فتوح البلدان - البلاذري ج 1
فتوح البلدان
البلاذري ج 1
(*)(1/)
القاهرة مطبعة لجنة البيان العربي 4 شارع مصطفى كامل بلاظوغلى ت 27 79 فتوح البلدان
" لا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه ".
المسعودي(1/1)
اللوح رقم 1 فتوح البلدان صفحة العنوان في مخطوطة مكتبة جامعة ليدن الموجودة فيها حاليا.
برقم 430 Warn اللوح رقم 2 فتوح البلدان الصفحة الاولى في مخطوطة ليدن السابقة الذكر اللوح رقم 3 فتوح البلدان الصفحة الاخيرة في مخطوطة ليدن اللوح رقم 4 فتوح البلدان في الاعلى قطعة من ترجمة البلاذرى التى وجدت على ظهر مخطوطة ليدن، وهى بخط السخاوى لا المقريزى كما ظن دخويه وكما يتبين من مقارنتها بالقطعة السفلى وهى إجازة من السخاوى بخطه للقسطلاني في مخطوطة عمدة القارئ (دار الكتب 329، حديث)(1/2)
المقدمة
(م 1 مقدمة)(1/1)
مصادر ترجمة البلاذرى لابد، لدراسة البلاذرى، مؤرخا، ونسابة، وراوية من الرجزع أولا لى تواليفه التى وصلت إلينا وهى: 1 أنساب الاشراف.
2 فتوح البلدان.
ثم إلى المصادر القديمة التى ترجمت له أو ذكرت بعض أخباره.
فقد ترجم له كثيرون منذ القرن الرابع حتى القرن التاسع.
ولكن بعض هذه الترجمات الاساسية لم يصل إلينا.
ونكاد لا نجد له ترجمة في مصدر من مصادر القرن الثالث الذى عاش فيه، وإنما نجد ذلك في مصادر القرن الرابع ومابعده.
فممن ترجم له أو ذكره: 1 الجهشيارى (331 ه) في كتاب الوزراء والكتاب: أورد بعض أخباره، وتكلم على جده.
وفى معجم الادباء (5: 9592) نقول عن الجهشيارى لا توجد في المطبوع.
2 الصولى (336 ه) في كتاب الوزراء: لم يصلى إلينا الكتاب.
وفى معجم الادباء (5: 100) نقول عنه يتحدث بها عن ضائقته أيام المعتمد.
3 المرزبانى (384 ه) في معجم الشعراء: لم يصل إلينا القسم الذى فيه ترجمة البلاذرى من المعجم.
وفى تاريخ دمشق (مخطوط) ومعجم الادباء (5: 99) نقول عنه.(1/3)
4 التنوخى (384 ه) في نشوار المحاضرة: لم يصل إلينا القسم الذى يتحدث فيه التنوخى عن البلاذرى.
وفى بغية الطلب لابن العديم (مخطوط) نقل عنه يتعلق بخبره مع للستعين.
5 ابن النديم (385 ه) في الفهرست: ترجم له ترجمة طويلة.
نقل عنها ياقوت ومن جاء بعده.
لم نجد في المطبوع منه إلا بعضها.
6 ابن عساكر (571 ه) في تاريخ مدينة دمشق: (مخطوطة الظاهرية، الجزء الثاني.
ورقة 135 ا 136 ب).
ذكر من سمع منهم بدمشق وحمص.
وبعد ابن عساكر نكاد لا نجد في التراجم أشياء أصيلة، وإنما حفظت لنا ما ذكرته مصادر القرن الرابع.
7 ياقوت (626 ه) في معجم الادباء: ترجم له ترجمة جامعة طويلة.
8 ابن العديم (666) في بغية الطلب في تاريخ حلب: (مخطوطة أحمد الثالث.
الجزء الاول، ورقة 117 ا 119 ب).
حفظ لنا ما ذكر التنوخى عن صلة المستعين إياه.
9 ابن خلكان (682 ه) في وفيان الاعيان: نقل دغويه عنه.
ولكننا لم نجد في طبعة أو روبة ولا طبعة القاهرة منه ترجمة البلاذرى.(1/4)
10 الذهبي (748 ه):
ترجمه له في الميزان (ميزان الاعتدال).
ذكر ذلك المقريزى (أنظر بعد) ولكننا لم نجد الترجمة في نسخة الميزان المطبوعة.
وكذلك ترجمله في تاريخ الاسلام (مخطوطة دار الكتب المصرية 42 تاريخ).
وفى سير أعلام النبلاء (مخطوطة أحمد الثالث.
المجلد 9، ورقة 71).
11 الصفدى (764 ه) في الوافى بالوفيات: (مخطوطة أحمد الثالث.
الجزء الثامن، ورقة 101 108).
ترجم له ترجمة جامعة فيها خلاصة ما ذكرته المصادر التى سبقته.
12 المقريزى (846 ه): كتب ترجمة له بخطه على ظهر مخطوطة الفتوح المحفوظة بليدن.
ونشرها هماكر، ثم دخويه.
13 ابن حجر (852 ه) في لسان الميزان: 14 ابن تغرى بردى (874 ه) في النجوم الزاهرة: جزم بأن وفاته كانت سنة 279 ه.
15 السخاوى (902 ه) في الاعلان بالتوبيخ: ذكر أن له كتاب التاريخ والبلدان وأنساب الاشراف.
16 حاجى خليفة (1067 ه) في كشف الظنون: ذكر كتبه في الانساب وحدها.(1/5)
2 المصادر الحديثة (ا) المصادر العربية
نذكر من المصادر العربية في عصرنا: 1 جرجى زيدان (1914 م) في تاريخ الآداب العربية.
ترجم له ترجمة منقول بعضها عن بروكلمن في طبعته الاولى، وفيها أخطاء.
2 يوسف إليان سركيس (1932 م) في معجم المطبوعات العربية: ترجم له، وذكر تواليفه المطبوعة.
(ب) المصادر الغربية 1 دخويه (1909 م): M.
J.
De Goeje ترجم له باللغة اللاتينية في مقدمة طبعته فتوح البلدان سنة 1866 م 2 بروكلمن (1956 م): K Brockelmann تكلم عليه بالالمانية في كتابه (تاريخ الآداب العربية GAL في الاصل والذيل 3 بيكر (بعد 1925 م): K.
H Becker ترجم له في داسرة المعارف الاسلامية.
EI رجعنا إلى الطبعة الفرنسية.
4 سوفاچه (1949 م): J.
Sauvaget تكلم على بعض كتبه في كتابه المدخل.
أنظر كتابنا: رائد التراث العربي ص.
وكذلك ترجم له في كتابه " المؤرخون العرب " Les Historiens Arabes (أنظر بعد: ترجمات فتوح البلدان)(1/6)
ترجمة جديدة للبلاذرى - 1 - لا تسعف المصادر الباحث بشئ عن أسرة أحمد بن يحيى بن جابر بن داود
وأصله.
كل ما نعرفه أن جده جابر كان يكتب للخصيب (1)، صاحب خراج مصر أيام الرشيد.
ولم تترجم المصادر لجده.
ويذهب بيكر) 2 (Becker وسوفاجه) 3 (Sauvaget إلى أن أصله من الفرس.
وقد يكون ذلك صحيحا.
لاننا لا نعرف من نسبه شئ بعد اسم جده، ولو كان عربيان لا ثبت نسبه وفخر به، أو ذكره من ترجم له، ثم كان أحد النقلة من الفارسية إلى العربية.
وقد اتفقت المصادر على أن اسمه أحمد.
ولكنها اختلفت في كنيته (4) فجعلته أبا جعفر وأبا بكر وأبا الحسن (5).
ولا ندرى إذا كان أوتى أولادا فكنى بأسمائهم، فحياته الخاصة غامضة جدا.
ونرجح أنه ولد في بغداد، في أواخر القرن الثاني.
وأول ما نعرفه عن حياته العامة أنه مدح المأمون بمدائح (6).
ولا ندرى متى اتصل به.
ومن المؤكد أن ذلك كان قبيل وفاة المأمون سنة 218 ه، وقد تجاوز العشرين على أقل تقدير.
فما كان يتاح له أن يمدح الخليفة بمدائح إلا وقد كان له علم ونباهة.
__________
(1) النديم، الفهرست، 113.
(2) مادة البلاذرى.
C.
H.
Becker , dans , E I (3) 15.
Sauvaget , Les Historiens Arabes , p (4) لم يفرق دخويه بين الاسم والكنية فذكر أن الاختلاف في اسمه.
(5) ابن عساكر، تاريخ دمشق (مخطوط) ورقة 136 آ.
(6) ياقوت، معجم البلدان 5: 99، وابن عساكر، المصدر السابق.
[ * ](1/7)
نشأ أحمد بن يحيى إذن مع القرن الثالث من الهجرة.
وكان هذا ال رن من أخصب عصور الخلافة العباسية في الثقافة والحضارة والسياسة.
كان عصر الترجمة من الفرس واليونان، التى أغنت التراث الاسلامي، وعصر الفن الذى تجلى في
قصور المعتصم والمتوكل، وعصر الترف الذى رف بما تدفق على بغداد من أموال وخراج، وعصر الرواية والعلم الذى تجلى في كتب الواقدي والمدائني وابن سعد والقاسم ابن سلام وابن الكلبى.
كل ذلك أثر في صاحبنا وأثر في تكوينه وثقافته وحياته.
ويختفى اسم صاحبنا بعد وفاة المأمون، فلا نكاد نجد له ذكرا أيام المعتصم (227 ه) وأيام الواثق (232 ه)، حتى إذا كان أواخر ايام المتوكل وجدناه يجالس الخليفة ويحضر مجالسه فينادمه ويحادثه.
ونراه في الاعذار العظيم الذى اقامه المتوكل لابنه المعتز متصدرا في بركوارا قصر الهناء، وهو من أعظم قصور المتوكل مع البحترى، وعلى بن الجهم، والحسين بن الضحاك، وعلى بن ربن الكاتب، ويعقوب بن السكيت، وأبناء حمدون النديم (1).
وهذا يدل على مكانته عند المتوكل وشأنه.
وقد وصلت إينا طرف من مجالسه مع المتوكل (2)، فيما كان يجادل فيه ويناقش، أو فيما كان يرويه عن المتوكل في كتابه فتوح البلدان.
لكن أيام المتوكل لم تطل، فقد قتل سنة 248 ه.
ولعله بقى معه في العشر السنوات الاخيرة من خلافته.
وخلف المتوكل ابنه المنتصر، فلم يلبث طويلا حتى قتل أيضا، سنة 248 ه، وكانت خلافته ستة شهور.
فخلفه المستعين، وإذا بصاحبنا يتصل به فيكون
__________
(1) الاوحدي، الذخائر والتحف (مخطوط).
(2) أنظر ياقوت 5: 93، وفيه خبر تخطيئه إبراهيم بن العباس الصولى في حضرة المتوكل.
[ * ](1/8)
أثيرا عنده، وإذا بأموال الخلافة تغمره فيدخر منها.
وقصته مع المستعين ذات شأن
لانها تنير طرفا من حياته.
وقد حفظها لنا ابن النديم فيما نقله عن التنوخى.
فقد مدحه مدحا جميلا، فبعث إليه سبعة آلاف دينار وكتب إليه بخطه رقعة فيها: " قد أنفذت إليك سبعة آلاف دينار.
وأنا أعلم أنك ستجفى بعدى وتطرح، وتجتدى فلا يجدى عليك.
فاحفظ هذه الدنانير عندك، فإذا بلغت بك الحال إلى هذا فأنفق منها ولا تتعرف لاحد ليبقى ماء وجهك عليك.
ولك على أن لا تحتاج ظ ما عشت إلى شئ في أمر دنياك كبير أو صغير على حسب حكمك وشهوتك " (1).
وتابع المستعين جراياته وأرزاقه عليه فكان ينفق ولا يحتاج أحدا.
وبلغ صاحبنا غاية ما يريد في كنف المستعين وعطفه وحدبه.
وانقضت خلافة المستعين بعد أربع سنوات، فقد أمر المعتز بقتله سنة 252 ه وهو شاب قد تخطى الثلاثين.
وقد كان من المتوقع، وقد تولى المعتز الخلافة، أن يجفى صاحبنا ويطرح لصلته بالمستعين.
لكننا نجده قريبا منه يعهد إليه بتأديب ابنه عبد الله، وعمر عبد الله خمس سنوات.
ولعل ذلك لصلته القديمة بأبيه المتوكل.
ولقد رأينا أن صاحبنا كان في إعذار المعتز يوم أعذره أبوه.
ثم صار أمر المعتز إلى ما صار إليه المستعين من قبل.
فأمر صالح بن وصيف التركي، بعد أربع سنوات من توليه، أن يدخل في حمام ويسد عليه بابه.
فمات وهو في ريعان صباه لم يتجاوز الخامسة والعشرين.
وخلف ابنه عبد الله وهو يحدر نحو التاسعة.
ولا ندرى إذا كان صاحبنا تابع تأديب ابن المعتز في خلافة المهتدى (قتل سنة 526) والمعتمد (مات سنة 279 ه).
فنحن لا نجد شيئا في المصادر يدلنا.
__________
(1) ابن العديم، بغية الطلب.
ورقة 118 آ، ب [ * ](1/9)
على ذلك والغريب أن ابن المعتز لا يذكر استاذه بشئ في تواليفه، حتى في طبقات الشعراء، في حين أنه ذكر فيها شعراء أقل منه شأنا.
وبدأ مجد أحمد بن يحيى بالزوال، ونجمه بالافول منذ توفى المعتز.
فانعزل وجفا القصور.
وكان عهد المعتمد أشد عهود حياته سوءا وحاجة وفقرا.
قضاه في صراع عنيف وضيق، فقد نفد مال المستعين وأدركته الحاجة وركبته الديون، فلجأ أول مالجأ، إلى عبيدالله بن يحيى.
وكان عبيدالله وزيرا للمعتمد سنة 256 ه، فسأله العطاء.
ويحدثنا عن ذلك فيقول: " كانت بينى وبين عبيدالله بن يحيى بن خاقان حرمة منذ أيام المتوكل وما كنت أكلفه حاجة لاستغنائى عنه.
فنالتني في أيام المعتمد عى الله إضاقة، فدخلت إليه وهو جالس للمظالم.
فشكوت إليه تأخر رزقي وثقل دينى وقلت: إن عيبا على الوزير أعزه الله حاجة مثلى في أيامه وغض طرفه عنى.." فوقع لى ببعض ما أردت.
(1) ولكن عبيدالله حجبه إذ جاء إلى بابه في مرة ثانية (2).
ثم لجأ صاحبنا إلى اسماعيل بن بلبل، أبى الصقر.
وكان تولى الوزارة للمعتمد بعد عبيد الله سنة 265 ه، وبقى إلى سنة 277 ه.
فمدحه رغبة أن يطلق له بعض المال.
وكتب إليه كتابا حسنا، فوعده ولم يفعل.
فهجاه ونعته باللئيم، وسمى من يلجأ إليه بالذليل (3).
حتى إذا ما مضى أبو الصقر عن الوزارة، وتولاها أحمد ابن صالح شيرزاد سنة 277، عاد فلجأ إليه.
فتشاغل عنه.
فهم أن يهجوه، فخاف وقضى حاجته (4).
__________
(1) ياقوت، معجم الادباء 5: 95.
(2) المصدر السابق 5: 95.
(3) ياقوت، نقلا عن الصولى 5، 102 101.
(4) المصدر السابق 5: 96.
[ * ](1/10)
وهكذا كانت تقترب حياة أحمد بن نهايتها، وهو مبعد عن الخلفاء صفر اليدين، يطلب الرزق من أبواب الوزراء فيعطى مرة ويجفى مرات، فلا يجد ما ينفس به ألمه وعجزه ونقمته وأنفته إلا الهجاء.
وقد حفظ لنا ياقوت بعض أهاجي صاحبنا في هؤلاء الوزراء وغيرهم من الكتاب.
ولعل هذه الاهاجى هي التى جعلت المصادر تذكر أنه كان هجاء آخذا في الاعراض.
ومات أحمد بن يحيى في آخر خلافة المعتمد سنة 279 ه على الارجح.
وقد تجاوز الثمانين من عمره، إذا افترضنا أنه ولد في أواخر القرن الثاني وأتيح له أن يمدح المأمون الذى توفى سنة 218 ه، وهو في العشرين.
وقد كان لموته قصة ذكرها ابن النديم (1) وتابعته المصادر عليها.
ذكر أنه شرب في آخر عمره حب البلاذر فوسوس، وشد في المارسنان ومات فيه.
وسمى بعد موته بالبلاذرى.
وهذه القصة تثير الشك.
وقد شك بها ياقوت منذ القرن السابع.
ذلك أن الجهشيارى ينعت جد أحمد بن يحيى، الذى كان كاتبا للخصيب، بالبلاذرى.
قال ياقوت: " قال الجهشيارى في كتاب الوزراء: جابر بن داود البلاذرى.
كان يكتب للخصيب بمصر.
هكذا ذكر.
" ثم يعقب ياقوت فيقول: ولا أدرى أيهما شرب البلاذر: أحمد بن يحيى أو جابر بن داود.
إلا أن ما ذكره الجهشيارى يدل على أن الذى شرب البلاذر هو جده.
لانه قال: جابر بن داود، ولعل ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودا " (2).
ومن المؤسف أن طبعة كتاب الجهشيارى التى بين أيدينا ناقصة
__________
(1) ابن النديم، الفهرست، ص 113.
(2) ياقوت، معجم الادباء 5: 92.
[ * ](1/11)
فقد رجعنا إليها لنرى نص الجهشارى الذى ذكره ياقوت فوجدنا خلطا عجيبا.
قال: " وكان يكتب للخصيب أبو عبد الحميد بن داود البلاذرى المؤلف لكتاب البلدان.
وغيره من الكتب " (1).
وهذه العبارة تخالف في تركيبها ما ذكره ياقوت، وتخالف الواقع أيضا.
فمؤلف كتاب البلدان ليس " أبا عبد الحميد بن داود البلاذرى ".
ويذكر الذهبي في سير النبلاء (2) أن شربه البلاذر كان للحفظ.
وهذا ما يؤكد الشك في الرواية.
فماذا يريد أن يحفظ من بلغ الثمانين أو تجاوزها، وألحت عليه الحاجة، ولجأ إلى الناس ؟ وإنما يبغى الحفظ من كان ناشئا في بداءة الشباب، يطلب العلم ويجمعه.
ويذكر صاحب الفهرست أنه " شد " في المارستان، وعبارة الذهبي " ربط ".
والعادة أن يربط أو يشد من يخشى قوته وبطشه من المجانين.
فهل عند من جاوز الثمانين مثل ذلك ؟ وكيف كان سبب موته، ورغم شكوكنا هذه، فإننا ما نزال نحتاج إلى نصوص جديدة صحيحة لكتاب الجهشيارى وغيره، لتبين لنا كيف مات، وتبين لنا هل كان " البلاذرى " لقبا له أم لجده.
__________
(1) الجهشيارى، كتاب الوزراء والكتاب، (طبعة السقا والابياري وشلى) ص 256.
(2) الذهبي، سير النبلاء (مخطوط) ورقة 71، المجلد التاسع.
[ * ](1/12)
تلك هي حياة أحمد بن يحيى العامة.
أما حياته العلمية فقد كانت أخصب وأكثر ثمارا.
فقد نشأ في بغداد وأخذ عن علمائها في النصف الاول من القرن الثالث.
وحضر حلقاتهم في الحديث والادب والسير.
وكان أكثر من أخذ عنهم الحسين بن على الاسود (254 ه) والقاسم بن سلام (224 ه) وعلى بن محمد المدائني (225 ه) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي (230 ه) (1) وقد ذكرت المصادر معرتفه الفارسية (2).
ولعلمه تعلمها، وكانت لغة أجداده إذا ذهبنا إلى أن أصله من الفرس وكذلك يبدو أنه أحاط بطرف من ثقافة الروم.
فنحن نراه يجادل أمام المتوكل في كيفية التاريخ عندهم (3).
وبعد أن أخذ طرفا كبيرا من علم أهل العراق توجه إلى الشام.
فسمع في دمشق عالمها هشام بن عمار (246 ه) وأبا حفص الدمشقي (225 ه).
وطاف في بلاد الشام فزار حمص وسمع فيها من محمد بن مصفى (246 ه) ثم حلب ومنبج، وأنطاكية، وثغور الروم، والجزيرة، والرقة (4) وتكريت.
لا ندري على الدقة متى كانت رحلته إلى الشام، فهو لم يذكر متى طاف بهذه البلاد، ولكننا نرجح أن ذلك كان بعد وفاة المأمون سنة 218 ه، أي في زمن المعتصم، فنحن لا نسمع شيئا عنه في هذه الفترة، يضاف إلى ذلك أن أبا حفص الدمشقي الذى سمع منه بدمشق توفى سنة 225 ه.
فلابد أنه سمع منه قبل ذلك.
__________
(1) انظر فهرس الرواة في آخر الكتاب.
(2) ابن النديم، الفهرس، ص 113.
(3) ياقوت، معجم الادباء 5: 93 وما بعدها.
(4) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (المصدر السابق) وابن العديم، بغية الطلب
(المصدر المذكور).
[ * ](1/13)
وهكذا جمع صاحبنا إلى علم أهل العراق علم أهل الشام.
وقد كانت رحلته هذه وسيلة لاكتسابه ثقافة جديدة أفادته في كتابه فتوح البلدان.
فقد أخذ كثيرا عن أهل دمشق وحمص ومنبج والرقة والثغور وأنطاكية أخبار فتوحهم وأثبتها في كتابه إلى جانب أخبار أخرى.
وقد كان لاساتذته وثقافته ورحلاته وتردده على قصور الخلفاء أثر في إنتاجه وفى نوع هذا الانتاج.
فقد استفاد بطريق ابن سعد جميع روايات الواقدي في الفتوح.
واستفاد من المدائني نفسه رواياته في كتبه الكثيرة في الفتوح والبلدان.
وأخذ بطريق حفيد ابن الكلى ما رواه جده في الانساب.
وأخذ عن القاسم بن سلام أمور العشر والخراج.
فكان بعد ذلك مؤرخا للبلدان، وكان نسابة، وراوية شاعرا.
وهذه الاتجاهات هي التى ظهرت بعد في كتبه.
وثمة تأثير آخر لمعرفته الفارسية هو نقله آثار الفرس إلى العربية، حتى نعته ابن النديم بأنه كان أحد النقلة إلى اللسان العربي.
هذه الثقافة الحضارية المطمة أهلته أن يكون عالما مؤلفا وأن يكون نديما للخلفاء، وأن يأخذ عنه كثيرون.
وقبل أن نتكلم على إنتاجه بالتفصيل يجدر أن نذكر أن تلاميذ أحمد بن يحيى كانوا كثرا.
يكفى أن نذكر أنه أستاذ وكيع القاضى، وجعفر بن قدامة صاحب الخراج.
وقد ذهب دخويه (1) إلى أن صاحب الفهرست محمد بن إسحق النديم كان تلميذه.
وهذا خطأ.
ومصدره الترجمة التى كتبت بخط المقريزى في أول فتوح البلدان.
والصحيح أن الذى أخذ عنه هو يحيى بن النديم.
فقد تصحفت يحيى إلى محمد.
والمعروف أن صاحب الفهرست لم يدرك البلاذرى ومات بعده
بما يقرب من مئة سنة، فقد مات يقينا بعد سنة 375.
ويحيى بن النديم هذا هو يحيى بن المنجم، وكان من أسرة كانت ندامى للخلفاء (2).
__________
(1) في مقدمة نشرته.
(2) ويذكره الذهبي باسم يحيى بن المنجم.
[ * ](1/14)
فأما ما نقله عن الفارسية فقد عرفنا منه " عهد اردشير " الذى نقله شعرا.
ولم يصل هذا الكتاب إلينا.
كانت ثمار يقافة أحمد بن يحيى " كتبا جيادا " أو " حسنة " كما نعتتها المصادر.
وأشهر هذه الكتب كتاب أنساب الاشراف.
وقد نقل ياقوت والصفدى أن اسم الكتاب " جمل نسب الاشراف " وقال: هو كتابه المعروف المشهور.
لكن المطبوع من ابن النديم لا يذكر له هذا الكتاب، بل يذكر كتابا باسم " كتاب الاخبار والانساب " لم يذكره أحد ممن نقل عن ابن النديم.
والمطبوع من الفهرست ناقص لاشك.
أما حاجى خليفة فيذكر للبلاذرى كتابين متقاربين الاول: أنساب الاشراف، ويذكر أنه في عشرين مجلدا ولم يكمله.
والثانى: الاستقصاء في الانساب والاخبار في أربعين مجلدا ولم يكمله.
وهو لا يثبت مبتدأ الكتاب كعادته مما يدل على أنه لم يره.
ولم يذكر أحد من المتقدمين كتاب الاستقصاء بهذا الاسم.
ويذكر الخاوى (1) أن له كتاب التاريخ وكتاب أنساب الاشراف.
وقد ظن دخويه (2) أن الانساب والاخبار هو التاريخ الذى ذكره السخاوى.
وينعته الذهبي بأنه صاحب التاريخ الكبير.
والمرجح أن كتاب الانساب والاخبار هو كتاب أنساب الاشراف، بدل اسمه، وأن الانساب هو التاريخ نفسه.
وقد بدأ البلاذرى كتابه بسيرة النبي، وسير الصحابة.
ثم أورد العباسيين
بعد العلويين، وبنى عبد شمس بعد بنى هاشم.
وذكر الامويين في بنى عبد شمس، لكنه لم يفرد لهم مكانا خاصا.
ثم تحدث عن بقية قريش وبطون أخرى من مضر.
وشغل الجزء الاخير من كتابه عن قيس، وخص بالذكر منهم ثقيف، واستفاض في سيرة الحجاج (3).
__________
(1) الاعلان بالتوبيخ ص 154.
(2) في مقدمة نشرته.
(3) بيكر، في دائرة المعارف الاسلامية.
[ * ](1/15)
وقد نشر الاستاذ الدكتور حميد الله قائمة بمواد الكتاب كلها عن النسخة الوحيدة منه الموجودة في استامبول (1).
وألف أحمد بن يحيى كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير.
أما الكبير فلم يتم.
ويظن بعض العلماء أن كتاب فتوح البلدان الذى بين أيدينا هو كتاب البلدان الصغير.
ولا يذكر حاجى خليفة كتاب فتوح البلدان.
على أن ابن النديم يذكر أن كتاب الفتوح إلى جانب كتابيه في البلدان.
وقد نقل هذا عنه ياقوت والصفدى.
ولا يوجد اسم كتاب الفتوح في المطبوع من ابن النديم.
ونرجح أن يكون كتاب الفتوح هذا هو فتوح البلدان الذى وصل إلينا والذى سنتكلم عليه بالتفصيل (2).
ونعتقد أن كتابيه في البلدان هما على نمط كتب البلدان التى ظهرت في القرن الثالث فكان منها كتاب البلدان لليعقوبي وكتاب البلدان لابن الفقيه الهمداني.
__________
(1) أنظر 1954 , Institut Francais de Damas، Bulletin de l (2) يؤكد اعتقادنا هذا أنه أثبت في آخر مخطوطة لندن ما يلي: " هذا تمام كتاب الفتوح للبلاذرى ".
[ * ](1/16)
كتاب فتوح البلدان عنى المؤرخون المسلمون في القرن الثاني عناية كبرى بتدوين السير والمغارى.
فقد غلب عليهم تدوين أخبار الرسول وحياته وكان ذلك شغلهم الشاغل (1).
أما في القرن الثالث، فقد ظهرت العناية بتدوين الفتوح وكان أبرز من دونها، قبل أحمد بن يحيى، أبو حذيفة إسحاق بن بشر (206)، والواقدى (207) وأبو عبيدة معمر بن المثنى (210 0) وعلى بن محمد المدائني (225) وقد لحق هؤلاء فيما بعد ابمن عبد الحكم المتوفى سنة (257).
ألف أبو حذيفة في فتوح بيت المقدس (2).
والواقدى في فتوح الشام وفتوح العراق (3).
ونسبت إليه كتب في فتوح إفريقية، ومنف، والاسكندرية، والجزيرة، والعجم.
أما المدائني فقد زاد على من سبقه وأربى.
فألف في الفتوح عددا كبيرا من الكتب.
كفتوح الشام، والعراق، والبصرة، وخراسان، وسجستان، وفارس، والابلة، وأرمينية، وكرمان، وكابل، وعمان، وطبرستان، ومصر، والرى، والجزيرة، والاهواز، والبحرين، وبرقة، ومكران، والحيرة..أفرد لكل بلد كتابا (4).
وألف ابن عبد الحكم فتوح مصر والمغرب (5).
وهكذا كان بين يدى أحمد بن يحيى مادة خصبة في الفتوح وجدها قبل أن يؤلف كتابه.
__________
(1) أنظر للتفصيل: هورورفتس، المغارى الاولى ومؤلفوها، ترجمة الدكتور حسين نصار.
(2) أنظر كشف الظنون.
(3) ابن النديم، الفهرست 98.
(4) المصدر السابق، ص 103.
(5) أنظر كشف الظنون.
[ * ](1/17)
لا ندرى متى ألف كتابه، فهو لا يذكر شيئا.
على أن بعض الحوادث المذكورة في الكتاب تدلنا على ذلك.
فهو يذكر المعتز بالله، ولا يذكر بعده أحدا ممن تولى الخلافة.
مما يرجح أنه أتمه بعد سنة 255 ه وهى السنة التى قتل فيها المعتز.
ولنر الآن ماهى المصادر التى اعتمد عليها في تأليف كتابه.
لقد أحصينا الرواة التى روى أحمد بن يحيى عنهم كتابه فوجدنا أنه أخذ معظم أخباره عن: الحسين بن الاسود الكوفى نزيل بغداد.
والقاسم بن سلام.
ومحمد بن سعد كاتب الواقدي.
وعلى بن محمد المدائني.
وعمرو بن محمد الناقد.
والعباس بن هشام الكلبى.
أما ما سواهم فقد أخذ عنهم أخبارا قليلة.
2 استفاد مباشرة أو عن طريق راوية من روايات الواقدي، وأبى مخنف، وابن الكلبى، وأبى عبيدة معمر بن المثنى.
3 أخذ عن أهل كل بلد وذكر أسماء من أخذ عنه أحيانا.
وأغفل أسمائهم أحيانا.
فكان يقول: أخبرني بعض أهل فارس أخبرني شيخ من أهل حمص أخبرني بعض أهل الثغر حدثنى بعض أهل منبج حدثنى عدة من أهل قزوين حدثنى مشايخ من أهل أنطاكية حدثنى عدة من
مشايخ قاليقلا.(1/18)
ولاشك أنه كان يستمع إلى هؤلاء أثناء رحلته أو أثناء اجتماعه بهم في بغداد 4 أخذ عن مجهولين لم يذكر اسماءهم ولا عين بلادهم.
فكان يقول: حدثنى جماعة من أهل العلم حدثنى من أثق به.
5 استكتب علماء البلاد في شؤون بلادهم.
فقد ذكر أنه كتب إليه العطاف قاضى قاليقلا.
ولم يكتب إليه العطاف في أمر فتح بلده إلا بعد أن طلب منه ذلك.
6 إلى جانب العلماء والرواة كان يستقى أخباره من أشخاص رسميين كالخلفاء أو الكتاب في ديوان الخليفة.
فكان يقول: حدثنى من أثق به من الكتاب أن المتوكل..، أو أخبرني المتوكل..7 كان يتصرف بأقوال الرواة يمزج بعضها ببعض ويختصرها ويرويها رواية جديدة ويقول: قالوا.
وقد افتتح كتابه بقوله: أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان سقت حديثهم واختصرته ورددت في بعضه على بعض ".
تلك هي مصادر أحمد بن يحيى في فتوحه.
أما الفتوح نفسها فقد بدأ بالجزيرة العربية، ثم بالشام، وقبرس، والجزيرة، والثغور، ثم أرمينية، ثم مصر والمغرب وإفريقية، والاندلس، ثم جزائر البحر.
وعاد إلى السواد والعراق.
ثم تكلم على فتوح فارس والجبال وسجستان وكرمان وكابل وخراسان والسند.
فكأنه تتبع الفتوح تتبعا تاريخيا قدر الامكان.
وقد امتاز الفتوح بأمور يجدر الاشارة إليها: 1 اختار أحمد بن يحيى من المواد الخصبة التى سمعها أو قرأها، فكان
في انتقائه جيدا.
لا يخرج عن الموضوع الذى يتكلم عليه ولا يستطرد إلى غيره فقد حافظ على وحدة الموضوع جزئيا وكليا.(1/19)
2 لاحظ بيكر على حق أن سرده الحوادث تخلله إشارات ذات قيمة في ناحية تاريخ الحضارة والنظم الاجتماعية.
مثل كلامه على نقل الدواوين إلى العربية، وأمر القراطيس، ونقل ديوان الفارسية، وأمر الخاتم، والنقود، والخلط.
3 عنى كذلك بتبيان أحكام الخراج، وأحكام العشر، في مختلف مصادرها الحجازية أو العراقية.
4 تابع أمور البلاد المفتوحة في عصره، فوصف ما نالها أيام الخلفاء العباسيين.
والكتاب فيما يتعلق بالعصر العباسي على غاية من الفائدة.
5 تظهر شخصية المؤلف في كتابه بالملاحظات النقدية التى نجدها بين حين وحين.
فهو ليس راويا ينقل الاخبار، ولكنه بعد أن يرويها يفضل بعضها على بعض ويرجح ما يراه جديرا بالترجيح.
فيقول بعد سرد الاخبار: والثبت كذا.
وهذا لا نجده عند الواقدي ولا في فتوح مصر لابن عبد الحكم.
6 إلى جانب الشمول من حيث الموضوع يمتاز الفتوح بالايجاز.
فأسلوب المؤلف موجز جدا، ولكنه واضح.
على أنك لا تستطيع الاكتفاء به وحده فقد نجد تفصيلا أكثر في مصادر ثانية.
7 وثمة ملاحظة أخيرة ذكرها دخويه هي أنه رغم صلته ببعض الخلفاء العباسيين لم يغرق كتابه الفتوح بمدحهم.
وإن كان تنقص من قدر الامويين فلم يسم أحدا منهم بالخليفة الا عمر بن عبد العزيز.
ولا حظ بيكر أيضا انه تكلم في أنساب الاشراف عن بنى أمية فلم يحلهم
محلا خاصا يليق بهم.(1/20)
وهاتان الملاحظتان تفسران لنا شيئا من موقف المؤلف أمام الامويين.
ونضيف أنه كان ينعت الخلافة العباسية " بالدولة المباركة " ولا يتكلم بشئ عن الخلافة الاموية.
* * * ولا نعرف مؤلفا في الفتوح بعد أحمد بن يحيى، فهو، كما قيل، خاتمة مؤرخي الفتح.
وإذا علمنا أن كتب الواقدي لم تثبت صحة الكثير منها، وأن كتب المدائني لم تصل إلينا، رأينا أن كتاب البلاذرى هذا هو أهم مصدر من المصادر التاريخية، وأكثرها صحة، عن الفتوح العربية، حتى قال المسعودي عنه في مقدمة مروج الذهب: " لا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه.
".
وقد نقل منه ياقوت في معجم البلدان نقولا كثيرة واعتمد عليه وجعله من مصادره.(1/21)
نشرات فتوح البلدان نشر فتوح البلدان، كله أو بعضه، عدة مرات: 1 فأول من نشره كاملا المستشرق الهولندي دغويه في ليدن، في ثلاثة اقسام، من سنة 1863 إلى 1866 (1)، باسم:.
Liber expugnationis regionum.
Auctore Imamo Ahmad ibn Iahja ibn Djabir al - Beladsori وألحق به فهرسا للاعلام، وآخر للرواة والفقهاء، وثالثا للاماكن، ومعجما للالفاظ، ومستدركا.
2 ونشر أهلورد Ahlward الالماني الجزء الاول منه سنة 1883 م.
3 ثم نشرته شركة طبع الكتب العربية بالقاهرة سنة 1901 م عن طبعة دخويه.
وهى نشرة بلا شكل أو ضبط، وبلا فهارس.
وقد ترجمت في أولها أقسام من مقدمة دخويه ترجمة غير صحيحة وفيها تصرف.
4 ثم نشرته المكتبة التجارية بالقاهرة في سنة 1932 م، وعنى بالتعليق عليه الاستاذ رضوان محمد رضوان.
ولم يذكر أي نسخة اعتمد عليها في نشرته، لكنه قال إنه قابله على نسخة الاستاذ الشنقيطى المحفوظة بدار الكتب.
وقد تبين لنا بعد دراسة هذه النشرة أن الاستاذ رضوان اعتمد على نشرة شركة طبع الكتب العربية، وأثبتها كما هي، بحواشيها وأخطائها، دون أن يشير
__________
(1) ذكر جرجى زيدان ومن قبله بروكلمن أنه طبع سنة 1870 وهو خطأ.
[ * ](1/22)
إلى ذلك.
واستمد في مقدمته من الترجمة الجزئية لمقدمة دخويه التى أثبتت في نشرة شركة طبع الكتب.
وهذه النشرة بلا شكل أو ضبط للالفاظ والاماكن والاعلام.
ولا توجد في الصفحات تعليقة واحدة تدل على أن الكتاب قوبل على نسخة مخطوطة.
وكذلك لا فهارس لها.
وقد رجعنا إلى دار الكتب للبحث عن نسخة الشنقيطى فلم نجد مخطوطة له، وإنما وجدنا في مكتبته نسخة مطبوعة في أو روية هي نشرة دخويه، وعلى هوامشها تعليق لا شأن له.
وهى برقم 35 تاريخ ش.
5 نشر رينو الفرنسى Reinaud قطعا منه في:.
161181.
Reinaud , Fragments arabes et persans p 6 نشر أمارى الايطالي 9781 (Amari م) قطعا منه في:.
161.
Amart , Biblioteca arabico - sicula , p(1/23)
ترجمات فتوح البلدان 1 ترجم إلى الانكليزية، مع نقص: , 80 ,.
2 Ph.
K Hitti , Theorigins of the islamic state , Vol.
1916 , New - york 2 ترجمه إلى الالمانية: , O.
Rescher.
1917 1923 Vol 2 , Leipzig , et 3 بدأ Hamaker، وكان أستاذ اللغات السامية بليدن، بترجمته إلى اللاتينية، ولم يتمه.
ويقول دخويه إلى هذه الترجمة لم تفده قط عند نشره الكتاب لانها أشبه بالموجز.
ويقول عن المترجم إنه لم يكن خبيرا في قراءة المخطوطات لذلك تحرفت الاسماء في ترجمته.
4 ترجم سوفاجه قطعة صغيرة منه في كتابه عن المؤرخين العرب، مع تعريف موجز به..(1946.
Sauvaget , Les Historiens Arabes , p.
21 - 71.
) Paris(1/24)
خطتنا في النشر عندما عهدت إلينا إدارة الثقافة العامة نشر هذا الكتاب حاولنا أن نجد مخطوطات جديدة له يمكن تحقيق النص بها.
فلجأنا إلى بروكلمن، فلم نجده ذكر شيئا.
ثم علمنا أن في الخزانة التيمورية قطعة من الفتوح للبلاذرى سجلت برقم 2627 تاريخ، فرجعنا إليها فوجدنا أوراقا مجموعة ناقصة من الاول والآخر، كما أن في ثناياها أوراقا ناقصة بحيث لا يستقيم الكلام.
وقد كتبت على الاغلب
في القرن السابع.
ولكننا ما كدنا نفحصها حتى ظهر أنها ليست من فتوح البلاذرى كما أثبت في البطاقة الخاصة بها خطئا.
وتبين لنا أن مؤلفها متأخر عن البلاذرى، فهو ينقل عن الطبري المتوفى سنة 310 ه.
وأمام فقدان نسخ مخطوطة جديدة فقد رجعنا إلى نشرة دخويه لانها النشرة الوحيدة التى اعتمد في نشرها على نسخ مخطوطة فهى نشرة علمية نقدية.
أما النشرتان اللتان ظهرتا في مصر فلم تعتمدا على أصول خطية كما رأينا لان أولاهما صورة مشوهة عن نشرة العالم الهولندي، وثانيتهما صورة عن النشرة الاولى.
وإن كان ناشرها أراد أن يدلس بذكره أنه نشرها على نسخة الشنقيطى ; وما نسخة الشنقيطى غير نشرة دخويه نفسها.
ذكر دخويه في مقدمته اللاطينية أنه اعتمد في نشره فتوح البلدان على ثلاث نسخ مخطوطة، نسرد وصفها فيما يلي: فالاولى هي مخطوطة في مكتبة جامعة ليدن.
ولا يذكر دخويه رقمها وآخرها.
كل ما يذكره أنها كتبت بخط جميل لا شكل ولا نقط فيه.
وقد رمز إليها بحرف.
A(1/25)
والثانية مخطوطة في مكتبة جامعة ليدن أيضا رقمها (430) warn وهى نسخة كتبت في أوائل القرن السابع الهجرى، قليلة النقط، جميلة الخط.
أثبت على أول ورقة منها ما يلى: كتاب فتوح البلدان تأليف الامام أبى العباس أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى.
رحمة الله عليه.
كما أثبت في آخرها ما يلي:
" فرغ من كتابته العبد الفقير إلى رحمة الله القدير أحمد بن نعمة المقدسي سامحه الله وتجاوز عن سيئاته في العشر الاوسط من شهر المحرم من سنة ثلاث وعشرين وستماية، حامدا مصليا.
وحسبي الله ونعم الوكيل " وقد رمز إليها دخويه بحرف.
B وناسخ هذه النسخة عالم ومؤرخ معروف، وله تواليف (1)، ويمكن الاطمئنان إلى نسخته هذه.
وقد كتبنا إلى حافظ المخطوطات في مكتبة جامعة ليدن الدكتور فورهوف نسأله عن هاتين المخطوطتين ورجوناه أن يرسل إلينا الصفحات الاولى والاخيره منهما.
فأعلمنا انه لا يوجد الآن في المكتبة إلا النسخة الثانية.
ولعل الاولى قد فقدت.
أما النسخة الثالثة التى اعتمد عليها دخويه فهى مخطوطة المتحف البريطاني (264.
) Br.
Mus 32.
Taylor وقد كتبت في القرن التاسع من الهجرة.
وقد أثبت في آخرها ما يلى: " هذا تمام كتاب الفتوح للبلاذرى.
فرغ ناسخه من نسخه له في آخر سنة إحدى وخمسين وثمان مئة.."
__________
(1) انظر كتابنا: المؤرخون الدمشقيون ص 35.
[ * ](1/26)
وبعد ذلك كتب بخط آخر: " بلغ مقابلة من أوله إلى آخره عى أصله المنقول منه، وهو أصل قديم جدا في مجالس آخرها يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانماية.
قال ذلك إبراهيم بن عمر البقاعي صاحبه ".
والبقاعى هذا هو المؤرخ المشهور (1) معاصر السخارى.
وهذه النسخة قد نقلت كما ذكر عن أصل قديم جدا، وقابلها البقاعي في مجالس عدة.
لذلك يمكن الاطمئنان إليها.
لهذا كله اطمأن قلبنا إلى الاصول التى اعتمد عليها دخويه، واتخذنا نشرته أساسا لنشرتنا هذه.
ولابد أن نذكر أن دخويه قد بذل غاية جهده في التحقيق.
وطلب يومئذ من العلماء تنبيهه إلى ما أخطأ فيه، ولم يجد غضاضة في ذلك.
فصحح له صديقاه Fleischer , Noldeke بعض ما أخطا فيه.
وكتب له صديقاه Wustenfeld و wrighte اختلاف الروايات بين نسخ ليدن ونسخة المتحف البريطاني، وما ورد في معجم البلدان لياقوت.
وأثبت هذا التصحيح كله في القسم الثالث من الكتاب في ثمان وعشرين صفحة.
وبالاضافة إلى المقدمة التى قدم بها الكتاب باللغة اللاتينية فقد وضع في آخر الكتاب معجما لبعض ألفاظه وسرد معناها ومواضع استعمالها.
هذا عدا الفهارس.
وقد صححنا نحن أولا طبعة دخويه حسب ما استدرك من تصحيح في آخر الكتاب.
ثم صححنا نحن مابدا لنا فيها من الخطأ أوفاته التنبيه عليه.
ولم نشر إلى هذه الاخطاء، فعمل هذا المستشرق الجليل، الذى نشر عشرات من تراثنا
__________
(1) انظر كتابنا: المؤرخون الدمشقيون ص 71.
[ * ](1/27)
العربي قبل قرن، أجل من أن يطعن عليه لاخطاء يتعرف لها كل عالم، وخاصة في كتاب كفتوح البلدان كله أعلام وأسماء أماكن وبقاع.
وقد ضبطنا كثيرا من الكلمات التى لم يضبطها دخويه بالشكل.
وصححنا الرسم في الاسماء التى حذفت ألفها كابراهيم واسحق.
وفصلنا المئات عن الاعداد، فكتبنا ثلاث مئة بدلا من ثلاثماية.
ورقمنا الاحاديث والاخبار.
وجعلنا الاسناد بحرف أدق من حرف المتن (1).
أما اختلاف النسخ التى أثبتها دخويه فلم نثبتها نحن، لانه على الاغلب روايات غير صحيحة لا فائدة منها، وما وجدناه فيها أصح مما أثبته صححناه.
وراينا أن كتابا كهذا لا يتم الانتفاع به إلا إذا عرفت الاماكن المذكورة فيه لذلك لم نشأ أن نجعل تعليقاتنا وشروحنا في أسافل الصفحات بل الحقنا بالكتاب معجما لاسماء الاماكن بينا يه مواضعها اليوم إذا أمكن، وذكرنا المصادر التى تكلمت عليها.
وقد آثرنا جعل ذلك في آخر الكتاب لئلا نثقل النص بتعليقات طوال.
أما الفهارس فقد أفردنا واحد لشيوخ البلاذرى الذين روى الكتاب عنهم، وثانيا للاعلام الواردة في النص، وثالثا للالفاظ اللغوية، ثم ختمنا ذلك بالمستدرك.
وصنعنا خريطة مجملة تبين البلدان التى فتحها العرب، ولم نثبت فيها كل المدن والمواقع لتعذر ذلك.
ولعل عملنا هذا أن يكون إتماما لعلم ذلك العالم الهولندي الجليل، وقد يكون هناك خطأ فاتنا لم ننتبه إليه، فالشكر سلفا لمن يصححه ويخبرنا به.
القاهرة.
ديسمبر 1956 صلاح الدين المنجر
__________
(1) أنظر رسالتنا: قواعد تحقيق النصوص.
[ * ](1/28)
استدراك على المقدمة
1 ذكرنا في مصادر ترجمة البلاذرى أن ابن العديم صاحب بغية الطلب توفى سنة 666.
(ص 4) والصحيح أنه توفى سنة 660 ه.
2 وذكرنا أن ابن خلكان صاحب وفيات الاعيان توفى سنة 682 ه (ص 4) والصحيح أنه توفى سنة 681.
3 وذكرنا أن المقريزى كتب ترجمة البلاذرى بخطه على ظهر مخطوطة ليدن.
(ص 5) واعتمدنا في ذلك على قول دخويه في مقدمته.
ثم وصلت إلينا بعد طبع القسم الاول من مقدمتنا، صورة هذه الترجمة، فتبين لنا أنها بخط السخاوى وليست بخط المقريزى كما ظن دخويه.
وقد جزمنا بذلك بعد أن عارضنا خط هذه الترجمة بخطوط السخاوى المحفوظة لدينا في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.
4 الصفحة التى ورد فيها ذكر البلاذرى في كتابنا: رائد التراث العربي هي صفحة 88 (انظر ص 6).
5 ذكرنا أننا لم نجد أصولا خطية للفتوح.
وبعد طبع هذا القسم الاول من الكتاب أخبرنا الاستاذ الدكتور جمال الدين الشيال أن أصلا قديما للكتاب، أفسدت الرطوبة بعض صفحاته، في مكتبة جامعة ييل بالولايات المتحدة.
فرجعنا إلى ما كتبه الاستاذ كوركيس عواد عن المخطوطات العربية في دور الكتب الاميركية فوجدناه يذكر في مخطوطات هذه المكتبة (ص 17) نسخة من فتوح البلدان، قديمة جدا.
بخط نسخي غير منقوط.
وقال لعلها في مخطوطات المئة الخامسة أو السادسة.
تملكها بعضهم سنة 974 ه.(1/29)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين 1 - قال أحمد بن يحيى بن جابر: أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة
وفتوح البلدان سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس بقباء، وكان يتحدث عنده سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك أحد بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك ابن الاوس حتى ظن قوم أنه نزل عنده.
وكان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نزلوا عليه من الانصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه، والصلاة بومئذ إلى بيت المقدس، فلما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء صلى بهم فيه.
فاهل قباء يقولون إنه المسجد الذى يقوم الله تعالى فيه * (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) * (1) وروى أن المسجد الذى أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 - حدثنا عفان بن مسلم الصفار قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرني هشام بن عروة، عن عروة أنه قال في هذه الآية (ص 2) * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) * (2) قال: كان
__________
(1) السورة 9، الآية 108 (2) " 9، الآية 107 (*)(1/1)
سعد بن خيثمة بنى مسجد قباء، وكان موضعه للبة تربط فيه حمارها.
فقال أهل الشقاق: أنحن نسجد في موضع كان يربط فيه حمار لبة ؟ لا، ولكنا نتخذ مسجدا نصلى فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلى بنا فيه.
وكان أبو عامر قد فر من الله ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصر، فأنزل الله تعالى * (والذين اتخذوا
مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) *، يعنى أبا عامر.
3 - وحدثنا روح بن عبد المؤمن المقرى قال: حدثنى بهز بن أسد قال: حدثنا حماد بن زيد قال: أخبرنا أيوب، عن سعيد بن جبير أن بنى عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فحسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه كما صلى في مسجد أصحابنا، ولعل أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلى بنا فيه.
فبنوا مسجدا وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يأتيه فيصلى فيه.
فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إليهم أتاه الوحى فنزل عليه فيهم * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله) * قال: هو أبو عامر.
* (لا تقم فيه أبدا.
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه.
فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين.
أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله (ص 3) ورضوان) * قال: هذا مسجد قباء.
4 - وحدثنا محمد بن حاتم بن ميمون قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) *(1/2)
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مسجد قباء فقال: ما هذا الطهور الذى ذكرتم به ؟ قالوا: يا رسول الله ! إنا نغسل أثر الغائط والبول.
5 - وحدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عامر قال: كان ناس من أهل قباء يستنجون بالماء، فنزلت فيهم * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) * الآية.
6 - حدثنى عمرو بن محمد الناقد وأحمد بن هشام بن بهرام قالا: حدثنا وكيع بن الجراح قال: أخبرنا ربيعة بن عثمان عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذى أسس على التقوى.
فقال أحدهما: هو مسجد الرسول.
وقال الآخر: هو مسجد قباء.
فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه.
فقال: هو مسجدي هذا.
7 - حدثنا عمرو بن محمد ومحمد بن حاتم بن ميمون قالا: حدثنا وكيع عن ربيعة بن عثمان التيمى عن عثمان بن عبيد الله بن أبى رافع، عن ابن عمر قال: المسجد الذى أسس على التقوى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
8 - حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دگين قال: حدثنا عبد الله بن عامر الاسلمي عن عمران بن أبى أنس عن سهل بن سعد، عن أبى بن كعب قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذى أسس على التقوى فقال: هو مسجدي هذا.(1/3)
9 - حدثنى هدبة بن خالد قال: حدثنا أبو هلال الراسبى قال: أخبرنا قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله * (لمسجد أسس على التقوى) * قال: هو مسجد (ص 4) النبي صلى الله عليه وسلم الاعظم.
10 - حدثنا على بن عبد الله المدينى قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: المسجد الذى أسس على التقوى مسجد الرسول عليه السلام.
11 - حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا داود بن أبى هند،
عن سعيد بن المسيب قال: المسجد الذى أسس على التقوى مسجد المدينة الاعظم.
12 - حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون السمين قال: حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدرى، عن أبيه قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، يعنى الذى أسس على التقوى.
14 - قالوا: وقد وسع مسجد قباء بعد وزيد فيه.
وكان عبد الله بن عمر إذا دخله صلى إلى الاصطوانة المخلقة، وكان ذلك مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
15 - قالوا: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس، وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة.
فجمع في مسجد كان بنو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بنوه، وكانت تلك أول جمعة جمع فيها.
ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنازل الانصار منزلا منزلا، وكلهم يسأله النزول عليه، حتى إذا انتهى إلى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها، وجاء أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار(1/4)
ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج فأخذ رحله، فنزل صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب.
وأراده قوم من الخزرج على النزول عندهم فقال: المرء مع رحله.
فكان مقامه في منزل أبى أيوب سبعة أشهر.
ونزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر، ووهبت الانصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل فضل كان في خططها، وقالوا: يا نبى الله ! (ص 5) إن شئت فخذ منازلنا.
فقال لهم خيرا.
16 - قالوا: وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب النقباء يجمع بمن يليه من المسلمين في مسجد له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه.
ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل
ابنا رافعا بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم، فعرض عليهم أن يأخذها ويغرم عنه لليتيمين ثمنها، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أبى بكر الصديق رضى الله عنه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ، وبنى به المسجد، ورفع أساسه بالحجارة، وسقف بالجريد، وجعلت عمده جذوعا.
فلما استخلف أبو بكر رضى الله عنه لم يحدث فيه شيئا، واستخلف عمر رضى الله عنه فوسعه وكلم العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه في بيع داره ليزيدها فيه، فوهبها العباس لله والمسلمين فزادها عمر رضى الله عنه في المسجد.
ثم إن عثمان بن عفان رضى الله عنه بناه في خلافته بالحجارة والقصة، وجعل عمده حجارة وسقفه بالساج، وزاد فيه، ونقل إليه الحصباء من العقيق.
وكان أول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم بن أمية بناها بحجارة منقوشة، ثم لم يحدث فيه شئ إلى أن ولى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز، وهو عامله على المدينة، يأمره بهدم المسجد وبنائه،(1/5)
(ص 6) وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر.
فبناه وزاد فيه، وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان مولى سعدى مولاة آل معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى، وذلك في سنة سبع وثمانين، ويقال في سنة ثمان وثمانين.
ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف المهدى أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
17 - قال الواقدي: بعث المهدى عبد الملك بن شبيب الغساني ورجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه، وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن على، فمكثا في عمله سنة، وزادا في مؤخره مئة ذراع، فصار
طوله ثلاث مئة ذراع وعرضه مائتي ذراع.
18 - وقال على بن محمد المدائني: ولى المهدى أمير المؤمنين جعفر بن سليمان مكة والمدينة واليمامة، فزاد في مسجد مكة ومسجد المدينة، فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين وستين ومئة، وكان المهدى أتى المدينة في سنة ستين قبل الحج، فأمر بقلع المصقورة وتسويتها مع المسجد.
ولما كانت سنة ست وأربعين ومائتين أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله بمرمة مسجد المدينة، فحمل إليه فسيفساء كثير، وفرغ منه في سنة سبع وأربعين ومائتين.
19 - حدثنى عمر بن حماد بن أبى حنيفة قال: حدثنا مالك بن أنس قال: حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يفتح من مصر أو مدينة عنوة، فإن المدينة فتحت بالقرآن.
20 - حدثنا شيبان بن أبى شيبة الابلى قال: حدثنا أبو الاشهب قال: أخبرنا الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبى حرما وإنى(1/6)
حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ما بين (ص 7) حرتيها، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال.
فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل.
21 - وحدثني روح بن عبد المؤمن البصري المقرى قال: حدثنا أبو عوانه عن عمر بن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن إبراهيم عبدك ورسولك وأنا عبدك ورسولك، وإنى قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة.
فكان أبو هريرة يقول: والذى نفسي بيده لو أجد الظباء ببطحان
ما عانيتها.
22 - وحدثنا شيبان بن أبى شيبة قال: حدثنا القاسم بن الفضل الحدانى عن محمد بن زياد، عن جده، وكان مولى عثمان بن مظعون وكانت في يده أرض لآل مظعون بالحرة، قال: كان عمر بن الخطاب ربما أتانى نصف النهار واضعا ثوبه على رأسه، فيجلس إلى ويتحدث عندي، فأجيئه من القثاء والبقل.
فقال لى يوما: لا تبرح، فقد استعملتك على ما هاهنا، ولا تدعن أحدا يخبط شجرة ولا يعضدها، يعنى من شجر المدينة، فإن وجدت أحدا يفعل ذلك فخذ حبله وفأسه.
قال قلت: آخذ ثوبه ؟ قال: لا.
32 - وحدثني أبو مسعود بن القتات قال: حدثنا ابن أبى يحيى المدنى عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم من الشجر ما بين أحد إلى عير، وأذن لصاحب الناضح في الغضا، وما يصلح به محارثه وعربه.(1/7)
24 - حدثنى بكر بن الهيثم: قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لرجل استعمله على حمى الربذة نسى بكر اسمه (ص 8): أضمم جناحك عن كل مسلم، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، ودعني من نعم ابن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع، وإن هذا البائس إن تهلك ماشيته يجئ فيصرخ يا أمير المؤمنين ! يا أمير المؤمنين، فالكلاء أهون على المسلمين من غرم المال ذهبه وورقه.
والله إنها لارضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام، وإنهم ليرون أنى أظلمهم، ولولا النعم التى تحمل عليها في سبيل الله ما حميت عن الناس من بلادهم شيئا أبدا.
25 - حدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبى مريم عن العمرى عن نافع، عن ابن عمر قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين.
قال لى أبو عبيد: بالنون.
وقال: النقيع فيه قاع ذرق وهو الحندقوق.
26 - وحدثني مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه عن ابن الدراوردى عن محمد بن ابراهيم التيمى عن أبيه، عن سعد بن أبى وقاص أنه وجد غلاما يقطع الحمى، فضربه وسلبه فأسه.
فدخلت مولاته أو امرأة من أهله على عمر رضى الله عنه فشكت إليه سعدا، فقال عمر: رد الفأس والثياب أبا إسحاق رحمك الله.
فأبى وقال: لا أعطى غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سمعته يقول: من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه واسلبوه.
فاتخذ من الفأس مسحاة فلم يزل يعمل بها في أرضه حتى توفى.(1/8)
27 - وحدثنا أبو الحسن المدائني، عن ابن جعدبة وأبى معشر قالا: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بظريب - التأويل مقدمه من غزوة ذى قرد - قالت له بنو حارثة من الانصار: يا رسول الله ! ها هنا مسارح إبلنا ومرعى غنمنا ومخرج نسائنا، يعنون موضع الغابة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قطع شجرة فليغرس مكانها ودية.
فغرست الغابة.
28 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسى (ص 9) قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبى مالك بن ثعلبة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في وادى مهزور أن يحبس الماء في الارض إلى الكعبين فإذا بلغ الكعبين أرسل إلى الاخرى، لا يمنع
الاعلى الاسفل.
29 - وحدثنا اسحاق بن أبى إسرائيل قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد.
عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن الاعلى يمسك على من أسفل منه حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله على من أسفل منه.
30 - وحدثني عمر بن أبى حنيفة قال: حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري، عن أبيه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومذينب أن يحبس الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الاعلى إلى الاسفل.
قال مالك: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل بطحان بمثل ذلك.(1/9)
31 - وحدثني الحسين بن الاسود العجلى قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد ابن عبد العزيز عن محمد بن اسحاق قال: حدثنا أبو مالك بن ثعلبة بن أبى مالك، عن أبيه قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور وادى بنى قريظة، فقضى أن الماء إلى الكعبين لا يحبسه الاعلى على الاسفل.
32 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر ابن محمد، عن أبيه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور أن لاهل النخل إلى العقبين، ولاهل الزرع إلى الشراكين، ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم.
33 - وحدثني حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا عباد بن عباد (ص 10) قال: حدثنا هشام بن عروة،
عن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بطحان على ترعة من ترع الجنة.
34 - وحدثني على بن محمد المدائني أبو الحسن، عن ابن جعدبة وغيره قالوا: أشرفت المدينة على الغرق في خلافة عثمان من سيل مهزور حتى اتخذ له عثمان ردما.
35 - قال أبو الحسن: وجاء أيضا بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومئة فبعث إليه عبد الصمد بن على بن عبد الله العباس، وهو الامير يومئذ، عبيد الله بن أبي سلمة العمرى، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر وقد ملا السيل صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلتهم عجوز من أهل العالية على موضع كانت تسمع الناس يذكرونه، فحفروه فوجد الماء منسربا، فغاص منه إلى وادى بطحان.
قال: ومن مهزور إلى مذينب شعبة يصب فيها.(1/10)
36 - حدثنى محمد بن أبان الواسطي قال: حدثنا أبو هلال الراسبى قال: حدثنا الحسن قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها وسماها طيبة.
37 - وحدثني أبو عمر حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا عباد بن عباد عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مرض المسلمون بها، فكان ممن اشتد به مرضه أبو بكر وبلال وعامر ابن فهيرة فكان أبو بكر رضى الله عنه يقول في مرضه: كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال رضى الله عنه يقول:
ألا ليت شعرى هل ابيتن ليلة * بفخ وحولي أذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لى شامة وطفيل وكان عامر بن فهيرة يقول: (ص 11) لقد وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه [ كل امرئ مجاهد بطوقه ] * كالثور يحمى جلده بروقه قال: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: اللهم طيب لنا المدينة كما طيبت لنا مكة، وبارك لنا في مدها وصاعها.
38 - حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري، عن عروة أن رجلا من الانصار خاصم الزبير بن العوام في أشراج الحرة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك.(1/11)
39 - وأخبرني على الاثرم، عن أبى عبيدة قال: الاشراج مسايل الماء في الحرار، والحرة أرض مفروشة بصخر.
قال: وقال الاصمعي: مسايل من الحرار إلى السهولة.
40 - حدثنى الحسين بن على بن الاسود العجلى قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد ابن عبد العزيز حدثنا هشام بن عروة.
عن أبيه قال: أقطع عمر رضى الله عنه العقيق حتى انتهى إلى أرض فقال: ما أقطعت مثلها.
قال خوات بن جبير: أقطعنيها.
فأقطعه إياها.
41 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن يزيد بن عبد العزيز عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع عمر العقيق ما بين أعلاه إلى أسفله.
42 - وحدثني الحسين قال: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة قال: خرج عمر يقطع الناس وخرج معه الزبير، فجعل
عمر يقطع حتى مر بالعقيق فقال: أين المستقطعون ؟ مذ اليوم ما مررت بقطعة أجود منها.
فقال الزبير: أقطعنيها.
فأقطعه إياها.
43 - وحدثني الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع عمر العقيق كله حتى انتهى إلى قطيعة خوات بن جبير الانصاري فقال: أين المستقطعون ؟ ما أقطعت اليوم أجود من هذه.
44 - وحدثنا خلف (ص 12) بن هشام البزار قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع عمر بن الخطاب خوات بن جبير الانصاري أرضا مواتا فاشتريناها منه.(1/12)
45 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبى بكر بن عياش عن هشام عن أبيه بمثله.
46 - وحدثني الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن عروة قال: أقطع أبو بكر الزبير ما بين الجرف إلى قناة.
47 - وأخبرني أبو الحسن المدائني قال: قناة واد يأتي من الطائف ويصب إلى الارحضية وقرقرة الكدر، ثم يأتي سد معونة، ثم يمر على طرف القدوم، ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد.
48 - وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا اسحاق بن عيسى عن مالك بن أنس عن ربيعة، عن قوم من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن بناحية الفرع.
49 - وحدثني عمرو الناقد وابن سهم الانطاكي قالا: حدثنا الهيثم بن جميل الانطاكي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبى مكين، عن أبى عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أرضا فيها جبل ومعدن.
فباع بنو بلال عمر بن عبد العزيز أرضا منها، فظهر فيها معدن أو قال معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن.
وجاؤا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة، فقبلها عمر ومسح بها عينه وقال لقيمه: أنظر ما خرج منها وما أنفقت وقاصهم بالنفقة ورد عليهم الفضل.
50 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني، عن أبيه بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع.(1/13)
51 - وحدثني مصعب الزبيري قال: قال مالك بن أنس: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث معادن بناحية (ص 13) الفرع لا اختلاف في ذلك بين علمائنا، ولا أعلم بين أحد من أصحابنا خلافا أن في المعدن الزكاة ربع العشر.
قال مصعب: وروى عن الزهري أنه كان يقول في المعادن الزكاة.
وروى عنه أيضا قال فيها الخمس مثل قول أهل العراق.
وهم يأخذون اليوم من معادن الفرع ونجران وذى المروة ووادى القرى وغيرها الخمس، على قول سفيان الثوري وأبى حنيفة وأبى يوسف وأهل العراق.
52 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا الحسن بن صالح بن حى،
عن جعفر بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع عليا رضى الله عنه أربع أرضين الفقيرين وبئر قيس والشجرة.
53 - وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد مثله.
54 - وحدثني عمر بن محمد الناقد قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد، عن أبيه أنه قال: أقطع عمر بن الخطاب عليا رضى الله عنهما ينبع فأضاف إليها غيرها.
55 - وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه بمثله.
56 - وحدثني من أثق به، عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال: نسبت بئر عروة بن الزبير إلى عروة بن الزبير.
ونسب حوض عمرو إلى عمرو بن الزبير.
ونسب خليج بنات نائلة إلى ولد نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عثمان(1/14)
ابن عفان.
وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه اتخذ هذا الخليج وساقه إلى أرض استخرجها واعتملها بالعرصة.
وأرض أبى هريرة نسبت إلى أبى هريرة الدوسى.
والصهوة صدقة عبد الله بن عباس رضى الله عنهما في جبل جهينة.
وقصر نفيس ينسب فيما يقال إلى نفيس التاجر بن محمد بن زيد بن عبيد بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد من الخزرج، وهم حلفاء بنى زريق بن عبد حارثة من الخزرج، وهذا القصر بحرة واقم بالمدينة (ص 14) واستشهد عبيد بن المعلى يوم أحد.
قال: ويقال إنه نفيس بن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة مولى المعلى، فإن عبيدا هذا وأباه من سبى عين التمر، ومات عبيد بن مرة أيام الحرة، وكان يكنى أبا عبد الله.
قال: وبئر عائشة نسبت إلى عائشة بن نمير بن واقف، وعائشة رجل وهو
من الاوس.
وبئر المطلب على طريق العراق نسبت إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم.
وبئر ابن المرتفع نسبت إلى محمد بن المرتفع بن النضير العبدرى.
57 - حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن شريك بن عبد الله عن أبى نمر الليثى، عن عطاء بن يسار، مولى ميمونه بنت الحارث بن حزن بن بجير لهلالية، قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ السوق بالمدينة قال: هذا سوقكم لا خراج عليكم فيه.
58 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى عن أبيه، عن جده محمد بن السائب وشرقي بن القطامى الكلبى قالا: لما هدم بختنصر بيت المقدس وأجلى من أجلى، وسبى من سبى من بنى اسرائيل، لحق قوم منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادى القرى وتيماء ويثرب، وكان بيثرب قوم من(1/15)
جرهم وبقية من العماليق قد اتخذوا النخل والزرع، فأقاموا معهم وخالطوهم، فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق حتى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها وصارت عمارتها ومراعيها لهم، فمكثوا على ذلك ما شاء الله، ثم إن من كان باليمن من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم من الخصب ورفاغة العيش، فخلق الله جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم بين جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاؤا فيأتيهم الماء منها على قدر حاجتهم وإرادتهم.
والسد العرم، فلم تزل تلك الجرذان تعمل (ص 15) في ذلك العرم، حتى خرقته.
فأغرق الله تعالى جنانهم وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا وإثلا وشيئا من سدر
قليلا.
فلما رأى ذلك مزيقيا - وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس ابن مازن بن الازد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان - باع كل شئ له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا الازد حتى صاروا معه إلى بلاد عك فأقاموا بها.
وقال عمرو: الانتجاع قبل العلم عجز.
فلما رأت عك غلبة الازد على أجود مواضعهم غمها ذلك.
فقالت للازد: انتقلوا عنا.
فقام رجل من الازد أعور أصم يقال له جذع فوثب بطائفة منهم فقتلهم، ونشبت الحرب بين الازد وعك، فانهزمت الازد ثم كرت، فقال جذع في ذلك: نحن بنو مازن غير شك * غسان غسان وعك عك سيعلمون أينا أرك وكانت الازد نزلت بماء يقال له غسان فسموا بذلك.
ثم إن الازد سارت حتى انتهت إلى بلاد حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقاتلوهم.
فظهرت الازد على حكم، ثم إنه بدا لهم الانتقال عن بلادهم فانتقلوا، وبقيت طائفة منهم معهم.
ثم أتوا نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم، فأقاموا بنجران(1/16)
ثم رحلوا عنها إلا قوما منهم تخلفوا بها لاسباب دعتهم إلى ذلك، فأتوا مكة وأهلها جرهم، فنزلوا بطن مر، وسأل ثعلبة بن عمرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سهل مكة، فأبوا، فقاتلهم حتى غلب على السهل.
ثم إنه والازد استوبئوا مكانهم ورأوا شدة العيش به فتفرقوا، فأتت طائفة منهم عمان، وطائفة السراة، وطائفة الانبار والحيرة، وطائفة (ص 16) الشام، وأقامت طائفة منهم بمكة.
فقال جذع: أكلما صرتم يا معاشر الازد إلى ناحية انخزعت منكم جماعة ؟ يوشك أن
تكونوا أذنابا في العرب.
فسمى من أقام بمكة خزاعة.
وأتى ثعلبة بن عمرو مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة، ثم إنهم غنوا وكثروا وعزوا حتى أخرجوا اليهود منها ودخلوها.
فنزلت اليهود خارجها، فالاوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر، وأمهما قيلة بنت الارقم بن عمرو، ويقال إنها غسانية من الازد، ويقال إنها عذرية.
وكانت للاوس والخزرج قبل الاسلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء، حتى شهر بأسهم، وعرفت نجدتهم، وذكرت شجاعتهم، وجل في قلوب العرب أمرهم، وهابوا حدهم، فامتنعت حوزتهم، وعز جارهم، وذلك لما أراد الله من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإكرامهم بنصرته.
59 - قالوا: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا وعاهدهم عهدا.
وكان أول من نقض ونكث منهم يهود بنى قينقاع، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة.
وكان أول أرضا افتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بنى النضير.(1/17)
أموال بنى النضير 60 - قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى النضير من يهود، ومعه أبو بكر وعمر وأسيد بن حضير.
فاستعانهم في دية رجلين من بنى كلاب ابن ربيعة موادعين له كان عمرو بن أمية الضمرى قتلهما.
فهموا بأن يلقوا عليه رحا، فانصرف (ص 17) عنهم وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده، إذ كان منهم ما كان من الغدر والنكث.
فأبوا ذلك وأذنوا بالمحاربة.
فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثم صالحوه على أن يخرجوا من بلده ولهم ما حملت الابل إلا الحلقة والآلة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم
أرضهم ونخلهم والحلقة وسائر السلاح، والحلقة الدروع.
فكانت أموال بنى النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح.
وأقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض بنى النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي وغيرهم.
وكان أمر بنى النضير في سنة أربع من الهجرة.
61 - قال الواقدي: وكان مخيربق أحد بنى النضير حبرا عالما، فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ماله له، وهو سبعة حوائط.
فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة.
وهى الميثب والصافية والدلال وحسنى وبرقة والاعواف ومشربة أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مارية القبطية.
62 - حدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن عقيل، عن الزهري، أن وقيعة بنى النضير من يهود كانت على ستة أشهر من يوم(1/18)
أحد، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من الامتعة إلا الحلقة، فأنزل الله فيهم * (سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم.
هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب، إلى قوله: وليخزى الفاسقين (1)) *.
63 - وحدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبى زائدة، عن محمد بن اسحاق في قوله * (وما أفاء الله على رسوله منهم (2)) * قال: من بنى النضير * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على
من يشاء) * (3) قال: أعلمهم أنها لرسول (ص 18) الله صلى الله عليه وسلم خالصة دون الناس.
فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما.
قال: وأما قوله * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) * (4) إلى آخر الآية قال: هذا قسم آخر بين المسلمين على ما وصفه الله.
64 - وحدثني محمد بن حاتم السمين قال: حدثنا الحجاج بن محمد عن بن جريج عن موسى ابن عقبة عن نافع، عن ابن عمر قال: أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بنى النضير وقطع.
وفى ذلك يقول حسان بن ثابت: لهان على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير قال ابن جريج: وفى ذلك نزلت * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين) * (5) اللينة النخلة.
__________
(1) السورة 95، الآية 1 وما بعدها.
(2) السورة 59، الآية 6.
(3) السورة 59، تتمة الآية 6.
(4) السورة 59، الآية 7.
(5) السورة 59، الآية 5.
(*)(1/19)
65 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريح عن موسى عن نافع بن عمر بمثله.
66 - وقال أبو عمرو الشيباني الراوية وغيره من الرواة: إن هذا الشعر لابي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وإنما هو:
لعز على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير ويروى بالبويلة.
فأجابه حسان بن ثابت فقال: أدام الله ذالكم حريقا * وضرم في طوائفها السعير هم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمى عن التوراة بور 67 - وحدثني عمرو بن محمد الناقد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال عمر بن الخطاب: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله، ولم يوجف المسلمون عليه (ص 19) بخيل ولا ركاب، فكانت له خالصة، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقى جعله في الكراع عدة في سبيل الله.
68 - حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا حاتم بن اسماعيل قال: حدثنا أسامة ابن زيد عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه أخبره أن عمر بن الخطاب قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: مال بنى النضير وخيبر وفدك.
فأما أموال بنى النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت لابناء السبيل، وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء: فقسم جزئين منها بين المسلمين، وحبس جزأ لنفسه ونفقة أهله، فما فضل من نفقتهم رده إلى فقراء المهاجرين.(1/20)
69 - وحدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان، عن الزهري قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله، ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.
فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة فقسمها بين المهاجرين، ولم يعط أحدا من الانصار منها شيئا إلا رجلين
كانا فقيرين: سماك بن خرشة أبا دجانة وسهل بن حنيف.
70 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الكلبى قال: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أموال بنى النضير، وكانوا أول من أجلى، قال الله تبارك وتعالى: * (هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر) * (1) والحشر الجلاء، فكانت مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للانصار: ليست لاخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمت هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة.
فقالوا: بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت.
فنزلت * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (2) فقال أبو بكر: جزاكم الله يا معشر الانصار خيرا، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوى: (ص 20) جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت * بنا نعلنا في الوطئتين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا * تلاقى الذى يلقون منا لملت فذو المال موفور وكل معصب * إلى حجرات أدفأت وأظلت 71 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا قيس بن الربيع عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام أرضا من أرض بنى النضير ذات نخل.
__________
(1) السورة 59، الآية 2 (2) السورة 59، الآية 9 (*)(1/21)
72 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن هشام ابن عروة،
عن أبيه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بنى النضير وأقطع الزبير.
73 - وحدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي قال: حدثنا أنس بن عياض وعبد الله ابن نمير قالا: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بنى النضير فيها نخل، وأن أبا بكر أقطع الزبير الجرف.
قال أنس في حديثه: أرضا مواتا.
وقال عبد الله بن نمير في حديثه: وإن عمر أقطع الزبير العقيق أجمع.(1/22)
أموال بنى قريظة 74 - قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى قريظة لليال من ذى القعدة وليال من ذى الحجة سنة خمس، فكان حصارهم خمس عشرة ليلة.
وكانوا ممن أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، وهى غزوة الاحزاب، ثم إنهم نزلوا على حكمه فحكم فيهم سعد بن معاذ الاوسي، فحكم بقتل من جرت عليه المواسى، وبسبي النساء والذرية، وأن يقسم ما لهم بين المسلمين.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: لقد حكمت بحكم الله ورسوله.
75 - حدثنى عبد الواحد بن غياث (ص 21) قال: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الاحزاب دخل مغتسلا ليغتسل، فجاءه جبريل فقال: يا محمد ! قد وضعتم أسلحتكم وما وضعنا أسلحتنا بعد.
انهد إلى بنى قريظة.
فقالت عائشة: يا رسول الله ! لقد رأيته من خلل الباب وقد عصب التراب رأسه.
76 - حدثنى عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبى جعفر الخطمى
عن عمارة بن خزيمة، عن كثير بن السائب أن بنى قريظة عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان منهم محتلما أو قد نبتت عانته قتل، ومن لم يكن احتلم ولا نبتت عانته ترك.
77 - وحدثني وهب بن بقية قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام، عن الحسن قال: عاهد حيى بن أخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يظاهر عليه أحدا وجعل الله عليه كفيلا.
فلما أتى به رسول الله(1/23)
صلى الله عليه وسلم يوم قريظة وبابنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوفى الكفيل.
ثم أمر به فضربت عنقه وعنق ابنه.
78 - حدثنى بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال: سألت الزهري هل كانت لبنى قريظة أرض ؟ فقال سديدا: قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السهام.
79 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبى بكر بن عياش عن الكلبى عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بنى قريظة وخيبر بين المسلمين.
80 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث بن سعد عن عقيل، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر بنى قريظة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ.
فقضى بأن تقتل رجالهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم.
فقتل منهم يومئذ كذا وكذا رجلا.
(ص 22)(1/24)
خيبر 81 - قالوا: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر في سنة سبع، فطاوله أهلها وماكثوه، وقالتوا المسلمين، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من شهر، ثم إنهم صالحوه على حقن دمائهم وترك الذرية على أن يجلوا ويخلوا بين المسلمين وبين الارض والصفراء والبيضاء والبزة، إلا ما كان منها على الاجساد، وأن لا يكتموه شيئا.
ثم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لنا بالعمارة والقيام على النخل علما فأقرنا.
فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاملهم على الشطر من الثمر والحب، وقال: أقركم ما أقركم الله.
فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ظهر فيهم الوباء وتعبثوا بالمسلمين، فأجلاهم عمر، وقسم خيبر بين من كان له فيها سهم من المسلمين.
82 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا زياد بن عبد الله ابن طفيل، عن محمد بن إسحاق قال: سألت ابن شهاب عن خيبر فأخبرني أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتحها عنوة بعد القتال، وكانت مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المعاملة ففعلوا.
83 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الارض والنخل، وصالحهم على أن يحقن(1/25)
دماءهم ويجلوا، ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة.
واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد.
فغيبوا مسكا فيه مال وحلى لحيى بن أخطب، وكان احتمله معه إلى خيبر حين (ص 23) أجليت بنو النضير.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعية بن عمرو: ما فعل مسك حيى الذى جاء به من قبل بنى النضير ؟ قال: أذهبته الحروب والنفقات.
قال: العهد قريب والمال كثير.
وقد كان حيى قتل قبل ذلك.
فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية إلى الزبير فمسه بعذاب.
فقال: رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا.
فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا المسك.
فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبى الحقيق، وأحدهما زوج صفية بنت حيى بن أخطب، وسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم للنكث الذى نكثوا.
فأراد أن يجليهم عنها فقالوا: دعنا نكن في هذه الارض نصلحها ونقوم عليها.
ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه غلمان يقومون بها، وكانوا لا يفرغون للقيام عليها بأنفسهم، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشئ ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر.
فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله ! أتطعمونني السحت ؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى وإنكم لابغض إلى من عدتكم من القرود والخنازير، ولن يحملنى بغضى لكم وحبى إياه على أن لا أعدل عليكم.
فقالوا: بهذا قامت السموات والارض.
قال: ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية بنت حيى خضرة.
فقال: يا صفية ! ما هذه الخضرة ؟ فقالت: كان رأسي في حجر ابن أبى الحقيق وأنا نائمة، فرأيت كأن قمرا وقع في حجري.
فأخبرته بذلك فلطمني وقال: أتتمنين(1/26)
ملك يثرب ؟ قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلى، قتل زوجي وأبى وأخى.
فما زال يعتذر ويقول: إن أباك ألب على العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي.
قال: وكان (ص 24) رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل، عام وعشرين وسقا من شعير من خيبر.
قال نافع: فلما كان عمر بن الخطاب عاثوا في المسلمين وغشوهم، وألقوا ابن عمر من فوق بيت وفدغوا يديه، فقسمها عمر رضى الله عنه بين المسلمين ممن كان شهد خيبر من أهل الحديبيه.
84 - وحدثنا الحسين بن الاسود حدثنا يحيى بن آدم عن زياد البكائى عن محمد ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنيهم الوطيح وسلالم، فلما أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم ويحقن دمائهم ففعل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الاموال كلها: الشق والنطاة والكتيبة، وجميع حصونهم إلا ما كان في هذين الحصنين.
85 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد السلام ابن حرب عن شعبة عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى في قوله تعالى * (وأثابهم فتحا قريبا) * (1) قال: خيبر، * (وأخرى لم تقدروا عليها) * (2) فارس الروم.
__________
(1) السورة 48، الآية 18 (2) السورة 48، الآية 21 (*)(1/27)
86 - حدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما، وجعل كل سهم مئة سهم، فعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم النصف الباقي بين المسلمين.
فكان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم الشق والنطاة وما حيز معهما.
وكان فيما وقف الكتيبة وسلالم.
فلما صارت الاموال في يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له من العمال من يكفيه عمل الارض، فدفعها إلى اليهود يعملونها على نصف ما خرج منها، فلم تزل على ذلك حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر، فلما كان عمر وكثر المال في أيدى المسلمين وقووا على عمارة الارض أجلى اليهود (ص 25) إلى الشام وقسم الاموال بين المسلمين.
87 - حدثنى بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر كان سهم الخمس منها الكتيبة، وكان الشق والنطاة وسلالم والوطيح للمسلمين، فأقرها في يد يهود على الشطر، فكان ما أخرج الله منها للمسلمين يقسم بينهم، حتى كان عمر فقسم رقبة الارض بينهم على سهامهم.
88 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا على بن معبد عن أبى المليح، عن ميمون بن مهران قال: حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ما بين عشرين ليلة إلى ثلاثين ليلة.(1/28)
89 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما لما ينوبه من الحقوق وأمر الناس والوفود، وقسم ثمانية عشر سهما كل سهم لمئة رجل.
90 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت بشير بن يسار يقول: قسمت سهمان خيبر على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مئة سهم.
فكان من ذلك للمسلمين ثمانية عشر سهما اقتسموها بينهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل سهم أحدهم، وثمانية عشر سهما لمن نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس والوفود وما نابه.
91 - حدثنا عمرو الناقد والحسين بن الاسود قالا: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنى العمرى عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة إلى خيبر، فخرص عليهم النخل، ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردوا.
فقالوا: هذا الحق وبه قامت السموات والارض.
92 - وحدثنا اسحاق بن أبى اسرائيل قال: حدثنا الحجاج بن محمد (ص 26) عن ابن جريج، عن رجل من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح بنى أبى الحقيق على أن لا يكتموا كنزا.
فكتموه فاستحل دماءهم.
93 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا على بن معبد عن أبى المليح، عن ميمون بن مهران أن أهل خيبر أخذوا الامان على أنفسهم وذراريهم(1/29)
على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل شئ في الحصن.
قال: وكان في الحصن أهل بيت فيهم شدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال لهم قد عرفت عداوتكم لله ولرسوله، ولم يمنعنى ذلك من أن أعطيكم ما أعطيت أصحابكم، وقد أعطيتموني انكم إن كتمتم شيئا حلت لى دماؤكم.
ما فعلت آنيتكم ؟ قالوا: استهلكناها في حربنا.
قال: فأمر أصحابه فأتوا المكان الذى هي فيه فاستثاروها ثم ضرب أعناقهم.
94 - حدثنا عمرو الناقد ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن أبى ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم، عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بأرضها ونخلها إلى أهلها مقاسمة على النصف.
95 - حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم بن بشير قال: أخبرنا داود بن أبى هند، عن الشعبى قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر إلى أهلها بالنصف، وبعث عبد الله بن رواحة لخرص التمر أو قال النخل.
فخرص عليهم وجعل ذلك نصفين، فخيرهم أن يأخذوا أيهما شاؤا.
فقالوا: بهذا قامت السموات والارض.
96 - وحدثنا بعض أصحاب أبى يوسف قال: حدثنا أبو يوسف عن مسلم الاعور، عن أنس أن عبد الله بن رواحة قال لاهل خيبر: إن شئتم خرصت وخيرتكم، وإن شئتم خرصتم وخيرتموني.
فقالوا: بهذا قامت السموات والارض.(1/30)
97 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح المصرى عن ليث ابن سعد عن يونس بن يزيد،
عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة بعد قتال، فخمسها وقسم أربعة أخماسها بين المسلمين.
98 - وحدثنا عبد (ص 27) الاعلى بن حماد النرسى قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب.
ففحص عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب.
فأجلى يهود خيبر.
99 - حدثنى الوليد بن صالح عن الواقدي، عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم من سهمه بخيبر طعما، فجعل لكل امرأة من نساءه ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير، وأطعم عمه العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه مائتي وسق، وأطعم أبا بكر وعمر والحسن والحسين وغيرهم، وأطعم بنى المطلب ابن عبد مناف أوساقا معلومة وكتب لهم بذلك كتابا ثابتا.
100 - وحدثني الوليد عن الواقدي عن أفلح بن حميد، عن أبيه قال: ولانى عمر بن عبد العزيز الكتيبة، فكمنا نعطى ورثة المطعمين، وكانوا محصين عندنا.
101 - وحدثنا محمد بن حاتم السمين قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث، عن نافع قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أهلها بالشطر،(1/31)
فكانت في أيديهم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا من خلافة عمر، ثم إن عبد الله بن عمر أتاهم في حاجة فبيتوه، فأخرجهم منها وقسمها بين من حضرها من المسلمين، وجعل لازواج النبي صلى الله عليه وسلم فيها نصيبا
وقال: أيتكن شاءت أخذت الثمرة وأيتكن شاءت أخذت الضيعة فكانت لها ولورثتها.
102 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الكلبى عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: قسمت خيبر على ألف وخمس مئة سهم وثمانين سهما، وكانوا ألفا وخمس مئة وثمانين رجلا الذين شهدوا الحديبية منهم ألف وخمس مئة وأربعون، والذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون رجلا.
103 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو معاوية عن هشام (ص 28) بن عروة، عن أبيه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا بخيبر فيها نخل وشجر.(1/32)
فدك 104 - قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك، منصرفه من خيبر، محيصة بن مسعود الانصاري يدعوهم إلى الاسلام، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي.
فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصف الارض بتربتها.
فقبل ذلك منهم.
فكان نصف فدك خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.
وكان يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل.
ولم يزل أهلها بها إلى أن استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأجلى يهود الحجاز.
فوجه أبا الهيثم مالك بن التيهان، ويقال النيهان، وسهل بن أبى حيثمة وزيد بن ثابت الانصاريين فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل، فدفعها إلى اليهود وأجلاهم إلى الشام.
105 - حدثنا سعيد بن سليمان عن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد أن أهل فدك صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصف أرضهم ونخلهم.
فلما أجلاهم عمر بعث من أقام لهم حظهم من النخل والارض فأداه إليهم.
106 - حدثنى بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري أن عمر بن الخطاب أعطى أهل فدك قيمة نصف أرضهم ونخلهم.
107 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن أبى زائدة عن محمد بن اسحاق، عن الزهري وعبد الله بن أبى بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا: بقيت(1/33)
بقية من أهل خيبر تحصنوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم، فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ص 29) خاصة، لانه لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب.
108 - وحدثنا الحسين عن يحيى بن آدم عن زياد البكائى عن محمد بن اسحاق، عن عبد الله بن أبى بكر بنحوه، وزاد فيه: وكان في من مشى بينهم محيصة ابن مسعود.
109 - حدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنى إبراهيم بن حميد عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر رضى الله عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا.
فكانت أرض بنى النضير حبسا وكانت لنوائبه، وجزأ خيبر على ثلاثة أجزاء، وكانت فدك لابناء السبيل.
110 - حدثنا عبد الله بن صالح العجلى قال: حدثنا صفوان بن عيسى عن أسامة
ابن زيد عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن عثمان بن عفان إلى أبى بكر يسألنه موارثيهن من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك.
فقالت لهن عائشة: أما تتقين الله ! أما سمعتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث.
ما تركنا صدقة.
إنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم وضيفهم، فإذا مت فهو إلى والى الامر بعدى.
قال: فأمسكن.(1/34)
111 - حدثنا أحمد بن ابراهيم الدورقى، حدثنا صفوان بن عيسى الزهري عن أسامة عن ابن شهاب عن عروة بمثله.
112 - حدثنى ابراهيم بن محمد عن عرعرة عن عبد الرزاق عن معمر، عن الكلبى أن بنى أمية اصطفوا فدك، وغيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فلما ولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ردها إلى ما كانت عليه.
113 - وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب قال: أخبرنا الفضيل بن عياض عن مالك ابن جعونه، عن أبيه قال: قالت فاطمة لابي بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لى فدك فاعطني إياها.
وشهد لها على بن أبى طالب.
فسألها شاهدا آخر، فشهدت لها أم أيمن.
فقال: قد علمت يا (ص 30) بنت رسول الله أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
فانصرفت.
114 - وحدثني روح الكرابيسى قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: أخبرنا خالد ابن طهمان، عن رجل حسبه روح جعفر بن محمد أن فاطمة رضى الله عنها قالت لابي بكر
الصديق رضى الله عنه: أعطني فدك، فقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لى.
فسألها البينة.
فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدا لها بذلك.
فقال: إن هذا الامر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين.
115 - حدثنا ابن عائشة التيمى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح باذام، عن أم هاني أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت أبا بكر(1/35)
الصديق رضى الله عنه فقالت له: من يرثك إذ مت ؟ قال: ولدى وأهلي.
قالت: فما بالك ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا ؟ فقال: يا بنت رسول الله ! والله ما ورثت أباك ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا كذا.
فقالت: سهمنا بخيبر وصدقتنا فدك.
فقال: يا بنت رسول ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما هي طعمة أطعمنيها الله حياتي، فإذا مت فهى بين المسلمين.
116 - حدثنا عثمان بن أبى شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة أن عمر بن عبد العزيز جمع بنى أمية فقال: إن فدك كانت للنبى صلى الله عليه وسلم.
فكان ينفق منها ويأكل ويعود على فقراء بنى هاشم ويزوج أيمهم.
وإن فاطمة سألته أن يهبها لها فأبى.
فلما قبض عمل أبو بكر فيها كعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولى عمر فعمل فيها بمثل ذلك.
وإنى أشهدكم أنى قد رددتها إلى ما كانت عليه.
117 - حدثنا سريج بن يونس قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، عن الزهري في قول الله تعالى * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * (1) قال: هذه قرى عربية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدك وكذا وكذا.
118 - حدثنا أبو عبيد قال: (ص 31) حدثنا سعيد بن عفير، عن مالك بن أنس - قال أبو عبيد: لا أدرى ذكره عن الزهري أم لا - قال: أجلى عمر يهود خيبر، فخرجوا منها.
فأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمرة ونصف الارض، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحهم على
__________
(1) السورة 59، الآية 6 (*)(1/36)
ذلك.
فأقام لهم عمر نصف الثمرة ونصف الارض من ذهب وورق وأقتاب ثم أجلاهم.
119 - وحدثني عمرو الناقد، قال حدثنى الحجاج بن أبى منيع الرصاقى عن أبيه، عن أبى برقان أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة خطب فقال: إن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.
فسألته إياها فاطمة رحمها الله تعالى فقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لى أن أعطيك.
فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل.
ثم ولى أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم، فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله صلى عليه وسلم.
ثم ولى معاوية فأقطعها مروان بن الحكم، فوهبها مروان لابي ولعبد الملك فصارت لى وللوليد وسليمان.
فلما ولى الوليد سألته حصته منها فوهبها لى، وسألت سليمان حصته منها فوهبها لى، فاستجمعتها.
وما كان لى من مال أحب إلى منها، فاشهدوا أنى قد رددتها إلى ما كانت عليه.
ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة: " أما بعد فإن أمير المؤمنين، بمكانه من دين الله وخلافة رسوله صلى الله عليه وسلم والقرابة به، أولى من استن سنته ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق
عليه بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه، في العمل بما يقر به إليه، رغبته.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدك وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لا (ص 32) اختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها(1/37)
ويسلمها إليهم، تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ أمره وصدقته.
فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله.
فلئن كان ينادى في كل موسم - بعد أن قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم - أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك، فيقبل قوله وينفذ عدته، إن فاطمة رضى الله عنها لاولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها.
وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لاهلها.
فأعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين، وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعلمه من قبلك، وعامل محمد بن يحيى ومحمد عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله والسلام.
وكتب يوم الاربعاء لليلتين خلتا من ذى القعدة سنة عشر ومائتين.
فلما استخلف المتوكل على الله رحمه الله أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل
المأمون رحمه الله.(1/38)
أمر وادى القرى وتيماء 120 - قالوا: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منصرفه من خيبر، وادى القرى، فدعا أهلها (ص 33) إلى الاسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة، وغنمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا، فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وترك النخل والارض في أيدى اليهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر.
فقيل إن عمر أجلى يهودها وقسمها بين من قاتل عليها، وقيل إنه لم يجلهم لانها خارجة من الحجاز.
وهى اليوم مضافة إلى عمل المدينة وأعراضها.
121 - وأخبرني عدة من أهل العلم أن رفاعة بن زيد الجذامي كان أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له مدعمم، فلما كانت غزاة وادى القرى أصابه سهم غرب، وهو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله ! هنيئا لغلامك أصابه سهم فاستشهد.
فقال: كلا إن الشملة التى أخذها من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه نارا.
122 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو الاشهب، عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: استشهد فتاك فلان.
فقال: إنه يجر إلى النار في عباءة غلها.
123 - وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن الجريرى عن عبد الله بن سفيان قال: وحدثنا حبيب بن الشهيد، عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك، استشهد فتاك فلان.
فقال: بل هو يجر إلى النار في عباءة غلها.(1/39)
124 - قالوا: ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل وادى القرى صالحوه على الجزية، فأقاموا ببلادهم، وأرضوهم في أيديهم.
وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاصى بن أمية وادى القرى، وولى يزيد بن أبى سفيان بعد الفتح، وكان إسلامه يوم فتح تيماء.
125 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن حكيم، عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب (ص 34) أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر.
قال: وكان قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل وادى القرى في جمادى الاخرة سنة سبع.
126 - حدثنى العباس بن هشام الكلبى عن أبيه، عن جده قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن النعمان بن هوذة العذري رمية سوطه من وادى القرى، وكان سيد بنى عذرة، وهو أول أهل الحجاز قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة بنى عذرة.
127 - وحدثني على بن محمد بن عبد الله، مولى قريش، عن العباس بن عامر، عن عمه قال: أتى عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية فقال: يا أمير المؤمنين ! معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضا بوادي القرى وأحيا إليها أرضا، وليست لك بذلك المال عناية، فقد ضاع وقلت غلته، فأقطعنيه فإنه لا خطر له.
فقال يزيد: إنا لا نبخل بكبير ولا نخدع عن صغير.
فقال: يا أمير المؤمنين ! غلته كذا.
قال: هو لك.
فلما ولى قال يزيد: هذا الذى يقال إنه يلى بعدنا، فإن يكن ذلك حقا فقد صانعناه، وإن يكن باطلا فقد وصلناه.(1/40)
مكة 128 - قالوا: لما قاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية وكتب القضية على الهدنة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل، وأنه من أتى قريشا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه، ومن أتاه منهم ومن حلفائهم رده، قام من كان من كنانة فقالوا: ندخل في عهد قريش ومدتها، وقامت خزاعة فقالت: ندخل في عهد محمد وعقده.
وقد كان بين عبد المطلب وخزاعة حلف قديم، فلذلك قال عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعى (ص 35): لا هم إنى ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا ثم ان رجلا من خزاعة سمع رجلا من كنانة ينشد هجاء في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثب عليه فشجه، فهاج ذلك بينهم الشر والقتال، وأعانت قريش بنى كنانة، وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة، فكان ذلك مما نقضوا به العهد والقضية.
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو ابن سالم بن حصيرة الخزاعى يستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه ذلك إلى غزو مكة.
129 - وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبى الاسود، عن عروة في حديث طويل قال: فهادنت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يأمن بعضهم بعضا على الاغلال والاسلال، أو قال أرسال، فمن قدم مكة حاجا أو معتمرا أو مجتازا إلى اليمن والطائف فهو آمن، ومن قدم المدينة(1/41)
من المشركين عامدا إلى الشام والمشرق فهو آمن.
قال: فأدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في عهده بنى كعب، وأدخلت قريش في عهدها حلفاءها من بنى كنانة.
130 - وحدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة أن بنى بكر من كنانة كانوا في صلح قريش، وكانت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلت بنو بكر وخزاعة بعرفة، (ص 36) فأمدت قريش بنى بكر بالسلاح وسقوهم الماء وظللوهم.
فقال بعضهم لبعض: نكثتم العهد.
فقالوا: ما نكثنا والله.
ما قاتلنا، إنما مددناهم وسقيناهم وظللناهم.
فقالوا لابي سفيان بن حرب: انطلق فأجد الحلف وأصلح بين الناس.
فقدم أبو سفيان المدينة فلقى أبا بكر، فقال له: يا أبا بكر ! أجد الحلف وأصلح بين الناس.
فقال أبو بكر: الق عمر.
فلقى عمر، فقال له: أجد الحلف وأصلح ببن الناس.
فقال عمر: قطع الله منه ما كان متصلا وأبلى ما كان جديدا.
فقال أبو سفيان: تالله ما رأيت شاهد عشيرة شرا منك.
فانطلق إلى فاطمة فقالت: الق عليا.
فلقيه فذكر له مثل ذلك، فقال على: أنت شيخ قريش وسيدها فأجد الحلف وأصلح بين الناس.
فضرب أبو سفيان يمينه على شماله وقال: قد جددت الحلف وأصلحت بين الناس.
ثم انطلق حتى أتى مكة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبا سفيان قد أقبل، وسيرجع راضيا بغير قضاء حاجة، فلما رجع إلى أهل مكة أخبرهم الخبر، فقالوا: تالله ما رأينا أحمق منك.
ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلم فنأمن.
وجاءت خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ما أصابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى قد أمرت بإحدى القريتين مكة أو الطائف، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير.
فخرج في أصحابه وقال: اللهم اضرب على آذانهم(1/42)
فلا يسمعوا حتى نبغتهم بغتة.
وأغذ المسير حتى نزل مر الظهران.
وقد كانت قريش قالت لابي سفيان: ارجع.
فلما بلغ مر الظهران ورأى النيران والاخبية قال: ما شأن الناس كأنهم أهل عشية عرفة ؟ وغشيته خيول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوه أسيرا.
فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء عمر فأراد قتله فمنعه العباس، وأسلم فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كان عند صلاة الصبح تحشحش الناس وضوءا للصلاة.
فقال أبو سفيان (ص 37) للعباس بن عبد المطلب: ما شأنهم يريدون قتلى ؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة.
فلما دخلوا في صلاتهم رآهم إذا ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعوا وإذا سجد سجدوا.
فقال: تالله ما رأيت كاليوم طواعية قوم جاؤا من هاهنا وهاهنا، ولا فارس الكرام ولا الروم ذات القرون.
فقال العباس: يا رسول الله ابعثنى إلى أهل مكة ادعهم إلى الاسلام.
فلما بعثه أرسل في اثره وقال: ردوا على عمى لا يقتله المشركون.
فأبى أن يرجع حتى أتى مكة.
فقال: أي قوم ! أسلموا تسلموا، أتيتم أتيتم، واستبطنتم بأشهب بازل.
هذا خالد بأسفل مكة وهذا الزبير بأعلى مكة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والانصار وخزاعة.
فقالت قريش: وما خزاعة المجدعة الانوف ! 131 - حدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة أن قائل خزاعة قال للنبى صلى الله عليه وسلم: لا هم إنى ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا فانصر هداك الله نصرا أيدا * وادع عباد الله يأتوا مددا(1/43)
132 - قال حماد: فحدثني على بن زيد،
عن عكرمة أن خزاعة نادوا للنبى صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فقال: لبيكم.
133 - وقال الواقدي وغيره: تسلح قوم من قريش يوم الفتح وقالوا: لا يدخلها محمد إلا عنوة، فقاتلهم خالد بن الوليد.
وكان أول من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، فقتل أربعة وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل.
ويقال قتل يومئذ ثلاثة وعشرين رجلا من قريش، (ص 38) وانهزم الباقون فاعتصموا برؤوس الجبال وتوقلوا فيها.
واستشهد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كرز بن جابر الفهرى، وخالد الاشعر الكعبي.
وقال هشام بن الكلبى: هو حبيش الاشعر بن خالد الكعبي من خزاعة.
134 - وحدثنا شيبان بن أبي شيبة الابلى حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت البنانى، عن عبد الله بن رباح قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في شهر رمضان، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام، وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله.
قال: فصنعت لهم طعاما ودعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعللكم بحديث من حديثكم معشر الانصار ؟ ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالد بن الوليد على الاخرى، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر.
فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته، فرأني فقال: يا أبا هريرة ! قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: ناد الانصار فلا يأت إلا أنصارى.
قال: فناديتهم، فأطافوا به، وجمعت قريش أوباشها وأتباعها وقالوا: نقدم هؤلاء،(1/44)
فإن أصابوا ظفرا كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذى يسأل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون أوباش قريش ؟ قالوا: نعم.
فقال بإحدى يديه على الاخرى يشير أن اقتلوهم.
ثم قال: وافونى بالصفا.
قال فانطلقنا، فما يشاء أحد أن يقتل أحدا إلا قتله.
فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله ! أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو (ص 39) آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن.
فقال بعض الانصار لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى، وكان إذا جاءه لم يخف علينا، فقال: يا معشر الانصار قلتم كذا وكذا.
قالوا: قد كان ذلك يا رسول الله.
قال: كلا إنى عبد الله، ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم.
فجعلوا يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذى قلنا إلا للضن برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأقبل الناس إلى دار أبى سفيان وأغلقوا أبوابها ووضعوا سلاحهم.
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وأنى على صنم كان إلى جنب الكعبة وفى يده قوس قد أخذ بسيتها فجعل يطعن في عين الصنم ويقول: * (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * (1) قال: فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاه، حتى نظر إلى البيت، ثم رفع يده يحمد الله ويدعو.
135 - حدثنا محمد بن الصباح قال: أخبرنا هشيم عن حصين، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) السورة 17، من الآية 81 (*)(1/45)
يوم فتح مكة: لا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبر، ولا يقتلن أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن.
136 - قال الواقدي: كانت غزوة الفتح في شهر رمضان سنة ثمان، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة إلى الفطر، ثم توجه لغزوة حنين.
وولى مكة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم الاصنام ومحو الصور التى كانت في الكعبة، وقال: اقتلوا ابن خطل ولو كان متعلقا بأستار الكعبة.
(ص 40) فقتله أبو برزة الاسلمي.
قال أبو اليقظان: واسم ابن خطل قيس، وقتله أبو شرياب الانصاري، وكانت لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلت إحداهما وبقيت الاخرى حتى كسرت لها ضلع أيام عثمان فماتت.
وقتل نميلة بن عبد الله الكنانى مقيس بن ضبابة الكنانى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر من وجده أن يقتله.
وذلك لان أخاه هاشم ابن ضبابة بن حزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله رجل من الانصار خطأ وهو يظنه مشركا.
فقدم مقيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى له بالدية على عاقلة القاتل فأخذها، وأسلم، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا وقال: شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا * يضرج ثوبيه دماء الاخادع ثارت به قهرا وحملت عقله * سراة بنى النجار أرباب فارع حللت به وترى وأدركت ثؤرتى * وكنت عن الاسلام أول راجع وقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه الحويرث بن نقيذ بن بجير بن عبد ابن قصى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقتله من وجده.(1/46)
137 - وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرازق عن معمر، عن الكلبى قال: جاءت قينة لهلال بن عبد الله، وهو ابن خطل الادرمى من بنى تيم، إلى النبي صلى الله عليه وسلم متنكرة، فأسلمت وبايعت وهو لا يعرفها، فلم يعرض لها.
وقتلت قينة له أخرى، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأسلم ابن الزبعرى السهمى قبل أن يقدر (ص 41) عليه.
ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان قد أباح دمه يوم الفتح ولم يعرض له.
138 - حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم مكة فقال: الحمد لله الذى صدق وعده، ونصر جنده، وهزم الاحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية وكل دم ودعوى موضوعة تحت قدمى، إلا سدانة البيت وساقية الحاج.
139 - وحدثنا خلف البزار حدثنا اسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أشياخة قالوا: لما كان يوم فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش: ما تظنون ؟ قالوا: نظن خيرا ونقول خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت.
قال: فإنى أقول كما قال أخى يوسف عليه السلام * (لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) * (1) ألا كل دين ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فهى تحت قدمى، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج.
__________
(1) السورة 22، الآية 25 (*)(1/47)
140 - حدثنا شيبان قال: حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في خطبته: ألا إن مكة حرام ما بين أخشبيها، لم يحل لاحد قبلى ولا يحل لاحد بعدى، ولم يحل لى إلا ساعة من نهار.
لا يختلى خلاها، ولا تعضد عضاهها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا أن يعرف أو يعرف.
فقال العباس رحمه الله: إلا الاذخر، فإنه لصاغتنا وقيوننا وطهور بيوتنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الاذخر.
141 - حدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يختلى خلى مكة ولا يعضد شجرها.
فقال (ص 42) العباس: إلا الاذخر، فإنه للقيون وطهور البيوت.
فرخص في ذلك.
142 - حدثنا شيبان قال: حدثنا أبو هلال الراسبى، عن الحسن قال: أراد عمر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله.
فقال له أبى بن كعب الانصاري: يا أمير المؤمنين ! قد سبقك صاحباك، ولو كان هذا فضلا لفعلاه.
143 - وحدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا أبو معاوية عن الاعمش، عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكة حرام، لا يحل بيع رابعها ولا أجور بيوتها.(1/48)
144 - حدثنا محمد بن حاتم المروزى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن اسرائيل عن ابراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أبيه، عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله.
ابن لك بناء يظلك من الشمس بمكة فقال: إنما هي مناخ من سبق.
145 - حدثنا خلف بن هشام البزار، حدثنا اسماعيل، عن ابن جريج قال: قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة.
146 - حدثنا أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن اسرائيل عن ثوير عن مجاهد، عن ابن عمر قال: الحرم كله مسجد.
147 - حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا إسحاق الازرق، عن عبد الملك بن أبى سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون على بيوت مكة أجرا فإنه لا يحل لهم.
148 - حدثنا عثمان بن أبى شيبة قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبى زياد، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله * (سواء العاكف فيه والباد) * (1) قال: البادى من يخرج من الحجاج والمعتمرين، هم سواء في المنازل ينزلول حيث شاؤا غير أن لا يخرج أحد من بيته.
__________
(1) السورة 22، الآية 25 (*)(1/49)
149 - حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير عن منصور، عن مجاهد في هذه الآية قال: أهل مكة وغيرهم في المنازل (ص 43) سواء.
150 - وحدثنا عثمان وعمرو قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور، عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال لاهل مكة: لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادى حيث شاء.
151 - وحدثنا عثمان بن أبى شيبة وبكر بن الهيثم قالا: حدثنا يحيى بن ضريس الرازي عن سفيان، عن أبى حصين قال: قلت لسعيد بن جبير وهو بمكة: إنى أريد أن أعتكف.
فقال: أنت عاكف.
ثم قرأ * (سواء العاكف فيه والباد) *.
152 - حدثنا عثمان قال: حدثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير في قوله * (سواء العاكف فيه والباد) * قال: خلق الله فيه سواء: أهل مكة وغيرها.
153 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: كان يتخاصم إلى أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في أجور الدور بمكة، فيقضى بها على من اكتراها.
وهو قول مالك وابن أبى ذئب.
قال: وقال ربيعة وأبو الزناد: لا بأس بأكل كراء بيوت مكة وبيع رباعها.
وقال الواقدي: رأيت ابن أبى ذئب يأتيه كراء داره بمكة بين الصفا والمروة.(1/50)
وقال الليث بن سعد: ما كان من دار فأجزها طيب لصاحبها، فأما القاعات والسكك والافنية والخرابات، فمن سبق نزل ذلك بغير كراء.
وأخبرني أبو عبد الرحمن الاودى عن الشافعي بمثل ذلك.
وقال سفيان بن سعيد الثوري: كراء بيوت مكة حرام.
وكان يشدد في ذلك.
وقال الاوزاعي وابن أبى ليلى وأبو حنيفة: إن كراها في ليالى الحج، فالكراء باطل، وإن كان في غير ليالى الحج وكان المكترى مجاورا أو غير ذلك فلا بأس.
وقال بعض أصحاب أبى يوسف: كراؤها حل طلق، وإنما يستوى العاكف والبادى في الطواف بالبيت.
154 - حدثنا الحسين بن على بن الاسود قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن الحسن
ابن صالح عن العلاء بن المسيب، عن عبد الرحمن بن الاسود أنه كان لا يرى ببقل مكة، ولا بالزرع الذى يزرع (ص 44) فيها، ولا بشئ مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل، بأسا أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت.
قال: وإنما كره ما أنبتت الارض بمكة من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الاذخر.
قال الحسن بن صالح: وقد رخص في الشجر البالى الذى قد يبس وتكسر.
155 - وقال محمد بن عمر الواقدي: قال مالك وابن أبى ذئب: في محرم أو حلال قطع شجر من الحرم أنه قد أساء، فإن كان جاهلا علم ولا شئ عليه،(1/51)
وإن كان عالما خالعا عوقب ولا قيمة عليه، ومن قطع من ذلك شيئا فلا بأس أن ينتفع به.
قال: وقال سفيان الثوري وأبو يوسف: عليه في الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع بذلك.
وهو قول أبى حنيفة.
وقال مالك بن أنس وابن أبى ذئب: لا بأس بالضغابيس وأطراف السنا تؤخذ من الحرم للدواء والسواك.
وقال سفيان بن سعيد وأبو حنيفة وأبو يوسف: كل شئ أنبته الناس في الحرم، أو كان مما ينبتون، فلا شئ على قاطعه.
وكل شئ مما لا ينبته الناس فعلى قاطعه قيمة.
وقال الواقدي: سألت الثوري وأبا يوسف عن رجل أنبت في الحرم ما لا ينبته الناس فقام عليه حتى نبت له، أله أن يقطعه ؟ قالا: نعم.
قلت: فإن نبتت في بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها ؟
قالا: يصنعه بها ما شاء.
156 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: روى لنا أن ابن عمر كان يأكل بمكة بقلا زرع في الحرم.
157 - وحدثني محمد بن سعد قال: حدثنى الواقدي عن معاذ بن محمد قال: رأيت على مائدة الزهري بقلا من الحرم.
قال أبو حنيفة: لا يرعى الرجل المحرم بعيره في الحرم، ولا يحتش له وهو قول زفر.(1/52)
وقال مالك وابن أبى ذئب وسفيان وأبو يوسف وابن أبى سبرة: لا بأس بالرعى، ولا يحتش.
وقال ابن أبى ليلى: لا بأس بأن يحتش.
158 - وحدثني عفان والعباس بن الوليد (ص 45) النرسى قال: حدثنا عبد الواحد ابن زياد قال: حدثنا ليث قال: كان عطاء لا يرى بأسا ببقل الحرم وما زرع فيه، وبالقضيب والسواك.
قال: وكان مجاهد يكرهه.
159 - قال: ولم يكن للمسجد الحرام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر جدار يحيط به، فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد، واشترى دورا فهدمها وزادها فيه.
وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الاثمان حتى أخذوها بعد.
واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة، فكانت المصابيح توضع عليه.
فلما استخلف عثمان بن عفان ابتاع منازل وسع المسجد بها، وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الاثمان، فضجوا به عند
البيت فقال: إنما جرأكم على حلمي عنكم ولينى لكم.
لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم.
ثم أمر بهم إلى الحبس، حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد ابن أسيد بن أبى العيص فخلى سبيلهم.
ويقال إن عثمان أول من اتخذ للمسجد الاروقة واتخذها حين وسعه.
160 - قالوا: وكان باب الكعبة على عهد إبراهيم عليه السلام وجرهم والعماليق بالارض، حتى بنته قريش.
فقال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم ! ارفعوا باب الكعبة(1/53)
حتى لا يدخل إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالا لمن ورائه.
فعملت قريش بذلك.
161 - قال: ولما تحصن عبد الله بن الزبير بن العوام في المسجد الحرام واستعاذ به، والحصين بن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله في أهل الشام، أخذ ذات يوم رجل من أصحابه نارا على ليفة في رأس رمح، وكانت الريح عاصفا، فطارت شرره فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، فتصدعت حيطانها واسودت، وذلك في سنة أربع وستين، حتى إذا مات يزيد بن معاوية وانصرف الحصين ابن نمير إلى الشام أمر ابن الزبير بما في المسجد من الحجارة التى (ص 46) رمى بها فأخرج، ثم هدم الكعبة وبناها على أساسها وأدخل الحجر فيها، وجعل لها بابين موضوعين بالارض شرقيا وغربيا، يدخل من واحد ويخرج من الآخر.
وكان قد وجد أساس الكعبة متصلا بالحجر.
وإنما التمس إعادتها إلى بناء إبراهيم عليه السلام على ما كانت عائشة أم المؤمنين أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وجعل على بابها صفائح الذهب، وجعل مفاتيحها من ذهب.
فلما حاربه الحجاج ابن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان وقتله، كتب إليه عبد الملك يأمره ببناء الكعبة والمسجد الحرام.
وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة، فهدمها الحجاج
وبناها، فردها إلى بناء قريش، وأخرج الحجر.
فكان عبد الملك يقول بعد ذلك: وددت أنى كنت حملت ابن الزبير من أمر الكعبة وبناءها ما تحمل.
162 - قالوا: وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الانطاع والمغافر.
فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساها عمر وعثمان رضى الله عنهما القباطى، ثم كساها يزيد بن معاوية الديباج الخسروانى، وكساها(1/54)
ابن الزبير والحجاج بعده الديباج، وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التى كان أهل نجران يؤدونها، وأخذوهم بتجويدها، وفوقها الديباج.
ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد الحرام، وحمل إليه عمد الحجارة والرخام والفيسفساء.
163 - قال الواقدي: فلما كانت خلافة أمير المؤمنين المنصور رحمه الله زاد في المسجد وبناه، وذلك في سنة تسع وثلاثين ومئة.
164 - وقال على بن محمد بن عبد الله المدائني: ولى المهدى جعفر بن سليمان ابن على بن عبد الله بن العباس مكة والمدينة واليمامة.
فوسع مسجدي مكة والمدينة وبناهما.
وقد جدد أمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن أبى اسحاق المعتصم بالله بن الرشيد هارون بن المهدى رضوان الله عليهم (ص 47) رخام الكعبة وأزرها بفضة، وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب، ولم يفعل ذلك أحد قبله، وكسا أساطينها الديباج.(1/55)
ذكر حفائر مكة 165 - قالوا: كانت قريش قبل جمع قصى إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها لؤى بن غالب
خارج الحرم تدعى اليسيرة، ومن بئر حفرها مرة بن كعب تدعى الروى وهى مما يلى عرفة.
ثم حفر كلاب بن مرة خم ورم، والجفر بظاهر مكة.
ثم إن قصى بن كلاب حفر بئرا سماها العجول، واتخذ سقاية.
وفيها يقول بعض رجاز الحاج: نروى على العجول ثم ننطلق * قبل صدور الحاج من كل أفق إن قصيا قد وفى وقد صدق * بالشبع للناس ورى مغتبق ثم إنه سقط في العجول بعد ممات قصى رجل من بنى نصر بن معاوية فعطلت.
وحفر هاشم بن عبد مناف بذر، وهى عند الخندمة على فم شعب أبى طالب.
وحفر هاشم أيضا سجلة، فوهبها أسد بن هاشم لعدى بن نوفل بن عبد مناف ابن المطعم، ويقال بل ابتاعها منه، ويقال إن عبد المطلب وهبها له حين حفر زمزم وكثر الماء بمكة، فقالت خالدة بنت هاشم: (ص 48).
نحن وهبنا لعدى سجله * في تربة ذات عذاة سهله تروى الحجيح زغلة فزغله وقد دخلت سجلة في المسجد.
وحفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى، وهى بأعلى مكة وحفر أيضا لنفسه الجفر.(1/56)
وحفر ميمون بن الحضرمي حليف بنى عبد شمس بن عبد مناف بئره.
وهى آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة، وعندها قبر أمير المؤمنين المنصور رحمه الله.
واسم الحضرمي عبد الله بن عماد.
واحتفر عبد شمس أيضا بئرين وسماهما خم ورم على ما سمى كلاب بن مرة
بئريه.
فأما خم فهى عند الردم.
وأما رم فعند دار خديجة بنت خويلد.
وقال عبد شمس: حفرت خما وحفرت رما * حتى أرى المجد لنا قد تما وقالت سبيعة بنت عبد شمس في الطوى: إن الطوى إذا شربتم ماءها * صوب الغمام عذوبة وصفاء وحفرت بنو أسد بن عبد العزى بن قصى شفية بئر بنى أسد.
وقال الحويرث بن أسد: ماء شفية كماء المزن * وليس ماؤها بطرق أجن وحفر بنو عبد الدار بن قصى أم أحراد، فقالت أميمة بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار: نحن حفرنا البحر أم أحراد * ليست كبذر النزور الجماد فأجابتها صفية بنت عبد المطلب: (ص 49).
نحن حفرنا بذر * تروى الحجيج الاكبر * من مقبل ومدبر وأم أحراد شر * فيها الجراد والذر * وقذر لا يذكر وحفر بنو جمح السنبلة، وهى بئر خلف بن وهب الجمحى.
فقال قائلهم: نحن حفرنا للحجيج سنبله * صوب سحاب ذو الجلال أنزله(1/57)
وحفر بنو سهم الغمر، وهى بئر العاصى بن وائل.
فقال بعضهم: نحن حفرنا الغمر للحجيج * تثج ماء أيما ثجيج قال ابن الكلبى: قالها ابن الربعي.
وحفرت بنو عدى الحفير، فقال شاعرهم: نحن حفرنا بئرنا الحفيرا * بحرا يجيش ماؤه غزيرا
وحفرت بنو مخزوم السقيا، بئر هشام بن المغيرة بن عبد الله عمر بن مخزوم.
وحفرت بنو تيم الثريا، وهى بئر عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم.
وحفرت بنو عامر بن لؤى النقع.
166 - قالوا: وكانت لجبير بن مطعم بئر وهى بئر بنى نوفل، فأدخلت حديثا في دار القوارير التى بناها حماد البربري في خلافة أمير المؤمنين هارون الرشيد.
وكان عقيل بن أبى طالب حفر في الجاهلية بئرا، وهى في دار ابن يوسف.
فكانت للاسود بن أبى البخترى بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بئر على باب الاسود عند الحناطين فدخلت في المسجد.
بئر عكرمة، نسبت إلى عكرمة بن خالد بن العاصى بن هاشم بن المغيرة.
بئر عمرو نسبت إلى عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحى، وكذلك شعب عمرو الطلوب أسفل مكة كانت لعبد الله بن صفوان.
بئر حويطب نسبت إلى حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس من (ص 50) بنى عامر بن لؤى، وهى بفناء داره ببطن الوادي.
بئر أبى موسى كانت لابي موسى الاشعري بالمعلاة.(1/58)
بئر شوذب نسبت إلى شوذب مولى معاوية، وقد دخلت في المسجد.
ويقال إن شوذبا كان مولى طارق بن علقمة بن عريج بن جذيمة الكنانى، ويقال كان مولى لنافع بن علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث بن خمل بن شق الكنانى خال مروان بن الحكم بن أبى العاصى بن أمية.
وبئر بكار نسبت إلى رجل سكن مكة من أهل العراق وهى بذى طوى.
وبئر وردان نسبت إلى وردان مولى السائب بن أبى وداعة بن ضبيرة
السهمى.
وسقاية سراج بفخ كانت لسراج مولى بنى هاشم.
وبئر الاسود نسبت إلى الاسود بن سفيان بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهى بقرب بئر خالصة مولاة أمير المؤمنين المهدى.
والبرود بفخ لمخترش الكعبي من خزاعة.
167 - وقال ابن الكلبى: صاحب دار ابن علقمة بمكة طارق بن علقمة ابن عريج بن جذيمة الكنانى.
168 - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى وعبد الملك بن قريب الاصمعي وغيرهما: بستان ابن عامر لعمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى، ولكن الناس غلطوا فيها فقالوا بستان ابن عامر، وبستان بنى عامر.
وإنما هو بستان ابن معمر.
وقوم يقولون نسب إلى ابن عامر الحضرمي، وآخرون يقولون نسب إلى ابن عامر بن كريز.
وذلك ظن وترجيم.(1/59)
169 - حدثنى مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كانت في الجاهلية مكة تدعى صلاح.
قال أبو سفيان بن حرب الحضرمي: (ص 51) أبا مطر هلم إلى صلاح * ليكفيك الندامى من قريش وتنزل بلدة عزت قديما * وتأمن أن ينالك رب جيش 170 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى قال: كتب بعض الكنديين إلى أبى يسأله عن سجن ابن سباع بالمدينة إلى من نسب ؟ وعن قصة دار الندوة ودار العجلة ودار القوارير بمكة.
فكتب إليه.
أما سجن ابن سباع فإنه كان دارا لعبد الله بن سباع بن عبد العزى بن نضلة
ابن عمرو بن غبشان الخزاعى.
وكان سباع يكنى أبا نيار.
وكانت أمه قابلة بمكة.
فبارزه حمزة بن عبد المطلب يوم أحد فقال له: هلم إلى يا ابن مقطعة البظور ! ثم قتله وأكب عليه ليأخذ درعه، فزرقه وحشى.
وأم طريح بن اسماعيل الثقفى الشاعر بنت عبد الله بن سباع وهو حليف بنى زهرة.
وأما دار الندوة فبناها قصى بن كلاب.
فكانوا يجتمعون إليه فتقضى فيها الامور.
ثم كانت قريش بعده تجتمع فيها فتتشاور في حروبها وأمورها، وتعقد الالوية، وتزوج من أراد التزويج.
وكانت أول دار بنيت بمكة من دور قريش.
ثم دار العجلة وهى دار سعيد بن سعد بن سهم.
وبنو سهم يدعون أنها بنيت قبل دار الندوة، وذلك باطل.
فلم تزل دار الندوة لنبى عبد الدار بن قصى حتى باعها عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى من معاوية ابن أبى سفيان فجعلها دارا للامارة.
وأما دار القوارير فكانت لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.
ثم صارت للعباس بن عتبة بن أبى لهب بن عبد المطلب، وقد صارت بعد لام(1/60)
جعفر زبيدة بنت أبى الفضل بن المنصور أمير المؤمنين.
واستعمل في بعض فرشها وحيطانها شئ من قوارير، فقيل دار القوارير.
وكان حماد (ص 52) البربري بناها في خلافة الرشيد أمير المؤمنين رحمه الله.
171 - قال هشام بن محمد الكلبى: كان عمرو بن مضاض الجرهمى حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع.
فخرج عمرو في السلاح يتقعقع، فسمى الموضع الذى خرج منه قعيقعان.
وخرج السميدع مقلدا خيله الاجراس في أجيادها، فسمى الموضع الذى خرج منه أجياد.
وقال ابن الكلبى: ويقال إنه خرج بالجياد مسومة فسمى الموضع أجياد.
وعامة أهل مكة يقولون جياد
الصغير وجياد الكبير.
172 - حدثنا الوليد بن صالح عن محمد بن عمر الاسلمي عن كثير بن عبد الله عن ابيه، عن جده قال: قدمنا مع عمر بن الخطاب في عمرته سنة سبع عشرة، فكلمه أهل المياه في الطريق أن يبتنوا منازل فيما بين مكة والمدينة، ولم تكن قبل ذلك.
فأذن لهم واشترط عليهم أن ابن السبيل أحق بالماء والظل.(1/61)
أمر السيول بمكة 173 - حدثنا العباس بن هشام عن أبيه هشام بن محمد، عن ابن خربوز المكى وغيره قالوا: كانت السيول بمكة أربعة منها سيل أم نهشل، وكان في زمن عمر بن الخطاب.
أقبل السيل حتى دخل المسجد من أعلى مكة، فعمل عمر الردمين جميعا.
الاعلى بين دارببة - وهو عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف الذى ولى البصرة في فتنة ابن الزبير اصطلح أهلها عليه - ودار أبان بن عثمان بن عفان.
والاسفل عند الحمارين، وهو الذى يعرف بردم آل اسيد.
فتراد السيل عن المسجد الحرام.
قال: وأم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاصى بن أمية ذهب (ص 53) بها السيل من أعلى مكة فنسب إليها.
ومنها سيل الجحاف والجراف في سنة ثمانين، في زمن عبد الملك بن مروان، صبح الحاج يوم الاثنين فذهب بهم وبأمتعتهم وأحاط بالكعبة.
فقال الشاعر: لم تر غسان كيوم الاثنين * أكثر محزونا وأبكى للعين إذ ذهب السيل بأهل المصرين * وخرج المخبآت يسعين شواردا في الجبلين يرقين
فكتب عبد الملك إلى عبد الله بن سفيان المخزومى عامله على مكة - ويقال بل كان عامله يومئذ الحارث بن خالد المخزومى الشاعر - يأمره بعمل ضفائر الدور الشارعة على الوادي وضفائر المسجد، وعمل الردم على أفواه السكك(1/62)
لتحصن دور الناس، وبعث لعمل ذلك رجلا نصرانيا فاتخذ الضفائر وردم الردم الذى يعرف بردم بنى قراد، وهو يعرف ببنى جمح، واتخذت ردوم بأسفل مكة.
قال الشاعر: سأملك عبرة وأفيض أخرى * إذا جاوزت ردم بنى قراد ومنها السيل الذى يدعى المخبل، أصاب الناس في أيامه مرض في أجسادهم وخبل في ألسنتهم فسمى المخبل.
ومنها سيل أتى بعد ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك في سنة عشرين ومئة يعرف بسيل أبى شاكر، وهو مسلمة بن هشام، وكان على الموسم ذلك العام فنسب إليه.
قال: وسيل وادى مكة يأتي من موضع يعرف بسدرة عتاب بن أسيد بن أبى العيص.
قال عباس بن هشام: وقد كان في خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد رحمه الله سيل عظيم بلغ ماؤه قريبا من الحجر.
174 - فحدثني العباس قال: حدثنى أبى عن أبيه محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح، عن عكرمة قال: درس شئ من معالم الحرم على عهد معاوية بن أبى سفيان.
فكتب إلى مروان (ص 54) بن الحكم وهو عامله على المدينة يأمره إن كان كرز بن علقمة الخزاعى حيا أن يكلفه إقامة معالم الحرم لمعرفته بها.
وكان
معمرا.
فأقامهم عليها، فهى مواضع الانصاب اليوم.(1/63)
قال الكلبى: هذا كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة بن عبدنهم ابن حليل بن حبشية الخزاعى.
وهو الذى قفا أثر النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى الغار الذى استخفى فيه وأبو بكر الصديق معه، حين أراد الهجرة إلى المدينة، فرأى عليه نسج العنكبوت، ورأى دونه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفها فقال: هذه قدم محمد صلى الله عليه وسلم وهاهنا انقطع الاثر.(1/64)
الطائف 175 - قال: لما هزمت هوازن يوم حنين وقتل دريد بن الصمة أتى فلهم أوطاس.
فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الاشعري فقتل.
فقام بأمر الناس أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري.
وأقبل المسلمون إلى أوطاس، فلما رأى ذلك مالك بن عوف بن سعد، أحد بنى دهمان بن نصر ابن معاوية بن بكر بن هوازن - وكان رئيس هوازن يومئذ - هرب إلى الطائف فوجد أهلها مستعدين للحصار، قد رموا حصنهم وجمعوا فيه الميرة.
فأقام بها، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين حتى نزل الطائف، فرمتهم ثقيف بالحجارة والنبل، ونصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقا على حصنهم، وكانت مع المسلمين دبابة من جلود البقر، فألقت عليها ثقيف سكك الحديد المحماة فأحرقتها، فأصيب من تحتها من المسلمين، وكان حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف خمس عشرة ليلة.
وكان غزوه إياها في شوال سنة ثمان.
176 - قالوا: ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق من رقيق أهل الطائف، منهم أبو بكرة بن مسروح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص 55) واسمه نفيع، ومنهم الازرق الذى نسبت الازارقة إليه كان عبدا روميا حدادا، وهو أبو نافع بن الازرق الخارجي.
فأعتقوا بنزولهم.
ويقال إن نافع بن الازرق الخارجي من بنى حنيفة، وأن الازرق الذى نزل من الطائف غيره.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى الجعرانة ليقسم سبى أهل حنين وغنائمهم.
فخافت ثقيف أن يعود إليهم.
فبعثوا إليه وفدهم فصالحهم على(1/65)
أن يسلموا ويقرهم على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، واشترط عليهم أن لا يربوا ولا يشربوا الخمر، وكانوا أصحاب ربا.
وكتب لهم كتابا.
قال: وكانت الطائف تسمى وج، فلما حصنت وبنى سورها سميت الطائف.
177 - حدثني المدائني عن أبي اسماعيل الطائفي عن أبيه، عن أشياخ من أهل الطائف قال: كان بمخلاف الطائف قوم من اليهود طردوا من اليمن ويثرب، فأقاموا بها للتجارة، فوضعت عليهم الجزية، ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف.
178 - - قالوا: وكانت للعباس بن عبد المطلب رحمه الله أرض بالطائف، وكان الزبيب يحمل منها فينبذ في السقاية للحاج.
وكانت لعامة قريش أموال بالطائف يأتونها من مكة فيصلحونها، فلما فتحت مكة وأسلم أهلها طمعت ثقيف فيها، حتى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدى المكيين، وصارت أرض الطائف مخلافا من مخاليف مكة.
179 - قالوا: وفى يوم الطائف أصيبت عين أبى سفيان بن حرب.
180 - حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري
عن ابن المسى ب، عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تخرص أعناب ثقيف كخرص النخل، ثم تؤخذ زكاتهم زبيبا كما تؤدى زكاة النخل.
قال الواقدي: قال أبو حنيفة لا يخرص، ولكنه إذا وضع بالارض أخذت(1/66)
الصدقة من قليله (ص 56) وكثيره.
وقال يعقوب إذا وضع بالارض فبلغت مكيلته خمسة أوسق ففيه الزكاة، العشر أو نصف العشر.
وهو قول سفيان بن سعيد الثوري، والوسق ستون صاعا.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ذئب: السنة أن تؤخذ منه الزكاة على الخرص كما يؤخذ التمر من النخل.
181 - حدثنا شيبان بن أبى شيبة قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا يحيى ابن سعيد، عن عمرو بن شعيب أن عاملا لعمر بن الخطاب رضى الله عنه على الطائف كتب إليه: ان أصحاب العسل لا يرفعون إلينا ما كانوا يرفعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من كل عشرة زقاق زق.
فكتب إليه عمر: إن فعلوا فاحموا لهم أوديتهم وإلا فلا تحموها.
182 - حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم عن عبد الرحمن ابن اسحاق عن أبيه عن جده، عن عمر أنه جعل في العسل العشر.
183 - حدثنا داود بن عبد الحميد قاضى الرقة عن مروان بن شجاع عن خصيف، عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله على مكة والطائف: إن في الخلايا صدقة فخذوها منها.
قال: والخلايا الكوائر.
184 - وقال الواقدي: وروى عن ابن عمر أنه قال: ليس في الخلايا صدقة.(1/67)
وقال مالك والثوري: لا زكاة في العسل وإن كثر، وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة: في قليل العسل وكثيره إذا كان في أرض العشر العشر، وإذا كان في أرض الخراج فلا شئ عليه، لانه لا يجتمع الزكاة والخراج على رجل.
185 - وقال الواقدي: أخبرني القاسم بن معن ويعقوب، عن أبى حنيفة أنه قال في العسل، يكون في أرض ذمى وهى من أرض العشر، إنه لا عشر عليه، وعلى أرضه الخراج.
وإذا كان في أرض تغلبى أخذ منه الخمس.
وقول زفر مثل قول أبى حنيفة.
وقال أبو يوسف: إذا كان العسل في أرض الخراج فلا شئ فيه وإذا كان في أرض العشر ففى كل عشرة أرطال رطل.
وقال محمد بن الحسن: ليس فيما (ص 57) دون خمسة أفراق صدقة وهو قول ابن أبى ذئب.
186 - وروى خالد بن عبد الله الطحان، عن ابن أبى ليلى أنه قال: إذا كان في أرض الخراج أو العشر ففى كل عشرة أرطال رطل.
وهو قول الحسن بن صالح بن حى.
187 - وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير عن الاوزاعي، عن الزهري قال: في كل عشرة زقاق زق.(1/68)
188 - وحدثنا الحسين بن على بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا
عبد الرحمن بن حميد الرقاشى عن جعفر بن نجيح المدينى، عن بشر بن عاصم وعثمان بن عبد الله بن أوس أن سفيان بن عبد الله الثقفى كتب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وكان عاملا له على الطائف، يذكر أن قبله حيطانا فيها كروم وفيها من الفرسك والرمان وما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا، واستأمره في العشر.
قال: فكتب إليه عمر: ليس عليها عشر.
قال يحيى بن آدم: وهو قول سفيان بن سعيد سمعته يقول: ليس فيما أخرجت الارض صدقة إلا أربعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، إذا بلغ كل واحد من ذلك خمسة أوسق.
قال: وقال أبو حنفية فيما أخرجت أرض العشر العشر ولو دستجة بقل.
وهو قول زفر.
وقال مالك وابن أبى ذئب ويعقوب: ليس في البقول وما أشبهها صدقة.
وقالوا: ليس فيما دون خمسة أوسق من الحنطة والشعير والذرة والسلت والزوان والتمر والزبيب والارز والسمسم والجلبان وأنواع الحبوب التى تكال وتدخر مع العدس واللوبيا والحمص والماش والدخن صدقة، فإذا بلغت خمسة أوسق ففيها صدقة.
قال الواقدي: وهذا قول ربيعة بن أبى عبد الرحمن.
وقال الزهري: التوابل والقطاني كلها تزكى.
وقال مالك: لا شئ في الكمثرى، والفرسك وهو الخوخ، ولا في الرمان وسائر أصناف الفواكه الرطبة من صدقة.
وهو قول ابن أبى ليلى.
قال أبو يوسف: ليس الصدقة إلا فيما (ص 58) وقع عليه القفيز وجرى عليه الكيل.(1/69)
وقال أبو الزناد وابن أبى ذئب وابن أبى سبرة: لا شئ في الخضر والفواكه
من صدقة، ولكن الصدقة في أثمانها ساعة تباع.
189 - وحدثني عباس بن هشام عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عثمان بن أبى العاصى الثقفى على الطائف.(1/70)
تبالة وجرش 190 - حدثنى بكر بن الهيثم عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري قال: أسلم أهل تبالة وجرش عن غير قتال.
فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أسلموا عليه، وجعل على كل حالم ممن بهما من أهل الكتاب دينارا، واشترط عليهم ضيافة المسلمين، وولى أبا سفيان بن حرب جرش.
تبوك وأيلة وأذرح ومقنا والجرباء 191 - قالوا: توجه رسول الله صلى الله على وسلم إلى تبوك من أرض الشام، لغزو من انتهى إليه أنه قد تجمع له من الروم وعاملة ولخم وجذام وغيرهم، وذلك في سنة تسع من الهجرة، لم يلق كيدا.
فأقام بتبوك أياما، فصالحه أهلها على الجزية.
وأتاه وهو بها يحنه بن رؤبة صاحب أيلة، فصالحه على أن جعل له على كل حالم بأرضه في السنة دينارا.
فبلغ ذلك ثلاث مئة دينار.
واشترط عليهم قرى من مر بهم من المسلمين، وكتب لهم كتابا بأن يحفظوا ويمنعوا.
192 - فحدثني محمد بن سعد قال: حدثنا الواقدي عن خالد بن ربيعة، عن طلحة الايلى أن عمر بن عبد العزيز كان لا يزداد من أهل أيلة على ثلاث مئة دينار شيئا.
وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أذرح على مئة دينار في كل رجب.
وصالح أهل الجرباء على الجزية وكتب لهم كتابا.
وصالح
(ص 59) أهل منا على ربع عروكهم - والعروك خشب يصطاد عليه -(1/71)
وربع كراعهم وحلقهم وعلى ربع ثمارهم، وكانوا يهودا.
وأخبرني بعض أهل مصر أنه رأى كتابهم بعينه في جلد أحمر دارس الخط، فنسخه وأملى على نسخته.
" بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى بنى حبيبة وأهل مقنا.
سلم أنتم.
فإنه أنزل على أنكم راجعون إلى قريتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون، ولكم ذمة الله وذمة رسوله.
وإن رسول الله قد غفر لكم ذنوبكم وكل دم أتبعتم به، لا شريك لكم في قريتكم إلا رسول الله أو رسول رسول الله، وإنه لا ظلم عليكم ولا عدوان.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيركم مما يجير منه نفسه، فإن لرسول الله بزتكم ورقيقكم والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله.
وإن عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نخيلكم، وربع ما صادت عرككم، وربع ما اعتزلت نساؤكم.
وإنكم قد برئتم بعد ذلكم ورفعكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل جزية وسخرة.
فإن سمعتم وأطعتم فعلى رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم، ومن ائتمر في بنى حبيبة وأهل مقنا من المسلمين خيرا فهو خير له، ومن أطلعهم بشر فهو شر له.
وليس عليكم أمير إلا من أنفسكم أو من أهل بيت رسول الله صلى الله على وسلم.
وكتب على بن أبو طالب في سنة تسع (ص 60) (1).
__________
(1) في هامش الاصل A ما يلى: يقول الراجى رحمة ربه محمد بن احمد بن عساكر انه كذا في الاصل مضبوط ما صورته في آخر الكتاب وكتب على بن أبو طالب في سنة تسع.
وكذا الحكاية عن جملة الكتب التى بيد يهود منسوبة إلى خط على كرم الله وجهه.
وفى هذا نظر لذى فهم يتأمله يبين له أن هذا الكتاب مفتعل والدليل عليه من وجهين: أحدهما أن عليا كرم الله وجهه هو الذى اخترع الكلام في علم النحو خشية من أخلاط كلام العرب بكلام
النبط، فما كان عليه السلام ليخشى من شئ ويعتمد ما يؤدى إلى الالتباس.
والثانى أن صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل مقنا انما كان في غزوة تبوك على ما هو مذكور في هذا الكتاب، ولا خلاف أن عليا لم يكن مع النبي عليه السلام في غزوة تبوك فكيف ينسب هذا الكتاب إليه ؟ وفى هذا كفاية.
(*)(1/72)
دومة الجندل 193 - قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى إلى أگيدر بن عبد الملك الكندى ثم السكوني بدومة الجندل فأخذه أسيرا، وقتل أخاه وسلبه قباء ديباج منسوجا بالذهب، وقدم بأگيدر على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وكتب له ولاهل دومة كتابا نسخته: " هذا كتاب من محمد رسول الله لاكيدر حين أجاب إلى الاسلام وخلع الانداد والاصنام ولاهل دومة.
إن لنا الضاحية من الضحل، والبور، والمعامي، وأغفال الارض، والحلقة والسلاح، والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور.
لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها.
عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم به الصدق والوفاء.
شهد الله ومن حضر من المسلمين.
" الضاحى البارز، والضحل الماء القليل، والبور الارض التى لم تستخرج ولم تعتمل، والمعامي الارض المجهولة، والاغفال التى لا آثار فيها، والحلقة الدروع، والحافر الخيل والبرازين والبغال والحمير، والحصن حصنهم، والضامنة النخيل (ص 61) الذى معهم في الحصن، والمعين الماء الظاهر الدائم.
وقوله: لا تعدل ماشيتكم أي لا نصدقها إلا في مراعيها ومواضعها لا نحشرها، وقوله: لا تعد فاردتكم يقول: لا تضم الفاردة إلى غيرها ثم يصدق الجميع فيجمع بين متفرق.
194 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى عن أبيه.
عن جده قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أگيدر، فقدم به عليه فأسلم، فكتب له كتابا.
فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم(1/73)
منع الصدقة ونقض العهد وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة، وابتنى بها بناء سماه دومة بدومة الجندل.
وأسلم حريث بن عبد الملك أخوه على ما في يده فسلم ذلك له.
فقام سويد بن شبيب الكلبى: لا يأمنن قوم عثار جدودهم * كما زال من خبت ظعائن أكدرا قال: وتزوج يزيد بن معاوية ابنة حريث أخى أگيدر.
قال العباس: وأخبرني أبى عن عوانة بن الحكم أن أبا بكر كتب إلى خالد ابن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إلى أگيدر.
فسار إليه فقتله وفتح دومة.
وكان قد خرج منها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إليها، فلما قتله خالد مضى إلى الشام.
195 - وقال الواقدي: لما شخص خالد من العراق يريد الشام مر بدومة الجندل ففتحها وأصاب سبايا، فكان فيمن سبا منها ليلى بنت الجودى الغساني.
ويقال إنها أصيبت في حاضر من غسان (ص 62)، أصابتها خيل له.
وابنة الجودى هي التى كان عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق هويها وقال فيها: تذكرت ليلى والسماوة بيننا * وما لابنة الجودى ليلى وماليا فصارت له فتزوجها، وغلبت عليه حتى أعرض عن من سواها من نسائه.
ثم إنها اشتكت شكوى شديدة، فتغيرت فقلاها، فقيل له: متعها وردها إلى أهلها.
ففعل.
وقال الواقدي: كان النبي صلى الله عليه وسلم غزا دومة الجندل في سنة
خمس فلم يلق كيدا، ووجه خالد بن الوليد إلى أگيدر في شوال سنة تسع بعد إسلام خالد بن الوليد بعشرين شهرا.(1/74)
196 - وسمعت بعض أهل الحيرة يذكر أن أگيدر وإخوته كانوا ينزلون دومة الحيرة.
وكانوا يزورون أخوالهم من كلب فيتغربون عندهم.
فإنهم لمعهم وقد خرجوا للصيد إذ رفعت لهم مدينة متهدمة لم يبق إلا بعض حيطانها، وكانت مبنية بالجندل.
فأعادوا بناءها وغرسوا فيها الزيتون وغيره، وسموها دومة الحيرة.
197 - وحدثني عمرو بن محمد الناقد عن عبد الله بن وهب المصرى عن يونس الايلى، عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة إلى أهل دومة الجندل.
وكانوا من عباد الكوفة.
فأسر أگيدر رأسهم فقاضاه على الجزية.(1/75)
صلح نجران 198 - حدثنى بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن (ص 63) سعد عن يونس بن يزيد الايلى، عن الزهري قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيد والعاقب وافدا أهل نجران اليمن فسألاه الصلح.
فصالحهما عن أهل نجران على ألفى حلة في صفر وألف حلة في رجب، ثمن كل حلة أوقية، والاوقية وزن أربعين درهما.
فإن أدوا حلة بما فوق الاوقية حسب لهم فضل ذلك، وإن أدوها بما دون الاوقية أخذ منهم النقصان، وعلى أن يؤخذ منهم ما أعطوا من سلاح أو خيل أو ركاب أو عرض من العروض بقيمته قصاصا من الحلل، وعلى أن يضيفوا رسل رسول
الله صلى الله عليه وسلم شهرا فما دونه ولا يحبسوهم فوق شهر، وعلى أن عليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إن كان باليمن كيد، وأن ما هلك من تلك العارية فالرسل ضامنون له حتى يردوه، وجعل لهم ذمة الله وعهده، وأن لا يفتنوا عن دينهم ومراتبهم فيه، ولا يحشروا ولا يعشروا.
واشترط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به.
199 - حدثنى الحسين بن الاسود حدثنا وكيع قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهما الاسلام فقالا: إنا قد أسلمنا قبلك.
فقال: كذبتما.
يمنعكما من الاسلام ثلاث: أكلكما الخنزير، وعبادتكما الصليب، وقولكما لله ولد.
قالا: فمن أبو عيسى ؟ - قال الحسن: وكان صلى الله عليه وسلم لا يعجل حتى يأمره ربه - فأنزل الله تعالى: * (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم.
إن مثل عيسى(1/76)
عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون.
- إلى قوله الكاذبين (1) *.
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، ثم دعاهما إلى المباهلة وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين.
فقال أحدهما لصاحبه: اصعد الجبل ولا تباهله، فإنك إن باهلته بوءت باللعنة.
قال: فما ترى ؟ قال: أرى أن نعطيه الخراج ولا نباهله.
200 - حدثنى الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: أخذت نسخة كتاب (ص 64) رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل نجران من كتاب رجل عن الحسن بن صالح رحمه الله وهى: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما كتب النبي رسول الله محمد لنجران إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء وبيضاء وسوداء ورقيق، فأفضل
عليهم وترك ذلك ألفى حلة حلل الاواقى.
في كل رجب ألف حلة وفى كل صفر ألف حلة.
كل حلة أوقية، وما زادت حلل الخراج أو نقصت عن الاواقى فبالحساب، وما قضوا من درع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مثواة رسلي شهرا فدونه، ولا يحبس رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا، إذا كان كيد باليمن ذو مغدرة - أي إذا كان كيد بغدر منهم - وما هلك مما أعاروا رسلي من خيل أو ركاب فهم ضمن حتى يردوه إليهم.
ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وغيرهم، وبعثهم، وأمثلتهم (2)، لا يغير ما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم وأمثلتهم، لا يفتن أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقه
__________
(1) السورة 3، الآية 58 وما بعدها.
(2) في هامش الاصل " أمثلتهم الصلبان والصور ".
(*)(1/77)
من وقاهيته، على ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم رهق ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، من سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران، ومن أكل منهم ربا من ذى قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر، ولهم على ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي أبدا حتى يأتي أمر الله، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غير مكلفين شيئا بظلم ".
شهد أبو سفيان ابن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن (ص 65) عوف من بنى نصر والاقرع ابن حابس الحنظلي والمغيرة وكتب.
وقال يحيى بن آدم: وقد رأيت كتابا في أيدى النجرانيين كانت
نسخته شبيهة بهذه النسخة وفى أسفله " وكتب على بن أبو طالب " ولا أدرى ما أقول فيه.
201 - قالوا: ولما استخلف أبو بكر الصديق رضى الله عنه حملهم على ذلك.
فكتب لهم كتابا على نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه أصابوا الربا وكثروا.
فخافهم على الاسلام فأجلاهم وكتب لهم: " أما بعد فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الارض، وما اعتملوا من شئ فهو لهم مكان أرضهم باليمن ".
فتفرقوا.
فنزل بعضهم الشام، ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة، وبهم سميت.
ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح، وكانوا كالاتباع لهم.
فلما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى الوليد بن عقبة بن أبى معيط وهو عامله على الكوفة: " أما بعد فإن العاقب والاسقف وسراة نجران أتونى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرونى شرط عمر.
وقد سألت عثمان بن حنيف عن ذلك(1/78)
فأنبأني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضارا للدهاقين لردعهم عن أرضهم.
وإنى قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله، وعقبى لهم من أرضهم.
وإنى أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة ".
202 - وسمعت بعض العلماء يذكر أن عمر كتب لهم: " أما بعد، فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الارض.
وسمعت بعضهم يقول: من جريب الارض ".
203 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن حكيم،
عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: لا يبقين دينان في أرض العرب.
فلما استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه أجلى أهل نجران إلى النجرانية، واشترى عقاراتهم (ص 66) وأموالهم.
204 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى عن أبيه، عن جده قال: سميت نجران اليمن بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان.
205 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا الاعمش عن سالم بن أبى الجعد قال: كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفا، فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقالوا: أجلنا.
وكان عمر قد خافهم على المسلمين، فاغتنمها فأجلاهم.
فندموا بعد ذلك وأتوه فقالوا: أقلنا.
فأبى ذلك.
فلما قام على بن أبى طالب رضى الله عنه أتوه فقالوا: ننشدك(1/79)
خطك بيمينك، وشفاعتك لنا عند نبيك، إلا أقلتنا.
فقال: إن عمر كان رشيد الامر وأنا أكره خلافه.
206 - وحدثني أبو مسعود الكوفى قال: حدثنى محمد بن مروان والهيثم بن عدى، عن الكلبى أن صاحب النجرانية بالكوفة كان يبعث رسله إلى جميع من بالشام والنواحى من أهل نجران فيجبونهم مالا يقسمه عليهم لاقامة الحلل.
فلما ولى معاوية أو يزيد بن معاوية شكوا إليه تفرقهم وموت من مات وإسلام من أسلم منهم، وأحضروه كتاب عثمان بن عفان بما حطهم من الحلل، وقالوا: إنما ازددنا نقصانا وضعفا.
فوضع عنهم مائتي حلة تتمة أربع مئة حلة.
فلما ولى الحجاج بن يوسف العراق وخرج ابن الاشعث عليه اتهم الدهاقين
بموالاته واتهمهم معهم، فردهم إلى ألف وثمان مئة حلة، وأخذهم بحلل وشى.
فلما ولى عمر بن عبد العزيز شكوا إليه فناءهم ونقصانهم، وإلحاح الاعراب بالغارة عليهم، وتحميلهم إياهم المؤن المجحفة بهم، وظلم الحجاج إياهم.
فأمر فأحصوا، فوجدوا على العشر من عدتهم الاولى، فقال: أرى هذا الصلح جزية على رؤوسهم وليس هو بصلح عن أرضيهم، وجزية الميت والمسلم ساقطة.
فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم.
فلما ولى يوسف بن عمر العراق في أيام الوليد بن يزيد (ص 67) ردهم إلى أمرهم الاول عصبية للحجاج.
فلما استخلف أمير المؤمنين أبو العباس رحمه الله عمدوا إلى طريقه يوم ظهر بالكوفة، فألقوا فيه الريحان ونثروا عليه وهو منصرف إلى منزله من المسجد.
فأعجبه ذلك من فعلهم، ثم إنهم رفعوا إليه في أمرهم وأعلموه قلتهم وما كان(1/80)
من عمر بن عبد العزيز ويوسف بن عمر، وقالوا: إن لنا نسبا في أخوالك بنى الحارث بن كعب، وتكلم فيهم عبد الله بن الربيع الحارثى، وصدقهم الحجاج بن أرطاة فيما ادعوا، فردهم أبو العباس، صلوات الله عليه، إلى مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم.
قال أبو مسعود: فلما استخلف الرشيد هارون أمير المؤمنين وشخص إلى الكوفة يريد الحج، رفعوا إليه في أمرهم، وشكوا تعنت العمال إياهم.
فأمر فكتب لهم كتاب بالمائتى حلة قد رأيته.
وأمر أن يعفوا من معاملة العمال، وأن يكون مؤداهم بيت المال بالحضرة.
207 - حدثنا عمرو الناقد قال: أخبرنا عبد الله بن وهب المصرى عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري قال: أنزلت في كفار قريش والعرب * (وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) * (1) وأنزلت في أهل الكتاب * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، إلى قوله صاغرون) * (2) فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا، وكانوا نصارى، ثم أعطى أهل أيلة وأذرح وأهل أذرعات الجزية في غزوة تبوك.
__________
(1) السورة 2، الآية 193 (2) السورة 9، الآية 29 (*)(1/81)
اليمن 208 - قالوا: لما بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو حقه أتته وفودهم (ص 68).
فكتب لهم كتابا بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأرضيهم وركازهم، فأسلموا.
ووجه إليه رسله وعماله لتعريفهم شرائع الاسلام وسننه وقبض صدقاتهم وجزى رؤوس من أقام على النصرانية واليهودية والمجوسية منهم.
209 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا يزيد ابن ابراهيم التسترى، عن الحسن قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ذمة الله وذمة رسوله، ومن أبى فعليه الجزية.
210 - وحدثني هدبة قال: حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن بمثله.
211 - قال الواقدي: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد ابن العاص أميرا إلى صنعاء وأرضها.
قال: وقال بعضهم: ولى رسول الله صلى الله على وسلم المهاجر بن أبى أمية ابن المغيرة المخزومى صنعاء، فقبض وهو عليها.
قال: وقال آخرون: إنما ولى المهاجر صنعاء أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وولى خالد بن سعيد مخاليف أعلى اليمن.(1/82)
212 - وقال هشام بن الكلبى والهيثم بن عدى: ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجر كندة والصدف.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد البياضى، من الانصار، بولاية كندة والصدف إلى ما كان يتولى من حضرموت.
وولى المهاجر صنعاء، ثم كتب إليه بإنجاد زياد بن لبيد، ولم يعزله عن صنعاء.
213 - وأجمعوا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى زياد بن لبيد حضرموت.
214 - قالوا: وولى النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الاشعري زبيد ورمع وعدن والساحل.
وولى معاذ بن جبل الجند، وصير إليه القضاء، وقبض جميع الصدقات باليمن.
وولى نجران عمرو بن حزم الانصاري، ويقال إنه ولى أبا سفيان بن حرب نجران بعد عمرو بن حزم.
215 - وأخبرني عبد الله بن صالح المقرئ.
قال: حدثنى الثقة عن ابن لهيعة عن أبى الاسود، عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى (ص 69) زرعة بن ذى يزن:
" أما بعد، فإذا أتاكم رسولي معاذ بن جبل وأصحابه فاجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية فأبلغوه ذلك، فإن أمير رسلي معاذ، وهو من صالحي من(1/83)
قبلى، وإن مالك بن مرارة الرهاوى حدثنى أنك قد أسلمت أول حمير وفارقت المشركين، فأبشر بخير.
وأنا آمركم يا معشر حمير ألا تخونوا ولا تحادوا، فإن رسول الله مولى غنيكم وفقيركم.
وإن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآله، إنما هي زكاة تزكون بها هي لفقراء المسلمين والمؤمنين.
وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب، وإن معاذا من صالحي أهلى وذوى دينهم، فآمركم به خيرا، فإنه منظور إليه والسلام ".
216 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد ابن عبد العزيز، عن عمرو بن عثمان بن موهب قال: سمعت موسى بن طلحة يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل على صدقات اليمن، وأمره أن يأخذ من النخل والحنطة والشعير والعنب، أو قال الزبيب، العشر ونصف العشر.
217 - وحدثني الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: حدثنا زياد، عن محمد بن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا بيان من الله ورسوله * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (1).
عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: أمره بتقوى الله في أمره كله، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العشر مما سقى الغرب ".
__________
(1) السورة 5، الآية 1.
(*)(1/84)
218 - وحدثني الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائى، عن محمد بن اسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك حمير: " بسم (ص 70) الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال وشرح بن عبد كلال وإلى النعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان.
أما بعد، فإن الله قد هداكم بهدايته ان أصلحتم وأطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه، وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وما سقى بالغرب نصف العشر ".
219 - وقال هشام بن محمد الكلبى: كان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عريب والحارث ابني عبد كلال بن عريب بن ليشرح.
220 - وحدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد قال: حدثنا منصور، عن الحكم قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وصلم إلى معاذ بن جبل وهو باليمن: إن فيما سقت السماء أو سقى غيلا العشر، وفيما سقى بالغرب والدالية نصف العشر، وإن على كل حالم دينارا أو عدل ذلك من المعافر، وأن لا يفتن يهودى عن يهوديته.(1/85)
قالوا: الغيل السيح، والغرب الدلو، يعنى ما سقى بالسوانى والدوالى والدواليب والغرافات، والبعل السيح أيضا، والمعافر ثياب لهم.
221 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا مروان بن معاوية عن الاعمش عن أبى وائل، عن مسروق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا، أو عدل ذلك من المعافر.
222 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنى شيبان البرجمى عن عمرو، عن الحسن قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر، ومجوس أهل اليمن، وفرض على كل من بلغ الحلم من مجوس اليمن، من رجل أو امرأة، دينارا أو قيمته من المعافر.
(ص 71).
223 - حدثنا عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن مسلمة بن على عن المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الجزية على كل محتلم من أهل اليمن دينارا.
224 - حدثنا شيبان بن أبى شيبة الابلى قال: حدثنا قزعة بن سويد الباهلى قال: سمعت زكريا بن اسحاق يحدث عن يحيى بن صيفي أو أبى معبد، عن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال: " أما إنك تأتى قوما من أهل الكتاب، فقل لهم: إن الله فرض(1/86)
عليكم في اليوم والليلة خمس صلوات، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في السنة صوم رمضان، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم حج البيت من
استطاع إليه سبيلا، فإن أطاعوك فقل: إن الله قد فرض عليكم في أموالكم صدقة تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم، فإن أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم.
وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ولا ستر ".
225 - حدثنا شيبان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن عثمان بن عبد الله أن المغيرة بن عبد الله قال: قال الحجاج: صدقوا كل خضراء.
فقال أبو بردة بن أبى موسى: صدق.
فقال موسى بن طلحة لابي بردة: هذا الآن يزعم أن أباه كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ الصدقة من التمر والبر والشعير والزبيب.
226 - وحدثني عمرو الناقد قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة بن عبيدالله قال: قرأت كتاب معاذ بن جبل، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فكان فيه أن تؤخذ الصدقة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة.
227 - حدثنا على بن عبد (ص 72) الله المدينى قال: حدثنا سفيان بن عيبنة، عن ابن أبى نجيح قال: سألت مجاهدا لم وضع عمر بن الخطاب رضى الله عنه على أهل الشام من الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن ؟ فقال: لليسار.(1/87)
228 - حدثنا الحسين بن على بن الاسود قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابراهيم ابن ميسرة، عن طاووس قال: لما أتى معاذ اليمن، أتى بأوقاص البقر والعسل، فقال: لم أومر في هذا بشئ.
229 - وحدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الله
ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن قيس المازنى عن رجل، عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذى بمارب، فقال رجل: إنه كالماء العد.
فأبى أن يقطعه إياه.
230 - وحدثني القاسم بن سلام وغيره عن اسماعيل بن عياش عن عمرو بن يحيى ابن قيس المازني عن أبيه عن من حدثه عن أبيض بن حمال بمثله.
231 - وحدثني أحمد بن ابراهيم الدورقى قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا بحضرموت.
232 - وحدثني على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف مولى قريش، عن مسلمة بن محارب قال: لما ولى محمد بن يوسف، أخو الحجاج بن يوسف، اليمن أساء السيرة وظلم الرعية وأخذ أراضي الناس بغير حقها.
فكان مما اغتصبه الحرجة.
قال: وضرب على أهل اليمن خراجا جعله وظيفة عليهم.
فلما ولى عمر ابن عبد العزيز كتب إلى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار على العشر، وقال: والله لان لا تأتيني من اليمن حفنة كتم أحب إلى من إقرار هذه الوظيفة.
فلما ولى يزيد بن عبد الملك أمر بردها.(1/88)
233 - حدثنى الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي، عن أبى عبد الرحمن (ص 73) هشام بن يوسف قاضى صنعاء أن أهل خفاش أخرجوا كتابا من أبى بكر الصديق رضى الله عنه في قطعة أديم يأمرهم فيه أن يؤدوا صدقة الورس.
وقال مالك، وابن أبى ذئب، وجميع أهل الحجاز من الفقهاء، وسفيان الثوري، وأبو يوسف: لا زكاة في الورس والوسمة والقرط والكتم والحناء
والورد.
وقال أبو حنيفة: في قليل ذلك وكثيره الزكاة.
وقال مالك: في الزعفران إذا بلغ ثمنه مائتي درهم وبيع، خمسة دراهم.
وهو قول أبى الزناد.
وروى عنه أيضا أنه قال: لا شئ في الزعفران.
وقال أبو حنيفة وزفر: في قليله وكثيره الزكاة.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: إذا بلغ ثمنه أدنى ثمن خمسة أوسق من تمر أو حنطة أو شعير أو ذرة أو صنف من أصناف الحبوب ففيه الصدقة.
وقال ابن أبى ليلى: ليس في الخضر شئ.
وهو قول الشعبى.
وقال عطاء وابراهيم النخعي: فيما أخرجت أرض العشر من قليل وكثير العشر أو نصف العشر.
234 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سعيد بن سالم عن الصلت بن دينار، عن أبى رجاء العطاردي قال: كان ابن عباس بالبصرة يأخذ صدقاتنا حتى دساتج الكراث.(1/89)
235 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن المبارك عن معمر، عن طاووس وعكرمة أنهما قالا: ليس في الورس والعطب، وهو القطن، زكاة.
وقال أبو حنيفة وبشر في الذمة يملكون الارضين من أراضي العشر، مثل اليمن التى أسلم عليها أهلها، والبصرة التى أحياها المسلمون، وما أقطعته الخلفاء من القطائع التى لا حق فيها لمسلم ولا معاهد: إنهم يلزمون الجزية في رقابهم، ويوضع الخراج على أرضهم بقدر احتمالها، ويكون مجرى ما يجتبى منهم مجرى
مال الخراج، فإن أسلم منهم مسلم وضعت عنه الجزية وألزم الخراج في أرضه أبدا على قياس السواد.
وهو قول ابن أبى ليلى.
وقال ابن شبرمة وأبو يوسف (ص 74): يوضع عليهم الجزية في رقابهم، وعليهم الضعف مما على المسلمين في أرضهم، وهو الخمس أو العشر.
وقاسا ذلك على أمر نصارى بنى تغلب.
وقال أبو يوسف: ما أخذ منهم فسبيله سبيل الخراج، فإن أسلم الذمي أو خرجت أرضه إلى مسلم صارت عشرية.
قد روى ذلك عن عطاء والحسن.
وقال ابن أبى ذئب وابن أبى سبرة وشريك بن عبد الله النخعي والشافعي: عليهم الجزية في رقابهم، ولا خراج ولا عشر في أرضهم، لانهم ليسوا ممن تجب عليه الزكاة، وليست أرضهم بأرض خراج.
وهو قول الحسن بن صالح ابن حى الهمداني.
وقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن: عليهم العشر غير مضعف، لان الحكم حكم الارض ولا ينظر إلى مالكها.
وقال الاوزاعي وشريك بن عبد الله: إن كانوا ذمة مثل يهود اليمن التى أسلم أهلها وهم بها لم تأخذ منهم شيئا غير الجزية، ولا تدع الذمي يبتاع أرضا من أراضي العشر ولا يدخل فيها، يعنى يملكها به.(1/90)
وقال الواقدي: سألت مالكا عن اليهودي من يهود الحجاز يبتاع أرضا بالجرف فيزرعها.
قال: يؤخذ منه العشر.
قلت: أو لست تزعم أنه لا عشر على أرض ذمى إذا ملك أرض عشر ؟ فقال: ذاك إذا أقاموا ببلادهم، فأما إذا خرجوا من بلادهم فإنها تجارة.
وقال أبو الزناد ومالك بن أنس وابن أبى ذئب والثوري وأبو حنيفة ويعقوب
في التغلبي يزرع أرضا من أرض العشر: إنه يؤخذ منه ضعف العشر.
وإذا اكترى رجل مزرعة عشرية فإن مالكا والثوري وابن أبى ذئب ويعقوب قالوا: العشر على صاحب الزرع.
وقال أبو حنيفة: هو على رب الارض.
وهو قول زفر.
وقال أبو حنيفة: إذ لم يؤد رجل عشر أرضه سنتين فإن السلطان يأخذ منه العشر لما يستأنف، وكذلك أرض الخراج.
وقال أبو شمر: يأخذ ذلك منه لما مضى، لانه حق وجب في ماله (ص 75).(1/91)
عمان 236 - قالوا: كان الاغلبين على عمان الازد، وكان بها من غيرهم بشر كثير في البوادى.
فلما كانت سنة ثمان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا زيد الانصاري أحد الخزرج، وهو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - واسمه فيما ذكر الكلبى قيس بن سكن بن زيد بن حرام، وقال بعض البصريين: اسمه عمرو بن أخطب، جد عروة بن ثابت بن عمرو بن أخطب، وقال سعيد بن أوس الانصاري: اسمه ثابت بن زيد - وبعث عمرو بن العاصى السهمى إلى عبد وجيفر ابني الجلندى بكتاب منه، يدعوهما فيه إلى الاسلام وقال: إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الامير وأبو زيد على الصلاة وأخذ الاسلام على الناس وتعليمهم القرآن والسنن.
فلما قدم أبو زيد وعمرو عمان وجدا عبدا وجيفرا بصحار على ساحل البحر.
فأوصلا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليهما، فأسلما ودعوا العرب هناك إلى الاسلام، فأجابوا إليه ورغبوا فيه.
فلم يزل عمرو وأبو زيد بعمان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقال إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك.
237 - قالوا: ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت الازد وعليها لقيط بن مالك ذو التاج، وانحازت إلى دبا - وبعضهم يقول دما في دبا - فوجه أبو بكر رضى الله عنه إليهم حذيفة بن محصن البارقى من الازد وعكرمة ابن أبى جهل بن هشام المخزومى فواقعا لقيطا ومن معه، فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيا بعثا به إلى أبى بكر رحمه الله.
ثم (ص 76) إن الازد راجعت الاسلام،(1/92)
وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر.
فسار إليهم عكرمة، فظفر بهم وأصاب منهم مغنما، وقتل بشرا.
وجمع قوم من مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة جمعا، فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة.
وولى أبو بكر رضى الله عنه حذيفة بن محصن عمان، فمات أبو بكر وهو عليها، وصرف عكرمة ووجه إلى اليمن.
ولم تزل عمان مستقيمة الامر يؤدى أهلها صدقات أموالها ويؤخذ ممن بها من الذمة جزية رؤسهم حتى كانت خلافة الرشيد صلوات الله عليه، فولاها عيسى ابن جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس.
فخرج إليها بأهل البصرة، فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف.
فبلغ ذلك أهل عمان، وجلهم شراة، فحاربوه ومنعوه من دخولها، ثم قدروا عليه فقتلوه وصلبوه، وامتنعوا على السلطان فلم يعطوه طاعة، وولوا أمرهم رجلا منهم.
وقد قال قوم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجه أبا زيد بكتابه إلى عبد وجيفر ابني الجلندى الازديين في سنة ست، ووجه عمرا في سنة ثمان، بعد إسلامه بقليل.
وكان إسلامه وإسلام خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدى في صفر سنة ثمان، أقبل من الحبشة حتى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي زيد: خذ الصدقة من المسلمين والجزية من المجوس.
238 - حدثنى أبو الحسن المدائني، عن المبارك بن فضالة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن أرطاة الفزارى عامله على البصرة:(1/93)
" أما بعد فإنى كنت كتبت إلى عمرو بن عبد الله أن يقسم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها، ومن سقط إليها من أهل البادية، ومن أضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل.
فكتب إلى أنه سأل عاملك قبله عن (ص 77) ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قد باعه وحمل إليك ثمنه، فاردد إلى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب، ليضعه في المواضع التى أمرته بها ويصرفه فيها إن شاء الله والسلام ".(1/94)
البحرين 239 - قالوا: وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس، وكان بها خلق كثير من العرب من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في بدايتها.
وكان على العرب بها من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر ابن ساوى أحد بنى عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة - وعبد الله بن زيد هذا هو الاسبذى، نسب إلى قرية بهجر يقال لها الاسبذ، ويقال إنه نسب إلى الاسبذيين، وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين - فلما كانت سنة ثمان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي، حليف بنى عبد شمس، إلى البحرين ليدعو أهلها إلى الاسلام أو الجزية،
وكتب معه إلى المنذر بن ساوى والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى الاسلام أو الجزية.
فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم.
فأما أهل الارض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء، وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين: صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر، فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
وأما جزية الرؤوس فإنه أخذ لها من كل حالم (ص 78) دينارا.
240 - حدثنى عباس بن هشام عن أبيه عن الكلبى عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين:(1/95)
" أما بعد، فإنكم إذا أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، ونصحتم الله ورسوله، وآتيتم عشر النخل، ونصف عشر الحب، ولم تمجسوا أولادكم، فلكم ما أسلمتم عليه، غير أن بيت النار لله ورسوله، وإن أبيتم فعليكم الجزية ".
فكره المجوس واليهود الاسلام وأحبوا أداء الجزية.
فقال منافقو العرب: زعم محمد لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر، وهم غير أهل كتاب.
فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * (1).
وقد قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه العلاء حين وجه رسله إلى الملوك في سنة ست.
241 - وحدثني محمد بن مصفى الحمصى قال: حدثنا محمد بن المبارك قال: حدثنا عتاب بن زياد قال: حدثنى محمد بن ميمون عن مغيرة الازدي عن محمد بن زيد بن حيان الاعرج،
عن العلاء بن الحضرمي قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين، أو قال هجر، وكنت آتى الحائط بين الاخوة قد أسلم بعضهم فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج.
242 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن لهيعة عن أبى الاسود، عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل هجر: بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد النبي إلى أهل هجر.
سلم أنتم.
فإنى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو.
أما بعد، فإنى أوصيكم بالله وبأنفسكم ألا تضلوا بعد إذ هديتم، ولا تغووا
__________
(1) السورة 5، الآية 105 (*)(1/96)
بعد إذ رشدتم.
أما بعد فإنه قد أتانى الذى صنعتم وأنه من يحسن منكم لا يحمل عليه ذنب المسئ، فإذا جاءكم أمرائى فأطيعوهم وانصروهم (ص 79) وأعينوهم على أمر الله وفى سبيله، فإنه من يعمل منكم عملا صالحا فلن يضل له عند الله وعندي، وأما بعد فقد جاءني وفدكم فلم آت إليهم إلا ما سرهم، وإنى لو جهدت حقى فيكم كله أخرجتكم من هجر، فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم * (فاذكروا نعمة الله عليكم) * (1).
243 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان النحوي، عن قتادة قال: لم يكن بالبحرين في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على أنصاف الحب والتمر.
244 - وحدثني الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: حدثنا الحسن بن صالح عن أشعث،
عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
245 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا قيس بن الربيع عن قيس ابن مسلم، عن الحسن بن محمد قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الاسلام، فإن أسلموا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، ومن أبى فعليه الجزية، في غير أكل لذبائحهم ولا نكاح لنسائهم.
246 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الايلى عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية
__________
(1) اقتباس من الآية 231، السورة 2.
(*)(1/97)
من مجوس هجر، وأخذها عمر من مجوس فارس، وأخذها عثمان من بربر.
247 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عبد الله بن ادريس عن مالك ابن أنس عن الزهري بمثله.
248 - وحدثنا عمرو الناقد قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله ابن سالم بن عبد الله بن عمر، عن موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى منذر ابن ساوى: " من محمد النبي إلى منذر بن ساوى.
سلم أنت.
فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو.
أما بعد فإن كتابك جاءني وسمعت ما فيه، فمن (ص 80) صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، ومن أبى ذلك فعليه الجزية ".
249 - وحدثني عباس بن هشام الكلبى عن أبيه عن جده عن أبى صالح، عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى فأسلم ودعا أهل هجر، فكانوا بين راض وكاره.
أما العرب فأسلموا، وأما المجوس واليهود فرضوا بالجزية فأخذت منهم.
250 - وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا حميد بن هلال قال: بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا من البحرين يكون ثمانين ألفا ما أتاه أكثر منه قبله ولا بعده، فأعطى منه العباس عمه.(1/98)
251 - حدثنى هشام بن عمار عن اسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وضائع كسرى بهجر فلم يسلموا.
فوضع عليهم الجزية دينارا على كل رجل منهم.
252 - قالوا: وعزل رغول الله صلى الله عليه وسلم العلاء ثم ولى البحرين أبان بن سعيد بن العاصى بن أمية.
وقوم يقولون: إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف وإن أبان كان على ناحية أخرى فيها الخط، والاول أثبت.
253 - قالوا: ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج أبان من البحرين فأتى المدينة.
فسأل أهل البحرين أبا بكر رضى الله عنه أن يرد العلاء عليهم ففعل.
فيقال إن العلاء لم يزل واليا حتى توفى بها سنة عشرين.
فولى عمر مكانه أبا هريرة الدوسى، ويقال أيضا إن عمر رضى الله عنه ولى أبو هريرة قبل موت العلاء، فأتى العلاء توج من أرض فارس، وعزم على المقام بها.
قال: ثم رجع إلى البحرين فمات هناك.
وكان أبو هريرة يقول: دفنا العلاء ثم احتجنا إلى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده في اللحد.
254 - وقال أبو مخنف: كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى العلاء ابن الحضرمي، وهو عامله على البحرين، يأمره بالقدوم عليه، وولى عثمان ابن أبى العاصى الثقفى البحرين وعمان.
فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة (ص 81) مكان عتبة بن غزوان، فلم يصل إليها حتى مات، وذلك في سنة(1/99)
أربع عشرة، أو في أول سنة خمس عشرة.
ثم إن عمر ولى قدامة بن مظعون الجمحى جباية البحرين وولى أبا هريرة الاحداث والصلاة، ثم عزل قدامة وحده على شرب الخمر، وولى أبا هريرة الصلاة والاحداث، ثم عزله وقاسمه ماله، ثم ولى عثمان بن أبى العاصى البحرين وعمان.
255 - حدثنى العمرى، عن الهيثم قال: كان قدامة بن مظعون على الجباية والاحداث، وأبو هريرة على الصلاة والقضاء، فشهد على قدامة بما شهد به.
ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة، ثم عزله وقاسمه، وأمره بالرجوع فأبى، فولاها عثمان بن أبى العاصى.
فمات عمر وهو واليه عليها.
وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخوه مغيرة بن أبى العاصى، ويقال حفص بن أبى العاصى.
256 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو هلال الراسبى قال: حدثنا محمد ابن سيرين، عن أبى هريرة قال: استعملني عمر بن الخگاب رضى الله عنه على البحرين، فاجتمعت لى اثنا عشر ألفا.
فلما قدمت على عمر قال لى: يا عدو الله وعدو المسلمين ! أو قال وعدو كتابه، سرقت مال الله ؟ قال قلت: لست بعدو لله
ولا للمسلمين، أو قال لكتابه، ولكني عدو من عاداهما.
ولكن خيلا تناتجت وسهاما اجتمعت.
قال: فأخذ منى اثنا عشر ألفا.
فلما صليت الغداة قلت: اللهم اغفر لعمر.
قال: فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك، حتى إذا كان بعد ذلك قال: ألا تعمل يا أبا هريرة ؟ قلت: لا.
قال: ولم ؟ قد عمل من هو خير منك يوسف * (قال اجعلني على خزائن الارض) * (1).
__________
(1) السورة 12، الآية 55 (*)(1/100)
فقلت: يوسف نبى ابن نبى، وأنا أبو هريرة بن أميمة.
وأخاف منكم ثلاثا واثنتين.
قال: فهلا قلت خمسا ! قلت: اخشى أن تضربوا ظهرى وتشتموا عرضى وتأخذوا مالى، وأكره أن أقول (ص 82) بغير حلم وأحكم بغير علم.
257 - حدثنا القاسم بن سلام وروح بن عبد المؤمن قالا: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن يزيد بن ابراهيم التسترى عن ابن سيرين، عن أبى هريرة أنه لما قدم من البحرين قال له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه ! أسرقت مال الله ؟ قال: لست عدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما، ولم أسرق مال الله.
قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم ؟ قال: خيل تناسلت وعطاء تلاحق وسهام اجتمعت، فقبضها منه، وذكر من باقى الحديث نحو الذى روى أبو هلال.
258 - قالوا: ولما مات المنذر بن ساوى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل ارتد من بالبحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم - وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بنى قيس بن ثعلبة - وإنما سمى الحطم بقوله: قد لفها الليل بسواق حطم
وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود، وهو بشر بن عمرو العبدى، ومن تابعه من قومه، وأمروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر يقال له المنذر، فصار الحطم حتى لحق بربيعة، فانضم إليها بمن معه، وبلغ العلاء بن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حتى نزل جواثا، وهو حصن البحرين، فدلفت إليه ربيعة، فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم، فقاتلها قتالا شديدا.
ثم إن المسلمين(1/101)
لجأوا إلى الحصن فحصرهم فيه عدوهم.
ففى ذلك يقول عبد الله بن حذف الكلابي: (ص 83) ألا أبلغ أبا بكر ألوكا * وفتيان المدينة أجمعينا فهل لك في شباب منك أمسوا * أسارى في جواث محاصرينا ثم إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة، فقاتلوا قتالا شديدا وقتل الحطم.
259 - وقال غير هشام بن الكلبى: أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا، وقد كفر أهلها جميعا وأمروا عليهم المنذر بن النعمان فأقام معهم.
فحصرهم العلاء حتى فتح جواثا وفض ذلك الجمع وقتل الحطم.
والخبر الاول أثبت.
وفى قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدى: تركنا شريحا قد علته بصيرة * كحاشية البرد اليماني المحبر البصيرة من الدم ما وقع في الارض.
ونحن فجعنا أم غضبان بابنها * ونحن كسرنا الرمح في عين حبتر ونحن تركنا مسمعا متجدلا * رهينة ضبع تعتريه وأنسر 260 - قالوا: وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور، فلما ظهر المسلمون قال: لست بالغرور ولكني المغرور.
ولحق هو وفل ربيعة بالخط، فأتاها العلاء
ففتحها، وقتل المنذر ومن معه.
ويقال إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر، وأرسل الماء حوله فلم يوصل إليه، حتى صالح الغرور على أن يخلى المدينة، فخلاها.
ولحق بمسيلمة فقتل معه.(1/102)
261 - وقال قوم: قتل المنذر يوم جواثا.
وقوم يقولون إنه استأمن ثم هرب فلحق فقتل.
وكان العلاء كتب إلى أبى بكر يستمده، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالنهوض إليه من اليمامة وإنجاده، فقدم عليه وقد قتل الحطم، فحصر معه الخط.
ثم أتاه كتاب أبى بكر بالشخوص إلى العراق، فشخص إليه من البحرين، وذلك في سنة اثنى عشر.
وقال الواقدي: يقول أصحابنا إن خالدا قدم المدينة ثم توجه منها إلى العراق.
واستشهد (ص 84) بجواثا عبد الله بن سهيل بن عمرو، أحد بنى عامر ابن لؤى ويكنى أبا سهيل، وأمه فاخته بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف.
وكان عبد الله أقبل مع المشركين يوم بدر ثم انحاز إلى المسلمين مسلما، وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما بلغ أباه سهيل بن عمرو خبره قال: عند الله أحتسبه.
ولقيه أبو بكر وكان بمكة حاجا فعزاه به، فقال سهيل: إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يشفع الشهيد في سبعين من أهله، وإنى لارجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلى.
وكان يوم استشهد ابن ثمان وثلاثين سنة.
واستشهد عبد الله بن عبد الله بن أبى يوم جواثا.
وقال غير الواقدي: استشهد يوم اليمامة.
262 - قالوا: وتحصن المكعبر الفارسى صاحب كسرى الذى كان وجهه لقتل بنى تميم حين عرضوا لعيره - واسمه فيروز بن جشيش - بالزارة.
وانضم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف، وامتنعوا من أدآء الجزية.
فأقام العلاء على الزارة، فلم يفتحها في خلافة أبى بكر وفتحها في أول خلافة عمر.
وفتح العلاء السابون ودارين في خلافة عمر عنوة، وهناك موضع يعرف بخندق العلاء.(1/103)
263 - وقال معمر بن المثنى: غزا العلاء بعبد القيس قرى من السابون في خلافة عمر بن الخطاب ففتحها، ثم غزا مدينة الغابة فقتل من بها من العجم، ثم أتى الزارة وبها المكعبر فحصره.
ثم إن مرزبان الزارة دعا إلى البراز فبارزه البراء بن مالك فقتله، وأخذ سلبه، فبلغ أربعين ألفا.
ثم خرج رجل من الزاره مستأمنا على أن يدل على شرب القوم، فدله على العين الخارجة من الزارة، فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه على أن له ثلث المدينة (ص 85) وثلث ما فيها من ذهب وفضة، وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها.
وأتى الاخنس العامري العلاء فقال له: إنهم لم يصالحوك على ذراريهم وهم بدارين.
ودله كراز النكرى على المخاضة إليهم، فتقحم العلاء في جماعة من المسلمين البحر، فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير، فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه، فقتلوا مقاتلتهم وحووا الذرارى والسبي.
ولما رأى المكعبر ذلك أسلم.
وقال كراز: هاب العلاء حياض البحر مقتحما * فخضت قدما إلى كفار دارينا 264 - حدثنا خلف البزاز وعفان قالا: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن عون ويونس، عن محمد بن سيرين قال: بارز البراء بن مالك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه، ثم نزل فقطع يديه وأخذ سواريه، ويلمقا كان عليه، ومنطقة.
فخمسه عمر لكثرته، وكان أول سلب خمس في الاسلام.(1/104)
اليمامة 265 - قالوا: وكانت اليمامة تدعى جو، فصلبت امرأة من جديس يقال لها اليمامة بنت مر على بابها، فسميت باسمها والله اعلم.
266 - وقالوا: ولما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق في أول سنة سبع، ويقال في سنة ست، كتب إلى هوذة بن على الحنفي وأهل اليمامة يدعوهم إلى الاسلام، وأنفذ كتابه بذلك مع سليط بن قيس بن عمرو الانصاري ثم الخزرجي.
فبعثوا إلى (ص 86) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدهم.
وكان في الوفد مجاعة بن مرارة، فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا مواتا سأله إياها.
وكان فيها أيضا الرجال بن عنفوة فأسلم وقرأ سورة البقرة وسورا من القرآن، إلا انه ارتد بعد.
وكان فيهم مسيلمة الكذاب ثمامة بن كبير بن حبيب، فقال مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت خلينا الامر وبايعناك على أنه لنا بعدك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولا نعمة عين.
ولكن الله قاتلك.
وكان هوذة بن على الحنفي قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يجعل الامر له من بعده، على أن يسلم ويصير إليه فينصره.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولا كرامة.
اللهم اكفنيه.
فمات بعد قليل.
فلما انصرف وفد بنى حنيفة إلى اليمامة ادعى مسيلمة الكذاب النبوة، وشهد له الرجال بن عنفوة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه في الامر معه.
فاتبعه بنو حنيفة وغيرهم ممن باليمامة.
وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبادة بن الحارث، أحد بنى عامر بن حنيفة - وهو ابن النواحة الذى قتله عبد الله بن مسعود بالكوفة وبلغه أنه وجماعة معه يؤمنون بكذب مسيلمة -:(1/105)
" من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله.
أما بعد فإن لنا نصف الارض ولقريش نصفها، ولكن قريشا لا ينصفون.
والسلام عليك " وكتب عمرو ابن الجارود الحنفي.
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب.
أما بعد ف * (إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (1)) * * (والسلام على من اتبع الهدى) * (2) وكتب أبى بن كعب.
فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص 87) واستخلف أبو بكر فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاه في أشهر يسيرة، بعث خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومى إلى اليمامة وأمره بمحاربة الكذاب مسيلمة.
فلما شارفها ظفر بقوم من بنى حنيفة فيهم مجاعة بن مرارة بن سلمى، فقتلهم واستبقى مجاعة وحمله معه موثقا.
وعسكر خالد على ميل من اليمامة، فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم الرجال ومحكم بن الطفيل بن سبيع الذى يقال له محكم اليمامة.
فرأى خالد البارقة فيهم فقال: يا معشر المسلمين ! قد كفاكم الله مؤنة عدوكم، ألا ترونهم وقد شهر بعضهم السيوف على بعض، وأحسبهم قد اختلفوا ووقع بأسهم بينهم.
فقال مجاعة، وهو في حديده: كلا ! ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها فأبرزوها للشمس لتلين متونها.
ثم التقى الناس فكان أول من لقيهم الرجال بن عنفوة فقتله الله، واستشهد وجوه الناس وقراء القرآن.
ثم إن المسلمين فآءوا وثابوا، فأنزل الله عليهم نصره وهزم أهل اليمامة فأتبعوهم يقتلونهم قتلا ذريعا، ورمى عبد الرحمن ابن أبى بكر الصديق أخو عائشة لابيها محكما بسهم فقتله، وألجاوا الكفرة
__________
(1) السورة 7، الآية 128
(2) السورة 20، الآية 47 (*)(1/106)
إلى الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت، وقتل الله مسيلمة في الحديقة، فبنو عامر بن لؤى بن غالب يقولون: قتله خداش بن بشير بن الاصم، أحد بنى معيص ابن عامر بن لؤى.
وبعض الانصار يقولون: قتله عبد الله بن زيد بن ثعلبة، أحد بنى الحارث بن الخزرج، وهو الذى أرى الاذان.
وبعضهم يقول: قتله أبو دجانة سماك بن خرشة ثم استشهد.
وقال بعضهم: بل قتله عبد الله بن زيد بن عاصم أخو حبيب (ص 88) بن زيد من بنى مبذول من بنى النجار.
وقد كان مسيلمة قطع يدى حبيب ورجليه.
وكان وحشى بن حرب الحبشى قاتل حمزة رضى الله عنه يدعى قتله ويقول: قتلت خير الناس وشر الناس.
وقال قوم: إن هؤلاء جميعا شركوا في قتله.
وكان معاوية بن أبى سفيان يدعى أنه قتله، ويدعى ذلك له بنو أمية.
267 - حدثنى أبو حفص الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن خالد بن دهقان، عن رجل حضر عبد الملك بن مروان سأل رجلا من بنى حنيفة ممن شهد وقعة اليمامة عن قاتل مسيلمة فقال: قتله رجل من صفته كذا وكذا.
فقال عبد الملك: قضيت والله لمعاوية بقتله.
قال: وجعل الكذاب يقول حين أخذ منه بالمخنق: يا بنى حنيفة ! قاتلوا عن أحسابكم.
فلم يزل يعيدها حتى قتله الله.
268 - وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كفرت العرب.
فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فلقيهم.
ثم قال: والله لا أنتهى حتى أناطح مسيلمة.
فقالت الانصار: هذا رأى تفردت به لم يأمرك به أبو بكر، أرجع إلى المدينة حتى نريح كراعنا.
فقال: والله لا أنتهى حتى أناطحه.
فرجعت عنه الانصار، ثم قالوا: ماذا صنعنا لئن ظهر أصحابنا لقد
خسسنا، ولئن هربوا لقد خذلناهم.
فرجعوا ومضوا معه.
فالتقى المسلمون(1/107)
والمشركون، فولى المسلمون مدبرين حتى بلغوا الرحال.
فقام السائب بن العوام فال: أيها الناس ! قد بلغتم الرحال فليس لامرئ مفر بعد رحله.
فهزم الله المشركين وقتل مسيلمة.
وكان شعارهم يومئذ: يا أصحاب سورة البقرة.
269 - وحدثني بعض أهل اليمامة أن رجلا كان مجاورا في بنى حنيفة، فلما قتل محكم أنشأ يقول: (ص 89).
فإن أنج منها أنج منها عظيمة * وإلا فإنى شارب كأس محكم 270 - قالوا: وكانت الحرب قد نهكت المسلمين وبلغت منهم، فقال مجاعة لخالد: إن أكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم، وإنما قتلتم منهم القليل وقد بلغوا منكم ما أرى، وأنا مصالحكم عنهم.
فصالحه على نصف السبى ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع.
ثم إن خالدا توثق منه وبعثه إليهم، فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من المشايخ أن يلبسوا السلاح ويقوموا على الحصون.
ففعلوا ذلك.
فلم يشك خالد والمسلمون حين نظروا إليهم أنهم مقاتلة، فقالوا: لقد صدقنا مجاعة.
ثم إن مجاعة خرج حتى أتى عسكر المسلمين فقال: ان القوم لم يقبلوا ما صالحتك عليه عنهم واستعدوا لحربك، وهذه حصون العرض مملوءة رجالا، ولم أزل بهم حتى رضوا بأن يصالحوا على ربع السبى ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع.
فاستقر الصلح على ذلك، ورضى خالد به وأمضاه، وأدخل مجاعة خالدا اليمامة.
فلما رأى من بقى بها قال: خدعتني يا مجاع.
وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقة.
وأتى خالدا كتاب أبى بكر رضى الله عنه بإنجاد العلاء بن الحضرمي، فسار إلى البحرين واستخلف على اليمامة سمرة بن عمرو العنبري.
وكان فتح اليمامة سنة اثنى عشر.(1/108)
271 - حدثنى أبو رباح اليمامى قال: حدثنى أشياخ من أهل اليمامة أن مسيلمة الكذاب كان قصيرا، شديد الصفرة، أخنس الانف، أفطس، يكنى أبا ثمامة.
272 - وقال غيره: كان يكنى أبا ثمالة.
وكان له مؤذن يسمى حجيرا، فكان إذا أذن يقول: أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله.
فقال: أفصح حجير.
فمضت مثلا.
وكان ممن استشهد باليمامة أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس، واسمه هشيم ويقال مهشم.
وسالم مولى أبى حذيفة، ويكنى أبا عبد الله، وهو مولى ثبيتة (ص 90) بنت يعار الانصارية، وبعض الرواة يقول: نبيثة، وهى امرأة.
وخالد بن أسيد بن أبى العيص بن أمية.
وعبد الله، وهو الحكم بن سعيد بن العاصى بن أمية.
ويقال انه قتل يوم مؤتة.
وشجاع بن وهب الاسدي حليف بنى أمية يكنى أبا وهب.
والطفيل بن عمرو الدوسى من الازد ويزيد بن رقيش الاسدي، حليف بنى أمية.
ومخرمة بن شريح الحضرمي، حليف بنى أمية.
والسائب بن العوام أخو الزبير بن العوام.
والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومى.
والسائب بن عثمان بن مظعون الجمحى.
وزيد بن الخطاب بن نفيل، أخو عمر بن الخطاب، يقال قتله أبو مريم الحنفي، واسمه صبيح بن محرش.
وقال ابن الكلبى: قتله لبيد بن برغث العجلى، فقدم بعد ذلك على عمر رضى الله عنه فقال: أنت الجوالق، واللبيد هو الجوالق.
وكان زيد يكنى أبا عبد الرحمن، وكان أسن من عمر.
قال بعضهم: اسم أبى مريم اياس بن صبيح.
وهو أول من قضى بالبصرة زمن عمر، وتوفى بسنبيل من الاهواز.
وأبو قيس بن الحارث ابن عدى بن سهم.
وعبد الله بن الحارث بن قيس.
وسليط بن عمرو، أخو سهيل ابن عمرو، أحد بنى عامر بن لؤى.
واياس بن البكير الكنانى.(1/109)
ومن الانصار: عباد بن الحارث بن عدى أحد بنى جحجبا من الاوس.
وعباد بن بشر بن وقش الاشهلى من الاوس، ويكنى أبا الربيع، ويقال إنه كان يكنى أبا بشر.
ومالك بن أوس بن عتيك الاشهلى.
وأبو عقيل بن ثعلبة بيحان البلوى، حليف بنى جحجبا - كان اسمه عبد العزى فسماه (ص 91) النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عدو الاوثان.
وسراقة بن كعب بن عبد العزى النجارى، من الخزرج.
وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان النجارى - ويقال انه مات زمن معاوية.
وحبيب بن عمرو بن محصن النجارى.
ومعن بن عدى بن الجد بن العجلان البلوى، من قضاعة، حليف الانصار.
وثابت بن قيس بن شماس بن أبى زهير، خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، أحد بنى الحارث بن الخزرج، ويكنى أبا محمد، وكان على الانصار يومئذ.
وأبو حنة ابن غزية بن عمرو أحد بنى مازن بن النجار.
والعاصي بن ثعلبة الدوسى من الازد، حليف الانصار.
وأبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان الساعدي، من الخزرج.
وأبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، ويقال إنه مات سنة ستين بالمدينة.
وعبد الله بن عبد الله بن أبى بن مالك، وكان اسمه الحباب، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم أبيه، وكان أبوه منافقا، وهو الذى يقال له ابن أبى بن سلول.
وسلول أم أبى، وهى خزاعية نسب إليها، وأبوه مالك ابن الحارث أحد بنى الخزرج.
ويقال إنه استشهد يوم جواثا من البحرين.
وعقبة بن عامر بن نابئ، من بنى سلمة من الخزرج.
والحارث بن كعب بن عمرو أحد بنى النجار.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حبيب بن زيد بن عاصم، أحد بنى مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، وعبد الله بن وهب الاسلمي(1/110)
إلى مسيلمة، فلم يعرض لعبدالله، وقطع يدى حبيب ورجليه.
وأم حبيب نسيبة بنت كعب.
273 - وقال الواقدي: إنما أقبلا مع عمرو بن العاصى من عمان فكفتهما مسيلمة، فنجا عمرو ومن معه غير هذين، فأخذا.
وقاتلت نسيبة يوم اليمامة فانصرفت وبها جراحات.
وهى أم حبيب وعبد الله ابني زيد، وقد قاتلت يوم أحد أيضا.
وهى (ص 92) إحدى الامرأتين المبايعتين يوم العقبة.
واستشهد يوم اليمامة عائذ بن ماعص الزرقى من الخزرج، ويزيد بن ثابت الخزرجي، أخو زيد بن ثابت صاحب الفرائض.
وقد اختلفوا في عدة من استشهد باليمامة، فأقل ما ذكروا من مبلغها سبع مئة وأكثر ذلك ألف وسبع مئة.
وقال بعضهم: إن عدتهم ألف ومائتان.
274 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا الحارث بن مرة الحنفي، عن هشام بن اسماعيل أن مجاعة اليمامى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب له كتابا: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب كتبه محمد رسول الله لمجاعة بن مرارة بن سلمى.
إنى أقطعتك الغورة، وغرابة، والحبل، فمن حاجك فإلى " الغورة قرية الغرابات تلت قارات.
قال: ثم وفد بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وسلم على أبى بكر فأقطعه الخضرمة.
ثم قدم على عمر فأقطعه الريا.
ثم قدم على عثمان فأقطعه قطيعة - قال الحارث: - لا أحفظ اسمها.(1/111)
275 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو أيوب الدمشقي عن سعدان بن يحيى عن صدقة بن أبى عمران عن أبى اسحاق الهمداني، عن عدى بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع فرات بن حيان العجلى أرضا باليمامة.
276 - حدثنى محمد بن ثمال اليمامى عن أشياخهم قال: سميت الحديقة حديقة الموت لكثرة من قتل بها.
قال: وقد بنى اسحاق بن أبى خميصة، مولى قيس، فيها أيام المأمون مسجدا جامعا، وكانت الحديقة تسمى أباض.
وقال محمد بن ثمال: قصر الورد نسب إلى الورد بن السمين بن عبيد الحنفي.
وقال غيره: سمى الحصن معتقا (ص 93) لحصانته.
يريدون أن من لجأ إليه عتق من عدوه.
وقال: الريا عين منها شرب الصعفوقة، وهى ضيعة نسبت إلى وكيل كان عليها يقال له صعفوق، وشرب الخييبة والخضرمة منها.(1/112)
خبر ردة العرب في خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه 277 - قالوا: لما استخلف أبو بكر رحمه الله ارتدت طوائف من العرب ومنعت الصدقة.
وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولا نؤدى الزكاة.
فقال أبو بكر رضى الله عنه: لو منعوني عقالا لقاتلتهم.
وبعض الرواة يقول: لو منعوني عناقا والعقل صدقة السنة.
278 - وحدثني عبد الله بن صالح العجلى عن يحيى بن آدم عن عوانة بن الحكم عن جرير بن يزيد، عن الشعبى قال قال عبد الله بن مسعود: لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم مقاما كدنا نهلك فيه، لولا أن الله من علينا بأبى بكر.
اجتمع رأينا جميعا على أن لا نقاتل على بنت مخاض وابن لبون، وأن نأكل قرى عربية، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين.
وعزم الله لابي بكر رضى الله عنه على قتالهم، فوالله ما رضى منهم الا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية.
فأما الخطة المخزية فأن أقروا بأن من قتل منهم في النار، وأن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا.
وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم.
279 - حدثنا ابراهيم بن محمد عن عرعرة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى قال: أخبرنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قدم وفد بزاخة (ص 94) على أبى بكر فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية.
فقالوا: قد عرفنا الحرب المجلية، فما السلم(1/113)
المخزية ؟ قال: أن ننزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم، وتردوا إلينا ما أصبتم منا، وتدوا قتلانا، ويكون قتلاكم في النار.
280 - حدثنا شجاع بن مخلد الفلاس قال: حدثنا بشر بن المفضل مولى بنى رقاش قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشون عن عبد الواحد عن القاسم بن محمد ابن أبى بكر، عن عمته عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أنها قالت: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل بأبى ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها.
اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في واحدة إلا طار بحظها وغنائها عن الاسلام.
281 - قالوا: فخرج أبو بكر رضى الله عنه إلى القصة من أرض محارب لتوجيه الزحوف إلى أهل الردة، ومعه المسلمون.
فصار إليهم خارجة بن حصن
ابن حذيفة بن بدر الفزارى ومنظور بن زبان بن سيار الفزارى أحد بنى العشراء في غطفان، فقاتلوهم قتالا شديدا.
فانهزم المشركون، واتبعهم طلحة بن عبيد الله التيمى فلحقهم بأسفل ثنايا عوسجة، فقتل منهم رجلا، وفاته الباقون فأعجزوه هربا، فجعل خارجة بن حصن يقول: ويل للعرب من ابن أبى قحافة.
ثم عقد أبو بكر وهو بالقصة لخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى على الناس، وجعل على الانصار ثابت بن قيس بن شماس الانصاري، وهو أحد من استشهد يوم اليمامة، إلا أنه كان من تحت يد خالد، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة بن خويلد الاسدي، وكان قد ادعى النبوة، وهو يومئذ ببزاخة، وبزاخة ماء لبنى أسد ابن خزيمة.
فسار إليه خالد وقدم أمامه عكاشة بن (ص 95) محصن الاسدي حليف بنى عبد شمس، وثابت بن أقرم البلوى حليف الانصار.
فلقيهما حبال(1/114)
ابن خويلد فقتلاه، وخرج طليحة وسلمة أخوه، وقد بلغهما الخبر، فلقيا عكاشة وثابتا فقتلاهما.
فقال طليحة: ذكرت أخى لما عرفت وجوههم * وأيقنت أنى ثائر بحبال عشية غادرت ابن أقرم ثاويا * وعكاشة الغنمى عند مجال ثم التقى المسلمون وعدوهم، واقتتلوا قتالا شديدا، وكان عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر مع طليحة في سبع مئة من بنى فزارة.
فلما رأى سيوف المسلمين قد استلحمت المشركين، أتاه فقال له: أما ترى ما يصنع جيش أبى الفصيل ؟ فهل جاءك جبريل بشئ ؟ قال: نعم.
جاءني فقال: إن لك رحا كرحاه ويوما لا تنساه.
فقال عيينة: أرى أن لك يوما لا تنساه.
يا بنى فزارة ! هذا كذاب.
وولى عن عسكره فانهزم الناس، وظهر المسلمون، وأسر عيينة ابن حصن.
فقدم به المدينة فحقن أبو بكر دمه، وخلى سبيله.
وهرب طليحة
ابن خويلد فدخل خباء له فاغتسل، وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة، ثم مضى إلى مكة، ثم أتى المدينة مسلما.
وقيل بل أتى الشام، فأخذه المسلمون ممن كان غازيا وبعثوا به إلى أبى بكر بالمدينة فأسلم، وأبلى بعد في فتح العراق ونهاوند.
وقال له عمر: أقتلت العبد الصالح عكاشة بن محصن ؟ فقال: إن عكاشة ابن محصن سعد بى وشقيت به، وأنا استغفر الله.
282 - وأخبرني داود بن حبال الاسدي، عن أشياخ من قومه (ص 96) أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لطليحة: أنت الكاذب على الله حين زعمت أنه أنزل عليك أن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا.
فاذكروا الله أعفة قياما، فإن الرغوة فوق(1/115)
الصريح.
فقال: يا أمير المؤمنين ! ذلك من فتن الكفر الذى هدمه الاسلام كله، فلا تعنيف على ببعضه.
فأسكت عمر.
283 - قالوا: وأتى خالد بن الوليد رمان وأبانين، وهناك فل بزاخة، فلم يقاتلوه، وبايعوه لابي بكر.
وبعث خالد بن الوليد هشام بن العاصى بن وائل السهمى أخا عمرو بن العاصى، وكان قديم الاسلام وهو من مهاجرة الحبشة، إلى بنى عامر بن صعصعة، فلم يقاتلوه وأظهروا الاسلام والاذان، فانصرف عنهم.
وكان قرة بن هبيرة القشيرى امتنع من أدآء الصدقة، وأمد طليحة، فأخذه هشام بن العاصى وأتى به خالدا، فحمله إلى أبى بكر فقال: والله ما كفرت مذ آمنت، ولقد مر بى عمرو بن العاصى منصرفا من عمان فأكرمته وبررته.
فسأل أبو بكر عمرا رضى الله عنهما عن ذلك فصدقه.
فحقن أبو بكر دمه.
ويقال: إن خالدا كان سار إلى بلاد بنى عامر فأخذ قرة وبعث به إلى أبى بكر.
284 - قال: ثم سار خالد بن الوليد إلى الغمر، وهناك جماعة من بنى
أسد وغطفان وغيرهم، وعليهم خارجة بن حصن بن حذيفة.
ويقال إنهم كانوا متسايدين، قد جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم، قاتلوا خالدا والمسلمين، فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون.
وفى يوم الغمر يقول الحطيئة العبسى: ألا كل أرماح قصار أذلة * فداء لا رماح الفوارس بالغمر ثم أتي خالد جو قراقر، ويقال أتي النقرة، وكان هناك جمع لبنى سليم، (ص 97) عليهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزى السلمى وأمه الخنساء، فقاتلوه.
فاستشهد رجل من المسلمين، ثم فض الله جمع المشركين.
وجعل خالد يومئذ يحرق المرتدين.
فقيل لابي بكر في ذلك.
فقال: لا أشيم سيفا سله الله(1/116)
على الكفار.
وأسلم أبو شجرة فقدم على عمر وهو يعطى المساكين فاستعطاه، فقال له: ألست القائل: ورويت رمحي من كتيبة خالد * وإنى لارجو بعدها أن أعمرا وعلاه بالدرة.
فقال: قد محا الاسلام ذلك يا أمير المؤمنين.
285 - قالوا: وأتى الفجاءة، وهو بجير بن إياس بن عبد الله السلمى، أبا بكر فقال: احملني وقونى أقاتل المرتدين.
فحمله وأعطاه سلاحا.
فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعا.
فكتب أبو بكر إلى طريفة بن حاجزة أخى معن بن حاجزة يأمره بقتاله.
فقاتله وأسره ابن حاجزة.
فبعث به إلى أبى بكر، فأمر أبو بكر بإحراقه في ناحية المصلى.
ويقال: إن أبا بكر كتب إلى معن في أمر الفجاءة، فوجه معن إليه طريفة أخاه فأسره.
ثم سار خالد إلى من بالبطاح والبعوضة من بنى تميم فقاتلوه، ففض جمعهم وقتل مالك بن نويرة أخا متمم بن نويرة.
وكان مالك عاملا للنبى صلى الله عليه وسلم على صدقات بنى حنظلة.
فلما قبض صلى الله عليه وسلم خلى ما كان في يده
من الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم يا بنى حنظلة.
وقد قيل إن خالدا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدا، ولكنه بث السرايا في بنى تميم، وكان منها سرية عليها ضرار بن الازور الاسدي، فلقى ضرار مالكا فاقتتلوا وأسره وجماعة معه، فأتى بهم فضربت أعناقهم، وتولى ضرار ضرب عنق مالك.
ويقال إن مالكا قال لخالد: إنى والله ما ارتددت.
وشهد أبو قتادة الانصاري أن بنى حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا.
(ص 98) فقال عمر بن الخطاب لابي بكر رضى الله عنهما: بعثت رجلا يقتل المسلمين ويعذب بالنار.(1/117)
وقد روى أن متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له: ما بلغ من وجدك على أخيك مالك ؟ قال: بكيته حولا حتى أسعدت عينى الذاهبة عينى الصحيحة، وما رأيت نارا إلا كدت أنقطع لها أسفا عليه، لانه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف فلا يعرف مكانه.
قال: فصفه لى.
قال: كان يركب الفرس الجرور، ويقود الجمل الثفال، وهو بين المزادتين النضوحين في الليلة القرة، وعليه شملة فلوت، معتقلا رمحا خطلا، فيسرى ليلته ثم يصبح، وكان وجهه فلقة قمر.
قال: فأنشدني بعض ما قلت فيه.
فأنشده مرثيته التى يقول فيها: وكنا كندمانى جذيمة حقبة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فقال عمر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخى زيدا.
فقال: متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين ! لو كان أخى صرع مصرع أخيك ما بكيته.
فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتنى.
286 - قالوا: وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة ابن الغنيز بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ويقال هي سجاح
بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة، وتكهنت.
فاتبعها قوم من بنى تميم وقوم من أخوالها بنى تغلب.
ثم إنها سجعت ذات يوم فقالت: إن رب السحاب، يأمركم أن تغزوا الرباب.
فغزتهم فهزموها، ولم يقاتلها أحد غيرهم، فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجر فتزوجته، وجعلت دينها ودينه واحدا.
فلما (ص 99) قتل صارت إلى إخوانها فماتت عندهم.
وقال ابن الكلبى: أسلمت سجاح وهاجرت إلى البصرة وحسن إسلامها.(1/118)
وقال عبد الاعلى بن حماد النرسى: سمعت مشايخ من البصريين يقولون: إن سمرة بن جندب الفزارى صلى عليها وهو يلى البصرة من قبل معاوية، قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة.
وقال ابن الكلبى: كان مؤذين سجاح الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط الرياحي، وقوم يقولون: إن شبث بن ربعى الرياحي كان يؤذن لها.
287 - قالوا: وارتدت خولان باليمن، فوجه أبو بكر إليهم يعلى بن منية وهى أمه، وهى من بنى مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر، وأبوه أمية بن أبى عبيدة، من ولد مالك بن حنظلة بن مالك، حليف بنى نوفل بن عبد مناف، فظفر بهم وأصاب منهم غنيمة وسبايا.
ويقال لم يلق حربا فرجع القوم إلى الاسلام.(1/119)
ردة بنى وليعة والاشعث بن قيس بن معدى كرب ابن معاوية الكندى 288 - قالوا: ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضى من الانصار حضرموت، ثم ضم إليه كندة.
ويقال إن الذى ضم إليه كندة
أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
وكان زياد بن لبيد رجلا حازما صليبا، فأخذ في الصدقة من بعض كندة قلوصا، فسأله الكندى ردها عليه وأخذ غيرها.
وكان قد وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك، وكلمه الاشعث بن قيس فيه فلم يجبه، وقال: لست براد شيئا قد وقع الميسم عليه.
فانتقضت عليه كندة كلها، إلا السكون فإنهم كانوا معه، فقال شاعرهم: (ص 100).
ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا * شقاء وشايعنا ابن أم زياد ولم نبغ عن حق الباضى مزحلا * وكان تقى الرحمن أفضل زاد وجمع له بنو عمرو بن معاوية بن الحارث الكندى، فبيتهم فيمن معه من المسلمين فقتل منهم بشرا فيهم مخوس ومشرح وحمد وأبضعة بنو معدى كرب ابن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد، والقرد الجواد في كلامهم، ابن الحارث بن الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث.
وكانت لهؤلاء الاخوة أودية يملكونها، فسموا الملوك الاربعة.
وكانوا وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا، وقتلت أخت لهم يقال لها العمردة، وقاتلها يحسبها رجلا.
ثم إن زيادا أقبل بالسبي والاموال فمر على الاشعث بن قيس وقومه، فصرخ النساء والصبيان وبكوا، فحمى الاشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض(1/120)
لزياد ومن معه.
فأصيب ناس من المسلمين، ثم هزموهم.
فاجتمعت عظماء كندة إلى الاشعث بن قيس.
فلما رأى زياد ذلك كتب إلى أبى بكر يستمده، وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبى أمية يأمره بإنجاده.
فلقيا الاشعث بن قيس فيمن معهما من المسلمين، ففضا جمعه وأوقعها بأصحابه، فقتلا منهم مقتلة عظيمة.
ثم إنهم لجأوا إلى النجير، وهو حصن لهم، فحصرهم المسلمون حتى جهدوا.
فطلب الاشعث الامان لعدة منهم وأخرج نفسه من العدة.
وذلك إن الجفشيش الكندى -
واسمه معدان بن الاسود بن معدى كرب - أخذ بحقوه وقال: أجعلني من العدة.
فأدخله وأخرج نفسه.
ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فبعثا به إلى أبى بكر الصديق، فمن عليه وزوجه أخته أم فروة بنت أبى قحافة.
فولدت له محمدا واسحاق وقريبة (ص 101) وحبابة وجعدة.
وبعضهم يقول: زوجه أخته قريبة.
ولما تزوجها أتى السوق فلم ير بها جزورا إلا كسف عرقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس.
وأقام بالمدينة، ثم سار إلى الشام والعراق غازيا، ومات بالكوفة وصلى عليه الحسن بن على بن أبى طالب بعد صلحه معاوية.
وكان الاشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار.
286 - وقال بعض الرواة: ارتد بنو وليعة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما بلغت زياد بن لبيد وفاته صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى بيعة أبى بكر، فبايعوه خلا بنى وليعة، فبيتهم وقتلهم.
وارتد الاشعث وتحصن في النجير، فحاصره يزاد بن لبيد والمهاجر، اجتمعا عليه وأمدهما أبو بكر رضى الله عنه بعكرمة بن أبى جهل بعد انصرافه من عمان.
فقدم عليهما وقد فتح النجير.
فسأل أبو بكر المسلمين أن يشركوه في الغنيمة ففعلوا.(1/121)
290 - قالوا: وكان بالنجير نسوة شمتن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكتب أبو بكر رضى الله عنه في قطع أيديهن وأرجلهن، منهن الثبجاء الحضرمية، وهند بنت يامين اليهودية.
291 - وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنى عبد الرزاق بن همام اليماني، عن مشايخ حدثوه من أهل اليمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى خالد بن سعيد بن العاصى صنعاء، فأخرجه العنسى الكذاب عنها، وأنه ولى المهاجر بن أبى أمية على كندة، وزياد بن لبيد الانصاري على حضرموت
والصدف - وهم ولد مالك بن مرتع بن معاوية بن كندة - وإنما سمى صدفا لان مرتعا تزوج حضرمية وشرط لها أن تكون عنده، فإذا ولدت ولدا لم يخرجها من دار قومها.
فولدت له مالكا.
فقضى الحاكم عليه بأن يخرجها إلى أهلها.
فلما خرج مالك عنه معها قال: صدف عنى مالك.
فسمى الصدف.
وقال عبد الرزاق: (ص 102) فأخبرني مشايخ من أهل اليمن قالوا: كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد والمهاجر بن أبى أمية المخزومى، وهو يومئذ على كندة، يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدا وأمرهما واحدا، فيأخذا له البيعة ويقاتلا من امتنع من أدآء الصدقة.
وأن يستعينا بالمؤمنين على الكافرين وبالمطيعين على المعاصين والمخالفين.
فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة من الابل، فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبى زياد إلا أخذها وقال: ما كنت لاردها بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة.
فجمع بنو عمرو بن معاوية جمعا.
فقال زياد بن لبيد للمهاجر: قد ترى هذا الجمع، وليس الرأى أن نزول جميعا عن مكاننا، ولكن أنفصل عن العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للامر وأستر.
ثم أبيت هؤلاء الكفرة.
وكان زياد حازما صليبا.
فصار إلى بنى عمرو(1/122)
وألفاهم في الليل فبيتهم فأتى على أكثرهم، وجعل بعضهم يقتل بعضا.
ثم اجتمع والمهاجر ومعهما السبى والاسارى، فعرض لهما الاشعث بن قيس ووجوه كندة فقاتلاهم قتالا شديدا.
ثم إن الكنديين تحصنوا بالنجير، فحاصراهم حتى جهدهم الحصار، وأضربهم.
ونزل الاشعث على الحكم.
292 - قالوا: وكانت حضرموت أتت كندة منجدة لها، فواقعهم زياد والمهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان، فوجه إليهم أبو بكر يعلى بن منية فقاتلهم حتى اذعنوا وأقروا بالصدقة، ثم أتى المهاجر كتاب أبى بكر بتوليته صنعاء ومخاليفها،
وجمع عمله لزياد إلى ما كان في يده.
فكانت اليمن بين ثلاثة: المهاجر وزياد ويعلى.
وولى أبو سفيان بن حرب ما بين آخر حد الحجاز وآخر حد نجران.
293 - وحدثني أبو التمار قال: حدثنى شريك قال: أنبأنا ابراهيم بن مهاجر، عن ابراهيم النخعي قال: ارتد الاشعث بن قيس الكندى في ناس من (ص 103) كندة فحوصروا، فأخذ الامان لسبعين منهم ولم يأخذه لنفسه، فأتى به أبو بكر فقال: إنا قاتلوك، لانه لا أمان لك إذ أخرجت نفسك من العدة.
فقال: بل تمن على يا خليفة رسول الله وتزوجني.
ففعل وزوجه أخته.
294 - وحدثني القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ابن سعد عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف، عن أبى بكر الصديق أنه قال: ثلاث تركتهن ووددت أنى لم أفعل.
وددت أنى يوم أتيت بالاشعث بن قيس ضربت عنقه، فإنه تخيل إلى أنه لا يرى شرا إلا سعى فيه وأعان عليه.
وودت أنى يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه.
ووددت أنى حين وجهت خالدا إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يمينى وشمالي جميعا في سبيل الله.(1/123)
295 - أخبرني عبد الله بن صالح العجلى عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن فراس أو بنان، عن الشعبى أن أبا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربع مئة درهم، وأن الاشعث بن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثم رده لهم.
وقال الاشعث بن قيس يرثى بشر بن الاودح، وكان ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، ويزيد بن أماناة، ومن قتل يوم النجير: لعمري وما عمرى على بهين * لقد كنت بالقتلى أحق ضنين
فلا غرو ألا يوم يقسم سبيهم * وما الدهر عند بعدهم بأمين وكنت كذات البو ريعت فأقبلت * على بوها إذ طربت بحنين عن ابن أماناة الكريم وبعده * بشير الندى فليجر دمع عيون (ص 104)(1/124)
أمر الاسود العنسى ومن ارتد معه باليمن 296 - قالوا: كان الاسود بن كعب بن عوف العنسى قد تكهن وادعى النبوة فاتبعه عنس، واسم عنس زيد بن مالك بن أدد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وعنس أخو مراد بن مالك وخالد ابن مالك وسعد العشيرة بن مالك.
واتبعه أيضا قوم من غير عنس، وسمى نفسه رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة.
وكان له حمار معلم يقول له: اسجد لربك.
فيسجد، ويقول له: ابرك، فيبرك.
فسمى ذا الحمار.
وقال بعضهم: هو ذوالحمار لانه كان متخمرا معتما أبدا.
297 - وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كان أسود الوجه، فسمى الاسود للونه وأن اسمه عيهلة.
298 - قالوا: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلى في السنة التى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وفيها كان إسلام جرير، إلى الاسود يدعوه إلى الاسلام فلم يجبه، وبعض الرواة ينكر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جريرا إلى اليمن.
299 - قالوا: وأتى الاسود صنعاء فغلب عليها وأخرج خالد بن سعيد بن العاصى عنها، ويقال أنه إنما أخرج المهاجر بن أبى أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد البياضى، وكان عنده، حتى أتاه كتاب أبى بكر يأمره بمعاونة زياد فلما فرغ
من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها.
وكان الاسود متجبرا، فاستذل الابناء وهم أولاد(1/125)
أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع ابن ذى يزن وعليهم وهرز، واستخدمهم فأضر بهم، وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم، وعامل أبرويز عليهم.
فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن هبيرة المكشوح المرادى لقتاله.
وإنما سمى المكشوح لانه كوى على كشحه من داء كان به، وأمره باستمالة (ص 105) الابناء.
وبعث معه فروة بن مسيك المرادى.
فلما صار إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظهر قيس للاسود أنه على رأيه حتى خلى بينه وبين دخول صنعاء، فدخلها في جماعة من مذحج وهمدان وغيرهم.
ثم استمال فيروز بن الديلمى أحد الابناء.
وكان فيروز قد أسلم.
ثم أتيا باذام رأس الابناء، ويقال إن باذام قد كان مات ورأس الابناء بعده خليفة له يسمى داذويه، وذلك أثبت.
فأسلم داذويه.
ولقى قيس باب بن ذى الجرة الحميرى فاستماله، وبث داذويه دعاته في الابناء فأسلموا، فتطابق هؤلاء جميعا على قتل الاسود واغتياله، ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذى هم عليه.
وكانت شانئة له.
فدلتهم على جدول يدخل إليه منه.
فدخلوا سحرا، ويقال بل نقبوا جدار بيته بالخل نقبا، ثم دخلوا عليه في السحر، وهو سكران نائم، فذبحه قيس ذبحا.
فجعل يخور خوار الثور حتى أفزع ذلك حرسه فقالوا: ما شأن رحمان اليمن ؟ فبدرت امرأته فقالت: إن الوحى ينزل عليه.
فسكنوا وأمسكوا.
واحتز قيس رأسه ثم علا سور المدينة حين أصبح فقال: الله أكبر ! الله أكبر !.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأن الاسود كذا عدو الله.
فاجتمع أصحاب الاسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا، وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب العنسى السيف، فلم ينج إلا من
أسلم منهم.
وذكر بعض الرواة أن الذى قتل الاسود العنسى فيروز بن الديلمى، وأن قيسا أجاز عليه واحتز رأسه.(1/126)
وذكر بعض أهل العلم أن قتل الاسود كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام.
فقال في مرضه: قد قتل الله الاسود العنسى.
قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمى، وأن الفتح ورد على أبى بكر بعد ما (ص 106) استخلف بعشر ليال.
300 - وأخبرني بكر بن الهيثم قال: حدثنى ابن أنس اليماني عمن أخبره، عن النعمان بن برزج أحد الابناء أن عامل النبي صلى الله عليه وسلم الذى أخرجه الاسود عن صنعاء أبان بن سعيد بن العاصى، وأن الذى قتل الاسود العنسى فيروز بن الديلمى، وأن قيسا وفيروز ادعيا قتله وهما بالمدينة.
فقال عمر: قتله هذا الاسد يعنى فيروز.
301 - قالوا: ثم إن قيسا اتهم بقتل داذويه، وبلغ أبا بكر أنه على إجلاء الابناء عن صنعاء، فأغضبه ذلك، وكتب إلى المهاجر بن أبى أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله.
فلما قدم به عليه أحلفه خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما قتل داذويه فحلف، فخلى سبيله ووجهه إلى الشام مع من انتدب لغزو الروم من المسلمين.(1/127)
فتوح الشام 302 - قالوا: لما فرغ أبو بكر رضى الله عنه من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إلى الشام.
فكتب إلى أهل مكة والطائف واليمن، وجميع
العرب بنجد والحجاز، يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفى غنائم الروم.
فسارع الناس إليه من بين محتسب وطامع، وأتوا المدينة من كل أوب.
فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال: خالد بن سعيد بن العاصى بن أمية وشرحبيل بن حسنة حليف بنى جمح، - وشرحبيل فيما ذكر الواقدي ابن عبد الله بن المطاع الكندى، وحسنة أمه، وهى مولاة معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وقال الكلبى: هو شرحبيل بن ربيعة بن الطاع من ولد صوفة، وهم الغوث بن مر ابن أد بن طابخة - وعمرو بن العاص بن وائل السهمى (ص 107).
وكان عقده هذه الالوية يوم الخميس لمستهل صفر سنة ثلاث عشرة، وذلك بعد مقام الجيوش معسكرين بالجرف المحرم كله وأبو عبيدة بن الجراح يصلى بهم، وكان أبو بكر أراد أبا عبيدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك.
وقد روى قوم أنه عقد له وليس ذلك بثبت، ولكن عمر ولاه الشام كله حين استخلف.
303 - وذكر أبو مخنف أن أبا بكر قال للامراء: إن اجتمعتم على قتال فأميركم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهرى، وإلا فيزيد بن أبى سفيان.
وذكر أن عمرو بن العاصى إنما كان مددا للمسلمين وأميرا على من ضم إليه.
قال: ولما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر ذلك.
فكلم أبا بكر في عزله، وقال: إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب.
فعزله أبو بكر ووجه أبا أروى الدوسى لاخذ لوائه، فلقيه بذى المروة فأخذ اللواء منه، وورد(1/128)
به على أبى بكر، فدفعه أبو بكر رضى الله عنه إلى يزيد بن أبى سفيان.
فسار به ومعاوية أخوه يحمله بين يديه.
ويقال بل سلم إليه اللواء بذى المروة، فمضى على جيش خالد، وسار خالد بن سعيد محتسبا في جيش شرحبيل.
وأمر أبو بكر رضى الله عنه عمرو بن العاصى أن يسلك طريق أيلة عامدا
لفلسطين، وأمر يزيد أن يسلك طريق تبوك، وكتب إلى شرحبيل أن يسلك أيضا طريق تبوك.
وكان العقد لكل أمير في بدء الامر على ثلاثة آلاف رجل، فلم يزل أبو بكر يتبعهم الامداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمس مئة، ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفا.
304 - وروى عن الواقدي أن أبا بكر ولى عمرا فلسطين، وشرحبيل الاردن، ويزيد دمشق، وقال: إذا كان بكم قتال فأميركم الذى تكونون في عمله.
وروى أيضا أنه أمر عمرا مشافهة أن يصلى بالناس إذا اجتمعوا، وإذا (ص 108) تفرقوا صلى كل أمير بأصحابه.
وأمر الامراء أن يعقدوا لكل قبيلة لواء يكون فيهم.
305 - قالوا: فلما صار عمرو بن العاصى إلى أول عمل فلسطين كتب إلى أبى بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم.
فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى وهو بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام.
فيقال إنه جعله أميرا على الامراء في الحرب.
وقال قوم: كان خالد أميرا على أصحابه الذين شخصوا معه، وكان المسلمون إذا اجتمعوا لحرب أمره الامراء فيها لبأسه وكيده ويمن نقيبته.(1/129)
306 - قالوا: فأول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم بقرية من قرى غزة يقال لها دائن، كانت بينهم وبين بطريق غزة.
فاقتتلوا فيها قتالا شديدا.
ثم إن الله تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم، وذلك قبل قدوم خالد بن الوليد الشام.
وتوجه يزيد بن أبى سفيان في طلب ذلك البطريق.
فبلغه أن بالعربة من أرض فلسطين جمعا للروم، فوجه إليهم أبا أمامة الصدى
ابن عجلان الباهلى فأوقع بهم وقتل عظيمهم ثم انصرف.
307 - وروى أبو مخنف في يوم العربة أن ستة قواد من قواد الروم نزلوا العربة في ثلاثة آلاف، فسار إليهم أبو أمامة في كثف من المسلمين، فهزمهم وقتل أحد القواد، ثم اتبعهم فصاروا إلى الدبية، وهى الدابية، فهزمهم وغنم المسلمون غنما حسنا.
308 - وحدثني أبو حفص الشامي، عن مشايخ من أهل الشام قالوا: كانت أول وقائع المسلمين وقعة العربة، ولم يقاتلوا قبل ذلك مذ فصلوا من الحجاز.
ولم يمروا بشئ من الارض فيما بين الحجاز وموضع هذه الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب وصار في أيديهم.
(ص 109).(1/130)
ذكر شخوص خالد بن الوليد إلى الشام وما فتح في طريقه 309 - قالوا: لما أتى خالد بن الوليد كتاب أبى بكر وهو بالحيرة خلف المثنى بن حارثة الشيباني على ناحية الكوفة وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمان مئة ويقال في ست مئة ويقال في خمس مئة.
فأتى عين التمر.
ففتحها عنوة.
ويقال إن كتاب أبى بكر وافاه وهو بعين التمر وقد فتحها، فسار خالد من عين التمر فأتى صندودآء وبها قوم من كندة وإياد والعجم، فقاتله أهلها فظفر، وخلف بها سعد بن حرام الانصاري، فولده اليوم بها.
وبلغ خالدا أن جمعا لبنى تغلب بن وائل بالمضبح والحصيد مرتدين، عليهم ربيعة بن بجير.
فأتاهم، فقاتلوه فهزمهم وسبى وغنم، وبعث بالسبي إلى أبى بكر.
فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهى أم عمر بن أبى طالب.
ثم أغار خالد على قراقر، وهو ماء لكلب، ثم فوز منه إلى سوى، وهو ماء لكلب
أيضا، ومعهم فيه قوم من بهراء.
فقتل حرقوص بن النعمان البهرانى من قضاعة واكتسح أموالهم.
وكان خالد لما ركب المفازة عمد إلى الرواحل فأرواها من الماء، ثم قطع مشافرها وأجرها لئلا تجتر فتعطش، ثم استكثر من الماء وحمله معه، فنفد في طريقه، فجعل ينحر تلك الرواحل راحلة راحلة ويشرب وأصحابه الماء من أكراشها.
وكان له دليل يقال له رافع بن عمير الطائى ففيه يقول الشاعر: (ص 110).
لله در نافع أنى اهتدى * فوز من قراقر إلى سوى ماء إذا ما رامه الجبس انثنى * ما جازها قبلك من إنس يرى(1/131)
وكان المسلمون لما انتهوا إلى سوى وجدوا حرقوصا وجماعة معه يشربون ويتغنون، وحرقوص يقول: ألا عللاني قبل جيش أبى بكر * لعل منايانا قريب ولا ندرى فلما قتله المسلمون جعل دمه يسيل في الجفنة التى كان فيها شرابه.
ويقال إن رأسه سقط فيها أيضا.
وقال بعض الرواة: إن المغنى بهذا البيت رجل ممن كان أغار خالد عليه من بنى تغلب مع ربيعة بن بجير.
310 - وقال الواقدي: خرج خالد من سوى إلى الكواثل، ثم أتى قرقيسيا، فخرج إليه صاحبها في خلق، فتركه وانحاز إلى البر ومضى لوجهه، وأتى خالد أركة، وهى أرك، فأغار على أهلها وحاصرهم، ففتحها صلحا على شئ أخذه منهم للمسلمين.
وأتى دومة الجندل ففتحها.
ثم أتى قصم فصالحه بنو مشجعة ابن التيم بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكتب لهم أمانا.
ثم أتى تدمر فامتنع أهلها وتحصنوا، ثم طلبوا الامان فأمنهم على أن يكونوا ذمة، وعلى أن قروا المسلمين ورضخوا (ص 111) لهم.
ثم أتي
القريتين فقاتله أهلها، فظفر وغنم.
ثم أتى حوارين من سنير فأغار على مواشي أهلها فقاتلوه، وقد جاءهم مدد أهل بعلبك وأهل بصرى، وهى مدينة حوران، فظفر بهم فسبى وقتل.
ثم أتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم، وهم نصارى، فسبى وقتل.
ووجه خالد بسر بن أبى أرطاة العامري من قريش وحبيب بن مسلمة الفهرى إلى غوطة دمشق، فأغارا على قرى من قراها.
وصار خالد إلى الثنية التى تعرف بثنية العقاب بدمشق.
فوقف عليها ساعة ناشرا رايته، وهى راية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، فسميت ثنية(1/132)
العقاب يومئذ.
والعرب تسمى الراية عقابا، وقوم يقولون: إنها سميت بعقاب من الطير كانت ساقطة عليها.
والخبر الاول أصح.
وسمعت من يقول: كان هناك مثال عقاب من حجارة، وليس ذلك بشئ.
311 - قالوا: ونزل خالد بالباب الشرقي من دمشق، ويقال بل نزل بباب الجابية، فأخرج إليه أسقف دمشق نزلا وخدمة فقال: احفظ لى هذا العهد.
فوعده بذلك.
ثم سار خالد حتى انتهى إلى المسلمين وهم بقناة بصرى.
ويقال إنه أتى الجابية وبها أبو عبيدة في جماعة من المسلمين فالنقيا ومضيا جميعا إلى بصرى.(1/133)
فتح بصرى 312 - قالوا: لما قدم خالد بن الوليد على المسلمين بصرى اجتمعوا عليها (ص 112) وأمروا خالدا في حربها، ثم ألصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى ألجأوه وكماة أصحابه إليها.
ويقال بل كان يزيد بن أبى سفيان المتقلد لامر الحرب لان ولايتها وإمرتها كانت إليه لانها من دمشق.
ثم إن أهلها صالحوا على أن
يؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأولادهم على أن يؤدوا الجزية.
313 - وذكر بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا على أن يؤدوا عن كل حالم دينارا وجريب حنطة.
وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران وغلبوا عليها.
قال: وتوجه أبو عبيدة بن الجراح في جماعة من المسلمين كثيفة من أصحاب الامراء ضموا إليه، فأتى مآب من أرض البلقاء وبها جمع العدو، فافتتحها صلحا على مثل صلح بصرى.
وقال بعضهم: إن فتح مآب قبل فتح بصرى.
وقال بعضهم: إن أبا عبيدة فتح مآب وهو أمير على جميع الشام أيام عمر.(1/134)
يوم أجنادين ويقال أجنادين 314 - ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرب هرقل أكثرهم، وتجمع باقوهم من النواحى، وهرقل يومئذ مقيم بحمص.
فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا، وأبلى خالد بن الوليد يومئذ بلاء حسنا، ثم إن الله هزم أعداءه ومزقهم كل ممزق، وقتل منهم خلق كثير.
واستشهد يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، وعمرو بن سعيد بن العاصى بن أمية، وأخوه أبان بن سعيد، وذلك الثبت، ويقال بل توفى أبان في سنة تسع وعشرين.
وطليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصى، بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه، ثم غشيه (ص 113) الروم فقتلوه.
وأمه أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكنى أبا عدى.
وسلمة بن هشام بن المغيرة، ويقال إنه قتل بمرج الصفر.
وعكرمة بن أبى جهل
ابن هشام المخزومى.
وهبار بن سفيان بن عبد الاسد المخزومى، ويقال بل قتل يوم مؤتة.
ونعيم بن عبد الله النحام العدوى، ويقال قتل يوم اليرموك.
وهشام بن العاصى بن وائل السهمى، ويقال قتل يوم اليرموك.
وعمر بن الطفيل ابن عمرو الدوسى، ويقال قتل يوم اليرموك.
وجندب بن عمرو الدوسى.
وسعيد بن الحارث.
والحارث بن الحارث.
والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدى السهمى.
315 - وقال هشام بن محمد الكلبى: قتل النحام يوم مؤتة، وقتل سعيد بن الحارث بن قيس يوم اليرموك، وقتل تميم بن الحارث يوم أجنادين،(1/135)
وقتل عبيد الله بن عبد الاسد أخوه يوم اليرموك.
قال: وقتل الحارث بن هشام ابن المغيرة يوم أجنادين.
316 - قالوا: ولما انتهى خبر هذه الوقعة إلى هرقل نخب قلبه وسقط في يده وملئ رعبا، فهرب من حمص إلى أنطاكية.
وقد ذكر بعضهم أن هربه من حمص إلى أنطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام.
وكانت وقعة أجنادين يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة بقيت من جمادى الاولى، سنة ثلاث عشرة، ويقال لليلتين خلتا من جمادى الآخرة، ويقال لليلتين بقيتا منه.
317 - قالوا: ثم جمعت الروم جمعا بالياقوصة، والياقوصة واد فمه الفوارة، فلقيهم المسلمون هناك، فكشفوهم وهزموهم، وقتلوا كثيرا منهم، ولحق فلهم بمدن الشام.
وتوفى أبو بكر رضى الله عنه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فأتى المسلمين نعيه وهم بالياقوصة (ص 114).(1/136)
يوم فحل من الاردن
318 - قالوا: وكانت وقعة فحل من الاردن لليلتين بقيتا من ذى القعدة، بعد خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بخمسة أشهر، وأمير الناس أبو عبيدة ابن الجراح.
وكان عمر قد كتب إليه بولايته الشام وإمرة الامراء مع عامر بن أبى وقاص أخى سعد بن أبى وقاص.
319 - وقوم يقولون: إن ولاية أبى عبيدة الشام أتته والناس محاصرون دمشق، فكتمها خالدا أياما، لان خالدا كان أمير الناس في الحرب.
فقال له خالد: ما دعاك رحمك الله إلى ما فعلت ؟ قال: كرهت أن أكسرك وأوهن أمرك وأنت بإزاء عدو.
وكان سبب هذه الوقعة أن هرقل لما صار إلى أنطاكية استنفر الروم وأهل الجزيرة، وبعث رجلا من خاصته وثقاته في نفسه.
فلقوا المسلمين بفحل من الاردن، فقاتلوهم أشد قتال وأبرحه حتى أظهرهم الله عليهم.
وقتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرق الباقون في مدن الشام، ولحق بعضهم بهرقل، وتحصن أهل فحل فحصرهم المسلمون حتى سألوا الامان على أدآء الجزية عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم، فأمنوهم على أنفسهم وأموالهم، وأن لا تهدم حيطانهم.
وتولى عقد ذلك أبو عبيدة بن الجراح، ويقال: تولاه شرحبيل ابن حسنة.(1/137)
أمر الاردن 320 - حدثنى حفص بن عمر العمرى، عن الهيثم بن عدى قال: افتتح شرحبيل (ص 115) بن حسنة الاردن عنوة، ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم.
321 - وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز التنوحى،
عن عدة منهم أبو بشر مؤذن مسجد دمشق أن المسلمين لما قدموا الشام كان كل أمير منهم يقصد لناحية ليغزوها ويبث غاراته فيها.
فكان عمرو ابن العاصى يقصد لفلسطين، وكان شرحبيل يقصد للاردن، وكان يزيد ابن أبى سفيان يقصد لارض دمشق.
وكانوا إذا اجتمع لهم العدو اجتمعوا عليه، وإذا احتاج أحدهم إلى معاضدة صاحبه وإنجاده سارع إلى ذلك.
وكان أميرهم عند الاجتماع في حربهم، أول أيام أبى بكر رضى الله عنه، عمرو بن العاصى، حتى قدم خالد بن الوليد الشام فكان أمير المسلمين في كل حرب.
ثم ولى أبو عبيدة بن الجراح أمر الشام كله وإمرة الامراء في الحرب والسلم من قبل عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، وذلك أنه لما استخلف كتب إلى خالد بعزله وولى أبا عبيدة.
ففتح شرحبيل بن حسنة طبرية صلحا بعد حصار أيام، على أن أمن أهلها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكنائسهم ومنازلهم إلا ما جلوا عنه وخلوه، واستثنى لمسجد المسلمين موضعا.
ثم إنهم نقضوا في خلافة عمر واجتمع إليهم قوم من الروم وغيرهم، فأمر أبو عبيدة عمرو بن العاصى بغزوهم.
فسار إليهم(1/138)
في أربعة آلاف ففتحها على مثل صلح شرحبيل.
ويقال بل فتحها شرحبيل ثانية.
وفتح شرحبيل جميع مدن الاردن وحصونها على هذا الصلح فتحا يسيرا بغير قتال: ففتح بيسان، وفتح سوسية، وفتح أفيق، وجرش، وبيت رأس، وقدس، والجولان، وغلب على سواد الاردن وجميع أرضها.
322 - قال أبو حفص: قال أبو محمد سعيد بن عبد العزيز، وبلغني أن الوضين بن عطاء قال: فتح شرحبيل عكا، وصور، وصفورية.
وقال أبو بشر المؤذن: إن أبا عبيدة وجه (ص 116) عمرو بن العاصى إلى سواحل الاردن فكثر به الروم وجاءهم المدد من ناحية هرقل وهو بالقسطنطينية.
فكتب إلى أبى عبيدة يستمده.
فوجه أبو عبيدة يزيد ابن أبى سفيان.
فسار يزيد وعلى مقدمته معاوية أخوه.
ففتح يزيد وعمرو سواحل الاردن، فكتب أبو عبيدة بفتحها لهما، وكان لمعاوية في ذلك بلاء حسن وأثر جميل.
323 - وحدثني أبو اليسع الانطاكي عن أبيه، عن مشايخ أهل أنطاكية والاردن قالوا: نقل معاوية قوما من فرس بعلبك وحمص وأنطاكية إلى سواحل الاردن: صور وعكا وغيرها سنة اثنتين وأربعين.
ونقل من أساورة البصرة والكوفة وفرس بعلبك وحمص إلى أنطاكية في هذه السنة أو قبلها أو بعدها بسنة جماعة.
فكان من قواد الفرس مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الانطاكي.(1/139)
324 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي، وأخبرني هشام بن الليث الصوري، عن مشايخ من أهل الشام قالوا: رم معاوية عكا عند ركوبه منها إلى قبرص، ورم صور.
ثم إن عبد الملك بن مروان جددهما وقد كانتا خربتا.
325 - وحدثني هشام بن الليث قال: حدثنى أشياخنا قالوا: نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وخلق من الروم.
ثم نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا، وكذلك جميع سواحل الشام.
326 - وحدثني محمد بن سهم الانطاكي، عن مشايخ أدركهم قالوا: لما كانت سنة تسع وأربعين خرجت الروم
إلى السواحل، وكانت الصناعة بمصر فقط.
فأمر معاوية بن أبى سفيان بجمع الصناع النجارين، فجمعوا ورتبهم في السواحل.
وكانت الصناعة في الاردن بعكا.
قال: فذكر أبو الخطاب الازدي أنه كانت لرجل من ولد أبى معيط بعكا أرحاء ومستغلات.
فأراده هشام بن عبد الملك على أن يبيعه إياها، فأبى المعيطى ذلك عليه.
فنقل هشام الصناعة إلى صور، واتخذ بصور (ص 117) فندقا ومستغلا.
وقال الواقدي: لم تزل المراكب بعكا حتى ولى بنو مروان فنقلوها إلى صور، فهى بصور إلى اليوم.
وأمر أمير المؤمنين المتوكل على الله في سنة سبع وأربعين ومائتين بترتيب المراكب بعكا وجميع السواحل وشحنها بالمقاتلة.(1/140)
يوم مرج الصفر 327 - قالوا: ثم اجتمعت الروم جمعا عظيما وأمدهم هرقل بمدد.
فلقيهم المسلمون بمرج الصفر وهم متوجهون إلى دمشق، وذلك لهلال المحرم سنة أربع عشرة.
فاقتتلوا قتالا شديدا حتى جرت الدماء في الماء وطحنت بها الطاحونة، وجرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف.
ثم ولى الكفرة منهزمين مفلولين لا يلوون على شئ، حتى أتوا دمشق وبيت المقدس.
واستشهد يومئذ خالد ابن سعيد بن العاصى بن أمية، ويكنى أبا سعيد.
وكان قد أعرس في الليلة التى كانت الوقعة في صبيحتها بأم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومى امرأة عكرمة بن أبى جهل.
فلما بلغها مصابه انتزعت عمود الفسطاط فقاتلت به.
فيقال إنها قتلت يومئذ سبعة نفر وإن بها لردع الخلوق.
328 - وفى رواية أبى مخنف أن وقعة المرج بعد أجنادين بعشرين ليلة،
وأن فتح مدينة دمشق بعدها، ثم بعد فتح مدينة دمشق وقعة فحل.
ورواية الواقدي أثبت.
وفى يوم المرج يقول خالد بن سعيد بن العاصى: من فارس كره الطعان يعيرنى * رمحا إذا نزلوا بمرج الصفر وقال عبد الله بن كامل بن حبيب بن عمير بن خفاف بن امرئ القيس ابن بهثة بن سليم: شهدت قبائل مالك وتغيبت * عنى عميرة يوم مرج الصفر يعنى مالك بن خفاف.
(ص 118).(1/141)
329 - وقال هشام بن محمد الكلبى: استشهد خالد بن سعيد يوم المرج، وفى عنقه الصمصامة سيفه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى اليمن عاملا، فمر برهط عمرو بن معدى كرب الزبيدى من مذحج، فأغار عليهم، فسبا امرأة عمرو وعدة من قومه، فعرض عليه عمرو أن يمن عليهم ويسلموا، ففعل وفعلوا، فوهب له عمرو سيفه الصمصامة وقال: خليل لم أهبه من قلاه * ولكن المواهب للكرام خليل لم أخنه ولم يخنى * كذلك ما خلالي أو ندامى حبوت به كريما من قريش * فسر به وصين عن الليام قال: فأخذ معاوية السيف من عنق خالد يوم المرج حين استشهد فكان عنده، ثم نازعه فيه سعيد بن العاصى بن سعيد بن العاصى بن أمية فقضى له به عثمان، فلم يزل عنده.
فلما كان يوم الدار وضرب مروان على قفاه وضرب سعيد فسقط صريعا، أخذ الصمصامة منه رجل من جهينة فكان عنده.
ثم إنه دفعه إلى صيقل ليجلوه، فأنكر الصيقل أن يكون للجهنى مثله، فأتى به مروان بن
الحكم وهو والى المدينة.
فسأل الجهنى عنه فحدثه حديثه فقال: أما والله لقد سلبت سيفى يوم الدار، وسلب سعيد بن العاصى سيفه.
فجاء سعيد فعرف السيف فأخذه وختم عليه، وبعث به إلى عمرو بن سعيد الاشدق وهو على مكة.
فهلك سعيد فبقى السيف عند عمرو بن سعيد.
ثم أصيب عمرو بن سعيد بدمشق وانتهب متاعه، فأخذ السيف محمد بن سعيد أخو عمرو لابيه.
ثم صار إلى يحيى ابن (ص 119) سعيد.
ثم مات فصار إلى عنبسة بن سعيد بن العاصى.
ثم إلى سعيد بن عمرو بن سعيد.
ثم هلك فصار إلى محمد بن عبد الله بن سعيد، وولده ينزلون ببارق.
ثم صار إلى أبان بن يحيى بن سعيد، فحلاه بحلية ذهب فكان عند أم ولد له.
ثم إن أيوب بن أبى أيوب بن سعيد بن عمرو بن سعيد باعه من(1/142)
المهدى أمير المؤمنين بنيف وثمانين ألفا، فرد المهدى حليته عليه.
ولما صار الصمصامة إلى موسى الهادى أمير المؤمنين أعجب به وأمر الشاعر، وهو أبو الهول أن ينعته فقال: حاز صمصامة الزبيدى عمرو * خير هذا الانام موسى الامين سيف عمرو وكان فيما علمنا * خير ما أطبقت عليه الجفون أخضر اللون بين حديه برد * من ذعاف تميس فيه المنون فإذا ما سللته بهر الشمس ضياء فلم تكد تستبين ما يبالى إذا الضريبة حانت * أشمال سطت به أم يمين نعم مخراق ذى الحفيظة في الهيجا يعصا به ونعم القرين ثم إن أمير المؤمنين الواثق بالله دعى له بصيقل وأمره أن يسقنه، فلما فعل ذلك تغير.(1/143)
فتح مدينة دمشق وأرضها 330 - قالوا: لما فرغ المسلمون من قتال من اجتمع لهم بالمرج أقاموا خمس عشرة ليلة، ثم رجعوا إلى مدينة دمشق لاربع عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة أربع عشرة، فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة.
وتحصن أهل المدينة وأغلقوا بابها.
فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف (ص 120) ضمهم إليه أبو عبيدة.
وقوم يقولون إن خالدا كان أميرا، وإنما أتاه عزله وهم محاصرون دمشق.
وسمى الدير الذى نزل عنده خالد دير خالد.
ونزل عمرو ابن العاصى على باب توما.
ونزل شرحبيل على باب الفراديس.
ونزل أبو عبيدة على باب الجابية.
ونزل يزيد بن أبى سفيان على الباب الصغير إلى الباب الذى يعرف بكيسان.
وجعل أبو الدرداء عويمر بن عامر الخزرجي على مسلحة ببرزة.
وكان الاسقف الذى أقام لخالد النزل في بدأته ربما وقف على السور فدعى له خالد: فإذا أتى سلم عليه وحادثه.
فقال له ذات يوم: يا أبا سليمان ! إن أمركم مقبل، ولى عليك عدة، فصالحني عن هذه المدينة، فدعى خالد بدواة وقرطاس فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها: أعطاهم أمانا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شئ من دورهم.
لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية ".
ثم إن بعض أصحاب الاسقف أتى خالدا في ليلة من الليالى فأعلمه أنها ليلة عيد لاهل المدينة، وأنهم في شغل، وأن الباب الشرقي قد ردم بالحجارة وترك(1/144)
وأشار عليه أن يلتمس سلما.
فأتاه قوم من أهل الدير الذى عند عسكره بسلمين
فرقى جماعة من المسلمين عليهما إلى أعلى السور ونزلوا إلى الباب وليس عليه إلا رجل أو رجلان.
فتعاونوا عليه وفتحوه، وذلك عند طلوع الشمس، وقد كان أبو عبيدة بن الجراح عانى فتح باب الجابية وأصعد جماعة من المسلمين على حائطه، فأنصب مقاتلة الروم إلى ناحيته فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، ثم إنهم ولوا مدبرين، وفتح أبو عبيدة والمسلمون معه باب الجابية عنوة، ودخلوا منه، فالتقى أبو عبيدة (ص 121) وخالد بن الوليد بالمقسلاط، وهو موضع النحاسين بدمشق، وهو البريص الذى ذكره حسان بن ثابت في شعره حين يقول: يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفق بالرحيق السلسل 330 - وقد روى أن الروم أخرجوا ميتا لهم من باب الجابية ليلا، وقد أحاط بجنازته خلق من شجعانهم وكماتهم، وانصب سائرهم إلى الباب فوقفوا عليه ليمنعوا المسلمين من فتحه ودخوله إلى رجوع أصحابهم من دفن الميت، وطمعوا في غفلة المسلمين عنهم، وإن المسلمين بدروا بهم فقاتلوهم على الباب أشد قتال وأبرحه حتى فتحوه في وقت طلوع الشمس.
فلما رأى الاسقف أن أبا عبيدة قد قارب دخول المدينة بدر إلى خالد فصالحه وفتح له الباب الشرقي.
فدخل والاسقف معه ناشرا كتابه الذى كتبه له.
قال بعض المسلمين: والله ما خالد بأمير فكيف يجوز صلحه ؟ فقال أبو عبيدة: إنه يجيز على المسلمين أدناهم.
وأجاز صلحه وأمضاه، ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة، فصارت دمشق صلحا كلها.
وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر وأنفذه، وفتحت أبواب المدينة فالتقى القوم جميعا.(1/145)
331 - وفى رواية أبى مخنف وغيره أن خالدا دخل دمشق بقتال، وأن
أبا عبيدة دخلها بصلح، فالتقيا بالزياتين.
(ص 122) والخبر الاول أثبت.
332 - وزعم الهيثم بن عدى أن أهل دمشق صولحوا على أنصاف منازلهم وكنائسهم.
333 - وقال محمد بن سعد: قال أبو عبد الله الواقدي: قرأت كتاب خالد بن الوليد لاهل دمشق فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس.
وقد روى ذلك ولا أدرى من أين جاء به من رواه.
ولكن دمشق لما فتحت لحق بشر كثير من أهلها بهرقل وهو بأنطاكية، فكثرت فضول منازلها فنزلها المسلمون.
334 - وقد روى قوم أن أبا عبيدة كان بالباب الشرقي وأن خالدا كان بباب الجابية.
وهذا غلط (1).
335 - قال الواقدي: وكان فتح مدينة دمشق في رجب سنة أربع عشرة.
وتاريخ كتاب خالد بصلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة.
وذلك أن
__________
(1) في هامش نسخة A ما يلى: يقول محمد بن عساكر: قد اعتمد المؤلف على الرواية في فتح دمشق من باب الجابية عنوة بيد أبى عبيده رضى الله عنه وأكد ذلك بقوله هنا والخبر الاول أثبت وهو على الحقيقة أضعف الروايات في فتح دمشق.
والصحيح الثابت بالاخبار والآثار أن خالدا رضى الله عنه دخلها من الباب الشرقي قسرا ودخلها أبو عبيده سلما من باب الجابية هذا من حيث صحة الاخبار وأما من حيث دلالة الآثار فان جامع دمشق لم يكن ؟ ؟ ؟ المسلمين منه قبل عمارته الا الجانب الشرقي بحكم السيف ودليلنا أن المقصورة التى تنسب إلى الصحابة والسبع القرأة به أيضا، ولم تزل الكنيسة من غربة إلى أن هدمها الوليد بن عبد الملك لما عزم على بنائه في خلافته.
وفى رواية المؤلف أولا من أن خالدا أتى بمسلمين من الدير المجاور لعسكره فرقى أصحابه فيهما إلى سور الباب الشرقي دليل يقوى ما ذكرناه ههنا والله أعلم بالصواب.
(*)(1/146)
خالدا كتب الكتاب بغير تاريخ، فلما اجتمع المسلمون للنهوض إلى من تجمع
لهم باليرموك أتى الاسقف خالدا فسأله أن يجدد له كتابا ويشهد عليه أبا عبيدة والمسلمين.
ففعل وأثبت في الكتاب شهادة أبى عبيدة ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة وغيرهم، فأرخه بالوقت الذى جدده.
336 - وحدثني القاسم بن سلام (ص 123) قال: حدثنا أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخى قال: دخل يزيد دمشق من الباب الشرقي صلحا فالتقيا بالمقسلاط، فأمضيت كلها على الصلح.
337 - وحدثني القاسم قال: حدثنا أبو مسهر عن يحيى بن حمزة عن أبى المهلب الصنعانى، عن أبى الاشعث الصنعانى أو أبى عثمان الصنعانى أن أبا عبيدة أقام بباب الجابية محاصرا لهم أربعة أشهر.
338 - حدثنى أبو عبيد قال: حدثنا نعيم بن حماد عن ضمرة بن ربيع ؟، عن رجاء بن أبى سلمة قال: خاصم حسان بن مالك عجم أهل دمشق إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسة كان رجل من الامراء أقطعه إياها.
فقال عمر: إن كانت من الخمس العشرة الكنيسة التى في عهدهم فلا سبيل لك عليها.
قال ضمرة عن على بن أبى حملة: خاصمنا عجم أهل دمشق إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسة كان فلان قطعها لبنى نصر بدمشق، فأخرجنا عمر عنها وردها إلى النصارى.
فلما ولى يزيد بن عبد الملك ردها إلى بنى نصر.(1/147)
339 - حدثنى أبو عبيد قال: حدثنا هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي أنه قال: كانت الجزية بالشام في بدئ الامر جريبا ودينارا على كل جمجمة.
ثم وضعها عمر بن الخطاب على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما، وجعلهم طبقات لغنى الغنى وإقلال المقل وتوسط
المتوسط.
قال هشام: وسمعت مشايخنا يذكرون أن اليهود كانوا كالذمة للنصارى يؤدون إليهم الخراج فدخلوا معهم في الصلح.
وقد ذكر بعض الرواة أن خالد بن الوليد صالح أهل دمشق فيما صالحهم عليه على أن ألزم كل رجل من الجزية دينارا وجريب حنطة وخلا وزيتا لقوت المسلمين.
340 - حدثنا عمرو الناقد حدثنا عبد الله بن وهب المصرى عن عمر بن محمد عن نافع (ص 124) عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر كتب إلى أمراء الاجناد يأمرهم أن يضربوا الجزية على كل من جرت عليه الموسى، وأن يجعلوها على أهل الورق على كل رجل أربعين درهما، وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان حنطة وثلاثة أقساط زيتا، كل شهر لكل إنسان بالشام والجزيرة، وجعل عليهم ودكا وعسلا لا أدرى كم هو، وجعل لكل إنسان بمصر في كل شهر أردبا وكسوة وضيافة ثلاثة أيام.
341 - وحدثنا عمرو بن حاد بن أبى حنيفة قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع، عن أسلم أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.(1/148)
342 - وحدثني مصعب عن أبيه عن مالك عن نافع عن اسلم بمثله.
343 - قالوا: ولما ولى معاوية بن أبى سفيان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا في المسجد بدمشق.
فأبى النصارى ذلك، فأمسك.
ثم طلبها عبد الملك بن مروان في أيامه للزيادة في المسجد، وبذل لهم مالا فأبوا أن يسلموها إليه.
ثم إن الوليد بن عبد
الملك جمعهم في أيامه وبذل لهم مالا عظيما على أن يعطوه إياها فأبوا.
فقال: لئن لم تفعلوا لاهدمنها.
فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين ! إن من هدم كنيسة جن وأصابته عاهة.
فأحفظه قوله، ودعا بمعول وجعل يهدم بعض حيطانها بيده، وعليه قباء خز أصغر.
ثم جمع الفعلة والنقاضين فهدموها، وأدخلها في المسجد.
فلما استخلف عمر بن عبد العزيز شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم.
فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاده في المسجد عليهم.
فكره أهل دمشق ذلك وقالوا: يهدم مسجدنا بعد أن أذنا فيه وصلينا ويرد بيعة ؟.
وفيهم يومئذ سليمان بن حبيب المحاربي وغيره من الفقهاء.
وأقبلوا على النصارى فسألوهم أن يعطوا جميع كنائس الغوطة التى أخذت عنوة وصارت في أيدى المسلمين، على أن يصفحوا عن كنيسة (ص 125) يوحنا ويمسكوا عن المطالبة بها.
فرضوا بذلك وأعجبهم.
فكتب به إلى عمر فسره وأمضاه.
وبمسجد دمشق في الرواق القبلى مما يلى المئذنة كتاب في رخامة بقرب السقف: " مما أمر ببنيانه أمير المؤمنين الوليد سنة ست وثمانين ".
344 - وسمعت هشام بن عمار يقول: لم يزل سور مدينة دمشق قائما حتى هدمه عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس بعد انقضاء أمر مروان وبنى أمية.(1/149)
345 - وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز، عن مؤذن مسجد دمشق وغيره قالوا: اجتمع المسلمون عند قدوم خالد على بصرى ففتحوها صلحا، وانبثوا في أرض حوران جميعا فغلبوا عليها.
وأتاهم صاحب أذرعات فطلب الصلح على مثل ما صولح عليه أهل بصرى على أن جميع أرض البثنية أرض خراج.
فأجابوهم إلى ذلك.
ومضى يزيد بن أبى سفيان حتى دخلها، وعقد لاهلها.
وكان المسلمون يتصرفون بكورتى حوران والبثنية.
ثم مضوا إلى فلسطين والاردن وغزوا ما لم يكن فتح.
وسار يزيد إلى عمان ففتحها فتحا يسيرا بصلح على مثل صلح بصرى، وغلب على أرض البلقاء.
وولى أبو عبيدة وقد فتح هذا كله، فكان أمير الناس حين فتحت دمشق، إلا أن الصلح كان لخالد وأجاز صلحه.
وتوجه يزيد بن أبى سفيان في ولاية أبى عبيدة ففتح عرندل صلحا، وغلب على أرض الشراة وجبالها.
قال: وقال سعيد بن عبد العزيز أخبرني الوضين أن يزيد أتى بعد فتح مدينة دمشق صيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهى سواحل، وعلى مقدمته أخوه معاوية، ففتحها فتحا يسيرا وجلا كثيرا من أهلها، وتولى فتح عرقة معاوية نفسه في ولاية يزيد.
ثم إن الروم (ص 126) غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر بن الخطاب أو أول خلافة عثمان بن عفان، فقصد لهم معاوية حتى فتحها، ثم رمها وشحنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع.
346 - قالوا: فلما استحلف عثمان وولى معاوية الشام وجه معاوية سفيان بن مجيب الازدي إلى أطرابلس، وهى ثلاث مدن مجتمعة، فبنى في مرج على أميال منها حصنا سمى حصن سفيان، وقطع المادة عن أهلها من البحر وغيره وحاصرهم، فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة وكتبوا(1/150)
إلى ملك الروم يسألونه أن يمدهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى ما قبله.
فوجه إليهم بمراكب كثيرة فركبوها ليلا وهربوا.
فلما أصبح سفيان - وكان يبيت كل ليلة في حصنه ويحصن المسلمين فيه، ثم يغدو على العدو - وجد الحصن الذى كانوا فيه خاليا فدخله.
وكتب بالفتح إلى معاوية، فأسكنه معاوية جماعة كبيرة من اليهود.
وهو الذى فيه المينا اليوم.
ثم إن عبد الملك بناه بعد وحصنه.
347 - قالوا: وكان معاوية يوجه في كل عام إلى أطرابلس جماعة كثيفة من الجند يشحنها بهم ويوليها عاملا، فإذا انغلق البحر قفل وبقى العامل في جميعة منهم يسيرة، فلم يزل الامر فيها جاريا على ذلك حتى ولى عبد الملك، فقدم في أيامه بطريق من بطارقة الروم ومعه بشر منهم كثير، فسأل أن يعطى الامان على أن يقيم بها ويؤدى الخراج.
فأجيب إلى مسئلته.
فلم يلبث إلا سنتين أو أكثر منهما بأشهر حتى تحين قفول الجند عن المدينة، ثم أغلق بابها وقتل عاملها وأسر من معه من الجند وعدة من اليهود ولحق وأصحابه بأرض الروم.
فقدر المسلمون بعد ذلك عليه في البحر وهو متوجه إلى ساحل للمسلمين في مراكب كثيرة فقتلوه، ويقال: بل أسروه وبعثوا به إلى عبد الملك فقتله وصلبه.
وسمعت من يذكر أن عبد الملك بعث إليه من حصره بأطرابلس (ص 127) ثم أخذه سلما وحمله إليه فقتله وصلبه.
وهرب من أصحابه جماعة فلحقوا ببلاد الروم.
وقال على بن محمد المدائني قال عتاب بن إبراهيم: فتح أطرابلس سفيان بن مجيب، ثم نقض أهلها أيام عبد الملك، ففتحها الوليد بن عبد الملك في زمانه.(1/151)
348 - وحدثني أبو حفص الشامي، عن سعيد عن الوضين قال: كان يزيد بن أبي سفيان وجه معاوية إلى سواحل دمشق، سوى أطرابلس فإنه لم يكن يطمع فيها.
فكان يقيم على الحصن اليومين والايام اليسيرة، فربما قوتل قتالا غير شديد، وربما رمى ففتحها.
قال: وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحل رتبوا فيها قدر من يحتاج لها إليه من المسلمين، فإن حدث في شئ منها حدث من قبل العدو، سربوا إليها الامداد.
فلما استخلف عثمان بن عفان رضى الله عنه كتب إلى معاوية يأمره بتحصين السواحل وشحنتها وإقطاع من ينزله إياها القطائع ففعل.
349 - وحدثني أبو حفص، عن سعيد بن عبد العزيز قال: أدركت الناس وهم يتحدثون أن معاوية كتب إلى عمر بن الخطاب بعد موت أخيه يزيد يصف له حال السواحل، فكتب إليه في مرمة حصونها، وترتيب المقاتلة فيها، وإقامة الحرس على مناظرها، واتخاذ المواقيد لها.
ولم يأذن له في غزو البحر.
وأن معاوية لم يزل بعثمان حتى أذن له في الغزو بحرا وأمره أن يعد في السواحل إذا غزا أو أغزى جيوشا سوى من فيها من الرتب، وأن يقطع الرتب أرضين ويعطيهم ما جلا عنه أهله من المنازل، ويبنى المساجد ويكبر ما كان ابتنى منها قبل خلافته.
قال الوضين: ثم إن الناس بعد انتقلوا إلى السواحل من كل ناحية.
350 - حدثنى العباس بن هشام الكلبى عن أبيه، عن جعفر بن كلاب الكلابي أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولى علقمة ابن عوف بن الاحوص بن جعفر بن كلاب (ص 128) حوران، وجعل ولايته(1/152)
من قبل معاوية.
فمات بها.
وله يقول الحطيئة العبسى - وخرج إليه فكان موته قبل وصوله، وبلغه أنه في الطريق يريده، فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده: - فما كان يبنى، لو لقيتك سالما، * وبين الغنى الا ليال قلائل 351 - وحدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهشام بن عمار أنه كانت لابي سفيان بن حرب أيام تجارته إلى الشام في الجاهلية ضيعة بالبلقاء تدعى بقبش، فصارت لمعاوية وولده.
ثم قبضت في أول الدولة وصارت لبعض ولد أمير المؤمنين المهدى رضى الله عنه.
ثم صارت لقوم من الزياتين يعرفون ببنى نعيم من أهل الكوفة.
352 - وحدثني عباس بن هشام عن أبيه، عن جده قال: وفد تميم بن أوس أحد بنى الدار بن حبيب من لخم، ويكنى أبا رقية، على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أخوه نعيم بن أوس، فأقطعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حبرى وبيت عينون ومسجد ابراهيم عليه السلام، فكتب بذلك كتابا.
فلما افتتح الشام دفع ذلك إليهما.
فكان سليمان بن عبد الملك إذا مر بهذه القطعة لم يعرج وقال: أخاف أن تصيبني دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
353 - وحدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب، عند مقدمه الجابية من أرض دمشق، مر بقوم مجذمين من النصارى، فأمر أن يعطوا من الصدقات، وأن يجرى عليهم القوت.
وقال هشام: سمعت الوليد بن مسلم يذكر أن خالد بن الوليد شرط لاهل(1/153)
الدير الذى يعرف بدير خالد شرطا في خراجهم بالتخفيف عنهم حين أعطوه سلما صعد عليه.
فأنفذه لهم أبو عبيدة.
ولما فرغ أبو عبيدة من أمر مدينة (ص 129) دمشق سار إلى حمص فمر ببعلبك، فطلب أهلها الامان والصلح، فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم وأموالم وكنائسهم وكتب لهم: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب أمان لفلان بن فلان وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم، داخل المدينة وخارجها، وعلى أرحائهم، وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم وبين خمسة عشر ميلا، ولا ينزلوا قرية عامرة.
فإذا مضى شهر ربيع وجمادى الاولى ساروا إلى حيث شاؤا.
ومن أسلم منهم فله ما لنا وعليه ما علينا، ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث
أرادوا من البلاد التى صالحنا عليها، وعلى من أقام منهم الجزية والخراج.
شهد الله، وكفى بالله شهيدا ".(1/154)
آمر حمص 354 - حدثنى عباس بن هشام عن أبيه، عن أبى مخنف أن أبا عبيدة بن الجراح لما فرغ من دمشق قدم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زيار الطائى ثم اتبعهما.
فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها، ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الامان والصلح، فصالحوه على مئة ألف وسبعين ألف دينار.
قال الواقدي وغيره: بينا المسلمون على أبواب مدينة دمشق إذ أقبلت خيل للعدو كثيفة، فخرجت إليهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين بيت لهيا والثنية، فولوا منهزمين نحو حمص، على طريق قارا.
واتبعوهم حتى وافوا حمص.
فألفوهم قد عدلوا عنها.
ورآهم الحمصيون، وكانوا منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم، فأعطوا بأيديهم (ص 130) وهتفوا بطلب الامان.
فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم.
فأخرجوا إليهم العلف والطعام وأقاموا على الارنط، - يريد الارند، وهو النهر الذى يأتي أنطاكية ثم يصب في البحر بساحلها -.
وكان على المسلمين السمط بن الاسود الكندى، فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بن أبى سفيان، ثم قدم حمص على طريق بعلبك، فنزل بباب الرتسن.
فصالحه أهل حمص على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم، واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد، واشترط الخراج على من أقام منهم.
وذكر بعض الرواة أن السمط بن الاسود الكندى كان صالح أهل حمص
فلما قدم أبو عبيدة أمضى صلحه، وأن السمط قسم حمص خططا بين المسلمين حتى نزلوها، وأسكنهم في كل مرفوض جلا أهله أو ساحة متروكة.(1/155)
355 - وحدثني أبو حفص الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد بن أبى سفيان على دمشق وعمرو بن العاصى على فلسطين وشرحبيل على الاردن.
وأتى حمص فصالح أهلها على نحو صلح بعلبك.
ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الانصاري ومضى نحو حماة، فتلقاه أهلها مذعنين، فصالحهم على الجزية في رؤسهم والخراج في أرضهم.
فمضى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم المقلسون، ورضوا بمثل ما رضى به أهل حماة.
وبلغت خيله الزراعة والقسطل ومر أبو عبيدة بمعرة حمص، وهى التى تنسب إلى النعمان بن بشير، فخرجوا يقلسون بين يديه.
ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك، وأذعنوا بالجزية والخراج واستتم أمر حمص، فكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا.
وقد اختلفوا في تسمية الاجناد (ص 131) فقال بعضهم: سمى المسلمون فلسطين جندا لانه جمع كورا، وكذلك دمشق، وكذلك الاردن، وكذلك حمص مع قنسرين.
وقال بعضهم: سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم بها جندا.
وذكروا أن الجزيرة كانت إلى قنسرين فجندها عبد الملك بن مروان، أي أفردها، فصار جندها يأخذون أطماعهم بها من خراجها.
وأن محمد بن مروان كان سأل عبد الملك تجنيدها ففعل.
ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى حمص حتى كان يزيد بن معاوية فجعل قنسرين وأنطاكية ومنبج وذواتها جندا.
فلما استخلف أمير المؤمنين الرشيد هارون بن المهدى أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جندا واحدا، وأفرد منبج، ودلوك، ورعبان، وقورس، وأنطاكية
وتيزين، وسماها العواصم.
لان المسلمين يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر.
وجعل مدينة العواصم منبج، فسكنها عبد الملك بن صالح بن على في سنة ثلاث وسبعين ومئة وبنى بها أبنية.(1/156)
356 - وحدثني أبو حفص الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز وحدثني موسى ابن إبراهيم التنوخى عن أبيه، عن مشايخ من أهل حمص قال: استخلف أبو عبيدة عبادة بن الصامت الانصاري على حمص.
فأتى اللاذقية فقاتله أهلها.
فكان بها باب عظيم لا يفتحه إلا جماعة من الناس.
فلما رأى صعوبة مرامها عسكر على بعد من المدينة.
ثم أمر أن تحفر حفائر كالاسراب يستتر الرجل وفرسه في الواحدة منها.
فاجتهد المسلمون في حفرها حتى فرغوا منها.
ثم إنهم أظهروا القفول إلى حمص، فلما جن عليهم الليل عادوا إلى معسكرهم وحفائرهم، وأهل اللاذقية غارون يرون أنهم قد (ص 132) انصرفوا عنهم.
فلما أصبحوا فتحوا بابهم وأخرجوا سرحهم.
فلم يرعهم إلا تصبيح المسلمين إياهم، ودخولهم من باب المدينة.
ففتحت عنوة ودخل عبادة الحصن، ثم علا حائطه فكبر عليه.
وهرب قوم من نصارى اللاذقية إلى اليسيد، ثم طلبوا الامان على أن يتراجعوا إلى أرضهم.
فقوطعوا على خراج يؤدونه قلوا أو كثروا، وتركت لهم كنيستهم، وبنى المسلمون باللاذقية مسجدا جامعا بأمر عبادة، ثم إنه وسع بعد.
وكانت الروم أغارت في البحر على ساحل اللاذقية فهدموا مدينتها وسبوا أهلها، وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مئة، فأمر عمر ببنائها وتحصينها.
ووجه إلى الطاغية في فداء من أسر من المسلمين، فلم يتم ذلك، حتى توفى عمر في سنة إحدى ومئه، فأتم المدينة وشحنها يزيد بن عبد الملك.
357 - وحدثني رجل من أهل اللاذقية قال: لم يمت عمر بن عبد العزيز حتى حرز مدينة اللاذقية وفرغ منها، والذى أحدث يزيد بن عبد الملك فيها مرمة وزيادة في الشحنة.(1/157)
358 - وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثنى سعيد بن عبد العزيز وسعيد بن سليمان الحمصى قالا: ورد عبادة والمسلمون السواحل، ففتحوا مدينة تعرف ببلدة على فرسخين من جبلة عنوة.
ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها.
فأنشأ معاوية بن أبى سفيان جبلة.
وكانت حصنا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص وشحنها.
359 - وحدثني سفيان بن محمد البهرانى، عن أشياخه قالوا: بنى معاوية لجبلة حصنا خارجا من الحصن الرومي القديم.
وكان سكان االحصن الرومي رهبانا وقوما يتعبدون في دينهم.
360 - وحدثني سفيان بن محمد قال، حدثنى أبى وأشياخنا قالوا: فتح عبادة والمسلمون معه أنطرطوس، وكان حصنا، ثم جلا عنه أهله.
فبنى معاوية أنطرطوس ومصرها، وأقطع بها القطائع، وكذلك فعل بمرقية وبلنياس.
361 - وحدثني (ص 133) أبو حفص الدمشقي، عن أشياخه قالوا: افتتح أبو عبيدة اللاذقية وجبلة وأنطرطوس على يدى عبادة بن الصامت.
وكان يوكل بها حفظة إلى انغلاق البحر.
فلما كانت شحنة معاوية السواحل وتحصينه إياها شحنها وحصنها، وأمضى أمرها على ما أمضى عليه أمر السواحل.
362 - وحدثني شيخ من أهل حمص قال: بقرب سلمية مدينة تدعى المؤتكفة
انقلبت بأهلها فلم يسلم منهم إلا مئة نفس، فبنوا مئة منزل وسكنوها، فسميت(1/158)
حوزتهم التى بنوا فيها سلم مئة.
ثم حرف الناس اسمها فقالوا: سلمية.
ثم إن صالح بن على بن عبد الله بن عباس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها، ونزلها قوم من ولده.
وقال ابن سهم الانطاكي: سلمية اسم رومى قديم.
363 - وحدثني محمد بن مصفى الحمصى قال: هدم مروان بن محمد سور حمص.
وذلك أنهم كانوا خالفوا عليه، فلما مر بأهلها هاربا من أهل خراسان اقتطعوا بعض ثقله وماله وخزائن سلاحه.
وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر، فلما كانت أيام أحمد بن محمد بن أبى اسحاق المعتصم بالله شغبوا على عاملهم الفضل بن قارن الطبري، أخى مازيار ابن قارن، فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع.
ثم إنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك الفرش وحاربوا الفضل بن قارن حتى قدروا عليه وأنهبوا ماله ونساءه، وأخذوه فقتلوه وصلبوه، فوجه أحمد بن محمد إليهم موسى بن بغا الكبير مولى بأمير المؤمنين المعتصم بالله، فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها.
فقتل منهم مقتلة عظيمة، وهزم باقيهم حتى ألحقهم بالمدينة، ودخلها عنوة، وذلك في سنة خمسين ومائتين.
وبحمص هرى يرده قمح وزيت من السواحل وغيرها، مما قوطع أهله عليه وأسجلت لهم السجلات بمقاطعتهم (ص 134).(1/159)
يوم اليرموك 364 - قالوا: جمع هرقل جموعا كثيرة من الروم وأهل الشام وأهل
الجزيرة وأرمينية تكون زهاء مائتي ألف، وولى عليهم رجلا من خاصته، وبعث على مقدمته جبلة بن الايهم الغساني في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم، وعزم على محاربة المسلمين، فإن ظهروا وإلا دخل بلاد الروم فأقام بالقسطنطينية.
واجتمع المسلمين فزحفوا إليهم، فاقتتلوا على اليرموك أشد قتال وأبرحه.
واليرموك نهر.
وكان المسلمون يومئذ أربعة وعشرين ألفا.
وتسلسلت الروم واتباعها يومئذ لثلا يطمعوا أنفسهم في الهرب، فقتل الله منهم زهاء سبعين ألفا، وهرب فلهم فلحقوا بفلسطين وأنطاكية وحلب والجزيرة وأرمينية.
وقاتل يوم اليرموك نساء من نساء المسلمين قتالا شديدا، وجعلت هند بنت عتبة أم معاوية بن أبى سفيان تقول: عضدوا الغلفان بسيوفكم.
وكان زوجها أبو سفيان خرج إلى الشام تطوعا وأحب مع ذلك أن يرى ولده وحملها معه، ثم إنه قدم المدينة فمات بها سنة إحدى وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، ويقال إنه مات بالشام.
فلما أتى أمر حبيبة بنته نعيه دعت في اليوم الثالث بصفرة فمسحت بها ذراعيها وعارضتها وقالت: لقد كنت عن هذا عنية لولا أنى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تحد امرأة على ميت سوى زوجها أكثر من ثلاث.
ويقال: إنها فعلت هذا الفعل حين أتاها نعى أخيها يزيد.
والله أعلم.
وكان أبو سفيان بن حرب أحد العوران، ذهبت عينه يوم الطائف.
365 - قالوا: وذهبت يوم اليرموك عين الاشعث بن قيس، وعين هاشم ابن عتبة بن أبى وقاص الزهري، وهو (ص 135) المرقال، وعين قيس بن مكشوح.(1/160)
واستشهد عامر بن أبى وقاص الزهري، وهو الذى كان قدم الشام بكتاب عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة بولايته الشام.
ويقال بل مات في الطاعون.
وقال بعض الرواة: استشهد يوم أجنادين.
وليس ذلك بثبت.
قال: وعقد أبو عبيدة لحبيب بن مسلمة الفهرى على خيل الطلب، فجعل يقتل من أدرك.
وانحاز جبلة بن الايهم إلى الانصار فقال: أنتم اخوتنا وبنو أبينا.
وأظهر الاسلام.
فلما قدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الشام سنة سبع عشرة لاحى جبلة رجلا من مزينة فلطم عينه، فأمره عمر بالاقتصاص منه فقال: أو عينه مثل عينى ؟ والله لا أقيم ببلد على به سلطان.
فدخل بلاد الروم مرتدا.
وكان جبلة ملك غسان بعد الحارث بن أبى شمر.
وروى أيضا أن جبلة أتى عمر بن الخطاب وهو على نصرانيته.
فعرض عمر عليه الاسلام وأداء الصدقة فأبى ذلك وقال: أقيم على دينى وأؤدى الصدقة.
فقال عمر: إن أقمت على دينك فأد الجزية.
فأنف منها.
فقال عمر: ما عندنا لك إلا واحدة من ثلاث: إما الاسلام، وإما أدآء الجزية، وإما الذهاب إلى حيث شئت.
فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفا.
فلما بلغ ذلك عمر ندم.
وعاتبه عبادة بن الصامت فقال: لو قبلت منه الصدقة ثم تألفته لاسلم.
وإن عمر رضى الله عنه وجه في سنة إحدى وعشرين عمير بن سعد الانصاري إلى بلاد الروم في جيش عظيم وولاه الصائفة.
وهى أول صائفة كانت، وأمره أن يتلطف لجبلة بن الايهم ويستعطفه بالقرابة بينهما ويدعوه إلى الرجوع إلى بلاد الاسلام، على أن يؤدى ما كان بذل من الصدقة ويقيم على دينه.
فسار عمير حتى دخل بلاد الروم، وعرض على جبلة ما أمره عمر بعرضه عليه، فأبى إلا المقام في بلاد الروم.
وانتهى عمير إلى موضع يعرف بالحمار، وهو (ص 136) واد، فأوقع بأهله وأخربه.
فقيل: أخرب من جوف حمار.(1/161)
366 - قالوا: ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده هرب من أنطاكية إلى قسطنطينية.
فلما جاوز الدرب قال: عليك يا سورية
السلام ! ونعم البلد هذا للعدو.
يعنى أرض الشام لكثرة مراعيها.
وكانت وقعة اليرموك في رجب سنة خمس عشرة.
قال هشام بن الكلبى: شهد اليرموك حباش بن قيس القشيرى، فقتل من العلوج خلقا، وقطعت رجله وهو لا يشعر.
ثم جعل ينشدها.
فقال سوار ابن أوفى: ومنا ابن عتاب وناشد رجله * ومنا الذى أدى إلى الحى حاجبا يعنى ذا الرقيبة.
367 - وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج وقالوا: شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم.
فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم.
ونهض اليهود فقالوا: والتوارة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد.
فأغلقوا الابواب وحرسوها.
وكذلك فعل أهل المدن التى صولحت من النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقى للمسلمين عدد.
فلما هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدوا الخراج.
وسار أبو عبيدة إلى جند قنسرين وأنطاكية ففتحها.(1/162)
368 - وحدثني العباس بن هشام الكلى عن أبيه، عن جده قال: أبلى السمط بن الاسود الكندى بالشام وبحمص خالصة
وفى (ص 137) يوم اليرموك.
وهو الذى قسم منازل حمص بين أهلها.
وكان ابنه شرحبيل بن السمط بالكوفة مقاوما للاشعث بن قيس الكندى في الرياسة.
فوفد السمط إلى عمر فقال له: يا أمير المؤمنين ! إنك لا تفرق بين السبى، وقد فرقت بينى وبين ولدى، فحوله إلى الشام أو حولني إلى الكوفة.
فقال: بل أحوله إلى الشام.
فنزل حمص مع أبيه.(1/163)
أمر فلسطين 369 - حدثنى أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه وعن بقية ابن الوليد، عن مشايخ من أهل العلم قالوا: كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه أرض فلسطين، وعلى الناس عمرو ابن العاصى.
ثم إن عمرو بن العاصى فتح غزة في خلافة أبى بكر رضى الله عنه، ثم فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس على أن أعطاهم الامان على أنفسهم وأموالهم ومنازلهم، وعلى أن الجزية على رقابهم والخراج على أرضهم، ثم فتح مدينة لد وأرضها، ثم فتح يبنى وعمواس وبيت جبرين، واتخذ بها ضيعة تدعى عجلان باسم مولى له، وفتح يافا، ويقال فتحها معاوية.
وفتح عمرو رفح على مثل ذلك.
وقدم عليه أبو عبيدة بعد أن فتح قنسرين ونواحيها، وذلك في سنة ست عشرة وهو محاصر إيلياء، وإيلياء مدينة بيت المقدس.
فيقال إنه وجهه إلى أنطاكية من إيلياء وقد غدر أهلها، ففتحها ثم عاد، فأقام يومين أو ثلاثة.
ثم طلب أهل إيلياء من أبى عبيدة الامان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من (ص 138) أدآء الجزية والخراج والدخول في ما دخل فيه نظراؤهم، على
أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه.
فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك.
فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق، ثم صار إلى إيلياء، فأنفذ صلح أهلها - وكتب لهم به.
وكان فتح إيلياء في سنة سبع عشرة.
وقد روى في فتح إيلياء وجه آخر.(1/164)
370 - حدثنى القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمر بن الخطاب بعث خالد بن ثابت الفهمى إلى بيت المقدس في جيش، وهو يومئذ بالجابية، فقاتلهم فأعطوه على ما أحاط به حصنهم شيئا يؤدونه ويكون للمسلمين ما كان خارجا.
فقدم عمر فأجاز ذلك ثم رجع إلى المدينة.
371 - وحدثني هشام بن عمار عن الوليد، عن الاوزاعي أن أبا عبيدة فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة.
ثم أتى فلسطين فنزل إيلياء فسألوه أن يصالحهم.
فصالحهم في سنة سبع عشرة، على أن يقدم عمر رحمه الله فينفذ ذلك ويكتب لهم به.
372 - حدثنى هشام بن عمار قال: حدثنى الوليد بن مسلم عن تميم بن عطية، عن عبد الله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر مع أبى عبيدة مقدمه الشام، فبينما عمر يسير إذ لقيه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان.
فقال عمر: مه ؟ امنعوهم.
فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سنتهم، أو كلمة نحوها، وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضا لعهدهم.
فقال: دعوهم.
قال: فكان طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، فتوفى فيه خلق من المسلمين منهم أبو عبيدة بن الجراح.
مات وله ثمان وخمسون سنة، وهو أمير.
ومعاذ ابن جبل أحد بنى سلمة من الخزرج، ويكنى أبا عبد الرحمن.
توفى بناحية
الاقحوانة من الاردن وله ثمان وثلاثون سنة.
وكان أبو عبيدة لما احتضر استخلفه، ويقال استخلف عياض بن غنم الفهرى، ويقال بل استخلف عمرو بن العاصى.
فاستخلف (ص 139) عمرو ابنه ومضى إلى مصر.
والفضل بن العباس(1/165)
ابن عبد المطلب، ويكنى أبا محمد، وقوم يقولون إنه استشهد بأجنادين، والثبت أنه توفى في طاعون عمواس.
وشرحبيل بن حسنة، ويكنى أبا عبد الله، مات وهو ابن تسع وستين سنة.
وسهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤى، ويكنى أبا يزيد.
والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى، وقيل إنه استشهد يوم أجنادين.
373 - قالوا: ولما أتت عمر بن الخطاب وفاة أبى عبيدة كتب إلى يزيد ابن أبى سفيان بولاية الشام مكانه، وأمره أن يغزو قيسارية.
وقال قوم: إن عمر إنما ولى يزيد الاردن وفلسطين، وأنه ولى دمشق أبا الدرداء، وولى حمص عبادة بن الصامت.
374 - وحدثني محمد بن سعد قال: حدثنى الواقدي قال: اختلف علينا في أمر قيسارية فقال قائلون: فتحها معاوية، وقال آخرون: بل فتحها عياض بن غنم بعد وفاة أبى عبيدة وهو خليفته، وقال قائلون: بل فتحها عمرو بن العاصى، وقال قائلون: خرج عمرو بن العاصى إلى مصر وخلف ابنه عبد الله.
فكان الثبت من ذلك والذى اجتمع عليه العلماء أن أول الناس الذى حاصرها عمرو بن العاصى، نزل عليها في جمادى الاولى سنة ثلاث عشرة.
فكان يقيم عليها ما أقام، فإذا كان للمسلمين اجتماع في أمر عدوهم سار إليهم.
فشهد أجنادين وفحل والمرج ودمشق واليرموك، ثم رجع إلى فلسطين فحاصرها بعد إيلياء، ثم خرج إلى مصر
من قيسارية.
وولى يزيد بن أبى سفيان بعد أبى عبيدة، فوكل أخاه معاوية بمحاصرتها، وتوجه إلى دمشق مطعونا فمات بها.
وقال غير الواقدي: ولى عمر يزيد بن أبى سفيان فلسطين مع ما ولاه من أجناد الشام، وكتب إليه يأمره بغزو قيسارية، وقد كانت حوصرت قبل(1/166)
ذلك، فنهض إليها في سبعة عشر ألفا، فقاتله (ص 140) أهلها ثم حصرهم.
ومرض في آخر سنة ثمان عشرة، فمضى إلى دمشق واستخلف على قيسارية أخاه معاوية بن أبى سفيان ففتحها، وكتب إليه بفتحها، فكتب به يزيد إلى عمر.
ولما توفى يزيد بن أبى سفيان كتب عمر إلى معاوية بتوليته ما كان يتولاه، فشكر أبو سفيان ذلك له وقال: وصلتك يا أمير المؤمنين رحم.
375 - وحدثني هشام بن عمار قال: حدثنى الوليد بن مسلم، عن تميم بن عطية قال: ولى عمر معاوية بن أبى سفيان الشام بعد يزيد، وولى معه رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والقضاء.
فولى أبا الدرداء قضاء دمشق والاردن وصلاتهما، وولى عبادة قضاء حمص وقنسرين وصلاتهما.
376 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي في إسناده قال: لما ولى عمر بن الخطاب معاوية الشام حاصر قيسارية حتى فتحها، وقد كانت حوصرت نحوا من سبع سنين، وكان فتحها في شوال سنة تسع عشرة.
377 - وحدثني محمد بن سعد عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن عامر في إسناده قال: حاصر معاوية قيسارية حتى يئس من فتحها، وكان عمرو بن العاصى وابنه حاصراها، ففتحها معاوية قسرا،
فوجد بها من المرتزقة سبع مئة ألف، ومن السامرة ثلاثين ألفا، ومن اليهود مائتي ألف، ووجد بها ثلاث مئة سوق قائمة كلها، وكان يحرسها في كل ليلة على سورها مئة ألف.(1/167)
وكان سبب فتحها أن يهوديا يقال له يوسف أتى المسلمين ليلا فدلهم على طريق في سرب فيه الماء إلى حقو الرجل على أن أمنوه وأهله، وأنفذ معاوية ذلك.
ودخلها المسلمون في الليل وكبروا فيها، فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه.
وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه.
وكان بها خلق من العرب، وكانت فيهم شقراء التى يقول فيها حسان بن ثابت: \ تقول شقراء لو صحوت عن الخمر لاصبحت مثرى العدد (ص 141) ويقال إن اسمها شعثاء.
378 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي في إسناده أن سبى قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس.
فلما بعث به معاوية إلى عمر بن الخطاب أمر بهم فأنزلوا الجرف.
ثم قسمهم على يتامى الانصار وجعل بعضهم في الكتاب والاعمال للمسلمين.
وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه أخدم بنات أبى أمامة أسعد بن زرارة خادمين من سبى عين التمر فماتا، فأعطاهن عمر مكانهما من سبى قيسارية.
379 - قالوا: ووجه معاوية بالفتح مع رجلين من جذام، ثم خاف ضعفهما عن المسير فوجه رجلا من خثعم، فكان الخثعمي يجهد نفسه في السير والسرى وهو يقول: أرق عينى أخو جذام * أخى جشم وأخو حرام كيف أنام وهما أمامى * إذ يرحلان والهجير طام فسبقهما ودخل على عمر فكبر عمر.(1/168)
380 - وحدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه أن قيسارية فتحت قسرا في سنة تسع عشرة.
فلما بلغ عمر فتحها نادى إن قيسارية فتحت قسرا.
وكبر وكبر المسلمون.
وكانت حوصرت سبع سنين وفتحها معاوية.
381 - قالوا: وكان موت يزيد بن أبى سفيان في آخر سنة ثمان عشرة بدمشق.
فمن قال إن معاوية فتح قيسارية في حياة أخيه قال إنما فتحت في آخر سنة ثمان عشرة، ومن قال إنه فتحها في ولايته الشام قال فتحت في سنة تسع عشرة، وذلك الثبت.
وقال بعض الرواة: إنها فتحت في أول سنة عشرين.
382 - قالوا: وكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى معاوية يأمره بتتبع ما بقى من فلسطين.
ففتح عسقلان صلحا بعد كيد.
ويقال: إن عمرو بن العاصى كان فتحها ثم نقض أهلها وأمدهم الروم، ففتحها معاوية وأسكنها الروابط (ص 142) ووكل بها الحفظة.
383 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: سمعت محمد بن يوسف الفاريابى يحدث، عن مشايخ من أهل عسقلان أن الروم أخربت عسقلان وأجلت أهلها عنها في أيام ابن الزبير.
فلما ولى عبد الملك بن مروان بناها وحصنها ورم أيضا قيسارية.
384 - وحدثني محمد بن مصفى قال: حدثنى أبو سليمان الرملي، عن أبيه أن الروم خرجت في أيام ابن الزبير إلى قيسارية فشعثتها وهدمت مسجدها.
فلما استقام لعبد الملك بن مروان الامر رم قيسارية وأعاد(1/169)
مسجدها وأشحنها بالرجال، وبنى صور عكا الخارجة، وكانت سبيلهما مثل سبيل قيسارية.
385 - وحدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام قالوا: ولى الوليد بن عبد الملك سليمان بن عبد الملك جند فلسطين.
فنزل لد.
ثم أحدث مدينة الرملة ومصرها.
وكان أول ما بنى منها قصره والدار التى تعرف بدار الصباغين.
وجعل في الدار صهريجا متوسطا لها.
ثم اختط للمسجد خطة وبناه، فولى الخلافة قبل استتمامه.
ثم بنى فيه بعد في خلافته.
ثم أتمه عمر بن عبد العزيز ونقص من الخطة، وقال: أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذى اقتصرت بهم عليه.
ولما بنى سليمان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا.
واحتفر لاهل الرملة قناتهم التى تدعى بردة، واحتفر آبارا، وولى النفقة على بنائها بالرملة ومسجد الجماعة كاتبا له نصرانيا من أهل لد يقال له البطريق بن النكا، ولم تكن مدينة الرملة قبل سليمان، وكان موضعها رملة.
386 - قالوا: وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن على بن عبد الله ابن العباس لانها قبضت مع أموال بنى أمية.
387 - قالوا: وكان بنو أمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان ابن عبد الملك.
فلما استخلف بنو العباس أنفقوا عليها.
وكان الامر في تلك (ص 143) النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة، فلما استخلف أمير المؤمنين أبو اسحاق المعتصم بالله أسجل بتلك النفقة سجلا فانقطع الاستئمار، وصارت جارية يحتسب بها العمال فتحسب لهم.(1/170)
388 - قالوا: وبفلسطين فروز بسجلات من الخلفاء مفردة من خراج العامة، وبها التخفيف والردود.
وذاك أن ضياعا رفضت في خلافة الرشيد وتركها أهلها، فوجه أمير المؤمنين الرشيد هرثمة بن أعين لعمارتها.
فدعا قوما من
مزارعيها وأكرتها إلى الرجوع إليها على أن يخفف عنهم من خراجهم ولين معاملتهم، فرجعوا، فأولئك أصحاب التخافيف.
وجاء قوم منهم بعد فردت عليهم أرضوهم على مثل ما كانوا عليه، فهم أصحاب الردود.
389 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: لقيت رجلا من العرب بعسقلان.
فأخبرني أن جده ممن أسكنه إياها عبد الملك وأقطعه بها قطيعة مع من أقطع من المرابطة.
قال: وأرانى أرضا.
فقال: هذه من قطائع عثمان بن عفان.
قال بكر: وسمعت محمد بن يوسف الفاريابى يقول: بعسقلان هاهنا قطائع أقطعت بأمر عمر وعثمان لو دخل فيها رجل لم أجد بذلك بأسا.(1/171)
أمر جند قنسرين والمدن التى تدعى العواصم 390 - قالوا: سار أبو عبيدة بن الجراح بعد فراغه من أرض اليرموك إلى حمص فاستقراها.
ثم أتى قنسرين، وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فقاتله أهل مدينة قنسرين، ثم لجأوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحم أبو عبيدة على مثل صلح حمص.
وغلب المسلمون على أرضها وقرارها.
وكان حاضر قنسرين لتنوخ مذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه، وهم في خيم الشعر، ثم (ص 144) ابتنوا به المنازل، فدعاهم أبو عبيدة إلى الاسلام فأسلم بعضهم، وأقام على النصرانية بنو سليح ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
391 - فحدثني بعض ولد يزيد بن حنين الطائى الانطاكي، عن أشياخهم أن جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة أمير المؤمنين المهدى، فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين.
ثم سار أبو عبيدة يريد حلب، فبلغه أن أهل قنسرين قد نقضوا وغدروا.
فوجه إليهم السمط ابن الاسود الكندى فحصرهم ثم فتحها.
392 - حدثنى هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن أبى عبد العزيز عن عبادة بن نسى، عن عبد الرحمن بن غنم قال: رابطنا مدينة قنسرين مع السمط - أو قال شرحبيل بن السمط -.
فلما فتحها أصاب فيها بقرا وغنما.
فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم.
وكان حاضر طيئ قديما نزلوه بعد حرب الفساد التى كانت بينهم حين نزل الجبلين من نزل منهم وتفرق باقوهم في البلاد.
فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم، وصالح كثير منهم على الجزية.
ثم أسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذ عن جماعتهم.
وكان بقرب مدينة حلب حاضر يدعى(1/172)
حاضر حلب يجمع أصنافا من العرب من تنوح وغيرهم.
فصالحهم أبو عبيدة على الجزية.
ثم إنهم أسلموا بعد ذلك فكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد.
ثم إن أهل ذلك الحاضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها، فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم.
فكان أسبقهم إلى إنجادهم وإغاثتهم العباس بن زفر ابن عاصم الهلالي بالخؤولة، لان أم عبد الله بن (ص 145) العباس لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية.
فلم يكن لاهل ذلك الحاضر به وبمن معه طاقة، فأجلوهم عن حاضرهم وأخربوه.
وذلك في أيام فتنة محمد بن الرشيد.
فانتقلوا إلى قنسرين فتلقاهم أهلها بالاطعمة والكسى.
فلما دخلوها أرادوا التغلب عليها فأخرجوهم عنها فتفرقوا في البلاد، فمنهم قوم بتكريت قد رأيتهم، ومنهم قوم بأرمينية وفى بلدان كثيرة متباينة.
393 - وأخبرني أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله قال: سمعت شيخا من مشايخ بنى صالح بن على بن عبد الله بن عباس يحدث أمير المؤمنين المعتصم بالله
رحمه الله سنة غزا عمورية قال: لما ورد العباس بن زفر الهلالي حلب لاغائة الهاشميين ناداه نسوة منهم: يا خال ! نحن بالله ثم بك.
فقال: لا خوف عليكم إن شاء الله، خذلني الله إن خذلتكم.
قال: وكان حيار بنى القعقاع بلدا معروفا قبل الاسلام، وبه كان مقيل المنذر بن ماء السماء اللخمى ملك الحيرة.
فنزله بنو القمقاع بن خليد بن جزء بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض، أوطنوه فنسب إليهم.
وكان عبد الملك بن مروان أقطع القعقاع به قطيعة، وأقطع عمه العباس ابن جزء بن الحارث قطائع أوغرها له إلى اليمن فأوغرت بعده.
وكانت(1/173)
أو أكثرها مواتا.
وكانت ولادة بنت العباس بن جزء عند عبد الملك، فولدت له الوليد وسليمان.
394 - قالوا: ورحل أبو عبيدة إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهرى.
وكان أبوه يسمى عبد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال عبد غنم فقال: أنا عياض بن غنم.
فوجد أهلها قد تحصنوا فنزل عليها.
فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والامان (ص 146) على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحسن الذى بها.
فأعطوا ذلك، فاستثنى عليهم موضع المسجد.
وكان الذى صالحهم عليه عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه.
وزعم بعض الرواة أنهم صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم.
وقال بعضهم: إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا، وذلك أن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية، وأنهم إنما صالحوه عن مدينتهم وهم بأنطاكية، راسلوه في ذلك فلما تم صلحهم رجعوا إلى حلب.
395 - قالوا: وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية وقد تحصن بها خلق من أهخل جند قنسرين.
فلما صار بمهروبة، وهى على قريب فرسخين من مدينة أنطاكية، لقيه جمع للعدو.
ففضهم وألجأهم إلى المدينة، وحاصر أهلها من جميع أبوابها.
وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذى يدعى باب البحر.
ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء.
فجلا بعضهم وأقام بعضهم.
فأمنهم ووضع على كل حالم منهم دينارا وجريبا.
ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض ابن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الاول.
ويقال: بل نقضوا بعد رجوعه إلى فلسطين، فوجه عمرو بن العاصى من إيلياء ففتحها، ثم رجع فمكث يسيرا حتى طلب أهل إيلياء الامان والصلح.
والله أعلم.(1/174)
396 - وحدثني محمد بن سهم الانطاكي عن أبى صالح الفراء قال، قال مخلد بن الحسين: سمعت مشايخ الثغر يقولون: كانت أنطاكية عظيمة الذكر والامر عند عمر وعثمان.
فلما فتحت كتب عمر إلى أبى عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة من المسلمين أهل نبات وحسبة، وأجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء.
ثم لما ولى معاوية (ص 147) كتب إليه بمثل ذلك.
ثم إن عثمان كتب إليه يأمره أن يلزمها قوما وأن يقطع قطائع ففعل.
قال ابن سهم: وكنت واقفا على جسر أنطاكية على الارنط فسمعت شيخا مسنا من أهل أنطاكية وأنا يومئذ غلام يقول: هذه الارض قطيعة من عثمان لقوم كانوا في بعض أبى عبيدة، أقطعهم إياها أيام ولاية عثمان معاوية الشام.
397 - قالوا: ونقل معاوية بن أبى سفيان إلى أنطاكية في سنة اثنتين وأربعين جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص ومن المصرين.
فكان منهم مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الانطاكي.
وكان
مسلم قتل على باب من أبواب أنطاكية يعرف اليوم بباب مسلم.
وذلك أن الروم خرجت من الساحل فأناخت على أنطاكية، فكان مسلم على السور، فرماه علج بحجر فقتله.
398 - وحدثني جماعة من مشايخ أهل أنطاكية منهم ابن برد الفقيه أن الوليد بن عبد الملك أقطع جندا بأنطاكية أرض سلوقية عند الساحل، وصير الفلثر، وهو الجريب، بدينار ومدى قمح فعمروها، وجرى ذلك لهم، وبنى حصن سلوقية.(1/175)
399 - قالوا: وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك فوقفها في سبيل البر.
وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضا.
وكانت الاسكندرية له، ثم صارت لرجاء مولى المهدى إقطاعا فورثه منصور وإبراهيم ابنا المهدى.
ثم صارت لابراهيم بن سعيد الجوهرى، ثم لاحمد بن أبى دؤاد الايادي ابتياعا.
ثم انتقل ملكها إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمه الله.
400 - فحدثني ابن برد الانطاكي، وغيره قالوا: أقطع مسلمة بن عبد الملك قوما من ربيعة قطائع، فقبضت وصارت بعد للمأمون، وجرى أمرها على يد صالح الخازن صالح الدار بأنطاكية.
(ص 148) 401 - قالوا: وبلغ أبا عبيدة أن جمعا للروم بين معرة مصرين وحلب، فلقيهم وقتل عدة بطارقة، وفض ذلك الجيش وسبى وغنم.
وفتح معرة مصرين على مثل صلح حلب.
وجالت خيوله فبلغت بوقا، وفتحت قرى الجومة وسرمين ومرتحوان وتيزين.
وصالحوا أهل دير طيايا (كذا) ودير الفسيلة على أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين، وأتاه نصارى خناصرة فصالحهم.
وفتح أبو عبيدة جميع أرض قنسرين وأنطاكية.
402 - حدثنى العباس بن هشام، عن أبيه قال: خناصرة نسبت إلى خناصر بن عمرو بن الحارث الكلبى ثم الكنانى، وكان صاحبها.
وبطنان حبيب نسب إلى حبيب بن مسلمة الفهرى، وذلك أن أبا عبيدة أو عياض بن غنم وجهه من حلب ففتح حصنا بها فنسب إليه.
403 - قالوا: وسار أبو عبيدة يريد قورس، وقدم أمامه عياضا.
فتلقاه راهب من رهبانها يسأل الصلح عن أهلها.
فبعث به إلى أبى عبيدة وهو بين(1/176)
جبرين وتل أعزاز فصالحه، ثم أتى قورس فعقد لاهلها عهدا وأعطاهم مثل الذى أعطى أهل أنطاكية، وكتب للراهب كتابا في قرية له تدعى شرقينا، وبث خيله فغلب على جميع أرض قورس إلى آخر حد نقابلس.
404 - قالوا: وكانت قورس كالمسلحة لانطاكية يأتها في كل عام طالعة من جند أنطاكية ومقاتلتها، ثم حول إليها ربع من أرباع أنطاكية وقطعت الطوالع عنها.
ويقال إن سلمان بن ربيعة الباهلى كان في جيش أبى عبيدة مع أبى أمامة الصدى بن عجلان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فنزل حصنا بقورس فنسب إليه، وهو يعرف بحصن سلمان.
ثم قفل من الشام فيمن أمد به (ص 149) سعد بن أبى وقاص وهو بالعراق.
وقيل إن سلمان بن ربيعة كان غزا الروم بعد فتح العراق وقبل شخوصه إلى أرمينية فعسكر عند هذا الحصن وقد خرج من ناحية مرعش فنسب إليه.
وسلمان وزياد من الصقالبة الذين رتبهم مروان بن محمد في الثغور.
وسمعت من يذكر أن سلمان هذا رجل من الصقالبة نسب إليه الحصن والله أعلم.
405 - قالوا: وأتى أبو عبيدة حلب الساجور وقدم عياضا إلى منبج، ثم لحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية، فأنفذ أبو عبيدة ذلك.
وبعث عياض بن غنم إلى ناحية دلوك ورعبان، فصالحه أهلها على مثل صلح منبج،
واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين.
وولى أبو عبيدة كل كورة فتحها عاملا، وضم إليه جماعة من المسلمين، وشحن النواحى المخوفة.
406 - قالوا: ثم سار أبو عبيدة حتى نزل عراجين.
وقدم مقمدته إلى بالس.
وبعث حيشا عليه حبيب بن مسلمة إلى قاصرين.
وكانت بالس وقاصرين لاخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التى بالقرب منهما، وجعلا(1/177)
حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام.
فلما نزل المسلمون بها صالحهم على الجزية والجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج، ولم يكن يومئذ إنما اتخذ في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه للصوائف.
ويقال بل كان له رسم قديم.
407 - قالوا: رتب أبو عبيدة ببالس جماعة من المقاتلة وأسكنها قوما من العرب الذين كانوا بالشام، فأسلموا بعد قدوم المسلمين الشام، وقوما لم يكونوا من البعوث نزعوا من البوادى من قيس، وأسكن قاصرين قوما ثم رفضوها أو اعقابهم.
وبلغ أبو عبيدة الفرات ثم رجع إلى (ص 150) فلسطين.
وكانت بالس والقرى المنسوبة إليها في حدها الاعلى والاوسط والاسفل أعذاء عشرية.
فلما كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان توجه غازيا للروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس.
فأتاه أهلها وأهل بويلس (كذا) وقاصرين وعابدين وصفين، وهى قرى منسوبة إليها.
فأتاه أهل الحد الاعلى فسألوه جميعا أن يحفر لهم نهرا من الفرات يسقى أرضهم، على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان الذى كان يأخذه، ففعل.
فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة، ووفوا له بالشرط، ورم سور المدينة وأحكمه.
ويقال بل كان ابتداء العرض من مسلمة، وأنه دعاهم إلى هذه المعاملة.
فلما مات مسلمة صارت بالس وقراها لورثته.
فلم تزل في أيديهم إلى أن جاءت الدولة المباركة وقبض عبد الله بن على أموال بنى أمية فدخلت فيها.
فأقطعها أمير المؤمنين أبو العباس سليمان بن على بن عبد الله بن العباس فصار لابنه محمد ابن سليمان.
وكان جعفر بن سليمان أخوه يسعى به إلى أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله ويكتب إليه فيعمله أنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد اجتاز إضعاف قيمته(1/178)
وأنفقه فيما يرشح له نفسه وعلى من اتخذ من الخول، وان أمواله حل طلق لامير المؤمنين.
وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه.
فلما توفى محمد بن سليمان أخرجت كتبه إلى جعفر واحتج عليه بها.
ولم يكن لمحمد أخ لابيه وأمه غيره فأقر بها، وصارت أمواله للرشيد.
فأقطع بالس وقراها المأمون رحمه الله، فصارت لولده من بعده.
408 - حدثنى هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن تميم بن عطية، عن عبد الله بن قيس الهمداني قال: قدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الجابية.
فأراد قسمة الارض بين المسلمين لانها فتحت عنوة، فقال له معاذ بن جبل: والله لئن قسمتها ليكونن ما نكره، ويصير الشئ الكثير في أيدى القوم ثم يبيدون فيبقى (ص 151) ذلك لواحد، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون عن الاسلام مسدا فلا يجدون شيئا.
فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم.
فصار إلى قول معاذ.
409 - حدثنى الحسين بن على بن الاسود العجلى عن يحيى بن آدم عن مشايخ من الجزريين عن سليمان بن عطاء عن سلمة الجهني، عن عمه أن صاحب بصرى ذكر أنه كان صالح المسلمين على طعام وزيت وخل.
فسأل عمر أن يكتب له بذلك، وكذبه أبو عبيدة وقال: إنما صالحناه على شئ ينتفع به المسلمون لمشتاهم.
ففرض عليهم الجزية على الطبقات والخراج
على الارض.
410 - وحدثني الحسين قال: حدثنا محمد بن عبد الاحدب قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع، عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى أمراء الجزية أن لا يضربوها إلا على من(1/179)
جرت عليه الموسى.
وجعلها على أهل الذهب أربعة دنانير، وجعل عليهم لارزاق المسلمين من الحنطة لكل رجل مديين، ومن الزيت ثلاثة أقساط بالشام والجزيرة، مع إضافة من نزل بهم ثلاثا.
411 - وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد، عن مكحول قال: كل عشرى بالشام فهو مما جلا عنه أهله فأقطعه المسلمون فأحيوه، وكان مواتا لا حق فيه لاحد فأحيوه بإذن الولاة.(1/180)
أمر قبرس 412 - قال الواقدي وغيره: غزا معاوية بن أبى سفيان في البحر غزوة قبرس الاولى، ولم يركب المسلمون بحر الروم قبلها.
وكان معاوية استأذن عمر في غزو البحر فلم يأذن له.
فلما ولى عثمان بن عفان كتب إليه يستأذنه في غزوة قبرس ويعلمه قربها وسهولة الامر فيها.
فكتب إليه أن قد شهدت (ص 152) ما رد عليك عمر رحمه الله حين استأمرته في غزو البحر.
فلما دخلت سنة سبع وعشرين كتب إليه يهون عليه ركوب الحبر إلى قبرس.
فكتب إليه عثمان: فإن ركبت ومعك امرأتك فاركبه مأذونا لك وإلا فلا.
فركب البحر من عكا ومعه مراكب كثيرة، وحمل امرأته فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل ابن عبد مناف بن قصى، وحمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان
الانصارية، وذلك في سنة ثمان وعشرين بعد انحسار الشتاء، ويقال في سنة تسع وعشرين.
فلما صار المسلمون إلى قبرس فأرقوا إلى ساحلها - وهى جزيزة في البحر تكون فيما يقال ثمانين فرسخا في مثلها - بعث إليهم أركونها يطلب الصلح وقد أذعن أهلها به.
فصالحهم على سبعة آلاف ومائتي دينار يؤدونها في كل عام، وصالحهم الروم على مثل ذلك فهم يؤدون خرجين.
واشترطوا أن لا يمنعهم المسلمون أداء الصلح إلى الروم.
واشترط عليهم المسلمون أن لا يقاتلوا عنهم من أرادهم من ورائهم، وأن يؤذنوا المسلمين بسير عدوهم من الروم.
فكان المسلمون إذا ركبوا البحر لم يعرضوا لهم ولم ينصرهم أهل قبرس، ولم ينصروا عليهم.
فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين أعانوا الروم على الغزاة في البحر بمراكب أعطوهم إياها، فغزاهم معاوية سنة ثلاث وثلاثين في خمس مئة مركب، ففتح(1/181)
قبرس عنوة، فقتل وسبى ثم أقرهم على صلحهم.
وبعث إليها باثنى عشر ألفا كلهم أهل ديوان، فبنوا بها المساجد.
ونقل إليها جماعة من بعلبك، وبنى بها مدينة.
وأقاموا يعطون الاعطية إلى أن توفى معاوية وولى بعده ابنه يزيد، فأقفل ذلك البعث وأمر بهدم المدينة.
وبعض الرواة يزعم أن غزوة معاوية الثانية قبرس في سنة خمس وثلاثين.
413 - وحدثني محمد بن مصفى الحمصى، عن الوليد قال: بلغنا أن يزيد بن معاوية رشى مالا عظيما (ص 153) ذا قدر حتى أقفل جند قبرس، فلما قفلوا هدم أهل قبرس مدينتهم ومساجدهم.
414 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد السلام بن موسى، عن أبيه قال: لما غزيت قبرس الغزوة الاولى ركبت أم حرام بنت ملحان
مع زوجها عبادة بن الصامت.
فلما انتهوا إلى قبرس خرجت من المركب وقدمت إليها دابة لتركبها فعثرت بها فقتلتها، فقبرها بقبرس يدعى قبر المرأة الصالحة.
415 - قالوا: وغزا مع معاوية أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الانصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وفضالة ابن عبيد الانصاري، وعمير بن سعد بن عبيد الانصاري، وواثلة بن الاسقع الكنانى، وعبد الله بن بشر المازنى، وشداد بن أوس بن ثابت، وهو ابن أخى حسان بن ثابت، والمقداد، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نفير الحضرمي.(1/182)
416 - حدثنى هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو أن معاوية بن أبى سفيان غزا قبرس بنفسه ومعه امرأته.
ففتحها الله فتحا عظيما وغنم المسلمين غنما حسنا.
ثم لم يزل المسلمون يغزونهم حتى صالحهم معاوية في أيامه صلحا دائما على سبعة آلاف دينار، وعلى النصيحة للمسلمين وإنذارهم عدوهم من الروم.
هذا أو نحوه.
417 - قالوا: وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك أجلى منهم خلقا إلى الشام لامر اتهمهم به.
فأنكر الناس ذلك فردهم يزيد بن عبد الملك إلى بلدهم.
وكان حميد بن معيوف الهمداني غزاهم في خلافة الرشيد لحدث أحدثوه، فأسر منهم بشرا، ثم إنهم استقاموا للمسلمين فأمر الرشيد برد من أسر منهم فردوا.
418 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي في إسناده قال: لم يزل أهل قبرس على صلح معاوية حتى ولى عبد الملك بن مروان، فزاد عليهم ألف دينار.
فجرى ذلك إلى خلافة عمر بن عبد العزيز فحطها (ص 154) عنهم.
ثم لما ولى هشام بن عبد الملك ردها.
فجرى ذلك إلى خلافة أبى جعفر المنصور فقال: نحن أحق من أنصفهم ولم نتكثر بظلمهم.
فردهم إلى صلح معاوية.
419 - وحدثني بعض أهل العلم من الشاميين وأبو عبيد القاسم بن سلام قالوا: أحدث أهل قبرس حدثا في ولاية عبد الملك بن صالح بن على بن عبد الله ابن عباس الثغور، فأراد نقض صلحهم والفقهاء متوافرون.
فكتب إلى الليث(1/183)
ابن سعد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وموسى بن أعين، واسماعيل ابن عياش، ويحيى بن حمزة، وأبى اسحاق الفزارى، ومخلد بن الحسين في أمرهم فأجابوه.
وكان فيما كتب به الليث بن سعد " إن أهل قبرس قوم لم نزل نتهمهم بغش أهل الاسلام ومناصحة أعداء الله الروم، وقد قال الله تعالى * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * (1) ولم يقل لا تنبذ إليهم حتى تستيقن خيانتهم.
وإنى أرى أن تنبذ إليهم، وينظروا سنة يأتمرون.
فمن أحب اللحاق ببلاد المسلمين على أن يكون ذمة يؤدى الخراج قبلت ذلك، ومن أرأد أن ينتحى إلى بلاد الروم فعل، ومن أراد المقام بقبرس على الحرب أقام، فكانوا عدوا يقاتلون ويغزون، فإن في إنظار سنة قطعا لحجتهم ووفاء بعدهم.
" وكان فيما كتب به مالك بن أنس: " إن أمان أهل قبرس كان قديما متظاهرا من الولاة لهم.
وذلك لانهم رأو أن إقرارهم على حالهم ذل وصغار لهم وقوة للمسلمين عليهم بما يأخذون من جزيتهم ويصيبون به من الفرصة في عدوهم.
ولم أجد أحدا من الولاة نقض صلحهم ولا أخرجهم عن بلدهم.
وأنا أرى أن لا تعجل بنقض عهدهم ومنابذتهم حتى تتجه الحجة عليهم، فإن الله يقول * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) * (2) فإن هم لم يستقيموا بعد ذلك (ص 155) ويدعوا غشهم ورأيت أن الغدر ثابت منهم أوقعت بهم،
فكان ذلك بعد الاعذار فرزقت النصر، وكان بهم الذل والخزى إن شاء الله تعالى " وكتب سفيان بن عيينة: " إنا لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قوما فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة، فإنه من عليهم، وكان نقضهم أنهم نصروا حلفاءهم على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة.
وكان
__________
(1) السورة 8، الآية 58.
(2) السورة 9، الآية 4.
(*)(1/184)
فيما أخذ على أهل نجران أن لا يأكلوا الربا، فحكم فيهم عمر رحمه الله حين أكلوه بإجلائهم.
فإجماع القوم أنه من نقض عهدا فلا ذمة له.
" وكتب موسى بن أعين: " قد كان يكون مثل هذا فيما خلا فيعمل الولاة فيه النظرة.
ولم أر أحدا ممن مضى نقض أهل قبرس ولا غيرها، ولعل عامتهم وجماعتهم لم يمالئوا على ما كان من خاصتهم.
وأنا أرى الوفاء لهم والتمام على شرطهم، وإن كان منهم الذى كان.
وقد سمعت الاوزاعي يقول في قوم صالحوا المسلمين ثم أخبروا المشركين بعورتهم ودلوهم عليها: إنهم إن كانوا ذمة فقد نقضوا عهدهم وخرجوا من ذمتهم، فإن شاء الوالى قتل وصلب، وإن كانوا صلحا لم يدخلوا في ذمة المسلمين نبذ إليهم الوالى على سواء " إن الله لا يحب كيد الخائنين " (1).
وكتب اسماعيل بن عياش: " أهل قبرس أذلاء مقهورون يغلبهم الروم على أنفسهم ونسائهم، فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم.
وقد كتب حبيب ابن مسلمة لاهل تفليس في عهده أنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم وقهركم عدوكم، فإن ذلك غير ناقض عهدكم بعد أن تفوا للمسلمين.
وأنا أرى أن يقروا على عهدهم وذمتهم، فإن الوليد بن يزيد قد كان أجلاهم إلى الشام فاستفظع
ذلك المسلمون واستعظمه الفقهاء، فلما ولى يزيد بن الوليد بن عبد الملك ردهم إلى قبرس، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله ورأوه عدلا ".
وكتب يحيى بن حمزة: " إن أمر قبرس كأمر عربسوس (ص 156) فإن فيها قدوة حسنة وسنة متبعة.
وكان من أمرها أن عمير بن سعد قال لعمر ابن الخطاب وقدم عليه: إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عربسوس.
وإنهم يخبرون عدونا بعوراتنا ولا يظهرونا على عورات عدونا.
فقال عمر: فإذا
__________
(1) اقتباس من القرآن سورة 12، الآية 52.
(*)(1/185)
قدمت فخيرهم أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين.
ومكان كل شئ شيئين، فإذا رضوا بذلك فاعطهم إياه وأجلهم وأخربها.
فإن أبوا فانبذ إليهم وأجلهم سنة، ثم أخربها.
فانتهى عمير إلى ذلك فأبوا.
فأجلهم سنة ثم أخربها.
وكان لهم عهد كعهد أهل قبرس.
وترك أهل قبرس على صلحهم والاستعانة بما يؤذن على أمور المسلمين أفضل.
وكل أهل عهد لا يقاتل المسلمون من ورائهم ويجرى عليهم أحكامهم في دارهم فليسوا بذمة، ولكنهم أهل فدية يكف عنهم ما كفوا ويوفى لهم بعهدهم ما وفوا ورضوا، ويقبل عفوهم ما أدوا.
وقد روى عن معاذ بن جبل أنه كره أن يصالح أحد من العدو على شئ معلوم إلا أن يكون المسلمون مضطرين إلى صلحهم، لانه لا يدرى لعل صلحهم نفع وعز للمسلمين ".
وكتب أبو اسحاق الفزارى ومخلد بن الحسين " إنا لم نر شيئا اشبه بأمر قبرس من أمر عربسوس، وما حكم به فيها عمر بمن الخطاب فإنه عرض عليهم ضعف مالهم على أن يخرجوا منها أو نظرة سنة بعد نبذ عهدهم إليهم، فأبوا
الاولى فانظروا.
ثم أخربت وقد كان الاوزاعي يحدث أن قبرس فتحت فتركوا على حالهم وصولحوا على أربعة عشر ألف دينار: سبعة آلاف للمسلمين وسبعة آلاف للروم، على أن لا يكتموا الروم أمر المسلمين.
وكان يقول: ما وفى لنا أهل قبرس قط، وإنا لنرى أنهم أهل عهد، وأن صلحهم وقع على شئ فيه شرط لهم وشرط عليهم، ولا يستقيم نقضه إلا بأمر يعرف فيه غدرهم ونكثهم ".(1/186)
أمر السامرة 420 - حدثنى هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو أن أبا عبيدة بن الجراح صالح السامرة بالاردن وفلسطين، وكانوا عيونا وأدلاء للمسلمين، على جزية رؤوسهم وأطعمهم أرضهم.
فلما كان يزيد بن معاوية وضع الخراج على أرضهم.
421 - وأخبرني قوم من أهل المعرفة بأمر جندي الاردن وفلسطين أن يزيد بن معاوية وضع الخراج على أراضي السامرة بالاردن، وجعل على رأس كل امرئ منهم دينارين، ووضع الخراج أيضا على أرضيهم بفلسطين، وجعل على رأس كل امرئ منهم خمسة دنانير.
والسامرة يهود، وهم صنفان: صنف يقال لهم الدستان، وصنف يقال لهم الكوشان.
422 - قالوا: وكان بفلسطين في أول خلافة أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله طاعون جارف ربما أتى على جميع أهل البيت.
فخربت أرضوهم وتعطلت.
فوكل السلطان بها من عمرها، وتألف الاكرة والمزارعين إليها، فصارت ضياعا للخلافة، وبها السامرة.
فلما كانت سنة ست وأربعين ومائتين رفع أهل قرية من تلك الضياع تدعى بيت ماما، من كورة نابلس، وهم سامرة، يشكون ضعفهم وعجزهم عن أدآء الخراج على خمسة دنانير.
فأمر المتوكل على الله بردهم
إلى ثلاثة دنانير ثلاثة دنانير.(1/187)
423 - حدثنى هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو (ص 158) وسعيد بن عبد العزيز أن الروم صالحت معاوية على أن يؤدى إليهم مالا، وارتهن معاوية منهم رهناء فوضعهم ببعلبك.
ثم إن الروم غدرت، فلم يستحل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم، وخلوا سبيلهم وقالوا: وفاء بغدر، خير من غدر بغدر.
قال هشام: وهو قول العلماء، الاوزاعي وغيره.(1/188)
أمر الجراجمة 424 - حدثنى مشايخ من أهل أنطاكية أن الجراجمة من مدينة على جبل اللكام عند معدن الزاج، فيما بين بياس وبوقا، يقال لها الجرجومة.
وأن أمرهم كان في أيام استيلاء الروم على الشام وأنطاكية إلى بطريق أنطاكية وواليها.
فلما قدم أبو عبيدة أنطاكية وفتحها لزموا مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذا خافوا على أنفسهم، فلم ينتبه المسلمون لهم ولم ينبهوا عليهم.
ثم إن أهل أنطاكية نقضوا وغدروا، فوجه إليهم أبو عبيدة من فتحها ثانية، وولاها بعد فتحها حبيب بن مسلمة الفهرى.
فغزا الجرجومة فلم يقاتله أهلها، ولكنهم بدروا بطلب الامان والصلح.
فصالحوه على أن يكونوا أعوانا للمسلمين وعيونا ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية، وأن ينفلوا أسلاب من يقتلون من عدو المسلمين إذا حضروا معهم حربا في مغازيهم.
ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الانباط وغيرهم وأهل القرى في هذا الصلح، فسموا الرواديف لانهم تلوهم وليسوا منهم.
ويقال إنهم جاؤا بهم
إلى عسكر المسلمين وهم أرداف لهم فسموا رواديف.
فكان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة ويعوجون أخرى فيكاتبون (ص 159) الروم ويمالئونهم.
فلما كانت أيام ابن الزبير وموت مروان بن الحكم وطلب عبد الملك الخلافة بعده لتوليته إياه عهده واستعداده للشخوص إلى العراق لمحاربة المصعب ابن الزبير، خرجت خيل للروم إلى جبل اللكام وعليها قائد من قوادهم، ثم صارت إلى لبنان وقد ضوت إليها جماعة كثيرة من الجراجمة وأنباط وعبيد أباق من عبيد المسلمين.
فاضطر عبد الملك إلى أن صالحهم على ألف دينار في كل جمعة، وصالح طاغية الروم على مال يؤديه إليه لشغله عن محاربته وتخوفه أن(1/189)
يخرج إلى الشام فيغلب عليه.
واقتدى في صلحه بمعاوية حين شغل بحرب أهل العراق فإنه صالحهم على أن يؤدى إليهم مالا وارتهن منهم رهناء وضعهم ببعلبك.
ووافق ذلك أيضا طلب عمرو بن سعيد بن العاصى الخلافة وإغلاقه أبواب دمشق حين خرج عبد الملك عنها فازداد شغلا، وذلك في سنة سبعين.
ثم إن عبد الملك وجه إلى الرومي سحيم بن المهاجر فتلطف حتى دخل عليه متنكرا، فأظهر الممالاة له وتقرب إليهم بذم عبد الملك وشتمه وتوهين أمره، حتى أمنه واغتر به.
ثم إنه انكفأ عليه بقوم من موالى عبد الملك وجنده كان أعدهم لمواقعته ورتبهم بمكان عرفه.
فقتله ومن كان معه من الروم، ونادى في سائر من ضوى إليه بالامان.
فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق.
ورجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام وأتى الانباط قراهم، فرجع العبيد إلى مواليهم.
وكان ميمون الجرجمانى عبدا روميا لبنى أم الحكم أخت معاوية بن أبى سفيان وهم ثقفيون، وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه
(ص 160) بجبل لبنان معهم.
فبلغ عبد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه أن يعتقوه ففعلوا.
وقوده على جماعة من الجند وصيره بأنطاكية، فغزا مع مسلمة بن عبد الملك الطوانة، وهو على ألف من أهل أنطاكية.
فاستشهد بعد بلاء حسن وموقف مشهود.
فغم عبد الملك مصابه وأغزى الروم جيشا عظيما طلبا بثأره.
425 - قالوا: ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم وأتاهم قوم من الروم من قبل الاسكندرونة وروسس.
فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم في خلق من الخلق، فافتتحها على أن(1/190)
ينزلوا بحيث أحبوا من الشام، ويجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير، وعلى عيالاتهم القوت من القمح والزيت، وهو مديان من قمح وقسطان من زيت، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية، وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين، ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية، وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة، وعلى أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين.
فأخرب مدينتهم وأنزلهم فأسكنهم جبل الحوار وسنح اللولون (كذا) وعمق تيزين.
وصار بعضهم إلى حمص ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية، ثم هرب إلى بلاد الروم.
وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم، فرفعوا ذلك إلى الواثق بالله رحمه الله وهو خليفة فأمر بإسقاطها عنهم.
426 - وحدثني بعض من أثق به من الكتاب أن المتوكل على الله رحمه الله أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة، وأن تجرى عليهم الارزاق،
إذ كانوا ممن يستعان به في المسالح وغير ذلك.
وزعم أبو الخطاب الازدي أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيام عبد الملك على (ص 161) قرى أنطاكية والعمق، وإذا غزت الصوائف قطعوا على المتخلف واللاحق ومن قدروا عليه ممن في أواخر العسكر، وغالوا في المسلمين.
فأمر عبد الملك ففرض لقوم من أهل أنطاكية وأنباطها، وجعلوا مسالح، وأردفت بها عساكر الصوائف ليؤدبوا الجراجمة عن أواخرها، فسموا الرواديف.
وأجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير.
والخبر الاول أثبت.(1/191)
427 - وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد، عن مكحول قال: نقل معاوية في سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين إلى السواحل قوما من زط البصرة والسيابجة وأنزل بعضهم أنطاكية.
قال أبو حفص: فبأنطاكية محلة تعرف بالزط.
وببوقا من عمل أنطاكية قوم من أولادهم يعرفون بالزط.
وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل إلى أنطاكية قوما من الزط السند ممن حمله محمد بن القاسم إلى الحجاج.
فبعث بهم الحجاج إلى الشام.
428 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك، فوجه صالح بن على بن عبد الله بن عباس من قتل مقاتلتهم وأقر من بقى منهم على دينهم وردهم إلى قراهم، وأجلى قوما من أهل لبنان.
429 - فحدثني القاسم بن سلام أن محمد بن كثير حدثه، أن الاوزاعي كتب إلى صالح رسالة طويلة حفظ منها: " وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن
قتلت بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت، فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة، حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم، وحكم الله تعالى أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه.
ثم ذكر كلاما.(1/192)
430 - حدثنى محمد بن سهم الانطاكي قال: حدثنى معاوية بن عمرو، عن أبى اسحاق (ص 162) الفزارى قال كانت بنو أمية تغزو الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلى ثغور الشام والجزيرة، وتقيم المراكب للغزو، وترتب الحفظة في السواحل، ويكون الاغفال والتفريط خلال الحزم والتيقظ.
فلما ولى أبو جعفر المنصور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها وحصنها وبنى ما احتاج إلى البناء منها، وفعل مثل ذلك بمدن الثغور.
ثم لما استخلف المهدى استتم ما كان بقى من المدين والحصون وزاد في شحنها.
قال معاوية بن عمرو: وقد رأينا من اجتهاد أمير المؤمنين هارون في الغزو ونفاذ بصيرته في الجهاد أمرا عظيما.
أقام من الصناعة ما لم يقم قبله، وقسم الاموال في الثغور والسواحل، وأشجى الروم وقمعهم.
وأمر المتوكل على الله بترتيب المراكب في جميع السواحل وأن تشحن بالمقاتلة، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين.(1/193)
الثغور الشامية 431 - حدثنى مشايخ من أهل أنطاكية وغيرهم قالوا: كانت ثغور المسلمين الشامية أيام عمر وعثمان رضى الله عنهما وما بعد ذلك أنطاكية وغيرها من المدن
التى سماها الرشيد عواصم.
فكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزوهم اليوم ما وراء طرسوس.
وكان فيما بين الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم كالحصون والمسالح التى يمر بها المسلمون اليوم.
فربما أخلاها أهلها وهربوا إلى بلاد الروم خوفا، وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به.
وقد قيل إن هرقل أدخل أهل هذه المدن معه عند انتقاله من أنطاكية لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم.
والله أعلم.
432 - وحدثني ابن طسون (؟) البغراسى عن أشياخهم أنهم قالوا: الامر المتعالم (ص 163) عندنا أن هرقل نقل أهل هذه الحصون معه وشعثها.
فكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا بها أحدا، وربما كمن عندها القوم من الروم فأصابوا غرة المتخلفين عن العسكر والمنقطعين عنها، فكان ولاة الشواتى والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها جندا كثيفا إلى خروجهم.
وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب، وهو درب بغراس، فقال بعضهم: قطعه ميسرة بن مسروق العبسى، وجهه أبو عبيدة بن الجراح فلقى جمعا للروم ومعهم متسعربة من غسان وتنوخ وإياد يريدن اللحاق بهرقل، فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة.
ثم لحق به مالك الاشتر النخعي مددا من قبل أبى عبيدة وهو بأنطاكية.
وقال بعضهم: أول من قطع الدرب عمير بن سعد الانصاري حين توجه في أمر جبلة بن الايهم.(1/194)
وقال أبو الخطاب الازدي: بلغني أن أبا عبيدة نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة وطرسوس وقد جلا أهلها وأهل الحصون التى تليها، فأدرب، فبلغ في غزاته زندة.
وقال غيره: إنما وجه ميسرة بن مسروق فبلغ زندة.
433 - حدثنى أبو صالح الفراء عن رجل من أهل دمشق يقال له عبد الله بن الوليد عن هشام بن الغاز، عن عبادة بن نسى فيما يحسب أبو صالح قال: لما غزا معاوية غزوة عمورية في سنة خمس وعشرين، وجد الحصون فيما بين أنطاكية وطرسوس خالية، فوقف عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين حتى انصرف من غزاته.
ثم أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد بن الحر العبسى الصائفة، وأمره ففعل مثل ذلك، وكانت الولاة تفعله.
وقال هذا الرجل: ووجدت في كتاب مغازى معاوية: إنه غزا سنة إحدى وثلاثين من ناحية المصيصة.
فبلغ درولية، فلما خرج (ص 164) جعل لا يمر يحصن فيما بينه وبين أنطاكية إلا هدمه.
434 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي وغيره قال: لما كانت سنة أربع وثمانين غزا على الصائفة عبد الله بن عبد الملك بن مروان، فدخل من درب أنطاكية وأتى المصيصة.
فبنى حصنها على أساسه القديم، ووضع بها سكانا من الجند فيهم ثلاث مئة رجل انتخبهم من ذوى البأس والنجدة المعروفين، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك، وبنى فيها مسجدا فوق تل الحصن.
ثم سار في جيشه حتى غزا حصن سنان ففتحه ووجه يزيد بن حنين الطائى الانطاكي فأغار ثم انصرف إليه.(1/195)
وقال أبو الخطاب الازدي: كان أول من ابتنى حصن المصيصة في الاسلام عبد الملك بن مروان على يد ابنه عبد الله بن عبد الملك في سنة أربع وثمانين على أساسها القديم.
فتم بناؤها وشحنها في سنة خمس وثمانين.
وكانت في الحصن كنيسة جعلت هريا.
وكانت الطوالع من أنطاكية تطلع عليها في كل عام
فتشتو بها ثم تنصرف، وعدة من كان يطلع إليها ألف وخمس مئة إلى الالفين.
وقال: وشخص عمر بن عبد العزيز حتى نزل هرى المصيصة وأراد هدمها وهدم الحصون بينها وبين أنطاكية، وقال: أكره أن يحاصر الروم أهلها.
فأعلمه الناس أنها إنما عمرت ليدفع من بها من الروم عن أنطاكية، وأنه إن أخرجها لم يكن للعدو ناهية دون أنطاكية.
فأمسك وبنى لاهلها مسجدا جامعا من ناحية گفربيا، واتخذ فيه صهريجا، وكان اسمه عليه مكتوبا.
ثم إن المسجد خرب في خلافة المعتصم بالله وهو يدعى مسجد الحصن.
قال: ثم بنى هشام بن عبد الملك الربض، ثم بنى مروان بن محمد الخصوص في شرقي جيحان، وبنى عليها حائطا وأقام عليه باب خشب، وخندق خندقا.
فلما استخلف أبو العباس فرض بالمصيصة لاربع مئة رجل زيادة في شحنتها وأقطعهم.
ثم لما استخلف (ص 165) المنصور فرض بالمصيصة لاربع مئة رجل.
ثم لما دخلت سنة تسع وثلاثين ومئة، أمر بعمران مدينة المصيصة، وكان حائطها متشعثا من الزلازل، وأهلها قليل في داخل المدينة.
فبنى سور المدينة وأسكنها أهلها سنة أربعين ومئة وسماها المعمورة، وبنى فيها مسجدا جامعا في موضع هيكل كان بها، وجعله مثل مسجد عمر مرات.
ثم زاد فيه المأمون أيام ولاية عبد الله بن طاهر بن الحسين المغرب.
وفرض المنصور فيها لالف رجل، ثم نقل أهل الخصوص، وهم فرس وصقالبة وأنباط نصارى.
وكان مروان أسكنهم إياها وأعطاهم خططا في المدينة عوضا عن منازلهم على ذرعها، ونقض(1/196)
منازلهم وأعانهم على البناء، وأقطع الفرض قطائع ومساكن.
ولما استخلف المهدى فرض بالمصيصة لالفى رجل ولم يقطعهم لانها قد كانت شحنت من الجند والمطوعة، ولم تزل الطوالع تأتيها من أنطاكية في كل عام حتى وليها سالم
البرلسى، وفرض موضعه لخمس مئة مقاتل على خاصة عشرة دنانير.
فكثر من بها وقووا.
وذلك في خلافة المهدى.
435 - وحدثني محمد بن سهم، عن مشايخ الثغر قالوا: ألحت الروم على أهل المصيصة في أول أيام الدولة المباركة حتى جلوا عنها.
فوجه صالح بن على جبريل بن يحيى البجلى إليها فعمرها وأسكنها الناس في سنة أربعين ومئة.
وبنى الرشيد گفربيا، ويقال: بل كانت ابتديت في خلافة المهدى ثم غير الرشيد بناءها وحصنها بخندق.
ثم رفع إلى المأمون في أمر غلة كانت على منازلها فأبطلها.
وكانت منازلها كالخانات.
وأمر فجعل لها سور فرفع، فلم يستتم حتى توفى، فأمر المعتصم بالله بإتمامه وتشريفه.
436 - قالوا: وكان الذى حصن المثقب هشام بن عبد الملك على يد حسان بن ماهويه الانطاكي.
ووجد في خندقه حين حفر عظم ساق مفرط الطول (ص 166) فبعث به إلى هشام.
وبنى هشام حصن قطرغاس على يدى عبد العزيز بن حيان الانطاكي، وبنى هشام حصن مورة على يدى رجل من أهل أنطاكية.
وكان سبب بنائه إياه أن الروم عرضوا لرسول له في درب اللكام عند العقبة البيضاء، ورتب فيه أربعين رجلا وجماعة من الجراجمة، وأقام ببغراس ملحة في خمسين رجلا، وابتنى لها حصنا.
وبنى هشام حصن بوقا من عمل أنطاكية، ثم جدد وأصلح حديثا.(1/197)
وبنى محمد بن يوسف المروزى المعروف بأبى سعيد حصنا بساحل أنطاكية بعد غارة الروم على ساحلها في خلافة المعتصم بالله رحمه الله.
437 - حدثنى داود بن عبد الحميد قاضى الرقة عن أبيه، عن جده أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أراد هدم المصيصة ونقل
أهلها عنها لما كانوا يلقون من الروم فتوفى قبل ذلك.
438 - وحدثني بعض أهل أنطاكية وبغراس أن مسلمة بن عبد الملك لما غزا عمورية حمل معه نساءه، وحمل ناس ممن معه نساءهم.
وكانت بنو أمية تفعل ذلك إرادة الجد في القتال للغيرة على الحرم.
فلما صار في عقبة بغراس عند الطريق المستدقة التى تشرف على الوادي سقط محمل فيه امرأة إلى الحضيض.
فأمر مسلمة أن تمشى سائر النساء فمشين، فسميت تلك العقبة عقبة النساء.
وقد كان المعتصم بالله رحمه الله بنى على حد تلك الطريق حائطا قصيرا من حجارة.
وقال أبو النعمان الانطاكي: كان الطريق فيما بين أنطاكية والمصيصة مسبعة يعترض للناس فيها الاسد.
فلما كان الوليد بن عبد الملك شكى إليه، فوجه أربعة آلاف جاموسة وجاموس فنفع الله بها.
وكان محمد بن القاسم الثقفى عامل الحجاج على السند بعث منها بألوف جواميس، فبعث الحجاج إلى الوليد منها بما بعث من (ص 167) الاربعة آلاف، وألقى باقيها في آجام كسكر.
ولما خلع يزيد بن المهلب فقتل وقبض يزيد بن عبد الملك أموال بنى المهلب أصاب لهم أربعة آلاف جاموسة كانت بكور دجلة وكسكر، فوجه بها يزيد ابن عبد الملك إلى المصيصة أيضا مع زطها، فكان أصل الجواميس بالمصيصة ثمانية آلاف جاموسة.
وكان أهل أنطاكية وقنسرين قد غلبوا على كثير منها(1/198)
واختاروه لانفسهم في أيام فتنة مروان بن محمد بن مروان، فلما استخلف المنصور أمر بردها إلى المصيصة.
وأما جواميس أنطاكية فكان أصلها ما قدم به الزط معهم، وكذلك جواميس بوقا.
وقال أبو الخطاب: بنى الجسر الذى على طريق أذنة من المصيصة، وهو على تسعة أميال من المصيصة، سنة خمس وعشرين ومئة.
فهو يدعى جسر
الوليد، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك المقتول.
وقال أبو النعمان الانطاكي وغيره: بنيت أذنة في سنة إحدى وأربعين ومئة أو اثنتين وأربعين ومئة، والجنود من أهل خراسان معسكرون عليها مع مسلمة ابن يحيى البجلى، ومن أهل الشام مع مالك بن أدهم الباهلى، وجههما صالح ابن على.
439 - قالوا: ولما كانت سنة خمس وستين ومئة أغزى المهدى ابنه هارون الرشيد بلاد الروم.
فنزل على الخليج، ثم خرج فرم المصيصة ومسجدها وزاد في شحنتها، وقوى أهلها، وبنى القصر الذى عند جسر أذنة على سيحان.
وقد كان المنصور أغزى صالح بن على بلاد الروم فوجه هلال بن ضيغم في جماعة من أهل دمشق والاردن وغيرهم فبنى ذلك القصر، ولم يكن بناؤه محكما فهدمه الرشيد وبناه.
ثم لما كانت سنة أربع وتسعين ومئة بنى أبو سليم فرج الخادم أذنة فأحكم بناءها وحصنها، وندب إليها رجالا من أهل خراسان وغيرهم على زيادة في العطاء، وذلك بأمر محمد بن الرشيد.
فرم قصر سيحان.
وكان الرشيد توفى سنة ثلاث وتسعين ومئة وعامله على أعشار الثغور أبو سليم، فأقره محمد.
وأبو سليم هذا هو صاحب الدار بأنطاكية.(1/199)
440 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: غزا الحسن بن قحطبة الطائى بلاد الروم سنة اثنتين وستين ومئة في أهل خراسان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومطوعة العراق والحجاز.
خرج مما يلى طرسوس فأخبر المهدى بما في بنائها وتحصينها وشحنتها بالمقاتلة من عظيم الغناء عن الاسلام والكبت للعدو والوقم له فيما يحاول ويكيد.
وكان الحسن قد أبلى في تلك الغزاة بلاء حسنا، ودوخ أرض الروم
حتى سموه الشيتن.
وكان معه في غزاته مندل العنزي المحدث الكوفى ومعتمر بن سليمان البصري.
441 - وحدثني محمد بن سعد قال: حدثنى بن الحسن قال: لما خرج الحسن من بلاد الروم نزل مرج طرسوس فركب إلى مدينتها وهى خراب، فنظر إليها وأطاف بها من جميع جهاتها، وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مئة ألف.
فلما قدم على المهدى وصف له أمرها وما في بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكبته وعز الاسلام وأهله، وأخبره في الحدث أيضا بخبر رغبه في بناء مدينتها.
فأمره ببناء طرسوس، وأن يبدأ بمدينة الحدث، فبنيت.
وأوصى المهدى ببناء طرسوس.
فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومئة، بلغ الرشيد أن الروم ائتمروا بينهم بالخروج إلى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتلة فيها.
فأغزى الصائفة في سنة إحدى وسبعين ومئة هرثمة بن أعين، وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها ففعل.
وأجرى أمرها على يد فرج بن سليم الخادم بأمر الرشيد، فوكل فرج ببنائها، وتوجه أبو سليم إلى مدينة السلام فأشخص الندبة الاولى من أهل خراسان وهم ثلاثة آلاف رجل، فوردوا طرسوس.
ثم أشخص الندبة الثانية(1/200)
وهم ألفا رجل: ألف من أهل المصيصة وألف من أهل انطاكية، على زيادة عشرة دنانير لكل رجل في أصل عطائه (ص 169).
فعسكروا مع الندبة الاولى بالمدائن على باب الجهاد في مستهل المحرم سنة اثنتين وسبعين ومئة، إلى أن استتم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها.
ومسح فرج ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة، كل خطة عشرون ذراعا في مثلها.
وأقطع أهل طرسوس الخطط وسكنتها الندبتان في شهر بيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومئة.
442 - قالوا: وكان عبد الملك بن صالح قد استعمل يزيد بن مخلد الفزارى على طرسوس فطرده من بها من أهل خراسان واستوحشوا منه للهبيرية.
فاستخلف أبا الفوارس فأقره عبد الملك بن صالح وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومئة.
443 - قال محمد بن سعد: حدثنى الواقدي قال: جلا أهل سيسية ولحقوا بأعلى الروم في أربع وتسعين ومئة أو ثلاث وتسعين ومئة.
وسيسية مدينة تل عين زربة، وقد عمرت في خلافة المتوكل على يدى على بن يحيى الارمني، ثم أخربتها الروم.
444 - قالوا: فكان الذى أحرق أنطاكية المحترقة ببلاد الروم عباس ابن الوليد بن عبد الملك.
445 - قالوا: وتل جبير نسبت إلى رجل من فرس أنطاكية كانت له عنده وقعة وهو من طرسوس على أقل من عشرة أميال.(1/201)
446 - قالوا: والحصن المعروف بذى الكلاع إنما هو الحصن ذو القلاع لانه على ثلاث قلاع.
فحرف اسمه.
وتفسير اسمه بالرومية الحصن الذى مع الكواكب.
447 - وقالوا: سميت كنيسة الصلح لان الروم لما حملوا صلحهم إلى الرشيد نزلوها.
ونسب مرج حسين إلى حسين بن مسلم الانطاكي.
وذلك أنه كانت له به وقعة ونكاية في العدو.
448 - قالوا: وأغزى المهدى ابنه هارون الرشيد في سنة ثلاث وستين ومئة.
فحاصر أهل صمالو وهى التى تدعوها العامة سمالو.
فسألوه الامان لعشرة أهل أبيات فيهم القومس فأجابهم إلى ذلك.
وكان في شرطهم أن لا يفرق بينهم.
فأنزلوا ببغداد على باب الشماسية.
فسموا موضعهم سمالو، فهو معروف.
ويقال بل نزلوا على حكم المهدى فاستحياهم وجمعهم بذلك الموضع، وأمر (ص 170) أن يسمى سمالو.
وأمر الرشيد فنودى على من بقى في الحصن فبيعوا.
وأخذ حبشي كان يشتم الرشيد والمسلمين فصلب على برج من أبراجه.
449 - وحدثني أحمد بن الحارث الواسطي عن محمد بن سعد، عن الواقدي قال: لما كانت سنة ثمانين ومئة أمر الرشيد بابتناء مدينة عين زربة وتحصينها، وندب إليها ندبة من أهل خراسان وغيرهم فأقطعهم بها المنازل.
ثم لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومئة أمر ببناء الهارونية، فبنيت وشحنت أيضا بالمقاتلة ومن نزح إليها من المطوعة ونسبت إليه.
ويقال إنه بناها في خلافة المهدى ثم أتمت في خلافته.(1/202)
450 - قالوا: وكان الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم على وجه الدهر، ولها حصن قديم أخرب.
فأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة السوداء وتحصينها وندب إليها المقاتلة في زيادة العطاء.
451 - وأخبرني بعض أهل الثغرعزون بن سعد أن الروم أغارت عليها والقاسم بن الرشيد مقيم بدابق.
فاستاقوا مواشي أهلها وأسروا عدة منهم.
فنفر إليهم أهل المصيصة ومطوعتها فاستنقذوا جميع ما صار إليهم وقتلوا منهم بشرا، ورجع الباقون منكوبين مفلولين.
فوجه القاسم من حصن المدينة ورمها وزاد في شحنتها.
وقد كان المعتصم بالله نقل إلى عين زربة ونواحيها بشرا من الزط الذين قد كانوا غلبوا على البطائح بين واسط والبصرة، فانتفع أهلها بهم.
452 - حدثنى أبو صالح الانطاكي قال: كان أبو اسحاق الفزارى يكره
شرى أرض بالثغر ويقول: غلب عليه قوم في بدى الامر وأجلوا عنه، فلم يقتسموه وصار إلى غيرهم، وقد دخلت في هذا الامر شبهة العاقل حقيق بتركها وكانت بالثغر إيغارات قد تحيفت ما يرتفع من أعشاره حتى قصرت عن نفقاته، فأمر المتوكل في سنة ثلاث وأربعين ومائتين بإبطال تلك الايغارات فأبطلت (ص 171)(1/203)
فتوح الجزيرة 453 - حدثنى داود بن عبد الحميد قاضى الرقة عن أبيه عن جده، عن ميمون بن مهران قال: الجزيرة كلها فتوح عياض بن غنم، بعد وفاة أبى عبيدة، ولاه إياها عمر بن الخطاب، وكان أبو عبيدة استخلفة على الشام، فولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبى سفيان ثم معاوية من بعده الشام وأمر عياضا بغزو الجزيرة.
454 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن عدة من الجزريين، عن سليمان بن عطاء القرشى قال: بعث أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة، فمات أبو عبيدة وهو بها، فولاه عمر إياها بعد.
455 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا النفيلى عبد الله بن محمد قال: حدثنا، سليمان بن عطاء قال: لما فتح عياض بن غنم الرها، وكان أبو عبيدة وجهه، وقف على بابها على فرس له كميت.
فصالحوه على أن لهم هيكلهم وما حوله، وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلا ما كان لهم، وعلى معونة المسلمين على عدوهم، فإن تركوا شيئا مما شرط عليهم فلا ذمة لهم.
ودخل أهل الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرها.
456 - وقال محمد بن سعد:
قال الواقدي: أثبت ما سمعنا في أمر عياض أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة واستخلف عياضا.
فورد عليه كتاب عمر بتوليته حمص(1/204)
وقنسرين والجزيرة.
فسار إلى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثمان عشرة في خمسة آلاف، وعلى مقدمته ميسرة بن مسروق العبسى، وعلى ميمنته سعيد بن عامر بن حذيم الجمحى، وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمى.
وكان خالد بن الوليد على ميسرته.
ويقال إن خالدا لم يسر تحت لواء أحد بعد (ص 172) أبى عبيدة ولزم حمص حتى توفى بها سنة إحدى وعشرين، وأوصى إلى عمر.
وبعضهم يزعم أنه مات بالمدينة، وموته بحمص أثبت.
457 - قالوا: فانتهت طليعة عياض إلى الرقة فأغاروا على حاضر كان حولها للعرب وعلى قوم من الفلاحين فأصابوا مغنما، وهرب من نجا من أولئك فدخلوا مدينة الرقة.
وأقبل عياض في عسكره حتى نزل باب الرها، وهو أحد أبوابها، في تعبئة.
فرمى المسلمون ساعة حتى جرح بعضهم.
ثم إنه تأخر عنهم لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم، وركب فطاف حول المدينة ووضع على أبوابها روابط، ثم رجع إلى عسكره وبث السرايا.
فجعلوا يأتون بالاسرى من القرى وبالاطعمة الكثيرة، وكانت الزروع مستحصدة.
فلما مضت خمسة أيام أو ستة وهم على ذلك أرسل بطريق المدينة إلى عياض يطلب الامان.
فصالحه عياض على أن أمن جميع أهلها على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم.
وقال عياض: الارض لنا قد وطئناها وأحرزناها، فأقرها في أيديهم على الخراج ودفع منها ما لم يرده أهل الذمة ورفضوه إلى المسلمين على العشر، ووضع الجزية على رقابهم فألزم كل رجل منهم دينارا في كل سنة، وأخرج النساء والصبيان، ووظف عليهم مع الدينار أقفزة من قمح وشيئا من زيت وخل وعسل، فلما ولى معاوية جعل
ذلك جزية عليها، ثم إنهم فتحوا أبواب المدينة وأقاموا للمسلمين سوقا على باب الرها، فكتب لهم عياض:(1/205)
" بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أعطى عياض بن غنم أهل الرقة يوم دخلها.
أعطاهم أمانا لانفسهم وأموالهم وكنائسهم لا تخرب ولا تسكن إذا أعطوا الجزية التى عليهم ولم يحدثوا مغيلة، وعلى أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة، ولا يظهروا ناقوسا ولا باعوثا ولا صليبا.
شهد الله وكفى بالله شهيدا " وختم عياض بخاتمه.
ويقال إن عياضا ألزم كل حالم من أهل الرقة أربعة دنانير.
والثبت أن عمر كتب (ص 173) بعد إلى عمير بن سعد وهو واليه: أن ألزم كل امرئ منهم أربعة دنانير كما ألزم أهل الذهب.
458 - قالوا: ثم سار عياض إلى حران فنزل باجدى، وبعث مقدمته.
فأغلق أهل حران أبوابها دونهم، ثم أتبعهم.
فلما نزل بها بعث إليه الحرنانية.
من أهلها يعلمونه أن في أيديهم طائفة من المدينة ويسئلونه أن يصير إلى الرها، فما صالحوه عليه من شئ قنعوا به وخلوا بينه وبين النصارى حتى يصيروا إليه.
وبلغ النصارى ذلك فأرسلوا إليه بالرضى بما عرض الحرنانية وبذلوا.
فأتى الرها وقد جمع له أهلها، فرموا المسلمين ساعة، ثم خرجت مقاتلتهم فهزمهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى المدينة، فلم ينشبوا أن طلبوا الصلح والامان، فأجابهم عياض إليه وكتب لهم كتابا نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من عياض بن غنم لاسقف الرها.
إنكم إن فتحتم لى باب المدينة على أن تؤدوا إلى عن كل رجل دينارا ومديى قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم.
وعليكم إرشاد الضال، وإصلاح الجسور، والطرق، ونصيحة المسلمين.
شهد الله، وكفى
بالله شهيدا ".(1/206)
459 - وحدثني داود بن عبد الحميد عن أبيه، عن جده أن كتاب عياض لاهل الرها: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من عياض بن غنم ومن معه من المسلمين لاهل الرها.
إنى أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم إذا أدوا الحق الذى عليهم، ولنا عليهم أن يصلحوا جسورنا ويهدوا ضالنا.
شهد الله وملائكته والمسلمون.
" قال: ثم أتى عياض حران ووجه صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة الفهرى إلى سميساط.
فصالح عياض أهل حران على مثل صلح الرها، وفتحوا له أبوابها، وولاها رجلا.
ثم سار إلى سميساط فوجد صفوان بن المعطل وحبيب ابن مسلمة مقيمين عليها (ص 174) وقد غلبا على قرى وحصون من قراها وحصونها.
فصالحه أهلها علاى مثل صلح أهل الرها.
وكان عياض يغزو من الرها ثم يرجع إليها.
460 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر، عن الزهري قال: لم يبق بالجزيرة موضع قدم إلا فتح على عهد عمر ابن الخطاب رضى الله عنه على يد عياض بن غنم: فتح حران والرها والرقة وقرقيسيا ونصيبين وسنجار.
461 - وحدثني محمد عن الواقدي عن عبد الرحمن بن مسلمة عن فرات ابن سلمان، عن ثابت بن الحجاج قال: فتح عياض الرقة وحران والرها ونصيبين
وميافارقين وقرقيسيا وقرى الفرات ومدائنها صلحا وأرضها عنوة.(1/207)
462 - وحدثني محمد عن الواقدي عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد أن عياضا افتتح الجزيرة ومدائنها صلحا وأرضها عنوة، وقدى روى أن عياضا لما أتى حران من الرقة وجدها خالية قد انتقل أهلها إلى الرها.
فلما فتحت الرها صالحوا عن مدينتهم وهم بها.
وكان صلحهم مثل صلح الرها.
463 - وحدثني أبو أيوب الرقى المؤدب قال: حدثنى الحجاج بن أبى منيع الرصافي عن أبيه، عن جده قال: فتح عياض الرقة ثم الرها ثم حران ثم سميساط على صلح واحد.
ثم أتى سروج وراسكيفا والارض البيضاء فغلب على أرضها، وصالح أهل حصونها على مثل الرها.
ثم إن أهل سميساط كفروا، فلما بلغه ذلك رجع إليها، فحاصرها حتى فتحها.
وبلغه أن أهل الرها قد نقضوا، فلما أناخ عليهم فتحوا له أبواب مدينتهم فدخلها وخلف بها عامله في جماعة.
ثم أتي قريات الفرات وهى جسر منبج وذواتها، ففتحها على ذلك.
وأتى عين الوردة، وهى رأس العين، فامتنعت عليه فتركها.
وأتى تل (ص 175) موزن ففتحها على مثل صلح الرها وذلك في سنة تسع عشرة.
ووجه عياض إلى قرقيسيا حبيب ابن مسلمة الفهرى ففتحها صلحا مثل الرقة، وفتح عياض آمد بغير قتال على مثل صلح الرها.
وفتح ميافارقين على مثل ذلك.
وفتح حصن گفر توثا.
وفتح نصيبين بعد قتال على مثل صلح الرها.
وفتح طور عبدين وحصن ماردين ودارا على مثل ذلك.
وفتح قردى وبازبدى على مثل صلح نصيبين.
وأتاه بطريق الزوزان فصالحه على أرضه على أتاوة، وكل ذلك في سنة تسع عشرة وأيام
من المحرم سنة عشرين.
ثم سار إلى أرزن ففتحها على مثل صلح نصيبين.
ودخل(1/208)
الدرب فبلغ بدليس، وجازها إلى خلاط وصالح بطريقها، وانتهى إلى العين الحامضة من أرمينية فلم يعدها.
ثم عاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها، وما على بطريقها.
ثم إنه انصرف إلى الرقة ومضى إلى حمص، وقد كان عمر ولاه إياها، فمات سنة عشرين.
وولى عمر سعيد بن عامر بن حذيم فلم يلبث إلا قليلا حتى مات.
فولى عمر عمير بن سعد الانصاري، ففتح عين الوردة بعد قتال شديد.
464 - وقال الواقدي حدثنى من سمع اسحاق بن أبي فروة يحدث عن أبى وهب الجيشانى ديلم بن الموسع أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى عياض يأمره أن يوجه عمير بن سعد إلى عين الوردة، فوجهه إليها.
فقدم الطلائع أمامه، فأصابوا قوما من الفلاحين، وغنموا مواشي من مواشي العدو.
ثم إن أهل المدينة غلقوا أبوابها ونصبوا العرادات عليها، فقتل من المسلمين بالحجارة والسهام بشر، وأطلع عليهم بطريق من بطارقتها فشتمهم وقال: لسنا كمن لقيتم.
ثم إنها فتحت بعد على صلح.
465 - حدثنى عمرو بن محمد عن الحجاج بن أبى منيع عن أبيه، عن جده قال: امتنعت رأس العين على عياض بن غنم ففتحها عمير بن سعد، وهو والى عمر على الجزيرة، بعد أن قاتل (ص 176) أهلها المسلمين قتالا شديدا.
فدخلها المسلمون، عنوة ثم صالحوهم بعد ذلك على أن دفعت الارض إليهم ووضعت الجزية على رؤوسهم على كل رأس أربعة دنانير، ولم تسب نساؤهم ولا أولادهم.(1/209)
وقال الحجاج: وقد سمعت مشايخ من أهل رأس العين يذكرون أن عميرا لما دخلها قال لهم: لا بأس لا بأس، إلى إلى.
فكان ذلك أمانا لهم.
وزعم الهيثم بن عدى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعث أبا موسى الاشعري إلى عين الوردة فغزاها بجند الجزيرة بعد وفاة عياض.
والثبت أن عميرا فتحها عنوة فلم تسب، وجعل عليهم الخراج والجزية، ولم يقل هذا أحد غير الهيثم.
وقال الججاج بن أبى منيع: جلا خلق من أهل رأس العين واعتمل المسلمون أراضيهم وازدرعوها بإقطاع.
466 - وحدثني محمد بن المفضل الموصلي، عن مشايخ من أهل سنجار قالوا: كانت سنجار في أيدى الروم.
ثم إن كسرى المعروف بأبرويز أراد قتل مئة رجل من الفرس كانوا حملوا إليه بسبب خلاف ومعصية.
فكلم فيهم فأمر أن يوجهوا إلى سنجار، وهو يومئذ يعانى فتحها.
فمات منهم رجلان، ووصل إليها ثمانية وتسعون رجلا، فصاروا مع المقاتلة الذين كانوا بإزائها، ففتحوها دونهم وأقاموا بها وتناسلوا.
فلما انصرف عياض من خلاط وصار إلى الجزيرة بعث إلى سنجار ففتحها صلحا وأسكنها قوما من العرب.
وقد قال بعض الرواة: إن عياضا فتح حصنا من الموصل وليس ذلك بثبت.
467 - قال ابن الكلبى: عمير بن سعد عامل عمر هو عمير بن سعد بن شهيد بن عمرو أحد الاوس.
وقال الواقدي: هو عمير بن سعد بن عبيد.
وقتل أبوه سعد يوم القادسية.
وسعد هذا هو الذى يروى الكوفيون أنه أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى عليه وسلم.(1/210)
468 - قال الواقدي: وقد روى قوم أن خالد بن الوليد ولى لعمر بعض الجزيرة، فاطلى في حمام بآمد (ص 177) أو غيرها بشئ فيه خمر، فعزله عمر.
وليس ذلك بثبت.
469 - وحدثني عمرو الناقد قال: حدثنى الحجاج بن أبى منيع عن أبيه عن جده، عن ميمون بن مهران قال: أخذ الزيت والخل والطعام لمرفق المسلمين بالجزيرة مدة، ثم خفف عنهم واقتصر بهم على ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين واثنا عشر نظرا من عمر للناس.
وكان على كل إنسان مع جزيته مدا قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل.
470 - وحدثني عدة من أهل الرقة قالوا: لما مات عياض وولى الجزيرة سعيد بن عامر بن حذيم بنى مسجد الرقة ومسجد الرها.
ثم توفى فبنى المساجد بديار مضر وديار بيعة عمير بن سعد.
ثم لما ولى معاوية الشام والجزيرة لعثمان بن عفان رضى الله عنه أمره أن ينزل العرب بمواضع نائية عن المدن والقرى، ويأذن لهم في اعتمال الارضين التى لا حق فيها لاحد.
فأنزل بنى تميم الرابية، وأنزل المازحين والمديبر أخلاطا من قيس وأسد وغيرهم، وفعل ذلك في جميع نواحى ديار مضر، ورتب ربيعة في ديارها على ذلك، وألزم المدن والقرى والمسالح من يقوم بحفظها ويذب عنها من أهل العطاء، ثم جعلهم مع عماله.
471 - وحدثني أبو حفص الشامي، عن حماد بن عمرو النصيبى قال: كتب عامل نصيبين إلى معاوية،(1/211)
وهو عامل عثمان على الشام والجزيرة، يشكو إليه أن جماعة من المسلمين ممن معه أصيبوا بالعقارب.
فكتب إليه يأمره أن يوظف على أهل كل حيز من
المدينة عدة من العقارب مسماة في كل ليلة.
ففعل، فكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها.
472 - وحدثني أبو أيوب المؤدب الرقى عن أبى عبد الله القرقسانى، عن أشياخه أن عمير بن سعد لما فتح رأس العين سلك الخابور وما يليه حتى أتى قرقيسيا وقد نقض أهلها، فصالحهم على مثل (ص 178) صلحهم الاول.
ثم أتى حصون الفرات حصنا حصنا ففتحها على ما فتحت عليه قرقيسيا ولم يلق في شئ منها كثير قتال.
وكان بعض أهلها ربما رموا بالحجارة.
فلما فرغ من تلبس (كذا) وعانات أتى الناؤسة وآلوسة وهيت، فوجد عمار بن ياسر، وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب على الكوفة، وقد بعث جيشا يستغزى ما فوق الانبار، عليه سعد بن عمرو بن حرام الانصاري، وقد أتاه أهل هذه الحصون فطلبوا الامان.
فأمنهم واستثنى على أهل هيت نصف كنيستهم.
فانصرف عمير إلى الرقة.
473 - وحدثني بعض أهل العلم قال: كان الذى توجه إلى هيت والحصون التى بعدها من الكوفة مدلاج بن عمرو السلمى، حليف بنى عبد شمس وله صحبة، فتولى فتحها.
وهو بنى الحديثة التى على الفرات.
وولده بهيت، وكان منهم رجل يكنى أبا هارون بالقى الذكر هناك.
ويقال إن مدلاجا كان من قبل سعد ابن عمرو بن حرام.
والله أعلم.(1/212)
474 - قالوا: وكان موضع نهر سعيد بن عبد الملك بن مروان - وهو الذى يقال له سعيد الخير وكان يظهر نسكا - غيضة ذات سباع.
فأقطعه إياها الوليد.
فحفر النهر وعمر ما هناك.
وقال بعضهم: الذى أقطعه ذلك عمر بن عبد العزيز.
475 - قالوا: ولم يكن للرافقة أثر قديم، إنما بناها أمير المؤمنين المنصور
رحمه الله سنة خمس وخمسين ومئة على بناء مدينته ببغداد، ورتب فيها جندا من أهل خراسان.
وجرت على يدى المهدى، وهو ولى عهد.
ثم إن الرشيد بنى قصورها فكان بين الرقة والرافقة فضاء مزارع.
فلما قدم على بن سليمان ابن على واليا على الجزيرة نقل أسواق الرقة إلى تلك الارض، فكان سوق الرقة الاعظم فيما مضى يعرف بسوق هشام العتيق.
ثم لما قدم الرشيد الرقة استزاد في تلك الاسواق، فلم تزل تجبى مع الصوافى.
وأما رصافة (ص 179) هشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها، وكان ينزل قبلها الزيتونة.
وحفر الهنى والمرى، واستخرج الضيعة التى تعرف بالهنى والمرى، وأحدث فيها واسط الرقة.
ثم إن تلك الضيعة قبضت في أول الدولة.
ثم صارت لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور، فابتنت فيها القطيعة التى تنسب إليها وزادت في عمارتها.
ولم يكن للرحبة التى في أسفل قرقيسيا أثر قديم، إنما بناها وأحدثها مالك ابن طوق بن عتاب التغلبي في خلافة المأمون.
وكانت أذرمة من ديار ربيعة قرية قديمة، فأخذها الحسن بن عمرو بن الخطاب التغلبي من صاحبها وبنى بها قصرا وحصنها.(1/213)
وكانت گفر توثا حصنا قديما، فاتخذها ولد أبى رمثة منزلا فمدنوها وحصنوها 476 - حدثنى معافى بن طاووس، عن أبيه قال: سألت المشايخ عن أعشار بلد وديار ربيعة والبدية فقال: هي أعشار ما أسلمت عليه العرب أو عمرته من الموات الذى ليس في يد أحد، أو رفضه النصارى فمات وغلب عليها الدغل فأقطعه العرب.
477 - حدثنى أبو عفان الرقى،
عن مشايخ من كتاب الرقة وغيرهم قالوا: كانت عين الرومية وماؤها للوليد ابن عقبة بن أبي معيط، فأعطاها أبا زبيد الطائى.
ثم صارت لابي العباس أمير المؤمنين فأقطعها ميمون بن حمزة مولى على بن عبد الله بن عباس.
ثم ابتاعها الرشيد من ورثته.
وهى من أرض الرقة.
478 - قالوا: وكان ابن هبيرة أقطع غابة ابن هبيرة، فقبضت وأقطعها بشر بن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بناحية باب الشام.
ثم ابتاعها الرشيد.
وهى من أرض سروج.
وكان هشام أقطع عائشة ابنته قطيعة برأس كيفا تعرف بها، فقبضت.
وكانت لعبد الملك وهشام قرية تدعى سلعوس ونصف قرية (ص 180) تدعى گفر جدا من الرها.
وكان بحران للغمر بن يزيد تل عفراء، وأرض تل مذابا (كذا) وأرض المصلى، وصوافى في ربض حران ومستغلاتها.
وكان مرج عبد الواحد حمى المسلمين قبل أن تبنى الحدث وزبطرة، فلما(1/214)
بنيتا استغنى بهما فعمر، فضمه الحسين الخادم إلى الاحواز في خلافة الرشيد.
ثم توثب الناس على فغلبوا على مزارعه، حتى قدم عبد الله بن طاهر الشام فرده إلى الضياع.
وقال أبو أيوب الرقى: سمعت أن عبد الواحد الذى نسب المرج إليه عبد الواحد بن الحارث بن الحكم بن أبى العاصى، وهو ابن عم عبد الملك، كان المرج له فجعله حمى للمسلمين.
وهو الذى مدحه القطامى فقال: أهل المدينة لا يحزنك شأنهم * إذا تخطأ عبد الواحد الاجل(1/215)
أمر نصارى بنى تغلب بن وائل 479 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بنى تغلب فانطلقوا هاربين، ولحقت طائفة منهم ببعد من الارض.
فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان: أنشدك الله في بنى تغلب ! فإنهم قوم من العرب يأنفون من الجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم فلا تعن عدوك عليك بهم.
فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة.
480 - حدثنا شيبان قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا ليث عن رجل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لا تؤكل ذبائح نصارى بنى تغلب ولا تنكح (ص 181) نساؤهم.
ليسوا منا ولا من أهل الكتاب.
481 - حدثنا عباس بن هشام عن أبيه، عن عوانة بن الحكم وأبى مخنف قالا: كتب عمير بن سعد إلى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي، ففتح عانات وسائر حصون الفرات، وأنه أراد من هناك من بنى تغلب على الاسلام فأبوه وهموا باللحاق بأرض الروم.
وقبلهم أراد من في الشق الشرقي على ذلك فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء، واستطلع رأيه فيهم.
فكتب إليه عمر رضى الله عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة التى تؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض، وإن أبوا ذلك حاربهم حتى تبيدهم أو يسلموا.
فقبلوا(1/216)
أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا: أما إذ لم تكن جزية كجزية الاعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا.
482 - حدثنى عمرو الناقد قال: حدثنى أبو معاوية عن الشيباني عن السفاح، عن داود بن كردوس قال: صالح عمر بن الخطاب بنى تغلب، بعد ما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم، على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوه على دينهم، وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة.
قال: وكان داود بن كردوس يقول: ليست لهم ذمة لانهم قد صبغوا في دينهم، يعنى المعمودية.
483 - فحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس ابن يزيد الآيلى، عن الزهري قال: ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة، إلا نصارى بنى تغلب، أو قال نصارى العرب، الذين عامة أموالهم المواشى، فإن عليهم ضعف ما على المسلمين.
484 - حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح بن المثنى، عن زرعة بن النعمان أنه كان كلم عمر في نصارى بنى تغلب وقال: قوم عرب يأنفون من الجزية، وإنما هم أصحاب حروث ومواش.
وكان عمر قد هم أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا في البلاد.
فصالحهم على أن أضعف عليهم (ص 182) ما يؤخذ من المسلمين من صدقاتهم في الارض والماشية، واشترط عليهم أن لا ينصروا أولادهم.(1/217)
قال مغيرة: فكان على عليه السلام يقول: لئن تفرغت لبنى تغلب ليكونن لى فيهم رأى.
لاقتلن مقاتلتهم ولاسبين ذريتهم، فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.
485 - وحدثني أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله عن إبراهيم
ابن مهاجر، عن زياد بن حدير الاسدي قال: بعثنى عمر إلى نصارى بنى تغلب آخذ منهم نصف عشر أموالهم، ونهاني أن أعشر مسلما أو ذميا يؤدى الخراج.
486 - حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبى سبرة عن عبد الملك بن نوفل، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن عثمان أمر أن لا يقبل من بنى تغلب في الجزية إلا دهيك الذهب والفضة.
فجاءه الثبت أن عمر أخذ منهم ضعف الصدقة.
فرجع عن ذلك.
قال الواقدي: وقال سفيان الثوري، والاوزاعي، ومالك بن أنس، وابن أبى ليلى، وابن أبى ذئب، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: يؤخذ من التغلبي ضعف ما يؤخذ من المسلم في أرضه وماشيته وماله.
فأما الصبى والمعتوه منهم فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من ماشيته شيئا.
قال أهل الحجاز: يؤخذ ذلك من ماشيته وأرضه.
وقالوا جميعا: إن سبيل ما يؤخذ من أموال بنى تغلب سبيل مال الخراج لانه بدل من الجزية.(1/218)
الثغور الجزرية 487 - قالوا: لما استخلف عثمان بن عفان رضى الله عنه كتب إلى معاوية بولايته الشام.
وولى عمير بن سعد الانصاري الجزيرة ثم عزله.
وجمع لمعاوية الشام (ص 183) والجزيرة وثغورهما، وأمره أن يغزو شمشاط، وهى أرمينية الرابعة، أو يغزيها.
فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهرى وصفوان بن معطل السلمى ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها على مثل صلح الرها.
وأقام صفوان بها، وبها توفى في آخر خلافة معاوية.
ويقال بل غزاها معاوية نفسه، وهذان معه.
فولاها صفوان فأوطنها وتوفى بها.
488 - قالوا: وقد كان قسطنطين الطاغية أناخ عليها بعد نزوله في ملطية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة، فلم يمكنه فيها شئ فأغار على ما حولها، ثم انصرف.
ولم تزل شمشاط خراجية حتى صيرها المتوكل على الله رحمه الله عشرية أسوة غيرها من الثغور.
489 - وقالوا: غزا حبيب بن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط، فلم يقدر عليه.
وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه.
ثم غزاه في سنة تسع وخمسين، وهى السنة التى مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمى.
فعلا عمير سوره ولم يزل يجالد عليه وحده حتى كشف الروم وصعد المسلمون، ففتحه لعمير بن الحباب، وبذلك كان يفخر ويفخر له.
ثم إن الروم غلبوا عليه ففتحه مسلمة بن عبد الملك.
ولم يزل يفتح وتغلب الروم عليه.
فلما كانت سنة تسع وأربعين ومئة شخص المنصور عن بغداد(1/219)
حتى نزل حديثة الموصل، ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد ابن الاشعث، وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزو بهم كمخ.
فمات محمد ابن الاشعث بآمد، وسار العباس والحسن حتى صارا إلى ملطية فحملا منها الميرة ثم أناخا على كمخ، وأمر العباس بنصب المنجنيق عليه، فجعلوا على حصنهم خشب العرعر لئلا تضربه حجارة المنجنيق، ورموا للمسلمين فقتلوا منهم بالحجارة مائتي رجل، فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالا (ص 184) شديدا حتى فتحوه، وكان مع العباس بن محمد بن على في غزاته هذه مطر الوراق.
ثم إن الروم أغلقوا كمخ.
فلما كانت سنة سبع وسبعين ومئة غزا محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبى عمرة الانصاري، وهو عامل عبد الملك بن صالح على شمشاط، ففتحه ودخله لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه
السنة.
فلم يزل مفتوحا حتى كان هيج محمد بن الرشيد، فهرب أهله وغلبت عليه الروم.
ويقال إن عبيدالله بن الاقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه، وكان أسيرا عندهم.
ثم إن عبد الله بن طاهر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدى المسلمين، حتى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بن أشوط بطريق خلاط، في دفعه إلى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم في عمل شمشاط.(1/220)
ملطية 490 - وقالوا: وجه عياض بن غنم حبيب بن مسلمة الفهرى من شمشاط إلى ملطية ففتحها، ثم أغلقت.
فلما ولى معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب بن مسلمة ففتحها عنوة، ورتب فيها رابطة من المسلمين مع عاملها.
وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة وغيرهما، فكانت طريق الصوائف.
ثم إن أهلها انتقلوا عنها في أيام عبد الله ابن الزبير، وخرجت الروم فشعثتها ثم تركتها.
فنزلها قوم من النصارى من الارمن والنبط.
491 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي في اسناده قال: كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عبد الله بن عبد الملك سنة ثلاث وثمانين، وبنوا بها مساكن.
وهى من ملطية على ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم.
وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة من الارمن وغيرهم.
فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف، فيقيمون بها إلى أن ينزل الشتاء وتسقط الثلوج، فإذا كان ذلك قفلوا.
فلما (ص 185) ولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون، وذلك لاشفاقه عليهم من
العدو، واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابى الخل والزيت، ثم أنزلهم ملطية وأخرب طرندة، وولى على ملطية جعونة بن الحارث أحد بنى عامر ابن صعصعة.
492 - قالوا: وخرج عشرون ألفا من الروم في سنة ثلاث وعشرين ومئة(1/221)
فنزلوا على ملطية.
فأغلق أهلها أبوابها، وظهر النساء على السور عليهن العمائم فقاتلن.
وخرج رسول لاهل ملطية مستغيثا.
فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة.
فندب هشام الناس إلى ملطية.
ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها، فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها.
وغزا هشام نفسه، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت، فكان ممره بالرقة، دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه.
493 - قال الواقدي: لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومئة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية، وگمخ يومئذ في أيدى المسلمين وعليها رجل من بنى سليم.
فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل ملطية.
فخرج إلى الروم منهم ثمانى مئة فارس، فواقعتهم خيل الروم فهزمتهم.
ومال الرومي فأناخ على ملطية فحصر من فيها، والجزيرة يومئذ مفتونة، وعاملها موسى بن كعب بحران.
فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم.
وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم: يا أهل ملطية ! إنى لم آتكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم.
انزلوا على الامان واخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم.
فأبوا عليه، فوضع عليها المجانيق.
فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل.
ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم، وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم في الآبار والمخابى، ثم خرجوا.
وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم مخترطى
السيوف، طرف سيف كل واحد منهم (ص 186) مع طرف سيف الذى يقابله حتى كأنها عقد قنطرة، ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها.
وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا، فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا، وهدموا حصن قلوذية.(1/222)
فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة كتب المنصور إلى صالح بن على يأمره ببناء ملطية وتحصينها.
ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الامام واليا على الجزيرة وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومئة ومعه الحسن قحطبة في جنود أهل خراسان.
فقطع البعوث على أهل الشام والجزيرة، فتوافى معه سبعون ألفا.
فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها.
وكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء.
وجعل يغدى الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه.
فغاظ ذلك عبد الوهاب فكتب إلى أبى جعفر يعلمه أنه يطعم الناس.
وأن الحسن يطعم أضعاف ذلك التماسا لان يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالاسراف والرياء، وأن له منادين ينادون الناس إلى طعامه.
فكتب إليه أبو جعفر: يا صبى ! يطعم الحسن من ماله، وتطعم من مالى.
ما أتيت إلا من صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك.
وكتب إلى الحسن: أطعم ولا تتخذ مناديا.
فكان الحسن يقول: من سبق إلى شرفة فله كذا.
فجد الناس في العمل حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر، وبنى للجند الذين أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما واصطبل، والعرافة عشرة نفر إلى خمسة عشر رجلا.
وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلا منها، ومسلحة على نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات.
وأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لانها من ثغورهم، على زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل ومعونة
مئة دينار، سوى (ص 187) الجعل الذى يتجاعله القبائل بينها.
ووضع فيها شحنتها من السلاح، وأقطع الجند المزارع، وبنى حصن قلوذية.
وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مئة ألف فنزل جيحان، فبلغه كثرة العرب فأحجم عنها.
494 - وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب في هذه الغزاة نصر بن مالك الخزاعى ونصر بن سعد الكاتب مولى الانصار.
فقال الشاعر:(1/223)
تكنفك النصران نصر بن مالك * ونصر بن سعد عز نصرك من نصر وفى سنة إحدى وأربعين ومئة أغزى محمد بن إبراهيم ملطية في جند من أهل خراسان وعلى شرطته المسيب بن زهير.
فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو، فتراجع إليها من كان باقيا من أهلها.
وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد فلم تقدر عليها، وغزاهم الرشيد رحمه الله فأشجاهم وقمعهم.
495 - وقالوا: وجه أبو عبيدة بن الجراح وهو بمنبج خالد بن الوليد إلى ناحية مرعش، ففتح حصنها على أن جلا أهله ثم أخربه.
وكان سفيان بن عوف الغامدى لما غزا الروم في سنة ثلاثين رحل من قبل مرعش فساح في بلاد الروم.
وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جند، فلما كان موت يزيد بن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها.
وصالح عبد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بن الحكم وطلبه الخلافة على شئ كان يؤديه إليهم.
فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا محمد بن مروان الروم وانتقض الصلح.
ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا محمد بن مروان.
وخرجت الروم في جمادى الاولى من قبل مرعش إلى الاعماق.
فزحف إليهم المسلمون وعليهم أبان بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط، ومعه دينار بن دينار مولى عبد الملك بن مروان، وكان على قنسرين وكورها.
فالتقوا بعمق مرعش،
فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.
وكان دينار لقى في هذا العام (ص 188) جماعة من الروم بحسر يغرا، وهو من شمشاط على نحو من عشرة أميال، فظفر بهم.
ثم إن العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها، وبنى لها مسجدا جامعا.
وكان يقطع في كل عام على أهل قنسرين بعثا إليها.(1/224)
فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم وحصرت مدينة مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء، فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم، ثم أخربوها.
وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي.
وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون.
ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت.
فخرجت الروم في فتنته فأخربتها، فبناها صالح بن على في خلافة أبى جعفر المنصور وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء.
واستخلف المهدى فزاد في شحنتها وقوى أهلها.
496 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي قال: خرج ميخائيل من درب الحدث في ثمانين ألفا، فأتى عمق مرعش، فقتل وأحرق وسبى من المسلمين خلقا، وصار إلى باب مدينة مرعش وبها عيسى بن على، وكان قد غزا في تلك السنة، فخرج إليه موالى عيسى وأهل المدينة ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام، فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن المدينة كر عليهم فقتل من موالى عيسى ثمانية نفر، واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها.
ثم انصرف حتى نزل جيحان.
وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسى وهو بدابق، وكان قد ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومئة، فوجه إليه خيلا كثيفة فأصيبوا إلا من
نجا منهم، فأحفظ ذلك المهدى، واحتفل لاغزاء الحسن بن قحطبة في العام المقبل وهو سنة اثنتين وستين ومئة.
497 - قالوا: وكان حصن الحدث مما فتح أيام عمر، فتحه حبيب بن مسلمة من قبل عياض بن غنم.
وكان معاوية يتعهده (ص 189) بعد ذلك(1/225)
وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة، لان المسلمين كانوا أصيبوا به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس.
وقال قوم: لقى المسلمين غلام حدث على الدرب فقاتلهم في أصحابه، فقيل درب الحدث.
ولما كان زمن فتنة مروان بن محمد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية.
ثم لما كانت سنة إحدى وستين ومئة خرج ميخائيل إلى عمق مرعش، ووجه المهدى الحسن بن قحطبة ساح في بلاد الروم فثقلت وطأته على أهلها حتى صوروه في كنائسهم.
وكان دخوله من درب الحدث، فنظر إلى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه، فارتاد الحسن موضع مدينته هناك، فلما انصرف كلم المهدى في بنائها وبناء طرسوس، فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث.
وكان في غزاة الحسن هذه مندل العنزي المحدث الكوفى، ومعتمر بن سليمان البصري، فأنشأها على بن سليمان بن على وهو على الجزيرة وقنسرين، وسميت المحمدية، وتوفى المهدى مع فراغهم من من بنائها فهى المهدية والمحمدية.
وكان بناؤها باللبن، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومئة.
واستخلف موسى الهادى ابنه فعزل على بن سليمان وولى الجزيرة وقنسرين محمد بن ابراهيم بن محمد بن على.
وقد كان على بن سليمان فرغ من بناء مدينة الحدث، وفرض محمد لها فرضا من أهل الشام والجزيرة
وخراسان في أربعين دينارا من العطاء، وأقطعهم المساكن، وأعطى كل امرئ ثلاث مئة درهم.
وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومئة.
وقال أبو الخطاب: فرض على بن سليمان بمدينة الحدث لاربعة آلاف فأسكنهم إياها، ونقل إليها من ملطية وشمشاط وكيسوم ودلوك ورعبان ألفى رجل.(1/226)
498 - قال الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج وكثرت الامطار، (ص 190) ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاط فيه، فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم، فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم.
وبلغ الخبر موسى فقطع بعثا مع المسيب بن زهير وبعثا مع روح بن حاتم وبعثا مع حمزة بن مالك فمات قبل أن ينفذا.
ثم ولى الرشيد الخلافة فامر ببنائها وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع.
499 - وقال غير الواقدي: أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم في جمع كثيف على مدينة الحدث حين بنيت، وكان بناؤها بلبن قد حمل بعضه على بعض، وأضرت به الثلوج.
وهرب عاملها ومن فيها، ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها، فبناها الرشيد حين استخلف.
500 - وحدثني بعض أهل منبج قال: إن الرشيد كتب إلى محمد بن ابراهيم بإقراره على عمله، فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد على يده ثم عزله.
501 - قالوا: وكان مالك بن عبد الخثعمي الذى يقال " مالك الصوائف "، وهو من أهل فلسطين، غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة، ثم قفل.
فلما كان من درب الحدث على خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة أقام فيها ثلاثا.
فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة، فسميت تلك الرهوة رهوة مالك.
502 - قالوا: وكان مرج عبد الواحد حمى لخيل المسلمين.
فلما بنى الحدث وزبطرة استغنى عنه فازدرع.(1/227)
قالوا: وكانت زبطرة حصنا قديما روميا ففتح مع حصن الحدث القديم، فتحه حبيب بن مسلمة الفهرى، وكان قائما إلى أن أخربته الروم في أيام الوليد ابن يزيد، فبنى بناء غير محكم.
فأناخت الروم عليه في أيام فتنة مروان بن محمد فهدمته، فبناه المنصور.
ثم خرجت إليه فشعثته، فبناه الرشيد على يدى محمد بن ابراهيم وشحنه.
فلما كانت خلافة المأمون (ص 191) طرقه الروم فشعثوه وأغاروا على سرح أهله فاستاقوا لهم مواشي، فأمر المأمون بمرمته وتحصينه.
وقدم وفد طاغية الروم في سنة عشر ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه، وكتب إلى عمال الثغور فساحوا في بلاد الروم فأكثروا فيها القتل ودوخوها وظفروا ظفرا حسنا، إلا أن يقظان بن عبد الاعلى بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمى أصيب.
ثم خرجت الروم إلى زبطرة في خلافة المعتصم بالله أبى اسحاق بن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها، فأحفظه ذلك وأغضبه فغزاهم حتى بلغ عمورية وقد أخرب قبلها حصونا، فأناخ عليها حتى فتحها، فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ثم أخربها، وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها.
503 - وحدثني أبو عمرو الباهلى وغيره قالوا: نسب حصن منصور إلى منصور بن جعونة بن الحارث العامري من قيس، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته، وكان مقيما به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة.
وكان منصور هذا على أهل الرها حين امتنعوا في أول الدولة، فحصرهم المنصور وهو عامل أبى العباس على الجزيرة وأرمينية، فلما فتحها هرب منصور ثم أمن
فظهر، فلما خلع عبد الله بن على أبا جعفر المنصور ولاه شرطته، فلما هرب عبد الله(1/228)
إلى البصرة استخفى، فدل عليه في سنة إحدى وأربعين ومئة، فأتى المنصور به فقتله بالرقة منصرفه من بيت المقدس.
وقوم يقولون إنه أمن بعد هرب ابن على، فظهر.
ثم وجدت له كتب إلى الروم بغش الاسلام.
فلما قدم المنصور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى وأربعين ومئة وجه من أتاه به فضرب عنقه بالرقة، ثم انصرف إلى الهاشمية بالكوفة.
وكان الرشيد بنى حصن منصور وشحنه في خلافة المهدى (ص 192).(1/229)
نقل ديوان الرومية 504 - قالوا: ولم يزل ديوان الشام بالرومية حتى ولى عبد الملك بن مروان، فلما كانت سنة إحدى وثمانين أمر بنقله.
وذلك أن رجلا من كتاب الروم احتاج أن يكتب شيئا فلم يجد ماء فبال في الدواة.
فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه، وأمر سليمان بن سعد بنقل الديوان فسأله أن يعينه بخراج الاردن سنة، ففعل ذلك وولاه الاردن فلم تنقض السنة حتى فرغ من نقله وأتى به عبد الملك.
فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عليه فغمه وخرج من عنده كئيبا، فلقيه قوم من كتاب الروم فقال: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم.
قال: وكانت وظيفة الاردن التى قطعها معونة مئة ألف وثمانين ألف دينار، ووظيفة فلسطين ثلاث مئة ألف وخمسين ألف دينار، ووظيفة دمشق أربع مئة ألف دينار، ووظيفة حمص مع قنسرين والكور التى تدعى اليوم العواصم ثمان مئة ألف دينار، ويقال سبع مئة ألف دينار.(1/230)
فتوح أرمينية 505 - حدثنى محمد بن اسماعيل من ساكنى برذعة وغيره عن أبى براء عنبسة بن بحر الارمني، وحدثني محمد بن بشر القالى عن أشياخه وبرمك بن عبد الله الدبيلى ومحمد بن المخيس الخلاطى وغيرهم، عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية سقت حديثهم ورددت من بعضه على بعض قالوا: كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الرابعة (ص 193)، وكانت كورة البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند تدعى أرمينية الثالثة، وكانت جرزان تدعى أرمينية الثانية، وكانت السيسجان وأران تدعى أرمينية الاولى.
ويقال: كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة.
وكانت قاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة، وسراج طير وبغروند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية، وسيسجان وأران وتفليس تدعى أرمينية الاولى.
وكانت جرزان وأران في أيدى الخزر، وسائر أرمينية في أيدى الروم يتولاها صاحب أرمنياقس.
وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور.
فوجه قباذ بن فيروز الملك قائدا من عظماء قواده في اثنى عشر ألفا فوطئ بلاد أران وفتح ما بين النهر الذى يعرف بالرس إلى شروان.
ثم إن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان، ومدينة برذعة، وهى مدينة الثغر كله، ومدينة قبلة وهى الخزر.
ثم بنى سد اللبن فيما بين أرض شروان وباب اللان، وبنى على سد اللبن ثلاث مئة وستين مدينة خربت بعد بناء الباب والابواب.
ثم إنه ملك بعد قباذ ابنه أنو شروان كسرى بن قباذ، فبنى مدينة الشابران ومدينة(1/231)
مسقط، ثم بنى مدينة الباب والابواب.
وإنما سميت أبوابا لانها بنيت على طريق في الجبل.
وأسكن ما بنى من هذه المواضع قوما سماهم السياسيجين.
وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية، وهم أمة يزعمون أنهم من بنى (ص 194) دودان بن أسد بن خزيمة، وبنى الدرذقية وهى اثنا عشر بابا، كل باب منها قصر من حجارة، وبنى بأرض جرزان مدينة يقال لها سغدبيل وأنزلها قوما من السغد وأبناء فارس، وجعلها مسلحة، وبنى مما يلى الروم في بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروزقباذ، وقصرا يقال له باب لاذقة، وقصرا يقال له باب بارقة، وهو على بحر طرابزندة، وبنى باب اللان وباب سمسخى، وبنى قلعة الجردمان، وقلعة شمشلدى.
وفتح أنوشروان جميع ما كان في أيدى الروم من ارمينية، وعمر مدينة دبيل وحصنها، وبنى مدينة النشوي، وهى مدينة كورة البسفرجان، وبنى حصن ويص، وقلاعا بأرض السيسجان منها قلعة الكلاب، وساهيونس، وأسكن هذه الحصون والقلاع ذوى البأس والنجدة من سياسيجية.
ثم إن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله الموادعة والصلح وأن يكون أمرهما واحدا، وخطب إليه ابنته ليؤنسه بذلك، وأظهر له الرغبة في صهره، وبعث إليه بأمة كانت تبنتها امرأة من نسائه، وذكر أنها ابنته.
فهدى التركي ابنته إليه.
ثم قدم عليه فالتقيا بالبرشلية وتنادما أياما وأنس كل واحد منهما بصاحبه، وأظهر بره، وأمر أنوشروان جماعة من خاصته وثقاته أن يبيتوا طرفا من عسكر التركي ويحرقوا فيه، ففعلوا.
فلما أصبح شكا ذلك إلى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحدا من أصحابه فعله.
ولما مضت لذلك ليال أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الذى كان منهم، ففعلوا.
فضج التركي من فعلهم (ص 195) حتى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن.
ثم إن أنوشروان أمر فألقيت النار في ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قد
اتخذت من حشيش وعيدان، فلما أصبح ضج أنوشروان إلى التركي وقال: كاد(1/232)
أصحابك يذهبون بعسكري، وقد كان فأتني بالظنة.
فحلف أنه لم يعلم لشئ مما كان سببا.
فقال أنوشروان: يا اخى ! جندنا وجندك قد كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم من النيل في الغارات والحروب التى كانت تكون بيننا ولا آمن أن يحدثوا أحداثا تفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حتى نعود إلى العداوة بعد الصهر والمودة، والرأى أن تأذن لى في بناء حائط يكون بينى وبينك ونجعل عليه بابا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا.
فأجابه إلى ذلك.
فانصرف إلى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط، فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص، وجعل عرضه ثلاث مئة ذراع، وألحقه برؤوس الجبال، وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وبتغريقها في البحر حتى إذا ظهرت على وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال.
فلما فرغ من بنائه علق على المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إلى خمسين ألفا من الجند، وجعل عليه دبابة، فقيل لخاقان بعد ذلك: إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك.
فلم يقدر على حيلة.
وملك أنوشروان ملوكا رتبهم، وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية.
فمنهم خاقان الجبل وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه، ومنهم ملك فيلان وهو فيلان شاه، ومنهم طبرسر انشاه، وملك اللكز ويدعى جرشانشاه، وملك مسقط وقد بطلت مملكته، وملك ليران ويدعى ليرانشاه، وملك شروان ويدعى شروانشاه (ص 166)، وملك صاحب بخ على بخ، وصاحب زريكران عليها، وأقر ملوك جبل القبق على ممالكهم وصالحهم على الاتاوة.
فلم تزل أرمينية في أيدى الفرس حتى ظهر الاسلام، فرفض كثير من السياسيجين
حصونهم ومدائنهم حتى خربت، وغلب الخزر والروم على ما كان في ايديهم بديا.(1/233)
506 - قالوا: وقد كانت أمور الروم تشتتت في بعض الازمنة وصاروا كملوك الطوائف.
فملك أرمنياقس رجل منهم، ثم مات فملكتها بعده امرأته، وكانت تسمى قالى.
فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله، ومعنى ذلك إحسان قالى.
قال: وصورت على باب من أبوابها، فأعربت العرب قاليقاله فقالوا: قاليقلا.
507 - قالوا: ولما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى معاوية، وهو عامله على الشام والجزيرة وثغورها، يأمره أن يوجه حبيب بن مسلمة الفهرى إلى أرمينية.
وكان حبيب ذا أثر جميل في فتوح الشام وغزو الروم، قد علم ذلك منه عمر ثم عثمان رضى الله عنهما ثم من بعده.
ويقال بل كتب عثمان إلى حبيب يأمره بغزو أرمينية، وذلك أثبت.
فهض إليها في ستة آلاف، ويقال في ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة.
فأتى قاليقلا فأناخ عليها وخرج إليه أهلها فقاتلهم ثم ألجأهم إلى المدينة، فطلبوا الامان على الجلاء والجزية، فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم.
وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرا.
ثم بلغه أن بطريق أرمنياقس قد جمع للمسلمين جمعا عظيما وانضمت إليه أمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر من الخزر.
فكتب إلى عثمان يسأله المدد، فكتب إلى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوما ممن يرغب في الجهاد والغنيمة.
فبعث إليه معاوية ألفى رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم (ص 197) بها القطائع وجعلهم مرابطة بها.
ولما ورد على عثمان كتاب حبيب كتب إلى سعيد بن العاصى بن سعيد ابن العاصى بن أمية، وهو عامله على الكوفة، يأمره بإمداده بجيش عليه سلمان ابن ربيعة الباهلى وهو سلمان الخيل.
وكان خيرا فاضلا غزاء.
فسار سلمان الخيل
إليه في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة، وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا على الفرات، وقد أبطأ على حبيب المدد، فبيتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم.(1/234)
وقالت أم عبد الله بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له: أين موعدك ؟ قال: سرادق الطاغية أو الجنة، فلما انتهى إلى السرادق وجدها عنده.
508 - قالوا: ثم إن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم، فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم في الغنيمة فلم يفعلوا، حتى تغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل.
قال الشاعر: إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم * وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل وكتب إلى عثمان بذلك فكتب: إن الغنيمة باردة لاهل الشام.
وكتب إلى سلمان يأمره بغزو أران.
وقد روى بعضهم أن سلمان بن ربيعة توجه إلى أرمينية في خلافة عثمان فسبى وغنم وانصرف إلى الوليد بن عقبة وهو بحديثة الموصل سنة خمس وعشرين.
فأتاه كتاب عثمان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قد أجلبوا على المسلمين بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل، فوجه بهم وعليهم سلمان بن ربيعة الباهلى، ووجه معاوية حبيب بن مسلمة الفهرى معه في مثل تلك العدة، فافتتحا حصونا وأصابا سبيا وتنازعا الامارة، وهم أهل الشام بسلمان فقال الشاعر: إن تقتلوا، البيت.
والخبر الاول أثبت حدثنى به عدة من مشايخ أهل قاليقلا، وكتب إلى به العطاف بن سفيان أبو الاصبغ قاضيها.
509 - وحدثني (198) محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: حاصر حبيب بن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها.
فلقيه الموريان
الرومي، فبيته وقتله وغنم ما كان في عسكره، ثم قدم سلمان عليه.
والثبت عندهم أنه لقيه بقاليقلا.(1/235)
510 - وحدثني محمد بن بشر وابن ورز العاليان، عن مشايخ أهل قاليقلا قالوا: لم تزل مدينة قاليقلا منذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حتى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة، فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى من بها من المسلمين إلى الجزيرة.
ثم نزل مرج الحصى فوجه كوسان الارمني حتى أناخ على قاليقلا، فحصرها وأهلها يومئذ قليل وعاملها أبو كريمة.
فنقب اخوان من الارمن من أهل مدينة قاليقلا ردما كان في سورها وخرجا إلى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها.
فقتل وسبى وهدمها وساق ما حوى إلى الطاغية وفرق السبى على أصحابه.
511 - وقال الواقدي: لما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة فادى المنصور بمن كان حيا من أسارى أهل قاليقلا، وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جندا من أهل الجزيرة وغيرهم.
وقد كان طاغية الروم خرج إلى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حتى كاد يسقط، فأنفق المعتصم عليها خمس مئة ألف درهم حتى حصنت.
512 - قالوا: ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حتى نزل مربالا، فأتاه بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم.
وكان عياض قد أمنه على نفسه وماله وبلاده وقاطعه على اتاوة، فانفذه حبيب له، ثم نزل منزلا بين الهرك ودشت الورك، فأتاه بطريق خلاط بما عليه من المال، وأهدى له هدية لم يقبلها منه، ونزل خلاط ثم سار منها إلى الصسا ؟ ه (كذا) فلقيه بها صاحب مكس، وهى ناحية من نواحى البسفرجان، فقاطعه على بلاده (ص 199) ووجه معه رجلا
وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إلى قرى أرجيش وباجنيس من غلب(1/236)
عليها وجبى جزية رؤوس أهلها، وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها، فأما بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حتى ولى محمد بن مروان بن الحكم الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه، فكان يستغلها.
ثم صارت لمروان بن محمد فقبضت عنه.
قال: ثم سار حبيب وأتى أزدساط، وهى قرية القرمز، وأجاز نهر الاكراد ونزل مرج دبيل، فسرب الخيول إليها، ثم زحف حتى نزل على بابها فتحصن أهلها ورموه، فوضع عليها منجنيقا ورماهم، حتى طلبوا الامان والصلح فأعطاهم إياه، وجالت خيوله فنزلت جرنى وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل كو ؟ تة (؟) ووادى الاحرار، وغلبت على جميع قرى دبيل، ووجه إلى سراج طير وبغروند فأتاه بطريقها فصالحه عنها على اتاوه يؤديها، وعلس مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم على أعدائهم.
وكان كتاب صلح دبيل: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لنصارى أهل دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم.
إنى أمنتكم على أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون، وعلينا الوفاء لكم بالعهد ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج، شهد الله وكفى بالله شهيدا.
وختم حبيب ابن مسلمة ".
ثم أتى حبيب النشوي ففتحها على مثل صلح دبيل، وقدم عليه بطريق البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده، وأرضى هصايلته ؟ ؟ (كذا) وافارستة (كذا) على خرج يؤديه في كل سنة، ثم أتى السيسجان فحاربهم أهلها، فهزمهم وغلب على ويص، وصالح (ص 200) أهل القلاع بالسيسجان على
خرج يؤدونه، ثم سار إلى جرزان.(1/237)
513 - حدثنى مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بن عبد الله قالوا: سار حبيب بن مسلمة بمن معه يريد جرزان.
فلما انتهوا إلى ذات اللجم سرحوا بعض دوابهم وجمعوا لجمها.
فخرج عليهم قوم من العلوج فأعجلوهم عن الالجام فقاتلوهم، فكشفهم العلوج وأخذوا تلك اللجم وما قدروا عليه من الدواب.
ثم إنهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم، فسمى الموضع ذات اللجم.
قالوا: وأتى حبيبا رسول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها، فأدى إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم، فكتب حبيب إليهم: " أما بعد فإن نقلى رسولكم قدم على وعلى الذين معى من المؤمنين فذكر عنكم.
إنا أمة أكرمنا الله وفضلنا، وكذلك فعل الله وله الحمد كثيرا وصلى الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه وعليه السلام.
وذكرتم أنكم أجبتم سلمنا، وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم، وكتبت لكم أمانا واشترطت فيه شرطا، فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والسلام على من اتبع الهدى ".
ثم ورد تفليس وكتب لاهلها صلحا: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لاهل طفليس من منجليس من جرزان القرمز بالامان على أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم، على إقرار بالصغار والجزية، على كل أهل بيت دينار، وليس لكم أن تجمعوا بين أهل البيوتات تخفيفا للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثارا منها، ولنا نصيحتكم وضلعكم على أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعتم، وقرى المسلم
المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل الكتاب لنا، وإن انقطع برجل من(1/238)
المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إلى أدنى فئة من (ص 201) المؤمنين إلا أن يحال دونهم، وإن أنبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا في الدين، وإلا فالجزية عليكم، وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك، ولا هو ناقض عهدكم.
هذا لكم وهذا عليكم.
شهد الله وملائكته وكفى بالله شهيدا ".
وكتب الجراح بن عبد الله الحكمى لاهل تفليس كتابا نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من الجراح بن عبد الله لاهل تفليس من رستاق منجليس من كورة جرزان.
انه أتونى بكتاب أمان لهم من حبيب بن مسلمة على الاقرار بصغار الجزية، وأنه صالحهم عن أرضين لهم وكروم وأرحاء يقال لها أوارى وسابينا من رستاق منجليس، وعن طعام، وديدونا من رستاق قحويط من كورة جرزان، على أن يؤدوا عن هذه الارحاء والكروم في كل سنة مئة درهم بلا ثانية.
فأنفذت لهم أمانهم وصلحهم وأمرت ألا يزاد عليهم، فمن قرئ عليه كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء الله وكتب ".
514 - قالوا: وفتح حبيب حوارح وكسفر ؟ س (كذا) وكسال وخنان وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت، صلحا على حقن دماء أهلها وإقرار مصلياتهم وحيطانهم، وعلى أن يؤدوا اتاوة عن أرضهم ورؤوسهم.
وصالح أهل قلرجيت وأهل (ص 202) ثرياليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال وباب اللال، وصالح الصنارية والدودانية على اتاوة.(1/239)
515 - قالوا: وسار سلمان بن ربيعة الباهلى حين أمره عثمان بالمسير إلى أران ففتح مدينة البيلقان صلحا على أن أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم، واشترط عليهم أداء الجزية والخراج.
ثم أتى سلمان برذعة فعسكر على الثرثور، وهو نهر منها على أقل من فرسخ، فأغلق أهلها دونه أبوابهم، فعاناها أياما وشن الغارات في قراها، وكانت زروعها مستحصدة فصالحوه على مثل صلح البيلقان، وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها.
ووجه خيله ففتحت شفشين والمسفوان وأوذ والمصريان (كذا) والهرحليان وتبار وهى رساتيق، وفتح غيرها من أران، ودعا أكراد البلاسجان إلى الاسلام فقاتلوه، فظفر بهم فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل.
516 - وحدثني جماعة من أهل برذعة قالوا: كانت شمكور مدينة قديمة، فوجه سلمان بن ربيعة الباهلى من فتحها.
فلم تزل مسكونة معمورة حتى أخربها الساوردية، وهم قوم تجمعوا في أيام انصرف يزيد بن أسيد عن أرمينية، فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم.
ثم إن بغا مولى المعتصم بالله رحمه الله عمرها في سنة أربعين ومائتين وهو والى أرمينية وأذربيجان وشمشاط، وأسكنها قوما خرجوا إليه من الخزر مستأمنين لرغبتهم في الاسلام، ونقل إليها التجار من برذعة وسماها المتوكلية.
517 - قالوا: وسار سلمان إلى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر الكر ففتح قبلة، وصالحه صاحب شكن والقميبران على اتاوة.
وصالحه (ص 203) أهل خيزان وملك شروان وسائر ملوك الجبال، وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب.
ثم أغلقت بعده ولقيه خاقان في خيوله خلف نهر(1/240)
البلنجر فقتل رحمه الله في أربعة آلاف من المسلمين، فكان يسمع في مأزقهم
التكبير.
وكان سلمان بن ربيعة أول من استقضى بالكوفة، أقام أربعين يوما لا يأتيه خصم، وقد روى عن عمر بن الخطاب.
وفى سلمان وقتيبة بن مسلم يقول ابن جمانة الباهلى: وإن لنا قبريمن قبر بلنجر * وقبر بصين استان يا لك من قبر فذاك الذى بالصين عمت فتوحه * وهذا الذى يسقى به سبل القطر وكان مع سلمان ببلنجر قرظة بن كعب الانصاري، وهو جاء بنعيه إلى عثمان.
518 - قالوا: ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إلى عثمان بن عفان، فوافاه كتابه وقد نعى إليه سلمان، فهم أن يوليه جميع أرمينية، ثم رأى أن يجعله غازيا بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك، فولى ثغر أرمينية حذيفة بن اليمان العبسى.
فشخص إلى برذعة ووجه عماله على ما بينها وبين قاليقلا وإلى جيزان، فورد عليه كتاب عثمان يأمره بالانصراف وتخليف صلة بن زفر العبسى، وكان معه.
فخلفه وسار حبيب راجعا إلى الشام.
وكان يغزو الروم.
ونزل حمص فنقله معاوية إلى دمشق فتوفى بها سنة اثنتين وأربعين وهو ابن خمس وثلاثين سنة.
وكان معاوية وجه حبيبا في جيش لنصرة عثمان حين حوصر، فلما انتهى إلى وادى القرى (ص 204) بلغه مقتل عثمان فرجع.
519 - قالوا: وولى عثمان المغيرة بن شعبة أذربيجان وأرمينية، ثم عزله وولى القاسم بن ربيعة بن أمية بن أبى الصلت الثقفى أرمينية، ويقال ولاها(1/241)
عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلى.
وبعضهم يقول: وليها رجل من بنى كلاب بعد المغيرة خمسة عشر سنة، ثم وليها العقيلى.
وولى الاشعث بن قيس لعلى بن
أبى طالب رضى الله عنه أرمينية وأذربيجان، ثم وليها عبد الله بن حاتم بن النعمان بن عمرو الباهلى من قبل معاوية فمات بها، فوليها عبد العزيز بن حاتم ابن النعمان أخوه، فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها، وبنى مدينة النشوي، ورم مدينة برذعة، ويقال إنه جدد بناءها، وأحكم حفر الفارقين حولها، وجدد بناء مدينة البيلقان، وكانت هذه المدن متشعثة مستهدمة.
ويقال إن الذى جدد بناء برذعة محمد بن مروان في أيام عبد الملك بن مروان، وقال الواقدي: بنى عبد الملك مدينة برذعة على يد حاتم بن النعمان الباهلى أو ابنه، وقد كان عبد الملك ولى عثمان بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط أرمينية.
520 - قالوا: ولما كانت فتنة ابن الزبير انتقضت أرمينية وخالف أحرارها وأتباعهم.
فلما ولى محمد بن مروان من قبل أخيه عبد الملك أرمينية حاربهم، فظفر بهم فقتل وسبى وغلب على البلاد.
ثم وعد من بقى منهم أن يعرض لهم في الشرف، فاجتمعوا لذلك في كنائس من عمل خلاط، فأغلقها عليهم، ووكل بأبوابها ثم حرقهم.
وفى تلك الغزاة سبيت أم يزيد بن أسيد من السيسجان، وكانت بنت بطريقها.
521 - قالوزا: وولى سليمان بن عبد الملك أرمينية عدى بن عميرة الكندى.
وكان عدى بن عميرة ممن نزل الرقة مفارقا لعلى بن أبى طالب، ثم ولاه إياها عمر بن عبد العزيز، وهو صاحب نهر عدى بالبيلقان.(1/242)
وروى بعضهم أن عامل عمر كان حاتم بن النعمان وليس (ص 205) ذلك بثبت.
ثم ولى يزيد بن عبد الملك معلق بن صفار البهرانى ثم عزله وولى
الحارث بن عمرو الطائى.
فغزا أهل اللكز ففتح رستاق وحسمدان.
وولى الجراح ابن عبد الله الحكمى من مذحج أرمينية فنزل برذعة، فرفع إليه اختلاف مكاييلها وموازينها، فأقامها على العدل والوفاء، واتخذ مكيالا يدعى الجراحى، فأهلها يتعاملون به إلى اليوم.
ثم إنه عبر الكر وسار حتى قطع النهر المعروف بالسمور، وصار إلى الخزر فقتل منهم مقتلة عظيمة، وقاتل أهل بلاد حمزين، ثم صالحهم على أن نقلهم إلى رستاق جيزان، وجعل لهم قريتين منه.
وأوقع بأهل غوميك، وسبى منهم، ثم قفل فنزل شكى وشتا جنده برذعة والبيلقان.
وجاشت الخزر وعبرت الرس، فحاربهم في صحراء ورثان، ثم انحازوا إلى ناحية أردبيل فواقعهم على أربعة فراسخ مما يلى أرمينية، فاقتتلوا ثلاثة أيام، فاستشهد ومن معه، فسمى ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عليه إلى الجراح أيضا.
ثم إن هشام بن عبد الملك ولى مسلمة بن عبد الملك أرمينية، ووجه على مقدمته سعيد بن عمرو بن أسود الجرشى ومعه اسحاق بن مسلم العقيلى وإخوته، وجعونة ابن الحارث بن خالد أحد بنى عامر بن ربيعة بن صعصعة، وذفافة وخالد ابنا عمير بن الحباب السلمى، والفرات بن سلمان الباهلى، والوليد بن القعقاع العبسى.
فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان، فكشفهم عنها وهزمهم.
فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان، فلما تهيأ لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بن عبد الملك يلومه على قتاله الخزر قبل قدومه، ويعلمه أن قد ولى أمر عسكره عبد الملك بن مسلم العقيلى.
فلما سلم العسكر أخذه رسول مسلمة فقيده وحمله إلى برذعة، فحبس في سجنها (ص 206).
وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إلى هشام، فكتب إليه:(1/243)
أتتركهم بميمذ قد تراهم * وتطلبهم بمنقطع التراب وأمر باخراج الجرشى من السجن.
522 - قالوا: وصالح مسلمة أهل جيزان وأمر بحصنها فهدم، واتخذ لنفسه به ضياعا، وهى اليوم تعرف بحوز جيزان.
وسالمه ملوك الجبال فصار إليه شروانشاه وليرانشاه وطبرسرانشاه وفيلانشاه وجرشانشاه، وصار إليه صاحب مسقط.
وصمد لمدينة الباب ففتحها، وكان في قلعتها ألف أهل بيت من الخزر، فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثم بحديد اتخذه على هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك.
فعمد إلى العين التى كان أنوشروان أجرى منها الماء إلى صهريجهم فذبح البقر والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيث فلم يمكث ماؤهم الا ليلة حتى دود وانتن وفسد.
فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة.
وأسكن مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب والابواب أربعة وعشرين ألفا من أهل الشام على العطاء، فأهل الباب اليوم لا يدعون عاملا يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم.
وبنى هريا للطعام وهريا للشعير، وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها.
وكان مروان بن محمد مع مسلمة، وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالا شديدا.
ثم ولى هشام بعد مسلمة سعيدا الجرشى فأقام بالثغر سنتين، ثم ولى الثغر مروان بن محمد فنزل كسال، وهو بنى مدينتها وهى من برذعة على أربعين فرسخا، ومن تفليس على عشرين فرسخا.
ثم دخل أرض الخزر مما يلى باب اللان، وأدخلها أسيد ابن زافر السلمى أبا يزيد، ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب والابواب.
فأغار مروان على (ص 207) صقالبة كانو بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت، فأسكنهم خاخيط.
ثم إنهم قتلوا أميرهم وهربوا فلحقهم وقتلهم.(1/244)
523 - قالوا: ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطئ به مروان بلاده من الرجال، وما هم عليه من عدتهم وقوتهم نخب ذلك قلبه وملاه رعبا.
فلما دنا منه أرسل إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام أو الحرب.
فقال: قد قبلت الاسلام،
فأرسل إلى من يعرضه على.
ففعل، فأظهر الاسلام ووادع مروان على أن أقره في مملكته.
وسار مروان معه بخلق من الخزر فأنزلهم ما بين السمور والشابران في سهل أرض اللكز.
ثم إن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعا فيها، ودان له ملك السرير وأطاعه، فصالحه على ألف رأس: خمس مئة غلام وخمس مئة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الاشفار كل سنة، وعلى مئة ألف مدى تصب في أهراء الباب، وأخذ منه الرهن.
وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس: خمسين جارية وخمسين غلاما خماسيين سود الشعور والحواجب وهدب الاشفار، وعشرين ألف مدى للاهراء في كل سنة.
ثم دخل أرض زريكران، فصالحه ملكها على خمسين رأسا وعشرة آلاف مدى للاهراء في كل سنة.
ثم أتى أرض حمزين، فأبى حمزين أن يصالحه، فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهرا، فاحرق وأخرب، وكان صلحه إياه على خمس مئة رأس يؤدونها دفعة واحدة، ثم لا يكون عليه سبيل، وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إلى أهراء الباب في كل سنة.
ثم أتى سندان فافتتحها صلحا على مئة رأس يعطيه إياها صاحبها دفعة، ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل، وعلى أن يحمل في كل سنة إلى أهراء الباب خمسة آلاف مدى.
ووظف على أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل (ص 208) إلى أهراء الباب.
ولم يوظف على فيلانشاه شيئا، وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه وإحماده أمره.
ثم نزل مروان على قلعة اللكز وقد امتنع من أدآء شئ من الوظيفة.
وخرج يريد صاحب الخزر فقتله راع بسهم رماه به وهو لا يعرفه.
فصالح أهل اللكز على عشرين ألف مدى تحمل إلى الاهراء، وولى عليهم(1/245)
خشرما السلمى.
وسار مروان إلى قلعة صاحب شروان، وهى تدعى خرش،
وهى على البحر، فأذعن بالطاعة والانحدار إلى السهل.
وألزمهم عشرة آلاف مدى في كل سنة.
وجعل على صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون بغزو الخزر، وفى الساقة إذا رجعوا، وعلى فيلانشاه أن يغزو معهم فقط، وعلى طبرسرانشاه أن يكون في الساقة إذا بدأوا، وفى المقدمة إذا انصرفوا.
وسار مروان إلى الدودانية فأوقع بهم.
ثم جاءه قتل الوليد بن يزيد، وخالف عليه ثابت بن نعيم الجذامي، وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك الخارجي فوافقه على رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان.
وأتى أردبيل مستخفيا فخرج معه قوم من الشراة منها، وأتوا باجروان فوجدوا بها قوما يرون رأيهم فانضموا إليهم، فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا على مثل رأيهم، وعبروا إلى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا على مثل رأيهم.
ثم نزل ؟ ونان (كذا) وولى مروان بن محمد اسحاق بن مسلم أرمينية، فلم يزل يقاتل مسافرا وكان في قلعة الكلاب بالسيسجان.
ثم لما جاءت الدولة المباركة وولى أبو جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية في خلافة السفاح أبى العباس رحمه الله وجه إلى مسافر وأصحابه قائدا من أهل خراسان فقاتلهم حتى ظفر بهم وقتل مسافرا.
وكان أهل البيلقان متحصنين في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بن أصفر البيلقانى فاستنزلوا بأمان.
ولما استخلف المنصور رحمه الله وولى يزيد أسيد السلمى أرمينية.
ففتح باب (ص 209) اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان، ودوخ الصنارية حتى أدوا الخراج.
فكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل.
وولدت له ابنته منه ابنا فمات وماتت في نفاسها.
وبعث يزيد إلى نفاطة أرض شروان وملاحاتها فجباها، ووكل بها.
وبنى يزيد أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين.(1/246)
524 - حدثنى محمد بن اسماعيل، عن جماعة من مشايخ أهل برذعة قالوا.
الشماخية التى في عمل شروان نسبت إلى الشماخ بن شجاع، فكان ملك شروان في ولاية سعيد بن سالم الباهلى أرمينية.
525 - وحدثني محمد بن اسماعيل، عن المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الحسن بن قحطبة الطائى بعد عزل ابن أسيد وبكار بن مسلم العقيلى.
وكان رئيسهم موشائيل الارمني.
فبعث إليه المنصور رحمه الله الامداد وعليهم عامر بن اسماعيل.
فواقع الحسن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الامور.
وهو الذى نسب إليه نهر الحسن بالبيلقان، والباغ الذى يعرف بباغ الحسن ببرذعة، والضياع المعروفة بالحسنية.
وولى بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم، ثم روح ابن حاتم المهلبى، ثم خزيمة بن خازم، ثم يزيد بن مزيد الشيباني، ثم عبيدالله ابن المهدى، ثم الفضل بن يحيى، ثم سعيد بن سالم، ثم محمد بن يزيد بن مزيد، وكان خزيمة أشدهم ولاية، وهو الذى سن المساحة بدبيل والنشوى، ولم يكن قبل ذلك، ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمى كل واحد منهم ناحيته، فإذا قدم الثغر عامل من عماله داروه، فإن رأوا منه عفة وصرامة وكان في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنوا له بالطاعة، (ص 210) والا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره، ووليهم خالد بن يزيد بن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم على من بعده من عمال المأمون.
ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن على الباذغيسى، المعروف بالمأمونى، الثغر(1/247)
فأهمل بطارقته وأحراره، ولان لهم حتى ازدادوا فسادا على السلطان وكلبا على من يليهم من الرعية.
وغلب اسحاق بن اسماعيل بن شعيب مولى بنى أمية على جرزان، ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر بن كاوس الافشين على أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه.
ثم ولى أرمينية عمال كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور.
ثم إن أمير المؤمنين المتوكل على الله ولى يوسف بن محمد بن يوسف المروزى أرمينية لسنتين من خلافته.
فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط بن أشوط فحمله إلى سر من رأى، فأوحش البطارقة والاحرار والمنغلبة ذلك منه.
ثم إنه عمد عامل له يقال له العلاء بن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الاقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدى إليه فأخذ منه جميع ما كان فيه وعسف أهله، فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمتة وتكاتبت فيه وحض بعضا على بعض على الخلاف والنقض، ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالارطان، في الوثوب بيوسف، وحرضوهم عليه لما كان من حمله بقراط بطريقهم، ووجه كل امرء منهم ومن المتغلبة خيلا ورجالا ليؤيدوهم على ذلك، فوثبوا به ؟ طرون، وقد فرق أصحابه في القرى ققتلوه واحتووا على ما كان في عسكره، فولى أمير المؤمنين المتوكل على الله بغا الكبير أرمينية فلما صار إلى بدليس أخذ (ص 211) موسى بن زرارة، وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضبا لبقراط، وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسبى سببا كثيرا، ثم حاصر أشوط ابن حمزه (؟) بن جاجق بطريق البسفرجان وهو بالباق، فاستنزله من قلعته وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان، فظفر باسحاق بن اسماعيل فقتله صبرا، وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية ممن بالسيسجان من أهل
الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم، حتى صلح ذلك الثغر صلاحا لم يكن على مثله، ثم قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين.(1/248)
فتوح مصر والمغرب 526 - قالوا: وكان عمرو بن العاصى حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك، ثم استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بن أبى سفيان، ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمس مئة.
فغضب عمر لذلك وكتب إليه يوبخه ويعنفه على افتياته عليه برأيه، وأمره بالرجوع إلى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر.
فورد الكتاب عليه وهو بالعريش.
وقيل أيضا إن عمر كتب إلى عمرو بن العاضى يأمره بالشخوص إلى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية، وكان الذى أتاه شريك بن عبدة، فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها، فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عمر.
527 - قالوا: وكان مسير عمرو إلى مصر في سنة تسع عشرة.
فنزل العريش ثم أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال.
فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم، ومضى قدما إلى الفسطاط (ص 212) فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط.
وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطا لانهم قالوا: هذا فسطاط القوم ومجمعهم.
وقوم يقولون إن عمرا ضرب بها فسطاطا فسميت بذلك.
528 - قالوا: ولم يلبث عمرو بن العاصى وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عليه الزبير بن العوام بن خويلد في عشرة آلاف، ويقال في اثنى عشر ألفا، فيهم خارجة بن حذافة العدوى وعمير بن وهب الجمحى.
وكان الزبير(1/249)
قد هم بالغزو وأراد إتيان أنطاكية فقال له عمر يا أبا عبد الله هل لك في ولاية مصر ؟ فقال: لا حاجة لى فيها، ولكني أخرج مجاهدا وللمسلمين معاونا، فإن وجدت عمرا قد فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته في جهاد كنت معه.
فسار على ذلك.
529 - قالوا: وكان الزبير يقاتل من وجه وعمرو بن العاصى من وجه، ثم إن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن، وهو مجرد سيفه، فكبر وكبر المسلمون واتبعوه.
ففتح الحصن عنوة واستباح المسلمون ما فيه، وأقر عمرو أهله على أنهم ذمة، ووضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم.
وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأجازه، واختط الزبير بمصر وابتنى دارا معروفة، وإياها نزل عبد الله بن الزبير حين غزا إفريقية مع ابن أبى سرح.
وسلم الزبير باق في مصر.
530 - وحدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام بعث إلى مصر.
فقيل له: إن بها الطعن والطاعون.
فقال: إنما جئنا للطعن والطاعون.
قال: فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها.
531 - وحدثني عمرو الناقد قال: حدثنى عبد الله بن وهب المصرى عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمرو بن العاصى دخل مصر ومعه ثلاثة آلاف وخمس مئة.
وكان عمر بن الخطاب قد أشفق لما أخبر به من أمرها.(1/250)
فأرسل الزبير (ص 213) بن العوام في اثنى عشر ألفا، فشهد الزبير فتح مصر واختط بها.
532 - وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصرى عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن عبد الله بن المغيرة بن أبى بردة، عن سفيان بن وهب الخولانى قال: لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال: اقسمها يا عمرو.
فأبى.
فقال الزبير: والله لنقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فكتب عمرو إلى عمر في ذلك.
فكتب إليه عمر: أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة.
قال: وقال عبد الله بن وهب وحدثني ابن لهيعة عن خالد بن ميمون عن عبد الله ابن المغيرة عن سفيان بن وهب بنحوه.
533 - وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو الاسود عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمرو بن العاصى دخل مصر في ثلاثة آلاف وخمس مئة.
وكان عمر قد أشفق من ذلك، فأرسل الزبير بن العوام في اثنى عشر ألف، فشهد معه فتح مصر.
قال: فاختط الزبير بمصر والاسكندرية خطتين.
534 - وحدثني ابراهيم بن مسلم الخوارزمي عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى فراس، عن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال: اشتبه على الناس أمر مصر، فقال قوم: فتحت عنوة، وقال آخرون.
فتحت صلحا، والثلج في أمرها أن أبى قدمها، فقاتله أهل اليونة، ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين، وكان الزبير أول من(1/251)
علا حصنها.
ققال صاحبها لابي: إنه قد بلغنا فعلكم بالشام، ووضعكم الجزية على النصارى واليهود، وإقراركم الارض في أيدى أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها.
فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا.
قال.
فاستشار أبى المسلمين، فأشاروا عليه بأن يفعل ذلك، إلا نفرا منهم سألوا أن يقسم الارض بينهم، فوضع على كل حالم دينارين جزية، إلا أن يكون فقيرا.
وألزم كل ذى أرض مع (ص 214) الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطي زيت وقسطي عسل وقسطي خل رزقا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم.
وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين في كل عام، أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا، وكتب عليهم بذلك كتابا، وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا، وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم.
فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر فأجازه، وصارت الارض أرض خراج، إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا.
قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة.
فرضوا به وقالوا: هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا بهذا، فنحن به أقنع، لاننا فرش لا منعة لنا.
ووضع الخراج على أرض مصر، فجعل على كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما، وعلى رأس كل حالم دينارين، وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
535 - وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصرى عن الليث، عن يزيد بن أبى حبيب أن المقوقس صالح عمرو بن العاصى على أن يسير من الروم من أراد ويقر من أراد الاقامة من الروم على أمر سماه، وأن يفرض(1/252)
على القبط دينارين، فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش، فأغلقوا باب الاسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب، فخرج إليه لنقوقس فقال: أسألك ثلاثا: أن لا تبذل للروم مثل الذى بذلت لى فإنهم قد استغشوني، وأن
لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم، وإن مت فمر بدفنى في كنيسة بالاسكندرية ذكرها.
فقال عمرو: هذه أهونهن على.
وكانت قرى من مصر قاتلت، فسبى منهم.
والقرى: بلهيت والخيس وسلطيس.
فوقع (ص 215) سباؤهم بالمدينة، فردهم عمر بن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة.
وكان لهم عهد لم ينقضوه.
وكتب عمرو بفتح الاسكندرية إلى عمر: " أما بعد، فإن الله قد فتح علينا الاسكندرية عنوة قسرا بغير عهد ولا عقد ".
وهى كلها صلح في قول يزيد بن أبى حبيب.
536 - حدثنى أبو أيوب الرقى عن عبد النفار عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب قال: جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفى ألف، وجباها عبد الله بن سعد بن أبى سرح أربعة آلاف ألف، فقال عثمان لعمرو: إن اللقاح بمصر بعدك قد درت ألبانها.
قال: ذاك لانكم أعجفتم أولادها.
قال: وكتب عمر بن الخطاب في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاصى يعلمه ما فيه أهل المدينة من الجهد ويأمره أن يحمل ما يفيض من الطعام في الخراج إلى المدينة في البحر.
فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت.
فإذا ورد الجار تولى قبضه سعد الجار.
ثم جعل في دار بالمدينة وقسم بين الناس بمكيال.
فانقطع ذلك في الفتنة الاولى، ثم حمل في أيام معاوية ويزيد، ثم انقطع إلى زمن عبد الملك بن مروان، ثم لم يزل يحمل إلى خلافة أبى جعفر أو قبيلها.(1/253)
537 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنى أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث ابن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب أن أهل الجزية بمصر صولحوا في خلافة عمر
بعد الصلح الاول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل على دينارين دينارين.
فألزم كل رجل أربعة دنانير، فرضوا بذلك وأحبوه.
538 - وحدثني أبو أيوب الرقى قال: حدثنى عبد الغفار الحرانى عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب، عن الجيشانى قال: سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عمرو ابن العاصى لما فتح الفسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمى إلى عين شمس، فغلب على (ص 216) أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط.
ووجه حارجة بن حذافة العدوى إلى الفيوم والاشمونين، وإخميم، والبشرودات، وقرى الصعيد، ففعل مثل ذلك.
ووجه عمير بن وهب الجمحى إلى تنيس، ودمياط، وتونة، ودميرة، وشطا، ودقهلة، وبنا، وبوصير، ففعل مثل ذلك.
ووجه عقبة بن عامر الجهنى، ويقال وردان مولاه صاحب سوق وردان بمصر، إلى سائر قرى أسفل الارض، ففعل مثل ذلك.
فاستجمع عمرو بن العاصى فتح مصر، فصارت أرضها أرض خراج.
539 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الغفار الحرانى عن ابن لهيعة عن إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبى العالية، عن أبيه قال: سمعت عمرو بن العاصى يقول على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لاحد من قبط مصر على عهد ولا عقد.
إن شئت قتلت، وإن شئت خمست، وإن شئت بعت، إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به.(1/254)
540 - وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنى به عبد الله بن صالح عن موسى بن على ابن رباح اللخمى، عن أبيه قال: المغرب كله عنوة.
541 - حدثنا أبو عبيد عن سعيد بن أبى مريم عن ابن لهيعة، عن الصلت بن أبى عاصم كاتب حيان بن شريح أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان، وكان عامله على مصر، أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.
542 - وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبى مريم عن يحيى بن أيوب، عن عبيدالله بن أبى جعفر قال: كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد على كل امرئ من القبط قيراطا.
فكتب إليه: كيف أزيد عليهم وفى عهدهم أن لا يزاد عليهم 543 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر، عن ابيه قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: أقمت بمصر سبع سنين، وتزوجت بها، فرأيت أهلها مجاهيد، قد حمل عليهم فوق طاقتهم، وإنما فتحها عمرو بصلح وعهد (ص 217) وشئ مفروض عليهم 544 - وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى علاقة، عن عقبة بن عامر الجهنى قال: كان لاهل مصر عهد وعقد.
كتب لهم عمرو أنهم آمنون على أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد،(1/255)
وفرض عليهم خراجا لا يزاد عليهم، وأن يدفع عنهم خوف عدوهم.
قال عقبة: وأنا شاهد على ذلك، 545 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنى يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب، عن من سمع عبد الله بن المغيرة بن أبى بردة قال: سمعت سفيان بن وهب
الخولانى يقول: لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو ! اقسمها بيننا.
فقال عمرو: لا والله، لا أقسمها حتى أكتب إلى عمر.
فكتب إلى عمر، فكتب إليه في جواب كتابه: أن اقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة أو قال يغدو.
546 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي محمد بن عمر عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن جده قال: فتح عمرو بن العاصى مصر سنة عشرين، ومعه الزبير.
فلما فتحها صالحه أهل البلد على وظيفة وظفها عليهم، وهى ديناران على كل رجل، وأخرج النساء والصبيان من ذلك.
فبلغ خراج مصر في ولايته ألفى ألف دينار.
فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار.
547 - وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث، عن يزيد بن أبى حبيب أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاصى على أن فرض على القبط دينارين دينارين.
فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم، فسخط أشد السخط، وبعث الجيوش إلى الاسكندرية وأغلقها.
ففتحها عمرو ابن العاصى عنوة.(1/256)
548 - وحدثني ابن القتات، وهو أبو مسعود، عن الهيثم عن المجالد، عن الشعبى أن على بن الحسين أو الحسين نفسه كلم (ص 218) معاوية في جزية أهل قرية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر، فوضعها عنهم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصى بالقبط خيرا.
549 - وحدثني عمرو عن عبد الله بن وهب عن مالك والليث عن الزهري، عن ابن لكعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا افتتحتم
مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما.
وقال الليث: كانت أم اسماعيل منهم.
550 - أبو الحسن المدائني، عن عبد الله بن المبارك قال: كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا ولاهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك، وربما أخذه منهم.
فكتب إلى عمرو ابن العاصى: إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن حين وليت مصر.
فكتب إليه عمرو: إن أرضنا أرض مزدرع ومتجر، فنحن نصيب فضلا عن ما نحتاج إليه لنفقتنا.
فكتب إليه: إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى، وكتابك إلى كتاب من قد أقلقه الاخذ بالحق.
وقد سؤت بك ظنا، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك.
فأطلعه طلعه، وأخرج إليه ما يطالبك، واعفه من الغلظة عليك، فإنه برح الخفاء.
فقاسمه ماله.(1/257)
551 - المدائني عن عيسى بن يزيد قال: لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو ابن العاصى قال عمرو: إن زمانا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء.
لقد كان العاصى يلبس الخز بكفاف الديباج.
فقال محمد: مه ! لولا زمان ابن حنتمة هذا الذى تكرهه ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكؤها.
قال: أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولى، فإن المجالس بالامانة.
فقال: لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حى.
552 - وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة أن مصر فتحت عنوة.
553 - وحدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن (ص 219) لهيعة عن ابن أنعم
عن أبيه، عن جده، وكان ممن شهد فتح مصر، قال: فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد.(1/258)
فتح الاسكندرية 554 - قالوا: لما افتتح عمرو بن العاصى مصر أقام بها.
ثم كتب إلى عمر بن الخطاب يستأمره في الزحف إلى الاسكندرية.
فكتب إليه يأمره بذلك.
فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدى بن كعب ابن لؤى بن غالب.
وكان من دون الاسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا له، وقالوا: نغزوه بالفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الاسكندرية.
فلقيهم بالكريون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكان فيهم من أهل سخا، ويلهيت، والخيس، وسلطيس، وغيرهم قوم رفدوهم وأعانوهم.
ثم سار عمرو حتى انتهى إلى الاسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله، إلا أن القبط في ذلك يحبون الموادعة.
فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة، فأبى عمرو ذلك.
فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات وجوههن إلى داخله، وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين ليرهبهم بذلك.
فأرسل إليه عمرو: إنا قد رأينا ما صنعت، وما بالكثرة غلبنا من غلبنا.
فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان.
فقال المقوقس لاصحابه: قد صدق هؤلاء القوم.
أخرجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية، فنحن أولى بالاذعان.
فأغلظوا له القول وأبوا إلا المحاربة.
فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا وحصروهم ثلاثة أشهر.
ثم إن عمرا فتحها بالسيف،
وغنم ما (ص 220) فبها واستبقى أهلها، ولم يسب، وجعلهم ذمة كأهل اليونة.
فكتب إلى عمر بالفتح مع معاوية بن حديج الكندى ثم السكوني وبعث إليه معه بالخمس.(1/259)
ويقال إن المقوقس صالح عمرا على ثلاثة عشر ألف دينار، على أن يخرج من الاسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام، وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين.
فكتب لهم بذلك كتابا.
ثم إن عمرو ابن العاصى استخلف على الاسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى ابن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى في رابطة من المسلمين وانصرف إلى الفسطاط.
وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل، وهو كان الملك يومئذ، يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين، وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية.
فبعث رجلا من أصحابه يقال له منويل في ثلاث مئة مركب مشحونة بالمقاتلة.
فدخل الاسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا، وذلك في سنة خمس وعشرين.
وبلغ عمرا الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفا، فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلى الاسكندرية من قرى مصر.
فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون، ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا.
ثم إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين، فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الاسكندرية.
فتحصنوا بها ونصبوا العرادات.
فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال، ونصب المجانيق فأخرب جدرها، وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية.
وهرب بعض رومها إلى الروم، وقتل عدو الله منويل.
وهدم عمرو والمسلمون جدار الاسكندرية، وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك.
وقال بعض الرواة: إن هذه الغزاة كانت في سنة ثلاث وعشرين.
وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة ثلاث عشرين (ص 221) وسنة خمس وعشرين والله أعلم.(1/260)
555 - قالوا: ووضع عمرو على أرض الاسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية.
وروى أن المقوقس اعتزل أهل الاسكندرية حين نقضوا، فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الاول.
وروى ايضا أنه كان مات قبل هذه الغزاة.
556 - حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن اسحاق بن عبد الله بن أبى فروة عن حبان بن شريح، عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه قال: لم نفتح قرية من المغرب على صلح إلا ثلاثا: الاسكندرية وكفرطيس وسلطيس.
فكان عمر يقول: من أسلم من أهل هذه المواضع خلى سبيله وسبيل ماله.
557 - حدثنى عمرو الناقد قال: حدثنا ابن وهب المصرى عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب أنه قال: افتتح عمرو بن العاصى الاسكندرية فسكنها المسلمون في رباطهم، ثم قفلوا، ثم غزوا وابتدروا إلى المنازل.
فكان الرجل يأتي المنزل الذى كان ينزله فيجد صاحبه قد نزله وبدر إليه.
فقال عمرو: إنى أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاورونها.
فلما غزا فصاروا عند الكريون قال لهم: سيروا على بركة الله.
فمن ركز منكم رمحا في دار فهى له ولبنى أبيه.
فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها، ويأتى الآخر فيركز رمحه كذلك أيضا.
فكانت الدار بين النفسين والثلاثة، فكانوا يسكنونها، فإذا قفلوا سكنها الروم.
فكان يزيد بن أبى حبيب يقول: لا يحل لاحد شئ من كرائها، ولا تباع ولا تورث، إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم.
فلما كان
قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصى أغلقها أهلها ففتحها عمرو وأخرب سورها.(1/261)
558 - قالوا: ولما ولى عمرو وردان مولاه الاسكندرية ورجع إلى الفسطاط فلم يلبث إلا قليلا حتى أتاه عزله.
فولى عثمان بعده عبد الله بن سعد بن أبى سرح بن الحارث أحد بنى عامر بن لؤى.
وكان أخا عثمان من الرضاعة.
وكانت ولايته في سنة خمس وعشرين.
ويقال: (ص 222) إن عبد الله بن سعد كان على خراج مصر من قبل عثمان.
فجرى بينه وبين عمرو كلام.
فكتب عبد الله يشكو عمرا، فعزله عثمان وجمع العملين لعبد الله بن سعد.
وكتب إليه يعلمه أن الاسكندرية فتحت مرة عنوة وانتقضت مرتين، ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها، وأن يدر عليهم الارزاق، ويعقب بينهم في كل ستة أشهر.
559 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي أن ابن هرمز الاعرج القارئ كان يقول: خير سواحلكم رباطا الاسكندرية.
فخرج إليها من المدينة مرابطا فمات بها سنة سبع عشرة ومئة 560 - وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن موسى بن على، عن أبيه قال: كانت جزية الاسكندرية ثمانية عشر ألف دينار.
فلما كانت ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار.
561 - حدثنى عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب قال: كان عثمان عزل عمرو بن العاصى عن مصر وجعل عليها عبد الله بن سعد.
فلما نزلت الروم الاسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرا حتى يفرغ من قتال الروم، لان له معرفة بالحرب وهيبة(1/262)
في أنفس العدو.
ففعل، حتى هزمهم.
فأراد عثمان أن يجعل عمرا على الحرب وعبد الله على الخراج.
فأبى ذلك عمرو وقال: أنا كماسك قرنى البقرة والامير يحلبها.
فولى عثمان ابن سعد مصر.
ثم أقامت الحبش من البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون من المياه في الغياض.
قال عبد الله بن وهب: وأخبرني الليث بن سعد عن موسى بن على عن أبيه أن عمرا فتح الاسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عثمان بعد وفاة عمر رحمه الله (ص 223).(1/263)
فتح برقة وزويلة 562 - حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن شرحبيل بن أبى عون، عن عبد الله بن هبيرة قال: لما فتح عمرو بن العاصى الاسكندرية سار في جنده يريد المغرب، حتى قدم برقة، وهى مدينة أنطابلس.
فصالح أهلها على الجزية وهى ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه.
563 - حدثنى بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن سهيل بن عقيل، عن عبد الله بن هبيرة قال: صالح عمرو بن العاصى أهل أنطابلس ومدينتها برقة، وهى بين مصر وإفريقية، بعد أن حاصرهم وقاتلهم على الجزية، على أن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا في جزيتهم.
وكتب لهم بذلك كتابا.
564 - حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن مسلمة بن سعيد، عن اسحاق بن عبد الله ابن أبى فروة قال: كان أهل برقة يبعثون بخراجهم إلى والى مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث.
فكانوا أخصب قوم بالمغرب، ولم يدخلها فتنة.
قال الواقدي: وكان عبد الله بن عمرو بن العاصى يقول: لولا مالى بالحجاز لنزلت برقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها.
565 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح قال: كتب عمرو بن العاصى إلى عمر بن الخطاب يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهرى المغرب فبلغ زويلة، وأن من بين زويلة(1/264)
وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم، قد أدى مسلمهم الصدقة وأقرى معاهدهم بالجزية، وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه.
وأمر عماله جميعا (ص 224) أن يأخذوا الصدقة من الأغنياء فيردوها في الفقراء، ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه بمصر، وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر، ومن أهل الصلح صلحهم.
566 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: سألت عبد الله بن صالح عن البربر فقال: هم يزعمون أنهم ولد بر بن قيس، وما جعل الله لقيس ولدا يقال له بر، وإنما هم من الجبارين الذين قاتلهم داود عليه السلام.
وكان منازلهم على أيادى الدهر فلسطين، وهم أهل، عمود فأتوا المغرب فتناسلوا به.
567 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث ابن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمرو بن العاصى كتب في شرطه على أهل لواتة من البربر من أهل برقة: إن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية.
قال الليث: فلو كانوا عبيدا ما حل ذلك منهم.
568 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبى حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب في اللواتيات أن من كانت عنده لواتية فليخطبها إلى أبيها أو فليرددها إلى أهلها.
قال: ولواتة قرية من البربر كان لهم عهد.(1/265)
فتح أطرابلس 569 - فحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح، عن على بن أبى طلحة قال: سار عمرو بن العاصى حتى نزل أطرابلس في سنة اثنتين وعشرين.
فقوتل، ثم افتتحها عنوة واصاب بها أحمال ؟ زيون كثيرة مع تجار من تجارها، فباعه وقسم ثمنه بين المسلمين.
وكتب إلى عمر بن الخطاب: إنا قد بلغنا أطرابلس وبينها وبين إفريقية تسعة أيام.
فإن رأى أمير المؤمنين (ص 225) أن يأذن لنا في غزوها فعل.
فكتب إليه ينهاه عنها ويقول: ما هي بإفريقية ولكنها مفرقة غادرة مغدور بها.
وذلك أن أهلها كانوا يؤدون إلى ملك الروم شيئا فكانوا يغدرون به كثيرا، وكان ملك الاندلس صالحهم ثم غدر بهم.
وكان خبرهم قد بلغ عمر.
570 - حدثنى عمرو الناقد قال: حدثنا عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد قال: حدثنى مشيختنا أن أطرابلس فتحت بعهد من عمرو بن العاصى.(1/266)
فتح إفريقية 571 - قالوا: لما ولى عبد الله بن سعد بن أبى سرح مصر والمغرب بعث المسلمين في جرائد خيل، فأصابوا من أطراف إفريقية وغنموا.
وكان عثمان بن عفان رضى الله عنه متوقفا عن غزوها، ثم إنه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه.
وكتب إلى عبد الله في سنة سبع وعشرين ويقال في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين، يأمره بغزوها، وأمده بجيش عظيم فيه معبد بن العباس ابن عبد المطلب، ومروان بن الحكم بن أبى العاصى بن أمية، والحارث بن الحكم أخوه، وعبد الله بن الزبير بن العوام، والمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب ابن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعاصم بن عمر، وعبيد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبى بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاصى، وبسر بن أرطاة بن عويمر العامري، وأبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلى الشاعر وبها توفى، فقام بأمره ابن الزبير حتى واراه في لحده.
وخرج في هذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير.
572 - حدثنى محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن نافع مولى آل الزبير، عن عبد الله بن الزبير قال: (ص 226) أغزانا عثمان بن عفان إفريقية.
وكان بها بطريق سلطانه من أطرابلس إلى طنجة.
فسار عبد الله بن سعد بن أبى سرح حتى حل بعقوبة، فقاتله أياما فقتله الله، وكنت أنا الذى قتلته.
وهرب جيشه فتمزقوا.
وبث ابن أبى سرح السرايا ففرقها في البلاد، فأصابوا غنائم كثيرة واستاقوا من المواشى ما قدروا عليه.
فلما رأى ذلك عظماء إفريقية(1/267)
اجتمعوا فطلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلاث مئة قنطار من ذهب، على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم.
فقبل ذلك.
573 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد الليثى، عن ابن كعب أن عبد الله بن سعد بن أبى سرح صالح بطريق إفريقية على ألفى ألف دينار وخمس مئة ألف دينار.
574 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن موسى بن ضمرة المازني، عن أبيه قال: لما صالح عبد الله بن سعد بطريق إفريقية رجع إلى مصر ولم يول على إفريقية أحدا.
ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصر جامع.
قال: فلما قتل عثمان وولى أمر مصر محمد بن حذيفة بن عتبة بن ربيعة لم يوجه إليها أحدا.
فلما ولى معاوية بن ابى سفيان ولى معاوية بن حديج السكوني مصر.
فبعث في سنة خمسين عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط الفهرى فغزاها واختطها.
575 - قالوا: ووجه عقبة بسر بن أرطاة إلى قلعة من القيروان فافتتحها وقتل وسبى، وهى اليوم تعرف بقلعة بسر، وهى بالقرب من مدينة تدعى مجانة عند معدن الفضة.
576 - وقد سمعت من يذكر أن موسى بن نصير وجه بسرا، وبسر ابن اثنين وثمانين سنة، إلى هذه القلعة فافتتحها.
(ص 227) وكان مولد بسر قبل(1/268)
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين.
وغير الواقدي يزعم أنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
577 - وقال الواقدي: ولم يزل عبد الله بن سعد واليا حتى غلب محمد بن أبى حذيفة على مصر، وهو كان أنغلها على عثمان.
ثم إن عليا رضى الله عنه ولى قيس بن سعد بن عبادة الانصاري مصر، ثم عزله واستعمل عليها محمد بن أبى بكر الصديق، ثم عزله وولى مالكا الاشتر، فاعتل بالقلزم.
ثم ولى محمد بن أبى بكر ثانية ورده عليها.
فقتله معاوية بن حديج وأحرقه في جوف حمار.
وكان الوالى عمرو بن العاصى من قبل معاوية بن أبى سفيان.
فمات عمرو بمصر يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين، ويقال سنة ثلاث وأربعين، وولى عبد الله بن عمرو
ابنه بعده.
ثم عزله معاوية وولى معاوية بن حديج، فأقام بها أربع سنين، ثم غزا فغنم.
ثم قدم مصر فوجه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهرى، ويقال بل ولاه معاوية المغرب، فغزا إفريقية في عشرة آلاف من المسلمين.
فافتتح إفريقية واختط قيروانها.
وكان موضع القيروان غيضة ذات طرفاء وشجر لا يرام من السباع والحيات والعقارب القتالة.
وكان ابن نافع رجلا صالحا مستجاب الدعوة.
فدعا ربه فأذهب ذلك كله، حتى إن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة بها.
578 - وقال الواقدي: قلت لموسى بن على: رأيت بناء إفريقية المتصل المجتمع الذى نراه اليوم من بناه ؟ فقال: أول من بناها عقبة بن نافع الفهرى، اختطها ثم بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن، وبنى المسجد الجامع بها.
قال: وبإفريقية استشهد معبد بن العباس رحمه الله في غزاة ابن أبى سرح في خلافة عثمان، ويقال بل مات في أيام القتال.
واستشهاده أثبت.(1/269)
579 - وقال الواقدي وغيره: عزل معاوية بن أبى سفيان معاوية بن حديج.
وولى مصر والمغرب مسلمة بن مخلد الانصاري.
فولى المغرب أبا المهاجر مولاه.
فلما ولى يزيد بن معاوية رد عقبة بن نافع على (ص 228) عمله.
فغزا السوس الادنى وهو خلف طنجة، وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله، فانصرف.
ومات يزيد بن معاوية وبويع لابنه معاوية بن يزيد، وهو أبو ليلى.
فنادى: الصلاة جامعة.
ثم تبرأ من الخلافة وجلس في بيته، ومات بعد شهرين.
ثم كانت ولاية مروان بن الحكم وفتنة ابن الزبير.
ثم ولى عبد الملك بن مروان فاستقام له الناس.
فاستعمل أخاه عبد العزيز على مصر، فولى إفريقية زهير بن قيس البلوى.
ففتح تونس ثم انصرف إلى برقة.
فبلغه أن جماعة من الروم خرجوا من مراكب لهم فعاثوا، فتوجه إليهم في جريدة خيل فلقيهم فاستشهد
ومن معه، فقبره هناك.
وقبورهم تدعى قبور الشهداء.
ثم ولى حسان بن النعمان الغساني، فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته.
فأتى قصورا في حيز برقة فنزلها.
وهى قصور يضمها قصر سقوفه ازاج، فسميت قصور حسان.
ثم إن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سبيا من البربر، وبعث به إلى عبد العزيز.
فكان أبو محجن نصب الشاعر يقول: لقد حضرت عند عبد العزيز سبيا من البربر ما رأيت قط وجوها أحسن من وجوههم.
580 - قال ابن الكلبى: ولى هشام كلثوم بن عياض بن وحوح القشيرى إفريقية، ف نتقض أهلها عليه فقتل بها.
وقال ابن الكلبى: كان إفريقيس بن قيس بن صيفي الحميرى غلب على إفريقية في الجاهلية، فسميت به.
وهو قتل جرجير ملكها.
فقال للبرابرة: ما أكثر بربرة هؤلاء ! فسموا البرابرة.(1/270)
581 - وحدثني جماعة من أهل إفريقية عن أشياخهم أن عقبة بن نافع الفهرى لما أراد تمصير القيروان فكر في موضع المسجد منه.
فأرى في منامه كأن رجلا أذن في الموضوع الذى جعل فيه مئذنته.
فلما أصبح (ص 229) بنى المنائر في موقف الرجل، ثم بنى المسجد.
582 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: ولى محمد بن الاشعث الخواعى إفريقية من قبل أبى العباس أمير المؤمنين.
فرم مدينة القيروان ومسجدها.
ثم عزله المنصور وولى عمر بن حفص هزار مرد مكانه.(1/271)
فتح طنجة
583 - قال الواقدي: وجه عبد العزيز بن مروان موزسى بن نصير مولى بنى أمية - وأصله من عين التمر.
ويقال بل هو من أراشة من بلى، ويقال هو من لخم - واليا على إفريقية.
ويقال بل وليها في زمن الوليد بن عبد الملك سنة تسع وثمانين.
ففتح طنجة ونزلها، وهو أول من نزلها واختط فيها للمسلمين.
وانتهت خيله إلى السوس الادنى وبينه وبين السوس الاقصى نيف وعشرون يوما، فوطئهم وسبى منهم، وأدوا إليه الطاعة، وقبض عامله منهم الصدقة.
ثم ولاها طارق بن زياد مولاه وانصرف إلى قيروان إفريقية.(1/272)
فتح الاندلس 584 - قال الواقدي: غزا طارق بن زياد عامل موسى بن نصير الاندلس وهو أول من غزاها، وذلك في سنة اثنتين وتسعين.
فلقيه أليان وهو وال على مجاز الاندلس فآمنه طارق على أن حمله وأصحابه إلى الاندلس في السفن.
فلما صار إليها حاربه أهلها ففتحها، وذلك في سنة اثنتين وتسعين.
وكان ملكها فيما يزعمون من الاشبان، وأصلهم من أصبهان.
ثم إن موسى بن نصير كتب إلى طارق كتابا غليظا (ص 230) لتغريره بالمسلمين وافتياته عليه بالرأى في غزوه، وأمره أن لا يجاوز قرطبة.
وسار موسى إلى قرطبة من الاندلس فترضاه طارق فرضى عنه.
فافتتح طارق مدينة طليطلة، وهى مدينة مملكة الاندلس، وهى مما يلى فرنجة، وأصاب بها مائدة عظيمة أهداها موسى بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين، والوليد مريض.
فلما ولى سليمان ابن عبد الملك أخذ موسى بن نصير بمئة ألف دينار.
فكلمه فيه يزيد بن المهلب فأمسك عنه.
ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ولى المغرب اسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بنى مخزوم.
فسار أحسن سيرة، ودعا
البربر إلى الاسلام.
وكتب إليهم عمر بن عبد العزيز كتبا يدعوهم بعد إلى ذلك.
فقرأها اسماعيل عليهم في النواحى فغلب الاسلام على المغرب.
585 - قالوا: ولما ولى يزيد بن عبد الملك ولى يزيد بن أبى مسلم مولى الحجاج بن يوسف إفريقية والمغرب.
فقدم إفريقية في سنة اثنتين ومئة.
وكان حرسه البربر، فوسم كل امرئ منهم على يده حرسي.
فانكروا ذلك وملوا(1/273)
سيرته فدب بعضهم إلى بعض وتضافروا على قتله، فخرج ذات عشية لصلاة المغرب فقتلوه في مصلاه.
فولى يزيد بشر بن صفوان الكلبى، فضرب عنق عبد الله بن موسى بن نصير بيزيد.
وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عليه.
ثم ولى هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان أيضا، فتوفى بالقيروان سنة تسع ومئة.
فولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن القيسي.
ثم استعمل بعده عبد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول.
فأغزا عبد الرحمن ابمن حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع الفهرى السوس وأرض السودان.
فظفر ظفرا لم (ص 231) ير أحد مثله قط، وأصاب جاريتين من نساء ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدى واحد وهم يسمون تراجان.
ثم ولى بعد ابن الحبحاب كلثوم بن عياض القشيرى، فقدم إفريقية في سنة ثلاث وعشرين فقتل.
ثم ولى بعده حنظلة بن صفوان الكلبى أخا بشر بن صفوان فقاتل الخوارج وتوفى هناك وهو وال.
وقام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فخالف عليه عبد الرحمن بن حبيب الفهرى، وكان محببا في ذلك الثغر، لما كان من أثار جده عقبة بن نافع فيه، فغلب عليه وانصرف عنه حنظلة.
فبقى عبد الرحمن عليه.
وولى يزيد بن الوليد الخلافة فلم يبعث إلى المغرب عاملا.
وقام مروان بن محمد فكاتبه عبد الرحمن بن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه بالهدايا.
وكان كاتبه خالد بن ربيعة الافريقى، وكان بينه وبين عبد الحميد ابن يحيى مودة ومكاتبة، فأقر مروان عبد الرحمن على الثغر.(1/274)
ثم ولى بعده الياس بن حبيب، ثم حبيب بن عبد الرحمن، ثم غلب البربر والاباضية من الخوارج.
ثم دخل محمد بن الاشعث الخزاعى إفريقية واليا عليها في آخر خلافة أبى العباس في سبعين ألفا، ويقال في أربعين ألفا، فوليها أربع سنين، فرم مدينة القيروان.
ثم وثب عليه جند البلد وغيرهم.
وسمع من يحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم أربعين يوما وهو في قصره، حتى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه من أهل خراسان وغيرهم، وظفر بمن حاربه، وعرضهم على الاسماء: فمن كان اسمه معاوية أو سفيان أو مروان أو اسما موافقا لاسماء بنى أمية قتله، ومن كان اسمه خلاف ذلك استبقاه.
فعزله المنصور، وولى عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبى صفرة العتكى، وهو الذى سمى هزارمرد، وكان المنصور به معجبا.
فدخل إفريقية وغزا منها حتى بلغ أقصى بلاد البربر، (ص 232) وابتنى هناك مدينة سماها العباسية.
ثم إن أبا حاتم السدراتى الاباضي من أهل سدراتة، وهو مولى لكندة، قاتله.
فاستشهد وجماعة من أهل بيته، وانتقض الثغر وهدمت تلك المدينة التى ابتناها.
وولى بعد هزارمرد يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب.
فخرج في خمسين ألفا، وشيعه أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس، وأنفق عليه مالا عظيما، فسار يزيد حتى لقى أبا حاتم بأطرابلس، فقتله ودخل
إفريقية.
فاستقامت له.
ثم ولى بعد يزيد بن حاتم روح بن حاتم، ثم الفضل ابن روح فوثب الجند عليه فذبحوه.
586 - وحدثني أحمد بن نقد مولى بنى الاغلب قال: كان الاغلب بن سالم التميمي من أهل مرو الروذ في من قدم مع المسودة من خراسان، فولاه(1/275)
موسى الهادى المغرب.
فجمع له حريش، وهو رجل كان من جند الثغر من تونس، جمعا وسار إليه وهو بقيروان إفريقيه فحصره.
ثم إن الاغلب خرج إليه فقاتله، فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتا وأصحابه لا يعلمون بمصابه.
ولم يعلم به أصحاب حريش.
ثم إن حريشا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الاغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشا بموضع يعرف بسوع الاحد.
فسمى الاغلب الشهيد.
قال: وكان ابراهيم بن الاغلب من وجوه جند مصر.
فوثب واثنا عشر رجلا معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيئا وهربوا، فلحقوا بموضع يقال له الزاب، وهو من القيروان على مسيرة أكثر من عشرة أيام، وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هرثمة بن أعين.
واعنقد ابراهيم بن الاغلب على من كان من تلك الناحية من الجند وغيرهم الرياسة، وأقبل يهدى إلى هرثمة ويلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يدا من طاعة ولا اشتمل على معصية (ص 233) وأنه إنما دعاه إلى ما كان منه الاحواج والضرورة.
فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها.
فلما صرف هرثمة من الثغر وليه بعده ابن العكى.
فساء أثره فيه حتى انتقض عليه.
فاستشار الرشيد هرثمة في رجل يوليه إياه ويقلده أمره.
فأشار عليه باستصلاح ابراهيم واصطناعه وتوليته الثغر.
فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قد صفح له عن جرمه وأقاله هفوته ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعا له، ليستقبل به الاحسان ويستقبل به النصيحة.
فولى ابراهيم ذلك الغثر وقام به وضبطه.
ثم إن رجلا من جند البلد يقال له عمران بن مجالد خالف ونقض.
فانضم إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا ابراهيم بالقيروان.
فلم يلبثوا أن أتاهم العراض والمعطون ومعهم مال من خراج مصر.
فلما أعطوا تفرقوا.
فابتنى ابراهيم القصر الابيض الذى في قبلة القيروان على ميلين منها.
وخط للناس حوله(1/276)
فابتنوا، ومصر ما هناك، وبنى مسجدا جامعا بالجص والآجر وعمد الرخام، وسقفه بالارز، وجعله مئتى ذراع في نحو مئتى ذراع.
وابتاع عبيدا أعتقهم فبلغوا خمسة آلاف، وأسكنهم حوله.
وسمى تلك المدينة العباسية، وهى اليوم آهلة عامرة.
وكان محمد بن الاغلب بن ابراهيم بن الاغلب أحدث في سنة تسع وثلاثين ومائتين مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية أيضا، فأخر بها أفلح بن عبد الوهاب الاباضي، وكتب إلى الاموى صاحب الاندلس يعلمه ذلك تقربا إليه به.
فبعث إليه الاموى مئة ألف درهم.
587 - وبالمغرب أرض تعرف بالارض الكبيرة، وبينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يوما أو أقل من ذلك قليلا وأكثر قليلا.
وبها مدينة على شاطئ البحر تدعى بارة، وكان أهلها نصارى وليسوا بروم.
غزاها حبلة مولى الاغلب فلم يقدر عليها.
ثم غزاها خلفون البربري، ويقال إنه مولى لربيعة (ص 234) ففتحها في أول خلافة المتوكل على الله.
وقام بعده رجل يقال له المفرج بن سلام ففتح أربعة وعشرين حصنا واستولى عليها، وكتب إلى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صلاة إلا بأن يعقله الامام على ناحيته ويوليه اياها ليخرج من حد المتغلبين.
وبنى مسجدا جامعا.
ثم إن أصحابه شغبوا عليه فقتلوه.
وقام بعده سوران فوجه رسوله إلى
أمير المؤمنين المتوكل على الله يسأله عقدا وكتاب ولاية.
فتوفى قبل أن ينصرف رسوله إليه.
وتوفى المنتصر بالله وكانت خلافته ستة أشهر.
وقام المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم بالله فأمر عامله على المغرب، وهو اوتامش مولى أمير المؤمنين، بأن يعقد على ناحيته.
فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل اوتامش وولى الناحية وصيف مولى أمير المؤمنين فعقد له وأنفذه.(1/277)
فتح جزائر في البحر 588 - قالوا: غزا معاوية بن حديج الكندى أيام معاوية بن أبى سفيان سقلية، وكان أول من غزاها.
ولم تزل تغزى بعد ذلك.
وقد فتح آل الاغلب ابن سالم الافريقى منها نيفا وعشرين مدينة، وهى في أيدى المسلمين.
وفتح أحمد بن محمد بن الاغلب منها في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله قصريانة وحصن غليانة.
589 - وقال الواقدي: سبى عبد الله بن قيس بن مخلد الدزقى سقلية فأصاب أصنام ذهب وفضة مكللة بالجواهر.
فبعث بها إلى معاوية، فوجه بها معاوية إلى البصرة لتحمل إلى الهند فتباع هناك ليثمن بها.
590 - قالوا: وكان معاوية بن أبى سفيان يغزى برا وبحرا، فبعث (ص 235) جنادة بن أبى أمية الازدي إلى رودس - وجنادة أحد من روى عنه الحديث، ولقى أبا بكر وعمر ومعاذ بن جبل، ومات في سنة ثمانين - ففتحها عنوة.
وكانت غيضة في البحر.
وأمره معاوية فأنزلها قوما من المسلمين.
وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين.
591 - قالوا: ورودس من أخصب الجزائر، وهى نحو من ستين ميلا، فيها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة.(1/278)
592 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي وغيره قالوا: أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ لهم.
فلما مات معاوية كتب يزيد إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل.
وكان معاوية يعاقب بين الناس فيها.
وكان مجاهد بن جبر مقيما بها يقرئ الناس القرآن.
وفتح جنادة بن أبى أمية في سنة أربع وخمسين أرواد، وأسكنها معاوية المسلمين.
وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع ابن امرأة كعب الاحبار، وبها أقرأ مجاهد تبيعا القرآن.
ويقال إنه أقرأه القرآن برودس.
وأرواد جزيرة بالقرب من القسطنطينية.
وغزا جنادة إقريطش.
فلما كان زمن الوليد فتح بعضها.
ثم أغلق.
وغزاها حميد بن معيوف الهمداني في خلافة الرشيد، ففتح بعضها.
ثم غزاها في خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الاندلسي المعروف بالاقريطش.
وافتح منها حصنا واحدا ونزله.
ثم لم يزل يفتح شيئا بعد شئ حتى لم يبق فيها من الروم أحد وأخرب حصونهم.(1/279)
صلح النوبة 593 - حدثنى محمد بن سعد قال: حدثنى محمد بن عمر الواقدي عن الوليد بن كثير عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاصى إلى القرى التى حولها الخيل ليطأهم.
فبعث عقبة بن نافع الفهرى، وكان نافع أخا العاصى لامه.
فدخلت خيولهم أرض (ص 236) النوبة كما تدخل صوائف الروم،
فلقى المسلمون بالنوبة قتالا شديدا.
لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم.
فانصرفوا بجراحات كثيرة وحدق مفقوءة، فسموا رماة الحدق.
فلم يزالوا على ذلك حتى ولى مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح.
فسألوه الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك على غير جزية، لكن على هدنة ثلاث مئة رأس، في كل سنة، وعلى أن يهدى المسلمون إليهم طعاما بقدر ذلك.
594 - حدثنى محمد بن سعد قال: حدثنى الواقدي قال: حدثنا ابراهيم بن جعفر عن عمر ابن الحارث عن أبى قبيل حيى بن هاني المعافرى، عن شيخ من حمير قال: شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب، فلم أر قوما أحد في حرب منهم.
لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك ؟ فربما عبث الفتى منا فقال: في مكان كذا.
فلا يخطئه.
كانوا يكثرون الرمى بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الارض شئ.
فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم.
رمونا حتى ذهبت الاعين فعدت مئة وخمسون عينا مفقوءة.
فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل وإن نكابتهم لشديدة.(1/280)
فلم يصالحهم عمرو، ولم يزل يكالبهم حتى نزع وولى عبد الله بن سعد بن أبى سرح فصالحهم.
قال الواقدي: وبالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندى، وكان أعور.
595 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب قال z ليس بيننا وبين الاساود عهد ولا ميثاق، إنما هي هدنة بيننا وبينهم على أن نعطيهم شيئا من قمح وعدس ويعطونا رقيقا، فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم.
596 - حدثنا أبو عبيد عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد قال إنما الصلح بيننا وبين النوبة على (ص 237) أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا، وأن يعطونا رقيقا ونعطيهم بقدر ذلك طعاما، فإن باعوا نساءهم لم أر بذلك بأسا أن يشترى..ومن رواية أبى البخترى وغيره أن عبد الله بن سعد بن أبى سرح صالح أهل النوبة على أن يهدوا في السنة أربع مئة رأس يخرجونها ويأخذون بها طعاما.
597 - وكان المهدى أمير المؤمنين أمر بإلزام النوبة في كل سنة ثلاث مئة رأس وستين رأسا وزرافة، على أن يعطوا قمحا وخل خمر وثيابا وفرشا أو قيمته.
وقد ادعوا حديثا أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة، وأنهم كانوا طولبوا بذلك في خلافة المهدى فرفعوا إليه أن هذا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم، فإذا لم يجدوا منه شيئا عادوا على أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة: فأمر أن يحملوا في ذلك على أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة.
ولم يوجد لهذه الدعوى ثبت في دواوين الحضرة، ووجد في الديوان بمصر.(1/281)
وكان المتوكل على الله أمر بتوجيه رجل يقال له محمد بن عبد الله ويعرف بالقمى إلى المعدن بمصر واليا عليه، وولاه القلزم وطريق الحجاز وبذرقة حاج مصر.
فلما وافى المعدن حمل الميرة في المراكب من القلزم إلى بلاد البجة ووافى ساحلا يعرف بعيذاب.
فوافته المراكب هناك.
فاستعان بتلك الميرة وتقوتها ومن معه حتى وصل إلى قلعة ملك البجة.
فناهضه.
وكان في عدة يسيرة فخرج إليه البجوى في الدهم على إبل محزمة.
فعمد القمى إلى الاجراس فقلدها الخيل.
فلما سمعت الابل اصواتها تقطعت بالبجويين في الاودية والجبال.
وقتل صاحب البجة.
ثم قام من بعده ابن أخته، وكان أبوه أحد ملوك البجويين
وطلب (ص 238) الهدنة.
فأبى المتوكل على الله ذلك إلا أن يطأ بساطه.
فقدم سر من رأى فصولح في سنة إحدى وأربعين ومائتين على أدآء الاتاوة والبقط، ورد مع القمى.
فأهل البجة على الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين من العمل في معدن الذهب.
وكان ذلك في الشرط على صاحبهم.(1/282)
في أمر القراطيس 598 - قالوا: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر، ويأتى العرب من قبل الروم الدنانير.
فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذى يكتب في رؤوس الطوامير من: * (قل هو الله أحد) *، وغيرها من ذكر الله.
فكتب إليه ملك الروم: " إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابا نكرهه، فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه ".
قال: فكبر ذلك في صدر عبد الملك.
فكره أن يدع سنة حسنة سنها.
فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال له: يا أبا هاشم ! إحدى بنات طبق.
وأخبره الخبر.
فقال: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين.
حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها، واضرب للناس سلكا، ولا تعف هؤلاء، الكفرة مما كرهوا في الطوامير.
فقال عبد الملك: فرجتها عنى فرج الله عنك.
وضرب الدنانير.
599 - قال عوانة بن الحكم: وكانت الاقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتنسبه إلى الربوبية، تعالى الله علوا كبيرا، وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم.
فلذلك كره ملك الروم ما كره، واشتد عليه تغيير عبد الملك ما غيره.(1/283)
في أمر القراطيس 598 - قالوا: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر، ويأتى العرب من قبل الروم الدنانير.
فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذى يكتب في رؤوس الطوامير من: * (قل هو الله أحد) *، وغيرها من ذكر الله.
فكتب إليه ملك الروم: " إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابا نكرهه، فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه ".
قال: فكبر ذلك في صدر عبد الملك.
فكره أن يدع سنة حسنة سنها.
فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال له: يا أبا هاشم ! إحدى بنات طبق.
وأخبره الخبر.
فقال: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين.
حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها، واضرب للناس سلكا، ولا تعف هؤلاء، الكفرة مما كرهوا في الطوامير.
فقال عبد الملك: فرجتها عنى فرج الله عنك.
وضرب الدنانير.
599 - قال عوانة بن الحكم: وكانت الاقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتنسبه إلى الربوبية، تعالى الله علوا كبيرا، وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم.
فلذلك كره ملك الروم ما كره، واشتد عليه تغيير عبد الملك ما غيره.(1/283)
600 - وقال المدائني: قال مسلمة بن محارب: أشار خالد بن يزيد على عبد الملك بتحريم دنانيرهم ومنع التعامل بها، وأن لا يدخل بلاد الروم شئ من القراطيس.
فمكث حينا لا يحمل إليهم.(1/284)
فتوح البلدان - البلاذري ج 2
فتوح البلدان
البلاذري ج 2(2/)
كتاب فتوح البلدان تأليف أحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري القسم الثاني نشره ووضع ملاحقه وفهارسه الدكتور صلاح الدين المنجد ملتزمة النشر والطبع مكتبة النهضة المصرية 9 شارع عدلى باشا - القاهرة(2/291)
مطبعة لجنة البيان العربي " شارع مصطفى كامل - بلاظوغلى ت 27079(2/292)
فتوح البلدان " لا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه ".
المسعودي(2/293)
فتوح السواد خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه
601 - قالوا: وكان المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيباني يغير على السواد في رجال من قومه.
فبلغ أبا بكر الصديق رضى الله عنه خبره فسأل عنه، فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقرى: هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد، هذا المثنى بن حارثة الشيباني.
ثم إن المثنى قدم على أبى بكر فقال له: يا خليفة رسول الله ! استعملني على من أسلم من قومي أقاتل هذه الاعاجم من أهل فارس.
فكتب له أبو بكر في ذلك عهدا فسار حتى نزل خفان، ودعا قومه إلى الاسلام فأسلموا.
ثم إن أبا بكر رضى الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد المخزومى يأمره بالمسير إلى العراق، ويقال بل وجهه من المدينة، وكتب أبو بكر إلى المثنى بن حارثة يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه.
وكان مذعور بن عدى العجلى قد كتب إلى أبى بكر يعلمه حاله وحال قومه، ويسأله توليته قتال الفرس.
فكتب إليه يأمره بأن ينضم إلى خالد فيقيم معه إذا أقام ويشخص إذا شخص.
فلما نزل خالد النباج لقيه المثنى بن حارثة بها، وأقبل خالد حتى أتى البصرة وبها سويد ابن قطبة الذهلى.
602 - وقال غير أبى مخنف: كان بها قطبة بن قتادة الذهلى - من بكر بن وائل، ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة مثل فعل المثنى بالكوفة.
ولم تكن الكوفة يومئذ إنما كانت الحيرة.
فقد سويد لخالد:(2/295)
إن أهل الابلة قد جمعوا لى، ولا أحسبهم امتنعوا منى إلا لمكانك.
قال له خالد: فالرأى أن أخرج من البصرة نهارا ثم أعود ليلا فأدخل عسكرك بأصحابى فإن صبحوك حاربناهم (ص 241).
- ففعل خالد ذلك وتوجه نحو الحيرة.
فلما جن عليه الليل انكفأ راجعا حتى صار إلى عسكر سويد فدخله بأصحابه،
وأصبح الابليون وقد بلغهم انصراف خالد عن البصرة فأقبلوا نحو سويد.
فلما رأوا كثرة من في عسكره سقط في أيديهم وانكسروا.
فقال خالد: احملوا عليهم فإنى أرى هيئة قوم قد ألقى الله في قلوبهم الرعب.
فحملوا عليهم فهزموهم، وقتل الله منهم بشرا، وغرق طائفة في دجلة البصرة.
ثم مر خالد بالخريبة ففتحها وسبى من فيها، واستخلف بها فيما ذكر الكلبى شريح بن عامر بن قين من بنى سعد بن بكر بن هوازن.
وكانت مسلحة للعجم.
ويقال أيضا إنه أتى النهر الذى يعرف بنهر المرأة فصالح أهله، وأنه قاتل جمعا بالمذار، ثم سار يريد الحيرة، وخلف سويد بن قطبة على ناحيته وقال له: قد عركنا هذه الاعاجم بناحيتك عركة أذلتهم لك.
وقد روى أن خالدا لما كان بناحية اليمامة كتب إلى أبى بكر يستمده، فأمده بجرير بن عبد الله، فلقيه جرير منصرفا من اليمامة فكان معه.
وواقع صاحب المذار بأمره، والله أعلم.
وقال الواقدي: والذى عليه أصحابنا من أهل الحجاز أن خالدا قدم المدينة من اليمامة ثم خرج منها إلى العراق على فيد والثعلبية، ثم أتى الحيرة.
603 - قالوا: ومر خالد بن الوليد بزندورد من كسكر فافتتحها، وافتتح درنى وذواتها بأمان، بعد أن كانت من أهل زندورد مراماة للمسلمين ساعة.(2/296)
وأتى هرمز جرد فآمن أهلها أيضا وفتحها.
وأتى أليس فخرج إليه جابان، عظيم العجم، فقدم إليه المثنى بن حارثة الشيباني فلقيه بنهر الدم.
وصالح خالد أهل أليس على أن يكونوا عيونا للمسلمين على الفرس وأدلاء وأعوانا.
وأقبل خالد إلى مجتمع الانهار فلقيه أزاذبه، صاحب مسالح كسرى، فيما (ص 242) بينه وبين العرب، فقاتله المسلمون وهزموه.
ثم نزل خالد خفان، ويقال بل سار قاصدا إلى الحيرة، فخرج إليه عبد المسيح بن عمر بن قيس بن حيان بن بقيلة - واسم بقيلة الحارث وهو من الازد -، وهانئ بن قبيصة بن مسعود الشيباني، وإياس بن قبيصة الطائى، ويقال فروة بن إياس - وكان إياس عامل كسرى أبرويز على الحيرة بعد النعمان ابن المنذر -، فصالحوه على مئة ألف درهم.
ويقال على ثمانين ألف درهم في كل عام، وعلى أن يكونوا عيونا للمسلمين على أهل فارس، وأن لا يهدم لهم بيعة ولا قصرا.
604 - وروى أبو مخنف، عن أبى المثنى الوليد بن القطامى، وهو الشرقي بن القسطامى الكلبى، إن عبد المسيح استقبل خالدا، وكان كبير السن، فقال له خالد: من أين أقصى أثرك يا شيخ ؟ فقال: من ظهر أبى.
قال: فمن أين خرجت ؟ قال: من بطن أمي.
قال: ويحك في أي شئ أنت ! قال: في ثيابي.
قال: ويحك على أي شئ أنت ؟ قال: على الارض.
قال: أتعقل ؟ قال: نعم، وأقيد.
قال: ويحك ! إنما أكلمك بكلام الناس.
قال: وأنا إنما أجيبك جواب الناس.
قال: اسلم أنت أم حرب.
قال: بل سلم.
قال: فما هذه الحصون ؟ قال: بنيناها للسفيه حتى يجئ الحليم.
ثم تذاكرا الصلح فاصطلحا على مئة ألف(2/297)
يؤدونها في كل سنة فكان الذى أخذ منهم أول مال جمل إلى المدينة من العراق، واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة، وأن يكونوا عيونا على أهل فارس، وذلك في سنة 12.
605 - وحدثني الحسين بن الاسود، عن يحيى بن آدم قال: سمعت أن أهل الحيرة كانوا ستة آلاف رجل، فألزم كل رجل منهم أربعة عشر درهما وزن خمسة، فبلغ ذلك أربعة وثمانين ألفا وزن خمسة، تكون ستين وزن سبعة.
وكتب لهم بذلك كتابا قد قرأته.
وروى عن يزيد بن نبيشة العامري (ص 243) أنه قال: قدمنا العراق مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى مشلحة العذيب، ثم أتينا الحيرة وقد تحصن أهلها في القصر الابيض وقصر ابن بقيلة وقصر العدسيين،، فأجلنا الخيل في عرصاتهم ثم صالحونا.
قال ابن الكلبى: العدسيون من كل، نسبوا إلى أمهم وهى كلبية أيضا.
606 - وحدثني أبو مسعود الكوفى، عن ابن مجالد، عن أبيه، عن الشعبى أن خريم بن أوس بن حارثة بن لام الطائى قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن فتح الله عليك الحيرة فاعطني ابنة بقيلة.
فلما أراد خالد صلح أهل الحيرة قال له خريم: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لى بنت بقيلة، فلا تدخلها في صلحك.
وشهد له بشير بن سعد ومحمد بن مسلمة الانصاريان.
فاستثناها في الصلح ودفعها إلى خريم، فاشتريت منه بألف درهم.
وكانت عجوزا قد حالت عن عهده.
فقيل له: ويحك ! لقد أرخصتها، كان أهلها يدفعون إليك(2/298)
أضعاف ما سألت بها.
فقال: ما كنت أظن عددا يكون أكثر من عشر مئة.
وقد جاء في الحديث أن الذى سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنت بقيلة رجل من ربيعة، والاول اثبت.
607 - قالوا: وبعث خالد بن الوليد بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير
الانصاري إلى بانقيا، فلقيته خيل الاعاجم، عليها فرخبنداذ، فرشقوا من معه بالسهام، وحمل عليهم فهزمهم وقتل فرخبنداذ.
ثم انصرف وبه جراحة انتقضت به وهو بعين التمر فمات منها.
ويقال إن خالدا لقى فرخبنداذ بنفسه وبشير معه.
ثم بعث خالد جرير بن عبد الله البجلى إلى أهل بانقيا، فخرج إليه بصبهرى بن صلوبا، فاعتذر إليه من القتال، وعرض الصلح.
فصالحه جرير على ألف درهم وطيلسان.
ويقال إن ابن صلوبا أتى خالدا فاعتذر إليه وصالحه (ص 244) هذا الصلح.
فلما قتل مهران ومضى يوم النخيلة أتاهم جرير فقبض منهم ومن أهل الحيرة صلحهم، وكتب لهم كتابا بقبض ذلك.
وقوم ينكرون أن يكون جرير بن عبد الله قدم العراق إلا في خلافة عمر بن الخطاب، وكان أبو مخنف والواقدى يقولان: قدمها مرتين.
608 - قالوا: وكتب خالد لبصبهرى بن صلوبا كتابا ووجه إلى أبى بكر بالطيلسان مع مال الحيرة وبالالف درهم.
فوهب الطيلسان للحسين بن على رضى الله عنهما.(2/299)
609 - وحدثني أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن الحجاج بن أرطاة، عن الحكم عن عبد الله بن مغفل المزني قال: ليس لاهل السواد عهد إلا الحيرة وأليس وبانقيا.
610 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن المفضل بن المهلهل، عن منصور، عن عبيد بن الحسن أو أبى الحسن،
عن ابن مغفل قال: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بنى صلوبا وأرض الحيرة.
611 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح، عن الاسود بن قيس، عن أبيه قال: انتهينا إلى الحيرة فصالحناهم على كذا وكذا ورحل.
قال فقلت: وما صنعتم بالرحل ؟ قال: لم يكن لصاحب منا رحل فأعطيناه إياه.
612 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبى مريم، عن السمرى بن يحيى، عن حميد ابن هلال أن خالدا لما نزل الحيرة صالح أهلها ولم يقاتلوا.
وقال ضرار بن الازور الاسدي: أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما * لقيت ببانقيا من الجرح يأرق وقال الواقدي: المجتمع عليه عند أصحابنا أن ضرارا قتل باليمامة.
613 - قالوا: وأتى خالد الفلاليج منصرفه من بانقيا، وبها جمع للعجم فتفرقوا ولم يلق (ص 245) كيدا.
فجرع إلى الحيرة، فبلغه أن جابان في جمع(2/300)
عظيم بتستر.
فوجه إليه المثنى بن حارثة الشيباني وحنظلة بن الربيع بن رباح الاسيدى من بنى تميم، وهو الذى يقال له حنظلة الكاتب.
فلما انتهيا إليه هرب.
وسار خالد إلى الانبار، فتحصن أهلها.
ثم أتاه من دله على سوق بغداد، وهو السوق العتيق الذى كان عند قرن الصراة.
فبعث خالد المثنى بن حارثة فأغار عليه، فملا المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء وما خف محمله من المتاع.
ثم باتوا بالسيلحين، وأتوا الانبار وخالد بها فحصروا أهلها وحرقوا في نواحيها.
وإنما سميت الانبار لان أهراء العجم كانت بها.
وكان أصحاب النعمان وصنائعه يعطون أرزاقهم منها.
فلما رأى أهل الانبار ما نزل بهم صالحوا خالدا
على شئ رضى به، فأقرهم.
ويقال إن خالدا قدم المثنى إلى بغداد، ثم سار بعده فتولى الغارة عليها، ثم رجع إلى الانبار.
وليس ذلك بثبت.
614 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: حدثنا الحسن ابن صالح، عن جابر، عن الشعبى أنه قال: لاهل الانبار عهد وعقد.
615 - وحدثني مشايخ من أهل الانبار أنهم صولحوا في خلافة عمر رحمه الله عن طسوجهم على أربع مئة ألف درهم وألف عباة قطوانية في كل سنة، وتولى الصلح جرير بن عبد الله البجلى.
ويقال صالحهم على ثمانين ألفا والله أعلم.
616 - قالوا: وفتح جرير بوازيج الانبار، وبها قوم من مواليه.(2/301)
617 - قالوا: وأتى خالد بن الوليد رجل دله على سوق يجتمع فيها كلب وبكر بن وائل وطوائف من قضاعة فوق الانبار.
فوجه إليها المثنى بن حارثة، فأغار عليها فأصاب ما فيها، وقتل وسبى.
ثم أتى خالد عين التمر، فألصق بحصنها.
وكانت فيه مسلحة للاعاجم عظيمة.
فخرج أهل الحصن فقاتلوا.
ثم لزموا حصنهم، فحاصرهم خالد والمسلمون حتى سألوا الامان، فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة، وقتل وسبى، ووجد في كنيسة هناك جماعة سباهم، فكان من ذلك السبى حمران ابن أبان بن خالد التمرى.
وقوم يقولون: كان اسم أبيه أبا.
وحمران مولى عثمان، وكان للمسيب بن نجبة الفزارى، فاشتراه منه فأعتقه.
ثم إنه وجهه إلى الكوفة للمسألة عن عامله فكذبه، فأخرجه من جواره فنزل البصرة.
وسيرين أبو محمد بن سيرين وإخوته وهم: يحيى بن سيرين، وأنس بن سيرين، ومعبد بن سيرين، وهو أكبر إخوته، وهم موالى أنس بن مالك الانصاري.
وكان من ذلك السبى أيضا أبو عمرة جد عبد الله بن عبد الاعلى الشاعر.
ويسار جد محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وهو مولى قيس بن مخرمة ابن المطلب بن عبد مناف.
وكان منهم مرة أبو عبيد، جد محمد بن زيد بن عبيد بن مرة، ونفيس ابن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة صاحب القصر عند الحرة.
ابن محمد هذا وبنوه يقولون: عبيد بن مرة بن المعلى الانصاري ثم الزرقى.
ونصير أبو موسى بن نصير صاحب المغرب، وهو مولى لبنى أمية، وله بالثغور موالى من أولاد من أعتق، يقولون ذلك.(2/302)
وقال ابن الكلبى: كان أبو فروة عبد الرحمن بن الاسود ونصير أبو موسى ابن نصير عربيين من أراشة بلى، سبيا أيام أبى بكر رحمه الله من جبل الجليل بالشام.
وكان اسم نصير نصرا فصغر، وأعتقه بعض بنى أمية فرجع إلى الشام، وولد له موسى بقرية يقال لها كفر مرى، وكان أعرج.
وقال الكلبى: وقد قيل إنهما أخوان من سبى عين التمر وإن ولاءهما لبنى ضبة.
وقال على بن محمد المدائني: يقال إن أبا فروة ونصيرا كانا من سبى عين التمر.
فابتاع ناعم الاسدي أبا فروة، ثم ابتاعه منه عثمان، وجعله يحفر (ص 247) القبور.
فلما وثب الناس به كان معهم عليه، فقال له: رد المظالم.
فقال له: أنت أولها، ابتعتك من مال الصدقة لتحفر القبور، فتركت ذلك.
وكان ابنه عبد الله بن أبى فروة من سراة الموالى.
والربيع صاحب المنصور الربيع بن يونس بن محمد بن أبى فروة.
وإنما لقب أبا فروة كانت عليه حين سبى وقد قيل إن خالدا صالح أهل حصن عين التمر، وإن هذا السبى وجد في كنيسة ببعض الطسوج.
وقيل إن سيرين من أهل جرجرايا، وإنه كان زائرا لقرابة له فأخذ في الكنيسة معهم.
618 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنى يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح، عن أشعث، عن الشعبى قال: صالح خالد بن الوليد أهل الحيرة وأهل عين التمر، وكتب بذلك إلى أبى بكر فأجازه.(2/303)
قال يحيى: فقلت للحسن بن صالح: أفأهل عين التمر مثل أهل الحيرة، إنما هو شئ عليهم، وليس على أراضيهم شئ.
فقال: نعم.
619 - قالوا: وكان هلال بن عقة بن قيس بن البشر النمري على النمر ابن قاسط بعين التمر فجمع لخالد وقاتله فظفر به فقتله وصلبه.
وقال ابن الكلبى: كان على النمر يومئذ عقة بن قيس بن البشر بنفسه.
620 - قالوا: وانتقض ببشير بن سعد الانصاري جرحه فمات، فدفن بعين التمر.
ودفن إلى جنبه عمير بن رئاب بن مهشم بن سعيد بن سهم بن عمرو، وكان أصابه سهم بعين التمر فاستشهد.
ووجه خالد بن الوليد وهو بعين التمر النسير بن ديسم بن ثور إلى ماء لبنى تغلب فطرقهم ليلا فقتل وأسر، فسأله رجل من الاسرى أن يطلقه على أن يدله على حى من ربيعة.
ففعل فأتى النسير ذلك الحى.
فبيتهم، فغنم وسبى،
ومضى إلى ناحية تكريت في البر (ص 248) فغنم المسلمون.
621 - وحدثني أبو مسعود الكوفى، عن محمد بن مروان أن النسير أتى عكبرا، فأمن أهلها وأخرجوا لمن معه طعاما وعلفا.
ثم مر بالبردان فأقبل أهلها يعدون من بين أيدى المسلمين، فقال لهم: لا بأس.
فكان ذلك أمانا.
قال: ثم أتى المخرم - قال أبو مسعود: ولم يكن يدعى يومئذ مخرما، إنما نزله بعض ولد مخرم بن حزن بن زياد بن أنس بن الديان الحارثى فسمى به فيما ذكر هشام بن محمد الكلبى - ثم عبر المسلمون جسرا كان معقودا عند(2/304)
قصر سابور الذى يعرف اليوم بقصر عيسى بن على فخرج إليه خرزاد بن ماهبنداذ، وكان موكلا به، فقاتلوه وهزموه.
ثم لجوا فأتوا عين التمر.
وقال الواقدي: وجه المثنى بن حارثة النسير وحذيفة بن محصن، بعد يوم الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين، إلى خفان، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب، في خيل.
فأوقعا بقوم من بنى تغلب، وعبرا إلى تكريت فأصابا نعما وشاء.
وقال عتاب بن إبراهيم فيما ذكر لى عنه أبو مسعود أن النسير وحذيفة آمنا أهل تكريت وكتبا لهم كتابا أنفذه له عتبة بن فرقد السلمى حين فتح الطيرهان والموصل.
وذكر أيضا ان النسير توجه من قبل خالد بن الوليد فأغار على قرى بمسكن وقطربل، فغنم منها غنيمة حسنة.
قالوا: ثم سار خالد من عين التمر إلى الشام، وقال للمثنى بن حارثة: ارجع رحمك الله إلى سلطانك فغير مقصر ولا وان.
وقال الشاعر: صبحنا بالكتائب حى بكر * وحيا من قضاعة غير ميل أبحنا دارهم والخيل تردى * بكل سميدع سامى التليل يعنى من كان في السوق الذى فوق الانبار.
وللمثنى بالعال معركة * شاهدها من قبيله بشر (ص 249) يعنى بالعال الانبار، وقطربل، ومسكن، وبادوريا، فأراد سوق بغداد كتيبة أفزعت بوقعتها * كسرى وكاد الايوان ينفطر(2/305)
وشجع المسلمون إذ حذروا * وفى صروف التجارب العبر سهل نهج السبيل فاقتفروا * آثاره والامور تقتفر 622 - وقال بعضهم حين لقوا خرزاد: وآل منا الفارسى الحذره * حين لقيناه دوين المنظره بكل قباء لحوق مضمره * بمثلها يهزم جمع الكفره يعنى بالمنظرة تل عقرقوف.
وكان شخوص خالد إلى الشام في شهر ربيع الآخر، ويقال في شهر ربيع الاول سنة ثلاث عشرة.
623 - وقال قوم إن خالدا أتى دومة من عين التمر ففتحها، ثم أقبل إلى الشام، وأصح ذلك مضيه من عين التمر.(2/306)
خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه 624 - قالوا: لما استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه وجه أبا عبيد
ابن عمرو عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف - وهو أبو المختار بن أبي عبيد - إلى العراق في ألف، وكتب إلى المثنى بن حارثة يأمره بتلقيه والسمع والطاعة له، وبعث مع أبى عبيد سليط بن قيس بن عمرو الانصاري وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث.
فأقبل أبو عبيد لا يمر بقوم من العرب إلا رغبهم في الجهاد والغنيمة.
فصحبه خلق.
فلما صار بالعذيب بلغه أن جابان (ص 250) الاعجمي بتستر في جمع كثير.
فلقيه فهزم جمعه وأسر منهم.
ثم أتى درنى وبها جمع للعجم، فهزمهم إلى كسكر.
وسار إلى الجالينوس، وهو بباروسما، فصالحه ابن الاندرزعز (كذا) عن كل رأس على أربعة دراهم على أن ينصرف.
ووجه أبو عبيد المثنى إلى زندورد فوجدهم قد نقضوا، فحاربهم، فظفر وسبى.
ووجه عروة بن زيد الخيل الطائى إلى الزوابى فصالح دهقانها على مثل صلح باروسما.(2/307)
يوم قس الناطف وهو يوم الجسر 625 - قالوا: بعث الفرس إلى العرب حين بلغها اجتماعها ذا الحاجب مردانشاه، وكان أنوشروان لقبه بهمن لتبركه به، وسمى ذا الحاجب لانه كان يعضب حاجبيه ليرفعهما عن عينيه كبرا.
ويقال إن اسمه رستم.
فأمر أبو عبيد بالجسر فعقد، وأعانه على عقده أهل بانقيا.
ويقال إن ذلك الجسر كان قديما لاهل الحيرة يعبرون عليه إلى ضياعهم، فأصلحه أبو عبيد، وذلك أنه كان معتلا مقطوعا.
ثم عبر أبو عبيد والمسلمون من المروحة على الجسر، فلقوا ذا الحاجب وهو في أربعة آلاف مدجج ومعه فيل، ويقال عدة فيلة، واقتتلوا قتالا شديدا، وكثرت الجراحات وفشت في المسلمين.
فقال سليط بن
قيس: يا أبا عبيد ! قد كنت نهيتك عن قطع هذا الجسر إليهم وأشرت عليك بالانحياز إلى بعض النواحى والكتاب إلى أمير المؤمنين بالاستمداد فأبيت.
وقاتل سليط حتى قتل.
وسأل أبو عبيد: أين مقتل هذه الدابة ؟ (ص 252) فقيل: خرطومه.
فحمل فضرب خرطوم الفيل، وحمل عليه أبو محجن بن حبيب الثقفى فضرب رجله فعلقها، وحمل المشركون، فقتل أبو عبيد رحمه الله.
ويقال إن الفيل برك عليه فمات تحته.
فأخذ اللواء أخوه فقتل.
فأخذه ابنه جبر فقتل.
ثم إن المثنى بن حارثة أخذه ساعة وانصرف بالناس وبعضهم على حامية بعض، وقاتل عروة بن زيد الخيل يومئذ قتالا شديدا عدل بقتال جماعة، وقاتل أبو زبيد الطائى الشاعر حمية للمسلمين بالغربية، وكان أتى الحيرة في بعض أموره، وكان نصرانيا.
وأتى المثنى أليس فنزلها، وكتب إلى عمر بن الخطاب بالخبر مع عروة بن زيد.
وكان ممن قتل يوم الجسر فيما ذكر أبو مخنف: أبو زيد الانصاري أحد(2/308)
من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
626 - قالوا: وكانت وقعة الجسر يوم السبت في آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة.
وقال أبو محجن بن حبيب: أنى تسرت ؟ حونا أم يوسف * ومن دون مسراها فياف مجاهل إلى فتية بالطف نيل سراتهم * وغودر أفراس لهم ورواحل مررت على الانصار وسط رحالهم * فقلت لهم هل منكم اليوم قافل 627 - حدثنى أبو عبيد بن سلام قال: حدثنا محمد بن كثير، عن زائدة، عن اسماعيل بن أبى خالد،
عن قيس بن أبى حازم قال: عبر أبو عبيد بانقيا في ناس من أصحابه، فقطع المشركون الجسر، فأصيب ناس من أصحابه.
قال إسماعيل: وقال أبو عمرو الشيباني: كان يوم مهران في أول السنة والقادسية في آخرها.(2/309)
يوم مهران وهو يوم النخيلة 628 - قال أبو مخنف وغيره: مكث عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة لا يذكر العراق لمصاب أبى عبيد وسليط.
وكان المثنى بن حارثة مقيما بناحية أليس يدعو العرب إلى الجهاد.
ثم إن عمر رضى الله عنه ندب الناس إلى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه، حتى هم أن يغزو بنفسه.
وقدم عليه خلق من الازد يريدون غزو الشام فدعاهم إلى العراق ورغبهم في غناء آل كسرى، فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص.
وقدم جرير بن عبد الله من السراة في بجيلة، فسأل أن يأتي العراق على أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا عليه.
فأجابه عمر إلى ذلك، فسار نحو العراق.
وقوم يزعمون أنه مر على طريق البصرة وواقع مرزبان المذار فهزمه.
وآخرون يزعمون أنه واقع المرزبان وهو مع خالد بن الوليد.
وقوم يقولون إنه سلك الطريق على فيد والثعلبية إلى العذيب.
629 - حدثنى عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا داود بن أبى هند قال: أخبرني الشعبى أن عمر وجه جرير بن عبد الله إلى الكوفة بعد قتل أبى عبيد أول من وجه، وقال: هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس ؟ قال: نعم.
630 - قالوا: واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشرة، وقد هلك شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إلى أن يبلغ يزدجرد بن شهريار(2/310)
فبعث إليهم مهران بن مهر بنداذ الهمذانى في اثنى عشر ألفا، فأمهل المسلمون له حتى عبر الجسر وصار مما يلى دير الاعور.
وروى سيف أن مهران صار عند عبور الجسر إلى موضع يقال له البويب، وهذا الموضع الذى قتل به، ويقال إن جنبتى البويب أفعمت عظاما (ص 253) حتى استوى وعفا عليها التراب زمان الفتنة، وإنما ما يثار هناك [ شئ إلا وقعوا منها على شئ ] وذلك ما بين السكون وبنى سليم.
فكان مغيضا للفرات زمن الاكاسرة يصب في الجوف.
وعسكر المسلمين بالنخيلة، وكان على الناس فيما تزعم بجيلة جرير بن عبد الله، وفيما تقول ربيعة المثنى بن حارثة.
وقد قيل إنهم كانوا متسايدين، على كل قوم رئيسهم.
فالتقى المسلمون وعدوهم، فأبلى شرحبيل بن السمط الكندى يومئذ بلاء حسنا، وقتل مسعود بن حارثة أخو المثنى بن حارثه.
فقال المثنى: يا معشر المسلمين ! لا يرعكم مصرع أخى، فإن مصارع خياركم هكذا.
فحملوا حملة رجل واحد محققين صابرين حتى قتل الله مهران وهزم الكفرة.
فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقل من نجا منهم.
وضارب قرط بن جماح العبدى يومئذ حتى انثنى سيفه، وجاء الليل فتتاموا إلى عسكرهم وذلك في سنة أربع عشرة.
فتولى قتل مهران جرير بن عبد الله والمنذر ابن حسان بن ضرار الضبى، فقال هذا: أنا قتلته، وقال هذا: أنا قتلته، وتنازعا نزاعا شديدا.
فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه.
ويقال إن الحصن بن معبد بن زرارة بن عدس التميمي كان ممن قتله.
631 - ثم لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بين الحيرة
وكسكر، وفيما بين كسكر وسورا وبربيسما وصراة جاماسب، وما بين الفلوجتين(2/311)
والنهرين وعين التمر.
وأتوا حصن مليقيا، وكان منظرة، ففتحوه.
وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف.
وكانوا منخو بين قد وهن سلطانهم وضعف أمرهم.
وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى، ونهر الملك، وبادوريا.
وبلغ بعضهم (ص 254) كلواذى.
وكانوا يعيشون بما ينالون من الغارات.
ويقال إن ما بين مهران والقادسية ثمانية عشر شهرا.(2/312)
يوم القادسية 632 - قالوا: كتب المسلمون إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعلمونه كثرة من تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد.
فأراد أن يغزو بنفسه وعسكر لذلك.
فأشار عليه العباس بن عبد المطلب وجماعة من مشايخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقام وتوجيه الجيوش والبعوث.
ففعل ذلك.
وأشار عليه على بن أبى طالب بالمسير.
فقال له: إنى قد عزمت على المقام.
وعرض على على رضى الله عنه الشخوص فأباه.
فأراد عمر توجيه سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى، ثم بداله فوجه سعد بن أبى وقاص، - واسم أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب - وقال: إنه رجل شجاع رام.
ويقال إن سعيد بن زيد بن عمرو كان يومئذ بالشام غازيا.
633 - قالوا: وسار إلى العراق فأقام بالثعلبية ثلاثة أشهر حتى تلاحق به الناس.
ثم قدم العذيب في سنة خمس عشرة.
وكان المثنى بن حارثة مريضا، فأشار عليه بأن يحارب العدو بين القادسية والعذيب، ثم اشتد وجعه فحمل إلى
قومه فمات فيهم.
وتزوج سعد امرأته.
قال الواقدي: توفى المثنى قبل نزول رستم القادسية.
634 - قالوا: وأقبل رستم: وهو من أهل الرى، ويقال بل هو من أهل همذان، فنزل برس.
ثم سار فأقام بين الحيرة والسيلحين أربعة أشهر لا يقدم(2/313)
على المسلمين ولا يقاتلهم، والمسلمون معسكرون بين العذيب والقادسية.
وقدم رستم ذا الحاجب فكان معسكرا بطيزناباذ.
وكان المشركون زهاء مئة ألف وعشرين ألفا، ومعهم ثلاثون فيلا، ورايتهم العظمى التى تدعى درفشكابيان.
وكان جميع المسلمين ما بين (ص 255) تسعة آلاف إلى عشرة آلاف، فإذا احتاجوا إلى العلف والطعام أخرجوا خيولا في البر فأغارت على أسفل الفرات.
وكان عمر يبعث إليهم من المدينة الغنم والجزر.
635 - قالوا: وكانت البصرة قد مصرت فيما بين يوم النخيلة ويوم القادسية، مصرها عتبة بن غزوان.
ثم استأذن للحج وخلف المغيرة بن شعبة.
فكتب إليه عمر بعهده، فلم يلبث أن قرف بما قرف به، فولى أبا موسى البصرة، وأشخص المغيرة إلى المدينة.
ثم إن عمر رده ومن شهد عليه إلى البصرة.
فلما حضر يوم القادسية كتب عمر إلى أبى موسى يأمره بإمداد سعد، فأمده بالمغيرة في ثمانى مئة ويقال في أربع مئة، فشهدها ثم شخص إلى المدينة.
فكتب عمر إلى أبى عبيدة بن الجراح فأمد سعدا بقيس بن هبيرة بن المكشوح المرادى.
فيقال إنه شهد القادسية، ويقال بل قدم على المسلمين وقد فرغ من حربها، وكان قيس في سبع مئة.
وكان يوم القادسية في آخر سنة ست عشرة.
وقد قيل إن الذى أمد سعدا بالمغيرة عتبة بن غزوان، وإن المغيرة إنما ولى البصرة بعد قدومه من القادسية،
وإن عمر لم يخرجه من المدينة حين أشخصه إليها لما قرف به إلا واليا على الكوفة.(2/314)
636 - وحدثني العباس بن الوليد النرسى قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن مجالد، عن الشعبى قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة: ابعث قيس بن مكشوح إلى القادسية فيمن انتدب معه.
فانتدب معه خلق.
فقدم متعجلا في سبع مئة، وقد فتح على سعد.
فسألوه الغنيمة.
فكتب إلى عمر في ذلك، فكتب إليه عمر: إن كان قيس قدم قبل دفن القتلى فاقسم له نصيبه.
637 - قالوا: وأرسل رستم إلى سعد يسأله توجيه بعض أصحابه إليه.
فوجه المغيرة بن شعبة.
فقصد سريره ليجلس معه عليه، فمنعته الاساورة من ذلك وكلمه رستم بكلام كثير.
ثم قال له: قد علمت أنه لم (ص 256) يحملكم على ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد.
ونحن نعطيكم ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون.
فقال المغيرة: إن الله بعث إلينا نبيه صلى الله عليه وسلم فسعدنا بإجابته واتباعه، وأمرنا بجهاد من خالف ديننا * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (1) ونحن ندعوك إلى عبادة الله وحده، والايمان بنبيه صلى الله عليه وسلم، فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم.
فنخر رستم غضبا.
ثم قال: والشمس والقمر لا يرتفع الضحى غدا حتى نقتلكم أجمعين.
فقال المغيرة: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وانصرف عنه.
وكان على فرس له مهزول، وعليه سيف معلوب ملفوف عليه الخرق.
638 - وكتب عمر إلى سعد يأمره بأن يبعث إلى عظيم الفرس قوما
يدعونه إلى الاسلام.
فوجه عمرو بن معدى كب الزبيدى والاشعث بن قيس
__________
(1) سورة 9، الآية 29.
(*)(2/315)
الكندى في جماعة، فمروا برستم فأتى بهم، فقال: أين تريدون ؟ قالوا: صاحبكم.
فجرى بينهم كلام كثير حتى قالوا: إن نبينا قد وعدنا أن نغلب على أرضكم.
فدعا بزبيل من تراب فقال: هذا لكم من أرضنا.
فقام عمرو بن معدى كرب مبادرا فبسط رداءه وأخذ من ذلك التراب فيه وانصرف.
فقيل له: ما دعاك إلى ما صنعت ؟ قال: تفاءلت بأن أرضهم تصير إلينا وتغلب عليها.
ثم أتوا الملك ودعوه إلى الاسلام فغضب وأمرهم بالانصراف وقال: لولا أنكم رسل لقتلتكم.
وكتب إلى رستم يعنفه على إنفاذهم إليه.
639 - ثم إن علافة المسلمين، وعليها زهرة بن حوية بن عبد الله بن قتادة التيمى ثم السعدى - ويقال كان عليها قتادة بن حوية - لقيت خيلا للاعاجم، فكان ذلك سبب الوقعة.
أغاثت الاعاجم (ص 257) خيلها وأغاث المسلمون علافتهم، فالتحمت الحرب بينهم، وذلك بعد الظهر، وحمل عمرو بن معدى گرب الزبيدى فاعتنق عظيما من الفرس فوضعه بين يديه في السرج وقال: أنا أبو ثور، افعلوا كذا.
ثم حطم فيلا من الفيلة وقال: الزموا سيوفكم خراطيمها، فإن مقتل الفيل خرطومه.
640 - وكان سعد قد استخلف على العسكر والناس خالد بن عرفطة العذري حليف بنى زهرة لعلة وجدها.
وكان مقيما في قصر العذيب، فجعلت امرأته - وهى سلمى بنت حفصة من بنى تيم الله بن ثعلبة امرأة المثنى بن حارثة - تقول: وامثنياه ولا مثنى للخيل ! فلطمها.
فقالت: يا سعد ! أغيرة وجبنا ؟ 641 - وكان أبو محجن الثقفى بباضع، غربه إليها عمر بن الخطاب
رضى الله عنه لشربه الخمر، فتخلص حتى لحق بسعد.
ولم يكن فيمن شخص معه فيما ذكر الواقدي، وشرب الخمر في عسكر سعد فضربه وحبسه في قصر(2/316)
العذيب.
فسأل زبراء أم ولد سعد أن تطلقه ليقاتل ثم يعود إلى حديده.
فأحلفته بالله ليفعلن إن أطلقته.
فركب فرس سعد وحمل على الاعاجم فخرق صفهم وحطم الفيل الابيض بسيفه وسعد يراه.
فقال: أما الفرس ففرسى، وأما الحملة فحملة أبي محجن.
ثم أنه رجع إلى حديده.
ويقال إن سلمى بنت حفصة أعطته الفرس، والاول أصح وأثبت.
فلما انقضى أمر رستم قال له سعد: والله لا ضربتك في الخمر بعدما رأيت منك أبدا.
قال: وأنا والله فلا شربتها أبدا.
642 - وأبلى طليحة بن خويلد الاسدي يومئذ وضرب الجالينوس ضربة قدت مغفره، ولم تعمل في رأسه.
وقال قيس بن مكشوح: يا قوم ! إن منايا الكرام القتل، فلا يكونن هؤلاء القلف أولى بالصبر وأسخى نفسا بالموت منكم.
ثم (ص 258) قاتل قتالا شديدا، وقتل الله رستم فوجد بدنه مملوءا ضربا وطعنا، فلم يعلم من قاتله.
وقد كان مشى إليه عمرو بن معدى گرب، وطليحة بن خويلد الاسدي، وقرط بن جماح العبدى، وضرار بن الازور الاسدي.
وكان الواقدي يقول: قتل ضرار يوم اليمامة.
وقد قيل إن زهير بن عبد شمس البجلى قتله.
وقيل أيضا إن قاتله عوام بن عبد شمس.
وقيل إن قاتله هلال بن علفة التيمى.
فكان قتال القادسية يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، وهى ليلة الهرير.
وإنما سميت ليلة صفين بها.
ويقال إن قيس بن مكشوح لم يحضر القتال
بالقادسية، ولكنه قدمها وقد فرغ المسلمون من القتال.(2/317)
643 - وحدثني أحمد بن سلمان الباهلى، عن السهمى، عن أشياخه أن سلمان بن ربيعة غزا الشام مع أبى أمامة الصدى بن عجلان الباهلى فشهد مشاهد المسلمين هناك، ثم خرج إلى العراق فيمن خرج من المدد إلى القادسية متعجلا، فشهد الوقعة وأقام بالكوفة وقتل ببلنجر.
644 - وقال الواقدي في إسناده: خد قوم من الاعاجم لرايتهم وقالوا: لا نبرح موضعنا حتى نموت.
فحمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلى فقتلهم وأخذ الراية.
645 - قالوا: وبعث سعد خالد بن عرفطة على خيل الطلب، فجعلوا يقتلون من لحقوا حتى انتهوا إلى برس.
ونزل خالد على رجل يقال له بسطام، فأكرمه وبره، وسمى نهر هناك نهر بسطام.
واجتاز خالد بالصراح فلحق جالينوس، فحمل عليه كثير بن شهاب الحارثى فطعنه ويقال قتله.
وقال ابن الكلبى: قتله زهرة بن حوية السعدى، وذلك أثبت.
وهرب الفرس إلى المدائن، ولحقوا بيزدجرد، وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمصاب من أصيب.
646 - وحدثني أبو رجاء الفارسى، عن أبيه، عن جده قال: حضرت وقعة القادسية وأنا مجوسي، فلما رمتنا (ص 259) العرب بالنبل جعلنا نقول: دوك دوك، نعنى مغازل، فما زالت بنا تلك المغازل حتى أزالت أمرنا.
لقد كان الرجل منا يرمى عن القوس الناوكية فما يزيد سهمها على أن يتعلق بثوب أحدهم، ولقد كانت النبلة من نبالهم تهتك الدرع الحصينة والجوشن المضاعف مما علينا.(2/318)
وقال هشام بن الكلبى: كان أول من قتل أعجميا يوم القادسية ربيعة ابن عثمان بن ربيعة أحد بنى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور.
647 - وقال طليحة في يوم القادسية: أنا ضربت الجالينوس ضربه * حين جياد الخيل وسط الكبه وقال أبو محجن الثقفى حين رأى الحرب: كفى حزنا أن تدعس الخيل بالقنا * وأترك قد شدوا على وثاقيا إذ قمت عناني الحديد وغلقت * مصاريع من دوني تصم المناديا وقال زهير بن عبد شمس بن عوف البجلى: أنا زهير وابن عبد شمس * أرديت بالسيف عظيم الفرس رستم ذا النخوة والدمقس * أطعت ربى وشفيت نفسي وقال الاشعث بن عبد الحجر بن سراقة الكلابي، وشهد الحيرة والقادسية: وما عقرت بالسيلحين مطيتي * وبالقصر إلا خيفة أن أعيرا فبئس امرؤ يبأى على برهطه * وقد ساد أشياخى معدا وحميرا وقال بعض المسلمين يومئذ: (ص 260) وقاتلت حتى أنزل الله نصره * وسعد بباب القادسية معصم فرحنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس منهن أيم(2/319)
وقال قيس بن المكشوح ويقال إنها لغيره: جلبت الخيل من صنعاء تردى * بكل مدجج كالليث سام إلى وادى القرى فديار كلب * إلى اليرموك فالبلد الشآمي
وجئنا القادسية بعد شهر * مسومة دوابرها دوامى فناهضنا هنالك جمع كسرى * وأبناء المرازبة الكرام فلما أن رأيت الخيل جالت * قصدت لموقف الملك المام فأضرب رأسه فهوى صريعا * بسيف لا أفل * ولا كهام وقد أتلى الاله هناك خيرا * وفعل الخير عند الله نام وقال عصام بن المقشعر: فلو شهدتني بالقوادس أبصرت * جلاد امرئ ماض إذا القوم أحجموا أضارب بالمخشوب حتى أفله * وأطعن بالرمح المتل وأقدم وقال طليحة بن خويلد: طرقت سليمي أرحل الركب * أنى اهتديت بسبسب سهب إنى كلفت سلام بعدكم * بالغارة الشعواء والحرب لو كنت يوم القادسية إذ * نازلتهم بمهند عضب أبصرت شداتي ومنصرفي * وإقامتي للطعن والضرب وقال بشر بن ربيعة بن عمرو الخثعمي: ألم خيال من أميمة موهنا * وقد جعلت أولى النجوم تغور (ص 261) ونحن بصحراء العذيب ودارها * حجازية إن المحل شطير ولا غرو إلا جوبها البيد في الدجى * ومن دوننا رعن أشم وقور(2/320)
تحن بباب القادسية ناقتي * وسعد بن وقاص على أمير وسعد أمير شره دون خيره * طويل الشذى كابى الزناد قصير تذكر هداك الله وقع سيوفنا * بباب قديس والمكر عسير
عشية ود القوم لو أن بعضهم * يعار جناحى طائر فيطير قال: واستشهد يومئذ سعد بن عبيد الانصاري، فاغتم عمر لمصابه وقال: لقد كاد قتله ينغص على هذا الفتح.(2/321)
فتح المدائن 648 - قالوا: مضى المسلمون بعد القادسية، فلما جازوا دير كعب لقيهم النخيرخان إليها وبدا في جمع عظيم من أهل المدائن، فاقتتلوا، وعانق زهير ابن سليم الازدي النخيرخان فسقط إلى الارض، وأخذ زهير خنجرا كان في وسط النخيرخان فشق بطنه فقتله.
وسار سعد والمسلمون فنزلوا ساباط، واجتمعوا بمدينة بهرسير، وهى المدينة التى في شق الكوفة، فأقاموا تسعة أشهر، ويقال ثمانية عشر شهرا، حتى أكلوا الرطب مرتين.
وكان أهل تلك المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها.
فلما فتحها المسلمون أجمع يزدجرد بن شهريار ملك فارس على الهرب.
فدلى من أبيض المدائن في (ص 262) زبيل، فسماه النبط بر زبيلا، ومضى إلى حلوان معه وجوه أساورته، وحمل معه بيت ماله، وخف متاعه وخزانته، والنساء والذراري.
وكانت السنة التى هرب فيها سنة مجاعة وطاعون عم أهل فارس.
ثم عبر المسلمون خوضا ففتحوا المدينة الشرقية.
649 - حدثنى عفان بن مسلم قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا حصين قال: أخبرنا أبو وائل قال: لما انهزم الاعاجم من القادسية اتبعناهم، فاجتمعوا بكوثى، فاتبعناهم ثم انتهينا إلى دجلة، فقال المسلمون: ما تنتظرون بهذه النطفة أن تخوضوها ؟ فخضناها فهزمناهم.
650 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي، عن ابن أبى سبرة، عن ابن عجلان،
عن أبان بن صالح قال: لما انهزمت الفرس من القادسية قدم فلهم المدائن،(2/322)
فانتهى المسلمون إلى دجلة وهى تطفح بماء لم ير مثله قط.
وإذا الفرس قد رفعوا السفن والمعابر إلى الجيزة الشرقية، وحرقوا الجسر.
فاغتم سعد والمسلمون إذ لم يجدوا إلى العبور سبيلا، فانتدب رجل من المسلمين فسبح فرسه وعبر.
فسبح المسلمون، ثم أمروا أصحاب السفن فعبروا الاثقال، فقالت الفرس: والله ما تقاتلون إلا جنا، فانهزموا.
651 - حدثنى عباس بن هشام، عن أبيه، عن عوانة بن الحكم، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حدثنى أبو عمرو بن العلاء، قالا: وجه سعد بن أبى وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته، فلم يرد سعد حتى فتح خالد ساباط.
ثم قدم فأقام على الرومية حتى صالح أهلها على أن يجلو من أحب منهم ويقيم من أقام على الطاعة والمناصحة وأداء الخراج ودلالة المسلمين، ولا ينطووا لهم على غش.
ولم يجد معابر فدل على مخاضة عند قرية الصيادين، فأخاضوها الخيل، فجعل الفرس يرمونهم فسلموا (ص 263) غير رجل من طيئ يقال له سليل بن يزيد بن مالك السنبسى لم يصب يومئذ غيره.
652 - حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنى من أثق به، عن المجالد بن سعيد، عن الشعبى أنه قال: أخذ المسلمون يوم المدائن جواري من جواري كسرى جئ بهن من الآفاق فكن يصنعن له، فكانت أمي إحداهن.
قال: وجعل المسلمون يأخذون الكافور يومئذ فيلقونه في قدورهم ويظنونه ملحا.
قال الواقدي: كان فراغ سعد من المدائن وجلولاء في سنة ست عشرة.(2/323)
يوم جلولاء الوقيعة 653 - قالوا: مكث المسلمون بالمدائن أياما، ثم بلغهم أن يزدجرد قد جمع جمعا عظيما ووجهه إليهم، وأن الجمع بجلولاء، فسرح سعد بن أبى وقاص هاشم بن عتبة بن أبى وقاص إليهم في اثنى عشر ألفا، فوجدوا الاعاجم قد تحصنوا وخمدقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا أن لا يفروا، وجعلت الامداد تقدم عليهم من حلوان والجبال.
فقال المسلمون: ينبغى أن نعاجلهم قبل أن تكثر أمدادهم.
فلقوهم وحجر بن عدى الكندى على الميمنة، وعمرو ابن معدى كرب.
على الخيل، وطليحة بن خويلد على الرجال، وعلى الاعاجم يومئذ خرزاد أخو رستم.
فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح، حتى تقصفت، وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت.
ثم إن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الاعاجم عن موقفهم وهزموهم، فولوا هاربين، وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلا ذريعا حتى حال الظلام بينهم.
ثم انصرفوا إلى معسكرهم، وجعل هاشم بن عتبة جرير بن عبد الله بجلولاء في خيل كثيفة ليكون بين المسلمين (ص 264) وبين عدوهم.
فارتحل يزدجرد من حلوان وأقبل المسلمون يغيرون في نواحى السواد، من جانب دجلة الشرقي.
فأنوا مهروذ، فصالح دهقانها هاشما على جريب من دراهم، على أن لا يقتل أحدا منهم.
وقتل دهقان الدسكرة وذلك أنه اتهمه بغش للمسلمين.
وأتى البندنيجين، فطلب أهله الامان على أداء الجزية والخراج، فأمنهم، وأتى جرير بن عبد الله خانقين، وبها بقية من الاعاجم، فقتلهم.
ولم يبق من سواد دجلة ناحية، إلا غلب عليها المسلمون وصارت في أيديهم.(2/324)
وقال هشام بن الكلبى: كان على الناس يوم جلولاء من قبل سعد عمرو بن
عتبة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وأمه عاتكة بنت أبى وقاص.
654 - قالوا: وانصرف سعد بعد جلولاء إلى المدائن.
فصير بها جمعا، ثم مضى إلى ناحية الحيرة.
وكانت وقعة جلولاء في آخر سنة ست عشرة.
655 - قالوا: فأسلم جميل بن بصبهرى دهقان الفلاليج والنهرين، وبسطام ابن نرسى دهقان بابل وخطرنية، والرفيل دهقان العال، وفيروز دهقان نهر الملك وكوثى، وغيرهم من الدهاقين.
فلم يعرض لهم عمر بن الخطاب ولم يخرج الارض من أيديهم وأزال الجزية عن رقابهم.
656 - وحدثني أبو مسعود الكوفى، عن عوانة، عن أبيه قال: وجه سعد بن أبى وقاص هاشم بن عتبة بن أبى وقاص ومعه الاشعث بن قيس الكندى فمر بالراذانات، وأتى دقوقا وخانيجار، فغلب على ما هناك، وفتح جميع كورة باجرمى، ونفذ إلى نحو سن بارما وبوازيج الملك إلى حد شهرزور.
657 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنى يحيى بن آدم قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أبى لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبى وقاص حين فتح السواد: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن (ص 265) الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم.
فإذا أتاك كتابي فانظر ما أجلب عليه أهل العسكر(2/325)
بخيلهم وركابهم، من مال أو كراع فاقسمه بينهم بعد الخمس، واترك الارض والانهار لعمالها، ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين
من حضر لم يكن لمن يبقى بعدهم شئ.
658 - وحدثني الحسين قال: حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن عبد الله بن حازم قال: سألت مجاهدا عن أرض السواد فقال: لا تشترى ولا تباع.
قال: نقول لانها فتحت عنوة ولم تقسم فهى لجميع المسلمين.
659 - وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن ابن أبى سبرة، عن صالح ابن كيسان، عن سليمان بن يسار قال: أقر عمر بن الخطاب السواد لمن في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وجعلهم ذمة تؤخذ منهم الجزية ومن أرضهم الخراج، وهم ذمة لا رق عليهم.
قال سليمان: وكان الوليد بن عبد الملك أراد أن يجعل أهل السواد فيئا فأخبرته بما كان من عمر في ذلك فورعه الله عنهم.
660 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب أراد قسمة السواد بين المسلمين، فأمر أن يحصوا، فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثة من الفلاحين.
فشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال على: دعهم يكونوا مادة للمسلمين.
فبعث عثمان بن حنيف الانصاري فوضع عليه ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر.(2/326)
661 - حدثنا أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك، عن الاجلح، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ثعلبة بن يزيد، عن على قال: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم.
662 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: ليس لاهل السواد عهد، وإنما نزلوا على الحكم.
663 - حدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن (ص 266) آدم قال: حدثنى الصلت الزبيدى، عن محمد بن قيس الاسدي، عن الشعبى أنه سئل عن أهل السواد ألهم عهد ؟ فقال: لم يكن لهم عهد، فلما رضى منهم بالخراج صار لهم عهد.
664 - حدثنا الحسين: عن يحيى بن آدم، عن شريك، عن جابر، عن عامر أنه قال: ليس لاهل السواد عهد.
665 - حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا ابن وهب المصرى قال: حدثنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان للمهاجرين مجلس في المسجد.
فكان عمر يجلس معهم فيه ويحدثهم عن ما ينتهى إليه من أمر الآفاق.
فقال يوما: ما أدرى كيف أصنع بالمجوس ؟ فوثب عبد الرحمن بن عوف فقال: اشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
666 - حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا إسماعيل ابن أبى خالد،(2/327)
عن قيس بن أبى حازم قال: كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية.
وكان عمر جعل لهم ربع السواد.
فلما وفد عليه جرير قال: لولا انى قاسم مسئول لكنت على ما جعلت لكم.
وإنى أرى الناس قد كثروا فردوا ذلك عليهم.
ففعل وفعلوا.
فأجازه عمر بثمانين دينارا.
قال: فقالت امرأة من بجيلة يقال لها أم كرز: إن أبى هلك وسهمه ثابت في السواد.
وإنى لن أسلم.
فقال لها: يا أم كرز ! إن قومك قد أجابوا.
فقالت له: ما أنا بمسلمة أو تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملا يدى ذهبا.
ففعل عمر ذلك.
667 - وحدثني الحسين قال: حدثنا أبو أسامة، عن اسماعيل، عن قيس، عن جرير قال: كان عمر أعطى بجيلة ربع السواد، فأخذوه ثلاث سنين.
قال قيس: ووفد جرير بن عبد الله على عمر مع (ص 267) عمار بن ياسر، فقال عمر: لولا انى قاسم مسئول لتركتكم على ما كنتم عليه، ولكني أرى أن تردوه، ففعلوا.
فأجازه بثمانين دينارا.
668 - الحسن بن عثمان الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن اسماعيل، عن قيس قال: اعطى عمر جرير بن عبد الله أربع مئة دينار.
669 - حدثنى حميد بن الربيع، عن يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح قال: صالح عمر بجيلة من ربع السواد على أن فرض لهم في ألفين من العطاء.(2/328)
670 - وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن عبد الحميد بن جعفر، عن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده أن عمر جعل له ولقومه ربع ما غلبوا عليه من السواد.
فلما جمعت غنائم جلولاء طلب ربعه.
فكتب سعد إلى عمر يعلمه ذلك.
فكتب عمر: إن شاء جرير أن يكون إنما قاتل وقومه على جعل كجعل المؤلفة قلوبهم فاعطوهم جعلهم، وإن كانوا إنما قاتلوا لله واحتسبوا ما عنده فهم من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
فقال جرير: صدق أمير المؤمنين وبر، لا حاجة لنا بالربع.
671 - حدثنى الحسين قال: حدثنى يحيى بن آدم، عن عبد السلام بن حرب، عن معمر، عن على بن الحكم، عن ابراهيم النخعي قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إنى قد أسلمت فأرفع عن أرضى الخراج.
قال: إن أرضك أخذت عنوة.
672 - حدثنا خلف بن هشام البزار قال: حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن ابراهيم التيمى قال: لما افتتح عمر السواد قالوا له: اقسمه بيننا فإنا فتحناه عنوة بسيوفنا.
فأبى وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين ؟ وأخاف إن قسمته أن تتفاسدوا بينكم في المياه.
قال: فأقر أهل السواد في أرضهم، وضرب على رؤسهم الجزية، وعلى أرضهم الطسق، ولم تقسم بينهم.
673 - وحدثني القاسم بن (ص 268) سلام قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبى أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف الانصاري يمسح السواد.
فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب.
فوضع على كل جريب درهما وقفيزا.(2/329)
قال القاسم: وبلغني أن ذلك القفيز كان مكوكا لهم يدعى الشابرقان.
قال يحيى بن آدم: هو المختوم الحجاجى.
674 - حدثنى عمرو الناقد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفى قال: وضع عمر على السواد على كل جريب عامر أو غامر يبلغه الماء درهما وقفيزا، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر.
675 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري، عن سعيد ابن أبى عروبة، عن قتادة، عن أبى مجلز لاحق بن حميد أن عمر بن الخطاب بعث عمار بن ياسر على صلاة أهل الكوفة وجيوشهم، وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبيت مالهم، وعثمان بن حنيف على مساحة الارض.
وفرض لهم كل يوم شاة بينهم، شطرها وسواقطها لعمار، والشطر الآخر بين هذين.
فمسح عثمان بن حنيف الارض، فجعل على جريب النخل عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين.
وكتب بذلك إلى عمر رحمه الله فأجازه.
676 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن مندل العنزي، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عمرو بن ميمون قال: بعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان على(2/330)
ما وراء دجلة، وبعث عثمان بن حنيف على ما دون دجلة.
فوضعا على كل جريب قفيزا ودرهما.
677 - حدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن مندل، عن أبى إسحاق (ص 269) الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفى قال: كتب المغيرة بن شعبة، وهو على السواد: إن قبلنا أصنافا من الغلة لها مزيد على الحنطة والشعير.
فذكر الماش، والكروم، والرطبة، والسماسم.
قال: فوضع عليها ثمانية ثمانية، وألغى النخل.
678 - وحدثنا خلف البزار قال: حدثنا أبو بكر بن عياش وحدثنا الحسين بن الاسود عن يحيى بن آدم، عن أبى بكر قال: أخبرني أبو سعيد
البقال، عن العيزار بن حريث قال: وضع عمر بن الخطاب على جريب الحنطة درهمين وجريبين، وعلى جريب الشعير درهما وجريبا، وعلى كل غامر يطاق زرعه على الجريبين درهما.
679 - وحدثنا خلف البزار، عن أبى بكر بن عياش، عن أبى سعيد، عن العيزار بن حريث قال: وضع عمر على جريب الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب الرطبة عشرة دراهم، وعلى جريب القطن خمسة دراهم، وعلى النخلة من الفارسى درهما، وعلى الدقلتين درهما.
680 - حدثنى عمرو الناقد قال: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبى عروبة، عن قتادة، عن أبى مجلز أن عمر وضع على جريب النخل ثمانية دراهم.(2/331)
681 - وحدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الرحمن ابن سليمان، عن السرى بن اسماعيل، عن الشعبى قال: بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف فوضع على أهل السواد لجريب الرطبة خمسة دراهم، ولجريب الكرم عشرة دراهم، ولم يجعل على ما عمل تحته شيئا.
682 - وحدثنا الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن ابن أبى سبرة، عن المسور بن رفاعة قال قال عمر بن عبد العزيز: كان خراج السواد على عهد عمر بن الخطاب مئة ألف ألف درهم.
فلما كان الحجاج صار إلى أربعين ألف ألف درهم.
683 - وحدثنا الوليد، عن الواقدي، عن عبد الله بن عبد العزيز، عن أيوب بن
أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه قال: ختم (ص 270) عثمان بن حنيف في رقاب خمس مئة ألف وخمسين ألف علج، وبلغ الخراج في ولايته مئة ألف ألف درهم.
684 - وحدثني الوليد بن صالح قال: حدثنا يونس بن أرقم المالكى قال: حدثنى يحيى بن أبى الاشعث الكندى، عن مصعب بن يزيد أبى زيد الانصاري، عن أبيه قال: بعثنى على بن أبى طالب على ما سقى الفرات.
فذكر رساتيق وقرى.
فسمى نهر الملك، وكوثى، وبهرسير، والرومقان، ونهر جوبر، ونهر درقيط، والبهقباذات، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ من البر درهما ونصفا وصاعا من طعام، وعلى كل جريب وسط درهما،(2/332)
وعلى كل جريب من البر رقيق الزرع ثلثى درهم، وعلى الشعير نصف ذلك.
وأمرني أن أضع على البساتين التى تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم إذا أتت عليه ثلاث سنين ودخل في الرابعة وأطعم عشرة دراهم، وأن ألغى كل نخل شاذ عن القرى يأكله من مر به، وأن لا أضع على الخضراوات شيئا: المقاثى والحبوب والسماسم والقطن.
وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختمون بالذهب على الرجل ثمانية وأربعين درهما، وعلى أوسطهم من التجار على رأس كل رجل أربعة وعشرين درهما في السنة، وأن أضع على الاكرة وسائر من بقى منهم على الرجل اثنى عشر درهما.
685 - حدثنى حميد بن الربيع، عن يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح قال قلت للحسن: ما هذه الطسوق المختلفة ؟ فقال: كل قد وضع حالا بعد حال على قدر قرب الارضين والفرض من الاسواق
وبعدها (ص 271).
قال: وقال يحيى بن آدم: وأما مقاسمة السواد فإن الناس سألوها السلطان في آخر خلافة المنصور، فقبض قبل أن يتقاسموا، ثم أمر المهدى بها فقوسموا فيها دون عقبة حلوان.
686 - وحدثني عبد الله بن صالح العجلى، عن عبثر أبى زبيد، عن الثقات قال: مسح حذيفة سقى دجلة ومات بالمدائن.
وقناطر حذيفة نسبت إليه، وذلك أنه نزل عندها.
ويقال جددها.
وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة.
وبهما قوسم أهل السواد على النصف بعد المساحة التى كانت تمسح عليهم.(2/333)
687 - قال بعض الكتاب: العشر الذى يؤخذ من القطائع هو عشر ما يكال خمس النصف الذى يؤخذ من الاستان.
فينبغي ان يوضع على الجريب مما تجرى عليه المساحة في القطائع أيضا خمس ما يؤخذ من جريب الاستان، فمضى الامر على ذلك.
688 - حدثنى أبو عبيد قال: حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران أن عمر رحمه الله بعث حذيفة وابن حنيف إلى خانقين، وكانت من أول ما افتتحوا.
فختما أعناق أهل الذمة ثم قبضا الخراج.
689 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا عبد الله بن الوليد قال، حدثنا رجل كان أبوه أخبر الناس بهذا السواد يقال له عبد الملك بن أبى حرة عن أبيه أن عمر بن الخطاب أصفى عشر أرضين من السواد، فحفظت سبعا وذهب عنى ثلاث: أصفى الآجام، ومغايض الماء، وأرض كسرى، وكل
دير يزيد، وأرض من قتل في المعركة، وأرض من هرب.
قال: ولم يزل ذلك ثابتا حتى أحرق الديوان أيام (ص 272) الحجاج بن يوسف فأخذ كل قوم ما يليهم.
390 - وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي قال: حدثنا ابن المبارك، عن عبد الله بن الوليد، عن عبد الملك بن أبى حرة، عن أبيه قال: أصفى عمر بن الخطاب من السواد أرض من قتل في الحرب، وأرض من هرب، وكل أرض كسرى، وكل أرض لاهل بيته، وكل مغيض ماء وكل دير يزيد، وكل صافية اصطفاها كسرى.
فبلغت صوافيه سبعة آلاف(2/334)
ألف درهم.
فلما كانت وقعة الجماجم أحرق الناس الديوان فأخذ كل قوم ما يليهم.
691 - حدثنى الحسين وعمرو الناقد قالا: حدثنا محمد بن فضيل عن الاعمش، عن ابراهيم بن مهاجر، عن موسى بن طلحة قال: أقطع عثمان عبد الله بن مسعود أرضا بالنهرين، وأقطع عمار بن ياسر إستينيا، وأقطع خباب بن الارث صعنبا، وأقطع سعدا قرية هرمز.
692 - وحدثنا عبد الله بن صالح العجلى، عن اسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي قال: أقطع عثمان بن عفان طلحة بن عبيدالله النشاستج، وأقطع أسامة بن زيد أرضا باعها.
693 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن موسى بن طلحة أن عثمان بن عفان أقطع خمسة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود، وسعد بن مالك الزهري، والزبير
ابن العوام، وخباب بن الارت، وأسامة بن زيد.
قال: فرأيت ابن مسعود وسعدا فكانا جارى يعطيان أرضهما بالثلث والربع.
694 - وحدثني الوليد بن صالح، عن محمد بن عمر الاسلمي، عن اسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة قال: أول من أقطع العراق عثمان بن عفان.
أقطع قطائع من صوافي كسرى وما كان من أرض الجالية.
فأقطع طلحة النشاستج (ص 273) وأقطع وائل بن حجر الحضرمي ما والى زرارة، وأقطع خباب(2/335)
ابن الارت استينيا، وأقطع عدى بن حاتم الطائى الروحاء، وأقطع خالد بن عرفطة أرضا عند حمام أعين، وأقطع الاشعث بن قيس الكندى طيزناباذ، وأقطع جرير بن عبد الله البجلى أرضه على شاطئ الفرات.
695 - حدثنى الحسين بن الاسود، عن يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح قال: بلغني أن عليا رحمه الله ألزم أهل أجمة برس أربعة آلاف درهم، وكتب لهم بذلك كتابا في قطعة أديم.
696 - وحدثني أحمد بن حماد الكوفى قال: أجمة برس بحضرة صرح نمروذ ببابل.
وفى الاجمة هوة بعيدة القعر يقال إنها بئر، وكان آخر الصرح اتخذ من طينها، ويقال إنها موضع خسف.
697 - وحدثني أبو مسعود وغيره أن دهاقين الانبار سألوا سعد بن أبى وقاص أن يحفر لهم نهرا كانوا سألوا عظيم الفرس حفره لهم، فكتب إلى سعد ابن عمرو بن حرام يأمره بحفره لهم.
فجمع الرجال لذلك فحفروه، حتى انتهوا إلى جبل لم يمكنه شقه فتركوه، فلما ولى الحجاج العراق جمع الفعلة من كل ناحية وقال لقوامه: انظروا إلى قيمة ما يأكل رجل من الحفارين في اليوم، فإن كان وزنه مثل وزن ما يقلع فلا تمتنعوا من الحفر.
فأنفقوا عليه حتى استتموه، فنسب ذلك الجبل إلى الحجاج، ونسب النهر إلى سعد بن عمرو بن حرام.
قال: وأمرت الخيزران أم الخلفاء أن يحفر النهر المعروف بمحدود، وسمته الريان.
وكان وكيلها جعله أقساما وحد كل قسم ووكل بحفره قوما فسمى محدودا.
فأما النهر المعروف بشيلى فإن بنى شيلى بن فرخزادان المروزى يدعون(2/336)
أن سابور حفره لجدهم حين رتبه بنغيا من طسوج الانبار.
والذى يقول غيرهم: إنه (ص 274) نسب إلى رجل يقال له شيلى كان متقبلا بحفره.
وكانت له عليه مبقلة في أيام المنصور أمير المؤمنين، وان هذا النهر كان قديما مندفنا فأمر المنصور بحفره، فلم يستتم حتى توفى، فاستتم في خلافة المهدى.
ويقال إن المنصور كان أمر بإحداث فوهة له فوق فوهته القديمة، فلم يتم ذلك حتى أتمها المهدى رحمه الله.(2/337)
ذكر تمصير الكوفة 698 - حدثنى محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي، عن عبد الحميد بن جعفر وغيره ان عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبى وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة، وأن لا يجعل بينه وبينهم بحرا.
فأتى الانبار وأراد أن يتخذها منزلا.
فكثر على الناس الذباب، فتحول إلى موضع آخر فلم يصلح، فتحول إلى الكوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل، وأنزل القبائل منازلهم، وبنى مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة.
699 - وحدثني على بن المغيرة الاثرم قال: حدثنى أبو عبيدة معمر بن المثنى، عن أشياخه، قال: وأخبرني هشام بن الكلبى، عن أبيه ومشايخ الكوفيين:
قالوا: لما فرغ سعد بن أبى وقاص من وقعة القادسية وجه إلى المدائن.
فصالح أهل الرومية وبهرسير.
ثم افتتح المدائن وأخذ أسبانبر وكردبنداذ عنوة فأنزلها جنده فاحتووها.
فكتب إلى سعد أن حولهم فحولهم إلى سوق حكمة.
وبعضهم يقول حولهم إلى كويفة دون الكوفة.
وقال الاثرم: وقد قيل التكوف الاجتماع.
وقيل أيضا إن المواضع المستديرة من الرمل تسمى كوفانى.
وبعضهم يسمى الارض التى فيها الحصباء مع الطين والرمل كوفة.
قالوا: فأصابهم البعوض، فكتب سعد إلى عمر يعلمه أن الناس قد بعضوا وتأذوا بذلك (ص 275).
فكتب إليه عمر: إن العرب بمنزلة الابل(2/338)
لا يصلحها إلا ما يصلح الابل، فارتد لهم موضعا عدنا، ولا تجعل بينى وبينهم بحرا.
وولى الاختطاط للناس أبا الهياج الاسدي عمرو بن مالك بن جنادة.
ثم إن عبد المسيح بن بقيلة أتى سعدا وقال له: أدلك على أرض انحدرت عن الفلاة وارتفعت عن المباق.
فدله على موضع الكوفة اليوم.
وكان يقال لها سورستان.
فلما انتهى إلى موضع مسجدها أمر رجلا فغلا بسهم قبل مهب القبلة فأعلم على موقعه، ثم غلا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم على موقعه، ثم غلا بسهم قبل مهب الجنوب وأعلم على موقعه، ثم غلا بسهم قبل مهب الصبا فأعلم على موقعه.
ثم وضع مسجدها ودار امارتها في مقام الغالى وما حوله، وأسهم لنزار وأهل اليمن بسهمين على أنه من خرج بسهمه أولا فله الجانب الايسر، وهو خيرهما.
فخرج سهم أهل اليمن فصارت خططهم في الجانب الشرقي، وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك العلامات.
وترك ما دونها
فمناء للمسجد ودار الامارة.
ثم إن المغيرة بن شعبة وسعه، وبناه زياد فأحكمه، وبنى دار الامارة.
وكان زياد يقول: انفقت على كل أسطوانة من أساطين مسجد الكوفة ثمانى عشرة مئة.
وبنى فيها عمرو بن حريث المخزومى بناء.
وكان زياد يستخلفه على الكوفة إذا شخص إلى البصرة.
ثم بنى العمال فيها فضيقوا رحابها وأفنيتها.
قال: وصاحب زقاق عمرو بالكوفة بنو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة.
700 - وحدثني وهب بن بقية الواسطي قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن داود ابن أبى هند، عن الشعبى قال: كنا - يعنى أهل اليمن - اثنى عشر ألفا.
وكانت نزار(2/339)
ثمانية آلاف.
ألا (ص 276) ترى أنا أكثر أهل الكوفة، وخرج سهمنا بالناحية الشرقية فلذلك صارت خططنا بحيث هي.
701 - وحدثني على بن محمد المدائني، عن مسلمة بن محارب وغيره، قالوا: زاد المغيرة في مسجد الكوفة وبناه، ثم زاد فيه زياد.
وكان سبب إلقاء الحصى فيه وفى مسجد البصرة أن الناس كانوا يصلون فإذا رفعوا أيديهم وقد تربت، نفضوها.
فقال زياد: ما أخوفني أن يظن الناس على غابر الايام أن نفض الايدى سنة في الصلاة.
فزاد في المسجد ووسعه، وأمر بالحصى فجمع وألقى في صحن المسجد.
وكان الموكلون بجمعه يتعنتون الناس ويقولون لمن وظفوه عليه: إيتونا به على ما نريكم، وانتقوا منه ضروبا اختاروها.
فكانوا يطلبون ما أشبهها، فأصابوا مالا.
فقيل: حبذا الامارة ولو على الحجارة.
وقال الاثرم، قال أبو عبيدة: إنما قيل ذلك لان الحجاج بن عتيك الثقفى
أو ابنه تولى قطع حجارة أساطين مسجد البصرة من جبل الاهواز، فظهر له مال، فقال الناس: حبذا الامارة ولو على الحجارة.
وقال أبو عبيدة: وكان تكويف الكوفة في سنة ثمانية عشرة.
قال: وكان زياد اتخذ في مسجد الكوفة مقصورة ثم جددها خالد ابن عبد الله القسرى.
702 - وحدثني حفص بن عمر العمرى قال: حدثنى الهيثم بن عدى الطائى قال: أقام المسلمون بالمدائن واختطوها، وبنوا المساجد فيها.
ثم إن المسلمين استوخموها واستوبؤها، فكتب بذلك سعد بن أبى وقاص إلى عمر.
فكتب إليه عمر أن ينزلهم منزلا غربيا.(2/340)
فارتاد كويفة ابن عمر.
فنظروا فإذا الماء محيط بها.
فخرجوا حتى أتوا موضع الكوفة اليوم فانتهوا إلى الظهر، وكان يدعى خد العذراء، ينبت الخزامى والاقحوان والشيح والقيصوم والشقائق، فاختطوها.
703 - وحدثني شيخ من الكوفيين أن ما بين الكوفة والحيرة كان (ص 277) يسمى الملطاط.
قال: وكانت دار عبد الملك بن عمير للضيفان.
أمر عمر أن يتخذ لمن يرد من الآفاق دارا، فكانوا ينزلونها.
704 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى، عن أبيه، عن أبى مخنف، عن محمد بن إسحاق قال: اتخذ سعد بن أبى وقاص بابا مبوبا من خشب، وخص على قصره خصا من قصب.
فبعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة الانصاري حتى أحرق الباب والخص.
وأقام سعدا في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلا خير.
705 - وحدثني العباس بن الوليد النرسى وإبراهيم العلاف البصري قالا: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة أن أهل الكوفة سعوا بسعد بن أبى وقاص إلى عمر وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة.
فقال سعد: أما أنا فكنت أصلى بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها، أركد في الاوليين وأحذف في الاخريين.
فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق.
فأرسل عمر رجالا يسألون عنه بالكوفة، فجعلوا لا يأتون مسجدا من مساجدها إلا قالوا خيرا وأثنوا معروفا، حتى أتوا مسجدا من مساجد بنى عبس، فقال رجل منهم يقال له أبو سعدة: أما إذا(2/341)
سألتمونا عنه فإنه كان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية.
قال: فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره واعم بصره وعرضه للفتن.
قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للاماء في السكك، فإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة ؟ قال: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.
قال العباس النرسى في غير هذا الحديث: إن سعدا قال لاهل الكوفة: اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم بأمير.
706 - وحدثني العباس النرسى قال: بلغني أن المختار بن أبى عبيد أو غيره قال: حب أهل الكوفة شرف وبغضهم تلف.
707 - وحدثني الحسن بن عثمان الزيادي قال: حدثنا اسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبى أن (ص 278) عمرو بن معدى كرب الزبيدى وفد على عمر بن الخطاب بعد فتح القادسية، فسأله عن سعد وعن رضاء الناس عنه فقال: تركته يجمع لهم جمع الذره، ويشفق عليهم شفقة الام البرة.
أعرابي في نمرته، نبطى في جبايته.
يقسم بالسوية، ويعدل في القضية، وينفذ بالسرية.
فقال
عمر: كأنكما تقارضتما الثناء - وقد كان سعد كتب يثنى على عمرو - قال: كلا يا أمير المؤمنين ! ولكني أنبيت بما أعلم.
قال: يا عمرو ! أخبرني عن الحرب.
قال: مرة المذاق، إذا قامت على ساق.
من صبر فيها عرف، ومن ضعف عنها تلف.
قال: فأخبرني عن السلاح، قال: سل يا أمير المؤمنين عما شئت منه.
قال: الرمح.
قال: أخوك وربما خانك.
قال: فالسهام.
قال: رسل المنايا تخطى وتصيب.
قال: فالترس.
قال ذاك المجن عليه تدور الدوائر.
قال: فالدرع.
قال مشغلة للفارس متعبة للراجل، وإنها لحصن حصين(2/342)
قال: والسيف ؟ قال: هناك ثكلتك أمك.
فقال عمر: بل ثكلتك أمك.
فقال عمرو: الحمى أضرعتنى إليك.
قال: وعزل عمر سعدا وولى عمار بن ياسر.
فشكوه وقالوا: ضعيف لا علم له بالسياسة.
فعزله.
وكانت ولايته الكوفة سنة وتسعة أشهر.
فقال عمر: من عذيري من أهل الكوفة ! إن استعملت عليهم القوى فجروه، وإن وليت عليهم الضعيف حقروه.
ثم دعى المغيرة بن شعبة فقال: إن وليتك الكوفة أتعود إلى شئ مما قرفت به ؟ فقال: لا.
وكان المغيرة حيت فتحت القادسية صار إلى المدينة، فولاه عمر الكوفة، فلم يزل عليها حتى توفى عمر.
ثم إن عثمان ابن عفان ولاها سعدا، ثم عزله وولى الوليد بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو ابن أميه، فلما قدم عليه قال له سعد: إما أن تكون كست بعدى أو أكون حمقت بعدك.
ثم عزل الوليد (ص 279) وولى سعد بن العاصى بن سعيد ابن العاصى بن أمية.
708 - وحدثني أبو مسعود الكوفى، عن بعض الكوفيين قال: سمعت مسعر بن كدام يحدث قال: كان مع رستم يوم القادسية أربعة
آلاف يسمون جند شهانشاه.
فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا، ويحالفوا من أحبوا، ويفرض لهم في العطاء.
فأعطوا الذى سألوه.
وحالفوا زهرة ابن حوية السعدى من بنى تميم، وأنزلهم سعد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألف، وكان لهم نقيب منهم يقال له ديلم، فقيل حمراء ديلم.
ثم إن زيادا سير بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم بها يدعون الفرس.
وسيرا منهم قوما إلى البصرة فدخلوا في الاساورة الذين بها.
قال أبو مسعود: والعرب تسمى العجم الحمراء، ويقولون: جئت من حمراء ديلم، كقولهم جئت من جهينة وأشباه ذلك.(2/343)
قال أبو مسعود: وسمعت من يذكر أن هؤلاء الاساورة كانوا مقيمين بإزاء الديلم، فلما غشيهم المسلمون بقزوين أسلموا على مثل ما أسلم عليه أساورة البصرة، وأتوا الكوفة فأقاموا بها.
709 - وحدثني المدائني قال: كان أبرويز وجه إلى الديلم فأتى بأربعة آلاف.
وكانوا خدمه وخاصته، ثم كانوا على تلك المنزلة بعده وشهدوا القادسية مع رستم.
فلما قتل وانهزم المجوس اعتزلوا وقالوا: ما نحن كهؤلاء، ولا لنا ملجأ، وأثرنا عندهم غير جميل، والرأى لنا أن ندخل معهم في دينهم فنعز بهم.
فاعتزلوا.
فقال سعد: ما لهؤلاء ؟ فأتاهم المغيرة بن شعبة فسألهم عن أمرهم فأخبروه بخبرهم وقالوا: ندخل في دينكم.
فرجع إلى سعد فأخبره، فأمنهم فأسلموا، وشهدوا فتح المدائن مع سعد، وشهدوا فتح جلولاء، ثم تحولوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين.
710 - وقال هشام بن محمد بن السائب السكلبى: جبانة السبيع نسبت إلى ولد السبيع بن سبع بن صعب الهمداني.
وصحراء (ص 280) أثير نسبت إلى رجل من بنى أسد يقال له أثير.
ودكان عبد الحميد نسب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة.
وصحراء بنى قرار نسبت إلى بنى قرار ابن ثعلبة بن مالك بن حرب بن طريف بن النمر بن يقدم بن عنزة بن أسد ابن ربيعة بن نزار.
قال: وكانت دار الروميين مزبلة لاهل الكوفة تطرح فيها القمامات والكساحات، حتى استقطعها عنبسة بن سعيد بن العاصى من يزيد بن عبد الملك، فأقطعه إياها، فنقل ترابها بمئة ألف وخمسين ألف درهم.(2/344)
710 - وقال أبو مسعود: سوق يوسف بالحيرة نسب إلى يوسف بن عمر ابن محمد بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى ابن عم الحجاج بن يوسف بن الحكم ابن أبى عقيل، وهو عامل هشام على العراق.
711 - وأخبرني أبو الحسن على بن محمد وأبو مسعود قالا: حمام أعين نسب إلى أعين مولى سعد بن أبى وقاص.
وأعين هذا هو الذى أرسله الحجاج ابن يوسف إلى عبد الله بن الجارود العبدى من رستقاباذ حين خالف وتابعه الناس على إخراج الحجاج من العراق ومسألة عبد الملك تولية غيره، فقال له حين أدى الرسالة: لولا أنك رسول لقتلتك.
712 - قال أبو مسعود: وسمعت أن الحمام قبله كان لرجل من العباد يقال له جابر أخو حيان الذى ذكره الاعشى، وهو صاحب مسناة جابر بالحيرة، فابتاعه من ورثته.
713 - وقال ابن الكلبى: وبيعة بنى مازن بالحيرة لقوم من الازد من بنى عمرو بن مازن من الازد، وهم من غسان.
قال: وحمام عمر نسب إلى عمر بن سعد بن أبى وقاص.
714 - قالوا: وشهارسوج بجيلة بالكوفة إنما نسب إلى بنى بجلة، وهم ولد مالك (ص 281) بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور.
وبجلة أمهم وهى غالبة على نسبهم.
فغلط الناس فقالوا بجيلة.
وجبانة عرزم نسبت إلى رجل يقال له عرزم كان يضرب فيها اللبن، ولبنها ردى فيه قصب وخزف، فربما وقع الحريق بها فاحترقت الحيطان.(2/345)
715 - وحدثني ابن عرفه قال: حدثنى اسماعيل بن عليه، عن ابن عون أن إبراهيم النخعي أوصى أن لا يجعل في قبره لبن عرزمى.
وقد قال بعض أهل الكوفة: إن عرزما هذا رجل من بنى نهد.
وجبانة بشر نسبت إلى بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير الخثعمي الذى يقول: تحن بباب القادسية ناقتي * وسعد بن وقاص على أمير 716 - قال أبو مسعود: وكان بالكوفة موضع يعرف بعنترة الحجام.
وكان أسود.
فلما دخل أهل خراسان الكوفة كانوا يقولون: حجام عنترة.
فبقى الناس على ذلك.
وكذلك حجام فرج، وضحاك رواس، وبيطار حيان.
ويقال: رستم، ويقال: صليب، وهو بالحيرة.
717 - وقال هشام بن الكلبى: نسبت زرارة إلى زرارة بن يزيد ابن عمرو بن عدس، من بنى البكاء بن عامر بن صعصعة.
وكانت منزله، وأخذها منه معاوية بن أبى سفيان.
ثم أصفيت بعد حتى أقطعها محمد بن الاشعث ابن عقبة الخزاعى.
قال: ودار حكيم بالكوفة في أصحاب الانماط نسبت إلى حكيم بن سعد
ابن ثور البكائى.
وقصر مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن إبراهيم بن أيوب بن محروق أحد بنى امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم.
قال: (ص 282) والسوادية بالكوفة نسبت إلى سواد بن زيد بن عدى ابن زيد الشاعر العبادي.
وجده حماد بن زيد بن أيوب بن محروق.(2/346)
وقرية أبى صلابة التى على الفرات نسبت إلى صلابة بن مالك بن طارق ابن جبر بن همام العبدى.
وأقساس مالك نسبت إلى مالك بن قيس بن عبد هند بن لجم أحد بنى حذافة بن زهر بن إياد بن نزار.
ودير الاعور لرجل من إياد من بنى أمية بن حذاقة، كان يسمى الاعور، وفيه يقول أبو دؤاد الايادي ودير يقول له الرائدو * ن ويل أم دار الحذاقى دارا ودير قرة نسب إلى قرة أحد بنى أمية بن حذاقة، وإليهم ينسب دير السوا، والسوا العدل كانوا يأتونه فيتناصفون فيه.
ويحلف بعضهم لبعض على الحقوق.
وبعض الرواة يقول: السوا امرأة منهم.
قال: ودير الجماجم لاياد، وكانت بينهم وبين بنى بهراء بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة وبين بنى القين بن جسر بن شيع الله بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف حرب، فقتل فيها من إياد خلق، فلما انقضت الوقعة دفنوا قتلاهم عند الدير.
وكان الناس بعد ذلك يحفرون، فخرج جماجم، فسمى دير الجماجم.
هذه رواية الشرقي بن القطامى.
718 - وقال محمد بن السائب الكلبى: كان مالك الرماح بن محرز الايادي
قتل قوما من الفرس ونصب جماجمهم عند الدير، فسمى دير الجماجم.
ويقال إن دير كعب لاياد، ويقال لغيرهم.
ودير هند لام عمرو بن هند، وهو عمرو بن المنذر بن ماء السماء.
وأمه (ص 283) كندية.(2/347)
ودار قمام بنت الحارث بن هانئ الكندى، وهى عند دار الاشعث ابن قيس.
قال: وبيعة بنى عدى نسبت إلى بنى عدى بن الذميل من لخم.
719 - قالوا: وكانت طيزناباذ تدعى ضيزناباذ.
فغيروا اسمها.
وإنما نسبت إلى الضيزن بن معاوية بن العبيد السليحى.
واسم سليح عمر بن طريف ابن عمران بن الحاف بن قضاعة.
وربة الخضراء النضيرة بنت الضيزن.
وأم الضيزن جيهلة بنت تزيد بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
قال: والذى نسب إليه مسجد سماك بالكوفة سماك بن مخرمة بن حمين الاسدي من بنى الهالك بن عمرو بن أسد، وهو الذى يقول له الاخطل: إن سماكا بنى مجدا لاسرته * حتى الممات وفعل الخير يبتدر قد كنت أحسبه قينا وأخبره * فاليوم طير عن أثوابه الشرر وكان الهالك أول من عمل الحديد، وكان ولده يعيرون بذلك، فقال سماك للاخطل: ويحك ما أعياك ؟ أردت أن تمدحني فهجوتني.
وكان هرب من على بن أبى طالب من الكوفة ونزل الرقة.
720 - قال ابن الكلبى: بالكوفة محلة بنى شيطان، وهو شيطان بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبى سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة من تميم.
وقال ابن الكلبى: موضع دار عيسى بن موسى التى يعرف بها اليوم كان للعلاء بن عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد (ص 284) شمس بن عبد مناف.
وكان العلاء على ربع الكوفة أيام ابن الزبير.(2/348)
وسكة ابن محرز تنسب إليه.
وبالكوفة سكة تنسب إلى عميرة بن شهاب بن محرز بن أبى شمر الكندى الذى كانت أخته عند عمر بن سعد بن أبى وقاص، فولدت له حفص بن عمر.
وصحراء شبث نسبت إلى شبث بن ربعى الرياحي من بنى تميم.
721 - قالوا: ودار حجير بالكوفة نسبت إلى حجير بن الجعد الجمحى.
وقال: بئر المبارك في مقبرة جعفى نسبت إلى المبارك بن عكرمة بن حميري الجعفي.
وكان يوسف بن عمر ولاه بعض السواد.
ورحى عمارة نسبت إلى عمارة بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو ابن أمية.
وقال.
جبانة سام نسبت إلى سالم بن عمار بن عبد الحارث أحد بنى دارم ابن نهار بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وبنو مرة بن صعصعة ينسبون إلى أمهم سلول بنت ذهل بن شيبان.
722 - قالوا: وصحراء البردخت نسبت إلى البردخت الشاعر الضبى، واسمه على بن خالد.
723 - قالوا: ومسجد بنى عنز نسب إلى بنى عنز بن وائل بن قاسط.
ومسجد بنى جذيمة نسب إلى بنى جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد.
ويقال إلى بنى جذيمة بن رواحة العبسى، وفيه حوانيت الصيارفة.
قال: وبالكوفة مسجد نسب إلى بنى المقاصف بن ذكوان بن زبينة(2/349)
ابن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، ولم يبق منهم أحد.
قال: ومسجد بنى بهدلة نسب إلى بنى بهدلة بن المثل بن معاوية من كندة.
قال: وبئر الجعد بالكوفة نسب إلى الجعد مولى همدان.
قال: ودار (ص 285) أبى أرطاة نسبت إلى أرطاة بن مالك البجلى.
قال: ودار المقطع نسبت إلى المقطع بن سنين الكلبى ابن خالد بن مالك.
وله يقول ابن الرقاع: على ذى منار تعرف العين شخصه * كما يعرف الاضياف دار المقطع قال: وقصر العدسيين في طرف الحيرة لبنى عمار بن عبد المسيح بن قيس ابن حرملة بن علقمة بن عدس الكلبى.
نسبوا إلى جدتهم عدسة بنت مالك ابن عوف الكلبى، وهى أم الرماح والمشظ ابني عامر المذمم.
724 - وحدثني شيخ من أهل الحيرة قال: وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة التى كانت لآل المنذر أن المسجد الجامع بالكوفة بنى ببعض نقض تلك القصور، وحسبت لاهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم.
725 - وحدثني أبو مسعود وغيره قال: كان خالد بن عبد الله بن أسد ابن كرز القسرى من بجيلة، بنى لامه بيعة هي اليوم سكة البريد بالكوفة.
وكانت أمه نصرانية.
قال: وبنى خالد حوانيت أنشأها وجعل سقوفها آزاجا معقودة بالآجر والجص.(2/350)
وحفر خالد النهر الذى يعرف بالجامع.
واتخذ بالقرية قصرا يعرف بقصر خالد.
واتخذ أخوه أسد بن عبد الله القرية التى تعرف بسوق أسد.
وسوقها ونقل الناس إليها، فقيل سوق أسد.
وكان العبر الآخر ضيعة عتاب بن ورقاء الرياحي، وكان معسكره حين شخص إلى خراسان واليا عليها عند سوقه هذا.
726 - قال أبو مسعود: وكان عمر بن هبيرة بن معية الفزارى أيام ولايته العراق أحدث قنطرة الكوفة، ثم أصلحها خالد بن عبد الله القسرى واستوثق منها.
وقد أصلحت بعد ذلك مرات.
قال: وقال بعض أشياخنا: كان أول من بناها رجل من العباد من جعفى في الجاهلية، ثم (ص 286) سقطت فاتخذ في موضعها جسر، ثم بناها في الاسلام زياد بن أبى سفيان، ثم ابن هبيرة، ثم خالد بن عبد الله، ثم يزيد ابن عمر بن هبيرة، ثم أصلحت بعد بنى أمية مرات.
727 - حدثنى أبو مسعود وغيره قالوا: كان يزيد بن عمر بن هبيرة بنى مدينة بالكوفة على الفرات ونزلها ومنها شئ يسير لم يستتم.
فأتاه كتاب مروان يأمره باجتناب مجاورة أهل الكوفة فتركها.
وبنى القصر الذى يعرف بقصر ابن هبيرة بالقرب من جسر سورا.
فلما ظهر أمير المؤمنين أبو العباس نزل تلك المدينة واستتم مقاصير فيها، وأحدث فيها بناء، وسماها الهاشمية.
فكان الناس ينسبونها إلى ابن هبيرة على العادة، فقال: ما أرى ذكر ابن هبيرة يسقط عنها.
فرفضها وبنى بحيالها المدينة الهاشمية.
ثم اختار نزول الانبار، فبنى بها مدينته المعروفة، فلما توفى دفن بها.
واستخلف أبو جعفر المنصور فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة، واستتم شيئا كان بقى منها، وزاد فيها بناء وهيأها على ما أراد، ثم تحول منها إلى بغداذ.(2/351)
فبنى مدينته، ومصر بغداد وسماها مدينة السلام، وأصلح سورها القديم الذى يبتدئ من دجلة وينتهى إلى الصراط.
وبالهاشمية حبس المنصور عبد الله بن حسن ابن حسن بن على بن أبى طالب بسبب ابنيه محمد وإبراهيم، وبها قبره.
وبنى المنصور بالكوفة الرصافة، وأمر أبا الخصيب مرزوقا مولاه فبنى له القصر المعروف بأبى الخصيب على أساس قديم.
ويقال إن أبا الخصيب بناه لنفسه، فكان المنصور يزوره فيه.
وأما الخورنق فكان قديما فارسيا بناه النعمان بن امرئ القيس - وهو ابن الشقيقة بنت أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان - لبهرام جور بن يزدجرد ابن بهرام بن سابور ذى الاكتاف.
وكان بهرام جور في حجره.
والنعمان هذا الذى ترك ملكه وساح، فذكره عدى بن زيد العبادي في شعره.
فلما ظهرت الدولة المباركة أقطع الخورنق إبراهيم بن سلمة أحد الدعاة بخراسان، (ص 287) وهو جد عبد الرحمن بن اسحاق القاضى، كان بمدينة السلام في خلافة المأمون والمعتصم بالله رحمهما الله، وكان مولى للرباب (؟).
وإبراهيم أحدث قبة الخورنق في خلافة أبى العباس، ولم تكن قبل ذلك.
728 - وحدثني أبو مسعود الكوفى قال: حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي، عن مشايخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما فتحوا المدائن أصابوا بها فيلا، وقد كانوا قتلوا ما لقيهم قبل ذلك من الفيلة.
فكتبوا فيه إلى عمر.
فكتب إليهم أن بيعوه إن وجدتم له مباعا.
فاشتراه رجل من أهل الحيرة، فكان عنده يريه الناس ويجلله ويطوف به في القرى، فمكث عنده حينا.
ثم إن أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبى معيط، امرأة المغيرة بن شعبة - وهى التى خلف عليها زياد بعده - أحبت النظر إليه، وهى تنزل دار أبيها.(2/352)
فأتى به ووقف على باب المسجد الذى يدعى اليوم باب الفيل.
فجعلت تنظر إليه، ووهبت لصاحبه شيئا وصرفته، فلم يخط إلا خطا يسيرة حتى سقط ميتا.
فسمى الباب باب الفيل.
وقد قيل إن الناظرة إليه امرأة الوليد بن عقبة بن أبى معيط.
وقيل إن ساحرا أرى الناس أنه أخرج من هذا الباب فيلا على حمار، وذلك باطل.
وقيل إن الاجانة التى في المسجد حملت على فيل وأدخلت من هذا الباب فسمى باب الفيل.
وقال بعضهم: إن فيلا لبعض الولاة اقتحم هذا الباب فنسب إليه.
والخبر الاول أثبت هذه الاخبار.
729 - وحدثني أبو مسعود قال: جبانة ميمون بالكوفة نسبت إلى ميمون مولى محمد بن على بن عبد الله، وهو أبو بشر بن ميمون صاحب الطاقات ببغداد، بالقرب من باب الشام.
وصحراء أم سلمة نسبت إلى أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن (ص 288) مخزوم امرأة أبى العباس.
وحدثني أبو مسعود قال: أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها، وألزم كل امرئ منهم للنفقة عليه أربعين درهما.
وكان ذاما لهم لميلهم إلى الطالبيين وإرجافهم بالسلطان.
730 - وحدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع، عن اسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: رأس العرب.
731 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبى ثابت،
عن نافع بن جبير بن مطعم قال قال عمر: بالكوفة وجوه الناس.(2/353)
732 - وحدثنا الحسين وابراهيم بن مسلم الخوارزمي قالا: حدثنا وكيع، عن يونس ابن أبى اسحاق، عن الشعبى قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: إلى رأس الاسلام.
733 - وحدثنا الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع، عن قيس بن الربيع، عن شمر بن عطية قال قال عمر، وذكر الكوفة فقال: هم رمح الله وكنز الايمان وجمجمة العرب، يحرسون ثغورهم ويمدون أهل الامصار.
734 - وحدثنا أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله بن أبى شريك العامري، عن جندب، عن سلمان قال: الكوفة قبة الاسلام، يأتي على الناس زمان لا يبقى مؤمن إلا وهو بها أو يهوى قلبه إليها.(2/354)
أمر واسط العراق 735 - حدثنى عبد الحميد بن واسع الختلى الحاسب قال: حدثنى يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح قال: أول مسجد جامع بنى بالسواد مسجد المدائن، بناه سعد وأصحابه، ثم وسع بعد وأحكم بناؤه، وجرى ذلك على يدى حذيفة ابن اليمان.
وبالمدائن مات حذيفة سنة ست وثلاثين.
ثم بنى (ص 289) مسجد الكوفة، ثم مسجد الانبار.
قال: وأحدث الحجاج مدينة واسط في سنة ثلاث وثمانين أو سنة أربع وثمانين.
وبنى مسجدها وقصرها وقبة الخضراء بها.
وكانت واسط أرض قصب فسميت واسط القصب.
وبينها وبين الاهواز والبصرة والكوفة
مقدار واحد.
وقال ابن القرية: بناها في غير بلده ويتركها لغيره ولده.
736 - وحدثني شيخ من أهل واسط، عن أشياخ منهم أن الحجاج لما فرغ من واسط كتب إلى عبد الملك بن مروان: إنى اتخذت مدينة في كرش من الارض بين الجبل والمصرين وسميتها واسطا.
فلذلك سمى أهل واسط الكرشيين.
وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر فحفر نهر الصين، وجمع له الفعلة، وأمر بأن يسلسوا لئلا يشذوا ويتبلطوا.
ثم بدا له فأحدث واسطا.
فنزلها واحتفر النيل والزابي وسماه زابيا لاخذه من الزابى القديم.
وأحيا ما على هذين النهرين من الارضين، وأحدث المدينة التى تعرف بالنيل ومصرها.
وعمد إلى ضياع كان عبد الله بن دراج مولى معاوية بن أبى سفيان استخرجها له، أيام ولايته خراج(2/355)
الكوفة مع المغيرة بن شعبة، من موات مرفوض ونقوع مياه ومغايض وآجام ضرب عليها المسنيات، ثم قلع قصبها فحازها لعبد الملك بن مروان وعمرها.
ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع بواسط أبوابا من زندورد، والدوقرة، وداروساط، ودير ماسرجسان، وشرابيط.
فضج أهل هذه المدن وقالوا: قد أومنا على مدننا وأموالنا.
فلم يلتفت إلى قولهم.
قال: وحفر خالد بن عبد الله القسرى المبارك، فقال الفرزدق (ص 290): كأنك بالمبارك بعد شهر * تخوض غموره بقع الكلاب ثم قال في شعر له طويل: أعطى خليفته بقوة خالد * نهرا يفيض له على الانهار إن المبارك كاسمه يسقى به * حرث السواد وناعم الجبار
وكأن دجلة حين أقبل مدها * ناب يمد له بحبل قطار 737 - وحدثني محمد بن خالد بن عبد الله الطحان قال: حدثنى مشايخنا أن خالد بن عبد الله القسرى كتب إلى هشام بن عبد الملك يستأذنه في عمل قنطرة على دجلة.
فكتب إليه هشام: لو كان هذا ممكنا لسبق إليه الفرس.
فراجعه، فكتب إليه: إن كنت متيقنا أنها تتم فاعملها.
فعملها وأعظم النفقة عليها، فلم يلبث أن قطعها الماء.
فأغرمه هشام ما كان أنفق عليها.
738 - قالوا: وكان النهر المعروف بالبزاق قديما، وكان يدعى بالنبطية البساق أي الذى يقطع الماء عن ما يليه ويجره إليه.
وهو نهر يجتمع إليه فضول مياه آجام السيب وماء من ماء الفرات.
فقال الناس: البزاق.(2/356)
فأما الميمون فأول من حفره وكيل لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور يقال له سعيد بن زيد.
وكانت فوهته عند قرية تدعى قرية ميمون.
فحولت في أيام الواثق بالله على يدى عمر بمن فرج الرخجى، وسمى الميمون لئلا يسقط عنه ذكر اليمن.
739 - وحدثني محمد بن خالد قال: أمر المهدى أمير المؤمنين بحفر نهر الصلة فحفر، وأحيا ما عليه من الارضين، وجعلت غلته لصلات أهل الحرمين والنفقة هناك.
وكان شرط لمن تألف إليه من المزارعين الشرط الذى هم عليه اليوم خمسين سنة، على أن يقاسموا بعد انقضاء الخمسين مقاسمة النصف.
وأما نهر الامير فنسب (ص 291) إلى عيسى بن على وهو في قطيعته.
740 - وحدثنا محمد بن خالد قال: كان محمد بن القاسم أهدى إلى الحجاج من السند فيلا فأجيز البطائح في سفينة وأخرج في المشرعة التى تدعى مشرعة الفيل.
فسميت تلك المشرعة مشرعة الفيل وفرضة الفيل.(2/357)
أمر البطائح 741 - حدثنى جماعة من أهل العلم أن الفرس كانت تتحدث بزوال ملكها وتروى في آية ذلك زلازل وطوفانا تحدث.
وكانت دجلة تصب إلى دجلة البصرة التى تدعى العوراء في أنهار متشعبة من عمود مجراها الذى كان باقى مائها يجرى فيه، وهو كبعض تلك الانهار.
فلما كان زمان قباذ بن فيروز انبثق في أسافل كسكر بثق عظيم، فأغفل حتى غلب ماؤه وغرق كثيرا من أرضين عامرة.
وكان قباذ واهنا قليل التفقد لامره.
فلما ولى أنوشروان ابنه أمر بذلك الماء فردم بالمسنيات حتى عاد بعض تلك الارضين إلى عماره.
ثم لما كانت السنة التى بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمى إلى كسرى أبرويز وهى سنة سبع من الهجرة، ويقال سنة ست، زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها ولا بعدها.
وانبثقت بثوق عظام، فجهد أبرويز أن يسكرها فغلبه الماء، ومال إلى موضع البطائح فطفا على العمارات والزروع فغرق عدة طساسيج كانت هناك.
وركب كسرى بنفسه لسد تلك البثوق، ونثر الاموال على الانطاع وقتل الفعلة بالكفاية، وصلب على بعض البثوق فيما يقال أربعين جسارا في يوم فلم يقدر للماء على حيلة.
ثم دخلت العرب أرض العراق وشغلت (ص 292) الاعاجم بالحروب.
فكانت البثوق تتفجر فلا يلتفت إليها ويعجز الدهاقين عن سد عظمها.
فاتسعت البطيحة وعرضت.
فلما ولى معاوية بن أبى سفيان ولى عبد الله بن دراج مولاه خراج العراق، واستخرج له من الارضين بالبطائح ما بلغت غلته خمسة آلاف ألف.
وذلك أنه قطع القصب وغلب الماء بالمسنيات.(2/358)
ثم كان حسان النبطي - مولى بنى ضبة وصاحب حوض حسان بالبصرة، والذى تنسب إليه منارة حسان بالبطائح - فاستخرج للحجاج أيام الوليد، ولهشام بن عبد الملك أرضين من أراضي البطيحة.
742 - قالوا وكان بكسكر قبل حدوث البطائح نهر يقال له الجنب.
وكان طريق البريد إلى ميسان ودستميسان وإلى الاهواز في شقه القبلى.
فلما تبطحت البطائح سمى ما استأجم من شق طريق البريد آجام البريد.
وسمى الشق الآخر آجام أغمر بنى.
ومعنى ذلك الآجام الكبرى.
والنهر اليوم يظهر في الارضين الجامدة التى استخرجت حديثا.
743 - وحدثني أبو مسعود الكوفى، عن أشياخه قالوا: حدثت البطائح بعد مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وملك الفرس أبرويز.
وذلك أنه انبثقت بثوق عظام عجز كسرى عن سدها وفاضت الانهار حتى حدثت البطائح.
ثم كان مد في أيام محاربة المسلمين الاعاجم وبثوق لم يعن أحد بسدها، فاتسعت البطيحة لذلك وعظمت.
وقد كان بنو أمية استخرجوا بعض أرضيها، فلما كان زمن الحجاج، غرق ذلك لان بثوقا انفجرت فلم يعان الحجاج سدها مضارة للدهاقين، لانه كان اتهمهم بممالاة ابن الاشعث حين خرج عليه.
واستخرج حسان النبطي لهشام أرضين من أرضى البطيحة أيضا.
وكان أبو الاسد - الذى نسب إليه نهر أبى الاسد - قائدا من قواد المنصور أمير المؤمنين ممن كان وجه (ص 293) إلى البصرة أيام مقام عبد الله ابن على بها، وهو الذى أدخل عبد الله بن على الكوفة.(2/359)
744 - وحدثني عمر بن بكير أن المنصور رحمه الله وجه أبا الاسد مولى أمير المؤمنين فعسكر بينه وبين عسكر عيسى بن موسى حين كان يحارب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب.
وهو حفر النهر المعروف بأبى أسد عند البطيحة.
وقال غيره: أقام على فم النهر لان السفن لم تدخله لضيقه عنها، فوسعه ونسب إليه.
قال أبو مسعود: وقد انبثقت في أيام الدولة المباركة بثوق زادت في البطائح سعة.
وحدثت أيضا من الفرات آجام استخرج بعضها.
745 - وحدثني أبو مسعود عن عوانة قال: انبثقت البثوق أيام الحجاج.
فكتب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يعلمه أنه قدر لسدها ثلاثة آلاف ألف درهم.
فاستكثرها الوليد، فقال له مسلمة بن عبد الملك: أنا أنفق عليها على أن تقطعني الارضين المنخفضة التى يبقى فيها الماء بعد إنفاق ثلاثة آلاف ألف درهم، يتولى إنفاقها ثقتك ونصيحك الحجاج.
فأجابه إلى ذلك.
فحصلت له أرضون من طساسيج متصلة.
فحفر السيبين، وتألف الاكرة والمزارعين، وعمر تلك الارضين، وألجأ الناس إليها ضياعا كثيرة للتعزز به.
فلما جاءت الدولة المباركة وقبضت أموال بنى أمية أقطع جميع السيبين داود بن على ابن عبد الله بن العباس، ثم ابتيع ذلك من ورثته بحقوقه وحدوده، فصار من ضياع الخلافة.(2/360)
أمر مدينة السلام 746 - قالوا: وكانت بغداذ قديمة فمصرها أمير المؤمنين المصنور رحمه الله، وابتنى (ص 294) بها مدينة، وابتدأها في سنة خمس وأربعين ومئة.
فلما
بلغه خروج محمد وإبراهيم بنى عبد الله بن حسن بن حسن عاد إلى الكوفة، ثم حول بيوت الاموال والخزائن والدواوين من الكوفة إلى بغداذ سنة ست وأربعين ومئة.
وسماها مدينة السلام.
واستتم بناء حائط مدينته وجميع أمره وبناء سور بغداذ القديم سنة سبع وأربعين ومئة.
وتوفى سنة ثمان وخمسين ومئة بمكة، ودفن عند بئر ميمون بن الحضرمي حليف بنى أمية.
وبنى المنصور للمهدى الرصافة في الجانب الشرقي ببغداذ.
وكان هذا الجانب يدعى عسكر المهدى لانه عسكر فيه حين خرج إلى الرى.
فلما قدم من الرى وقد بدا للمنصور في إنفاذه إلى خراسان للاقامة بها نزل الرصافة، وذلك في سنة إحدى وخمسين ومئة، وقد كان المنصور أمر فبنى للمهدى، قبل إنزاله الجانب الشرقي، قصره الذى يعرف بقصر الوضاح وبقصر المهدى وبالشرقية، وهو مما يلى باب الكرخ.
والوضاح رجل من أهل الانبار كان تولى النفقة عليه فنسب إليه.
وبنى المنصور مسجدي مدينة السلام.
وبنى القنطرة الجديدة على الصراة وابتاع أرض مدينة السلام من قوم من أرباب القرى بادوريا وقطربل ونهر بوق ونهر بين، وأقطعها أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه، وجعل مجمع الاسواق بالكرخ، وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة.(2/361)
747 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى، عن أبيه قال: سمى المخرم ببغداذ مخرما لان مخرم بن شريح بن حزن الحارثى نزله.
قال: وكان ناحية قنطرة البردان للسرى بن الحطيم صاحب الحطيمية التى تعرف ببغداذ.
748 - وحدثني مشايخ من أهل بغداذ أن الصالحية ببغداذ نسبت إلى صالح بن المنصور.
قالوا: والحربية نسبت إلى حرب بن عبد الله البلخى، وكان على شرط جعفر (ص 295) بن أبى جعفر بالموصل.
والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إلى زهير بن محمد من أهل أبيورد.
وعيسا باذ نسبت إلى عيسى بن المهدى وكان في حجر منازل التركي، وهو ابن الخيزران.
وقصر عبدويه مما يلى براثا نسب إلى رجل من الازد يقال له عبدويه، وكان من وجوه أهل الدولة.
749 - قالوا.
وأقطع المنصور ببغداذ سليمان بن مجالد - ومجالد شروى مولى لعلى بن عبد الله - موضع داره.
واقطع مهلهل بن صفوان قطيعة بالمدينة وإليه ينسب درب مهلهل.
وكان صفوان مولى على بن عبد الله.
وكان اسم مهلهل يحيى، فاستنشده محمد بن على شعرا فأنشده.
* أليلتنا بذى حشم أنيرى *(2/362)
وهى لمهلهل، فسماه مهلهلا.
ومحمد أعتقه (؟).
وأقطع المنصور عمارة بن حمزة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج.
وأقطع ميمونا أبا بشر بن ميمون قطيعة عند بستان القس ناحية باب الشام.
وطاقات بشر تنسب إلى بشر بن ميمون هذا.
وكان ميمون مولى على ابن عبد الله.
وأقطع شبيلا مولاه قطيعة عند دار يقطين، وهناك مسجد يعرف بشبيل.
وأقطع أم عبيدة، وهى حاضنة لهم ومولاة لمحمد بن على، قطيعة.
وإليها تنسب طاقات أم عبيدة بقرب الجسر.
وأقطع منيرة مولاة محمد بن على، وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة في الجانب الشرقي.
وأقطع ريسانة موضعا يعرف بمسجد بنى رغبان مولى حبيب بن مسلمة (296) الفهرى، يدخل في قصر عيسى بن جعفر أو جعفر بن جعفر بن المنصور ودرب مهرويه في الجانب الشرقي نسب إلى مهرويه الرازي، وكان من سبى سنفاذ فاعتقه المهدى.
ولم يزل المنصور رحمه الله بمدينة السلام إلى آخر سنى خلافته، ثم حج منها وتوفى بمكة.
ونزلها بعده المهدى أمير المؤمنين، ثم شخص منها إلى ماسبذان فتوفى بها.
وكان أكثر نزوله من مدينة السلام بعيساباذ في أبنية بناها هناك.
ثم نزلها الهادى موسى بن المهدى فتوفى بها.
ونزلها الرشيد هارون بن المهدى، ثم شخص عنها إلى الرافقة فأقام بها وسار منها إلى خراسان، فتوفى بطوس.
ونزلها محمد بن الرشيد فقتل بها.(2/363)
وقدمها المأمون عبد الله بن الرشيد من خراسان فأقام بها، ثم شخص عنها غازيا فمات بالفذندون ودفن بطرسوس.
ونزلها أمير المؤمنين المعتصم بالله ثم شخص عنها إلى القاطول فنزل قصرا للرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الذى دعاه أبا الجند لقيام ما يسقى من الارضين بأرزاق جنده.
ثم بنى بالقاطول بناء نزله ودفع ذلك القصر إلى اشناس التركي
مولاه، وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء مدينة تركها.
ثم رأى تمصير سر من رأى فمصرها، ونقل الناس إليها، وأقام بها، وبنى مسجدا جامعا في طرف الاسواق وسماها سر من رأى.
وأنزل اشناس مولاه فيمن ضم إليه من القواد كرخ فيروز، وأنزل بعض قواده الدور المعروفة بالعربايى.
وتوفى رحمه الله بسر من رأى في سنة سبع وعشرين ومئتين.
وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى في بناء بناه وسماه الهاروني حتى توفى به.
ثم استخلف أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله في ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، فأقام بالهارونى، وبنى بناء كثيرا، وأقطع (ص 297) الناس في ظهر سر من رأى، بالحائر الذى كان المعتصم بالله احتجره بها، قطائع فاتسعوا بها.
وبنى مسجدا جامعا كبيرا، وأعظم النفقة ؟ عليه، وأمر برفع منارته لتعلو أصوات المؤذنين فيها، حتى ينظر إليها من فراسخ، فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الاول.
ثم أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها وأقام بها، وأقطع الناس فيها القطائع، وجعلها فيما بين الكرخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى، فدخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوزة فيها.
وبنى بها مسجدا جامعا.
وكان من ابتدائه إياها إلى أن نزلها أشهر، ونزلها في أول سنة ست وأربعين ومائتين.
ثم توفى بها رحمه الله في شوال سنة سبع وأربعين،(2/364)
واستخلف في هذه الليلة المنتصر بالله فانتقل عنها إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شوال ومات بها.
750 - قالوا: كانت عيون الطف مثل عين الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذواتها للموكلين بالمسالح التى وراء السواد: وهى عيون خندق سابور
الذى حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم.
وذلك أن سابور أقطعهم أرضها فاعتملوها من غير أن يلزمهم لها خراجا.
فلما كان يوم ذى قار ونصر الله العرب بنبيه صلى الله عليه وسلم، غلبت العرب على طائفة من تلك العيون.
وبقى في أيدى الاعاجم بعضها.
ثم لما قدم المسلمون الحيرة هربت الاعاجم بعد أن طمت عامة ما في أيديهم منها، وبقى الذى في أيدى العرب فأسلموا عليه، وصار ما عمروه من الارضين عشريا.
ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أراضي تلك العيون إلى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية أيضا، وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها مجرى أعراض (ص 298) المدينة وقرى نجد، وكل صدقتها إلى عمال المدينة.
فلما ولى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها إلى ما في يده، فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية، وهى على ذلك إلى اليوم.
وقد استخرج عيون إسلامية في مجرى ما سقت عيونها من الارضين هذا المجرى.
751 - وحدثني بعض المشايخ أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه.
وقال بعض أهل واسط: إن المستخرج لها كان يسمى جملا.
قالوا: وسميت العين عين الصيد لان المسك يجتمع فيها.(2/365)
752 - وأخير ؟ ى بعض الكريزيين أن عين الصيد كانت مماطم، فبينا رجل من المسلمين يجول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها.
فنزل عنه فحفر فظهر له الماء، فجمع قوما عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتى عادت إلى ما كانت عليه.
ثم إنها صارت بعد إلى عيسى بن على.
وكان عيسى ابتاعها من ولد حسن
ابن حسن بن على بن أبى طالب، وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بن حسن، وكان معاوية أقطع الحسن بن على عين صيد هذه عوضا من الخلافة مع غيرها.
وكانت عين الرحبة مما طم قديما، فرآها رجل من حجاج أهل كرمان وهى تبض، فلما انصرف من حجه أتى عيسى بن موسى متنصحا، فدله عليها فاستقطعها وأرضها، واستخرجها له الكرماني، فاعتمل ما عليها من الارضين وغرس النخل الذى في طريق العذيب.
وعلى فراسخ من هيت عيون تدعى العرق تجرى هذا المجرى، أعشارها إلى صاحب هيت.
753 - حدثنى الاثرم، عن أبى عبيدة، عن أبى عمرو بن العلاء قال: لما رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر قالوا: ما رأينا سوادا أكثر.
والسواد الشخص، فلذلك سمى السواد سوادا.
754 - وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا محمد بن عبيد، عن محمد بن أبى موسى قال خرج: (ص 299) على إلى السوق فرأى أهله قد حازوا أمكنتهم فقال: ليس ذلك لهم، إن سوق المسلمين كمصلاهم، من سبق إلى موضع فهو له يومه حتى يدعه.(2/366)
755 - حدثنى أبو عبيد قال: حدثنى مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن عبيد، عن أبيه قال: كنا نغدو إلى السوق في زمن المغيرة بن شعبة فمن قعد في موضع كان أحق به إلى الليل.
فلما كان زياد قال: من قعد في موضع كان أحق به ما دام فيه.
قال مروان: وولى المغيرة الكوفة مرتين، لعمر مرة ومرة لمعاوية.(2/367)
نقل ديوان الفارسية 756 - وحدثني المدائني على بن محمد بن أبى سيف، عن أشياخه قالوا: لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية، فلما ولى الحجاج العراق استكتب زادان فروخ بن بيرى، وكان معه صالح بن عبد الرحمن مولى بنى تميم يخط بين يديه بالعربية والفارسية.
وكان أبو صالح من سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحا بالحجاج وخف على قلبه.
فقال له ذات يوم: إنك سببي إلى الامير، وأراه قد استخفنى ولا آمن أن يقدمني عليك وأن تسقط.
فقال: لا تظن ذلك، هو أحوج إلى منه إليك، لانه لا يجد من يكفيه حسابه غيرى.
فقال: والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لحولته.
قال: فحول منه شطرا حتى أرى.
ففعل.
فقال له: تمارض.
فتمارض، فبعث إليه الحجاج طبيبه فلم ير به علة.
وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر.
ثم إن زادان فروخ قتل أيام عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث الكندى، وهو خارج من منزل كان فيه إلى منزله أو منزل غيره.
فاستكتب الحجاج صالحا مكانه.
فأعلمه الذى كان جرى بينه وبين زادان فروخ في (ص 300) نقل الديوان.
فعزم الحجاج على أن يجعل الديوان بالعربية.
وقلد ذلك صالحا.
فقال له مردانشاه بن زادان فروخ: كيف تصنع بدهوية وششوية ؟ قال: أكتب عشر ونصف عشر.
قال: فكيف تصنع بويد ؟ قال: أكتبه أيضا.
والويد النيف والزيادة تزاد.
فقال: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية.
وبذلت له مئة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن(2/368)
ذلك فأبى ونقله.
فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول: لله در
صالح ! ما أعظم منته على الكتاب.
757 - وحدثني عمر بن شبة قال: حدثنى أبو عاصم النبيل، قال أنبأ سهل بن أبى الصلت قال: أجل الحجاج صالح بن عبد الرحمن أجلا حتى قلب الديوان.(2/369)
فتوح الجبال - حلوان 758 - قالوا: لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بن عتبة ابن أبى وقاص إلى جرير بن عبد الله البجلى خيلا كثيفة ورتبه بجلولاء ليكون بين المسلمين وبين عدوهم.
ثم إن سعدا وجه إليهم زهاء ثلاثة آلاف من المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إلى حلوان.
فلما كان بالقرب منها هرب يزدجرد إلى ناحية أصبهان.
ففتح جرير حلوان صلحا، على أن كف عنهم وأمنهم على دمائهم وأموالهم، وجعل لمن أحب منهم الهرب أن لا يعرض لهم.
ثم خلف بحلوان جريرا مع عزرة بن قيس بن غزية البجلى، ومضى نحو الدينور فلم يفتحها، وفتح قرماسين على مثل ما فتح عليه حلوان.
وقدم حلوان فأقام بها واليا عليها إلى أن قدم عمار بن ياسر الكوفة.
فكتب إليه يعلمه أن عمر بن الخطاب أمره أن يمد به أبا موسى الاشعري، فخلف جرير عزرة بن قيس على حلوان وسار حتى أتى أبا موسى (ص 301) الاشعري في سنة تسع عشرة.
759 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن نجاد، عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص قالت: لما قتل معاوية حجر بن عدى الكندى قال أبى: لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف أن له غناء عظيما عن الاسلام.
قال الواقدي: وقد نزل حلوان قوم من ولد جرير بن عبد الله فأعاقبهم بها.(2/370)
فتح نهاوند 759 - قالوا: لما هرب يزدجرد من حلوان في سنة تسع عشرة، تكاتبت الفرس وأهل الرى وقومس وإصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزدجرد وذلك في سنة عشرين، فأمر عليهم مردانشاه ذا الحاجب، وأخرجوا رايتهم الدرفشكا بيان، وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مئة ألف.
وقد كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخبرهم، فهم أن يغزوهم بنفسه، ثم خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها، وأشير عليه بأن يغزى أهل الشام من شامهم، وأهل اليمن من يمنهم، فخاف إن فعل ذلك أن يعود الروم إلى أوطانها وتغلب الحبشة على ما يليها.
فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم.
وبعث من أهل البصرة بعثا.
وقال: لاستعملن رجلا يكون لاول ما يلقاه من الاسنة.
فكتب إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني، وكان مع السائب بن الاقرع الثقفى، بتوليته الجيش، وقال: إن أصبت فالامير حذيفة بن اليمان، فإن (ص 302) أصيب فجرير بن عبد الله البجلى، فإن أصيب فالمغيرة ابن شعبة، فإن أصيب فالاشعث بن قيس.
وكان النعمان عاملا على كسكر وناحيتها، ويقال بل كان بالمدينة فولاه عمر أمر هذا الجيش مشافهة فشخص منها.
760 - وحدثني شيبان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبى عمران الجونى، عن علقمة بن عبد الله،
عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان فسأل: ما ترى ؟ أنبدأ(2/371)
بإصبهان أو بأذربيجان ؟ فقال الهرمزان: إصبهان الرأس، وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت الرأس سقط الجناحان والرأس.
قال: فدخل عمر المسجد فبصر بالنعمان بن مقرن، فقعد إلى جنبه، فلما قضى صلاته قال: أما إنى سأستعملك.
فقال النعمان: أما جابيا فلا ولكن غازيا.
قال: فأنت غاز.
فأرسله وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه.
فأمدوه، وفيهم المغيرة بن شعبة.
فبعث النعمان المغيرة إلى ذى الحاجبين عظيم العجم بنهاوند، فجعل يشق بسطه برمحه، حتى قام بين يديه، ثم قعد على سريره فأمر به فسحب.
فقال: إنى رسول.
ثم التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرة في سلسلة، وكل خمسة في سلسلة لئلا يفروا.
قال: فرمونا حتى جرحوا منا جماعة، وذلك قبل القتال.
وقال النعمان: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول النصر.
ثم قال: إنى هاز لوائى ثلاث هزات: فأما أول هزة فليتوضأ الرجل بعدها وليقض حاجته، وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه أو قال شسعه وليتهيأ وليصلح من شأنه، وأما الثالثة فإذا كانت إن شاء الله فاحملوا ولا يلوين أحد على أحد.
فهز لواءه ففعلوا ما أمرهم، وثقل (ص 303) درعه عليه فقاتل وقاتل الناس، فكان رحمه الله أول قتيل.
قال: وسقط الفارسى عن بغلته فانشق بطنه.
قال: فأتيت النعمان وبه رمق فغسلت وجهه من أدواة ماء كانت معى.
فقال: من أنت ؟ قلت: معقل.
قال: ما صنع المسلمون ؟ قلت: أبشر بفتح
الله ونصره.
قال: الحمد لله، اكتبوا إلى عمر.(2/372)
761 - حدثنى شيبان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنى على بن زيد بن جدعان، عن أبى عثمان النهدي قال: أ ؟ ا ذهبت بالبشارة إلى عمر.
فقال: ما فعل النعمان ؟ قلت: قتل.
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم بكى، فقلت: قتل والله في آخرين لا أعلمهم.
قال: ولكن الله يعلمهم.
762 - وحدثني أحمد بن ابراهيم قال: حدثنا أبو أسامة وأبو عامر العقدى وسلم بن قتيبة جميعا عن شعبة، عن على بن زيد، عن أبى عثمان النهدي قال: رأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعى النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكى.
763 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري، عن النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف، عن أبيه، عن السائب بن الاقرع - أو عن عمر بن السائب، عن أبيه شك الانصاري - قال: زحف إلى المسلمين زحف لم ير مثله.
فذكر حديث عمر فيما هم به من الغزو بنفسه وتوليته النعمان بن مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع السائب وولى السائب الغنائم وقال: لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقا.
ثم ذكر الوقعة.
قال: فكان النعمان أول مقتول يوم نهاوند.
تم أخذ حذيفة الراية ففتح الله عليهم.
قال السائب: فجمعت تلك الغنائم ثم قسمتها، ثم أتانى ذو العوينتين فقال: إن كنز (ص 304) النخير خان في القلعة.
قال: فصعدتها فإذا أنا بسفطين(2/373)
فيهما جوهر لم أر مثله قط.
قال: فأقبلت إلى عمر وقد راث عنه الخبر، وهو يتطوف المدينة ويسأل.
فلما رأني قال: ويلك ما وراءك ؟ فحدثته بحديث الوقعة ومقتل النعمان، وذكرت له شأن السفطين.
فقال: اذهب بهما فبعهما، ثم اقسم ثمنها بين المسلمين.
فأقبلت بهما إلى الكوفة، فأتاني شاب من قريش يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما بأعطية الذرية والمقاتلة.
ثم انطلق بأحدهما إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به منى، وفضل الآخر فكان ذلك أول لهوة مال اتخذه.
764 - وقال بعض أهل السيرة: اقتتلوا بنهاوند يوم الاربعاء ويوم الخميس، ثم تحاجزوا، ثم اقتتلوا يوم الجمعة.
وذكر من حديث الوقعة نحو حديث حماد بن سلمة.
765 - وقال ابن الكلبى عن أبى مخنف أن النعمان بن مقرن نزل الاسبيذهان وجعل على ميمنته الاشعث بن قيس، وعلى الميسرة المغيرة بن شعبة.
فاقتتلوا، فقتل النعمان، ثم ظفر المسلمون، فسمى ذلك الفتح فتح الفتوح.
قال: وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة يوم الاربعاء، ويقال في سنة عشرين.
766 - وحدثنا الرفاعي قال: حدثنا العنقزى، عن أبى بكر الهذلى، عن الحسن ومحمد قالا: كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين.
767 - وحدثني الرفاعي قال: حدثنا العنقزى، عن أبى معشر، عن محمد بن كعب مثله.(2/374)
768 - قالوا: ولما هزم جيش الاعاجم وظهر المسلمون، وحذيفة يومئذ
على الناس، حاصر نهاوند.
فكان أهلها يخرجون فيقاتلون، وهزمهم المسلمون.
ثم إن سماك بن عبيد العبسى اتبع رجلا منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس، فجعل لا يبرز إليه (ص 305) رجل منهم إلا قتله، حتى لم يبق غير الرجل وحده، فاستسلم وألقى سلاحه، فأخذه أسيرا، فتكلم بالفارسية، فدعا له سماك برجل يفهم كلامه فترجمه، فإذا هو يقول: اذهب إلى أميركم حتى أصالحه عن هذه الارض وأؤدى إليه الجزية وأعطيك على أسرك إياى ما شئت، فإنك قد مننت على إذ لم تقتلني.
فقال له: وما اسمك ؟ قال: دينار.
فانطلق به إلى حذيفة، فصالحه على الخراج والجزية وأمن أهل مدينته نهاوند على أموالهم وحيطانهم ومنازلهم.
فسميت نهاوند ماه دينار.
وكان دينار يأتي بعد ذلك سماكا ويهدى إليه ويبره.
769 - وحدثني أبو مسعود الكوفى، عن المبارك بن سعيد، عن أبيه قال: وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة، والدينور من فتوح أهل البصرة.
فلما كثر المسلمون بالكوفة احتاجوا إلى أن يزادوا في النواحى التى كان خراجها مقسوما فيهم، فصيرت لهم الدينور، وعوض أهل البصرة نهاوند لانها من إصبهان.
فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لاهل الكوفة.
فسميت نهاوند ماه البصرة، والدينور ماه الكوفة، وذلك في خلافة معاوية.
770 - وحدثني جماعة من أهل العلم أن حذيفة بن اليمان - وهو حذيفة ابن حسيل بن جابر العبسى حليف بنى عبد الاشهل من الانصار، وأمه الرباب بنت كعب بن عدى من عبد الاشهل - وكان أبو حذيفة قتل يوم أحد، قتله عبد الله بن مسعود الهذلى خطاء وهو يحسبه كافرا، فأمر رسول الله صلى الله(2/375)
عليه وسلم بإخراج ديته، فوهبه حذيفة للمسلمين.
وكان الواقدي يقول: سمى
حسيل باليمانى لانه كان يتجر إلى اليمن، فإذا أتى المدينة قالوا: قد جاء اليماني.
وقال الكلبى: هو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة، وجروة هو اليمان نسب إليه حذيفة، وبينهما آباء (ص 306) وكان قد أصاب في الجاهلية دما وهرب إلى المدينة وحالف بنى عبد الاشهل، فقال قومه: هو يمان، لانه حالف اليمانية.(2/376)
الدينور وما سبذان ومهر جانقذف 771 - قالوا: انصرف أبو موسى الاشعري من نهاوند، وقد كان سار بنفسه إليها على بعث أهل البصرة ممدا للنعمان بن مقرن، فمر بالدينور، فأقام عليها خمسة أيام قوتل منها يوما واحدا.
ثم إن أهلها أقروا بالجزية والخراج، وسألوا الامان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم.
فأجابهم إلى ذلك.
وخلف بها عامله في خيل.
ثم مضى إلى ماسبذان فلم يقاتله أهلها.
وصالحه أهل السيروان على مثل صلح الدينور، وعلى ان يؤدوا الجزية والخراج.
وبث السرايا فيهم فغلب على أرضها.
وقوم يقولون: إن أبا موسى فتح ماسبذان قبل وقعة نهاوند، وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري السائب بن الاقرع الثقفى - وهو صهره على ابنته، وهى أم محمد بن السائب - إلى الصيمرة مدينة مهر جانقذف ففتحها صلحا على حقن الدماء وترك السباء والصفح عن الصفراء والبيضاء، وعلى أداء الجزية وخراج الارض.
وفتح جميع كور مهر جانقذف.
وأثبت الخبر أنه وجه السائب من الاهواز ففتحها.
772 - حدثنى محمد بن عقبة بن مكرم الضبى، عن أبيه، عن سيف بن عمر التميمي،
عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا الجبال فمروا بالقلة الشرقية التى تدعى سن سميرة - وسميرة امرأة من ضبة من بنى معاوية بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضمة من المهاجرات - وكانت لها (ص 307) سن فسمى ذلك سن سميرة.(2/377)
قال ابن هشام الكلبى: وقناطر النعمان نسبت إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني، عسكر عندها وهى قديمة.
773 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى، عن أبيه، عن عوانة قال: كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذى الغصة الحارثى عثمانيا يقع في على بن أبى طالب ويثبط الناس عن الحسين، ومات قبيل خروج المختار بن أبى عبيد أو في أول أيامه، وله يقول المختار بن أبى عبيد في سجعه: " أما ورب السحاب، شديد العقاب، سرع الحساب، منزل الكتاب، لانبشن قبر كثير بن شهاب، المفترى الكذاب ".
وكان معاوية ولاه الرى ودستبى، حينا من قبله ومن قبل زياد والمغيرة ابن شعبة عامليه.
ثم غضب عليه فحبسه بدمشق، وضربه حتى شخص شريح ابن هانئ المرادى إليه في أمره فتخلصه.
وكان يزيد بن معاوية قد حمد مشايعته وأتباعه لهواه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد في توليته ماسبذان ومهر جانقذف وحلوان والماهين، وأقطعه ضياعا بالجبل، فنبي قصره المعروف بقصر كثير، وهو من عمل الدينور.
وكان زهرة بن الحارث بن منصور بن قيس بن كثير بن شهاب اتخذ بماسبذان ضياعا.
774 - حدثنى بعض ولد خشرم بن مالك بن هبيرة الاسدي أن أول نزول الخشارمة ماسبذان كان في آخر أيام بنى أمية، نزع إليها جدهم من الكوفة.(2/378)
775 - وحدثني العمرى، وعن الهيثم بن عدى قال: كان زياد في سفر، فانقطع سفشق قبائه، فأخرج كثير بن شهاب إبرة كانت مغروزة في قلنسوته وخيطا كان معه فأصلح السفشق.
فقال له زياد: أنت حازم، وما مثلك يعطل.
فولاه بعض الجبل.(2/379)
فتح همذان 776 - قالوا: وجه المغيرة بن شعبة، وهو عامل عمر بن الخطاب على الكوفة، بعد عزل عمار بن ياسر، جرير بن عبد الله البجلى إلى همذان وذلك في سنة ثلاث وعشرين، فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم فقال: احتسبتها عند الله الذى زين بها وجهى ونور لى ما شاء ثم سلبنيها في سبيله.
ثم إنه فتح همذان على مثل صلح نهاوند.
وكان ذلك في آخر سنة ثلاث وعشرين، فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب على أرضها فأخذها قسرا.
وقال الواقدي: فتح جرير نهاوند في سنة أربع وعشرين بعد ستة أشهر من وفاة عمر بن الخطاب رحمه الله.
وقد روى بعضهم أن المغيرة بن شعبة سار إلى همذان وعلى مقدمته جرير، فافتتحها، وأن المغيرة ضم همذان إلى كثير بن شهاب الحارثى.
777 - وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه،
عن جده وعوانة بن الحكم أن سعد بن أبى وقاص لما ولي الكوفة لعثمان ابن عفان ولى العلاء بن وهب بن عبد بن وهبان، أحد بنى عامر بن لؤى، ماه وهمذان.
فغدر أهل همذان ونقضوا.
فقاتلهم، ثم إنهم نزلوا على حكمه فصالحهم على أن يؤدوا خراج أرضهم، وجزية الرؤوس، ويعطوه مئة ألف درهم للمسلمين، ثم لا يعرض لهم في مال ولا حرمة ولا ولد.
وقال ابن الكلبى: ونسبت القلعة التى تعرف بماذران إلى السرى بن نسير بن ثور العجلى، وهو كان أناخ عليها حتى فتحها (ص 309).(2/380)
778 - وحدثني زياد بن عبد الرحمن البلخى، عن أشياخ من أهل سيسر قال: سميت سيسر لانها في الخفاض من الارض بين رؤس آكام ثلاثين.
فقيل: ثلاثون رأسا.
وكان سيسر تدعى سيسر صدخانيه، أي ثلاثون رأسا ومئة عين، وبها عيون كثيرة تكون مئة عين.
779 - قالوا: ولم تزل سيسر وما والاها مراعى لمواشي الاكراد وغيرهم، وكانت بها مروج لدواب المهدى أمير المؤمنين وأغنامه، وعليها مولى له يقال له سليمان بن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام، وشريك معه يقال له سلام الطيفورى.
وكان طيفور مولى أبى جعفر المنصور وهبه للمهدى.
فلما كثر الصعاليك والدعار وانتشروا بالجبل في خلافة المهدى أمير المؤمنين جعلوا هذه الناحية ملجأ لهم وحوزا، فكانوا يقطعون ويأوون إليها، ولا يطلبون لانها حد همذان والدينور وأذربيجان.
فكتب سليمان بن قيراط وشريكه إلى المهدى بخبرهم، وشكيا عرضهم لما في أيديهم من الدواب والاغنام.
فوجه إليهم جيشا عظيما، وكتب إلى سليمان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها
وأعوانهما ورعاتهما، ويحصنان فيها الدواب والاغنام ممن خافاه عليها.
فبنيا مدينة سيسر وحصناها وأسكناها الناس.
وضم إليها رستاق ما ينهرج من الدينور، ورستاق الجوذمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر، فكورت بهذه الرساتيق، ووليها عامل مفرد، وكان خراجها يؤدى إليه.
ثم إن الصعاليك كثروا في خلافة أمير المؤمنين الرشيد وشعثوا سيسر، فأمر بمرمتها وتحصينها، ورتب فيها ألف رجل من أصحاب خاقان الخادم السغدى ففيها (ص 310) قوم من أولادهم.(2/381)
ثم لما كان في آخر أيام الرشيد وجه مرة بن أبى مرة الردينى العجلى على سيسر.
فحاول عثمان الاودى مغالبته عليها فلم يقدر على ذلك، وغلبه على ما كان في يده من أذربيجان أو أكثر.
ولم يزل مرة بن الردينى يؤدى الخراج عن سيسر في أيام محمد الرشيد على مقاطعة قاطعه عليها إلى أن وقعت الفتنة.
ثم إنها أخذت من عاصم بن مرة فأخرجت من يده في خلافة المأمون.
فرجعت إلى ضياع الخلافة.
780 - وحدثني مشايخ من أهل المفازة، وهى متاخمة لسيسر، أن الجرشى لما ولى الجبل جلا أهل المفازة عنها فرفضوها.
وكان للجرشى قائد يقال له همام بن هانئ العبدى، فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب على ما فيها.
فكان يؤدى حق بيت المال فيها، حتى توفى.
وضعف ولده عن القيام بها.
فلما أقبل المأمون أمير المؤمنين من خراسان بعد قتل محمد بن زبيدة يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له محمد بن العباس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه رقبتها ويكونوا مزارعين له فيها، على أن يعزوا ويمنعوا من الصعاليك وغيرهم.
فقبلها وأمر بتقويتهم
ومعونتهم على عمارتها ومصلحتها فصارت من ضياع الخلافة.
781 - وحدثني المدائني أن ليلى الاخيلية أتت الحجاج فوصلها، وسألته أن يكتب لها إلى عامله بالرى فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك.
(ص 311)(2/382)
قم وقاشان وإصبهان 782 - قالوا: لما انصرف أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري من نهاوند سار إلى الاهواز فاستقراها.
ثم أتى قم وأقام عليها أياما ثم افتتحها، ووجه الاحنف بن قيس، واسمه الضحاك بن قيس التميمي، إلى قاشان ففتحها عنوة.
ثم لحق به.
ووجه عمر بن الخطاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى إلى إصبهان سنة ثلاث وعشرين، ويقال بل كتب عمر إلى أبى موسى الاشعري يأمره بتوجيهه في جيش إلى إصبهان، فوجهه، ففتح عبد الله بن بديل جى صلحا بعد قتال، على أن يؤدى أهلها الخراج والجزية.
وعلى أن يؤمنوا على أنفسهم وأموالهم، خلا ما في أيديهم من السلاح.
ووجه عبد الله بن بديل الاحنف بن قيس، وكان في جيشه، إلى اليهودية.
فصالحه أهلها على مثل ذلك الصلح.
وغلب ابن بديل على أرض إصبهان وطساسيجها.
وكان العامل عليها إلى أن مضت من خلافة عثمان سنة، ثم ولاها عثمان السائب بن الاقرع.
783 - وحدثني محمد بن سعد مولى بنى هاشم قال: حدثنا موسى بن اسماعيل، عن سليمان بن مسلم، عن خاله بشير بن أبى أمية أن الاشعري نزل بإصبهان فعرض عليهم الاسلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه عليها، فباتوا على صلح ثم أصبحوا
على غدر.
فقاتلهم وأظهره الله عليهم.
قال محمد بن سعد: أحسبه عن أهل قم.(2/383)
784 - وحدثني محمد بن سعد قال: حدثنى الهيثم بن جميل، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: وجه عمر بن بديل الخزاعى إلى إصبهان.
وكان مرزبانها مسنا يسمى الفادوسفان.
فحاصره وكاتب أهل المدينة فخذلهم (ص 312) عنه.
فلما رأى الشيخ التياث الناس عليه اختار ثلاثين رجلا من الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم ثم خرج من المدينة هاربا يريد كرمان، ليتبع يزدجرد ويلحق به.
فانتهى خبره إلى عبد الله بن بديل فاتبعه في خيل كثيفة فالتفت الاعجمي إليه وقد علا شرفا فقال: ابق على نفسك، فليس يسقط لمن ترى سهم، فإن حملت رميناك وإن شئت أن تبارزنا بارزناك.
فبارز الاعجمي فضربه ضربة وقعت على قربوس سرجه فكسرته وقطعت اللبب.
ثم قال له: يا هذا ! ما أحب قتلك، فإني أراك عاقلا شجاعا، فهل لك في أن أرجع معك فأصالحك على أداء الجزية عن أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض له، وأدفع المدينة إليك.
فرجع ابن بديل معه ففتح جى ووفى بما أعطاه، وقال: يا أهل إصبهان ! رأيتكم لئاما متخاذلين، فكنت أهلا لما فعلت بكم.
785 - قالوا: وسار ابن بديل في نواحى إصبهان، سهلها وجبلها، فغلب عليها، وعاملهم في الخراج نحو ما عامل عليه أهل الاهوز.
786 - قالوا: وكان فتح إصبهان وأرضها في بعض سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين.
787 - وقد روى أن عمر بن الخطاب وجه عبد الله بن بديل في جيش فوافى أبا موسى وقد فتح قم وقاشان.
فغزوا جميعا إصبهان، وعلى مقدمة أبى
موسى الاشعري الاحنف بن قيس، ففتحا اليهودية جميعا على ما وصفنا، ثم فتح ابن بديل جى وسارا جميعا في أرض إصبهان فغلبا عليها.(2/384)
وأصح الاخبار أن أبا موسى فتح قم وقاشان، وأن عبد الله بن بديل فتح جى واليهودية.
788 - وحدثني أبو حسان الزيادي، عن رجل من ثقيف قال: كان لعثمان بن أبى العاصى الثقفى مشهد بإصبهان.
789 - وحدثنا محمد بن يحيى التميمي، عن أشياخه قال: كانت للاشراف من أهل إصبهان معاقل (ص 313) بجفرباذ من رستاق الثيمرة الكبرى بهجاورسان، وبقلعة تعرف بماربين.
فلما فتحت جى دخلوا في الطاعة على أن يؤدوا الخراج وأنفوا من الجزية فأسلموا.
790 - وقال الكلبى وأبو اليقظان: ولى الهذيل بن قيس العنبري إصبهان في أيام مروان، فمذ ذاك صار العنبريون إليها.
791 - قالوا: وكان جد أبى دلف وأبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس ابن معقل العجلى يعالج العطر ويحلب الغنم.
فقدم الجبل في عدة من أهله، فنزلوا قرية من قرى همذان تدعى مس.
ثم إنهم أثروا واتخذوا الضياع.
ووثب إدريس بن معقل على رجل من التجار كان له عليه مال فخنقه، ويقال: بل خنقه وأخذ ماله.
فحمل إلى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بن عمر الثقفى العراق زمن هشام بن عبد الملك.
ثم إن عيسى بن إدريس نزل الكرج وغلب عليها وبنى حصنها، وكان حصنا رثا.(2/385)
وقويت حال أبى دلف القاسم بن عيسى وعظم شأنه عند السلطان، فكبر ذلك الحصن، ومدن الكرج فقيل: كرج أبى دلف.
والكرج اليوم مصر من الامصار.
وكان المأمون وجه على بن هشام المروزى إلى قم، وقد عصا أهلها وخالفوا ومنعوا الخراج، وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل، وقتل رئيسهم، وهو يحيى بن عمران، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالارض، وجباها سبعة آلاف ألف درهم وكسرا، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفى ألف درهم.
وقد نقضوا في خلافة أبى عبد الله المعتز بالله ابن المتوكل على الله، فوجه إليهم موسى ابن بغا عامله على الجبل، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان، ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلق كثير.
وكتب المعتز بالله في حمل جماعة من وجوهها.
(ص 314).(2/386)
مقتل يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان 790 - قالوا: هرب يزدجرد من المدائن إلى حلوان، ثم إلى إصبهان.
فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من إصبهان إلى اصطخر.
فتوجه عبد الله ابن بديل بن ورقاء بعد فتح إصبهان لاتباعه فلم يقدر عليه.
ووافى أبو موسى الاشعري اصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك، وعاناها عثمان بن أبى العاصى الثقفى فلم يقدر عليها.
وقدم عبد الله بن عامر بن كريز البصرة سنة تسع وعشرين، وقد افتتحت فارس كلها إلا اصطخر وجور، فهم يزدجرد بان يأتي طبرستان.
وذلك أن مرزبانها عرض عليه وهو بإصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها، ثم بدا له فهرب إلى كرمان، واتبعه ابن عامر مجاشع بن مسعود السلمى وهرم بن حيان
العبدى، فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان، فأصاب الناس الدمق، وهلك جيشه فلم ينج إلا القليل، فسمى القصر قصر مجاشع.
وانصرف مجاشع إلى ابن عامر.
وكان يزدجرد جلس ذات يوم بكرمان، فدخل عليه مرزبانها فلم يكلمه تيها، فأمر بجر رجله وقال: ما أنت بأهل لولاية قرية فضلا عن الملك، ولو علم الله فيك خيرا ما صيرك إلى هذه الحال.
فمضى إلى سجستان، فأكرمه ملكها وأعظمه، فلما مضت عليه أيام سأله عن الخراج فتنكر له.
فلما رأى يزدجرد ذلك سار إلى خراسان، فلما صار إلى حد مرو تلقاه ماهويه مرزبانها معظما مبجلا، وقدم عليه نيزك طرخان فحمله وخلع عليه وأكرمه، فأقام نيزك عنده شهرا، ثم شخص وكتب إليه يخطب ابنته، فأحفظ(2/387)
ذلك يزدجرد وقال: اكتبوا إليه إنما أنت عبد من عبيدى، فما جرأك على أن تخطب إلى ؟ وأمر بمحاسبة ماهويه مرزبان (ص 315) مرو، وسأله عن الاموال.
فكتب ماهويه إلى نيزك يحرضه عليه ويقول: هذا الذى قدم مفلولا طريدا فمننت عليه ليرد عليه ملكه، فكتب إليك بما كتب.
ثم تضافرا على قتله.
وأقبل نيزك في الاتراك حتى نزل الجنابذ، فحاربوه، فتكافأ الترك ثم عادت الدائرة عليه، فقتل أصحابه ونهب عسكره.
فأتى مدينة مرو فلم يفتح له، فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحان على المرغاب، ويقال إن ماهويه بعث إليه رسله حين بلغه خبره فقتلوه في بيت الطحان.
ويقال إنه دس إلى الطحان فأمره بقتله فقتله، ثم قال: ما ينبغى لقاتل ملك أن يعيش.
فأمر بالطحان فقتل.
ويقال إن الطحان قدم له طعاما فأكل، وأتاه بشراب يشرب فسكر، فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه على رأسه، فبصر به الطحان فطمع
فيه، فعمد إلى رحا فألقاها عليه، فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه في الماء.
ثم عرف ماهويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب.
ويقال إن يزدجرد نذر برسل ماهويه فهرب ونزل الماء.
فطلب من الطحان فقال: قد خرج من بيتى.
فوجدوه في الماء.
فقال: خلوا عنى أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجي.
فتغيبوا عنه.
وسألهم شيئا يأكل به خبزا فأعطاهم بعضهم أربعة دراهم.
فضحك وقال: لقد قيل لى إنك ستحتاج إلى أربعة دراهم.
ثم إنه هجم عليه بعد ذلك قوم وجههم ماهويه لطلبه.
فقال: لا تقتلوني واحملوني إلى ملك العرب لاصالحه عنى وعنكم.
فأبوا ذلك وخنقوه بوتر، ثم أخذوا ثيابه فجعلت في جراب، وألقوا جثته في الماء.
ووقع فيروز بن يزدجرد فيما يزعمون إلى الترك فزوجوه وأقام عندهم.
(ص 316).(2/388)
فتح الرى وقومس 791 - حدثنى العباس بن هشام الكلبى، عن أبيه، عن أبى مخنف أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمار بن ياسر، وهو عامله على الكوفة، بعد شهرين من وقعة نهاوند، يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائى إلى الرى ودستبى في ثمانية آلاف ففعل.
وسار عروة إلى ما هناك.
فجمعت له الديلم، وأمدهم أهل الرى فقاتلوه، فأظهره الله عليهم فقتلهم واجتاحهم.
ثم خلف حنظلة بن زيد أخاه، وقدم على عمار فسأله أن يوجهه إلى عمر، وذلك أنه كان القادم عليه بخير الجسر، فأحب أن يأتيه بما يسره.
فلما رآه عمر قال * (إنا لله وإنا إليه راجعون (1)) * فقال عروة: بل احمد الله، فقد نصرنا وأظهرنا.
وحدثه بحديثه، فقال: هلا أقمت وأرسلت ؟ قال: قد استخلفت أخى وأحببت أن آتيك بنفسى.
فسماه البشير.
وقال عروة: برزت لاهل القادسية معلما * وما كل من يغشى الكريهة يعلم ويوما بأكناف النخيلة قبلها * شهدت فلم أبرح أدمى وأكلم وأيقنت يوم الديلميين أننى * متى ينصرف وجهى إلى القوم يهزموا محافظة أنى امرؤ ذو حفيظة * إذا لم أجد مستأخرا أتقدم المنذر بن حسان بن ضرار أحد بنى مالك بن زيد، شرك في دم مهران يوم النخيلة.
__________
(1) سورة البقرة، 2، من الآية 156.
(*)(2/389)
792 - قالوا: فلما انصرف عروة بعث حذيفة على جيشه سلمة بن عمرو بن ضرار الضبى، ويقال البراء بن عازب، وقد كانت وقعة عروة كسرت الديلم وأهل الرى، فأناخ على حصن الفرخان ابن الزينبدى (ص 317) والعرب يسمونه الزينبي، وكان يدعى عارين.
فصالحه ابن الزينبي بعد قتال على أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج، وأعطاه عن أهل الرى وقومس خمس مئة ألف على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت نار، وأن يكونوا أسوة أهل نهاوند في خراجهم.
وصالحه أيضا عن أهل دستبى الرازي، وكانت دستبى قسمين قسما رازيا وقسما همذانيا.
ووجه سليمان بن عمر الضبى ويقال البراء بن عازب إلى قومس خيلا، فلم يمتنعوا وفتحوا أبواب الدامغان.
ثم لما عزل عمر بن الخطاب عمارا وولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى المغيرة بن شعبة كثير بن شهاب الحارثى الرى ودستبى.
وكان لكثير أثر جميل يوم القادسية.
فلما صاروا إلى الرى وجد أهلها قد نقضوا، فقاتلهم حتى رجعوا إلى الطاعة وأذعنوا بالخراج والجزية.
وغزا الديلم فأوقع بهم، وغزا الببر والطيلسان.
793 - فحدثني حفص بن عمر العمرى، عن الهيثم بن عدى، عن ابن عياش الهمذانى وغيره أن كثير بن شهاب كان على الرى ودستبى وقزوين، وكان جميلا حازما مقعدا، فكان يقول: ما من مقعد إلا وهو عيال على أهله سواى.
وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين.
وكان إذا غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس إبر وخيوط كتان وبمخصف ومقراض ومخلاة تليسة.
وكان بخيلا، وكانت له جفنة توضع بين يديه فإذا جاءه إنسان قال: لا أبا لك ! أكانت لك علينا عين ؟ وقال(2/390)
يوما: يا غلام ! أطعمنا.
فقال: ما (ص 318) عند إلا خبز وبقل.
فقال: وهل اقتتلت فارس والروم إلا على الخبز والبقل.
وولى الرى ودستبى أيضا أيام معاوية حينا.
قال: ولما ولى سعد بن أبى وقاص الكوفة في مرته الثانية أتى الرى.
وكانت ملتاثة فأصلحها.
وغزا الديلم، وذلك في أول سنة خمس وعشرين، ثم انصرف.
794 - وحدثني بكر بن الهيثم، عن يحيى بن ضريس قاضى الرى قال: لم تزل الرى بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتقض وتفتح، حتى كان آخر من فتحها قرظة بن كعب الانصاري في ولاية أبى موسى الكوفة لعثمان، فاستقامت.
وكان عمالها ينزلون حصن الزنبدى ويجمعون في مسجد اتخذ بحضرته.
وقد دخل ذلك في فصيل المحدثة.
وكانوا يغزون الديلم من دستبى.
قال: وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلى ومات بها، فصلى عليه على رضى الله عنه.
795 - وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: ولى على يزيد بن حجبة بن عامر بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة الرى ودستبى.
فكسر الخراج فحبسه، فخرج فلحق بمعاوية.
وقد كان أبو موسى غزا الرى بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها على أمرها الاول.
796 - وحدثني جعفر بن محمد الرازي قال: قدم أمير المؤمنين المهدى في خلافة المنصور فبنى مدينة الرى التى الناس بها اليوم، وجعل حولها خندقا،(2/391)
وبنى فيها مسجدا جامعا جرى على يدى عمار بن أبى الخصيب، وكتب اسمه على حائطه.
فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومئة.
وجعل لها فصيلا يطيف به فارقان من آجر، وسماها المحمدية، فأهل الرى يدعون الرى المدينة الداخلة، ويسمون الفصيل المدينة الخارجة.
وحصن الزنبدى في داخل المحمدية.
وكان المهدى قد أمر بمرمته ونزله.
وهو مطل على المسجد الجامع (ص 319) ودار الامارة، وقد كان جعل بعد سجنا.
قال: وبالرى أهل بيت يقال لهم بنو الحريش نزلوا بعد بناء المدينة.
قال: وكانت مدينة الرى تدعى في الجاهلية ارازى، فيقال إنه خسف بها.
وهى على ست فراسخ من المحمدية، وبها سميت الرى.
قال: وكان المهدى في أول مقدمة الرى نزل قرية يقال لها السيروان.
قال: وفى قلعة الفرخان يقول الشاعر، وهو الغطمش بن الاعور بن عمرو الضبى على الجوسق الملعون بالرى لا ينى * على رأسه داعى المنية يلمع 797 - قال بكر بن الهيثم: حدثنى يحيى بن ضريس القاضى قال: كان الشعبى دخل الرى مع قتيبة بن مسلم.
فقال له: ما أحب الشراب إليك ؟ فقال:
أهونه وجودا وأعزه فقدا.
قال: ودخل سعيد بن جبير الرى أيضا، فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير.
قال: وكان عمرو بن معدى كرب الزبيدى غزا الرى أول ما غزيت، فلما انصرف توفى، فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان.
وبالرى دفن الكسائي النحوي، واسمه على بن حمزة.
كان شخص إليها مع الرشيد رحمه الله وهو يريد خراسان.(2/392)
وبها مات الحجاج بن أرطاة.
وكان شخص إليها مع المهدى، ويكنى أبا أرطاة.
وقال الكلبى: نسب قصر جابر بدستى، إلى جابر أحد بنى زيبان ابن تيم الله بن ثعلبة.
798 - قالوا: ولم تزل وظيفة الرى اثنى عشر ألف ألف درهم، حتى مر بها المأمون منصرفا من خرسان يريد مدينة السلام، فأسقط من وظيفتها ألفى ألف درهم، وأسجل بذلك لاهلها (ص 320).(2/393)
فتح قزوين وزنجان 799 - حدثنى عدة من أهل قزوين وبكر بن الهيثم، عن شيخ من أهل الرى، قالوا: وكان حصن قزوين يسمى بالفارسية كشوين، ومعناه الحد المنظور إليه، أي المحفوظ.
وبينه وبين الديلم جبل ولم يزل فيه لاهل فارس مقاتلة من الاساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة، ويحفظون بلدهم من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح.
وكانت دستبى مقسومة بين الرى وهمذان، فقسم يدعى الرازي وقسم
يدعى الهمذانى.
فلما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى جرير بن عبد الله همذان، وولى البراء بن عازب قزوين، وأمره أن يسير إليها، فإن فتحها الله على يده غزا الديلم منها، وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى.
فسار البراء ومعه حنظلة بن زيد الخيل حتى أتى أبهر.
فقام على حصنها، وهو حصن بناه بعض الاعاجم على عيون سدها بجلود البقر والصوف، واتخذ عليها دكة، ثم أنشأ الحصن عليها.
فقاتلوه ثم طلبوا الامان، فآمنهم على مثل ما أمن عليه حذيفة أهل نهاوند، وصالحهم على ذلك، وغلب على أراضي أبهر.
ثم غزا أهل حصن قزوين.
فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة يسئلونهم نصرتهم فوعدوهم أن يفعلوا.
وحل البراء والمسلمون بعقوتهم، فخرجوا لقتالهم، والديلميون وقوف على الجبل لا يمدون إلى المسلمين يدا.
فلما رأوا ذلك طلبوا الصلح.
فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر، فأنفوا من الجزية وأظهروا الاسلام.(2/394)
فقيل إنهم نزلوا على مثل ما نزل عليه أساورة البصرة من الاسلام، على أن يكونوا مع من شاؤا.
فنزلوا الكوفة وحالفوا زهرة بن حوية، فسموا حمراء الديلم.
وقيل إنهم أسلموا وأقاموا بمكانهم، وصارت أرضوهم (ص 321) عشرية.
فرتب البراء معهم خمس مئة رجل من المسلمين معهم طليحة بن خويلد الاسدي وأقطعهم أرضين لا حق فيها لاحد.
قال بكر: وانشدني رجل من أهل قزوين لجد أبيه، وكان مع البراء: قد علم الديلم إذ تحارب * حين أتى في جيشه ابن عازب بأن ظن المشركين كاذب * فكم قطعنا في دجى الغياهب
من جبل وعر ومن سباسب وغزا الديلم حتى أدوا إليه الاتاوة.
وغزا جيلان والببر والطيلسان.
وفتح زنجان عنوة.
ولما ولى الوليد بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية الكوفة لعثمان بن عفان غزا الديلم مما يلى قزوين، وغزا أذربيجان، وغزا جيلان وموقان، والببر، والطيلسان، ثم انصرف.
وولى سعيد بن العاصى بن سعيد بن العاصى بن أمية بعد الوليد، فغزا الديلم ومصر قزوين.
فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم.
800 - وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقى قال: ثنا خلف بن تميم قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن إسماعيل بن مرة الهمذانى قال: قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إلى الديلم فليقاتلهم.
قال: وكنت في النخبة، فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إلى الديلم، ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف.(2/395)
801 - وحدثنا عبد الله بن صالح العجلى، عن ابن يمان، عن سفيان قال: أغزى على رضى الله عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم، وعقد له على أربعة آلاف من المسلمين.
802 - وحدثني بعض أهل قزوين قال: بقزوين مسجد الربيع بن خثيم معروف، وكانت فيه شجرة تتمسح بها العامة.
ويقال إنه غرس سواكه في الارض فأورق حتى كانت الشجرة منه، فقطعها عامل طاهر بن عبد الله (ص 322) بن طاهر في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله خوفا من أن يفتتن بها الناس.
803 - قالوا: وكان موسى الهادى لما صار إلى الرى أتى قزوين، فأمر ببناء مدينة بازائها.
وهى تعرف بمدينة موسى.
وابتاع أرضا تدعى رستما باذ فوقفها على مصالح المدينة.
وكان عمر الرومي مولاه يتولاها، ثم تولاها بعده محمد بن عمرو.
وكان المبارك التركي بنى حصنا يسمى مدينة المبارك، وبها قوم من مواليه.
804 - وحدثني محمد بن هارون الاصبهاني قال: مر الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان، واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم في مجاهدته، وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القضبة.
فصير عليهم في كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة.
وكان القاسم ابن أمير المؤمنين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين، فألجأ إليه أهل زنجان(2/396)
ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم، وكتبوا له عليها الاشرية، وصاروا مزارعين له.
وهى اليوم من الضياع.
وكان القاقزان عشريا لان أهله أسلموا عليه وأحيوه بعد الاسلام، فألجأوه إلى القاسم أيضا على أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال.
فصار أيضا في الضياع.
ولم تزل دستبى على قسميها بعضها من الرى وبعضها من همذان، إلى أن سعى رجل ممن بقزوين، من بنى تميم، يقال له حنظلة بن خالد، يكنى أبا مالك، في أمرها حتى صيرت كلها إلى قزوين.
فسمعه رجل من أهل بلده يقول: كورتها وأنا أبو مالك.
فقال: بل أفسدتها وأنت أبو هالك.
805 - وحدثني المدائني وغيره أن الاكراد عاثوا وأفسدوا في أيام خروج عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث.
فبعث الحجاج عمرو بن هانئ العبسى في أهل
دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا (ص 323).
ثم أمره بغزو الديلم، فغزاهم في اثنى عشر ألفا، فيهم من بنى عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون، منهم: محمد بن سنان العجلى.
806 - فحدثني عوف بن أحمد العبدى قال: حدثنى أبو حنش العجلى، عن أبيه قال: أدركت رجلا من التميميين العجليين الذين وجههم الحجاج لمرابطة الديلم فحدثني قال: رأيت من موالى بنى عجل رجلا يزعم أنه صليبه (؟) فقلت: إن أباك كان لا يحب بنسبه في العجم ولاية في العرب بدلا، فمن أين زعمت أنك صليبه (؟).
فقال: أخبرتني أمي بذلك.
فقلت: هي مصدقة، هي أعلم بأبيك.(2/397)
807 - قالوا: وكان محمد بن سنان العجلى نزل قرية من قرى دستبى، ثم صار إلى قزوين فبنى دارا في ربضها.
فعذله أهل الثغر وقالوا: عرضت نفسك للتلف وعرضتنا للوهن، إن نالك العدو بسوء.
فلم يلتفت إلى قولهم.
فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة، ثم انتقل الناس بعد فبنوا حتى تم ربض المدينة.
808 - قالوا: وكان أبو دلف القاسم بن عيسى غزا الديلم في خلافة المأمون، وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الافشين الجبال.
ففتح حصونا منها اقليسم، صالح أهله على اتاوة.
ومنها بومج فتحه عنوة، ثم صالح أهله على اتاوة.
ومنها الابلام، ومنها انداق، في حصون أخر.
وأغزى الافشين غير أبى دلف، ففتح أيضا من الديلم حصونا.
ولما كانت سنة 253 وجه أمير المؤمنين المعتز بالله موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان.
وكانت الديالمة قد
اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي.
فغزا الديلم وأوغل في بلادهم، وحاربوه فأوقع بهم، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته.
809 - وأخبرني (ص 324) رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء الندماء براوند من عمل إصبهان، وأن الشاعر إنما قال: ألم تعلما أنى براوند مفرد 810 - وحدثني عبد الله بن صالح العجلى قال: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الذى وجهه إلى الديلم.
فكانوا يتنادمون ثلاثتهم ولا يخالطون غيرهم.
فإنهم على ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه.(2/398)
وكانا يشربان عند قبره، فإذا بلغته الكأس هرقاها على قبره وبكيا.
ثم إن الثاني مات، فدفنه الباقي إلى جانبه.
وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ثم يصب على القبر الذى يليه ثم على الآخر ويكبى، فأنشأ ذات يوم يقول: خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما ما تقضيان كراكما ألم تعلما أنى بقزوين مفرد * ومالى فيها من خليل سواكما مقيما على قبريكما لست بارحا * طوال الليالى أو يجيب صداكما سأبكيكما طول الحياة وما الذى * يرد على ذى لوعة أن بكاكما ثم لم يلبث أن مات، فدفن عند صاحبيه، فقبورهم تعرف بقبور الندماء.(2/399)
فتح أذربيجان 811 - حدثنا الحسين بن عمرو الاردبيلى، عن واقد الاردبيلى، عن مشايخ أدركهم أن المغيرة بن شعبة قدم الكوفة واليا من قبل عمر ابن الخطاب، ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولاية أذربيجان.
فأنقذه إليه وهو
بنهاوند أو بقربها.
فسار حتى أتى أردبيل، وهى مدينة أذربيجان وبها مرزبانها، وإليه جباية خراجها.
وكان المرزبان قد جمع إليه المقاتلة من أهل باجروان وميمذ (ص 325) والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم.
فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا أياما، ثم إن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان على ثمان مئة ألف درهم وزن ثمانية، على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار، ولا يعرض لاكراد البلاسجان وسبلان وساترودان، ولا يمنع أهل الشيز خاصة من الزفن في أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه.
ثم أنه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على أتاوة.
812 - قالوا: ثم عزل عمر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بن فرقد السلمي.
فأتاها من الموصل، ويقال بل أتاها من شهرزور، على السلق الذى يعرف اليوم بمعاوية الاودى.
فلما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد.
وانتقضت عليه نواح فغزاها فظفر وغنم، وكان معه عمر بن عتبة الزاهد.
وروى الواقدي في إسناده أن المغيرة بن شعبة غزا أذربيجان من الكوفة في سنة 22، حتى انتهى إليها ففتحها عنوة، ووضع عليها الخراج.
وروى ابن الكلى، عن أبى مخنف أن المغيرة غزا أذربيجان سنة 20 ففتحها.
ثم إنهم كفروا(2/400)
فغزاها الاشعث بن قيس الكندى، ففتح حصن باجروان، وصالحهم على صلح المغيرة، ومضى صلح الاشعث إلى اليوم.
وكان أبو مخنف لوط بن يحيى يقول: إن عمر ولى سعدا ثم عمارا ثم المغيرة، ثم رد سعدا وكتب إليه وإلى أمراء الامصار في قدوم المدينة في السنة التى توفى فيها.
فلذلك حضر سعد الشورى، وأوصى القائم بالخلافة أن يردة إلى عمله.
وقال غيره: توفى عمر والمغيرة واليه على الكوفة.
وأوصى بتولية سعد الكوفة، وتولية (ص 326) أبى موسى البصرة، فولاهما عثمان ثم عزلهما.
813 - وحدثني المذائنى، عن على بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع الناس إلى أمصارهم، وبقى أهل الكوفة مع حذيفة، فغزا اذربيجان فصالحوه على مئة ألف.
814 - وحدثني المدائني، عن على بن مجاهد، عن عاصم الاحول، عن أبى عثمان النهدي قال: عزل عمر حذيفة عن أذربيجان واستعمل عليها عتبة بن فرقد السلمى.
فبعث إليه بأخبصة قد أدرجها في كرابيس.
فلما وردت عليه قال: أورق ؟ قالوا: لا.
قال: فما هي ؟ قال: لطف بعث به.
فلما نظر إليه قال: ردوها عليه.
وكتب إليه: يا ابن أم عتبة ! إنك لتأكل الخبيص من غير كد أبيك.
وقال عتبة: قدمت من اذربيجان وافدا على عمر فإذا بين يديه عصلة جزور.
815 - وحدثني المدائني، عن عبد الله بن القاسم، عن فروة بن لقط: قال لما قام عثمان بن عفان رضى الله عنه استعمل(2/401)
الوليد بن عقبة بن أبى معيط، فعزل عتبة عن أذربيجان، فنقضوا.
فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله بن شبل الاحمسي.
فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان فغنم وسبى، وطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم على صلح حذيفة.
قال ابن الكلبى: ولى على ابن أبى طالب رضى الله عنه أذربيجان سعيد ابن سارية الخزاعى، ثم الاشعث بن قيس الكندى.
816 - وحدثني عبد الله بن معاذ العنقزى، عن أبيه، عن سعد بن الحكم بن عتبة،
عن زيد بن وهب قال: لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز إلى حجازهم وأهل البصرة إلى بصرتهم، وأقام حذيفة بنهاوند في أهل الكوفة.
فغزا أذربيجان، فصالحوه على ثمانى مئة ألف درهم (ص 327).
فكتب إليهم عمر بن الخطاب: إنكم بأرض يخالط طعام أهلها ولباسهم الميتة، فلا تأكلوا إلا ذكيا ولا تليسوا إلا زكيا.
يريد الفراء.
817 - وحدثني العباس بن الوليد النرسى قال: ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا عاصم الاحول.
عن أبى عثمان النهدي قال: كنت مع عتبة بن فرقد حين افتتح اذربيجان.
فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولى عتبة.
فلما قدم عليه قال: ما الذى جئت به ؟ أذهب أم ورق ؟ وأمر به فكشف عنه، فذاق الخبيص فقال: إن هذا لطيب أثر ! أكل المهاجرين أكل منه شيعه ؟ قال: لا، إنما هو شئ خصك به.
فكتب إليه: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد.
أما بعد فليس من كدك(2/402)
ولا كد أمك ولا كد أبيك.
لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم.
818 - وحدثني الحسين بن عمرو وأحمد بن مصلح الازدي، عن مشايخ من أهل أذربيجان قالوا: قدم الوليد بن عقبة أذربيجان ومعه الاشعث بن قيس.
فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتقضت.
فكتب إليه يستمده.
فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة.
فتتبع الاشعث بن قيس حانا حانا - وألحان الحائر في كلام أهل أذربيجان - ففتحها على مثل صلح حذيفة وعتبة بن فرقد، وأسكنها ناسا من العرب من أهل العطاء والديوان،
وأمرهم بدعاء الناس إلى الاسلام.
ثم تولى سعيد بن العاصى فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان، وتجمع له بناحية أرم وبلوانكرح (؟) خلق من الارمن وأهل أذربيجان، فوجه إليهم جرير بن عبد الله البجلى فهزمهم، وأخذ رئيسهم فصلبه على قلعة (ص 328) باجروان.
ويقال إن الشماخ بن ضرار الثعلب كان مع سعيد بن العاصى في هذه الغزاة، وكان بكير بن شداد بن عامر فارس أطلال معهم في هذه الغزاة، وفيه يقول الشماخ: وغنيت عن خيل بموقان أسلمت * بكير بنى الشداخ فارس أطلال وهو من بنى كنانة، وهو الذى سمع يهوديا في خلافة عمر ينشد: وأشعث غره الاسلام منى * خلوت بعرسه ليل التمام(2/403)
فقتله.
ثم ولى على بن أبى طالب الاشعث أذربيجان.
فلما قدمها وجد أكثرها قد أسلموا وقرأوا القرآن.
فأنزل أدربيل جماعة من أهل العطاء والديوان من العرب، ومصرها، وبنى مسجدها، إلا أنه وسع بعد ذلك.
قال الحسين بن عمرو: وأخبرني واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت إليها عشائرها من المصرين والشام، وغلب كل قوم على ما أمكنهم، وابتاع بعضهم من العجم الارضين، وألجئت إليهم القرى للخفارة، فصار أهلها مزارعين لهم.
وقال الحسين: كانت ورثان قنطرة كقنطرتي وحش وأرشق اللتين اتخذتا حديثا أيام بابك، فبناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وأحيا أرضها
وحصنها، فصارت ضيعة له.
ثم قبضت مع ما قبض من ضياع بنى أمية، فصارت لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور أمير المؤمنين، وهدم وكلاؤها سورها.
ثم رم وجدد قريبا، وكان الورثانى من مواليها.
قال: وكانت برزند قرية فعسكر فيها الافشين حيدر بن كاوس عامل أمير المؤمنين المعتصم بالله على أذربيجان وأرمينية والجبل أيام محاربته الكافر بابك الخرمى وحصنها.
819 - قالوا: وكانت المراغة تدعى اقراهروذ.
فعسكر مروان بن محمد، وهو والى أرمينية وأذربيجان - منصرفه من غزوة موقان وجيلان - بالقرب منها.
وكان فيها سرجين كثير، فكانت دوابه ودواب أصحابه تمرغ فيها، فجعلوا يقولون: ايتوا قرية المراغة.
ثم حذف الناس قرية وقالوا: المراغة.
وكان أهلها ألجأوها إلى مروان فابتناها، وتألف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز، وعمروها.(2/404)
ثم إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بنى أمية.
وصارت لبعض بنات الرشيد أمير المؤمنين.
فلما عاث الوجناء الازدي وصدقة بن على مولى الازد فأفسدا، وولى خزيمة بن خازم بن خزيمة أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد، بنى سورها وحصنها ومصرها، وأنزلها جندا كثيفا.
ثم لما ظهر بابك الخرمى بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها.
ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله، منهم: أحمد بن الجنيد بن فرزندى، وعلى بن هشام.
ثم نزل الناس ربضها وحصن.
وأما مرند فكانت قرية صغيرة فنزلها حلبس أبو البعيث، ثم حصنها البعيث، ثم ابنه محمد بن البعيث.
وبنى بها محمد قصورا.
وكان قد خالف
في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله فحاربه بغا الصغير مولى أمير المؤمنين حتى ظفر به وحمله إلى سر من رأى، وهدم حائط مرند وذلك القصر.
والبعيث من ولد عتيب بن عمرو بن وهب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد ابن ربيعة.
ويقال إنه عتيب بن عوف بن سنان.
والعتبيون يقولون ذلك، والله أعلم (ص 330).
وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زردشت صاحبهم كان منها.
وكان صدقة بن على بن صدقة بن دينار، مولى الازد، حارب أهلها حتى دخلها وغلب عليها، وبنى وإخوته بها قصورا.
وأما تبريز فنزلها الرواد الازدي، ثم الوجناء بن الرواد، وبنى بها وإخوته بناء، وحصنها بسور، فنزلها الناس معه.
وأما الميانج وخلباثا فمنازل الهمدانيين.
وقد مدن عبد الله بن جعفر الهمداني محلته بالميانج، وصير السلطان بها منبرا.(2/405)
وأما كورة برزة فللاود، وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها حصنا، وقد اتخذ بها في سنة 239 منبر على كره من الاودى.
وأما نرير فكانت قرية لها قصر قديم متشعث، فنزلها مر بن عمرو الموصلي الطائى فبنى بها وأسكنها ولده.
ثم انهم بنوا بها قصورا ومدنوها، وبنوا سوق جابروان وكبروه، وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون أذربيجان.
فأما سراة فإن فيها من كندة جماعة أخبرني بعضهم أنه من ولد من كان مع الاشعث بن قيس الكندى.(2/406)
فتح الموصل
820 - قالوا: ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمى الموصل سنة عشرين.
فقاتله أهل نينوى، فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والاذن لمن أراد الجلاء في الجلاء.
ووجد بالموصل ديارات فصالحه أهلها على الجزية.
ثم فتح المرج وقراه، وأرض باهذرى، وباعذرى، وحبتون، والحنانة، والمعلة، ودامير، وجميع معاقل الاكراد.
وأتى (ص 331) بانعاثا من حزة ففتحها.
وأتى تل الشهارجة والسلق الذى يعرف ببنى الحرين صالح بن عبادة الهمداني صاحب رابطة الموصل، ففتح ذلك كله وغلب عليه المسلمون.
821 - وأخبرني معافى بن طاوس، عن مشايخ من أهل الموصل قال: كانت أرمية من فتوح الموصل، فتحها عتبة بن فرقد.
وكان خراجها حينا إلى الموصل.
وكذلك الحور، وخوى وسلماس.
قال معافى: وسمعت أيضا أن عتبة فتحها حين ولى أذربيجان.
والله أعلم.
822 - وحدثني العباس بن هشام الكلبى، عن أبيه، عن جده قال: أول من اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هرثمة بن عرفجة البارقى.(2/407)
823 - حدثنى أبو موسى الهروي، عن أبى الفضل الانصاري، عن أبى المحارب الضبى أن عمر بن الخطاب عزل عتبة عن الموصل وولاها هرثمة بن عرفجة البارقى.
وكان بها الحصن وبيع للنصارى، ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ومحلة اليهود.
فمصرها هرثمة فأنزل العرب منازلهم واختط لهم، ثم بنى المسجد الجامع.
824 - وحدثني المعافى بن طاووس قال: الذى فرش الموصل بالحجارة ابن تليد صاحب شرطة محمد بن مروان بن الحكم.
وكان محمد والى الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان.
825 - قال الواقدي: ولى عبد الملك بن مروان ابنه سعيد بن عبد الملك ابن مروان صاحب نهر سعيد الموصل.
وولى محمدا أخاه الجزيرة وأرمينية.
فبنى سعيد سور الموصل، وهو الذى هدمه الرشيد حين مر بها.
وقد كانوا خالفوا قبل ذلك، وفرشها سعيد بالحجارة.
826 - وحدثت عن بعض أهل بابغيش أن المسلمين كانوا طلبوا غرة (ص 332) أهل ناحية منها، مما يلى دامير، يقال لها زران.
فأتوهم في يوم عيد لهم وليس معهم سلاح، فحالوا بينهم وبين قلعتهم وفتحوها.
827 - قالوا: ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة، وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبيات للنصارى، فمصرها وأسكنها قوما من(2/408)
العرب، فسميت الحديثة لانها بعد الموصل.
وبنى نحوه حصنا.
ويقال إن هرثمة نزل الحديثة أولا فمصرها واختطها قبل الموصل، وإنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الانبار، لما وليهم ابن الرفيل أيام الحجاج ابن يوسف فعسفها.
وكان فيهم قوم من أهل حديثة الانبار فبنوا بها مسجدا وسموا المدينة الحديثة.
828 - قالوا: وافتتح عتبة بن فرقد الطيرهان وتكريت، وآمن أهل حصن تكريت على أنفسهم وأموالهم، وسار في كورة باجرمى، ثم صار إلى شهرزور.
829 - وحدثني شيخ من أهل تكريت أنه كان معهم كتاب أمان
وشرط لهم.
فخرقه الجرشى حين أخرب قرى الموصل نرساباذ وهاعلة وذواتها.
وزعم الهيثم بن عدى أن عباض بن غنم لما فتح بلدا أتي الموصل ففتح أحد الحصنين.
والله تعالى أعلم.(2/409)
شهرزور والصامغان ودراباذ 830 - حدثنى اسحاق بن سليمان الشهرزورى قال: ثنا أبى، عن محمد بن مروان، عن الكلبى، عن بعض آل عزرة البجلى أن عزرة بن قيس حاول فتح شهرزور وهو وال على حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها.
فغزاها عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال على مثل صلح حلوان.
وكانت العقارب تصيب الرجل من المسلمين فيموت.
831 - وحدثني اسحاق، عن أبيه، عن مشايخهم قال: صالح أهل الصامغان ودراباذ عتبة على الجزية والخراج، على أن لا يقتلوا ولا يسبوا ولا يمنعوا طريقا يسلكونه.
832 - وحدثني أبو رجاء الحلواني، عن أبيه، عن مشايخ شهرزور قالزوا: شهرزور والصامغان ودراباذ من فتوح عتبة ابن فرقد السلمى.
فتحها وقاتل الاكراد فقتل منهم خلقا، وكتب إلى عمر: إنى قد بلغت بفتوحى أذربيجان.
فولاه إياها.
وولى هرثمة بن عرفجة الموصل.
833 - قالوا: ولم تزل شهرزور وأعمالها مضمومة إلى الموصل حتى فرقت في آخر خلافة الرشيد.
فولى شهرزور والصامغان ودراباذ رجل مفرد.
وكان رزق عامل كل كورة من كور الموصل مائتي درهم، فحط لهذه الكور ست مئة درهم.(2/410)
جرجان وطبرستان ونواحيها 834 - قالوا: ولى عثمان بن عفان رحمه الله سعيد بن العاصى بن سعيد ابن العاصى بن أمية الكوفة في سنة تسع وعشرين.
فكتب مرزبان طوس إليه وإلى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهو على البصرة، يدعوهما إلى خراسان، على أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر.
فخرج ابن عامر يريدها، وخرج سعيد.
فسبقه ابن عامر، فغزا سعيد طبرستان، ومعه في غزاته فيما يقال الحسن والحسين أبناء على بن أبي طالب عليهم السلام.
وقيل أيضا إن سعيدا غزا طبرستان بغير كتاب أتاه من أحد، وقصد إليها من الكوفة، والله أعلم.
ففتح سعيد طميسة ونامنة، وهى قرية.
وصالح ملك (ص 334) جرجان على مائتي ألف درهم، ويقال على ثلاث مئة ألف بغلية وافته، فكان يؤديها إلى غزاة المسلمين.
وافتتح سعيد سهل طبرستان والرويان ودنباوند، وأعطاه أهل الجبال مالا.
وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الاتاوة عفوا وربما أعطوها بعد قتال.
وولى معاوية بن أبى سفيان مصقلة بن هبيرة بن شبل - أحد بنى ثعلبة ابن شيبان بن ثعلبة بن عكابة - طبرستان وجميع أهلها حرب.
وضم إليه عشرة آلاف ويقال عشرين ألفا، فكاده العدو وأروه الهيبة له، حتى توغل بمن معه في البلاد.
فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم ودهدهوا الصخور من الجبال على رؤسهم.
فهلك ذلك الجيش أجمع، وهلك مصقلة، فضب الناس به المثل.(2/411)
فقالوا: حتى يرجع مصقلة من طبرستان.
ثم إن عبيدالله بن زياد بن أبي سفيان ولى محمد بن الاشعث بن قيس الكندى طبرستان.
فصالحهم وعقد لهم عقدا، ثم أمهلوا له حتى دخل، فأخذوا عليه المضابق وقتلوا ابنه أبا بكر وفضخوه، ثم نجا.
فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون من التوغل في أرض العدو.
835 - وحدثني عباس بن هشام الكلبى، عن أبيه، عن أبى مخنف وغيره قالوا: لما ولى سليمان بن عبد الملك بن مروان الامر ولى يزيد بن المهلب بن أبي صفرة العراق.
فخرج إلى خراسان لسبب ما كان من التواء قتيبة بن مسلم وخلافه على سليمان وقتل وكيع بن أبى سود التميمي إياه.
فعرض له صول التركي في طريقه وهو يريد خراسان.
فكتب إلى سليمان يستأذنه في غزوه فأذن له.
فغزا جيلان وسارية، ثم أتى دهستان وبها صول، فحصرها وهو في جند كثيف من أهل المصرين وأهل الشام وأهل خراسان.
فكان أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم، فألح (ص 235) عليهم يزيد وقطع المواد عنهم.
ثم إن صول أرسل إلى يزيد يسأله الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وأهل بيته، ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها.
فقبل يزيد ذلك وصالحه عليه، ووفى له.
وقتل يزيد أربعة عشر ألفا من الترك واستخلف عليها.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إن صول قتل، والخبر الاول أثبت.
836 - وقال هشام بن الكلبى: أتي يزيد جرجان.
فتلقاه أهلها بالاتاوة التى كان سعيد بن العاصى صالحهم عليها، فقبلها.
ثم إن أهل جرجان نقضوا وغدروا.
فوجه إليهم جهم بن زحر الجعفي ففتحها.(2/412)
قال: ويقال إنه صار إلى مرو فأقام بها شتوته، ثم غزا جرجان
في مئة ألف وعشرين ألفا من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخراسان.
837 - وحدثني على بن محمد المدائني قال: أقام يزيد بن المهلب بخراسان شتوة، ثم غزا جرجان، وكان عليها حائط من آجر قد تحصنوا به من الترك، وأحد طرفيه في البحر، ثم غلبت الترك عليه وسموا ملكهم صول.
فقال يزيد: قبح الله قتيبة ! ترك هؤلاء وهم في بيضة العرب وأراد غزو الصين، أو قال: وغزا الصين.
وخلف يزيد على خراسان مخلد بن يزيد.
قال: فلما صار إلى جرجان وجد صول قد نزل في البحيرة.
فحصره ستة أشهر، وقاتله مرارا.
فطلب الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وثلاث مئة من أهل بيته، ويدفع إليه البحيرة بما فيها.
فصالحه، ثم سار إلى طبرستان.
واستعمل على دهستان والبياسان عبد الله بن معمر اليشكرى وهو في أربعة آلاف، ووجه ابنه خالد بن يزيد وأخاه أبا عيينة بن المهلب إلى الاصبهبذ وهزمها حتى ألحقهما بعسكر يزيد.
وكتب الاصبهبذ إلى المرزبان - ويقال المروزبان -: إنا قد (ص 336) قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبلك من العرب.
فقتل عبد الله بن معمر اليشكرى ومن معه وهم غارون في منازلهم.
وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة، وهو من سبى الديلم، فقال للاصبهبذ: إنى رجل منك وإليك، وإن فرق الدين بيننا، ولست بآمن أن يأتيك من قبل أمير المؤمنين ومن جيوش خراسان ما لا قبل لك به ولا قوام لك معه.
وقد رزت لك يزيد فوجدته سريعا إلى الصلح فصالحه.
ولم يزل يخدعه حتى صالح يزيد على سبع مئة ألف درهم وأربع مئة وقر زغفرانا.
فقال له الاصبهبذ: العشرة وزن ستة.
فقال: لا، ولكن وزن سبعة.
فأبى.
فال حيان: أنا أتحمل(2/413)
فضل ما بين الوزنين.
فتحمله.
وكان حيان من نبل الموالى وسرواتهم،
وكان يكنى أبا معمر.
838 - قال المدائني: بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغدرهم، فسار يريدها ثانية.
فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها، وحولها غياض وأشب.
فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها على شئ.
وقاتلوه مررا، ونصب المنجنيق عليها.
ثم إن رجلا دهلم على طريق إلى قلعتهم، وقال: لا بد من سلم جلود.
فعقد يزيد لجهم بن زحر الجعفي وقال: إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت.
وأمر يزيد أن تشعل النار في الحطب.
فهالهم ذلك، وخرج قوم منهم ثم رجعوا.
وانتهى جهم إلى القلعة فقاتله قوم ممن كان على بابها فكشفهم عنه.
ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم.
ففتحت القلعة وأنزلوا على حكم يزيد.
فقادهم جهم إلى وادى جمرجان وجعل يقتلهم حتى سالت الدماء في الوادي وجرت.
وهو بنى مدينة جرجان.
وسار يزيد إلى خراسان فبلغته الهدايا.
ثم ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إلى سليمان.
فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم.
فوقع الكتاب في يدى عمر بن عبد العزيز فأخذ يزيد به وحبسه.
839 - وحدثني (ص 337) عباس بن هشام الكلبى، عن أبيه، عن أبى مخنف، أو عوانة بن الحكم قال: سار يزيد إلى طبرستان.
فاستجاش الاصبهبذ الديلم فأنجدوه.
فقاتله يزيد، ثم إنه صالحه على نقد أربعة آلاف ألف درهم، وعلى سبع مئة ألف درهم مثاقيل، في كل سنة، ووقر أربع مئة جماز زعفرانا، وأن يخرجوا أربع مئة رجل على رأس كل رجل منهم ترس وطيلسان وجام فضة ونمرقة حرير.
وبعض الرواة يقول: برنس.(2/414)
وفتح يزيد الرويان ودنباوند على مال وثياب وآنية.
ثم مضى إلى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته، وقدم أمامه جهم بن زحر بن قيس الجعفي.
فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون، ووفاه ابن المهلب فقتل خلقا من أهلها وسبى ذراريهم، وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره.
واستخلف عليها جهما، فوضع الجزية والخراج على أهلها وثقلت وطأته عليهم.
840 - قالوا: ولم تزل أهل طبرستان يؤدون الصلح مرة ويمتنعون من أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون.
فلما كانت أيام مروان بن محمد بن مروان ابن الحكم غدروا ونقضوا، حتى إذا استخلف أبو العباس أمير المؤمنين وجه إليهم عامله فصالحوه.
ثم إنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين في خلافة أمير المؤمنين المنصور.
فوجه إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبى ومعهما مرزوق أبو الخصيب مولاه، الذى نسب إليه قصر أبى الخصيب بالكوفة.
فسألهما مرزوق، حين طال عليهما الامر وصعب، أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته، ففعلا.
فخلص إلى الاصبهبذ فقال له: إن هذين الرجلين استغشاني وفعلا بى ما ترى، وقد هربت إليك، فإن قبلت انقطاعي وأنزلتني المنزلة التى أستحقها منك دللتك على عورات العرب وكنت يدا معك عليهم.
فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له.
فكان يريه أنه له ناصح وعليه مشفق.
فلما اطلع (ص 338) على أموره وعوراته كتب إلى خازم وروح بما احتاجا إلى معرفته من ذلك، واحتال للباب حتى فتحه.
فدخل المسلمون المدينة وفتحوها، وساروا في البلاد فدوخوها.(2/415)
وكان عمر بن العلاء جزارا من أهل الرى فجمع جمعا وقاتل سنفاذ حين خرج بها.
فأبل ونكى، فأوفده جهور بن مرار العجلى على المنصور، فقوده
وحضنه وجعل له مرتبة.
ثم أنه ولى طبرستان فاستشهد بها في خلافة المهدى أمير المؤمنين.
وافتتح محمد بن موسى بن حفص بن عمر بن العلاء ومايزديار بن قارن جبال شروين من طبرستان، وهى أمنع جبال وأصعبها وأكثرها أشبا وغياضا، في خلافة المأمون رحمه الله.
ثم إن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند، وسماه محمدا، وجعل له مرتبة الاصبهبذ.
فلم يزل واليا حتى توفى المأمون.
ثم استخلف أبو إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين فأقره على عمله.
ثم إنه كفر وغدر بعد ست سنين وأشهر من خلافته.
فكتب إلى عبد الله بن طاهر ابن الحسين بن مصعب، عامله على خراسان والرى وقومس وجرجان، يأمره بمحاربته.
فوجه عبد الله إليه الحسن بن الحسين عمه في رجال خراسان.
ووجه المعتصم بالله محمد بن ابراهيم بن مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة.
فلما توافت الجنود في بلاده كاتب أخ له يقال له فوهيار بن قارن الحسن ومحمدا وأعلمهما أنه معهما عليه.
وقد كان يحقد أشياء يناله بها من الاستخفاف.
وكان أهل عمله قد ملوا سيرته لتجبره وعسفه.
فكتب الحسن يشير عليه بأن يكمن في موضع سماه له، وقال لمايزديار: إن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا، وذكر غير ذلك الموضع، وهو يدعوك إلى الامان ويريد مشافهتك فيما بلغني.
فسار مايزديار يريد الحسن.
فلما (ص 339) صار بقرب الموضع الذى الحسن كامن فيه آذنه فوهيار بمجيئه.
فخرج عليه في أصحابه، وكانوا منقطعين في الغياض، فجعلوا يتتأمون إليه.
وأراد مايزديار الهرب فأخذ فوهيار بمنطقته.
وانطوى عليه(2/416)
أصحاب الحسن فأخذوه سلما بغير عهد ولا عقد.
فحمل إلى سر من رأى في سنة
خمس وعشرين ومائتين، فضرب بالسياط بين يدى المعتصم بالله ضربا مبرحا، فلما رفعت السياط عنه مات.
فصلب بسر من رأى مع بابكل الخرمى، على العقبة التى بحضرة مجلس الشرطة.
ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه، فقتل بطبرستان.
وافتتحت طبرستان سهلها وجبلها، فتولاها عبد الله بن طاهر وطاهر بن عبد الله من بعده.(2/417)
فتوح كور دجلة 841 - قالوا: كان سويد بن قطبة الذهلى، وبعضهم يقول: قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان المثنى بن حارثة الشيباني يغير بناحية الحيرة.
فلما قدم خالد بن الوليد البصرة يريد الكوفة سنة 12، أعانه على حرب أهل الابلة وخلف سويدا.
ويقال إن خالدا لم يسر من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة للاعاجم، فقتل وسبى.
وخلف بها رجلا من بنى سعد بن بكر بن هوازن، يقال له شريح بن عامر.
ويقال إنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحا، صالحه عنه النوشجان بن جسنسما، والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى، وهى ابنة عم النوشجان.
وإنما سميت المرأة لان أبا موسى الاشعري كان نزل بها، فزودته خبيصا فجعل يقول: أطعمونا من دقيق المرأة.
وكان محمد بن عمر الواقدي ينكر أن يكون خالد بن الوليد أتى البصرة حين فرغ من أمر أهل (ص 340) اليمامة والبحرين.
ويقول: قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله أعلم.
842 - قالوا: فلما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع
بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله، فولاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب - أحد بنى مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة.
وهو حليف بنى نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الاولين - وقال له: إن(2/418)
الحيرة قد فتحت وقتل عظيم من العجم، يعنى مهران، ووطئت خيل المسلمين أرض بابل.
فصره إلى ناحية البصرة واشغل من هناك من أهل الاهواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك.
فأتاها عتبة، وانضم إليه سويد بن قطبة ومن معه من بكر بن وائل وبنى تميم.
وكانت بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة، واثنتان بالزابوقة، وثلاث في موضع دار الازد اليوم.
ففرق عتبة أصحابه فيها، ننزل هو بالخريبة، وكانت مسلحة للاعاجم، ففتحها خالد بن الوليد، فخلت منهم.
وكتب عتبة إلى عمر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا.
فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم موضعا قريبا من الماء والمرعى.
فاقبل إلى موضع البصرة.
قال أبو مخنف: وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل إنها بصرة.
وقيل إنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها.
843 - قالوا: وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط.
ولم يكن لهم بناء.
وأمد عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة البارقى، وكان بالبحرين ثم إنه صار بعد إلى الموصل.
844 - قالوا: فغزا عتبة بن غزوان الابلة ففتحها عنوة.
وكتب إلى عمر يعلمه ذلك ويخبره ان الابلة فرضة البحرين وعمان والهند والصين.
وأنفذ الكتاب مع نافع بن الحارث الثقفى.
845 - وحدثني الوليد بن صالح قال: ثنا مرحوم العطار، عن أبيه،
عن شويس العدوى قال: خرجنا مع أمير (ص 341) الابلة فظفرنا بها.
ثم عبرنا الفرات، فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم، فظفرنا بهم وفتحنا الفرات.(2/419)
846 - وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبيه، عن حميري بن كراثة الربعي قال: لما دخلوا الابلة وجدوا خبيز الحوارى.
فقالوا: هذا الذى كان يقال إنه يسمن.
فلما أكلوا منه جعلوا ينظرونم إلى سواعدهم ويقولون: والله ما نرى سمنا.
قال: وأصبت قميصا مجيبا من قبل صدره أخضر، فكنت أحضر فيه الجمعة.
847 - وحدثني المدائني، عن جهم بن حسان قال: فتح عتبة الابلة ووجه مجاشع بن مسعود على الفرات، وأمر المغيرة بالصلاة، وشخص إلى عمر.
848 - وحدثني المدائني، عن أشياخه، أن ما بين الفهرج إلى الفرات صلح، وسائر الابلة عنوة.
849 - وحدثني عبد الله بن صالح المقرى قال: حدثنى عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق بن يسار قال: وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان حليف بنى نوفل في ثمان مئة إلى البصرة، وأمده بالرجال.
فنزل بالناس في خبم.
فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن، منها بالخريبة اثنتان، بالزابوقة واحدة، وفى الازد اثنتان، وفى تميم اثنتان.
ثم إنه خرج إلى الابلة فقاتل أهلها ففتحها عنوة.
وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بن مسعود السلمى ففتحه عنوة.
وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه الله، وغرق عامة من معه.
وأخذ سلما فضرب عتبة عنقه.
وسار عتبة إلى دستميسان وقد جمع أهلها(2/420)
للمسلمين وأرادوا المسير إليهم، فرأى أن يعاجلهم بالغزو ليكون ذلك أفت في أعضادهم وأملا لقلوبهم، فلقيهم فهزمهم الله، وقتل دهاقينهم.
وانصرف عتبة من فوره إلى أبرقباذ ففتحها الله عليه.
850 - قالوا: ثم استأذن عتبة عمر بن الخطاب (ص 342) في الوفادة عليه والحج.
فأذن له.
فاستخلف بن مجاشع بن مسعود السلمى، وكان غائبا عن البصرة وأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى قدومه.
فقال: أتولى رجلا من أهل الوبر على رجل من أهل المدر ؟ واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه، وشخص فمات في الطريق.
فولى عمر البصرة المغيرة بن شعبة.
وقد كان الناس سألوا عتبة عن البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلق من الناس.
851 - وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن عوانة قال: كانت عند عتبة بن غزوان أزدة بنت الحارث بن كلدة.
فلما استعمل عمر عتبة بن غزوان قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد.
ثم إن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات، فجعلت امرأته أزدة تحرض الناس على القتال وهى تقول: إن يهزموكم تولجوا فينا الغلف ففتح الله على المسلمين تلك المدينة، وأصابوا غنائم كثيرة.
ولم يكن فيهم أحد يكتب ويحسب إلا زياد.
فولى يقسم ذلك المغنم وجعل له كل يوم درهمان، وهو غلام في رأسه ذوابة.
ثم إن عتبه شخص إلى عمر.
وكتب إلى مجاشع بن مسعود يعلمه أنه قد خلفه، وكان غائبا، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلى بالناس إلى قدوم مجاشع.(2/421)
ثم إن دهقان ميسان كفر ورجع عن الاسلام فلقيه المغيرة بالمنعرج فقتله.
وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه.
فدعا عمر عتبة فقال: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعا ؟ قال: نعم.
فإن المغيرة كتب إلى بكذا.
فقال: إن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلى بالناس إلى قدومه.
فقال عمر: لعمري لاهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر.
ثم كتب إلى المغيرة بعهده على البصرة، وبعث به إليه.
فأقام المغيرة ما شاء الله.
ثم إنه هوى المرأة.
852 - وحدثني (ص 343) عبد الله بن صالح، عن عبدة، عن محمد بن اسحاق قال: غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد وغلب على أرضها.
ثم إن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة.
853 - وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثنى وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه قال: فتح عتبة بن غزوان الابلة والفرات وأبرقباذ ودستميسان وفتح المغيرة ميسان.
وغدر أهل أبرقباذ ففتحها المغيرة.
854 - وقال على بن محمد المدائني: كان الناس يسمون ميسان ودستميسان والفرات وأبرقباذ، ميسان.
855 - قالوا: وكان من سبى ميسان أبو الحسن البصري وسعيد بن يسار أخوه.
وكان اسم يسار فيروز.
فصار أبو الحسن لامرأة من الانصار يقال لها الربيع بنت النضر، عمة أنس بن مالك.
ويقال كان لامرأة من بنى سلمة يقال لها جميلة، امرأة أنس بن مالك.(2/422)
856 - وروى الحسن قال: كان أبى وأمى لرجل من بنى النجار.
فتزوج امرأة من بنى سلمة فساقهما إليها في صداقها.
فأعتقتهما تلك المرأة، فولاؤنا لها.
وكان مولد الحسن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر وخرج منها بعد صفين بسنة،، ومات بالبصرة سنة 110، وهو ابن تسع وثمانين سنة.
857 - قالوا: إن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بنى هلال يقال لها أم جميل بنت محجن بن الافقم بن شعيثة بن الهزم.
وقد كان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بن عتيك.
فبلغ ذلك أبا بكرة بن مسروح، مولى النبي صلى الله عليه وسلم من مولدي ثقيف، وشبل بن معبد بن عبيد البجلى، ونافع بن الحارث ابن كلدة الثقفى، وزياد بن عبيد، فرصدوه.
حتى إذا دخل عليها هجموا عليه، فإذاهما عريانان وهو متبطنها.
فخرجوا حتى أتوا عمر ابن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا.
فقال عمر لابي موسى الاشعري: إنى أريد (ص 344) أبعثك إلى بلد قد عشش فيه الشيطان.
قال: فأعنى بعدة من الانصار.
فبعث معه البراء بن مالك، وعمران بن الحصين أبا نجيد الخزاعى، وعوف بن وهب الخزاعى، فولاه البصرة، وأمره بإشخاص المغيرة.
فأشخصه بعد قدومه بثلاث.
فلما صار إلى عمر جمع بينه وبين الشهود.
فقال نافع بن الحارث: رأيته على بطن المرأة يحتفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة.
ثم شهد شبل بن معبد على شهادته، ثم أبو بكرة، ثم أقبل زياد رابعا.
فلما نظر إليه عمر قال: أما إنى أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده ولا يخزى بشهادته.
وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.(2/423)
فقال زياد: رأيت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا.
وما أدرى أخالطها
أم لا ؟ ويقال لم يشهد بشئ.
فأمر عمر بالثلاثة فجلدوا.
فقال شبل: أتجلد شهود الحق وتبطل الحد ؟ فلما جلد أبو بكرة قال: أشهد أن المغيرة زان.
فقال عمر: حدوه.
فقال: على إن جعلتها شهادة.
فارجم صاحبك.
فحلف أبو بكرة أن لا يكلم زيادا ابدا، وكان أخاه لامه سمية.
ثم إن عمر ردهم إلى مصرهم.
وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عمر بولايتها وإشخاص المغيرة.
والاول أثبت.
وروى أن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان أمر سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، أن يبعث عتبة بن غزوان إلى البصرة ففعل.
وكان يأنف من مكاتبته إياه فلذلك استعفى، وأن عمر رضى الله عنه رده واليا فمات في الطريق.
وكانت ولاية أبى موسى البصرة في سنة 16 ويقال سنة 17، فاستقري كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة، فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها على قدر احتمالها.
والثبت أن أبا موسى ولى البصرة في سنة 16 (ص 345).
858 - حدثنى شيبان بن فروخ الابلى قال: ثنا أبو هلال الراسبى قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن كاتبا لابي موسى كتب إلى عمر بن الخطاب: من أبو موسى.
فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا فاضرب كاتبك سوطا واعزله عن عملك.(2/424)
تمصير البصرة 859 - حدثنى على بن المغيرة الاثرم،
عن أبى عبيدة قال: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة كتب إلى عمر ابن الخطاب يعلمه نزوله إياها وأنه لابد للمسلمين من منزل يشتون به إذا شتوا، ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم.
فكتب إليه أن اجمع أصحابك في موضع واحد.
وليكن قريبا من الماء والمرعى.
واكتب إلى بصفته.
فكتب إليه: إنى وجدت أرضا كثيرة القضبة في طرف البر إلى الريف، ودونها مناقع ماء فيها قصباء.
فلما قرأ الكتاب قال: هذه أرض نضرة قريبة من المشارب والمراعى والمحتطب.
وكتب إليه أن أنزلها الناس.
فأنزلهم إياها.
فبنوا مساكن بالقصب.
وبنى عتبة مسجدا من قصب وذلك في سنة 14.
فيقال إنه تولى اختطاط المسجد بيده.
ويقال اختطه محجر بن الادرع البهزى من سليم.
ويقال اختطه نافع بن الحارث بن كلدة حين خط داره.
ويقال بل اختطه الاسود بن سريع التميمي وهو أول من قضى فيه.
فقال له مجاشع ومجالد ابنا مسعود: رحمك الله ! شهرت نفسك.
فقال: لا أعود.
وبنى عتبة دار الامارة دون المسجد، في الرحبة التى يقال لها اليوم رحبة بنى هاشم.
وكانت تسمي الدهناء.
وفيها السجن والديوان.
فكانوا إذا غزوا(2/425)
نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو.
فإذا رجعوا أعادوا بناءه.
فلم تزل الحال كذلك.
ثم إن الناس اختطوا، وبنو المنازل.
وبنى أبو موسى الاشعري المسجد ودار الامارة بلبن وطين، وسقفها بالعشب، وزاد في المسجد.
وكان الامام إذا
جاء للصلاة تخطاهم إلى القبلة على حاجر.
فخرج عبد الله بن عامر ذات يوم من دار الامارة يريد القبلة، وعليه جبة خز دكناء.
فجعل الاعراب يقولون: على الامير جلد دب.
860 - وحدثني أبو محمد الثوري، عن الاصمعي قال: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبى بكرة.
وهو أول مولود بالبصرة.
فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة.
ثم لما استعمل معاوية بن أبى سفيان زيادا على البصرة زاد في المسجد زيادة كثيرة، وبناه بالآجر والجص، وسقفه بالساج، وقال: لا ينبغى للامام أن يتخطى الناس.
فحول دار الامارة من الدهناء إلى قبلة المسجد.
فكان الامام يخرج من الدار في الباب الذى في حائط القبلة.
وجعل زياد حين بنى المسجد ودار الامارة يطوف فيهما وينظر إلى البناء ثم يقول لمن معه من وجوه أهل البصرة: أترون خللا ؟ فيقولون: ما نعلم بناء أحكم منه.
فقال: بلى هذه الاساطين التى على كل واحدة منها أربعة عقود لو كانت أغلظ من سائر الاساطين.
وروى عن يونس بن حبيب النحوي قال: لم يؤت من تلك الاساطين قط تصديع ولا عيب.(2/426)
861 - وقال حارثة بن بدر الغدانى، ويقال: بل قال ذلك البعيث المجاشعى: بنى زياد لذكر الله مصنعة * من الحجارة لم تعمل من الطين لولا تعاور أيدى الانس ترفعها * إذا لقلنا من اعمال الشياطين (ص 347)
862 - وقال الوليد بن هشام بن قحذم: لما بنى زياد المسجد جعل لصفته المقدمة خمس سوار.
وبنى منارته بالحجارة.
وهو أول من عمل المقصورة.
ونقل دار الامارة إلى قبلة المسجد.
وكان بناؤه إياها بلبن وطين، حتى بناها صالح بن عبد الرحمن السجستاني مولى بنى تميم، في ولايته خراج العراق لسليمان بن عبد الملك، بالآجر والجص.
وزاد فيه عبيدالله بن زياد وفى مسجد الكوفة.
وقال: دعوت الله أن يرزقنى الجهاد ففعل، ودعوته أن يرزقنى بناء مسجدي الجماعة بالمصرين ففعل، ودعوته أن يجعلني خلفا بن زياد ففعل.
863 - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: لما بنى زياد المسجد أتي بسواريه من جبل الاهواز.
وكان الذى تولى أمرها وقطعها الحجاج بن عتيك الثقفى وابنه.
فظهر له مال.
فقيل: حبذا الامارة ولو على الحجارة.
فذهبت مثلا.
قال: وبعض الناس يقول إن زيادا رأى الناس ينفضون أيديهم إذا تربت وهم في الصلاة، فقال: لا آمن أن يظن الناس على طول الايام أن نفض الايدى في الصلاة سنة.
فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد.
فاشتد الموكلون بذلك على الناس وتعنتوهم وأروهم حصى انتقوه.
فقالوا: ايتونا بمثله على(2/427)
مقاديره وألوانه وارتشوا على ذلك.
فقال القائل: حبذا الامارة ولو على الحجارة.
وقال أبو عبيدة: كان جانب المسجد الشمالي متزويا لانه كانت هناك دار لنافع بن الحارث بن كلدة.
فأبى ولده بيعها.
فلما ولى معاوية عبيدالله بن زياد البصرة قال عبيدالله لاصحابه: إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعته فأعلموني ذلك.
فشخص إلى قصره الابيض الذى على البطيحة.
فأخبر عبيدالله
بذلك.
فبعث الفعلة فهدموا من تلك الدار ما سوى به تربيع المسجد.
وقدم ابن نافع، فضج إليه من ذلك.
فارضاه بأن أعطاه بكل ذراع خمسة أذرع.
وفتح (ص 348) له في الحائط خوخة إلى المسجد.
فلم تزل الخوخة في حائطه حتى زاد المهدى أمير المؤمنين في المسجد.
فأدخلت الدار كلها فيه، وأدخلت فيه أيضا دار الامارة في خلافة الرشيد رحمه الله.
وقال أبو عبيدة: لما قدم الحجاج بن يوسف العراق أخبر أن زيادا ابتنى دار الامارة بالبصرة.
فأراد أن يزيل اسمه عنها، فهم ببنائها بجص وآجر.
فقيل له: إنما تزيد اسمه فيها ثباتا وتوكدا.
فهدمها وتركها.
فبنيت عامة الدور حولها من طينها ولبنها وأبوابها.
فلم تكن بالبصرة دار إمارة حتى ولى سليمان بن عبد الملك.
فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق.
فحدثه صالح حديث الحجاج وما فعل في دار الامارة.
فأمره بإعادتها.
فأعادها بالآجر والجص على أساسها، ورفع سمكها.
فلما ولى عمر بن عبد العزيز، رضى الله عنه، وولى عدى بن أرطاة الفزارى البصرة، أراد عدى أن يبنى فوقها غرفا.
فكتب إليه عمر: هبلتك أمك يا بن أم عدى ! أيعجز عنك منزل وسع زيادا وآل زياد ؟ فأمسك عدى عن إتمام تلك الغرف وتركها.(2/428)
فلما ولى سليمان بن على بن عبد الله بن العباس البصرة لابي العباس أمير المؤمنين بنى على ما كان عدى رفعه من حيطان الغرف بناء بطين، ثم نركه وتحول إلى المربد فنزله.
فلما استخلف الرشيد أدخلت الدار في قبلة المسجد، فليس للامراء بالبصرة دار إمارة.
864 - وقال الوليد بن هشام بن قحذم: لم يزد أحد في المسجد بعد ابن زياد حتى كان المهدى.
فاشترى دار نافع بن الحارث بن كلدة الثقفى، ودار عبيد الله بن أبى بكرة، ودار ربيعة بن كلدة الثقفى، ودار عمرو بن وهب الثقفى، ودار أم جميل الهلالية التى كان من أمرها وأمر المغيرة بن شعبة ما كان، ودورا غيرها، فزادها في المسجد، أيام ولى محمد بن سليمان بن على البصرة.
ثم أمر هارون أمير المؤمنين الرشيد عيسى بن جعفر بن (ص 349) المنصور، أيام ولايته البصرة، أن يدخل دار الامارة في المسجد ففعل.
80 - وقال الوليد بن هشام: أخبرني أبى، عن أبيه، وكان يوسف بن عمر ولاه ديوان جند العرب، قال: نظرت في جماعة مقاتلة البصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا.
ووجدت عيالهم مئة ألف وعشرين ألف عيل.
ووجدت العرب مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالهم ثمانين ألفا.
865 - وحدثني محمد بن سعيد، عن الواقدي في إسناده قال: كان عتبة بن غزوان مع سعد بن أبى وقاص(2/429)
فكتب إليه عمر: أن أضرب قيروانك بالكوفة.
ووجه عتبة بن غزوان إلى البصرة.
فخرج في ثمانى مئه، فضرب خيمة من أكسية، وضرب الناس معه.
وأمده عمر بالرجال.
فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن.
منها بالخريبة اثنتان، وبالزابوقة واحدة، وفى بنى تميم اثنتان، وفى الازد اثنتان.
ثم إن عتبة خرج إلى الفرات بالبصرة فافتتحه.
ثم رجع إلى البصرة.
وكان سعد يكاتب عتبة، فغمه ذلك.
فاستأذن عمر في الشخوص إليه.
فلحق به
واستخلف المغيرة بن شعبة.
فلما قدم المدينة شكا إلى عمر تسلط سعد عليه.
فقال له: وما عليك أن تقر بالامارة لرجل من قريش له صحبة وشرف ؟ فأبى الرجوع.
وأبى عمر إلا رده.
فسقط عن راحلته في الطريق فمات في سنة 16.
وكان محجر بن الادرع اختط مسجد البصرة ولم يبنه.
فكان يصلى فيه غير مبنى.
فبناه عتبة بقصب، ثم بناه أبو موسى الاشعري، وبنى بعده.
866 - حدثنى الحسين بن على بن الاسود العجلى قال: ثنا يحيى بن آدم قال: ثنا أبو معاوية، عن الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفى قال: كان بالبصرة رجل يكنى أبا عبد الله ويقال له نافع، فكان أول من افتلا الفلاة بالبصرة، فأتى عمر فقال له: إن بالبصرة أرضا ليست من أرضى (ص 350) الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين.
فكتب له أبو موسى إلى عمر بذلك.
فكتب له عمر إليه أن يقطعه إياها.
867 - وحدثنا سعيد بن سليمان قال: ثنا عباد بن العوام.
عن عوف الاعرابي قال: قرأت كتاب عمر إلى أبى موسى: إن أبا عبد الله(2/430)
سألني أرضا على شاطئ دجلة يفتلى فيها خيله.
فإن كانت في غير أرض الجزية ولا يجزأ إليها ماء الجزية فأعطه إياها.
وقال عباد: بلغني أنه نافع بن الحارث بن كلدة طبيب العرب.
868 - وقال الوليد بن هشام بن قحذم: وجدت كتابا عندنا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى المغيرة بن شعبة.
سلام عليك.
فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو.
أما بعد فإن أبا عبد الله ذكر أنه زرع بالبصرة في أمارة ابن غزوان، وافتلى أولاد الخيل
حين لم يفتلها أحد من أهل البصرة، وإنه نعم ما رأى.
فأعنه على زرعه وعلى خيله.
فإنى قد أذنت له أن يزرع.
وآته ارضه التى زرع، إلا أن تكون أرضا عليها الجزية من أرض الاعاجم أو يصرف إليها ماء أرض عليها الجزية.
ولا تعرض له إلا بخير.
والسلام عليك ورحمة الله.
وكتب معيقيب بن أبى فاطمة في صفر سنة 17.
وقال الوليد بن هشام: أخبرني عمى، عن ابن شبرمة أنه قال: لو وليت البصرة لقبضت أموالهم.
لان عمر ابن الخطاب لم يقطع بها أحدا إلا أبا بكرة ونافع بن الحارث.
ولم يقطع عثمان بالبصرة إلا عمران بن حصين وابن عامر، أقطعه داره، وحمران مولاه.
قال: وقد أقطع زياد عمران قطيعة أيضا فيما يقال.
869 - وقال هشام بن الكلبى: أول دار بنيت بالبصرة دار نافع ابن الحارث، ثم دار معقل بن يسار المزني.(2/431)
وكان عثمان بن عفان أخذ دار عثمان بن أبى العاصى الثقفى وكتب أن يعطى أرضا بالبصرة.
فأعطى أرضه المعروفة بشط عثمان بحيال الابلة.
وكانت سبخة فاستخرجها (ص 351) وعمرها.
وإلى عثمان بن أبى العاصى ينسب باب عثمان بالبصرة.
870 - قالوا: كان حمران بن أبان للمسيب بن نجبة الفزارى.
أصابه بعين التمر، فابتاعه منه عثمان بن عفان وعلمه الكتاب، واتخذه كاتبا.
فوجد عليه لانه كان وجهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبى معيط، فارتشى منه وكذب ما قيل فيه.
فتيقن عثمان صحة ذلك بعد.
فوجد عليه وقال: لا يساكننى أبدا.
وخيره بلدا يسكنه غير المدينة.
فاختار البصرة.
وسأله أن يقطعه بها دارا،
وذكر ذرعا كثيرا.
فاستكثره عثمان وقال لابن عامر: اعطه دارا مثل بعض دورك.
فأقطعه داره التى بالبصرة.
871 - قالوا: ودار خالد بن طليق الخزاعى القاضى كانت لابي الجراح القاضى صاحب سجن ابن الزبير.
اشتراها له سلم بن زياد لانه هرب من سجن الزبير.
872 - قال ابن الكلبى: سكة بنى سمرة بالبصرة كان صاحبها عتبة ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف.
ومسجد عاصم نسب إلى عاصم أحد بنى ربيعة بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة.
ودار أبى نافع بالبصرة نسبت إلى أبى نافع مولى عبد الرحمن بن أبى بكرة.(2/432)
873 - وقال القحذمى: كانت دار أبى يعقوب الخطابى لسحامة بن عبد الرحمن بن الاصم الغنوى مؤذن الحجاج.
وهو ممن قاتل مع يزيد بن المهلب.
فقتله مسلمة بن عبد الملك يوم العقر.
وهى إلى جانب دار المغيرة ابن شعبة.
874 - قالوا: ودار طارق نسبت إلى طارق بن أبى بكرة.
وقبالتها خطة الحكم بن أبى العاصى الثقفى.
ودار زياد بن عثمان كان عبيد الله بن زياد اشتراها لابن أخيه زياد بن عثمان.
وتليها الخطة (ص 352) التى منها دار بابة بنت أبى العاصى.
وكانت دار سليمان بن على لسلم بن زياد، فغلب عليها بلال بن أبى بردة أيام ولايته البصرة لخالد بن عبد الله، ثم جاء سليمان بن على فنزلها.
875 - قالوا: وكانت دار موسى بن أبى المختار مولى ثقيف لرجل من
بنى دارم.
فأراد فيروز حصين ابتياعها منه بعشرة آلاف.
فقال: ما كنت لابيع جوارك بمئة ألف.
فأعطاه عشرة آلاف وأقر الدار في يده.
876 - وقال أبو الحسن: أراد الدارمي بيع داره فقال: أبيعها بعشرة آلاف درهم خمسة آلاف ثمنها وخمسة آلاف لجوار فيروز.
فبلغ فيروز ذلك فقال: أمسك عليك دارك.
وأعطاه عشرة آلاف درهم.
ودار ابن تبع نسبت إلى عبد الرحمن بن تبع الحيرى.
وكان على قطائع زياد.
وكان دمون من أهل الطائف.
فتزوج أبو موسى ابنته، فولدت له أبا بردة.
ولدمون خطة بالبصرة.
وله يقول أهل البصرة: الرفاء والبنون، وخبز وكمون، في بيت الدمون.(2/433)
877 - وقال القحذمى وغيره: كان أول حمام اتخذ بالبصرة حمام عبد الله بن عثمان بن أبى العاصى الثقفى، وهو موضع بستان سفيان بن معاوية الذى بالخريبة، وعند قصر عيسى بن جعفر.
ثم الثاني حمام فيل مولى زياد.
ثم الثالث حمام مسلم بن أبى بكرة في بلالاباذ.
وهو الذى صار لعمرو بن مسلم الباهلى.
فمكث البصرة دهرا وليس بها إلا هذه الحمامات.
878 - وحدثني المدائني قال: قال أبو بكرة لابنه مسلم: يا بنى ! والله ما تلى عملا وما أراك تقصر عن إخوتك في النفعة.
فقال: إن كتمت على أخبرتك.
قال: فإنى أفعل.
قال: فإنى اغتل من حمامى هذا في كل يوم ألف درهم، وطعاما كثيرا.
ثم إن مسلما مرض، فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبى بكرة وأخبره بغلة حمامه.
فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمام.
وكانت الحمامات لا تبتنى بالبصرة إلا بإذن الولاة.
فأذن له.
فاستأذن عبيد الله (ص 353) ابن أبى بكرة فأذن له، واستأذن الحكم بن أبى العاصى فأذن له.
واستأذن سياه الاسوارى فأذن له.
واستأذن الحصين بن أبى الحر العنبري فأذن له.
واستأذنت ريطه بنت زياد فأذن لها.
واستأذنت لبابة بنت أوفى الجرشى فأذن لها في حمامين: أحدهما في أصحاب القباء والآخر في بنى سعد.
واستأذن المنجاب بن راشد الضبى فإذن له.
وأفاق مسلم بن أبى بكرة من مرضه وقد فسدت عليه غلة حمامه.
فجعلن يلعن عبد الرحمن ويقول: ماله قطع الله رحمه !.
879 - قالوا: وكان فيل حاجب زياد ومولاه ركب معه أبو الاسود الدئلى وأنس بن زنيم، وكان على برذون هملاج، وهما على فرسى سوء قطوفين.
فأدركهما الحسد.
فقال أنس: أجزيأبا الاسود.
قال: هات.
فقال:(2/434)
لعمر أبيك ما حمام كسرى * على الثلثين من حمام فيل فقال أبو الاسود: وما إرقاصنا حول الموالى * بسنتنا على عهد الرسول وقال أبو مفرغ لطلحة الطلحات، وهو طلحة بن عبد الله بن خلف: تمنيني طليحة ألف ألف * لقد منيتنى أملا بعيدا فلست لماجد حر ولكن * لسمراء التى تلد العبيدا ولو أدخلت في حمام فيل * وألبست المطارف والبرودا وقال بعضهم وقد حضرته الوفاة: يا رب قائلة يوما وقد لغبت * كيف الطريق إلى حمام منجاب ؟ يعنى حمام المنجاب بن راشد الضبى.
وقال عباس مولى بنى أسامة: ذكرت البند في حمام عمرو * فلم أبرح إلى بعد العشاء (ص 354)
وحمار بلج نسب إلى بلج بن نشبة السعدى الذى يقول له زياد: ومحترس من مثله وهو حارس 880 - وقال هشام بن الكلبى: قصر أوس بالبصرة نسب إلى أوس ابن ثعلبة بن رقى أحد بنى تيم الله بن ثعلبة بن عكابة.
وهو من وجوه من كان بخراسان.
وقد تقلد بها أمورا جسيمة.
وهو الذى مر بتدمر فقال في صنميها:(2/435)
فتاتي أهل تدمر خبرانى * ألما تسأما طول القيام فكائن مر من دهر ودهر * لاهلكما وعام بعد عام وقصر أنس نسب إلى أنس بن مالك الانصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذى بنى منارة بنى أسيد حسان بن سعد منهم.
والقصر الاحمر لعمرو بن عتبه بن أبى سفيان، وهو اليوم لآل عمر بن حفص بن قبيصة بن أبى صفرة.
وقصر المسيرين كان لعبد الرحمن بن زياد.
وكان الحجاج سير عيال من خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث الكندى إليه، فحبسهم فيه.
وهو قصر في جوف قصر، ويتلوه قصر عبيدالله بن زياد، وإلى جانبه جوسق.
881 - قال القحذمى: وقصر النواهق هو قصر زياد.
سماه الشطار بذلك.
وقصر النعمان كان للنعمان بن صهبان الراسبى الذى حكم بين مضر وربيعة أيام مات يزيد بن معاويه.
قال: وزاد عبيدالله بن زياد للنعمان بن صهبان في قصره هذا.
فقال: بئس المال هذا يا أبا حاتم ! إن كثر الماء غرقت، وإن قل عطشت.
فكان
كما قال.
قل الماء فمات كل من ثم.
وقصر زربى نسب إلى زربى مولى عبد الله بن عامر.
وكان قيما على (ص 355) خيله.
فكانت الدار لدوابه.
وقصر عطية نسب إلى عطية الانصاري.(2/436)
ومسجد بنى عباد نسب إلى بنى عباد بن رضاء بن شقرة بن الحارث بن تميم بن مر.
وكانت دار عبد الله بن خازم السلمى لعمته دجاجة أم عبد الله بن عامر.
فأقطعته إياها.
وهو عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت.
وهى دجاجة بنت أسماء.
882 - وحدثني المدائني، عن أبى بكر الهذلى.
والعباس بن هشام، عن أبيه، عن عوانة قالا: قدم الاحنف بن قيس على عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، في أهل البصرة.
فجعل يسألهم رجلا رجلا والاحنف في ناحية البيت في بت لا يتكلم.
فقال له عمر: أما لك حاجة ؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين.
إن مفاتح الخير بيد الله، وإن إخواننا من أهل الامصار نزلوا منازل الامم الخالية بين المياه العذبة والجنان الملتفة، وإنا نزلنا سبخة نشاشة لا يجف نداها ولا ينبت مرعاها.
ناحيتها من قبل المشرق البحر الاجاج، ومن قبل المغرب الفلاة، فليس لنا زرع ولا ضرع، تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مرئ النعامة.
يخرج الرجل الضعيف فيستعذب الماء من فرسخين، وتخرج المرأة لذلك فتربق ولدها كما يربق العنز يخاف بادرة العدو وأكل السبع.
فالا ترفع خسيستنا وتجبر فاقتنا نكن كقوم هلكوا.
فألحق عمر ذرارى أهل البصرة في العطاء، وكتب إلى أبى موسى يأمره
أن يحتفر لهم نهرا.
883 - فحدثني جماعة من أهل العلم قالوا: كان لدجلة العوراء - وهى دجلة البصرة - خور، والخور طريق للماء لم يحفره أحد يجرى فيه ماء الامطار(2/437)
إليها، ويتراجع ماؤها فيه عند المد، وينضب في الجزر.
وكان طوله قدر فرسخ.
وكان لحده مما يلى البصرة غور وسعة تسمى في الجاهلية الاجانة، وسمته العرب في الاسلام الجزارة.
وهو على مقدار (ص 356) ثلاثة فراسخ من البصرة بالذرع الذى يكون به نهر الابلة كله أربعة فراسخ، ومنه يبتدئ النهر الذى يعرف اليوم بنهر الاجانة.
فلما أمر عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أبا موسى الاشعري أن يحتفر لاهل البصرة نهرا، ابتدأ الحفر من الاجانة وقاده ثلاثة فراسخ، حتى بلغ به البصرة.
فصار طول نهر الابلة أربعة فراسخ.
ثم إنه انطم منه ما بين البصرة وبثق الحيرى، وذلك على قدر فرسخ من البصرة.
وكان زياد بن أبى سفيان واليا على الديوان وبيت المال من قبل عبد الله ابن عامر بن كريز، وعبد الله يومئذ على البصرة من قبل عثمان بن عفان.
فأشار على ابن عامر أن ينفذ حفر نهر الابلة من حيث انطم حتى يبلغ به البصرة.
وكان يريث ذلك ويدافع به.
فلما شخص ابن عامر إلى خراسان واستخلف زيادا أقر حفر أبى موسى الاشعري على حاله.
وحفر النهر من حيث انطم حتى بلغ به البصرة.
وولى ذلك عبد الرحمن بن أبى بكرة.
فلما فتح عبد الرحمن الماء جعل يركض فرسه والماء يكاد يسبقه.
وقدم ابن عامر من خراسان فغضب على زياد وقال: إنما أردت أن تذهب بذكر النهردونى.
فتباعد ما بينهما حتى ماتا.
وتباعد بسببه ما بين أولادهما.
فقال يونس بن حبيب النحوي: أنا أدركت ما بين آل زياد وآل ابن عامر متباعدا.
884 - وحدثني الاثرم، عن أبى عبيدة قال: قاد أبو موسى الاشعري نهر الابلة من موضع الاجانة إلى البصرة.
وكان شرب الناس قبل ذلك من مكان يقال له دير قاووس، فوهته(2/438)
في دجلة، فوق الابلة بأربعة فراسخ يجرى في سباخ، لا عمارة على حافاته.
وكانت الارواح تدفنه.
قال: ولما حفر زياد فيض البصرة بعد فراغه من إصلاح نهر الابلة قدم ابن عامر من خراسان فلامه وقال: أردت أن تذهب بشهرة هذا النهر وذكره.
فتباعد ما بينهما وبين أهلهما بذلك السبب.
885 - وقال أبو عبيدة (ص 357) كان احتفاره الفيض من لدن دار فيل مولى زياد وحاجبه إلى موضع الجسر.
886 - وروى محمد بن سعد، عن الواقدي وغيره أن عمر بن الخطاب أمر أبا موسى بحفر النهر الآخر، وأن يجريه على يد معقل بن يسار المزني، فنسب إليه.
887 - وقال الواقدي: توفى معقل بالبصرة في ولاية عبيدالله بن زياد البصرة لمعاوية.
888 - وقال الوليد بن هشام القحذمى وعلى بن محمد بن أبى سيف المدائني: كلم المنذر بن الجاورد العبدى معاوية بن أبى سفيان في حفر نهر ثار.
فكتب إلى زياد فحفر نهر معقل.
فقال قوم: جرى على يد معقل بن يسار.
فنسب إليه.
889 - وقال آخرون: بل أجراه زياد على يد عبد الرحمن بن أبى بكرة أو غيره.(2/439)
فلما فرغ منه وأرادوا فتحه بعث زياد معقل بن يسار ففتحه تبركا به، لانه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الناس: نهر معقل.
فذكر القحذمى أن زيادا أعطى رجلا ألف درهم وقال له: أبلغ دجلة وسل عن صاحب هذا النهر من هو ؟ فإن قال لك رجل إنه نهر زياد فأعطه الالف، فبلغ دجلة ثم رجع فقال: ما لقيت أحدا إلا يقول نهر معقل.
فقال زياد: * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * (1).
890 - قالوا ونهر دبيس نسب إلى رجل قصار يقال له دبيس كان يقصر الثياب عليه.
وبثق الحيرى نسب إلى نبطى من أهل الحيرة، ويقال كان مولى لزياد.
891 - قالوا: وكان زياد لما بلغ بنهر معقل قبته التى يعرض فيها الجند رده إلى مستقبل الجنوب حتى أخرجه إلى أصحاب الصدقة بالجبل.
فسمى ذلك العطف نهر دبيس.
وحفر عبد الله بن عامر نهره الذى عند دار فيل.
وهو الذى يعرف بنهر الاساورة.
وقال بعضهم: الاساورة حفروه.
ونهر عمرو نسب إلى عمرو بن عتبة بن أبى سفيان ونهر أم حبيب نسب إلى أم حبيب بنت زياد.
وكان عليه قصر كثير الابواب فسمى الهزاردر.
892 - وقال على (ص 358) بن محمد المدائني: تزوج شيرويه الاسوارى مرجانة أم عبيدالله بن زياد.
فبنى لها قصرا فيه أبواب كثيرة، فسمى هزاردر.
__________
(1) سورة الحديد، 57، الآية 21.
(*)(2/440)
وقال أبو الحسن: قال قوم: سمى هزاردر لان شيرويه اتخذ في قصره ألف باب.
وقال بعضهم: نزل ذلك الموضع ألف أسوار في ألف بيت، أنزلهم كسرى فقيل هزاردر.
ونسب نهر حرب إلى حرب بن سلم بن زياد.
وكان عبد الاعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر ادعى أن الارض التى كانت عليه كانت لابن عامر، وخاصم فيها حربا.
فلما توجه القضاء لعبد الاعلى أتاه حرب فقال له: خاصمتك في هذا النهر، وقد ندمت على ذلك.
وأنت شيخ العشيرة وسيدها، فهو لك.
فقال عبد الاعلى بن عبد الله: بل هو لك.
فانصرف حرب، فلما كان العشى جاء موالى عبد الاعلى ونصحاؤه فقالوا: والله ما أتاك حرب حتى توجه لك القضاء عليه.
فقال: والله لا رجعت فيما جعلت له أبدا.
والنهر المعروف بيزيدان نسب إلى يزيد بن عمر الاسيد صاحب شرطة عدى بن أرطاة.
وكان رجل أهل البصرة في زمانه.
893 - وقالوا: أقطع عبد الله بن عامر بن كريز، عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك الليثى وهو أخوه لامه دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمية ثمانية آلاف جريب.
فحفر لها النهر الذى يعرف بنهر ابن عمير.
894 - قالوا: وكان عبد الله بن عامر حفر نهر أم عبد الله دجاجة، وتولاه غيلان بن خرشة الضبى.
وهو النهر الذى قال حارثه بن بدر الغدانى لعبد الله بن عامر، وقد سايره: لم أر أعظم بركة من هذا النهر.
يستقى منه(2/441)
الضعفاء من أبواب دورهم، ويأتيهم منافعهم فيه إلى منازلهم، وهو مغيض
لمياههم.
ثم إنه ساير زيادا بعد ذلك في ولايته فقال: ما رأيت نهرا شرا منه، ينز منه دورهم، ويبعضون له في منازلهم، ويغرق (ص 359) فيه صبيانهم.
وروى قوم أن غيلان بن خرشة القائل.
وهذا والاول أثبت.
ونهر سلم نسب إلى سلم بن زياد بن أبى سفيان.
وكان عبد الله بن عامر حفر نهرا تولاه نافذ مولاه، فغلب عليه فقيل نهر نافذ.
وهو لآل الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
895 - قال أبو اليقظان: أقطع عثمان بن عفان العباس بن ربيعة بن الحارث دارا بالبصرة، وأعطاه مئة ألف درهم.
وكان عبد الرحمن بن عباس يلقب رائض البغال لجودة ركوبه لها.
وتابعه الناس بعد هرب ابن الاشعث إلى سجستان، فهرب من الحجاج.
وطلحتان نهر طلحة بن أبى نافع مولى طلحة بن عبيدالله.
ونهر حميدة نسب إلى امرأة من آل عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس يقال لها حميدة.
وهى امرأة عبد العزيز بن عبد الله بن عامر.
وخيرتان لخيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب.
ولها مهلبان.
كان المهلب وهبه لها.
ويقال: بل كان لها فنسب إلى المهلب.
وهى أم أبى عيينة ابنه.
وجبيران لجبير بن حية.
وخلفان قطيعة عبد الله بن خلف الخزاعى أبى طلحة الطلحات.(2/442)
طليقان لآل عمران بن حصين الخزاعى من ولد خالد بن طليق بن محمد ابن عمران.
وكان خالد ولى قضاء البصرة.
896 - وقال القحذمى: نهر مرة لابن عامر، ولى حفره له مرة مولى أبى بكر الصديق فغلب على ذكره.
897 - وقال أبو اليقظان وغيره: نسب نهر مرة إلى مرة بن أبى عثمان مولى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، وكان سريا.
سأل عائشة أم المؤمنين أن تكتب له إلى زياد وتبدأ به في عنوان كتابها..فكتبت له إليه بالوصاية به وعنونته: إلى زياد بن أبى سفيان من عائشة أم المؤمنين.
فلما رأى زياد أنها قد كاتبته ونسبته إلى أبى سفيان سر بذلك وأكرم مرة وألطفه.
وقال للناس: هذا كتاب أم المؤمنين إلى فيه (ص 360) وعرضه عليهم ليقرؤا عنوانه.
ثم أقطعه مئة جريب على نهر الابلة، وأمره فحفر لها نهرا، فنسب إليه.
وكان عثمان بن مرة من سراة أهل البصرة، وقد خرجت القطيعة من أيدى ولده وصارت لآل الصفاق بن حجر بن بجير العقوى من الازد.
898 - قالوا: ودرجاه جنك من أموال ثقيف، وإنما قيل له ذلك لمنازعات كانت فيه.
وجنك بالفارسية صخب.
أنسان نسب إلى أنس بن مالك في قطيعة من زياد.
نهر بشار نسب إلى بشار بن مسلم بن عمرو الباهلى أخى قتيبة.
وكان أهدى إلى الحجاج فرسا فسبق عليه.
فأقطعه سبع مئة جريب، ويقال أربع مئة جريب.
فحفر لها النهر.(2/443)
ونهر فيروز نسب إلى فيروز حصين، ويقال إلى باشكار كان يقال له فيروز.
وقال القحذمى: نسب إلى فيروز مولى ربيعة بن كلدة الثقفى.
ونهر العلاء نسب إلى العلاء بن شريك الهذلى، أهدى إلى عبد الملك شيئا
أعجبه فأقطعه مئة جريب.
ونهر ذراع نسب إلى ذراع النمري من ربيعة.
وهو أبو هارون بن ذراع.
ونهر حبيب نسب إلى حبيب بن شهاب الشامي، التاجر في قطيعة من زياد، ويقال من عثمان.
ونهر أبى بكرة نسب إلى أبى بكرة بن زياد.
899 - وحدثني العقوى الدلال قال: كانت الجزيرة بين النهرين سبخة، فأقطعها معاوية بعض بنى إخوته.
فلما قدم الفتى لينظر إليها أمر زياد بالماء فأرسل فيها.
فقال الفتى: إنما أقطعنى أمير المؤمنين بطيحة لا حاجة لى فيها.
فابتاعها زياد منه بمائتي ألف درهم، وحفر أنهارها.
وأقطع منها روادان لرواد ابن أبى بكرة.
ونهر الراء صيدت فيه سمكة تسمى الراء (ص 361) فسمى بها.
وعليه أرض حمران الذى أقطعه إياها معاوية.
ونهر مكحول نسب إلى مكحول بن عبيد الله الاحمسي، وهو ابن عم شيبان صاحب مقبرة شيبان بن عبد الله، الذى كان على شرطة ابن زياد.
وكان مكحول يقول الشعر في الخيل، فكانت قطيعة من عبد الملك بن مروان.
900 - وقال القحذمى: نهر مكحول نسب إلى مكحول بن عبد الله السعدى،(2/444)
وقال القحذمى: شط عثمان اشتراه عثمان بن أبى العاصى الثقفى من عثمان ابن عفان بمال له بالطائف.
ويقال إنه اشتراه بدار له بالمدينة فزادها عثمان بن عفان في المسجد.
وأقطع عثمان بن أبى العاصى أخاه حفص بن أبى العاصى حفصان.
وأقطع أبا أمية بن أبى العاصى أميتان.
وأقطع الحكم بن أبى العاصى حكمان.
وأقطع أخاه المغيرة مغيرتان.
قال: فكان نهر الارحاء لابي عمرو بن أبى العاصى الثقفى.
901 - وقال المدائني: أقطع زياد في الشط الجموم، وهى زيادان.
وقال لعبدالله بن عثمان: إنى لا أنفذ إلا ما عمرتم.
وكان يقطع الرجل القطيعة ويدعه سنتين، فإن عمرها وإلا أخذها منه.
فكانت الجموم لابي بكرة ثم صارت لعبد الرحمن بن أبى بكرة.
أزرقان نسب إلى الازرق بن مسلم، مولى بنى حنيفة.
ونسب محمدان إلى محمد بن على بن عثمان الحنفي.
زيادان نسب إلى زياد مولى بنى الهيثم، وهو جد مؤنس بن عمران بن جميع بن يسار، وجد عيسى بن عمر النحوي وحاجب بن عمر لامهما.
ونهر أبى الخصيب نسب إلى أبى الخصيب مرزوق، مولى المنصور أمير المؤمنين.
ونهر الامير بالبصرة حفره المنصور ثم وهبه لابنه جعفر.
فكان يقال نهر أمير المؤمنين، ثم قيل نهر الامير (ص 362)، ثم ابتاعه الرشيد وأقطع منه وباع.
ونهر ربا للرشيد، نسب إلى سورجى.(2/445)
والقرشي، كان عبيد الله بن عبد الاعلى الكريزى، وعبيد الله بن عمر ابن الحكم الثقفى واختصما فيه، ثم اصطلحا على أن أخذ كل واحد منهما نصفه.
فقيل القرشى والعربي.
والقندل خور من أخوار دجلة سده سليمان بن على، وعليه قطيعة المنذر ابن الزبير بن العوام.
وفيه نهر النعمان بن المنذر صاحب الحيرة.
أيام كسرى
وكان هناك قصر للنعمان.
ونهر مقاتل نسب إلى مقاتل بن جارية بن قدامة السعدى.
وعميران نسب إلى عبد الله بن عمير الليثى.
وسيحان كان للبرامكة، وهم سموه سيحان.
والجوبرة صيد فيها الجوبرة، فسميت بذلك.
حصينان لحصين بن أبى الحر العنبري.
عبيدلان لعبيد الله بن أبى بكرة.
عبيدان لعبيد بن كعب النميري.
منقذان لمنقذ بن علاج السلمى.
عبد الرحمانان كان لابي بكرة بن زياد، فاشتراه أبو عبد الرحمن مولى هشام.
ونافعان لنافع بن الحارث الثقفى.
وأسلمان لاسلم بن زرعة الكلابي.
وحمرانان لحمران بن أبان مولى عثمان.
وقتيبتان لقتيبة بن مسلم.
وخشخشان لآل الخشخاش العنبري.(2/446)
902 - وقال القحذمى: نهر البنات بنات زياد، أقطع كل بنت ستين جريبا.
وكذلك كان يقطع العامة.
وقال: أمر زياد عبد الرحمن بن تبع الحميرى، وكان على قطائعه، أن يقطع نافع بن الحارث الثقفى ما مشى.
فمشى فانقطع شسعه، فجلس فقال: حسبك.
فقال: لو علمت لمشيت إلى الابلة.
فقال: دعني حتى أرمى بن على.
فرمى بها حتى (ص 363) بلغت الاجانة.
سعيدان لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عباد بن أسيد.
وكانت سليمانان قطيعة لعبيد بن قسيط صاحب الطوف أيام الحجاج.
فرابط بها رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر، فنسبت إليه.
وعمران لعمر بن عبد الله بن معمر التميمي.
وفيلان لفيل مولى زياد.
وخالدان نسب إلى خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص بن أميه.
نهر يزيد الاباضي وهو يزيد بن عبد الله الحميرى.
المسمارية قطيعة مسمار مولى زياد.
وله بالكوفة ضيعة.
قال القحذمى: وكان بلال بن أبى بردة الذى فتق نهر معقل في فيض البصرة.
وكان قبل ذلك مكسورا يفيض إلى القبة التى كان زياد يعرض فيها الجند.
واحتفر بلال نهر بلال، وجعل على جنبتيه حوانيت، ونقل إليها السوق، وجعل ذلك ليزيد بن خالد القسرى.
903 - قالوا: وحفر بشير بن عبيد الله بن أبى بكرة المرغاب، وسماه(2/447)
باسم مرغاب مرو.
وكانت القطيعة التى فيها المرغاب لهلال بن أحوز المازنى، أقطعه إياها يزيد بن عبد الملك، وهى ثمانية آلاف جريب.
فحفر بشير المرغاب والسواقى والمعترضات بالتغلب، وقال: هذه قطيعة لى.
وخاصمه حميري بن هلال، فكتب خالد بن عبد الله القسرى إلى مالك بن المنذر بن الجارود، وهو على أحداث البصرة: أن خل بين الحميرى وبين المرغاب، وأرضه.
وذلك أن بشيرا أشخص إلى خالد، فتظلم، فقبل قوله.
وكان عمرو بن يزيد الاسيدى يعنى بحميرى ويعينه.
فقال لمالك بن المنذر: أصلحك الله ! ليس هذا خل
إنما هو حل بين حميري وبين المرغاب.
قال: وكانت لصعصعة بن معاوية، عم الاحنف، قطيعة بحيال المرغاب، وإلى جنبها.
فجاء معاوية بن صعصعة بن معاوية معينا لحميري.
فقال بشير: هذا مسرح إبلنا (ص 364) وبقرنا وحميرنا ودوابنا وغنمنا.
فقال معاوية: أمن أجل ثلط بقرة عقفاء، وأتان وديق، تريد أن تغلبنا على حقنا ؟ وجاء عبد الله بن أبى عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد فقال: أرضنا وقطيعتنا.
فقال له معاوية: أسمعت بالذى تخطى النار فدخل اللهب في استة ؟ فأنت هو.
904 - قالوا: وكانت سويدان لعبيد الله بن أبى بكرة قطيعة مبلغها أربع مئة جريب.
فوهبها لسويد بن منجوف السدوسى.
وذلك أن سويدا مرض، وعاده ابن أبى بكرة، فقال له: كيف تجدك ؟ قال صالحا إن شئت.
قال: قد شئت فما ذاك ؟ قال: إن أعطيتني مثل الذى أعطيت ابن معمر فليس على بأس.
فأعطاه سويدان فنسبت إليه.
905 - قال المدائني: حفر يزيد بن المهلب نهر يزيد في قطيعة(2/448)
لعبيد الله بن أبى بكرة.
فقال لبشير بن عبيدالله: اكتب لى كتابا بأن هذا النهر في حقى.
قال: لا، ولئن عزلت لاخاصمنك.
جبران لآل كلثوم بن جبر.
نهر ابن أبي برذعة نسب إلى أبى برذعة بن عبيدالله بن أبى بكرة.
والمسرقانان قطيعة لآل أبى بكرة، وأصلها مئة جريب، فمساح المنصور ألف جريب.
فأقروا في أيدى آل أبى بكرة منها مئة، وقبضوا الباقي.
قطيعة هميان لهميان بن عدى السدوسى.
كثيرا لكثير بن سيار.
بلا لان لبلال بن أبى بردة.
كانت القطيعة لعباد بن زيد فاشتراها.
شبلان لشبل بن عميرة بن يثربى الضبى.
نهر سلم نسب إلى سلم بن عبيد الله بن أبى بكرة النهر الرباحى نسب إلى رباح مولى آل جدعان سبخة عائشة إلى عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعى 906 - قالوا: واحتفر كثير بن عبد الله السلمى، وهو أبو العاج عامل يوسف بن (ص 365) عمر الثقفى على البصرة، نهرا من نهر ابن عتبة إلى الخستل، فنسب إليه.
نهر أبى شداد نسب إلى أبى شداد مولى زياد.
بثق سيار لفيل مولى زياد، ولكن القيم عليه كان سيار مولى بنى عقيل فغلب عليه.
أرض الاصبهانيين شراء من بعض العرب.
وكان هؤلاء الاصبهانيون(2/449)
قوما أسلموا وهاجروا إلى البصرة.
ويقال إنهم كانوا من الاساورة الذين صاروا بالبصرة.
ودار ابن الاصبهاني بالبصرة نسبت إلى عبد الله بن الاصبهاني، وكان له أربع مئة مملوك، لقى المختار مع مصعب وهو على ميمنته.
907 - حدثنى عباس بن هشام، عن أبيه، عن بعض آل الاهتم قال: كتب يزيد بن عبد الملك إلى عمر بن هبيرة: انه ليست لامير المؤمنين بأرض العرب خرصة، فسر على القطائع فخذ فضولها لأمير المؤمنين.
فجعل عمر يأتي القطيعة فيسأل عنها، ثم يمسحها.
حتى وقف على أرض
فقال: لمن هذه ؟ فقال صاحبها: لى.
فقال: ومن أين هي لك ؟ فقال: ورثناهن عن أباء صدق * ونورثها إذا متنا بنينا قال: ثم إن الناس ضجوا من ذلك فأمسك.
قالوا: صلتان نسب إلى الصلت بن حريث الحنفي وقاسمان قطيعة القاسم بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ورثه اياه أخوه عون ونهر خالدان الاجمة لآل خالد بن أسيد وآل أبي بكرة ونهر ماسوران كان فيه رجل شرير يسعى بالناس ويبحث عليهم فنسب النهر إليه.
والماسور بالفارسية الجرئ الشرير جبيران أيضا قطيعة جبير بن أبى زيد من بنى عبدالدار.
معقلان قطيعة معقل بن يسار من زياد، وولده يقولون من عمر ولم يقطع عمر أحدا على النهرين.(2/450)
جندلان لعبيد الله بن جندل الهلالي نهر (ص 366) التوت قطيعة عبد الله بن نافع بن الحارث الثقفى.
909 - وقال القحذمى: كان نهر سليمان بن على لحسان بن أبى حسان النبطي.
والنهر الغوثى كان عليه صاحب مسلحة يقال له غوث، فنسب إليه.
وقال بعضهم: جعل مغيثا للمرغاب فسمى الغوث.
ذات الحفافين على نهر معقل ودجلة، كانت لعبد الرحمن بن أبى بكرة، فاشتراها عربي التمار مولى أمة الله بنت أبى بكرة.
نهر أبى سبرة الهذلى قطيعة.
حربانان قطيعة حرب بن عبد الرحمن بن الحكم بن أبى العاصى.
قطيعة الحباب ؟ حباب بن يزيد المجاشعى.
نهر جعفر كان لجعفر مولى سلم بن زياد، وكان خراجيا.
بثق شيرين نسب إلى شيرين امرأة كسرى بن هرمز.
910 - وقال القحذمى والمدائني: كانت مهلبان التى تعرف في الديوان بقطيعة عمر بن هبيرة لعمر بن هبيرة.
أقطعه إياها يزيد بن عبد الملك حين قبض مال يزيد بن المهلب وإخوته، وولده.
وكانت للمغيرة بن المهلب، وفيها نهر كان زادان فروخ حفره، فعرف به.
وهى اليوم لآل سفيان بن معاوية ابن يزيد بن المهلب، رفع إلى أبى العباس أمير المؤمنين فيها فأقطعه إياها، فخاصمه آل المهلب في أمرها، فقال: كانت للمغيرة.
فقالوا: نجيز ذلك.(2/451)
مات المغيرة بن المهلب قبل أبيه، فورثت ابنته النصف، فلك ميراثك من أمك.
ورجع الباقي إلى أبيه، فهو بين الورثة.
قال: وللمغيرة ابن ؟ قالوا: ومالك ولابن المغيرة ؟ أنت لا ترثه، إنما هو خالك.
فلم يعطهم شيئا، وهى ألف وخمس مئة جريب.
كوسجان نسب إلى عبد الله بن عمرو الثقفى الكوسج.
وقال المدائني: كانت كوسجان لابي بكرة.
فخاصمه أخوه نافع، فخرجا إليها وكل واحد منهما يدعيها.
وخرج إليها عبد الله بن عمرو الكوسج.
فقال لهما: أراكما تختصمان فحكماني.
(ص 367) فحكماه.
فقال: قد حكمت بها لنفسي.
فسلماها له.
قال: ويقال إنه لم يكن للكوسج شرب.
فقال لابي بكرة ونافع: اجعلا لى شربا بقدر وثبة.
فأجاباه إلى ذلك.
فيقال إنه وثب ثلاثين ذراعا.
911 - قالوا: وبالفرات أرضون أسلم أهلها عليها حين دخلها المسلمون، وأرضون خرجت من أيدى أهلها إلى قوم مسلمين بهبات وغير ذلك من أسباب الملك، فصيرت عشرية وكانت خراجية.
فردها الحجاج إلى الخراج، ثم ردها عمر بن عبد العزيز إلى الصدقة، ثم ردها عمر بن هبيرة إلى الخراج.
فلما ولى هشام بن عبد الملك رد بعضها إلى الصدقة.
ثم إن المهدى أمير المؤمنين جعلها كلها من أراضي الصدقة.
وقال: جعفران كان لام جعفر بنت مجزأة بن ثور السدوسى امرأة أسلم صاحب أسلمان.
912 - قال القحذمى: حدثنى أرقم بن ابراهيم أنه نظر إلى حسان(2/452)
النبطي يشير من الجسر، ومعه عبد الاعلى بن عبد الله، بجوز كل شئ من حد نهر الفيض لولد هشام بن عبد الملك.
فلما بلغ دار عبد الاعلى رفع الذرع.
فلما كانت الدولة المباركة قبض ذلك أجمع، فوقف أبو جعفر الجبان، فيما وقف على أهل المدينة.
وأقطع المهدى العباسة ابنته امرأة محمد بن سليمان الشرقي عبادان قطيعة لخمران بن أبان مولى عثمان من عبد الملك بن مروان.
وبعضها فيما يقال من زياد.
وكان حمران من سبى عين التمر، يدعى أنه من النمر بن قاسط.
فقال الحجاج ذات يوم، وعنده عباد بن حصين الحبطى: ما يقول حمران ؟ لئن انتمى إلى العرب ولم يقل إن أباه أبى وإنه مولى لعثمان لاضربن عنقه.
فخرج عباد من عند الحجاج مبادرا، فأخبر حمران بقوله.
فوهب له غر ؟ ى النهر، وحبس الشرقي.
فنسب إلى عباد بن الحصين.
913 - وقال هشام بن الكلبى: كان أول من (ص 368) رابط بعبادان
عباد بن الحصين.
قال: وكان الربيع بن صبح الفقيه، وهو مولى بنى سعد، جمع مالا من أهل البصرة، فحصن به عبادان ورابط فيها - والربيع يروى عن الحسن البصري، وكان خرج غازيا إلى الهند في البحر فمات، فدفن في جزيرة من الجزائر في سنة مئة وستين.
914 - قال القحذمى: خالدان القصر، وخالدان هبساء، كانا لخالد ابن عبد الله بن خالد بن أسيد.
وخالدان ليزيد بن طلحة الحنفي، ويكنى أبا خالد.(2/453)
قال: ونهر عدى كان خورا من نهر البصرة، حتى فتقه عدى بن أرطاة الفزارى عامل عمر بن عبد العزيز من بثق شيرين.
قال: وكان سليمان أقطع يزيد بن المهلب ما اعتمل من البطيحة.
فاعتمل الشرقي، والجبان، والخست، والريحيه، ومغيرتان، وغيرها، فصارت حوزا، فقبضها يزيد بن عبد الملك، ثم أقطعها هشام ولده، ثم حيزت بعده.
قال القحذمى: وكان الحجاج أقطع خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب عباسان.
فقبضها يزيد بن عبد الملك، فأقطعها العباس بن الوليد بن عبد الملك.
ثم قبضت، فأقطعها أبو العباس أمير المؤمنين سليمان بن على.
قال: وكانت القاسمية مما نضب عنه الماء، فافتعل القاسم بن سليمان مولى زياد كتابا ادعى أنه من يزيد بن معاوية بإقطاعه إياها.
الخالدية لخالد بن صفوان بن الاهتم.
كانت للقاسم بن سليمان.
المالكية لمالك بن المنذر بن الجارود.
الحاتمية لحاتم بن قبيصة بن المهلب.
915 - حدثنى جماعة من أهل البصرة قالوا: كتب عدى بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز، وأمر أهل البصرة أن يكتبوا في حفر نهر لهم.
فكتب إليه وكيع بن أبى سود التميمي: إنك إن لم تحفر لنا نهرا فما (ص 369) البصرة لنا بدار.
ويقال إن عديا التمس في ذلك الاضرار ببهز بن يزيد بن المهلب فنفعه.
قالوا: فكتب عمر يأذن له في حفر نهر.
فحفر نهر عدى، وخرج الناس ينظرون إليه.
فحمل عدى الحسن البصري على حمار كان عليه وجعل يمشى.(2/454)
916 - قالوا: ولما قدم عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عاملا على العراق من قبل يزيد بن الوليد أتاه أهل البصرة فشكوا إليه ملوحة مائهم، وحملوا إليه قارورتين في إحداهما ماء من ماء البصرة، وفى الاخرى ماء من ماء البطيحة.
فرأى بينهما فصلا.
فقالوا: إنك إن حفرت لنا نهرا شربنا من هذا العذب.
فكتب بذلك إلى يزيد.
فكتب إليه يزيد: إن بلغت نفقة هذا النهر خراج العراق ما كان في أيدينا، فأنفقه عليه.
فحفر النهر الذى يعرف بنهر ابن عمر.
وقال رجل ذات يوم في مجلس ابن عمر: والله إنى أحسب نفقة هذا النهر تبلغ ثلاث مئة ألف أو أكثر.
فقال ابن عمر: لو بلغت خراج العراق لانفقتة عليه.
917 - قالوا: وكانت الولاة والاشراف بالبصرة يستعذبون الماء من دجلة.
ويحتفرون الصهاريج.
وكان للحجاج بها صهريج معروف يجتمع فيه ماء المطر.
وكان لابن عامر وزياد وابن زياد صهاريج يبيحونها الناس.
918 - قالوا: وبنى المنصور رحمه الله بالبصرة في دخلته الاولى قصره الذى
عند الحبس الاكبر، وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومئة.
وبنى في دخلته الثانية المصلى بالبصرة.
وقال القحذمى: الحبس الاكبر إسلامى.
قالوا: ووقف محمد بن سليمان بن على ضيعة له على أحواض اتخذها بالبصرة، فغلتها تنفق على دواليبها وإبلها ومصلحتها.(2/455)
919 - وحدثني روح بن عبد المؤمن، عن عمه أبى هشام، عن أبيه قال: وفد أهل البصرة على ابن عمر بن عبد العزيز بواسط.
فسألوه حفر نهر لهم، فحفر لهم نهر ابن عمر.
وكان الماء الذى يأتي نزرا قليلا.
وكان عظم ماء البطيحة يذهب في (ص 370) نهر الدير.
فكان الناس يستعذبون من الابلة، حتى قدم سليمان بن على البصرة واتخذ المغيثة وعمل مسنياتها على البطيحة.
فحجز الماء عن نهر الدير وصرفه إلى نهر ابن عمر.
وأنفق على المغيثة ألف ألف درهم.
فقال: شكا أهل البصرة إلى سليمان ملوحة الماء وكثرة ما يأتيهم من ماء البحر.
فسكر القندل فعذب ماؤهم.
قال: واشترى سليمان بن على موضع السجن من ماله في دار ابن زياد، فجعله سجنا، وحفر الحوض الذى في الدهناء، وهى رحبة بنى هاشم.
920 - وحدثني بعض أهل العلم بضياع البصرة قال: كان أهل الشعيبية من الفرات جعلوها لعلى بن أمير المؤمنين الرشيد في خلافه الرشيد، على أن يكونوا مزارعين له فيها، ويخفف مقاسمتهم.
فتكلم فيها فجعلت عشرية من الصدقة، وقاسم أهلها على ما رضوا به، وقام له بأمرها شعيب بن زياد الواسطي الذى لبعض ولده دار بواسط على دجلة، فنسبت إليه.
921 - وحدثني عدة من البصريين منهم روح بن عبد المؤمن قالوا: لما اتخذ سليمان بن على المغيثة أحب المنصور أن يستخرج ضيعة من البطيحة، فأمر باتخاذ السبيطية.
فكره سليمان بن على وأهل البصرة ذلك، واجتمع أهل البصرة إلى باب عبد الله بن على، وهو يومئذ عند أخيه سليمان هاربا من(2/456)
المنصور، فصاحوا: يا أمير المؤمنين ! انزل إلينا نبايعك.
فكفهم سليمان وفرقهم، وأوفد إلى المنصور سوار بن عبد الله التميمي ثم العنزي، وداود بن أبى هند مولى بنى بشير، وسعيد بن أبى عروبة، واسم أبى عروبة بهران، فقدموا عليه ومعهم صورة البطيحة، فأخبروه أنهم يتخوفون أن يملح ماؤهم.
فقال: ما أراه كما ظنتم.
وأمر بالامساك.
ثم إنه قدم البصرة فأمر باستخراج السبيطية فاستخرجت له.
فكانت منها أجمة (ص 371) لرجل من الدهاقين يقال له سبيط.
فحبس عنه الوكيل الذى قلد القيام بأمر الضيعة واستخراجها بعض ثمنها وضربه، فلم يزل على باب المنصور يطالب بما بقى له من ثمن أجمته، ويختلف في ذلك إلى ديوانه، حتى مات.
فنسبت الضيعة إليه بسبب أجمته، فقيل السبيطية.
922 - وقالوا: قنطرة قرة بالبصرة نسبت إلى قرة بن حيان الباهلى، وكان عندها نهر قديم ثم اشترته أم عبد الله بن عامر فتصدقت به مغيضا لاهل البصرة.
وابتاع عبد الله بن عامر السوق فتصدق به.
923 - قالوا: ومر عبيدالله بن زياد يوم نعى يزيد بن معاوية على نهر أم عبد الله، فإذا هو بنخل فأمر به فعقر، وهدم حمام حمران بن أبان، وموضعه اليوم يعمل فيه الرباب.
924 - قالوا: ومسجد الحامرة نسب إلى قوم قدموا اليمامة عجم من عمان.
ثم صاروا منها إلى البصرة على حمير، فأقاموا بحضرة هذا المسجد.
وقال بعضهم: بنوه ثم جدد بعد.(2/457)
925 - وحدثني على الاثرم، عن ابى عبيدة، عن أبى عمرو بن العلاء قال: كان قيس بن مسعود الشيباني على الطف من قبل كسرى، فهو اتخذ المنجشانية على ستة أميال من البصرة.
وجرت على يد عضروط يقال له منجشان، فنسبت إليه.
قال: وفوق ذلك روضة الخيل كانت مهارته ترعى فيها.
926 - وقال ابن الكلبى: نسب الماء الذى يعرف بالحوءب إلى الحوءب بنت كلب بن وبرة.
وكانت عند مر بن أد بن طابخة.
ونسب حمى ضريه إلى ضرية بنت ربيعة بن نزار، وهى أم حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة.
قالوا: نسب حلوان إلى حلوان هذا.(2/458)
أمر الاساورة والزط 927 - حدثنى جماعة من أهل العلم قالوا: كان سياه الاسوارى على مقدمة (ص 372) يزدجرد.
ثم إنه بعث به إلى الاهواز فنزل الكلبانية، وأبو موسى الاشعري محاصر السوس.
فلما رأى ظهور الاسلام وعز أهله وأن السوس قد فتحت، والامداد متتابعة إلى أبى موسى، أرسل إليه: إنا قد أحببنا الدخول معكم في دينكم، على أن نقاتل عدومكم من العجم معكم، وعلى أنه إن وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه إن قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا من البلدان
ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الامير الذى بعثكم.
فقال أبو موسى: بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا.
قالوا: لا نرضى.
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر.
فكتب إليه عمر: أن اعطهم جميع ما سألوا.
فخرجوا حتى لحقوا بالمسلمين.
وشهدوا مع أبى موسى حصار تستر، فلم يظهر منهم نكاية.
فقال لسياه: يا عون ! ما أنت وأصحابك كما كنا نظن.
فقال له: أخبرك أنه ليست بصائرنا كبصائركم، ولا لنا فيكم حرم نخاف عليها ونقاتل، وإنما دخلنا في هذا الدين في بدء أمرنا تعوذا وإن كان الله رزق خيرا كثيرا.
ثم فرض لهم في شرف العطاء.
فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الاحياء أقرب نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقيل: بنو تميم.
وكانوا على أن يحالفوا الازد، فتركوهم وحالفوا بنى تميم.
ثم خطت لهم خططهم فنزلوا،(2/459)
وحفروا نهرهم، وهو يعرف بنهر الاساورة.
ويقال إن عبد الله بن عامر حفره.
928 - وقال أبو الحسن المدائني: أراد شيرويه الاسوارى أن ينزل في بكر بن وائل مع خالد بن المعمر وبنى سدوس، فأبى سياه ذلك.
فنزلوا في بنى تميم.
ولم يكن يومئذ الازد بالبصرة ولا عبد شمس.
قال: فانضم إلى الاساورة السيابجة، وكانوا قبل الاسلام بالسواحل، وكذلك الزط، وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلا.
فلما اجتمعت الاساورة والزط والسيابجة (ص 373) تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم.
فصارت الاساورة في بنى سعد، والزط والسيابجة في بنى حنظلة.
فأقاموا معهم يقاتلون المشركين، وخرجوا مع ابن عامر إلى خراسان، ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين، ولا شيئا
من حروبهم، حتى كان يوم مسعود.
ثم شهدوا بعد يوم مسعود الربذة، وشهدوا أمر ابن الاشعث معه.
فأضر بهم الحجاج فهدم دورهم، وحط أعطياتهم، وأجلى بعضهم.
وقال: كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا على بعض.
وقد روى أن الاساورة لما انحازوا إلى الكلبانية وجه أبو موسى إليهم الربيع بن زياد الحارثي فقاتلهم.
ثم إنهم استأمنوا على أن يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاؤا وينزلوا بحيث أحبوا.
929 - قالوا: وانحاز إلى هؤلاء الاساورة قوم من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له، فلحقوا بهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها في النواحى، فصاروا معهم ودخلوا في الاسلام.
930 - وقال المدائني: لما توجه يزدجرد إلى إصبهان دعا سياه فوجهه(2/460)
إلى اصطخر في ثلاث مئة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم، وأمره أن ينتخب من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته.
ثم اتبعه يزدجرد.
فلما صار باصطخر وجهه إلى السوس، وأبو موسى محاصر لها.
ووجه الهرمزان إلى تستر.
فنزل سياه الكلبانية.
وبلغ أهل السوس أمر يزدجرد وهربه فسألوا أبا موسى الصلح، فصالحهم.
فلم يزل سياه مقيما بالكلبانية حتى سار أبو موسى إلى تستر، فتحول سياه فنزل بين رامهرمز وتستر، حتى قدم عمار.
فجمع سياه الرؤساء الذين خرجوا معه من إصبهان فقال: قد علمتم بما كنا نتحدث به من أن هؤلاء القوم سيغلبون على هذه المملكة، ويروث دوابهم في إيوان اصطخر.
وأمرهم في الظهور على ما ترون.
فانظروا لانفسكم وادخلوا في دينهم.
فأجابوه إلى ذلك.
فوجه شيرويه في عشرة إلى أبى موسى، فأخذوا ميثاقا على ما وصفنا من الشرط (ص 374) وأسلموا.
931 - وحدثني غير المدائني، عن عوانة قال: حالفت الاساور الازد.
ثم سألوا عن أقرب الحيين من الازد وبنى تميم نسبا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء، وأقربهم مددا.
فقيل: بنو تميم.
فحالفوهم.
وسيد بنى تميم يومئذ الاحنف بن قيس.
وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة من الاساورة، فقتلوا خلقا بعدتهم من النشاب ولم يخطئ لاحد منهم رمية.
أما السيابجة والزط والاندغار فإنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند.
ومن كان سبيا من أولى الغزاة.
فلما سمعوا بما كان من أمر الاساورة أسلموا وأتوا أبا موسى، فأنزلهم البصرة كما أنزل الاساورة.(2/461)
932 - وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثنى يعقوب بن الحضرمي، عن سلام قال: أتي الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها من الامم، معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم، فأسكنهم بأسافل كسكر.
قال روح: فغلبوا على البطيحة وتناسلوا بها.
ثم إنه ضوى إليهم قوم من أباق العبيد، وموالى باهلة، وخولة محمد بن سليمان بن على، وغيرهم فشجعوهم على قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية.
وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن يسألوا الشئ الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفينة، فيتناولوا منها ما أمكنهم اختلاسه.
وكان الناس في بعض أيام المأمون قد تحاموا الاجتياز بهم، وانقطع عن بغداذ جميع ما كان يحمل إليها من البصرة في السفن.
فلما استخلف المعتصم بالله تجرد لهم، وولى محاربتهم رجلا من أهل خراسان يقال له عجيف بن عنبسة، وضم إليه من القواد والجند خلقا، ولم يمنعه شيئا طلبه من الاموال،
فرتب بين البطائح ومدينة السلام خيلا مضمرة مهلوبة الاذناب.
وكانت أخبار الزط تأتيه بمدينة السلام في ساعات من النهار، أو أول الليل.
وأمر عجيفا فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حتى (ص 375) أخذوا، فلم يشذ منهم أحد.
وقدم بهم إلى مدينة السلام في الزواريق، فجعل بعضهم بخانقين، وفرق سائرهم في عين زربة والثغور.
933 - قالوا: وكانت جماعة من السيابجة موكلين ببيت مال البصرة، يقال إنهم أربعون، ويقال أربع مئة.
فلما قدم طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام البصرة، وعليها من قبل على بن أبى طالب عثمان بن حنيف الانصاري، أبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم على رضى الله عنه.
فأتوهم في السحر فقتلوهم.
وكان عبد الله بن الزبير المتولي لامرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه.(2/462)
وكان على السيابحة يومئذ أبو سالمة الزطى، وكان رجلا صالحا.
وقد كان معاوية نقل من الزط والسيابجة القدماء إلى سواحل الشام وأنطاكية بشرا.
وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل قوما من الزط إلى أنطاكية وناحيتها.
934 - قالوا: وكان عبيدالله بن زياد سبى خلقا من أهل بخارى.
ويقال بل نزلوا على حكمه، ويقال بل دعاهم إلى الامان والفريضة فنزلوا على ذلك ورغبوا فيه.
فأسكنهم البصرة.
فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا منهم إليها.
فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خالد الشاطر المعروف بابن مارقلى.
قال: والاندغار من ناحية كرمان مما يلى سجستان.(2/463)
كور الاهواز 935 - قالوا: غزا المغيرة بن شعبة سوق الاهواز في ولايته حين شخص
عتبة بن غزوان من البصرة في آخر سنة خمس عشرة أو أول سنة ست عشرة.
فقاتله البيرواز دهقانها، ثم صالحه على مال.
ثم إنه نكث، فغزاها أبو موسى الاشعري حين ولاه عمر بن الخطاب البصرة بعد المغيرة.
فافتتح سوق الاهواز عنوة، وفتح نهر تيرى عنوة، وولى ذلك بنفسه فس سنة سبع عشرة.
936 - وقال أبو مخنف والواقدى في روايتهما: قدم أبو موسى البصرة فاستكتب زيادا، وأتبعه عمر بن الخطاب بعمران بن الحصين الخزاعى وصيره على تعليم الناس الفقه والقرآن وخلافة أبى موسى إذا شخص عن البصرة.
فسار أبو موسى إلى الاهواز، فلم يزل يفتح رستاقا رستاقا، ونهرا نهرا، والاعاجم تهرب من بين يديه، فغلب على جميع أرضها إلا السوس وتستر ومناذر ورامهرمز.
937 - وحدثني الوليد بن صالح قال: حدثنى مرحوم العطار، عن أبيه، عن شويس العدوى قال: أتينا الاهواز وبها ناس من الزط والاساورة فقاتلناهم قتالا شديدا، فظهرنا عليهم وظفرنا بهم، فأصبنا سبيا كثيرا اقتسمناهم.
فكتب الينا عمر: إنه لا طاقة لكم بعمارة الارض فخلوا ما في أيديكم من السبى، واجعلوا عليهم الخراج.
فرددنا السبى ولم نملكهم.
938 - قالوا: وسار أبو موسى إلى مناذر فحاصر أهلها، فاشتد قتالهم.(2/464)
فكان المهاجر بن زياد الحارثى أخو الربيع بن زياد بن الديان في الجيش.
فأراد أن يشرى نفسه، وكان صائما، فقال الربيع لابي موسى: إن المهاجر عزم على أن يشرى نفسه وهو صائم.
فقال أبو موسى: عزمت على كل صائم أن يفطر أو لا يخرج إلى القتال.
فشرب المهاجر شربة ماء وقال: قد أبررت عزمة أميرى ! والله ما شربتها من عطش.
ثم راح السلاج فقاتل حتى استشهد،
وأخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه على قصرهم بين شرفتين.
وله يقول القائل: وفى مناذر لما جاش جمعهم * راح المهاجر في حل بأجمال والبيت بيت بنى الديان نعرفه * في آل مذحج مثل الجوهر الغالى واستخلف أبو موسى الاشعري الربيع بن زياد على مناذر وسار إلى السوس، (ص 377) ففتح الربيع مناذر عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية وصارت مناذر الكبرى والصغرى في أيدى المسلمين، فولاهما أبو موسى عاصم بن قيس بن الصلت السلمى.
وولى سوق الاهواز سمرة بن جندب الفزارى حليف الانصار.
وقال قوم: إن عمر كتب إلى أبى موسى وهو محاصر مناذر يأمره أن يخلف عليها ويسير إلى السوس، فخلف الربيع بن زياد.
939 - حدثنى سعدويه قال: حدثنا شريك، عن أبى اسحاق، عن المهلب بن أبى صفرة قال: حاصرنا مناذر فأصبنا سبيا فكتب عمر: إن مناذر كقرية من قرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم.
940 - قالوا: وسار أبو موسى إلى السوس فقاتل أهلها، ثم حاصرهم(2/465)
حتى نفد ما عندهم من الطعام، فضرعوا إلى الامان.
وسأل مرزبانهم أن يؤمن ثمانون منهم على أن يفتح باب المدينة ويسلمها.
فسمى الثمانين، وأخرج نفسه منهم.
فأمر به أبو موسى فضربت عنقه، ولم يعرض للثمانين، وقتل من سواهم من المقاتلة، وأخذ الاموال وسبى الذرية.
ورأى أبو موسى في قلعتهم بيتا وعليه ستر، فسأل عنه فقيل: إن فيه جثة دانيال النبي، عليه السلام، وعلى أنبياء الله ورسله، فإنهم كانوا أقحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم
ليستسقوا به ففعلوا.
وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به بابل، فقبض بها.
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر.
فكتب إليه عمر: أن كفنه وادفنه.
فسكر أبو موسى نهرا حتى إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه.
941 - حدثنى أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن حميد الطويل، عن حبيب، عن خالد بن زيد المزني، وكانت عينه أصيبت بالسوس قال: حاصرنا مدينتها وأميرنا أبو موسى، فلقينا جهدا.
ثم صالحه (ص 378) دهقانها على أن يفتح له المدينة ويؤمن له مئة من أهله، ففعل وأخذ عهد أبى موسى.
فقال له: اعزلهم.
فجعل يعزلهم، وأبو موسى يقول لاصحابه: إنى لارجو أن يغلبه الله على نفسه.
فعزل المئة وبقى عدو الله.
فأمر به أبو موسى أن يقتل.
فنادى: رويدك أعطيك مالا كثيرا ! فأبى وضرب عنقه 942 - قالوا: وهادن أبو موسى أهل رامهرمز، ثم انقضت هدنتهم فوجه إليهم أبا مريم الحنفي فصالحهم على ثمانى مئة ألف درهم(2/466)
942 - حدثنى روح بن عبد المؤمن قال: حدثنى يعقوب، عن أبى عاصم الرامهرمزى، وكان قد بلغ المئة أو قاربها قال: صالح أبو موسى أهل رامهرمز على ثمانى مئة ألف أو تسع مئة ألف.
ثم إنهم غدروا، ففتحت بعد عنوة، فتحها أبو موسى في آخر أيامه.
943 - قالوا: وفتح أبو موسى سرق على مثل صلح رامهرمز.
ثم إنهم غدروا، فوجه إليها حارثة بن بدر الغدانى في جيش كثيف فلم يفتحها.
فلما قدم عبد الله بن عامر فتحها عنوة.
وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك.
وفيه يقول أبو الاسود الدؤلى.
أحار بن بدر قد وليت أمارة * فكن جرذا فيها تخون وتسرق فإن جميع الناس إما مكذب * يقول بما تهوى وإما مصدق يقولون أقوالا بظن وشبهة * فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا ولا تعجزن فالعجز أسوأ عادة * فحظك من مال العراقين سرق فلما بلغ الشعر حارثة قال: (ص 379).
جزاك إله الناس خير جزائه * فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا أمرت بحزم لو أمرت بغيره * لالفيتنى فيه لامرك عاصيا 944 - قالوا: وسار أبو موسى إلى تستر وبها شوكة العدو وحدهم.
فكتب إلى عمر يستمده.
فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره بالمسير إليه في أهل الكوفة.
فقدم عمار جرير بن عبد الله البجلى وسار حتى أتى تستر، وعلى ميمنته - يعنى ميمنة أبى موسى - البراء بن مالك، أخو أنس بن مالك،(2/467)
وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسى، وعلى الخيل أنس بن مالك، وعلى ميمنة عمار البراء بن عازب الانصاري، وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسى، وعلى خيله قرظة بن كعب الانصاري، وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني فقاتلهم أهل تستر قتالا شديدا.
وحمل أهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر.
فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد رحمه الله، ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال، وقد قتل منهم في المعركة تسع مئة ضربت أعناقهم بعد.
وكان الهرمزان من أهل مهر جانقذف، وقد حضر وقعة جلولاء مع الاعاجم.
ثم إن رجلا من الاعاجم استأمن إلى المسلمين على أن يدلهم على عورة المشركين.
فأسلم، واشترط أن يفرض لولده ويفرض له.
فعاقده أبو موسى على
ذلك، ووجه معه رجلا من شيبان يقال له أشرس بن عوف فخاض به دجيل على عرق من حجارة، ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان، ثم رده إلى العسكر.
فندب أبو موسى أربعين رجلا مع مجزأة بن ثور وأتبعهم مائتي رجل، وذلك في الليل، والمستأمن يقدمهم.
فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس، وكبروا على سور المدينة.
فلما سمع الهرمزان هرب إلى قلعته، وكانت موضع خزانته وأمواله.
وعبر أبو موسى (ص 380) حين أصبح حتى دخل المدينة فاحتوى عليها.
وقال الهرمزان: ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وإدبار أمرنا.
وجعل الرجل من الاعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل خوفا من أن يظفر بهم العرب.
وطلب الهرمزان الامان وأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك، إلا على حكم عمر.
فنزل على ذلك.
وقتل أبو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له، وحمل الهرمزان إلى عمر فاستحياه، وفرض له.
ثم إنه اتهم بممالاة أبى لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة على قتل عمر رضى الله عنه،(2/468)
فقال عبيد الله بن عمر: امض بنا ننظر إلى فرس لى.
فمضى وعبيد الله خلفه، فضربه بالسيف وهو غافل فقتله.
945 - حدثنا أبو عبيدة قال: ثنا مروان بن معاوية، عن حميد، عن أنس قال: حاصرنا تستر، فنزل الهرمزان فكنت الذى أتيت به إلى عمر، بعث بى أبو موسى.
فقال له عمر: تكلم.
فقال: أكلام حى أم كلام ميت ؟ فقال: تكلم لا بأس.
فقال الهرمزان: كنا معشر العجم ما خلى الله بيننا وبينكم نقصيكم ونقتلكم.
فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان.
فقال عمر: ما تقول يا أنس ؟ قلت: تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا كلبا.
فإن قتلته يئس القوم من الحياة فكان أشد لشوكتهم، وإن استحييته طمع القوم في الحياة.
فقال عمر: يا أنس ! سبحان الله.
قاتل البرآء بن مالك ومجزأة بن ثور السدوسى.
قلت: فليس لك إلى قتله سبيل.
قال: ولم ؟ أعطاءك أصبت منه ؟ قلت: لا، ولكنك قلت له: لا بأس.
فقال: متى ؟ لتجيئن معك بمن شهد، وإلا بدأت بعقوبتك.
قال: فخرجت من عنده فإذا الزبير بن العوام قد حفظ الذى حفظت.
فشهد لى.
فخلى سبيل الهرمزان.
فأسلم وفرض له عمر.(2/469)
946 - وحدثني اسحاق بن أبى اسرائيل قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء الخرساني قال: كفيتك أن تستر كانت صلحا فكفرت.
فسار (ص 381) إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرارى، فلم يزالو في أيدى سادتهم حتى كتب عمر: خلوا ما في أيديكم.
قال: وسار أبو موسى إلى جند يسابور وأهلها منخوبون، فطلبوا الامان، فصالحهم على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه، ولا يعرض لاموالهم، سوى السلاح.
ثم إن طائفة من أهلها توجهوا إلى الكلبانية، فوجه إليهم أبو موسى الربيع بن زياد فقتلهم، وفتح الكلبانية.
واستأمنت الاساورة فآمنهم أبو موسى فأسلموا.
ويقال إنهم استأمنوا قبل ذلك، فلحقوا بأبى موسى وشهدوا تستر.
والله أعلم.
947 - وحدثني عمر بن حفص العمرى، عن أبى حذيفة، عن أبى الاشهب، عن أبى رجاء قال: فتح الربيع بن زياد الثيبان من قبل أبى موسى عنوة.
ثم غدروا ففتحها منجوف بن ثور السدوسى.
قال: وكان مما فتح عبد الله بن عامر سنبيل والزط.
وكان أهلهما قد كفروا.
فاجتمع إليهم أكراد من هذه الاكراد.
وفتح أيذج بعد قتال شديد.
وفتح أبو موسى السوس وتستر ودورق عنوة.
وقال المدائني.
فتح ثابت بن ذى الحرة الحميرى قلعة ذى الرناق.(2/470)
948 - حدثنى المدائني، عن أشياخه، وعمر بن شبة، عن مجالد بن يحيى أن مصعب بن الزبير ولى مطرف بن سيدان الباهلى أحد بنى جئآوة شرطته في بعض أيام ولايته العراق لاخيه عبد الله بن الزبير.
فأتى مطرف بالنابى بن زياد بن ظبيان، أحد بنى عائش بن مالك بن تيم الله ابن ثعلبة بن عكابة، وبرجل من بنى نمير قطعا الطريق، فقتل النابى وضرب النميري بالسياط وتركه.
فلما عزل مطرف عن الشرطة وولى (ص 382) الاهواز جمع عبيدالله بن زياد بن ظبيان له جمعا وخرج يريده.
فالتقيا، فتواقفا وبينهما نهر، فعبر مطرف بن سيدان، فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله.
فبعث مصعب مكرم بن مطرف في طلبه.
فسار حتى صار إلى الموضع الذى يعرف اليوم بعسكر مكرم، فلم يلق ابن ظبيان.
ولحق ابن ظبيان بعبد الملك بن مروان، وقاتل معه مصعبا، فقتله واحتز رأسه.
ونسب عسكر مكرم إلى
مكرم بن مطرف هذا.
قال البعيث السكرى.
سقينا ابن سيدان بكأس روية * كفتنا وخير الامر ما كان كافيا ويقال أيضا إن عسكر مكرم إنما نسب إلى مكرم بن الفزر أحد بنى جعونة بن الحارث بن نمير.
وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بن باس حين عصى ولحق بأيذج وتحصن في قلعة تعرف به.
فلما طال عليه الحصار نزل مستخفيا متنكرا ليلحق بعبد الملك.
فظفر به مكرم ومعه درتان في قلنسوته، فأخذه وبعث به إلى الحجاج فضرب عنقه.
949 - وذكروا أنه كانت عند عسكر مكرم قرية قديمة وصل بها(2/471)
البناء بعد، ثم لم يزل يزاد فيه حتى كثر.
فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم وهو اليوم مصر جامع.
950 - وحدثني أبو مسعود، عن عوانة قال: ولى عبد الله بن الزبير البصرة حمزة بن عبد الله بن الزبير.
فخرج إلى الاهواز، فلما رأى جبلها قال: كأنه قعيقعان.
951 - وقال الثوري: الاهواز سمى بالفارسية هوز مسير.
وإنما سميت الاخواز فغيرها الناس فقالوا: الاهواز.
وأنشد لاعرابي: لا ترجعني إلى الاخواز ثانية * وقعقعان الذى في جانب السوق ونهر بط الذى أمسى يؤرقني * فيه البعوض بلسب غير تشفيق (ص 383) فما الذى وعدته نفسه طمعا * من الحصينى أو عمرو بمصدوق وقال: نهر البط نهر كانت عنده مراع للبط، فقالت العامة.
نهر بط، كما قالوا: دار بطيخ.
وسمعت من يقول: إن النهر كان لامرأة تسمى البطئة، فنسب إليها ثم حذف.
952 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: افتتح عمر السواد والاهواز عنوة.
فسئل عمر قسمة(2/472)
ذلك.
فقال: فما لمن جاء من المسلمين بعدنا ؟ فأقرهم على منزلة أهل الذمة.
953 - وحدثني المدائني، عن على بن حماد وسحيم بن حفص وغيرهما قالوا: قال أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق كلمة رفع فيها على عمال الاهواز وغيرهم إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فأنت أمين الله في النهى والامر وأنت أمين الله فينا ومن يكن * أمينا لرب العرش يسلم له صدري فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى * يسيغون مال الله في الادم الوفر فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه * وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر ولا تنسين النافعين كليهما * ولا ابن غلاب من سراة بنى نصر وما عاصم منها بصفر عيابه * وذاك الذى في السوق مولى بنى بدر وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه * وصهر بنى غزوان إنى لذو خبر وشبلا فسله المال وابن محرش * فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر فقاسمهم أهلى فداؤك إنهم * سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر ولا تدعوني للشهادة إننى * أغيب ولكني أرى عجب الدهر نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا * فأنى لهم وفر ولسنا أولى وفر إذا التاجر الدارى جاء بفارة * من المسك راحت في مفارقهم تجرى
(ص 384).(2/473)
فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم، حتى أخذ نعلا وترك نعلا.
وكان فيهم أبو بكرة فقال: إنى لم أل لك شيئا.
فقال له: أخوك على بيت المال وعشور الابلة وهو يعطيك المال تتجر به.
فأخذ منه عشرة آلاف.
ويقال: قاسمه شطر ماله.
وقال: الحجاج الذى ذكره الحجاج بن عتيك الثقفى، وكان على الفرات.
وجزء بن معاوية عم الاحنف كان على سرق.
وبشر بن المحتفز كان على جند يسابور.
والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة أخوه.
وابن غلاب خالد بن الحارث من بنى دهمان كان على بيت المال بإصبهان.
وعاصم بن قيس بن الصلت السلمى كان على مناذر.
والذى في السوق سمرة بن جندب على سوق الاهواز.
والنعمان بن عدى بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان أحد بنى عدى بن كعب بن لؤى، كان على كور دجلة.
وهو الذى يقول: من مبلغ الحسناء أن خليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية * وصناجة تجذو على كل منسم لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا بالجوسق المتهدم فلما بلغ عمر شعره قال: أي والله إنه ليسوءني ذلك.
وعزله.
وصهر بنى غزوان مجاشع بن مسعود السلمى.
كانت عنده بنت عتبة بن غزوان.
وكان على أرض البصرة وصدقاتها.
وشبل بن معبد البجلى ثم الاحمسي كان على قبض المغانم.(2/474)
وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز.
قال (ص 385) عوسجة بن زياد الكاتب: أقطع الرشيد أمير المؤمنين عبيد الله بن المهدى مزارعة أرض الاهواز.
فدخل فيها شبهة، فرفع في ذلك قوم إلى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها، فما لم تكن فيه شبهة أنفذ، وما شك فيه سمى المشكوك فيه.
وذلك معروف بالاهواز.(2/475)
كور فارس وكرمان 954 - قالوا: كان العلاء بن الحضرمي، وهو عامل عمر بن الخطاب على البحرين، وجه هرثمة بن عرفجة البارقى، من الازد، ففتح جزيرة في البحر مما يلى فارس.
ثم كتب عمر إلى العلاء أن يمد به عتبة بن فرقد السلمى ففعل.
ثم ولى عمر عثمان بن أبى العاصى الثقفى البحرين وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلهما، وجه أخاه الحكم بن أبى العاصى في البحر إلى فارس، في جيش عظيم من عبد القيس والازد وتميم وبنى ناجية وغيرهم، ففتح جزيرة ابركاوان.
ثم صار إلى توج، وهى من أرض أردشير خره ومعنى اردشير خرة بهاء أردشير وفى رواية أبى مخنف أن عثمان بن أبى العاصى نفسه قطع البحر إلى فارس، فنزل توج ففتحها، وبنى بها المساجد، وجعلها دارا للمسلمين، وأسكنها عبد القيس وغيرهم.
فكان يغير منها على أرجان وهى متاخمة لها.
ثم إنه شخص عن فارس إلى عمان والبحرين لكتاب عمر إليه في ذلك، واستخلف أخاه الحكم.
وقال غير أبى مخنف: إن الحكم فتح توج وأنزلها المسلمين من عبد القيس وغيرهم سنة تسع عشرة.
955 - وقالوا: إن شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من قدوم العرب فارس، واشتد عليه، وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم على(2/476)
كل من لقوه من عدوهم.
فجمع جمعا (ص 386) عظيما وسار بنفسه حتى أتى راشهر من أرض سابور، وهى بقرب توج، فخرج إليه الحكم بن أبي العاصى وعلى مقدمته سوار بن همام العبدى.
فاقتتلوا قتالا شديدا.
وهناك واد قد وكل به شهرك رجلا من نقابه في جماعة، وأمره أن لا يجتازه هارب من أصحابه إلا قتله.
فأقبل رجل من شجعاء الاساورة موليا من المعركة.
فأراد الرجل قتله.
فقال له: لا تقتلني فإنما نقاتل قوما منصورين، الله معهم.
ووضع حجرا فرماه ففلقه، ثم قال: أترى هذا السهم الذى فلق الحجر ؟ والله ما كان ليخدش بعضهم لو رمى به.
قال: لا بد من قتلك.
فبينا هو في ذلك إذ أتاه الخبر بقتل شهرك.
وكان الذى قتله سوار ابن همام العبدى، حمل عليه فطعنه فأذراه عن فرسه، وضربه بسيفه حتى فاظت نفسه.
وحمل ابن شهرك على سوار فقتله، وهزم الله المشركين، وفتحت راشهر عنوة، وكان يومها، في صعوبته وعظيم النعمة على المسلمين فيه، كيوم القادسية.
وتوجه بالفتح إلى عمر بن الخطاب عمرو بن الاهتم التيمى، فقال: جئت الامام بإسراع لاخبره * بالحق من خبر العبدى سوار أخبار أروع ميمون نقيبته * مستعمل في سبيل الله مغوار وقال بعض أهل توج: إن توج مصرت بعد مقتل شهرك.
والله أعلم.
956 - قالوا: ثم إن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كتب إلى عثمان
ابن أبى العاصى في إتيان فارس.
فخلف على عمله أخاه المغيرة ويقال: هو حفص ابن أبي العاصى.
وكان جزلا.
وقدم توج فنزلها.
فكان يغزو منها ثم يعود إليها.
وكتب عمر إلى أبى موسى وهو بالبصرة يأمره أن يكانف عثمان بن أبى(2/477)
العاصى (ص 387) ويعاونه.
فكان يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها.
وبعث عثمان بن أبى العاصى هرم بن حيان العبدى إلى قلعة يقال لها شبير ففتحها عنوة بعد حصار وقتال.
وقال بعضهم: فتح هرم قلعة الستوج عنوة، وأتى عثمان خره من سابور ففتحها وأرضها، بعد أن قاتله أهلها، صلحا على أدآء الجزية والخراج ونصح المسلمين.
وفتح عثمان بن أبى العاصى كازرون من سابور وغلب على أرضها.
وفتح عثمان النوبندجان من سابور أيضا وغلب عليها.
واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبى العاصى في آخر خلافة عمر، رضى الله عنه، ففتحا أرجان صلحا على الجزية والخراج.
وفتحا شيراز وهى من أرض أردشير خره على أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج، إلا من أحب منهم الجلاء، ولا يقتلوا ولا يستعبدوا.
وفتحا سينيز من أرض أردشير خره، وترك أهلها عمارا للارض.
وفتح عثمان حصن جنابا بأمان.
وأتى عثمان بن أبى العاصى درابجرد، وكانت شادروان علمهم ودينهم، وعليها الهربذ، فصالحه الهربذ على مال أعطاه إياه، وعلى أن أهل درابجرد كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس.
واجتمع له جمع بناحية جهرم ففضهم، وفتح أرض جهرم.
وأتى عثمان فسا، فصالحه عظيمها على مثل صلح درابجرد.
ويقال أن الهربذ صالح عنها أيضا.
وأتى عثمان بن أبى العاصى مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال في سنة أربع وعشرين، قبل أن تأتي أبا موسى ولايته البصرة من قبل عثمان(2/478)
ابن عفان، فوجد أهلها هائبين للمسلمين.
ورأى أخو شهرك في منامه كأن رجلا من العرب دخل عليه فسلبه قميصه.
فنخب ذلك قلبه، فامتنع قليلا ثم طلب الامان والصلح.
فصالحه عثمان على أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه، وعلى أن تكون له ذمة، ويعجل مالا.
ثم إن أهل سابور نقضوا (ص 388) وغدروا.
ففتحت في سنة ست وعشرين عنوة، فتحها أبو موسى، وعلى مقدمته عثمان بن أبى العاصى.
957 - وقال معمر بن المثنى، وغيره: كان عمر بن الخطاب أمر أن يوجه الجارود العبدى سنة اثنتين وعشرين إلى قلاع فارس.
فلما كان بين خره وشيراز تخلف عن أصحابه في عقبة هناك سحرا لحاجته، ومعه اداوة، فأحاطت به جماعة من الاكراد فقتلوه.
فسميت تلك العقبة عقبة الجارود.
958 - قالوا: ولما ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة من قبل عثمان ابن عفان بعد أبى موسى الاشعري، سار إلى اصطخر في سنة ثمان وعشرين، فصالحه ماهك عن أهلها.
ثم خرج يريد جور، فلما فارقها نكثوا وقتلوا عامله عليهم.
ثم لما فتح جور كر عليهم ففتحها.
959 - قالوا: وكان هرم بن حيان مقيما على جور.
وهى مدينة اردشير خره.
وكان المسلمون يعانونها ثم ينصرفون عنها، فيعانون اصطخر، ويغزون نواحى
كانت تنتقض عليهم.
فلماذا نزل ابن عامر بها قاتلوه، ثم تحصنوا، ففتحها بالسيف عنوة، وذلك في سنة تسع وعشرين.
وفتح ابن عامر أيضا الكاريان وفشجاتن، وهى الفيشجان من درابجرد، ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ، وانتقضتا.(2/479)
960 - وحدثني جماعة من اهل العلم أن جور غزيت عدة سنين، فلم يقدر عليها، حتى فتحها ابن عامر.
وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلى ذات ليلة، وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم، فجاء كلب فجره وعدا به، حتى دخل المدينة من مدخل لها خفى، فألظ المسلمون بذلك المدخل حتى دخلوا منه وفتحوها.
961 - قالوا: ولما فرغ عبد الله بن عامر من فتح جور، كر على أهل اصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد ورمى بالمجانيق.
وقتل بها من الاعاجم أربعين ألفا، وأفنى أكثر (ص 389) أهل البيوتات ووجوه الاساورة، وكانوا قد لجأوا إليها.
وبعض الرواة يقول: إن ابن عامر رجع إلى اصطخر حين بلغه نكثهم ففتحها.
ثم صار إلى جور وعلى مقدمته هرم بن حيان ففتحها.
962 - وروى الحسن بن عثمان الزيادي أن أهل اصطخر غدروا في ولاية عبد الله بن عباس رضى الله عنهما العراق لعلى رضى الله عنه ففتحها.
963 - وحدثني العباس بن هشام، عن أبيه، عن أبى مخنف قال: توجه ابن عامر إلى اصطخر، ووجه على مقدمته عبيدالله بن معمر التيمى.
فاستقبله أهل اصطخر برامجرد فقاتلهم، فقتلوه، فدفن في بستان برامجرد.
وبلغ ابن عامر الخبر فأقبل مسرعا حتى واقعهم،
وعلى ميمنته أبو برزة نضلة بن عبد الله الاسلمي، وعلى ميسرته معقل بن يسار المزني، وعلى الخيل عمران بن الحصين الخزاعى، وعلى الرجال خالد بن المعمر الذهلى.
فقاتلهم فهزمهم، حتى أدخلهم اصطخر.
وفتحها الله عنوة فقتل فيها(2/480)
نحوا من مئة الف.
وأتى درابجرد ففتحها، وكانت منتقضة، ثم وجه إلى كرمان.
964 - حدثنى عمر الناقد قال: ثنا مروان بن معاوية الفزارى، عن عاصم الاحول، عن فضيل بن زيد الرقاشى قال: حاصرنا شهرياج شهرا جرارا، وكنا ظننا أنا سنفتحها في يومنا، فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إلى معسكرنا، وتخلف عبد مملوك منافرا ظنوه.
فكتب لهم أمانا ورمى به إليهم في سهم.
قال: فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم فقالوا: هذا أمانكم ! فكتبنا بذلك إلى عمر.
فكتب الينا: إن العبد المسلم من المسلمين ذمته كذمتهم، فلينفذ أمانه.
فأنفذناه.
965 - وحدثني القاسم بن سلام قال: ثنا أبو النضر، عن شعبة، عن عاصم، عن الفضيل قال: كنا مصافي العدو بسيراف.
ثم ذكر نحو ذلك.
966 - وحدثنا سعدوية قال: ثنا عباد بن العوام، عن عاصم الاحوال، عن (ص 390) الفضيل بن زيد الرقاشى قال: حاصر المسلمون حصنا.
فكتب عبد أمانا ورمى به إليهم في مشقص.
فقال المسلمون: ليس أمانه بشئ.
فقال القوم: لسنا نعرف الحر من العبد.
فكتب بذلك إلى عمر.
فكتب: إن عبد المسلمين منهم، ذمته ذمتهم.
967 - وأخبرني بعض أهل فارس أن حصن سيراف يدعى سوريانج.
فسمته العرب شهرياج.
وبفسا قلعة تعرف بخرشة بن مسعود من بنى تميم، ثم من بنى شرقة،
كان مع ابن الاشعث فتحصن في هذه القلعة، ثم أو من فمات بواسط.
له عقب بفسا.(2/481)
كرمان 968 - وأما كرمان فإن عثمان بن أبى العاصى الثقفى لقى مرزبانها في جزيرة ابركاوان وهو في خف، فقتله.
فوهن أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم.
فلما صار ابن عامر إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمى إلى كرمان في طلب يزدجرد.
فأتى بيمند.
فهلك جيشه بها.
ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعا كرمان.
ففتح بيمند عنوة واستبقى أهلها، وأعطاهم أمانا.
وبها قصر يعرف بقصر مجاشع.
وفتح مجاشع بروخروة، وأتى الشيرجان وهى مدينة كرمان، وأقام عليها اياما يسيرة، أهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل، فقاتلهم، ففتحها عنوة وخلف بها رجلا، ثم إن كثيرا من أهلها جلوا عنها.
وقد كان أبو موسى الاشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان، وصالح أهل بم والاندغار.
فكر أهلها ونكثوا.
فافتتحها مجامع بن مسعود.
وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوخها.
واتى القفص وتجمع له بهرموز (ص 391) خلق ممن جلا من الاعاجم فقاتلهم، فظفر بهم وظهر عليهم.
وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر، ولحق بعضهم بمكران، وأتي بعضهم سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وأرضهم، فعمروها وأدوا العشر فيها، واحتفروا القنى في مواضع منها.
وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو(2/482)
الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على إجازته فقال: من جاز فله ألف درهم.
فجازوه، فوفى لهم.
فكان ذلك أولى يوم سميت الجائزة فيه.
قال الشاعر وهو الجحاف بن حكيم: فدى للاكرمين بنى هلال * على علاتهم أهلى ومالى هم سنوا الجوائز في معد * فصارت سنة أخرى الليالى رماحهم تزيد على ثمان * وعشر حين تختلف العوالي وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفى قطن يقول الشاعر: كم من أمير قد أصبت حباه ء * وآخر حظى من إمارته الحزن فهل قطن إلا كمن كان قبله * فصبرا على ما جاء يوما به قطن 969 - قالوا: وكان ابن زياد ولى شريك بن الاعور الحارثى، وهو شريك بن الحارث، كرمان.
وكتب يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الحميرى إليه فأقطعه أرضا بكرمان، فباعها بعد هرب ابن زياد من البصرة.
وولى الحجاج الحكم بن نهيك الهجيمى كرمان بعد أن كان ولاه فارس.
فبنى مسجد أرجان ودار إمارتها.(2/483)
سجستان وكابل 970 - حدثنى على بن محمد وغيره: أن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس توجه يريد خراسان سنة ثلاثين.
فنزل بعسكره (ص 392) شق الشيرجان من كرمان.
ووجه الربيع بن زياد ابن أنس بن الديان الحارثى إلى سجستان، فسار حتى نزل الفهرج.
ثم قطع المفازة، وهى خمسة وسبعون فرسخا، فأتى رستاق زالق، وبين زالق وبين سجستان
خمسة فراسخ، وزالق حصن.
فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه، فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثم غمرها ذهبا وفضة، وصالح الدهقان على حقن دمه.
971 - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: صالحه على أن يكون بلده كبعض ما افتتح من بلاد فارس وكرمان.
ثم أتى قرية يقال لها كركويه، على خمسة أميال من زالق، فصالحوه ولم يقاتلوه.
ثم نزل رستاقا يقال له هيسون، فأقام له أهله النزل وصالحوه على غير قتال.
ثم أتى زالق وأخذ الادلاء منها إلى زرنج، وسار حتى نزل الهند مند، وعبر واديا ينزع منه يقال له نوق.
وأتى زوشت وهى من زرنج على ثلثى ميل.
فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالا شديدا، وأصيب رجال من المسلمين.
ثم كر المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة، بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة.(2/484)
ثم أتي الربيع ناشروذ، وهى قرية.
فقاتل أهلها وظفر بهم.
وأصاب بها عبد الرحمن أبا صالح بن عبد الرحمن الذى كتب للحجاج مكان زدا نفروخ ابن نيري، وولى خراج العراق لسليمان بن عبد الملك وأمه.
فاشترته امرأة من ابن تميم ثم من بنى مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد ابن تميم، يقال لها عبلة.
ثم مضى من ناشروذ إلى شرواذ، وهى قرية.
فغلب عليها وأصاب بها جد ابراهيم بن بسام، فصار لابن عمير الليثى.
ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتله أهلها.
فبعث إليه برويز مرزبانها (ص 393) يستأمنه ليصالحه.
فأمر بجسد من أجساد القتلى فوضع له.
فجلس
عليه واتكأ على آخر، وأجلس أصحابه على أجساد القتلى.
وكان الربيع آدم أفوه طويلا، فلما رآه المرزبان هاله، فصالحه على ألف وصيف، مع كل وصيف جام من ذهب.
ودخل الربيع المدينة.
ثم أتى سناروذ، وهو واد، فعبره، وأتى القريتين.
وهناك مربط فرس رستم، فقاتلوه فظفر.
ثم قدم زرنج فأقام بها سنتين.
ثم أتى ابن عامر واستخلف بها رجلا من بنى الحارث بن كعب، فأخرجوه وأغلقوها.
وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفا.
وسبى في ولايته هذه أربعين ألف رأس.
وكان كاتبه الحسن البصري.
ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس سجستان.
فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في يوم عيد لهم، فصالحه على ألفى ألف(2/485)
درهم، وألفى وصيف.
وغلب ابن سمرة على ما بين زرنج وكش من ناحية الهند.
وغلب من ناحية طريق الرخج على ما بينه وبين بلاد الداور.
فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور، ثم صالحهم، فكانت عدة من معه من المسلمين ثمانية آلاف.
فأصاب كل رجل منهم أربعة آلاف.
ودخل على الزور، وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان.
فقطع يده وأخذ الياقوتتين.
ثم قال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع.
وفتح بست وزابل بعهد.
972 - حدثنى الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن زيد، عن يحيى
ابن عتيق، عن محمد بن سيرين أنه كره سبى زابل وقال: إن عثمان ولث لهم ولثا.
قال وكيع: عقد لهم عقدا، وهو دون العهد.
973 - قالوا: وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها، حتى اضطرب أمر عثمان.
ثم استخلف أمير بن أحمر اليشكرى وانصرف من سجستان.
ولامير يقول زياد الاعجم: لولا أمير هلكت يشكر * ويشكر هلكى على كل حال ثم إن أهل زرنج أخرجوا أميرا واغلقوها.
ولما فرغ على بن أبى طالب عليه السلام من أمر الجمل خرج حسكة(2/486)
ابن عتاب الحبطى وعمران بن الفصيل البرجمى في صعاليك من العرب حتى نزلوا زالق، وقد نكث أهلها.
فأصابوا منها مالا، وأخذوا جد البخترى الاصم ابن مجاهد مولى شيبان.
ثم أتو زرنخ وقد خافهم مرزبانها فصالحهم، ودخلوها وقال الراجز.
بشر سجستان بجوع وحرب بابن الفصيل وصعاليك العرب * لا فضة يغنيهم ولا ذهب وبعث على بن أبى طالب عبد الرحمن بن جزء الطائى إلى سجستان فقتله حسكة.
فقال على: لاقتلن من الحبطات أربعة آلاف.
فقيل له: إن الحبطات لا يكونون خمس مئة.
974 - وقال أبو مخنف: وبعث على رضى الله عنه عون بن جعدة ابن هبيرة المخزومى إلى سجستان.
فقتله بهدالى اللص الطائى في طريق العراق.
فكتب على إلى عبد الله بن العباس يأمره أن يولى سجستان رجلا في أربعة
آلاف.
فوجه ربعى بن الكاس العنبري في أربعة آلاف.
وخرج معه الحصين بن أبى الحر - وأسم أبى الحر مالك بن الخشخاش العنبري - وثات بن ذى الحرة الحميرى.
وكان على مقدمته.
فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة فقتلوه.
وضبط ربعى البلاد.
فقال راجزهم: (ص 397) نحن الذين اقتحموا سجستان على ابن عتاب وجند الشيطان * يقدمنا الماجد عبد الرحمان إنا وجدنا في منير الفرقان * أن لا نوالى شيعة ابن عفان(2/487)
وكان ثات يسمى عبد الرحمن.
وكان فيروز حصين ينسب إلى حصين بن أبى الحر.
وهذا هو من سبى سجستان.
ثم لما ولى معاوية بن أبى سفيان استعمل ابن عامر على البصرة.
فولى عبد الرحمن بن سمرة سجستان.
فأتاها وعلى شرطته عباد بن الحصين الحبطى ومعه من الاشراف عمر بن عبيد الله بن معمر التيمى، وعبد الله بن خازم السلمى، وقطري بن الفجاءة، والمهلب بن أبى صفرة.
فكان يغزو البلد قد كفر أهله فيفتحه عنوة أو يصالح أهله، حتى بلغ كابل.
فلما صار إليها نزل بها فحاصر أهلها أشهرا، وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق، حتى ثلمت ثلمة عظيمة، فبات عليها عباد بن الحصين ليلة يطاعن المشركين، حتى أصبح، فلم يقدروا على سدها.
وقاتل ابن خازم معه عليها.
فلما أصبح الكفرة خرجوا يقاتلون المسلمين.
فضرب ابن خازم فيلا كان معهم فسقط على الباب الذى خرجوا منه، فلم يقدروا على غلقه، فدخلها المسلمون عنوة.
وقال أبو مخنف: الذى عقر الفيل المهلب.
وكان الحسن البصري يقول: ما ظننت أن رجلا يقوم مقام ألف حتى رأيت عباد بن الحصين.
975 - قالوا: ووجه عبد الرحمن بن سمرة ببشارة الفتح عمر بن عبيد الله بن معمر، والمهلب بن أبى صفرة.
ثم خرج عبد الرحمن فقطع وادى نسل.
ثم أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة.
وسار إلى رزان فهرب أهلها، وغلب عليها.
ثم سار إلى خشك فصالحه أهلها.(2/488)
ثم اتى الرخج فقاتلوه، فظفر بهم وفتحها.
ثم سار إلى ذا بلستان، فقاتلوه وقد كانوا نكثوا، ففتحها وأصاب سبيا.
وأتى كابل، وقد (ص 396) نكث أهلها ففتحها.
ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن سمرة سجستان من قبله، وبعث إليه بعهده، فلم يزل عليها حتى قدم زياد البصرة، فأقره أشهرا، ثم ولاها الربيع بن زياد.
ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين، وصلى عليه زياد.
وهو الذى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسأل الامارة، فإنك إن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها.
وإذا حلفت على يمين فرأيت خيرا منها فأت الذى هو خير وكفره عن يمينك ".
وكان عبد الرحمن قدم بغلمان من سبى كابل فعملوا له مسجدا في قصره بالبصرة على بناء كابل.
976 - قالوا: ثم جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل.
وجاء رتبيل فغلب على ذا بلستان والرخج، حتى انتهى إلى بست.
فخرج الربيع بن زياد في الناس، فقاتل رتبيل ببست وهزمه، وأتبعه حتى أتى الرخج، فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور.
ثم عزل زياد بن أبى سفيان الربيع بن زياد الحارثى وولى عبيد الله بن أبى بكرة سجستان.
فغزا، فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن بلاده وبلاد كابل على ألف ألف ومائتي ألف.
فأجابه إلى ذلك.
وسأله أن يهب له مائتي ألف ففعل.
فتم الصلح على ألف ألف درهم.
ووفد عبيد الله على زياد فأعلمه ذلك.
فأمضى الصلح.(2/489)
ثم رجع عبيدالله بن أبى بكرة إلى سجستان فأقام بها إلى أن مات زياد.
وولى سجستان بعد موت زياد عباد بن زياد من قبل معاوية.
ثم لما ولى يزيد بن معاوية ولى سلم بن زياد خراسان وسجستان.
فولى سلم أخاه يزيد بن زياد سجستان.
فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر أهل كابل ونكثوا وأسروا أبا عبيدة بن زياد.
فسار إليهم يزيد بن زياد فقاتلهم، وهم بجنزة، فقتل يزيد (ص 397) بن زياد وكثير ممن كان معه وانهزم سائر الناس.
وكان فيمن استشهد زيد بن عبد الله بن أبى مليكة بن عبد الله بن جدعان القرشى، وصلة بن أشيم أبو الصهباء العدوى، زوج معاذة العدوية.
فبعث سلم بن طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعى، الذى يعرف بطلحة الطحات، ففدى أبا عبيدة بخمس مئة ألف درهم.
وسار طلحة من كابل إلى سجستان واليا عليها من قبل سلم بن زياد.
فجبى وأعطى زواره، ومات بسجستان.
واستخلف رجلا من بنى يشكر، فأخرجته المضرية، ووقعت العصبية، وغلب كل قوم على مدينتهم.
فطمع فيهم رتبيل.
ثم قدم عبد العزيز بن عبد الله بن عامر واليا على سجستان من قبل القباع، وهو الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى، في أيام ابن الزبير.
فأدخلوه مدينة زرنج، وحاربوا رتبيل، فقتله أبو عفراء عمير المازنى، وانهزم المشركون.
وأرسل عبد الله بن ناشرة التميمي إلى عبد العزيز: أن خذ جميع ما في بيت المال وانصرف.
ففعل.
وأقبل ابن ناشرة حتى دخل زرنج، ومضى وكيع ابن أبى سود التميمي، فرد عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين، وأخرج ابن ناشرة فجمع جمعا، فقاتله عبد العزيز بن عبد الله ومعه وكيع، فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل.(2/490)
فقال أبو حزابة، ويقال حنطلة ابن عرادة: ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى، * ولا شئ إلا قد تولى وأدبرا أكان حصادا للمنايا ازدر عنه * فهلا تركن النبت ما كان أخضرا فتى حنظلى ما تزال يمينه * تجود بمعروف وتنكر منكرا لعمري لقد هدت قريش عروشنا * بأروع نفاح العشيات أزهرا (ص 398) واستعمل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص على خراسان.
فوجه ابنه عبد الله بن أمية على سجستان، وعقد له عليها وهو بكرمان.
فلما قدمها غزا رتبيل الملك، بعد رتبيل الاول المقتول.
وقد كان هاب المسلمين.
فصالح عبد الله حين نزل بست على ألف ألف.
ففعل وبعث إليه بهدايا ورقيق، فأبى قبول ذلك وقال: إن ملالى هذا الرواق ذهبا وإلا فلا صلح بينى وبينه.
وكان غزاء فخلى له رتبيل البلاد، حتى إذا أوغل فيها أخذ عليه الشعاب والمضايق.
وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم شيئا.
فأبى ذلك وقال: بل تأخذ ثلاث مئة ألف درهم صلحا، وتكتب لنا بها كتابا، ولا تغزو بلادنا ما كنت واليا، ولا تحرق، ولا تخرب.
ففعل وبلغ عبد الملك بن مروان ذلك فعزله.
ثم لما ولى الحجاج بن يوسف العراق وجه عبيدالله بن أبى بكرة إلى سجستان فخار ووهن.
وأتى الرخج، وكانت البلاد مجدبة، فسار حتى نزل بالقرب من كابل، وانتهى إلى شعب فأخذه عليه العدو، ولحقهم رتبيل.
فصالحهم عبيدالله على أن يعطوه خمس مئة ألف درهم، ويبعث إليه بثلاثة من ولده: نهار والحجاج وأبى بكرة رهناء، ويكتب لهم كتابا أن لا يغزوهم ما كان(2/491)
واليا.
فقال له شريح بن هانئ الحارثى: اتق الله وقاتل هؤلاء القوم.
فإنك إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الاسلام بهذا الثغر، وكنت قد فررت من الموت الذى إليه مصيرك.
فاقتتلوا، وحمل شريح فقتل.
وقاتل الناس فأفلتوا وهم مجهودون، وسلكوا مفازة بست، فهلك كثير من الناس عطشا وجوعا.
ومات عبيدالله بن أبى بكرة كمدا لما نال الناس وأصابهم.
ويقال إنه اشتكى أذنه فمات.
واستخلف على الناس ابنه أبا بردعة.
ثم إن عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث خلع وخرج إلى سجستان مخالفا لعبد الملك بن مروان (ص 399) والحجاج: فهادن رتبيل وصار إليه.
ثم إن رتبيل أسلمه خوفا من الحجاج.
وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى نفسه فوق ؟ بل، ويقال من فوق سطح، وسقط معه الذى كان يحفظه، وكان قد سلسل نفسه معه فمات.
فأتى الحجاج برأسه، فصالح الحجاج رتبيل على أن لا يغزوه سبع سنين، ويقال تسع سنين، على أن يؤدى بعد ذلك في كل سنة ألف درهم عروضا.
فلما انقضت السنون ولى الحجاج الاشهب بن بشر الكلبى سجستان، فعاسر رتبيل في العروض التى أداها.
فكتب إلى الحجاج يشكوه إليه فعزله الحجاج.
977 - قالوا: ثم لما ولى قتيبة بن مسلم الباهلى خراسان وسجستان
في أيام الوليد بن عبد الملك، ولى أخاه عمرو بن مسلم سجستان.
فطلب الصلح من رتبيل دراهم مدرهمة.
فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عليه الحجاج من العروض.
فكتب عمرو بذلك إلى قتيبة.
فسار قتيبة إلى سجستان.
فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه: إنا لم نخلع يدا من الطاعة، وإنما فارقتمونا(2/492)
على عروض فلا تظلمونا.
فقال قتيبة للجند: اقبلوا منه العروض، فإنه ثغر مشئوم.
فرضوا بها.
ثم انصرف قتيبة إلى خراسان بعد أن زرع زرعا في أرض زرنج لييأس العدو من انصرافه فيذعن له.
فلما حصد ذلك الزرع منعت منه الافاعى، فأمر به فأحرق.
واستخلف قتيبة على سجستان ابن عبد الله بن عمير الليثى أخى عبد الله ابن عامر لامه.
ثم ولى سليمان بن عبد الملك وولى يزيد بن المهلب العراق.
فولى يزيد مدرك بن المهلب، أخاه، سجستان.
فلم يعطه رتبيل شيئا.
ثم ولى معاوية بن يزيد فرضخ له.
ثم ولى يزيد بن عبد الملك فلم يعط رتبيل عماله شيئا.
قال: ما فعل قوم كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه من الصلاة (ص 400)، نعالهم خوص ؟ قالوا: انقرضوا.
قال: أولئك أوفى منكم عهدا وأشد بأسا، وإن كنتم أحسن منهم وجوها.
وقيل له: ما بالك كنت تعطى الحجاج الاتاوة ولا تعطيناها ؟ فقال: كان الحجاج رجلا لا ينظر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه درهم، وأنتم لا تنفقون درهما إلا إذا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه عشرة.
ثم لم يعط أحدا من عمال بنى أمية ولا عمال أبى مسلم على سجستان من تلك الاتاوة شيئا.
978 - قالوا: ولما استخلف المنصور أمير المؤمنين ولى معن بن زائدة الشيباني سجستان.
فقدمها ووبعث عماله عليها.
وكتب إلى رتبيل يأمره بحمل(2/493)
الاتاوة التى كان الحجاج صالح عليها.
فبعث بإبل وقباب تركية ورقيق وزاد في قيمة ذلك للواحد ضعفه.
فغضب معن وقصد الرخج، وعلى مقدمته يزيد ابن مزيد.
فوجد رتبيل قد خرج عنها ومضى إلى ذابلستان ليصيف بها.
ففتحها وأصاب سبايا كثيرة.
وكان فيهم فرج الرخجى، وهو صبى، وأبوه زياد.
فكان فرج يحدث ان معنا رأى غبارا ساطعا أثارته حوافر حمر وحشية، فظن أن جيشا قد أقبل نحوه ليحاربه ويتخلص السبى والاسرى من يده.
فوضع السيف فيهم، فقتل منهم عدة كثيرة.
ثم إنه تبين أمر الغبار، ورأى الحمير، فأمسك.
وقال فرج: لقد رأيت أبى حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى على وهو يقول: اقتلوني ولا تقتلوا ابني.
979 - قالوا: وكانت عدة من سبى وأسر زهاء ثلاثين ألفا.
فطلب ماوند خليفة رتبيل الامان على أن يحمله إلى أمير المؤمنين.
فآمنه، وبعث به إلى بغداذ مع خمسة آلاف من مقاتلتهم، فأكرمه المنصور وفرض له وقوده.
980 - قالوا: وخاف معن الشتاء وهجومه، فانصرف إلى بست.
وأنكر قوم من الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلة كانوا يبنون في منزله بناء، فلما بلغوا التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في حزم القصب، ثم (ص 401) دخلوا عليه قبته وهو يحتجم ففتكوا به، وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه.
التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في حزم القصب، ثم (ص 401) دخلوا عليه قبته وهو يحتجم ففتكوا به، وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه.
وقال أحدهم: وضربه على رأسه أبو الغلام الطاقى.
- والطاق رستاق بقرب زرنج - فقتلهم يزيد بن مزيد فلم ينج منهم أحد.
ثم إن يزيد قام بأمر سجستان، واشتدت على العرب والعجم من أهلها وطأته.
فاحتال بعض العرب فكتب على لسانه إلى المنصور كتابا يخبره أن كتب(2/494)
المهدى إليه قد حيرته وأدهشته، ويسأله أن يعفيه من معاملته.
فأغضب ذلك المنصورة وشتمه، وأقرأ المهدى كتابه، فعزله وأمر بحبسه وبيع كل شئ له.
زرنج ثم - إنه كلم فيه، فأشخص إلى مدينة للسلام.
فلم يزل بها مجفوا حتى لقيه الخوارج على الجسر فقاتلهم.
فتحرك أمره قليلا.
ثم توجه إلى يوسف البرم بخراسان، فلم يزل في ارتفاع.
ولم يزل عمال المهدى والرشيد، رحمهما الله، يقبضون الاتاوة من رتبيل سجستان على قدر قوتهم وضعفهم، ويولون عمالهم النواحى التى قد غلب عليها الاسلام.
ولما كان المأمون بخراسان أديت إليه الاتاوة مضعفة.
وفتح كابل، وأظهر ملكها الاسلام والطاعة، وأدخلها عامله، واتصل إليها البريد، فبعث إليه منها باهليلج غض، ثم استقامت بعد ذلك حينا.
981 - وحدثني العمرى، عن الهيثم بن عدى قال: كان في صلحات سجستان القديمة أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الافاعى عندهم.
قال: أول من دعا أهل سجستان إلى رأى الخوارج رجل من بنى تميم يقال له عاصم أو ابن عاصم.(2/495)
فتوح البلدان - البلاذري ج 3
فتوح البلدان
البلاذري ج 3(3/)
انتهى طبع القسم الثاني من فتوح البلدان في 30 ديسمبر 1975 كتاب فتوح البلدان تأليف أحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري القسم الثالث نشره ووضع ملاحقه وفهارسه الدكتور صلاح الدين المنجد ملتزمة النشر والطبع مكتبة النهضة المصرية 9 شارع عدلى باشا القاهرة مطبعة لجنة البيان العربي: شارع مصطفى كامل - بلاظوغلى ت 27079 فتوح البلدان " لا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه ".
المسعودي(3/498)
خراسان
982 - قالوا: وجه أبو موسى الاشعري عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى غازيا، فأتى كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين، وهما حصنان يقال لاحدهما طبس وللآخر كرين.
وهما حرم فيهما نخل، وهما بابا خراسان.
فأصاب مغنما.
وأتى قوم من أهل الطبسين عمر بن الخطاب فصالحوه على ستين ألفا، ويقال خمسة وسبعين ألفا، وكتب لهم كتابا.
ويقال بل توجه عبد الله بن بديل من إصبهان من تلقاء نفسه.
فلما استخلف عثمان بن عفان ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة في سنة ثمان وعشرين، ويقال في سنة تسع وعشرين، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فافتتح من أرض فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين، واستخلف على البصرة زياد ابن أبى سفيان، وبعث على مقدمته الاحنف بن قيس، ويقال عبد الله ابن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب السلمى فأقر صلح الطبسين.
وقدم ابن عامر الاحنف بن قيس إلى قوهستان.
وذلك أنه سأل عن أقرب مدينة إلى الطبسين فدل عليها.
فلقيه الهياطلة - وهم أتراك، ويقال بل هم قوم من أهل فارس كانوا يلوطون، فنفاهم فيروز إلى هراة، فصاروا مع الاتراك، فكانوا معاونين لاهل قوهستان - فهزمهم وفتح قوهستان عنوة.
ويقال بل ألجأهم إلى حصنهم.
ثم قدم عليه ابن عامر فطلبوا الصلح فصالحهم على ست مئة ألف درهم.
983 - وقال معمر بن المثنى: كان المتوجه إلى قوهستان أمير بن أحمر اليشكرى.
وهى بلاد بكر بن وائل إلى اليوم.(3/499)
وبعث ابن عامر يزيد الجرشى أبا سالم بن يزيد إلى رستاق زام من نيسابور، ففتحه عنوة.
وفتح باخرز، وهو رستاق من نيسابور، وفتح (ص 403)
أيضا جوين، وسبى سبيا.
ووجه ابن عامر الاسود بن كلثوم العدوى عدى الرباب، وكان ناسكا، إلى بيهق، وهو رستاق من نيسابور.
فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه، ودخلت معه طائفة من المسلمين، وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة.
فقاتل الاسود حتى قتل ومن معه.
وقام بأمر الناس بعده أدهم بن كلثوم.
فظفر وفتح بيهق.
وكان الاسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه.
وفتح ابن عامر بشت من نيسابور، وأشبند، ورخ، وزاوة، وخواف، واسبرائين، وأرغيان من نيسابور.
ثم أتى أبرشهر، وهى مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهرا.
وكان على كل ربع منها رجل موكل به.
وطلب صاحب ربع من تلك الارباع الامان على أن يدخل المسلمين المدينة.
فأعطيه.
وأدخلهم إياها ليلا.
ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها في القهندز، ومعه جماعة، فطلب الامان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها.
فصالحه على ألف ألف درهم، ويقال سبع مئة ألف درهم.
وولى نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمى.
ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمى إلى حمراندز من نسا، وهو رستاق، ففتحه.
وأتاه صاحب نسا فصالحه على ثلاث مئة ألف درهم، ويقال على احتمال الارض من الخراج، على أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه.
وقدم بهمنة عظيم أبيورد على ابن عامر فصالحه على أربع مئة ألف، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم فصالح أهلها على (ص 404) أربع مئة ألف درهم.(3/500)
ووجه عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس.
فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على إيمان مئة رجل، وأن يدفع إليه النساء.
فصارت ابنته في سهم ابن خازم، واتخذها وسماها ميثاء.
وغلب ابن خازم على أرض سرخس.
ويقال إنه صالحه على أن يؤمن مئة نفس.
فسمى له المئة ولم يسم نفسه، فقتله ودخل سرخس عنوة.
ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الاعور إلى كيف وبينة ففتحهما.
وأتي كعنازتك مرزبان طوس بان عامر فصالحه عن طوس على ست مئة ألف درهم.
ووجه ابن عامر جيشا إلى هراة، عليه أوس بن ثعلبة بن رقى.
ويقال خليد بن عبد الله الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك.
فشخص إلى ابن عامر وصالحه عن هراة، وبادغيس، وبوشنج، غير طاغون وباغون فإنهما فتحا عنوة.
وكتب له ابن عامر: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أمر به عبد الله بن عامر عظيم هراة وبوشنج وبادغيس.
أمره بتقوى الله، ومناصحة المسلمين، وإصلاح ما تحت يديه من الارضين.
وصالحه عن هراة سهلها وجبلها، على أن يؤدى من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الارضين عدلا بينهم.
فمن منع ما عليه فلا عهد ولا ذمة.
وكتب ربيع بن نهشل، وختم ابن عامر.
ويقال أيضا إن ابن عامر سار نفسه في الدهم إلى هراة.
فقاتل أهلها، ثم صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس على ألف ألف درهم.
وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلى فصالحه على ألفى ألف ومائتي ألف درهم.(3/501)
وقال بعضهم: ألف ألف درهم، ومائتي ألف جريب من بر وشعير.
وقال بعضهم: ألف ألف ومئة ألف أوقية.
وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم، وأن عليهم قسمة المال، وليس (ص 405) على المسلمين إلا قبض ذلك.
وكانت مرو صلحا كلها إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة.
984 - وقال أبو عبيدة: صالحه على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع.
ولم يكن عند القوم يومئذ عين.
وكان الخراج كله على ذلك، حتى ولى يزيد بن معاوية فصيره مالا.
ووجه عبد الله بن عامر الاحنف بن قيس نحو طخارستان.
فأتى الموضع الذى يقال له قصر الاحنف، وهو حصن من مرو الروذ، وله رستاق عظيم يعرف برستاق الاحنف ويدعى بشق الجرذ.
فحصر أهله فصالحوه على ثلاث مئة ألف.
فقال الاحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا.
وكان الصلح عن جميع الرستاق.
ومضى الاحنف إلى مرو الروذ فحصر أهلها، وقاتلوه قتالا شديدا، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم.
وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له.
فكتب إلى الاحنف: إنه دعاني إلى الصلح اسلام باذام.
فصالحه على ستين ألفا.
985 - وقال المدائني: قال قوم ست مئة ألف.
وقد كانت للاحنف خيل سارت فأخذت رستاقا يقال له بغ، واستاقت منه مواشي، فكان الصلح بعد ذلك.(3/502)
986 - وقال أبو عبيدة: قاتل الاحنف أهل مرو الروذ مرات.
ثم إنه مر برجل يطبخ قدرا أو يعجن لاصحابه عجينا.
فسمعه يقول: إنما ينبغى للامير أن يقاتلهم من وجه واحد من داخل الشعب.
فقال في نفسه: الرأى ما قال الرجل.
فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره.
والمرغاب نهر يسيح پمرو الروذ ثم يغيض في رمل ثم يخرج مرو الشاهجان.
فهزمهم ومن معهم من الترك.
ثم طلبوا الامان فصالحهم.
987 - وقال غير أبى عبيدة: جمع أهل طخارستان للمسلمين.
فاجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب (ص 406) ومن حولهم، فبلغوا ثلاثين ألفا، وجاءهم أهل الصغانيان، وهم في الجانب الشرقي من النهر، فرجع الاحنف إلى قصره فوفى له أهله.
وخرج ليلا فسمع أهل خباء يتحدثون ورجلا يقول: الرأى للامير أن يسير إليهم فيناجزهم حيث لقبهم.
فقال رجل يوقد تحت خزيره أو يعجن: ليس هذا برأى ! ولكن الرأى أن ينزل بين المرغاب والجبل، فيكون المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، فلا يلقى من عدوه وإن كثروا إلا مثل عدة أصحابه.
فرأى ذلك صوابا ففعله.
وهو في خمسة آلاف من المسلمين: أربعة آلاف من العرب وألف من مسلمى العجم.
فالتقوا، وهز رايته وحمل وحملوا، فقصد ملك الصغانيان للاحنف فأهوى له بالرمح، فانتزع الاحنف الرمح من يده، وقاتل قتالا شديدا، فقتل ثلاثة ممن معهم الطبول منهم.
كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله.
ثم إن الله ضرب وجوه الكفار، فقتلهم المسلمون قتالا ذريعا ووضعوا السلاح أ ؟ ى شاؤا منهم.
ورجع الاحنف إلى مرو الروذ.
ولحق بعض العدو بالجوزجان، فوجه إليهم الاحنف الاقرع بن حابس(3/503)
التميمي في خيل.
وقال: يا بنى تميم ! تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم.
وابدؤا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم.
ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم.
فسار الاقرع فلقى العدو بالجوزجان.
فكانت في المسلمين جولة، ثم كروا فهزموا الكفرة وفتحوا الجوزجان عنوة.
وقال ابن الغريزة النهشلي: سقى صوب السحاب إذا استهلت * مصارع فتية بالجوزجان إلى القصرين من رستاق حوف * أفادهم هناك الاقرعان وفتح الاحنف الطالقان صلحا.
وفتح الفارياب.
ويقال بل فتحها أمير (ص 407) ابن أحمر.
ثم سار الاحنف إلى بلخ، وهى مدينة طخارا.
فصالحهم أهلها على أربع مئة ألف، ويقال سبع مئة ألف، وذلك أثبت.
فاستعمل على بلخ أسيد بن المتشمس.
ثم سار إلى خارزم، وهى من سقى النهر جميعا، ومدينتها شرقية، فلم يقدر عليها، فانصرف إلى بلخ وقد جبى أسيد صلحها.
988 - وقال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر.
فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل.
فيقال إنه عبر النهر حتى أتى موضعا موضعا.
وقيل بل أتوه فصالحوه، وبعث من قبض ذلك.
فأتته الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب ثم أحرم شكرا لله.
ولم يذكر غيره عبوره النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي.
989 - وقالوا: إنه أهل بعمرة، وقدم على عثمان.
واستخلف قيس ابن الهيثم.(3/504)
فسار قيس بعد شخوصه من أرض طخارستان، فلم يأت بلدا منها إلا صالحه
أهله فأذعنوا له، حتى أنى سمنجان، فامتنعوا عليه فحصرهم حتى فتحها عنوة.
وقد قيل إن ابن عامر جعل خراسان بين ثلاثة: الاحنف بن قيس، وحاتم ابن النعمان الباهلى، وقيس بن الهيثم.
والاول أثبت.
ثم إن ابن خازم افتعل عهدا على لسان ابن عامر وتولى خراسان.
فاجتمعت بها جموع الترك ففضهم.
ثم قدم البصرة قبل قتل عثمان.
990 - وحدثني الحسين بن الاسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين أن عثمان بن عفان عقد لمن وراء النهر.
991 - قالوا: وقدم ماهويه مرزبان مرو على على بن أبي طالب في خلافته وهو بالكوفة.
فكتب له إلى الدهاقين والاساورة والدهشلارين أن يؤدوا إليه الجزية.
فانتقضت عليهم خراسان.
فبعث جعدة بن هبيرة المخزومى (ص 408) - وأمه أم هانئ بنت أبى طالب - فلم يفتحها.
ولم تزل خراسان ملتاثة حتى قتل على عليه السلام.
992 - قال أبو عبيدة: أول عمال على على خرسان عبد الرحمن بن أبزى مولى خزاعة، ثم جعدة بن هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فلم يعرض لاهل النكث، وجبى أهل الصلح.
فكان عليها سنة أو قريبا منها.
993 -: قالوا واستعمل معاوية بن أبى سفيان قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت السلمى على خراسان، ثم عزله وولى خالد بن المعمر، فمات بقصر مقاتل أو بعين التمر.
ويقال إن معاوية ندم على توليته فبعث إليه بثوب مسموم.
ويقال بل دخلت في رجله زجاجة فنزف منها حتى مات.
ثم ضم معاوية إلى عبد الله بن عامر مع البصرة خراسان.
فولى ابن عامر قيس بن الهيثم السلمى خراسان.(3/505)
وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج وبلخ على نكثهم.
فسار إلى بلخ فأخرب نوبهارها.
وكان الذى تولى ذلك عطاء السائب مولى بنى الليث، وهو الخشل.
وإنما سمى عطاء الخشل.
واتخذ قناطر على ثلاثة أنهار من بلخ على فرسخ، فقيل قناطر عطاء.
ثم إن أهل بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة فصالحهم قيس، ثم قدم على ابن عامر فضربه مئة وحبسه.
واستعمل عبد الله بن خازم.
فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس فطلبوا الامان والصلح.
فصالحهم وحمل إلى ابن عامر مالا.
وولى زياد بن أبى سفيان البصرة في سنة خمس وأربعين، فولى أمير بن أحمر مرو.
وخليد بن عبد الله الحنفي أبرشهر.
وقيس بن الهيثم، والطالقان، والفارياب.
ونافع بن خالد الطاحى، من الازد، هراة، وبادغيس، وبوشنج، وقادس، من أنواران.
فكان أمير أول من أسكن (ص 409) العرب مرو.
ثم ولى زياد الحكم بن عمرو الغفاري، وكان عفيفا وله صحبة.
وإنما قال لحاجبه فيل: ايتنى بالحكم، وهو يريد الحكم بن أبى العاصى الثقفى.
وكانت أم عبد الله بنت عثمان بن أبى العاصى عنده، فأتاه بالحكم بن عمرو، فلما رآه تبرك به وقال: رجل صالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فولاه خراسان، فمات بها في سنة خمسين.
وكان الحكم أول من صلى من وراء النهر.
994 - وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان، كان يطلب معنا الحديث: أتدرى من فتح بلادك ؟ قال: لا.
قال: فتحها الحكم بن عمرو الغفاري.(3/506)
ثم ولى زياد بن أبى سفيان الربيع بن زياد الحارثى سنة إحدى وخمسين خراسان، وحول معه من أهل المصرين زهاء خمسين ألفا بعيالاتهم.
وكان فيهم بريدة بن الحصيب الاسلمي أبو عبد الله، وبمرو توفى في أيام يزيد بن معاوية.
وكان فيهم أيضا أبو برزة الاسلمي عبد الله بن نضلة وبهامات.
وأسكنهم دون النهر.
والربيع أول من أمر الجند بالتناهد.
ولما بلغه مقتل حجر بن عدى الكندى غمه ذلك، فدعا بالموت فسقط من يومه، ومات سنة ثلاث وخمسين.
واستخلف عبد الله ابنه، فقاتل أهل آمل وهى آمويه وزم.
ثم صالحهم ورجع إلى مرو.
فمكث بها شهرين ثم مات.
ومات زياد فاستعمل معاوية عبيدالله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس وعشرين سنة.
فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا، فأتى بيكند.
وكانت خاتون بمدينة بخارا، فأرسلت إلى الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم، فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم.
وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون، فبعثت إليهم خاتون تطلب الصلح والامان، فصالحها على ألف ألف، ودخل المدينة.
وفتح رامدين وبيكند، وبينهما فرسخان.
ورامدين تنسب إلى بيكند.
ويقال أنه فتح الصغانيان.
وقدم معه البصرة (ص 410) بخلق من أهل بخارا، ففرض لهم.
ثم ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان.
فقطع النهر وكان.
أول من قطعه بجنده.
فكان معه رفيق أبو العالية الرياحي، وهو مولى لامرأة من بنى رياح.
فقال: رفيع أبو العالية رفعة وعلو.
فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح، وأقبل أهل السغد والترك وأهل كش ونسف وهى نخشب إلى سعيد في مئة ألف وعشرين ألفا.
فالتقوا ببخارا، وقد ندمت خاتون على ادائها الاتاوة ونكثت العهد.
فحضر عبد لبعض
أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه، فانكسر الباقون.
فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرهن وأعادت الصلح.
ودخل سعيد مدينة بخارا.(3/507)
ثم غزا سعيد بن عثمان سمرقند، فأعانته خاتون بأهل بخارا.
فنزل على باب سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمى قهندزها.
فقاتل أهلها ثلاثة أيام، وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث.
ففقئت عينه وعين المهلب بن أبى صفرة.
ويقال إن عين المهلب فقئت بالطالقان.
ثم لزم العدو المدينة، وقد فشت فيهم الجراح.
وأتاه رجل فدله على قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم.
فسار إليهم وحصرهم.
فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح.
فصالحهم على سبع مئة ألف درهم، وعلى أن يعطوه رهنا من أبناء عظمائهم، وعلى أن يدخل المدينة، ومن شاء يخرج من الباب الآخر: فأعطوه خمسه عشر من أبناء ملوكهم، ويقال أربعين، ويقال ثمانين.
ورمى القهندز فثبت الحجر في كوته.
ثم انصرف.
فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح.
وأقام على الترمذ حتى فتحها صلحا.
ثم لما قتل عبد الله بن خازم السلمى أتى موسى ابنه ملك الترمذ فأجاره وألجأه وقوما كانوا معه، فأخرجه عنها وغلب عليها (ص 411)، وهو مخالف.
فلما قتل صارت في أيدى الولاة.
ثم انتقض أهلها ففتحها قتيبة بن مسلم.
وفى سعيد يقول مالك بن الريب: هبت شمال خريق أسقطت ورقا * واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح فارحل هديت ولا تجعل غنيمتنا * ثلجا يصفقه بالترمذ الريح إن الشتاء عدو ما نقاتله * فاقفل هديت وثوب الدف ء مطروح
ويقال إن هذه الابيات لنهار بن توسعة في قتيبة وأولها: كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها * فكل باب من الخيرات مفتوح(3/508)
فاستبدلت قتبا جعدا أنامله * كأنما وجهه بالخل منضوخ وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب مع سعيد بن عثمان، فتوفى بسمرقند.
ويقال استشهد بها.
فقال عبد الله بن العباس حين بلغته وفاته: شتان ما بين مولده ومقبره.
فأقبل يصلى.
فقيل له: ما هذا ؟ فقال: أما سمعتم الله يقول * (واستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * (1).
995 - وحدثني عبد الله بن صالح قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن الشعبى قال: قدم قثم على سعيد بن عثمان بخراسان.
فقال له سعيد: أعطيك من المغنم ألف سهم.
فقال: لا، ولكن أعطني سهما لى وسهما لفرسي.
قال: ومضى سعيد بالرهن الذين أخذهم من السغد حتى ورد بهم المدينة.
فدفع ثيابهم ومناطقهم إلى مواليه، وألبسهم جباب الصوف، وألزمهم السقى والسواني والعمل.
فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به، ثم قتلوا أنفسهم.
وفى سعيد يقول مالك بن الريب: ومازلت يوم السغد ترعد واقفا * من الجبن حتى خفت أن تتنصرا وقال خالد بن عقبة بن أبى معيط: (ص 412) ألا إن خير الناس نفسا ووالدا * سعيد بن عثمان قتيل الاعاجم فإن تكن الايام أردت صروفها * سعيدا فمن هذا من الدهر سالم وكان سعيد احتال لشريكه في خراج خراسان.
فأخذ منه مالا، فوجه معاوية من لقيه بحلوان، فأخذ المال منه.
وكان شريكه أسلم بن زرعة، ويقال اسحاق بن طلحة بن عبيدالله.
وكان معاوية قد خاف سعيدا على خلعه ولذلك
عاجله بالعزل.
__________
(1) سورة البقرة، الآية، 45 (*)(3/509)
ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد خراسان.
وكان شريفا.
ومات معاوية وهو عليها.
ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد.
فصالحه أهل خارزم على أربع مئة ألف وحملوها إليه.
وقطع النهر ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبى العاصى الثقفى.
وكانت أول عربية عبر بها النهر.
وأتى سمرقند فأعطاه أهلها ألف دية.
وولد له ابن سماه السغدى.
واستعارت امرأته من امرأة صاحب السغد حليها فكسرته عليها وذهبت به.
ووجه سلم بن زياد وهو بالسغد جيشا إلى خجندة وفيهم أعشى همدان فهزموا.
فقال الاعشى: ليت خيلى يوم الخجندة لم تهزم وغودرت في المكر سليبا تحضر الطير مصرعي وتروحت إلى الله في الدماء خضيبا ثم رجع سلم إلى مرو.
ثم غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدى.
وقد كان السغد جمعت له فقاتلها.
ولما مات يزيد بن معاوية التاث الناس على سلم وقالوا: بئس ما ظن ابن سمية ! إن ظن أنه يتأمر علينا في الجماعة والفتنة.
كما قيل لاخيه عبيدالله بالبصرة.
فشخص عن خراسان وأتى عبد الله بن الزبير، فأغرمه أربعة آلاف ألف درهم وحبسه.
وكان سلم يقول: ليتنى أتيت الشام ولم آنف من خدمة أخى عبيدالله بن زياد (ص 403) فكنت أغسل رجله، ولم آت ابن الزبير.
فلم يزل بمكة حتى حصر ابن الزبير الحجاج بن يوسف.
فنقب السجن وصار إلى الحجاج، ثم إلى عبد الملك.
فقال له عبد الملك: أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها وال غيرك، ولا كان بها عليك أمير.
وولاه خراسان.
فلما قدم البصرة مات بها.(3/510)
996 - قالوا: وقد كان عبد الله بن خازم السلمى تلقى سلم بن زياد منصرفه من خراسان بنيسابور.
فكتب له سلم عهدا عنى خراسان، وأعانه بمئة ألف درهم.
فاجتمع جمع كثير من بكر بن وائل وغيرهم فقالوا: على ما يأكل هؤلاء خراسان دوننا ؟ فأغاروا على ثقل ابن خازم فقاتلوهم عنه فكفوا.
وأرسل سليمان بن مرثد، أحد بنى سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس ابن ثعلبة بن عكابة من المراثد بن ربيعة، إلى ابن خازم: إن العهد الذى معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخراسان لم يخرج عنها ويوجهك.
وأقبل سليمان فنزل بمشرعة سليمان، وابن خازم بمرو، واتفقا على أن يكتبا إلى ابن الزبير فأيهما أمره فهو الامير.
ففعلا، فولى ابن الزبير عبد الله بن خازم خراسان.
قدم إليه بعهده عروة بن قطبة بعد ستة أشهر.
فأبى سليمان أن يقبل ذلك وقال: ما ابن الزبير بخليفة، وإنما هو رجل عائذ بالبيت.
فحاربه ابن خازم وهو في ستة آلاف، وسليمان في خمسة عشر ألفا.
فقتل سليمان، قتله قيس بن عاصم السلمى واحتز رأسه.
وأصيب من أصحاب ابن خازم رجال.
وكان شعار ابن خازم: حمر لا ينصرون.
وشعار سليمان: يا نصر الله اقترب.
واجتمع فل سليمان إلى عمر بن مرثد بالطالقان.
فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله.
واجتمعت ربيعة إلى أوس بن ثعلبة بهراة، فاستخلف ابن خازم موسى ابنه، وسار إليه، وكانت بين أصحابهما وقائع، واغتنمت الترك ذلك فكانت تغير حتى بلغت قرب نيسابور.
ودس ابن خازم إلى (ص 414) أوس من سمه
فمرض.
واجتمعوا للقتال، فحض ابن خازم أصحابه فقال: اجعلوه يومكم، واطعنوا الخيل من مناخرها، فإنه لم يطعن فرس قط في منخره إلا أدبره فاقتتلوا قتالا شديدا، وأصابت أوسا جراحة، وهو عليل، فمات منها بعد أيام.
وولى ابن خازم ابنه محمدا هراة، وجعل على شرطته بكير بن وشاح، وصفت له خراسان.
ثم إن بنى تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدا.
فظفر أبوه عثمان بن بشر بن المحتفز(3/511)
فقتله صبرا، وقتل رجلا من بنى تميم.
فاجتمع بنو تميم فتناظروا وقالوا: ما نرى هذا يقلع عنا، فيصير جماعة منا إلى طوس، فإذا خرج إليهم خلعه من بمرو منا.
فمضى بجير بن وفاء الصريمى من بنى تميمي إلى طوس في جماعة فدخلوا الحصن، ثم تحولوا إلى أبرشهر وخلعوا ابن خازم.
فوجه ابن خازم ثقله مع ابنه موسى إلى الترمذ، ولم يأمن عليه من بمرو من بنى تميم.
وورد كتاب عبد الملك بن مروان على ابن خازم بولاية خراسان.
فأطعم رسوله الكتاب وقال: ما كنب لالقى الله وقد نكثت بيعه ابن حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعت ابن طريده.
فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح بولايته خراسان.
فخاف ابن خازم أن يأتيه في أهل مرو، وقد كان بكير خلع ابن خازم وأخذ السلاح وبيت المال ودعى أهل مرو إلى بيع عبد الملك فبايعوه.
فمضى ابن خازم بريد ابنه موسى وهو بالترمذ في عياله وثقله، فأتبعه بجير فقاتله بقرب مرو، ودعا وكيع بن الدورقية القريعى - واسم أبيه عمية وأمه من سبى دورق نسب إليها - بدرعه وسلاحه (ص 415) فلبسه وخرج، فحمل على ابن خازم ومعه بجير بن وقاء فطعناه.
وقعد وكيع على صدره وقال: يا لثارات دويلة ! ودويلة أخو وكيع لامه.
وكان مولى لبنى قريع، قتله ابن خازم
فتنخم ابن خازم في وجهه وقال: لعنك الله أتقتل كبش مضر بأخيك، علج لا يساوى كفا من نوى.
وقال وكيع: ذقى يا بن عجلى مثل ما قد أذقتني * ولا تحسبني كنت عن ذاك عاقلا عجلى، أم ابن خازم، وكان يكنى أبا صالح.
وكنية وكيع بن الدورقية أبو ربيعة.(3/512)
وقتل مع عبد الله بن خازم بناه عنبسة ويحيى.
وطعن طهمان مولى ابن خازم، وهو جد يعقوب بن داود كاتب أمير المؤمنين المهدى بعد أبى عبيد الله.
وأتى بكير بن وشاح برأس ابن حازم فبعث به إلى عبد الملك بن مروان فنصبه بدمشق.
وقطعوا يده اليمنى وبعثوا بها إلى ولد عثمان بن بشر بن المحتفز المزني.
وكان وكيع جافيا عظيم الخلقة.
صلى يوما وبين يديه نبت فجعل يأكل منه.
فقيل له: أتأكل وأنت تصلى ؟ فقال: ما كان الله أحرم بنتا أنبته بماء السماء على طين الثرى.
وكان يشرب الخمر، فعوتب عليها فقال: في الخمر تعاتبوني ؟ وهى تجلو بولي حتى تصيرة كالفضة !.
997 - قالوا: وغضب قوم لابن خازم، ووقع الاختلاف، وصارت طائفة مع بكير بن وشاح وطائفة مع بجير.
فكتب وجوه أهل خراسان وخيارهم إلى عبد الملك يعلمونه أنه لا تصلح خراسان بعد الفتنة إلا برجل من قريش.
فولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص بن أمية خراسان.
فولى بكير بن وشاح طخارستان.
ثم ولاه غزو ما وراء النهر.
ثم عزم أمية على غزو بخارا ثم إتيان موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ.
فانصرف بكير إلى مرو، وأخذ ابن أمية فحبسه، ودعا الناس إلى خلع أمية فأجابوه.
وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخارا على فدية قليلة، (ص 416) واتخذ السفن، وقد كان بكير أحرقها، ورجع وترك موسى بن عبد الله.
فقاتله بكير، ثم صالحه على أن يوليه أي ناحية شاء.
ثم بلغ أمية أنه يسعى في خلعه بعد ذلك،(3/513)
فأمر إذا دخل داره أن يؤخذ، فدخلها فأخذ، وأمر بحبسه، فوثب به بجير بن وفاء فقتله.
وغزا أمية الختل، وقد نقضوا بعد أن صالحهم سعيد بن عثمان فافتتحها.
ثم إن الحجاج بن يوسف ولى خراسان مع العراقين.
فولى خراسان المهلب بن أبى صفرة - واسمه ظالم بن سراق بن صبح بن العتيك من الازد، ويكنى أبا سعيد - سنة تسع وتسعين.
فغزا مغازى كثيرة، وفتح الختل وقد انتقضت.
وفتح خجندة، فأدت إليه السغد الاتاوة.
وغزا كش ونسف، ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ بالشوصة.
وكان بدؤ علته الحزن على ابنه المغيرة بن المهلب.
واستخلف المهلب ابنه يزيد بن المهلب.
فغزا مغازى كثيرة، وفتح البتم على يد مخلد بن يزيد بن المهلب.
وولى الحجاج يزيد بن المهلب.
وصار عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب إلى هراة في فل ابن الاشعث وغيرهم، وكان خرج مع ابن الاشعث.
الرقاد العتكى، وجبى الخراج.
فسار إليه يزيد فاقتتلوا، فهزمهم يزيد وأمر بالكف عن اتباعهم، ولحق الهاشمي بالسند.
وغزا يزيد خارزم وأصب سبيا.
فلبس الجندثياب السبى فماتوا من البرد.
ثم ولى الحجاج المفضل بن المهلب بن أبى صفرة.
ففتح بادغيس وقد
انتقضت، وشومان وأخرون، وأصاب غنائم قسمها بين الناس.
998 - قالوا: وكان موسى بن عبد الله بن خازم السلمى بالترمذ.
فأتى سمرقند فأكرمه ملكها طرخون.
فوثب رجل من أصحابه على رجل من السغد فقتله، فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش.
ثم أتى الترمذ، وهو حصن (ص 417) فنزل على دهقان الترمذ، وهيأ له طعاما.
فلما أكل اضطجع(3/514)
فقال له الدهقان: أخرج.
فقال: لست أعرف منزلا مثل هذا.
وقاتل أهل الترمذ حتى غلب عليها.
فخرج دهقانها وأهلها إلى الترك يستنصرونهم فلم ينصروهم، وقالوا: لعنكم الله ! فما ترجون بخير.
أتاكم رجل في مئة وأخرجكم عن مدينتكم وغلبكم عليها.
وقد تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه وغيرهم.
ولم يزل صاحب الترمذ وأهلها بالترك حتى أعانوهم وأطافوا جمبعا بموسى ومن معه، فبيتهم موسى وحوى عسكرهم.
وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلا.
وكان ثابت وحريث ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى.
فاستجاشا طرخون وأصحابه لموسى فأنجده وأنهض إليه بشرا كثيرا.
فعظمت دالتهما عليه، وكانا الآمرين والناهين في عسكره.
فقيل له: إنما لك الاسم وهذان صاحبا العسكر والامر.
وخرج إليه من أهل الترمذ خلق من الهياطلة والترك، واقتتلوا قتالا شديدا، فغلبهم المسلمون ومن معهم.
فبلغ ذلك الحجاج فقال: الحمد لله الذى نصر المنافقين على المشركين.
وجعل موسى من رءوس من قاتله جوسقين عظيمين.
وقتل حريث ابن قطبة بنشابة أصابته.
فقال أصحاب موسى لموسى: قد أراحنا الله من حريث فأرحنا من ثابت، فإنه لا يصفو عيش معه.
وبلغ ثابتا ما يخوضون فيه، فلما استثبته لحق بحشورا واستنجد طرخون فأنجده.
فنهض إليه موسى، فغلب على ربض المدينة.
ثم كثرت أمداد السغد، فرجع إلى الترمذ فتحصن بها، وأعانه أهل كش ونسف وبخارا.
فحصر ثابت موسى وهو في ثمانين ألفا.
فوجه موسى يزيد بن هزيل كالمعزي لزياد القصير الخزاعى، وقد أصيب بمصيبة (ص 418) فالتمس الغرة من ثابت فضربه بالسيف على رأسه ضربة(3/515)
عاش بعدها سبعة أيام ثم مات.
وألقى يزيد نفسه في نهر الصغانيان فنجا.
وقام طرخون بأمر أصحابه.
فبيتهم موسى، فرجعت الاعاجم إلى بلادها.
وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى، قاتل مع أبيه سنتين لم يفل.
ثم أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدة يسيرة وأخرج ملكها عنها.
ثم قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم.
فلما عزل يزيد بن المهلب وتولى المفضل بن المهلب خراسان وجه عثمان بن مسعود.
فسار حتى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عثمان، وهو في خمسة عشر ألفا.
فضيق على موسى، وكتب إلى طرخون فقدم عليه.
فلما رأى موسى الذى ورد عليه خرج من المدينة وقال لاصحابه الذين خلفهم فيها: إن قتلت فادفعوا المدينة إلى مدرك بن المهلب ولا تدفعوها إلى ابن مسعود.
وحال الترك والسغد بين موسى والحصن، وعثر به فرسه فسقط، فارتدف خلف مولى له وجعل يقول: الموت كريه.
فنظر إليه عثمان فقال: وثبة موسى ورب الكعبة ! وقصد له حتى سقط ومولاه، فانطووا عليه فقتلوه، وقتل أصحابه، فلم ينج منهم إلا رقية بن الحر، فإنه دفعه إلى خالد بن أبى برزة الاسلمي.
وكان الذى أجهز على موسى بن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري.
ودفعت المدينة إلى مدرك بن المهلب.
وكان قتله في آخر سنة خمس وثمانين.
وضرب رجل ساق موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله.
999 - قالوا: ثم ولى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلى خراسان.
فخرج يريد اخرون.
فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر، فأتاه حين عبر النهر ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب، وأعطاه الطاعة ودعاه إلى(3/516)
نزول بلاده.
وكان ملك أخرون وشومان قد ضيق على الصغانيان وغزاه، فلذلك أعطى قتيبة ما أعطاه (ص 419) ودعاه إلى ما دعاه إليه.
وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان، وسلما إليه بلديهما.
فانصرف قتيبة إلى مرو وخلف أخاه صالحا على ما وراء النهر.
ففتح صالح كاسان واورشت، وهى من فرغانة.
وكان نصر بن سيار معه في جيشه.
وفتح بيعنخر (؟) وفتح خشكت من فرغانة، وهى مدينتها القديمة.
وكان آخر من فتح كاسان وأورشت وقد انتقض أهلها نوح بن أسد في خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله رحمه الله.
1000 - قالوا: وأرسل ملك الجوزجان إلى قتيبة فصالحه على أن يأتيه.
فصار إليه ثم رجع فمات بالطالقان.
ثم غزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه نيزك، فقطع النهر من زم إلى بيكند وهى أدنى مدائن بخارا إلى النهر.
فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار عليهم وحصرهم.
فطلبوا الصلح ففتحها عنوة.
وغزا قتيبة تومشكت وكرمينية سنة ثمان وثمانين.
واستخلف على مرو بشار ابن مسلم أخاه، فصالحهم وافتتح حصونا صغارا.
وغزا قتيبة بخارا ففتحها على صلح.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أتى قتيبة بخارا فاحترسوا منه.
فقال: دعوني أدخلها فأصلى بها ركعتين.
فأذنوا له في ذلك.
فأكمن لهم قوما فلما دخلوا كاثروا أهل الباب ودخلوا.
فأصاب فيها مالا عظيما وغدر بأهلها.
قال: وأوقع قتيبة بالسغد، وقتل نيزك بطخارستان وصلبه، وافتتح كش ونسف وهى نخشب صلحا.(3/517)
1001 - قالوا.
وكان ملك خارزم ضعيفا.
وكان أخوه خرزاد قد ضاده وقوى عليه.
فبعث ملك خارزم إلى قتيبة: إنى أعطيتك كذا وكذا وأدفع إليك المفاتيح على أن تملكني على بلادي دون أخى.
وخارزم ثلاث مدائن يحاط بها فارقين (؟) ومعدينة الفيل أحصنها.
وقال على بن مجاهد: إنما مدينة الفيل سمرقند.
فنزل الملك أحصن المدائن، وبعث إلى قتيبة بالمال الذى صالحه عليه، وبالمفاتيح.
فوجه قتيبة أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى خرزاد فقاتله فقتله، وظفر بأربعة آلاف أسير فقاتلهم.
وملك ملك خارزم الاول على ما شرط له.
فقال له أهل مملكته: إنه ضعيف.
ووثبوا عليه فقتلوه.
فولى قتيبة أخاه عبيدالله ابن مسلم خوارزم.
وغزا قتيبة سمرقند، وكانت ملوك السغد تنزلها قديما ثم نزلت اشتيخن.
فحصر قتيبة أهل سمرقند، والتقوا مرارا فاقتتلوا.
وكتب ملك السغد إلى ملك الشاش وهو مقيم بالطاربند فأتاه في خلق من مقاتلته.
فلقيهم المسلمون فاقتتلوا أشد قتال.
ثم إن قتيبة أوقع بهم وكسرهم، فصالحه غوزك على ألفى ألف ومائتي ألف درهما في كل عام، وعلى أن يصلى في المدينة.
فدخلها وقد اتخذ له
غوزك طعاما، فأكل وصلى واتخذ مسجدا، وخلف بها جماعة من المسلمين فيهم الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير.
ويقال: إنه صالح قتيبة على سبع مئة ألف درهم، وضيافة المسلمين ثلاثة أيام.
وكان في صلحه بيوت الاصنام والنيران.
فأخرجت الاصنام فسلبت حليتها وأحرقت.
وكانت الاعاجم تقول: إن فيها أصناما من استخف بها هلك.
فلما حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق.
فقال المختار بن كعب الجعفي في قتيبة:(3/518)
دوخ السغد بالقبائل حتى * ترك السغد بالعراء قعودا (ص 421) وقال أبو عبيدة وغيره: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر.
فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا.
فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا.
فنصب لهم جميع بن حاضر الناجى.
فحكم باخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سوآء.
فكره أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا المسلمين، فأقاموا بين أظهرهم.
وقال الهيثم بن عدى: حدثنى ابن عياش الهمذانى قال: فتح قتيبة عامة الشاش وبلغ أسبيجاب.
وقيل: كان فتح حصن أسبيجاب قديما، ثم غلب عليه الترك ومعهم قوم من أهل الشاش.
ثم فتحة نوح بن أسد في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله، وبنى حوله سورا يحيط بكروم أهله ومزارعهم.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: فتح قتيبة خارزم، وفتح سمرقند عنوة.
وقد كان سعيد بن عثمان صالح أهلها، ففتحها قتيبة بعده.
ولم يكونوا نقضوا ولكنه استقل صلحهم.
قال: وفتح بيكند، وكش، ونسف، والشاش، وغزا فرغانة ففتح بعضها، وغزا السغد، وأشرو سنة.
1002 - قالوا: وكان قتيبة مستوحشا من سليمان بن عبد الملك.
وذلك أنه سعى في بيعة عبد العزيز بن الوليد فأراد دفعها عن سليمان.
فلما مات الوليد وقام سليمان خطب الناس فقال: إنه قد وليكم هبنقة العائشى.
وذلك أن سليمان كان يعطى ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم.
وكان هبنقة، وهو(3/519)
يزيد بن ثروان، يؤثر سمان إبله بالعلف والمرعى ويقول: أنا لا أصلح ما أفسد الله.
ودعا الناس إلى خلعه.
فلم يجبه أحد إلى ذلك.
فشتم بنى تميم ونسبهم إلى الغدر، وقال: لستم بنى تميم ولكنكم من بنى ذميم.
وذم بنى بكر بن وائل وقال: يا إخوة مسيلمة.
وذم الازد (ص 422) فقال: بدلتم الرماح بالمرادى، وبالسفن أعنة الحصن.
وقال: يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية ! لاضعنكم بحيث وضعكم الله.
قال: فكتب سليمان إلى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من في حبسه، وأن يعطى الناس أعطياتهم، ويأذن لمن أراد القفول في القفول.
وكانوا متطلعين إلى ذلك.
وأمر رسوله باعلام الناس ما كتب به.
فقال قتيبة: هذا من تدبيره على.
وقام فقال: أيها الناس ! إن سليمان قدمناكم مخ أعضاد البعوض، وانكم ستدعون إلى بيعة أنور صبى لا تحل ذبيحته.
وكانوا حنقين عليه لشتمه إياهم.
فاعتذر من ذلك وقال: إنى غضبت فلم أدر ما قلت، وما أردت لكم إلا الخير فتكلموا وقالوا: إن أذن لنا في القفول كان خيرا له، وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه.
وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد احسانه إليهم، وذم قلة وفائهم له، وخلافهم عليه، وخوفهم بالاعاجم الذين استظهر بهم عليهم.
فأجمعوا على
حربه ولم يحيبوه بشئ.
وطلبوا إلى الحضين بن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى، وأشار عليهم بوكيع بن حسان بن قيس بن أبى سود بن كلب بن عوف بن مالك بن غدانة بن يربوع بن حنظلة التميمي، وقال: لا يقوى على هذا الامر غيره، لانه إعرابى جاف، تطيعه عشيرته وهو من بنى تميم، وقد قتل قتيبة بنى الاهتم فهم يطلبونه بدمائهم.
فسعوا إلى وكيع فأعطاهم يده، فبايعوه.
وكان السفير بينه وبينهم قبل ذلك حيان مولى مصقلة، وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل البصرة أربعون الفا، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف، ومن الموالى سبعة آلاف.(3/520)
وإن وكيعا تمارض ولزم منزله.
فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى رجليه وساقه بمغرة فيقول: أنا عليل لا تمكنني الحركة.
وكان إذا أرسل إليه قوما يأتونه به تسللوا وأتوا وكيعا فأخبروه (ص 423) فدعا وكيع بسلاحه وبرمح، وأخذ خمار أم ولده فعقده عليه.
ولقيه رجل يقال له ادريس فقال له: يا أبا مطرف ! إنك تريد أمرا وتخاف ما قد أمنك الرجل منه، فالله الله.
فقال وكيع: هذا إدريس رسول إبليس ! أقتيبة يؤمننى ؟ والله لا آتيه حتى أوتى برأسه.
ودلف نحو فسطاط قتيبة، وتلاحق به الناس، وقتيبة في أهل بيته وقوم وفواله.
فقال صالح أخوه لغلامه: هات قوسى.
فقال له بعضم وهو يهزأ: أنه ليس هذا يوم قوس.
ورماه رجل من بنى ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط فقضى، وقتيبة عند رأسه.
وكان قتيبة يقول لحيان، وهو على الاعاجم.
احمل.
فيقول: لم يأن ذلك بعد.
وحملت العجم على العرب.
فقال حيان: يا معشر العجم ! لم تقتلون أنفسكم
لقتيبة ؟ الحسن بلائه عندكم ؟ فانحاز بهم إلى بنى تميم.
وتهايج الناس وصبر مع قتيبة اخوته، أهل بيته وقوم من أبناء ملوك السغد انفوا من خذلانه.
وقطعت أطناب الفسطاط وأطناب الفازة فسقطت على قتيبة أو سقط عمود الفازة على هامته فقتله.
فاحتز رأسه عبد الله بن علوان.
وقال قوم منهم هشام بن الكلبى: بل دخلوا عليه، فسطاطه فقتله جهم بن زحر الجعفي، وضربه سعد بن مجد، واحتز رأسه ابن علوان.
1003 - قالوا: وقتل معه جماعة من إخوته وأهل بيته وأم ولده الصماء.
ونجا ضرار بن مسلم، أمنه بنو تميم.(3/521)
وأخذت الازد رأس قتيبة وخاتمة.
وأتى وكيع برأس قتيبة فبعث به إلى سليمان مع سليط بن عطية الحنفي.
وأقبل الناس يسلبون باهلة فمنع من ذلك.
وكتب وكيع إلى أبى مجلز لاحق بن حميد بعهده على مرو فقبله، ورضى الناس به.
وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة.
ولما قبل وكيع بن أبى سود بصارم بخراسان (؟) وضبطها أراد سليمان توليته إياها فقيل له: إن وكيعا ترفعه الفتنة (ص 424) وتضعه الجماعة، وفيه جفاء وأعرابية.
وكان وكيع يدعو بطست فيبول والناس ينظرون إليه.
فمكث تسعة أشهر، حتى قدم عليه يزيد بن المهلب وكان بالعراق.
فكتب إليه سليمان أن يأتي خراسان، وبعث إليه بعهده.
فقدم يزيد مخلدا ابنه فحاسب وكيعا وحبسه وقال له: أد مال الله.
فقال: أو خازنا لله كنت ؟.
وغزا مخلد البتم ففتحها.
ثم نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم، فطمعوا في انصرافه، ثم كر عليهم حتى دخلها.
ودخلها جهم بن زحر وأصاب بها مالا وأصناما من ذهب، فأهل البتم ينسبون إلى ولائه.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانوا يرون أن عبد الله بن عبد الله بن الاهتم أبا خاقان قد كتب إلى الحجاج يسعى بقتيبة، ويخبر بما صار إليه من المال، وهو يومئذ خليفة قتيبة على مرو.
وكان قتيبة إذا غزا استخلفه على مرو.
فلما كانت غزوة بخارا وما يليها واستخلفه، أتاه بشير، أحد بنى الاهتم، فقال له: إنك قد انبسطت إلى عبد الله وهو ذو غوائل حسود، فلا نأمنه أن يعزلك فيستفسدنا.(3/522)
قال: إنما قلت هذا حسدا لابن عمك.
قال: فليكن عذرى عندك، فإن كان ذلك عذرتني.
وغزا، فكتب بما كتب به إلى الحجاج.
فطوى الحجاج كتابه في كتابه إلى قتيبة.
فجاء الرسول حتى نزل السكة بمرو وجاوزها ولم يأت عبد الله.
فأحس بالشر، فهرب فلحق بالشام، فمكث زمينا يبيع الخمر والكتانيات في رزمة على عنقه يطوف بها.
ثم إنه وضع خرقة وقطنة على إحدى عينيه ثم عصبها واكتنى بأبى طينة.
وكان يبيع الزيت.
فلم يزل على هذه الحال حتى هلك الوليد بن عبد الملك وقام سليمان، فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة.
وقام بخطبة تهنئة لسليمان ووقوعا في الحجاج وقتيبة.
وكانا قد بايعا لعبد العزيز بن الوليد وخلعا سليمان.
فتفرق الناس وهم يقولون: أبو طينة الزيات أبلغ الناس.
فلما انتهى إلى قتيبة كتاب ابن الاهتم إلى الحجاج وقد فاته، عكر على بنى عمه وبنيه.
وكان أحدهم شيبة أبو شبيب فقتل تسعة أناسى منهم أحدهم بشير.
فقال له بشير: اذكر عذرى عندك فقال: قدمت رجلا وأخرت رجلا يا عدو الله ! فقتلهم جميعا.
وكان وكيع بن أبى سود قبل ذلك على بنى تميم بخراسان.
فعزله عنهم قتيبة واستعمل رجلا من بنى ضرار الضبى.
فقال حين قتلهم: قتلني الله أنا أقتله.
وتفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر.
فقالوا له: إنك لم تصل.
فقال: وكيف أصلى لرب قتل مناعامتهم صبيان ولم يغضب لهم.
وقال أبو عبيدة: غزا قتيبة مدينة فيل ففتحها.
وقد كان أمية بن عبد الله ابن خالد بن أسيد فتحها.
ثم نكثوا، ورامهم يزيد بن المهلب فلم يقدر عليها: فقال كعب الاشقري: أعطتك فيل بأيديها وحق لها * ورامها قبلك الفجفاجة الصلف(3/523)
يعنى يزيد بن المهلب.
1004 - قالوا: ولما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إلى الاسلام.
فأسلم بعضهم وكان عامل عمر على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمى.
فأخذ مخلد بن يزيد وعمال يزيد فحبسهم.
ووجه الجراح عبد الله بن معمر اليشكرى إلى ما وراء النهر، فأوغل في بلاد العود، وهم بدخول الصين، فأحاطت به الترك حتى افتدى منهم وتخلص وصار إلى الشاش.
ورفع عمر الخراج على من أسلم بخراسان، وفرض لمن أسلم، وابتنى الخانات.
ثم بلغ عمر عن الجراح عصبية، وكتب إليه إنه لا يصلح أهل خرسان إلا السيف.
فأنكر ذلك وعزله.
وكان عليه دين (ص 426) فقضاه.
وولى
عبد الرحمن بن نعيم الغامدى حرب خراسان، وعبد الرحمن بن عبد الله القشيرى خراجها.
قال: وكان الجراح بن عبد الله يتخذ نقرا من فضة وذهب ويصيرها تحت بساط في مجلسه على أوزان مختلفة.
فإذا دخل عليه الداخل من إخوته والمعتزين به رمى إلى كل امرئ منهم مقدار ما يؤهل له.
ثم ولى يزيد بن عبد الملك، فولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخراسان.
فولى مسلمة سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبى العاصى بن أمية خراسان، وسعيد هذا يلقب حذيفة.
وذلك أن بعض دهاقين ما وراء النهر دخل عليه وعليه معصفر وقد رجل شعره.
فقال: هذا خذينة.
يعنى دهقانة.
وكان سعيد صهر مسلمة على ابنته.
فقدم سعيد سورة بن الحر الحنظلي،(3/524)
ثم ابنه، فتوجه إلى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها.
فحاربهم وهزمهم، ومنع الناس من طلبهم حينا.
ثم لقى الترك ثانية فهزموهم وأكثروا القتل في أصحابه.
وولى سعيد نصر ابن سيار.
وفى سعيد يقول الشاعر: فسرت إلى الاعداء تلهو بلعبة * فأيرك مشهور وسيفك مغمد وشخص قوم من وجوه أهل خراسان إلى مسلمة يشكون سعيدا فعزله.
وولى سعيد بن عمرو الجرشى خراسان.
فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده، وكان لحانا.
فقال سعيد: أيها الناس ! إن الامير برئ مما تسمعون من هذا اللحن.
ووجه إلى السغد يدعوهم إلى الفئة والمراجعة، وكف عن مهايجتهم حتى أتته رسله بإقامتهم على خلافه.
فزحف إليهم فانقطع عن عظيمهم زهاء عشرة آلاف رجل، وفارقوهم مائلين إلى الطاعة، وافتتح الجرشى عامة حصون السغد
ونال من العدو نيلا شافيا.
وكان يزيد بن عبد الملك ولى عهده (ص 427) هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بعده، فلما مات يزيد بن عبد الملك قام هشام.
فولى عمر ابن هبيرة الفزارى العراق فعزل الجرشى واستعمل على خراسان مسلم بن سعيد.
فغزا افشين، فصالحه على ستة آلاف رأس، ودفع إليه قلعته، ثم انصرف إلى مرو.
وولى طخارستان نصر بن سيار فخالفه خلق من العرب فأوقع بهم، ثم سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا.
واستعمل هشام خالد بن عبد الله القسرى على العراق.
فولى أسد بن عبد الله أخاه خراسان.
وبلغ ذلك مسلم بن سعيد فسار حتى أتى فرغانة، فأناخ على مدينتها، فقطع الشجر، وأخرب العمارة، وانحدر عليه خاقان الترك في عسكره،(3/525)
فارتحل عن فرغانة.
وسار في يوم واحد ثلاث مراحل، حتى ماتت دوابه، وتطرفت الترك عسكره.
فقال بعض الشعراء: غزوت بنا من خشية العزل عاصيا * فلم تنج من دنيا معن غرورها وقدم أسد سمرقند.
فاستعمل عليها الحسن بن أبى العمرطة.
فكانت الترك تطرق سمرقند وتغير.
وكان الحسن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم.
فخطب ذات يوم فدعا على الترك في خطبته فقال: اللهم اقطع آثارهم، وعجل أقدارهم، وأنزل عليهم الصبر.
فشتمه أهل سمرقند وقالوا: لا بل أنزل الله علينا الصبر وزلزل أقدامهم.
وغزا أسد جبال نمرود.
فصالحه نمرود وأسلم.
وغزا الختل، فلما قدم بلخ أمر ببناء مدينتها، ونقل الدواوين إليها.
وصار إلى الختل فلم يقدر منها على شئ.
وأصاب الناس ضر وجوع: وبلغه عن نصر بن سيار كلام فضربه وبعث به
إلى خالد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب.
ثم شخص أسد عن خراسان وخلف عليها الحكم بن عوانة الكلبى: واستعمل هشام أشرس بن عبد الله السلمى على خراسان.
وكان معه كاتب نبطى (ص 428) يسمى عميرة، ويكنى أبا أمية.
فزين له الشر.
فزاد أشرس في وظائف خراسان واستخف بالدهاقين، ودعا أهل ما وراء النهر إلى الاسلام، وأمر بطرح الجزية عن من أسلم.
فسارعوا إلى الاسلام وانكسر الخراج.
فلما رأى أشرس ذلك أخذ المسالمة.
فأنكروا ذلك وألاحوا منه.
وغضب لهم ثابت قطنة الازدي.
وإنما قيل له قطنة لان عينه فقئت فكان يضع عليها قطنة.
فبعث إليهم أشرس من فرق جمعهم.
وأخذنا ثابتا فحبسه ثم خلاه بكفالة ووجهه في وجه، فخرجت عليه الترك فقتلته.(3/526)
واستعمل هشام في سنة 112 الجنيد بن عبد الرحمن المرى على خراسان.
فلقى الترك فحاربهم، ووجه طلائع له فظفروا بابن خاقان وهو سكران يتصيد.
فأخذوه فأتوا به الجنيد بن عبد الرحمن.
فبعث به إلى هشام.
ولم يزل يقاتل الترك حتى دفعهم.
فكتب إلى هشام يستمده فأمده بعمرو بن مسلم في عشرة آلاف رجل من أهل البصرة، وبعبد الرحمن بن نعيم في عشرة آلاف من أهل الكوفة، وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس.
وأطلق يده في الفريضة، ففرض لخمسة عشر ألف رجل.
وكانت للجنيد مغاز، وانتشرت دعاة بنى هاشم في ولايته وقوى أمرهم.
وكانت وفاة الجنيد بمرو.
وولى هشام خراسان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: التاثت نواح من طخارستان فتحها الجنيد ابن عبد الرحمن وردها إلى صلحها ومقاطعتها.
قال: وكان نصر بن سيار غزا اشرو سنة أيام مروان بن محمد، فلم يقدر على شئ منها.
فلما استخلف أمير المؤمنين العباس رحمه الله ومن بعده من الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها، ويحاربون من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبلة، ويعيدون (ص 429) مصالحة من امتنع من الوفاء بصلحه بنصب الحرب له.
1005 - قالوا: ولما استخلف المأمون أمير المؤمنين أغزى السغد وأشروسنة ومن انتقض عليه من أهل فرغانة الجند، وألح عليهم بالحروب وبالغارات أيام مقامه بخراسان وبعد ذلك.
وكان مع تسريبه الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إلى الاسلام والطاعة والترغيب فيهما.
ووجه إلى كابل شاه جيشا فأدت الاتاوة وأذعن بالطاعة.
واتصل إليها البريد حتى حمل إليه منا أهليلج وصل رطبا.(3/527)
وكان كاوس ملك اشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل، المعروف بذى الرياستين، وهو وزير المأمون وكاتبه، يسأله الصلح على مال يؤديه على أن لا يغزى المسلمين بلده.
فأجيب إلى ذلك.
فلما قدم المأمون رحمه الله إلى مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح.
وكان له قهرمان أثير عنده قد زوج ابنته من الفضل بن كاوس.
فكان يقرظ الفضل عنده ويقربه من قلبه ويذم حيدر بن كاوس المعروف بالافشين ويشنعه.
فوثب حيدر على القهرمان فقتله على باب كنب مدينتهم، وهر إلى هاشم بن محور الختلى.
وكان هاشم ببلده مملكا عليه.
فسأله أن يكتب إلى أبيه في الرضى عليه.
وكان كاوس قد زوج أم جنيد حين قتل قهرمانه طراديس، وهرب ببعض دهاقينه.
فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الاسلام وشخص إلى مدينة السلام، فوصف
للمأمون سهولة الامر في أشر وسنة، وهون عليه ما يهوله الناس من خبرها، ووصف له طريقا مختصرة إليها.
فوجه المأمون أحمد بن أبى خالد الاحول الكاتب لغزوها في جيش عظيم.
فلما بلغ كاوس اقباله نحوه بعث الفضل ابن كاوس إلى الترك يستنجدهم، فأنجده منهم الدهم.
وقدم أحمد (ص 430) ابن أبى خالد بلد اشروسنة، فأناخ على مدينتها قبل موافاة الفضل بالاتراك.
فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطرق البعيدة، وأنه لا يعرف هذه الطريق المختصرة، فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم، وخرج في الطاعة.
وبلغ الفضل خبره فانحاز بالاتراك إلى مفازة هناك، ثم فارقهم وسار جادا حتى أتى أباه فدخل في أمانه.
وهلك الاتراك عطشا.
وورد كاوس مدينة السلام فأظهر الاسلام وملكه المأمون على بلاده.
ثم ملك حيدر ابنه وهو الافشين بعده.
وكان المأمون رحمه الله يكتب إلى عماله على خراسان في غزو من لم يكن على الطاعة والاسلام من أهل ما وراء النهر، ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب(3/528)
في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحى وأبناء ملوكهم، ويستميلهم بالرغبة، فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم.
ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك، حتى صار جل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السغد والفراغنة والاشروسنة وأهل الشاش وغيرهم.
وحضر ملوكهم بابه، وغلب الاسلام على من هناك، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك.
وأغزى عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله بلاد الغوزية ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله.
1006 - وحدثني العمرى، عن الهيثم بن عدى، عن ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب ما وراء النهر حتى أسكنهم أرض
فرغانة والشاش.(3/529)
فتوح السند 1007 - أخبرنا على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف قال: ولى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه عثمان بن أبى العاصى الثقفى البحرين وعمان سنة خمس عشرة.
فوجه أخاه (ص 431) الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان فأقطع جيشا إلى تانه.
فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك.
فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف ! حملت دودا على عود.
وإنى أحلف بالله إلو أصيبوا لاخذت من قومك مثلهم.
ووجه الحكم أيضا إلى بروص.
ووجه أخاه المغيرة بن أبى العاصى إلى خور الديبل، فلقى العدو فظفر.
فلما ولى عثمان بن عفان رضى الله عنه وولى عبد الله بن عامر بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره.
فوجه حكيم بن جبلة العبدى.
فلما رجع أوفده إلى عثمان، فسأله عن حال البلاد فقال: يا أمير المؤمنين ! قد عرفتها وتنحرتها.
قال: فصفها لى: قال: ماؤها وشل، وثمرها دقل، ولصها بطل.
إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا.
فقال له عثمان: أخابر أم ساجع ؟ قال: بل خاير.
فلم يغزها أحدا.(3/530)
فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة على ابن أبي طالب رضى الله عنه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدى متطوعا بإذن على.
فظفر وأصاب مغنما وسبيا، وقسم في يوم واحد ألف رأس.
ثم إنه قتل ومن معه بأرض القيقان، إلا قليلا.
وكان مقتله في سنة اثنتين وأربعين.
والقيقان من بلاد السند مما يلى خراسان.
ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبى صفرة في أيام معاوية سنة أربع وأربعين.
فأتى بنة وألاهو، وهما بين الملتان وكابل.
فلقيه العدو فقاتله ومن معه.
ولقى المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسا من الترك على خيل محذوفة، فقاتلوه فقتلوا جميعا، فقال المهلب: ما جعل هؤلاء الاعاجم أولى بالتمشير منا ؟ فحذف الخيل فكان أول من حذفها من المسلمين.
وفى بنة يقول الازدي (ص 432): ألم تر أن الازد ليلة بيتوا * ببنة كانوا خير جيش المهلب ثم ولى عبد الله بن عامر في زمن معاوية بن أبى سفيان عبد الله بن سوار العبدى.
ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند.
فغزا القيقان فأصاب مغنما.
ثم وفد إلى معاوية وأهدى إليه خيلا قيقانية، وأقام عنده، ثم رجع إلى القيقان فاستجاشوا الترك.
فقتلوه، وفيه يقول الشاعر: وابن سوار على علاته * موقد النار وقتال السغب وكان سخيا لم يوقد أحد نارا غير ناره في عسكره.
فرأى ذات ليلة نارا فقال: ما هذه ؟ فقالوا: امرأة نفساء يعمل لها خبيص.
فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثا.
وولى زياد بن أبى سفيان في أيام معاوية سنان بن سلمة بن المحبق الهذلى.(3/531)
وكان فاضلا متألها.
وهو أول من أحلف الجند بالطلاق.
فأتى الثغر، ففتح مكران عنوة ومصرها، وأقام بها، وضبط البلاد.
وفيه يقول الشاعر: رأيت هذيلا أحدثت في يمينها * طلاق نساء ما تسوق لها مهرا لهان على حلفة ابن محبق * إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا وقال ابن الكلبى: كان الذى فتح مكران حكيم بن جبلة العبدى.
ثم استعمل زياد على الثغر راشد بن عمرو الجديدى من الازد.
فأتى مكران، ثم غزا القيقان فظفر، ثم غزا الميد فقتل.
وقام بأمر الناس سنان ابن سلمة.
فولاه زياد الثغر.
فأقام به سنتين.
وقال أعشى همدان في مكران: وأنت تسير إلى مكران * فقد شحط الورد والمصدر ولم تك من حاجتى مكران * ولا الغزو فيها ولا المتجر (ص 433) وحدثت عنها ولم آتها * فما زلت من ذكرها أوجر بأن الكثير بها جائع * وأن القليل بها معور وغزا عباد بن زياد ثغر الهند من سجستان.
فأتى سناروذ.
ثم أخذ على حوى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهندمند.
فنزل كش، وقطع المفازة حتى أتى القندهار، فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم، وفتحها بعد أن أصيب رجال من المسلمين.
ورأى قلانس أهلها طوالا.
فعمل عليها.
فسميت العبادية.
وقال ابن مفرغ: كم بالجروم وأرض الهند من قدم * ومن سرابيل قتلى لا هم قبروا بقندهار ومن تكتب منيته * بقندهار يرجم دونه الخبر(3/532)
ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدى، ويكنى أبي الاشعث، ثغر الهند.
فغزا البوقان والقيقان.
فظفر المسلمون وغنموا.
وبث السرايا في بلادهم، وفتح قصدار وسبابها.
وكان سنان قد فتحها إلا أن أهلها انتقضوا.
وبها مات.
فقال الشام ر: حل بقصدار فأضحى بها * في القبر لم يقفل مع القافلين لله قصدار واعنابها * أي فتى دنيا أجنت ودين ثم ولى عبيدالله بن زياد بن حرى الباهلى.
ففتح الله تلك البلاد على يده.
وقاتل بها قتالا شديدا فظفر وغنم.
وقال قوم إن عبيدالله بن زياد (ص 434) ولى سنان بن سلمة.
وكان حرى على سراياه.
وفى حرى بن حرى يقول الشاعر: لولا طعانى بالبوقان ما رجعت * منه سرايا ابن حرى بأسلاب وأهل البوقان اليوم مسلمون.
وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكى بها مدينة سماها البيضاء، وذلك في خلافة المعتصم بالله.
ولما ولى الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى العراق ولى سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر.
فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان، فقتل.
وغلب العلافيان على الثغر.
واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
وهو أبو جرم.
فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر.
فغزا مجاعة فغنم، وفتح طوائف قندابيل.
ثم أتم فتحها محمد بن القاسم.
ومات مجاعة بعد سنة بمكران.
قال الشاعر:(3/533)
ما من مشاهدك التى شاهدتها * إلا يزينك ذكرها مجاعا
ثم استعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري.
فأهدى إلى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات أباؤهن، وكانوا تجارا.
فأراد التقرب بهن، فعرض للسفينة التى كن فيها قوم من ميد الديبل في بوارج.
فأخذوا السفينة بما فيها.
فنادت امرأة منهن، وكانت من بنى يربوع، يا حجاج ! وبلغ الحجاج ذلك.
فقال: يا لبيك ! فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة.
فقال: إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم.
فأغزى الحجاج عبيد الله بن نبهان الديبل، فقتل.
فكتب إلى بديل بن (ص 435) طهفة البجلى وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الدبيل.
فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو فقتلوه.
وقال بعضهم: قتله زط البدهة.
قال: وإنما سميت هذه الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها.
ثم ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل في أيام الوليد بن عبد الملك.
فغزا السند.
وكان محمد بفارس، وقد أمره أن يسير إلى الرى، وعلى مقدمته أبو الاسود جهم بن زحر الجعفي.
فرده إليه وعقد له على ثغر السند، وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام، وخلقا من غيرهم، وجهزه بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والمسال، وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما أعدله.
وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل.
فقال: إذا صرتم إلى السند فإن الخل بها ضيق، فأنقعوا هذا القطن في الماء ثم اطبخوا به واصطبغوا.
ويقال إن محمدا لما صار إلى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم.
فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل.
فسار محمد بن القسم إلى مكران فأقام بها أياما، ثم أت قنزبور ففتحها،(3/534)
ثم أتى أرمائيل ففتحها.
وكان محمد بن هارون بن ذراع قد لقيه، فانضم إليه وسار معه، فتوفى بالقرب منها، فدفن بقنبل.
ثم سار محمد بن القاسم من ارمائيل ومعه جهم بن زحر الجعفي فقدم الديبل يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والاداة.
فخندق حين نزل الديبل، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الاعلام، وأنزل (ص 436) الناس على راياتهم، ونصب منجنيقا تعرف بالعروس كان يمد فيها خمس مئة رجل.
وكان بالديبل بد عظيم عليه دقل طويل، وعلى الدقل راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة.
وكانت تدور.
والبد فيما ذكروا منارة عظيمة يتخذ في بناء هلم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها.
وقد يكون الصنم في داخل المنارة أيضا.
وكل شئ أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد.
والصنم بد أيضا.
وكانت كتب الحجاج ترد على محمد، وكتب محمد ترد عليه بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام.
فورد على محمد من الحجاج كتاب ان انصب العروس واقصر منها قائمة، ولتكن مما يلى المشرق، ثم ادع صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الذى وصفت لى.
فرمى الدقل فكسر فاشتدت طيرة الكفر من ذلك.
ثم إن محمدا ناهضهم وقد خرجوا إليه، فهزمهم حتى ردهم، وأمر بالسلاليم فوضعت، وصعد عليها الرجال.
وكان أولهم صعودا رجل من مراد من أهل الكوفة.
ففتحت عنوة.
ومكث محمد يقتل من فيها ثلاثة أبام، وهرب عامل داهر عنها، وقتل سادنا بيت آلهتهم.
واختط محمد للمسلمين بها وبنى مسجدا وأنزلها أربعة آلاف.(3/535)
1008 - قال احمد بن يحيى: فحدثني منصور بن حاتم النحوي مولى آل خالد بن أسيد أنه رأى الدقل الذى كان على منارة البد مكسورا، وأن عنبسة ابن اسحاق الضبى العامل كان على السند في خلافة المعتصم بالله رحمه الله هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجنا، وابتدأ في مرمة المدينة بما نقض من حجارة تلك المنارة.
فعزل قبل استتمام ذلك.
وولى بعده هارون بن أبى خالد المروروذى فقتل بها.
1009 - قالوا: وأني محمد بن القاسم البيرون.
وكان أهلها بعثوا سمنيين منهم إلى الحجاج فصالحوه.
فأقاموا (ص 437) لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم، ووفوا بالصلح.
وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها، حتى عبر نهرا دون مهران.
فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عن من خلفهم، ووظف عليهم الخراج، وسار إلى سهبان ففتحها.
ثم سار إلى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك داهر واستعد لمحاربته.
وبعث محمد بن القاسم محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفى إلى سدوسان في خيل وحمارات، فطلب أهلها الامان والصلح، وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ منهم رهنا، وانصرف إلى محمد ومعه من الزط أربعة آلاف، فصاروا مع محمد.
وولى سدوسان رجلا.
ثم إن محمدا احتال لعبور مهران حتى عبره مما يلى بلاد راسل ملك قصة من الهند، على جسر عقده.
وداهر مستخف به لاه عنه.
ولقيه محمد والمسلمون وهو على فيل وحوله الفيلة وممه التكاكرة.
فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله، وترجل داهر وقائل، فقتل عند المساء، وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا.
وكان الذى قتله في رواية المدائني رجلا من بنى كلاب وقال:(3/536)
الخيل تشهد يوم داهر والقنا * ومحمد بن القاسم بن محمد أنى فرجت الجمع غير معرد * حتى علوت عظيمهم بمهند فتركته تحت العجاج مجدلا * متعفر الخدين غير مؤسد 1010 - فحدثني منصور بن حاتم قال: داهر والذى قتله مصوران ببروص.
وبديل بن طهفة مصور بقند، وقبره بالديبل.
1011 - وحدثني على بن محمد المدائني، عن أبى محمد الهندي، عن أبى الفرج قال: لما قتل داهر غلب محمد بن القاسم على بلاد السند.
وقال ابن الكلبى: كان الذى قتل داهر القاسم (ص 438) بن ثعلبة بن عبد الله بن حصن الطائى.
1012 - قالوا: وفتح محمد بن القاسم راور عنوة.
وكانت بها امرأة لداهر، فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها.
ثم أتى محمد بن القاسم برهمناباذ العتيقة، وهى على رأس فرسخين من المنصورة، ولم تكن المنصورة يومئذ، إنما كان موضعها غيضة.
وكان فل داهر ببرهمناباذ هذه فقاتلوه، ففتحها محمد عنوة، وقتل بها ثمانية آلاف، وقبل ستة وعشرين ألفا وخلف فيها عامله وهى اليوم خراب.
وسار محمد يريد الرور وبغرور، فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الامان، إياه، واشترط عليهم ضيافة المسلمين ودلالتهم، وأهل ساوندرى اليوم مسلمون.
ثم تقدم إلى بسمد، فصالح أهلها على مثل صلح ساوندرى.(3/537)
وانتهى محمد إلى الرور، وهى من مدائن السند، وهى على جبل.
فحصرهم أشهرا ففتحها صلحا، على أن لا يقتلهم، ولا يعرض لبدهم وقال: ما البد
الا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس.
ووضع عليهم الخراج بالرور.
وبنى مسجدا.
وسار محمد إلى السكة، وهى مدينة دون بياس ففتحها.
والسكة اليوم خراب.
ثم قطع نهر بياس إلى الملتان.
فقاتله أهل الملتان، فأبلى زائدة بن عمير الطائى، وانهزم المشركون فدخلوا المدينة، وحصرهم محمد، ونفدت أزواد المسلمين، فأكلوا الحمر.
ثم أتاهم رجل مستأمن فدلهم على مدخل الماء الذى منه شربهم، وهو ماء يجرى من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في المدينة، وهم يسمونه البلاح.
فغوره، فلما (ص 439) عطشوا نزلوا على الحكم، فقتل محمد المقاتلة، وسبى الذرية، وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف.
وأصابوا ذهبا كثيرا.
فجمعت تلك الاموال في بيت يكون عشرة أذرع في ثمانى أذرع يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة في سطحه.
فسميت الملتان فرج بيت الذهب.
والفرج الثغر.
وكان بد الملتان بدا تهدى إليه الاموال وتنذر له النذور، ويحج إليه السند فيطوفون به ويحلقون رؤسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أن صنما فيه هو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم.
1013 - قالوا.
ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف، ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف.
فقال: شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر.(3/538)
ومات الحجاج فأتت محمدا وفاته، فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور، وكان قد فتحها فأعطى الناس، ووجه إلى البيلمان جيشا فلم يقاتلوا، وأعطوا
الطاعة.
وسالمه أهل سرست، وهى مغزى أهل البصرة اليوم، وأهلها الميد الذى يقطعون في البحر.
ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله، فانهزم العدو، وهرب دوهر، ويقال قتل.
ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى.
قال الشاعر: نحن قتلنا داهرا ودوهرا * والخيل تردى منسرا فمنسرا ومات الوليد بن عبد الملك وولى سليمان بن عبد الملك.
فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق، وولى يزيد بن أبى كبشة السكسكى السند فحمل محمد بن القاسم مقيدا مع معاوية بن المهلب.
فقال محمد متمثلا: أضاعوني وأى فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر فبكى أهل الهند على محمد، وصوروه بالكيرج.
فحبسه صالح بواسط فقال: (ص 440) فلئن ثويت بواسط وبأرضها * رهن الحديد مكبلا مغلولا فلرب فتية فارس قد رعتها * ولرب قرن قد تركت قتيلا وقال: لو كنت أجمعت القرار لوطئت * إناث أعدت للوغى وذكور وما دخلت خيل السكاسك أرضنا * ولا كان من عك على أمير ولا كنت للعبد المزونى تابعا * فيا لك دهر بالكرام عثور(3/539)
فعذبه صالح في رجال من آل أبى عقيل حتى قتله.
وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح، وكان يرى رأى الخوارج.
وقال حمزة بن بيض الحنفي: إن المروة والسماحة والندى * لمحمد بن القاسم بن محمد ساس الجيوش لسبع عشرة حجة * يا قرب ذلك سؤددا من مولد وقال آخر: ساس الرجال لسبع عشرة حجة * ولداته عن ذاك في أشغال ومات يزيد بن أبى كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوما.
واستعمل سليمان بن عبد الملك حبيب بن المهلب على حرب السند.
فقدمها وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم.
فرجع حليشه (كذا) بن داهر إلى برهمناباذ.
ونزل حبيب على شاطئ مهران، فأعطاه أهل الرور الطاعة.
وحارب قوما فظفر بهم.
ثم مات سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز بعده.
فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الاسلام والطاعة، على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشه والملوك، وتسموا بأسماء العرب.
وكان عمرو بن مسلم (ص 441) الباهلى عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند فظفر.
وهرب بنو المهلب إلى السند في أيام يزيد بن عبد الملك.
فوجه إليهم هلال بن أحوز التميمي، فلقيهم، فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل.
وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومروان ومعاوية بنى المهلب، وقتل معاوية بن يزيد في آخرين.(3/540)
وولى الجنيد بن عبد الرحمن المرى من قبل عمر بن هبيرة الفزارى ثغر
السند ثم ولاه إياه هشام بن عبد الملك.
فلما قدم خالد بن عبد الله القسرى العراق كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته.
فأتى الجنيد الديبل، ثم نزل شط مهران، فمنعه حليشه العبور، وأرسل إليه: إنى قد أسلمت وولانى الرجل الصالح بلادي، ولست آمنك.
فأعطاه رهنا وأخذ منه رهنا بما على بلاده من الخراج.
ثم انهما ترادا الرهن وكفر حليشه وحارب.
وقيل إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه.
فأتى الهند فجع جموعا وأخذ السفن واستعد للحرب.
فسار إليه الجنيد في السفن، فالتقوا في بطيحة الشرقي، فأخذ حليشه أسيرا وقد جنحت سفينته.
فقتله.
وهرب صصه بن داهر وهو يريد أن يمضى إلى العراق فيشكو غدر الجنيد، فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله.
وغزا الجنيد الكيرج، وكانوا قد نقضوا.
فاتخذ كباشا نطاحة فصك بها حائط المدينة حتى ثلمه، ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم.
ووجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص.
وكان الجنيد يقول: القتل في الجزع أكبر منه في الصبر.
ووجه الجنيد جيشا إلى أزين.
ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض المالية.
فأغاروا على أزين، وغزوا بهرمد فحرقوا ربضها.
وفتح الجنيد البيلمان والجزر، وحصل في منزله (ص 442) سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها.
قال جرير: أصبح زوار الجنيد وصحبه * يحيون صلت الوجه جما مواهبه(3/541)
وقال أبو الجويرية.
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بإحسانهم أو مجدهم قعدوا محسدون على ما كان من كرم * لا ينزع الله منهم ماله حسدوا ثم ولى بعد الجنيد تميم بن زيد العتبى.
فضعف ووهن، ومات قريبا من الديبل بماء يقال له ماء الجواميس.
وإنما سمى ماء الجواميس لانه يهرب بها إليه من ذباب زرق تكون بشاطئ مهران.
وكان تميم من اسخياء العرب.
وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف ألف درهم طاطرية، فأسرع فيها.
وكان قد شخص معه في الجند فتى من بنى يربوع يقال له خنيس، وأمه من طيئ إلى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في إقفاله، وعاذت بقبر غالب أبيه.
فكتب الفرزدق إلى تميم: أتتنى فعاذت يا تميم بغالب * وبالحفرة السافى عليها ترابها فهب لى خنيسا واتخذ فيه منة * لحوبة أم ما يسوغ شرابها تميم بن زيد لا تكونن حاجتى * بظهر ولا يجفى عليك جوابها فلا تكثر الترداد فيها فإننى * ملول لحاجات بطى طلابها فلم يدر ما اسم الفتى أهو حبيش أم خنيس، فأمر أن يقفل كل من كان اسمه على مثل هذه الحروف.
وفى أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد (ص 443) الهند ورفضوا مراكزهم فلم يعودوا إليها إلى هذه الغاية.
ثم ولى الحكم بن عوانة الكلبى وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة.
فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه، فبنى من وراء البحيرة مما يلى الهند مدينة سماها المحفوظة، وجعلها مأوى لهم ومعاذا، ومصرها.
وقال لمشايخ كلب من أهل(3/542)
الشام: ما ترون أن نسميها ؟ فقال بعضهم: دمشق.
وقال بعضهم: حمص.
وقال رجل منهم: سمها تدمر فقال: دمر الله عليك يا أحمق ! ولكني أسميها المحفوظة.
ونزلها.
وكان عمرو بن محمد بن القاسم مع الحكم، وكان يفوض إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله.
فأغزاه من المحفوظة.
فلما قدم عليه وقد ظفر، أمره فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة، فهى التى ينزلها العمال اليوم.
وتخلص الحكم ما كان في أيدى العدو مما غلبوا عليه، ورضى الناس بولايته.
وكان خالد يقول: واعجبا ! وليت فتى العرب فرفض.
يعنى تميما.
ووليت أبخل الناس فرضى به.
ثم قتل الحكم بها.
ثم كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم، ويفتحون الناحية قد نكث أهلها.
فلما كان أول الدولة المباركة ولى أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلسا العبدى ثغر السند، وأخذ على طخارستان، وسار حتى صار إلى منصور بن جمهور الكلبى وهو بالسند.
فلقيه منصور فقتله وهزم جنده.
فلما بلغ أبا مسلم ذلك عقد لموسى بن كعب التميمي ثم وجهه إلى السند، فلما قدمها كان بينه وبين منصور بن جمهور مهران، ثم التقيا فهزم منصورا وجيشه، وقتل منظورا أخاه، وخرج منصور مفلولا هاربا حتى ورد الرمل فمات عطشا.
وولى موسى السند فرم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح.
وولى أمير المؤمنين المنصور رحمه الله هشام بن (ص 444) عمرو التغلبي السند ففتح ما استغلق.
ووجه عمرو ابن جمل في بوارج إلى نارند.
ووجه إلى ناحية الهند، فافتتح قشمير، وأصاب سبايا ورقيقا كثيرا.
وفتح الملتان.
وكان بقندابيل متغلبة من(3/543)
العرب فأجلاهم عنها.
وأتى القندهار في السفن ففتحها.
وهدم البد وبنى موضعه مسجدا.
فأخصبت البلاد في ولايته، فتبركوا به.
ودوخ الثغر وأحكم أموره.
ثم ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزارمرد، ثم داود بن يزيد بن حاتم، وكان معه أبو الصمة المتغلب اليوم وهو مولى لكندة.
ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيما حتى وليه بشر بن داود في خلافة المأمون، فعصى وخالف.
فوجه إليه غسان بن عباد، وهو رجل من أهل سواد الكوفة، فخرج بشر إليه في الامان وورد به مدينة السلام.
وخلف غسان على الثغر موسى بن يحيى بن خالد بن برمك.
فقتل باله ملك الشرقي، وقد بذل له خمس مئة ألف درهم على أن يستبقيه.
وكان باله هذا التوى على غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره من الملوك فأبى ذلك.
وأثر موسى أثرا حسنا.
ومات سنة إحدى وعشرين، واستخلف ابنه عمران ابن موسى.
فكتب إليه أمير المؤمنين المعتصم بالله بولاية الثغر.
فخرج إلى القيقان، وهم زظ.
فقاتلهم فغلبهم، وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند.
ثم أتى المنصورة وصار منها إلى قندابيل، وهى مدينة على جبل، وفيها متغلب يقال له محمد بن الخليل.
فقاتله وفتحها، وحمل رؤساءها إلى قصدار.
ثم غزا الميد، وقتل منهم ثلاثة آلاف، وسكر سكرا يعرف بسكر الميد.
وعسكر عمران على نهر الرور، ثم نادى بالزط الذين بحضرته فأتوه، فختم أيديهم وأخذ (ص 445) الجزية منهم وأمرهم بأن يكون مع كل رجل منهم إذا اعترض عليه كلب، فبلغ الكلب خمسين درهما.
ثم غزا الميد ومعه وجوه الزط، فحفر من البحر نهرا أجراه في بطيحتهم حتى ملح ماؤهم، وشن الغارات عليهم.(3/544)
ثم وقعت العصبية بين النزارية واليمانية، فمال عمران إلى اليمانية.
فسار إليه عمر بن عبد العزيز الهبارى فقتله وهو غار.
وكان جد عمر هذا ممن قدم السند مع الحكم بن عوانة الكلبى.
1014 - وحدثني منصور بن حاتم قال: كان الفضل بن ماهان مولى بنى سامة فتح سندان وغلب عليها.
وبعث إلى المأمون رحمه الله بفيل وكاتبه.
ودعا له في مسجد جامع اتخذه بها.
فلما مات قام محمد بن الفضل بن ماهان مقامه.
فسار في سبعين بارجة إلى ميد الهند، فقتل منهم خلقا، وافتتح فالى.
ورجع إلى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان بن الفضل، وكاتب أمير المؤمنين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجا لم ير مثله عظما وطولا.
وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عليه فقتلوه وصلبوه.
ثم إن الهند بعد، غلبوا على سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون للخليفة.
1015 - وحدثني أبو بكر مولى الكريزيين أن بلدا يدعى العسيفان، بين قشمير والملتان وكابل، كان له ملك عاقل.
وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنما قد بنى عليه بيت وأبدوه.
فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت فقال لهم: ادعوا الصنم أن يبرئ ابني.
فغابوا عنه ساعة، ثم أتوه فقالوا: قد دعوناه وقد أجابنا إلى ما سألناه.
فلم يلبث الغلام أن مات.
فوثب الملك على البيت فهدمه، وعلى الصنم فكسره، وعلى السندنة فقتلهم.
ثم دعا قوما من تجار المسلمين فعرضوا عليه التوحيد.
فوحد وأسلم.
وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله (ص 446).(3/545)
في أحكام أراضي الخراج
1016 - قال بشر بن غياث: قال أبو يوسف: إيما أرض أخذت عنوة، مثل السواد والشام وغيرهما، فإن قسمها الامام بين من غلب عليها فهى أرض عشر، وأهلها رقيق.
وإن لم يقسمها الامام وردها للمسلمين عامة - كما فعل عمر بالسواد - فعلى رقاب أهلها الجزية، وعلى الارض الخراج، وليسوا برقيق.
وهو قول أبى حنيفة.
وحكى الواقدي عن سفيان الثوري مثل ذلك.
وقال الواقدي: قال مالك بن أنس، وابن أبى ذئب: إذا أسلم كافر من أهل العنوة أقرت أرضه في يده يعمرها ويؤدى الخراج عنها.
ولا اختلاف في ذلك.
وقال مالك، وابن أبى ذئب، وسفيان الثوري، وابن أبى ليلى، عن الرجل يسلم من أهل العنوة: الخراج في الارض والزكاة من الزرع بعد الخراج.
وهو قول الاوزاعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجتمع الخراج والزكاة على رجل.
وقال مالك، وابن أبى ذئب، وسفيان، وأبو حنيفة: إذا زرع الرجل أرضه الخراجية مرات في السنة لم يؤخذ منه إلا خراج واحد.
وقال ابن أبى ليلى: يؤخذ منه الخراج كلما أدركت له غلة.
وهو قول ابن أبى سبرة وأبى شمر.
وقال أبو الزناد، ومالك، وأبو حنيفة، وسفيان، ويعقوب، وابن أبى ليلى، وابن أبى سبرة، وزفر، ومحمد بن الحسن، وبشر بن غياث: إذا عطل رجل أرضه قيل له: ازرعها وأد خراجها وإلا فادفعها إلى غيرك يزرعها.
فأما أرض العشر فإنه لا يقال له فيها شئ، إن زرع أخذت منه الصدقة، وإن أبى فهو أعلم.(3/546)
وقالوا: إذا عطل رجل أرضه سنتين.
ثم عمرها أدى خراجا واحدا.
وقال أبو شمر: يؤدى الخراج للسنتين.
وقال أبو حنيفة، وسفيان، ومالك، وابن أبى ذئب، وأبو عمرو الاوزاعي: إذا أصابت الغلات آفة، أو غرق، سقط الخراج عن (ص 447) صاحبها.
وإذا كانت أرض من أراضي الخراج لعبد أو مكاتب أو امرأة فإن أبا حنيفة قال عليها الخراج فقط.
وقال سفيان، وابن أبى ذئب، ومالك، عليها الخراج وفيما بقى من الغلة العشر.
وقال أبو حنيفة: والثوري، في أرض الخراج بنى مسلم أو ذمى فيها بناء من حوانيت أو غيرها، أنه لا شئ عليه.
فإن جعلها بستانا ألزم الخراج.
وقال مالك، وابن أبى ذئب: نرى إلزامه الخراج، لان انتفاعه بالبناء كانتفاعه بالزرع.
فأما أرض العشر فهو أعلم ما اتخذ فيها.
وقال أبو يوسف: في أرض موات من أرض العنوة يحييها المسلم، أنها له، وهى أرض خراج إن كانت تشرب من ماء الخراج.
فإن استنبط لها عينا أو سقاها من ماء السماء فهى أرض عشر.
وقال بشر: هي أرض عشر شربت من ماء الخراج أو غيره.
وقال أبو حنيفة، والثوري، وأصحابهما، ومالك، وابن أبى ذئب، والليث ابن سعد، في أرض الخراج التى لا تنسب إلى أحد يقعد المسلمون فيها فيتبايعون ويجعلونها سوقا: أنه لا خراج عليهم فيها.
وقال أبو يوسف: إذا كانت في البلاد سنة أعجمية قديمة لم يغيرها الاسلام ولم يبطلها فشكاها قوم إلى الامام لما ينالهم من مضرتها فليس له أن يغيرها.
وقال مالك، والشافعي: يغيرها، وإن قدمت لان عليه نفى كل سنة جائرة سنها أحد من المسلمين فضلا عن ما سن أهل الكفر.(3/547)
ذكر العطاء في خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه 1017 - حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلى قال: حدثنا اسماعيل بن (ص 448) المجالد، عن أبيه مجالد بن سعيد، عن الشعبى قال: لما افتتح عمر العراق والشام وجبى الخراج جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنى قد رأيت أن أفرض العطاء لاهله.
فقالوا: نعم رأيت الرأى يا أمير المؤمنين.
قال: فبمن أبدأ ؟ قالوا: بنفسك.
قال: لا، ولكني أضع نفسي حيث وضعها الله، وأبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففعل، فكتب عائشة أم المؤمنين رحمها الله في اثنى عشر ألفا.
وكتب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف.
وفرض لعلى بن أبى طالب في خمسة آلاف.
وفرض مثل ذلك لمن شهد بدرا من بنى هاشم.
1018 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسى قال: ثنا حماد بن سلمة، عن الحجاج ابن أرطاة، عن حبيب بن أبى ثابت، أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن تتتابعن إلى العطاء.(3/548)
1019 - محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عائذ بن يحيى، عن أبى الحويرث، عن جبير بن الحويرث بن نقيذ أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه استشار المسلمين في تدوين الديوان.
فقال له على بن أبى طالب: تقسم كل سنة ما اجتمع
إليك من مال، ولا تمسك منه شيئا.
وقال عثمان: أرى مالا كثيرا يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن يشتبه الامر.
فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة: قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جندا.
فدون ديوانا وجند جندا.
فأخذ بقوله.
فدعا عقيل بن أبى طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من كتاب قريش فقال: اكتبوا الناس على منازلهم.
فبدؤا ببنى هاشم، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه على الخلافة.
فلما نظر إليه عمر قال: وددت والله أنه هكذا، ولكن ابدؤا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، الاقرب فالاقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى.
1020 - محمد، عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده قال: جاءت بنو عدى إلى (ص 449) عمر فقالوا: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة أبى بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا.
قال: بخ بخ بنى عدى ! أردتم الاكل على ظهرى، وأن أهب حسناتي لكم.
لا والله حتى تأتيكم الدعوة وأن يطبق عليكم الدفتر - يعنى ولو أن تكتبوا آخر الناس - إن لى صاحبين سلكا طريقا فإن خالفتهما خولف بى.
والله ما أدركنا الفضل في الدنيا وما نرجو الثواب على عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم(3/549)
فهو شرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الاقرب فالاقرب.
والله لئن جاءت الاعاجم بعمل وجئنا بغير عمل لهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه.
1021 - محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد، عن قوم آخرين سماهم الواقدي دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: لما أجمع عمر على تدوين الديوان، وذلك في المحرم سنة عشرين، بدأ ببنى هاشم في الدعوة، ثم الاقرب فالاقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان القوم إذا استووا في القرابة قدم أهل السابقة.
ثم انتهى إلى الانصار فقالوا: بمن نبدأ ؟ فقال أبدءوا برهط سعد بن معاذ الاشهلى من الاوس، ثم الاقرب فالاقرب لسعد.
وفرض عمر لاهل الديوان، ففضل أهل السوابق والمشاهد في الفرائض.
وكان أبو بكر قد سوى بين الناس في القسم.
فقيل لعمر في ذلك.
فقال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه.
فبدأ بمن شهد بدرا من المهاجرين والانصار، لكل رجل منهم خمسه آلاف درهم في كل سنة، حليفهم ومولاهم معهم بالسواء.
وفرض لمن كان له إسلام كإسلام أهل بدر، ومن مهاجرة الحبشة ممن شهد أحدا، أربعة آلاف درهم، لكل رجل.
وفرض لابناء البدريين ألفين ألفين، إلا حسنا وحسينا فإنه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم، (ص 450) ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف.(3/550)
وفرض للعباس بن عبد المطلب خمسة آلاف لقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: فرض له سبعة آلاف درهم.
وقال سائرهم: لم يفضل أحدا على أهل بدر إلا أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم، فإنه فرض لهن اثنى عشر ألفا اثنى عشر ألفا.
وألحق بهن جويرية بنت الحارث وصفية بنت حيى بن أخطب.
وفرض لمن هاجر قبل الفتح لكل رجل منهم ثلاثة آلاف درهم.
وفرض لمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفين.
وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين كفرائض مسلمة الفتح.
وفرض لعمر بن أبى سلمة أربعة آلاف.
فقال محمد بن عبد الله ابن جحش: لم تفضل عمر علينا ؟ فقد هاجر أباؤنا وشهدوا بدرا.
فقال عمر: أفضله لمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم.
فليأت الذى يستغيث بأم مثل أم سلمة أغثه.
وفرض لاسامة بن زيد أربعة آلاف.
فقال عبد الله بن عمر: فرضت لى في ثلاثة آلاف وفرضت لاسامة في أربعة آلاف.
وقد شهدت ما لم يشهد أسامة.
فقال عمر: زدته لانه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وكان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك.
ثم فرض للناس على منازلهم وقراءتهم القرآن وجهادهم.
ثم جعل من بقى الناس بابا واحدا.
فألحق من جاءه من المسلمين بالمدينة في خمسة وعشرين دينارا لكل رجل.
وفرض لآخرين معهم.(3/551)
وفرض لاهل اليمن وقيس بالشام والعراق لكل رجل ما بين ألفين إلى ألف إلى تسع مئة إلى خمس مئة إلى ثلاث مئة، ولم ينقص أحدا عن ثلاث مئة.
وقال: لئن كثر المال لافرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم ألفا لسفره، وألفا لسلاحه، وألفا يخلفه لاهله، وألفا لفرسه ونعله.
وفرض لنساء مهاجرات: فرض لصفية بنت عبد المطلب ستة آلاف درهم، ولاسماء بنت عميس ألف درهم، ولام كلثوم بنت عقبة ألف درهم، ولام عبد الله بن مسعود ألف درهم.
قال الواقدي: (ص 451) قد روى أنه فرض للنساء المهاجرات ثلاثة آلاف درهم لكل واحدة.
قال الواقدي في إسناده: وأمر عمر فكتب له عمال أهل العوالي.
فكان يجرى عليهم القوت.
ثم كان عثمان فوسع عليهم في القوت والكسوة.
وكان عمر يفرض للمنفوس مئة درهم، فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم، فإذا بلغ زاده.
وكان إذا أتى باللقيط فرض له في مئة، وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر بقدر ما يصلحه، ثم ينقله من سنة إلى سنة.
وكان يوصى بهم خيرا ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال.
1022 - وحدثنا محمد بن سعد، عن الواقدي قال: حدثنى حزام بن هشام الكعبي، عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديد فتأتيه النساء بقديد فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب، فيعطيهن في أيديهن، ثم(3/552)
يروح فينزل عسفان فيفعل ذلك أيضا حتى توفى.
1023 - محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبى بكر بن أبى سبرة، عن محمد بن زيد قال: كان ديوان حمير على عهد عمر على حدة.
1024 - محمد بن سعد قال: ثنا الواقدي قال: حدثنى عبد الله بن عمر العمرى، عن جهم بن أبى جهم قال: قدم خالد بن عرفطة العذري على عمر، فسأله
عن ما وراءه، فقال: تركتهم يسألون الله لك أن يزيد في عمرك من أعمارهم.
ما وطئ أحد القادسية إلا وعطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة.
وما من مولود ذكرا كان أو أنثى إلا ألحق في مئة وجريبين في كل شهر.
قال عمر: إنما هو حقهم، وأنا أسعد بأدآئه إليهم، لو كان من مال الخطاب ما أعطيتهموه، ولكن قد علمت أن فيه فضلا، فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء ابتاع منه غنما فجعلها بسوادهم، فإذا خرج عطاؤه ثانية ابتاع الرأس والرأسين فجعله فيها، فإن بقى أحد من ولده كان لهم شئ قد اعتقدوه.
فإنى لا أدرى ما يكون بعدى، وإني لاعم بنصيحتي من طوقنى (ص 452) الله أمره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات غاشا لرعينه لم يرح ريح الجنة.
1025 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عمرو، عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم فكتب إليه: إنا قد فعلنا، وبقى شئ كثير.(3/553)
فكتب إليه: إنه فيئهم الذى أفاءه الله عليهم، ليس هو لعمر ولا لآل عمر فاقسمه بينهم.
1026 - قال: وثنا وهب بن بقية ومحمد بن سعد قالا: ثنا يزيد بن هارون قال: أنبأ محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة أنه قدم على عمر من البحرين.
قال: فلقيته في صلاة العشاء الآخرة.
فسلمت عليه، فسألني عن الناس: ثم قال لى: ما جئت به.
قلت: جئت بخمس مئة ألف.
قال: هل تدرى ما تقول ؟
قلت: جئت بخمس مئة ألف.
قال: ماذا تقول ؟ قلت: مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف فعددت خمسا.
فقال: إنك ناعس، فارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فأتني.
قال أبو هريرة: فغدوت إليه.
فقال: ما جئت به ؟ قلت: خمس مئة ألف.
قال: أطيب ؟ قلت: نعم، لا أعلم إلا ذاك.
فقال للناس: إنه قدم علينا مال كثير.
فإن شئتم أن نعده لكم عددا، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا.
فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ! إنى قد رأيت هؤلاء الاعاجم يدونون ديوانا يعطون الناس عليه.(3/554)
قال: فدون الديوان وفرض للمهاجرين الاولين في خمسة آلاف، وللانصار في أربعة آلاف، ولازواج النبي صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر ألفا 1027 - قال يزيد: قال محمد: فحدثني ابن خصيفة، عن عبد الله بن رافع، عن برزة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذى لها.
فلما أدخل إليها قالت: غفر الله لعمر، غيرى من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا منى.
قالوا: هذا كله لك.
قالت: سبحان الله، (ص 453) واستترت منه بثوب.
ثم قالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبا.
ثم قالت لى: ادخلي يديك واقبضى
منه قبضة فاذهبي بها إلى بنى فلان من ذوى رحمها وأيتام لها.
فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب.
قالت برزة بنت رافع: فقلت غفر الله لك يا أم المؤمنين ! والله لقد كان لنا في هذا المال حق.
قالت: فلكم ما تحت الثوب.
فوجدنا تحته خمس مئة وثمانين درهما.
ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركنى عطاء لعمر بعد عامى هذا.
قال: فماتت.
1028 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن محمد بن عجلان قال: لما دون عمر الدواوين قال: بمن نبدأ ؟ قالوا بنفسك.
قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامنا، فبرهطه نبدأ، ثم بالاقرب فالاقرب.(3/555)
1029 - حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عمر بن الخطاب ألحق الحسن والحسين بأبيهما ففرض لهما خمسة آلاف درهم.
1030 - وحدثنا الحسين بن على بن الاسود قال: ثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: لما وضع عمر الديوان استشار الناس بمن يبدأ فقالوا: ابدأ بنفسك.
قال لا: ولكني أبدا بالاقرب فالاقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بهم.
1031 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبى اسحاق، عن مصعب بن سعد أن عمر فرض لاهل بدر في ستة آلاف ستة آلاف،
وفرض لامهات المؤمنين في عشرة آلاف عشرة آلاف، وفضل عائشة بألفين لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وفرض لصفية، وجويرية، في ستة آلاف ستة وآلاف، وفرض لنساء من المهاجرات في ألف ألف، منهن أم عبد وهى أم عبد الله بن مسعود.
1032 - حدثنا الحسين، قال: ثنا وكيع، عن اسماعيل (ص 454) بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم قال: فرض عمر لاهل بدر عربهم ومواليهم في خمسة آلاف خمسة آلاف.
وقال: لافضلنهم على من سواهم.
1033 - حدثنا الحسين، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: كان فيهم خمسة من العجم: منهم تميم الدارى، وبلال.
قال وكيع: الدار من لخم، ولكن الشعبى قال هذا.(3/556)
1034 - حدثنا الحسين قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الاسود بن قيس، عن شيخ لهم قال: سمعت عمر يقول: لئن بقيت إلى قابل لالحقن سفلة المهاجرين في ألفين ألفين.
1035 - وحدثنا أبو عبيد قال: ثنا عبد الله بن صالح المصرى، عن الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن خالد الفهمى، عن ابن شهاب أن عمر حين دون الدواوين فرض لازواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتى نكح نكاحا اثنى عشر ألف درهم اثنى عشر ألف درهم.
وفرض لجويرية وصفية بنت حيى بن أخطب ستة آلاف درهم، لانهما كانتا مما أفاء الله على رسوله.
وفرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا خسمة آلاف خمسه آلاف.
وفرض للانصار الذين شهدوا بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف.
وعم بفريضته كل صريح وحليف ومولى شهد بدرا فلم يفضل أحدا على أحد.
1036 - حدثنا عمرو الناقد وأبو عبيد قالا: ثنا أحمد بن يونس، عن أبى خيثمة قال: حدثنا أبو اسحاق، عن مصعب بن سعد أن عمر فرض لاهل بدر من المهاجرين والانصار ستة آلاف ستة آلاف.
وفرض لنساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشر آلاف، وفضل عليهن عائشة ففرض لها اثنى عشر ألف درهم.
وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف.(3/557)
وفرض للمهاجرات الاول أسماء بنت عميس، وأسماء بنت أبى بكر، وأم عبد الله بن مسعود ألفا ألفا.
1037 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: ثنا (ص 455) وكيع، عن محمد بن قيس الاسدي قال: حدثنى والدتى أم الحكم أن عليا ألحقها في مئة العطاء.
1038 - وحدثنا الحسين قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الشيباني، عن يسير بن عمرو أن سعدا فرض لمن قرأ القرآن في ألفين ألفين.
قال: فكتب إليه عمر: لا تعط على القرآن أحدا.
1039 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا سعيد بن أبى مريم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمر جعل عمرو بن العاصى في مائتين، لانه أمير، وعمير بن وهب الجمحى في مائتين لصبره على الضيق، وبسر بن أبى أرطاة في مائتين لانه صاحب فتح.
وقال: رب فتح قد فتحه الله على يده.
فقال أبو عبيد: يعنى بهذا العدد من الدنانير.
1040 - وقال أبو عبيد: ثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب أن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن افرض لمن بايع تحت الجشرة في مائتين من العطاء - قال: يعنى مائتي دينار -، وابلغ ذلك لنفسك بإمارتك، وافرض لخارجة بن حذافة في شرف العطاء لشجاعته.
1041 - وحدثنا أبو عبيد قال: ثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن محمد بن عجلان أن عمر فضل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر.(3/558)
فلم يزل الناس بعبد الله حتى كلم عمر، فقال: أتفضل على من ليس بأفضل منى ؟ فرضت له في ألفين، ولى في ألف وخمس مئة درهم.
فقال عمر: فعلت ذلك لان زيد بن حارثة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر.
وأن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمر.
1042 - وحدثني يحيى بن معين قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن خارجة بن مصعب، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع أو غيره، عن ابن عمر أنه كلم أباه في تفضيل أسامة عليه في العطاء وقال: والله ما سبقني إلى شئ.
فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنه (ص 456) كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك.
1043 - حدثنا محمد بن الصباح البزاز، حدثنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: إن قوما قدموا على عامل لعمر بن الخطاب، فأعطى العرب منهم وترك الموالى.
فكتب إليه عمر: أما بعد فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام.
1044 - حدثنا أبو عبيد، ثنا خالد بن عمرو، عن اسرائيل، عن عمار الدهنى، عن سالم بن أبى الجعد أن عمر جعل عطاء عمار بن ياسر ستة آلاف دره.
1045 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا خالد، عن اسرائيل، عن اسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين أن عمر جعل عطاء سلمان أربعة آلاف درهم.(3/559)
1046 - وحدثنا روح بن عبد المؤمن قال: حدثنى يعقوب، عن حماد، عن حميد، عن أنس قال: فرض عمر للهرمزان في ألفين من العطاء.
1047 - حدثنى العمرى قال: حدثنى أبو عبد الرحمن الطائى، عن المجالد، عن الشعبى قال: لما هم عمر بن الخطاب في سنة عشرين بتدوين الدواوين دعا بمخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم فأمرهما أن يكتبا الناس على منازلهم.
فكتبوا بنى هاشم، ثم اتبعوهم أبا بكر وقومه، وعمر وقومه.
فلما نظر عمر في الكتاب قال: وددت أنى في القرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
أبدؤا بالاقرب فالاقرب.
ثم ضعوا عمر بحيث وضعه الله.
فشكر العباس بن عبد المطلب رحمه الله على ذلك وقال: وصلتك رحم.
قال: فلما وضع عمر الديوان قال أبو سفيان بن حرب: أديوان مثل ديوان بنى الاصفر ؟ إنك إن فرضت للناس اتكلوا على الديوان وتركوا التجارة.
فقال عمر: لابد من هذا، فقد كثر فئ المسلمين.
قال: وفرض عمر لدهقان نهر الملك ولابن النخيرخان، ولخالد وجميل ابني بصبهرى دهقان الفلاليج، ولبسطام بن نرسى دهقان بابل وخطرنية، وللرفيل دهقان العال، وللهرمزان، ولجفينة العبادي في ألف (ص 457) ألف.
ويقال إنه فضل الهرمزان ففرض له ألفين.
1048 - وحدثنا أبو عبيد، عن اسماعيل بن عياش، عن أرطاة بن المنذر،
عن حكيم بن عمير أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الاجناد: ومن أعتقتم من الحمراء فأسلموا فالحقوهم بمواليهم، لهم مالهم وعليهم ما عليهم، وإن أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فاجعلوهم أسوتهم في العطاء.(3/560)
1049 - حدثنا هشام بن عمار، عن بقية، عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم، عن أبيه، عن أبى عبيدة أن رجالا من أهل البادية سألوه أن يرزقهم.
فقال: والله لا أرزقكم حتى أرزق أهل الحاضرة.
1050 - وحدثنا أبو عبيد قال: ثنا أبو اليمان قال: حدثنا صفوان بن عمرو قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن حصين أن مر للجند بالفريضة، وعليك بأهل الحاضرة.
1051 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا سعيد بن أبى مريم، عن عبيد الله بن عمر العمرى، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر كان لا يعطى أهل مكة عطاء، ولا يضرب عليهم بعثا ويقول هم كذا وكذا.
1052 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن شعبة، عن عدى بن ثابت، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك كلا فإلينا، ومن ترك مالا فلورثته.
1053 - حدثنى هشام بن عمار الدمشقي قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن سليمان ابن أبى العاتكة، وكلثوم بن زياد قالا: حدثنى سليمان بن حبيب أن عمر فرض لعيال المقاتلة وذريتهم العشرات.(3/561)
قال: فأمضى عثمان ومن بعده من الولاة ذلك، وجعلوها موروثة يرثها ورثة الميت ممن ليس في العطاء، حتى كان عمر بن عبد العزيز.
قال سليمان: فسألني عن ذلك فأخبرته بهذا.
فأنكر الوراثة وقال: اقطعها وأعم بالفريضة.
فقلت: فإنى أتخوف أن يستن بك من بعد في قطع الوراثة ولا يستن (ص 458) بك في عموم الفريضة.
قال: صدقت وتركهم.
1054 - حدثنى بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الله بن صالح، عن ابن لهيعة، عن أبى قبيل قال: كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يفرض للمولود إذا ولد في عشرة، فإذا بلغ أن يفرض له ألحق بالفريضة.
فلما كان معاوية فرض ذلك للفطيم.
فلما كان عبد الملك بن مروان قطع ذلك كله إلا عمن شاء.
1055 - حدثنا عفان: قال: حدثنا يزيد.
قال: أنبأ يحيى بن المتوكل، عن عبد الله بن نافع، عن ابن عمر أن عمر كان لا يفرض للمولود حتى يفطم.
ثم نادى مناديه: لا تعجلوا أولادكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الاسلام.
وحدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن زهير بن معاوية، عن أبى اسحاق أن جده مر على عثمان فقال له: كم معك من عيالك يا شيخ ؟ قال: معى كذا.
قال: قد فرضنا لك وفرضنا لعيالك مئة مئة.
1056 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا مروان بن شجاع الجزرى قال: اثبتنى عمر بن عبد العزيز وأنا فطيم في عشرة دنانير.(3/562)
1057 - حدثنا إبراهيم بن محمد الشامي قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان،
الثوري، عن أبى الجحاف، عن رجل من خثعم قال: ولد لى ولد فأتيت به عليا فأثبته في مئة.
1058 - حدثنى عمرو الناقد قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان، عن عبد الله بن شريك، عن بشر بن غالب قال: سئل الحسين بن على - أو قال: الحسن ابن على شك عمر (ص 459) - متى يجب سهم المولود ؟ قال: إذا استهل.
1059 - حدثنى عمرو الناقد قال: ثنا سفيان بن عيينه، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد أن ثلاثة مملوكين لبنى عفان شهدوا بدرا.
فكان عمر يعطى كل إنسان منهم كل سنة ثلاثة آلاف درهم.
1060 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا ابن أبى عدى، عن سفيان، عن زهير ابن ثابت، أو ابن أبى ذئب، عن ذهل بن أوس أن عليا أتى بمنبوذ فأثبته في مئة.
1061 - وحدثني عمرو والقاسم بن سلام قالا: حدثنا أحمد بن يونس، عن زهير، وحدثني عبد الله بن صالح المقرى، عن زهير بن معاوية قال: ثنا أبو إسحاق،(3/563)
عن حارثة بن المضرب أن عمر بن الخطاب أمر بجريب من طعام فعجن، ثم خبز، ثم ثرد بزيت، ثم دعا بثلاثين رجلا فأكلوا منه غداءهم، حتى أصدرهم.
ثم فعل بالعشى مثل ذلك.
فقال: يكفى الرجل جريبان كل شهر.
فكان يرزق الناس الرجل والمرأة والمملوك جريبين كل شهر.
قال عبد الله بن صالح: إن الرجل كان يدعو على صاحبه فيقول:
رفع الله جريبيك.
أي قطعهما عنك بالموت.
فبقى ذلك في ألسن الناس إلى اليوم.
1062 - حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنى أبو اليمان، عن صفوان بن عمرو، عن أبى الزاهرية أن أبا الدرداء قال.
رب سنة راشدة مهدية قد سنها عمر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، منها: المديان والقسطان 1063 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبى مريم، عن ابن لهيعة، عن قيس بن رافع، أنه سمع سفيان بن وهب يقول: قال عمر، وأخذ المدى بيد والقسط بيد: إنى قد فرضت لكل نفس مسلمة في كل شهر مديى حنطة وقسطي خل.
فقال رجل: والعبد ؟ قال: نعم والعبد.
1064 - حدثنى هشام بن عمار قال: ثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنى تميم ابن عطية قال: حدثنى عبد الله بن قيس أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى (ص 460) عليه، ثم قال: إنا أجرينا عليكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل(3/564)
شهر، وفى يديه المدى والقسط.
قال: فحركهما وقال: فمن انتقصهما فعل الله به كذا وكذا.
ودعا عليه.
1065 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا ابن أبى زائدة، عن معقل بن عبيد الله، عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا استوجب الرجل عطاءه ثم مات أعطاه ورثته.
1066 - حدثنا عفان وخلف البزار ووهب بن بقية قالوا: أنبأ يزيد بن هارون قال: أنبأ اسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم قال: قال الزبير بن العوام لعثمان بن عفان رضى
الله عنهما بعد موت عبد الله بن مسعود: اعطني عطاء عبد الله، فعياله أحق به من بيت المال.
فأعطاه خمسه عشر ألفا.
قال يزيد قال اسماعيل: وكان الزبير وصى ابن مسعود.
1067 - وحدثني ابن أبى شيبة قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن على بن صالح ابن حى، عن سماك بن حرب أن رجلا مات في الحى بعد ثمانية أشهر مضت من السنة، فأعطاه عمر ثلثى عطائه.(3/565)
أمر الخاتم 1068 - حدثنا عفان بن مسلم قال.
ثنا شعبة قال: أنبأ قتادة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى ملك الروم قيل له: إنهم لا يقرأون الكتاب إلا أن يكون مختوما.
قال: فاتخذ خاتما من فضة.
فكأني أنظر إلى بياضه في يده.
ونقش عليه: محمد رسول الله.
1069 - حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني قال: ثنا حماد بن زيد قال: أنبأ أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة، وجعل (ص 461) فصه من باطن كفه.
1070 - حدثنى محمد بن حيان الحياني قال: ثنا زهير، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة كله وفصه منه.
1071 - حدثنا عمرو الناقد قال: ثنا يزيد بن هارون، عن حميد،
عن الحسن قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصه حبشيا.(3/566)
1072 - حدثنا هدبة بن خالد قال: ثنا همام بن يحيى، عن عبد العزيز ابن صهيب، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد صنعت خاتما فلا ينقشن أحد على نقشه.
1073 - حدثنا بكر بن الهيثم قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري وقتادة قالا: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة، ونقش عليه محمد رسول الله.
فكان أبو بكر يختم به، ثم عمر، ثم عثمان، وكان في يده فسقط من يده في البئر، فنزفت فلم يقدر عليه، وذلك في النصف من خلافته.
فاتخذ خاتما ونقش عليه محمد رسول الله في ثلاثة أسطر.
قال قتادة: وحربه (كذا).
1074 - حدثنا هناد قال: ثنا الاسود بن شيبان قال: أخبرنا خالد بن سمير قال: انتقش رجل يقال له معن بن زائدة على خاتم الخلافة.
فأصاب مالا من خراج الكوفة على عهد عمر، فبلغ ذلك عمر، فكتب إلى المغيرة بن شعبة: إنه بلغني أن رجلا يقال له معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة، فأصاب به مالا من خراج الكوفة.
فإذا أتاك كتابي هذا فنفذ فيه أمرى، وأطع رسولي.
فلما صلى المغيرة العصر وأخذ الناس مجالسهم خرج ومعه رسول عمر.
فاشرأب الناس ينظرون إليه حتى وقف على معن.
ثم قال للرسول: إن أمير المؤمنين أمرنى أن أطيع أمرك فيه فمرنى بما شئت.
فقال للرسول: ادع لى بجامعة(3/567)
أعلقها في عنقه.
فأتى بجامعة (ص 462) فجعلها في عنقه وجبذها جبذا شديدا.
ثم قال للمغيرة: احبسه حتى يأتيك فيه أمر أمير المؤمنين.
ففعل.
وكان السجن يومئذ من قصب، فتمحل معن للخروج، وبعث إلى أهله: أن ابعثوا لى بناقتي وجاريتي وعباءتي القطوانية.
ففعلوا.
فخرج من الليل وأردف جاريته، فسار حتى إذا رهب أن يفصحه الصبح أناخ ناقته وعقلها، ثم كمن حتى كف عنه الطلب.
فلما أمسى أعاد على ناقته العباءة وشد عليها وأردف جاريته، ثم سار حتى قدم على عمر، وهو يوقظ المتهجدين لصلاة الصبح، ومعه درته.
فجعل ناقته وجاريته ناحية ثم دنا من عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال: وعليك.
من أنت ؟ قال: معن بن زائدة جئتك تائبا.
قال: ائت فلا يحييك الله.
فلما صلى صلاة الصبح قال للناس: مكانكم.
فلما طلعت الشمس قال: هذا معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة فأصاب فيه مالا من خراج الكوفة، فما تقولون فيه ؟ فقال قائل: اقطع يده.
وقال قائل: اصلبه.
وعلى ساكت.
فقال له عمر: ما تقول أبا الحسن.
قال: يا أمير المؤمنين رجل كذب كذبة عقوبته في بشره.
فضربه عمر ضربا شديدا - أو قال مبرحا - وحبسه.
فكان في الحبس ما شاء الله.
ثم إنه أرسل إلى صديق له من قريش: أن كلم أمير المؤمنين في تخلية سبيلى.
فكلمه القرشى فقال: يا أمير المؤمنين معن بن زائدة قد أصبته من العقوبة بما كان له أهلا، فإن رأيت أن تخلى سبيله.
فقال عمر: ذكرتني الطعن وكنت ناسيا.
على بمعن.
فضربه، ثم أمر به إلى السجن.
فبعث معن
إلى كل صديق له: لا تذكروني لامير المؤمنين.
فلبث محبوسا ما شاء الله.(3/568)
ثم إن عمر انتبه له، فقال: معن.
فأتى به فقاسمه وخلى سبيله.
1075 - حدثنى المفضل اليشكرى وأبو الحسن المدائني، عن (ص 463) ابن جابان، عن ابن المقفع قال: كان ملك الفرس إذا أمر بأمر وقعه صاحب التوقيع بين يديه، وله خادم يثبت ذكره عنده في تذكرة تجمع لكل شهر، فيختم عليها الملك خاتمه، وتخزن، ثم ينفذ التوقيع إلى صاحب الزمام وإليه الختم، فينفذه إلى صاحب العمل، فكيتب به كتابا من الملك، وينسخ في الاصل، ثم ينفذ إلى صاحب الزمام فيعرضه على الملك، فيقابل به ما في التذكرة، ثم يختم بحضرة الملك أو أوثق الناس عنده.
1076 - وحدثني المدائني، عن مسلمة بن محارب قال: كان زياد بن أبي سفيان أول من اتخذ من العرب ديوان زمام وخاتم امتثالا لما كانت الفرس تفعله.
1077 - حدثنى مفضل اليشكرى قال: حدثنى ابن جابان، عن ابن المقفع قال: كان لملك من ملوك فارس خاتم للسر، وخاتم للرسل، وخاتم للتخليد، يختم به السجلات والاقطاعات وما أشبه ذلك من كتب التشريف، وخاتم للخراج.
فكان صاحب الزمام يليها.
وربما أفرد بخاتم السر والرسائل رجل من خاصة الملك.
1078 - وحدثني أبو الحسن المدائني، عن ابن جابان،(3/569)
عن ابن المقفع قال: كانت الرسائل بحمل المال تقرأ على الملك، وهى
تكتب في صحف بيض.
وكان صاحب الخراج يأتي الملك كل سنة بصحف موصلة قد أثبت فيها مبلغ ما اجتبى من الخراج، وما أنفق في وجوه النفقات، وما حصل في بيت المال، فيختمها ويجريها.
فلما كان كسرى بن هرمز ابرويز تأذى بروائح تلك الصحف وأمر أن لا يرفع إليه صاحب ديوان خراجه ما يرفع إلا في صحف مصفرة بالزعفران وماء الورد، وأن لا تكتب الصحف التى تعرض عليه بحمل المال وغير ذلك إلا مصفرة، ففعل ذلك.
فلما ولى صالح بن عبد الرحمن خراج العراق تقبل منه ابن المقفع بكور دجلة، ويقال بالبهقباذ، فحمل مالا.
فكتب رسالته في جلد (ص 464) وصفرها.
فضحك صالح وقال: انكرت أن يأتي بها غيره.
يقول: لعلمه بأمور العجم.
1079 - قال أبو الحسن: وأخبرني مشايخ من الكتاب أن دواوين الشام إنما كانت في قراطيس، وكذلك الكتب إلى ملوك بنى أمية في حمل المال وغير ذلك.
فلما ولى أمير المؤمنين المنصور أمر وزيره أبا أيوب الموريانى أن يكتب الرسائل بحمل الاموال في صحف، وأن تصفر الصحف.
فجرى الامر على ذلك.(3/570)
أمر النقود 1080 - حدثنا الحسين بن الاسود قال: ثنا يحيى بن آدم قال: حدثنى الحسن بن صالح قال: كانت الدراهم من ضرب الاعاجم مختلفة كبارا وصغارا.
فكانوا يضربون منها مثقالا، وهو وزن عشرين قيراطا، ويضربون منها وزن اثنى عشر قيراطا، ويضربون عشرة قراريط، وهى أنصاف المثاقيل.
فلما جاء الله بالاسلام واحتيج في أداء الزكاة إلى الامر الوسط
أخذوا عشرين قيراطا واثنى عشر قيراطا وعشرة قراريط.
فوجدوا ذلك اثنين وأربعين قيراطا.
فضربوا على وزن الثلث من ذلك وهو أربعة عشر قيراطا، فوزن الدرهم العربي أربعة عشر قيراطا من قراريط الدينار العزيز، فصار وزن كل عشرة دراهم سبع مثاقيل.
وذلك مئة وأربعون قيراطا وزن سبعة.
1081 - وقال غير الحسن بن صالح: كانت دراهم الاعاجم ما العشرة منها وزن عشرة مثاقيل، وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل، وما العشرة منها وزن خمسة مثاقيل.
فجمع ذلك فوجد إحدى وعشرين مثقالا.
فأخذ ثلثه وهو سبعة مثاقيل، فضربوا دراهم وزن العشرة منها سبعة مثاقيل.
القولان يرجعان إلى شئ (ص 465) واحد.
1082 - وحدثني محمد بن سعد قال: ثنا محمد بن عمر الاسلمي قال: ثنا عثمان ابن عبد الله بن موهب عن أبيه، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كانت دنانير هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية، وترد عليهم دراهم الفرس البغلية.
فكانوا لا يتبايعون إلا(3/571)
على أنها تبر.
وكان المثقال عندهم معروف الوزن، وزنه اثنان وعشرون قيراطا إلا كسرا، ووزن العشرة الدراهم سبعة مثاقيل.
فكان الرطل اثنى عشر أوقية، وكل أوقية أربعين درهما.
فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأقره أبو بكر وعمر وعثمان وعلى.
فكان معاوية فأقر ذلك على حاله.
ثم ضرب مصعب بن الزبير في أيام عبد الله بن الزبير دراهم قليلة كسرت بعد.
فلما ولى عبد الملك بن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير.
فكتب إلى الحجاج بن يوسف أن يضرب الدراهم على خمسة عشر قيراطا من قراريط الدنانير.
وضرب هو الدنانير الدمشقية.
قال عثمان، قال أبي: فقدمت علينا المدينة وبها نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، فلم ينكروا ذلك.
قال محمد بن سعد: وزن الدرهم من دراهمنا هذه أربعة عشر قيراطا من قراريط مثقالنا الذى جعل عشرين قيراطا.
وهو وزن خمسة عشر قيراطا من إحدى وعشرين قيراطا وثلاثة أسباع.
1083 - حدثنى محمد بن سعد قال: ثنا محمد بن عمر قال: حدثنى إسحاق ابن حازم، عن المطلب بن السائب، عن أبى وداعة السهمى أنه أراه وزن المثقال.
قال: فوزنته فوجدته وزن مثقال عبد الملك بن مروان.(3/572)
قال: هذا كان عند أبى وداعة بن ضبيرة (ص 466) السهمى في الجاهلية.
1084 - وحدثني محمد بن سعد قال: ثنا الواقدي، عن سعيد بن مسلم ابن بابك، عن عبد الرحمن بن سابط الجمحى قال: كانت لقريش أوزان في الجاهلية.
فدخل الاسلام فأقرت على ما كانت عليه.
كانت قريش تزن الفضة بوزن تسميه درهما، وتزن الذهب بوزن تسميه دينارا.
فكل عشرة من أوزان الدراهم سبعة أوزان الدنانير.
وكان لهم وزن الشعيرة وهو واحد من الستين من وزن الدرهم.
وكانت لهم الاوقية وزن أربعين درهما.
والنش وزن عشرين درهما.
وكانت لهم النواة وهى وزن خمسة دراهم.
فكانوا يتبايعون بالتبر على هذه الاوزان.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقرهم على ذلك.
1085 - محمد بن سعد، عن الواقدي قال: حدثنى ربيعة بن عثمان، عن وهب بن كيسان قال: رأيت الدنانير والدراهم قبل أن ينقشها عبد الملك ممسوحة.
وهى وزن الدنانير التى ضربها عبد الملك.
1086 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عثمان بن عبد الله ابن موهب، عن أبيه قال: قلت لسعيد بن المسيب: من أول من ضرب الدنانير(3/573)
المنقوشة ؟ فقال: عبد الملك بن مروان، وكانت الدنانير ترد رومية، والدراهم كسروية وحميرية قليلة.
قال سعيد: فأنا بعثت بتبر إلى دمشق فضرب لى على وزن المثقال في الجاهلية.
1087 - وحدثني محمد بن سعد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن أبيه أن أول من ضرب وزن سبعة الحارث بين عبد الله بن أبى ربيعة المخزوى أيام ابن الزبير.
1088 - وحدثني محمد بن سعد، قال: حدثنى محمد بن عمر، قال: ثنا ابن أبى الزناد، عن أبيه أن عبد الملك أول من ضرب الذهب عام الجماعة سنة أربع وسبعين قال أبو (ص 467) الحسن المدائني: ضرب الحجاج الدراهم آخر سنة خمس وسبعين، ثم أمر بضربها في جميع النواحى سنة ست وسبعين.
1089 - وحدثني دواود الناقد قال سمعت مشايخنا يتحدثون أن العباد
من أهل الحيرة، كانوا يتروجون على مئة وزن ستة يريدون وزن ستين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن ثمانية يريدون ثمانين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن خمسة يريدون وزن خمسين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن مئة مثقال.
قال داود الناقد: رأيت درهما عليه ضرب هذه الدراهم بالكوفة سنة ثلاث وسبعين فاجمع النقاد أنه معمول.
وقال: رأيت درهما شاذا لم ير مثله، عليه عبيدالله بن زياد، فأنكر أيضا.(3/574)
1090 - حدثنى محمد بن سعد قال: حدثنى الواقدي، عن يحيى بن النعمان الغفاري، عن أبيه قال: ضرب مصعب الدراهم بأمر عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الاكاسرة، وعليها بركة، وعليها الله.
فلما كان الحجاج غيرها.
وروى عن هشام بن الكلبى أنه قال: ضرب مصعب مع الدراهم دنانير أيضا.
1091 - حدثنى داود الناقد قال: حدثنى أبو الزبير الناقد قال: ضرب عبد الملك شيئا من الدنانير في سنة أربع وسبعين، ثم ضربها سنة خمس وسبعين، وأن الحجاج ضرب دراهم بغلية كتب عليها: بسم الله.
الحجاج.
ثم كتب عليها بعد سنة.
الله أحد الله الصمد.
فكره ذلك الفقهاء، فسميت مكروهة.
قال: ويقال إن الاعاجم كرهوا نقصانها فسميت مكروهة.
قال: وسميت السميرية بأول من ضربها واسمه سمير.
1092 - حدثنى عباس بن هشام الكلبى، عن أبيه قال: حدثنى عوانة ابن الحكم أن الحجاج سأل عن ما كانت الفرس تعمل به في ضرب الدراهم.
فاتخذ دار ضرب وجمع فيها الطباعين.
فكان يضرب المال للسلطان مما يجتمع له من التبر وخلاصة الزيوف والستوقة والبهرجة.
ثم أذن للتجار وغيرهم في أن
تضرب لهم الاوراق، واستغلها من فضول ما كان يؤخذ من (ص 468) فضول الاجرة للصناع والطباعين.
وختم ايدى الطباعين.
فلما ولى عمر بن هبيرة العراق ليزيد بن عبد الملك خلص الفضة أبلغ من تخليص من قبله، وجود الدراهم.
فاشتد في العيار.(3/575)
ثم ولى خالد بن عبد الله البجلى ثم القسرى العراق لهشام بن عبد الملك، فاشتد في النقود أكثر من شدة ابن هبيرة، حتى أحكم أمرها أبلغ من أحكامه.
ثم ولى يوسف بن عمر بعده فأفرط في الشدة على الطباعين وأصحاب الغيار، وقطع الايدى وضرب الابشار.
فكانت الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بنى أمية.
ولم يكن المنصور يقبل في الخراج من نقود بنى أمية غيرها.
فسميت الدراهم الاولى المكروهة.
1093 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي، عن ابن أبى الزناد، عن أبيه أن عبد الملك بن مروان أول من ضرب الذهب والورق بعد عام الجماعة.
قال: فقلت لابي: أرأيت قول الناس إن ابن مسعود كان يأمر بكسر الزيوف ؟ قال: تلك زيوف ضربها الاعاجم فغشوا فيها.
1094 - حدثنى عبد الاعلى بن حماد النرسى قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا داود بن أبى هند، عن الشعبى، عن علقمة بن قيس أن ابن مسعود كانت له بقاية في بيت المال، فباعها بنقصان.
فنهاه عمر بن الخطاب عن ذلك فكان يدينها بعد ذلك.
1095 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي، عن قدامة بن موسى أن عمرو وعثمان كانا إذا وجدا الزيوف في بيت المال
جعلاها فضة.(3/576)
1096 - حدثنى الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن ابن أبى الزناد، عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز أتى برجل يضرب على غير سكة السلطان، فعاقبه وسجنه، وأخذ حديده فطرحه في النار.
1097 - حدثنى محمد بن سعد، عن الواقدي، عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن عبد الملك بن مروان أخذ رجلا يضرب على غير سكة المسلمين فأراد (ص 469) قطع يده ثم ترك ذلك وعاقبه.
قال المطلب: فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسنوا ذلك من فعله وحمدوه.
قال الواقدي: وأصحابنا يرون فيمن نقش على خاتم الخلافة المبالغة في الادب والشهرة، وأن لا يرون عليه قطعا، وذلك رأى أبى حنيفة والثوري.
وقال مالك وابن أبى ذئب وأصحابهما: نكره قطع الدرهم إذا كانت على الوفاء، وننهى عنه لانه من الفساد.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بقطعها إذا لم يضر ذلك بالاسلام وأهله.
1098 - حدثنى عمرو الناقد قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم، عن ابن عون، عن ابن سيرين أن مروان بن الحكم أخذ رجلا بقطع الدراهم.
فقطع يده، فبلغ ذلك زيد بن ثابت فقال: لقد عاقبه.
قال اسماعيل: يعنى دراهم فارس.
1099 - قال محمد بن سعد وقال الواقدي: عاقب أبان بن عثمان، وهو على(3/577)
المدينة، من يقطع الدراهم.
ضربه ثلاثين وطاف به.
وهذا عندنا فيمن قطعها
ودس فيها المفرغة والزيوف.
1100 - وحدثني محمد، عن الواقدي، عن صالح بن جعفر، عن ابن كعب في قوله * (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) * (1) قال: قطع الدراهم.
1101 - حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا يحيى بن سعيد قال: ذكر لابن المسيب رجل يقطع الدراهم فقال سعيد: هذا من الفساد في الارض.
1102 - حدثنا عمرو الناقد قال: ثنا اسماعيل بن ابراهيم قال: ثنا يونس بن عبيد، عن الحسن قال: كان الناس وهم أهل كفر قد عرفوا موضع هذا الدرهم من الناس فجودوه وأخلصوه: فلما صار إليكم غششتموه وأفسدتموه.
ولقد كان عمر بن الخطاب قال: هممت أن أجعل الدراهم من جلود الابل.
فقيل له إذا لا بعير.
فأمسك (ص 470).
__________
(1) سورة هود، 11، الآية 87.
(*)(3/578)
أمر الخط 1103 - حدثنى عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبى، عن أبيه، عن جده، وعن الشرقي بن القطامى قال: اجتمع ثلاثة نفر من طيئ ببقة وهم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة فوضعوا الخط، وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية.
فتعلمه منهم قوم من أهل الانبار، ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الانبار.
وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندى ثم السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين، وكان نصرانيا.
فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة.
ثم أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يكتب، فسألاه أن يعلمهما الخط، فعلمها الهجاء، ثم أراهما الخط فكتبا.
ثم إن بشرا وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان ابن سلمة الثقفى فتعلم الخط منهم.
وفارقهم يشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منة عمرو بن زرارة بن عدس فسمى عمرو الكاتب.
ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك.
وتعلم الخط من الثلاثة الطائيين أيضا رجل من طابخة كلب، فعلمه رجلا من أهل وادى القرى، فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قوما من أهلها.(3/579)
1104 - وحدثني الوليد بن صالح ومحمد بن سعد قالا: حدثنا محمد بن عمر الواقدي، عن خالد بن الياس، عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى جهم العدوى قال: دخل الاسلام وفى قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب: عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، وطلحة، ويزيد بن أبى سفيان، وأبو حذيفة بن عتبة (ص 471) بن ربيعة، وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن عمرو العامري من قريش، وأبو سلمة بن عبد الاسد المخزومى، وأبان بن سعيد ابن العاصى بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، ومعاوية بن أبى سفيان، وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف.
ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي.
1105 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للشفاء بنت عبد الله العدوية من رهط عمر بن الخطاب: ألا تعلمين حفصة رقنة النملة كما علمتها الكتابة وكانت الشفاء كاتبة في الجاهلية.
1106 - وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن أسامة بن زيد، عن عبد الرحمن بن سعد قال: كانت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكتب.(3/580)
1107 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن ابن أبى سبرة، عن علقمة بن أبى علقمة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تكتب.
1108 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن فروة، عن عائشة بنت سعد أنها قالت: علمني أبى الكتاب.
1109 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن موسى بن يعقوب، عن عمته، عن أمها كريمة بنت المقداد أنها كانت تكتب.
1110 - حدثنى الوليد، عن الواقدي، عن ابن أبى سبرة، عن ابن عون، عن ابن مياح، عن عائشة أنها كانت تقرأ المصحف ولا تكتب.
1111 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن عبد الله بن يزيد الهذلى، عن سالم سبلان، عن أم سلمة أنها كانت تقرأ ولا تكتب.
1112 - وحدثني الوليد، ومحمد بن سعد، عن الواقدي،
عن أشياخه قالوا: أول من كتب لرسول (ص 472) الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة أبى بن كعب الانصاري.
وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان.
فكان أبى إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد(3/581)
ابن ثابت الانصاري فكتب له.
فكان أبى وزيد يكتبان الوحى بين يديه وكتبه إلى من يكاتب من الناس وما يقطع وغير ذلك.
قال الواقدي: وأول من كتب له من قريش عبد الله بن سعد بن أبى سرح، ثم ارتد ورجع إلى مكة وقال لقريش.
انا آتى بمثل ما يأتي به محمد.
وكان يمل عليه الطالمين فيكتب الكافرين.
يمل عليه سميع عليم، فيكتب غفور رحيم.
وأشباه ذلك.
فأنزل الله * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شئ، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) *.
(1) فلما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
فكلمه فيه عثمان بن عفان وقال: أخى من الرضاع وقد أسلم.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتركه، وولاه عثمان مصر.
فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، وشرحبيل ابن حسنة الطابخى من خندف حليف قريش.
ويقال بل هو كندى.
وكتب له جهيم بن الصلت مخرمة، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد بن العاصى، والعلاء بن الحضرمي.
فلما كان عام الفتح أسلم معاوية، وكتب له أيضا.
ودعاه يوما وهو يأكل فأبطأ فقال: لا أشبع الله بطنه.
فكان يقول: لحقتني دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل.
1113 - وقال الواقدي وغيره: كتب حنظلة بن الربيع بن رباح الاسيدى، من بنى تميم، بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، فسمى
حنظلة الكاتب.
__________
(1) سورة الانعام، 6، الآية 93.
(*)(3/582)
وقال الواقدي: كان الكتاب بالعربية في الاوس والخزرج قليلا.
وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الاول.
فجاء الاسلام وفى الاوس والخزرج عدة يكتبون.
وهم: سعد بن عبادة ابن دليم، والمنذر بن عمرو، وأبى بن (ص 473) كعب، وزيد بن ثابت.
فكان يكتب العربية والعبرانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن حضير، ومعن ابن عدى البلوى حليف الانصار، وبشير بن سعد، وسعد بن الربيع، وأوس ابن خولى، وعبد الله بن أبى المنافق.
قال: فكان الكملة منهم - والكامل من يجمع إلى الكتاب الرمى والعوم - رافع بن مالك، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وعبد الله ابن أبى، وأوس بن خولى.
وكان من جمع هذه الاشياء في الجاهلية من أهل يثرب سويد بن الصامت، وحضير الكتائب.
قال الواقدي: وكان جفينة العبادي من أهل الحيرة نصرانيا ظئرا لسعد ابن أبى وقاص.
فاتهمه عبيدالله بن عمر بمشايعة أبى لؤلؤة على قتل أبيه، فقتله وقتل ابنيه.
1115 - حدثنا اسحاق بن أبى اسرائيل قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود، وقال لى: إني لا آمن يهودا على كتابي.
فلم يمر بى نصف شهر حتى تعلمته.
فكنت أكتب له إلى
بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الاول.
فجاء الاسلام وفى الاوس والخزرج عدة يكتبون.
وهم: سعد بن عبادة ابن دليم، والمنذر بن عمرو، وأبى بن (ص 473) كعب، وزيد بن ثابت.
فكان يكتب العربية والعبرانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن حضير، ومعن ابن عدى البلوى حليف الانصار، وبشير بن سعد، وسعد بن الربيع، وأوس ابن خولى، وعبد الله بن أبى المنافق.
قال: فكان الكملة منهم - والكامل من يجمع إلى الكتاب الرمى والعوم - رافع بن مالك، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وعبد الله ابن أبى، وأوس بن خولى.
وكان من جمع هذه الاشياء في الجاهلية من أهل يثرب سويد بن الصامت، وحضير الكتائب.
قال الواقدي: وكان جفينة العبادي من أهل الحيرة نصرانيا ظئرا لسعد ابن أبى وقاص.
فاتهمه عبيدالله بن عمر بمشايعة أبى لؤلؤة على قتل أبيه، فقتله وقتل ابنيه.
1115 - حدثنا اسحاق بن أبى اسرائيل قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود، وقال لى: إني لا آمن يهودا على كتابي.
فلم يمر بى نصف شهر حتى تعلمته.
فكنت أكتب له إلى يهود، وإذا كتبوا إليه قرأت كتابهم.(3/583)
تم كتاب فتوح البلدان.
والحمد لله الواحد الديان وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وأصحابه وسلامه(3/584)