بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنساً - رضي الله عنه - أخبره قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته: "عمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته"(1).
والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد وابن سعد والدارمي وأبو يعلى وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى عن قتادة به(2).
وفي لفظ عند مسلم وأحمد عن قتادة قال: "سألت أنساً كَمْ حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واحدة (3)
__________
(1) صحيح البخاري3/4كتاب العمرة،باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، و4/58كتاب الجهاد، باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره،5/101كتاب المغازي،باب غزوة الحديبية".
(2) صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن". وسنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة".
وسنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم؟
ومسند أحمد 3/134و245، و256، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171".
وسنن الدارمي 1/360". ومسند أبي يعلى 3/283 و 298 أ و ب رقم (303).
وصحيح ابن خزيمة 4/358". والسنن الكبرى 4/345 و357، و9/56". ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي".
(3) وروى مسلم من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "حدثني زيد بن أرقم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة، وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة، حجة الوداع".
قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى". (صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم) قال النووي: "قوله: "قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى" يعني قبل الهجرة، وقد روي في غير مسلم: "قبل الهجرة حجتان، (شرح النووي على صحيح مسلم 3/391).
قلت: "الحديث الذي أشار إليه النووي عند غير مسلم: "رواه الترمذي وابن خزيمة والدارقطني كلهم من طريق زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين الهاشمي عن أبيه عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: "حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة" الحديث".
ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد ابن الحباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي - روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي الزياد، وسألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النّبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعدّ هذا الحديث محفوظاً". وقال: "إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلاً". (سنن الترمذي 2/155 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحيح ابن خزيمة 4/352 وسنن الدارقطني 2/278).
قلت: "في التقريب 1/273: "زيد بن الحباب: "صدوق يخطىء في حديث النووي". إهـ". وقد تابعه عبد الله بن داود الخريْبِي في شيخه سفيان الثوري عند ابن ماجة وعبد الله ثقة، وهي متابعة تامة، ورجال ابن ماجة ثقات، ما عدا جعفر بن محمد فقال عنه ابن حجر: "صدوق". (سنن ابن ماجة 2/1027 كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم).(19/2)
، واعتمر أربع عمر".
حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود:
300- قال: "حدثنا أبو سلمة(1) موسى ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا(2) بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم(3) اليسرى"(4)".
__________
(1) أبو سلمة: "هو التبوذكي، ثقة ثبت تقدم في حديث (91)، وحماد: "ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) وابن خُثيم "صدوق" تقدم في حديث (164) وسعيد بن جبير "ثقة ثبت فقيه" تقدم في حديث (92).
(2) قوله: "فرملوا"، قال النووي: "الرمل بفتح الراء والميم، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يثب وثبا، والرمل مستحب في الطوفات الثلاث الأول من السبع، ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج واختلفوا في ذلك الطواف وهما قولان للشافعي ففي أصحهما: "أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي". ويتصوّر ذلك في طواف القدوم، ويتصوّر في طواف الإفاضة، ولا يتصوّر في طواف الوداع؛ لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة، فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم وفي نيته أنه يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه، بل يرمل في طواف الإفاضة".
والقول الثاني: "أنه يرمل في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا، واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا المروة". (شرح النووي 3/397). ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك (العدة للمقدسي ص 188).
(3) العاتق: "ما بين المنكب والعنق، والمراد أن يجعل الرداء تحت العاتق الأيمن ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر". (المصباح المنير 2/465، وعون المعبود 5/337).
(4) سنن أبي داود 1/435 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف".(19/3)
والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به".
وزادوا بعد قوله "الجعرانة" فاضطبعوا(1)".
ورواه أيضا أبو داود وأحمد والطبراني كلهم من طريق حماد بن سلمة أنبأنا عبد اله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل(2) عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثاً ومشوا أربعاً"(3).
ورواه البيهقي من طريق يحيى(4) بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن أبي الطُّفيل عن عبد الله بن عباس قال: "اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ورملوا ثلاثة أشواط ومشوا أربعا"(5).
فهذا الحديث رواه عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن شيخين هما سعيد بن جبير وأبو الطفيل، وتابع يحيى بن سليم الطائفي حماد بن سلمة في شيخه عبد الله بن عثمان بن خثيم.
وحديث ابن عباس من طريق سعيد بن جبير عنه قال فيه الشوكاني: "وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح".
وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم(6). إهـ.
وصححه الألباني أيضا(7).
وحديث ابن عباس الثاني من طريق أبي الطُّفيل عنه.
رجاله رجال الصحيح أيضاً.
وقال الألباني: "هذا إسناد صحيح(8)".
__________
(1) مسند أحمد 1/306و371 والمعجم الكبير للطبراني 12/62". والسنن الكبرى 5/79 ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي".
(2) أبو الطفيل: "هو عامر بن واثلة".
(3) سنن أبي داود 1/436 كتاب المناسك، باب في الرمل". ومسند أحمد 1/295 و306". والمعجم الكبير للطبراني 10/328".
(4) قال فيه ابن حجر في التقريب 2/349: "صدوق سيء الحفظ".
(5) السنن الكبرى 5/79".
(6) نيل الأوطار 5/44 وانظر التلخيص الحبير 2/231".
(7) إرواء الغليل 4/292-293.
(8) المصدر السابق 4/293.(19/4)
حديث ابن عباس أيضا عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود قال:
301- حدثنا النفيلي(1) وقتيبة(2) قالا أخبرنا داود(3) بن عبدالرحمن العطار عن عمرو(4) بن دينار عن عكرمة(5) عن ابن عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر":
الأولى: "عمرة الحديبية".
والثانية: "حين(6) تواطؤوا على عمرة من قابل:
والثالثة: "من الجعرانة:
والرابعة: "التي قرن مع حجته"(7).
والحديث رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وابن سعد وابن حبان، والحاكم الجميع من طريق داود بن عبد الرحمن العطار به(8)".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وأعله الترمذي بالإرسال، فقد ساق الحديث عن قتيبة عن داود ابن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر" الحديث".
__________
(1) النفيلي: "هو عبد الله بن محمد "ثقة حافظ". (التقريب 1/448).
(2) قتيبة بن سعد بن جميل، ثقة ثبت.
(3) داود بن عبدالرحمن العطار أبو سليمان المكي، ثقة،لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه، من الثامنة،(ت174أو175)./ع".(التقريب1/233 وتهذيب التهذيب3/192).
(4) عمرو بن دينار المكي، ثقة ثبت".
(5) عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت" تقدم في حديث (67).
(6) قوله: "حين تواطؤوا على عمرة من قابل"، أي: "حين توافقوا وصالحوا في الحديبية على أداء العمرة في السنة القابلة". (عون المعبود 5/470).
(7) سنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة.
(8) سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج باب ما جاءكم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنن ابن ماجة 2/999 كتاب المناسك، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسند أحمد 1/246و 321.
وسنن الدارمي 1/379 كتاب المناسك، باب كَمِ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والطبقات الكبرى لابن سعد 2/170، وصحيح ابن حبان كما في موارد الظمآن ص 251، المستدرك للحاكم 3/50.(19/5)
ثم قال: "وفي الباب عن أنس(1) وعبد الله(2) بن عمرو وابن عمر، قال أبو عيسى: "حديث ابن عباس حديث غريب".
وروى ابن عيينة هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، ولم يذكر فيه عن ابن عباس".
حدثنا بذلك سعيد(3) بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه(4)".إهـ.
وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم كلاهما من طريق منصور(5) عن مجاهد عنه إلاّ أنه قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب". وهذا سياقه:
__________
(1) حديث أنس تقدم برقم (299).
(2) وحديث عبد الله بن عمرو، قال المباركفوري: "فلينظر من أخرجه". (تحفة الأحوذي 3/547).
(3) ثقة تقدم في حديث (51)، وسفيان بن عيينة تقدم في حديث (51).
(4) سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم".
(5) منصور: "هو ابن المعتمر". (فتح الباري 3/600 وتهذيب التهذيب 10/312).(19/6)
302- عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون صلاة الضحى، قال فسألناه عن صلاتهم فقال: "بدعة(1)، ثم قال له(2): "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: "أربعا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان(3) عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أماه يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟(4)". قالت: "ما يقول؟ قال: "يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب، قالت: "يرحم الله أبو عبد الرحمن، ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط"(5).
__________
(1) قال النووي: "وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: "هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أنّ أصلاتها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال قوله: "بدعة أي المواظبة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقناً بحديث أبي الدرداء، وأبي ذر، أو يقال: "إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى و أمره بها، ثم قال: "وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/370 و3/392).
(2) عند مسلم: "فقال له عروة يا أبا عبد الرحمن".
(3) الاستنان: "استعمال السواك، وهو افتعال من الأسنان: "أي يمره عليها". (النهاية لابن الأثير 2/411).
(4) أبو عبد الرحمن: "كنيتة عبد الله بن عمر".
(5) صحيح البخاري 3/3 كتب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم و5/117 كتاب المغازي، باب عمرة القضاء".(19/7)
وفي لفظ عند مسلم: فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: "وابن عمر يسمع فما قال: "لا، ولا نعم، سكت"(1).
قال النووي: "- أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك، قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته:
عمرة من العام المقبل في ذي القعدة.
وعمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة.
وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة.
وعمرة مع حجته.
وفي الرواية الأخرى "حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر" هذه رواية أنس.
وفي رواية ابن عمر "أربع عمر إحداهن في رجب" وأنكرت ذلك عائشة وقالت لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قط في رجب، فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر، وكانت:
إحداهن: "في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة".
والثانية: "في ذي القعدة وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء".
والثّالثة: "في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح".
والرابعة: "مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة".
وأما قول ابن عمر إن إحداهن في رجب، فقد أنكرته عائشة، وسكت ابن عمر حين أنكرته".
قال العلماء: "هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك، ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام، فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه"(2)".
وقال ابن قيم الجوزية: "من قال من العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فقد غلط، فإن عمره صلى الله عليه وسلم مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء البتة".
__________
(1) صحيح مسلم2/916-917 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن".
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 3/390 وفتح الباري 3/602، والإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص 104-105".(19/8)
ثم قال: "وعذر من قال بأنه اعتمر في رجب، حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب" وهو متفق عليه".
وقد غلطته عائشة وغيرها، كما في الصحيحين".
عن مجاهد، قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة" الحديث".
وفيه "ثم قلنا له: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن: "في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أمه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: "ما يقول؟
قال:يقول:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب".
قالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة قط إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط".
وكذلك قال أنس وابن عباس: "إن عمره كلها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب(1)".
وقال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم".
وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث"(2)". إهـ".
وهكذا فقد خفيت على ابن عمر عمرة الجعرانة أيضا فقد روى مسلم وابن خزيمة كلاهما من طريق حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها" الحديث(3)".
__________
(1) زاد المعاد 2/122و 124".
(2) فتح الباري 3/602".
(3) تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271).(19/9)
ورواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية" الحديث وفيه "قال نافع: "ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله"(1)".
قال النووي: "نفي ابن عمر هذا محمول على نفي علمه، أي أنه لم يعلم ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة علم".
وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه(2)".
وقال ابن كثير: "وهذا غريب جدا عن ابن عمر وعن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وذكر ذلك أصحاب المغازي والسنن كلهم".
إلى أن قال: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها(3)".
وقال ابن حجر: "وقد خفيت عمرة الجعرانة على ابن عمر كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش(4) الكعبي فيما أخرجه الترمذي(5)".
__________
(1) تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271).
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 4/206 وانظر حديث أنس ص (712).
(3) البداية والنهاية 4/366".
(4) محرش - بضم أوله وفتح المهملة وكسر الراء الثقيلة - وشين معجمة، ويقال: "بسكون الحاء المهملة - وفتح الراء وكسر الميم - وهو ابن سويد بن عبد الله بن مرة الخزاعي الكعبي، عداده في أهل مكة، صحابي له حديث في عمرة الجعرانة".
وهكذا قال الحميدي وعمرو بن علي الفلاس، بأنه بالحاء المهملة، وقيل: "إنه مخرش - بالخاء المعجمة"./ د ت س". (التقريب 2/232 وتهذيب التهذيب10/58-59 والإصابة 3/369، والاستيعاب3/504 معالإصابة وأسد الغابة5/104، والخلاصة للخزرجي 3/77).
(5) فتح الباري 3/600و 6/253".(19/10)
قلت: "الحديث أيضاً، أخرجه أبو داود والنسائي والحميدي والدارمي والفسوي والشافعي وأحمد وابن سعد والبيهقي وهذا سياقه عند الترمذي:
303- قال: "حدثنا محمد(1) بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد(2) عن ابن جريج(3) عن مزاحم(4) بن أبي مزاحم عن عبد العزيز(5) بن عبد الله عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة(6)
__________
(1) محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار - بضم الباء الموحدة وسكون النون - ثقة من العاشرة (ت 252). / ع". (التقريب 2/147، وتهذيب التهذيب 9/70، والمغني لابن طاهر الهندي ص 11).
(2) يحيى بن سعيد هو القطان "ثقة متقن حافظ" تقدم في حديث (74).
(3) ابن جريج هو عبدالملك بن عبدالعزيز "ثقة فقيه فاضل يدلس"(التقريب1/520).
(4) مزاحم بن أبي مزاحم المكي، مولى عمر بن عبد العزيز، ويقال مولى طلحة، مقبول، من السادسة". / د ت س". (التقريب 2/240 وفي تهذيب التهذيب 10/101, والخلاصة 3/20 وثقة ابن حبان، وقيل هو: "مزاحم بن زفر بن الحارث الضبي ورده ابن حجر، ولم يذكر البخاري وابن أبي حاتم في مزاحم بن أبي مزاحم جرحا ولا تعديلا". (التاريخ الكبير للبخاري 8/23 والجرح و التعديل 8/405).
(5) عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد - بفتح الهمزة- الأموي، ثقة: "من الثالثة، ولي إمرة مكة، لعبد الملك بن مروان، (ت في خلافة هشام بن عبد الملك) ووهم من ذكره في الصحابة"./ د ت س". (التقريب1/501، وتهذيب التهذيب6/342 والإصابة 3/156).
(6) قال ابن قيم الجوزية: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعمرة من الجعرانة ودخلها في هذه العمرة ليلا، وخرج ليلا، فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر كما يفعل أهل مكة اليوم، وإنما أحرم منها في حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عمرته ليلا، رجع من فوره إلى الجعرانة، فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس، خرج من بطن سرف حتى جامع الطريق، طريق جمع ببطن سرف، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس". (زاد المعاد 2/95).
وقال ابن حجر: "وقد نقل أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر من الجعرانة مرتين مرة في عمرة القضاء، ومرة في عمرة هوازن، ثم قال: "وهو غلط واضح، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عمرة القضاء من الجعرانة، وكيف يتصور أن يتوجه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى جهة الطائف حتى يحرم من الجعرانة، ويتجاوز ميقات المدينة؟ وكيف يلتئم هذا؟ مع قول من نقل هذا القيل إنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات، بل في الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة". إلا التي مع حجته: "عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته".
ثم قال: "وذكر الواقدي أن إحرامه من الجعرانة كان ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة، بقيت من ذي القعدة". (التلخيص الحبير 2/230-231 ومغازي الواقدي 3/958).(19/11)
ليلاً معتمراً فدخل مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جاء مع الطريق، طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس".
قال أبو عيسى: "هذا الحديث حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث(1)".
والحديث رواه أحمد والنسائي والدارمي وابن سعد والبيهقي والشافعي الجميع من طريق ابن جريج قال: " أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم به(2)".
ورواه أبو داود من طريق سعيد(3) بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم به(4)".
ورواه الشافعي وأحمد والحميدي والنسائي وابن عبد البر كلهم من طريق سفيان بن عيينة قال: "ثنا إسماعيل(5) بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم به". بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا كأنه سبيكة فضة فاعتمر ثم أصبح بها كبائت" لفظ النسائي(6).
ولفظ الحميدي وأحمد "فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة".
ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي من طريق الحميدي(7)".
__________
(1) سنن الترمذي 2/207 كتاب الحج، باب ما جاء في العمرة من الجعرانة".
(2) مسند أحمد 3/426و 427، وسنن النسائي 5/157 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". وسنن الدارمي1/380 كتاب المناسك، باب الميقات في العمرة". والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171". والسنن الكبرى للبيهقي 4/357". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم".
(3) سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم الأموي مولاهم، مقبول، من الثامنة". /د س". (التقريب 1/305 وتهذيب التهذيب 4/82).
(4) سنن أبي داود 1/461 كتاب المناسك، باب المُهِلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج".
(5) إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، تقدم في حديث (1).
(6) سنن النسائي 5/157-158 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم، ومسند أحمد 3/426و 5/380 ومسند الحميدي 2/380 والاستيعاب 3/504 مع الإصابة
(7) المعرفة والتاريخ 3/279(19/12)
والبيهقي من طريق الشافعي(1)".
ورواه مالك بلاغاً(2)".
والحديث مداره على مزاحم بن أبي مزاحم، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"(3)".
وحسن حديثه هذا في الإصابة (4)".إهـ".
وعمرة الجعرانة ثابتة من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عباس(5)".
ومن حديث أبي هريرة ابن خزيمة، وابن حبان من طريقه، وهذا سياقه عند ابن خزيمة:
304- قال حدثنا أحمد(6) بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن الزهري عن ابن المسيب(7) عن أبي هريرة في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}،[سورة التوبة، من الآية: "1]. قال: "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة"(8).
والحديث أخرجه ابن حبان من هذه الطريق وبهذا المتن دون قوله:{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}،[سورة التوبة، من الآية: 1](9).
والحديث رجاله ثقات".
وقد عزاه ابن كثير لعبد الرزاق بهذا الإسناد والمتن ثم قال: "وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد فأما أبو بكر فإنما كان أميرا سنة تسع(10)".
__________
(1) السنن الكبرى 4/357
(2) الموطأ 1/331
(3) 2/240".
(4) 3/369".
(5) تقدم حديث أنس برقم 299".وحديث ابن عباس برقم 300، و301".
(6) أحمد ابن منصور ابن سيار البغدادي، الرمادي - موضع باليمن - أبو بكر، ثقة حافظ، طعن فيه أبو دواد لمذهبه في الوقف في القرآن، من الحادية عشرة (ت 265)./ق".(التقريب 1/26 وتهذيب التهذيب 1/83، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/36).
(7) هو سعيد بن المسيب".
(8) صحيح ابن خزيمة 4/362".
(9) موارد الظمآن ص 251".
(10) تفسير ابن كثير 2/332". وحديث (107).(19/13)
305- وأخرج ابن سعد قال: "أخبرنا موسى(1) ابن داود أخبرنا ابن لعيهة(2) عن عياض(3) بن عبد الرحمن عن محمد(4) بن جعفر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، وقال: "اعتمر منها سبعون نبيا"(5). والحديث معضل".
وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى فقال: "وأخرج ابن سعد عن محمد بن جعفر ثم ساق الحديث(6)".
ومما تقدم يتّضح لنا أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح، وأن من نفاها فلا حجة معه في مقابلة من أثبتها، وأن الأحاديث الصحيحة دلت أيضا على أن هذه العمرة كانت في ذي القعدة".
قال ابن كثير: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها".
وهم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين".
وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا:
__________
(1) موسى ابن داود الضبي "صدوق فقيه زاهد له أوهام" تقدم في حديث (219).
(2) عبد الله بن لهيعة "صدوق" تقدم في حديث 64".
(3) عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن، الفهري المدني، نزيل مصر، فيه لين، من السابعة". /م د س ق". (التقريب 2/96 وتهذيب التهذيب 8/201 والخلاصة للخزرجي 2/215، وفي ميزان الاعتدال 3/307 رمز له ب (صح) إشارة إلى أنه ثقة ثم قال: "عن ابن المنكدر، وثق، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، سمع منه ابن وهب، وعلم له بـ(م س ق)، وأسقط (د) فالله أعلم بالصواب".
(4) لعله محمد بن جعفر بن الزبير الأسدي، وهو ثقة من السادسة".
(5) الطبقات الكبرى 2/172".
(6) الخصائص 2/99، قال محقق الخصائص الدكتور / محمد خليل هراس: "قوله: "اعتمر منها سبعون نبيا" فهي زيادة لم أقف لها على أصل".(19/14)
306- حدثنا الحسن(1) بن إسحاق التستري ثنا عثمان(2) بن أبي شيبة ثنا محمد(3) بن الحسن الأسدي ثنا إبراهيم(4) بن طهمان عن أبي الزبير(5) عن عمير(6) مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال(7)".
فإنه غريب جدا وفي إسناده نظر(8)".إهـ".
__________
(1) كذا هنا "الحسن" وفي المعجم الكبير للطبراني والصغير 1/ 139 "الحسين" ولم أجد ترجمة "الحسن" ولا "الحسين".
(2) عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، من العاشرة (ت 239). / خ م د س ق". (التقريب 2/13-14 وتهذيب التهذيب 7/149).
(3) محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي، لقبه، التل - بفتح المثناة وتشديد اللام - صدوق فيه لين، من التاسعة (ت 200)/ خ س ق". (التقريب 2/154وتهذيب التهذيب 9/117، والخلاصة 2/393، وفي هدي الساري، له في البخاري حديثان وروى له أبو داود والنسائي ورمز لمن أخرج له (خ د س ت) انظر ص 438". وذكر (ت)، خطأ فإن المباركفوري لم يذكر محمد بن الحسن بن الزبير في رجال الترمذي (مقدمة تحفة الأحوذي 2/108).
(4) إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور ثم مكة، ثقة يغرب، تكلم فيه، للإرجاء، ويقال رجع عنه، من السابعة (ت 168)./ع". (التقريب 1/36 وتهذيب التهذيب 1/129). ورمز له الذهبي بـ (صح) إشارة منه إلى أنه ثقة". (ميزان الاعتدال 1/38).
(5) هو محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق، إلا أنه يدلس، تقدم في حديث (109).
(6) عمير بن عبد الله الهلالي، أبو عبد الله المدني، مولى أم الفضل، ثقة، ويقال له مولى ابن عباس (ت 104)/ خ م د س". (التقريب 2/86 وتهذيب التهذيب 8/148، الخلاصة للخزرجي 2/304).
(7) الحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/431".
(8) البداية و النهاية 4/366-367".(19/15)
قلت: "والحديث رواه ابن سعد عن محمد بن سابق(1)".
وابن أبي شيبة عن محمد بن الحسن الأسدي كلاهما عن إبراهيم ابن طهمان به إلاّ أنهما قالا: "عتبة مولى ابن عباس"(2) بدل "عمير".
وعزاه الهيثمي لأبي يعلى، وقال: "وفيه عتبة مولى ابن عباس ولم أعرفه ولم ينسبه إلى الطبراني(3)".
والحديث ضعيف لأن أبا الزبير عنعنه وهو مدلس، وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، وهذه المرتبة لا يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع(4)، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يقوى على دفع حديث الصحيحين المصرح فيه بأن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة".
وأطبق على ذلك أهل المغازي والسير".
وقال الواقدي: "وكان الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة، أبا هند(5) عبد بني بياضة، ويقال حلقهخراش(6) بن أمية(7)".
__________
(1) محمد بن سابق التميمي، أبو جعفر، أو أبو سعيد البزار، الكوفي نزيل بغداد، صدوق من كبار العاشرة (ت 213 وقيل 214). / خ م د ت س". (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/174).
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87أ - برقم 665".
(3) مجمع الزوائد 3/279".
(4) طبقات المدلسين ص 7، 32".
(5) أبو هند الحجام البياضي، مولى بني بياضة، واسمه عبد الله، وقيل يسار تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها من المشاهد". (أسد الغابة 6/322، والإصابة 4/211).
(6) خراش بن أمية الكعبي الخزاعي، شهد الحديبية وخيبر وما بعدها، وذكر ابن عبد البر بأن خراشا إنما حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية". وقال ابن حجر: "في عمرة الحديبية أو في عمرة القضاء". (الاستيعاب 1/427-428، مع الإصابة، وأسد الغابة 2/125-126، والإصابة 1/421).
(7) مغازي الواقدي 3/959".(19/16)
وصوب النووي والمحب(1) الطبري وابن قيم الجوزية وابن كثير أن الذي قصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استنباطا مما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي الجميع من طريق ابن جريج قال:
307- حدثني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص(2) وهو على المروة" لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "عن معاوية قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص".
__________
(1) المحب الطبري: "هو الإمام المحدث المفتي فقيه الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري، ثم المكي الشافعي مصنف "الأحكام الكبرى" (615-674 هـ). (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1474-1475 وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/18-20).
(2) المشقص: "كمنبر: "نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعبلة، وقيل: "المراد به المقص، وهو الأشبه في هذا المحل".(النهاية لابن الأثير2/490 ولسان العرب لابن منظور8/315 والقاموسالمحيط2/306، والتعليق على صحيح مسلم لفؤاد عبد الباقي2/913، قال النووي: "في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير، وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة و يحلق في الحج، ليقع الحلق في أكمل العبادتين، وفيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة، لأنها موضع تحلله كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره بمنى، لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/387).(19/17)
وعند النسائي: "عن معاوية أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في عمرة على المروة"(1).
والحديث رواه أيضا مسلم والنسائي كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال: "قال لي معاوية: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك"(2). لفظ مسلم".
__________
(1) مسند أحمد4/96و98وصحيح البخاري2/145كتاب الحج،باب الحلق والتقصير، وصحيح مسلم2/913،كتاب الحج،باب التقصير في العمرة،وسنن أبي داود 1/418 كتاب المناسك، باب الإقران، وسنن النسائي 5/196، كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟".
(2) أخذ ابن حجر من رواية مسلم هذه ورواية النسائي أن ابن عباس رضي الله عنه حمل حلق معاوية هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة الوداع، لقول ابن عباس: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة".
ثم قال: "وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء "أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم".
ثم قال: "وفي كونه في حجة الوداع نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة".
(فتح الباري 3/365).
قلت: "وتمام الرواية عند أحمد: " "وهي أيضا عند النسائي من طريق قيس عن عطاء" قال قيس: "والناس ينكرون هذا على معاوية". (مسند أحمد 4/92، وسنن النسائي 5/197 كتاب المناسك، باب كيف يقصر).
وردّها ابن قيم الجوزية، فإنه قال: "وأما رواية من روى "في أيام العشر" فليست في الصحيح وهي معلولة، أو وهم من معاوية، قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه "والناس ينكرون هذا على معاوية"ثم قال ابن قيم الجوزية وصدق قيس، فنحن نحلف بالله: "أن هذا ما كان في العشر قط".(زاد المعاد 2/137).(19/18)
ولفظ النسائي: "قال معاوية لابن عباس: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة؟ قال: "لا، يقول ابن عباس: "هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم (1)".
ورواه أبو داود والنسائي كلاهما من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس(2) عن أبيه عن ابن عباس أن معاوية قال له: "ما علمت أنى قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة"(3)".
ورواه أحمد من طريق خصيف(4) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعره بمشقص، فقلنا لابن عباس ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية، فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهما(5)".
__________
(1) مسلم 2/913 كتاب الحج، والنسائي 5/119 كتاب المناسك باب التمتع".
(2) هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة (ت 132). / ع". (التقريب 1/424 وتهذيب التهذيب 5/267).
(3) سنن أبي داود 1/419 كتاب المناسك، باب في الإقران، وسنن النسائي 5/196-197 كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟
(4) خصيف - بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية آخره فاء- ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون الخضرمي - بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وكسر الراء بعدها ميم، هذه النسبة إلى خضرمة - صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره،ورمى بالإرجاء،من الخامسة(ت137) وقيل غير ذلك"./عم". (التقريب 1/224وتهذيب التهذيب3/143 وميزان الاعتدال1/653 والخلاصة للخزرجي 1/299 واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير1/450). وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية "الخصيب" بالباء الموحدة ووقع في تهذيب التهذيب "الحضرمي" بالحاء المهملة، والصواب "الخصيف" بالفاء، و"الحضرمي" بالخاء المعجمة".
(5) مسند أحمد 4/95و102".(19/19)
قال النووي: "وحديث معاوية هذا محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي اله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح المشهور(1)، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: "ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي"(2).
__________
(1) قال ابن حجر: "والذي رجحه النووي من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، ولكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح، وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يُخفي إسلامه خوفا من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة في عمرة القضية خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاءه". (فتح الباري 3/565 وفي الإصابة 3/433 نسب القول بإسلام معاوية بعد الحديبية للواقدي وابن سعد ذكر ذلك بدون إسناد فقال: "وكان يذكر أنه أسلم عام الحديبية وكان يكتم إسلامه، إهـ، فعل عمدة ابن عساكر هو الواقدي". (انظر مغازي الواقدي 3/959 والطبقات الكبرى لابن سعد 7/406).
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 3/387".(19/20)
وأورد ابن كثير حديث معاوية المذكور، ثم قال: "والمقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة وذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بل صد عنها، وأما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم ولم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل خرجوا منها، وتغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة الأيام، وعمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالاتفاق".
فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا(1)".إهـ.
وجمع ابن حجر بين قول من قال بأن الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة: "أبو هند عبد بني بياضة، وقول من قال الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة هو معاوية بن أبي سفيان".
فقال: "أخرج الحاكم في "الإكليل" في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة أبو هند(2) عبد بني بياضة، فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه، أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل".
وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها".
ثم قال: "وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم الحمد لله أبدا (3)".إهـ.
__________
(1) البدايةوالنهاية4/367-368وزادالمعاد2/136-138،وفتح الباري3/565-566".
(2) تقدم تحت حديث (306) أن هذا قول الواقدي، ولعل الحاكم رواه عنه".
(3) فتح الباري 3/566.(19/21)
هذه نماذج يسيرة مما تضمنت غزوة حنين من أحكام ولم أرد الاستقصاء خوف الإطالة والخروج إلى مباحث فقهية موسعة تطغى على الغرض الأساسي من دراسة هذه الغزوة وتحقيق مروياتها سندا ومتنا، ومن أراد أن يستقصي أحكام هذه الغزوة تفصيلا فإنه يحتاج إلى مؤلف مستقل، بل إن كل حكم من أحكامها يكفي لرسالة متخصصة".
ولعل هذه اللمحات اليسيرة من أحكام هذه الغزوة تكون بمثابة البرهان على غزارة مادتها العلمية وتعدّد معطياتها المتكاثرة وفوائدها العظيمة".
وصلى الله على سيدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً".
الخاتمة
بعد تلك الرحلة العلمية الممتعة في دراسة غزوة حنين وتحقيق مروياتها وترتيب أبوابها وفصولها ومباحثها ووضع كل جزئية علمية بازاء ما يشاكلها ويلائمها، وبعد الفراغ من ذلك التطواف الحثيث في غضون المصادر العلمية لرصد كل ما يمت بصلة إلى هذه الغزوة بعد تمحيصه وتحقيقه".
بعد ذلك كله أريد أن أنوّه إلى أبرز النتائج العلمية التي يحسن ذكرها ولا يجمل بالباحث إهمالها، وما من شك أن أي باحث يمارس عملا علميا معينا تمر به نتائج كثيرة وقضايا متعددة تستحق الإشادة والبيان.
ولكني أجتزئ بذكر أبرز هذه المعركة مشيرا إلى بعض ما توصلت إليه بإيجاز من خلال معايشتي لهذا الموضوع العلمي الخطير.
وفي البداية أود أن أقرر أنّ هذا البحث بهذه الصورة التي انتهيت إليها في دراسة هذه لغزوة لم يسبق له نظير - في حدود علمي - لم أطرافها وجمع شتاتها وحقق مروياتها ونظم معلوماتها على هذا النسق العلمي الذي أعانني الله على إنجازه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(19/22)
ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذه المعركة وما تبعها من أحداث تشكل في سلسلة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة بالغة، وأهمية قصوى فقد كان ينتظر نتائجها الفريقان: "المؤمنون و المشركون، وقد أدرك حماة الوثنية العربية أن نجاح المسلمين في غزواتهم السابقة وآخرها فتح مكة يعني الإجهاز عليهم والقضاء على معاقل العبادة الوثنية من أصنام وأوثان، ومن هنا رصدوا تحركات المسلمين نحوهم وجمعوا قواهم المادية والمعنوية وقرروا في أنفسهم أن هذه هي آخر تجربة يخوضها الإسلام مع الشرك، وفي الصورة المقابلة كان المسلمون قد اغتبطوا بانتصاراتهم المتلاحقة وكانوا على يقظة تامة بما يبيته المشركون من هوازن وثقيف وسائر القبائل الأخرى الباقية على شركها وضلالها، وعلم المسلمون بعزم المشركين المجاورين لمكة على القتال والنضال فأعدوا العدة وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه تلك الأعداد الغفيرة التي لم يسبق لها مثيل في الكثرة، وكان في هذه الكثرة بعض المغموزين في إسلامهم من الأعراب والطلقاء وذوي الريب في حقيقة الإسلام، ودارت المعركة الخطيرة التي لا تقل خطورة عن معركة بدر الكبرى، فقد كانت معركة بدر الكبرى أول تجربة عسكرية للمسلمين مع المشركين كما كانت معركة حنين آخر تجربة عسكرية مع الوثنية.
فالأولى أرهبتهم وكسرت من حدتهم وجعلت للمسلمين هيبة في قلوب أعدائهم.
ومعركة حنين استفرغت قواهم واستنفدت سهامهم وأذلت جمعهم، فلم يجدوا بدا من الدخول في دين الله (1).
__________
(1) انظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/479(19/23)
ولذلك لا يبالغ الباحث إذا قال إن معركة حنين هي خاتمة المطاف في مواجهة تحديات الوثنية العربية وتكون هذه النتيجة العظيمة أبرز نتائج هذه المعركة، ولا يعكر على ذلك اندحار المسلمين في بداية الغزوة فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك كان تربية من الله لجنده وحزبه لكي لا يغفلوا عن مصدر انتصارهم ولا ينخدعوا بكثرتهم، والعبرة في الانتصارات الحربية إنما هي بالخاتمة التي تنتهي إليها المعارك الإنسانية، والنهاية كانت كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}، [سورة التوبة، الآية: 26].
إنها نهاية العذاب للكافرين ونهاية النصر للمؤمنين، ومن مظاهر تعذيبهم الكافرين هدم أوثانهم وتحطيم معبوداتهم وأسرهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وقتل العديد منهم، كما فصلت ذلك في أمكانه من البحث.
ومما ينبغي ملاحظته في هذه الغزوة أن الجيش الإسلامي لم يخل بعض أفراده من رواسب الوثنية لحداثة عهدهم بالجاهلية، فقد حن بعضهم إلى جاهليته حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، وهذا الصنف من الناس كان من جملة الجيش الذي خرج لحرب المشركين، كما كان في الجيش الإسلامي أيضا الطلقاء والأعراب الجفاة وبعض المغموزين في إسلامهم، وقد سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم جميعا أن يخرجوا معه مجاهدين.(19/24)
والنتيجة التي يخلص منها الباحث إذا تأمل هذا الموقف أنه لا مانع أن يكون في جيوش المسلمين بعض ضعفاء الإيمان مع وجوب العمل على تقوية إيمانهم وتعليمهم بحكمة وصبر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم واجه جفاء الأعراب وسؤال السائلين له أن يجعل لهم ذات أنواط وبعض الأخبار التي كانت تنقل إليه من بعض المغموزين، واجه كل ذلك بحلم وصبر وحكمة عظيمة، يجب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيها، كما أنه صلى الله عليه وسلم تحامل بخلقه العظيم وشجاعته النادرة بعض النيات الخبيثة التي كانت تحاول اغتياله كما يتضح ذلك في موقفه من شيبة بن عثمان وما آل إليه أمر شيبة حيث صار جنديا من جنود الإسلام وعد فيمن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان الهدف من خروجه إلى غزوة حنين أن يجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم غرة فيقتله ثأرا بأبيه كما حدَّث هو عن نفسه.
وقد اتهم صلى الله عليه وسلم - وحاشاه من ذلك - بعدم العدالة وصبر على ذلك القول الجائر "اعدل يا محمد فإنك لم تعدل" وقال لقائله "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل".
وهو في ذلك يقتدي بمن سبقه من الأنبياء الذين صبروا على الأذى، فقد قال في هذا الموقف: "رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
وقد امتثل صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى له {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} .[سورة الأنعام، الآية: 90].
ولقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم كل تلك المواقف الحرجة بما حباه الله به من حكمة وشجاعة وصبر وخلق عظيم، فحري بالدعاة إلى الله أن يتمثلوا بهذه المواقف ويأخذوا منها القدوة الحسنة لهم في حياتهم العملية، وهذا من الدروس العظيمة التي تقدمها لنا سيرته العطرة المليئة بمثل هذه النماذج العالية في حسم المواقف وعلاج أمراض القلوب ومواجهة النفسيات المختلفة.(19/25)
ولا أدل على ذلك من الأسلوب الذي قسم به صلى الله عليه وسلم غنائم هذه الغزوة فقد منح أولئك المتطلعين إلى حطام الدنيا وأعطاهم عطايا عظيمة جعلتهم يطلقون عبارات الشكر والثناء ويعترفون صراحة أن هذا العطاء الهائل لا يكون إلا من نبي لا يخشى الفقر، وهم على علم بأن كل بشر عادي ولو كان أكرم الناس يخشى الفقر، وقد صرح بعضهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطيه وإنه لأبغض الناس إليه فما يزال يعطيه حتى يصير أحب الناس إليه، وهذه هي النتيجة التي كان يتوخَّاها صلى الله عليه وسلم من قسم الغنائم على أولئك المغموزين ووكل أهل الإيمان واليقين إلى إيمانهم وثباتهم على الحق كما مر تفصيل ذلك في محله، غير أن هذا التقسيم في الأظهر خاص بتلك الغزوة فليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم الجيش الإسلامي المقاتل الغنائم التي غنموها ويعطيها لغيرهم والمسألة خلافية، ولكن هذا هو المذهب الأمثل الذي توصلت إليه في ذلك.(19/26)
ولقد انهال على المدينة المنورة بعد هذه الغزوة الوفود من عرب الجزيرة معلنين إسلامهم، ومن تلك الوفود وفد هوازن ووفد ثقيف وكان ذلك من نتائج هذه المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، ومن المعلوم أن العرب كانوا ينتظرون نتائج فتح مكة، فلما خضعت قريش للإسلام وهم قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وسكان بيت الله الحرام ومصدر التشريع للعرب جميعا كان ذلك مؤذنا بزوال الشرك وتمكن التوحيد في أرض الجزيرة، والذين لم يخضعوا بعد، وغرتهم قوتهم و جموعهم هم قبائل هوازن وثقيف كما سبق، فلما دارت الدائرة عليهم للمسلمين لم يبق أمام العرب جميعا قوة تذكر لمقاومة الإسلام والمسلمين، فما بقي أمام الجاهليّين إلا أن يفدوا على عاصمة الإسلام المدينة المنورة ليعلنوا إسلامهم أو ليتفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتعد سنة الوفود نتيجة طبيعية لهذه الغزوة وقد تعنت وفد ثقيف في شروطهم للدخول في الإسلام فطلبوا أن يبقوا على الكثير من أنماط الجاهلية مثل شرب الخمور والزنا وترك الصلاة لأنها دناءة في نظرهم، والتمسوا أن يدع الرسول صلى الله عليه وسلم صنمهم ثلاثة أعوام أو عاما أو شهراً لا يهدم وأن لا يغتسلوا من الجنابة ولا يزكوا ولا يجاهدوا في سبيل الله، وقد أنزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ليشاهدوا عملياً عبادة المسلمين وأحسن استقبالهم وصبر على تعنتهم ولاطفهم كثيراً وتسامح معهم في ترك الزكاة والجهاد وبين عليه الصلاة والسلام أنهم إذا أسلموا فسيجاهدون ويزكون، ولقد أعلن القوم إسلامهم وكانوا جنودا في صفوف المسلمين على رغم ذلك التعنت والتشدد في الشروط التي أرادوا إملاءها على المسلمين، وما ذلك إلا بحكمته صلى الله عليه وسلم وعظيم رحمته بأمته، فقد طلب منه الصحابة في الطائف أن يدعو على ثقيف فقال: "اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم" وقد تحقق ذلك فعلا.(19/27)
وفي الختام لا يسعني إلا التأكيد على قضية ذات بال وهي أن من أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة لهذه الغزوة أن السيرة النبوية الطاهرة محفوظة بحفظ الله لها وأنها مروية بالأسانيد في كتب العلماء من السلف الصالح وأن الباحث البصير يتمكن في أي وقت شاء أن يقرر الحق في قضايا السيرة النبوية ويدرس أسانيدها وفق طرائق المحدثين ويعرف الصحيح والحسن والضعيف المنجبر والضعيف الذي لا ينجبر ويتمكن الدارس كذلك من نفي الكذب عن السيرة واستبعاد الإضافات التي لا أساس لها من الصّحّة، والتي تنافي مقام النبوّة، أو تلك الإضافات التي تبالغ في مقام النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه على حساب الحقائق العلمية الثابتة، ولقد تبين لي من خلال بحثي في السيرة أن المسلمين يجب أن يطمئنوا إلى سيرة نبيهم وأنها هي هي كما رواها الخلف عن السلف وأن المزيد فيها يظهر لكل دارس يبغي الحق ولا يتبع الهوى في بحثه، وإذا كان الخبثاء من المستشرقين وأذنابهم يريدون أن يشككوا المسلمين في سيرة نبيهم وفي غير ذلك من قضايا دينهم، فإن الرد المناسب عليهم هو الاطلاع على التراث ودراسته دراسة علمية واعية وفق أسس علوم الحديث، ولعل هذا البحث المتواضع واحد من الدراسات العلمية الجادة التي تعيد الحق في نصابه وتدمغ الباطل فإذا هو زاهق، ولا شك أن في هذا البحث استدراكات كثيرة وتصويبات عديدة ووقفات علمية لها شأن وهي مبثوثة في ثناياه لمن أراد أن يطلع عليه.
ولا أدعي الكمال في ذلك، وإنما هو جهد متواضع ومحاولة جيّدة للوصول إلى الحق وإبراز هذا البحث في صورة واضحة، ولم أدخر شيئا في وسعي، ولكن الكمال المطلق لله وحده، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين".(19/28)
كان الفراغ من تبييض هذا البحث في يوم الجمعة في السادس والعشرين من شهر شوال من عام ثلاث وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.(19/29)
ثبت المصادر
القرآن الكريم.
(أ)
ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجزري (555-630هـ).
1-أسد الغابة في معرفة الصحابة - مطبعة الشعب، سنة 1390 هـ.
2- الكامل في التاريخ - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1387هـ.
3- اللباب في تهذيب الأنساب - مكتبة المثنى بغداد، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (554-606 هـ).
4- جامع الأصول في أحاديث الرسول - تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: عبد الله الملاح سنة 1389 هـ.
5- النهاية في غريب الحديث و الأثر - تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى، سنة 1383هـ.
(ب)
الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد الأندلسي (403-494هـ).
6- المنتقى شرح موطأ الإمام مالك - دار الكتاب العربي بيروت- لبنان - مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1332 هـ.
البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (194-256هـ).
7- التاريخ الصغير - إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان، بدون ذكر سنة الطبع.
8- التاريخ الكبير-تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني بدون ذكر سنة الطبع.
9- الجامع الصحيح - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1376 هـ.
10- الأدب المفرد - الناشر: قصي محب الدين الخطيب، القاهرة سنة 1379هـ.
البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء (436-516هـ).
11- تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل مع الخازن- طبعة دار الفكر بيروت سنة 1399هـ.
12- شرح السنة - المكتب الإسلامي، ط. أولى سنة 1390هـ.
البكري: أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (432-487هـ).
13- معجم ما استعجم من أسماء البلاد و المواضع - عالم الكتب بيروت، تحقيق: مصطفى السقا.
البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (000-279هـ).
14- أنساب الأشراف - تحقيق محمد حميد الله، دار المعارف بمصر سنة 1959م.(20/1)
البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس (1000-1046هـ).
15-كشاف القناع عن متن الإقناع،مطبعة الحكومة بمكة المكرمة سنة1394هـ
البوصيري: احمد بن أبي بكر بن إسماعيل (762-840هـ).
16- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة- مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (237).
17- زوائد ابن ماجه على باقي الكتب الخمسة - مطبوع مع سنن ابن ماجه.
البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي (...-691هـ).
18- تفسير القرآن الكريم المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل - مكتبة دار التعاون، لعباس الباز، مكة المكرمة بدون ذكر سنة الطبع.
البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله (384-458هـ).
19- دلائل النبوة- طبع منها مجلدان، الناشر المكتبة السلفية المدينة المنورة، ط. - الأولى سنة 1389هـ.
20- دلائل النبوة - مخطوط، في مكتبة حماد بن محمد الأنصاري المدينة المنورة برقم (256).
21- السنن الكبرى- دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1344هـ.
(ت)
ابن التركماني: علاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى المارديني (673-750هـ).
22- الجوهر النقي في الرد على البيهقي - مطبوع مع السنن الكبرى للبيهقي.
الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209-279هـ).
23- السنن- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1384هـ.
التهانوي: محمد بن علي الفاروقي الحنفي (المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري).
24-كشاف اصطلاحات الفنون- تحقيق الدكتور: لطفي عبد البديع، وترجم النصوص الفارسية الدكتور: عبد المنعم محمد حسنين، راجعه: أمين الخولي.
ابن تيمية: تقي الدين أبوالعباس أحمد بن عبدالحليم الحراني الدمشقي (661-728هـ).
25- الصام المسلول على شاتم الرسول- تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة تاج بطنطا، الطبعة الأولى سنة 1379هـ.
26- مجموع الفتاوى - مطابع الرياض، الطبعة الأولى سنة 1381هـ.(20/2)
(ج)
الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني (150-255هـ).
27- البيان والتبيين- دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان بدون ذكر سنة الطبع.
ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (000-307هـ).
28- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1382هـ.
ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (510-597هـ).
29- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ و السير - مكتبة الآداب لصاحبها علي حسن، القاهرة.
30- الوفاء بأحوال المصطفى- دار الكتب الحديثة، ط. الأولى سنة 1386هـ.
(ح)
ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (240-327هـ).
31- التفسير- مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (280).
32- الجرح والتعديل - دار الكتب العلمية بيروت لبنان عن الطبعة الأولى سنة 1271هـ.
33- علل الحديث - مكتبة المثنى بغداد سنة 1343هـ.
الحازمي: أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم (549-584هـ).
34- الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار - تحقيق راتب حاكمي، مطبعة الأندلس بحمص ط. الأولى سنة 1386هـ.
الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري (321-405هـ).
35- المستدرك على الصحيحين - الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب لصاحبها محمد أمين دمج، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (270-354هـ).
36- صحيح ابن حبان - ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1390هـ.
37- المجرزحين - تحقيق محمود إبراهيم زيد، دار المعرفة بيروت لبنان.
ابن حجر: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني (773-852هـ)
38- الإصابة في تمييز الصحابة - مطبعة السعادة ط. الأولى سنة 1328هـ.
39- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، دار المحاسن، القاهرة سنة 1386هـ.(20/3)
40- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس- مراجعة: طه عبد الرؤوف، مكتبة الكليات الأزهرية.
41- تقريب التهذيب - الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
42- تقريب التهذيب - الطبعة الهندية.
43- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1384هـ.
44- تهذيب التهذيب - دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1325هـ.
45- فتح الباري شرح صحيح البخاري - تحقيق عبد العزيز بن باز، المكتبة السلفية سنة 1380هـ.
46- لسان الميزان - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان ط. الثانية سنة 1390هـ.
47- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية- تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط. الأولى سنة 1393هـ.
48- مختصر زوائد مسند البزار - مخطوط في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (816).
49- نزهة النظر شرح نخبة الفكر- مطبعة الإستقامة، القاهرة ط. الثانية سنة 1368هـ.
50- النكت الظراف على الأطراف مع تحفة الأشراف للمزي.
51- هدي الساري مقدمة فتح الباري.
الحربي: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير (198-285هـ).
52- كتاب المناسك و أماكن طرق الحج و معالم الجزيرة - تحقيق حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة، الرياض سنة 1389هـ.
ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (384-456هـ).
53- جمهرة أنساب العرب - تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار المعارف بمصر ط. الثالثة سنة 1391هـ.
54- جوامع السيرة - تحقيق إحسان عباس وناصر الدين الأسد، إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان.
55- المحلى - مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، سنة 1387هـ.
الحصيني: أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الدمشقي تقي الدين (752-829هـ)
56- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار- مصطفى البابي الحلبي بمصر، سنة 1356هـ.
الحلبي: علي بن إبراهيم بن أحمد أبو الحسن نور الدين (975-1044هـ).(20/4)
57- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبية)-دار المعرفة، بيروت لبنان، سنة 1400هـ.
الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى المكي (000-219هـ).
58- المسند - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، سنة 1381هـ.
ابن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمّد (164-241هـ).
59- المسند - دار صادرط. الأولى 1389هـ.
(خ)
الخرقي: أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي (000-334هـ).
60- المختصر في فروع الفقه الحنبلي، مع المغني لابن قدامة.
الخزرجي: أحمد بن عبد الله بن أبي الخير صفي الدين الأنصاري (900-923هـ).
61- خلاصة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال - تحقيق محمود عبد الوهاب فايد، مطبعة الفجالة الجديدة، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن خزيمة: أبو كبر محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري (223-311هـ).
62- صحيح ابن خزيمة - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، سنة 1390هـ.
الخضري: محمد بن مصطفى الدمياطي الشافعي (1213-1287هـ).
63- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل- مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الأخيرة سنة 1359هـ.
الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (392-463هـ).
64- تاريخ بغداد - المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، بدون ذكر سنة الطبع.
65- الكفاية في علم الرواية - مطبعة السعادة ط. الأولى، بدون تاريخ.
الخطيب التبريزي: محمد بن عبد الله العمري أبو عبد الله (كان حيا - 737هـ)
66- مشكاة المصابيح - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الثانية سنة 1399هـ.
ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد ولي الدين أبو زيد (732-808هـ).
67- العبر ودوان المبتدا والخبر (تاريخ ابن خلدون) - مؤسسة حسان للطباعة والنشر سنة 1399هـ.
ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (608-681هـ).
68- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بدون ذكر سنة الطبع.(20/5)
خليفة بن خياط: أبو عمر العصفري- الملقب (بشباب) (160-240هـ).
69- تاريخ خليفة بن خياط - تحقيق أكرم ضيا عمري، دار القلم دمشق- بيروت ط. الثانية سنة 1397هـ.
70- كتاب الطبقات- تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشر والتوزيع ط. الثانية سنة 1402هـ.
(د)
الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (306-358هـ).
71- سنن الدارقطني- الناشر عبد الله هاشم اليماني المدني بالمدينة المنورة سنة 1386هـ.
الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (181-255هـ).
72- سنن الدارمي- الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1386هـ.
أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (202-275هـ).
73- السنن - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1371هـ.
74- المراسيل- مطبعة علي صبيح وأولاده، مصر، بدون ذكر سنة الطبع.
أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (133-204هـ).
75- المسند بترتيب الساعاتي (منحة المعبود)- المكتبة الإسلامية بيروت ط. الثانية سنة 1400هـ.
الدردير: أبو البركات أحمد بن محمد العدوي المالكي (1127-1201هـ).
76- الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي - عيسى البابي الحلبي وشركاه، بدون ذكر سنة الطبع.
الدسوقي: محمد بن أحمد بن عرفة المالكي (000-1230هـ).
77- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لدردير.
الدميري: كمال الدين محمد بن موسى (742-808هـ).
78- حياة الحيوان الكبرى - مصطفى البابي الحلبي ط. الرابعة سنة 1389هـ.
الدولابي: محمد بن أحمد أبو بشر الوراق (224-310هـ).
79- كتاب الكنى - مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن، ط. الأولى سنة 1322هـ.
الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن (000-966هـ).
80- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
(ذ)
الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (673-748هـ).(20/6)
81- تذكرة الحفاظ - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دار إحياء التراث العربي، مكة المكرمة سنة 1374هـ.
82- التلخيص على مستدرك الحاكم حاشية على المستدرك.
83- سير أعلام النبلاء- مؤسسة الرسالة بيروت، ط. الأولى سنة 1401هـ.
84- السيرة النبوية - تحقيق حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ط. الأولى 1401هـ.
85- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة- دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط. الأولى سنة 1392هـ.
86- الكاشف - دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى سنة 1403هـ.
87- المغني في الضعفاء - تحقيق نور الدين عتر، الناشر دار المعارف، سورية، حلب ط. الأولى سنة 1382هـ.
88- ميزان الاعتدال في نقد الرجال - تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط. الأولى سنة 1382هـ.
(ر)
الرازي: أبو عبد الله محمد بن عمر المعروف (بالفخر الرازي) (543-606هـ).
89- التفسير الكبير المسمى (مفاتيح الغيب) - الناشر: دار الكتب العلمية، طهران، ط. الثانية بدون ذكر سنة الطبع.
ابن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي (161-238هـ).
90- المسند - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (377، 380).
ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد (الحفيد) (520-595هـ).
91- بداية المجتهد ونهاية المقتصد - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط. الثالثة سنة 1379هـ.
الروياني: أبو بكر محمد بن هارون (307هـ).
92- المسند - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (575).
(ز)
الزبيدي: أبو الفيض محمد بن محمد الملقب بمرتضى (1145-1205هـ).
93- تاج العروس من جواهر القاموس - دار مكتبة الحياة، بيروت، عن مطبعة الأولى سنة 1306هـ.
الزرقاني: أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي المالكي (1055-1122هـ).
94- شرح المواهب اللدنية - دار المعرفة، بيروت - لبنان ط. الثانية سنة 1393هـ.(20/7)
الزركشي: محمد بن عبد الله بن بهادر، بدر الدين (745-794هـ).
95- الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة - تحقيق سعيد الأفغاني، المكتب الإسلامي بيروت، ط. الثانية 1390هـ.
الزيلعي: أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي (000-762هـ).
96- نصب الراية لأحاديث الهداية - المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ ط. الثانية سنة 1393 هـ.
(س)
السخاوي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد (831-902هـ).
97- فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي- تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ط. الثانية سنة 1388هـ.
ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله (كاتب الواقدي) (168-230هـ).
98- الطبقات الكبرى - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
السفاريني: أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد (1114-1188هـ).
99- شرح ثلاثيات مسند أجمد- المكتب الإسلامي، دمشق ط.الأولى سنة 1380هـ
أبو السعود: محمد بن محمد العمادي الحنفي (898-982هـ).
100- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (تفسير أبي السعود)- دار المصحف مكتبة عبد الرحمن محمد، القاهرة.
السهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي المالكي (508-581هـ).
101- الروض الأنف - تحقيق عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الحديثة، القاهرة سنة 1387هـ.
ابن سيد الناس: أبو الفتح محمد بن محمد اليعمري (671-734هـ).
102- عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل و السير - مكتبة القدسي، القاهرة سنة 1356هـ.
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (849-911هـ).
103- تاريخ الخلفاء - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة الفجالة الجديدة، ط.الرابعة سنة 1389هـ.
104- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية للنمنكاني، المدينة المنورة ط. الأولى سنة 1379هـ.(20/8)
105- تفسير الجلالين - مكتبة الجمهورية العربية بمصر، لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد.
106- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير مع فيض القدير للمناوي.
107- الخصائص الكبرى - تحقيق محمد خليل هراس، مطبعة المدني سنة 1387هـ.
108- الدر المنثور في التفسير بالمأثور- الناشر محمد أمين دمج، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع.
(ش)
الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (150-204هـ).
109- الأم - دار الشعب سنة 1388-هـ.
110- المسند - مطبوع على هامش الأم.
ابن شبة: أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري (173-262هـ).
111- تاريخ المدينة المنورة - الناشر السيد حبيب محمود أحمد، تحقيق فهيم محمد شلتوت.
الشمني: أبو العباس أحمد بن محمد تقي الدين (801-872هـ).
112- مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا للقاضي عياض - مطبوع على حاشية الشفا.
ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم الكوفي (159-235هـ).
113- التاريخ - مخطوط، في مكتبة الدراسات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم (665).
الشوكاني: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد (1173-1250هـ).
114- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - الناشر معروف عبد الله باسندوه، ط. الأولى سنة 1348هـ.
115- الدراري المضية شرح الدرر البهية - مطبعة مصر الحرة بدرب العوالم، ط. الأولى بدون تاريخ.
116- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة سنة 1390هـ.
117- فتح القدير - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1383هـ.
118- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة دون ذكر سنة الطبع.
(ص)
ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (577-643هـ).
119- المقدمة مع التقيد و الإضاح - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1389هـ.
الصنعاني: محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني الأمير (1059-1182هـ).(20/9)
120- سبل السلام شرح بلوغ المرام - تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، دار إحياء التراث العربي، ط. الرابعة سنة 1379هـ.
(ط)
ابن طاهر: مجد الدين محمد بن طاهر بن علي الحنفي الكجراتي (913-986هـ).
121- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم - نشر دار الكتب الإسلامية، كواجر نوالة (باكستان) ط. الأولى سنة 1393هـ.
الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد (224-310هـ).
122- تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر دار المعارف مصر، ط. الثانية بدون ذكر سنة الطبع.
123- تهذيب الآثار - مطابع الصفا، مكة المكرمة 1402هـ.
124- جامع البيا عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثالثة سنة 1388هـ.
الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الحنفي (229-321هـ).
125- شرح معاني الآثار - تحقيق محمد سيد جاد الحق، الناشر مكتبة الأنوار المحمدية، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع.
126- مشكل الآثار - دار صادر بيروت عن الطبعة الأولى سنة 1333هـ.
الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (260-360هـ).
127- المعجم الصغير - تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1388هـ.
128- المعجم الكبير - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي ط. الأولى سنة 1400هـ.
(ع)
ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (206-287هـ).
129- كتاب الجهاد - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ضمن مجموعة (27) برقم (535).
العامري: عماد الدين يحيى بن أبي بكر أبو زكريا الحرضي (816-893هـ).
130- بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل - الناشر: النمنكاني، صاحب المكتبة العلمية بالمدينة المنورة بدون تاريخ.
عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني (213-290هـ).
131- زوائد المسند:(20/10)
عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (000-1258هـ).
132- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، ط. السابعة سنة 1377هـ.
عبد الرزاق بن همام أبو بكر الصنعاني (126-211هـ).
133- المصنف - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، كراتشي سنة 1390هـ.
ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (368-463هـ).
134- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، على هامش الإصابة لابن حجر.
135- التقصي لحديث الموطأ وشيوخ مالك، أو تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكسي (000-249هـ).
136- المسند - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (322 و323).
أبو عبيد: القاسم بن سلام البغدادي (150-224هـ).
137- كتاب الأموال - تحقيق محمد خليل هراس، ط. الأولى سنة 1388هـ.
العراقي: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (725-806هـ).
138- التبصرة والتذكرة (شرح ألفية العراقي) - المطبعة الجديدة بفاس سنة 1354هـ.
ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي (468-543هـ).
139- أحكام القرآن - دار المعرفة بيروت لبنان.
ابن عقيل: بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن المصري (698-769هـ).
140- شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك - تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، ط. الرابعة عشرة سنة 1384هـ.
العلائي: أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي (694-761هـ).
141- جامع التحصيل في أحكام المراسيل - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط. الأولى سنة 1398هـ.
أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق السفراييني (230-316هـ).
142- مسند أبي عوانة - مطبعة مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1385هـ.
عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبي السبتي (496-544هـ)(20/11)
143- مشارق الأنوار على صحاح الآثار - المكتبة العتيقة، تونس، بدون ذكر سنة الطبع.
144- الشفا بتعريف حقوق المصطفى - دار الفكر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
(ف)
ابن الفراء: محمد بن محمد بن الحسين أبو الحسين القاضي (457-527هـ).
145- طبقات الحنابلة - الناشر دار المعرفة بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
الفسوي: أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي (191-277هـ).
146- المعرفة والتاريخ - تحقيق أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1394هـ.
ابن فهد المكي: تقي الدين محمد بن محمد الهاشمي العلوي (787-871هـ).
147- لحظ الألحاظ بذيل طبقة الحفاظ للذهبي.
الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (729-817هـ).
148- القاموس المحيط - مؤسسة الحلبي، القاهرة بدون ذكر سنة الطبع.
الفيومي: أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الحموي (000-770هـ).
149- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1398هـ.
(ق)
ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (213-276هـ).
150- المعارف - دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، ط.الثانية سنة 1390هـ.
ابن قدامة: أبومحمد موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي (541-620هـ)
151- الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار - تحقيق علي يوسف نويهض، دار الفكر سنة 1391هـ.
152- المغني في اختصار الخرقي - مكتبة الجمهورية العربية بمصر لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، بدون ذكر سنة الطبع.
القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأندلسي (000-671هـ).
153- الجامع لأحكام القرآن - دار إحياء التراث العربي، بيورت - لبنان سنة 1965م.
القسطلاني: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب (851-923هـ).
154- إرشاد الساري، شرح صحيح البخاري - المطبعة المنيرة بولاق، ط. السابعة سنة 1323هـ.
155- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.(20/12)
القلقشندي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي (756-821هـ).
156- قلائد الجمان في التعريف بقيائل عرب الزمان - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب الحديثة، ط. الأولى سنة 1383هـ.
157- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط. الثانية سنة 1400هـ.
ابن قيم الجوزية: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الرازي الدمشقي (691-751هـ).
158- أعلام الموقعين عن رب العالمين - تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1388هـ.
159- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة بيروت - لبنان.
160- التبيان في أقسام القرآن - مكتبة الرياض الحديثة، بدون ذكر سنة الطبع.
161- تهذيب سنن أبي داود على حاشية عون المعبود.
162- زاد المعاد في هدي خير العباد - تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ط. الأولى سنة 1399هـ.
(ك)
ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (701-774هـ)
163- البداية و النهاية - مكتبة المعارف، بيروت ط. الثانية سنة 1974م.
164- تفسير القرآن العظيم - عيسى البابي الحلبي، بذون ذكر سنة الطبع.
الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسى الحميري البلنسي (565-634هـ).
165- الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء - تحقيق مصطفى عبد الواحد، مكتبة الخانجي، القاهرة سنة 1387هـ.
ابن الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (000-204هـ).
166- كتاب الأصنام - تحقيق أحمد زكي، الدار القيمة، القاهرة سنة 1384هـ.
(م)
ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (207-275هـ).
167- سنن ابن ماجه - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي سنة 1373هـ.
مالك بن أنس بن مالك الأصبحي،أبو عبد الله إمام دار الهجرة (93-179هـ).
168- المدونة الكبرى - دار صادر، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.(20/13)
169- الموطأ - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع.
المتقى الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين (885-975هـ).
170- كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الثانية.
171- منتخب كنز العمال، مطبوع مع مسند الإمام أحمد.
أبو المحاسن: محمد بن علي الحسني (715-765هـ).
172- ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي.
محمد بن حبيب البغدادي الأخباري (000-245هـ).
173- المنمق في أخبار قريش - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1384هـ.
محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (000-665هـ).
174- مختار الصحاح - مكتبة الغزالي، حماة سنة 1390هـ.
ابن المديني: علي بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن السعدي (161-234هـ).
175- العلل - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي سنة 1392هـ.
المرداوي: علاء الدين أبوالحسن علي بن سليمان (817-885هـ).
176- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - تحقيق محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية سنة 1400هـ.
المرغيناني: أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل (544-593هـ).
177- الهداية شرح بداية المبتدي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة بدون ذكر سنة الطبع.
المزني: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي (175-264هـ).
178- مختصر المزني. مطبوع مع الأم للإمام الشافعي.
المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن (654-742هـ).
179- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف- تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، سنة 1384هـ.
180- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - طبع منه ثلاث مجلدات، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى سنة 1402هـ.
181- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، في مكتبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري (206-261هـ).(20/14)
182- الصحيح - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى سنة 1374هـ.
المقدسي: بهاء الدين أبو محمد عبدالرحمن بن إبراهيم السعدي (556-624هـ).
183- العدة شرح العمدة في فقه الإمام أحمد بن حنبل - المطبعة السلفية ومكتبتها، ط. الثانية 1382هـ.
المقدسي: أبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي (377-490هـ).
184- تحريم نكاح المتعة - حققها وخرج أحاديثها حماد الأنصاري، مطبعة المدني 1396هـ.
المناوي: محمد بن عبد الرؤوف القاهري الشافعي (952-1031هـ).
185- فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي - دار المعرفة، بيروت لبنان، ط. الثانية 1391هـ.
ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (630-711هـ).
186- لسان العرب - الدار المصرية للتأليف و الترجمة، بدون ذكر سنة الطبع.
(ن)
ابن النجار: أبو عبد الله محمد بن محمود بن حسن البغدادي (578-643هـ).
187- ذيل تاريخ بغداد، ذيل به على تاريخ الخطيب البغدادي - الناشر: المكتبة الإمدادية، باب العمرة، مكة المكرمة.
النابلسي: عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي (1050-1143هـ).
188- ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث - دار المعرفة بيروت- لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر (214-303هـ).
189- سنن النسائي. (المجتبى) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1383هـ.
أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (336-430هـ).
190- حلية الأولياء - الناشر مكتبة الخانجي بمصر، بدون ذكر سنة الطبع.
191- دلائل النبوة - دار المعرفة بيروت - لبنان، سنة 1397هـ.
النووي: أبو زكريا محيى الدين بن شرف الشافعي (631-676هـ).
192- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير (تقريب النووي مع تدريب الراوي للسيوطي).
193- رياض الصالحين - ا لمكتب الإسلامي، بيروت، الأولى سنة 1399هـ.(20/15)
194- شرح صحيح مسلم - تحقيق عبد الله أحمد أبو زينة، دار الشعب سنة 1390هـ.
195- المجموع شرح المهذب - الناشر زكريا علي يوسف، مطبعة الإمام، بدون ذكر سنة الطبع.
196- المقدمة على شرح صحيح مسلم.
النويري: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب (677-733هـ).
197- نهاية الأرب في فنون الأدب - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة.
(و)
الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري (000-468هـ).
198- أسباب النزول - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1395هـ.
الواقدي: أبو عبدالله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي (130-207هـ)
199- المغازي - تحقيق مارسدن جونسن، عالم الكتب، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
(هـ)
ابن هبيرة: أبوالمظفر عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرةالشيباني (499-560هـ)
200- الإفصاح عن معاني الصحاح - المؤسسة السعدية، الرياض، بدون ذكر سنة الطبع.
ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (000-218هـ).
201- السيرة النبوية (سيرة ابن هشام) - مصطفى البابي الحلبي، ط.الثانية سنة 1375هـ.
ابن هشام: أبو محمد عبدالله بن يوسف جمال الدين الأنصاري (708-761هـ).
202- شرح قطر الندى وبل الصدى - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة مصر، ط. العاشرة سنة 1379هـ.
الهيثمي: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان (735-807هـ).
203- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ.
204- مجمع الزوائد و منبع الفوائد - الناشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، ط. الثانية سنة 1967م.
205- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
206- مجمع البحرين في زوائد المعجمين - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (77).
(ي)(20/16)
ياقوت بن عبد الله شهاب الدين الحموي الرومي البغدادي (000-626هـ).
207- معجم البلدان - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع.
أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (210-307هـ).
208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306).
المصادر الحديثة
(أ)
أحمد إبراهيم شريف.
209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول و الثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م.
أكرم ضياء العمري.
210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط.
211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي.
212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ.
الألباني: محمد ناصر الدين.
213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ.
214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة.
215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة.
216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع.
217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ.
218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ.
219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ.
220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ.
الأهدل: محمد عبد الرحمن شميلة.
221- مرويات نكاح المتعة - مطبوع على الآلة الكاتبة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(ب)
باشميل: محمد أحمد.
222- غزوة حنين - دار الفكر، ط. الثانية 1397هـ.
البلادي: عاتق بن غيث.
223- معالم مكة التاريخية والأثرية - دار مكة للنشر و التوزيع، ط. الأولى سنة 1400هـ.(20/17)
224- معجم المعالم الجغرافية في اليسرة النبوية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1402هـ.
225- نسب حرب - مكتبة دار البيان، ط. الأولى سنة 1397هـ.
البوطي: محمد سعيد رمضان.
226- فقه السيرة - دارالفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1400هـ.
ابن بليهد: محمد بن عبد الله بن عثمان النجدي.
227- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار - مراجعة وضبط محمد محيى الدين عبد الحميد، ط. الثانية 1392هـ.
(ج)
الجزائري: أبو بكر جابر الجزائري.
228- منهاج المسلم - مطبعة الدعوة بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1385هـ.
الجزيري: عبد الرحمن الجزيري.
229- كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1969م.
(ح)
حبيب الرحمن الأعظمي.
230- تحقيقاته على مسند الحميدي.
حمد إبراهيم بن عبد الله الحقيل.
231- كنز الأنساب ومجمع الآداب - ط. السابعة سنة 1400هـ.
حمد الجاسر.
232- تحقيقاته على كتاب المناسك للحربي.
233- في سراة غامد وزهران - منشورات دار اليمامة، للبحث والترجمة، الرياض.
حمدي عبد المجيد السلفي.
234- تحقيقاته على المعجم الكبير للطبراني.
(خ)
الخضري: محمد الخضري بك.
235- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين - دار التعاون للنشر و التوزيع، لصاحبها عباس أحمد الباز، مكة المكرمة ط. الثالثة والعشرون سنة 1967م.
ابن خميس: عبد الله بن محمد.
236- المجاز بين اليمامة والحجاز - منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض.
(د)
الدومي: أحمد عبد الجواد.
237- الإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي - المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط. الأولى سنة 1381هـ.
(س)
الساعاتي: أحمد عبد الرحمن البنا.
238- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل الشيباني - دار الشهاب، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع.
240- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام - دار الفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1379هـ.
(ش)(20/18)
الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني.
241- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - مطبعة المدني، لصاحبها علي صبحي المدني، سنة 1386هـ.
(ص)
الصابوني: محمد علي الصابوني.
242- التبيان في علوم القرآن - دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط. الأولى سنة 1390هـ.
243- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن - دار القرآن الكريم، مكة المكرمة، سنة 1391هـ.
صادق إبراهيم عرجون.
244- كتاب خالد بن الوليد - الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، ط. الثانية سنة 1378هـ.
(ع)
عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام.
245- تيسير العلام شرح عمدة الأحكام - مطبعة المدني، سنة 1380هـ.
عبد الله بن محمد الغنيمان.
246- دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري - دار الأصفهاني للطباعة بجدة.
الأرناؤوط: عبد القادر.
247- تحقيقه على جامع الأصول لابن الأثير.
عبد القدوس الأنصاري.
248- بين التاريخ والآثار - ط. الأولى سنة 1969م بيروت.
عبد المحسن العباد، وعبد الكريم مراد.
249- من أطيب المنح في علم المصطلح - شركة المدينة للطباعة و النشر، جدة سنة 1386هـ.
العياشي: إبراهيم بن علي.
250- المدينة بين الماضي والحاضر - المكتبة العلمية، بالمدينة المنورة للنمنكاني.
(ف)
فؤاد حمزة.
251- قلب جزيرة العرب - المطبعة السلفية ومكتبتها، لمحب الدين الخطيب، سنة 1352هـ.
(ق)
قريبي: إبراهيم بن إبراهيم.
252- مرويات غزوة بني المصطلق - الناشر الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة.
(ك)
الكاندهلوي: محمد زكريا.
253- أوجز المسالك إلى موطأ مالك - دار الفكر بيروت، ط. الثالثة سنة 1393هـ.
الكتاني: محمد جعفر.
254- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة - الناشر: نور محمد، سنة 1379هـ.
كحالة: عمر رضا كحالة.
255- معجم قبائل العرب - مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1398هـ.(20/19)
256- معجم المؤلفين - الناشر مكتبة المثنى، بيروت، دمشق، سنة 1376هـ.
الكشميري: محمد أنور الديوبندي.
257- فيض الباري على صحيح البخاري - دار المعرفة للطباعة و النشر، بيروت - لبنان، بدون ذكر سنة الطبع.
(م)
المباركفوري: أبو العلى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم.
258- تحفة الأحوذي، بشرح جامع الترمذي - مطبعة المدني، القاهرة، ط. الثانية سنة 1383هـ.
259- مقدمة تحفة الأحوذي.
محمد حسين العقبي.
260- تكملة المجموع للنووي.
محمد خليل هراس.
261- تحقيقاته على الخصائص الكبرى للسيوطي بهامش الخصائص.
محمد بن سعيد بن حسن كمال.
262- مجلة العرب - السنة الثالثة، الجزء التاسع، شهر ربيع الأول سنة 1389هـ في أثناء بحث له في قبيلة عتيبة.
محمد شمس الحق العطيم آبادي.
263- عون المعبود شرح سنن أبي داود - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الثانية سنة 1388هـ.
محمد عبد الرزاق حمزة.
264- مقدمة موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - لنور الدين الهيثمي.
محمد فؤاد عبد الباقي.
265- تعليقاته على صحيح مسلم.
محمد بن محمد مخلوف.
266- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، سنة 1350هـ.
محمد مصطفى الأعظمي.
267- تعليقاته على صحيح بن خزيمة بهامش صحيح ابن خزيمة.
محمد أبو زهرة.
268- خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم - طبع على نفقة خليفة بن حمد آل ثاني،أمير دولة قطر.
محمود شيت خطاب.
269- الرسول القائد - دار مكتبة الحياة ومكتبة النهضة، بغداد، ط. الثانية سنة 1960م.
المراغي: أحمد مصطفى المراغي بك.
270- تفسير المراغي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر ط. الخامسة سنة 1394هـ.
محمد خفاجي ومحمد أبوالفضل إبراهيم ومحمود النواوي.
271 - مقدمة صحيح البخاري.
إبراهيم أنيس وعبد الحليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف الله أحمد.
272- المعجم الوسيط - دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية 1392هـ.(20/20)
محمود السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شبلي.
273- تعليقاتهم على سيرة ابن هشام.(20/21)
الموضوع
المقدمة:
الفصل الأول: في مقدمات غزوة حنين وتحته مبحثان
المبحث الأول: سبب الغزوة
المبحث الثاني: الاستعداد للمعركة
الفصل الثاني: السير إلى حنين. وفيه سبعة مباحث
المبحث الأول: تاريخ الغزوة
المبحث الثاني: الأمير على مكة
الخلاصة:
المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة
الخلاصة:
المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري
الخلاصة:
المبحث الخامس: تبشير الرسول أصحابه بالنصر وفضل الحراسة في سبيل الله
المبحث السادس: يقايا من رواسب الجاهلية
الخلاصة:
المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة ((لن نغلب اليوم من قلة))
الخلاصة:
الفصل الثالث: في وصف المعركة وفيه أربعة مباحث
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة
الخلاصة:
المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر
الخلاصة:
المبحث الثالث: عدد الثابتين مع الرسول الله يوم حنين
الخلاصة:
المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين
الخلاصة:
الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم. وتحته مبحثان:
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه المعركة
الخلاصة:
المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة
ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك. وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: التوجه إلى نخلة
المبحث الثاني: سرية أوطاس
المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد
الخلاصة:
الفصل الثاني: في غزوة الطائف وتحته أربعة مباحث
المبحث الأول: حصار الطائف
الخلاصة:
المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار الطائف
الخلاصة:
المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف
المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة
الخلاصة:
الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم وتحته خمسة مباحث
المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والنفل والفيء(21/1)
المبحث الثاني: جفاء الأعراب وغلظتهم
المبحث الثالث: اعتراض ذي الخويصرة التميمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسم الغنائم
الخلاصة:
المبحث الرابع: في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين
الخلاصة:
تعريف المؤلفة قلوبهم
المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول فيهم
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوزان وثقيف بعد المعركة. وتحته مبحثان
المبحث الأول: في قدوم وفد هوزان إلى الجعرانة مسلمين
المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
هدم اللات
كتاب رسول الله لوفد ثقيف وحكم صيد وج وعضاهه
في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين. وفيه سبعة عشر حكما
الحكم الأوّل: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء
الخلاصة:
الحكم الثاني: وقوع العزل في غزوة أوطاس
الحكم الثالث: في مسألة المتعة
الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات
الخلاصة:
الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم
الخلاصة:
الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة
الخلاصة:
الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان
الخلاصة:
الحكم الثامن: إقامة الحد في دار الحرب
الخلاصة:
الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين
الخلاصة:
الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه
الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن محلم بن جثامة
الخلاصة:
الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم
الخلاصة:
الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل
الخلاصة:
الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة
الخلاصة:
الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم
الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم
الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة
الخاتمة:
الفهارس
فهرس ثبت المصادر(21/2)
الفصل الثاني في المسير إلى حنين،
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: تاريخ الغزوة.
المبحث الثاني: تعيين الأمير على مكة.
المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي، في هذه الغزوة.
المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري.
المبحث الخامس: تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر وبيان فضل الحراسة في سبيل الله.
المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية
المبحث السابع:بيان من قال في هذه الغزوة"لن نغلب اليوم من قلة"
المبحث الأول: تاريخ غزوة حنين:
تاريخ وقت هذه الغزوة مرتبط بوقت فتح مكة المكرمة، ذلك أن غزوة حنين ناشئة عنه ومتممة له، ومن هنا أطلقت بعض الروايات الخروج إلى حنين في شهر رمضان، والمعروف أن هذا إنما كان في غزوة الفتح.
ولما كانت غزوة حنين من تتمة هذا الفتح العظيم الذي أيد الله به عباده المؤمنين، وأن هذا النصر بصورته الكاملة لم يتحقق إلا بعد الانتهاء من غزوة حنين.
جاء إطلاق الخروج شاملا لهما كما جاء كثير مما تم في غزوة حنين من قسم الغنائم وغيره مذكور في فتح مكة، من ذلك:
30- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: "لما كان(1)
__________
(1) قوله: "لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش" قال ابن حجر:ولأبي ذر عن شيخه "قسم غنائم في قريش".
وله في رواية الكشميهني "بين قريش" وهي رواية الأصيلي. ووقع عند القابسي "غنائم قريش" ولبعضهم "غنائم من قريش" وهو خطأ، لأنه يوهم أن مكة لما فتحت قسمت غنائم قريش، وليس كذلك بل المراد بقوله "يوم فتح مكة" زمان فتح مكة وهو يشمل السنة كلها، ولما كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها كما تقدم عكسه.
وقد قرر ذلك الإسماعيلي فقال: قوله "لما فتحت مكة قسم الغنائم" يريد غنائم هوازن، فإنه لم يكن عند فتح مكة غنيمة تقسم، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا حنينا بعد فتح مكة في تلك الأيام القريبة، وكان السبب في هوازن فتح مكة لأن الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة. (فتح الباري8/54، وانظر: حديث (31) مع التعليق عليه).(22/1)
يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش". الحديث(1).
31- وما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان إلى حنين(2) والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته - أو على راحته - ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصوام: أفطروا(3).
ومن خلال هذا الاتصال بين الغزوتين فإن تاريخ غزوة حنين يتوقف على معرفة فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، لأن المؤرخين عولوا على هذا التاريخ في هذه الغزوة، على أنه قد اختلفت الروايات في فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، وسأعرض أقوال العلماء في ذلك ووجهة كل منهم، ثم أحاول الترجيح بعد ذلك ما وجدت إليه سبيلا.
__________
(1) البخاري: (الصحيح 5/130 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف). ومسلم: (الصحيح 3/735 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه).
(2) قال ابن حجر: هذا الحديث استشكله الإسماعيلي بأن حنينا كانت بعد الفتح، فيحتاج إلى تأمل، فإنه ذكر قبل ذلك أنه خرج من المدينة إلى مكة. وكذا حكى ابن التين عن الداودي أنه قال: الصواب أنه خرج إلى مكة. أو كانت "خيبر" فتصحفت.
قال ابن حجر: وحمله على خيبر مردود، فإن الخروج إليها لم يكن في رمضان، وتأويله ظاهر، فإن المراد بقوله "إلى حنين" أي التي وقعت عقب الفتح لأنها لما وقعت إثرها أطلق الخروج إليها، وقد وقع نظير ذلك في حديث أبي هريرة. وبهذا جمع المحب الطبري. (فتح الباري 8/5).
قلت: وحديث أبي هريرة المشار إليه أخرجه البخاري في صحيحه 5/121 كتاب المغازي، باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا: منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر".
(3) صحيح البخاري 5/120 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان).(22/2)
والأقوال التي يمكن الاعتماد عليها في تاريخ غزوة حنين، قولان(1):
الأول: أن غزوة حنين كانت في اليوم الخامس من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة. روي ذلك عن ابن مسعود(2)، وإلى هذا ذهب عروة ابن الزبير وابن إسحاق وأحمد وابن جرير الطبري(3).
32- ودليل هذا القول ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب(4) الزهري، عن عبيد(5) الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة".
قال ابن اسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان(6). والحديث مرسل لأن عبيد الله لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) هناك قول ثالث وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين لليلتين بقيتا من رمضان. (فتح الباري 8/27).
(2) عبد الله بن مسعود بن غافل - بمعجمة وفاء - ابن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبه جمة،وأمّره عمر على الكوفة (ت 32) أو في التي بعدها في المدينة./ع. (ابن حجر: التقريب 1/450).
(3) ابن كثير: (البداية والنهاية 4/322، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6).
(4) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة ابن كلاب القرشي الزهري، أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة (ت125) وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين./ع. (ابن حجر: التقريب 2/207).
(5) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة (ت94) وقيل: 98، وقيل غير ذلك./ع. (المصدر السابق 1/535).
(6) سيرة ابن هشام2/437، وتاريخ الرسل والملوك للطبري3/69- 70، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/143، والمعارف لابن قتيبة ص17، وفتح الباري لابن حجر 8/27).(22/3)
وقد وصله أبو داود، وابن ماجة من طريق محمد(1) بن سلمة، عن ابن إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما(2).
ثم قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة(3) بن سليمان، وأحمد(4) بن خالد الوهبي، وسلمة(5) بن الفضل، عن ابن إسحاق، لم يذكروا فيه ابن عباس.
والحديث اختلف فيه على ابن إسحاق كما ترى.
فرواه عنه محمد بن سلمة موصولا. وخالفه عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل، وابن إدريس(6) فأرسلوه. قال البيهقي: وهو الصحيح(7).
__________
(1) محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي، مولاهم، الحراني، ثقة، من الحادية عشرة (ت 191) على الصحيح./ز م عم. (التقريب 2/166، وتهذيب التهذيب 9/193- 194).
(2) سنن أبي داود 1/280 كتاب صلاة المسافر، باب متى يتم المسافر). وسنن ابن ماجة 1/342 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب كم يقصر المسافر إذا أقام ببلدة.
(3) عبدة بن أبي سليمان الكلابي - بكسر الكاف وتخفيف اللام - الكوفي، يقال اسمه عبد الرحمن، ثقة ثبت، من صغار الثامنة (ت 187) وقيل: بعدها. /ع. (التقريب 1/530، وتهذيب التهذيب 6/458، 9/39).
(4) أحمد بن خالد بن موسى، ويقال: ابن محمد الوهبي الكندي، أبو سعيد صدوق من التاسعة، (ت 214). /ز بخ عم. (التقريب 1/14، وتهذيب التهذيب 1/26).
(5) سلمة بن الفضل الأبرش - بموحدة فراء ثم معجمة - مولى الأنصار، قاضي الري، صدوق كثير الخطأ، من التاسعة (ت 191). /د ت فق. (التقريب 1/318، وتهذيب التهذيب 3/153).
(6) هو عبد الله بن إدريس الأودي - بمفتوحة فواو ساكنة، فدال مهملة –الزعافري– بفتح المعجمة والعين المهملة وكسر الفاء - أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد، من الثامنة (ت 192). /ع. (التقريب 1/401، وتهذيب التهذيب 5/144، والخلاصة للخزرجي 2/39، والمغني لابن طاهر الهندي ص8).
(7) السنن الكبرى 3/151).(22/4)
قلت: ومحمد بن سلمة(1) ثقة إمام مفت، وقد تفرد بزيادة الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة. وهو مذهب الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث(2).
وقال ابن حجر: وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك(3) بن مالك، عن عبيد الله كذلك(4).
ورواية النسائي المشار إليها هي:
__________
(1) انظر: تذرة الحفاظ 1/316، وسير أعلام النبلاء 9/49 كلاهما للذهبي).
(2) انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص580- 581، ومقدمة ابنالصلاح ص111- 112 مع التقييد والإيضاح، والتقريب والتيسير للنووي ص138 مع تدريب الراوي، والتبصرة والتذكرة للعراقي 1/174- 175).
(3) عراك بن مالك الغفاري، الكناني، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات في خلافة يزيد بن عبد الملك، بعد المائة./ع. (التقريب 2/17، وتهذيب التهذيب 7/172).
(4) فتح الباري 2/562).(22/5)
33- أخبرنا عبد الرحمن(1) بن الأسود البصري، قال: حدثنا محمد(2) بن ربيعة، عن عبد الحميد(3) بن جعفر، عن يزيد(4) بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين"(5).
وقال البيهقي: "رواه عراك بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا(6). وتعقبه ابن التركماني(7) بقوله: قلت: أخرجه النسائي عن عراك مسندا ثم ساق رواية النسائي هذه"(8).
وبهذا تكون رواية "أقام بمكة بعد الفتح خمسة عشر" صحيحة.
__________
(1) عبد الرحمن بن الأسود بن المأمون، الهاشمي، مولاهم البصري، ثقة، من الحادية عشرة (ت بعد سنة240)/ت س.(التقريب1/472، وتهذيب التهذيب 6/140).
(2) محمد بن ربيعة الكلابي - بكسر الكاف وتخفيف اللام-ابن عم وكيع، صدوق من التاسعة (ت بعد 190) /بخ عم. (التقريب 2/160، وتهذيب التهذيب 9/162).
(3) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري، صدوق رمي بالقدر، وربما وهم، من السادسة (ت 153) /خت م عم (التقريب 1/467، وتهذيب التهذيب6/111- 112). ورمز له الذهبي بـ: (صح)، إشارة إلى أنه ثقة. (ميزان الاعتدال 2/539).
(4) يزيد بن أبي حبيب المصري، أبو الرجاء، واسم أبيه سويد، واختلف في ولائه، ثقة فقيه، وكان يرسل، من الخامسة (ت 128) /ع. (التقريب 2/363، وتهذيب التهذيب 11/318).
(5) النسائي: السنن 3/100 كتاب تقصير الصلاة في السفر، باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة.
(6) السنن الكبرى 3/151.
(7) هو: علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي، قاضي القضاة علاء الدين بن التركماني، علق على سنن البيهقي تعليقات نافعة طبعت معها بعنوان "الجوهر النقي" (ت 749). انظر ترجمته في: (لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد المالكي ص125- 126).
(8) الجوهر النقي 3/151 مع سنن البيهقي).(22/6)
القول الثاني: أن غزوة حنين كانت يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، ووصل إلى حنين مساء الثلاثاء لعشر ليال خلون من الشهر المذكور. وبهذا قال الواقدي.
ودليله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وأقام بمكة خمس عشرة، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، وانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال(1).
وتابعه ابن سعد(2).
هذه هي أقوال العلماء في هذا الباب، والذي يظهر لي ما يأتي:
أ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في شهر شوال من السنة الثامن للهجرة، بغض النظر عن كونه خرج في خامس شوال أوسادسه.
ب- يترجح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما في سادس شهر شوال، لأنه يمكن الجمع بينه وبين القول بأن الخروج إلى حنين كان في الخامس شوال.
قال الزرقاني - بعد إن ذكر هذين القولين - وهذا الخلاف: إما أنه للاختلاف في هلال الشهر، أو أن من قال لست ليال عدّ ليلة الخروج، ومن قال لخمس لم يعدها، لأنه خرج في صبيحتها فكأنه خرج فيها.
وجمع بعضهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، ووصل إليها في عاشره(3).
إذا أخذنا برواية ابن عباس - رضي الله عنهما - التي أخرجها أحمد وأبو داود بإسنادين أحدهما صحيح "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة"(4).
__________
(1) الواقدي: المغازي 3/889 و892).
(2) الطبقات الكبرى 2/150، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/322، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، والسفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/78، 793).
(3) الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/6، وابن حجر: فتح الباري 8/27).
(4) أحمد: المسند 1/315، وأبو داود: السنن 1/280. كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر).(22/7)
مع ذكره النووي وابن حجر: من أن المشهور في كتب المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه(1).
كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة حنين في اليوم السادس من شهر شوال.
وقد وردت روايات أخر في مدة إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح، منها ثماني عشرة، وتسع عشرة، ورجح البيهقي وابن حجر رواية "تسع عشرة" لأنها أكثر ما وردت بها الروايات الصحيحة،وهي ثابتة في صحيح البخاري(2)، ولا منافاة بينها وبين سائر الروايات كما جمع بينها البيهقي نفسه فقال: من روى تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال سبع عشرة لم يعدهما.
قال ابن حجر: وتحمل رواية "خمسة عشرة" على أن الراوي ظن أن الأصل رواية "سبع عشرة" فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة(3).
وإذا أمكن الجمع بين الروايات تعين المصير إليه، لأن العمل بجميع الروايات أولى من تر ك بعضها، والخلاف في كون الخروج إلى حنين في اليوم الخامس أو السادس، ليس من الخلاف الشديد، بل القولان متقاربان كما هو ظاهر. والله أعلم.
المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج إلى غزوة أو غيرها عين أميرا يقوم مقامه مدة غيابه يعلم الناس دينهم ويتفقد أحوالهم ويحل مشكلاتهم، وكانت طاعة الأمير واجبة بطاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
لما ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-:
__________
(1) النووي: شرح مسلم 3/176، وابن حجر: فتح الباري 4/181 و8/4).
(2) 2/39 كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر.
(3) البيهقي: السنن الكبرى 3/151، وابن حجر: فتح الباري 2/562، وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 4/98- 99.(22/8)
34- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع(1) أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني"(2).
فحين عزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الخروج إلى حنين، استخلف عتاب بن أسيد على من بقي من أهل مكة يرعى مصالحهم ويقضي حوائجهم. وقد جاءت في ذلك الآثار الآتية:
__________
(1) وعند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة "ومن أطاع الأمير"، وعند مسلم "ومن يطع الأمير".
قال ابن حجر: ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فإن كل من يأمر بحق وكان عادلاً فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده: توحيد الجواب في الأمرين. وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر أن المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث، وأما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (فتح الباري 13/112).
(2) البخاري: الصحيح 9/51 كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}. ومسلم: الصحيح 3/1466 كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله، وتحريمها في المعصية. والنسائي: 7/138 كتاب البيعة، باب الترغيب في طاعة الإمام. وابن ماجة: السنن 2/؟؟؟ كتاب الجهاد، باب طاعة الإمام. وعبد الرزاق: المصنف 11/329. وأحمد: المسند 2/244، 252، 270، 313، 342، 416، 471، 511).(22/9)
35- ما رواه الطبري قال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة(1)، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب(2) بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس على مكة أميرا على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن"(3).
والحديث فيه ثلاث علل:
أ- ضعف ابن حميد(4).
ب- عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.
__________
(1) سلمة: هو الأبرش، تقدم في حديث (32)، وتقدم ابن إسحاق في حديث (1).
(2) عتاب - بتشديد التاء - و(أسيد) مكبرا، و(العيص) - بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية ثم صاد مهملة - ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي، الأموي، كان رجلا صالحا فاضلا نبيلا، أسلم يوم الفتح واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة لما سار إلى حنين، وحج بالناس في تلك السنة، وهي سنة ثمان للهجرة، ولم يزل واليا على مكة مدة حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومدة خلافة أبي بكر الصديق، وكان عمره حين استعمل على مكة نيفا وعشرين سنة، وقيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على مكة بعد رجوعه من حصار الطائف. ومات عتاب - رضي الله عنه - يوم مات أبو بكر الصديق. (انظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/446، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/153- 154 مع "الإصابة"، وابن الأثير أسد الغابة 3/556، وابن حجر: الإصابة 2/451، والتقريب 2/3، وتهذيب التهذيب 7/89- 90).
(3) تاريخ الرسل والملوك 3/77).
(4) قال عنه ابن حجر في التقريب 2/156: محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 3/530: محمد بن حميد من بحور العلم، وهو ضعيف، ونقل عن جماعة من النقاد أنهم رموه بالكذب.(22/10)
جـ الإرسال(1).
36- ما رواه خليفة ابن خياط قال: حدثني علي(2) بن محمد، عن حماد(3) بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد(4) بن المسيب قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سنة ثمان من مهاجره في شهر رمضان فأقام خمسة عشر يوما، ثم شخص(5)، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد(6).
والحديث فيه علتان:
أ- ضعف علي بن زيد بن جدعان(7).
ب- الإرسال.
__________
(1) فإن عبد الله بن أبي بكر هو ابن محمد بن عمرو بن حزم، ذكره ابن حجر في تقريبه في الطبقة الخامسة، وهي طبقة صغار التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة. (التقريب 1/5، 405، وتهذيب التهذيب 5/164).
(2) علي بن محمد أبو الحسن المدائني الأخباري صاحب التصانيف، اعتمده خليفة بن خياط فيما يتعلق بالمغازي.
قال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قل ما له من الروايات المسندة، ووثقه يحيى بن معين (ت 225). (انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 3/153، وابن حجر: لسان الميزان 4/253، ومقدمة تاريخ خليفة بن خياط لأكرم العمري ص18- 19).
(3) حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت البناني، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة (ت 167). /خت م عم. (التقريب 1/197، وتهذيب التهذيب 3/11- 16).
(4) سعيد بن المسيب بن حزن - بوزن سهل - أحد العلماء الأثبات والفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه. (ت بعد90) وقد ناهزالثمانين./ع.(التقريب1/305-306،وتهذيب التهذيب4/84).
(5) شخص: أي خرج. (النهاية لابن الأثير: 2/450- 451).
(6) تاريخ خليفة بن خياط ص: 87.
(7) انظر ترجمته في: التقريب 2/37، وتهذيب التهذيب 7/322. قال عنه في التقريب "ضعيف".(22/11)
37- ما رواه البخاري في "التاريخ" والحاكم في "المستدرك" عن حرمي(1) بن حفص العتكي، ثنا خالد(2) بن أبي عثمان، عن أيوب بن عبد الله بن يسار، عن عمرو(3) بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول:"والله ما أصبت في عملي هذا ممّا ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان"(4).
ورواه أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن خالد بن أبي عثمان الأموي به(5).
والحديث فيه: أيوب بن عبد الله بن يسار، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم(6).
وقال ابن حجر: إسناده حسن(7).
__________
(1) حرمي - بحاء وراء مفتوحتين وياء مشددة بلفظ النسب - ابن حفص بن عمر العتكي-بفتح المهملة والمثناة - أبو علي البصري، ثقة من كبار العاشرة (ت223) أو (226) /خ د س. (التقريب1/159،وتهذيب التهذيب2/232،والمغني لابن طاهر الهندي ص21).
(2) خالد بن أبي عثمان القرشي الأموي البصري، وهو أخو عبد الله بن أبي عثمان، وهو خالد مولى سيار الذي روى عنه شعبة، ثقة. (البخاري:التاريخ الكبير3/163-164،وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل3/345).
(3) عمرو بن أبي عقرب، تابعي كبير مخضرم، سمع عتاب بن أسيد والي مكة، وعتاب مات بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين فيكون لعمرو إدراك. ذكره سعيد بن يعقوب في الصحابة برواية موهومة تقتضي أن له صحبة. (ابن حجر:الإصابة 3/116، 117، وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد5/457، والتاريخ الكبير للبخاري6/356، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم6/252).
(4) التاريخ الكبير للبخاري 7/54، والمستدرك للحاكم 3/595).
(5) كتاب الأموال ص382).
(6) البخاري:التاريخ الكبير1/419، وابن أبي حاتم:الجرح والتعديل2/251).
(7) الإصابة 2/451).(22/12)
38- ما رواه الحاكم من طريق مصعب(1) بن عبد الله الزبيري قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاباً على مكة، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعتاب عامله على مكة، وتوفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة(2).
والحديث معضل(3).
وفي حديث أبي محذورة في قصة تعليمه الأذان، فقلت: يا رسول الله مرني باتأذين بمكة، فقال: "قد أمرتك به"، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم"(4).
وحسّنَ الألباني القدر الوارد من الحديث في تولية عتاب بن أسيد على مكة ثم ذكر شواهد لذلك(5).
والخلاصة: أن هذه الآثار الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عند الخروج إلى حنين على فرض أن كل أثر منها لا يخلو من مقال، لكنها تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلاً.
والمعروف من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد الخروج إلى غزوة من الغزوات استخلف من يقوم مقامه حتى يرجع، والذي عليه إمام أهل المغازي والسير (ابن إسحاق) أن الذي استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة هو عتاب بن أسيد.
__________
(1) مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله الزبيري، المدني، نزيل بغداد، صدوق عالم بالنسب، من العاشرة (ت 236) /س ق. (التقريب 2/252، وتهذيب التهذيب 10/162- 164).
(2) المستدرك 3/594- 595).
(3) الحديث المعضل: هو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي. (انظر تدريب الراوي للسيوطي ص129).
(4) انظر تخريجه والحكم عليه برقم (256).
(5) تخريجه لأحاديث فقه السيرة لمحمد الغزالي ص433.(22/13)
وتابعه في هذا جمهور العلماء من أهل السير والمغازي وغيرهم(1).
وذهب بعض العلماء إلى أن عتابا كان أميرا على مكة، وكان معاذ بن جبل معلما لأهلها(2).
ومسألة تولية عتاب بن أسيد أميرا على مكة متفق عليها تاريخيا فيؤخذ فيها بالروايات التاريخية وإن لم تنطبق عليها قواعد نقدة الحديث لأنه لا مناص لنا من الخذ بذلك، لأننا أمام أمرين:
إما رد هذه المريّات لضعف أسانيدها.
وإما الأخذ بها. والأخذ بها هو الأولى في مثل هذه الحوادث التاريخية التي لا تتعلق بالعقائد والأحكام الشرعية، على أن مجموع الروايات يقوي بعضها بعضا، ولذلك حسّن الحديث ابن حجر لما له من الشواهد.
وحسّن الألباني القدر المتعلق بتولية عتاب أميراً بالشواهد المقوية لذلك.
وأما ما عدا ذلك من قصة توليته وما حدث فيها فهو الذي يحسن الأخذ به من الناحية التاريخية وإن لم يقو سنده من الناحية الحديثية، وقد جرى العلماء منذ القديم على هذا المسلك. والله أعلم.
المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة:
الجيش الذي خرج إلى غزوة حنين مكون من:
أ- الجيش الإسلامي الذي فتح مكة المكرمة.
ب- الذين انضافوا إليهم من مسلمة الفتح.
وعدد الجيش الذي فتح مكة عشرة آلاف مقاتل، وهو نص حديث ابن عباس عند البخاري، وهذا سياقه
__________
(1) انظر: (سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، 97، وأنساب الأشراف للبلاذري ص529، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/11، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وكتاب المعارف لابن قتيبة ص71، 123، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/97، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والإصابة لابن حجر 2/451، وبهجة المحافل للعامري 1/417، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161).
(2) المستدرك للحاكم 3/270، وأسد الغابة لابن الأثير 3/256، وشرح ثلاثيات مسند أحمد للسفلريني 2/78).(22/14)
39- قال: حدثني محمود(1)، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف(2)، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف(3) من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون". الحديث(4).
وعند ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مطولا فيه: "ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل مر الظهران(5) في عشرة آلاف من المسلمين". الحديث(6).
__________
(1) محمود: هو ابن غيلان، أبو أحمد المروزي.
(2) قال ابن حجر: وفي مرسل عروة عند ابن إسحاق وابن عائذ: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وسليم". ثم قال: وكذا وقع في "الإكليل"، "وشرف المصطفى" ويجمع بينها أن العشرة آلاف خرج بها من المدينة، ثم تلاحق بها الألفان. (فتح الباري 8/4 ونسبه الهيثمي في مجمع الزوائد 6/170)، للطبراني وقال: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. ونسبه ابن كثير لعروة والزهري وموسى بن عقبة. (البداية والنهاية 4/324- 325).
(3) قال ابن حجر: هكذا وقع في رواية معمر وهو وهم، والصواب على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف، وذكر توجيهات أخرى. (الفتح 8/49).
(4) صحيح البخاري 5/120 كتاب المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان).
(5) مر الظهران: هو وادي فاطمة، يقع شمال مكة المكرمة بنحو 30 كم. (انظر: غزوة بني المصطلق ص54- 55).
(6) سيرة ابن هشام 2/399- 400).(22/15)
ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه أحمد مختصرا، والطبري، والطحاوي والحاكم بطوله، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي(1).
وأورده الهيثمي مختصرا وقال: في الصحيح طرف منه في الصيام، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ثم أورده مطولا وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح(2).
والحديث دليل واضح على أن الذين خرجوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة المكرمة، كانوا عشرة آلاف مقاتل. وقد خرجوا إلى غزوة حنين مع من انضم إليهم من الطلقاء(3).
__________
(1) أحمد: المسند 1/266، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/49، والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/319- 320، والحاكم: المستدرك 3/43).
(2) مجمع الزوائد6/164-167،وابن كثير:البداية والنهاية4/285-286، 324).
(3) الطلقاء - بضم الطاء وفتح اللام وبالمد - هم الذين أسلموا يوم فتح مكة، ومفرده طليق، يقال ذلك: لمن أطلق من أسار أو وثاق. قال القاضي عياض في المشارق: قيل لمسلمي الفتح الطلقاء لِمَنِّ النبي - صلى الله عليه وسلم عليهم -. (مشارق الأنوار 1/319، وانظر: النهاية لابن الأثير 3/136، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/100 و4/469).(22/16)
40- فقد ورد عند البخاري ومسلم من طريق معاذ(1) بن معاذ، عن ابن عون(2)، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان(3) وغيرهم بنعمهم(4) وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف(5) ومن الطلقاء(6)
__________
(1) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري، أبو المثنى البصري، القاضي، ثقة متقن، من كبار التاسعة (ت 196) /ع. (ابن حجر: التقريب 2/257).
(2) هو عبد الله بن عون بن أرطبان - بفتح فسكون - أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل، من أقران أيوب في العلم والعمل والسن، من السادسة (ت 150) على الصحيح /ع. (المصدر السابق 1/439).
(3) نسبة إلى غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
(4) النعم - بفتح العين وقد تسكن - الإبل والشاء، أو خاص بالإبل. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/182).
(5) وقع عند مسلم وأحمد من طريق السميط، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف. الحديث.
قال النووي: الرواية الأولى أصح؛ لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا اثني عشر ألفا، عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم، وهذا معنى قوله: "ومعه عشرة آلاف ومعه الطلقاء".
قال القاضي عياض: قوله: "ستة آلاف" وهم من الراوي عن أنس. والله أعلم. (انظر: صحيح مسلم 2/736 كتاب الزكاة، ومسند أحمد 3/157، وشرح صحيح مسلم للنووي 3/101).
(6) وعند مسلم من هذه الطريق (ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء).
وعند البخاري من طريق أزهر عن بن عون (لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي - صلّى الله عليه وسلّم ـ، عشرة آلاف والطلقاء".
وعند أحمد من طريق: سليم بن أخضر عن ابن عون: "لما يوم حين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعاً كثيراً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف أو أكثر ومعه الطلقاء).(22/17)
... الحديث(1).
والحديث يدل على أن الجيش الخارج إلى حنين عشرة آلاف من غير الطلقاء، وقد جاء عند ابن إسحاق أن الطلقاء كانوا ألفين من أهل مكة. ساق ذلك بدون إسناد(2).
وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف منن أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا"(3).
41- وأخرج الطبري أيضا بسنده عن السدي، وابن زيد(4) في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ(5)
__________
(1) البخاري: الصحيح 5/130- 131، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، واللفظ له. ومسلم: الصحيح2/735 كتاب الزكاة. وأحمد: المسند 3/190، 279-280. ومنتخب كنز العمال 4/171 مع مسند أحمد. ورمز له بـ(ش) عبارة على أن الحديث عند ابن أبي شيبة).
(2) سيرة ابن هشام 2/440، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324).
(3) تاريخ الرسل والملوك 3/73، وتقدم برقم (35).
(4) ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ- بضم القاف والفاء بينهما نون ساكنة - التيمي المدني، ثقة من الخامسة /م عم. (التقريب 2/162).
(5) حنين: قال ياقوت: يجوز أن يكون تصغير الحنان، وهو الرحمة تصغير ترخيم. ويجوز أن يكون تصغير الحن، وهو حي من الجن. قال السهيلي: سمي بحنين بن قانية بن مهلائيل، قال وأظنه من العماليق. وهو يذكر ويؤنث. فإن قصدت به البلد ذكرته وصرفته، كما في قوله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}. وإن قصدت به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه، وهو واد قريب من مكة. (معجم البلدان 2/313).
قلت: تصغير الترخيم عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي فيه، فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على "فعيل" وإن كانت أربعة صغر على "فعيعل" (انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/487) ووادي حنين يسمى الآن (الشرائع) وهو يبعد عن مكة بنحو عشرين كيلا شرقي مكة. معجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص107، وحمد الجاسر: التعليق على كتاب المناسك للحربي ص471، وباشميل: غزوة حنين ص60، وفؤاد حمزة: قلب جزيرة العرب ص268).(22/18)
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً}، [سورة التوبة، من الآية: 25].
قالا: "كانوا اثني عشر ألفا"(1).
وكلا الإسنادين مقطوع(2).
42- ورواه أيضا عن عروة بن الزبير، وعن قتادة(3).
43- وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم الحديث(4).
44- وساق بسنده أيضا عن الحاكم فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أبو بكر القاضي(5) قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}، [سورة التوبة، من الآية: 25]. قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفا، منهم ألفان من أهل مكة(6).
والحديث فيه:
أ- يونس بن بكير "صدوق يخطئ"(7)
ب- أبو جعفر الرازي التميمي عيسى بن أبي عيسى "صدوق سيئ الحفظ"(8).
__________
(1) جامع البيان 10/101، 103).
(2) الخبر المقطوع ما أضيف إلى التابعي أو من دونه من قول أو فعل. (تدريب الراوي للسيوطي ص117). وفي سند السدي: أسباط بن نصر، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب. والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن، صدوق يهم ورمي بالتشيع. (التقريب 1/53 و71- 72). وفي سند ابن زيد انقطاع بينه وبين عبد الله بن وهب.
(3) جامع البيان 10/99- 100).
(4) دلائل النبوة 3/40- 41 ب-أ).
(5) هو أحمد بن الحسن القاضي، هكذا ذكر البيهقي غي "دلائل النبوة" 3/42. وتقدمت تراجم رجال بقية الحديث في حديث رقم (23).
(6) دلائل النبوة 3/41ب، والنظر المواهب اللدنية للقسطلاني 1/161).
(7) التقريب 2/384).
(8) المصدر السابق 2/406، والمجروحين لابن حبان 2/120).(22/19)
ج- الربيع بن أنس البكري "صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع".
قال ابن حبان: والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطرابا كثيرا(1).
د- الإرسال، فإن الربيع لم يدرك هذه الوقعة.
54- وروى ابن سعد قال: أخبرنا الضحاك(2) بن مخلد الشيباني، أبو عاصم النبيل، قال: أخبرنا عبد الله(3)
__________
(1) التقريب 1/243، وتهذيب التهذيب 3/238- 239).
(2) هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، أبو عاصم النبيل، البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت 212) أو بعدها. /ع. (التقريب 1/373، وتهذيب التهذيب 4/450).
(3) عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب بن يعلى، أبو يعلى الثقفي، عن عمرو ابن شعيب، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وعنه الثوري، ومعتمر بن سليمان، ومروان بن معاوية، ووكيع، وابن مهدي، وابن المبارك، وأبو عاصم وغيرهم. صدوق يخطيء ويهم، من السابعة /بخ م د تم س ق. قال المزي، وتبعه ابن حجر: وقع عند ابن ماجة في التكبير في صلاة العيد سبع أو خمس "عبد الرحمن بن يعلى" وهو خطأ، والصواب هو عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، وكذلك سماه أبو داود في روايته. ثم قال المزي: وقد روى ابن ماجة غير هذا الحديث على الصواب. (انظر: تهذيب الكمال للمزي 5/414، والتقريب 1/429، 503، وتهذيب التهذيب 5/298- 299، 6/301).
قلت: والحديث الذي أشار إليه المزي وابن حجر عند ابن ماجة في التكبير في صلاة العيد من طريق أبي كريب، وأنه قال فيه عن عبد الرحمن بن يعلى، فإن الحديث في سنن ابن ماجة الموجودة بين أيدينا "عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى". (انظر سنن ابن ماجة 1/407 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين، و410 باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وسنن أبي داود 1/262 كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين).(22/20)
بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي، أخبرني عبد الله(1) بن عياض، عن أبيه(2) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترابا من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا(3)
والحديث رواه الطبراني من طريق زيد(4) بن الحريش، والعباس(5) ابن عبد العظيم العنبري، قالا: ثنا أبو عاصم به(6).
ورواه الحاكم من طريق أبي قلابة(7)، ثنا أبو عاصم به(8).
__________
(1) عبد الله بن عياض روى عن أبيه وعنه أبو يعلى عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ابن كعب الثقفي الطائفي. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/129). ووقع في طبقات ابن سعد "وأخبرني عبد الله بن عباس"، والصواب عبد الله بن عياض. (وإسقاط حرف العطف).
(2) عياض بن عبد الله الثقفي، وقال ابن عبد البر: عياض الثقفي. وقال البخاري: عياض له صحبة. قال ابن حجر: فرق ابن الأثير بين عياض الثقفي، وعياض بن عبد الله الثقفي، وهو وهم. (الإصابة 3/49 و183، وأسد الغابة 4/322 و325، والاستيعاب 3/129، وتاريخ البخاري الكبير 7/19).
(3) الطبقات الكبرى لابن سعد 2/154- 155).
(4) زيد بن الحريش الأهوازي، نزيل البصرة، روى عن عمران بن عيينة وروى عنه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني. (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/561).
(5) العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري، أبو الفضل البصري، ثقة حافظ، من كبار الحادية عشرة (ت240)/خت م عم.(التقريب1/397،وتهذيب التهذيب5/121).
(6) المعجم الكبير 17/368- 369).
(7) عبد الملك بن محمد الرقاشي - بفتح الراء وتخفيف القاف ثم معجمة - أبو قلابة البصري، يكنى أبا محمد، وأبو قلابة لقب، صدوق يخطيء، تغير حفظه لما سكن بغداد، من الحادية عشرة، (ت276) /ق. (التقريب 1/522، وتهذيب التهذيب 6/419، ولسان الميزان 5/49 كلها لابن حجر).
(8) المستدرك 2/121).(22/21)
ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي(1).
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن عياض، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وبقية رجاله ثقات(2).
وبهذا فإن تصحيح الحاكم لهذا الحديث، وموافقة الذهبي لهن فيه نظر.
والخلاصة في هذا أن الأحاديث الصحيحة نصت على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى غزوة حنين بعشرة آلاف مقاتل، و(الطلقاء) ولفظ "الطلقاء" شيء زائد على العشرة الآلاف، وقد بينت هذه الأحاديث بأن الطلقاء كانوا ألفين من اهل مكة، وهي وإن كان كل حديث منها لا يسلم من مقال، إلاّ أنها بمجموعها يقوي بعضها بعضا، ولها أصل في الأحاديث الصحيحة، وهو لفظ "الطلقاء" الزائد على عشرة الآلاف، وأطبق أهل المغازي وغيرهم على أن الطلقاء كانوا ألفين من مسلمة الفتح انضافوا إلى الجيش الإسلامي القادم من المدينة لفتح مكة، وذهبوا جميعاً إلى غزوة حنين وكان عددهم اثني عشر ألفا(3). هذا على ما جاء في الروايات الصحيحة بأن الجيش القادم من المدينة المنورة كان عشرة آلاف.
وأما على رأي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري، بأن الجيش القادم من المدينة اثني عشر ألفا، فيكون مجموع الجيش الخارج إلى حنين أربعة عشر ألفا، وقد تقدم توجيه ذلك(4).
وقال عطاء: كان المسلمون يوم حنين ستة عشر ألفا(5).
المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري:
__________
(1) دلائل النبوة 3/45 أ).
(2) مجمع الزوائد 6/186).
(3) انظر: سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63).
(4) تقدم تحت حديث (39).
(5) تفسير البغوي 3/72)، مع "الخازن".(22/22)
من المعلوم أن هوازن قبيلة قوية في عددها وعددها، وقد أقامت حولا كاملا تعد العدة لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1). وقد انضم إليها بعض القبائل الأخرى من غطفان وغيرهم، فأحكموا خطتهم ووقف الجميع صفا واحدا في وجه المسلمين يريدون القضاء عليهم.
فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومن الطلقاء. الحديث(2). وعند مسلم وأحمد من طريق السميط(3)، عن انس بن مالك.
46- قال: "افتتحنا مكة، ثم أنّا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت(4) الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم". الحديث(5).
وأخرج أبو داود الطيالسي وأحمد وغيرهما من طريق حماد(6) بن سلمة أنا إسحاق(7) بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك:
47- "أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والنساء والإبل والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث(8).
وأخرجه ابن حبان والحاكم، كلاهما من طريق حماد بن سلمة به.
__________
(1) انظر: شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/7، 10- 11، 20- 22).
(2) تقدم برقم (40).
(3) السميط - بضم أوله - وهو ابن عمير، ويقال: ابن سمير السدوسي، البصري، أبو عبد الله، (ابن حجر: التقريب 1/334، والخلاصة للخزرجي 1/440).
(4) فصفت: بابناء للمفعول.
(5) مسلم: الصحيح 2/736 كتاب الزكاة، باب عطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام. واحمد: المسند 3/157).
(6) ثقة، تقدم في حديث (36).
(7) إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، المدني، أبو يحيى، ثقة حجة، من الرابعة (ت132) وقيل بعدها. /ع. (التقريب 1/59، وتهذيب التهذيب 1/239-240).
(8) أبو داود الطيالسي: المسند 2/108- 109، بترتيب الساعاتي "منحة المعبود"، وأحمد: المسند 3/190، 279.(22/23)
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1).
وسكت عنه الذهبي.
48- وأخرج أبو داود وأحمد كلاهما من طريق نافع(2) أبي غالب الباهلي مطولا فيه: "قال: يا أبا حمزة هل غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم؟ - قال: نعم. غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكثرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا". الحديث(3).
فهذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها تدل على أن هوازن استعدت للمعركة استعدادا كاملا، ولم تدخر شيئا في وسعها.
وقد وصف ابن إسحاق جموع هوازن المتكاثرة فقال: لما سمعت هوازن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك(4)
__________
(1) ابن حبان: موارد الظمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130).
(2) أبو غالب الباهلي مولاهم، الخياط البصري، اسمه نافع أو رافع، ثقة من الخامسة /د ت ق. (التقريب 2/297، 460، وتهذيب التهذيب 10/415، 12/196).
(3) أبو داود: (السنن 2/186)، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. وأحمد: المسند 3/151 واللفظ له وإسناده حسن. وأخرجه الترمذي وابن ماجة كلاهما من طريق نافع بن أبي غالب مختصرا بقصة الصلاة على الجنازة دون قصة حنين، وحسنه الترمذي. (سنن الترمذي 2/249- 250 كتاب الجنائز باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة، وسنن ابن ماجة 1/479 فيه).
(4) مالك بن عوف بن سعد بن ربييعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، أبو علي النصري - بالصاد المهملة - نسبة إلى جده الأعلى نصر المذكور. ووقع في بعض الكتب النضري - بالضاد المعجمة - وهو خطأ. قاد مالك جيوش هوازن في غزوة حنين وكان عمره ثلاثين سنة، أسلم في الجعرانة بعد أن هزم هو وجنده وحسن إسلامه، واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه فكان يقاتل ثقيفا فلا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه. ثم شهد فتح دمشق وشهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص.
ووقع في المعجم الكبير للطبراني 17/301 عن أبي خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام الجمحي قال: كان مالك بن عوف النصري رئيساً مقداماً، وكان أول ذكره وما شهر من بلائه "يوم الفجار" مع قومه كثر صنيعه يومئذ وهو على هوازن حين لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق مع الناس أموالهم... الخ. وذكر انهزامه ولحوقه بالطائف. وحصل خطأ في قوله: أول ما شهر من بلائه "يوم الفجار".
والصواب "يوم حنين" وذلك لأن "آخر الفجارات" حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمومته وعمره (20) سنة على رأي ابن إسحاق، وكانت غزوة حنين في السنة الثامنة للهجرة وبين آخر حروب الفجار وغزوة حنين (61) سنة، وكان عمر مالك بن عوف عندما قاد جيوش هوازن في حنين (30) سنة، فتكون حرب الفجار وقعت قبل ميلاد مالك بن عوف بـ (31) سنة.
وحديث الطبراني هذا أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/184- 185 وقال: رواه الطبراني عن خليفة بن خياط محمد بن سلام الجمحي، (وقوله: خليفة بن خياط) خطأ والصواب "أبو خليفة الفضل بن حباب" كما هو في معجم الطبراني.
وقال ابن حجر: وانقلب "مالك بن عوف" على خليفة بن خياط فسماه (عوف بن مالك).
(انظر ترجمة مالك في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص269، والاستيعاب لابن عبد البر 3/380 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/42، وتاريخ ابن خلدون 2/310، والإصابة لابن حجر 3/182، 352، وسيرة ابن هشام 1/184، 186، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/5، وتاريخ خليفة بن خياط ص99).(22/24)
بن عوف النصري، فاجتمع إليه من هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر، وجشم كلها، وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلاّ هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي بني جشم دريد(1) بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن(2) برأيه ومعرفته الحرب، وكان شيخاً(3) مجرباً، وفي ثقيف سيدان لهم(4)، وفي الأحلاف(5)
__________
(1) دريد بن الصمة - واسم الصمة - معاوية بن بكر بن علقمة بن خزاعة بن غزية - بوزن عطية - ابن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، قتل كافرا في هذه الغزوة، وسيأتي الخلاف فيمن قتله في حديث (97). (جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص270. والروض الأنف للسهيلي 7/200- 201).
(2) التيمن: التبرك. (النهاية لابن الأثير 5/302، والقاموس للفيروز آبادي 4/278).
(3) وعند الواقدي: ونصرها دريد بن الصمة في بني جشم وهو يومئذ ابن ستين ومائة سنة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجربا، وقد ذهب بصره يومئذ. (المغازي 3/886).
(4) وعند الطبري: "وعلى ثقيف: عبد ياليل" انظر ص186.
(5) الأحلاف: هم أحد قبيلي ثقيف، فإن ثقيفا قسمان:
أحدهما: بنو مالك. والثاني: الأحلاف. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 1/33، وأسد الغابة 4/375).(22/25)
قارب(1) بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار(2) سبيع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع(3) أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع المسير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار(4) له يقاد به، فلما نزل قال: بأي واد أنتم؟ قالوا: ب أوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن(5)
__________
(1) هو ابن أخي عروة بن مسعود كانت معه راية الأحلاف في غزوة حنين، فلما انهزم المشركون أسند الراية إلى شجرة وهرب. قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأبو مليح بن عروة بن مسعود المدينة قبل وفد ثقيف حين قتلت ثقيف عروة بن مسعود، يريدان مفارقة ثقيف، وأن لا يجامعوهم على شيء أبدا، فأسلما فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: توليا من شئتما، فقالا: نتولى الله ورسوله. (ابن الأثير: أسد الغابة 4/375- 376).
(2) ذو الخمار: بالخاء والميم قتل كافرا في هذه الغزوة. (سيرة ابن هشام 2/437 و450. والكلاعي: الاكتفاء 2/333). ووهم المعلقون على سيرة ابن هشام فقالوا: اسمه عوف بن الربيع، وعوف ابن الربيع صحابي من أسد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: ذو الخيار - بالخاء والمثناة التحتانية -. (انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 4/310، وابن حجر: الإصابة 3/42).
(3) في (المصباح المنير 1/133): وجماع الناس بالضم والتثقيل أخلاطهم، وكذا في (المعجم الوسيط 1/135).
(4) الشجار: هو مركب مكشوف دون الهودج، ويقال له: مشجر أيضا. (ابن الأثير: النهاية 2/446. والروض الأنف للسهيلي 7/201).
(5) الحزن: بفتح الحاء وسكون الزاي، المكان الغليظ الخشن.
والضرس: بكسر الضاد وسكون الراء: الأكام الخشنة. (المصدر السابق 1/380، 3/83).(22/26)
ضرس ولا سهل دهس(1)، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار(2) الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ودعي له، فقال: يا مالك(3)، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس اموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم، قال: فأنقض به(4)، ثم قال: راعي ضأن(5) والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك" الحديث(6).
قال ابن كثير: بعد إيراده لهذا الحديث: هكذا أورده ابن إسحاق من غير إسناد.
وقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق، عن عاصم بم عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه(7).
__________
(1) الدهس - بفتح الدال وسكون الهاء - ما سهل ولان من الأرض ولم يبلغ أن يكون رملا. (المصدر السابق 2/145).
(2) وعند الواقدي: "وثغاء الشاء". (المغازي 3/887 - والمراد: صوت الشاء).
(3) وعند الواقدي: "يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما وقد اصبحت رئيس قومك...الخ". (المغازي 3/887).
(4) وعند الواقدي: "فأنقض بيديه". (المغازي 3/888).
قال ابن الأثير: "وفي حديث هوازن "فأنقض به دريد"، أي نقر بلسانه في فيه، كما يزجر الحمار، فعله استجهالا به.
قال الخطابي: أنقض به، أي صفق بإحدى يديه على الأخرى، حتى يسمع لهما نقيض، أي صوت. (النهاية 5/107).
وقال السهيلي: الإنقاض بالأصبع الوسطى والإبهام كأنه يدفع بهما شيئا. (الروض الأنف 7/201).
(5) وعند الواقدي: "راعي ضأن ما له وللحرب؟". (المغازي 3/888) وانظر: الروض الأنف 7/201.
(6) سيرة ابن هشام 2/437، وانظر: مغازي الواقدي 3/885، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/149).
(7) تقدم الحديث برقم (23) وإسناده حسن.(22/27)
وعن عمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم وغيرهم قصة حنين فذكر نحو ما تقدم(1).
وأخرج الطبري فقال: حدثنا بشر(2) بن معاذ قال: ثنا يزيد(3)، قال: ثنا سعيد(4)، عن قتادة(5)، قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}. [سورة التوبة، من الآية: 25]. حتى بلغ {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}، [سورة التوبة، من الآية: 26](6). قال: وحنين ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبي الله هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي" الحديث(7).
وهذه الأحاديث المتقدمة تدل على أن هوازن كانت قد جمعت جمعا كثيرا، وإن كانت لم تنص على عدد هوازن ومن معهم صراحة، وقد ورد عند الواقدي ما يدل على أن عدد هوازن ومن معهم عشرون ألفا.
__________
(1) البداية والنهاية 4/324.
(2) بشر بن معاذ العقدي - بفتح المهملة والقاف- أبو سهل البصري، الضرير، صدوق، من العاشرة (ت سنة بضع وأربعين بعد المائتين) /ت س ق. (التقريب 1/101، وتهذيب التهذيب 1/458).
(3) يزيد: هو ابن زريع البصري، أو معاوية "ثقة ثبت" تقدم في حديث (1).
(4) هو سعيد بن أبي عروبة - بفتح مهملة وضم راء خفيفة وبموحدة - واسمه: مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان أثبت الناس في قتادة، من السادسة (ت 156، وقيل: 157). /ع. (التقريب 1/302، وتهذيب التهذيب 4/63، والمغني لابن طاهر الهندي ص54).
(5) قتادة بن دعامة - بكسر مهملة وخفة عين مهملة - بن قتادة السدسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة (ت سنة بضع عشرة بعد المائة) /ع. (التقريب 2/123، وتهذيب التهذيب 8/351، والمغني لابن طاهر الهندي ص30).
(6) الروض الأنف للسهيلي 7/183).
(7) الطبري: جامع البيان 10/100، وتقدم برقم (42).(22/28)
قال: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أبي حدرد(1) الأسلمي فقال له: انطلق فادخل حتى تأتي بخبر منهم، وما يقول مالك، فخرج عبد الله فطاف في عسكرهم، ثم انتهى إلى مالك بن عوف فوجد عنده رؤساء هوازن، فسمعه يقول لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما يلقى قوما أغمارا(2) لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم ، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونهم بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون(3)، واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا". الحديث(4).
فقوله في هذا الحديث: "فتلقونه بعشرين ألف سيف" يدل على أن القوم كانوا عشرين ألفا.
وكون هوازن كانت عشرين ألفا أو أكثر ذلك، وإن لم يرد ذلك في حديث صحيح مصرح به.
إلا أن في الأحاديث الصحيحة الثابتة ما يؤيد هذا، فقد تقدم في حديث أنس بن مالك أنه قال: "لما كان يوم حنين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا كثيرا".
وفيه أيضا:"لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم"(5).
وفي حديث جابر بن عبد الله قال: "لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة، جمع مالك بن عوف من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو ابن عامر، وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحناف من ثقيف وبنو مالك"(6).
__________
(1) هو عبد الله بن أبي حدرد، وإرساله إلى هوازن ليعرف وجهتهم، ثابت من حديث جابر بن عبد الله - المتقدم برقم (23).
(2) الأغمار: جمع غمر - بالضم - وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور. (ابن الأثير: النهاية 3/385).
(3) جفن السيف: غمده الذي يكون فيه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/209).
(4) مغازي الواقدي 3/893).
(5) تقدم برقم (40).
(6) تقدم برقم (23).(22/29)
وفي حديث سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رجل فارس فقال: "يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين" الحديث(1).
فمن خلال هذه الألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة يفهم منها أن القوم حشدوا جموعا كثيرة، وقد تقدم في أول هذا المبحث أنهم أقاموا حولا كاملا يعدون العدة لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذا فقد قال ابن حجر: والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك(2).
وعند القسطلاني: "فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد والكثرة"(3).
وعند الزرقاني: "إنهم كانوا أضعاف المسلمين".
ثم قال: "وما وقع في البيضاوي والبغوي ونحوهما أن ثقيفا وهوازن كانوا أربعة آلاف إن صح فلا ينافيه لأنهم انضم إليهم من العرب ما بلغوا به ذلك، فقد مر أنهم أقاموا حولا يجمعون لحربه عليه السلام لا أنهم باعتبار ما معهم من نساء ودواب يرون ضعفا وأضعاف المسلمين، وإن كانوا في نفس الأمر أربعة آلاف، لأن بعده لا يخفى؛ لأن فيه رد كلام الحفاظ الثقات الأثبات بلا دليل، فإن أربعة داخلة في الزائد فلا يصح رد الزائد إليها بهذا الحمل المتعسف الذي يأباه قول مالك بن عوف "تلقونه بعشرين ألف سيف". فإن البهائم لا سيوف معها(4).
__________
(1) سيأتي تخريجه برقم (50).
(2) فتح الباري 8/29.
(3) المواهب اللدنية 1/162).
(4) الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7، 10، 11، 20، 22). وانظر: (باشميل: غزوة حنين ص 69- 70، 73- 74، 78، 80، 115- 116، 125، 128، 139، 148- 149). وانظر:(تفسير القرآن الكريم للبيضاوي ص221،وتفسير البغوي3/72مع الخازن).(22/30)
وهذه الجموع الهائلة جمعها مالك بن عوف في وادي أوطاس(1)، ثم أرسل عيونه إلى المسلمين ليعلم مدى قوتهم واستعدادهم لخوض المعركة.
49- قال ابن إسحاق: وحدثني أمية(2) بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث: أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم! فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق(3) فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فو الله مارده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد(4).
ومن هذه الطريق أخرجه الطبري(5).
والحديث ضعيف، لأن أمية بن عبد الله لم يصرح بمن حدثه.
وعند الواقدي: "قال: بعث مالك بن عوف رجالا من هوازن ينظرون إلى محمد وأصحابه –ثلاثة نفر– وأمرهم أن يتفرقوا في المعسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ما شأنكم ويلكم؟".
قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السموات - وإن أفئدة عيونه تخفق(6)- وإن أطعتنا رجعت بقومك فإن الناس إن رأوا مثل ما رأينا أصابهم مثل الذي أصابنا.
__________
(1) انظر ص 252 تعليقة (1).
(2) قال فيه ابن أبي حاتم: سئل عنه أبي فقال: ما بحديثه بأس. (الجرح والتعديل 2/301- 302).
(3) البلق - محركة - سواد وبياض كالبلقة - بالضم - وارتفاع التحجيل إلى الفخذين. (ابن منظور: لسان العرب 11/307، والفيروز آبادي: القاموس 3/214).
(4) ابن هشام: السيرة 2/439).
(5) تاريخ الرسل والملوك 3/72، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/323).
(6) تخفق: تتحرك وتضطرب رعبا من هول ما رأت. (ابن الأثير: النهاية 1/56، والفيروز آبادي: القاموس 3/227- 228).(22/31)
قال: أف(1) لكم! بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا(2) أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فأجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟
قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق ما يطاق النظر إليهم، فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى!
فلم يثنه(3) ذلك عن وجهه(4).
والحديث رواه الواقدي عن مشايخه مرسلا، وفيه الواقدي وقد وهنه العلماء، وقد تناقل العلماء هذه المسألة في مؤلفاتهم، وهي وإن لم تثبت من الناحية الحديثية، إلا أن الجواسيس والعيون لرصد المعلومات عن العدو وقدرته القتالية قبل القيام بالهجوم المباشر أمر متعارف عليه لدى القادة والرؤساء، وهو شيء يضعه كل قائد مسؤول في مقدمة خططه وحساباته واستعداداته لمواجهة خصمه(5).
المبحث الخامس: تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر، وبيان فضل الحراسة في سبيل الله:
لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بان هوازن ومن شايعها من القبائل الأخرى حشدت قواها لضرب المسلمين، اهتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك غاية لاهتمام، وأعد للموقف عدته.
فأمر أحد قواده أن يذهب إلى القوم ليعلم له ذلك، وليرصد له وجهتهم وقدراتهم القتالية، زيادة في التثبت في حقيقة الأمر.
__________
(1) أف لكم:كلمة معناها التضجر،والمراد بها هنا الاحتقار.(ابن الأثير:النهاية 1/55).
(2) فرقا: أي خوفا.
(3) فلم يثنه:أي لم يرده ذلك عن عزمه وتصميمه. (المصباح المنير1/105و2/565).
(4) الواقدي: المغازي 3/892، وانظر: ابن سعد الطبقات الكبرى 2/150، وابن الأثير: الكامل 2/178، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/467، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7).
(5) باشميل: غزوة حنين ص111).(22/32)
فذهب ذلك الجندي لمهمته، فدخل في القوم فوجدهم على أتم استعداد لملاقاة المسلمين، قد جمعوا جموعهم بما فيهم النساء والذراري والأموال، فعاد مسرعا، فنقل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. وهذا هو صريح حديث سهل(1) بن الحنظلية عند أبي داود وغيره.
__________
(1) سهل ابن الحنظلية، اختلف في اسم أبيه. والمشهور أن اسم أبيه: عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي.
والحنظلية: أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: أم جده. شهد سهل بيعة الرضوان، وأحدا، والخندق والمشاهد كلها ما عدا بدرا، كان فاضلا كثير الصلاة والذكر، وكان عقيما لا يولد له، مات بدمشق في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. /بخ د س. (ابن حجر: التقريب 1/336، وتهذيب التهذيب 4/250، والإصابة 2/86، وابن الأثير: أسد الغابة 2/469، وابن قدامة: الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار ص239).(22/33)
50- وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا أبو توبة(1)، أخبرنا معاوية(2) - يعني ابن سلام - عن زيد(3) - يعني ابن سلام – أنه سمع أبا سلام(4) قال: حدثني السلولي(5) أبو كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا(6) السير حتى كان عشية(7) فحضرت(8)
__________
(1) هو الربيع بن نافع، أبو توبة الحلبي، نزيل طرطوس، ثقة حجة، عابد، من العاشرة (ت 241). /خ م د س ق. (ابن حجر: التقريب 1/246).
(2) معاوية بن سلام - بالتشديد - ابن أبي سلام، أبو سلام الدمشقي، وكان يسكن حمص، ثقة، من السابعة (ت في حدود 170) /ع. (المصدر السابق 2/259).
(3) زيد بن سلام - أخو معاوية - ابن أبي سلام ممطور، الحبشي - بالمهملة والموحدة والمعجمة - ثقة من السادسة /بخ م عم. (المصدر السابق 1/275).
(4) أبو سلام هو ممطور الأسود الحبشي، أبو سلام - جد زيد ومعاوية - ثقة، يرسل، من الثالثة /بخ م عم. (المصدر السابق 2/273).
(5) السلولي - بفتح مهملة وتخفيف اللام - أبو كبشة الشامي، ثقة من الثانية /خ د ت س. (المصدر السابق 2/465).
وقد وقع في التقريب من النسخة المصرية ذكر أبي كبشة السلولي من باب التمييز، والصواب ما أثبته كما في:(تهذيل الكمال9/68، وتهذيب التهذيب 12/210، والتقريب الطبعة الهندية ص423، والكاشف للذهبي3/370، والخلاصة للخزرجي 3/239).
(6) فأطنبوا في السير: أي بالغوا فيه وتبع بعض الإبل بعضا، يقال: أطنب في الكلام إذا بالغ فيه، وأطنبت الإبل إذا تبع بعضها بعضا في السير، وأطنب الريح إذا اشتدت في غبار.
(ابن منظور: لسان العرب 2/50، والفيومي: المصباح المنير 2/449، والفيروز آبادي: القاموس المحيط 1/98).
(7) عشية: بالنصب على أنه خبر كان، واسمها محذوف، أي كان الوقت عشية.
(8) وعند الطبراني: وحضرت الصلاة.
وعند الحاكم والبيهقي: فحضرت الصلاة، وعند البيهقي أيضا في الدلائل:فحضرت صلاة الظهر.(22/34)
صلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل(1) فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة(2) آبائهم بظعنهم(3)
__________
(1) قول: "رجل فارس"، أي راكب فرسا.
وقال ابن حجر في فتح الباري 8/27: وهذا الرجل قد ورد عند ابن إسحاق من حديث جابر بن عبد الله ما يدل على أنه عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. وقد تقدم حديث جابر المشار إليه.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
ولفظه: "عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال" الحديث. وفيه: "فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب فأدخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم، فدخل فمكث فيهم يوما أو يومين، ثم أقبل فأخبره الخبر". الحديث. تقدم برقم (23). وصرح بهذا أيضا الحلبي في سيرته (3/63).
(2) وعند ابن أبي عاصم والطبراني والحاكم والبيهقي "على بكرة أبيهم".
قال ابن الأثير: هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة وتوفر العدد، وأنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة، وهي التي يستقى عليها الماء، فاستعيرت في هذاالموضع.(النهاية1/149،وابن منظور:لسان العرب5/147).
(3) الظعن: النساء، واحدتها ظعينة، وأصل الظعينة: الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، أي يسار عليها. وقيل للمرأة ظعينة، لأنها تظعن مع الزوج إذا ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل للظعينة: المرأة في الهودج، ثم قيل للهودج بلا امرأة، وللمرأة بلا هودج: ظعينة.
وجمع الظعينة: ظعن - بضم الظاء وسكون العين وتحريكها -، وظعائن، وأظعان.
والنعم:بفتح العين وقد تسكن:الإبل والبقر والغنم، والنعم:جمع لا واحد له من لفظه.
وشائهم: جمع شاة،والشاة الواحدة من الغنم،تقع على الذكر والأنثى،يقال لكل واحد شاة، وقيل: تكون الشاة من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش. (النهاية 3/157، ولسان العرب 16/64، 17/141، 404، والمصباح المنير 1/389، 2/456، والقاموس المحيط 4/182، 287، 245).(22/35)
ونعمهم وشائهم، اجتمعوا(1) إلى حنين فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله.
ثم قال: من يحرسنا الليلة؟(2).
قال أنس(3)
__________
(1) وعند البيهقي: متوجهون إلى حنين. وكذا عند الحاكم.
(2) وعند الحاكم والبيهقي: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: ألا رجلا يكلأنا الليلة؟".
(3) هو: أنس بن أبي مرثد الغنوي، يعود نسبه إلى قيس عيلان. وقيل فيه: "أنيس" بالتصغير، يكنى أبا يزيد. اختلف في اسم أبيه، وفي سياق نسبه. فنسبه بعضهم للأنصار لحلف كان بينهم.
قال ابن الأثير: وليس هذا من الأنصار في شيء، وإنما هو غنوي حليف حمزة بن عبد المطلب.
(انظر سيرة ابن هشام 1/678، 2/169- 170، والاستيعاب لابن عبد البر 1/61، 3/429 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير1/153، 159، 4/500، 5/137، والإصابة لابن حجر1/73، 3/307، 4/177، والتاريخ الكبير للبخاري 2/30، وتحفة الأشراف للمزي 3/320).(22/36)
بن أبي مرثد(1) الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له، وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استقبل(2) هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن(3) من قبلك الليلة، فلما أصبحنا"(4) خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: "هل أحسستم(5) فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثُوّب(6) بالصلاة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يتلفت(7)
__________
(1) مرثد - بمفتوحة وسكون راء ومثلثة - وزن جعفر. (انظر: الإصابة لابن حجر 3/307، والمغني لابن طاهر الهندي ص70).
(2) وعند البيهقي: "انطلق إلى هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا تنزلن إلا مصليا أو قاضي حاجة".
(3) قوله: ولا نغرن: بصيغة المتكلم مع الغير على البناء للمفعول، من الغرور، وفي آخره نون ثقيلة، أي لا يجيئنا العدو من قبلك على غفلة منك. وقد وردت هذه الفظة بالتاء والياء والفعل في الجميع مؤكد ومبني للمفعول. (عون المعبود 7/179- 180).
(4) وعند ابن أبي عاصم: "فلما أصبحت". وعند البيهقي:"فلما كان الغد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي".
(5) وعند ابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي: "هل حسستم فارسكم؟، فقال رجل: يا رسول الله، ما حسسناه".
(6) فثوب بالصلاة: بالبناء للمفعول، وعند أبي داود في كتاب الصلاة من هذا الطريق، ومن طريقه أخرجه البيهقي في كتاب الصلاة عن أبي سلام قال حدثني السلولي عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة - يعني صلاة الصبح - والمعنى: أقيمت الصلاة.
(7) وعند أبي داود في كتاب الصلاة، والبيهقي من طريقه: "فحعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وقد كان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس".
وعند ابن أبي عاصم: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى يلتفت إلى الشعب".
وعند الطبراني: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة يلتفت إلى الشعب".
والحديث فيه جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه خلف ظهره. ويدل لذلك أيضا ما أخرجه الحاكم في المستدرك 1/236- 237 عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتفت في صلاته يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره". ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ثم قال: قد اتفقا على إخراج حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى اله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".
ثم قال: وهذا الالتفات غير ذاك، فإن الالتفات المباح أن يلحظ بعينه يمينا وشمالا، ثم أورد حديث الباب شاهدا لحديث ابن عباس.
وأورد الحازمي: حديث ابن عباس ثم قال: تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا، وأرسله غيره عن عكرمة، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الالتفات في الصلاة ما لم يلو عنقه، وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة، ثم أورد حديث الباب شاهدا لهم، ثم قال: وقال من ذهب إلى حديث ابن عباس هذا الحديث لا يناقض حديث سهل بن الحنظلية، لاحتمال أن الشعب كان في جهة القبلة، وكان صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى الشعب ولا يلوي عنقه، ثم ذكر من قال بالمنع مطلقا ومن قال بالكراهة، والمسألة خلافية. (الحازمي: الاعتبار ص66، وعون المعبود 3/184- 185).(22/37)
إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم فقال: "أبشروا فقد جاءكم فارسكم"(1)، فجعلنا ننظر إلى خلال(2) الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أصبحت(3) اطلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل نزلت(4) الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة(5)، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قد أوجبت(6)
__________
(1) عند الحاكم والبيهقي: "إن فارسكم قد أقبل"
(2) عند الحاكم: "فجعلنا ننظر إلى ظل الشجرة".
(3) وعند البيهقي: "فلما أصبحنا طلعت على الشعبين".
(4) عند ابن أبي عاصم: "أنزلت الليلة؟". وعند الطبراني والحاكم والبييهقي: "نزلت الليلة؟"، بإسقاط أداة الاستفهام. وعن الحاكم والبيهقي: "لعلك نزلت".
(5) في بعض الألفاظ: "أو قاضي حاجة" بالإضافة.
(6) قوله:"قد أوجبت" أي علمت عملا يوجب لك الجنة،فلا ضرر ولا جناح عليك في ترك العمل بعد هذه الحراسة لأنها تكفيك لدخول الجنة. (عون المعبود7/180).
قلت: وهذا كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل بدر: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". ولكن الصحابة رضوان الله عليهم قابلوا هذا بالشكر والمواظبة على الأعمال الصالحة ومواصلة الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله حتى آخر لحظة من حياتهم، ولم يكن للاتكال سبيل إلى نفوسهم لكمال معرفتهم بدينهم وعظيم خشيتهم من ربهم.(22/38)
فلا عليك أن لا تعمل بعدها"(1). والحديث أخرجه النسائي في "السنن الكبرى". والبخاري في "التاريخ". وابن أبي عاصم والطبراني. والحاكم والبيهقي والحازمي مختصرا ومطولا، الجميع من طريق معاوية بن سلام الدمشقي به(2).
وقال الحاكم: هذا الإسناد من أوله إلى آخره صحيح على شرط الشيخين غير أنهما لم يخرجا مسانيد سهل بن الحنظلية لقلة رواية التابعين عنه وهو من كبار الصحابة. ووافقه الذهبي.
وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وقال: أخرجه أبو داود والحاكم من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي، ثنا معاوية بن سلام به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا(3).
والحديث يدل على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - البالغ بمعرفة أعدائه، حيث كان يتابع تحركاتهم ويرقب سيرهم حتى يكون على بصيرة وخبرة بما يدبرون ضده من مؤامرات، وفيه معجزة نبوته حيث أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ما حشدته هوازن من قوة ستكون غنيمة للمسلمين، وقد وقع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
وفيه منقبة عظيمة لأنس بن أبي مرثد الغنوي، وفضل الحراسة في سبيل الله عز وجل.
__________
(1) أبو داود: (السنن 1/210)، كتاب الصلاة، باب الرخصة في الالتفات في الصلاة، 2/9 كتاب الجهاد، باب في فضل الحراسة في سبيل الله عز وجل.
(2) انظر: تحفة الأشراف للمزي 4/95 حديث (4650). والتاريخ الكبير للبخاري 2/30، وكتاب الجهاد لابن أبي عاصم ص50 ضمن مجموعة (27) ورقمه العام (535). و(المعجم الكبير للطبراني 6/115- 116). و(المستدرك للحاكم 1/237، 2/83- 84). (السنن الكبرى للبيهقي 2/7، 13، 348، 9/149). و(دلائل النبوة 3/43ب).
(3) المجلد الأول، حديث رقم (378) وتحقيق لأحاديث مشكاة المصابيح حاشية 3/1668.(22/39)
وفيه تسابق الصحابة وحرصهم على ما فيه نفع للمسلمين وخدمة لدينهم وامتثال أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - . ودقة التزامهم بأوامره - صلى الله عليه وسلم - . فلم يبرح أنس موضعه إلا في حدود الرخصة التي أذن له فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهكذا يكون الاتباع والامتثال بالوقوف عند أوامر الشرع ففيها الفلاح والصلاح.
المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية:
في السنة الثامنة من الهجرة النبوية دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فاتحا وتم الاستيلاء عليها.
ثم وجه عنايته إلى حنين لمواجهة هوازن المتجمعة هناك، التي غاظها هذا الفتح العظيم، فخرج - صلى الله عليه وسلم - ، وخرج معه بعض الكفار من أهل مكة الذين لم يدخلوا في الإسلام، وأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه - وسلم الأمان، وخرج معه أيضا بعض مسلمة الفتح الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان منهم من بقي فيه بقية من أمر الجاهلية لقرب عهدهم بها.
فبينما هم يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين مروا بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتكم يتبركون بها، فتنادوا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
يوضح هذا الموقف حديث أبي واقد الليثي عند الترمذي وغيره، وهذا سياقه عند الترمذي قال:(22/40)
51- حدثنا سعيد(1) بن عبد الرحمن المخزومي، أخبرنا سفيان(2)، عن الزهري(3)، عن سنان(4) بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي(5)
__________
(1) سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، أبو عبد الله المخزومي، ثقة من صغار العاشرة (ت 249) /ت س. (التقريب 1/300). وفي تهذيب التهذيب 4/55: وهو ثقة في ابن عيينة. وانظر الخلاصة للخزرجي 1/383.
(2) سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد، الكوفي، ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير بآخره، وربما دلس، لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار (ت 198) /ع. (التقريب 1/312، وتهذيب التهذيب 4/117- 122)
(3) هو محمد بن مسلم، تقدم في الحديث (32).
(4) سنان بن أبي سنان الديلي - نسبة في دؤلي - المدني، ثقة من الثالثة (ت 105) /خ م ت س. (التقريب 1/334، وتهذيب التهذيب 4/242).
(5) أبو واقد الليثي الكناني، اختلف في اسمه فقيل: الحارث بن مالك، وقيل: الحارث ابن عوف، وقيل: عوف بن الحارث. كما اختلف أيضاً في وقت ميلاده، وفي وقت إسلامه.
قال ابن حجر: وقد نص الزهري على أنه أسلم يوم الفتح وأسند ذلك عن سنان ابن أبي سنان الدؤلي، أخرجه ابن مندة بسند صحيح إلى الزهري، ثم قال ابن حجر: وهذا هو الصحيح. إهـ.
قال ابن الأثير: وهو يؤيد هذا القول: "إخباره عن نفسه أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحنين قال: ونحن حديثو عهد بكفر". ثم قال ابن الأثير: مات أبو واقد سنة (68) /ع.
(الاستيعاب 4/215- 216، وأسد الغابة 1/409، 325، وتهذيب الكمال للمزي 9/828، والكاشف للذهبي 3/387، والإصابة 4/215- 216، وتهذيب التهذيب 12/270، والخلاصة للخزرجي 3/252، ووقع في التقريب 2/482 الطبعة المصرية، والتقريب الطبعة الهندية ص431 (بخ) وهو خطأ. والصواب أنه أخرج له (ع).(22/41)
: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج(1) إلى حنين مرّ بشجرة(2)
__________
(1) عند أحمد والطبري: "أنهم خرجوا من مكة مع رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم - إلى حنين".
وعند ابن إسحاق: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية". وعند الطبراني: "ونحن حدثاء عهد بكفر، ونحن حديثو عهد بكفر بجاهلية".
(2) وعند الطبري: فمررنا بسدرة، قلت: يا نبي الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون بها.
وعنده أيضا: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط.
وعند ابن إسحاق والواقدي والطبراني: وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء، يقال لها ذات أنوات يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، قال: فرأينا ونحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدرة خضراء عظيمة فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
لفظ الواقدي: "فرأينا شجرة عظيمة خضراء فسترتنا من جانب الطريق، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط...الخ".
وعند الطبراني: ونحن حديثو عهد بكفر وكانوا أسلموا يوم الفتح فانتهينا إلى شجرة كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم، يعكفون عندها في السنة، يقال لها ذات أنواط. وعنده أيضا: يأتونها كل عام فيعلقون بها أسلحتهم ويريحون تحتها.(22/42)
للمشركين يقال لها "ذات أنواط"(1) يعلقون عليها أسلحتهم، قالوا(2): يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله"(3) كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن(4) سنة من كان قبلكم"(5).
__________
(1) ذات أنواط: هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم، أي يعلقونها بها، ويعكفون حولها، وأنواط جمع نوط وهو مصدر سمي به المنوط. (ابن الأثير: النهاية 5/128).
(2) عند أحمد والطبري والطبراني: فقلنا: يا رسول الله. وعند الطبري: قلت: يا نبي الله. وعند الطبراني: فقلت: أي رسول الله.
(3) وعند ابن إسحاق والطبرا"ي: "الله أكبر، قلتم، والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى...الخ". وعند الطبري والطبراني: "الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى". وعند الواقدي: "الله أكبر الله أكبر".
(4) قوله: "لتركبن سنة من كان قبلكم".
قال المباركفوري: تركبن - بضم الموحدة - والمعنى: للتتبعن. والسنة: الطريقة حسنة كانت أو سيئة، والمراد هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتابهم، كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل. (تحفة الحوذي 6/408).
وقال النووي: المراد: الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر. وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. (شرح صحيح مسلم 5/525).
وعند أحمد: "إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة".
وعند الطبري والطبراني: "إنكم ستركبون سنن الذين من قبلكم".
(5) الترمذي:(السنن3/321-322)،كتاب القدر،باب لتركبن سنن من كان قبلكم.(22/43)
والحديث أخرجه: النسائي، وأحمد، وابن أبي حاتم، والطبري، وأبو يعلى، والطبراني، وعبد الرزاق، والبيهقي، والواقدي، وابن إسحاق، كلهم من طريق الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي به(1).
والحديث رجاله ثقات.
وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن أبي سعيد(2)
__________
(1) النسائي: في السنن الكبرى (تحفة الأشراف للمزي 11/112 حديث (15516).
وأحمد: (المسند 5/218، وابن أبي حاتم: التفسير 3/356- 357 أ - ب رقم 280، والطبري: جامع البيان 9/45- 46، وأبو يعلى: المسند 2/161 أ رقم 302، والطبراني: المعجم الكبير 3/275- 276، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43 أ - ب، وعبد الرزاق: المصنف 11/379، والواقدي: المغازي 3/890- 891). (وسيرة ابن هشام 2/442 إلاّ أن فيها: قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن أبي واقد الليثي، أن الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين...الخ".
فقوله: (عن أبي واقد الليثي أن الحارث بن مالك) يوهم أنهما اثنان. والصواب: إسقاط "أن" لأن الحارث بن مالك هو أبو واقد الليثي. كما تقدم ذلك في ترجمته ص130.
(2) حديث أبي سعيد أخرجه البخاري في الصحيح 4/135 كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، 9/83 كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من كان قبلكم). ومسلم: الصحيح 4/2054 كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى. وأحمد: المسند 2/327، 3/84، 89، 94.
ولفظه عند البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن". وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري في الصحيح 9/83 كتاب الاعتصام باب لتتبعن سنن من كان قبلكم. وابن ماجة: (السنن 2/1322)، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم. وأحمد: (المسند 2/450، 511، 527)، ولفظه قريب من حديث أبي سعيد.(22/44)
، وأبي هريرة.
وأورده الألباني، ثم قال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ثم نقل قول الترمذي فيه، وقال: وقواه ابن القيم في "إغاثة اللهفان" وعزاه في مكان آخر للبخاري في "صحيحه"، وهذا وهم منه - رحمه الله - فليس هو في "الصحيح" ولم يعزه النابلسي في "الذخائر" - للترمذي. وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن جرير وأحمد فقط، وكأنه ذهل من كونه في "الترمذي" أحد الستة، وإلا لما أبعد النجعة(1). أهـ.
قلت: وعزاه المزي في "تحفة الأشراف" للترمذي والنسائي في الكبرى دون البخاري(2).
والحديث يبين:
أ- أن المجتمع الجاهلي وصل إلى الدرك الأسفل في فساد الاعتقاد والجهل بحقائق التوحيد والبعد عن المنهج السوي.
ب- كما يدل على أن تعليق الأسلحة على ذات أنواط هذه مع أن ظاهره لا شيء فيه تابع للباعث عليه وهو الاعتقاد، ولذلك اعتبر هذا الفعل اتخاذ إله من دون الله كما أنكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إله كما لهم آلهة.
جـ- فيه معجزة نبوية حيث أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن أمته ستتبع سنن الأمم الماضية، وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ، وما يشاهد في حياة المسلمين اليوم من انحراف وتقليد وتبعية في مختلف جوانب الحياة دليل ظاهر على هذه المعجزة.
د- فيه تحذير شديد من اتباع أهل الأهواء والزيغ من الأمم الماضية من اليهود والنصارى وغيرهم.
__________
(1) الألباني: حجاب المرأة المسلمة ص103. وانظر: إغاثة اللهفان 1/205، 2/300، وذخائر المواريث 4/156 حديث (10461)، وتفسير ابن كثير 2/243.
(2) تحفة الأشراف 11/112 حديث (15516). وفي دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري ص219 ساق مؤلفه عبد الله الغنيمان لأبي واقد الليثي حديثا واحدا عند البخاري، وليس هو حديث "ذات أنواط".(22/45)
هـ- وفيه أيضا بيان جهالة بني إسرائيل وغباوتهم وشدة تعنتهم فقد من الله عليهم فأخرجهم من تحت سيطرة فرعون وقومه وأغرق عدوهم في البحر وهم يشاهدون بأم أعينهم، وجعل لهم البحر أرضا صلبة فعبروا ولم يغرق منهم أحد، ثم بعد ذلك كان منهم ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا فقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، [سورة الأعراف، الآية: 138].
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عمّا قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزا البحر وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين، وقيل: من لخم، وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون. أي تجهلون عظمة الله وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل(1).
وقال الشوكاني: وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله، ولكن بني إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلونا(2).
المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة":
اختلفت الآثار الواردة في هذا المقام في "القائل" يوم حنين: "لن نغلب اليوم من قلة".
أ- فعند الواقدي أن قائل ذلك هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا سياقه:
__________
(1) ابن كثير:التفسير2/242-243وانظر:إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية1/205،211).
(2) فتح القدير 2/240).(22/46)
52- قال: حدثني إسماعيل(1) بن إبراهيم، عن موسى(2) بن عقبة، عن الزهري(3)، عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر الصديق - رضي الله - عنه: يا رسول الله، لا نغلب اليوم من قلة، فأنزل الله عز وجل في ذلك {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}. [سورة التوبة، من الآية: 25] الآية(4). والحديث منقطع، لأن سعيدا لم يدرك أبا بكر، وفيه الواقدي متروك(5).
ب- وعند البزار(6) من طريق علي بن عاصم، ثنا سليمان(7) التيمي، عن
53- أنس بن مالك قال: "قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلاّ أن لقينا عدونا فانهزم القوم". الحديث(8).
__________
(1) إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي، مولاهم، أبو إسحاق المدني، ثقة تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات في خلافة المهدي. /خ تم س. (التقريب 1/65، وتهذيب التهذيب 1/272).
(2) موسى بن عقبة بن أبي عياش - بتحتانية ومعجمة - الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة فقيه إمام في المغازي، من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لينه، (ت 41)، وقيل:بعد ذلك./ع.(التقريب2/286، وتهذيب التهذيب10/360).
(3) تقدمت ترجمة الزهري في حديث(32)،وسعيد بن المسيب في حديث(36).
(4) مغازي الواقدي 3/890، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/150، والبداية والنهاية لابن كثير 4/322).
(5) التقريب 2/194).
(6) البزار: هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير المعلل (ت 292). (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/653- 654).
(7) سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري، نزل في تيم فنسب إليهم ولم يكن منهم، ثقة عابد، من الرابعة (ت 143). /ع. (التقريب 1/326، وتهذيب التهذيب 4/201).
(8) الهيثمي: كشف الأستار عن زوائد البزار 2/346- 347). وذكر ابن كثير في البداية والنهاية 4/322 "أن أول من انهزم بنو سليم، ثم أهل مكة، ثم بقية الناس".(22/47)
قال البزار: لا نعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلاّ سليمان التيمي عن أنس، ولا عن سليمان إلاّ علي بن عاصم، وعلي صدوق سيء الحفظ(1).
وقال الهيثمي: فيه علي بن عاصم بن صهيب، وهو ضعيف لكثرة غلطه وتماديه فيه، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات(2).
وقال ابن حجر: وهذا المتن الذي رواه منكر، وفيه مخالفة في مواضع لما رواه الثقات(3).
وفي الفتح حسن منه القدر المتعلق بقتل دريد بن الصمة فقال: وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو: الزبير بن العوام(4).
وتبعه الزرقاني(5).
جـ- وعند البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا(6) قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}،[سورة التوبة، من الآية: 25]. الحديث(7).
د- وعند ابن إسحاق قال: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قال ذلك(8).
هـ- وعنده أيضا قال:
54- حدثني بعض أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال – حين فصل من مكة إلى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله -: "لن نغلب اليوم من قلة"(9).
__________
(1) انظر:ترجمة علي بن عاصم.(التقريب 2/39، وتهذيب التهذيب 7/344-348).
(2) مجمع الزوائد 6/178- 179).
(3) مختصر زوائد مسند البزار ص249- 250 رقم 816).
(4) فتح الباري 8/42).
(5) شرح المواهب اللدنية 3/23).
(6) قال الزرقاني: هو غلام من الأنصار، كما في حديث أنس عند البزار، وقيل: هو مسلمة بن وقش، وقيل: هو رجل من بني بكر. حكاه ابن إسحاق. (شرح المواهب 3/9).
ولم أجد هذا الاسم في الإصابة، وإنما الموجود سلمة بن سلامة بن وقش الأشهلي الأنصاري، فالله أعلم. (انظر: الإصابة 2/65).
(7) تقدم تخريجه برقم (44).
(8) سيرة ابن هشام 2/444).
(9) سيرة ابن هشام 2/444).(22/48)
وهذا الحديث لولا وجوده في سيرة "ابن هشام" المتداولة بين الناس وخشية أن يغتر به بعض من لا دراية له بعلم الحديث لما أوردته، وذلك أن معرفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بربه وخشيته منه ومقامه الرفيع وتواضعه لله، كل ذلك يجعل المسلم يستبعد صدور هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - (1).
مع أن هذا الحديث لم يثبت، فلا ينبغي لمسلم نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد عند الدارمي، وأحمد، والطبري، ما يبطل هذا الحديث ويبين كيف كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وهذا سياق الحديث عن الدارمي قال:
55- أخبرنا حجاج(2) بن منهال، ثنا حماد(3)، عن ثابت(4)، عن عبد الرحمن(5) بن أبي ليلى، عن صهيب(6)
__________
(1) انظر: (الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/9).
(2) حجاج بن منهال الأنماطي، أبو محمد السلمي، مولاهم، البصري، ثقة فاضل، من التاسعة،(ت216). /ع. (التقريب1/145، وتهذيب التهذيب2/206-207).
(3) حماد: هو ابن سلمة ثقة عابد، تقدم في حديث (36).
(4) ثابت بن أسلم البناني-بضم الموحدة ونونين مخففين-أبو محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة،مات بضع وعشرين ومائة./ع.(التقريب1/115،وتهذيب التهذيب2/2-4).
(5) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة (86)، وقيل: غرق. /ع. (التقريب 1/496، وتهذيب التهذيب 6/260).
(6) صهيب بن سنان، أبو يحيى الرومي، أصله من النمر بن قاسط، ويقال: كان اسمه عبد الملك، وصهيب لقب.
صحابي شهير (ت 38) في خلافة علي، وقيل: قبل ذلك. (التقريب 1/370، وتهذيب التهذيب 4/438).(22/49)
: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول(1)، وبك أصاول، وبك أقاتل"(2).
ورواه أحمد والطبري والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة، ثنا ثابت به ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله، فقلنا يا رسول الله: إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله، فما هذا الذي تحرك شفتيك؟ قال: إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال: لن يروم(3) هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خير أمتك في إحدى ثلاث: إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم، أو الجوع، وإما أن أرسل عليهم الموت. فشاورهم فقالوا: أما العدو فلا طاقة لنا بهم، وأما الجوع فلا صبر لنا عليه، ولكن الموت، فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأنا أقول الآن - حيث رأى كثرتهم - : "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل".
ورواه من طريق عفان، وعبد الرحمن(4)
__________
(1) قوله "اللهم بك أحاول...الخ" أي بحولك وقوتك وعونك ونصرك، أقاتل أعداءك وأسطو عليهم وأقهرهم، وأنازلهم حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، مستمدا منك وحدك العون ودفع ضرر العدو وكدهم. (انظر:النهاية لابن الأثير 1/462-463، 3/61، وعون المعبود 7/296 لشمس الحق العظيم آبادي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري 10/44).
(2) سنن الدارمي 2/135)، كتاب السير، باب في الدعاء عند القتال.
(3) لن يروم هؤلاء شيء: أي لن يكافئ، أو لن يقوم لهؤلاء شيء. كما هو مصرح به في رواية أحمد الثانية من طريق عفان، وعبد الرحمن بن مهدي.
(4) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة ثبت عارف بالرجال والحديث.
قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، من التاسعة (ت 198) وهو ابن (73) سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/499، والتهذيب 6/279).(22/50)
بن مهدي، ثنا سليمان(1) بن المغيرة قال: ثنا ثابت به. وليس فيه لفظ "حنين"(2).
ورواه الترمذي مطولا من طريق معمر عن ثابت، مشتملا على قصة أصحاب الأخدود دون لفظ "حين"(3)، ورواه مسلم من طريق ثابت بقصة أصحاب الأخدود فقط(4).
والحديث صحيح، وهو يبين مدى صلة رسول الله - ى الله عليه وسلم - ربه وافتقاره إليه في جميع حركاته وسكناته، وأنه يستبعد منه أن يغتر بكثرة من معه، بل كان دأبه الخضوع والتواضع لله، والتوكل عليه في كل شؤونه، ومقام النبوة أعلى وأرفع من أن يتصور وقوع مثل هذا منه - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سليمان بن المغيرة القيسي مولاهم، البصري أبو سعيد، ثقة، من السابعة، (ت 165). /ع. أخرج له البخاري مقرونا وتعليقا. (التقريب 1/430، والتهذيب 4/220).
(2) أحمد: (المسند 4/332 و333 و6/16- 18). والسنن الكبرى للبيهقي 9/153، والطبري: تهذيب السنن والآثار، حديث (159 و160).
وعند أحمد أيضا: "من حديث علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا قال: "بك الله أصول وبك أجول وبك أسير" (1/90، 151).
وعنده أيضا، وعند أبي داود، والترمذي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل". لفظ أبي داود. (أحمد:المسند3/184،وأبو داود:السنن2/40 كتاب الجهاد،باب مما يدعى عند اللقاء، والترمذي:السنن5/ 231كتاب الدعوات،باب في فضل لاحول ولا قوة إلا بالله).
(3) سنن الترمذي 5/107، أبواب التفسير، تفسير سورة البروج).
(4) صحيح مسلم4/2299 كتاب الزهد والرقاق، باب قصة أصحاب الأخدود. وانظر:الأطراف للمزي 4/199 حديث4969. وتحفة الأحوذي9/260).(22/51)
واستقراء سيرته - صلى الله عليه وسلم - وغزواته يدل على أن ما أصاب المسلمين من انكسار أمام أعدائهم كان مصدره مخالفة بعض أتباعه - صلى الله عليه وسلم - لأوامره وتوجيهاته العسكرية، كما حصل في غزوة أحد، وكما حصل في غزوة حنين، فإن الروايات صحت أنه صلى الله عليه وسلم وجه النصح والتنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بكثرة عددهم كما في حديث أحمد.
وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يغتر المسلمون ويعجبوا بكثرتهم، فأراد أن يذكرهم بما حصل لمن قبلهم من الأمم من عقوبة بسبب الاغترار والإعجاب بالكثرة.
وتأمل سياق الآية يرشد إلى أن الإعجاب بالكثرة لم يكن صادرا منه صلى الله عليه وسلم، فإن إسناد الإعجاب إلى المسلمين بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}، [سورة التوبة، من الآية: 25]، ثم ترتيب الفرار والإدبار على هذا الإعجاب، كما في قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}، [سورة التوبة، من الآية: 25]، و الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يول مدبراً، بل كان ثابتاً ثبوتاً منقطع النظير، كما هو معروف، يدل على أن هذا الإعجاب صادر من بعض المسلمين، وهذا يشبه قوله تعالى – في شأن غزوة أحد - : {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}،[آل عمران، من الآية: 152].(22/52)
والخلاصة إن هذه الآثار الواردة في تعيين القائل يوم حنين "لن نغلب اليوم من قلة" كلها ضعيفة مع ما حصل فيها من الاختلاف في تعيين القائل -كما أوضحت ذلك– ولكنها تتفق في شيء واحد وهو حصول هذا القول من أحد أفراد الجند الإسلامي، بغض النظر عن تسمية قائله وهي بمجموعها يؤيد بعضها بعضا ويزيدها قوة قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[سورة التوبة، من الآية: 25].
فقد صرحت الآية بأن هناك إعجابا حصل من بعض المسلمين، وأنه ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصت عليه الآية الكريمة.
56- وقال الزرقاني: وأخرجه الحاكم وصححه، وابن المنذر(1)، وابن مردويه(2) من حديث أنس بن مالك قال: "لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم اليوم والله نقاتل حين اجتمعنا فكره - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم"(3).
قلت: الحديث عند الحاكم وليس فيه "أعجبتهم كثرتهم".
__________
(1) هو: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، شيخ الحرم، وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه، وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء، وكتاب الإجماع، وغير ذلك، وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل وكان مجتهدا لا يقلد أحدا (ت 318). (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/782، وسير أعلام النبلاء 14/490).
(2) هو: الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك (323-410)، (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/1050).
(3) شرح المواهب اللدنية 3/9).(22/53)
وهذا سياقه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "التقى يوم حنين أهل مكة واهل المدينة، فاشتد القتال فولوا مدبرين، فندب(1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر(2) المسلمين أنا رسول الله، فقالوا: إليك والله جئنا، فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم"(3). ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي.
__________
(1) فندب: أي دعاهم، فأجابوه. (النهاية لابن الأثير 5/34).
(2) المعشر: كمسكن: الجماعة وأهل الرجل. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 2/90).
(3) المستدرك 3/48).(22/54)
الفصل الثالث في وصف المعركة
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة.
المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر.
المبحث الثالث:عدد الثابتين مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين.
المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة:
إن انكشاف المسلمين وتوليهم أمام عدوّهم له عدة أسباب، منها: ما يعود إلى استعداد العدو العسكري، ودقة ممارسته للحروب والفروسية، وإحكام الخطة واختيار الموقع المناسب لهجومهم المباغت دون أن يشعر بهم المسلمون، مما أدى إلى تفوقهم وتقدمهم مبدئيا، وقد صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة كما سنوضح ذلك.
ومنها ما يعود إلى المسلمين أنفسهم، فقد صدر من بعض أفراد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة أمور أدت إلى انكسار المسلمين وتقهقرهم أمام هوازن، كاغترار بعضهم بكثرتهم، وطلب البعض الآخر منهم ذات أنواط ينوطون بها أسلحتهم مضاهاة منهم للكفار الذين لهم ذات أنواط.
وتهور(1) البعض الآخر كذلكوخروجهم إلى هوازن دون أن يستكملوا وسائل القتال، وانكباب بعضهم على جمع الغنائم وحيازتها قبل أن يستسلم الكفار استسلاما كاملا.
هذا مجمل الأسباب التي رجحت بها كفة العدو على كفة المسلمين في بداية المعركة. وسأحاول تحليل هذه الأسباب وإيضاحها مستنداً إلى الروايات الواردة في ذلك.
أولا: أسباب نجاح هوازن في بادئ الأمر:
أ- كثرتهم الهائلة، فقد جندوا جنودا لم يواجه المسلمين مثلها في غزواتهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، التي سبقت هذه الغزوة، وقد مر ذلك مفصلا(2).
__________
(1) في (القاموس المحيط 2/162: تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة).
(2) في مبحث استعداد هوازن العسكري ص116).(23/1)
ب- بث الحماسة والقوة المعنوية في نفوسهم والتزامهم بتوجيهات قائدهم، فعند الواقدي: أن مالك بن عوف قال لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وأنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم، فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا(1).
57- وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن. الحديث.
وفيه: "وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا، فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم"(2).
ج- سبقهم إلى وادي حنين وتحصنهم بين أشجاره ومضايقه وبث الكتائب التي تكمن في جميع نواحيه. وهذا ما صرح به حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق وغيره. وهذا سياقه عند ابن إسحاق قال:
__________
(1) مغازي الواقدي 3/893).
(2) انظر: (البداية والنهاية لابن كثير 4/330).(23/2)
58- حدثني عاصم(1) بن عمرة بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: "لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف(2) حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، قال: وفي عماية من الصبح(3)، وكان القوم قد سبقونا(4) إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه(5) وأحنائه(6) ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب(7)، قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر(8) الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد". الحديث(9)
__________
(1) تقدمت تراجم رواة الحديث في حديث (23) وكلهم ثقات.
(2) أجوف: متسع، وحطوط - بفتح الحاء المهملة - الأكمة الصعبة الانحدار. (ابن منظور: لسان العرب 9/141، 10/378).
(3) عماية - بفتح العين المهملة - بقية ظلمة الليل. (ابن الأثير: النهاية 3/305).
(4) وعند البيهقي: "فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأجنابه، وأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فينحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فكرت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد".
(5) شعابه - بكسر أوله - جمع شعبة، وهي التي تعدل عن الوادي وتأخذ في طريق غير طريقه. (ابن منظور: لسان العرب 1/481).
(6) أحنائه - بالحاء المهملة - منعطفه وجوانبه. وعند أحمد والبيهقي: "أجنابه" - بالجيم - وهي بمعنى "أحنائه" بالحاء. (ابن الأثير: النهاية 1/303، 455).
(7) الكتائب: جمع كتيبة، والكتيبة: الجيش أو الجماعة المستحيزة من الخيل، وكتيبة جرارة: ثقيلة السير لكثرتها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/121، 389).
(8) انشمر الناس: أي مضوا راجعين، وعند أحمد: "وانهزم الناس راجعين"، وهي تبين معنى انشمر.
(9) سيرة ابن هشام 2/442 وهو مطول).
قال القسطلاني: "قال الن جرير الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد لكثرة فهو كالمنحاز إلى فئة". (المواهب اللدنية).
وقال الزرقاني: قال صاحب الروض: "لم يجمع العلماء على أن الفرار من الكبائر إلا في يوم بدر، وهو ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}، [سورة لأنفال، من الآية: 16]. ثم أنزل التخفيف في الفارين يوم أحد وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}[سورة آل عمران، من الآية: 155]، وكذا: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْْ}، [سورة التوبة، من الآية: 25]، إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، [سورة التوبة، من الآية: 27]".(شرح المواهب اللدنية 3/20، والروض الأنف للسهيلي 7/208).(23/3)
.
ومن هذه الطريق أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري وابن حبان والبيهقي(1).
وأورده الهيثمي، ثم قال: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد: وصرخ حين كانت الهزيمة كلدة(2) - وكان أخا صفوان بن أمية وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ألا بطل السحر اليوم، فقال له صفوان: اسكت فض(3) الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
ثم قال الهيثمي: ورواه البزار باختصار، وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع في رواية أبي يعلى، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح(4).
قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالسماع أيضا عن ابن هشام وابن حبان والبيهقي. وقد صحح هذا الحديث الألباني(5).
وعند الواقدي: قال: ولما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين - وهو واد أجوف ذو شعاب ومضايق - وفرق الناس فيه، وأوعز(6) إلى الناس أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة.
__________
(1) أحمد: المسند 3/376، وأبو يعلى: المسند 2/200 رقم (302)، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/74، وابن حبان: كما ورد في موارد الضمآن ص417، والبيهقي: دلائل النبوة 3/43- 44ب).
(2) كلدة - محركا - ابن حنبل، ويقال: ابن عبد الله بن حنبل الجمحي، المكي، صحابي له حديث، وهو أخو صفوان بن أمية لأمه. /بخ د ت س. (التقريب 2/136، وتهذيب التهذيب 8/444- 445). وفي الإصابة 3/305 قال: كلدة بن الحسل - بالحاء والسين -. أهـ. وسماه ابن إسحاق: جبلة بن حنبل.
(3) الفض - الكسر -، وهو دعاء عليه بأن يكسر الله أسنانه، يقال: لا يفض الله فاك، أي لا يكسر الله أسنانك. (ابن الأثير: النهاية 3/453).
(4) مجمع الزوائد 6/179- 180).
(5) تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص 422).
(6) أوعز: وعز إليه في كذا أن يفعل أو يترك، وأوعز ووعز: تقدم وأمر. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/195).(23/4)
وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وصفهم صفوفا في السحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها.
ثم ذكر الألوية في قبائل العرب وحامليها: في المهاجرين والأنصار، وأسلم وبني غفار، وبني ضمرة وبني ليث، وبني كعب بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة، وبني مزينة وجهينة وبني أشجع وسليم(1).
ثم قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدم سليما من يوم خرج من مكة فجعلهم مقدمة الخيل، واستعمل خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة، وانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وقد مضت مقدمته وهو على تعبئة في وادي حنين، فانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انحدارا - وهو وادي حدور(2) - وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين(3) والمغفر والبيضة، واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض ينحدرون في الوادي، فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، فبينا هم على ذلك ينحدرون في غلس الصبح.
__________
(1) في المعجم الكبير للطبراني 11/370- 371 من حديث ابن عباس قال: "شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ألف من بني سليم". وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 6/177، وفي الروض الأنف 7/218 كان بنو سليم يوم حنين تسعمائة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، وكان يعد وحده بمائة فارس، وأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قد تمهم به ألفا.
(2) الحدر: من كلّ شيء تحدره من علو إلى أسفل، والحدور والهبوط: المكان ينحدر منه. (ابن منظور: لسان العرب 5/244).
(3) درع الحديد - بالكسر- وقد تذكر جمع أدرع وأدراع ودروع. والمخفر كمنبر وبهاء ككتابة: زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع به المتسلح. والبيضة: هي التي تلبس في الرأس في الحرب. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/103، 3/20، وابن حجر: هدي الساري ص91).(23/5)
فكان أنس بن مالك يحدث يقول: لما انتهينا إلى وادي حنين، وهو واد من أودية تهامة له مضايق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان من السواد والكثرة!...
فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل - خيل سليم – مولية فولوا، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين، ما يلوون على شيء(1).
ج مهارة هوازن النادرة في إصابة الهدف بحيث لا يكاد يسقط لهم سهم.
وقد صرح بذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري:
59- حدثنا عمرو(2) بن خالد، ثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل(3): أكنتم فررتم يا أبا عمارة(4) يوم حنين؟ قال: لا والله ما(5) ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم(6)
__________
(1) الواقدي: المغازي 3/895، 897).
(2) عمرو بن خالد: هو الحراني.
وزهير: هو ابن معاوية بن خديج.
وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة -.
ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: "عن ابن إسحاق" قال: رجل للبراء، وهو خطأ، والصواب "عن أبي إسحاق".
(3) قال ابن حجر: "لم أقف على تسميته، ووقع في رواية أنه من قيس". (فتح الباري 8/28).
(4) أبو عمارة: كنية البراء - رضي الله عنه -.
(5) سيأتي توجيه هذا النفي في مبحث (عوامل انتصار المسلمين) تحت حديث (79) وص193- 195.
(6) قوله: "وأخفاؤهم" قال النووي: جمع خفيف وهم المسارعون المستعجلون ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم "جفاة" - بجيم مضمومة وبالمدـ، وفسره: بسرعانهم. قالوا: تشبيهاً بجفاء السيل وهو غثاؤه.
قال القاضي - رضي الله عنه -: إن صحت هذه الرواية، فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان، ومن في قلبه مرض، فشبهه بغثاء السيل. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/404، ومشارق الأنوار للقاضي عياض 1/245 إلا أنه قال في غزوة "خيبر" بدل "حنين" وهو خطأ).(23/6)
حسرا ليس(1) بسلاح فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون. الحديث(2).
وفي لفظ عند مسلم وابن أبي شيبة والطبري وأبي عوانة: "فقال البراء: أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر(3) إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق(4) من نبل كأنها رجل(5) من جراد فانكشفوا". الحديث(6).
هذه بعض المرجحات التي كانت في جانب المشركين أدت إلى تفوقهم في أول الأمر.
__________
(1) وعند مسلم والبيهقي: "ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح".
(2) صحيح البخاري 4/35 كتاب الجهاد، باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر. وصحيح مسلم 3/1400-1401 كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين).
(3) الحسر: جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر. (النهاية لابن الأثير 1/383).
(4) قوله: "برشق" بكسر الراء وهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة والرشق: بفتح الراء، مصدر رشقه يرشقه رشقا إذا رماه بالسهام. (ابن الأثير: النهاية 2/225، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/405، 407).
(5) رجل من جراد:هو بكسر الراء: الجراد الكثير. (ابن الأثير: النهاية2/203). وقوله: "فانكشفوا" أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها. (النووي شرح صحيح مسلم 4/407).
(6) مسلم: الصحيح 3/1400- 1401 كتاب الجهاد، باب غزوة حنين. وابن أبي شيبة والطبري كما في كنز العمال 10/351، ومنتخب كنز العمال 4/166 من مسند أحمد، كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي. وأبو عوانة:المسند4/210-211.وانظر:البيهقي:السنن الكبرى 9/154-155).(23/7)
وخاصة خطبة مالك بن عوف فيهم، خطبته الحماسية التي كان لها أثرها الفعال ووقعها في نفوسهم، حيث أثار فيهم النخوة والشجاعة والبسالة، في قوله: "إن محمدا لم بقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لاعلم لهم بالحرب فينصر عليهم". الأمر الذي جعل هوازن يستميتون في ساحة المعركة، يتساقطون واحدا تلو الآخر وهم مصممون على الانتصار.
ثانيا: بيان الأسباب الداخلية لاندحار المسلمين في أول الأمر:
أ- اغترار بعض المسلمين بكثرتهم، كما تقدم في حديث: "لن نغلب اليوم عن قلة"(1).
وعند الواقدي: فلما فصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، قال رجل من أصحابه: "لو لقينا بني شيبان(2) ما بالينا(3) ولا يغلبنا اليوم أحد عن قلة"(4).
فكانت هذه المقالة بادرة سوء تألم منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأن فيها إعجاب بالعدد والكثرة وغفلة عن الله الذي لا يكون النصر للمسلمين إلاّ من عنده. {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، [آل عمران، من الآية: 126].
ب- عدم تمكن عقيدة التوحيد في بعض المسلمين كما في حديث أبي واقد الليثي في قول بعضهم: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط"(5).
__________
(1) تقدم تخريجه برقم (44)، وانظر حديث رقم (52)، (53)، (54).
(2) بنو شيبان: نسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل، قبيل كبير من بكر بن وائل ينسب إليه خلق كثير من الصحابة والتابعين، والأمراء والفرسان والعلماء في كل فن. (ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 2/219).
(3) بالى بالشيء يبالي به إذا اهتم به. (ابن منظور: لسان العرب 18/91). والمعنى: لو لقينا بني شيبان لم نبالي بهم لكثرتنا.
(4) مغازي الواقدي 3/889).
(5) تقدم تخريجه برقم (51).(23/8)
وكانت هذه الكلمة مؤلمة لسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على وجود حفنة من هذا الجيش لم يصلوا بعد إلى المستوى الإيماني المطلوب، لحداثة عهدهم بالإسلام.
ج- الخفة والعجلة التي حصلت من بعض القوم وشبانهم، حيث خرجوا إلى هوازن قبل استكمال وسائل الحرب فلم يستطيعوا الوقوف أمام سهام المشركين ونبالهم، وهذا ما صرح به حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - .
فعند البخاري وغيره عن البراء قال له رجل:يا أبا عمارة ولَّيْتُم يوم حنين؟
قال: لا. والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ولى سرعان(1) الناس، فلقيهم هوازن بالنبل. الحديث(2).
__________
(1) وعند أحمد: "ولكن ولى سرعان الناس فاستقبلتهم هوازن بالنبل".
وعند الروياني: "ولكن ولى سرعان من الناس يلتقطهم هوازن بالنبل".
وعند أبي عوانة: "فقال البراء: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل".
وعند مسلم وأبي عوانة: "أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رِجل من جراد فانكشفوا".
(وسَرَعان الناس) بفتح السين والراء، ويجوز تسكين الراء: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة. (ابن الأثير: النهاية 2/361).
(2) البخاري: الصحيح 3/26 كتاب الجهاد، باب بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - البيضاء، وتمام الحديث: "والنبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
أنا النبي لاكذب
أنا ابن عبد المطلب"(23/9)
وفي لفظ: فقال البراء: "أما أنا فأشهد على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن". الحديث(1).
وفي لفظ قال البراء: "لا. والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقتهم ما يكادون يخطئون" الحديث(2).
فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه يدل على أن سرعان القوم وأخفاءهم عجلوا في مبارزة العدو قبل استكمال عدة الحرب فلم يستطيعوا الثبات أمام هجمة هوازن عليهم ففروا وفر الناس بعدهم.
د- فرار الأعراب وعدم ثبوتهم أمام المشركين مما شجع العدو في مواصلة مطاردة المسلمين.
وهذا هو صريح حديث أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف(3)، وعلى مجنبة(4)
__________
(1) البخاري: الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا). و(الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال). و(أحمد: المسند 4/289، 304). و(الروياني: المسند 1/66، 67 ب رقم575). و(أبوعوانة: المسند 4/208). و(البيهقي: السنن الكبرى 9/154).
(2) البيهقي: السنن الكبرى 9/154. وتقدم برقم (59).
(3) قوله: "ونحن كثير قد بلغنا ستة آلاف" تقدم توجيهه في الحديث رقم (40). ص112 تعليقة (4).
(4) مجنبة - بضم الميم وفتح الجيم والنون المشددة –: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنبتان والقلب بينهما.
وقيل: هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ إحدى ناحيتي الطريق. والأول أصح.
والمجنبة - بفتح النون-: المقدمة. (ابن الأثير: النهاية 1/303، والنووي: شرح صحيح مسلم3/102،وابن منظور:لسان العرب1/268،والفيروزآبادي:القاموس المحيط1/48).(23/10)
خيلنا خالد ابن الوليد، قال:فجعلت خيلنا تلوي(1) خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب(2) ومن نعلم من الناس"... الحديث(3).
ج- انهزام الطلقاء:
وهذا هو ما صرح به أنس بن مالك في حديثه عند مسلم وغيره، وهذا سياق مسلم:
60- حدثنا أبو بكر(4) بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أم سليم(5) اتخذت يوم حنين(6) خنجرا(7)
__________
(1) قوله:"فجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا".قال النووي:هكذا في أكثر النسخ:تلوي".
وفي بعضها"تلوذ"،وكلاهما صحيح.(شرح النووي على صحيح مسلم 3/102).
(2) الأعراب: هم سكان البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار، ولا يدخلونها إلا لحاجة.
والعرب: اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه.
والنسبة إليهما: أعرابي، وعربي.
(ابن الأثير:النهاية3/202،وابن منظور:لسان العرب2/75-76، والفيروزآبادي: القاموس المحيط 1/102).
(3) تقدم تخريج الحديث برقم (40).
(4) هو: عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي صاحب التصانيف.
(5) أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية، والدة أنس بن مالك، وزوج أبي طلحة، يقال: اسمها سهلة، أو رميلة، أو رميثة، أو مليكة، أو أنيثة، وهي: الغميصاء، أو الرميصاء، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات (ت في خلافة عثمان) /خ م د ت س . (ابن حجر: التقريب 2/622).
(6) يوم حنين: قال النووي: هكذا هو في النسخ المعتمدة (يوم حنين) بضم الحاء المهملة وبالنونين، وفي بعضها (يوم خيبر) بالخاء المعجمة والأول هو الصواب. (شرح مسلم 4/469).
ولفظ (الطلقاء) يعين ما قاله النووي، لأن (في خيبر) لم يكن هناك طلقاء.
(7) خنجر - كجعفر -: السكين، أو العظيمة منها، ويكسر خاؤه. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/24).
وقال النووي: "سكين كبيرة ذات حدين". (شرح مسلم 4/469).
وفي لفظ عند أحمد "أن أبا طلحة أتاها ومعها معول".
قال ابن الأثير : المعول - بالكسر - الفأس، والميم زائدة وهي ميم الآلة. (النهاية 4/344).(23/11)
، فكان معها، فرآها أبو طلحة(1) فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر(2)، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما هذه الخنجر؟" قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت(3) به بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، قالت: يا رسول الله! اقتل من بعدنا من الطلقاء(4)
__________
(1) هو: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري، النجاري، أبو طلحة المشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها (ت 34)، وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/275).
(2) وفي لفظ عند أحمد: "جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سليم، قال: يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم متقلدة خنجرا".
(3) وعند أبي داود وابن أبي شيبة وأحمد وأبي يعلى: "أبعج به بطنه".
وعند إسحاق بن راهويه: "بعجت به بطنه".
وعند ابن ابي شيبة وأحمد: "طعنته به".
والبقر والبعج: معناهما الشق.
والطهن: هو الوخز بحربة ونحوها. (ابن الأثير: النهاية 1/139، 144- 145، 5/163، وابن منظور: لسان العرب 17/135).
(4) قولها: "اقتل من بعدنا من الطلقاء".
قال النووي: الطلقاء هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سموا بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منّ عليهم وأطلقهم، وكان في إسلامهم ضعف، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم وغيره، وقولها: "من بعدنا" أي من سوانا. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/469).
وقال الحلبي : يقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضهم لبعض: أي من كان إسلامه مدخولا منهم - اخذلوه هذا وقته فانهزموا، فهم أول من انهزم وتبعهم الناس، وعند ذلك قال أبو قتادة لعمر - رضي الله عنهما -: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. (السيرة الحلبية 3/65).(23/12)
انهزموا بك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن"(1).
والحديث أخرجه ابن سعد، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وأبو نعيم. الجميع من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت به(2).
وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، كلاهما من طريق سليمان(3) بن المغيرة، عن ثابت به(4).
وأخرجه مسلم، وأبو داود، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة. الجميع من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك(5).
__________
(1) مسلم: الصحيح3/1442 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال).
(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/425، وإسحاق بن راهويه: المسند ص: 15 برقم (377)، وعبد بن حميد: المسند ص: 158 برقم (323)، وأحمد: المسند 3/286، وأبو نعيم: حلية الأولياء 2/60، وأبو يعلى: المسند 3/321 و331 برقم (303).
(3) سليمان بن المغيرة القيسي. ثقة. تقدم في ص 137.
(4) ابن أبي شيبة: التاريخ ص 93- 94 ب- أ، وانظر: منتخب كنز العمال لعلاء الدين المتقي الهندي4/171-172 مع مسند أحمد.وأحمد:المسند3/112 و198).
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم 1/311 قال: "سألت أبي عن حديث رواه أبو أسامة - هو: حماد بن أسامة - عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أنس قال: قال أبو طلحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته: ألا ترى إلى أم سليم في يدها خنجر". الحديث. قال أبي هذا خطأ، وإنما هو سليمان ابن المغيرة عن ثابت عن أنس.
(5) مسلم: الصحيح 3/1443 كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال. ولم يسق لفظه. وأبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد: المسند 3/190 و279. وأبوداود الطيالسي 2/108- 109 مع "منحة المعبود". وابن أبي شيبة: التاريخ ص93- 94 ب- أ).(23/13)
وأخرجه أحمد من طريق ابن أبي عدي(1)، عن حميد، عن أنس(2). فهذا الحديث رواه هؤلاء الأئمة عن أنس منهم المختصر ومنهم المطول.
61- وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله(3) بن أبي بكر مرسلاً بنحوه، وهذا سياقه قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حازمة وسطها ببرد لها، وأنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها(4) الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته(5) مع الخطام، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أم سليم؟.
قالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو يكفي الله يا أم سليم"؟
قال: ومعها خنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟
قالت: خنجر أخذته، إن دنا مني أحد من المشركين، بعجته به.
قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم للغميصاء(6).
ومن طريقه أخرجه الطبري(7).
__________
(1) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، أبو عمرو البصري، ثقة (ت 194) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/141، وتهذيب التهذيب 9/12- 13).
(2) المسند 3/108.
(3) هو: عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، تقدمت ترجمته في حديث (35).
(4) يعزها: أي يغلبها (المصباح المنير 2/484).
(5) الخزامة: حلقة من شعر تجعل في أحد جانبي منخري البعير، لينقاد بسهولة. (ابن الأثير: النهاية 2/29).
(6) سيرة ابن هشام 2/446. والغميصاء : اسم أم سليم).
(7) تاريخ الرسل والملوك 3/76).(23/14)
و- انكباب المسلمين عل جمع الغنائم واشتغالهم بها، وذلك أن المسلمين حملوا على الكفار فلاذوا بالفرار تاركين أموالهم وعتادهم، فظن المسلمون أن الكفار انهزموا إلى غير رجعة، فأقبلوا على جمع الغنائم وحيازتها، فانتهز المشركون غفلة المسلمين فانهالوا عليهم من كل صوب يضربون ويطعنون، فانكشف المسلمون أمام المشركين لا يلوي أحد منهم على أحد، والكفار في آثارهم يطاردونهم. وهذا ما صرح به البراء بن عازب - رضي الله عنه - في حديثه عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياق البخاري:
عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة(1)
__________
(1) وفي لفظ عند البخاري: "أن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا بالسهام".
وعند مسلم والطبري: "وكانت هوازن يومئذ رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام".
وعند أبي داود الطيالسي وأبي عوانة: "أن هوازن كانوا قوما رماة فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم واستقبلونا بالسهام، فانهزم الناس".
وعند أبي عوانة أيضا: "أن هوازن كانوا قوما رماة وإنا لما التقينا انكشفوا، وأقبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الغنائم، ورموهم بالسهام".
قال الحلبي: وسياق هذا الحديث يدل على أنّ المسلمين انهزموا مرتين: الأولى في أول الأمر، والثانية عند انكبابهم على أخذ الغنائم. (السيرة الحلبية 3/65).(23/15)
، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام..." الحديث(1).
ومن خلال هذه الألفاظ الواردة في حديث البراء نرى كيف وصل الحال بالمسلمين عندما ذهبوا يتسابقون إلى حطام الدنيا الفانية مما جعلهم يفقدون توازنهم، ويتركون مواقعهم عندما هاجمتهم هوازن في حال انشغالهم بجمع الغنائم، فكانت كارثة عظيمة، تخلى المسلمون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ القليل منهم.
ز- إن ما حصل للمسلمين في غزوة حنين من انكسار أمام الأعداء، كان مصدره أمر الله وقدره، وذلك ليطأطئ رؤوس أقوام رفعها الإعجاب بكثرتهم وقدرتهم القتالية، فأدبهم الرب عز وجل ليعلمهم أن النصر من عنده سبحانه وتعالى، وأن كثرتهم وجموعهم لا تجدي عنهم شيئا.
وهذا ما تضمنه حديث أبي قتادة(2) - رضي الله عنه - عند البخاري وغيره. وهذا سياق البخاري:
62- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى(3) بن سعيد، عن ابن أفلح(4)
__________
(1) البخاري: الصحيح 4/25 كتاب الجهاد، باب من قاد دابة غيره في الحرب. ومسلم: الصحيح 3/1401 كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين. وأحمد: المسند 3/281، وابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص59- 60 ب - أ ضمن مجموعة (27)، والطبري: جامع البيان 10/102، وأبو عوانة: المسند 4/207). وتقدم الحديث برقم (59).
(2) أبو قتادة الأنصاري: اختلف في اسمه فقال بعضهم: الحارث، ويقال عمرو، أو النعمان ابن ربعي - بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة - ابن بُلدمة - بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة - السلمي - بفتحتين - المدني، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا (ت 54، وقيل: 38) والأول أصح وأشهر. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/463).
(3) هو: ابن قيس الأنصاري، ثقة ثبت، من الخامسة، (ت144 أو بعدها). /ع. (المصدر السابق 2/348).
(4) عمر بن كثير بن أفلح المدني، مولى أبي أيوب، ثقة من الرابعة. /خ م د ت كن ق. (التقريب 2/629).
وفي الفتح 4/323، 8/38 قال عنه: "عمر بن كثير بن أفلح مدني، مولى أبي أيوب الأنصاري، وثقه النسائي وغيره، وهو تابعي صغير، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد، لكن ذكره في مواضع: فتقدم في البيوع مختصراً، وفي فرض الخمس تاماً، وسيأتي في الأحكام، وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال: "عن عمرو بن كثير "بفتح العين، والصواب "عمر". إهـ.
قلت: وقد وقع عند ابن ماجة وأحمد والطحاوي: "عمرو".(23/16)
، عن أبي(1)
__________
(1) هو: نافع بن عباس - بموحدة ومهملة - أو تحتانية ومعجمة - أبو محمد الأقرع، المدني، مولى أبي قتادة، قيل له ذلك: للزومه، وكان مولى عقيلة الغفارية، ثقة من الثالثة. /ع. (ابن حجر: التقريب 2/295).
وفي تهذيب التهذيب10/405-406 قال عنه: "أبو محمد مولى أبي قتادة، ويقال: مولى عقيلة الغفارية، ويقال: أنهما اثنان".
قال ابن حبان في الثقات: نافع مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وهو الذي يقال له: نافع مولى أبي قتادة، نسب إليه ولم يكن مولاه.
ثم قال ابن حجر: ويؤيد قول ابن حبان ما وقع عند أحمد من طريق مغفل بن إبراهيم سمعت رجلا يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولاه، يحدث عن أبي قتادة، فذكر حديث الحمار الوحشي.
وفي رواية ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي سلمة، أنّ نافعاً الأقرع مولى بني غفار حدّثه، أنّ أبا قتادة حدّثه، فذكر هذا الحديث". اهـ. (انظر: حديث أحمد وابن إسحاق المشار إليهما في مسند أحمد5/306 و308، غير ان الحديث عند أحمد من طريق "سعد بن إبراهيم" وهو: ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وأما مغفل بن إبراهيم فلم أجده في التقريب ولا في تعجيل المنفعة، فالظاهر أنه خطأ.
وقد ورد عند أحمد وأبي عوانة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير عن أبي محمد جليس كان لأبي قتادة قال: "ثنا أبو قتادة".
وعند ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد، عن أبي قتادة. (انظر: مسند أحمد 5/295، وسيرة ابن هشام 2/448، ومسند أبي عوانة 4/116).
وهذه الأحاديث تدل على أن أبا محمد كان جليسا لأبي قتادة فقيل له: مولى أبي قتادة لكثرة ملازمته له ولم يكن مولاه حقيقة.
قال النووي وابن حجر: "في حديث الباب ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهم: يحيى بن سعيد، وعمر بن كثير، وأبو محمد". (انظر شرح النووي على مسلم 4/351، وفتح الباري 4/323).(23/17)
محمد مولى أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين(1)، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة(2)، فرأيت رجلا من المشركين علا(3) رجلا من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل(4)
__________
(1) عند الشافعي: "يوم خيبر" وهو خطأ مطبعي.
(2) قوله: "كانت للمسلمين جولة" - بفتح الجيم وسكون الواو -: أي انهزام وخيفة ذهبوا فيها، وهذا إنما كان في بعض المسلمين، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه فلم يولوا. والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/351). وانظر القول في ذلك تحت حديث رقم (79) وص193- 195.
(3) علا رجلا أي ظهر عليه.
وعند البخاري من حديث الليث بن سعد: "لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها".
وعند أحمد وابن إسحاق: قال أبو قتادة: "رأيت رجلين يقتتلان مسلم ومشرك، وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم، فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقني بيده الأخرى، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الموت، فلولا أن الدم نزفه لقتلني فسقط فضربته فقتلته".
قال ابن حجر: تبين من هذه الروية أن الضمير في الأولى "فضربته" لهذا الثاني الذي كان يريد أن يَخْتِل المسلم. (فتح الباري 8/37).
(4) على حبل عاتقه: قال ابن حجر: حبل العاتق: عصبه، والعاتق: موضع الرداء من المنكب، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية - يعني رواية الليث - فأضرب يده فقطعتها "أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف". (فتح الباري 8/37).
وفي لفظ عند البخاري:"فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع".
وعند الطحاوي:"فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة حتى قطعت حبل الدرع".
قال ابن حجر: قوله: "فقطعت الدرع" أي التي كان لابسها وخلصت الضربة على يده فقطعتها. (فتح الباري 8/37).(23/18)
عاتقه، فأقبل علي فضمني(1) ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر(2) بن الخطاب فقلت(3) ما بال الناس؟ قال: "أمر(4) الله". الحديث(5).
والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، وابن الجارود، والطحاوي، وأبو عوانة، والبيهقي، والحازمي(6)
__________
(1) قوله: "فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت". قال النووي: يحتمل أنه أراد شدة كشدة الموت، ويحتمل قاربت الموت. (شرح صحيح مسلم 4/351).
(2) قوله: "فلحقت عمر بن الخطاب" قال ابن حجر: في السياق حذف بينته الرواية الثانية - يعني رواية ليث - حيث قال: ثم أخذني فضمني شديدا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل - أي انحلت قواه - ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له: "ما شأن الناس؟".
(3) وعند مسلم والحازمي:"فلحقت عمر بن الخطاب فقال:ما للناس؟"فقلت:"أمر الله".
(4) وفي لفظ عند البخاري: قال: "أمر الله عز وجل". والمعنى: حكم الله وقضاؤه.
(5) البخاري: الصحيح 3/55 كتاب البيوع، باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها. 4/73 كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب... الخ، و5/129 كتاب المغازي، باب (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) الخ، 9/57 كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم. انظر سياق الحديث في الأحكام، الحكم رقم (13) ص636).
(6) مسلم: الصحيح 3/1370- 1371 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل. وأبو داود: السنن 2/64 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى للقاتل. والترمذي: السنن 3/61 كتاب السير، باب ما جاء فيمن قتل قتيلا فله سلبه.
وابن ماجة: السنن 2/946 كتاب الجهاد، باب المبارزة والسلب. ومالك: الموطأ 2/454 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل. والشافعي: الأم 4/66 (الأنفال). وعبد الرزاق: المصنف 5/236. والحميدي: المسند 1/204، وأحمد: المسند 5/295، 296. وابن جارود: المنتقى ص360. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/226- 227. وأبو عوانة: المسند 4/111- 114، 116. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، 9/50. والحازمي: الاعتبار ص221- 222).(23/19)
. الجميع من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير بن أفلح به.
منهم من ساقه بتمامه ومن هم من اقتصر على جزء منه.
وقد اتفقت جميع الطرق على ان أبا قتادة راوي الحديث هو الذي سأل عمر بن الخطاب عن سبب انهزام المسلمين، ماعدا مسلما والحازمي فإن الأمر عندهما بالعكس.
والحديث أخرجه كذلك ابن إسحاق من طريقين: قال في الأولى: حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن أبي قتادة.
وفي الثانية: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة، ثم ساق الحديث(1).
ومن طريقه أخرجه أحمد(2)، وسمى المبهم في الطريق الثانية "يحيى بن سعيد" الذي مدار حديث الباب عليه، غير أن كون يحيى بن سعيد يروي عن نافع مباشرة فيه نظر، وذلك لأن جميع طرق الحديث التي وقفت عليها أنه يروي عنه بواسطة "عمر بن كثير بن أفلح" ولم أجد مَنْ نصّ مِن العلماء أن نافعاً من شيوخ يحيى، فالظاهر أن في سند ابن إسحاق انقطاعا، وقد عرف الواسطة من طرق أخرى، وهو: "عمر بن كثير".
هذه معظم الأسباب التي عثرت عليها في سبب تخلي المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منسحبين أمام هوازن إلاّ قلة ممّن ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - .
وإذا أمعنا النظر نجد أن الذين بدأوا بالفرار هم أحداث الأسنان والأعراب والطلقاء، وهؤلاء ليسوا من كبار الصحابة وأهل القدم الراسخ في الإسلام. ثم صادف ذلك انشغال بعض المسلمين بجمع الغنائم كما في بعض الروايات الصحيحة.
__________
(1) سيرة ابن هشام 2/448).
(2) المسند 5/306 وسياقه قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد بن أبي بكر أنه حدّث عن أبي قتادة. قال يعقوب بن إبراهيم قال أبي وحدثني ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن نافع عن الأقرع).(23/20)
هذا هو الذي استخلصته في بيان أسباب انكشاف المسلمين في بداية المعركة، معتمدا على المرويات الواردة في ذلك، ولكن الأمر لم يدم طويلا في تلك المعركة لصالح المشركين، بل نصر الله جنده في نهاية الأمر، كما سيتبين ذلك من خلال دراستنا لهذه الغزوة.
وفي ختام هذا المبحث أحب أن أشير إلى أن من سنن الله الكونية التي لا تتخلف أن الله سبحانه وتعالى، جعل للنصر والظفر على الأعداء أسبابا، كما جعل للهزيمة والانحدار أسبابا، فمن أخذ بأسباب النصر جاءه النصر بإذن الله، ومن تخلى عنها أو عن بعضها جاءته الهزيمة والانتكاس.
والعبرة التي يجب تقريرها والتأكيد عليها في هذا المبحث أيضا أن الجيش الإسلامي الذي يكون قائده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذا حصل منه تقصير في جنب الله، فإنه يعاقب بالهزيمة ولا يخرج عن سنة الله في ذلك، فلا ينتصر وهو غير مستوجب لشروط النصر وأسبابه.
فوقوع مثل هذا في جيوش المسلمين المقصرين في حق الله عليهم، والذين قوادهم من البشر العاديين أولى وأحرى، وإنه لدرس عظيم تقدمه لنا سيرة سلفنا الصالح وحياة ذلك الرعيل الأول، الذين عاش بين ظهرانيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والوحي ينزل عليه، وقد أذاقهم الله حلاوة النصر من عنده إذا صبروا وصدقوا واستكملوا عناصر النصر المادية والمعنوية، ولم يغفلوا عن الله.
كما أذاقهم مرارة الهزيمة، إذا هم غفلوا عن الله وتنازعوا وركنوا إلى الدنيا وبيّن لهم أن ذلك الانهزام ما جاءهم إلا من عند أنفسهم إما إعجابا بكثرتهم أو بإقبالهم على حطام الدنيا، أو بغير ذلك من الأسباب.
وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.(23/21)
وممّا يحسن الإشارة إليه هنا – أيضا – أن المسلمين في غزوة حنين كانوا اثني عشر ألفا أو يزيدون(1)، وقد حصل لهم ما بيّناه في هذا المبحث من إدبارهم على رغم هذا العدد الكبير الذي لم يتوافر مثله في غزواتهم السابقة، وقد يتوهم متوهم أن هذا يعارض ما رواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس الورد فيه:
63- "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة"(2).
وفي لفظ عند أحمد: "لن يغلب قوم عن قلة يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفا".
وعند الدارمي: "وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة".
وعند أبي يعلى: "وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا".
وعند الواقدي: "ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة كلمتهم واحدة"(3).
ذلك أن هذا الحديث مقيد بقيدين وهما: "الصبر، والصدق". فإذا بلغ الجيش هذا العدد لا يغلب من قلة، إذا صبروا وصدقوا، بل ربما يكون عددهم أقل من هذا ويكون النصر حليفهم بالصبر والصدق، وإنما يغلبون لأمر آخر كالإعجاب بالكثرة وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك.
__________
(1) انظر ص116.
(2) أبو داود: السنن 2835 كتاب الجهاد، باب فينا يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا).
ونص الحديث: "عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة".
(3) مغازي الواقدي 3/890).(23/22)
والحاصل أن انتصار المسلمين مرتبط بأسباب وموانع، فإذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع حصل النصر بإذن الله قل العدد أو كثر، كما قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، [سورة البقرة، من الآية: 249]. على أنه قد يقال بعدم التعارض مطلقا بين ما وقع في حنين، وما يتضمنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" ذلك أن ما وقع في حنين ليس هزيمة كسر فيها المسلمون ولم يقم لهم بعدها قائمة في هذه المعركة، وإنما الذي حدث هو إدبار في بادئ المعركة، أعقبه بعد ذلك انتصار عظيم على الكفار، وغنيمة لما معهم، فمثل هذه الحال لا يقال فيها إنها هزيمة نهائية، وعليه فلا تعارض، وهذا أظهر واوجه. والله أعلم.
وحديث "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، كلهم من طريق جرير(1) بن حازم، عن يونس(2) بن يزيد الأيلي، عن الزهري(3)، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (4).
__________
(1) جرير بن حازم "ثقة"، تقدمت ترجمته في حديث (1).
(2) يونس بن يزيد بن أبي النجاد، الأيلي - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلاّ أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة (ت 159) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/386، تهذيب التهذيب 11/450).
(3) تقدمت ترجمة الزهري وعبيد الله في حديث (32).
(4) الترمذي:السنن3/56-57 كتاب السير،باب ما جاء في السرايا.وأحمد:المسند1/294. وعبد بن حميد: المسند 1/91ب رقم (322)، وابن خزيمة: الصحيح 4/140، والطحاوي: مشكل الآثار 1/238، وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص400، والبيهقي: 9/156).(23/23)
وأخرجه الترمذي، وأحمد وأبو يعلى، والطحاوي، كلهم من طريق حبان(1) بن علي العنزي، عن عقيل(2) بن خالد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله،عن ابن عباس،عن النبي-صلى الله عليه وسلم-(3).
ورواه الدارمي من طريق حبان بن علي العنزي، عن يونس بن يزيد، وعقيل، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (4).
والحديث قال فيه أبو داود: والصحيح أنه مرسل(5).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا.
وقد رواه حبان بن علي العنزي، عن عقيل، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) حبان - بالكسر - ابن علي العنزي - بفتح العين والنون ثم زاي - أبو علي الكوفي، ضعيف، من الثامنة، كان له فقه وفضل، (ت 171 أو 172). /ق. (التقريب 1/147، وتهذيب التهذيب 2/173).
(2) عقيل - بالضم - بن خالد بن عقيل - بالفتح - الأيلي - بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام - أبو خالد الأموي، مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، من السادسة (ت 144) على الصحيح. /ع. (التقريب 2/29، وتهذيب التهذيب 7/255- 256).
(3) الترمذي: السنن 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. أحمد:المسند1/299.وأبو يعلى:المسند 3/271أرقم303.والطحاوي:مشكل الآثار1/238.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/258 و327: رواه أبو داود والترمذي خلا قوله: "صدقوا وصبروا".
(4) سنن الدارمي2/134-135كتاب السير،باب في خير الأصحاب والسرايا والجيوش).
(5) سنن أبي داود 2/35 كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا، والمراسيل له ص34. ومصنف عبد الرزاق 5/306).(23/24)
ورواه الليث بن سعد(1)، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه مسلم -(2). إهـ
وهكذا أعله بالإرسال أيضا أبو حاتم،والطحاوي،والبيهقي(3).
والخلاصة: أن هذا الحديث تفرد بوصله جرير بن حازم، وهو ثقة. والزيادة من الثقة مقبولة، كما هو مقرر في علم المصطلح(4).
وقد قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين عن الزهري(5). وسكت عنه الذهبي.
وقال ابن القطان(6): هذا ليس بعلة، فالأقرب صحته(7).
وقال البيهقي - بعد سياق الحديث - : "قال أبو داود: أسنده جرير بن حازم وهو خطأ".
فتعقبه ابن التركماني بقوله: "هذا ممنوع، لأن جريرا ثقة، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله"(8).
__________
(1) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث، المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة (ت 175). /ع. (التقريب 2/138، وتهذيب التهذيب 8/549).
(2) سنن الترمذي 3/57 كتاب السير، باب ما جاء في السرايا. وهذه الرواية التي علقها الترمذي، وصلها الطحاوي في مشكل الآثار 1/239 من طريق ابن صالح حدثني الليث عن عقيل...الخ.
قال الألباني: وابن صالح اسمه عبد الله كاتب الليث وفيه ضعف فلا يحتج به عند التفرد،فكيف عند المخالفة؟(سلسلة الأحاديث الصحيحة2/720 حديث986).
(3) انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم1 /347، ومشكل الآثار للطحاوي 1/238، والسنن الكبرى للبيهقي 9/156).
(4) انظر: حديث (32).
(5) المستدرك 1/443، 2/101).
(6) هو الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي الشهير بابن القطان، صاحب كتاب الوهم والإيهام كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظم لأسماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية، وهو رأس طلبة العلم بمراكش (ت: 628). (الذهبي/ تذكرة الحفاظ 4/1407).
(7) انظر: (فيض القدير للمناوي 3/474).
(8) الجوهر النقي 9/156 مع السنن الكبرى للبيهقي).(23/25)
وصححه أيضا السيوطي(1).
وقال الألباني: "جرير بن حازم ثقة احتج به الشيخان، وقد وصله، وهي زيادة يجب قبولها، ولا يضره رواية من قصر به على الزهري"، ولذلك قال ابن القطان: هذا ليس بعلة فالأقرب الصحة.
وقد تابعه حبان بن علي العنزي على وصله، كما ذكر الترمذي.
ثم ذكر من وصل الحديث من طريق حبان بن علي، ثم قال: ورجال الحديث كلهم ثقات رجال البخاري، غير حبان بن علي وهو ضعيف، لكنه لم يترك كما قال الذهبي(2).
فمثله يستشهد به(3).
__________
(1) الجامع الصغير 3/474 مع فيض القدير).
(2) انظر: ميزان الاعتدال 1/449).
(3) الألباني: (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/719 حديث (986)، وصحيح الجامع الصغير 3/121- 122 حديث (3273).(23/26)
المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر:
لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لمنازلة هوازن وجموعها، خرج معه كثير من أهل مكة وهم أوزاع منهم الطلقاء، ومنهم المقيم على كفره(1)، ومنهم المسلم الذي حسن إسلامه، ومنهم ضعيف الإيمان.
وكان خروج الأغلبية منهم يرجون الغنائم وينظرون لمن تكون الغلبة، ولا يكرهون أن تكون الهزيمة للمسلمين.
قال ابن كثير قال ابن لهيعة(2)، عن أبي الأسود(3)، عن عروة(4).
وذكر موسى بن عقبة في "مغازيه" عن الزهري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن معه أهل مكة لم يغادر منهم أحداً ركباناً ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
__________
(1) ذكر القسطلاني في المواهب اللدنية 1/162، والزرقاني في شرح المواهب 3/5، وبرهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية 3/64: "إنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانون من أهل مكة وهم على كفرهم".
(2) عبد الله بن لهيعة - بفتح اللام وكسر الهاء - ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن البصري، القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون (ت 174). /م د ت ق. (التقريب 1/444، وتهذيب التهذيب 5/373- 379).
وقال الهيثمي: "ابن لهيعة فيه ضعف وحديثه حسن". مجمع الزوائد 6/139، 173، 175، 190، 196).
(3) هو: محد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، أبو الأسود المدني، يتيم عروة، ثقة من السابعة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة. /ع. (التقريب 2/185، وتهذيب التهذيب 9/307).
(4) تقدمت ترجمة عروة في حديث (9)، وترجمة موسى بن عقبة في حديث (52). والزهري في حديث (32).(24/1)
قالوا: وكان معه أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، قالوا: وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر، ومعه النساء والذراري والنعم، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: "إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا". لما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة(1).
قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدا، فقال له صفوان: تبشرني بظهور الأعراب،فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الأعراب(2)
__________
(1) الدائرة: هي الدولة بالغلبة والنصر (ابن الأثير: النهاية 2/140).
(2) سيأتي أن معنى هذا قاله صفوان لما قال كلدة بن الحنبل "ألا بطل السحر".وفي تارخ الخميس2/102 أن هذا القول قاله صفوان لكلدة ولرجل آخر ولأبي سفيان بن حرب وكان أبو سفيان لما انهزم المسلمون في أول القتال استبشر وقال: غلبت هوازن لا يردهم شيء إلاّ البحر، وكان أبو سفيان أسلم يوم الفتح لكن لم يتصلب فيه بعد وكان هو وابنه معاوية يومئذ من المؤلفة قلوبهم وبعد ذلك حسن إسلامهما.
وقال: "أراد صفوان: برب من قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرب من هوازن رئيسهم مالك بن عوف"إهـ.(24/2)
، وغضب صفوان لذلك، قال عروة: وبعث صفوان غلاماً له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: "يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب"...الحديث(1).
والحديث أخرجه البيهقي في دلائل عن عروة وموسى بن عقبة ولم يذكر الزهري(2). وفي السند إلى عروة أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد له ترجمة.
والحديث في كلا الإسنادين مرسل، لأن عروة بن الزبير من الثانية وموسى بن عقبة من الخامسة(3).
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 4/330، والواقدي: المغازي 3/890، 894- 895. وانظر حديث (64). وفي سيرة ابن هشام 2/409 كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وحنين والطائف، شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله.
(2) دلائل النبوة 3/45أ وتقدم الحديث برقم (57).
(3) انظر: التقريب 2/19 و286.(24/3)
64- وعند ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن(1)، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام(2) لمعه في كنانته، وصرخ جبلة(3) بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن(4). ذكر هذا ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقه أخرجه الطبري، لكن الجزء الأخير منه - وهو قول جبلة: "بطل السحر اليوم" - وجواب صفوان له ثابت عند أبي يعلى من حديث جابر بن عبد الله، وهذا نصه:
حدثنا جعفر(5)
__________
(1) الضغن: الحقد. (المصباح المنير 2/428).
(2) الأزلام: هي القداح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوب، الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، وكان الرجل منهم يضعها في وعاء له، فإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما، أدخل يده فأخرج منها زلما، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله. (ابن الأثير: النهاية 2/311).
(3) تقدم في حديث (58).
(4) ابن هشام:السيرة النبوية2/443-444، والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/74. وابن كثير: البداية والنهاية 4/327. وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/469- 470. والسهيلي: الروض الأنف 7/168. والكلاعي: الاكتفاء 2/227- 228).
(5) جعفر بن مهران السباك، أبو النضر البصري، سكت عنه ابن أبي حاتم.
وقال الذهبي: "موثق، له ما ينكر".
وقال ابن حجر: "وثقه ابن حبان". (انظر:الجرح والتعديل2/491، وميزان الاعتدال1/418، وتعجيل المنفعة ص50-51).(24/4)
، ثنا عبد(1) الأعلى، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر قال: كان أمام هوازن رجل جسيم(2) على جمل أحمر في يده راية(3) سوداء إذا أدرك طعن بها وإذا فاته شيء من بين يديه رفعها لمن خلفه، فعمد(4) له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار كلاهما يريده، قال: فضربه علي على عرقوبي الجمل فوقع على عجزه،قال: وضرب الأنصاري ساقه، قال: فطرح قدمه بنصف ساقه فوقع، واقتتل الناس.
__________
(1) عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، السامي - بالمهملة - أبو محمد، وكان يغضب إذا قيل له أبو همام، ثقة من الثامنة (ت 189). (ابن حجر:التقريب 1/465، وفي تهذيب التهذيب 6/96 ذكر بأنه مات سنة (198) ولم يذكر خلافا في ذلك).
(2) وعند ابن حبان: "رجل ضخم".
(3) وعند ابن إسحاق وأحمد والطبري والبيهقي: "ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء، في رأس رمح له طويل، أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فتبعوه".
(4) وعند ابن حبان: "فرصد له".
وعند ابن إسحاق وأحمد والطبري: "بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله ذلك يصنع ما يصنع إذ هوى له على بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فيأتيه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رجله، قال واجتلد الناس".(24/5)
وصرخ - حين كانت الهزيمة - كلدة وكان أخا صفوان(1) بن أمية وكان صفوان يومئذ مشركا، في المدة التي ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا بطل السحر اليوم(2). فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن"(3).
ومن هذا الطريق أخرجه ابن حبان(4).
والحديث فيه: جعفر بن مهران السباك، وثقه ابن حبان وهو متساهل في التوثيق، وقال الذهبي: موثق وله ما ينكر. ولكن أصل الحديث ثابت عند أحمد وابن هشام والطبري والبيهقي من غير طريق جعفر بن مهران(5).
65- وروى الواقدي عن قتادة قال: مضى سرعان المنهزمين إلى مكة يخبرون أهلها بالهزيمة، فسر بذلك قوم من أهلها وأظهروا الشماتة وقال قائلهم:"ترجع العرب إلى دين آبائها،وقد قتل محمدوتفرق أصحابه".
__________
(1) وعند ابن حبان: "وكان أخا صفوان بن أمية لأمه".
(2) وعند الواقدي: فلما كانت الهزيمة حيث كانت الدائرة على المسلمين فتكلموا بما في أنفسهم م الكفر والضغن والغش، قال أبو سفيان ابن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، قال: يقول رجل من أسلم يقال له: "أبو مقيت": أما والله، لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتلك لقتلتك.
وقال سهيل بن عمرو: "لا يجتبرها محمد وأصحابه"، قال: يقول له عكرمة: "هذا ليس بقول، وإنما الأمر بيد الله، وليس إلى محمد من الأمر شيء، إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا".
قال: يقول سهيل: إن عهدك بخلافه لحديث، قال: يا أبا يزيد، إنا كنا والله نوضع في غير شيء وعقولنا عقولنا، نعبد الحجر لا ينفع ولا يضر.(مغازي الواقدي 3/910- 911).
(3) أبو يعلى: المسند 2/200ب رقم 302).
(4) موارد الظمآن ص417).
(5) انظر الحديث رقم (58).(24/6)
فقال عتاب بن أسيد: إن قتل محمد فإن دين الله قائم، والذي يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا حتى جاءهم الخبر بنصره صلى الله عليه وسلم، فسر عتاب ومعاذ بن جبل، وكبت الله من كان يسر خلاف ذلك(1).
66- وأخرج الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أيوب(2) بن جابر، عن صدقة بن سعد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه(3) قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر"(4)
فضرب بيده في صدري ثم قال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثانية فقال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثالثة ثم قال: "اللهم اهد شيبة".
قال: فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه:. الحديث(5).
والحديث ضعيف، لأن فيه:
أ - أيوب بن جابر(6).
__________
(1) الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/12).
(2) وقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/333 "أبو أيوب" وكلمة "أبو" خطأ.
(3) هو: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، الحجبي، المكي، من مسلمة الفتح، وله صحبة وأحاديث (ت 95). /خ د ق. كان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتال هوازن بعد أن كان خرج يريد أن يغتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ. (ابن حجر: التقريب 1/357، وتهذيب التهذيب 4/376، والإصابة 2/161).
(4) قال الزرقاني: لعل حكمة عدم رؤية المسلمين للملائكة، لئلا يعتمدوا عليهم، أو يشتغلوا بالنظر إليهم لكون قتالهم خارقا للعادة، فيفوتهم الاجتهاد في الحرب والثواب المترتب عليه. (شرح المواهب اللدنية 3/15).
(5) الطبراني: المعجم الكبير 7/357).
(والبيهقي: دلائل النبوة 3/45ب).
(6) قال فيه ابن حجر في التقريب 1/89: أيوب بن جابر بن سيار السحيمي - بمهملتين مصغرا - أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي "ضعيف".(24/7)
ب - صدقة بن سعيد(1).
ج - مصعب بن شيبة(2).
وأورده الهيثمي ثم قال:رواه الطبراني وفيه أيوب بن جابر وهو ضعيف(3).
__________
(1) قال فيه ابن حجر في التقريب1/366:صدقة بن سعيد الحنفي، الكوفي، "مقبول".
(2) قال عنه ابن حجر في التقريب 2/251: مصعب بن شيبة العبدري "لين الحديث". وانظر: (تهذيب التهذيب 1/399، 4/415، 10/162).
(3) مجمع الزوائد6/183،وانظر:ابن كثير:البداية والنهاية4/333،والزرقاني شرح المواهب 3/12، 15، 19. والسيوطي:الدر المنثور3/226،والخصائص الكبرى 2/93).(24/8)
67- وروى الطبراني، والبيهقي – أيضا – كلاهما من طريق عبدالله(1) بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي(2)، عن عكرمة(3) مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان قال: لما رأيت رسول الله يوم حنين قد عرى(4)، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما(5)، فقلت: اليوم أدرك ثأري من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه بين درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج(6)، فقلت: عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره فإذا بأبي سفيان(7) بن الحارث بن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره(8)
__________
(1) عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير،من الثامنة (ت181)./ع.(التقريب1/445، وتهذيب التهذيب 5/382).
(2) أبو بكر الهذلي،وقع في المعجم الكبير للطبراني:"أبو بكر الهدى" وهو خطأ.
(3) عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس أصله بربري، ثقة ثبت عالم بالتفسير، ولم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة (ت 107) وقيل: قبل ذلك. (التقريب 2/30، وتهذيب التهذيب 7/263- 273).
(4) قد عرى: أي انكشف عنه الناس. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 4/361).
(5) قتل في غزوة أحد كما في سيرة ابن هشام 1/127.
(6) العجاج: الغبار. (الفيروز آبادي: 1/198).
(7) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخاه من الرضاعة أرضعتهما حليمة بنت ذؤيب السعدية، كان أبو سفيان من الشعراء المطبوعين، وكان سبق له هجاء في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان حسان بن ثابت يرد عليه يدافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد حنينا وأبلى فيها بلاء حسنا، مات سنة عشرين. (ابن الأثير: أسد الغابة 6/144- 147).
(8) أساوره: أي أعلوه بالسيف في رأسه، والسورة - بفتح أوله - الوثبة. (ابن منظور: لسان العرب 6/51- 52).(24/9)
سورة بالسيف إذ رفع شواظ(1) من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني(2)، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى(3)، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا شيبة(4) ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان".
قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال: "يا شيبة قاتل الكفار". الحديث(5).
والحديث أورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف(6).
وقال ابن حجر: متروك الحديث(7).
وأخرج البلاذري نحوه من طريق الوليد بن مسلم، ثنا يحيى(8) بن عبد العزيز.
__________
(1) الشواظ: كغراب وكتاب: لهب لا دخان فيه، أو دخان النار وحرها. (الفيروز آبادي: القاموس المحيط 2/396).
(2) أن يمحشني: أي يحرقني، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. (ابن الأثير: النهاية 4/302).
(3) القهقرى: هو المشي إلى الخلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. (المصدر السابق 4/129).
(4) يا شيب:نداء ترخيم (شيبة). (أنظر:ابن عقيل:شرح ألفية ابن مالك2/289).
(5) الطبراني: المعجم الكبير 7/358، والبيهقي: دلائل النبوة 3/45ب).
(6) مجمع الزوائد 6/184، وانظر: البداية والنهاية 4/333، والتفسير 2/345 كلاهما لابن كثير، والخصائص الكبرى للسيوطي 2/94- 95).
(7) انظر: (التقريب 2/401، وتهذيب التهذيب 12/45).
(8) يحيى بن عبد العزيز أبو عبد العزيز الأردني - بضم الهمزة المهملة بينهما راء ساكنة ثم نون ثقيلة - نزيل اليمامة - مقبول من السابعة، وهو والد أبي عبد الرحمن الشافعي. /بخ د. (ابن حجر 2/353، وتهذيب التهذيب 11/251).(24/10)
68- عن عبد الله(1) بن نعيم الأردني، عن الضحاك(2) بن عبد الرحمن الأشعري قال: لما هزم الله هوازن يوم حنين عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي عامر علي خيل الطلب. الحديث. وفيه: "وكان شيبة بن عثمان العبدري شديدا على المسلمين وكان ممن أومن فسار إلى هوازن طمعا في أن يصيب من النبي - صلى الله عليه وسلم - غرة، قال: فدنوت منه فإذا أهله محيطون به، ورآني فقال: "يا شيب إليّ، فدنوت منه، فمسح صدري، ودعا لي" فأذهب الله كل غل كان فيه وملأه إيمانا وصار أحب الناس إليّ(3).
والحديث ضعيف لأن فيه يحيى بن عبد العزيز، وعبد الله بن نعيم، وفيه أيضا الإرسال، لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يدرك هذه القصة.
وأخرج ابن سعد من طريق الواقدي نحو ما تقدم ولفظه:
__________
(1) عبد الله بن نعيم بن همام القيني-بفتح القاف ثم تحتانية ساكنة ثم نون-الأردني-كالذي قبله-عابد، لين الحديث،من السابعة./قد.(المصدر السابق1/457،6/56). (وفي ميزان الاعتدال 2/515)، سئل عنه ابن معين فقال: مظلم، وقال غيره: صالح الحديث.
(2) الضحاك بن عبد الله بن عرزب - بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة - وقد يقال عرزم بالميم - أبو عبد الرحمن ويقال: أبو زرعة الأردني - كالذي قبله - الطبراني، ثقة من الثالثة. (ت 105) /قد ت ق. (ابن حجر: التقريب 1/372- 373، والتهذيب 4/446).
(3) البلاذري: أنساب الأشراف ص366).(24/11)
69- كان شيبة بن عثمان رجلا صالحا له فضل وكان يحدث الناس عن إسلامه وما أراد الله به من الخير ويقول: "ما رأيت أعجب ممّا كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ثم يقول: لما كان عام الفتح ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فقلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا". الحديث وهو مطول(1).
والحديث فيه الواقدي، وهو متروك الحديث(2).
وعند ابن إسحاق بدون إسناد قال: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، قلت: اليوم أدرك ثأري من محمد - وكان أبوه قتل يوم أحد – اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني(3).
ومن طريقه أخرجه الطبري والبيهقي(4).
والخلاصة: أن الأحاديث الواردة في سبب إسلام شيبة بن عثمان كلها ضعيفة، ولذا قال ابن السكن(5): في إسناد قصة إسلامه نظر(6).
ولكن هذه الروايات على ضعف أكثرها تدل على محاولات شيبة للقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الثأر منه، كما أن تلك الأقوال الحاقدة التي أطلقها بعض أهل مكة كانت بمثابة التشفي من المسلمين، والرغبة في اندحار الحق.
__________
(1) ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/190- 191، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/470، وابن حجر: الإصابة 2/161).
(2) انظر: ابن حجر: التقريب 2/194).
(3) ابن هشام: (السيرة النبوية 2/443- 444).
(4) تاريخ الرسل والملوك 3/74- 75، ودلائل النبوة 3/43- 44ب).
(5) هو: الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان، تقدم.
(6) ابن حجر: الإصابة 2/161).(24/12)
وتلتقي هذه الأقوال وتلك المحاولات من شيبة وغيره في إطار واحد يمثل ضيق نفوس هؤلاء بالإسلام، وحبهم للعهد الجاهلي وبقائه، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ولله الحمد والمنة.
المبحث الثالث: عدد الثابتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين:
مر بنا أن مالك بن عوف سبق إلى وادي حنين وفرق جيوشه في منعطفاته ومضايقه واستعدوا وتأهبوا وأحكموا خطتهم(1).
وكان المسلمون لا يعلمون بذلك، وبينما هم ينحدرون في الوادي إذ انهالت عليهم هوازن بوابل من النبال والسهام، فانكشفت مقدمة المسلمين، وتبعها بقية الجيش الإسلامي، ولم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة من المسلمين، وهذا ما نريد الحديث عنه في هذا المبحث.
على أنه قد اختلفت الروايات في عدد الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي كالآتي:
أ- ورد في حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث(2).
قال ابن حجر: ويجمع بين قوله "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي جماعة، بأن المراد: بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو وحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان ابن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك(3).
ب- وأخرج ابن أبي شيبة والبزار من حديث بريدة بن الحصيب أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا رجل واحد يقال له زيد. وهذا سياق الحديث عند البزار:
__________
(1) تقدم في مبحث (سبب هزيمة المسلمين ص141).
(2) تقدم الحديث برقم (40).
(3) فتح الباري 8/29، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11).(24/13)
70- حدثنا معمر(1) بن سهل، وصفوان(2) بن المغلس قالا: ثنا عبيد(3) بن موسى، ثنا يوسف(4) بن صهيب، عن عبد الله(5) بن بريدة، عن أبيه(6) قال:
"تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق إلا رجل يقال له زيد(7)، وهو آخذ بعنان(8)
__________
(1) كذا وقع في السند "معمر"، ولعل الصواب: محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة التيمي، مولاهم، أبو بكر البخاري، نزيل بغداد، ثقة من الحادية عشرة (ت 251) /م ت س. فإنه يروي عن عبيد الله بن موسى.
انظر:(تهذيب الكمال للمزي5/446و7/603،والتقريب2/167، وتهذيب التهذيب 9/207 كلاهما لابن حجر، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/313).
(2) لم أجد ترجمته.
(3) عبيد الله بن موسى بن أبي مختار، باذام - بموحدة وذال معجمة - العبسي الكوفي، أبو محمد ثقة، كان يتشيع، من التاسعة.
قال أبو حاتم: "كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيم، واستصغر في سفيان الثوري" (ت213) على الصحيح. /ع. (التقريب 1/539-540، وتهذيب التهذيب 7/50-53 كلاهما لابن حجر.والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/334-335).
(4) يوسف بن صهيب الكندي، الكوفي، ثقة من السادسة/ د ت س. (التقريب 2/381، وتهذيب التهذيب 11/415).
(5) عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أبو سهل المروزي، قاضيها، ثقة، من الثالثة (ت 105، وقيل: 115). /ع. (المصدر السابق 1/403- 404، و5/157).
(6) هو: بريدة بن الحصيب - بمهملتين مصغرا - أبو سهل الأسلمي، صحابي، أسلم قبل بدر(ت63)/ع.(التقريب1/96،تهذيب التهذيب1/432- 433).
(7) لعله زيد بن الأرقم الأنصاري الخزرجي، فقد جاء عند الطبراني في معجمه الكبير 5/215 عن زيد بن أرقم قال: انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقال:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/182: "رواه الطبراني ورجاله ثقات".
(8) العنان: ككتاب: سير اللجام الذي تمسك به الدابة، جمعه أعنة وعنن. (القاموس المحيط 4/249).
وثبت في الأحاديث المستفيضة أن الذي كان ملازما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآخذا بلجام البغلة وركابها هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان العباس هو الذي نادى المهاجرين والأنصار، ولعل هؤلاء الثلاثة كانوا يتناوبون ذلك أو أن كل واحد منهم آخذا من جهة.(24/14)
بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء(1)
__________
(1) قوله: "على بغلة شهباء"، وكذا جاء في حديث عند الطبراني في الأوسط، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، وفي حديث البراء عند أبي يعلى والروياني، وحديث العباس عند ابن سعد وأحمد والطبري والعسكري في الأمثال، وحديث عبد الرحمن مولى أم برثن عند الطبري. قال ابن حجر: وقع عند مسلم من حديث العباس "وكان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي"، وله من حديث سلمة بن الأكوع "وكان على بغلته الشهباء".
ووقع عند ابن سعد وتبعه جماعة ممن صنفوا في السيرة أنه كان على بغلته "دلدل" - بدالين مضمومتين- وفيه نظر، لأن "دلدل" أهداها له المقوقس.
وقد ذكر القطب الحلبي: أنه استشكل عند الدمياطي ما ذكره ابن سعد، فقال له: كنت تبعته فذكرت ذلك في السيرة، وكنت حينئذ سيريا محضا، وكان ينبغي لنا أن نذكر الخلاف، ثم قال القطب الحلبي: يحتمل أن يكون يومئذ ركب كلا من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته، وإلا فما في الصحيح أولى.
ثم قال ابن حجر: وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم "على بغلته البيضاء"، وفي أخرى "الشهباء" وهي واحدة، ولا نعرف له بغلة غيرها، قال ابن حجر: وتعقب بـ: "دلدل" فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل: إن الاسمين لواحدة. وقال في حديث أنس بن مالك الذي فيه "أن ملك أيلة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء"، قال: ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة، لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها، وقد وقع في مسام من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة، وهذا هو الصحيح.
وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين "دلدل" وكانت شهباء أهداها له المقوقس، وأن التي أهداها له فروة يقال لها: فضة، ذكر ذلك ابن سعد، والصحيح ما في مسلم. إهـ. كلام ابن حجر.
وقال الزرقاني: "وقع في رواية لأحمد وأبي داود وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن الفهري أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يومئذ على فرس. قال الشامي: وهي شاذة، والصحيح أنه كان على بغلة".
ثم قال الزرقاني: "ويحتمل أنه عبر عنها بالفرس مجازا لشبهها به في الإقدام، بحيث كان العباس يكفها، ونزوله بعد انخفاضها به، وأخذه الحصى ورميهم به، فلا تنافي".
(انظر: ابن حجر: فتح الباري 6/75 و8/30، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/400-401، وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/150، والزرقاني شرح المواهب اللدنية 3/9- 10، 13- 14، والسهيلي: الروض الأنف 7/217).(24/15)
، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ويحك(1) ادع الناس"، فنادى زيد: يا أيها الناس! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص الأوس والخزرج، فنادى: يا معشر الأوس والخزرج! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص المهاجرين فإن لي في أعناقهم بيعة، قال: فحدثني بريدة أنه أقبل منهم ألف قد طرحوا الجفون حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمشوا قدما حتى فتح الله عليهم".
قال البزار: لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا رواه عن عبد الله إلا يوسف بن صهيب، وهو كوفي مشهور.
وقال الهيثمي وابن حجر: "رجاله ثقات"(2).
ونسبه ابن كثير ليونس بن بكير فقال: وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب، عن(3) عبد الله: أنه لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلا رجل واحد اسمه زيد(4).
ج- وعند أبي يعلى والطبراني من حديث أنس بن مالك: أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، وهذا سياقه عند أبي يعلى قال:
__________
(1) "ويحك" قال ابن الأثير: ويح كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف. (النهاية 5/235).
(2) الهيثمي: كشف الأستار2/347-348، ومجمع الزوائد6/181، وابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص250-251،رقم(816)،والمطالب العالية 4/250). وعلي المتقي الهندي: منتخب كنْز العمال 4/167 مع "مسند أحمد".
(3) وقع في البداية والنهاية: "بن" وهو خطأ، والصواب "عن" كما تقدم في أول هذا الحديث.
(4) البداية والنهاية 4/332).(24/16)
71- حدثنا محمد(1) بن أبي بكر، ثنا عمرو(2) بن عاصم، ثنا أبو العوام، عن معمر(3)، عن الزهري(4)، عن أنس قال: "لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث". الحديث(5).
قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران بن دوار(6) وهو أبو العوام، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره".
__________
(1) محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدّم - بوزن محمد - المقدّمي - بالتشديد - أبو عبد الله الثقفي، مولاهم البصري ثقة من العاشرة (ت 234) /خ م س. (التقريب2/148، وتهذيب التهذيب9/279،والمغني لابن طاهر الهندي ص74).
(2) عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي، القيسي أبو عثمان البصري، صدوق، في حفظه شيء، من صغار التاسعة (ت 213) /ع. (التقريب 2/72، وتهذيب التهذيب 8/58).
وفي هدي الساري ص431 قال: وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو داود: لا أنشط لحديثه.
ثم عقب ابن حجر بقوله: قد احتج به أبو داود في السنن والباقون.
(3) معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة (ت 1549 /ع. (التقريب 2/266، وتهذيب التهذيب 10/243).
(4) تقدمت ترجمة أنس والزهري في رقم (22) و(32).
(5) أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم (303). والهيثمي (مجمع البحرين 2/243 رقم (77)، ومجمع الزوائد 6/180- 181).
(6) قال عنه ابن حجر: همران بن دوار - بفتح الواو بعدها راء - أبو العوام القطان البصري، صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج، من السابعة (ت 160- 170) /خت عم. (التقريب 2/83، وتهذيب التهذيب8/130).(24/17)
قلت: يشهد له حديث العباس، فقد أخرج الحاكم من طريق ابن أبي عمر(1):
72- ثنا سفيان(2)، عن الزهري، عن كثير(3) بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه(4) قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكبها وأبو سفيان لا يألو أن يسرع نحو المشركين"(5) ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
د- وعند ابن ابي شيبة من مرسل الحكم(6) بن عتيبة قال:
73- لما فر الناس يوم حنين جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"أنا النبي لا كذب ... أنا بن عبد المطلب
__________
(1) هو: محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، نزيل مكة، صدوق صنف المسند، وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم: "كانت فيه غفلة"، من العاشرة (ت234) /م ت س ق. (التقريب 2/218، وتهذيب التهذيب 9/518).
(2) سفيان: هو ابن عيينة، تقدمت ترجمته في حديث (51).
(3) كثير بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير مات بالمدينة أيام عبد الملك. /خ م د س. (التقريب 2/132، وتهذيب التهذيب 7/420- 421).
(4) عباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم، مشهور، (ت 32) أو بعدها. /ع. (التقريب 1/397- 398، وتهذيب التهذيب 5/122).
(5) المستدرك 3/255).
(6) الحكم بن عتيبة - بفوقية ثم موحدة مصغرا - أبو محمد الكندي، الكوفي، ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة (ت 113) أو بعدها. /ع. (ابن حجر: التقريب 1/192).(24/18)
فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي،والعباس بين يديه،أبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان،وابن مسعود من الجانب الأيسر، قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل(1)" (2).
ه- وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق ما يدل على أنه بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة، وهذا سياقه: قال:
لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحدارا – قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدّوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: أين أيها(3) الناس؟ هلموا إليّ، أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله، قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر(4) من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر، وعمر.
__________
(1) قال الزرقاني: قوله "وليس يقبل نحوه أحد إلاّ قتل": أي بقتل الملائكة على المتبادر من أنه لم يبق إلاّ هؤلاء الأربعة، وبين ما انشغلوا به. وتقدم حديث عبد الرحمن فتلقانا عند صاحب البغلة رجال بيض الوجوه حسان. (شرح المواهب 3/15، 18، وانظر حديث (88).
(2) ابن حجر: (فتح الباري 8/29، والزرقاني: شرح المواهب 3/18).
(3) خطاب للصحابة.
(4) النفر: اسم جمع بقع على الجماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولا واحد له من لفظه. (ابن الأثير: النهاية 5/93).(24/19)
ومن أهل بيته: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث وابنه(1)، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد. الحديث(2).
والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي: الجميع من طريق ابن إسحاق، ولم يذكروا "ابن أبي سفيان:".
و- وعند أحمد والبزار والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود أن الذين ثبتوا يوم حنين كانوا ثمانين، وهذا سياقه عند أحمد قال:
74- ثنا عفان(3)
__________
(1) قال ابن هشام: اسم ابن أبي سفيان بن الحارث: "جعفر"، وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس، ولا يعد ابن أبي سفيان. (السيرة النبوية 2/443).
(2) تقدم تخريج الحديث برقم (58).
(3) عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، البصري، ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه، وربما وهم.
وقال ابن معين: "أنكرناه في صفر سنة (219)" ومات بعدها بيسير. من كبار العاشرة. /ع. (التقريب 2/25، وتهذيب التهذيب 7/230).(24/20)
، ثنا عبد الواحد(1) بن زياد، ثنا الحارث(2) بن حصيرة، ثنا القاسم(3) بن عبد الرحمن، عن أبيه(4) قال: قال عبد الله بن مسعود: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، قال: فولى(5)
__________
(1) عبد الواحد بن زياد، العبدي، مولاهم، البصري، ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده فيه مقال،من الثامنة(ت176) /ع.(التقريب1/526، وتهذيب التهذيب6/434).
(2) الحارث بن حصيرة - بفتح المهملة وكسر المهملة بعدها - الأزدي، أبو نعمان الكوفي، صدوق يخطئ، ورمي بالرفض، من السادسة، وله ذكر في مقدمة مسلم. /بخ س ص. (ابن حجر: التقريب 1/140، وتهذيب التهذيب 2/140). ووقع في البداية والنهاية لابن كثير4/332:"الحارث بن حصين" بالنون،وهو خطأ.
(3) القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، أبو عبد الرحمن الكوفي، القاضي، ثقة عابد، من الرابعة (ت 120) أو بعدها /خ عم. (ابن حجر: التقريب 2/118، وتهذيب التهذيب 8/321).
(4) هو عبدا لرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، الكوفي، ثقة من صغار الثانية (ت79) وقد سمع من أبيه، لكن شيئاً يسيراً. /ع. (المصدر السابق1/488،6/215).
وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية خطأ في الرمز حيث رمز له بـ ق، والصواب "ع" كما في: (تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال 2/573. والخلاصة للخزرجي 2/141).
(5) وعند الطبراني والحاكم: "فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار".
وعند البزار: "فتفرق الناس وبقيت في ثمانين".(24/21)
عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا(1) على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة(2)، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما فحادت(3) به فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله" الحديث(4).
والحديث رواه البزار والطبراني والحاكم: كلهم من طريق عفان ابن مسلم به(5).
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة(6).
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: الحارث وعبد الواحد ذوا مناكير، وهذا منها، ثم فيه إرسال".
والحديث أعله الذهبي بأنه من مناكير عبد الواحد(7) والحارث، وبالإرسال.
__________
(1) فنكصنا:النكوص:الرجوع على وراء وهو القهقرى.(ابن الأثير:النهاية5/116). وعند الطبراني: "فتنكصنا"، وعند الحاكم: "فكنا".
(2) السكينة: الوقار والتاني في الحركة والسير، وقيل: السكون والرحمة، وقيل غير ذلك. (ابن الأثير: النهاية 2/385- 386).
(3) حاد عن شيء والطريق يحيد إذا عدل، إراد أن البغلة نفرت وتركت الجادة. (ابن الأثير: النهاية 1/466).
(4) أحمد: (المسند 1/453، وابن كثير: البداية والنهاية 4/332 وقال: "تفرد به أحمد").
(5) البزار: كما في (كشف الأستار 2/382). و(الطبراني: المعجم الكبير 10/209، والحاكم: المستدرك 2/117. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44- 45. والسيوطي: الدر المنثور 3/224).
(6) مجمع الزوائد 6/180 وفي 10/403 قال: عن الحارث "وثق".
(7) وقع في حاشية المستدرك "عبد الله" وهو خطأ.(24/22)
وعبد الواحد الذي يقول فيه الذهبي إنه صاحب مناكير، قد وثقه أئمة هذا الشأن حيث نقل توثيقه عن يحيى بن معين، وأبي زرعة(1)، وأبي حاتم(2)، وابن سعد(3)، والنسائي، وأبي داود، والعجلي(4)، والدارقطني، وابن حبان.
وقال ابن عبد البر: "لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت".
وقال ابن القطان الفاسي(5): "ثقة لم يعتل عليه بقادح، ولكن أشار يحيى"(6) القطان إلى لينه، فروى ابن المديني عنه أنه قال: ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره بحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا.
قال ابن حجر: "وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب، وقد احتج به الجماعة"(7).
__________
(1) هو: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشرة (ت 264) /م ت س ق. (التقريب 1/536، وتهذيب التهذيب 7/30).
(2) هو: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي، أحد الحفاظ، من الحادية عشرة (ت 277)/د س.(التقريب2/143،وتهذيب التهذيب9/31).
(3) محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم،البصري، نزيل بغداد، كاتب الواقدي، صدوق فاضل، من العاشرة (ت 230) /د. (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/182).
(4) هو: الإمام الحافظ القدوة أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي، نزيل طرابلس المغرب، حدّث عنه ولده صالح بمصنفه في الجرح والتعديل، وهو كتاب مفيد يدل على سعة حفظه، كانوا يعدونه مثل أحمد ويحيى بن معين (182-261). (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/560- 561).
(5) هو: أبو الحسن علي بن محمد - تقدمت ترجمته في حديث (63).
(6) يحيى بن سعيد بن فرّوخ - بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة - التميمي، أبو سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ، إمام قدوة من كبار التاسعة (ت 198) /ع. (التقريب 2/348، وتهذيب التهذيب 11/216).
(7) ابن حجر: هدي الساري ص422، وتهذيب التهذيب 6/434، وابن ابي حاتم: الجرح والتعديل 6/20).(24/23)
قلت: والذهبي نفسه أورد قول يحيى بن القطان في "سير أعلام النبلاء" وعقب عليه بقوله: قلت:قد كان عبد الواحد من علماء الحديث، وحديثه مخرج في الصحاح(1).
وفي "تذكرة الحفاظ" قال عنه: عبد الواحد بن زياد الإمام الفقيه.. وثقه أحمد وغيره، وأما ابن حبان فقال: ليس بشيء، ثم عقب على هذا بقوله: قلت: كان عالما صاحب حديث وله أوهام ولكن حديثه محتج به في الكتب.اه(2).
قلت: وأكثر ما نقموا عليه حديثه عن الأعمش، وحديث الباب ليس من حديثه عن الأعمش.
فعلى هذا فقول الذهبي بأن عبد الواحد صاحب مناكير وأن هذا الحديث منها فيه نظر.
وأما الحارث فوثقه قوم وضعفه آخرون ورمي بالتشيع.
وحديث الباب ليس فيه ما يدعو على التشيع.
وقد توسط فيه ابن حجر فقال: "صدوق يخطئ ورمي بالرفض".
وأما الإرسال(3): فقد اختلف العلماء في سماع عبد الرحمن من أبيه، فمنهم من نفاه مطلقا، ومنهم من أثبته مطلقا، ومنهم من قال: سمع حديثا، ومنهم من قال: سمع حديثين، وقال ابن حجر: "سمع من أبيه لكن شيئا يسيراً".
__________
(1) سير أعلام النبلاء 9/8، وتذكرة الحفاظ 1/258).
(2) سير أعلام النبلاء 9/8، وتذكرة الحفاظ 1/258).
(3) المراد بالإرسال هنا: الانقطاع بين عبد الرحمن وأبيه، لأن المرسل يطلق على كل ما لم يتصل إسناده عند بعض علماء الحديث، وهو المشهور عند الفقهاء والأصوليين. (تدريب الراوي للسيوطي ص118).(24/24)
وذلك لأن عبد الرحمن عند وفاة أبيه كان عمره ست سنوات وهو وقت يمكن أن يسمع فيه بعض الأحاديث، ويصعب الجزم بأن حديث الباب من المسموع لأنهم لم ينصوا على ذلك، وإذا كان الحديث مرسلا فيكون ضعيفا لكن يشهد له حديث حارثة(1) بن النعمان وهو ما اورده ابن حجر في ترجمته فقال:
__________
(1) حارثة بن النعمان بن رافع أو نفيع بن زيد بن عبد بن ثعلبة الأنصاري، أبو عبد الله المدني، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ورأى جبريل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليهما وكان من الفضلاء، يقال توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وقد ورد عند أحمد بإسناد صحيح، وهو عند الطبراني أيضا أن حارثة سلم على جبريل ورد جبريل - عليه السلام ـ. (ابن حجر: الإصابة 1/298- 299. وأحمد: المسند: 5/433، والطبراني المعجم الكبير 3/257. وأبو نعيم: حلية الأولياء 1/356).(24/25)
75-وروى ابن شاهين(1) من طريق المسعودي(2)، عن الحكم(3)، عن القاسم(4)،: أن حارثة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي رجلا ولم يسلّم، فقال جبرائيل: "أما أنه لو سلم لرددنا عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرائيل: وهل تعرفه؟ فقال نعم، هذا من الثمانين الذين صبروا يوم حنين رزقهم ورزق أولادهم على الجنة"(5).
__________
(1) هو: الحافظ الإمام المفيد المكثر محدث العراق، أبو حفص: عمر بن أحمد بن عثمان ابن أحمد البغدادي، الواعظ المعروف بابن شاهين، صاحب التصانيف منها: التفسير الكبير ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء، والتاريخ مائة وخمسون جزءا وغيرها. (297-385هـ).(الذهبي:تذكرة الحفاظ 3/987- 989).
(2) هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، المسعودي صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط. من السابعة (ت 160 وقيل: 165) /خت عم. (ابن حجر: التقريب 1/487، وتهذيب التهذيب 6/2109.
(3) الحكم هو ابن عتيبة. ثقة ثبت، تقدم في حديث (73).
(4) القاسم: الظاهر أنه ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فإنه شيخ المسعودي، والحكم بن عتيبة شيخ المسعودي، وعلى هذا فيحتمل أن المسعودي تارة رواه عن الحكم بن عتيبة عن القاسم وتارة رواه عن القاسم مباشرة، غير أن الحكم بن عتيبة شيخه القاسم بن مخيمرة، وهو من الثالثة، والقاسم بن عبد الرحمن من الرابعة، وكلاهما ثقة وقد قال ابن المديني: القاسم بن عبد الرحمن لم يلق من الصحابة غير جابر بن سمرة.
وقال ابن معين: "القاسم بن مخيمرة لم يصح أنه سمع من أحد من الصحابة، وعلى هذا فإن الحديث منقطع سواء أكان القاسم هو ابن عبد الرحمن أو ابن مخيمرة". (المزي: تهذيب الكمال 4/400، 6/556، 559)
(5) ابن حجر:الإصابة1/299وعند الطبراني:"رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة".(24/26)
ورواه الحارث(1) من وجه آخر عن المسعودي، فقال: عن القاسم(2)، عن الحارث بن النعمان كذا قال.
ورواه الطبراني من طريق ابن أبي ليلى(3)، عن الحكم(4)، عن مقسم(5)، عن ابن عباس، فذكر نحوه(6).
قلت: الحديث المشار إليه عند الطبراني هذا سياقه:
__________
(1) الحارث:هو الحارث بن محمد بن أبي أسامة،داهر الإمام أبومحمد التميمي، البغدادي، صاحب المسند (186-282 هـ). (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/619-620).
(2) القاسم: هو ابن عبد الرحمن، وهو شيخ المسعودي، فيكون المسعودي تارة روى عنه مباشرة،وتارة عنه بواسطة(الحكم بن عتيبة).كما تقدم ص:178 تعليقة(6).
(3) هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي، أبو عبد الرحمن صدوق،سيء الحفظ جدا،من السابعة(ت248)عم.(ابن حجر:التقريب2/184، والتهذيب 9/301).
(4) الحكم هو: ابن عتيبة.
(5) مقسم - بكسر أوله - ابن بجرة - بضم الموحدة وسكون الجيم - ويقال: نجدة - بفتح النون وبدال - أبو القاسم، مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له: مولى ابن عباس، للزومه له، صدوق، وكان يرسل، من الرابعة (ت 101) وما له في البخاري سوى حديث واحد. /خ عم. (المصدر السابق 2/273، 10/288).
(6) ابن حجر: الإصابة 1/299.(24/27)
76- قال: حدثنا محمد(1) بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد(2) بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي(3)، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس قال: "مرّ حارثة بن النعمان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه جبريل - عليه السلام - ، يناجيه، فلن يسلم، فقال جبريل - عليه السلام - : "ما منعه أن يسلم، إنه لو سلم لرددت عليه، ثم قال: أما إنه من الثمانين"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما الثمانون؟". قال: يفر الناس عنك غير ثمانين يصبرون معك، رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة، فلنا رجع حارثة سلم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا سلمت حين مررت؟". قال: "رأيت معك إنسانا فكرهت أن أقطع حديثك، قال: :فرأيته؟" قال: نعم، قال: "ذاك جبريل - عليه السلام -، وقد قال: فأخبره بما قال جبريل - عليه السلام -"(4).
والحديث قال فيه الهيثمي: "رواه الطبراني والبزار بنحوه وإسناده حسن، رجالهم كلهم وثقوا وفي بعضهم خلاف"(5).
__________
(1) محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الحافظ الكبير - مطَيَّن، محدث الكوفة، كان من أوعية العلم، حدث عنه الطبراني وأبو بكر الإسماعيلي وغيرهم (202- 297هـ). (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/662).
(2) محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من العاشرة. / بخ ت. (ابن حجر: التقريب 2/197، وتهذيب التهذيب 9/381).
(3) عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مقبول، من الثامنة /ت ق. (المصدر السابق 2/84، 8/137 وقال: ذكره ابن حبان في الثقات).
(4) الطبراني: المعجم الكبير 3/257، والواقدي: المغازي 3/901.
(5) مجمع الزوائد 9/314.(24/28)
وعند البيهقي بطريق مرسل وفيه راو لم أجد ترجمته(1) عن حارثة بن النعمان: حزرت من بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقلت: مائة واحدة(2).
وعند الواقدي: ويقال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انكشف الناس، قال لحارثة بن النعمان: "يا حارثة كم ترى الذين ثبتوا؟ قال: فلما التفت ورائي تحرجا، فنظرت عن يميني وشمالي فحزرتهم مائة، فقلت يا رسول الله هم مائة! حتى كان يوم مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد، فقال جبريل - عليه السلام - : من هذا يا محمد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حارثة بن النعمان، فقال جبريل - عليه السلام - : هذا أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت - عليه السلام - ، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقفا معك(3).
ز- وعند الترمذي: من حديث ابن عمر أن الثابتين يوم حنين نحو المائة، وهذا نصه:
__________
(1) هو محمد بن عمرو بن خالد أبو علاثة.
(2) البيهقي: دلائل النبوة 3/45، وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف ص: 364- 365، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3/487- 488).
(3) الواقدي: المغازي 3/900- 901).(24/29)
حدثنا محمد(1) بن عمر بن علي المقدمي، حدثني أبي(2)، عن سفيان(3) بن حسين، عن عبيد الله(4) بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قالك "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل"(5).
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله، لا نعرفه ألا من هذا الوجه.
__________
(1) محمد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم - بوزن محمد - المقدمي - بالتشديد - البصري، صدوق من صغار العاشرة. /عم. (ابن حجر: التقريب 2/194، والتهذيب 9/361).
(2) هو: عمر بن علي بن عطاء بن مقدم، كان يدلس شديدا، من الثامنة (ت 190) وقيل: بعدها. /ع. (المصدر السابق 2/61، 7/485- 486).
(3) سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد، أو أبو الحسن الواسطي، ثقة، في غير الزهري باتفاقهم، من السابعة (ت بالري مع المهدي، وقيل: في أول خلافة الرشيد) /خت م عم. (المصدر السابق 1/310 و4/107- 108).
(4) عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، المدني، أبو عثمان، ثقة ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدمه ابن المعين في القاسم عن عائشة، على الزهري عن عروة عنها، من الخامسة (ت بضع وأربعين بعد المائة على الصحيح) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/537، والتهذيب 7/38).
(5) الترمذي: السنن 3/117 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال.
قال ابن حجر: وعند أبي نعيم: "تفصيل المائة: بضعة وثلاثون من المهاجرين، والبقية من الأنصار". (فتح الباري 8/29، الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، 18).
وكذا عند الواقدي: (المغازي 3/901).(24/30)
قال المباركفوري: قوله: "وإن الفئتين لموليتان"، كذا في النسخ الحاضرة، وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلا عن الترمذي وفيه: "وإن الناس لملون"(1) مكان "وإن الفئتين لموليتان"(2).
والحديث فيه عمر بن علي المقدمي وهو مدلس وقد عنعن.
وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلّسين، وهي المرتبة التي لا يحتج بشيء من حديث من أصحابها إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل(3).
والحديث حسنه الترمذي وابن حجر وجمع بينه وبين حديث ابن مسعود، وهذا نص كلامه قال: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولون، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل".
ثم قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين(4).
ثم قال: وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ثم ساق الحديث وقال في نهايته: "وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين". اه(5).
وعلى هذا الجمع يكون حديث ابن عمر مؤيدا لحديث ابن مسعود.
والخلاصة: أن الأحاديث اختلفت في عدد الثابتين يوم حنين كما تقدم إيضاح ذلك، وعلى إثر ذلك اختلفت أقوال العلماء تبعا لهذه الآثار وخلاصة ما ورد في الآثار:
__________
(1) في الفتح، وتحفة الأحوذي: "وإن الناس لمولين"، وعند الزرقاني في شرح المواهب 3/18: "وإن الناس لمولون"، ثم قال: جملة في موضع نصب مفعول رأى الثاني.
(2) تحفة الأحوذي 5/336).
(3) ص38.
(4) وقع في التعليق على جامع الأصول لابن الأثير 8/405 يوم "أحد" وهو خطأ.
(5) فتح الباري 8/29- 30، وانظر: شرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/18- 19).(24/31)
أ- أن الذين ثبتوا يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة(1). كما ورد في حديث الحكم بن عتيبة.
ب- وفي بعضها: عشرة، كما في حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق.
ج_ أو اثنا عشر(2).
د- أو كانوا ثمانين، كما في حديث ابن مسعود وحارثة بن النعمان.
ه- أو أنهم نحو مائة وهو الوارد في حديث عبد الله بن عمر، وهو قريب من الوارد في حديث عبد الله بن مسعود وحارثة بن النعمان.
و- أو كانوا مائة، ورد ذلك في حديث حارثة بن النعمان أيضا، عند الواقدي والبيهقي(3).
قال الزرقاني: وجمع شيخنا، بحمل الأربعة على من بقي معه آخذا بركابه، والاثنى عشر والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال عشرة أراد الأربعة وستة ممن أسرع، وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أقدامهم ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام. إه(4).
وذكر ابن حجر بعض هذه الأقوال ثم قال: ووقع في شعر العباس ابن عبد المطلب:
__________
(1) تقدم في حديث أنس بن مالك أن الصحابة أدبروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بقي وحده. وفي حديث بريدة بن الحصيب أنه بقي رجل يقال له: زيد. انظر الحديث (40 و70).
(2) قال الزرقاني: وبهذا قال النووي، وكأنه أخذه من قول ابن إسحاق الذي رواه عن جابر قال:ثبت معه:أبو بكر،وعمر،وعلي،والعباس،وابنه الفضل،وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد، فهؤلاء عشرة، وتقدم في مرسل الحكم ذكر ابن مسعود، والثاني عشر يمكن تفسيره بعثمان بن عفان، فقد روى البزار عن أنس أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ضرب كل منهم بضعة عشر ضربة. (شرح المواهب اللدنية 3/19، وانظر: حديث رقم (53).
(3) انظر: شرح المواهب اللدنية 3/19- 20، والسيرة الحلبية 3/65.
(4) شرح المواهب اللدنية 3/1920، والسيرة الحلبية 3/65).(24/32)
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من فر عنه فأقشعوا
وعاشرنا(1) وافي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع
ثم قال: ولعل هذا هو الثابت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم. اه(2).
قلت: لعل ما قاله ابن حجر هو الصواب، ويؤيده ما ورد عند ابن إسحاق من حديث العباس بن عبد المطلب بإسناد صحيح قال:
إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة(3) بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: "أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال العباس، اصرخ، يل معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، قال: فأجابوا لبيك(4) لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا". الحديث(5).
فهذا يدل على ان بعضهم عاد بسرعة إلى المعركة فكأنه لم ينهزم، وممن صرح باسمه لأنه ثبت يوم حنين غير من تقدم(6):
__________
(1) هو: أيمن بن عبيد، وافى الحمام أي قتل شهيدا في المعركة.
(2) ابن حجر: فتح الباري 8/29-30).
(3) الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه، وشجرتها بها: أي وضعتها في شجرها، أكفها بها والشجر: مفتح الفم، وقيل الذقن. (ابن الأثير: النهاية 1/420، 2/446).
(4) لبيك: هو من التلبية وهي إجابة المنادي، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: أي إجابة بعد إجابة. (المصدر السابق 4/222).
(5) ابن هشام: السيرة النبوية 2/444- 445.
(6) في الأحاديث الآنفة الذكر، وانظر: منتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد، والمستدرك للحاكم 3/274.(24/33)
قثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة – سماك بن خرشة الأنصاري – وأبو طلحة – زيد بن سهل الأنصاري – وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري.
ومن النساء:
أم سليم - والدة أنس بن مالك -، وأم عمارة - يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية، والدة عبد الله بن زيد -، وأم الحارث - جدة عمارة بن غزية الأنصارية-، وأم سليط - والدة سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة.
هؤلاء الذين نص على أسمائهم بأنهم ثبتوا يوم حنين، وهم مفرقون في الأحاديث، ومنهم من نص عليه في ترجمته(1).
وقد تحقق لدي من خلال هذه الروايات الكثيرة المتباينة في ظاهرها حول رصد الذين ثبتوا يوم حنين من المسلمين، أن أولى الأقوال بالقبول هو قول (ابن حجر) ولا تنافي بين العشرة المذكورين في شعر العباس، وبين القول أنهم كانوا اثني عشر لتقارب العدد في ذلك، ولا شك أن هول الموقف وشدة الأزمة أديا إلى هذا الاختلاف في النظر إلى عدد الذين صمدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لكن المقبول قوله في ذلك هو العباس لأنه أعلم من غيره، حيث كان أبرز الثابتين يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي طلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي في الناس، فكان قوله مقدما على غيره، ومن قال بأنهم ثمانون أو مائة يحمل على المسرعين في إجابة نداء العباس، وهذا ما أرجحه في هذه المسألة. والله أعلم.
__________
(1) الزرقاني: شرح المواهب 3/19.(24/34)
المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين:
كانت معركة حنين تجربة عسكرية خطيرة في معارك المسلمين، وكانت أيضا مدرسة تربوية عظيمة إذ ذاق فيها المسلمون مرارة الاندحار، ووطأة الفرار أمام زحف المشركين ونبالهم وعظيم تخطيطهم واشتداد هجمتهم عليهم في بداية المعركة هجمة رجل واحد، كما مضى بيان ذلك(1).
كما أذاقهم الله في هذه المعركة نفسها حلاوة النصر وبهجة الغلبة على أعدائهم، وتلك إحدى الحسنيين، وهذا من خصائص معركة حنين التي كانت المعركة الفاصلة الأخيرة بين المسلمين والمشركين في الجزيرة كما كانت بدرا المعركة الفاصلة الأولى بين الطائفتين.
وفي هذا المبحث نود أن نتلمس من خلال النصوص والمرويات عوامل انتصار المسلمين، ويمكن ان تكون على النحو التالي:
أ- ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ساحة المعركة يناشد ربه النصر والعون، ويعلن لأعداه من هوازن وغيرهم بأنه نبي حقا لا ينبغي له أن يَفِرّ مهما تكاثرت جموعهم، فكان يركض بغلته نحوهم وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب(2)
__________
(1) تقدم ذلك في "مبحث سبب هزيمة المسلمين" ص: (141).
(2) قوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"، فيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه يقول أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذبٍ فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر، حق فلا يجوز علي الفرار.
"وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله" فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: "أيكم ابن عبد المطلب" وقيل: لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة، وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أصحابه بأنه لابد من ظهوره وأن العاقبة له، لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. (ابن حجر: فتح الباري 8/31- 32، والنووي: شرح صحيح مسلم 4/406، والزرقاني: شرح المواهب 3/17، 20- 21 وزاد: وفي الروض قال الخطابي: إنما خص عبد المطلب بالذكر في هذا المقام تثبيتا لنبوته وإزالة للشك لما اشتهر وعرف من رؤيا عبد المطلب المبشرة به - صلى الله عليه وسلم -، ولما أنبأت به الأحبار والكهان فكأنه يقول: أنا ذاك فلا بد ممّا وعدت به لئلا ينهزموا عنه ويظنوا أنه مغلوب أو مقتول، فالله أعلم أراد ذلك رسوله أم لا. إهـ.
ثم قال الزرقاني: "فليس هذا من الافتخار بالآباء في شيء، وبفرض تسليمه فهو جائز في الحرب لإرهاب العدو". وانظر: الروض الأنف للسهيلي 7/206- 207، والمواهب للقسطلاني 1/163، وفيض القدير للمناوي 3/38.(25/1)
ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته واستنصر ودعا، فكان من دعائه وتضرعه ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث أنس بن مالك، وهذا سياقه:
78- حدثنا يزيد بن هارون(1)، أنا حميد، عن أنس قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"(2).
ورواه الخطيب البغدادي من طريق يزيد بن هارون، حدثنا سفيان(3) بن حسين، عن الزهري، عن أنس(4).
قال الزرقاني: "قوله: "إنك إن تشأ لاتعبد بعد اليوم"؛ لأنه أول يوم لقي فيه المشركين بعد الفتح الأعظم ومعه المشركون والمؤلفة قلوبهم، والعرب في البوادي كانت تنتظر بإسلامها قريشا فلو وقع - والعياذ بالله تعالى - خلاف ذلك لما عبد الله"(5).
وقال السفاريني: "في قوله: "إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، أي: لأن معظم المسلمين أو كلهم إلا القليل قد كان حاضرا، وأهل مكة يومئذ لم يستحكم الإيمان فيهم، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، بل كانوا ما بين مؤلف ومستأمن، ومظهر للإيمان على مضض منه وكره، والعرب أيضا معظمهم في ذلك اليوم حاضر، وقبائل الكفار قد تألبت واجتمعت اجتماعا لا مزيد عليه، فإذا لم ينصر الله دينه ويؤيد عبده ويعز جنده، ويكبت الكفار ويخذلهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، نجم النفاق، وظهر الكفر والشقاق، وتكلمت الألسن بما أكنت الضمائر من العداوة والبغضاء والجحود والشرك الذي لا يرضى"(6).
__________
(1) تقدمت تراجم رجال الإسناد في حديث (22) و(26).
(2) ابن أبي شيبة:التاريخ ص90ب،وأحمد:المسند3/121وهو من ثلاثيات الإمام أحمد.
(3) سفيان بن حسين بن حسن، ثقة في غيرالزهري باتفاقهم، تقدم في حديث (77).
(4) تاريخ بغداد 3/394).
(5) شرح المواهب اللدنية 3/11).
(6) السفاريني: شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286).(25/2)
والحديث أورده ابن كثير ثم قال: إسناده ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب(1) من هذا الوجه(2).
وقال السفلريني أيضا: "سنده على شرط الصحيحين"(3).
وقال الزرقاني: "رجاله رجال الصحيح"(4).
وجاء في هذا المعنى ما رواه أحمد والدارمي من حديث صهيب - رضي الله عنه - بإسناد صحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول وبك أقاتل"(5).
79- وعند موسى بن عقبة بن نافع: فرفع - صلى الله عليه وسلم - يديه وهو على البغلة يدعو: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا"(6).
وعند البخاري من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "سمعت البراء وسأله رجل: أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فأتوا قوما رماة، جمع هوازن وبني النصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته البيضاء، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب(7)
__________
(1) يريد بأصحاب الكتب:البخاري،ومسلما،وأبا داود،والترمذي،والنسائي،وابن ماجة.
(2) البداية والنهاية 4/328).
(3) شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/286).
(4) شرح المواهب اللدنية 3/11).
(5) تقدم هذا الحديث برقم (55).
(6) الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/11، وانظر: ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/97- 98).
(7) قوله: "أنا النبي لا كذب".
قال النووي: "قال الإمام ابو القاسم علي بن جعفر السعدي الصقلي المعروف "بابن القطاع" في كتابه "الشافي في علم القوافي": قد رأى قوم منهم الأخفش وهو شيخ الصناعة بعد الخليل: أن مشطور الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الله مولانا ولا مولى لكم"، وقوله عندما كان في غار فنكبت أصبعه: "هل أنتِ إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت"، وقوله:
"أنا النبي لاكذب
أنا ابن عبد المطلب"
وأشباه هذا.
ثم قال ابن القطاع: "وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه منها: أنه شعر القول وقصده، وأراده واهتدى إليه، وأتى به كلاما موزونا على طريقة العرب مقفى، فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لا يكون شعرا، ولا يكون قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء، وكذا لو قفاه وقصد به الشعر، ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا، وكذا لو أتى به موزونا ةمقفى، ولكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا. ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه، ولا يسمى شعرا، فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة، وهي القصد وغيره مما سبق. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا أراده فلا يعد شاعرا وإن كان موزونا".
وقد أجاب ابن حجر بأجوبة عن هذا، وارتضى أن ذلك خرج موزونا ولم يقصد به الشعر، قال: "وهذا أعدل الأجوبة". (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/405-406، 5/111، 113، وفتح الباري لابن حجر 7/394، 8/31، 10/538-542، والتفسير لابن كثير 3/578-580، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/164، وأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي 6/390.(25/3)
ثم صف أصحابه(1).
وهو عند أبي عوانة من طريق زهير أيضا دون قوله: "ثم صف أصحابه".
واقتصر ابن جارود على قوله: "فنزل فاستنصر ثم قال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
ثم صف أصحابه"(2).
وعند مسلم والبيهقي: (فأقبلوا هناك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
ثم صفهم".
وعند مسلم والبيهقي أيضا وابن ابي شيبة وأبي عوانة: الجميع من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر، إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزل نصرك.
قال البراء: كنا والله إذا احمر(3) البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - (4).
وعند البخاري ومسلم من طريق شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء بن عازب - رضي الله عنهما - : أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟
__________
(1) تقدم الحديث رقم (59).
(2) المنتقى ص: 356).
(3) قال النووي: احمرار البأس كناية عن شدة الحرب،واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة، أو لاستعار الحرب واشتعالها كاحمرار الجمر، كما في رواية "حمي الوطيس". ( شرح النووي على صحيح مسلم 4/407).
(4) تقدم تخريج الحديث برقم (59).(25/4)
قال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا(1)، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وأن ابا سفيان آخذ(2)
__________
(1) هذا حديث صريح في أن المسلمين لم يفروا بمجرد التلاقي، بل قاتلوا المشركين حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بالغنائم، فانهال العدو عليهم بالسهام، وهو يدفع ما يوهمه حديث جابر وغيره من أن المسلمين فروا بمجرد ملاقاة الكفار لهم،وقد تقدم حديث جابر برقم(58). (انظر: الزرقاني:شرح المواهب 3/11).
(2) قوله: "وأن أبا سفيان آخذ بلجامها" هكذا ورد من حديث البراء أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورد ذلك عند البخاري،ومسلم، والترمذي، والطيالسي، وابن سعد، وأحمد، والروياني، والطبري، وأبي عوانة، والبيهقي.
وورد في حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وابن إسحاق وعبد الرزاق وابن سعد وأحمد وأبي يعلى والطبري وأبي عوانة: "أن الذي كان آخذا بلجام البغلة هو العباس، وكان أبو سفيان آخذا بركاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ: "كان آخذا بغرز النبي صلى الله عليه وسلم" "والغرز هو الركاب".
وقد أجاب ابن حجر: "أن أبا سفيان كان آخذاً أوّلاً بزمامها، فلما ركضها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشركين خشي العباس فأخذ بلجام البغلة يكفها، وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالا له لأنه عمه". (فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/11).
ووقع في منتخب كنز العمال 4/166: عن ابن إسحاق قال: قال رجل للبراء: هل كنتم وليتم يوم حنين؟...الخ، وفي آخره: "وأبو سفيان بن حرب" يقود البغلة، أي بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقوله: "ابن إسحاق" وقوله "أبو سفيان بن حرب يقود بغلته" خطأ، والصواب: "و إسحاق السبيعي، وأبو سفيان بن الحارث".
وعند البزار، وابن أبي شيبة من حديث بريدة بن حصيب قال: تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق معه إلا رجل يقال له زيد، وهو آخذ بعنان بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء - وعند ابن أبي شيبة - أهداها له النجاشي.
ولم ينعرض ابن حجر لهذه الرواية من حيث الجمع، ويمكن أن يقال لعل زيداً أيضا كان ممن أخذ بعنان البغلة. (كشف الأستار 2/347- 348، وتاريخ ابن أبي شيبة ص91أ، والهيثمي: مجمع الزوائد 6/181 وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وعلي المتقي الهندي: كنز العمال 10/352، ومنتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد. وانظر ص: 171.(25/5)
بلجامها والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
والحديث أخرجه أيضاً أحمد، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى، والروياني،والطبري،وأبو عوانة:الجميع من طريق شعبة،عن أبي إسحاق(1).
ورواه أبو داود الطيالسي، وأبو عوانة، والبيهقي: كلهم من طريق شعبة وعمرو بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق(2).
وفي لفظ عند البخاري من طريق شعبة عن أبي إسحاق: قيل للبراء وأنا أسمع: أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا، كانوا رماة، فقال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وفي لفظ عند البخاري أيضا من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟.
فقال: "لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لاكذب".
قال إسرائيل وزهير: "نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته"(3).
والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأحمد، والروياني، والطبري: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق(4).
__________
(1) أبو يعلى: المسند 2/189 رقم (302)، والروياني: مسند الصحابة 1/112 رقم (575)، وتقدم تخريج الحديث برقم (59).
(2) أبو داود الطيالسي:كما في منحة المعبود2/108، والبيهقي: دلائل النبوة3/43أ.
(3) تقدم تخريج الحديث برقم (59).
(4) مسلم: الصحيح3/1401 كتاب الجهاد والسير،وأحمد:المسند4/281، والروياني: مسند الصحابة1/78أ-ب رقم(575)، والطبري:جامع البيان10/102.(25/6)
وفي لفظ عند البخاري، وابن سعد، والطبري، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء فقال: يا أبا عمارة، أوليتم يوم حنين؟ قال البراء - وأنا أسمع -:أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه(1) المشركون نزل فجعل يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
قال: "فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه"(2).
وعند ابن أبي شيبة والروياني: "من طريق شريك - هو ابن عبد الله النخعي - عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لا والله ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين دبره"، قال: والعباس وسفيان آخذان بلجام بغلته وهو يقول
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
لفظ ابن أبي شيبة.
ولفظ الروياني: "ولقد كان العباس آخذا بلجام بغلته وأبو سفيان عن يساره فقال: من أنت؟ قال: ابن أمك(3) يا رسول الله، قال: وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب(4)
__________
(1) غشيه المشركون: أي ازدحموا عليه، قال العلماء: وفي نزوله عن البغلة حين غشوه مبالغة في الشجاعة والثبات والصبر، وقيل: فعله مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين. (الزرقاني: شرح المواهب 3/14).
(2) البخاري: الصحيح 4/53 كتاب الجهاد، باب من قال: خذها وأنا ابن فلان. وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/51، والطبري: جامع البيان 10/103، وتقدم الحديث برقم (59).
(3) قوله: ابن أمك: إنما هوابن عمك، لكنه أراد أن يتقرب إليه، لأن الأم التي هي الجدة تجمعهما في النسب. (التعليق على سيرة ابن هشام 2/446).
(4) ابن أبي شيبة: التاريخ ص90أ، والروياني: مسند الصحابة 1/67 رقم (575).
وعند ابن إسحاق والطبري: من حديث جابر بن عبد الله: والتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سفيان بن الحارث، وكان مّمن صبر فقال: من هذا؟ قال: أنا ابن أمك يا رسول الله (سيرة ابن هشام2/446، وتاريخ الرسل والملوك 3/76).(25/7)
وفي لفظ عند ابن أبي عوانة من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب - ويسأل - : يا أبا عمارة: أولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي لم يول ولكن ولى سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل، وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، والنبي - صلى الله عليه - وسلم يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب(1)
والحديث عند البخاري وابن سعد والبيهقي كلهم من طريق سفيان به بنحوه(2)
__________
(1) أبو عوانة: المسند 4/208 وتقدم الحديث برقم (59).
(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/24- 25 وتقدم الحديث برقم (59).
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي عاصم والطبراني والبيهقي كلهم من حديث سيابة - بالسين المهملة المكسورة والمثناة التحتية الخفيفة وبعد الألف الموحدة - ابن عاصم السلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "أنا ابن العواتك من سليم". انظر ابن أبي عاصم: كتاب الجهاد ص60أ رقم (535) ضمن مجموعة (27). والطبراني:المعجم الكبير7/201. والبيهقي:دلائل النبوة 3/43ب. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد8/218-219،وقال:رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. والحديث صححه السيوطي كما في فيض القدير للمناوي 3/38.
وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الجامع الصغير 2/13 حديث (1459). والحديث فيه هشيم بن بشير.
قال ابن حجر في الإصابة 2/102: "اختلف عليه فيه".
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 4/328 إلا أنه وقع عنده "شبابة عن ابن عاصم السلمي" بالشين المعجمة بعدها موحدة وهو خطأ. والصواب: سيابة بن عاصم.
والعواتك ثلاث جدات من سليم كل تسمى عاتكة وهن عاتكة بنت هلال بن فالج ابن ذكوان وهي أم عبد مناف، والثانية: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال وهي أم وهب أبي آمنة أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (انظر ابن الأثير: النهاية 3/179-180. والمناوي: فيض القدير 3/38).(25/8)
.وعند أبي عوانة أيضا من طريق عمرو بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء قال: ما كان معنا يوم كذا وكذا - ذكر يوما من أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارس إلا المقداد(1) بن الأسود - رضي الله عنه - فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل يمازحه(2): فررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فقال البراء: "إني أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فر يومئذ، كان والله إذا اشتد القتال واحمر البأس، اتقينا به"(3).
وعند أبي داود: "لما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم حنين فانكشفوا(4) نزل عن بغلته فترجل"(5).
وحديث البراء بجميع طرقه، يدور على أبي إسحاق السبيعي.
قال ابن حجر: "اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله:
"أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب"
__________
(1) المقداد بن عمرو بن ثغلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي، ثم الزهري، حالف أبوه كندة، وتبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فنسب إليه،، صحابي مشهور من السابقين، لم يثبت أنه كان ببدر فارسا غيره، (ت 33) وهو ابن سبعين سنة. /ع. (التقريب 2/272).
(2) الضمير: للبراء.
(3) أبو عوانة: المسند 4/209.
(4) فانكشفوا: يعني المسلمين، والمراد: انهزموا.
(5) أبو داود: السنن 2/46 كتاب الجهاد، باب في الرجل يترجل عند اللقاء، ومعنى ترجل: مشى على رجليه، وفي كتب اللغة: ترجل: نزل عن ركوبته ومشى. (عون المعبود 7/320. والقاموس 2/381- 382).(25/9)
إلاّ رواية زهير(1) بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم: في حديث البراء من رواية زكريا(2) عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ." اه(3).
فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه وكذا حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من الصحابة تدل دلالة واضحة على شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتناهية، ولقد نفى البراء بن عازب نفيل قاطعا كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّ أو خطر بباله الفرار، فقال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به".
وفي حديث العباس عند مسلم وغيره... قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار.
وقد أوضح ابن حجر سبب نفي البراء الفرار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإثباته لبعض الصحابة.
فقال: قول السائل: "يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين".
وفي رواية: "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين" وفي رواية: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ - " وكلها بمعنى.
وقوله: "أما انا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول"(4).
__________
(1) وزهير بن معاوية تلميذ لأبي إسحاق انظر: من هذا الكتاب ص145 تعليقة (4).
(2) زكريا: هو ابن أبي زائدة أبو يحيى الكوفي الهمداني الوادعي.
(3) ابن حجر: فتح الباري 8/31).
(4) تقدم الحديث برقم (59).(25/10)
تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويمكن الجمع بين هذه الرواية، ورواية "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بحمل المعية ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم - .
ثم قال: قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: "فررتم كلكم"، فيدخل فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح ان فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام.
ثم قال ابن حجر: "وكأنه يستحضر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا، ويحتمل أن البراء فهم من السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع(1)، الذي خرجه مسلم بلفظ "مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً"، فلذلك حلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم لم يول.
ودل ذلك على أن "منهزماً"حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى "ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته، فقال لقد رأى ابن الأكوع فزعا".
ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}، [سورة التوبة، من الآية: 25]، فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. اه(2).
__________
(1) سيأتي برقم (82).
(2) ابن حجر:فتح الباري8/28-29، والنووي شرح صحيح مسلم 4/404).(25/11)
وقال النووي حول حديث سلمة بن الأكوع: "قال العلماء: قوله (منهزماً) حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، ولم ينقل أحد أنه انهزم - صلى الله عليه وسلم - في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العباس وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته يكفانها عن إسراع التقدم نحو العدو". اه(1).
ونقل الزرقاني: "نحو قول النووي ثم قال: وقوله "قالت الصحابة كلهم أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، فلا يجوز أن ينقل عن سلمة ما يخالفهم بمجرد لفظ محتمل دفعته الرواية الأخرى عنه، فهذا من جملة ما استند إليه العلماء في أنه (حال من ابن الأكوع)". اه(2).
وقد عقد القاضي عياض فصلا في شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجدته فقال: "وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان - صلى الله عليه وسلم - منهما بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة(3) والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الصحابة كانوا إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". اه(4).
__________
(1) النووي: شرح صحيبح مسلم 4/408، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/163).
(2) الزرقاني: شرح المواهب 3/17).
(3) الكماة: جمع كمي وهو الشجاع المتكمي في سلاحه، أي المتغطي المتستر بالدرع والبيضة. (مختار الصحاح ص579).
(4) القاضي عياض: الشفاء 1/114- 118).(25/12)
قال ابن الحجر: "وفي حديث البراء بن العازب من الفوائد: حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه: جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وفيه: جواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - متيقناً بالنصر لوعد الله تعالى بذلك وهو حق لأن أبا سفيان بن الحارث - وقد ثبت معه - آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي - صلى الله عليه وسلم –".
وقد استشهد في تلك الحال أيمن بن أم أيمن، وفيه: ركوب البغلة إشارة إلى كزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. اه(1).
وقال النووي: "قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة في مواطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به، وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا وإلا فقد كانت له أفراس معروفة، ومما ذكره في الحديث - يعني حديث العباس - من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فر الناس عنه، وفي الرواية الأخرى - يعني حديث سلمة بن الأكوع - أنه نزل إلى الأرض حين غشوه، وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر، وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين وقد أخبرت الصحابة - رضي الله عنهم - بشجاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المواطن".
__________
(1) فتح الباري: 8/32، والزرقاني: شرح المواهب 3/17).(25/13)
وفي صحيح مسلم - يعني حديث البراء - قال: "إن الشجاع منا للذي يحاذي به، وأنهم كانوا يتقون به". اه(1).
وقال القسطلاني: "وقد ركب عليه الصلاة والسلام البغلة في هذا المحل الذي هو موضع الحرب والطعن والضرب تحقيقا لنبوته لما كان الله تعالى خصه به من مزيد الشجاعة وتمام القوة، وإلا فالبغال عادة من مراكب الطمأنينة ولا تصلح لمواطن الحرب في العادة إلا الخيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن الحرب عنده كالسلم قوة قلب وشجاعة نفس وثقة وتوكلا على الله تعالى". اه(2).
ومما سبق من الروايات التي ذكرناها يتجلى لنا عاملان هامان من عوامل النصر وهما الثبات في المعركة حين لقاء العدو وذكر الله عز وجل بحضور قلب وإلحاح في الدعاء، وقد ذكر الله في هذين العاملين في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة لأنفال، الآية :45].
ولا ينتصر المسلمون على عدوهم إلا إذا حققوا في أنفسهم التحلي بهذين العاملين وغيرهما من عوامل النصر التي ذكرها الله مادية ومعنوية.
ب- رجوع المسلمين إلى المعركة:
لقد عاد المسلمون إلى المعركة مسرعين حين رأوا ثبات نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وحين سمعوا النداء بالرجوع كما تبينه الرواية الآتية:
__________
(1) النووي: شرح صحيح مسلم 4/401- 402).
(2) المواهب اللدنية 1/163 وانظر ابن كثير: التفسير 2/345).(25/14)
80- فعند مسلم وغيره من حديث كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة(1)
__________
(1) فروة بن نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء ثم ثاء مثله - اختلف في اسم أبيه، فقيل: فروة بن نفاثة، وقيل: ابن نباتة، وقيل: ابن عامر، أو ابن عمرو، قال ابن حجر: "وهو أشهر، أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعث إليه بإسلامه، ولم ينقل انه اجتمع به، وسمي أبو عمر: جده النافرة" قال ابن إسحاق: "وبعث فروة ابن عمرو ابن النافرة النفاثي الجذامي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حوله من أرض الشام، فبلغ الروم إسلامه فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه فقال في ذلك أبياتا منها قوله:
أبلغ سراة المسلمين بأنني
سلم لربي أعظمي وبناني"
وأخرج ابن شاهين وابن مندة قصته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس بسند ضعيف إلى الزهري. (الإصابة 3/213، وسيرة ابن هشام 2/591).
وقال النووي: "فروة بن نفاثة وفي الرواية التي بعدها رواية إسحاق بن إبراهيم قال: (فروة بن نعامة) بالعين والميم، والصحيح المعروف الأول (نفاثة). قال القاضي عياض: واختلفوا في إسلامه فقال الطبري: أسلم وعمّر عمرا طويلا، وقال غيرهم: لم يسلم، وفي صحيح البخاري أن الذي أهدى له بغلة هو ملك أيلة، واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق (يحنة بن رؤبة)". (شرح صحيح مسلم 4/401، وأبو عوانة: المسند 4/403. وابن عبد البر الاستيعاب 3/199 مع الإصابة. وابن الأثير: أسد الغابة 4/356- 357. وابن هشام: السيرة النبوية 2/525 و591. وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/262- 281).(25/15)
بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض(1) بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أي عباس ناد أصحاب السمرة"(2) فقال عباس: - وكان رجلا صيتا(3)- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله! لكأن(4)
__________
(1) يركض بغلته: أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/401).
(2) قوله: "ناد أصحاب السمرة"، هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. (النووي: شرح صحيح مسلم 4/402).
(3) رجلاً صيتاً: أي قوي الصوت. قال النووي: ذكر الحازمي في المؤتلف أن العباس - رضي الله عنه - كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليلة وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال. (المصدر السابق 4/402).
(4) قوله:" لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها: أي عودهم إلى أماكنهم وإقبالهم إليه - صلى الله عليه وسلم - عطفة البقرة على أولادها، أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمهات حين حنت على أولادها".
قال النووي: "قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتح عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة للانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم أخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله السكينة على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن". (المصدر السابق 4/402).
قلت: "وفي هذا رد على من يقول بأن منهزميهم وصلوا مكة وهو الواقدي" (انظر مغازيه 3/903).(25/16)
عطفتهم، حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار(1)، والدعوة(2) في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هذا حين حمي الوطيس"(3)
__________
(1) هكذا هو في النسخ وهو ينصب الكفار أي مع الكفار. (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403).
(2) والدعوة في الأنصار: هي بفتح الدال يعني الاستغاثة والمناداة إليهم.
(3) الوطيس: بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة. قال النووي: قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره، قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه.
وقال الأصمعي: "هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها فيقال: الآن حمي الوطيس، وقيل هو الضرب في الحرب، وقيل: هي الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم، قالوا: هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -". (شرح صحيح مسلم 4/403. والروض الأنف للسهيلي 7/199- 200).(25/17)
، الحديث(1).
وعند ابن إسحاق والطبري: قال العباس: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال: يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا معشر أهل السمرة فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه(2)، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار، ثم خلصت أخيرا: يا للخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال: "الآن حمي الوطيس".
__________
(1) مسلم: الصحيح 3/1398- 1400 كتاب الجهاد والسير، وتمام الحديث: قال: ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد"، قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيأته فيما أرى، قال: فوالله! ماهو إلا أن رماهم بحصيات، فما زلت أرى أحدهم كليلا وأمرهم مدبرا". (سيرة ابن هشام2/444-445.والطبري:تاريخ الرسل والملوك 3/75. وعبد الرزاق: المصنف5/3801-381.وابن سعد:الطبقات الكبرى4/18.وأحمد:المسند 1/207. وأبو يعلى:المسند6/604ب رقم 306. وأبو عوانة:المسند4/198 و201 و203. وعلي المتقي الهندي:منتخب كنز العمال4/169، وكنز العمال10/355- 356).
(2) الترس: بضم أوله يصنع من جلود يضعه المقاتل في يده يتقي به النبال وغيرها.(25/18)
وعند ابن سعد والطبري عن العباس قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بفرز النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يألو ما أسرع نحو المشركين قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس ناد يا أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلا صيتا فناديت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار مرتين، ثم قصرت الدعوى في بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث(1).
وعند الحميدي: عن عباس قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته التي أهداها له الجذامي فلما ولى المسلمون، قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عباس ناد، قلت يا أصحاب سورة البقرة(2)
__________
(1) ابن سعد:الطبقات الكبرى2/155واللفظ له.والطبري: جامع البيان10/101- 102).
(2) قوله: (يا أصحاب سورة البقرة).
قال الزرقاني: "خصت هذه السورة بالذكر حين الفرار لتضمنها {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة، من الآية: 249]، أو لتضمنها {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}، [سورة البقرة، من الآية: 40]، أو {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [سورة البقرة، من الآية: 207].
ثم قال: "وليس النداء بهذه السورة اجتهاد من العباس، بل بأمره - صلى الله عليه وسلم - ففي مسلم وغيره، قال العباس: فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا عباس ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة". (شرح المواهب اللدنية 3/12).
قلت: "ليس في مسلم لفظة: أصحاب سورة البقرة، وإنما فيه "أصحاب السمرة" فقط وقد تتبعت حديث العباس في صحيح مسلم فلم أجد هذه اللفظة، وقد ورد الأمر للعباس بأن ينادي بـ يا أصحاب سورة البقرة"، عند أحمد في مسنده 1/207 عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري مرة أو مرتين فلم أحفظه عن كثير بن عباس قال كان عباس وأبو عباس معه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فخطبهم وقال: "الآن حمي الوطيس" وقال: "ناد يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح.
وعند أبي عوانة في مسنده4/204-206 من طريق سفيان بن عيينة ولفظه: يا عباس ناد في الناس: "يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة! قال سفيان بن عيينة: يذكرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة والشجرة سمرة بايعوه تحتها على أن لا يفروا".
وعند الفسوي في المعرفة والتاريخ 2/732 من طريق سفيان بن عيينة أيضا ولفظه: "يا عباس ناد يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة" وإسناده صحيح.
وجاء عند أبي يعلى والطبراني في الأوسط من طريق الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر العباس أن ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره". (مجمع الزوائد 6/180-181. وانظر مجمع البحرين 2/243 رقم (77) ومسند أبي يعلى 3/338ب رقم (303) والمطالب العالية 4/251).(25/19)
، وكنت رجلا صيتا فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفة كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن خزرج، يا بني الخزرج، قال: وتطاول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث(1).
والحديث رواه الفسوي من طريق الحميدي(2).
ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(3). وتعقبه الذهبي بقوله: قلت أخرجه مسلم(4).
81- ونعد الحاكم من حديث جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين الأنصار فقال: "معشر الأنصار فأجابوه: لبيك، بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، قال: أقبلوا بوجوههم إلى الله وإلى رسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، فأقبلوا ولهم حنين(5) حتى أحدقوا(6) به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين"(7).
ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
__________
(1) الحميدي: المسند 1/218- 219).
(2) المعرفة والتاريخ 2/732- 733).
(3) المستدرك 3/327- 328).
(4) تلخيص الذهبي على المستدرك 3/328 وانظر الحديث رقم (80).
(5) أصل الحنين: هو ترجيع الناقة صوتها لولدها. (ابن الأثير: النهاية 1/452ن وابن حجر: هدي الساري ص109).
(6) أحدقوا به: أي طافوا به.
والكبكبة: بالضم والفتح: هي الجماعة المتضامة من الناس وغيرهم والدفعة في القتال والجري والحملة في الحرب والزحام، وأكب عليه أقبل ولزم.
وتحاك بتشديد الكاف: أي اصطكت مناكبهم فحك كل منكب الآخر.
(ابن الأثير:النهاية1/345، 418و4/144.والفيروزآبادي:القاموس المحيط 1/121، 3/219، 299).
(7) المستدرك: 3/48).(25/20)
وأخرج الحاكم أيضا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة واشتد القتال فولوا مدبرين،فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر المسلمين أنا رسول الله.
فقالوا: "إليك والله جئنا فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم"(1).
ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي".
وفي حديث أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده، "فنادى(2) يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون" الحديث(3).
ج- المعجزة النبوية التي حصلت في هذه المعركة وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى اجتلاد المسلمين واشتباكهم مع المشركين فقال "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار فامتلأت أعينهم ترابا من تلك الرمية فهزمهم الله عز وجل.
توضح ذلك الأحاديث الآتية:
__________
(1) تقدم تخريج الحديث برقم (59).
(2) قال الحلبي: يجوز أن يكون هذا النداء بعد نداء العباس وقربهم منه - صلى الله عليه وسلم -. (للسيرة الحلبية 3/66).
قلت: وتقدم في حديث (70) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر زيدا أن ينادي في الناس وفيه أيضا أن زيدا كان آخذا بعنان بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمشهور من الأحاديث الكثيرة الصحيحة أن المأمور بالنداء هو العباس بن عبد المطلب، ولا يبعد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم - أمر كل واحد منهما بالنداء لأن كل واحد منهما كان قريبا منه آخذا بناحية من نواحي البغلة.
(3) تقدم برقم (40).(25/21)
فعند مسلم وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - ، قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار" الحديث وفيه:
فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالنتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: "هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ(1)
__________
(1) وعند ابن سعد: "ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم بها".
وعند الطبري: "ثم أخذ بيده من الحصيات فرماهم بها".
والحصى والحصيات صغار الحجارة الواحدة حصاة. (ابن الأثير: النهاية 1/393، والفيروز آبادي: القاموس 4/318).(25/22)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا(1) ورب محمد" قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم(2) كليلا وأمرهم مدبرا"(3).
ثم قال مسلم: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: "فروة بن نعامة الجذامي، وقال: "انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة"(4).
وزاد في الحديث حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يركض خلفهم على بغلته.
__________
(1) انهزموا: بلفظ الخبر، قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما فعلية، والأخرى خبرية، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بهزيمتهم، ورماهم بالحصيات، فولوا مدبرين، وذكر مسلم في الرواية الأخرى (يعني حديث سلمة بن الأكوع) أنه - صلى الله عليه وسلم - قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل لها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة، وهذا أيضا فيه معجزتان خبرية وفعلية ثم قال: ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب، فرمى بذا مرة ، وبذا مرة، ويحتمل أنه اخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب. (شرح صحيح مسلم 4/403، وابن حجر: فتح الباري 8/32. وانظر ص205 تعليقة (1).
(2) قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلا "هو بفتح الحاء المهملة أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة". (شرح النووي على صحيح مسلم 4/403).
(3) تقدم برقم (80).
(4) تقدم برقم (80).(25/23)
82- وعند مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فولى صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد رأى ابن الأكوع فزعا فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: "شاهت(1) الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين(2).
83- وعند ابي يعلى والطبراني: من حديث أنس بن مالك بإسناد حسن قال: لما كان يوم حنين: انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبا سفيان بن الحارث وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي يا أصحاب سورة البقرة يا معشر الأنصار ثم استحر النداء في بني الحارث بن خزرج فلما سمعوا النداء أقبلوا فوالله ما شبهتهم إلا بالإبل تجري إلى أولادها، ولما التقوا التحم القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس" وأخذ كفا من حصى فرمى به، وقال: "هزموا ورب الكعبة وكان علي بن ابي طالب من أشد الناس قتالا يومئذ"(3).
__________
(1) شاهت الوجوه: قبحت. (المصباح المنير 1/389. الروض الأنف 7/2179.
(2) مسلم: الصحيح 3/1402 كتاب الزكاة. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44أ- ب).
(3) أبو يعلى: (المسند 3/338ب رقم303. والطبراني: كما في مجمع البحرين 2/243 رقم77).(25/24)
والحديث أورده الهيثمي(1) في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره.
84- وأخرج الطبراني عن أنس قال: لنا انهزم المسلمون يوم حنين مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته الشهباء - وكان اسمها دلدل - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلدل اشتدي(2) فألزقت بطنها بالأرض حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: "حم لا ينصرون"(3) فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح ولا ضربنا بسيف(4).
لم يروه عن ثابت(5) إلا عمارة، تفرد به مؤمل.
__________
(1) مجمع الزوائد 6/180- 181).
(2) كذا في الأصل "اشتدي" وفي مجمع الزوائد (اسدي) بالسين المهملة والشدة القوة، واشتداد الشيء قوته وصلابته، والشد: العدو، واشتد عدا. (ابن الأثير: النهاية 2/451. والفيروز آبادي: القاموس 1/305).
وسدى تسدية وسدا بيده مدها، وأسدت الناقة: اتسع خطوها. (الفيروز آبادي: القاموس 1/341).
(3) قوله: (حم لا ينصرون) في النهاية لابن الأثير 1/446: معناه اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر، لا الدعاء، لأنه لو كان دعاء لكان مجزوما، فيقول: (حم لا ينصروا) فكأنه قال: "والله لا ينصرون". إهـ..
وفي سنن أبي داود 2/31 كتاب الجهاد، باب في الرجل ينادي بالشعار، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن بُيتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون".
قال صاحب عون المعبود 7/258: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "حم من أسماء الله". فكأنه حلف بالله إنهم لاينصرون.
(4) مجمع البحرين 2/244 رقم 77).
(5) ثابت هو البناني، ثقة عابد، وعمارة: هو ابن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري، صدوق كثير الخطأ.ومؤمل-بوزن محمد-هو ابن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ. (ابن حجر: التقريب 1/115 و2/49، 290).(25/25)
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه: أحمد(1) بن محمد بن القاسم وهو ضعيف(2).
قلت: "والجزء الأخير من الحديث وهو قوله: فانهزم القوم الخ ثابت معناه عند ابن حبان والحاكم من حديث أنس أيضا" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي(3).
58- وأخرج الطبراني أيضا عن يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم، قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعتهم الكفار فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصبة من الأرض فرمى بها وجوههم وقال: "ارجعوا شاهت الوجوه" فما منا من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكوا القذى أو يمسح عينيه(4).
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
86- وقال البزار: حدثنا إسماعيل(5) بن سيف القطعي، ثنا يونس(6)
__________
(1) هو ابن أبي بزة مؤذن المسجد الحرام، قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال: نعم، ولست أحدث عنه فإنه روى عن عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا منكرا. (الجرح والتعديل2/71).
(2) مجمع الزوائد 6/183).
(3) ابن حبان: كما في موارد الضمآن ص417، والحاكم: المستدرك 2/130.
(4) مجمع الزوائد 6/182- 183).
(5) بصري كانوا يضعفونه، وقال ابن عدي: كان القطعي يسرق الحديث روى عن الثقات أحاديث غير محفوظة. (الذهبي: ميزان الاعتدال 1/233).
(6) يونس بن أرقم لينه عبد الرحمن بن حراش. (المصدر السابق 4/477).
ونقل ابن حجر قول الذهبي هذا وزاد: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يتشيع. (لسان الميزان 6/331).(25/26)
ابن أرقم ثنا الأعمش(1)، عن سماك(2) بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب ناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب(3) فرمى به وجوه المشركين يوم حنين(4).
قال البرزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه البزار عن إسماعيل بن سيف وهو ضعيف"(5).
__________
(1) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمدالكوفي،ثقة حافظ عارف بالقراءة، ورع لكنه يدلس،من الخامسة(ت147أ,148) /ع. (ابن حجر: التقريب331).
(2) هو ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره، فكان ربما يلقن، من الرابعة (ت123) /خت م عم. (المصدر السابق 1/332).
(3) قال ابن حجر: ولمسلم من حديث العباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، وله من حديث سلمة بن الأكوع، قال: لما غشوا النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل بها وجوههم فقال: "شاهت الوجوه"، ولأحمد وألبي داود من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة يمضي قدما فحادت عن فرسه فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم".
وللبزار من حديث ابن عباس أن عليا ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فرمى به وجوه المشركين يوم حنين ثم قال: ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - أوّلاً، قال لصاحبه ناولني فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا،فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين،وفي الأخرى التراب. (فتح الباري8/31-32) و(الزرقاني:شرح المواهب اللدنية 3/13)وانظر ص201.
(4) كشف الأستار 2/349).
(5) مجمع الزوائد 7/183).(25/27)
قال ابن حجر: قلت: "وشيخه يونس"(1).
والخلاصة:
أن أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ترابا ورميه في وجوه الكفار، جاء في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف.
فقد ورد من حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وغيره(2).
ومن حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم والبيهقي(3).
ومن حديث أبي عبد الرحمن الفهري عند أحمد وأبي داود وغيرهم(4).
ومن حديث عبد الله بن مسعود عند أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم(5).
ومن حديث شيبة بن عثمان العبدري عند الطبراني وغيره(6).
ومن حديث عبد الرحمن بن أزهر عند أحمد وأبي عوانة(7).
ومن حديث يزيد بن عامرالسوائي عند عبد بن حميد والطبري(8).
ومن حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى والطبراني(9)
وهذه الأحاديث التي أوردتها في بيان هذا العامل من عوامل النصر، يؤخذ منها نصر الله للمسلمين بمعجزات يؤيد الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليزيد المؤمنين إيمانا ولتقوم الحجة على المكذبين برسالته - صلى الله عليه وسلم - ، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
والمسلمون إذا قوي إيمانهم بالله سبحانه فإن الله يؤيدهم وينصرهم على أعدائهم بأسباب كونية قدرية لاقبل لعدوهم بها، ولهذا شواهد لا تحصى في التاريخ الإسلامي.
د- تأييد الله للمسلمين بجند من عنده:
__________
(1) مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم816).
(2) تقدم الحديث برقم (80).
(3) تقدم الحديث برقم (82).
(4) سيأتي تخريجه برقم (91).
(5) تقدم تخريجه برقم (74).
(6) تقدم تخريجه برقم (67).
(7) أحمد: المسند 4/351. وأبو عوانة: المسند 4/204. والهيثمي: مجمع الزوائد 6/185 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
(8) عبد بن حميد:المسند 1/66أ رقم (332). والطبري: جامع البيان10/103. وتقدم برقم (85).
(9) تقدم تخريجه برقم (83).(25/28)
كان هذا التأييد السماوي بعد أن أدب الله المؤمنين الذين اغتروا وأعجبوا بكثرتهم وبعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وذلك بسبب ما حل بهم من الخوف عندما ركب الأعداء ظهورهم يسوقونهم، فركبت إبل المسلمين بعضها بعضا وولوا مدبرين، إلاّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة يسيرة معه، وفي هذه الحال الحرجة أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا من عنده تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً لهم، ولقد صوّر القرآن الكريم هذا أتم تصوير فقال: جل ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}، [سورة التوبة، الآية: 25].
قال الشوكاني عند تفسير هذه الآيات قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}،[سورة التوبة، من الآية: 26]، أي: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين، بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين(1)
__________
(1) قوله: والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا فقد ورد في حديث ابن مسعود قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله - عز وجل - عليهم السكينة. تقدم الحديث برقم (74).
والظاهر جميع من حضر من المؤمنين كما قال الشوكاني، يؤيد هذا ما قاله الطبري: "الانهزام المنهي عنه هو ما وقع على غير نية العود وأما الاستطراد للكثرة فهو كالتحيز إلى فئة". (ابن حجر: فتح الباري 8/30، والزرقاني: شرح المواهب 3/20).(25/29)
: هم الذين لم ينهزموا، وقيل الذين انهزموا، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا، {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوهَا} قال: هم الملائكة، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية، والإشارة بقوله {وذلك} إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم، وتعظيما له، وقوله {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن أذنب فتاب، {الرَحِيمٌ} بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه(1).
وقد وردت بعض الآثار تبين أن المراد (بالجنود) في الآية هم الملائكة.
فقد أخرج ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد(2) بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي ثنا أحمد(3)
__________
(1) الشوكاني: فتح القدير 2/348.
(2) أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الحادية عشرة (ت 261) /خ م س ق. (ابن حجر: التقريب 1/21، وتهذيب التهذيب 1/61. وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2/63).
(3) أحمد بن المفضل الحفري - بفتح المهملة والفاء - أبو علي الكوفي، صدوق شيعي، في حفظه شيء (ت215) /م د س. (ابن حجر: التقريب 1/26).
وفي تهذيب التهذيب 1/81 قال: قال أبو حاتم: كان صدوقا وأثنى عليه بن أبي شيبة خيرا، وذكره ابن حبان في الثقات. قال الأزدي: منكر الحديث.(25/30)
بن مفضل، ثنا أسباط(1) عن السدي(2)،في قوله: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال: هم الملائكة(3).
وأخرج الطبري نحوه: من طريق أحمد بن المفضل به(4)، والحديث ضعيف كما علم من خلال تراجم رجاله، وهو مقطوع، لأن السدي من التابعين، وقد قيل إن تفسيره هذا قد جعل له إسنادا واستكلفه(5).
__________
(1) أسباط بن نصر الهمداني-بسكون الميم- أبو يوسف، ويقال: أبو نصر صدوق كثير الخطأ،يغرب من الثامنة/خت م عم.(المصدر السابق1/53و1/211-212).
(2) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي - بضم المهملة وتشديد الدال - وهو السدي الكبير، أبو محمد الكوفي، صدوق يهم، ورمي بالتشيع من الرابعة (ت 127) /م عم. (المصدر السابق 1/71- 72 و1/313- 314).
(3) تفسير ابن أبي حاتم 4/70أ).
(4) جامع البيان 10/101 وتقدم برقم (41).
(5) ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/314).(25/31)
88- وعند الطبري قال: حدثنا القاسم(1)، قال: ثنا الحسن بن عرفة(2)، قال: ثني المعتمر(3) بن سليمان، عن عوف(4) قال: سمعت عبدالرحمن(5) مولى أم برثن أو أم مريم، قال: ثني جل كان من المشركين يوم حنين، قال: "لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب(6) شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فتلقانا عنده رجال بيض، حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا،
__________
(1) القاسم: هو ابن زكرياء بن يحيى أبو بكر المقرئ المعروف: بالمطرز - بزنة اسم الفاعل -. ذكر الخطيب مشايخه وتلاميذه وقال: كان ثقة ثبتا. (تاريخ بغداد 12/441 و7/394). وذكره الحافظ ابن حجر تمييزا وقال: حافظ ثقة. (التقريب 2/126 وتهذيب التهذيب 8/314).
(2) الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي، صدوق من العاشرة (ت 257)/ت س ق.(ابن حجر: التقريب1/168 وتهذيب التهذيب 3/293).
(3) المعتمر بن سليمان بن طرخان - بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء وراء ونون - التيمي، أبو محمد البصري: يلقب بالطفيل، ثقة من كبار التاسعة (ت 117) وقد جاوز الثمانين /ع. (المصدر السابق 2/263، 10/227).
(4) عوف بن أبي جميلة - بفتح الجيم - الأعرابي، العبدي، البصري، ثقة رمي بالقدر، وبالتشيع،من السادسة (ت146 أو147) /ع.(المصدر السابق2/89، 8/166).
(5) عبدالرحمن بن آدم البصري المعروف بصاحب السقاية،مولى أم برثن-بضم الموحدة وسكون الراء بعدها مثلثة مضمومة ثم نون-وقد تبدل النون ميما فيقال:(برثم) صدوق من الثالثة/م د.(المصدر السابق1/472 و6/134). والظاهر (أن قوله في مسند ابن جرير "مولى مريم" خطأ. والصواب "مولى أم برثم" أو "برثن".
(6) قوله: لم يقوموا لنا حلب شاة: أي مقدار حلبها بل ولوا من رشق النبل ونيتهم العود. (شرح المواهب 3/15).(25/32)
فكانت إياها"(1).
والحديث حسن لذاته وجهالة الرجل لا تضر لأن الظاهر أنه أسلم وحدث عبد الرحمن بهذه القصة، جهالة الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول، وقد قال ابن حجر: "بأن عبد الرحمن روى عن رجل من الصحابة ولم يسمه(2) فالظاهر أنه هذا". والله أعلم.
وتقدم في حديث عثمان بن شيبة العبدري أنه قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين والله مال أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر" الحديث(3).
89- وقال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق(4) بن يسار أنه حدث عن جبير(5) بن مطعم قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد(6)
__________
(1) الطبري: جامع البيان 10/103- 104).
(2) تهذيب التهذيب 6/134).
(3) تقدم الحديث برقم (66).
(4) إسحاق بن يسار المدني والد ابن إسحاق، ثقة من الثالثة /مد. (ابن حجر: التقريب 1/62 وتهذيب التهذيب 1/257).
(5) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي عارف بالأنساب (ت58 أو 59) /ع. (المصدر السابق 1/126 و2/63- 64).
(6) أورد ابن الأثير في النهاية1/96 هذا الحديث وقال: "البجاد الكساء وجمعه بجد، أراد الملائكة التي أيدهم الله بهم" وقال الزرقاني:البجاد بالموحدة المكسورة والجيم الخفيفة آخره دال مهملة: الكساء. ثم نقل قول ابن الأثير وقال: لأنه لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض صاروا كالبجاد المتصل أجزاؤه بنسجه، وروى الواقدي عن شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث فإن كنا ننفضه عن ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به. وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/212.
ثم قال الزرقاني: قال شيخنا: "ولعل نزول الملائكة في صورة النمل ليظهر للمسلمين فيسألوا عنه، ويتوصلوا بذلك للعلم بهم، فيعلموا من ذلك من معجزاته فيقوى بذلك إيمانهم" (شرح المواهب3/16). وانظر مغازي الواقدي3/905.(25/33)
الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي، لم يشك أحد أنها الملائكة ثم لم يكن إلا هزيمة القوم(1).
والحديث أخرجه الطبري عن ابن إسحاق عن أبيه أنه: حدث عن جبير بن مطعم(2).
وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق أيضا وصرح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم.
وهذا سياقه: قال: "حدثنا أبو مسلم(3) ثنا عبيد الله(4) بن محمد بن عائشة ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: سمعت جبير بن مطعم يقول رأيت يوم حنين شيئا أسود مثل البجاد". الحديث(5).
ثم قال الطبراني: "لا يروى هذا عن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن إسحاق".
__________
(1) سيرة ابن هشام 2/449).
(2) تاريخ الرسل والملوك 3/77، والروض الأنف 7/173).
(3) أبو مسلم الكجي الحافظ المسند، إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز البصري صاحب كتاب السنن، سمع أبا عاصم النبيل والأصمعي، وعنه أبو بكر القطيعي وأبو قاسم الطبراني، كان من أهل الفضل والعلم والأمانة، وكان سريا نبيلا عالما بالحديث وثقه الدارقطني وغيره (200- 292هـ) (الخطيب: تاريخ بغداد 6/120- 124. الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/620- 621).
(4) عبيد الله بن محمد بن عائشة، اسم جده حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقيل له: ابن عائشة، والعائشي والعيشي، نسبة إلى عائشة بنت طلحة، لأنه من ذريتها، ثقة جواد، رمي بالقدر ولم يثبت، من كبار العاشرة، (ت 228) /د ت س. (ابن حجر: التقريب 1/538 وتهذيب التهذيب 7/45).
(5) مجمع البحرين 2/343 رقم (77).(25/34)
ثم ساق سندا آخر فقال حديثنا محمد(1) بن أبان ثنا محمد(2) بن عباد بن آدم ثنا أبي(3) ثنا حماد بن سلمة فذكر نحوه(4).
وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين في أحدهما عباد بن آدم لم يوثقه أحد ولم يجرحه"(5).
وأورده ابن كثير عن ابن إسحاق فقال: وقال محمد بن إسحاق: "حدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم". ثم ساق الحديث.
ثم قال: رواه البيهقي(6) عن الحاكم عن الأصم(7) عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به(8).
والظاهر أن في الحديث انقطاعا بين إسحاق بن يسار وبين جبير ابن مطعم وأن رواية الطبراني الواردة فيها التصريح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم "خطأ".
ولعلها تحرفت من حدث عن جبير بن مطعم إلى حدثني فرواها بعض الرواة بالمعنى "سمعت".
وذلك لأن المزي وابن حجر لم يذكرا في شيوخ إسحاق، جبير بن مطعم كما لم يذكرا أيضا إسحاق في تلاميذ جبير بن مطعم(9).
__________
(1) محمد بن أبان الأصبهاني، كذا في ترجمة شيخه محمد بن عباد ولم أجد ترجمته.
(2) محمد بن عباد بن آدم الهذلي البصري، مقبول، من العاشرة (ت268) /سق. (التقريب 2/174، وتهذيب التهذيب 9/343).
(3) عباد بن آدم الهذلي البصري، مجهول، من التاسعة /ق. (التقريب 1/391، وتهذيب التهذيب 5/90).
(4) مجمع البحرين 2/343 رقم (77).
(5) مجمع الزوائد 6/183).
(6) رواه في الدلائل 3/45ب.
(7) هو محمد بن يعقوب أبو العباس الأصم تقدمت ترجمته في حديث (23).
(8) تفسير ابن كثير 2/345 والبداية والنهاية له 4/334. وانظر فتح القدير للشوكاني 2/349، وشرح المواهب للزرقاني 3/15- 16).
(9) تهذيب الكمال 2/495 وتهذيب التهذيب 1/257، 2/63- 64).(25/35)
وعلى كل فإن الحديث يتقوى بالأحاديث السابقة والآتية وهي: ما رواه عبد بن حميد قال: حدثني موسى(1) بن مسعود ثنا سعيد(2) بن السائب الطائفي حدثني أبي السائب(3) بن يسار، قال: سمعت يزيد(4) بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان؟
قال: "كان يأخذ لنا الحصاة فيرمي بها الطست فيطن، قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا(5).
والحديث أورده ابن حجر في المطالب العالية ونسبه لعبد بن حميد(6).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"(7).
__________
(1) موسى بن مسعود النهدي - بفتح النون - أبو حذيفة البصري، صدوق سيئ الحفظ، وكان يصحف، من صغار التاسعة (ت220) أو بعدها، وحديثه عند البخاري في المتابعات. /خ د ت ق. (التقريب 2/288، وتهذيب التهذيب 10/370 وسرد أقوال العلماء فيه في هدي الساري ص446).
(2) سعيد بن السائب بن يسار الثقفي الطائفي وهو ابن يسار، ثقة عابد، من السابعة (ت 171). /د س ق. (التقريب 1/296، وتهذيب التهذيب 4/35- 36).
(3) قال ابن أبي حاتم: "السائب الطائفي عن يزيد بن عامر السوائي، روى عنه ابنه سعيد بن السائب سمعت أبي يقول ذلك". (الجرح والتعديل 4/245، وانظر التاريخ الكبير للبخاري 4/155).
(4) يزيد بن عامر بن الأسود العامري ثم السوائي - بضم المهملة - أبو حاجز، صحابي له حديث عند أبي داود في الصلاة، شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم. /د. (التقريب 2/366 وتهذيب التهذيب 11/339، والإصابة 3/659، وانظر حديثه عند أبي داود في سننه 1/136 كتاب الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم).
(5) عبد بن حميد: المسند 1/65- 66 ب- أ رقم322 وتقدم برقم (85).
(6) 4/251.
(7) 6/183.(25/36)
وأخرجه الطبري فقال: حدثنا محمد(1) بن يزيد الآدمي، قال ثنا معن(2) بن عيسى عن سعيد بن السائب الطائفي عن أبيه عن يزيد بن عامر(3).
والحديث فيه السائب الطائفي ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وقد قال الهيثمي: بأن رجاله ثقات.
91- وعند أحمد وغيره من حديث أبي(4) عبد الرحمن الفهري وهذا سياقه عند أحمد قال: ثنا بهز(5) ثنا حماد(6) بن سلمة أخبرني يعلى(7) بن عطاء عن أبي همام(8)
__________
(1) محمد بن يزيد الآدمي، أبو جعفر الخراز، - بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي - البغدادي، ثقة عابد، من صغار العاشرة (ت 245) /س. (ابن حجر: التقريب 2/220 والتهذيب 9/530).
(2) معن بن عيسى بن يحيى، الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت. قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، من كبار العاشرة (ت 198) /ع. (المصدر السابق 2/267، 10/252).
(3) جامع البيان 10/103، وانظر البيهقي: دلائل النبوة 3/45.
(4) أبو عبد الرحمن الفهري، صحابي، وقيل اسمه يزيد بن إياس، وقيل الحارث بن هشام، وقيل عبيد، وقيل كرز بن ثعلبة، شهد حنينا ثم فتح مصر، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنه أبو همام عبد الله بن يسار. /د. (ابن حجر: التقريب 2/446 وتهذيب التهذيب 12/154).
(5) بهز بن أسد العمي - بفتح العين وتشديد الميم - أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من التاسعة (ت بعد المائتين وقيل قبلها) /ع. (ابن حجر: التقريب 1/109، وتهذيب التهذيب 1/497).
(6) ثقة عابد، تقدمت ترجمته في حديث (36).
(7) يعلى بن عطاء العامري، ويقال: الليثي الطائفي ثقة، من الرابعة (ت 120) أو بعدها. /ز م عم. (المصدر السابق 2/378، 11/403).
(8) عبد الله بن يسار أبو همام الكوفي ويقال: عبد الله بن نافع، مجهول من الثالثة. /د عس. (ابن حجر: التقريب 1/462، وفي تهذيب التهذيب 6/85).
قال: روى عن علي وعمرو بن حريث وأبي عبد الرحمن الفهري في غزوة حنين وعنه يعلى بن عطاء العامري، ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المديني: هو شيخ مجهول وكذا قال أبو جعفر الطبري وقد سماه غير يعلى بن عطاء: عبد الله بن نافع، وكذا قال هشيم عن يعلى بن عطاء. إهـ.
ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا. (الجرح والتعديل 5/202).(25/37)
- قال أبو الأسود هو: عبد الله بن يسار - عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر فلما زالت الشمس لبست لأمتي(1) وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في فسطاطه(2)، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: اسرج لي فرسي، فأخرج سرجا دفتاه من ليف(3) ليس فيهما أشر ولا بطر، قال: فأسرج قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت(4)
__________
(1) اللأمة مهموزة: الدرع، وقيل: السلاح، ولأمة الحرب: أداته وقد يترك الهمز تخفيفا. (ابن الأثير: النهاية 4/220).
(2) الفسطاط: بيت من شعر (ابن منظور: لسان العرب 9/246).
(3) الليف: هو ما يخرج من أصول سعف النخل يحشى بها الوسائد، ويفتل منها الحبال، ودفتاه: جانباه. (هدي الساري لابن حجر ص185).
(4) فتشامت الخيلان: بتخفيف الشين المعجمة وتشديد الميم أي تقاربت والتقت. وورد فتسامت بالسين المهملة. وعند الطبري: "فلما التقى الخيلان".
وعند أبي داود الطيالسي: "فلقينا العدو وتشامت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين"، وهذا الحديث وما ورد في معناه من الأحاديث لا يؤخذ منها بأن المسلمين ولوا الأدبار بمجرد التلاقي للأعداء كما يفهم أيضا من حديث جابر بن عبد الله، وإنما قاتلوا الأعداء حتى كشفوهم، ثم اشتغلوا بجمع الغنائم ظانين أن العدو ولى إلى غير رجعة، ولكن العدو انتهز فرصة انشغالهم بجمع الغنائم فانهال عليهم بالسهام من كل ناحية. فولى المسلمون عندئذ وهذا هو صريح حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -. (انظر: الزرقاني: شرح المواهب 3/11، والمعجم الوسيط 1/447).(25/38)
الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله - عز وجل - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين: أنا عبد الله ورسوله"، قال: "ثم اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه فأخذ كفا من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله - عز وجل - ، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عينه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست(1) الحديد(2).ثم ساق سندا آخر فقال: ثنا عفان(3) ثنا حماد بن سلمة أنا يعلى ابن عطاء عن عبد الله بن يسار أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ، فذكر مثله"(4).
والحديث أخرجه أبو داود عن موسى(5) بن إسماعيل أخبرنا حماد ابن سلمة به وساق منه إلى "فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا" ثم قال:
__________
(1) على الطست الحديد: ورد الحديد: بالحاء المهملة، وورد (الجديد) بالجيم. قاال الزرقاني: الجديد: بالجيم تنبيها على قوة الصوت الذي سمعوه فإن صوت الجديد أقوى من العتيق (شرح المواهب 3/14).
(2) أحمد: (المسند 5/286).
(3) عفان بن مسلم تقدمت ترجمته في حديث (74).
(4) أحمد: (المسند 5/286).
(5) موسى بن إسماعيل المنقري - بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف - أبو سلمة التبوذكي-بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة-مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه (ت 223) /ع. (ابن حجر: التقريب2/280 وتهذيب التهذيب10/333).(25/39)
قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث. وهو حديث نبيل(1) جاء به حماد بن سلمة(2).
وأخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة عن عفان بن مسلم أخبرنا حماد به بتمامه(3). وأخرجه الطيالسي عن حماد بن سلمة به وساقه تاما ومن طريقه أخرجه البيهقي(4). وأخرجه الدارمي عن حجاج(5) بن منهال وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة به(6).
وأخرجه الطبري عن علي(7) بن سهل قال: ثنا مؤمل(8) قال: ثنا حماد بن سلمة به(9).
وساق كل من الدارمي والطبري إلى "فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا".
وأخرجه البزار عن عبد الواحد(10) بن غياث، ثنا حماد بن سلمة به، بتمامه(11). وفي آخره قال:
__________
(1) قال شمس الحق العظيم آبادي: "حديث نبيل: النبيل على وزن الأمير هو الماهر في الأمور"، وهذا ثناء من المؤلف ليعلى بن عطاء شيخ لحماد بن سلمة. (عون المعبود: 14/148).
(2) السنن: 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك).
(3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/156. وابن أبي شيبة: التاريخ ص92أ- ب).
(4) منحة المعبود 2/107. والبيهقي: دلائل النبوة 3/44ب).
(5) حجاج بن منهال الأنماطي، ثقة فاضل تقدمت ترجمته في حديث (55).
(6) السنن2/139 كتاب السير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم شاهت الوجوه).
(7) علي بن سهل بن قادم الرملي، نسائي الأصل، صدوق من كبار الحادية عشرة، (ت 261) /د س. (ابن حجر: التقريب 2/38 وتهذيب التهذيب 7/329).
(8) مؤمل - بهمزة بوزن محمد - بن إسماعيل البصري، أبو عبد الرحمن، نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ، من صغار التاسعة (ت 206) /خت قد ت س ق. (المصدر السابق 2/290، 10/380).
(9) جامع البيان 10/102).
(10) عبد الواحد بن غياث - بمعجمة مكسورة ومثلثة - البصري أبو البحر الصيرفي، صدوق، من صغار التاسعة (ت 240) وقيل قبل ذلك. /د. (ابن حجر: التقريب 1/526 و6/438).
(11) كشف الأستار 2/350).(25/40)
قال البزار: "ما روى الفهري إلا هذا، وما رواه إلا حماد".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: روى أبو داود منه إلى قوله "ليس فيه أشر ولا بطر" ورواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات(1).
وأورده ابن حجر وقال: "أصله في سنن أبي داود ورجاله ثقات"(2).
وساقه ابن كثير في تفسيره عن أحمد وفي آخره قال: وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به(3).
وفي البداية والنهاية ساق الحديث عن أبي داود الطيالسي وفي آخره قال: ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه(4).
وأورده الزرقاني وقال: رواه أحمد وأبو داود والدارمي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه(5) والبيهقي، ورجاله ثقات، كلهم من حديث أبي عبد الرحمن الفهري(6).
وأورده ابن الأثير في ترجمة أبي عبد الرحمن الفهري وقال: رواه حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن(7) الفهري(8).
__________
(1) 6/181- 182.
(2) مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم (816).
(3) 2/334.
(4) 4/331- 332
(5) أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني تقدم في حديث (56).
(6) شرح المواهب 3/13.
(7) قال ابن عبد البر: "أبو عبد الرحمن الفهري القرشي هو الذي وصف الحرب يوم حنين، وهو الذي سأله ابن عباس عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، وكذا قال المنذري. وقال ابن حجر: وقد فرق بينهما ابن مندة وأن الذي وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القرشي لا الفهري وهو الذي يظهر رجحانه فقد صرح غير واحد بأن عبد الله بن يسار تفرد بالرواية عن أبي عبد الرحمن الفهري، وكأن أبا عمر لما رأى أن الفهري والقرشي نسبة واحدة ظنهما واحدا". (ابن عبد البر: الاستيعاب 4/137- 138 مع الإصابة، وابن حجر: الإصابة 4/128 وتهذيب التهذيب 12/154). وعون المعبود 14/147.
(8) أسد الغابة 6/199.(25/41)
وقال ابن حجر في الإصابة: "أخرج حديثه أبو داود والبغوي ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي من طريق يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه أنه شهد حنينا"(1).
والحديث بجميع طرقه يدور على أبي همام عبد الله بن يسار، ووصف بأنه مجهول. ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق، واعتمد ابن حجر فيه قول ابن المديني "شيخ مجهول".
وقد قال ابن حجر أيضا والهيثمي والزرقاني عن هذا الحديث بأن رجاله ثقات(2) وقال أبو داود: هو حديث نبيل(3)، مع أنه يدور على أبي همام المذكور والحديث مع الأحاديث المتقدمة يشد بعضها بعضا.
__________
(1) 4/128، وقد عزا ابن حجر في فتح الباري 8/32 حديث أبي عبد الرحمن الفهري إلى الترمذي وتبعه في هذا الزرقاني في شرح المواهب 3/13، ونسبة هذا الحديث للترمذي (وهم) فقد عزاه ابن حجر نفسه في الإصابة والتقريب لأبي داود فقط وسقطت علامة أبي داود من تهذيب التهذيب، وكذا عزاه المزي في تحفة الأشراف 9/232 حديث (12067) والنابلسي في ذخائر المواريث 3/206 حدث (8047) لأبي داود فقط.
وأيضا المباركفوري لم يذكر أبا عبد الرحمن الفهري في رجال الترمذي. (انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/145).
(2) انظر: (مختصر مسند البزار لابن حجر ص251 رقم (816) ومجمع الزوائد للهيثمي 6/181- 182 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/13).
(3) سنن أبي داود 2/649 كتاب الأدب، باب الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك).(25/42)
92- وعند الطبري قال: حدثنا ابن حميد(1) قال: ثنا جرير(2) عن يعقوب(3) عن جعفر(4) عن سعيد(5) قال: أمد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين(6)، وقال: ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}، [سورة التوبة، من الآية:40]. (7).
والحديث أورده الزرقاني والشوكاني: ونسباه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، ثم ساقا مثل ألفاظ حديث الطبري(8).
__________
(1) محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة (ت 230) /د ت ق. (التقريب 2/156 وتهذيب التهذيب 9/127).
(2) جرير: هو ابن عبد الحميد بن قرط، ثقة، تقدم في حديث (26).
(3) يعقوب بن عبد الله بن سعد الأشعري، أبو الحسن القمي - بضم القاف وتشديد الميم - صدوق يهم، من الثامنة (ت 174) /خت عم. (التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/390- 391).
(4) جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي، القمي، صدوق يهم، من الخامسة. /بخ د ت س فق. (التقريب 1/133 وتهذيب التهذيب 2/108).
(5) سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي،ثقة ثبت،من الثالثة،قتل بين يدي الحجاج سنة(59)ولم يكمل الخمسين./ع.(التقريب1/ 292 وتهذيب التهذيب4/11).
(6) مسومين: أي لهم علامات يعرفون بها. (النهاية لابن الأثير: 2/425).
(7) جامع البيان 10/103).
(8) الشوكاني: فتح القدير 2/349. والزرقاني شرح المواهب 3/16).(25/43)
والحديث فيه محمد بن حميد وهو ضعيف وفيه جعفر بن أبي المغيرة، قال ابن مندة(1) ليس بالقوي في سعيد بن جبير(2)، ثم الحديث مقطوع.
وهذا الحديث لا تقوم به حجة في كون الملائكة الذين حضورا غزوة حنين كانوا خمسة آلاف.
قال الشوكاني: "وقد اختلف في عدد الملائكة الذين اشتركوا في حنين على أقوال: قيل خمسة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ستة عشر ألفا، وقيل غير ذلك وهذا لايعرف إلا من طريق النبوة(3).إهـ
هذا وقد اختلف أيضا في قتال الملائكة مع المسلمين.
قال القسطلاني: "قاتلت الملائكة مع المسلمين في غزوة بدر وحنين"(4).
قال الزرقاني: "والجمهور على أنها لم تقاتل يوم حنين كما قدمه المصنف في (بدر)(5) لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لمَ تَرَوهَا} ولا دلالة فيه على قتال، وفي تفسير ابن كثير: المعروف من قتال الملائكة إنما كان يوم بدر"(6).
__________
(1) هو الحافظ الإمام الرحال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة واسم مندة: إبراهيم ابن الوليد الأصبهاني، سمع محمد بن العلاء أبا كريب ومحمد بن سليمان لوين وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ مات في رجب سنة (301هـ). (الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/741).
(2) الذهبي: ميزان الاعتدال 1/417، وابن حجر: تهذيب التهذيب 2/108).
(3) الشوكاني: فتح القدير 2/348).
(4) المواهب اللدنية 1/164).
(5) انظر: (المواهب اللدنية 1/82).
(6) تفسير ابن كثير 1/401).(25/44)
قال ابن مرزوق(1): "وهو المختار من الأقوال، ثم قال الزرقاني: وثالث الأقوال: أنها لم تقاتل في بدر ولا في غيرها، وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك الدنيا، وهذه شبهة دفعها الإمام السبكي(2) بقوله: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة معه - صلى الله عليه وسلم - مع قدرة جبريل على دفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله في عباده، والله فاعل الجميع"(3). إهـ.
__________
(1) ابن مرزوق: ذكر كحالة في معجم المؤلفين أربعة كل واحد منهم يقال له ابن مرزوق وكلهم مؤلفون وكلهم فبل الزرقاني، ولم أستطع تمييز واحد من بينهم.(انظر: معجم المؤلفين لكحالة6/270، 8/317 و9/16و11/187).
(2) هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، تقي الدين السبكي، الخزرجي الأنصاري، أبو الحسن الدمشقي الشافعي صاحب كتاب "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" في الرد على ابن تيمية، وكمل على شرح المهذب للنووي في خمس مجلدات وهو والد تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب صاحب كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" (683- 756هـ) أبو المحاسن محمد بن علي تلميذ. الذهبي: تذكرة الحفاظ ص39- 40، تلميذ الذهبي: ذيل تذكرة الحفاظ ص39- 40.
(3) الزرقاني: شرح المواهب 3/23. وابن حجر: فتح الباري 7/313).(25/45)
والخلاصة في هذا أن الآية ذكرت بأن هناك جنودا أنزلها الله في غزوة حنين لتثبيت المؤمنين وتقويتهم، ووردت هذه الآثار تدل على اشتراك الملائكة في هذه الغزوة وهذه الآثار تشد بعضها بعضاً وفيها ما نص العلماء على أن رجالها ثقات وبمجموعها تكون على أقل تقدير من قبيبل الحسن لغيره وجرت عادة المفسرين أنهم يذكرون حول تفسير هذه الآية هذه الآثار وأن المراد بالجنود في الآية هم الملائكة على أن الآية لم تتعرض لعدد الملائكة الذين نزلوا لتأييد المؤمنين، كما أنها لم تتعرض أيضا لبيان أن الملائكة باشرت القتال مع المسلمين.
93- وقد روى الطبري من حديث ابن عباس قال: "لم تقاتل الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ يوم بدر، وكانت فيما سوى ذلك إمداد(1)".
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد العزيز(2) بن عمران، ضعيف"(3).
94- وأخرج أيضا من حديث ابن عباس قال: "كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تقاتل الملائكة في يوم إلا يوم بدر، إنما كانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون"(4).
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمار(5) بن أبي مالك الجنبي، ضعفه الأزدي".
وقال الشوكاني: "وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر"(6).
__________
(1) مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389).
(2) قال ابن حجر في التقريب 1/511: "متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه".
(3) مجمع الزوائد 6/82- 83).
(4) مجمع الزوائد 6/82- 83. والمعجم الكبير للطبراني 11/165- 166، 389).
(5) انظر: (الذهبي: ميزان الاعتدال 3/167. وابن حجر: لسان الميزان 4/274).
(6) فتح القدير 2/293).(25/46)
ويتبن من الروايات السابقة أن الله سبحانه أيد عباده المؤمنين بجنود من عنده لينصر بهم أولياءه ويخذل بهم أعداءه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وسواء قاتلت الملائكة فعلا في معركة حنين أو لم تقاتل فإن فائدة نزو لهم تحقق ولاشك سواء كان ذلك عن طريق القتال الفعلي أو عن طريق أمر آخر يريده الله من إنزالهم لنصرة الحق ودحض الباطل وأما اختصاص قتال الملائكة (ببدر الكبرى) دون غيرها من الغزوات فهذا قول فيه نظر وذلك لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم ومسند أبي داود الطيالسي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
95- "لقد رأيت يوم أحد، عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره، رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد".
وفي لفظ لمسلم: "ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل - عليهما السلام - " (1).
ولفظ الطيالسي: "ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده".
قال النووي - رحمه الله - : "في الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه، فهذا صريح في الرد عليه. وفيه: فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء".
وفيه: منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة". والله أعلم(2)
__________
(1) البخاري: الصحيح 5/81 كتاب المغازي - باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، 7/128 كتاب اللباس، باب الثياب البيض. ومسلم: الصحيح 4/1802 كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ له. وأبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود 2/100).
(2) شرح صحيح مسلم 5/163.
وتقدم ص 180 رؤية حارثة بن النعمان لجبريل، وقد ثبتت رؤية الصحابة لجبريل في غزوة بني قريظة في صورة دحية الكلبي.
وهذه الأحاديث ترد ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشيبة: "يا شيب إنه لا يراها إلا كافر" أي الملائكة. انظر ص 262.(25/47)
.(25/48)
الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه الغزوة.
المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة.
المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه المعركة
تنحصر خسائر المشركين في هذه المعركة في شيئين:
أ- خسائر في الأرواح.
ب- خسائر في الأولاد والأموال والعتاد.
أ- أما خسائر المشركين في الأرواح فقد فقد المشركون في هذه المعركة من رجالهم وأبطالهم وأهل النجدة فيهم ما يزيد على مئات القتلى.
ذلك أن معركة حنين من المعارك الفاصلة التي لم ير المسلمون مثلها ضراوة وشدة في عهدهم الأول.
لقد استمات فيها المشركون وقاتلوا ببسالة نادرة فقتل من بني مالك وحدهم سبعون(1) رجلا يتساقطون في ساحة المعركة واحدا تلو الآخر، وهم مصممون على الانتصار يوضح ذلك الآثار الآتية:
96- قال ابن إسحاق: "فلما انهزمت هوازن استحر(2) القتل من ثقيف في بني مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب(3)، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل"(4)
__________
(1) وعند الواقدي في مغازيه 3/907 أن عدد القتلى منهم قريب من مائة رجل.
(2) استحر: بالحاء المهملة: اشتد وكثر، وهواستفعل من الحر والمراد به الشدة (ابن الأثير: النهاية 1/364).
ووقع عند الزرقاني "استجر" بالجيم، وفسره باشتداد الحرب أيضا. (شرح المواهب اللدنية 3/24).
(3) زاد الطبري: وهو جد ابن أم الحكم بنت أبي سفيان.
قلت: وابن أم الحكم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي ثم المالكي نسب لأمه وهي أم حكم بنت أبي سفيان بن حرب. (انظر الإصابة لابن حجر: 3/70- 71).
(4) عند ابن إسحاق والطبري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه قتل عثمان بن عبد الله، قال: "أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا".
وعند الواقدي: "أن الذي قتل عثمان بن عبد الله، وهو عبد الله بن أبي أمية فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يرحم الله عبد الله بن أبي أمية، وأبعد الله عثمان بن عبد الله بن ربيعة، فإنه كان يبغض قريشا".
ثم قال الواقدي: "وكان دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله برحمة الله فبلغه فقال: إني لأرجو أن يرزقني الله الشهادة في وجهي هذا! فقتل في حصار الطائف". (مغازي الواقدي 3/911- 912).(26/1)
.
هكذا ساق ابن إسحاق بدون إسناد.
ومن طريقه أخرجه الطبري(1).
97- قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب(2) بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل(3) قال: فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف، إذ كشف العبد يسلبه، فوجده أغرل، قال: "فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب: يعلم الله أن ثقيفا غرل، قال المغيرة(4) بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذاك، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني، قال: ثم جعلت أكشف له عن القتلى وأقول له: ألا تراهم مختنين كما ترى". قال ابن إسحاق: "وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين: رجل من غيرة(5) يقال له وهب، وآخر من بني كبة(6) يقال له: "الجلاح(7)
__________
(1) تاريخ الرسل والملوك 3/77.
(2) يعقوب: ثقة من السادسة(ت 128) /د س ق. التقريب 2/376 وتهذيب التهذيب 11/392).
(3) الأغرل: هو غير المختتن، والغرلة: هي الجلدة التي يقطعها الخاتن وتسمى القلفة. (ابن الأثير: النهاية 3/362. وابن حجر: هدي الساري ص162).
(4) المغيرة بن شعبة بن مسعود بن متعب، الثقفي، صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية، وولي إمرة البصرة، ثم الكوفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات سنة خمسين على الصحيح. /ع. (التقريب 2/269 وتهذيب التهذيب 10/262).
(5) غيرة: بوزن عنبة. (اللباب في تهذيب الأنساب 2/397- 398).
(6) كبة: بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة، كذا هو عند ابن هشام وابن كثير نقلا عن إسحاق، قال أبو ذر: وهو الصواب.وعند الطبري عن ابن إسحاق "كنة" بالنون المشددة، وكذا عند الواقدي فقد قال: كنة امرأة من غامد يمانية. وقال ابن منظور في لسان العرب17/243: وبنو كنة: بطن من العرب نسبوا إلى أمهم.
(7) الجلاح:بضم الجيم وتخفيف اللام آخره حاء مهملة،كذا عند ابن إسحاق ومن تبعه.
وعند الواقدي: "اللجلاج" بجيمين بينهما لام خفيفة.
قال: وكان اللجلاج رجل من بني كنة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأخي بني كنة: هذا سيد شبان كنة إلاّ هنيدة الحارث بن عبد الله بن يعمر بن إياس ابن أوس بن ربيعة بن الحارث وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، وكانت كنة امرأة من غامد يمانية قد ولدت في قبائل العرب وكانت أمة، فأعتق الحارث كل مملوك من بني كنة. (مغازي الواقدي 3/907).(26/2)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه قتل الجلاح: قتل اليوم سيد شباب ثقيف، إلا من كان من ابن هنيدة، يعني الحارث بن أويس"(1) ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري(2).
والحديث معضل(3).
والحاصل: أن ابن إسحاق ذكر أنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا تحت رايتهم.
وذكر الواقدي: "أنه قتل منهم ما يقارب المائة".
وقال القسطلاني: "قتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلاً"(4).
ولم يقيده ببني مالك أو غيرهم.
وجمع الزرقاني بين الروايات فقال: قوله: "قتل من المشركين أكثر من سبعين" أي وقت الحرب فلا ينافي حديث أنس عند البزار أن الزبير ومن معه قتلوا ثلاثمائة لأنه بعد انهزام الكفار ولا يخالف قوله: "أكثر من سبعين" قول ابن إسحاق وغيره واستحر القتل من بني مالك من ثقيف فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم.
وما رواه البيهقي عن عبد الله(5) بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل الطائف يوم حنين مثل ما قتل يوم بدر، لأن الزائد على السبعين ممن اجتمع معهم من الأخلاط(6). اه.
قلت: حديث البيهقي المشار إليه رواه أيضا الحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي(7).
وحديث البزار هو:حدثنا علي(8)
__________
(1) سيرة ابن هشام 2/450. والسهيلي: الروض الأنف 7/174).
(2) تاريخ الرسل والملوك 3/78 إلا أن عنده "الحارث بن أوس". وانظر البداية والنهاية 4/335.
(3) لأن يعقوب بن عتبة من صغار التابعين.
(4) المواهب اللدنية 1/165.
(5) صوابه: عبد الله بن عياض كما تقدم في الحديث برقم (45).
(6) الزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/24.
(7) تقدم الحديث برقم (45) مع الحكم عليه.
(8) علي بن شعيب بن عدي السمسار البزاز، البغدادي فارسي الأصل ثقة من كبار الحادية عشرة (ت 273) /س. وفي تهذيب التهذيب 7/331 "البزار" آخره راء، بدل (البزاز) و(طوسي الأصل) بدل (فارسي الأصل) وطوس من مدن فارس.
وكذا في تاريخ الخطيب البغدادي 11/435- 436.(26/3)
بن شعيب وعبد الله(1) بن أيوب المخرمي ثنا علي(2) بن عاصم، ثنا سليمان(3) التيمي عن أنس قال: قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم(4)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغرزها، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذا شخص قد أقبل فقال(5): إليك من أنت؟ قال أنا أبو بكر فداك أبي وأمي، وبه بضعة(6) عشر ضربة، ثم إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الخطاب فداك أبي وأمي، وبه بضعة عشر ضربة، وإذا شخص قد أقبل وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عثمان بن عفان فداك أبي وأمي، ثم إذا شخص قد أقبل، وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب فداك أبي وأمي، ثم أقبل الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ألا رجل صَيّت(7) ينطلق فينادي في القوم"، فانطلق
__________
(1) عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح، أبو محمد المخرمي - بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة - قال ابن أبي حاتم سمعت منه مع أبي وهو صدوق (ت 265) وقد حصل خطأ في تهذيب التهذيب 7/344، حيث ذكر عبد الله بن أيوب في تلاميذ علي بن عاصم وقال: "المخزومي" والصواب "المخرمي".(تاريخ بغداد 10/81 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم5/11وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/565.
(2) علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر، تقدم في حديث (53).
(3) سليمان بن طرخان التيمي ثقة عابد تقدم في حديث (53).
(4) أي المسلمين.
(5) القائل: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإليك بمعنى تنح وابتعد عني.
(6) البضع: من ثلاثة إلى تسعة والمعنى هنا من ثلاث عشرة إلى تسع عشرة. المصباح المنير 1/64. وفيه: "تثبت الهاء في بضع مع المذكر، وتحذف مع المؤنث".
(7) صيت:بفتح المهملة،وتشديد المثناة التحتية:أي مرتفع الصوت.(المعجم الوسيط1/528).(26/4)
رجل(1) فصاح، فما هو إلا أن وقع صوته في أسماعهم، فأقبلوا راجعين فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل المسلمون معه، فانهزم المشركون وانحاز دريد بن الصمة على جبيل.
أو قال: على أكمة في زهاء ستمائة، فقال له بعض أصحابه: أرى والله كتيبة قد أقبلت، فقال: "حلوهم(2) لي، فقالوا: سيماهم كذا حليتهم كذا، قال لا بأس عليكم، قُضاعة(3)
__________
(1) وقع في صحيح مسلم وغيره أن الذي أمر بذلك هو العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الصوت.
(2) حلوهم لي: اذكروا لي حليتهم وصفوهم لي، وقد وقع في فتح الباري 8/42 وشرح المواهب اللدنية 3/23: خلوهم لي فخلوهم: بالخاء المعجمة وهو خطأ.
(3) قضاعة: شعب عظيم يشتمل على قبائل كثيرة، منهم: كلب وبلى وجهينة وغيرها، وقد اختلف في قضاعة فقيل إنه من معد وقيل: من اليمن.
(ابن الأثير:تهذيب الأنساب3/43، قلت:فعلى أنها من معد فهم: قضاعة بن معد بن عدنان، وعلى أنها من اليمن: فهم قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير قال القلقشندي: وهو المشهور فيه وعليه جرى الكلبي وابن إسحاق وغيرهما وقال السهيلي: أكثر النسابين على أن قضاعة هو ابن معد، وهو مذهب الزبيريين وابن هشام. معجم قبائل العرب: 3/957).(26/5)
. منطلقة في آثار القوم، قالوا: نرى والله كتيبة خشناء قد أقبلت، قال: حلوهم لي: قالوا: سيماهم كذا من هيئتهم كذا، قال: لا بأس عليكم هذه سليم(1)، قالوا: نرى فارسا قد أقبل، فقال: ويلكم وحده، فقالوا: وحده، قال: حلوه لي، قالوا: معتجر بعمامة سوداء قال دريد: ذاك -والله-الزبير(2) بن العوام وهو - والله - قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت إليهم، فقال: علام، هؤلاء ها هنا؟ فمضى ومن أتبعه، فقتل بها ثلاثمائة وجز رأس دريد(3)
__________
(1) يعني بني سليم وسليم هوابن منصور.
(2) الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي، الأسدي، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة (36) بعد منصرفه من وقعة الجمل. /ع. (ابن حجر التقريب 1/259 وتهذيب الهذيب 3/318).
(3) قال ابن حجر: "واختلف في قاتل دريد فجزم محمد بن إسحاق بأنه ربيعة بن رفيع-بالفاء مصغرا-ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي، وكان يقال له ابن الدغنة". وفي حديث البزار هذا ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام.
ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ابن الدغنة كان في جماعة الزبير فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازا". وفي الصحيحين من حديث البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم من - حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال ابن حجر: كذا رويناه على البناء للمجهول. (فتح الباري 8/42).
وفي الإصابة: قال: وفي حديث أبي موسى الأشعري، عند مسلم، أنه الذي قتل دريد بن الصمة بعد أن قتل دريد عمه أبا عامر الأشعري لكن ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أسبه، فإن دريد بن الصمة إذ ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه. (الإصابة: 1/507).
قلت: لم أجد هذا اللفظ في مسلم في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها، والذي فيها هو البناء للمجهول. وسيأتي حديث الصحيحين برقم (118) ووقع ذلك عند الطبري بإسناد صحيح عن أبي بردة عن أبيه قال: "ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريدا، وهزم الله أصحابه" أهـ. وما قدمه ابن حجر من الجمع في قاتل دريد هو الأظهر.
(انظر: سيرة ابن هشام 2/453-454. والروض الأنف للسهيلي 7/177 و178-179. وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/79. وأسد الغابة لابن الأثير 2/211. وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/23. وانظر حديث (116).(26/6)
ابن الصمة، فجعله بين يديه"(1).
قال البزار: "لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سليمان التيمي عن أنس ولا عن سليمان إلا علي"(2). وحسن إسناده ابن حجر.
وهذا أكثر ما وقفت عليه في عدد القتلى من المشركين يوم حنين.
وقد صرح الزرقاني بأن هؤلاء القتلى الواردون في حديث البزار إنما كان بعد انسحاب المشركين من المعركة(3).
وتقدم قول ابن إسحاق بأنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا وعند الواقدي نحو مائة(4).
هذا ما رواه ابن إسحاق أيضا بقوله:
98- واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب، فزعموا أن عبد الله(5) بن قيس وهو الذي يقال له ابن العواء، وهو أحد بني وهب بن رئاب قال: يا رسول الله، هلكت بنو رئاب فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم اجبر مصيبتهم(6).
وهكذا ذكر ابن سعد إلا أنه قال: "واستحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب"(7).
__________
(1) كشف الأستار 2/346 وتقدم بعضه برقم (53) مع الحكم عليه).
(2) علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، التميمي مولاهم وقد وثقه قوم وضعفه آخرون.
وضعفه آت من قبل كثرة غلطه وتماديه فيه، ولم يكن متهما بالكذب ومن وسمه بذلك فقوله مردود بقول الأئمة الآخرين الذين وصفوه بالصدق والصلاح، ولقد ختم الذهبي ترجمته بقوله: صدوق له صولة كبيرة في زمانه. وقد ساق له ابن عدي جملة أحاديث بواطيل،ورد ذلك الذهبي وقال:المتهم بها غيره.لا (انظر:الذهبي: تذكرة الحفاظ1/316-317، وسير أعلام النبلاء 9/249-262 وميزان الاعتدال 3/135-138، وابن حجر: تهذيب التهذيب 7/344-348).
قلت: ولذا فقد حكم ابن حجر على هذا الحديث بأنه بإسناد حسن.
(3) انظر قول الزرقاني ص (223).
(4) انظر الحديث رقم (96).
(5) انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر 2/391.
(6) سيرة ابن هشام 2/455.
(7) الطبقات الكبرى 2/152. ومغازي الواقدي 3/916.(26/7)
وبنو رئاب غير بني مالك، ومعلوم أن قبيلة بني نصر من أهم أجنحة هوازن، فهي تعد بالمئات، ومعنى تصريح أحد أفرادها بأن القتل كاد يفنيها أن قتلها بلغوا المئات، وهاتان فقط قبيلتان من قبائل هوازن الكثيرة يظهر من حديث المؤرخين عن ضحاياها أنها بلغت المئات، فكم تكون الضحايا بين العشائر الأخرى من سائر قبائل هوازن وغيرها التي اشتركت في المعركة لاشك أنها تعد بالمئات كذلك، وقد نظر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المعركة، فقال عنها: "الآن حمي الوطيس".
وهذا القول لم يصدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته، مما يدل على عظم خطرها وكثرة ضحاياها، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمطاردة المشركين وقتل من قدر عليه منهم.
فقد روى البزار من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(26/8)
99- حدثنا الوليد(1) بن عمرو بن سَكَيْن ثنا محمد(2) بن عبد الله بن المثنى عن أبيه(3) عن ثمامة(4) عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "جزوهم(5) جزا وأومأ بيده إلى الحلق".
قال البزار: "لا نعلم رواه إلا أنس، ولا له عنه إلا هذا الطريق(6)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: "رواه البزار ورجاله ثقات"(7).
وكذا قال ابن حجر والزرقاني(8).
100- وعند الواقدي: عن شيوخ من ثقيف - أسلموا بعد وكانوا حضروا ذلك اليوم - قالوا: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا فيما نرى ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة(9).
__________
(1) الوليد بن عمرو بن السكين - بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه - البصري، أبو العباس، صدوق من الحادية عشرة. /ق. (التقريب 2/334 وتهذيب التهذيب 11/144- 145 و9/274 كلاهما لابن حجر. والخلاصة للخزرجي 3/133). وقد وقع في كشف الأستار "الوليد بن عمر" بضم العين.
(2) محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي، ثقة، من التاسعة (ت215) /ع. (التقريب2/180، وتهذيب التهذيب9/274).
(3) هو عبد الله بن االمثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو المثنى البصري، صدوق كثير الغلط،من السادسة./خ ت ق.(المصدر السابق1/445 و5/387-388. وفي ميزان الاعتدال 2/499 رمز له الذهبي بـ (صح) إشارة إلى أنه ثقة).
(4) ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضيها، صدوق من الرابعة. /ع. (التقريب1/120وتهذيب التهذيب2/28. وميزان الاعتدال1/372 للذهبي ورمز له بـ (صح) إشارة إلى توثيقه).
(5) الجز القطع والقص. (النهاية 1/268 والقاموس المحيط 2/169).
(6) كشف الأستار 2/349.
(7) 6/181.
(8) ابن حجر: مختصر زوائد مسند البزار ص251 رقم 816. والزرقاني شرح المواهب 3/21 إلا أنه قال: "اجزروهم جزرا" بدل: "جزوهم جزاً".
(9) مغازي الواقدي 3/908.(26/9)
101- وعنده أيضا أن سعد بن عبادة كان يصيح يومئذ بالخزرج: يا للخزرج، وأسيد بن حضير: يا للأوس ثلاثا، فثابوا والله من كل ناحية كأنهم النحل إلى يعسوبها، قال: فحنق المسلمون عليهم حتى أسرع المسلمون في قتل الذرية فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، ألا لا تُقتل الذرية ثلاثا".
قال أسيد بن حضير: "يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟"
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب(1) عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها"(2).
وعند أحمد من حديث الأسود بن سريع أن "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حملكم على قتل الذرية؟"
قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين؟"
قال: "أو هل خياركم إلاّ أولاد المشركين؟، والذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلاّ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها"(3).
__________
(1) يعرب عنها لسانها: أي حتى ينطق ويتكلم. (ابن الأثير: النهاية 3/200- 201).
(2) مغازي الواقدي 3/904.
(3) أحمد: المسند 3/435 وهو حديث صحيح وقد سقت طرقه في رقم (247).(26/10)
وفي حديث أنس بن مالك عند أبي داود وغيره أن أبا طلحة(1) وحده قتل عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا موسى(2) بن إسماعيل حدثنا حماد(3) عن إسحاق(4) بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يومئذ - يعني يوم حنين(5)- "من قتل كافراً فله سلبه"، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم. ولقي أبو طلحة أم سليم(6) ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -".
قال أبو داود: "هذا حديث حسن"(7).
ورواه الدارمي وابن أبي شيبة والطحاوي كلهم من طريق حماد بن سلمة دون "قصة أم سليم"(8).
__________
(1) هو زيد بن سهيل الأنصاري النجاري. تقدم في حديث (60).
(2) هو المنقري التبوذكي تقدم في حديث (91).
(3) حماد: هو ابن سلمة ثقة، تقدم في حديث (36).
(4) إسحاق ثقة حجة، تقدم في حديث (47).
(5) قال محمد شمس الحق العظيم آبادي: يعني يوم حنين تفسير من بعض الرواة ثم قال المنذري: وأخرج مسلم قصة أم سليم في الخنجر بنحوه. (عون المعبود 7/388) وانظر حديث رقم (60).
(6) أم سليم تقدمت ترجمتها في حديث (60).
(7) أبو داود: السنن 2/65 كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل.
(8) الدارمي: السنن 2/147 كتاب السير، باب من قتل قتيلا فله سلبه. وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91أ. والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/227.(26/11)
وأخرجه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة "بقصة أبي طلحة" وزاد: قال أبو قتادة(1): "يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق عليه درع فأجهضت، فقال رجل: أنا أخذتها فارضه منها وأعطنيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم" فقال عمر(2) رضي الله عنه: "والله لا ينعمها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر".
قال الهيثمي: "قصة أبي قتادة في الصحيح(3) من حديث أبي قتادة، وهذا الحديث كله من حديث أنس".
وله طرق تأتي في غزوة حنين(4).
وأخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد والحاكم والبيهقي الجميع من طريق حماد بن سلمة به.
__________
(1) أبو قتادة الأنصاري السلمي - بفتحتين - المدني، اختلف في اسمه، شهد أحدا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرا، مات سنة (54) على الأصح. /ع. (التقريب 2/463 وتهذيب التهذيب 12/204).
(2) وقد ورد أيضا أن صاحب هذا القول أبو بكر الصديق، وسيأتي التوفيق بين القولين في الأحكام في ص 639 تعليقة (2).
(3) انظر الحديث رقم (62).
(4) موارد الظمآن ص 402 ووقع في الأصل في غزوة خيبر وهو خطأ، وذلك:
أ- أن ابن حبان ساق الحديث في غزوة حنين.
ب- قال الهيثمي عقب الحديث: وله طرق تأتي في غزوة (خيبر) ولم تأت هذه الطرق إلا في غزوة حنين.
ج- وكذا أخرج الحديث أحمد والدارمي وأبو داود والحاكم وغيرهم بلفظ غزوة حنين.(26/12)
ولفظه: عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم فجعلوها صفوفا وكثرن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل:(1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله"، فهزم الله المشركين، ولم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل كافرا فله سلبه".
قال: فقتل أبو طلحة(2) يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، وقال قتادة: "يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع له وأجهضت عنه".
وقد قال حماد: "أيضا فأجهضت عنه - فانظر من أخذها قال رجل فقال: أنا أخذتها، فارضه منها، وأعطينها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، قال: فقال رسول الله: "صدق عمر" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر" ولقى أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة: ما هذا معك: قالت: أردت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه. فقال أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم؟
قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال: "إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم"(3) لفظ أحمد.
__________
(1) يشير إلى قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}،[سورة التوبة، من الآية: 25].
(2) عند الحاكم "فقتل أبو قتادة" وهو خطأ فإن قاتل العشرين هو أبو طلحة كما هو مصرح به عند غير الحاكم، وإن أبا قتادة هو قاتل صاحب الدرع.
(3) أبو داود الطيالسي 2/ 108-109 (منحة المعبود).
وأحمد: (المسند 3/279. وابن حبان: كما في موارد الظمآن ص 417. والحاكم: المستدرك 2/130. والبيهقي: السنن الكبرى 6/306، ودلائل النبوة 3/46).(26/13)
قال الحاكم بعد إخراجه صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي.
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب ورجلا من الأنصار رضي الله عنهما قتلا صاحب راية هوازن(1).
102- وفي حديث سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى(2) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغذى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد بالجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الجمل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟".
قالوا: ابن الأكوع، قال: "له سلبه أجمع"(3).
__________
(1) تقدم الحديث برقم (58).
(2) نتضحى) أي نتغذى.
(طلقا) الطلق: قيد يتخذ من الجلود.
(من حقبه) الحقب: محركا: حبل يشد على بطن البعير مما يلي مؤخره.
(ورقة في الظهر)، الظهر: المركوب، والرقة في حال الضعف.
(ورقاء) ذات لون أسمر، والورقة: السمرة.
(فندر) ندر رأسه أي: طار عن بدنه. (ابن الأثير: جامع الأصول 8/398-399).
(3) مسلم: الصحيح 3/1374-1377 كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
وأبو داود: السنن 2/45-46 كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن. وانظر ص 1001-1004.(26/14)
103- وأخرج عبد الرزاق عن الثوري(1) عن أبي فزارة(2) عن عبد الرحمن(3) بن أبي عمرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة فقال: ألم أنه عن هذا؟
فقال رجل: "أردفتها، فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها"(4).
هذا الذي توصلت إليه من قتلى هوازن في هذه المعركة ولم تذكر المصادر أسماء القتلى سوى:
1- دريد بن الصمة.
2- عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب كان ممن حمل راية هوازن في حنين.
3- غلام نصراني لعثمان بن عبد الله.
4- الجلاح، أو اللجلاج.
5- رجل يقال له وهب.
6- ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وكان حاملا لراية بني مالك من ثقيف(5).
هكذا كانت ضحايا هوازن في هذه المعركة تعد بالمئات من القتلى.
__________
(1) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، من رءوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس (ت161) / ع. (التقريب 1/311 وتهذيب التهذيب 4/111-115).
(2) هو راشد بن كيسان العبسي- بالموحدة - أبو فزارة الكوفي، ثقة من الخامسة / بخ م ت ق. (التقريب 1/240 وتهذيب التهذيب 3/227).
(3) عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري النجاري، يقال ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة /ع. (التقريب 1/493 وتهذيب التهذيب 6/242 وعلى هذا فالحديث مرسل، ورجاله ثقات وله شواهد تقويه. انظر حديث 245، 246، 247، 248، 249،. وانظر الإصابة 3/72.
(4) المصنف: 5/201-202.
(5) انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437 و449-450 و453. والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/77 و78 و79. والسهيلي: الروض الأنف7/174-175 و177. وابن كثير: البداية والنهاية4/335.(26/15)
ب- أما عن خسارتهم في الأهل والأولاد والأموال والعتاد، فقد فقدوا أفلاذ أكبادهم وأغلى أموالهم، ذلك أن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأولادهم، وكان يهدف من رواء ذلك أن يكثر على المسلمين من ناحية وأن يحرض قومه على القتال والصمود في المعركة للدفاع عن أطفالهم ونسائهم من ناحية، وأن لا يفكر واحد منهم في الفرار. فصارت جميع تلك الأموال والنساء والنعم بأنواعها رزقا ساقه اله للمسلمين على يد هؤلاء الكفار الذين قذف الله في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشائهم وذراريهم معهم.
فعند أبي داود وغيره من حديث سهل بن الحنظلية إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله" الحديث(1).
وفي حديث انس بن مالك قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم"(2).
وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصرى من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو بن عامر وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبني مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار مع الأموال والنساء والأطفال" الحديث(3).
وفي حديث أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والإبل والنساء والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث(4).
__________
(1) تقدم الحديث برقم (50).
(2) تقدم الحديث برقم (40).
(3) تقدم الحديث برقم (23).
(4) تقدم الحديث برقم (47).(26/16)
وعند ابن إسحاق وغيره أن هوازن لما اجتمعت على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال: "وما ذاك، وقد عمي بصري وما أستمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأشير عليكم رأيي بشرط أن لا أخالف فإن ظننتم أني مخالف أقمت ولم أخرج، فقالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك، وكان جماع مرهم إليه، فقال له: لا نخالفك فيما تراه، فقال: تريد أنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم ومن بالشام وأجلى يهود الحجاز إما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا ما بعده يوم".
قال مالك: "إني لأطمع أن ترى ما يسرك، قال دريد: منزلي حيث ترى فإذا جمعت الناس سرت إليك، فلما خرج مالك بالظعن والأموال وأقبل دريد قال لمالك أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم. فانتقص به دريد وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب، وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق القوم على متون الخيل والرجال بين أصناف الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك: والله لا أفعل ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي إن هذا فاضحكم في عوراتكم وممكن منكم عدوكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال:(26/17)
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع(1)
وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها كثرة ما خرجت به هوازن من الجموع والأموال والنساء والأطفال، وأما عن إحصاء هذه الغنائم فقد ذكر ابن إسحاق:
104- أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل ما لا يدري ما عدته(2).
ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري إلا أنه قال: "وكان معه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن من النساء والذراري عدد كثير، ومن الإبل ستة آلاف بعير، ومن الشاء ما لا يحصى"(3).
وعنده ابن سعد قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم تجمع، فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة، فوقف إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الطائف وهم في حظائرهم(4) يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس(5)
__________
(1) انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 2/437-439 وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/465-467. والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/8.
(2) سيرة ابن شام: 2/488 والروض الأنف للسهيلي 7/241، 282 والبداية والنهاية لابن كثير 2/279 و4/352 وجوامع السيرة لابن حزم ص 245.
(3) تاريخ الرسل والملوك 3/86.
(4) الحظائر: جمع حظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. (ابن الأثير: النهاية 1/404).
(5) قال الزرقاني: "وإطلاق السبي على الإبل والغنم والفضة تغليب، ولم يذكر عدة البقر والحمير مع أنهما كانا معهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره أن دريد بن الصمة قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وخوار البقر".
ثم قال: "ولعله لم يذكرهما لقلتها بالنسبة لما ذكر، أو أنه لم يتحرر عدتهما". (شرح المواهب اللدنية 3/36).(26/18)
، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة"(1).
105- وقال غروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش(2) مكة منهم"(3).
هكذا ذكر أهل المغازي هذه الأعداد بدون إسناد، وقد ورد في الأحاديث الآتية:
106- ما رواه الطبري من مرسل عروة بن الزبير قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم" الحديث.
وفيه: "ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كان عدته ستة آلاف من نسائهم وأبنائهم" الحديث(4).
__________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/52والوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي ص 706 وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/472-473، وفتح الباري لابن حجر: 8/48).
(2) عرش: جمع عريش، وهي البيوت تتخذ من عيدان تنصب ويظلل عليها. (ابن الأثير: النهاية 3/207-208، ومحمد بن أبي بكر الرازي: مختار الصحاح ص 424).
(3) ابن كثير: البداية والنهاية 4/347.
(4) تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدمت تراجم رجال السند في حديث (9) وهم من رجال الحسن.(26/19)
107- وعنده أيضا قال: حدثنا ابن عبد الأعلى(1)، قال ثنا محمد(2) بن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري عن سعيد بن المسيب: "أنهم أصابوا يومئذ ستة آلف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم، قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا" الحديث(3).
ورواه عبد الرزاق وابن سعد كلاهما من طريق الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب به(4).
وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة "دون ذكر عدد السبي".
__________
(1) هو محمد بن عبد الأعلى الصناعني، القيسى، أبو عبد الله البصري، ثقة من العاشرة (ت 245) / م قد ت س ق. (التقريب 2/182 وتهذيب التهذيب 9/289).
(2) محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد، ثقة من اتاسعة (ت 190) تقريبا، د س. (التقريب 2/149 وتهذيب التهذيب 9/87). وتقدمت تراجم بقية الرواية في حديث (32) و(36) و(48) (71) وهم ثقات.
(3) الطبري: جامع البيان 10/102.
(4) عبد الرزاق: المصنف 5/ 381 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/155.(26/20)
108- ولفظه عن ابن شهاب عن عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، الحديث وفيه "فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا أحدى الطائفتين، قالوا: فانا نختار سبينا"(1).
قال ابن حجر: "تقدم ذكر الحديث من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية(2) أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر في عن إدراك القصة، ومروان أصغر منه، نعم كان المسور في قصة(3) حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي بن أبي طالب لابنة أبي جهل، والله أعلم(4) إهـ.
__________
(1) البخاري: الصحيح 3/87 كتاب الوكالة، باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز. و129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا الخ. و137 "كتاب الهبة" باب من رأى الهبة الغابة جائزة. و141 باب إذا وهب جماعة لقوم. 4/70 كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين. و5/126 كتب المغازي، باب ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم. و9/59 كتاب الحاكم، باب العرفاء للناس.
(2) انظر:صحيح البخاري3/165كتاب الشروط،باب ما يجوز من الشروط في الإسلام.
(3) يريد قصة وفد هوازن يوم حنين.
(4) فتح الباري 5/313 و8/33.(26/21)
109- وأخرج الحاكم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد(1) بن يعقوب ثنا الحسين(2) بن علي القباني ثنا المنذر(3) بن الوليد الجارودي ثنا عبد الأعلى(4) بن عبد الأعلى ثنا يحيى(5) بن سعيد الأنصاري حدثني أبو الزبير(6) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف في غزوة حنين فلما بلغ الجعرانة قسم فضة بين الناس"(7).
ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وسكت عنه الذهبي.
والأحاديث الواردة في هذا الباب فيما غنمه المسلمون من هوازن كثيرة جدا تقدم بعضها في مبحث "استعداد هوازن العسكري"(8).
__________
(1) محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأخرزم، ويعرف أبوه بابن الكرماني (250-344) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/864).
(2) في الأصل "الحسن" ولعله الحسين بن محمد بن زياد العبدي النيسابوري أبوعلي الحافظ المعروف بالقباني، فإنه من شيوخ ابن الأخرم، وهوثقة حافظ مصنف (انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 2/680-682 وتهذيب التهذيب 2/368-369 والتقريب 1/179 كلاهما لابن حجر).
(3) المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب العبدي الجارودي البصري ثقة، من صغار العاشرة / خ د. (التقريب 2/275 وتهذيب التهذيب 10/304).
(4) هو السامي ثقة تقدمت ترجمته في حديث (64).
(5) يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، ثقة ثبت من الخامسة (ت144) أو بعدها. /ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/221 وقد سقط الحكم عليه من التقريب الطبعة المصرية وهو ثابت في التقريب الطبعة الهندية ص 376).
(6) هو محمد بن مسلم بن تدرس - بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء - الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، صدوق، إلا أنه يدلس من الرابعة (ت 126) / ع. (التقريب 2/207 وتهذيب التهذيب 9/440).
(7) المستدرك 2/121.
(8) ص 166.(26/22)
وسيأتي بعضها أيضا في الباب الثاني عند التعرض لقسم الغنائم وهذه الغنائم تتمثل في الإبل والغنم والبقر والسبي وهي غنائم كثيرة لم تحصل للمسلمين في غزواتهم والأموال، فآلت هذه كلها إلى المسلمين غنيمة ساقها الله عليهم.
وكانت هذه الغنائم التي حازها المسلمون في غزوة حنين قد سيقت إلى الجعرانة وحفظت هناك حتى عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف.
وقد اختلفت الروايات الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفظ الغنائم وهي على النحو الآتي:
110 أ- قال ابن إسحاق: ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود(1) بن عمرو القاري، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست(2) بها".
ب- وفي مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى يوم حنين ستة آلاف بين غلام وامرأة فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب(3).
111- ج- وأخرج البخاري في التاريخ قال:
__________
(1) مسعود بن عمرو القاري - بالتشديد بغير همز، من القارة، كان على المغانم يوم حنين، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة. (انظر: الاستيعاب لابن عبد البر3/452 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 5/164 والإصابة لابن حجر3/412 ووقع في سيرة ابن هشام والروض الأنف والبداية والنهاية وشرح المواهب اللدنية (الغفاري) بدل "القاري" وهو خطأ).
(2) سيرة ابن هشام 2/459، وتاريخ الرسل الملوك للطبري 3/8 والروض الأنف للسهيلي 7/184 والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/29).
(3) عبد الرزاق: المصنف 5/380-381 وتقدم الحديث برقم (107).(26/23)
حدثني سعيد(1)بن يحيى قال حدثني أبي(2)عن ابن إسحاق(3) فحدثني ابن أبي عبلة(4) عن ابن بديل(5) بن ورقاء عن أبيه(6) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه فحبسه"(7).
__________
(1) سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو عثمان البغدادي، ثقة ربما أخطأ من العاشرة (ت 249) / خ م د س ت. (التقريب 1/308 وتهذيب التهذيب 4/97-98).
(2) هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو أيوب الكوفي نزيل بغداد، لقبه الجمل، صدوق يغرب، من كبار التاسعة (ت 194) / ع. (التقريب 2/348 وتهذيب التهذيب 11/213) وهدي الساري ص: 451.
(3) هو محمد بن إسحاق بن يسار، صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث، تقدم ترجمته في حديث رقم (1) ووقع في الاستيعاب "عن أبي إسحاق" وهو خطأ.
(4) هو إبراهيم بن أبي عبلة - بفتح المهملة وسكون الموحدة - واسمه شمر - بكسر المعجمة وسكون الميم - ابن يقظان الشامي، يكنى أبا إسماعيل ثقة من الخامسة (ت 152) / خ م د س ق. (التقريب 1/39 وتهذيب التهذيب 1/142 والخلاصة للخزرجي 1/50).
(5) بديل بن ورقاء له ابنان عبد الله وعبد الرحمن وهما صحابيان ولعل الوارد في الحديث أحدهما وقد ورد أن بديلا وابنه عبد الله شهدا حنينا والطائف. (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 1/165، 2/268 مع الإصابة، وأسد الغابة لابن الأثير 1/203-204، 3/184، 429، والإصابة لابن حجر 2/280).
(6) هو بديل بن ورقتاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى الخزاعي، وكان من مسلمة الفتح، وقال بعضهم أسلم هو وابنه عبد الله وحكيم بن حزام يوم فتح مكة بمر الظهران.(الاستيعاب لابن عبدالبر1/165وأسدالغابة1/203)والإصابة1/141).
(7) البخاري: التاريخ الكبير 2/141.(26/24)
والحديث رواه البزار والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم(1) بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن سعيد الأموي به(2).
وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار عن ابن بديل عن أبيه ولم يسم ابن بديل، وبقية رجاله ثقات(3).
وأورده ابن حجر ثم قال: رواه البخاري في تاريخه والبغوي وإسناده حسن(4).
__________
(1) إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق الطبري: نزيل بغداد، ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة، (ت في حدود 250) م عم، (التقريب 1/35 وتهذيب التهذيب 1/123-124) وتاريخ الخطيب البغدادي 6/93-95، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/515-516 ولم يذكروا إبراهيم بن سعيد في تلاميذ يحيى - ولا في شيوخ البزار فالله أعلم. كما أنه وقع عند الطبراني في الكبير، ومنتخب كنز العمال (إبراهيم بن سعد الجوهري).
(2) البزار كما في كشف الأستار 2/353 والطبراني في المعجم الكبير 2/16 والأوسط كما في مجمع البحرين 2/244 رقم (77) وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا ابن إسحاق، تفرد به يحيى.
(3) مجمع الزوائد 6/186 وانظر كنز العمال 10/351 ومنتخب كنز العمال 4/166 مع (مسند أحمد) كلاهما لعلاء الدين المتقي الهندي.
(4) الإصابة 1/141.(26/25)
د- قال ابن حجر: قال الزبير(1) بن بكار: حدثني محمد(2) بن سلام حدثني يزيد(3) بن عياض قال:
__________
(1) الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني أبو عبد الله بن أبي بكر، قاضي المدينة، ثقة، أخطأ أحمد بن علي السليماني في تضعيفه، من صغار العاشرة (ت 256) / ق. (القريب 1/257 وتهذيب التهذيب 3/312) إلا أنه رمز لمن أخرج له (ت) وهو خطأ وانظر الخلاصة للخزرجي 1/333 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/528.
(2) محمد بن سلام بن فرج، السلمي مولاهم، البيكندي - بكسر الموحدة وسكون التحتانية وفتح الكاف وسكون النون - أبو جعفر، مختلف في لام أبيه، والراجح التخفيف، ثقة ثبت، من العاشرة (ت 227) / خ. (التقريب 1/257 وتهذيب التهذيب 9/212).
(3) يزيد بن عياض بن جعدية - بضم الجيم والمهملة ساكنة - الليثي أبو الحكم المدني، نزيل البصرة، وقد ينسب لجده كذبه مالك وغيره، من السادسة/ ت ق. (التقريب 2/369 وتهذيب التهذيب11/352 وميزان الاعتدال للذهبي4/436-438).(26/26)
112- استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على النفل يوم حنين أبا الجهم(1) بن حذيفة العدوي، فجاء خالد(2) بن البرصاء فتناول زماما من شعر فمنعه أبو جهم فقال: "إن نصيبي فيه أكثر، فتدافعا فعلاه أبو جهم فشجه(3) منقلة، فقضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة فريضة، ورواه الزبير من وجه آخر موصولا ولم يسم خالدا، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاجه(4) رجل فضربه أبو جهم فشجه فذكر الحديث بمعناه ولم يسم خالدا أيضا.(5)اهـ.
قلت: والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة(6)
__________
(1) أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي، كان من مسلمة الفتح كان عالما بالنسب وكان أحد من تولى دفن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثبت ذكره في الصحيحين من طريق عروة عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال: اذهبوا بخمصيتي هذه إلى أبي جهم وأئتوني بأنبجانية أبي جهم. (الإصابة لابن حجر 4/35-36).
(2) خالد بن البرصاء، هو ابن مالك بن قيس بن عوف الكناني الليثي والبرصاء أمه وقيل أم أبيه. (المصدر السابق 1/274و289و402).
(3) الشج في الرأس خاصة في الأصل، ثم استعمل في غيره من الأعضاء. والمنقلة: هي التي تخرج منها صغار العظام، وتنتقل عن أماكنها، وقيل: التي تنقل العظم: أي تكسره. (ابن الأثير: النهاية 2/445و5/110).
(4) فلاجه: نازعه وخاصمه من اللجاج، وفي نسخة للخطابي: فلاحاه: بالحاء المهملة منقوصا وهما بمعنى. (محمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 12/266).
(5) الإصابة 1/402 وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/482.
(6) وانظر الحديث عند أبي داود في سننه 2/489 كتاب الديات، باب العامل يصاب على يديه خطأ.
والنسائي: السنن 8/31 كتاب القسامة، باب السلطان يصاب على يديه.
وابن ماجه: السنن 2/881 كتاب الديات، باب الجارح يفتدي بالقود.
ولكن الحديث عن أصحاب السنن إنما هو في جباية الصدقة.(26/27)
.
والخلاصة: أن الأحاديث الواردة فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغنائم يوم حنين أمثلها حديث بديل بن ورقاء، وأما حديث ابن إسحاق فإنه ذكر ذلك بدون إسناد.
وأما ما رواة عبد الرزاق من توليه أبي سفيان، فقال الزرقاني: هذا فيه نظر فإن أبا سفيان شهد الطائف، فإن صح فكأنه جعله عليها أولا ثم بداله فجعل غيره وسار هو معه.
وحديث الزبير بن بكار معضل.
وما ذكر من الموصول، فإنه وارد في جباية الصدقات لا في الغنائم.
وأيضا فإن خالد بن البرصاء الذي هو صاحب القصة غير موجود في الحديث الموصول.
على أنه يمكن التوفيق بين هذه الآثار بجواز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ولاهم جميعا على حفظ الغنائم بجعل كل واحد منهم على نوع من الغنائم، وهذا غير بعيد لأن الغنائم كانت كثيرة جدا ومتنوعة من السبايا والبقر والإبل والغنم والحمير، وهذه الأنواع الكثيرة تحتاج في حفظها إلى تعدد الولاة المسئولين عنها، نظرا لكثرتها فلا يقوم بها إلا عدد من الولاة. والله أعلم.
المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة
كانت إصابات المسلمين في هذه الغزوة طفيفة رغم خطورة المعركة وشدة وطأتها وضخامتها، وهذه الإصابات تتمثل في جراحات لحقت بعضهم واستشهاد أربعة منهم كما تدل على ذلك الأحاديث الآتية:
113- ما رواه البخاري قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل(1) رأيت بيد بن أبي أوفى ضربة قال: "ضربتها مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين".
قلت: "شهدت حنينا؟"
قال: "قبل(2)
__________
(1) إسماعيل: هو ابن أبي خالد الأحمسي مولاهم. وابن أبي أوفى: هو عبد الله بن أبي أوفى.
(2) قوله:(قبل ذلك)قال ابن حجر:مراده بما قبل ذلك من قبل حنين من المشاهد،وأول مشاهده الحديبية فيما ذكره من صنف في الرجال،ووقفت في كتاب الجهاد من البخاري مايدل على أنه شهد الخندق(فتح الباري8/28وتهذيب التهذيب6/152)
وحديث البخاري المشار إليه أخرجه البخاري في 4/35 كتاب الجهاد، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ولفظه عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله ابن أبي أوفى يقول: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم أهزم الأحزاب اللهم أهزمهم وزلزلهم".(26/28)
ذلك(1).
والحديث رواه الحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وابن سعد كلهم من طريق إسماعيل بن أبي خالد.
ولفظه عند الحميدي: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: "اعتمرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نستره حين طاف من صبيان أهل مكة لا يؤذونه".
قال سفيان(2): "أراه في عمرة القضاء".
قال إسماعيل: "وأرانا ابن أبي أوفى ضربة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين"(3).
ورواه أحمد وفيه زيادة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وفيه قال إسماعيل: "ورأيت بيده ضربة على ساعده فقلت: ما هذه؟"
قال: "ضربتها يوم حنين، فقلت له أشهدت معه حنينا؟"
قال: "نعم وقبل ذلك"(4).
114- ما رواه الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: ثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن(5)
__________
(1) الصحيح 5/126 كتاب المغازي، باب ويم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم.
(2) هو ابن عيينة.
(3) الحميدي: المسند 2/314 وابن أبي شيبة: التاريخ ص 91 ب وابن سعد: الطبقات الكبرى 4/301.
(4) المسند 4/355.
ولفظ الحديث عند أحمد: عن إسماعيل عن عبد الله بن أبي أوفى قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فطاف باليت وطفنا معه وصلى خلف المقام وصلينا معه، ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة ونحن معه نستره من أهل مكة لا يرميه أحد أو يصيبه أحد بشيء، قال: فدعا على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". قال: ورأيت بيده ضربة على ساعده. الحديث.
(5) عبد الرحمن بن أزهر الزهري، أبو جبير، المدني، ابن عم عبد الرحمن بن عوف، وقيل غير ذلك، صحابي صغير، شهد حنينا.
قال ابن سعد: "وهو نحو ابن عباس في السن"، مات قبل الحرة / د س. (التقريب 1/472، تهذيب التهذيب 6/135-136).(26/29)
بن أزهر قال: جرح خالد(1) بن الوليد يوم حنين فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟"
فخرجت أسعى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟
حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له، وأرى(2) فيه: نفث عليه(3).
والحديث صحيح وقد رواه أيضا عبد الرزاق وأحمد وأبو عوانة كلهم من طريق الزهري انه سمع عبد الرحمن بن أزهر يسأل عن رحل خالد بن الوليد. الحديث(4).
وفي حديث أنس بن مالك عند البزار في وصف المعركة وفيه: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغَرْزها(5)، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذ شخص قد أقبل، فقال: إليك من أنت؟"
قال: "أنا أبو بكر فداك أبي وأمي وبه بضعة عشر ضربة، ثم إذا شخص أقبل وبه بضعة عشر ضربة، فقال: إليك من أنت؟"
فقال علي بن أبي طالب: "فداك أبي وأمي". الحديث(6).
__________
(1) خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، سيف الله، يكنى أبا سليمان، من كبار الصحابة وكان إسلامه بين الحديبية والفتح، وكان أميرا على قتال أهل الردة وغيرها من الفتوح، إلى أن مات سنة 21أو22 / خ م د س ت. (التقريب 1/219 وتهذيب التهذيب 3/124).
(2) أرى: بضم الهمزة أي أظن.
(3) والنفث: شبيه بالنفخنه وهو أقل من النفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق. (ابن الأثير: النهاية 5/88). مسند الحميدي 2/398.
(4) مسند أحمد 4/88 و350 - 351، ومصنف عبد الرزاق 5/380-381 ومسند أبي عوانة 4/203.
(5) الغرز: بفتح أوله وسكون ثانية ثم زاي، هو ركاب البعير. (ابن حجر: هدي الساري ص 162).
(6) تقدم الحديث مع الحكم برقم (53) وسياقه بتمامه في مبحث "خسائر المشركين في هذه المعركة" ص 224.(26/30)
هذا ما توصلت إليه من الإصابات التي لحقت بالمسلمين وأما الذين استشهدوا في حنين فقد ذكر ابن إسحاق إمام أهل المغازي والسير أربعة(1).
115- حيث قال: "وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين، من قريش ثم من بني هاشم":
1- أيمن(2) بن عبيد.
ومن بنى أسد بن عبد العزى:
2- يزيد(3) بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. جمح به فرس يقال له الجناح(4) فقتل.
ومن الأنصار:
3- سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان(5).
ومن الأشعريين:
__________
(1) وزاد ابن حجر في الإصابة 1/13 آبي اللحم الغفاري بأنه شهد حنينا وقتل بها بلا خلاف.
(2) أيمن بن عبيد عمرو بن بلال بن أبي الجرباء بن قيس بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو ابن أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الزرقاني: كذا نسبه إلى الخزرج ابن سعد وابن مندة، وأما أبو عمر بن عبد البر، فقال: الحبشي،وقد فرق ابن أبي خيثمة بين الحبشي وبين ابن أم أيمن وهو الصواب. فإن أيمن بن عبيد الحبشي أحد من جاء مع جعفر بن أبي طالب، قاله في الإصابة، والخزرجي أحد الثابتين في حنين(انظر: الطبقات الكبرى: لابن سعد2/152 والاستيعاب لابن عبد البر 1/88 مع الإصابة وأسد الغابة لابن الأثير 1/189 والإصابة لابن حجر 1/92 و4/432 وشرح المواهب للزرقاني 3/24).
(3) وانظز: الاستيعاب لابن عبد البر 3/647-648 مع الإصابة. وأسد الغابة لابن الأثير 5/488 والإصابة لابن حجر: 3/655-656.
(4) الجناح: بلفظ جناح الطائر. (الزرقاني: شرح المواهب 3/24).
(5) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة وأسد الغابة لابن الأثير 2/329، والإصابة لابن حجر 2/18.(26/31)
4- أبو عامر(1) الأشعري(2).
هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقة أخرجه الطبري(3)، وخليفة بن الخياط(4) إلا أنه قال: سراقة بن "الحباب"، بدل سراقة بن "الحارث"(5).
وذكر الواقدي ما ذكره ابن إسحاق إلا أنه جعل الثاني "رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان".
وذكر يزيد بن زمعة فيمن استشهد بالطائف(6).
هذا ما وقفت عليه في عدد شهداء المسلمين في غزوة حنين.
__________
(1) اسمه عبيد بن سليم بن حضار، وهو عم أبي موسى الأشعري، وقيل عبيد بن وهب. (انظر:الاستيعاب2/371-و4/135 مع الإصابة، وأسد الغابة 3/367 و541 و6/186-188 واللباب 1/64 كلاهما لابن الأثير، والإصابة لابن حجر 2/359 و4/123 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/105و357) وانظر حديث (118)، (119).
(2) سيرة ابن هشام 2/459 والروض الأنف للسهيلي 7/183 وجوامع السيرة لابن حزم ص 241، مجمع الزوائد للهيثمي 6/189-190.
(3) تاريخ الرسل والملوك 3/81.
(4) تاريخ خليفة بن خياط ص 88-89.
(5) قال ابن الأثير: جعل أبو عمر بن عبد البر سراقة بن الحارث، وسراقة بن الحباب ترجمتين وجعلهما قتلا يوم حنين.
وأما ابن مندة وأبو نعيم فلم يذكرا إلا سراقة بن الحباب، والحق معهما فإنهما واحد. وإنما عبد الملك بن هشام روى عن زياد بن عبد الله البكائي عن ابن إسحاق فيمن قتل بحنين، فقال: سراقة بن الحارث، وروى يونس بن بكير عن إسحاق فقال: "سراقة بن الحباب، فالحق مع ابن مندة وأبي نعيم، هما واحد، فلوقالا: - يعني ابن مندة وأبا نعيم - وقيل: سراقة بن الحارث لكان حسنا وأما بأن يكونا اثنين فلا".
قال ابن حجر: "وكذا نبه عليه ابن فرحون". (انظر الاستيعاب لابن عبد البر 2/119 مع الإصابة إلا أن عنده سراقة بن أبي الحباب، وأسد الغابة لابن الأثير 2/329 والإصابة لابن حجر 2/18).
(6) مغازي الواقدي 3/922، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/152، وهكذا ذكر الزبير بن بكار: يزيد بن زمعة في شهداء الطائف. انظر: أسد الغابة لابن الأثير 5/488)(26/32)
وبعض(1) الباحثين المعاصرين يستبعد ذلك ويرى أن قتلى المسلمين في هذه الغزوة يبلغون المئات، مستدلا بشدة المعركة وضراوتها وانهزام المسلمين في بداية المعركة أمام نبال قبائل هوازن التي صبت عليهم وادعي أن المؤرخين سجلوا ما نقله الرواة بأمانة لكن واقع المعركة وجودها يقتضي مزيدا من الضحايا، وأخذ يذكر أنه لا يوجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قسم إداري يهتم بإحصاء عدد القتلى ويقدم بهم قوائم وفق النظام المتبع في الجيوش العصرية، ولا يوجد ديوان إحصاء للجند يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش الإسلامي، بحيث يمكن الرجوع إلى هذا السجل لمعرفة عدد الشهداء المفقودين، وأضاف أن الجيش الإسلامي مؤلف من قبائل متفرقة فلما انتهت المعركة عادوا إلى أماكنهم كل قبيلة تعرف شهداءها، وفات تسجيل ذلك على المؤرخين لأن الاهتمام بتدوين أخبار المغازي والحروب الإسلامية لم يكن إلا في أواسط القرن الثاني الهجري، فلا يتمكن العلماء في هذا الزمن المتأخر من الاتصال بأولئك البدو المتفرقين في جنبات الجزيرة.
هذه خلاصة أدلة هذا الباحث في استبعاد أن يكون شهداء المسلمين في هذه الغزوة أربعة فقط كما ذكر ذلك المؤرخون المختصون بذلك.
__________
(1) هو: محمّد أحمد باشميل. انظر: (كتابه: غزوة حنين، ص: 355-358).(26/33)
والظاهر أن ما ذكره من الأدلة غير مسلم به في جملته لأن فرار المسلمين أمام نبال هوازن لا يلزم منه كثرة القتل في المسلمين وإنما يلزم منه كثرة الإصابات من جراحات وغير ذلك، ولأن عدم وجود قسم إداري يهتم بالإحصاء وعدم وجود سجل يدون فيه عدد الجيش الإسلامي لا يلزم منه هذه المفارقات الكبيرة في تسجيل الأحداث، ذلك أنّ المؤرخين المختصين قالوا: إن عدد القتلى أربعة فقط وصاحب هذه الدعوى يقول عنهم يبلغون المئات والتوفيق في مثل هذه الحال بين هذين القولين محال، ولا يمكن أن يفوت على المسلمين مئات القتلى منهم دون أن يشيروا إلى ذلك، وهذا مخالف لما عرف عن المسلمين من الاهتمام بالشهداء، ومخالف لما هو معلوم مطرد في المعارك الأخرى من ذكر المسلمين لعدد شهدائهم، وهذا يبعد القول بأن الشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضاً ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضا ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء المعركة، ولأن القبائل على تفرقها تفتخر بشهيد المعركة وتسجيل له ذلك الموقف شعرا ونثرا، وأيضا فقد أحصى المسلمون عدد السبي والإبل والشاء مما غمنوه في هذه الموقعة، أفلا يحصون عدد شهدائهم؟
فعلينا أن ننتهي إلى ما انتهى إليه علماؤنا ولا نتعدى ذلك إلا بأدلة واضحة لا بمجرد الاستنتاج والتلمسات البعيدة.(26/34)
الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس.
الفصل الثاني: في غزوة الطائف.
الفصل الثالث: في تقسم الغنائم.
الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف.
الفصل الأول: تعقب الفارين نحونخلة وأوطاس
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: التوجه نحونخلة.
المبحث الثّاني: سرية أوطاس.
المبحث الثّالث: موقف الشيماء وبجاد.
المبحث الأول: التوجه إلى النخلة
لما انهزم المشركون في موقعة حنين وباءوا بالفشل انسحبوا على إثر ذلك وتفرقوا في الجبال والأودية يجرون ذيل الخزي والندامة، تاركين وراءهم كثيرا من أطفالهم ونسائهم وأموالهم، وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطاردتهم وتعقبهم تأديبا لهم حتى لا تسول لهم أنفسهم أن يتكتلوا أو ينقضوا على المسلمين مرة أخرى.
116- قال ابن إسحاق:ولما انهزم المشركون، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس(1)
__________
(1) أوطاس: بفتح الهمزة وسكون الواو وطاء وسين مهملتين.
قال أبو عبيد: "هو واد في ديار هوازن، وهناك عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين".
وقال الديار بكري: "أوطاس واد معروف في ديار هوازن بين حنين والطائف". وقال القاضي عياض: "هو واد في دار هوازن وهو موضع خرب حنين. قال ابن حجر:وهذا الذي قاله ذهب إليه بعض أهل السير".
والراجح: أن وادي أوطاس غير وادي حنين، ويوضح ذلك ما ذكر ابن إسحاق أن الوقعة كانت في وادي حنين، وأن هوازن لما انهزموا صارت طائفة منهم إلى الطائف، طائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرا مقدمهم أبوعامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس كما يدل عليه حديث الباب:يعني بحديث الباب، حديث البخاري لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على الجيش إلى أوطاس وسيأتي الحديث برقم (118).
(فتح الباري8/42 وتاريخ الخميس 2/107 وشرح المواهب اللدنية3/25 والقاموس المحيط 2/257، ومعجم ما استعجم لأبي عبيد 1/212 قلت:ويدل على الفرق بين حنين وأوطاس: الآن يسمى (أم خرمان) وحنين يسمى (الشرائع) انظر التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 346و471و654) وقد حصل في فتح الباري خطأ مطبعي فقال (أبو عبيدة) والصواب أبو عبيد، وقال: (بجيلة) والصواب نخلة.(27/1)
وتوجه بعضهم نحو نخلة(1)، ولم يكن فيمن توجه نحو النخلة إلا بنو غيرة(2) من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا(3)، فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس - وكان يقال له ابن الدغنة(4)
__________
(1) هي نخلة يمانية، وهو واد يصب فيه يدعان، وبه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه عسكرت هوازن يوم حنين (معجم البلدان لياقوت 5/277) ويدعان:يسمى الآن (جدعان) وهو بين سبوحة والشرائع، وسبوحة: بفتح السين المهملة وضم الموحدة – واد لهذيل يصب في نخلة اليمانية من الجنوب بطرف الزيمة من مغيب الشمس، يأتي سيله من جبلي كنثيل والأشعر، تبعد عن مكة (43) كيلا على طريق البمانية حيث يطؤها الطريق هنالك، وعن الزيمة كيلين فقط (المجازيين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 268).
والتعليق على كتاب مناسك الحج للحربي لحمد الجاسر ص 353، ومعالم مكة المكرمة التاريخية لعاتق بن غيث البلادي ص 129.
(2) في مغازي الواقدي بنو (عنزة) وهو خطأ.
(3) الثنايا: العقاب، والعقاب: جبال طوال بعرض الطريق، فالطريق تأخذ فيها، وكل عقبة مسلوكة ثنية وجمعها ثنايا (لسان العرب 18/134) وقال البلادي: هذه الثنايا: تخرج أولاها من رأس حنين على قرابة (50) كيلا شرق مكة ثم تقابلها أخرى قرب الخليصة، ثم أخرى تخرجك على وادي قرن المنازل قرب دحنا، ثم يأتي طريقها الطائف من الشمال من جهة المليساء، (معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص 71-72).
(4) الدغنة: بفتح الدال المهملة، وكسر الغين المعجمة ونون خفيفة، ويقال بضم الدال والغين.
ويقال: الذعنة: بالذال المعجمة، وفتح عين مهملة وسكونها،وهي أمه، وليس هوابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة (فتح الباري:8/42 وكتاب المغني لابن طاهر الهندي ص 30، وقال ابن هشام:ويقال اسم الذي قتل دريد:عبد الله بن قنيع ابن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة، ويقال له:(ابن لذعة) (سيرة ابن هشام 2/253، وأسد الغابة لابن الأثير 2/11 ابن لدغة).(27/2)
وهي أمه، فأناخ به، فإذا شيخ كبير(1)، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد:ماذا تريد؟
قال:أقتلك.
قال:ومن أنت؟
قال:أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه فلم يغن شيئا فقال:بئس ما أسلحتك أمك!.
خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، وكان الرحل في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام (2)، واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب - والله - يوم قد منعت فيه نساءك.
فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف، فإذا عجانه (3) وبطون فخذيه مثل القرطاس(4) من ركوب الخيل أعراء (5)، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه.
فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات(6) لك ثلاثا(7).
هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد.
والحديث أخرجه الطبري من طريق سلمة(8) بن الفضل الأبرش، والطحاوي من طريق عبد الله(9) بن إدريس، والبيهقي من طريق يونس(10) ابن بكير الجميع من طريق ابن إسحاق(11)
__________
(1) وعند الواقدي في المغازي 3/915: وهو شيخ كبير ابن ستين ومائة. ويروى هذا أيضا عن ابن إسحاق (انظر الروض الأنف 7/201).
(2) عند الواقدي 3/915:وارفع عن ((الطعام)).
(3) عجانة: ما بين فرجيه (ابن منظور:لسان العرب 17/149)
(4) عند الواقدي: مثل القراطيس.
(5) أعراء: جمع عرى بوزن (قفل) وهو الفرس الذي لا سرج له، (لسان العرب لابن منظور 19/226).
(6) وعند الواقدي: "في غداة واحدة، وجز ناصية أبيك قال الفتى:لم أشعر وفي الإصابة:2/507 فقالت له أمه:ألا تكرمت عن قتله لما أخبرك بمنه علينا، فقال: "ما كنت لأتكرم عن رضا الله ورسوله".
(7) سيرة ابن هشام 2/453-454.
(8) صدوق كثير الخطأ تقدم في حديث (32).
(9) ثقة فقيه عابد تقدم في حديث (32).
(10) صدوق يخطئ تقدم في حديث (23).
(11) الطبري:تاريخ الرسل والملوك 3/78-79.
والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224.
والبيهقي: دلائل النبوة 3/47أ.
وانظر مغازي الواقدي 3/914-915، وجوامع السيرة لابن حزم 240 والروض الأنف للسهيلي 7/177 وأسد الغابة 2/211. والكامل في التاريخ 2/179 كلاهما لابن الأثير. والبداية والنهاية لابن كثير 4/337 وفتح الباري 8/42. والإصابة 2/507 كلاهما لابن حجر.(27/3)
.
والحديث يدل على أن قاتل دريد بن الصمة هوربيعة بن رفيع (1)، وقد أخذ الشافعي - رحمه الله - من هذا جواز قتل الشيخ الكبير الذي لا يستطيع القتال، فقد جاء في الأم للشافعي ما نصه:
117- قال الربيع (2) بن سليمان قال: قال الشافعي قتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله.
ثم قال الشافعي: "وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام والجزية".
قال البيهقي: "الأعمى هو الزَّبِيْر بن باطا القرظي"(3).
وأورد الطحاوي حديث أبي موسى الأشعري في بعث أبي عامر إلى أوطاس وفيه "فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه".
ثم قال: قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى هذا، فقالوا:لا بأس بقتل الشيخ الكبير في الحرب، فاستدلوا على ذلك بحديث ابن إسحاق في قتل ربيعة بن رفيع دريدا، ثم قال: قالوا: فلما قتل دريد، وهو شيخ كبير فانٍ لا يدافع عن نفسه، فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، دل ذلك أن الشيخ الفاني يقتل في دار الحرب، وأن حكمه في ذلك حكم الشبان لا حكم النسوان.
__________
(1) تقدم الخلاف في قاتل دريد تحت حديث (97).
(2) الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، أبو محمد المصري المؤذن صاحب الشافعي ثقة من الحادية عشرة (ت 270) / د س ق (التقريب 1/245، تهذيب التهذيب 3/245-246 والخلاصة للخزرجي 1/319 ورمز له في تهذيب التهذيب / 4 د س ق والصواب أخرج له الأربعة كما في تهذيب التهذيب 3/246 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/586 ومقدمة تحفة الأحوذي 2/53.
(3) السنن الكبرى للبيهقي 9/92 وانظر قصة الزبير بن باطا مفصلة في سيرة ابن هشام 2/242-243.(27/4)
ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا ينبغي قتل الشيوخ في دار الحرب، وهم في ذلك، كالنساء والذرية، ثم أورد ما استدلوا به من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الشيوخ والنساء، ثم قال: فدل ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل، ولكن لما روى حديث دريدا هذا، وهذه الأحاديث الأخر، وجب أن تصحح، ولا يدفع بعضها ببعض".
فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب، من قتال ولا رأي.
وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب، كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال، ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها، فإذا كان ذلك كذلك قتلوا.
ثم أورد حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه تقاتل"(1).
أي فلا تقتل، فإنها لا تقاتل، فإذا قاتلت قتلت، وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها.
وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا، دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة، إذا كانت أيضا ذات تدبير في الحرب، كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب.
ثم قال: فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار(2).
قلت: وما قال الطحاوي هو الصواب جمعا بين الأدلة وإذا أمكن الجمع تعين المصير إليه إذ إن العمل بجميع الأدلة أولى من ترك بعضها.
وقد ذكر أهل المغازي أن هوازن خرجت بدريد بن الصمة معها للتيمن برأيه ومعرفته بالحرب فدل على أن قتله كان لما له رأي في الحرب والمشورة.
المبحث الثاني: سرية أوطاس
__________
(1) انظر: الحديث في أبي داود 2/49و50 كتاب الجهاد باب في قتل النساء.
(2) الطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224-225.
وانظر: ابن التركماني:الجوهر النقي 9/92-93 مع سنن البيهقي وعون المعبود 7/329-330.(27/5)
كانت هذه السرية في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وكانت بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه.
وسببها أن هوازن لما انهزمت في حنين، ذهبت فرقة منهم، فيهم رئيس هوازن مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها(1).
وسارت فرقة فعسكرت بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وأمره على جمع من الصحابة فيهم أبو موسى الأشعري وسلمة بن الأكوع، والزبير بن العوام. توضح هذا الموقف الأحاديث الآتية:
ما رواه ابن إسحاق قال: ولما انهزم المشركون أتوا الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قِبل أوطاس أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه (2) القتال، فرمي أبو عامر بسهم فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري، وهو ابن عمه(3) فقاتلهم ففتح الله على يديه وهزمهم، فيزعمون أن سلمة بن دريد هوالذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم، فأصاب ركبته فقتله، فقال:
إن تسألوا عني فإني سلمة ... ابن سماد ير لمن توسمه(4)
أضرب بالسيف رؤوس المسلمة
وسماد ير أمه (5).
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير 4/337 وتاريخ الخميس للديار بكري 2/107.
(2) تناوش القوم في القتال إذا تناول بعضهم بعضا بالرماح ولم يتدانوا كل التداني (لسان العرب لابن منظور 8/254).
(3) قال ابن حجر: كذا قال ابن إسحاق، والأشهر أن أبا عامر عم أبي موسى الأشعري (فتح الباري 8/42 و11/137و141).
(4) توسمه: أي تفرس فيه (لسان العرب 16/123).
(5) سيرة ابن هشام2/454 وانظر حديث رقم (116) والطبري: تاريخ الرسل والملوك3/80 والواقدي: المغازي 3/915 وابن سعد: الطبقات الكبرى: 2/151-152 وابن حزم: جوامع السيرة ص 241، والسهيلي: الروض الأنف 7/178 وابن الأثير: الكامل 2/180 وابن كثير: البداية والنهاية 4/337 و338. وابن حجر فتح الباري 8/42 والديار بكري: تاريخ الخميس 2/107، والزرقاني: شرح المواهب 3/ 24.(27/6)
قال الألباني: "هكذا ذكره ابن إسحاق بدون إسناد وهو صحيح، ومعناه في البخاري وابن جرير من حديث أبي موسى الأشعري"(1).
قلت: "والحديث أخرجه أيضا مسلم وغيره وهذا سياقه عند البخاري":
118- حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة(2) عن بريد(3) ابن عبد الله عن أبي بردة (4) عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "لما فرغ(5) النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل(6) دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي(7) بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت:يا عم(8) من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك(9) قاتلي الذي رماني، فقصدت له(10) فلحقته فلما رآني ولى(11) فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، فكف(12)، فاختلفنا(13) ضربتين
__________
(1) تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي ص: 425.
(2) هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي مولاهم أبو أسامة الكوفي.
(3) بريد: بالموحدة والراء، ووقع في معاني الآثار 3/224: (يزيد) بالمثناة التحتية والزاي وكذا في الاستيعاب 4/135 مع الإصابة وهو خطأ.
(4) قيل: اسمه عامر، وقيل الحارث، وقيل: اسمه كنيته.
(5) عند الطبري: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر الخ.
(6) تقدم الخلاف في قاتله نحن حديث رقم (97).
(7) جشمي: بضم الجيم وفتح المعجمة، أي رجل من بني جشم. وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: "رماه رجل من بني جشم".
(8) عند أبي يعلى: "فقلت:يا أبا عامر من رماك؟".
(9) عند مسلم وأبي يعلى والطبري: "إن ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني".
(10) عند مسلم وأبي يعلى والطبري: "قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته".
(11) في المصادر السابقة: فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعه "وجعلت أقول له:ألا تستحي؟ ألست عربيا؟".
(12) عند الطبري: "فكر".
(13) وعند مسلم وأبي يعلى والطبري: فالتقيت أنا وهو فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته.(27/7)
بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فانتزعته فنزا منه(1) الماء، قال: يا ابن أخي اقرئ (2) النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته(3) على سرير مرمل(4)
__________
(1) نزامنه الماء: هوبالنون والزاي، يقال نزف دمه، ونزِي إذا جرى ولم ينقطع، النهاية 5/43، قال ابن حجر قال المهلب: فيه جواز نزع السهم من البدن وإن كان في غبه الموت، وليس ذلك من الالتقاء إلى التهلكة إذا كان يرجو الانتفاع بذلك، ومثله البط والكي وغير ذلك من الأمور التي يتداوى بها.
وقال ابن المنير: "لعل البخاري ترجم (بنزع السهم من البدن) لئلا يتخيل أن الشهيد لا ينزع منه السهم بل يبقى فيه، كما أمر بدفنه بدمائه حتى يبعث كذلك، فبين هذه الترجمة أن هذا مما شرع" إهـ.
ثم قال ابن حجر: "والذي قاله ابن المهلب أولى لأن حديث الباب يتعلق بمن أصابه ذلك وهو في الحياة بعد. والذي أبداه ابن المنير يتعلق بنزعه بعد الوفاة" (فتح الباري 6/81) وانظر صحيح البخاري 4/28 كتاب الجهاد، باب "نزع السهم من البدن".
(2) وعند مسلم وأبي يعلى والطبري:يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له:يقول لك أبو عامر:استغفر لي.
(3) في المصادر السابقة "دخلت عليه وهو في بيت".
(4) مرمل:براء مهملة ثم ميم مثقلة، أي معمول بالرمال، وهي حبال الحصر التي تظفر بها الأسرة.
قال النووي: "قوله (وعليه فراش) كذا وقع في صحيح البخاري ومسلم" فقال القابسي: "الذي أحفظه في غير هذا السند (عليه فراش) قال:وأظن لفظة: (ما) سقطت لبعض الرواة، وتابعه القاضي عياض وغيره على لفظة: (ما) ساقطة وأن الصواب إثباتها، قالوا: وقد جاء في حديث عمر بن الخطاب في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه" إهـ.
ونقل ابن حجر هذا الاعتراض ثم قال: "هو إنكار عجيب، فلا يلزم من كونه رقد على غير فراش كما في قصة عمر أنّ لا يكون على سريره دائما فراش إهـ. ونقل الزرقاني كلام ابن حجر ثم قال: لكن قال الشامي: يؤيد أبا الحسن – هو القابسي – قول أبي موسى قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه"إهـ.
ثم قال الزرقاني: "وقد لا يؤيده لرقة الفراش فلا يمنع تأثير الرمال فالحاصل على هذا دفع دعوى الخطأ عن الرواية". (شرح مسلم 5/368، وفتح الباري 8/43 وشرح المواهب 3/26-27).(27/8)
وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضأ (1)
__________
(1) وعند الواقدي: "فصل ركعتين ثم قال: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة! وأمر بتركة أبي عامر فدفعت إلى ابنه، قال: فقال أبو موسى:يا رسول الله إني أعلم أن الله قد غفر لأبي عامر، قتل شهيدا، فادع الله لي، فقال: "اللهم اغفر لأبي موسى واجعله في أعلى أمتي"، فيرون أن ذلك وقع يوم الحكمين (المغازي 3/915).
قال النووي: "فيه استحباب الدعاء واستحباب رفع اليدين فيه،وأن الحديث الذي رواه أنس أنه لم يرفع يديه إلا في ثلاث مواطن، محمول على أنه لم يره، وإلاّ فقد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا" شرح مسلم 5/368.
وقال ابن حجر: "يستفاد منه استحباب التطهر لإرادة الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء خلافا لمن خصه بالاستسقاء" (فتح الباري 8/43) ونقل السهيلي الخلاف في رفع اليدين في الدعاء وذكر حجة كل فريق ثم قال: ولكل شيء وجه، فمن كره، فإنما كره الإفراط في الرفع، كما كره رفع الصوت بالدعاء جدا، قال صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا" (الروض الأنف 7/216).(27/9)
ثم رفع يديه فقال: "اللهم اغفر لعبيد(1) أبي عامر ورأيت بياض إبطه، ثم قال:اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من(2) الناس، فقلت: ولي فاستغفر، فقال:اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا(3) كريما، قال أبو بردة(4): إحداهما(5) لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى(6).
والحديث أخرجه مسلم والنسائي والطبري وأبو يعلى والطحاوي، والبيهقي وابن عبد البر كلهم من طريق أبي أسامة به(7).
__________
(1) قوله: (لعبيد أبي عامر) قال الزّرقاني: "أبو عامر: بدل من عبيد، جمع بين اسمه وكنيته، وفي نسخ:لعبيدك: بزيادة كاف من تحريف الجهّال فالثابت في البخاري، بدون كاف وهو اسمه كما مر" (شرح المواهب 3/27) قلت: والحديث عند أحمد بلفظ "عبيدك" بإسناد ضعيف، وهو كذلك عند البلاذري وأبي يعلى، انظر ص 260.
(2) عند مسلم: "فوق كثير من خلقك أومن النّاس".
(3) مدخلا:بضم الميم ويجوز فتحها وكلاهما بمعنى المكان والمصدر (شرح المواهب 3/27).
(4) قال ابن حجر: "هو موصول بالإسناد المذكور" (فتح الباري 8/43).
(5) أي: إحدى الدعوتين.
(6) البخاري: الصحيح 5/128 كتاب المغازي، باب غزوة أوطاس، 4/28 كتاب الجهاد، باب نزع السهم من البدن، باختصار و8/69 كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الوضوء، باختصار أيضا. وعلقه مختصرا جدا في 8/61 باب قول الله وصل عليهم، و8/63 باب رفع الأيدي في الدعاء، من كتاب الدعوات.
(7) مسلم: الصحيح 4/1943 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى أبي عامر الأشعريين ـ رضي الله عنهما ـ.
والنسائي:السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي6/439 حديث(9046).
والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/79، وأبو يعلى: المسند 6/672ب رقم 306، والطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224، وابن عبد البر الاستيعاب 4/135 (مع الإصابة).
والبيهقي: السنن الكبرى 6/335، 9/51 و91 ودلائل النبوة 3/46-47.(27/10)
وروى الإمام أحمد والبلاذري وأبو يعلى الجميع من طريق الوليد(1) ابن مسلم ثنا يحيى(2) بن عبد العزيز الأردني عن عبد الله(3) بن نعيم القيني قال:حدثني الضحاك(4) بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري أن أبا موسى حدثهم قال:لما هزم الله عز وجل هوازن بحنين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري على خيل الطلب فطلبهم فكنت فيمن طلبهم فأسرع به فرسه فأدرك ابن دريد بن الصمة فقتل أبا عامر وأخذ اللواء، وشددت على ابن دريد فقتلته وأخذت اللواء وانصرفت بالناس فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمل اللواء، قال: يا أبا موسى قتل أبو عامر؟.
قال: قلت نعم يا رسول الله، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه يدعو يقول: "اللهم عُبَيْدَك عُبَيْدَ أبا عامر اجعله من الأكثرين يوم القيامة" لفظ أحمد (5).
والحديث فيه يحيى بن عبد العزيز الأردني، وقد قال فيه ابن حجر:مقبول، وعبد الله بن نعيم قال فيه:لين الحديث، وقد عرفت أن الذي ضعف عبد الله هو ابن معين، وقد فسر قوله بأنه ليس بمشهور، والطعن فيهما إنما هو لعدم شهرتهما ومثل هذين ونحوهما يرتفع حديثهم بالمتابعة ويشهد لهذا الحديث حديث الصحيحين.
__________
(1) الوليد بن مسلم القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية من الثامنة /ع (التقريب 2/336، تهذيب التهذيب 11/151-155).
(2) يحيى بن عبد العزيز "مقبول" تقدمت ترجمته في حديث (68).
(3) عبد الله بن نعيم لين الحديث تقدمت ترجمته في حديث (68).
(4) الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ثقة تقدم في حديث (68) وفي الاستيعاب 4/135 مع الإصابة (الضحاك بن عبد الله بن عريب) وهو خطأ (انظر التقريب 1/372-373).
(5) أحمد: المسند 4/399 والبلاذري: أنساب الأشراف ص 366 وأبو يعلى: المسند 6/662-663 ب- أ رقم 306 وانظر حديث (68).(27/11)
119- وروى ابن سعد والروياني من طريق حماد بن سلمة عن عاصم(1) بن بهدلة عن أبي(2) وائل عن أبي موسى الأشعري أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل عبيدا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة"، فقتل يوم أوطاس فقتل أبو موسى قاتله.
قال أبو وائل: "إني لأرجو أن لا يجتمع أبو موسى وقاتل عبيد في النار"(3).
والحديث حسن لذاته وأصله في الصحيح.
وبهذا نكون قد انتهينا من هذه السرية التي خاضها الجيش الإسلامي بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه وقد قتل شهيدا فيها، وقد حصل خلاف في قاتله، ففي صحيح البخاري أنه رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، وعند مسلم: "رماه رجل من بني جشم بسهم"، وقال ابن حجر: "واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق:زعموا أن سلمة ابن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه".
__________
(1) عاصم بن بهدلة – بمفتوحة وسكون هاء وإهمال دال مفتوحة – وهو ابن أبي النجود - بنون وجيم -، الأسدي - مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة (ت 128) / ع، (التقريب 1/383 وتهذيب التهذيب 5/38).
وساق الذهبي ترجمته ثم قال: هو حسن الحديث، وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة (ميزان الاعتدال 2/357).
(2) هو شقيق بن سلمة الأسدي: أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، (ت في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة) / ع (التقريب 1/354، وتهذيب التهذيب 4/361).
(3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/115 والروياني مسند الصحابة 1/112أ رقم 575.(27/12)
وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى(1) والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري وعند ابن عائذ(2) والطبراني(3) في "الأوسط" من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن "لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر، فعدلت إليه فقتلته، وأخذت اللواء" الحديث.
فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق(4). إهـ. كلام ابن حجر.
قلت: "ونحوه عند أحمد والبلاذري وأبي يعلى من طريق الوليد بن مسلم كما تقدم"(5).
وساق ابن عبد البر حديث الوليد بن مسلم المشار إليه ثم قال:وقد قيل إن أبا عامر قتل يومئذ تسعة مبارزة وأن العاشر ضربه فأثبته فحمل وبه رمق ثم قاتلهم أبو موسى فقتل قاتله، ورواية الوليد بن مسلم عندي أثبت.
وقد قيل أيضا في هذا الخبر أن دريد بن الصمة قتل أبا عامر وقتله أبو موسى الأشعري وذلك غلط وإنما كان ابن دريد، لا دريد، فقد ذكرنا قاتل دريد يوم حنين في غير هذا الموضع(6). إهـ.
__________
(1) قال ابن حجر: وفي نسخة "وافى" بدل "أوفى".
(2) هو محمد بن عائذ: بتحتانية وإعجام ذال - الدمشقي، أبو أحمد صاحب المغازي، صدوق، رمي بالقدر، من العاشرة (ت233) / د س (التقريب 2/173 وتهذيب التهذيب 9/241-242 وميزان الاعتدال 3/589).
(3) هو الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب ابن مطير اللخمي الشامي الطبراني، مسند الدنيا وصاحب المعاجم الثلاثة. (260-360-هـ) (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/912-917).
(4) فتح الباري 8/42-43 أي من أن قاتل أبي عامر هو ابن دريد.
(5) ص (260).
(6) ابن عبد البر:الاستيعاب2/507-508 و4/135-136مع الإصابة وابن الأثير:أسد الغابة 6/187.(27/13)
وقد قال ابن حجر: "ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى الأشعري هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أشبه فإن دريد بن الصمة، إذا ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه"(1).
وأثر هشام الذي أشار إليه ابن حجر(2) هذا نصه:
120- قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه" فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه رجلا رجلا، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة(3) وبقي العاشر، فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه"، فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي"، فكف عنه أبو عامر، فأفلت، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: "هذا شريد أبي عامر"، ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، وبني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه، وولي الناس(4) أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما:
__________
(1) الإصابة 1/507.
(2) انظر ص (261).
(3) وعند ابن سعد: "فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة ثم برز له العاشرة معلما بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله، واستخلف أبا عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم حتى فتح الله عليه وقتل قاتل أبي عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي في الجنة"، ودعا لأبي موسى أيضا.
(الطبقات الكبرى 2/151-152 ومغازي الواقدي 3/914-915).
(4) قوله: "وولي الناس أبو موسى الأشعري" أي: أقروا ولايته على استخلافه عمه, كما في الصحيح أن أبا عامر استخلف أبا موسى, انظر ص 258 والزرقاني: شرح المواهب 3/25.(27/14)
إن الرزية قتل العلاء ... وأوفى جميعا ولم يسندا (1)
هما القاتلان أبا عامر ... وقد كان ذا هبة (2) أربدا(3)
هما تركاه لدى معرك ... كأن على عطفه مجسدا (4)
فلم تر في الناس مثليهما ... أقل عثارا وأرمى يدا (5)
وقد نسب ابن حجر لابن إسحاق نحو هذا.
فقال: ذكر ابن إسحاق في المغازي أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين أخوة فقتلهم واحدا بعد واحد، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: "اللهم اشهد عليه", فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي", فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر, ثم أسلم بعد فحسن إسلامه, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شريد(6) أبي عامر(7).
ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: "وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبى عامر, وما في الصحيح أولى بالقبول, ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله"(8).
__________
(1) لم يسندا: أي لم يدركا وبهما رمق فينسدا إلى ما يمسكهما.
(2) ذاهبة: يعني سيفا ذاهبة, وهبة السيف: اهتزازة.
(3) أربدا: الأربد: الذي فيه ربد, أي طرائق من جوهر.
(4) المعرك: موضع الحرب، والمجسد:الثوب المسبوغ بالجساد. وهو الزعفران. (القاموس المحيط 1/138 و293 و303 و3/313).
(5) سيرة ابن هشام 2/457 والروض الأ نف للسهيلي، 7/181 وقد نسب ابن كثير هذا لابن إسحاق، وهو خلاف ما في سيرة ابن هشام والروض الأنف (انظر البداية والنهاية 4/338).
(6) شريد: بالراء، وفي فتح الباري (شهيد) قال الزرقاني: وقع في خط الحافظ ابن حجر بالهاء بدل (الراء) وهو سبق قلم، فالذي في سيرة ابن إسحاق التي هو ناقل عنها (بالراء) وهو الوجيه، وبالهاء لا وجه له (شرح المواهب 3/25).
(7) وعلى هذا يكون لابن إسحاق في قاتل أبي عامر قولان: الأول أنه سلمة بن دريد وقد قتله أبو موسى، والثاني: أنه عاشر الإخوة، وقد أسلم بعد وحسن إسلامه.
(8) فتح الباري 8/43 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3/25.(27/15)
قال الزرقاني: "وما ذكره ابن حجر عن ابن إسحاق انتقده الشامي(1) وقال: بأن هذا ليس في رواية البكائي(2)، وإنما زاده ابن هشام عن بعض من يثق به، ولم يذكر أن العاشر قتل أبا عامر أصلاً بل قال رماه أخوان، والحافظ قلد القطب(3) الحلبي دون مراجعة السيرة".
قال الزرقاني: "وفيه أن اتفاق مثل هذين الحافظين(4) على نقله لا يتجه رده بما قال فإن رواة سيرة ابن هشام متعددون فهو قطعاً في رواية يونس الشيباني وإبراهيم بن سعد أو غيرهما عنه"(5). إهـ.
__________
(1) هو محمد بن يوسف الصالحي (ت: 942) له كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد. (انظر معجم المؤلفين لكحالة 10/63).
(2) هو: زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري، البكائي – بفتح الموحدة وتشديد الكاف، أبو محمد الكوفي، صدوق، ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، من الثامنة ولم يثبت أن وكيعا كذبه، وله في البخاري موضع واحد متابعة (ت 183) خ م ت ق (التقريب 1/268 وتهذيب التهذيب 3/375).
(3) القطب الحلبي: هو عبد الكريم بن عبد النور بن منبر الحلبي، الحافظ المتقن المقرئ أبوعلي الحلبي ثم المصري، مفتي الديار المصرية، صنف وخرج وأفاد وشرح أكثر صحيح البخاري في عدة مجلدات ولد سنة 664 وتوفي سنة 735) (أبو المحاسن الدمشقي ذيل تذكرة الحفاظ ص 13-15).
(4) هما القطب الحلبي وابن حجر.
(5) شرح المواهب 3/25 و26 و27 وانظر: الديار بكري: تاريخ الخميس 2/107 و108.(27/16)
وبعد ذكر أقوال علماء المغازي والسير في قاتل أبي عامر، وهل أسلم أولم يسلم؛ لا يخلو الأمر من إشكال وتعارض؛ لأن بعض الروايات تقول: القاتل أخوان، وبعضها تذكر أن القاتل عاشر الإخوة الذين هاجموا أبا عامر، وبعضها - كما في الصحيح - تقول: إنه جشمي أو رجل من بني جشم، والذي ينبغي اعتماده في القاتل أنه هذا الجشمي الثابت ذكره في الصحيح، وقد ذكر اسمه في كتب السيرة أنه سلمة بن دريد، وهو جشمي. والصحيح أن القاتل لم يسلم، لأن أبا موسى قد قتله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، ولا شك أنّ ترجيح وتقديم ما ثبت في الصحاح وغيرها من كتب الحديث على ما تذكره كتب السير والتاريخ هو المنهج الأقوم، خاصة، إذا كان ما في الصحاح نصاً في محل النزاع كما هنا، فلا يعارض بأقوال محذوفة الأسانيد في كتب السيرة، وبذلك يزول الإشكال ونخلص من تلك الانتقادات والمناقشات التي أثارها الشامي والزرقاني وغيرهما. والله أعلم.
المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد
كان بجاد رجلا من بني سعد من هوازن قد أحدث حدثا عظيما، وذلك أنه أتاه رجل مسلم، فأخذه بجاد فقطعه عضوا عضوا، ثم حرقه بالنار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين:إن قدرتم على بجاد فلا يفلتنكم فظفر به المسلمون فساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحاضنته وعنفوا عليها في السير، فقالت لهم: "إني أخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها، ولما وصلوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفته بنفسها وأنها أخته من الرضاعة فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن مقامها".
وإليك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في هذا الصدد.(27/17)
121- قال ابن إسحاق:حدثني بعض(1) بني سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ إن قدرتم على بجاد(2)، رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتنكم، وكان قد أحدث حدثا(3)، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء(4) بنت الحارث بن عبد العزى أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة(5)، فعنفوا عليها في السياق، فقالت للمسلمين تعلموا(6) والله أني لأخت لصاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها(7)
__________
(1) يحتمل أن يكون هذا البعض هو أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي. كما في ص 266 وترجع الاسنادان إلى سند واحد.
(2) بجاد – بمكسورة، وخفة جيم.
(3) عند الواقدي: وكان قد عرف جرمه فهرب، فأخذته الخيل فضموه إلى الشيماء وكانت الشيماء في السبي الذي أصابته سرية أبي عامر الأشعري. (انظر شرح المواهب اللدنية 3/25).
(4) الشيماء: بفتح المعجمة وسكون التحتية، ويقال فيها: الشماء بلا ياء، وهو لقب غلب على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به. واختلف في اسمها: فجزم ابن سعد وابن قتيبة بان اسمها: جدامة – بالجيم المضمومة والدال المهملة، والميم: وجزم ابن عبد البر: بأن اسمها: حذافة – بالحاء المهملة المضمومة، والذال المعجمة المفتوحة فألف ففاء، وصوبه الخشني وذكر السهيلي في ذلك وجهين: الأول ما ذكره ابن عبد البر، والثاني خذامة – بكسر الخاء وبالذال المعجمتين، والميم. (انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/110 وابن قتيبة: المعارف ص 58)، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/157، وابن عبد البر: الاستيعاب4/277 و344 مع الإصابة، والسهيلي: الروض الأنف 2/145 و162 وابن الأثير: أسد الغابة 7/63 و166، وابن كثير: البداية والنهاية 2/273 و4/364، وابن حجر: الإصابة 4/272 و344، والزرقاني: شرح المواهب 1/146 و2/25-26.
(5) من جهة أنه عليه السلام رضع أمها حليمة السعدية بلبن أخيها بن الحارث.
(6) تعلموا: فعل جامد من أخوات ظن بمعنى اعلموا. شرح ابن عقيل 1/420.
(7) عند الواقدي: وأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشد الناس على هوازن.(27/18)
، حتى أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ومن هذه الطريق أخرجه الطبري(2).
والحديث معضل لأن ابن إسحاق من صغار التابعين، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة(3) وعلى هذا فرواية ابن إسحاق عن التابعين فيكون الحديث معضلا. ثم ساق ابن إسحاق حديثا آخر فقال:
122- حدثني يزيد(4) بن عبيد السعدي قال:فلما انتهى(5) بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "يا رسول الله إني أختك من الرضاعة، قال:وما علامة ذلك؟ قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك(6)، قال: فعرف رسول الله العلامة، فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه، وخيرها وقال:إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت، فقالت:بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول(7)
__________
(1) سيرة ابن هشام 2/458، والسهيلي: الروض الأنف 7/182 والكلاعي: الاكتفاء 2/337.
(2) تاريخ الرسل والملوك3/80وانظر:مغازي الواقدي3/913وابن كثير:البداية والنهاية 4/363،والدياربكري:تاريخ الخميس2/108والزرقاني:شرح المواهب3/25-26.
(3) ابن حجر:التقريب 1/5.
(4) يزيد بن عبيد أبووجزة - بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي- السعدي المدني الشاعر، ثقة من الخامسة (ت130)/دس. (التقريب 2/368، تهذيب التهذيب 11/349).
(5) أي بالشيماء.
(6) متوركتك:حاملتك على وركي،والورك:ما فوق الفخذ ابن الأثير: النهاية5/176.
(7) قال ابن حجر: "مكحول مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن إسحاق في السيرة وقال:وهب النبي صلى الله عليه وسلم لأخته الشيماء - يعني من الرضاعة - غلاما يقال له مكحول، وجارية فزوجت الغلام للجارية، فلم يزل فيهم من نسلهم بقية والله أعلم" (الإصابة 3/456).
وقال ابن الأثير: "مكحول مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أورده جعفر في الصحابة، فروى بإسناده عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي ثم أورد هذا الحديث" (أسد الغابة 5/257).(27/19)
وجارية فزوجت أحدهما الأخرى فلم يزل فيهم من نسلهما بقية(1).
ومن هذه الطريق أخرجه الطبري(2).
123- ورواه البيهقي من حديث الحكم(3) بن عبد الملك عن قتادة قال: "لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا أختك أنا الشيماء بنت الحارث، فقال لها: "إن تكوني صادقة فإن بك مني أثرا لا يبلى".
قال: فكشفت عن عضدها فقالت: نعم يا رسول الله (حملتك)(4) وأنت صغير فعضضتني هذه العضة، قال: "فبسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، ثم قال: "سلي تعطي واشفعي تشفعي"(5).
الخلاصة: أن هذا الحديث ورد من ثلاث طرق معضلة:
__________
(1) سيرة ابن هشام 2/458، والسهيلي: الروض الأنف 7/183.
(2) تاريخ الرسل الملوك 3/81 وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف ص 93 وابن حزم: جوامع السيرة ص 245 وابن الأثير: الكامل 2/180 والواقدي: المغازي 3/913 وابن كثير: البداية والنهاية 4/363، والديار بكري: تاريخ الخميس 2/108 والزرقاني: شرح المواهب 3/26.
(3) الحكم بن عبد الملك القرشي البصري، نزيل الكوفة، ضعيف من السابعة / ب خ ت س ق هكذا في التقريب 1/191 وفي تهذيب التهذيب 2/431 علم له / ب خ ت ص ق. وكذا في الخلاصة للخزرجي 1/245 وفي ميزان الاعتدال 1/576 ت ق وكذا في الكاشف 1/183 والظاهر أنه أخرج له(ت ق) فقط. وقد ذكره المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي 2/47 في رجال جامع الترمذي.
(4) هذه الجملة سقطت من البداية والنهاية لابن كثير وهي ثابتة في الدلائل للبيهقي الذي هو ناقل عنها.
(5) دلائل النبوة للبيهقي 3/56 وانظر البداية والنهاية 4/64.(27/20)
الأولى: والثانية: عند ابن إسحاق، وفي الأولى قال ابن إسحاق: حدثني بعض بني سعد، وهذا البعض من التابعين لأن ابن إسحاق من صغار التابعين على رأي ابن حجر وقد ثبتت رؤيته لأنس بن مالك، والجهالة الموجودة في هذا السند تغتفر عند أهل العلم بهذا الشأن خاصة إذا كان المراد بهذا البعض جماعة(1).
والطريق الثالثة: عند البيهقي وفيها الحكم بن عبد الملك، ضعفه العلماء(2).
وهذه الآثار كلها ضعيفة ونحن في صدد قصة تاريخية فيكتفي فيها بمثل هذه الآثار، وقد أطبق العلماء الذين ألفوا في الصحابة وغيرهم على ذكر الشيماء في الصحابة وعلى أنها قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فرحب بها وأكرمها(3).
وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بالجعرانة فبسط لهم ثوبه وأجلسهم عليه، وأن أمه سألته من سبايا حنين فأعطاها نصيبه ولما رأى الناس ذلك أعطوها أنصباءهم، وفيما يلي سياق ما ورد من الآثار:
__________
(1) انظر:دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني ص 81.
(2) وخاصة في قتادة انظر كتاب المجروحين لابن حبان 1/248-249.
(3) انظر الشفا للقاضي عياض1/128 وشرحه مزيل الخفاء:عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد الشمني 1/128، وانظر المصادر المتقدمة في ترجمة الشيماء تحت حديث (121).(27/21)
124- ما أخرجه الطبري قال: حدثنا بشر(1) قال: ثنا يزيد(2) قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: "ذكر لنا أن أم(3) رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته أو ظئره من بني سعد بن بكر أتته فسألته سبايا يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أملكهم وإنما لي منهم نصيبي، ولكن ائتيني غدا فسليني والناس عندي، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس"، فجاءت الغد فبسط لها ثوبا، فقعدت عليه، ثم سألته، فأعطاها نصيبه، فلما رأى ذلك الناس أعطوها أنصباءهم(4).
125- قال ابن عبد البر:روى زيد (5) بن أسلم عن عطاء (6) بن يسار قال: "جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداء فجلست عليه"(7).
__________
(1) بشر: هو ابن معاذ العقدي، صدوق. وسعيد: هو ابن أبي عروبة اليشكري، ثقة حافظ. وقتادة: هو ابن دعامة ثقة ثبت تقدمت تراجمهم في حديث (48).
(2) يزيد: هو ابن زريع، ثقة ثبت تقدم في حديث (1).
(3) هي حليمة السعدية.
(4) جامع البيان 10/101.
(5) زيد بن أسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، أبو عبد الله أو أبو أسامة، المدني، ثقة عالم، وكان يرسل، من الثالثة (ت136)/ع (التقريب 1/272، تهذيب التهذيب3/395).
(6) عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، من صغار الثالثة، (ت 94، وقيل بعد ذلك) /ع (التقريب 2/23 وتهذيب التهذيب 7/217).
(7) الاستيعاب4/270مع الإصابة،وانظر الحديث أيضا عند ابن حجر:الإصابة4/274 والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 1/141 وشمس الحق العظيم آبادي:عون المعبود 14/53.(27/22)
126- ما رواه البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وغيرهما من حديث أبي الطفيل(1) وهذا سياق أبي داود قال:حدثنا ابن المثنى(2)، أخبرنا أبوعاصم(3)، أخبرنا جعفر(4) بن يحيى بن عمارة بن ثوبان
__________
(1) هو عامر بن واثلة.
(2) محمد بن المثنى بن عبيد، العنزي - بفتح النون والزاي - أبو موسى البصري المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت من العاشرة (ت252/ع (التقريب 2/204 وتهذيب التهذيب 9/425-427).
(3) أبو عاصم هو: الضحاك بن مخلد ثقة ثبت تقدم في حديث (45).
(4) جعفر بن يحيى بن ثوبان وقيل جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان، حجازي مقبول من الثامنة، (التقريب 1/133) وفي تهذيب التهذيب 3/109 قال:روى عن عمه عمارة بن ثوبان وعنه أبو عاصم النبيل، وعبيد بن عقيل الهلالي.
قال ابن المدني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم".
ثم قال ابن حجر: قلت: "وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان الفاسي مجهول الحال".
وقد حصل في التقريب الطبعة المصرية والهندية وتهذيب التهذيب (علامة) النسائي بدل (ابن ماجه) وهوخطأ.
والصواب أنه أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وابن ماجه انظر تهذيب الكمال للمزي 2/104، والكاشف 1/187 وميزان الاعتدال 1/420،والمغني في الضعفاء 1/135 كلها للذهبي،والخلاصة للخزرجي 1/171، وانظر حديثه عند ابن ماجه في سننه 1/636 كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء.(27/23)
أنبأنا(1) عمارة(2) بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة، قال أبو الطفيل: "وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور(3) إذ أقبلت امرأة(4) حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط(5) لها رداءه فجلست عليه، فقلت(6): من هي؟ فقالوا(7): هذه أمه التي أرضعته(8)".
والحديث قال في عون المعبود: "سكت عنه المنذري"(9)إهـ.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد فقال: حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان به(10).
__________
(1) كذا وقع عند أبي داود والبخاري وأبي يعلى (أنبأنا عمارة بن ثوبان) قال المزي:في الأطراتف 4/235 حديث 5053 ورواه مسلم الكجي عن أبي عاصم قال:أخبرنا جعفر بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان وهوالمحفوظ (يعني أن عمارة عم جعفر) وحديث أبي مسلم الكجي عند الطبراني والبيهقي انظر ص 270.
(2) عمارة بن ثوبان، حجازي، مستور، من الخامسة / ب خ د ق (التقريب 2/49 وتهذيب التهذيب 7/412).
(3) عند البخاري وأبي يعلى والطبراني والبيهقي "عضو بعير".
(4) عند أبي يعلى: "فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت من النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه".
(5) قوله: فبسط لها رداءه: قال صاحب عون المعبود: أي تعظيما لها وانبساطا بها، فقلت من هي: أي تعجبا من إكرامه إياها وقبولها القعود على ردائه المبارك (عون المعبود 14/53).
(6) عند أبي يعلى:فسألت من هذه.
(7) عند البخاري:قيل هذه أمه.
(8) أبو داود: السنن 2/630 كتاب الأدب، باب في بر الوالدين.
(9) 14/54.
(10) الأدب المفرد:ص 440 باب حسن العهد.(27/24)
وأخرجه أبو يعلى فقال:حدثنا عمرو(1) بن الضحاك بن مخلد ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان به"(2).
وأخرجه الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أبي مسلم(3) الكجي قال ثنا أبوعاصم قال:أخبرنا جعفر بن يحيى قال:أخبرني عمي عمارة بن ثوبان به(4).
وأخرجه الحاكم من طريق أبي عاصم أنبأنا جعفر بن يحيى به.
وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"(5).
وأورده ابن كثير ثم قال: "هذا حديث غريب".
ولعله يريد أخته(6)
__________
(1) عمرو بن الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني ولد أبي عاصم النبيل، البصري، ثقة، كان على قضاء الشام، من الحادية عشرة، (ت242) / ق (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/55). ووقع في التقريب: والد أبي عاصم وهو خطأ، والظاهر أن شيخ عمرو بن الضحاك قد سقط من السند وأنه أبو عاصم، فإن عمراً يروي عن أبيه وأن هذا الحديث بجميع طرقه عن أبي عاصم عن جعفر بن يحيى، ولم أجد في ترجمة عمرو أنه يروي عن جعفر، وكذا لم أجد في ترجمة جعفر أن من تلاميذه عمرو بن الضحاك.
(2) مسند أبي يعلى 1/107 رقم 301.
(3) أبو مسلم الكجي هو: إبراهيم بن عبد الله، ثقة تقدمت ترجمته في حديث (89) وقع في البداية والنهاية لابن كثير 4/364 ثنا مسلم وهو خطأ والصواب "ثنا أبو مسلم".
(4) انظر المزي: تهذيب الكمال 6/501 فقد ساق الحديث في ترجمة عمارة بن ثوبان، بسنده إلى الطبراني.
والبيهقي: دلائل النبوة 3/56 وانظر: الشفا للقاضي عياض 1/128، وأسد الغابة لابن الأثير 7/68 والسيرة النبوية للذهبي ص 21، والإصابة لابن حجر 4/274.
(5) المستدرك 4/164،3/618.
(6) قلت: وقد سبق إلى هذا القول الحافظ الدمياطي فقد ذكر حديث بسط الرداء، ثم قال:هذه أخته الشيماء لا أمها حليمة.
(انظر: الشمني: مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء 1/128 مع الشفاء وسيأتي الجواب عن هذا في نهاية هذا المبحث.
وتردد ابن قيم في ذلك فقال:واختلف في إسلام أبويه من الرضاعة فالله أعلم (زاد المعاد 1/83).(27/25)
وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية، وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا، فإن من وقت أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقت الجعرانة أزيد من ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك.
127- وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته قال أبو داود في المراسيل: ثنا أحمد(1) بن سعيد الهمداني، ثنا ابن(2) وهب ثنا عمرو(3) بن الحارث أن
عمر(4) بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه(5) من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه (6) من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه"(7).
__________
(1) أحمد بن سعيد بن بشر الهمداني، أبوجعفر المصري،صدوق من الحادية عشرة (ت253) / د (التقريب 1/15 وتهذيب التهذيب 1/31).
(2) هو عبد الله بن وهب.
(3) عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري، مولاهم، المصري، أو أيوب، ثقة فقيه حافظ، من السابعة، (ت قبل الخمسين ومائة) /ع (التقريب 2/67 وتهذيب التهذيب 8/14) وقع في تهذيب التهذيب 8/15 عند ذكر تلامذته منهم "عبد الله ابن أبي وهب" وهو خطأ والصواب: عبد الله ابن وهب).
(4) عمر بن السائب بن أبي راشد المصري، مولى بني زهرة، أبو عمر صدوق فقيه، من السادسة (ت 134) التقريب 2/55 وتهذيب التهذيب 7/450 ووقع في تهذيب التهذيب: توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين وهو خطأ.
(5) أبوه هو الحارث بن عبد العزى.
(6) هو عبد الله بن الحارث بن عبد العزى، (انظر سيرة ابن هشام 1/161 وابن الأثير: أسد الغابة 1/404 والطبقات الكبرى لابن سعد 1/111 وابن حجر الإصابة 1/282-283 و3/88) وابن كثير: البداية والنهاية 2/273 وانظر عون المعبود 14/54.
(7) ابن كثير: البداية والنهاية 4/364 والسهيلي: الروض الأنف 2/145.(27/26)
قلت: "والحديث أيضا عند أبي داود في السنن"(1).
قال صاحب عون المعبود: قال المنذري: "هذا معضل؛ لأن عمر بن السائب يروي عن التابعين"(2).
وخلاصة القول في هذا أنه قد وردت أربعة أحاديث تصرح بقدوم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى الجعرانة، وهي كالتالي:
الأول: حديث الطبري وهو مرسل حسن الإسناد(3).
الثاني: حديث زيد بن أسلم وهو مرسل صحيح الإسناد(4).
الثالث: حديث أبي الطفيل (5) وفيه ما يأتي:
أ- جعفر بن يحيى بن ثوبان، سكت عنه البخاري (6).
وقال ابن أبي حاتم: "روى عن عمه عمارة وعطاء وعبد الله بن عبيد وعنه:أبو عاصم وعبيد بن عقيل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً"(7).
وقال ابن حجر:في التقريب "مقبول"(8).
وفي تهذيب التهذيب: "وثقه ابن حبان"، وقال ابن المديني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم"، وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"(9).
ب- عمارة بن ثوبان:سكت عنه البخاري(10)، وكذا ابن أبي حاتم(11).
__________
(1) 2/630 كتاب الأدب، باب بر الوالدين، انظر: الشفا للقاضي عياض 1/128.
(2) 14/54.
(3) تقدم برقم (124).
(4) تقدم برقم (125).
(5) تقدم برقم (126).
(6) التاريخ الكبير2/202.
(7) الجرح والتعديل 2/492.
(8) 1/133.
(9) 2/109 وانظر ميزان الاعتدال 1/420.
(10) التاريخ الكبير 6/503.
(11) الجرح والتعديل 6/363.(27/27)
وقال المزي: "روى عن أبي الطفيل وعطاء بن أبي رباح وموسى بن باذان وعنه ابن أخيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات"(1). ونقل ابن حجر هذا في تهذيب التهذيب، وزاد:قال ابن المديني: "عمارة بن ثوبان لم يروعنه غير جعفر بن يحيى". وقال عبد الحق(2): "ليس بالقوي".
وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"(3).
وفي التقريب قال عنه: "مستور"(4).
وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال والمغني في الضعفاء: "تفرد عنه ابن أخيه جعفر بن يحيى لكنه وثق".
وفي الكاشف قال: "وثق وفيه جهالة"(5).
والحديث صححه الحاكم كما تقدم(6) وصحح حديثا آخر أيضا من طريق جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة بن ثوبان ووافقه الذهبي(7).
وتعقب الألباني الحاكم في تصحيحه والذهبي في موافقته فقال: "هذا غريب من الذهبي، فإنه قال عن عمارة في الضعفاء تابعي صغير مجهول"(8)إهـ. وعلى هذا فقد اختلف قول الذهبي في عمارة.
ومثل عمارة هذا يتقوى بالمتابعة.
__________
(1) تهذيب الكمال 6/501.
(2) عبد الحق بن عبد الرحمن الحافظ العلامة الحجة أبو محمد الأزدي الأشبيلي، ويعرف أيضاً بابن (الخراط) قال أبو عبد الله الأبار: كان فقيها حافظا عالما بالحديث وعلله عارفاً بالرجال موصوفا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة، من تصانيفه الكثيرة: (الجمع بين الصحيحين) وكتاب (المعتل من الحديث) (ت 581 تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1350-1352).
(3) تهذيب التهذيب 7/412.
(4) 2/49.
(5) ميزان الاعتدال 3/173 والمغني في الضعفاء 2/460، والكاشف 2/310.
(6) انظر ص (270).
(7) المستدرك4/173من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:خيركم،خيركم للنساء.
(8) الألباني:سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول تحت حديث (285).(27/28)
الرابع: حديث عمر بن السائب، وهومعضل كما قال المنذري(1) وفيه زيادة ذكر أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه من الرضاعة وهذه الأحاديث تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلا، وقد عد العلماء حليمة السعدية وزوجها وابنها في الصحابة، فقال ابن عبد البر:حليمة السعدية هي التي أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكملت رضاعه ورأت له برهانا وعلماً جليلاً تركنا ذكره لشهرته.
ثم أورد حديث زيد بن أسلم المتقدم(2).
ثم قال: "روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها عبد الله(3) بن جعفر"(4).
__________
(1) انظر حديث (128).
(2) تقدم برقم (125)
(3) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة وله صحبة (ت 80) /ع (التقريب 1/406 وتهذيب التهذيب 5/170).
(4) الاستيعاب 4/270 مع (الإصابة).(27/29)
ونقل ابن حجر قول ابن عبد البر هذا ثم قال: "حديث عبد الله بن جعفر بقصة إرضاعها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه"(1)، وصرح فيه بالتحديث بين عبد الله وحليمة(2).
ونقل الزرقاني قول ابن حجر ثم قال: وقول ابن كثير لم تدرك البعثة رده الحافظ ابن حجر، بأن عبد الله بن جعفر حدث عنها عند أبي يعلى والطبراني وابن حبان وهو إنما ولد بعد البعثة.
__________
(1) الحديث عند أبي يعلى في مسنده 1/128 وابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن ص 512 وليس فيه التصريح بالتحديث كما قال ابن حجر رحمه الله، ولذا فقد قال الألباني: "وهم الحافظ ابن حجر في هذا فإن هذا التحديث لا أصل له عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا. وقد وصف الحديث بالاضطراب أيضا" (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 39) وانظر: الحديث عند أبي نعيم في دلائل النبوة ص 111 والبيهقي: في دلائل النبوة أيضا 1/108 وابن هشام: السيرة النبوية 1/162 والسهيلي: الروض الأنف 2/145 والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/158، والذهبي: السيرة النبوية 19-21 وقال: "هذا حديث جيد الإسناد"، وابن كثير: البداية والنهاية2/273-275 وقال: هذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي. والحديث يدور على ابن إسحاق رحمه الله وقد صرح بالتحديث في بعض الطرق.
(2) الإصابة 4/274.(27/30)
وزعم الدمياطي(1) وأبو حيان(2) النحوي أنها لم تسلم مردود، فقد ألف مغلطاي(3) فيها جزء حافلا سماه التحفة الجسيمة في إثبات إسلام حليمة وارتضاه علماء عصره، فأما أبو حيان فليس من فرسان هذا الميدان يذهب إلى زيده وعمره، وأما الدمياطي فحسبنا في الرد عليه قوله:وقد وهل غير واحد فذكروها في الصحابة لأنهم مثبتون لذلك، فمن أين له الحكم عليهم، وقد ذكرها في الصحابة ابن أبي خيثمة(4) في تاريخه وابن عبد البر وابن الجوزي(5)
__________
(1) الدمياطي: الحافظ الإمام العلامة الحجة الفقيه، النسابة، شيخ المحدثين، شرف الدين، أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف (613-705هـ) (الذهبي:تذكرة الحفاظ 4/1477-1479، ابن كثير:البداية والنهاية14/40والشوكاني البدر الطالع1/403وكحالة: معجم المؤلفين6/197.
(2) هو محمد بن يوسف بن علي الغرناطي أوحيان الأندلسي الإمام الكبير في العربية والتفسير وغيرهما من الفنون (654-745هـ) (الشوكاني:البدر الطالع 2/288-291).
(3) مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري، الحنفي التركي علاء الدين صاحب التصانيف (690-762هـ) من تصانيفه الكثيرة، ذيل على "تهذيب الكمال" للمزي، وله شرح على صحيح البخاري في نحو عشرين مجلدا وغير ذلك (ابن حجر:لسان الميزان:6 /72 والشوكاني: البدر الطالع 2/312 وكحالة:معجم المؤلفين 12/313 ولحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد ص 133.
(4) أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ الحجة الإمام أبو بكر النسائي البغدادي صاحب التاريخ الكبير (185-279هـ) (الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/162 والذهبي: تذكرة الحفاظ 2/596 وكحالة: معجم المؤلفين 1/227).
(5) هو عبد الرحمن بن علي بن محمد جمال الدين أبو الفرج، المعروف بابن الجوزي الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف في فنون العلم، منها زاد المسير في علم التفسير، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (510-597هـ) (الذهبي تذكرة الحفاظ 4/1342) وابن كثير البداية والنهاية 13/28 وكحالة: معجم المؤلفين 5/157.(27/31)
في "الحداء" والمنذري في مختصر سنن أبي داود وابن حجر في الإصابة وغيرهم، وحسبك بهم حجة(1)، ثم قال:وما وقع عند الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الشيماء عن أبويها فأخبرته أنهما ماتا لا يصح، فقد روى أبو داود وأبو يعلى وغيرهما عن أبي الطفيل أنه صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة يقسم لحما فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت منه بسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه قالوا:أمه التي أرضعته.
وذكر ابن إسحاق: "أن زوجها الحارث عاش بعده عليه السلام، ثم قال: والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف" إهـ.
قلت: "وحديث إسلام الحارث أورده السهيلي في رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق وهذا سياقه":
قال: "وذكر ابن إسحاق الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ولم يذكر له إسلاما ولا ذكره كثير ممن ألف في الصحابة".
128- وقد ذكره يونس بن بكير في روايته، فقال:حدثنا ابن إسحاق قال:حدثني والدي إسحاق(2) بن يسار عن رجال من بني سعد ابن بكر، قالوا: قدم الحارث بن عبد العزى أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين أنزل عليه القرآن، فقالت له قريش: ألا تسمع يا حار(3) ما يقول ابنك هذا؟
فقال: وما يقول؟
قالوا: "يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه ويكرم فيهما من أطاعه، فقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقومك يشكونك، ويزعمون أنك تقول: إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار؟".
__________
(1) الزرقاني: شرح المواهب 1/141 و3/26 وانظر: مغازي الواقدي 2/269، 3/913، ومجمع الزوائد للهيثمي 8/220-221.
(2) تقدم في حديث (89).
(3) ترخيم:حارث (شرح قطر الندى لابن هشام ص 214).(27/32)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت، لقد أخذت بيدك، حتى أعرفك حديثك اليوم"، فأسلم الحارث بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان يقول حين أسلم: "لو قد أخذ ابني بيدي، فعرفني ما قال، لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة"(1).
وأورده ابن حجر في ترجمة الحارث ثم قال: "عند ابن سعد حديث آخر مرسل صحيح الإسناد أن هذه القصة وقعت لولد الحارث".
129- فأخرج من طريق يحيى(2) بن أبي كثير عن إسحاق(3) بن عبد الله قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخ من الرضاعة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يعني بعد النبوة أترى أنه يكون بعث؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده لآخذن بيدك يوم القيامة ولأعرفنك".
قال: "فلما آمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس فيبكي ويقول: "أنا أرجو أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي يوم القيامة".
ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ذلك وقع للأب والابن، وقد سماه بعضهم عبد الله، وذكره في الصحابة، وكذا سماه ابن سعد لما ذكر أسماء أولاد حليمة"(4).
__________
(1) السهيلي: الروض الأنف 2/160-161.
(2) يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم، أو نصر اليمامي، ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة، (ت 132) وقيل قبل ذلك/ ع (التقريب 2/356 وتهذيب التهذيب 11/ 268 وقد ذكره ابن حجر:في المرتبة الثانية من مراتب طبقات المدلسين، وهي:من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة (طبقات المدلسين ص7، و25).
(3) إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ثقة حجة، تقدم في حديث (47).
(4) انظر طبقات الكبرى:لابن سعد 1/110.(27/33)
ثم أورد حديث عمر بن السائب في قدوم أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه إلى الجعرانة ثم قال:وذكر ابن إسحاق أنه بلغه أن الحارث إنما أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم(1).
130- وروى ابن إسحاق قال:حدثني عمرو(2) بن شعيب عن أبيه (3) عن جده عبد الله(4) أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا فقالوا:يا رسول الله إنا أصل وعشيرة" الحديث.
وفيه "إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك" الحديث(5).
وإسناد حسن(6).
وفي شعر زهير بن صرد أحد وفد هوازن قال:
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملأه من محضها درر(7)
__________
(1) ابن حجر:الإصابة1/282-283و3/88والزرقاني:شرح المواهب اللدنية1/142 و143.
(2) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمروبن العاص، صدوق من الخامسة (ت 118) / ز ع (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/48).
(3) شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص،صدوق،ثبت سماعه من جده عبدالله ابن عمرو،من الثالثة/ب خ ز ع (التقريب1/353 وتهذيب التهذيب 4/356، وفي التقريب الطبعة المصرية،قال:عن (شعيب)،بأنه من الثامنة،وهو خطأ،وسقطت علامة من أخرج له من تهذيب التهذيب.وهي ثابتة في التقريب والخلاصة للخزرجي.
(4) عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو محمد، وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة، ليال الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح/ ع (التقريب 1/436 وتهذيب التهذيب 5/337).
(5) سيرة ابن هشام 2/488-489.
(6) قال الألباني:وهو المتقرر في إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث (62).
(7) انظر حديث (210).(27/34)
وفي هذا الشعر التصريح بنسوة منهن من كانت مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الذي قبله ذكر قرابات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاع والتصريح بحواضنه اللاتي كفلنه، ويستأنس بهذا الأثر مع ما قبله من الآثار السابقة الواردة في هذا الصدد أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم قدمت عليه الجعرانة، والآثار السابقة وإن كانت لا تخلو من مقال لكنها يعمل بها في مثل هذه المسألة التاريخية.
إذ لا يوجد معتمد فيها إلا هذه الآثار وليس لها معارض يدفعها.(27/35)
الفصل الثاني: في غزوة الطائف
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: حصار الطائف.
المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين
في حصار الطائف.
المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف.
المبحث الرابع:فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة.
المبحث الأول: حصار الطائف
لثقيف مواقف عدائية ضد المسلمين منذ ظهور الإسلام، ومن أبرزها موقفهم الآثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليهم يدعوهم إلى الله عز وجل ويطلب منهم نجدته حتى يؤدي رسالة ربه، فردوه ردا قبيحا وأغروا سفهاءهم وصبيانهم بمطاردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورميه بالأحجار حتى أدموا قدميه(1) ومن تلك المواقف تكتل ثقيف مع قريش في صلح الحديبية(2)، ونصرهم لها على المسلمين ولما دانت قريش بالإسلام بفتح مكة المكرمة ثارت ثائرة هوازن فأخذت في حشد قواتها للزحف على المسلمين، فكانت ثقيف أول من لبى دعوتها وانحاز إلى جانبها، فخرجت الأحلاف من ثقيف بقيادة قارب بن الأسود الثقفي، وخرجت بنو مالك بقيادة ذي الخمار سبيع بن الحارث وأخيه أحمر بن الحارث، ووقفت مع هوازن كتلة واحدة في وجه المسلمين.
ولما اندحر الفريقان الهوازني والثقفي في موقعة حنين أمام جحافل المسلمين، انسحبوا من ساحة المعركة، فعسكر بعضهم بأوطاس، وبعضهم بنخلة(3)، وتوجه بعض منهم نحو الطائف ومعه مالك بن عوف النصرى، فدخلوا حصن الطائف وتحصنوا به.
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين أمر بالغنائم فحبست في الجعرانة، ثم قرر صلى الله عليه وسلم السير بنفسه إلى الطائف(4).
__________
(1) انظر سيرة ابن هشام 1/419 والبداية والنهاية 3/135.
(2) تقدم بيان ذلك في حديث (5).
(3) تقدم بيان ذلك في حديث (116).
(4) سيرة ابن هشام 2/478، والروض الأنف 7/231، البداية والنهاية 4/345و347 وزاد المعاد 3/472 وفتح الباري 8/33و35.(28/1)
وأمر خالد بن الوليد أن يسير على مقدمته(1).
وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثامنة، كما بوب البخاري بقوله: باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة(2).
قال ابن حجر: كذا ذكره موسى بن عقبة في مغازيه، وهو قول جمهور أهل المغازي.
وقيل: بل وصل إليها في أول ذي القعدة(3).
__________
(1) طبقات ابن سعد 2/158، زاد المعاد 3/496.
(2) كتاب المغازي 5/128.
(3) فتح الباري 8/44 وانظر طبقات ابن سعد 2/158وزاد المعاد 3/495، شرح المواهب 3/29.(28/2)
131- وأخرجه البيهقي عن عروة بن الزبير وموسى بن عقبة عن ابن شهاب فقال: أخبرنا أبو الحسين(1) بن الفضل القطان قال ثنا عبدالله(2) بن جعفر قال: ثنا يعقوب(3) بن سفيان قال ثنا عثمان(4) بن صالح عن ابن لهيعة(5) قال ثنا أبو الأسود(6) عن عروة (7).
__________
(1) هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان أبو الحسين الأزرق، قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة (335-415هـ) (تاريخ بغداد 2/249 وموارد الخطيب للعمري ص 468.
(2) عبد الله بن درستويه الفارسي النحوي، أبو محمد صاحب يعقوب بن سفيان الفسوي وراوية كتبه عنه، وقد رد الخطيب على الذين ضعفوه ونقل عن الحسن بن عثمان الشيرازي أنه قال: ابن درستويه: ثقة ثقة، تاريخ بغداد 9/429 وانظر ميزان الاعتدال2/401،ولسان الميزان3/267ومقدمة تاريخ الفسوي للعمري1/20-22.
(3) يعقوب بن سفيان الفارسي، أبو يوسف الفسوي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة (ت277) وقيل بعد ذلك، /ت س (التقريب2/375 وتهذيب التهذيب11/385، وتذكرة الحفاظ 2/582 وسير أعلام النبلاء 13/180 كلاهما للذهبي وتهذيب الكمال: للمزي: 8/775 والخلاصة للخزرجي 3/181 ومقدمة تاريخ الفسوي لمحققّه أكرم العمري 1/13 وقد علم لمن أخرج له التقريب الطبعة المصرية. بعلامة (ابن ماجه) بدل (الترمذي) وهو خطأ والصواب أنه أخرج له الترمذي والنسائي دون (ابن ماجه) وانظر: مقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري 2/131.
(4) عثمان بن صالح بن صفوان السهمي مولاهم، أبو يحيى البصري، صدوق من كبار العاشرة (ت 219) /خ س ق (التقريب 25/10 وتهذيب التهذيب 7/122 وميزان الاعتدال للذهبي 3/39).
(5) هو عبدالله بن لهيعة أبو عبدالرحمن المصري،صدوق،تقدمت ترجمته في حديث(64).
(6) هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي ثقة تقدم في حديث(64).
(7) عروة بن الزبير ثقة فقيه مشهور تقدم في حديث (9).(28/3)
ح - قال(1): وثنا يعقوب قال ثنا إبراهيم(2) بن المنذر قال ثنا محمد ابن فليح(3) عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان"(4).
__________
(1) فاعل قال هو عبد الله بن جعفر درستويه، ويعقوب هو الفسوي.
(2) إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الأسدي، الحزامي، صدوق، تكلم فيه أحمد بن حنبل لأجل القرآن،من العاشرة (ت236)/خ ت س ق (التقريب1/43 وتهذيب التهذيب 1/166). وفي ميزان الاعتدال 1/67 رمز له الذهبي (بصح) إشارة إلى أنه ثقة وقال عنه: حافظ من الشيوخ الأئمة وثقه ابن معين، وكتب عنه وهو من أقرانه وفي تذكرة الحفاظ2/470قال عنه:الإمام المحدث الثقة.وفي سير أعلام النبلاء10/689 قال عنه:الإمام الحافظ الثقة.وعلى هذا فإن قول ابن حجر فيه: (صدوق) فيه نظر.
(3) محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي، أو الخزاعي، صدوق يهم، التاسعة، (ت 197) / خ س ق (التقريب 2/201 وتهذيب التهذيب 9/404 وفي هدي الساري ص 441-442 قال ابن حجر روى له البخاري نسخة توبع على أكثرها، وله نسخة أخرى فيها ثمانية أحاديث توبع عليها أيضا.
(4) دلائل النبوة للبيهقي: 3/47 ب، البداية والنهاية لابن كثير 4/345.(28/4)
132- وقال ابن إسحاق: ولما قدم فل(1) ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال، ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة(2) بن مسعود ولا غيلان(3) بن سلمة كانا بجرش(4) يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور(5)
__________
(1) قوم فل: منهزمون: جمعها فلول وأفلال. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 4/32 والمعجم الوسيط 2/701و702.
(2) انظر حديث (214).
(3) غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك الثقفي، أسلم بعد فتح الطائف كان أحد وجوه ثقيف، وكان تحته عشرة نسوة في الجاهلية، فلما أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا ويفارق سائرهن، (أسد الغابة لابن الأثير 4/343) ووقع في سيرة ابن هشام2/478(غيدن)بدل (غيلان) وهو خطأ وانظر الروض الأنف7/770-771.
(4) جرش: كزفر من مخاليف اليمن من جهة مكة، منه الأديم والإبل، (معجم البلدان 2/126 والقاموس المحيط 2/365).
وقال حمد الجاسر: "جرش : المدينة المعروفة قديما، وقد خربت الآن، ولا تزال أطلالها قائمة في أعلى وادي بيشة" (التعليق على كتاب المناسك للحربي ص 285).
(5) الدبابة: مشددة آلة تتخذ للحروب فتدفع في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها.
والضبور: جمع ضبر: جلود تغشى خشبا فيها رجال تقرب إلى لحصون للقتال.
والمجانيق: جمع منجنيق. آلة ترمى بها الحجارة، كالمنجنوق معريقة. (القاموس المحيط 1/65، و2/74، 3/218، والروض الأنف 7/266-267).
وقال محمود شيت خطاب: "يتألف المنجنيق بصورة عامة من عامود طويل قوي موضوع على عربة ذات عجلتين في رأسها حلقة أو بكرة يمر بها حبل متين، في طرفه الأعلى شبكة في هيئة كيس، توضع حجارة أو مواد محترقة في الشبكة، ثم تحرك بواسطة العامود والحبل، فيندفع ما وضع في الشبكة من القذائف ويسقط على الأسوار، فيقتل أو يحرق ما يسقط عليه".
وأما الدبابة: فعبارة عن آلة من الخشب الثخين المغلف بالجلود أو اللبود تركب على عجلات مستديرة، فهي عبارة عن قلعة متحركة يستطيع المشاة الاحتماء بها من نبال الأعداء (الرسول القائد ص 25 وانظر صورتها ص 298.(28/5)
، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من حنين(1)، فقال كعب بن مالك حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف:
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
تخيرها ولونطقت لقالت ... قواطعهن: دوسا أوثقيفا (2)
قال ابن إسحاق: "فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية(3) ثم على قرن(4)، ثم على المليح(5)
__________
(1) في معجم البلدان 3/465 (خيبر) وهو خطأ.
(2) هذه من جملة أبيات قالها كعب بن مالك الخزرجي وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وكان من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسد الغابة 2/487-488).
(3) تقدم تعريف بها في حديث (116).
(4) قرن: بفتح القاف وسكون الراء المراد به هنا قرن المنازل يعرف الآن بالسيل الكبير، يبعد عن مكة ثمانين كيلا، وعن الطائف (53) كيلا، وهو من مواقيت الحج المكانية، ويقال له أيضا قرن الثعالب، يحرم منه أهل الطائف وأهل نجد - نجد اليمن - ونجد الحجاز، وأهل الكويت، وهذه الطريق هي طريق مكة القديمة إلى الطائف، فأعلاها وادي حنين ثم نخلة اليمانية، وهي معروفة بأسفلها قرية (الزيمة) وبأعلاها (البوباة) (البهيتا) حاليا (انظر معجم البلدان لياقوت 4/332).
والتعليق على كتاب المناسك للحربي للمحقق حمد الجاسر ص 353 والمجاز بين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 268. ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 254. وتيسير العلام لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام 1/501.
(5) المليح: تصغير ملح: واد بالطائف مر به النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من حنين إلى الطائف.
وهو واد يصب في وادي قرن إذا تجاوز السيل الكبير، يصب فيه من ضفتيه اليمنى من الشرق، ما زال معروفا، يسكنه قوم من خزاعة وأعلاه يسمى السيل الصغير، شمال الطائف على (30) كيلا (معجم البلدان لياقوت 5/196 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي 254.(28/6)
ثم على بحرة(1) الرغاء من لية(2) فابتني بها مسجدا فصلى فيه.
__________
(1) بحرة الرغاء - بفتح الباء على الصواب، وهي معروفة اليوم بطرف ليّة من الجنوب على (15) كيلا جنوب الطائف (معجم البلدان لياقوت 1/346 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 254).
(2) ليّة: بتشديد الياء وكسر اللام من نواحي الطائف، مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرافه من حنين يريد الطائف وأمر وهو بليّة بهدم حصن مالك بن عوف (معجم البلدان 5/30) وفي المجاز بين اليمامة والحجاز ص 266: ليّة من أودية الطائف ينحدر من قمة جبال السروات، مشهور ببساتينه النضرة وحدائقه المثمرة ومناظره البهيجة، يلتقي بوادي نخب ويكونان واديا واحدا، سكانه بنونصر وثقيف وعتيبة وعدوان وهويسيل من السراة ويمر جنوب الطائف على (15) كيلا (معجم المعالم الجغرافية ص 274).(28/7)
133- قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب: أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فقتله به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم(1)، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة(2)، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها، فقال: "ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له الضيقة، فقال: بل هي اليسرى(3) ثم خرج على
__________
(1) وعند موسى بن عقبة: وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف إلى الطائف أمر بقصر مالك بن عوف فحرق، وأقاد بها رجلا من رجل قتله فيقال: "إنه أوّل قتيل أقيد في الإسلام" (دلائل النبوة للبيهقي 3/47 ب).
(2) الضيقة: بالفتح والسكون والقاف: طريق بين الطائف وحنين. (معجم البلدان 3/465).
(3) فيه استحباب التفاؤل وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الكلمة الصالحة كما ورد عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" (البخاري 7/117 كتاب الطب، باب الفأل، مسلم 4/1745 كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون من الشؤم. وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة كان النبي صلى الله عليه وسلم : "يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة" (سنن ابن ماجه 2/1170 كتاب الطب، باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة. وعرف الطيرة المنهي عنها بأنها هي التي ترد المسلم عن حاجته، لحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد 2/220 من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك.(28/8)
نخب(1) حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريب من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن يخرج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجه، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره فقتل به ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل، وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعا(2) وعشرين ليلة(3)، ومعه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة(4) بنت أبي أمية، فضرب لهما قبتين، ما أقام، فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو(5) بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا، وكانت في ذلك المسجد سارية - فيما يزعمون - لا
__________
(1) نَخِبَ- بالفتح ثم الكسرة ثم الموحدة، يقال: بفتحتين: واد من أودية الطائف مر به النبي صلى الله عليه وسلم من طريق يقال لها الضيقة ثم خرج منها على نخب، وهو يمر جنوب الطائف على قرابة خمسة أكيال، ثم يصب في لِيّة من ضفتها اليسرى، وأهله اليوم وقدان من عتيبة (انظر معجم البلدان لياقوت: 5/275-276 والمجاز بين اليمامة والحجاز لابن خميس ص 265-266 ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي ص 316.
(2) البضع: بالكسر وقد يفتح: مابين الثلاث إلى تسع (النهاية 1/133).
(3) قوله:"فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة" قال الزرقاني: "هذه رواية زياد البكائي عن ابن إسحاق، وفي رواية يونس بن بكير فقال: حدثني عبد الله بن أبي بكر وعبد الله ابن المكرم عمن أدركوا من العلماء أنه حاصرهم ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك" (شرح المواهب3/31) قلت: وقد روى البيهقي من طريق يونس بن بكير (بضعا وعشرين ليلة).
(4) والثانية: زينب بنت جحش، انظر مغازي الواقدي 3/926.
(5) انظر ترجمة في الإصابة 2/524 و4/11.(28/9)
تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل، حتى إذا كان يوم الشدخة(1) عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الدبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف(2) ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون"(3).
والحديث مرسل لأن عمروبن شعيب لم يدرك هذه القصة.
وأخرجه الطبري من هذه الطريق(4).
وأخرج البيهقي نحوه عن ابن إسحاق ولم يذكر عمروبن شعيب، هذا سياقه:
__________
(1) في لسان العرب 3/505: الشدخ كسر الشيء الأجوف كالرأس ونحوه.
(2) وعند الواقدي: "ودخل المسلمون تحت الدبابة وهي من جلود البقر وذلك يوم يقال له الشدخة، قيل: وما الشدخة؟ قال: ما قتل من المسلمين". (مغازي الواقدي 3/927-928).
(3) سيرة ابن هشام 2/478-483 والروض الأنف 7/231-234.
(4) تاريخ الرسل والملوك 3/81و83.(28/10)
أخبرنا أبوعبد الله(1) الحافظ قال ثنا أبو العباس(2) محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد(3) بن عبد الجبار قال ثنا يونس(4) بن بكير عن ابن إسحاق(5) قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال فحبست بالجعرانة، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف فضرب به عسكره، فقتل أناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، فلما أصيب أولئك النفر ارتفع فوضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن وهب مسجدا وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر فيما يذكرون إلا سمع لها نقيض (6).
والحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضعا وعشرين ليلة، وقد روى البيهقي أيضا عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك وهذا سياقه:
134- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد بن عبد الجبار قال ثنا يونس عن إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا"(7).
والحديث مرسل وهو حسن الإسناد.
__________
(1) هو الحاكم صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين.
(2) أبو العباس هو: المعروف بالأصم. تقدمت ترجمته في حديث (23).
(3) هو العطاردي: تقدمت ترجمته في حديث (23).
(4) نقدمت ترجمته في حديث (23).
(5) تقدمت ترجمته في حديث (1).
(6) دلائل النبوة 3/48.
(7) المصدر السابق 3/48 ب.(28/11)
وعند أبي داود من مرسل يحيى بن أبي كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف شهرا وهذا سياقه:
135- عن أبي صالح(1) عن أبي إسحاق(2) الفزاري عن الأوزاعي(3) عن يحيى(4) بن أبي كثير قال: "حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، قال الأوزاعي فقلت ليحيى: أبلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، وقال: ما يعرف هذا".
قال البيهقي: "كذا قال يحيى أنه لم يبلغه، وزعم غيره أنه بلغه"(5).
والحديث مرسل وهو حسن الإسناد، وهو يدل كسابقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف شهرا.
وهذا لا يستقيم مع اتفاق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف اعتمر من الجعرانة في ذي القعدة، ومع ما جاء عند البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي،وإما المال، وقد كنت استأنيت(6) بكم"، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف" الحديث(7).
__________
(1) محبوب بن موسى، أو صالح الأنطاكي الفراء، صدوق من العاشرة لم يصح أن البخاري أخرج له، (ت 231) وله ثمانون سنة /د س. (التقريب 2/231 وتهذيب التهذيب 10/52-54).
(2) هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، ثقة حافظ، له تصانيف، من الثامنة (185)/ع (المصدر السابق 1/41و1/151).
(3) هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي الفقيه، ثقة جليل من السابعة / ع (المصدر السابق 1/493و6/238).
(4) يحيى بن أبي كثير الطائي ثقة ثبت لكن يدلس ويرسل، تقدم في حديث (129).
(5) البيهقي: السنن الكبرى 9/84. وانظر كتاب المراسيل لأبي داود ص 37.
(6) استانيت بكم: أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم (فتح الباري: 8/34).
(7) تقدم برقم (108).(28/12)
إذا علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى هوازن في شهر شوال ووصل إلى حنين في اليوم العاشر منه ثم دارت معركة حنين بما فيها من تفاصيل وأعقب ذلك سرية أوطاس ثم بعد ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال والسبايا فحبست بالجعرانة ثم توجه إلى الطائف، فإذا فرضنا أن غزوة حنين بما فيها سرية أوطاوس دامت عشرة أيام، مع وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في اليوم العاشر من شوال، فيبقى عشرة أيام من شهر شوال، فإذا كان حصار الطائف شهرا فيكون قد أخذ عشرين يوما من ذي القعدة، ويكون قد بقى عشرة أيام من ذي القعدة فلا تكفي لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وانتظاره هوازن بضع عشرة ليلة ثم بعد ذلك إحرامه بالعمرة وعوده إلى الجعرانة كل هذا في ذي القعدة ثم خروجه إلى المدينة وقد وصلها لست ليال بقيت من ذي القعدة في قول ابن حزم وابن هشام(1).
ومثل هذا ما أخرجه مسلم وأحمد من حديث السميط عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما.
__________
(1) ابن حزم: جوامع السيرة ص 248 وابن هشام: السيرة النبوية 2/500 وابن كثير: البداية والنهاية 4/368 والزرقاني: شرح المواهب: 3/42 والسهيلي الروض الأنف 7/255.(28/13)
وهذا سياقه عند مسلم: قال: حدثنا عبيد الله(1) بن معاذ وحامد(2) بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى. قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه(3) قال: حدثني السميط عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة" الحديث وفيه "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم "يال(4) المهاجرين! يال المهاجرين" ثم قال: "يال الأنصار! يال الأنصار" قال: قال أنس: هذا الحديث عمية(5)
__________
(1) عبيد الله هو: ابن نصر العنبري أو عمرو البصري.
(2) حامد بن عمر بضم أوله كذا هو في تهذيب التهذيب 2/169 والخلاصة للخزرجي 1/189 والتاريخ الكبير للبخاري 3/125. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/300 ووقع في التقريب الطبعة المصرية 1/146 (عمرو) بفتح أوله وهو خطأ.
(3) هو سليمان بن طرخان التيمي، أبو المعتمر البصري.
(4) قوله: "يال المهاجرين! يال المهاجرين!" ثم قال : "يال الأنصار يال الأنصار!" قال النووي: "هكذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة (يال) بلام مفصولة مفتوحة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها" (شرح النووي على مسلم 3/102).
قال محمد فؤاد عبد الباقي: "وهي لام الجر، إلا أنها تفتح في المستغاث به، فرقا بينها وبين مستغاث له، فيقال يالزيد لعمرو، بفتح الأولى وكسر في الثانية" (التعليق على صحيح مسلم 2/337. (انظر شرح قطر الندى لابن هشام ص 218).
(5) قوله: "هذا حديث عمية" : قال النووي: "هذه اللفظة ضبطوها في صحيح مسلم على أوجه:
أحدها: (عمية) بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء.
قال القاضي: "كذا روينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، وفسر بالشدة".
والثاني: (عمية) كذلك إلا أنه بضم العين.
والثالث: (عمية) بفتح العين وكسر الميم المشددة، وتخفيف الياء وبعدها هاء السكت، أي حدثني عمي، قال القاضي: على هذا الوجه معناه عندي: جماعتي أي: هذا حديثهم، قال صاحب العين (العم) الجماعة قال القاضي: وهذا أشبه بالحديث.
الرابع: كذلك إلا أنه بتشديد الياء وهو الذي ذكره الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، وفسره بعمومتي أي: هذا حديث فصل أعمامي أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي كأنه حدث بأوّل الحديث عن مشاهدة، ثم لعله لم يضبط هذا الموضوع لتفرق الناس فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه ولهذا قال بعده: قال قلنا لبيك يا رسول الله. والله أعلم" (شرح النووي على صحيح مسلم 3/102).(28/14)
.
قال: قلنا: لبيك يا رسول الله! قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأيم الله !ما أتيناهم حتى هزمهم الله". قال: فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة من الإبل.
ثم ذكر باقي الحديث، كنحو حديث قتادة(1)، وأبي التياح(2)، وهشام(3) بن زيد(4).
136- وأخرج ابن سعد من مرسل مكحول(5): "أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما"(6).
وقد وهم العلماء السميط في هذا الحديث في موضعين:
الأول: قوله: (قد بلغنا ستة آلاف) قال القاضي عياض: هذا وهم من الراوي عن أنس، والصحيح ما جاء في الرواية الأولى: عشرة آلاف ومعه الطلقاء، لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفا: عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم.
الثاني: قوله: "فحاصرنا الطائف أربعين ليلة".
قال ابن كثير بعد إيراده لهذا الحديث عند أحمد: "وهكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان وفيه من الغريب قوله: أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف، وإنما كانوا اثني عشر ألفا.
__________
(1) هو ابن دعامة السدوسي.
(2) أبو التياح - بفتح أوله وتشديد التحتانية، وآخره مهملة- هو: يزيد بن حميد الضبعي- بضم المعجمة وفتح الموحدة.
(3) هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري.
(4) تقدم تخريجه برقم (46).
(5) مكحول هو أبو عبد الله الشامي، ثقة فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة (ت بضع عشرة ومائة) / م عم (التقريب 2/273 وتهذيب التهذيب 10/289).
(6) الطبقات الكبرى 2/159 ووقع في شرح المواهب 3/31 رواه ابن مسعود وهو خطأ والصواب ابن سعد.(28/15)
وقوله: إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة، وإنما حاصروها قريبا من شهر ودون(1) العشرين ليلة فالله أعلم". ا.هـ (2).
والحديث في الصحيحين من طريق هشام بن زيد عن أنس بن مالك فقال فيه: "وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف ومعه الطلقاء"(3) ولم يتعرض لحصار الطائف.
وروى سميط عن أنس فقال: "بأنهم كانوا ستة آلاف، وذكر مدة الحصار أربعين ليلة"(4).
وقد وهمه العلماء.
وقد وردت أحاديث في مدة الحصار الطائف وهي:
138- ما أخرجه البيهقي عن موسى بن عقبة، وعن عروة بن الزبير وهذا سياق حديث موسى بن عقبة قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم، قال: وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا ولكم، قال: واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أرى أنّ نفحته وما أذن فيه الآن"(5).
وحديث موسى بن عقبة معضل، لأنه لم يسمع أحداً من الصحابة سوى أم خالد(6) كما حدث هو عن نفسه(7).
وفيه: محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي لم أجد ترجمته.
وفي حديث عروة بن الزبير الإرسال لأن عروة ولد في خلافة عمر ابن الخطاب(8).
وفيه: أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد ترجمته.
__________
(1) كذا في البداية والنهاية (ودون العشرين ليلة). ولعل الصواب (أو دون العشرين ليلة) لأن دون العشرين ليلة لا يقال فيها شهر أو قريب من شهر.
(2) البداية والنهاية 4/356.
(3) تقدم الحديث برقم (40).
(4) تقدم الحديث برقم (46).
(5) البيهقي: السنن الكبرى 9/84 ودلائل النبوة 3/47 ب.
(6) أم خالد: هي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، صحابية بنت صحابي، ولدت بأرض الحبشة وتزوجها الزبير بن العوام وولدت له عمرا وخالدا، وعمرت دهرا طويلا حتى لحقها موسى بن عقبة / خ د س (التقريب 2/590 وتهذيب التهذيب 12/400).
(7) تهذيب التهذيب 10/362.
(8) انظر التقريب 2/19.(28/16)
وأخرج الطبري عن عروة بن الزبير أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف نصف شهر وهذا سياقه:
حدثنا علي(1) بن نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي(2) قال أخبرنا أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم، وأسلم من حولهم من الناس كلهم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودهم. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، وبها السبي الذي سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين من نسائهم وأبنائهم" الحديث"(3).
والحديث مرسل وإسناده حسن.
138- وأخرج البيهقي من طريق أسلم(4) عن أبي عبيدة(5) - رضي الله عنه - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشرة يوماً"(6).
والحديث فيه عبد الله بن عمرو البصري لم أجد ترجمته وقد وصف في سياق السند بأنه كان حافظا.
__________
(1) علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي.
(2) هو عبد الصمد بن عبد الوارث تقدمت تراجمهم في حديث (9).
(3) الطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/82 وتقدم الحديث برقم (106) وأنساب الأشراف للبلاذري ص 366.
(4) أسلم العدوي، مولى عمر بن الخطاب ثقة مخضرم، (ت 80 وقيل بعد سنة 60) ع (التقريب 1/64 وتهذيب التهذيب 1/266).
(5) هو عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة القرشي الفهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، شهد بدرا وما بعدها، ومات شهيدا بطاعون عمواس (سنة 18) /ع (التقريب 1/388 وتهذيب التهذيب 5/73).
(6) السنن الكبرى 9/84).(28/17)
وأخرج خليفة بن خياط من حديث عبد الرحمن بن عوف أن مدة الحصار كانت سبع عشرة أو تسع عشرة وهذا سياقه:
139- حدثنا عبيد الله(1) بن موسى عن طلحة(2) بن جبر عن المطلب(3) بن عبد الله عن مصعب(4) بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه(5): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم سبع عشرة، أو تسع عشرة فلم يفتحها"(6).
__________
(1) عبيد الله بن موسى بن أبي المختار ثقة، تقدم في حديث (70).
(2) طلحة بن جبر ويقال ابن جبير قال ابن أبي حاتم: "روى عن المطلب بن عبد الله، وعنه عبيد الله بن موسى"، قال ابن معين: "طلحة بن جبر لا شيء" (الجرح والتعديل 4/480)، وقال الذهبي: "وهاه الجوزجاني"، فقال: "غير ثقة" وقال ابن معين : "لا شيء" وقال مرة : "ثقة" (ميزان الاعتدال 2/338) وقال ابن حجر: بعد أن نقل فيه قول الذهبي: قال: "ذكره ابن حبان في الثقات"، وقال جعفر بن جرير الطبري: "طلحة ممن لا تثبت بنقله حجة" (لسان الميزان 3/210) وفي المستدرك (طلحة بن خير) بالخاء المعجمة فلعله خطأ (المستدرك 2/120).
(3) المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث المخزومي، صدوق كثير الإرسال والتدليس، من الرابعة أخرج حديثه الأربعة (التقريب 2/254 وتهذيب التهذيب 10/178)، وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية، وفي تهذيب التهذيب التعليم له بعلامة أبي داود والأربعة، وهو خطأ، فإن أبا داود من الأربعة (انظر: ميزان الاعتدال 4/129). وفي الخلاصة 3/34 وقع فيها علامة الترمذي والأربعة وهو خطأ أيضا.
(4) هو القرشي الزهري، قال ابن أبي حاتم: كان مع ابن الزبير، قتل يوم الحرة روى عن أبيه، روى عنه المطلب بن عبد الله بن حنطب سمعت أبي يقول ذلك (الجرح والتعديل 8/303 وتاريخ البخاري الكبير 7/350).
(5) هو عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أحد العشرة المبشرين بالجنة.
(6) تاريخ خليفة ص 89.(28/18)
وأخرج بن أبي شيبة والفسوي والحاكم الجميع من طريق عبيد الله ابن موسى أخبرنا طلحة بن جبر به(1).
وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن أبي شيبة(2).
إلاّ أن ابن أبي شيبة وأبا يعلى قالا: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة أو ثمان عشرة ليلة فلم يفتحها".
وقال الحاكم في روايته: "فحاصرهم ثمانية أو سبعة"(3)، والحديث صححه الحاكم.
وتعقبه الذهبي فقال: طلحة ليس بعمدة.
قلت: وفيه أيضاً: المطلب بن عبد الله، كثير التدليس والإرسال وقد عنعن، وفيه مصعب بن عبد الرحمن لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً، وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن سنان أن مدة حصار الطائف كانت خمسة وعشرين يوما وهذا سياقه:
140- حدثنا يزيد(4) بن هارون قال أنا قيس عن أبي حصين(5) عن عبد الله(6)
__________
(1) ابن أبي شيبة: التاريخ ص 85-86 أ- ب رقم 665. والفسوي: المعرفة والتاريخ 1/282.
والحاكم: المستدرك 2/120-121.
(2) أبو يعلى: المسند 1/103رقم 301.
(3) لعل قوله ثمانية أو سبعة، ثمانية عشر يوما أو سبعة عشر يوما حتى يوافق بقية الروايات.
(4) يزيد بن هارون بن زاذان السلمي، ثقة متقن عابد، تقدم في حديث (26).
(5) هو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي - أبو حصين - بفتح المهملة - ثقة ثبت سني، وربما دلس،من الرابعة (ت127) ويقال: بعدها /ع (المصدر السابق 2/10و7/126).
(6) عبد الله بن سنان كوفي، قال ابن أبي حاتم: روى عن ابن مسعود وسعد ابن مسعود، روى عنه الأعمش وأبو حصين، سمعت أبي يقول ذلك، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن سنان ثقة (الجرح والتعديل 5/68 والتاريخ الكبير للبخاري 5/111).
وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من طبقات الكوفيين بعد الصحابة فقال: "عبد الله بن سنان الأسدي بني خزيمة ويكنى أبا سنان، روى عن علي وعبد اله بن مسعود والمغيرة بن شعبة، وتوفي أيام الحجاج قبل الجماجم وكان ثقة وله أحاديث" (الطبقات الكبرى 6/178).(28/19)
بن سنان "أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف خمسة وعشرين يوما يدعو عليهم في دبر كل صلاة"(1).
والحديث ضعيف لأن فيه قيس بن الربيع وصف بأنه صدوق سيء الحفظ وقد تغير لما كبر، فأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به(2).
وفيه الإرسال والمرسل من قسم الحديث الضعيف.
والحديث فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على ثقيف وهو مخالف لما ورد في الآثار من أن الصحابة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف فقال: اللهم اهد ثقيفاً" كما سيأتي.
وخلاصة القول أن الأحاديث الواردة في مدة حصار الطائف لم تتحد في تعيين المدة كما تقدم بيان ذلك وهذه خلاصتها:
أ- كانت مدة الحصار بضعا وعشرين ليلة وهي رواية ابن إسحاق.
ب- كانت مدة ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك وهي رواية أخرى عن ابن إسحاق ورواية أبي داود في المراسيل.
ج- أن مدة الحصار كانت أربعين يوما وهو حديث أنس عند أحمد ومسلم وقد بينا أن هذا الحديث والذي قبله لا يستقيم مع بقية الأحاديث.
د- أن الحصار دام بضع عشرة ليلة وهي رواية البيهقي عن موسى ابن عقبة وعروة بن الزبير.
هـ أن مدة الحصار كانت نصف شهر وهي رواية الطبري من مرسل عروة بن الزبير أيضا، ورواية الواقدي(3).
و-كان الحصار سبعة عشر يوماً وهو حديث أبي عبيدة بن الجراح عند البيهقي.
ز- كانت مدة الحصار سبع عشرة أو ثمان عشرة أو تسع عشرة كما في حديث عبد الرحمن بن عوف عند خليفة بن خياط وغيره.
ح- أن مدة الحصار كانت خمسة وعشرين يوماً كما ورد في حديث عبد الله بن سنان عند ابن أبي شيبة.
والظاهر في هذا أن مدة الحصار كانت بضع عشرة ليلة كما رجح ذلك ابن حزم رحمه الله، وقال: هو الصحيح بلا شك(4).
__________
(1) تاريخ ابن أبي شيبة ص 85 و86 ب ورقم 665.
(2) انظر: التقريب 2/128 وتهذيب التهذيب 8/391 وميزان الاعتدال 3/393.
(3) انظر حديث الواقدي برقم (167).
(4) جوامع السيرة لابن حزم ص 243-و248.(28/20)
والبضع من الثلاث إلى التسع، فإذا أخذنا بأول إطلاقاته وهو الثلاث فتكون مدة الحصار ثلاث عشرة ليلة بناء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الطائف في عشرين من شهر شوال فيكون الحصار قد أخذ ثلاثة أيام من شهر ذي القعدة، وهو قريب من قول من قال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد من الطائف إلى الجعرانة فوصلها في اليوم الخامس من ذي القعدة (1).
وأقام بها ثلاث عشرة ليلة، ثم اعتمر منها وذهب إلى المدينة فوصلها لست بقين من ذي القعدة، أو في أوّل ذي الحجة.
قال ابن سيد الناس: "والمعروف عند أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة"(2).
فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا وأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته فكأنه كان بائتا بها، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، قاله ابن هشام، وقيل لثلاث بقين(3).
وعند ابن إسحاق: فقدم المدينة في بقية ذي القعدة، أوفي أول ذي الحجة(4).
__________
(1) انظر فتح الباري لابن حجر 8/48.
(2) وأخرج ابن سعد وأبي شيبة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها، وذلك لليلتين بقيتا من شوال" (الطبقات الكبرى لابن سعد2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87 أ-ب رقم 665 قال ابن سيد الناس: وهذا ضعيف (شرح المواهب3/41).
(3) الواقدي: المغازي 3/958، والديار بكري: تاريخ الخميس 2/116-117، والزرقاني: شرح المواهب 3/41-42، و4/2-3، وابن كثير: البداية والنهاية 4/368 وابن حجر: فتح الباري 8/48.
(4) سيرة ابن هشام 2/500، والسهيلي : الروض الأنف 7/255.(28/21)
وقد نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقا في مدة حصاره لثقيف وقد مر بنا حديث أبي عبيدة في ذلك وهو عند البيهقي، ومرسل مكحول عند ابن سعد وهو بإسناد حسن(1).
وأخرجه أبو داود في مراسيله: عن محمد(2) بن بشار عن يحيى(3) بن سعيد عن سفيان(4) عن ثور(5) عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وإسناده(6) صحيح(7).
ورواه الترمذي معضلا فقال: قال قتيبة(8): ثنا وكيع(9) عن رجل عن ثور(10) بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف.
قال قتيبة: قلت لوكيع: "من هذا الرجل؟"
قال: "صاحبكم عمر(11) بن هارون"(12)
__________
(1) انظر حديث (137) وحديث (139).
(2) هو أبوبكر بندار.
(3) هو أبو سعيد القطان ص 177.
(4) هو الثوري.
(5) ثور بن يزيد أبو خالد الحمصي، ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر، من السابعة /خ ع (التقريب 1/121 وتهذيب التهذيب2/33).
(6) البيهقي: السنن الكبرى 9/84 وتقدم الحديث برقم (136). عند ابن سعد وأنه نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما.
(7) نصب الراية للزيلعي 3/382-383.
(8) قتيبة بن سعيد بن جميل - بفتح الجيم - ابن طريف الثقفي، أبو رجاء البغلاني- بفتح الموحدة وسكون المعجمة - ثقة ثبت، من العاشرة (ت 240) /ع (التقريب 2/123 وتهذيب التهذيب 8/358).
(9) وكيع بن الجراح تقدمت ترجمته في حديث (29).
(10) وقع في المشكاة المصابيح 2/1157 حديث (3959) عن ثوبان بن يزيد ونسبه للترمذي، وهو خطأ وإنما هو "ثور بن يزيد" وانظر ذخائر المواريث للنابلسي 4/313 حديث (11950) ومقدمة تحفة الأحوذي 2/40.
(11) عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم، البلخي، متروك وكان حافظا من كبار التاسعة (ت 194) /ت ق (التقريب 2/64 وتهذيب التهذيب 7/501-505).
(12) الترمذي: السنن 4/186 كتاب الاستئذان والآداب، في ضمن باب ما جاء في الأخذ من اللحية.
قال المباركفوري: "فإن قلت: ما وجه ذكر التّرمذي في هذا المقام حديث المنجنيق؟ قلت: لعلّ وجه ذكره ههنا أن يتبين أن الرجل المذكور في حديث المنجنيق هو عمر ابن هارون المذكور في سند حديث الباب".
أو وجه ذكره أن يتبين أن وكيعا مع جلالة قدره، قد روى عن عمر بن هارون حديث المنجنيق، والله أعلم (تحفة الأحوذي 8/45).(28/22)
.
قال الزيلعي: "ورواه أبو داود في المراسيل وابن سعد في "الطبقات" عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم".
ورواه العقيلي(1) في "ضعفائه" مسندا من حديث عبد الله(2) بن خراش عن العوام(3) بن حوشب عن أبي صادق(4) عن علي قال: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف"(5).
141- وأخرج أبو داود وأيضاً من مرسل عكرمة(6) أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المجانيق على أهل الطائف(7).
وقال الشافعي: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة"(8)(9).
__________
(1) هو الحافظ الإمام أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى بن حماد العقيلي صاحب كتاب "الضعفاء الكبير" قال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطان أبو جعفر ثقة جليل عالم بالحديث مقدم في الحفظ (ت 322) (الذهبي : تذكرة الحفاظ 3/833-834).
(2) عبد الله بن خراش - بالخاء المعجمة - ابن حوشب الشيباني أبو جعفر الكوفي، ضعيف، وقال محمد بن عمار الموصلي: كذاب / ق (ت بعد 160) (التقريب 1/412 وتهذيب التهذيب 5/197-198، والخلاصة للخزرجي 2/52).
(3) العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني، أبو عيسى الواسطي، ثقة ثبت فاضل، من السادسة، (ت 148) / ع (التقريب 2/89 وتهذيب التهذيب 8/163).
(4) أبو صادق الأزدي - الكوفي، صدوق وحديثه عن علي بن أبي طالب مرسل من الرابعة / س ق (التقريب 2/436 وتهذيب التهذيب 12/130).
(5) الزيلعي: نصب الراية 3/382-383.
وانظر الحديث في منتخب كنز العمال للمتقي المهندي 4/173 مع مسند أحمد، وقد نسبه للعقيلي أيضا.
(6) عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس، ثقة ثبت عالم، تقدم في حديث (67).
(7) كتاب المراسيل ص 37.
(8) عرادة: بالتشديد : شيء أصغر من المنجنيق (القاموس المحيط 1/313).
(9) الأم 4/161 والسنن الكبرى للبيهقي 9/84.(28/23)
وعند الواقدي وابن سعد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد السير إلى الطائف بعث الطفيل(1) بن عمرو إلى ذي الكفين، صنم عمرو(2) بن حممة الدوسي يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحشوالنار في جوفه ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبادك ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادك
قال: "وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم، بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام، وقدم بدبابة ومنجنيق"(3).
__________
(1) الطفيل بن عمرو بن طريف الأزدي الدوسي، يلقب ذا النور، قدم مكة قديما ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشت إليه قريش وقالت له: يا طفيل إنّك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل بين أظهرنا قد فرق جماعتنا وإنما قوله كالسحر، تحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الطفيل شريفا في قومه، شاعرا لبيبا فأبى الله إلا أن يسمعه كلام الحق فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى قومه داعية وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية تكون له عونا على قومه فدعا له فكان نور في طرف عصاه فجعل القوم يتراءون ذلك النور في طرف سوطه. وبعد فتح مكة، طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة (أسد الغابة 3/78-81 والإصابة 2/225 وسيرة ابن هشام 1/382-385.
(2) هو عمرو بن حممة - بضم المهملة وفتح الميم الخفيفة بعدها مثلها الدوسي، ذكر أبو بكر بن دريد أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم والذي ذكره غيره أنه مات في الجاهلية، كان أحد حكام العرب في الجاهلية وأحد المعمرين يقال: إنه عاش ثلاثمائة وتسعين سنة (الإصابة 2/533 و1/249) وانظر كتاب الأصنام لابن الكلبي ص 37 وسيرة ابن هشام 1/382-385.
(3) الواقدي: المغازي 3/923 وابن سعد: الطبقات الكبرى 2/157.(28/24)
وعند الواقدي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه فقال له سلمان الفارسي: يا رسول الله، أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء(1) فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف.
ويقال: قدم بالمنجنيق يزيد(2) بن زمعة ودبابتين.
ويقال: "خالد(3) بن سعيد قدم من جرش بالمنجنيق ودبابتين"(4).
__________
(1) الثواء: ثوى بالمكان ثواء وأثوى به أطال الإقامة به (القاموس 4/310).
(2) يزيد بن زمعة بن الأسود القرشي الأسدي، قال ابن كلبي، كان من السابقين هاجر إلى أرض الحبشة، وقال ابن سعد: بل هو مسلمة الفتح، كان من أشراف قريش وكانت إليه المشورة في الجاهلية، قتل بالطائف وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن الزبير، وقال ابن إسحاق:
قتل في حنين، (أسد الغابة 5/488 والإصابة 3/655).
(3) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، يكنى أبا سعيد، أسلم قديما هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، استشهد في خلافة أبي بكر (أسد الغابة 2/97).
(4) مغازي الواقدي 3/927 وانظر السنن الكبرى للبيهقي 9/84، ودلائل النبوة له ص 48 ب وشرح المواهب: للزرقاني 3/31 وزاد المعاد: 1/130 و3/99.(28/25)
وقال ابن هشام: "حدثني من أثق به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق"(1).
رمى أهل الطائف(2).
وهذه الآثار تتقوى بمجموعها وهي نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وجرى على هذا أصحاب السير والمغازي.
وتدل هذه الآثار أيضا على جواز مثل هذا الفعل مع الأعداء إذا تحصنوا داخل حصونهم ولم يتمكن المسلمون منهم إلا بهذا، وعلى جواز إصابة أطفالهم ونسائهم ممن لا شأن له في القتال تبعا للمقاتلين إذ لا يمكن التميز بين المقاتلين وغيرهم من نساء وأطفال في مثل هذا الهجوم.
__________
(1) قال الزرقاني: "وأما أول منجنيق رمي به فمنجنيق إبراهيم الخليل عليه السلام، عمله إبليس لما أرادوا رميه في النار. وأما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة - بضم الجيم وفتح المعجمة مصغراً - ابن مالك المعروف بالأبرش أوّل من رمى به وهو من ملوك الطوائف"، (شرح المواهب اللدنية 3/31 وانظر: كتاب المعارف لابن قتيبة ص 241، وفي سيرة الحلبية: قال : "تقدم في غزوة خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في أحد حصونها آلة حرب ودبابات ومنجنيقات وأنه نصب المنجنيق على حصن البرئ، وهذا يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق إلا في غزوة الطائف، إلا أن يقال بأنه في خيبر نصبه ولم يرم به وفي الطائف نصبه ورمى به فلا مخالف" (السيرة الحلبية 2/742و743و3/80-81) انظر الروض الأنف للسهيلي 7/235و266-267.
(2) سيرة ابن هشام 2/483.(28/26)
قال الشافعي: "إذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به، فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه، وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه، وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أولم يكونوا؛ لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد، وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم، فإن قال قائل: ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهي عن قتلهم؟ قيل الحجة فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة، ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بنى النضير وحرقها"(1). ثم ساق في ذلك عدة أدلة تدل على جواز ذلك وهي مبسوطة في محلها.
__________
(1) الشافعي:الأم4/160وانظر زاد المعاد 3/503 لابن قيم الجوزية وانظر ص 546.(28/27)