والصلاة والتراويح وحتى إخراج الزكاة.
فأجواء المحنة الأخيرة التي كابدها الإقليم ما زالت تخيم على صدور سكانه من المسلمين، وهي المحنة التي أشعلتها اشتباكات بين القوات الصينية وأبناء من عرقية الهان (العرق المسيطر على الصين) من جهة وبين أويغوريين من جهة أخرى (العرق الذي ينتمي إليه معظم مسلمي تركستان) عقب خروج متظاهرين من الأويغور للشوارع احتجاجا على سوء تعامل الحكومة مع حادثة مقتل عاملين منهم عندما اشتبكا مع عمال من الهان في أحد المصانع بجنوب البلاد أواخر يونيو الماضي.
وبعد مرور أكثر من شهر ونصف على هذه الاشتباكات فإن شبكة الإنترنت مازالت معطلة.. والاتصالات التليفونية إن لم تكن مستحيلة فهي غاية في الصعوبة وتحت رقابة صارمة، بينما الاستجوابات ومداهمة المنازل مازالت تتواصل.. يرافقها حملات إرهاب وتخويف من قبل السلطات الصينية لمسلمي الأويغور، وتهديدات باعتقال كل من يتحدث من سكان الإقليم حول ما حدث.(1/314)
وكثير من الحواجز ونقاط التفتيش أقامتها السلطات الصينية بين المدن والقرى لمراقبة كل حركة، ولمنع انتقال أي أخبار حول ما حدث من منطقة إلى أخرى؛ بهدف عدم إشاعة أجواء الاحتقان بين مسلمي بقية الأقاليم الصينية، الأمر الذي جعل أخبار الإقليم معتمة بشكل كبير، ولا تعرف إلا عبر بعض الأفراد الذين تسنى لهم مغادرة الصين، ونقل تفاصيل ما حدث في تركستان الشرقية إلى العالم.
وأسفرت اشتباكات يوليو الماضي عن مقتل ما يزيد على 791 شخصا معظمهم من عرقية الهان، بحسب إحصاءات حكومية، أو أكثر من ألف واختفاء 10 آلاف آخرين من مسلمي الأويغور، بحسب إحصاءات تركستانية نقلتها عن شهود عيان الزعيمة الأويغورية ربيعة قدير، التي تعيش بالمنفى في الولايات المتحدة، وترأس مؤتمر الأويغور العالمي الذي ينقل قضية الأويغور إلى المحافل الدولية.
شل الحركة
وفي اتصال هاتفي لـ"إسلام أون لاين.نت" مع الشيخ عبد الأحد حاجي، عضو مجلس إدارة جمعية التربية والتعليم والتعاون الاجتماعي لتركستان الشرقية في مدينة إستانبول بتركيا، قال إنه وفقا لآخر الأخبار التي وردته صباح الجمعة 21 أغسطس الجاري عبر مواطنين حضروا من الإقليم إلى تركيا فإن السلطات الصينية بدأت في سحب جميع هويات المواطنين دون تفريق بين رجال ونساء.
وأضاف أن ذلك يهدف إلى "شل حركة مسلمي تركستان الشرقية بين مدينة وأخرى؛ لأنه من المستحيل أن يتنقلوا بدون بطاقة هوية"، مشيرا إلى أن السلطات الصينية منعت التنقل بين القرى المختلفة إلا بإذن مسبق من السلطات المحلية.(1/315)
وتتهم الصين جماعات إسلامية في تركستان الشرقية بالسعي لإعادة إقامة دولة إسلامية كانت قائمة بهذا الاسم قبل أن تضمها الصين عنوة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، ثم أحكمت قبضتها عليها حين تولى الشيوعيون الحكم عام 1949، وأطلقت عليها اسم "شينجيانج" أي المقاطعة الجديدة التي سعت إلى تحويلها إلى النمط الشيوعي الصيني الملحد خلافا للطابع الإسلامي السائد.
موسم الاعتقالات
ويطلق بعض مسلمي تركستان على رمضان تحت ظل السيطرة الصينية "موسم الاعتقالات"، ذلك أنه يتعرض فيه آلاف الشباب، خاصة ذوي المظاهر الدالة على التدين، للاعتقال، خوفا من أن يشجعوا على قيام مظاهرات احتجاجية وثورات خلال الشهر الكريم.
وبحسب ما نقلته "إسلام أون لاين.نت" عن شهود عيان فإنه من المتوقع أن يكون التضييق على المسلمين في أداء العبادات هذا العام أشد حظرا من الإجراءات التي اتبعتها السلطات الصينية العام الماضى، حين منعت صلاة التراويح كاملة، وختم القرآن في المساجد، ومنعت تنقل الأئمة والحفاظ من إمامة المصلين في مسجد آخر غير مسجده الذي يقع بجانب بيته، وكذلك بالنسبة للمصلين ممنوع عليهم الصلاة إلا في المسجد الذي يقع حيث يسكنون.
أما هذا العام فإن مسلمي الإقليم كلهم قلق من أن يتم منع التراويح نهائيا، أو أن يُسمح بها تحت رقابة صارمة على ألا تزيد مدتها مع صلاة العشاء على 20 دقيقة فقط، وفي مساجد محددة.
ويصدق على كلام الشهود اللوحات التى علقتها السلطات على كل أبواب المساجد فى تركستان، وتحظر بموجبها دخول المسجد على الشباب أقل من 18 عاما وعلى الموظفين والنساء.
وكان بيان حكومي برر اتباع إجراءات مماثلة العام الماضي بأنه: "بالنظر إلى موجة العنف التي شنها متطرفون دينيون وانفصاليون وإرهابيون فإنه يتوجب علينا أن نتصدى لانتشار التعليم الديني الذي يقدمه زعماء دينيون وتلاميذهم".(1/316)
ويلفت أحد شهود العيان إلى أن المنطقة الجنوبية من تركستان الشرقية، والتي كانت تمثل العاصمة القديمة لها، تتميز بالالتزام بشعائر الإسلام أكثر من المناطق الشمالية؛ لذا كان القرَّاء والحفاظ فيها يتجهون إلى محافظات شمال تركستان لإمامة صلاة التراويح، إلا أنه في رمضان العام الماضي منع الحفاظ والأئمة من الانتقال خارج محافظاتهم، ومن المتوقع أن يستمر المنع هذا العام.
حظر الصيام
ومن مظاهر التضييق التي دأبت على ممارستها السلطات الصينية بحق مسلمي تركستان الشرقية بشكل عام خلال شهر رمضان في معظم الأعوام السابقة أنها تمنع الموظفين المسلمين من أبناء الإقليم العاملين في الحكومة وكذلك الطلاب من الصيام نهائيا بحكم قانون رسمي ومعلن، وفق ما ذكره أحد أئمة تركستان الشرقية المقيم بتركيا لـ"إسلام أون لاين"، طالبا عدم ذكر اسمه.
وأضاف الإمام أن الموظف "إذا ما صام سرا فإن المسئول الصيني يختبره بأن يقدم له الضيافة حتى يعرف هل هو صائم أم لا، وتخصم مصروفات هذه الضيافة الإجبارية من راتبه قسرا، وإذا عُرف أنه صائم إما أن يفصل من وظيفته أو يحجب عنه راتبه".
"ونفس الحال بالنسبة للطلاب فى المدارس والجامعات الذين لا يسمح لهم بإقامة أي شعائر دينية مثل الصلاة والصوم، والطالب الذي يخالف يتم طرده فورا".
أما بالنسبة لغير الموظفين وغير الطلاب فإنه "منذ 10 سنوات كانت الحكومة تمنع الإفطار الجماعي سواء في المسجد أو المنازل، ونتوقع أنه هذا العام ستعيد تطبيق هذا المنع"، وفق ما يقول الإمام التركستاني.
ويتعدى الأمر الصيام والصلاة إلى الزكاة -كما يوضح الإمام التركستاني- والذي أضاف: "أن هذه العبادة (الزكاة) أصبحت صعبة الأداء؛ لأن الشخص الذى يريد أن يدفع الزكاة لا يستطيع أن يقدم الزكاة إلى مستحقيها وفق أولويات من يستحق، فمثلا ممنوع عليه أن يقدمها لطالب علم شرعي فقير، أو لأسر المعتقلين".(1/317)
ومنذ أن ضمت بكين تركستان إليها عام 1949 وهي تشجع انتقال الصينيين من عرقية الهان على نطاق واسع إلى الإقليم ليسيطروا على ثرواته وتصبح لهم اليد العليا فيه، وهو ما أدى إلى تراجع نسبة السكان المسلمين في الإقليم من أكثر من 90% قبل هذا التاريخ إلى أكثر بقليل من 40% بحسب أحدث الإحصاءات لصالح تزايد أعداد الهان الوافدين من بقية الأقاليم الصينية.
المصدر/ اسلام ان لاين نت
22/8/2009
المارد الإسلامي بدأ يتململ وأطرافه في الصين بدأت تتحرك مذبحة صينية ضد المسلمين في تركستان الشرقية
اغلاق للمساجد ومنع للصلاة واجبار للمسلمات على الزواج من غير المسلمين
السلطات الصينية تسمح للصينيين باستخدام السلاح الابيض لذبح المسلمين
اللواء كتب المحرر السياسي
كان لافتا ومؤسفا في الوقت نفسه ان تتجاهل قمة قادة مجموعة الدول الثماني الكبرى في بيانها الختامي الاسبوع الماضي ادانة القمع الدموي في مدينة أورمتشي عاصمة اقليم تركستان الشرقيه غرب الصين الذي مارسته القوات الصينيه ضد الشعب الأويغوري المسلم الناطق بالتركيه والذي يقاسي و يعاني دون ان يسمع بمعاناته الاخرون. حيث اسفر القمع الوحشي عن مقتل اكثر من مئة وستين شخصا بحسب البيانات الرسميه وهناك أرقام تتحدث عن اكثر من 500 قتيل؛ واصابة نحو الف بجروح واعتقال الالاف الذين سيقدم معظهم الى المحاكمة وتتهدهم احكام الاعدام بحسب تصريحات القادة الصينيين(1/318)
وجاء تجاهل قادة دول حقوق الانسان الغربيين في قمتهم في لاكويلا الايطاليه المذبحه الدمويه والانتهاكات المرعبة لحقوق الانسان المسلم في تركستان الشرقيه ، بينما سارع هؤلاء القاده في بيانهم الى توجيه اقسى عبارات الادانه الى الجمهورية الاسلاميه الايرانيه بسبب مشاحنات بين انصار مرشحي الرئاسه اسفرت عن مقتل سبعة اشخاص وهي المشاحنات التي اججها الغربيون انفسهم على امل ان تتحول الى فتنة داخلية تفضي الى الخلاص من احمدي نجاد والنظام الاسلامي في طهران
اذهب و صل في بيتك
ولم تكتف السلطات الصينيه بما ارتكبته قواتها القمععيه بل اقدمت على اجراء لم تشهد مثيله اي دوله متحضرة في العالم عندما اقفلت المساجد في الاقليم ومنعت المصلين من اداء شعائرهم الدينيه وطلبت منهم ان يصلوا في بيوتهم ، وقال الاويغوري تورسون إمام مسجد خنتاغري احد أقدم مساجد اورومتشي الذي انتشر أمامه مئة شرطي يحملون بنادق هجومية وهراوات إن الحكومة قالت إنه لن تكون هناك صلاة . وأضاف لا يمكننا القيام بأي شيء لأن الحكومة تخشى أن يستغل السكان الصلاة في تصعيد التوتر مما يشكل خطرا على السلطات التي علقت لافتات صغيرة على أبواب المساجد الخمسة المغلقة تدعو المصلين للصلاة في منازلهم .
القادة يتوعدون
وتوعد القادة الصينيون خلال اجتماع عقد الخميس الماضي بمشاركة الرئيس هوجينتاو بانزال عقوبات شديدة بحق المسؤولين عن الاضطرابات التي كانت الأعنف في تشين جيانغ تركستان الشرقيه منذ عقود. وأعلن هو والأعضاء الثمانية الآخرون في اللجنة الدائمة في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني انه ينبغي إنزال عقوبة شديدة بالمحرضين والمدبرين لأحداث العنف.(1/319)
وبالرغم من التأكيدات بان الوضع بات تحت السيطرة، إلا أن قوات الأمن ما زالت منتشرة بكثافة في المدينة البالغ عدد سكانها مليوني نسمة. حيث يحاول الجيش الصيني ان يسيطر علي المنطقة بكاملها، و ذكرت وكالات الأنباء العالمية ان المساجد في العاصمة اورومتشي مغلقة و مكتوب علي أبوابها اذهب و صل في بيتك
العنف المفرط
وقالت وكالت الانباء ان شرطة مكافحة الشغب استخدمت العنف المفرط لتفريق الآلاف من الأويغوريين الغاضبين فيما وقفت في أماكن أخرى مكتوفة الايدي بينما كانت الحشود المسلحة باسلحة بيضاء من قومية الهان المعاديه للايغور تلقي الحجارة على المساجد وتدمر متاجر ومطاعم تابعة للاويغوريين.
وفي مؤشر على مخاوف الحكومة بشأن الاضطرابات، نزل زعيم الحزب الشيوعي في المدينة لي جي إلى الشوارع لمناشدة المحتجين كي يعودوا إلى منازلهم. وتعهد لي جي خلال مؤتمر صحافي بإنزال أقصى العقوبات بالمسؤولين عن أعمال الشغب »الأكثر دموية في الصين منذ قيام الصين الجديدة العام 1949«، مشيرا الى ان منفذي أعمال الشغب «انتهكوا القوانين وألحقوا ضرراً بالمصالح الأساسية لجميع المجموعات الصينية العرقية». وأضاف انه تم قطع اتصالات الإنترنت في بعض مناطق أورمتشي من أجل منع الاضطرابات من التوسّع.
موقف تركي شريف
وبدت تركيا من بين كل الدول، ومنها الاسلامية، معنية اكثر من غيرها بالأحداث الدموية التي يتعرض لها سكان شين جيانغ(تركستان). فشعب هذه المنطقة ينتمون الى قومية الأويغور، وهم أجداد الأتراك والمنطقة التي انطلق منها الأتراك لينتشروا في آسيا في القرن الثامن للميلاد، وصولا الى الأناضول والبلقان. والأويغورية هي اللغة الأم لكل الأتراك. ومنطقة شين جيانغ معروفة في الأدبيات التركية باسم تركستان الشرقية.(1/320)
ويرى محللون انه إذا كانت الأحداث الأخيرة في اورمتشي عاصمة الإقليم ليست جديدة، الا انها تميزت عن سابقاتها بأمرين: انها الأكثر دموية، وللمرة الاولى، تتخذ الصدامات الطابع العرقي الشعبي المباشر بين الاويغوريين والهان الصينيين، وليس فقط بين الاويغوريين والدولة.
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد عبر عن قلقه من الوضع في شين جيانج( تركستان) وقال إن أبناء شعب الأويغور هم أشقاء للشعب التركي وإن أنقرة لن تقف موقف المتفرج حيال ما يحدث هناك. وذكر أردوغان في هذا الصدد بعضوية تركيا في مجلس الأمن وقال إنه على اتصال مع عدد من الزعماء الأوروبيين لإقناعهم بضرورة التحرك المشترك وإقناع بكين بضرورة وقف عملياتها الوحشية ضد شعب الأويغور الذي وصفه بأنه جسر الصداقة المتينة بين تركيا والصين.
ووصف رئيس الوزراء التركي ما يتعرض له المواطنون في منطقة شين جيانج (تركستان) بالوحشية والهمجية ودعا بكين لاحترام أبسط معايير حقوق الإنسان والكف عن سياسات التعسف ضد شعب الأويغور المسلم ، كما دعا منظمة المؤتمر الإسلامي للتحرك العاجل لحماية شعب الأويغور المسلم .
بكين ترفض
وقد رفضت الصين دعوة تركيا لمناقشة الوضع في مقاطعة شين جيانغ في مجلس الامن مؤكدة ان المسألة هي شأن داخلي.
وقال كين غانغ المتحدث باسم الخارجية الصينية للصحافيين ان «الحكومة الصينية اتخذت اجراءات حاسمة طبقا للقانون». واضاف «هذه مسألة صينية داخلية تماما، ولا يوجد سبب للسعي لمناقشتها في مجلس الامن».
من ناحية ثانيه اعلن اردوغان ان حكومته مستعدة لمنح تأشيرة دخول للمناضله الأويغوريه التي تعيش في المنفى ربيعة قدير التي تتهمها حكومة الصين بالوقوف وراء اعمال الشغب في تشين جيانغ.(1/321)
ونددت الصحف التركية بـ المذبحة الصينية في إقليم شين جيانج ( تركستان) وعنونت صحيفة حرييت الواسعة الانتشار رصاصة في الرأس، مشيرة إلى أن معظم الضحايا خلال الاضطرابات قتلوا برصاص قوات الأمن ، ودانت الصحيفة المذبحة والاستخدام غير المتكافىء للقوة من قبل قوى الأمن ضد الأويغور، كما انتقدت صمت الأسرة الدولية حيال هذه الاضطرابات.
منظمة المؤتمر الاسلامي
من جانبهاأعربت منظمة المؤتمر الإسلامي عن بالغ قلقها إزاء الأحداث التي وقعت في شين جيانغ. ودعت المنظمة في بيان، »الحكومة الصينية إلى الإسراع في إجراء تحقيق ميداني بشأن هذه الأحداث الخطيرة واتخاذ جميع التدابير الممكنة للحيلولة دون تكرارها«، مبدية "استعدادها لتقديم المساعدة والتشاور مع الحكومة الصينية حول الجهود التي يتعين بذلها من أجل إيجاد مناخ قوامه السلم والاستقرار في الإقليم".
تركستان الشرقية
تقع تركستان الشرقيةغرب الصين في أواسط آسيا الوسطى وتحدها من الشمال جمهورية روسيا الاتحادية ومن الغرب الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابقومن الجنوب باكستان وكشمير والتبت ومن الشرق الصين الشعبية ومن الشمال الشرقي منغوليا الشعبية، وهي بذلك تشكل مساحة وقائية من الأخطار الخارجية للصين. وتبلغ مساحتها 6,1 مليون كيلومتر مربع ، أي خمس مساحة الصين
اهمية الاقليم(1/322)
وتوجد في تركستان الشرقية معظم الصواريخ النووية الباليستية -التي تمتلكها الصين، كما أن بها مخزونًا هائلاً من الثروات المعدنية، من الذهب والزنك واليورانيوم. وتشير بعض التقديرات إلى أن فيها احتياطيًا ضخمًا من مخزون البترول. علاوة على هذا، تعتبر تركستان الشرقية الواصلة التي تنقل الثروات النفطية من جمهوريات آسيا الوسطى المسلمة إلى الصين. وحسب الإحصائيات الصينية فإن تعداد السكان بها هو 9 مليون نسمة تقريبًا، إلا أن هناك جهات مستقلة قدرت تعدادهم بحوالي 25 إلى 35 مليون نسمة، واللغة المستخدمة هي اللغة الأويغورية، وهي إحدى فروع اللغة التركية، لكنها تكتب بالحروف العربية.
دخول الاسلام الى المنطقة
دخل الإسلام هذه البلاد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان 86 هـ -705 م .ولا تزال بعض الآثار الإسلامية موجودة في شين جيانغ، مثل مسجد عيد كاه، وضريح ملك مملكة هامي من قومية هوي، وبرج سوقونغ، ويعمل غالبية الأويغور في الزراعة، ولهم خبرة خاصة في زراعة القطن، كما تمتاز مناطقهم بصناعة السجاد والحرير.
وكان المسلمون الأتراك في صراع دائم مع الصينيين، الذين شنوا عدة هجمات فاشلة على الإقليم. ولكن في عام 1759، نجحت العائلة الحاكمة الصينية الماتشو في احتلال هذا الإقليم، ثم استرده الأتراك.. وظل الإقليم مستقلاً لفترة قصيرة، إلى أن نجحت العائلة الصينية نفسها في احتلاله مجددًا بمساعدة البريطانيين في عام 1876م. ومنذ ذلك الوقت والإقليم خاضع بالكامل للصين، التي عمدت إلى تغيير اسم تركستان الشرقية إلى سين جيانج ، ومعناها: الجبهة الجديدة .
ضرب الإقليم بيد من حديد(1/323)
وبعد الحرب اليابانية - الصينية في منتصف القرن العشرين، نشأت جمهورية تركستان الشرقية كجمهورية إسلامية في شمال الصين، ولكنها لم تستمر طويلاً، حيث قام ماوتسي تونج الزعيم الصيني المعروف بفرض سيطرته على المنطقة كلها في عام 1949م، وإن كان قد أعطى الإقليم - بعد تغيير اسمه - صفة إقليم متمتع بالحكم الذاتي ثقافيًّا وإثنيًّا ودينيًّا ولغويًّا، إلا أنه من الناحية التطبيقية حدث العكس تمامًا، وقامت الحكومة الصينية بضرب الإقليم بيد من حديد.
مسلمات للسخرة ومسلمون للفرجة
وتم ترحيل 240 ألفًا من مسلمات الأويغور عنوة إلى المصانع في شرق الصين للعمل بالسخرة وإجبارهن على الزواج من غير المسلمين. كما قالت الناشطة الحقوقية المسلمة من اقليم الأويغور
وقالت ربيعة قادر ـ التي رشحت لجائزة نوبل للسلام عام 2006 ـ أمام الكونجرس الأمريكي: إن الفتيات اللائي يجري نقلهن تحت ستار فرص التوظيف غير متزوجات وتتراوح أعمارهن بين 16 عامًا و25 عامًا.
وأكدت ربيعة أن هؤلاء الفتيات يلاقين معاملة قاسية؛ إذ يعملن 12 ساعة يوميًا، وغالبًا ما تحجب عنهن أجورهن شهورًا، ووصفت النساء بأنهن عاملات سخرة رخيصة وبغايا محتملات . وقالت: إن كثيرين من الأويغور في سين جيانج يعتبرون هذا من أكثر السياسات إذلالاً حتى الآن من جانب السلطات الصينية. وأضافت أن الكثيرين يشتبهون في أن السياسة الحكومية تهدف إلى حملهن على الزواج من أبناء أغلبية الهان الصينية من غير المسلمين في مدن الصين وتوطين الهان في أراضي الأويغور التقليدية لتغيير التركيبة السكانية، والهويه الإسلامية أمام المد الشيوعي الذي يغذيه مشروع حكومي جار منذ عشرات السنين وقد اصبح الهانيين يسيطرون على كافة الوظائف الرئيسة والنشاط السياسي للإقليم
نحن مثل الهنود الحمر(1/324)
يقول أحد مسلمي الأويغور وهو مدرس: نشعر أننا غرباء في بلادنا.. نحن مثل الهنود الحمر في الولايات المتحدة . إنهم يحاولون تدمير التوازن الديموجرافي باستقدام صينيين لمنطقتنا.. يريدون لجنسنا أن يختفي من الوجود، إنهم يجففون منابع جذورنا، يريدوننا عبيدًا لهم ، بحسب تعبير قطب، أحد تجار القماش في سوق العاصمة أورومتشي. ونتيجة لهذه السياسات الحكومية، ارتفعت نسبة الهان من 7 إلى أكثر من 40، حسب إحصاءات رسمية.
وبمساعدة الحكومة، صار أتباع هان هم المسيطرون على غالبية المصانع والشركات، ولا يقبلون عمالة بها من غيرهم؛ مما اضطر الأويغوريين إلى امتهان أعمال متدنية مثل الخدمة في المنازل. وأصبح الأويغوريون مواطنين من الدرجة الثانية، فهم ممنوعون حتى من مجرد تمثيل هامشي في الهيئات الحكومية، كما لا يُسمح لهم باستخدام لغتهم في المدارس.
المارد الإسلامي بدأ يتململ
ويرى دبلوماسي عربي في بكين انه مهما يكن من أمر ما يحدث للقومية الأويغوريه المسلمه فإن حلم الحرية والخلاص من الحكم الشيوعي لن يموت في نفوس مسلمي الأويغور سواء بالزمن أو بالمذابح، فالأويغور هم ضحايا ذلك المد بجانب نسيانهم من قبل مسلمي العالم.
وقال ان الحلم بالحرية للمستضعف يكتسب قوته بمرور الزمن. وتمنحه الدماء شرعية أكبر. تُصنع منه عقيدة "الحق التاريخي" الذي تتوارثه الأجيال مع ملامح الوجوه والصفات الشخصية واللغة والدين.
واكد إن الإحساس بالظلم والاضطهاد يتراكم في النفوس حتى يتحول إلى حلم بالخلاص، وكل يوم يزداد فيه الظلم على المسلمين، يقربهم من اللحظة التي يخلعون عنهم لباس الغفلة، ويتطلعون فيه إلى الحرية. وربما يكون هذا هو ما دعا أوباما ليقوم بحملة علاقات عامة ليطفأ هذا الإحساس في نفوس المسلمين، أشبه بمن يُرَبت على جسد رجل نائم حتى لا يستيقظ ويظل يغط في نومه العميق، لكن ما من شك أن المارد الإسلامي بدأ يتململ، وأن أطرافه في الصين بدأت تتحر(1/325)
المصدر/ جريدة اللواء
2009-07-14(1/326)